شرح أبي داود للعيني

43- باب: في صفة وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لما فرغ عن أحكام المياه وما يتعلق بها، شرع في بيان صفة الوضوء.
الصفة والوصف مصدران، والفرق بينهما أن الصفة ما يقوم بالموصوف،
__________
(1) انظر تخريج الحديث (92) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6058)
(3) المصدر السابق (34/7619) .

(1/281)


والوصف ما يقوم بالواصف، والصفة أصلها وصفة كعدةٍ أصلها وعدة،
حذفت الواو منها تبعاً لفعلها المضارع؛ لأن أصل يصف توْصف.
وعندهم قاعدة: أن الواو إذا وقعت بين الياء والكسرة تحذف طلباً للخفة.
95- ص- حدثنا الحسن بن عليّ الحُلواني، قال: [حدثنا] (1)
عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي،
عن حُمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: " رأيتُ عثمان بن عفان
- رضي الله عنه- توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً، فغسلهما، ثم مضْمض (2)
واستنْثر، ثم غسل وجْههُ ثلاثاً، وغسلً يده اليُمْنى إلى المرْفق ثلاثاً، ثم
اليُسْرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قلمه اليُمنى ثلاثاً، ثم اليُسْرى
مثل ذلك، ثم قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توص مثل وُضُوئي هذا، ثم قال:
من توضأ مثل وُضُوئي هذا، ثم صلّى ركْعتين لا يحدثُ فيهما نفْسه، غفر
الله له ما تقدم من ذنبه " (3) .
ش- حُمران بن أبان بن خالد بن عبد عمرو القرشي الأموي المدني،
مولى عثمان بن عفان، كان في سبي عين التمر. سمع: عثمان بن عفان،
وعبد الله بن عمر (4) ، ومعاوية بن أبي سفيان. روى عنه: عروة بن
الزبير، ومسلم بن يسار، والحسن البصري، وعطاء بن يزيد، ونافع
مولى [ابن] عمر، وجماعة آخرون كثيرة. روى له الجماعة (5) .
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود. (2) في سنن أبي داود: " تمضمض ".
(3) البخاري: كتاب الطهارة، باب: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً (159) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله (226) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: المضمضة والاستنشاق (1/64) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
ثواب الطهور (285) .
(4) قال محقق تهذيب الكمال (7/301) : " جاء في حاشية النسخة تعليق
للمؤلف، يتعقب فيه صاحب الكمال، قال: " ذكر في شيوخه عبد الله بن
عمر، وإنما ذلك حُمران مولى العبلات المذكور فيما بعدُ، وهو الذي يروي
عنه عطاء الخراساني ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1496) .

(1/282)


وعثمان بن عفان أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو ليلى
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف،
يلتقي مع رسول الله في الأب الرابع، وهو عبد مناف. رُوي له عن
رسول الله- عليه السلام- مائة حديث وستة وأربعون حديثاً، اتفقا منها
على ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بخمسة. روى
عنه: زيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن الزبير، ومحمود بن لبيد،
وابنه أبان بن عثمان، وحُمْران بن أبان، ومروان بن الحكم، وغيرهم.
ولد في السنة السادسة بعد الفيل، وقتل يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من
ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين، وهو ابن تسعين سنة، وصلى عليه
جبير بن مطعم، ودفن بحش كوكب، ولي الخلافة ثنتي عشر سنة.
روى له الجماعة (1) .
قوله: " فأفرغ على يديه " من أفرغت الإناء إفراغاً، وفرغته تفريغاً إذا
قلبت ما فيه، والفاء فيه فاء التفسير، وانتصاب " ثلاثاً " على أنه صفة
لمصدر محذوف أي: " إفراغاً ثلاثاً ".
قوله: " ثم مضمض " المضمضة: تحريك الماء في الفم. وقال الشيخ
محيي الدين (2) : " حقيقة المضمضة وكمالها: أن يجعل الماء في فمه،
ثم يُديره فيه، ثم يمجه، وأما أقلها فأن يجعل الماء في فمه، ولا يُشترط
إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور. وقال جماعة من أصحابنا:
يشترط. وقال الزندوستي من أصحابنا: الأولى أن يدخل إصبعه في فمه
وأنفه، والمبالغة فيهما سُنًة. وقال الصدر الشهيد: المبالغة في المضمضة
الغرغرة.
قوله: " واستنثر " " (3) قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون:
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/69) ، وأسد الغابة
(3/584) ، والإصابة (2/462) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/105) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/105) .

(1/283)


الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق. وقال ابن الأعرابي،
وابن قتيبة: الاستنثار هو الاستنشاق. وقال الشيخ محيي الدين:
الصواب الأول يدل عليه الرواية الأخرى: استنشق واستنثر،/فجمع
بينهما. قال أهل اللغة: هو مأخوذ من النثرة، وهي طرف الأنف.
وقال الخطابي وغيره: هي الأنف. وقال الأزهري: روى سلمة، عن
الفراء أنه يقال: نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النّثْرة في الطهارة ".
وقال ابن الأثير (1) : " نثر ينثر بالكسر: إذا امتخط، واستنثر استفعل
منه، أي: استنشق الماء، ثم استخرج ما في الأنف فينثرُه، وقيل: هو
من تحريك النّثْرة، وهي طرف الأنف ".
والصواب ما قاله ابن الأعرابي: أن المراد من قوله: " واستنثر "
الاستنشاق. وقول محيي الدين: أن الصواب هو الأول يدل عليه الرواية
الأخرى: " استنشق واستنثر " لا يدل على ما ادعاه؛ لأن المراد من
الاستنثار في هذه الرواية الامتخاط، وهو أن يمتخط بعد الاستنشاق.
قوله: " ثم غسل وجهه " الوجه: ما يواجه الإنسان وهو من قصاص
الشعر إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً.
قوله: " ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق " اليد في اللغة: اسم من رؤوس
الأصابع إلى الآباط، ولكنه سقط ما وراء المرفق بالنص. والمرفق- بكسر
الميم وفتح الفاء، وبفتح الميم أيضاً-: هو موْصل الذراع في العضد.
قوله: " ثم اليسرى مثل ذلك " أي: ثم غسل يده اليسرى مثل الأولى
ثلاث مرات.
قوله: " ثم مسح رأسه " المسح: هو الإصابة، والرأس مشتمل على
الناحية والقفا والفوْدين (2) ، وظاهر الكلام يُشعر أنه مسح جميع رأسه؛
__________
(1) النهاية (5/15) .
(2) الفوْدُ: جانب الرأس مما يلي الأذن، والشعر النابت فوقه، وهما فودان.

(1/284)


لان اسم الرأس حقيقة في العضو كله، والفقهاء اختلفوا في القدر
الواجب من المسح، وليس في الحديث ما يدل على ذلك.
قوله: " ثم غسل قدمه اليمنى " أي: رجله اليمنى، وفيه رد صريح
على الروافض في قولهم: إن الواجب في الرجلين المسح.
وقوله: " ثلاثاً " يدل على أن المستحب غسل الرجلين ثلاثاً، رد القول
بعضهم أنهم لا يرون بهذا العدد في الرجل كما في غيرها من الأعضاء،
وهم يستدلون بما ورد في بعض الروايات: " فغسل رجليه حتى أنقاهما "
ولم يذكر عدداً، ولكن الأخذ بالرواية التي فيها العدد أوْلى لما فيها من
الزيادة
قوله: " ثم اليسرى مثل ذلك " أي: ثم غسل قدمه اليسرى مثل ذلك
ثلاث مرات، وهذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء، والأصل في
الواجب غسل الأعضاء مرة مرة، والزيادة عليها سُنّة؛ لان الأحاديث
الصحيحة وردت بالغسل ثلاثاً ثلاثاً، ومرة مرة، وبعض الأعضاء ثلاثا
ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، فالاختلاف على هذه الصفة دليل
الجواز في الكل، وأن الثلاث هي الكمال، والواحدة تجزئ، وعن هذا
قال أصحابنا: الأولى فرض، والثانية مستحبة، والثالثة سُنّة، ويقال:
كلاهما سُنة، ويقال: كلاهما مستحب، وأما ما اختلف الرواة فيه عن
الصحابي الواحد في القضية الواحدة، فذلك محمول على أن بعضهم
حفظ وبعضهم نسي، فيؤخذ بما زاده الثقة. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: استحباب غسل اليدين في ابتداء الوضوء قبل إدخالهما في
الإناء، سواء قام من النوم أو لا، يدل عليها قوله: " فأفرغ على يديه "،
وحديث المستيقظ لا يفيد الاستحباب إلا عند القيام من النوم.
الثانية: استحباب الإفراغ على اليدين معاً يدل عليها قوله: " على
يديه "، وقد تبين في حديث آخر أنه أفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم
غسلهما، وقوله: " غسلهما " قدر مشترك بين كونه غسلهما مجموعتين أو
متفرقتين، واختلف الفقهاء أيهما أفضل.

(1/285)


الثالثة: فيه بيان لما أُهمل من ذكر العدد في حديث أبي هريرة: " إذا
استيقظ أحدُكم من نومه فليغسلْ يديْه " (1) بدون ذكر العدد، وقد ورد في
حديث أبي هريرة أيضاً ذكر العدد في الصحيح، يدل عليها قوله:
" ثلاثاً ".
الرابعة: فيه بيان استحباب الترتيب المفهوم من كلمة " ثم " المقتضي
للترتيب
قوله: " ثم قال " أي: ثم قال عثمان- رضي الله عنه- بعد فراغه من
وضوئه.
قوله: " توضأ مثل وُضوئي هذا " اعلم [أن] كلمة المثل بكسر الميم
وسكون الثاء، والمثلُ بفتحتين، كلاهما بمعنى النظير، يقال: مثل ومثل
ومثيل، كشبْهٍ وشبهٍ وشبيهٍ، والمثل في اصطلاحهم المجاز المركب الذي
يقال له: التمثيل على سبيل الاستعارة لا على سبيل/التشبيه ولا في
معناه الأصلي.
قوله: " من توضأ وُضوئي هذا " أي: كوضوئي أو نحو وضوئي، وفي
رواية مسلم: " نحو وضوئي هذا ". وقال الشيخ محيي الدين (2) :
" إنما قال: نحو وضوئي ولم يقل " مثل " لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها
غيره ".
قلنا: معنى " نحو " هاهنا أيضاً معنى المثل؛ لأن كلا منهما من
أدوات (3) التشبيه، ولو قال: مثل وضوئي أيضاً لا يلزم ما ذكره؛ لأن
التشبيه لا عموم له.
قوله: " ثم صلى ركعتين " هذه الصلاة مستحبة، وقالت الشافعية:
__________
(1) البخاري (162) ، ومسلم (278/88 مكرر) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/108) .
(3) في الأصل: " أدات " بدون " واو ".

(1/286)


سُنّة مؤكدة. ويرُدُ ذلك عليهم ما ورد في الصحيح: " هل علي غيرهن؟
قال: لا، إلا أن تطوع " (1) .
قوله: " لا يحدث فيهما نفسه " (2) المعنى: لا يحدث بشيء في أمور
الدنيا، وما لا يتعلق بالصلاة، ولو عرض له حديث فأعرض عنه،
فبمجرد إعراضه عنه عُفي له ذلك، وجعلت له هذه الفضيلة؛ لأن هذا
ليس من فعله، وقد عُفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر.
وقال القاضي عياض: يريد بحديث النفس الحديث المجْتلبُ والمكتسب،
وأما ما يقع في الخاطر غالباً فليس هو المراد، وقوله: " لا يحدث نفسه "
إشارة إلى أن ذلك الحديث مما يكتسب لإضافته إليه.
وقال بعضهم: هذا الذي يكون من غير قصد يرجى أن تُقبل معه
الصلاة، ويكون دون صلاة من لم يحدث نفسه بشيء؛ لأن النبي- عليه
السلام- ضمن الغُفران لمراعي ذلك؛ لأنه قل من تسْلمُ صلاتُه من
حديث النفس، وإنما حصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات
الشياطين، ونفيها عنه، ومحافظته عليها، حتى لم يشتغل عنها طرفة
عين، وسلم من الشيطان باجتهاده، وتفريغه قلبه، ولو حدث نفسه فيما
يتعلق بأمور الآخرة، كالفكر في معاني المتلو من القرآن العزيز،
والمذكور (3) من الدعوات والأذكار أو في أمر محمود أو مندوب إليه لا
يضر ذلك، وقد ورد عن عمر- رضي الله عنه- أنه [قال: إني] (4)
لأجهز الجيش وأنا في الصلاة "، أو كما قال.
قوله: " غفر الله له ما تقدم من ذنبه " الغفْر والغُفْران: الستر، ومنه
المغْفر لأنه يستر الرأس. وقال ابن الأثير: " أصل الغفر: التغطية،
والمغْفرةُ: إلباس الله تعالى العفو للمذنبين " (5) .
__________
(1) يأتي برقم (375) . (2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (9/103) .
(3) في الأصل: " والمذك "، وما أثبتناه من " عمدة القاري " (2/301) .
(4) غير واضح في الأصل، وما أثبتناه من " عمدة القاري " (2/301) .
(5) انظر: النهاية (3/373) .

(1/287)


فظاهر الحديث يعم جميع الذنوب، وقد خصوا مثله بالصغائر فقالوا:
إنما الكبائر إنما تكفّرُ بالتوبة. وأخرج هذا الحديث البخاري، ومسلم،
والنسائي.
96- ص- حدثنا محمد بن المثنى قال: نا الضحاك بن مخلد قال:
أخبرنا عبد الرحمن بن وردان قال: نا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال:
حدّثني حُمْرانُ قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ، فذكره نحوه، ولم يذكر
" المضمضة والاستنثار (1) " قال: وفيه: " ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل
رجليْه " ثم قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ هكذا، وقال: " من توضأ دون
هذا كفاه " ولم يذكر أمر الصلاة (2) .
ش- الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن رافع بن وكيع
أبو عاصم النبيل، وقد ذُكر مرة بكنيته.
وعبد الرحمن بن وردان أبو بكر الغفاري. سمع: أبا سلمة بن
عبد الرحمن، وسعيد [ا] المقبري. روى عن أنس بن مالك. روى
عنه: أبو عاصم النبيل، ومروان بن معاوية. وقال ابن معين: صالح.
روى له أبو داود (3) .
وأبو سلمة قد ذُكر.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث الذي مضى.
قوله: " ولم يذكر المضمضة والاستنثار " قد قلنا: إن الرُواة إذا اختلفوا
عن الصحابي في قضية واحدة يُعمل برواية منْ زاد إذا كان ثقة، وقد
عملنا بالزيادتين، الزيادة الواحدة في الرواية التي مضت، والزيادة
الأخرى في هذه الرواية، وهى قوله: " ومسح رأسه ثلاثاً "، وبهذه
الزيادة تمسكت الشافعية أن السُّنة في مسح الرأس: أن يمسح ثلاثاً،
ولكن عندنا هذا محمول [على] المسح ثلاثاً بماء واحد، وهو
__________
(1) في سنن أبي داود: " والاستنشاق ". (2) انظر: تخريج الحديث (95) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3988) .

(1/288)


مشروع عندنا على ما روي عن أبي حنيفة، صرح بذلك صاحب
" الهداية ".
قوله: " من توضأ دون هذا " أشار بهذا إلى أنه لو غسل أعضاءه مرة،
ومسح رأسه مرة كفاه؛ لأنه ورد ذلك أيضاً في " صحيح " (1) كما ذكرناه.
97- ص- حدّثنا محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني قال:
أخبرنا زياد بن يونس قال: نا سعيد بن زياد المؤذن/عن عثمان بن
عبد الرحمن التيمي قال: سُئل ابنُ أبي مُليكة عن الوُضُوء فقال: رأيتُ
عثمان بن عفان يُسأل عن الوضوء، فدعا بماء، فأتي بميْضأة، فأصْغاها على
يده اليُمنى، ثم أدْخلها في الماء، فتمضمض ثلاثاً، واسْتنْثر ثلاثاً، وغسل
وجْههُ ثلاثاً، وغسل (2) يده اليُمنى ثلاثاً، وغسل يدهُ اليُسرى ثلاثاً، ثم
اًدْخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بُطُونهُما وظُهُورهُما مرةً
واحدةً، ثم غسل رجْليْه، ثم قال. أين السّائلون عن الوُضوء؟ هكذا رأيتُ
رسول الله يتوضأ " (3) .
ش- محمد بن داود بن أبي سفيان رزق بن داود بن ناجية بن عمير،
وهو ابن أبي ناجية الإسكندراني أبو عبد الله. روى عن: عبد الرزاق،
وزياد بن يونس الحضرمي. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وعمر بن
أحمد بن السُّني. مات سنة إحدى وخمسين ومائتين بالإسكندرية (4)
وزياد بن يونس روى عن: نافع بن عمر الجُمحي، ونافع بن أبي نعيم،
وسعيد بن زياد المؤدب. روى عنه: محمد بن داود الإسكندراني،
ويونس بن عبد الأعلى. روى له أبو داود (5) .
وسعيد بن زياد المكتب المؤذن مولى بني زهرة. روى عن: عثمان بن
__________
(1) كذا، ويعني: " الصحيح ". (2) في سنن أبي داود: " ثم غسل "
(3) انظر تخريج الحديث (95) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5201) .
(5) المصدر السابق (9/2074) .
19 * شرح سنن أبي داوود 1

(1/289)


عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبد الله بن محمد. روى عنه:
وكيع، وزياد بن يونس، وخالد بن مخلد. روى له: أبو داود،
والنسائي (1) .
وعثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي الحجازي
أخو معاذ. روى عن أبيه وأخيه. سمع: أنس بن مالك، وربيعة بن
عبد الله. روى عنه: يحيى بن محمد بن طحْلاء، وأبو بكر بن المنكدر،
والضحاك بن عثمان، ومحمد بن طلحة، وغيرهم. وقال أبو حاتم:
ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي (2) .
وابن أبي مُليكة: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُليكة القرشي التيمي،
وقد ذكر.
قوله: " رأيت عثمان " بمعنى: أبصرت، فلهذا اقتصر على مفعول
واحد.
وقوله: " يسأل " حال من عثمان.
قوله: " فأتي بميضأة " بكسر الميم، وهي المطهرة يتوضأ بها مفْعلة من
الوضوء.
قوله: " فأصغاها " أي: أمالها من الإصغاء، والمعنى: أمالها حتى
سكب على يده الماء.
قوله: " ثم أدخل يده " أي: في الميضأة " فأخذ ماء، فمسح برأسه
وأذنيه "، وهو حجة لأبي حنيفة على أن الأذنين يُمسحان بماء الرأس.
قوله: " فغسل بطونهما وظهورهما " والمراد: بطناهما وظهراهما،
ويطلق الجمع على التثنية مجازاً كما في قوله تعالى: (فقدْ صغتْ
قُلُوبُكُما) (3) أي: قلْباكُما، وأطلق الغسل على المسح مجازاً؛ لأن
الأذنين لا يغسلان بالإجماع.
__________
(1) المصدر السابق (10/2275) . (2) المصدر السابق (19/3836) .
(3) سورة التحريم: (4) .

(1/290)


ص- قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس
أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا (1) فيها (1) : مسح رأسه، ولم
يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره.
" الصحاح ": صفة لقوله: " أحاديث "، وهي مبتدأ وخبره قوله:
" تدل ".
قوله: " أنه " أي: أن مسح الرأس.
وقوله: " مرة " بالرفع خبر " أنّ "، ومحل " أنه مرةٌ " جر؛ لأنها بدل
من قوله: " على مسح الرأس " والفاء في قوله: " فإنهم " تعليل لقوله:
" تدل على مسح الرأس أنه مرة ".
قوله: " في غيره " أي: في غير مسح الرأس.
98- ص- حدثنا إبراهيم بن موسى قال: نا عيسى قال: نا عبيد الله
- يعني: ابن أبي زياد-، عن عبد الله بن عبيد بن عُمير، عن أبي علقمة:
" أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء فتوضأ، فأفرغ بيده اليُمْنى على اليُسرى،
ثم غسلهُما إلى الكُوعيْن، قال: ثم تمضمض (2) واسْتنْشق ثلاثاً، ثم ذكر
الوضوء ثلاثاً، قال: ثم مسح (3) برأسه، ثم غسل رجليْه وقال: رأيتُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مثل ما رأيتُمُوني تًوضأتُ " ثم ساق نحو حديث
الزهري وأتم (4) .
ش- إبراهيم بن موسى بن يزيد، وعيسى بن يونس ذُكرا.
وعبيد الله بن أبي زياد المكي. روى عنه (5) : عبيد الله بن موسى،
ويعقوب بن إبراهيم. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه،
والنسائي (6) . وفي بعض النسخ " عبد الله بن أبي زياد " مكبراً. وقال
زكي الدين: فيه مقال (7) .
__________
(1) في الأصل: " قالوا وفيها "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " مضمض ". (3) في سنن أبي داود: " ومسح ".
(4) انظر تخريج الحديث (95) . (5) في الأصل: " عن " خطأ.
(6) كذا، ولم يذكر المزيُ " النسائي " فيمن روى له.
(7) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3635) .

(1/291)


وعبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جُنْدع بن ليث
أبو هاشم الليثي المكي. روى عن: أبيه، وعبد الله بن عمر، وعائشة،
والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة. روى عنه: الزهري (1) .
[ (2) 99- حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا
إسرائيل، عن عامر بن شقيق بن جمرة، عن شقيق بن سلمة قال: " رأيتُ
عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، ثم قال: رأيتُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل هذا " (3) .
قال أبو داود: رواه وكيع عن إسرائيل قال: توضأ ثلاثاً، فقط.
100- حدثنا مُسدد، حدثنا أبو عوانة، عن خالد بن علقم عن عبد خير،
قال: " أتانا علي- رضي الله عنه- وقد صلى، فدعا بطهُور، فقلنا: ما
يصنعُ بالطهُور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليُعلمنا، فأتي بإناء فيه ماءٌ وطسْت،
فافرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمضً واستنثر ثلاثاً،
فمضمض ونثر من الكفً الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجههُ ثلاثاً، ثم غسل
يده اليُمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثاً، ثم جعل يده في الإناء، فمسح
برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليُمنى ثلاثاً، ورجله الشمال ثلاثاً، ثم
قال. من سره أن يعلم وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو هذا " (4) .
101- حدثنا الحسن بن علي الحُلواني، حدثنا الحُسين بن علي الجُعْفي،
__________
(1) المصدر السابق (15/3406) .
(2) سقط من التصوير ورقة كاملة، وهي [1/41- ب: 42- أ] ، وفيها الأحاديث
(110: 116، وبعض 117) بترقيم سنن أبي داود المطبوع، وقد رأيت
إثباتها من سنن أبي داود لتعم الفائدة.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كان
(48) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: عدد غسل الوجه، وباب: عدد
غسل اليدين (1/68) .

(1/292)


عن زائدة، حدثنا خالد بن علقمة الهمداني، عن عبد خير، قال: صلى
علي رضي الله عنه الغداة، ثم دخل الرّحْبة فدعا بماء، فأتاه الغلامُ بإناء فيه
ماءٌ وطسْت، قال: فأخذ الإناء بيده اليُمنى فأفرغ عفى يده اليُسْرى وغسل
كفيه [ثلاثا] ، ثم ادخل يده اليُمنى في الإناء فمضمض ثلاثاً، ثم ساق قريباً
من حديث أبي عوانة، قال: ثم مسح رأسه مُقدمه ومُؤخّره مرة، ثم ساق
الحديث نحوه " (1) .
102- حدثنا محمد بن المثنى، حدثني محمد بن جعفر، حدثني شعبة،
قال: سمعتُ مالك بن عُرْفُطة، سمعت عبْد خيْر " رأيت عليا- رضي الله
عنه- أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكُوز من ماء، فغسل يديه ثلاثاً، ثم
تمضمض مع الاستنشاق بماء واحدٍ، وذكر الحديث " (2) .
103- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو نعيم، حدّثنا ربيعةُ الكنانيُّ،
عن المنْهال بن عمرو، عن زرّ بن حُبيْش: أنه سمع عليا- رضي الله عنه-
وسئل عن وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر الحديث، وقال: " ومسح على
رأسه حتى الماء يقطُرُ، وغسلً رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وُضوءُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (3) .
104- حدثنا زياد بن أيوب الطوسي، حدثنا عُبيد الله بن موسى، حدّثنا
فطرٌ، عن أبي فرْوة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: " رأيت عليا
- رضي الله عنه- توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، ومسح
برأسه واحدة، ثم قال. هكذا توضأ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (4) .
105- حدّثنا مُسدد وأبو توْبة، قالا: حدًّثنا أبو الأحوص، ح، وحدثنا
عمرو بن عون، أخبرنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حية، قال:
__________
(1) انظر التخريج السابق. (2) انظر تخريج الحديث رقم (100) .
(3) تفرد به أبو داود.
(4) تفرد به أبو داود.

(1/293)


" رأيت عليا- رضي الله عنه- توضأ، فذكر وُضوءه كله ثلاثاً ثلاثا، قال:
ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببتُ أن أريكم
طُهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) .
106- حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني، حدثنا محمد- يعني: ابن
سلمة- عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة،
عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس] /قال: " دخل عليَّ عليُّ بن
أبي طالب- رضي الله عنه- وقد أهْراق الماء، فدعا بوضُوء، فأتيناه بتوْرٍ فيه
ماء حتى وضعناه بين يديْه فقال: يا ابن عباس، ألا أريك كيْف كان يتوضأ
رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى، فأصْغى الإناء على يده فغسلهما (2) ، ثم ادخل
يده اليُمنى، وأفْرغ (3) بها على الأخْرى، ثم غسل كفّيْه ثلاثاً، ثم تمضْمض
واسْتنثر، ثم أدخل يديْه في الإناء جميعا، فأخذ بهما حفنة من ماء، فضرب
بها على وجْهه، ثم ألقم إبْهاميْه ما أقبل من أذُنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل
ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته، فتركها
يسْتن (4) على وجْهه، ثم غسل ذراعيْه إلى المرفقين ثلاثاً (5) ، ثم مسح رأسهُ
وظُهُور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعاً، فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على
رجْله، وفيها النعْلُ، ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك. قال: قلتُ: وفي
النعْلين؟ قال: وفي النعلين. قال: قلتُ: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
قال: قلتُ: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين " (6) .
ش- محمد بن إسحاق بن يسار.
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كان؟
(48) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: عدد غسل الرجلين (1/79) .
(2) في سنن أبي داود: " فغسلها ". (3) في سنن أبي داود: " فأفرغ ".
(4) في سنن أبي داود: " تسْتن ". (5) في سنن أبي داود: " ثلاثاً ثلاثاً ".
(6) تفرد به أبو داود.

(1/294)


ومحمد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة بن عبد يزيد بن المطلب بن
عبد مناف القرشي المُطلبي. روى عن: عبيد الله الخولاني، وسالم بن
عبد الله، وعكرمة مولى ابن عباس. روى عنه: عمرو بن دينار،
ومحمد بن إسحاق بن يسار، وحصين بن عبد الرحمن. قال ابن معين:
هو ثقة روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وعبيد الله بن الأسود الخولاني، ربيب ميمونة زوج النبي- عليه
السلام-. روى عن: عثمان بن عفان، وميمونة. روى عنه عاصم بن
عمر (2) بن قتادة. كذا قال في " الكمال "، وقال ابن حبان: عبيد الله
ابن راشد الخولاني ربيب ميمونة. روى عن: عثمان، وزيد بن خالد.
عداده من أهل المدينة. روى عنه: صم بن عمر (2) ، وبُسْر بن
سعيد (3) .
قوله: " وقد أهراق " أي: أراق، والهاء فيه زائدة.
قوله: " ألا أريك " " ألا " كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، وتجيء
بمعنى التوبيخ، والإنكار، والتمني، والاستفهام عن النفي، والعرض،
والتحضيض.
قو له: " فأصغى " أي: أمال.
قوله: " واستنثر " أي: استنشق، وفي بعض الرواية: " هكذا ".
وقال الخطابي: معناه: استنشق الماء، ثم أخرجه من أنفه.
قوله: " حفْنة " الحفنة: ملء الكف.
قوله: " فضرب بها " أي: بالحفنة وجهه. فيه دليل على أن ضرب الماء
على وجهه في الوضوء لا يكره، ردا على قول من يرى كراهة ذلك.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5314) .
(2) في الأصل: " عاصم بن عمرو " خطأ.
(3) في الأصل: " بشر بن سعد "، وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(19/ص 6، ترجمة 3619 م) .

(1/295)


قوله: " ثم ألقم إبهاميه " أي: أدخل إبهاميه ما أقبل من أذنيه، من
الإلقام، كأنه جعلهما لقمة لأذنيه، وقوله: " ما أقبل " مفعول " ألقم ".
قوله: " ثم الثانية " أي: ثم فعل المرة الثانية والثالثة مثل ما فعل في
الأولى.
قوله: " يسْتنُ على وجهه " أي: يسيلُ وينصب من سننْت الماء إذا صببته
صبا سهلاً.
قوله: " وظهور أذنيه " أي: مسح ظهري أذنيه، أطلق الجمع على
التثنية مجازاً، ومن هذا أخذ الشعبي وقال: إن ظاهر الأذنين من الرأس،
وباطنها من الوجه.
قوله: " وفيها النعل " جملة وقعت حالاً من رجله، النعل مؤنثة، وهي
التي تلبس في المشي، تُسمّى الآن: تاسُومة.
قوله: " ففتلها بها " أي: فتل النعل بتلك الحفنة من الماء، ومعنى
فتلها: أدار بيده فوق القدم وتحت النعل.
قوله: " ثم الأخرى مثل ذلك " أي: فعل في رجله الأخرى مثل ما فعل
في الأولى.
قوله: " قال: قلت " الضمير فيهما راجع إلى عبيد الله الخولاني،
والضمير الذي في قوله: " قال: وفي النعلين " راجع إلى ابن عباس
- رضي الله عنه-. واحتج بهذا الحديث الروافض ومن ذهب مذهبهم في
إباحة المسح على الرجلين في الطهارة من الحدث، واحتج بذلك أيضاً
بعضُ أهل الكلام منهم: الجبائي في أن المرء مُخير بين غسل الرجل
ومسحها، وحكي ذلك أيضاً عن محمد بن جرير، واحتجوا في ذلك
أيضاً بقراءة الجر في قوله تعالى: (وأرْجُلكُم) (1) . والجواب عن
الحديث أن فيه مقالاً، وقد قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عنه
__________
(1) سورة المائدة: (6) .

(1/296)


فضعفه وقال: " ما أدري ما هذا ". وعلى تقدير ثبوت الحديث يحتمل
أن تكون (1) تلك/الحفنةُ من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه،
وإن كان في النعل، ويدل على ذلك قوله: " ففتلها بها، ثم الأخرى
مثل ذلك "، والحفنة من الماء ربما كفت مع الرفق في مثل هذا، ولو كان
أراد المسح على بعض القدم لكان يكفيه ما دون الحفنة. وقد روي عن علي
- رضي الله عنه- في غير هذه الرواية: " أنه توضأ ومسح على نعليه،
وقال: هذا وضوء من لم يحدث " (2) .
والجواب عن قراءة الجر في الآية: " (3) أن العطف قد يقع مرة على
اللفظ المجاور، ومرة على المعنى المجاور، فالأول كقولهم: جحر ضب
خربٍ، والخرب من نعت الجحر وهو مرفوع، والآخر كقول الشاعر:
مُعاوي إننا بشرٌ فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وإذا كان الأمر في ذلك على مذهب اللغة وحكم الإعراب سواء في
الوجهين، وجب الرجوع إلى بيان النبي- عليه السلام-، وقد ثبت عنه
أنه قال: " ويل للأعقاب من النار " (4) ، فثبت أن استيعاب الرجلين
غسلاً واجب، وقد يكون المسح في كلام العرب بمعنى الغسل.
وعن أبي زيد الأنصاري: المسح في كلام العرب يكون غسلاً ويكون
مسحاً، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح، ويقال:
مسح الله ما بك، أي: أذهبه عنك وطهرك من الذنوب " (5) .
وعن عليّ- رضي الله عنه-: أنه أشرف على فتية من قريش، فرأى
في وضوئهم تساهلاً فقال: " ويل للأعقاب من النار "، فلما سمعوا
جعلوا يغسلونها غسلاً، ويدلكونها دلكاً.
__________
(1) في الأصل: " يكون ".
(2) النسائي في كتاب الطهارة، باب: الاعتداء في الوضوء (1/84- 85) . وقال
الحافظ في " الفتح ": " وهي- أي هذه الزيادة- على شرط الصحيح ".
(3) انظر: معالم السنن 11/43- 44) . (4) تقدم برقم (85) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.

(1/297)


وعن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام-: " ويل للأعقاب من
النار ". وعن جابر عنه: " ويل للعراقيب ". وعن عائشة: " لأن
تُقطعا أحب إليّ من أن أمسح على القدمين من غير خُف ". وعن عطاء:
والله ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على القدمين.
ص- قال أبو داود: وحديث ابن جريج عن شيبة يُشبه حديث علي؛
لأنه قال فيه: حجاج بن محمد، عن ابن جريج: " ومسح برأسه مرة
واحدة ". وقال ابن وهب فيه: عن ابن جريج: " ومسح برأسه ثلاثاً ".
ش- شيبة هذا قد سمع محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن
أبي طالب. روى عنه ابن جريج. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وحجاج بن محمد بن الأعور قد ذكر.
وابن وهب هو عبد الله بن وهب، وقد ذكر غير مرة.
107- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عمرو بن يحيى
المازني، عن أبيه، أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم- وهو جد عمرو بن
يحيى-: " هل تستطيعُ أن تُريني كيف كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؟ فقال
عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضُوء، فأفرغ على يديْه، فغسل يديه، ثم
تمضمض، واسْتنْثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين
إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر: [بدأ] (2) بمُقدّم رأسه
ثم ذهب بهما إلى قفاهُ، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم
غسل رجليه " (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2790) .
(2) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: مسح الرأس كله (185) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب آخر في صفة الوضوء (235) ، الترمذي: كتاب أبواب
الطهارة، باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد (28) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: حد الغسيل (1/71) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
ما جاء في مسح الرأس (434) .

(1/298)


ش- مالك هو: ابن أنس الإمام، وعمرو بن يحيى وأبوه يحيى،
وعبد الله بن زيد الصحابي، كلهم ذكروا.
قوله: " وهو جد عمرو بن يحيى " أي: عبد الله بن زيد هو جد عمرو
ابن يحيى من الأم؛ لا امرأة يحيى هي ابنة عبد الله بن زيد.
قوله: " فدعا بوضوء ": بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به.
قوله: " فأفرغ على يده (1) " أي: صبه وسكبه، فيه استحباب تقديم
غسل اليدين قبل غمسهما في الإناء.
قوله: " ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً " أي: تمضمض ثلاث مرات،
واستنشق ثلاث مرات فيه دلالة ظاهرة أن السُّنة في المضمضة والاستنشاق
أن يكون كل واحد منهما ثلاث مرات.
قوله: " ثم غسل يديه مرتين مرتين " فيه دلالة على جواز مخالفة
الأعضاء، وغسل بعضها ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، وهذا
جائز. والوضوء على هذه الصفة صحيح بلا شك، ولكن المستحب
التثليث، وأن ما كانت مخالفتها من النبي- عليه السلام- في بعض
الأوقات بيان للجواز، كما توضأ بمرة مرة في بعض الأوقات بياناً
للجواز، وكان في ذلك الوقت أفضل في حقه- عليه السلام-؛ لأن
البيان واجب عليه- عليه السلام-، فإن قيل: البيان يحصل بالقول.
قلنا: بالفعل أوقع في النفوس، وأبعد من التأويل.
قوله: " ثم مسح رأسه بيديه " إلى آخره، هذا هو المستحب باتفاق
العلماء/فإنه طريق إلى استيعاب الرأس، ووصول الماء إلى جميع
شعره، وليس فيه دليل لوجوب الاستيعاب؛ لأن الحديث ورد في كمال
الوضوء، لا فيما لا بد منه.
قوله: " ثم غسل رجليه " فيه رد على الروافض أيضاً. وهذا الحديث
__________
(1) كذا، وفي الحديث: " يديه ".

(1/299)


أخرجه أبو داود بثلاث روايات كما ترى، وأخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مطولاً ومختصراً.
108- ص- حدثنا مسدد قال: نا خالد، عن عمرو بن يحيى المازني،
عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، بذا الحديث قال: فمضمض
واسْتنْشق من كف واحدة "، يفعلُ ذلك ثلاثاً، ثم ذكر نحوه (1) .
ش- خالد هو: خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الواسطي
أبو الهيثم الطحان، ويقال: أبو محمد المزني مولاهم. سمع:
أبا إسحاق الشيباني، وحصين بن عبد الرحمن، وعمرو بن يحيى
الأنصاري، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد، وقتيبة، وعمرو بن
عون، ووكيع، ومسدد، وغيرهم. قال أحمد: كان ثقة صالحاً في
نفسه (2) ، بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات. توفي بواسط سنة
اثنتين وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " بهذا الحديث " أشار به إلى الحديث الذي مضى، الذي فيه
الإمام مالك.
قوله: " فمضمض واستنشق من كفّ واحدة " فيه دلالة على أن يكون
المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات، يتمضمض في كل واحدة ثم
يستنشق منها وهو أحد الوجوه عند الشافعية.
قوله: " ثم ذكر نحوه " أي: نحو الحديث الذي مضى.
109- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: نا ابن وهب، عن
عمرو بن الحارث: أن حبان بن واسع حدثه، أن أباه حدثه، أنه سمع
عبد الله بن زيد بن عاصم المازني يذكر أنه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر وُضوءه
قال: " ومسح رأسه بماء غير فضل يده، وغسل رجْليه حتى أنقاهما " (4) .
__________
(1) انظر الحديث السابق. (2) في تهذيب الكمال: " صالحاً في دينه ".
(3، انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1625) .
(4) مسلم: كتاب الطهارة، باب: في وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (236) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديداً (35) .

(1/300)


ش- عمرو بن الحارث بن يعقوب بن عبد الله بن الأشج أبو أمية
الأنصاري المصري، مولى قيس بن سعد بن عبادة. سمع: أباه، وزيد
ابن أسلم، وعمرو بن دينار، وقتادة، وحبان بن واسع، والزهري،
وغيرهم. روى عنه: صالح بن كيسان، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن
وهب، وغيرهم. قال أبو زرعة: لم يكن له نظير في الحفظ في زمانه.
وقال النسائي: مصري ثقة. ولد سنة أربع وتسعين، ومات بمصر سنة
ثمان أو سبع أو تسع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحبّان بن واسع بن حبان بن منقذ الأنصاري المازني المدني، وجده
صحابي. روى عن: أبيه، وعبد الله بن زيد. روى عنه: عمرو بن
الحارث، وعبد الله بن لهيعة. روى له: مسلم، وأبو داود،
والترمذي (2) .
وواسع بن حبان ذكرناه.
قوله: " يذكر " جملة وقعت حالاً من عبد الله.
قوله: " بماء غير فضل يده " معناه: أنه مسح رأسه بماء جديد لا ببقية ماء
يديه، وفيه دلالة على أن الماء المستعمل لا يصح الطهارة به، وفي بعض
الرواية: " غير فضل يديه ".
110- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا أبو المغيرة، حدثنا
حريز قال: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي قال: سمعت المقدام
ابن معد يكرب الكندي قال: " أتي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوء فتوضأ: فغسل
كفيه ثلاثاً، وغسل وجْهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، [ثم تمضمض
واسْتنشق ثلاثاً] (3) ، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما " (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4341) .
(2) المصدر السابق (5/1065) .
(3) هذه الجملة وقعت في سنن أبي داود بين معقوفتين، بعد قوله: " فغسل فيه
ثلاثاً " وهو الجادة.
(4) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مسح الأذنين (442)

(1/301)


ش- أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي الخولاني الشامي.
سمع: صفوان بن عمرو، والأوزاعي، وسعيد بن سنان، وغيرهم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وعبد الله بن عبد الرحمن
الدارمي، وغيرهم. وقال الدارقطني: ثقة. مات سنة اثنتي عشرة
ومائتين. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
وحريز - بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وفي آخره زاي- ابن
عثمان بن جبر- بالجيم والباء الموحدة- بن أحمر بن أسعد الحمصي
الشامي أبو عون، ويقال: أبو عثمان الرحبي المشرقي، ورحبية - بفتح
الحاء والباء الموحدة- في حمْير. سمع: عبد الله بن بسر الصحابي،
وراشد بن سعد، وعبد الرحمن بن ميسرة، وسعيد بن مرثد، وغيرهم.
روى عنه الوليد، وإسماعيل بن عياش، وأبو المغيرة الخولاني، وسفيان
ابن حبيب، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة
متقن. توفي سنة ثلاث وستين ومائة. روى له الجماعة إلا النسائي (2) .
وحُريز بضم الحاء المهملة وفتح الراء، وفي آخره زاي (3)
وعبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي. سمع: المقدام بن معدي كرب،
/وأبا أمامة الباهلي، وأبا راشد الحُبْراني، وجُبير بن نفير. روى عنه
حريز بن عثمان. وقال ابن المديني: عبد الرحمن بن ميسرة مجهول، لم
يرو عنه غير حريز. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: هو شامي تابعي
ثقة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
والمقدام بن معدي كرب بن عمرو بن يزيد بن معدي كرب، أبو كريمة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3495) .
(2) المصدر السابق (5/1175) .
(3) كذا، وقد ذكر في أول الترجمة أنه " بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء " وهو
الصواب.
(4) المصدر السابق (17/3973) .

(1/302)


أو أبو صالح، أو أبو يحيى، أو أبو بشر الكندي، سكن حمص. روي
له عن رسول الله سبعة وأربعون حديثاً. روى عنه: خالد بن معدان،
وشريح بن عبيد، وعبد الرحمن بن ميسرة، وغيرهم. مات سنة سبع
وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. روى له الجماعة إلا مسلماً (1) .
قوله: " بوضوء " بفتح الواو.
قوله: " ظاهرهما " مجرور لأنه بدل عن أذنيه، أي: مسح بظاهر أذنيه
وباطنهما. فيه دلالة على شيئين، الأول: أن الأذنين يمسحان بماء الرأس،
وبه قال أبو حنيفة. والثاني: أن السُنة مسح ظاهر الأذنين وباطنهما
جميعاً.
111- ص- حدثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي لفظُهُ
قالا: نا الوليد بن مسلم، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة،
عن المقدام بن معدي كرب، قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، فلما بلغ
مسْح رأسه وضع كفيْه على مُقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما
إلى المكان الذي بدأ منه " (2) . قال محمود: قال: أخبرني حريز.
ش- محمود بن خالد السلمي الدمشقي قد ذكر
ويعقوب بن كعب بن حامد أبو يوسف الأنطاكي الحلبي. سمع:
الوليد بن مسلم، وعطاء بن مسلم الحلبي، وشعيب بن إسحاق،
وعبد الله بن وهب، وأبا معاوية الضرير وغيرهم. روى عنه: أبو داود،
وعبد العزيز بن سليمان الأنطاكي، وأبو الليث يزيد بن جهُور الطرْسُوسي،
وإبراهيم بن يعقوب الجُوزجاني، وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله:
ثقة، رجل صالح صاحب سُنة (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/483) ، وأسد الغابة
(5/254) ، والإصابة (3/455)
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7100) .

(1/303)


والوليد بن مسلم الدمشقي أبو العباس الأموي مولاهم، وقيل: مولى
العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. سمع:
الأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وعبد الرزاق بن عمر،
وعبد الرحمن بن حسان الكناني، وجماعة آخرين. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وأبو خيثمة، وهشام بن عمار، ويعقوب بن كعب الحلبي،
ومحمد بن وهب، وخلق سواهم. وقال أبو حاتم: صالح. توفي سنة
أربع وتسعين ومائة بذي المروة منصرفه من الحج، وله ثلاث وسبعون سنة.
روى له الجماعة (1) .
قوله: " فأمرهما " بتشديد الراء من الإمرار.
112- ص- حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد المعنى، قالا: نا
الوليد بهذا الإسناد، قال: " مسح (2) بأذُنيْه ظاهرهما وباطنهما "، زاد
هشامٌ: " وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه " (3) .
ش- هشام بن خالد بن زيد بن مروان ويقال: خالد بن يزيد الأزرق
السلاميّ، ويقال: مولى بني أمية الدمشقي. روى عن: الوليد بن
مسلم، وبقية بن الوليد، وخالد بن يزيد، وشعيب بن إسحاق،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وابن ماجه، وأبو حاتم، وقال:
صدوق. توفي سنة تسع وأربعين ومائتين (4) .
قوله: " في صماخ أذنيه ": الصماخُ- بكسر الصاد- ثقب الأذن،
ويقال: بالسين، وأخرجه ابن ماجه مختصراً.
113- ص- حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني، قال: نا الوليد بن مسلم،
قال: نا عبد الله بن العلاء قال: نا أبو الأزهر المغيرة بن فروة ويزيد بن
أبي مالك: " أن مُعاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله- عليه السلام-
__________
(1) المصدر السابق (31/6737) . (2) في سنن أبي داود: " ومسح ".
(3) انظر الحديث السابق.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6574) .

(1/304)


يتوضأ، فلما بلغ رأسه غرف غرفةً من ماء، فتلقاها بشماله حتى وضعها على
وسط رأسه، حتى قطر الماءُ أو كاد يقْطُرُ، ثم مسح من مُقدمه إلى مُؤخره،
ومن مُؤخّره إلى مُقدمه " (1) .
ش- مؤمل بن الفضل بن مجاهد، ويقال: ابن الفضل بن عمير
أبو سعيد الحراني. سمع: الوليد بن مسلم، وعيسى بن يونس،
ومروان بن معاوية الفزاري، ومحمد بن شعيب، وغيرهم. روى عنه:
محمد بن يحيى الذهلي، وأبو حاتم الرازي، وأبو داود، وأبو سعيد
الحراني. قال أبو حاتم: هو ثقة رضي. مات سنة سبع وعشرين
ومائتين. روى له النسائي (2) .
وعبد الله بن العلاء بن زبْر (3) بن [عُطارد بن] عمرو (4) بن حُجْر
ابن منقذ بن أسامة الشامي الدمشقي أبو زبْر الربعي. روى عن: القاسم
ابن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ونافع
مولى ابن عمر/وأبي الأزهر مغيرة بن فروة (5) ، والزهري، وغيرهم.
روى عنه: الوليد بن مسلم، وأبو مُسهر، ومصعب بن سلام، وجماعة
آخرون. قال دُحيم: هو ثقة جدا. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة
أربع وستين ومائة، وهو ابن تسع وثمانين. روى له الجماعة إلا مسلماً (6) .
وأبو الأزهر المغيرة بن فروة الثقفي، ويقال: أبو الحارث الدمشقي.
روى عن معاوية بن أبي سفيان، ومالك بن هُبيرة، ورأى واثلة بن
الأسقع. روى عنه: عبد الله بن العلاء، ويحيى بن الحارث الذماري،
وسعيد بن عبد العزيز. روى له أبو داود (7) .
ويزيد بن أبي مالك، واسم أبي مالك هانئ الدمشقي الفقيه الهمداني،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6322) .
(3) في الأصل: " زيد " خطأ. (4) في الأصل: " عمر " خطأ.
(5) في الأصل: " مغيرة بن أبي فروة " خطأ.
(6) المصدر السابق (15/3471) . (7) المصدر السابق (28/6140) .
20. شرح سنن أبي داوود 1

(1/305)


قاضي دمشق روى عن: أبي أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك،
وواثلة بن الأسقع، وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه:
الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وعبدة بن رباح، وغيرهم. قال
أبو حاتم: من فقهاء الشام ثقة. وقال الدارقطني: هو من الثقات.
مات سنة ثلاثين ومائة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
ومعاوية بن أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف القرشي الأموي، يكنى أبا عبد الرحمن، هو وأبوه من مسْلمة
الفتح. رُوي له عن رسول الله مائةُ حديث وثلاثة وسبعون حديثاً، اتفقا
على أربعة أحاديث، وانفرد البخاري بمثلها، ومسلم بخمسة. روى عنه
عبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، والسائب بن يزيد، وغيرهم
من الصحابة والتابعين، كان أميراً عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة،
وتوفي بدمشق يوم الخميس لثمان بقين من رجب، سنة تسع وخمسين
وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ست وثمانين. روى له الجماعة (2) .
قوله: " على وسط رأسه " الوسْط- بالسكون- يقال فيما كان متفرق
الأجزاء، غير متصل كالناس والدواب، وغير ذلك، تقول: قعدتُ
وسْط الناس بالسكون، فإذا كان متصل الأجزاء كالدار والرأس، فهو
بالفتح، ويقال: كل منهما يقع موقع الآخر.
قوله: " أو كاد يقطر " اعلم أن كاد من أفعال المقاربة، وضعت لتقرير
اسمه على صفة على سبيل المقاربة من رجاء أو حصول، ويحب أن يكون
خبرها فعلاً مضارعاً، ومعنى " كاد يقطر ": أن دُنُوه قد حصل من
القطر، مثلُ قولك: كادت الشمس تغرب. يعني: أن دُنُوها من الغروب
قد حصل.
__________
(1) المصدر السابق (32/7022) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/395) ، وأسد الغابة
(5/209) ، والإصابة (3/433) .

(1/306)


114- ص- حدثنا محمود بن خالد قال: نا الوليد في هذا الإسناد قال:
" فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجْليه " (1) بغير عدد.
ش- هذه رواية أخرى، وقوله: " بغير عدد " يتناول المرة والمرتين
والثلاث؛ لأن الراوي ما عين العدد.
115- ص- حدثنا مسدد قال: نا بشر بن المفضل قال: نا عبد الله بن
محمد بن عقيل، عن الربيع بنت مُعوذ بن عفراء قالت: " كان رسولُ الله
- عليه السلام- يأتينا، فحدثتْنا أنه قال: " اسْكُبي لي وضوءاً، فذكرتْ
وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت (2) فيه: " فغسل كفيْه ثلاثاً، ووضأ وجْههُ ثلاثاً،
ومضْمض واستنشق مرة، ووضأ يديْه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه مرتين: يبدأ
بمُؤخر رأسه ثم بمُقدّمه، ثم بأذُنيْه: كلتيْهما ظهورهما وبطونهما، ووضأ
رجْليْه ثلاثاً ثًلاثاً " (3) .
قال أبو داود: هذا معنى حديث مسدد.
ش- بثر بن المفضل بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري.
سمع: محمد بن المنكدر، وعبد الله بن عون، وقرة بن خالد، وعلي
ابن زيد بن جُدعان، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ومسدد بن
مُسرْهد، وعلي بن المديني، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. وقال أبو زرعة
وأبو حاتم: بصري ثقة. توفي سنة ست وثمانين ومائة. روى له الجماعة (4) .
وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي قد ذكر.
والرُبيّعُ بنتُ مُعوّذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث (5) بن سواد بن
مالك بن غنم بن النجار الأنصارية، وأبوها يعرف بابن عفراء، دخل
__________
(1) انظر الحديث السابق. (2) في الأصل: " قال " خطأ.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس (33) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب: الرجل يستعين على وضوئه يصب
عليه (390) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/707) .
(5) " ابن الحارث " مكررة في الأصل.

(1/307)


عليها النبي- عليه السلام- صبيحة بُني بها. روى لها البخاري حديثين،
واتفقا على حديث واحد. روى لها الجماعة. روى عنها: عبد الله بن
محمد بن عقيل، وخالد بن ذكوان (1) .
و" الرُبيع " بضم الراء، وفتح الياء الموحدة، وتشديد الباء آخر
الحروف وكسرها، وبعدها عين مهملة. و " مُعوذ " بضم الميم، وفتح
العين/المهملة، وتشديد الواو وكسرها، وبعدها ذال معجمة. و " عفراء "
بفتح العين المهملة، وسكون الفاء، وبعدها راء مهملة، وهو ممدود.
قوله: " وضوءاً " بفتح الواو.
قوله: " وضأ وجهه " أي: غسل وجهه، أطلقت على غسل الوجه
الوضوء من باب إطلاق الكل على الجزء.
قوله: " ظهورهما " بالجر على أنه بدل من قوله: " بأذنيه " كما قلنا
غير مرة.
116- ص- حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن ابن عقيل
بهذا الحديث، يُغير بعض معاني بشر، قال فيه: " وتمضمض واسْتنْثر
ثلاثاً " (2) .
ش- إسحاق بن إسماعيل الطالقاني أبو يعقوب. سمع: ابن عيينة،
ومحمد بن فضيل، ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وإبراهيم
ابن إسحاق الحربي، وأبو القاسم البغوي، وغيرهم. قال ابن معين:
أرجو أن يكون صدوقاً. توفي في رمضان سنة ثلاثين ومائتين، وهو أول
شيخ كتب عنه البغوي (3) .
وسفيان هو ابن عيينة، وقد ذكر. وابن عقيل هو عبد الله بن محمد
ابن عقيل المذكور آنفاً.
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/308) ، وأسد الغابة
(7/107) ، والإصابة (4/300) .
(2) انظر الحديث السابق. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/341) .

(1/308)


قوله: " يُغيرُ بعض معاني بشر " وهو بشر بن المفضل المذكور، وهذه
جملة وقعت حالاً عن ابن عقيل، وهذه الرواية أخرجها الترمذي مختصراً
وقال: هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود
إسناداً.
117- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهمداني قالا: نا
الليث، عن ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن رُبيع بنت
مُعوّذ بن عفراء: " أنّ رسول الله توضأ فمسح الرأس كُلّه من قرْن الشعْر،
كل ناحية بمُنصبّ (1) الشّعر، لا يُحركُ الشّعر عن هيئته " (2) .
ش- الليث هو ابن سعد بن عبد الرحمن المصري أبو الحارث الفهْمي،
موْلى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، ولد بقلقشنْدة (3) قرية نحو أربعة
فراسخ من مصر. سمع: عطاء بن أبي رباح، ونافعاً، والزهري،
وأبا الزناد، وغيرهم. روى عنه: محمد بن عجلان، وابن المبارك،
وعبد الله بن وهب، وجماعة آخرون كثيرة. والأصح أنه كان على مذهب
أبي حنيفة. وقال ابن معين: ثقة. وعن الشافعي: إنه أفقه من مالك،
إلا أنه ضيعه أصحابه، وكان سريا نبيلاً سخيا. توفي بمصر في شعبان سنة
خمس وسبعين ومائة، وقد استكمل إحدى وثمانين سنة. روى له
الجماعة (4)
وابن عجلان هو: محمد بن عجلان، وهو من شيوخ الليث، وقد
ذكر.
قوله: " من قرْن الشعر " أي: من ناحيته وجانبه.
__________
(1) في سنن أبي داود: " لمنصب ". (2) انظر الحديث السابق.
(3) كذا، وفي تهذيب الكمال: " قرقشندة "، وفي تهذيب التهذيب (8/412) :
" قرقشندة على أربعة فراسخ من الفسطاط ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5016) .

(1/309)


قوله: " بمنصب الشعر " أي: أصل الشعر، من قولهم: نصاب الرجل
ومنصبه، أصله.
قوله: " لا يحركُ الشعر " جملة وقعت حالاً عن الضمير الذي في
" مسح "، وقد عُلم أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالاً، وكان فعلها
مضارعاً منفيا، يجوز فيه الوجهان: إتيان الواو وتركه.
وقوله: " عن هيئته " أي: عن صفته التي كان عليها من كونه مضْفوراً
أو غير مضفورٍ، والهيئة الشارة، كذا في " الصحاح ".
118- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا بكر- يعني ابن مضر- عن
ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن
عفراء أخبرته قالت: " رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ " قالت: " فمسح رأسه،
ومسح ما أقبل منه وأدبر، وصُدْغيه وأذنيه مرة واحدة " (1) .
ش- بكر- بفتح الباء- ابن مضر بن محمد بن حكيم بن سلمان (2)
المصري أبو محمد، مولى ربيعة بن شُرحبيل بن حسنة. سمع: جعفر
ابن ربيعة، ويزيد بن عبد الله بن أسامة، وغيرهم. روى عنه: عبد الله
ابن وهب، وعبد الله بن صالح، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم. قال أحمد
ابن حنبل: ثقة، ليس به بأس. توفي يوم عرفة، سنة أربع وسبعين
ومائة، وولد سنة مائة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (3) .
قوله: " وصُدغيه " الصُاع- بضم الصاد- ما بين العين والأذن،
ويسمى أيضاً الشعر المتدلي عليها صُدغاً، يقال: صُدغ معقرب، وهذا
أيضاً حجة للحنفية. وأخرجه الترمذي. وقال: " حديث الربيع حديث
حسن صحيح ".
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في تاريخ البخاري الصغير، وثقات ابن حبان، والجمع لابن القيسراني:
" سليمان ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/756) .

(1/310)


119- ص- حدثنا مسدد قال: نا عبد الله بن داود، عن سفيان بن
سعيد، عن ابن عقيل، عن الرْبيع: " أنّ النبي- عليه السلام- مسح رأسه
من ماءٍ (1) كان في يده " (2) .
ش- عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الخُريْبي أبو محمد البصري
الهمداني الشعبي، أصله كوفي، نزل البصرة بالخُريبة،/وهي محلة
بها. سمع: هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش،
والثوري، والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه: مسدد، وابن المثنى،
وابن بشار، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة مأمون.
توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلماً (3) .
وسفيان بن سعيد هو الثوري.
قوله: " كان في يده ": جملة في محل الجر؛ لأنها صفة لقوله: " من
ماء "، وهذا أيضاً حجة لأبي حنيفة.
120- ص- حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: نا وكيع، قال: نا الحسن بن
صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت مُعوذ: " أن النبي
- عليه السلام- توضأ، فأدْخل إصْبعيْه في جُحْريْ أذنيه " (4) .
ش- إبراهيم بن سعيد أبو إسحاق الجوهري البغدادي. سمع: ابن
عيينة، ووكيعاً، وروح بن عُبادة، وأبا صالح الفراء، وغيرهم. روى
عنه: أبو حاتم، وابن أبي الدنيا، وموسى بن هارون، وغيرهم. وقال
النسائي: بغدادي ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (5) .
ووكيع هو ابن الجراح.
__________
(1) في سنن أبي داود: " مسح برأسه من فضل ماء ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3248) .
(4) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مسح الأذنين (441) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/176) .

(1/311)


والحسن بن صالح بن صالح الهمداني الثوري الكوفي العابد. سمع:
عبد الله بن دينار، وسماك بن حرب، وعاصماً الأحول، وغيرهم.
روى عنه: وكيع، وابن المبارك، وأبو نعيم، وغيرهم. وقال أبو حاتم:
ثقة حافظ متقن. وقال ابن معين: ثقة مأمون. مات سنة شبع وستين
ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: " في جُحري أذنيه " الجحر بضم الجيم وسكون الحاء المهملة:
الثقب. وأخرجه ابن ماجه.
121- ص- حدّثنا محمد بن عيسى ومسدد قالا: نا عبد الوارث، عن
ليث، عن طلحة بن مُصرف، عن أبيه، عن جده قال: " رأيتُ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسحُ رأسه مرةً واحدة حتى بلغ القذال، وهو أولُ القفا ". وقال مسدد:
" مسح رأسه من مُقدمّه إلى مُؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه" (2) .
ش- عبد الوارث هو ابن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبو عُبيدة
البصري. روى عن: عبد العزيز بن صهيب، وأيوب السختياني،
ويونس بن عبيد، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الصمد، والثوري،
ومسدد، وعفان بن مسلم، وغيرهم. وقال محمد بن سعْد: كان ثقة
حجة. مات بالبصرة في المحرم سنة ثمانين ومائة 0 روى له الجماعة (3) .
وليث هذا هو ليث بن أبي سليم أبو بكر الكوفي القرشي مولى عتبة،
واسم أبي سليم أيمن روى عن: مجاهد، وطاوس، وطلحة بن
مصرف، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. روى عنه الثوري، وشعبة،
وزائدة، وغيرهم. قال أحمد: هو مضطرب الحديث. وقال الدارقطني:
صاحب سُنّة، يُخرجُ حديثه. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له
الجماعة إلا النسائي (4) .
__________
(1) المصدر السابق (6/1238) . (2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3595) .
(4) المصدر السابق (24/5017) .

(1/312)


وطلحة بن مُصرف بن عمرو بن كعب بن جحْدب (1) بن معاوية بن
سعْد بن الحارث بن ذُهل أبو محمد الكوفي. سمع: عبد الله بن
أبي أوفى، وأنس بن مالك، وسعيد بن جبير، ويروي عن أبيه، عن
جده. روى عنه: ابنه محمد، وليث بن أبي سُليم، وفطر بن خليفة،
وغيرهم. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو طلحة هو مُصرف بن عمرو الكوفي. روى عن أبيه، عن النبي
- عليه السلام- في مسح الرأس، ويُقال: له صحبة. روى عنه ابنه
طلحه. روى له أبو داود (3) .
وجد طلحة هو عمرو بن كعب الهمداني الصحابي، روى له
أبو داود (4) .
قوله: " القذال " بفتح القاف والذال المعجمة: جماع مؤخر الرأس،
وهو معقد العداد من الفرس خلف الناصية، ويقال: القذالان: ما اكتنفا
ما بين القفا عن يمين وشمال، ويجمع على أقْذلة وقُذُل.
ص- قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول ابن عيينة (5) زعموا أنه كان
ينكره، ويقول: أيش هذا طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده؟
ش- قوله: " حدثت به يحيى " أي: حدثت بهذا الحديث يحمص بن
سعيد القطان الأحول فأنكره. وابن عيينة هو سفيان بن عيينة.
قوله: " كان يُنكره " أي: كان ابن عيينة ينكر هذا الحديث، وذلك
لأجل طلحة هذا، حتى قال: أيش هذا طلحة بن مصرف؟ فكأنه جعله
__________
(1) في الأصل: " جحدر " خطأ.
(2) المصدر السابق (2/2982) .
(3) المصدر السابق (28/5979) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/296) ، وأسد الغابة
(4/485) ، والإصابة (3/300) .
(5) في سنن أبي داود: " إن ابن عيينة ".

(1/313)


مجهولاً، وأيش أصله: " أي شيء "، فخفف لكثرة الاستعمال. وفي
" الكمال " يذكر في مصرف: روى عنه ابنه طلحة. قال ابن أبي حاتم:
سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هذا خطأ، طلحة رجل من الأنصار،
وليس هو ابن مصرف، ولو كان ابن مصرف لم يُختلف فيه، ومن الناس
من ينكر صحبة عمرو بن كعب أيضاً جد طلحة.
122- ص- حدثنا الحسن بن علي قال: نا يزيد بن هارون قال: أخبرنا
عباد بن منصور، عن عكرمة بن خالد، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس
- رضي الله عنه-: " رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ "، فذكر الحديث كله:
" ثلاثاً ثلاثاً ". قال: " ومسح برأسه وبأذُنيْه مسحةً واحدة " (1) .
ش- الحسن بن علي الخلال قد ذكر.
ويزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت السلمي أبو خالد الواسطي.
سمع: سليمان التيمي، وداود بن أبي هند،/ويحيى بن سعيد
الأنصاري، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم. روى عنه: أبو سلمة
موسى بن إسماعيل، وقتيبة، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهم.
وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة إمام صدوق، لا يسأل عن
مثله. توفي سنة ست ومائتين، وولد سنة سبع عشرة ومائة. روى له
الجماعة (2)
وعباد بن منصور: أبو سلمة الناجي البصري قاضيها. روى عن:
أبي رجاء العطاردي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق، وأيوب
السختياني، وعكرمة بن خالد، وغيرهم. روى عنه: وكيع، والثوري،
وشعبة، ويحيى القطان، وغيرهم. وقال النسائي: ضعيف. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7061) .
(3) المصدر السابق (14/3093) .

(1/314)


وعكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو
ابن مخزوم المخزومي القرشي المكي، أخو الحارث بن خالد الشاعر.
سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن جبير. روى
عنه: عمرو بن دينار، وعبد الله بن طاوس، وقتادة، وعامر الأحول،
وابن جريج، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وسعيد بن جبير بن هشام الكوفي أبو محمد الأسدي الوالبي مولاهم.
سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير،
وعبد الله بن مغفل، وأبا مسعود عقبة بن عامر البدري، وأنس بن مالك،
وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: محمد بن واسع، ومالك بن
دينار، وعمرو بن دينار، والزهري، وأيوب السختياني، والأعمش،
وغيرهم. قتله الحجاج صبراً سنة خمس وتسعين في شعبان، وهو ابن
تسع وأربعين سنة. روى له الجماعة (2) .
وهذا الحديث حجة قوية للحنفية.
123- ص- حدثنا سليمان بن حرب قال: نا حماد ح، و [نا] مسدد
وقتيبة، عن حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن
أبي أمامة ذكر وضوء النبي- عليه السلام- قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح
المأقين. قال: وقال: " الأذنان من الر أس " (3) .
قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة. قال قتيبة: قال حماد: لا أدري
__________
(1) المصدر السابق (20/4004) .
(2) الصدر السابق (10/2245) .
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن الأذنين من الرأس (37) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الأذنان من الرأس (444)

(1/315)


هو من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من أبي أمامة. يعني: قصة الأذنين. قال قتيبة:
عن سنان بن أبي ربيعة (1) .
ش- سليمان بن حرب بن بجيلة الأردني الواشحي- وواشح من الأزد-
أبو أيوب البصري، نزل مكة وكان قاضيها. سمع: جرير بن حازم،
والحمادين، وسليمان بن مغيرة، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد،
وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن سعيد الدارمي،
ويعقوب بن شيبة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، وأحمد بن
عمرو، وغيرهم. توفي في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائتين،
ومولده سنة أربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وحماد هو ابن سلمة، ومسدد بن مسرهد، وقتيبة بن سعيد، وحماد
ابن زيد، كلهم ذكروا.
وسنان بن ربيعة أبو ربيعة البصري. روى عن: أنس بن مالك،
وثابت البناني، وشهر بن حوشب. روى عنه: الحمادان، وعبد الله بن
بكر، وعبد الوارث بن سعيد. قال ابن معين: ليس بالقوي. وقال
أبو حاتم: شيخ، مضطرب الحديث. روى له: البخاري، وأبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
وشهر بن حوشب أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال:
أبو عبد الرحمن الأشعري الشامي الحمصي، وقيل: الدمشقي. سمع:
عبد الله بن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وأبا سعيد الخدري،
وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: قتادة، ومعاوية بن قرة،
وعوف الأعرابي، والحكم بن أبان، وغيرهم. قال يعقوب بن شيبة:
__________
(1) في سنن أبي داود: " سنان بن ربيعة ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2502)
(3) المصدر السابق (12/2593) .

(1/316)


هو ثقة. أخرج له مسلم مقروناً مع غيره، وأخرج له الجماعة إلا
البخاري (1) .
وأبو أمامة: صدي بن عجلان بن واثلة بن رياح بن الحارث بن معن بن
مالك الباهلي، سكن حمص. رُوي له عن رسول الله- عليه السلام-
مائتا حديث وخمسون حديثاً، روى البخاري خمسة أحاديث، ومسلم
ثلاثة. روى عنه: رجاء بن حيوة، ومحمد بن زياد الألهاني،
وأبو غالب، وجماعة آخرون. مات بالشام سنة إحدى وثمانين، وقد
قيل: إنه آخر من مات من أصحاب النبي- عليه السلام- بالشام. روى
له الجماعة (2) .
قوله: " مسح المأقين " المأق: بهمز ولا تهمز هو الموق، وموق العين:
طرفها مما/يلي الأنف. واللحاظ طرفها مما يلي الأذن.
قال الخطابي: من العرب من يقول: مُأق ومُوق بضمهما، وبعضهم
يقول: مأق وموق بكسرهما، وبعضهم يقول: ماق بلا همز كماض،
والأفصح الأكثر المأقي بالهمز والياء. والمُؤق بالهمز والضم، وجمع
المُؤق " آماق " و " أماق "، وجمع المأقي " مآقي ". وفي " المطالع " فيه
لغات: مُوق وماق وموق وماق على مثال ماض، ومُوق على مثال معط
ناقص أيضاً، ومُوقي على مثال موقع، وأُمق على مثال عنق، وماقي.
ثم إن هذا المسح يجوز أن يكون خوفاً عن عدم وصول الماء إليه؛ لأن
هذا الموضع داخل في الفرض، وقد لا يلحقه الماء، ويجوز أن يكون
المسح بمعنى الغسل، كما ذكرنا أن المسح يجيء بمعنى الغسل في لغة
العرب.
__________
(1) المصدر السابق (12/2781) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 198) ، وأسد الغابة
(3/16) ، والإصابة (2/182) .

(1/317)


قوله: " قال وقال " الضمير المرفوع في " قال " الأول يرجع إلى شهر بن
حوشب، والذي في الثاني يرجع إلى أبي أمامة.
قوله: " الأذنان من الرأس " أي: تابعان للرأس في المسح، والمراد به
بيان الحكم دون الخلقة؛ لأنه- عليه السلام- لم يبعث لبيان الخلقة،
فثبت أنهما من أجزاء الرأس، فيمسحان بما مسح به الرأس، فإن قلت:
إذا كان الأذنان ممسوحين بماء الرأس ينبغي أن ينوب مسحهما عن مسح
الرأس؟ قلت: النص دلّ على أن المسح من الرأس، فلو جاز مسح
الأذنين عن مسح الرأس يلزم ترك النص بخبر الواحد، وهو لا يجوز (1) .
فإن قلت: إذا كانا من الرأس ينبغي أن يمسحان كالرأس؟ قلت: لا
يصح أن يقال: يمسحان كالرأس لكونهما من الرأس؛ لأنه لو كان كذلك
لجاز أن يقال الرجلان من الوجه؛ لأنهما يغسلان كالوجه، فلما بطل هذا
علمنا أنهما تابعان للرأس في المسح، ولذلك قال هما من الرأس؛ لأن
" من " للتبعيض، فكأنه جعلهما بعض الرأس في الحكم.
قوله: " قال حماد: لا أدري " إلى آخره، يعني: قصة الأذنين.
" (2) وأخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث ليس
إسناده بذاك القائم. وقال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب أنه
موقوف، وشهر بن حوشب ليس بالقوي. قلت: قد وقفه سليمان بن
حرب وهو ثقة، ووثقه أيضاً أحمد، ويحيى، والعجلي، ويعقوب بن
شيبة. وسنان بن أبي ربيعة أخرج له البخاري. وقال ابن القطان في كتابه
" الوهم والإيهام ": " شهر بن حوشب ضعفه قوم، ووثًقه آخرون،
وممن وثقه ابن حنبل، وابن معين. وقال أبو زرعة: لا بأس به، قال:
ولا أعرف لمضعفه حجة، وقد صحح الترمذي في كتابه حديث شهر بن
حوشب، عن أم سلمة: أن النبي- عليه السلام- لف على الحسن
__________
(1) تقدم الكلام على حجية خبر الآحاد (ص/184) .
(2) انظر: نصب الراية (1/18- 19) .

(1/318)


والحسين وعلي وفاطمة كساء، وقال: " هؤلاء أهل بيتي "، ثم قال:
هذا حديث حسن صحيح (1) .
وقال البيهقي في " سننه ": حديث الأذنان من الرأس أشهر إسناد فيه
حديث حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن
أبي أمامة. وكان حماد يشك في رفعه في رواية قتيبة عنه، فيقول: " لا
أدري من قول النبي أو من قول أبي أمامة. وكان سليمان بن حرب يرويه
عن حماد ويقول: هو من قول أبي أمامة. قلت: وقد اختلف فيه على
حماد، فوقفه ابن حرب عنه، ورفعه أبو الربيع. واختلف أيضاً على
مسدد عن حماد، فروى عنه الرفع، وروى عنه الوقف. وإذا رفع ثقة
حديثاً ووقفه آخر، أو فعلهما شخص واحد في وقتين ترجح الرافع؛ لأنه
أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الرجل حديثاً فيفتي به في وقت، ويرفعه في
وقت آخر وهو الأولى من تغليط الراوي.
وأخرج ابن ماجه في " سننه " (2) عن سويد بن سعيد، ثنا يحيى بن
زكرياء بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن
تميم، عن عبد الله بن زيد قال: قال رسول الله- عليه السلام-:
" الأذنان من الرأس ". وهذا أمثل إسناد في الباب، لاتصاله وثقة رواته،
فابن أبي زائدة وشعبة وعباد احتج بهم الشيخان، وحبيب بن زيد/ذكره
ابن حبان في " الثقات " في أتباع التابعين.
وسويد بن سعيد احتج به مسلم، وأخرج الدارقطني عن أبي كامل
الجحدري: ثنا غندر محمد بن جعفر، عن ابن جريج، عن عطاء،
عن ابن عباس: أن النبي- عليه السلام- قال: " الأذنان من الرأس" (3)
قال ابن القطان: إسناده صحيح لاتصاله، وثقة رواته ".
__________
(1) الترمذي: كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3871) .
(2) كتاب الطهارة، باب: الأذنان من الرأس (443) .
(3) سنن الدارقطني (1/99) .

(1/319)


فانظر إلى البيهقي كيف أعرض عن حديث عبد الله بن زيد، وحديث
ابن عباس، واشتغل بحديث أبي أمامة، وزعم أن إسناده أشهر إسناد لهذا
الحديث، وترك هذين الحديثين، وهما أمثل منه، ومن هنا يظهر تحامله.
وروى الطحاوي أيضاً في " شرح الآثار " بإسناده: " أن النبي- عليه
السلام- توضأ فمسح أذنيه مع الرأس "، وقال: " الأذنان من الرأس " (1) .
قوله: " قال قتيبة: عن سنان بن أبي ربيعة " يعني: قال: سنان هو ابن
أبي ربيعة. وقال أبو داود: هو ابن ربيعة، وكنيته أبو ربيعة.
***
44- باب: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً
أي: هذا باب في بيان وضوء النبي- عليه السلام- ثلاثاً ثلاثاً.
124- ص- حدثنا مسدد، نا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: " أن رجلاً أتى النبي- عليه السلام-
فقال: يا رسول الله، كيف الطُهُورُ؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاً،
وغسل (2) وجهه ثلاثا، ثم غسل فراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه وأدخل (3)
إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبْهاميْه ظاهر (4) أذُنيه، وبالسباحتين
باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: " هكذا الوُضوءُ، فمن زاد
على هذا أو نقص فقد أساء وظلم " أو " ظلم وأساء " (5) .
ش- أبو عوانة الوضاح قد ذكر.
وموسى بن أبي عائشة أبو الحسن الكوفي الهمداني، مولى آل جعدة
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) في سنن أبي داود: " ثم غسل ".
(3) في سنن أبي داود: " فأدخل " 0
(4) في سنن أبي داود: " على ظاهر ".
(5) النسائي: كتاب الطهارة، باب: الاعتداء في الوضوء (1/88) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: الأذنان من الرأس (422) .

(1/320)


ابن هبيرة. روى عن: سليمان بن صُرد، وعمرو بن حريث. وسمع:
عبيد الله بن عبد الله، وسعيد بن جبير. روى عنه: الثوري، وزائدة،
وأبو الأحوص، وأبو عوانة. وقال ابن عيينة: كان من الثقات. وقال
أبو حاتم: صالح يكتبُ حديثه. روى له الجماعة (1) .
وعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص أبو إبراهيم
السهمي القرشي المدني. سمع أباه، وجُل روايته عنه، وسعيد بن
المسيب، وطاوساً (2) ، ومجاهداً، وعروة بن الزبير، وغيرهم. روى
عنه: عطاء بن أبي رباح، والزهري، وعمرو بن دينار، وقتادة، وثابت
البناني، وجماعة آخرون كثيرة. وقال أبو زرعة: روى عنه الثقات،
وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه، عن جده، وإنما سمع أحاديث
يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها، وما أقل ما نصيبُ عنه مما روى
عن غير أبيه، عن جده من المنكر، وعامة هذه المناكير التي تُروى عنه إنما
هي عن المثنى بن الصباح، وابن لهيعة والضعفاء. وقال أبو زرعة أيضاً:
هو مكي ثقة في نفسه. وقال العجلي: هو ثقة. وقال يحيي بن سعيد:
إذا روى الثقات عنه فهو ثقة يحتج به. وقال الدارقطني: هو ثقة. وقال
يحيى القطان: هو عندنا واهي الحديث. وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال مرة: ليس بذلك. وقال أحمد: ليس بحجة، وقال مرة: ربما
احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء، وله مناكير. وقال
البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله والحميدي وإسحاق بن
إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبوه شعيب بن محمد ابن عمرو. سمع: جده عبد الله بن عمرو بن
العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس. روى
عنه: ابناه عُمر وعمرو ابنا شعيب، وثابت البناني، وعطاء الخراساني،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6271) .
(2) في الأصل: " وطاوس ".
(3) المصدر السابق (22/4385) .
21. شرح سنن أبي داوود (1)

(1/321)


وزياد بن عمرو. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
وجد شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ذكرنا كلا منهما مرة.
قوله: " كيف الطُهورُ؟ " بضم الطاء.
قوله: " السباحتين " السباحة والمُسبحة: الإصبع التي تلي الإبهام،
سميت بذلك لأنها يُشار بها عند التسبيح.
قوله: " فقد أساء " أي: في الأدب، بتركه السُّنّة، والتأدب بآداب
الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء،
[وقيل: إن الإساءة ترجع إلى الزيادة،/والظلم يرجع إلى النقصان؛ لأن
الظلم وضع الشيء في غير موضعه. قلت: هذا إنما يمشي في رواية
تقديم الإساءة على النقصان. وقيل: معناه زاد على الثلاث معتقداً أن
السُنّة لا تحصل بالثلاث، أو نقص معتقداً أن الثلاث بخلاف السُنّة.
فإن قلت: كيف يكون ظالماً في النقصان، وقد ورد في الأحاديث
الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين. قلت: الجواب عن ذلك من ثلاثة
وجوه:
الأول: أن المعنى يكون ظالماً لنفسه في تركه الفضيلة والكمال، وإن
كان يجوز مرة مرة أو مرتين مرتين.
والثاني: أنه إنما يكون ظالماً إذا اعتقد خلاف السُنّة في الثلاث كما
ذكرنا.
والثالث: أن هذا الحديث فيه مقال من جهة عمرو بن شعيب كما
ذكرنا. وقال (2) الشيخ تقي الدين في " الإمام ": هذا الحديث صحيح
عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، لصحة
الإسناد إلى عمرو.
__________
(1) المصدر السابق (12/2756) .
(2) انظر: نصب الراية (1/29) .

(1/322)


وأخرج النسائي، وابن ماجه هذا الحديث أيضاً من حديث عمرو بن
شعيب، وفي لفظ لابن ماجه: " وتعدى وظلم "، وللنسائي: " فقد
أساء وتعدى وظلم ".
***
45- باب: الوضوء مرتين
أي: هذا باب في بيان الوضوء مرتين مرتين.
125- ص- حدثنا محمد بن العلاء قال: نا زيد- يعني: ابن حُباب-
عن عبد الرحمن بن ثوبان قال: نا عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: " أن النبي- عليه السلام- توضأ مرتين مرتين " (1) .
ش- زيد بن الحباب بن الريان، وقيل: [ابن] رومان أبو الحسن
العكليُ الكوفي التميمي (2) . سمع: مالك بن أنس، وحماد بن سلمة،
وعكرمة بن عمار، وابن المبارك، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وعلي بن المديني (3) ، ونصر بن عليّ، وأبو كريب، ومحمد بن
رافع، وجماعة آخرون. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم:
صدوق صالح. توفي سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة إلا
البخاري (4) .
وعبد الرحمن بن ثوبان أبو عبد الله العنْسي- بالنون- الزاهد الدمشقي.
سمع أباه، ونافعاً، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، ومنصور بن
المعتمر، وعبد الله بن الفضل، وغيرهم روى عنه: الوليد بن مسلم،
وعلي بن عياش، وزيد بن الحباب، وعاصم بن علي، وغيرهم. وقال
ابن المديني: ليس به بأس، وكذا قال ابن معين. وقال أبو حاتم: أبوه
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين (43) .
(2) في الأصل: " التيمي ".
(3) في الأصل: " علي بن المدائني ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2095) .

(1/323)


من كبار أصحاب مكحول، ثقة، وتغير عقله في آخر حياته، وهو
مستقيم الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وعبد الله بن الفضل بن عبد الرحمن (2) بن العباس بن ربيعة بن
الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني. سمع: أنس بن مالك،
وأبا سلمة بن عبد الرحمن، ونافع بن جبير بن مطعم، وعبد الرحمن بن
هرمز الأعرج. روى عنه: موسى بن عقبة، ومالك بن أنس، ومحمد
ابن إسحاق بن يسار. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به. وقال ابن معين
وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (3) .
والأعرج هو عبد الرحمن.
قوله: " مرتين " نصبه على أنه مصدر في الأصل؛ لأن معنى قولك:
ضربت مرة أو مرتين ضربة أو ضربتين. وأما التّكْرار فهو للتأكيد، ومعنى
قوله: " توضأ مرتين " يعني: غسل أعضاءه الثلاثة، ومسح رأسه مرتين
مرتين. وأخرجه الترمذي وقال: " هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه
إلا من حديث ابن ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن
صحيح ". والحديث الذي يلي هذا الحديث مذكور في بعض النسخ في
" باب الوضوء مرة مرة ".
126- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا محمد بن بشر قال: نا
هشام بن سعد قال: نا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابنُ
عباس: أتحبون أنْ أريكم كيف كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماءٌ،
فاغْترف غرفة بيده اليُمنى، فتمضْمض واستنْشق، ثم اخذ أخرى فجمع
__________
(1) المصدر السابق (17/3775) .
(2) قال محقق " تهذيب الكمال ": " جاء في حواشي النسخ تعليق للمصنف
يتعقب فيه صاحب " الكمال " نصه: كان فيه عبد الله بن الفضل بن
عبد الرحمن بن العباس. وعبد الرحمن زيادة لا حاجة إليها. وقد ذكر
الواقدي الفضل بن العباس هذا فيمن قتل بالحرة ".
(3) المصدر السابق (15/3483) .

(1/324)


بها يديه، ثم غسل وجهه، ثم اخذ أخرى فغسل بها يده اليُمنى، ثم اخذ
أخرى فغسل بها يده اليُسْرى، ثم قبض قبضةً [أخرى] (1) من الماء، ثم
نفض يده، ثم مسح رأسهُ (2) وأذنيه، ثم قبض قبضةً أخْرى من الماء فرش
على رجْله اليُمنى وفيها النعْلُ، ثم مسحها بيده (3) يد فوق القدم ويد تحت
النعْل، ثم صنع باليُسْرى مثل ذلك " (4) .
ش- محمد بن بشر العبدي. روى عنه/البخاري. وروى له
أبو داود (5) .
وهشام بن سعد أبو سعيد (6) ، ويقال: أبو عباد المدني القرشي،
مولى آل أبي لهب. سمع: نافعاً، وزيد بن أسلم، والزهري،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، والقعنبي، وأبو نعيم، والليث بن سعد،
وغيرهم وقال أحمد: لم يكن بالحافظ، وفي رواية: ليس بمحكم
الحديث. وعن ابن معين: فيه ضعف، وفي رواية: هو صالح. وقال
أبو حاتم: يكتبُ حديثُه، ولا يحتج به، هو ومحمد بن إسحاق عندي
واحد. وقال أبو زرعة: محله الصدق. روى له الجماعة إلا البخاري (7)
وزيد بن أسلم أبو أسامة القرشي العدوي المدني، مولى عمر بن
الخطاب. روى عن: أبيه، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك،
وجابر بن عبد الله، وعطاء بن يسار، وعمران بن أبان، وغيرهم.
__________
(1) غير موجود في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " مسح بها رأسه ".
(3) في سنن أبي داود: " بيديه: يد فوق ".
(4) البخاري: كتاب الطهارة، باب: الوضوء مرة مرة، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة (42) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: الوضوء مرة مرة (1/62) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء
في الوضوء مرة مرة (411) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 5088) ، وفيه: " روى له الجماعة".
(6) في الأصل: " أبو سعد " خطأ.
(7) المصدر السابق (30/6577) .

(1/325)


روى عنه: مالك، ومعمر، وهشام بن سعد، والزهري، والثوري،
وغيرهم. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة ثلاث
وثلاثين ومائة بالمدينة. روى له الجماعة (1) .
وعطاء بن يسار: أبو محمد المدني الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي
- عليه السلام-، أخو سليمان وعبد الملك وعبد الله. سمع: أبي بن
كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وابن عباس، وابن
عُمر، وابن عمرو، وأبا أيوب الأنصاري، وأبا واقد الليثي، وأبا رافع
مولى النبي- عليه السلام-، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري،
وغيرهم. روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار،
وزيد بن أسلم، وصفوان بن سُليم، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو زرعة:
هو ثقة. توفي سنة ثلاث أو أربع ومائة " روى له الجماعة (2) .
قوله: " أتحبون " الهمزة فيها للاستفهام، تدخل النفي والإثبات في
الاستعمال.
قوله: " فمضمض واستنشق " أي: بتلك الغرفة الواحدة، وفيه دليل
لأحد الوجوه للشافعية في المضمضة والاستنشاق.
قوله: " ثم أخذ أخرى " أي: قبضة أخرى.
قوله: " ثم مسح رأسه وأذنيه " فيه دليل للحنفية.
قوله: " وفيها النعل " جملة وقعت حالاً من قوله: " على رجله ".
قوله: " ثم مسحها " أي: غسلها، كما ذكرنا أن المسح يجيء بمعنى
الغسل، والنعل لا يمنع غسل الرجل؛ لأنه لا يغطي الرجل، ولا يمنع
من وصول الماء إليها، والدليل على أنه غسل قوله: " يد فوق القدم ويد
تحت القدم "، ولو كان هذا مثل مسح الخفين لكان اكتفى بمسح بعض
القدم، وكونه استغرقها يدل على أنه غُسل؛ لأن الغسل هو الإسالة،
وقد حصلت بتلك الضربة، ولا سيما إذا رفق بها الرجل.
__________
(1) المصدر السابق (10/2088) .
(2) المصدر السابق (20/3946) .

(1/326)


وقوله: " يد فوق القدم " مجرور على أنه بدل من قوله: " بيده "،
والدليل على ما قلنا رواية البخاري في هذا الحديث: " ثم أخذ غرفة من
ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفه أخرى، فغسل
بها رجله اليسرى "، وفي لفظ النسائي: " ثم غرف غرفة فغسل رجله
اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى "، وأخرجه الترمذي أيضاً
وابن ماجه مفرقاً بنحوه مختصراً، وأخرجه البخاري مطولاً ومختصرا،
وكل ذلك يُوضح ما أبهم في رواية أبي داود.
46- باب: الوضوء مرّة مرّة
أي: هذا باب في بيان الوضوء مرة مرة.
127- ص- حدثنا مسدد قال: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني زيد
ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس- رضي الله عنه- قال: " ألا
أخبركم بوُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فتوضأ مرةً مرةً " (1) .
ش- مسدد بن مسرهد، ويحيى القطان، وسفيان الثوري، وهذا
الحديث طرف من الحديث الذي قبله، وترجم له باباً على حدة كما ترجم
البخاري والترمذي والنسائي على طرف من هذا الحديث " الوضوء مرة
مرة ".
47- باب: الفرق بين المضمضة والاستنشاق
أي: هذا باب في بيان أن المضمضة ينبغي أن تفرق وتفصل من
الاستنشاق.
128- ص- حدثنا حُميد بن مسعدة قال: نا معتمر، قال: سمعت ليْثاً
يذكرُ عن طلحة، عن أبيه، عن جده قال: " دخلتُ- يعني: على النبي
__________
(1) انظر الحديث السابق، فهو طرف منه.

(1/327)


- عليه السلام- وهو يتوضأ، والماءُ يسيلُ من وجْهه ولحْيته على صدْره،
فرأيتُهُ يفْصلُ بين المضمضة والاسْتنْشاق " (1) .
ش- حُميد بن مسْعدة بن المنير السامي الباهلي (2) أبو علي روى
عن: حماد/بن زيد، وحرب بن ميمون، وجعفر بن سليمان، ومعتمر
ابن سليمان، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، ومسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. وقال أبو حاتم: كان
صدوقاً. توفي سنة أربع وأربعين ومائتين (3) .
ومعتمر بن سليمان بن طرخان قد ذكر. وليث هو ابن أبي سُليم، وقد
ذكر. وطلحة هو ابن مصرف بن عمر [و] بن كعب، كلهم قد ذكروا.
قوله: " وهو يتوضأ " جملة وقعت حالاً من " النبي- عليه السلام- ".
قوله: " والماء يسيل من وجهه " أيضاً جملة وقعت حالاً، ويجوز أن
يكون من الأحوال المتداخلة، أو الأحوال المترادفة، وفيه دليل أن الماء
المستعمل لا يُعطى له حكم الاستعمال إلا بالاستقرار في موضع، وهو
القول الصحيح للحنفية.
قوله: " فرأيته " أي: فرأيت النبي- عليه السلام- يفصل بين المضمضة
والاستنشاق بالماء، والمعنى: أخذ لكل منهما ماء برأسه؛ لأن الفصل لا
يكون إلا هكذا.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) قال محقق تهذيب الكمال: " قال مغلطاي- وهو محق-: أنًى يجتمع سامة
ابن لؤي بن غالب وباهلة بن أعصر؟ هذا ما لا يمكن إلا بأمر مجازي لا
يستعمل هنا "
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/538) .

(1/328)


48- باب: في الاستنثار
أي: هذا باب في بيان الاستنثار، وهو استفعال من نثر ينثر- بالكسر-
إذا امتخط، وقد بينا الكلام فيه مستوفى.
129- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا توضأ أحدُكُم فليجعلْ
في أنْفه ماءً، ثم لينثرْ (1) " (2) .
ش- قوله: " ثم لينتثر " أي: ليمتخط، وهذا يدل على [أن]
الاستنثار غير الاستنشاق، وأنه هو إخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في
الأنف من مخاط وشبهه، وهذا يرد على من ذكر في الروايات المتقدمة أن
الاستنثار والاستنشاق واحد، وقد تمسك به من يقول بوجوب الاستنشاق
لمطلق الأمر. قلنا: الأمر محمول على الندب لقيام الأدلة الدالة عليه.
وأخرجه البخاري، والنسائي، ومسلم أيضاً من وجه آخر.
130- ص- حدّثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا وكيع قال: نا ابن
أبي ذئب، عن قارظ، عن أبي غطفان، عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله
- عليه السلام-: " اسْتنْثرُوا مرتين بالغتين أو ثلاثاً " (3) .
ش- إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان (4) قد ذر، وكذا وكيع بن
الجراح، وكذلك ابن أبي ذئب.
وقارظ - بالقاف والظاء المعجمة- ابن شيبة بن قارظ، من بني ليث
__________
(1) في سنن أبي داود: " لينثر ".
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الاستنثار في الوضوء (161) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار (237) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الاستنثار (1/65، 66) .
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (408) .
(4) في الأصل: " ذان ".

(1/329)


ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة أخو عمرو، من حُلفاء بني زهرة. روى
عن: سعيد بن المسيب، وأبي غطفان. روى عنه: أخوه عمرو، وابن
أبي ذئب. توفي بالمدينة في خلافة عبد الملك، وكان قليل الحديث.
روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبو غطفان بن طريف المُري، ويقال: ابن مالك. روى عن: ابن
عباس، وأبي هريرة. روى عنه: إسماعيل بن أمية، وعمر بن حمزة بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب، وداود بن الحصين، وقارظ بن شيبة. قال
محمد بن سعد: كان قد لزم عثمان، وكتب له، وكتب أيضاً لمروان.
روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " بالغتين " أي: كاملتين فيه دليل على أن الاستنثار لا يلزم أن
يكون مع كل استنشاقة. وأخرجه ابن ماجه.
131- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: نا يحيى بن سليم،
عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه لقيط بن
صبرة قال: كُنتُ وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: فلما قدمنا على رسول الله فلمْ نُصادفْهُ في منزله، وصادقْنا عائشة
أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قال: فأمرتْ كنا بخزيرة فصُنعتْ لنا. قال:
واتينا بقناع- ولم يُقمْ (3) قتيبة القناع، والقناعُ طبق فيه تمر- ثم جاء
رسولُ الله فقال: هلْ أصبتُمْ شيئاً؟ أوْ أمر لكم بشيء؟ قال: فقلنا: نعم
يا رسول الله، قال: فبيْنا نحنُ مع رسول الله جُلوس إذ دفع الراعي غنمهُ إلى
المُراح، ومعه سخْلة تيْعرُ، فقال: ما ولدت يا فُلانُ، قال: بهْمة، قال:
فاذبحْ لنا مكانها شاة ثم قال: لا تحسبن، ولم يقل: لا تحسبن أنا من أجْلك
ذبحناها، لنا غنم مائة لا نُريدُ أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحْنا مكانها
شاة، قال: قلتُ: يا رسول الله، إن لي امرأة وإن في لسانها شيئاً- يعني:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4779) .
(2) المصدر السابق (34/7565) .
(3) في سنن أبي داود: " ولم يقل ".

(1/330)


البذاء-/قال: فطلّقْها إذاً. قال: قلتُ: يا رسول الله، إن لها صُحْبةً ولي
منها ولدٌ. قال: فمُرْها. يقول: عظها، فإنْ يكُ فيها خيرٌ فستفْعل، ولا
تضربْ ظعينتك كضرْبك أُميّتك. قلت: يا رسول الله، أخبرني عن
الوُضوء. قال: أسْبغ الوُضوء، وخلّلْ بين الأصابع، وبالغْ في الاسْتنشاق إلا
أن تكون صائماً " (1)
ش- يحيى بن سُليم أبو محمد ويقال: أبو زكريا القرشي الطائفي
الخراز- بالخاء المعجمة، والراء وفي آخره زاي- الحذاء المكّي. روى
عن موسى بن عقبة (2) ، وسمع: إسماعيل بن أمية، وإسماعيل بن
كثير، وابن جريح، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع،
والشافعي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة
كثير الحديث. روى له الجماعة (3) .
وإسماعيل بن كثير المكي أبو هاشم. روى عن: مجاهد، وسعيد بن
جبير، وعاصم بن لقيط بن صبرة. روى عنه: ابن جريج، والثوري،
ويحيى بن سُليم الطائفي، وداود بن عبد الرحمن العطار. قال أحمد:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث
روي له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وعاصم بن لقيط بن صبرة العُقيلي الحجازي. روى عن أبيه. روي
عنه إسماعيل بن كثير. قال البخاري: هو عاصم بن أبي رزين. روى
له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل الأصابع (38) ، وكتاب:
الصوم، باب: ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق (87) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (407) .
(2) في الأصل: " عيينة " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6841) .
(4) المصدر السابق (3/473) .
(5) المصدر السابق (13/3025) .

(1/331)


ولقيط (1) بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل أبو رزين
العقيلي، عداده في أهل الطائف، ومنهم من يجعل لقيط بن صبرة لقيط
ابن عامر بن صبرة، ومنهم من يجعله غيره. قال ابن عبد البر: وليس
بشيء. وقال أبو محمد عبد الغني: أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر،
وهو لقيط بن صبرة. وقيل: إنه غيره، وليس بصحيح. كان النبي
- عليه السلام- يكره المسائل، فإذا سأله أبو رزين أعجبه (2) مسألته.
روى عنه: ابن أخيه وكيع بن عُدُس، ويقال: ابن حدس، وابنه
عاصم، وعمرو بن أوس روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (3) .
وصبرة: بفتح الصاد المهملة، وكسر الباء الموحدة، وفتح الراء
المهملة، وبعدها تاء تأنيث، وبعضهم يُسكن الباء.
قوله: " في آخرين " أي: في جماعة آخرين، أشار بهذا إلى أن
أبا داود روى هذا الحديث عن قتيبة وهو بين جماعة كثيرة، وكل واحد
منهم حدّث عن يحيى بن سُليم، وموضعها النصب على الحال،
والتقدير: حدثنا قتيبة بهذا الحديث حال كونه مُحدثاً به في جماعة آخرين.
و" آخرين " جمع " آخر " بفتح الخاء، والفرق بين " الآخر " بالفتح،
و" الآخر" بالكسر: أن المفتوح اسم التفضيل وفيه معنى الصفة؛ لأن
__________
(1) قال الحافظ في " التهذيب " (8/457) : " تناقض في هذا المزي، فجعلهما
هنا واحدا، وفي الأطراف اثنين، وقد جعلهما ابن معين واحداً، وقال: ما
يعرف لقيط غير أبي رزين، وكذا حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل، وإليه
نحا البخاري، وتبعه ابن حبان وابن السكن، وأما عليّ بن المديني وخليفة بن
خياط وابن أبي خيثمة وابن سعد ومسلم والترمذي وابن قانع والبغوي وجماعة
فجعلوهما اثنين. وقال الترمذي: سألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا،
فأنكر أن يكون لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر ".
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال: " أعجبته ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/324) ، و (4/71) ، وأسد
الغابة (4/522- 523) ، والإصابة (3/329) .

(1/332)


" أفعل من كذا " لا يكون إلا في الصفة، ومعناه أحد الشيئين، والأنثى منه
أخرى، والجمع " آخرون ". وأما المكسورة فهي صفة، ومعناه: بعد
الأول، تقول: جاء آخر، أي: أخيراً، والأنثى منه: آخرة، والجمع
" أواخر.
فإن قيل: إذا كان آخر- بالفتح- اسم التفضيل، ينبغي أن يستعمل
باللام أو الإضافة، أو " من " كما عرف في اسم التفضيل. قلت: قد
يستعمل اسم التفضيل مجرداً عن هذه الثلاثة نحو: الله أكبر، أي: أكبر
من كل شيء، وهنا أيضاً إذا قلت: حدثني فلان وفلان آخر معناه آخر
من الأول فافهم.
قوله: " كنت وافد بني المنتفق " الوافد واحد الوفد، والوفْد: القوم
الذين يأتون الملوك ركباناً، وقيل: هم القوم يجتمعون ويردُون البلاد،
والذين يقصدون الأمراء للزيارة أو الاسترفاد، تقول: وفد يفد فهو وافد،
وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء فهو مُوفد، والمنتفق: بضم الميم،
وسكون النون، وفتح التاء المثناة من فوق، وكسر الفاء، وبعدها قاف:
هو المنتفق بن عامر بن عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن
معاوية بن بكر بن هوازن، قبيل مشهور منهم جماعة من الصحابة،
وغيرهم.
قوله: " فلم نُصادفه " أي: لم نجده، قال في " الصحاح ": صادفت
فلاناً وجدته.
قوله: " في منزله " المنزل المنهل، والدار والمنزلة مثله.
قوله: " بخزيرة " الخزيرة من الأطعمة: بفتح الخاء المعجمة، وكسر
الزاي، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها راء مهملة، وتاء تأنيث:
ما اتخذ من دقيق ولحم، يقطع اللحم/صغاراً، ويصب عليه الماء،
فإذا نضج ذُر عليه الدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، والحريرة:
بفتح الحاء المهملة، ورائين مهملتين: حساء من دقيق ودسم.

(1/333)


قوله: " بقناع " القناع: بكسر القاف- كذا ذكر في " دستور اللغة " في
باب القاف المكسورة-: وهو الطبق الذي يؤكل عليه.
وقال الخطابي (1) : " سُمي قناعاً لأن أطرافه قد أقنعت إلى داخل،
أي: عُطفت ".
وقال ابن الأثير (2) : " ويقال له: القُنع بالكسر والضم، وقيل:
القناع جمعه، وهو الطبق من عُسُب النخل ".
قوله: " ولم يُقم قتيبةُ القناع " أي: لم يثبته.
قوله: " هل أصبتم شيئاً؟ " أي: هل وجدتم شيئاً مما يؤكل؟
قوله: " فبينا نحن " أصل " بينا ": " بين "، فأشبعت الفتحة وصارت
ألفاً يقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المناجاة، ويضافان إلى
جملة من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتم به
المعنى، والأفصح في جوابهما: أن لا يكون فيه إذ وإذا، وقد جاءا كثيراً
في الجواب تقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه،
وإذا دخل عليه ومنه قول الحرقة بنت النعمان:
بينا نسوس الناس والأمرُ أمرُنا ... إذا نحن فيهم سوقة تتنصف
وقوله: " نحن " مبتدأ وخبره قوله: " جلوس "، والجلوس جمع
" جالس " كالسجود جمع " ساجد "، وهي جملة أضيفت إليها، فـ " بينا "
وجوابها قوله: " إذ دفع الراعي غنمه "، وفي بعض النسخ: " إذ رفع "
بالراء، والغنم اسم مؤنث موضوع للجنس، يقع على الذكور وعلى
الإناث، وعليهما جميعاً.
قوله: " إلى المُراح " المراح- بضم الميم- الموضع الذي تروح إليه
الماشية، أي: تأوي إليه ليلاً، وأما بالفتح فهو الموضع الذي يروح إليه
القوم، أو يروحون منه، كالمغذى للموضع الذي يُغذى منه.
__________
(1) معالم السنن (1/46) .
(2) النهاية (4/115) .

(1/334)


قوله: " ومعه سخلة " السخلة- بفتح السين المهملة، وسكون الخاء
المعجمة- وقال أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة وضعه من الضأن والمعز
جميعاً، ذكراً كان أو أنثى سخلةٌ، وجمعه سخل وسخالٌ.
قوله: " تيعر " صفة للسخلة، من اليعار وهو صوت الشاة.
وقال ابن الأثير: يقال (1) : " تعرت العنز تيعر- بالكسر- يُعاراً
- بالضم- أي: صاحت ". وفي " الجمهرة ": تيعر وتيعر- بالكسر
والفتح-، وكذا في " الدستور ".
قوله: " ما ولدت ": بتشديد اللام على معنى خطاب الشاهد. وقال
الخطابي (2) : " وأصحاب الحديث يروونه على معنى الخبر، يقولون: ما
ولدت- خفيفة اللام ساكنة التاء- أي: ما ولدت الشاة، وهو غلط،
يقال: وّلدت الشاة إذا حضرت ولادتها فعالجتها حتى يبين منها الولد ".
والمُولِّد والناتج للماشية كالقابلة للنساء، والمولدة القابلة.
قوله: " بهمة " والبهمةُ: ولد الشاة أول ما تولد، يقال للمذكر
والمؤنث، والسخال أولاد المعز، فإذا اجتمع البهائم والسخال قلت لهما
جميعاً بهام وبُهم أيضاً، وجعل لبيد في شعره أولاد البقر بهاماً، وقيل:
البُهمة الذكر والأنثى من أولاد بقر الوحش والغنم والماعز. وقيل: قوله
- عليه السلام-: " ما ولدت " وجوابه: " ببُهمة " يدل على أن البُهمة
اسم للأنثى؛ لأنه إنما سأله ليُعلمه أذكر ولَّد أم أنثى، وإلا فقد كان يعلم
أنه إنما ولد أحدهما.
قوله: " لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها ": " (3) معناه: ترك الاعتداد
به على الضيف، والتبرؤ من الرياء، و " تحسبن " مكسورة السن إنما هي
لغة عليا مصر، و " تحسبن " بفتحها لغة: سفلاها، وهو القياس عند
النحويين؛ لأن المستقبل من فعل مكسور العين " يفعل " مفتوحها كعلم
__________
(1) النهاية (5/297) .
(2) معالم السنن (1/46) .
(3) انظر: معالم السنن (1/47) .

(1/335)


يعْلمُ، وعجل يعْجل، إلا أن حروفاً شاذة قد جاءت نحو: نعم ينعم،
ويئس ييئس، وحسب يحسب، وهذا في الصحيح، فأما المعتل فقد جاء
فيه: ورم يرمُ، ووثق يثقُ، وورع يرعُ ".
قوله: " أنا من أجلك " بالفتح؛ لأن أن مع اسمه وخبره سدّ مسد
مفعولي: " لا تحسين ".
قوله: " لنا غنم مائة " جملة وقعت كالتعليل في ذبح الشاة.
قوله: " فإذا ولد الراعي " بتشديد اللام.
قوله: " البذاء " بالذال المعجمة ممدوداً: الفحش في القول، وقيل فيه:
بالقصر، وليس بالكثير.
/قوله: " عظها " أمر من وعظ يعظ، وأصله أوعظ، فحذفت الواو
تبعاً لمضارعه، واستغنى عن الهمزة بحركة العين، فصار " عظ " على
وزن " علْ "؛ لأن الساقط منه فاء الفعل.
قوله: " فإن يك " أصله: " يكُن " حذفت النون للتخفيف، وهو كثير
في كلام العرب.
قوله: " ولا تضرب ظعينتك " الظعينة- بفتح الظاء المعجمة، وكسر
العين المهملة-: المرأة، سميت بذلك لأنها تظعن مع الزوج، وتنتقل
بانتقاله، وأصله الهوادج التي تكون بها، ثم تسمى النساء كذلك،
وقيل: لا تسمى إلا المرأة الراكبة، وكثر حتى استعمل في كل امرأة،
وحتى سمي الجمل الذي تركب عليه ظعينة، ولا يقال ذلك إلا للإبل التي
عليها الهوادج.
قوله: " كضربك أميتك " الضرب مصدر مضاف إلى فاعله، ومفعوله
" أميتك "، والأمية تصغير أمة، صغرها لتحقير قدرها بالنسبة إلى الحرة.
قوله: " أسبغ الوضوء " أي: أكمله وتممه.
قوله: " وخلل بين الأصابع " التخليل: إدخال الشيء في خلال الشيء،

(1/336)


وهو وسطه، والمعنى: أن يُدخل بعض أصابعه في بعض، مبالغة في
استيفاء الفرض، والنقول عن مشايخنا في التخليل أنه من الأسفل إلى
فوق، لما روي في " شرح مختصر الكرخي " عن أنس: " أنه- عليه
السلام- كان إذا توضأ شبك أصابعه، كأنها أسنان المُشط " (1) ، ولكن
الحديث بعمومه يتناول أي تخليل كان، ويتناول أيضاً تخليل أصابع اليدين
والرجلين.
قوله: " وبالغ في الاستنشاق " والمبالغة فيه: أن يتمخط في كل مرة،
ويقال: يدخل إصبعه في أنفه، وإنما استثنى حالة الصوم؛ لأنه يخاف
عليه دخول الماء من خيشومه إلى حلقه، فيفسد صومه.
فإن قيل: " (1) السائل سأل عن الوضوء بقوله: أخبرني عن الوضوء،
فظاهر هذا السؤال يقتضي الجواب عن جملة الوضوء، ليطابق الجواب
السؤال، ولم يجبه- عليه السلام- إلا عن بعض الوضوء، وهو خارج
عن أركانه؟ قلت: اقتصر- عليه السلام- في الجواب على تخليل
الأصابع والاستنشاق، لعلمه أنه لم يسأل عن حكم ظاهر الوضوء، وإنما
سأله عما يخفى من حكم باطنه، وذلك لأن غسل باطن الأنف غير
معقول من نص الكتاب في الآية، ثم أوصاه بتخليل الأصابع؛ لأن آخذ
الماء قد يأخذه بجميع الكف، وضم الأصابع بعضها إلى بعض، فيسد ما
بينهما، فربما لا يصل الماء إلى باطنها، وكذلك في أصابع الرجل لأنها
ربما يركبُ بعضها على بعض حتى تكاد تلتحم، فقدم له الوضاءة
بتخليلها، وأكد القول فيها لئلا يغفلها.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل إذا نزل عند أحد
ضيفاً ولم يجده في منزله، فالمستحب لأهله أن يطعموه شيئاً، ولا
يؤخروه إلى حضور صاحب المنزل.
والثانية: يستحب أن يقدم للضيف خيار ما عندهم من المأكول.
__________
(1) انظره في معالم السنن (1/47- 48) ، فقد نقل المصنف معظمه، وزاد عليه.
22. شرح سنن أبي داوود 1

(1/337)


والثالثة: يستحب للرجل إذا أتى منزله ووجد فيه ضيفاً يسأل عنه، هل
أكل شيئاً؟
والرابعة: يكره للرجل أن يمن على ضيفه، أو يرائي في فعله.
والخامسة: يستحب للرجل أن يفارق المرأة الفحاشة.
والسادسة: يستحب له أن ينصحها ويعظها من الآيات والحديث.
والسابعة: أنه لا يأثم على إمساك امرأة فحاشة؛ لأنه لما قال: " إن لها
صحبة، ولي منها ولد "، ما أمره بالطلاق، بل أمره بالوعظ والنصيحة.
والثامنة: يفهم من صريح النهي عدم جواز ضرب المرأة، وقد استدل
البعض بقوله: " لا تضرب ظعينتك " على عدم جواز ضرب الرجل
امرأته، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى أباح ذلك بقوله:
(واضْربُوهُن) (1) فله أن يضربها عند الحاجة إليه، وإنما المراد من النهي
هاهنا تبريح الضرب، كما تضرب المماليك في عادات من يستجيز ضربهن
ويستعمل سوء الملكة فيهم، وتمثيله بضرب المماليك لا يوجب إباحة
ضربهم، وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذم لأفعالهم، ونهاه عن
الاقتداء بهم، وقد نهى- عليه السلام- عن ضرب المماليك إلا في
الحدود،/وأمرنا بالإحسان إليهم وقال: " من لم يوافقكم منهم فبيعوه،
ولا تعذبوا خلق الله "، وأما ضرب الدواب فمباح؛ لأنها لا تنادى
بالكلام، ولا تعقل معاني الخطاب كما يعقل الإنسان، وإنما يكون تقويمها
غالباً بالضرب، وقد ضرب رسول الله- عليه السلام- بعيره بمحجنه،
ونخس جمل جابر حين أبطأ عليه فسبق الركب حتى ما ملك رأسه.
والتاسعة: يستحب للرجل أن يسأل أهل العلم عما لا يعلمه.
والعاشرة: يستحب للعالم أن يجيب عن مسائل الناس ولا يكتم علمه،
فإن تعين عليه يحب علي الجواب.
__________
(1) سورة النساء: (34) .

(1/338)


الحادية عشر: فيه دليل على أن إسباغ الوضوء سُنّة.
الثانية عشر: فيه دليل على أن تخليل الأصابع سُنّة.
الثالثة عشر: فيه دليل على أن الاستنشاق سُنة، وقد ذهب بعضهم
إلى أنه واجب بظاهر الأمر، وتخصيصه بالذكر مرتين أفعال الوضوء.
قلنا: قد دلت دلائل أخرى على أنه سُنة، فيحمل الأمر هاهنا كذلك
ولو كان واجباً لكان على الصائم كهو على المفطر، وأما تخصيصه بالذكر
والتحريض عليه، إنما جاء لما فيه من المعونة على القراءة، وتنقية مجرى
النفس الذي يكون به التلاوة، وبإزالة ما فيه من الثقل تصح مخارج
الحروف. وقال ابن أبي ليلى، وإسحاق بن راهويه: إذا ترك الاستنشاق
في الوضوء أعاد الصلاة، وكذلك إذا ترك المضمضة.
الرابعة عشر: فيه دليل على أن المبالغة في الاستنشاق في حق الصائم
مكروهة، وكذلك المضمضة.
الخامسة عشر: فيه دليل على أنه إذا بالغ فيه ذاكرا لصومه، فوصل الماء
إلى دماغه فقد أفسد صومه " (1) .
132- ص- وحدثنا عقبة بن مُكْرمٍ قال: نا يحيى بن سعيد قال: نا ابن
جريج قال: حدثني إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن
أبيه وافد بني المنتفق: أنه أتى عائشة، فذكر معناه، قال: فلم ينْشبْ (2) أن
جاء النبيُ- عليه السلام- يتقلعُ يتكفأ، وقال: " عصيدة " مكان " خزيرة " (3) .
ش- عقبة بن مكرم بن أفلح أبو عبد الملك العمي البصري. روى عن:
محمد بن جعفر غندر، وربعي ابن عُلية، وأبي عاصم النبيل، وغيرهم.
روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبغوي،
وغيرهم. مات بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين. قال الخطيب: وكان
ثقة (4) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(2) في سنن أبي داود: " ننشب "
(3) انظر الحديث رقم (131) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3988) .

(1/339)


قوله: " فذكر معناه " أي: معنى الحديث المذكور. واختلف في نقل
الحديث بالمعنى، فقالت طائفة من أصحاب الحديث، والفقه،
والأصول: لا يجوز مطلقاً، وجوز بعضهم في غير حديث النبي- عليه
السلام- ولم يجوزوا فيه، وعند الجمهور يجوز في الجميع. إذا جزم بأنه
أدى المعنى، وهذا هو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم
في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة.
قوله: " فلم ينشب " يقال: لم ينشب أن فعل كذا، أي: لم يلبث،
وحقيقته: لم يتعلق بشيء غيره ولا سواه من نشب الشيء ينشبُ- مثل:
علم يعلم- نُشوباً، أي: علق فيه، وأنشبته أنا: أعلقته فانتشب،
وأنشب العابد: أعلق، ونشبت الحرب بينهم: علقت، و " أن " في
قوله: " أن جاء " مفسرة، مثل قوله تعالى: (فأوْحيْنا (1) إليْه أن اصْنع
الفُلك) (2) ، ويجوز أن تكون مصدرية، والمعنى لم يلبث مجيئه.
قوله: " يتقلع يتكفأ " حالان إما من الأحوال المتداخلة، أو من الأحوال
المترادفة، ومعنى " يتقلع: يمشي بقوة، كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً
قويا، لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه، فإن ذلك من مشي الشاء،
ويوصفْن به. ومعنى " يتكفأ " يتمايل كما تتمايل السفينة يميناً وشمالاً،
كذا فسره بعضهم. وقال الأزهري: " هذا خطأ، وهذه مشية المختال،
وإنما معناه: يميل إلى جهة ممشاه ومقصده، وقد يكون مذموماً إذا قُصد،
فأما إذا كان خلْقة فلا ". وقال ابن الأثير (3) : " روي غير مهموز،
والأصل الهمز، وبعضهم يرويه مهموزاً، ومعنى " يتكفأ ": يتمايل إلى
قُدام ".
133- ص- ونا محمد بن يحيى بن فارس قال: نا أبو عاصم قال: نا
ابن جريج بهذا الحديث قال فيه: " إذا توضأت فمضمض " (4) .
__________
(1) في الأصل: " وأوحينا ".
(2) سورة المؤمنون: (27) .
(3) النهاية (4/183) .
(4) انظر الحديث رقم (131) .

(1/340)


ش- محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله
النيسابوري الإمام، وأبو عاصم النبيل، وعبد الملك بن جريج.
قوله: " بهذا الحديث " إشارة إلى الحديث الذي سبق.
/قوله: " قال فيه " أي: في هذا الحديث. وأخرجه الترمذي في
الطهارة، وفي الصوم مختصراً، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في الطهارة، والوليمة مختصرا وأخرجه ابن ماجه في
الطهارة مختصرا.
***
49- باب: تخليل اللحية
أي: هذا باب في بيان حكم تخليل اللحية.
134- ص- حدثنا أبو توبة- يعني: الربيع بن نافع- قال: نا أبو المليح،
عن الوليد بن زوران، عن أنس بن مالك: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ
اخذ كفا من ماء فأدخلهُ تحت حنكه، فخلّل به لحْيته، فقال: هكذا أمرني
ربي عزّ وجلّ " (1)
.ً
ش- أبو المليح المدني، روى عن أبي صالح، روى عنه وكيع، روى
له أبو داود (2) .
والوليد بن زوران السلمي الرقي. روى عن: أنس بن مالك،
وميمون بن مهران روى عنه: أبو المليح الرقي، وحجاج بن الحجاج،
وجعفر بن برقان. روى له أبو داود (3) .
قوله: " تحت حنكه " الحنك: ما تحت الذقن من الأسنان وغيره. وبهذا
استدل أبو يوسف من أصحابنا أن تخليل اللحية سُنة. " (4) وروى أيضاً
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1255) .
(3) المصدر السابق (31/6704) .
(4) انظره كاملاً في نصب الراية (1/23- 26)

(1/341)


أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه " فقال: حدثنا وكيع، ثنا الهيثم بن
جماز، عن يزيد بن أبان، عن أنس: أن النبي- عليه السلام- قال:
" أتاني جبريلُ فقال: إذا توضأت فخلل لحيتك ". ورواه ابن عدي في
" الكامل "، ولفظه: " جاءني جبريلُ فقال: يا محمد، خلل لحيتك بالماء
عند الطهور " (1) . وروى تخليل اللحية عن النبي- عليه السلام- من
الصحابة: عثمان، وأنس، وعمار، وابن عباس، وأبو أيوب، وابن
عمر، وأبو أمامة، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو الدرداء، وكعب بن
عمرو، وأبو بكرة، وعائشة، وجابر، وأم سلمة.
أما حديث عثمان فما رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عامر بن
شقيق الأسدي، عن أبي وائل، عن عثمان: " أن رسول الله- عليه
السلام- كان يخلل لحيته " وقال الترمذي: " إنه- عليه السلام-
توضأ وخلل لحيته "، وقال: حديث حسن صحيح. وقال البخاري:
أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل، عن
عثمان- رضي الله عنه-. ورواه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم
في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد (2) .
وأما حديث أنس- رضي الله عنه- فما رواه أبو داود.
وأما حديث عمار بن ياسر فما رواه الترمذي وابن ماجه: حدثنا محمد
ابن أبي عمر العدني، ثنا سفيان، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن
حسان بن بلال، عن عمار بن ياسر قال: " رأيتُ رسول الله- عليه
السلام- يخلل لحيته " (3) .
وأما حديث ابن عباس فما رواه الطبراني في " معجمه الوسط ":
__________
(1) الكامل (8/396، ترجمة الهيثم بن جماز) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل اللحية (31) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل اللحية (430) ، الحاكم (1/149) .
(3) الترمذي (29) ، ابن ماجه (429) .

(1/342)


حدثنا أحمد بن إسماعيل الوساوسي البصري، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا
نافع أبو هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس قال: دخلت على رسول الله
وهو يتوضأ، فغسل يديه، ومضمض، واستنشق ثلاثاً ثلاثاً، وغسل
وجهه ثلاثاً، وخلل لحيته ... " الحديث (1) .
وأما حديث أبي أيوب الأنصاري فرواه ابن ماجه من حديث واصل بن
السائب، عن أبي سورة، عن أبي أيوب قال: " رأيت رسول الله توضأ
فخلل لحيته " (2) .
وأما حديث ابن عمر فرواه ابن ماجه أيضاً: حدثنا هشام بن عمار،
ثنا عبد الحميد بن حبيب، ثنا الأوزاعي، ثنا عبد الواحد بن قيس،
حدثني نافع، عن ابن عمر قال: " كان رسول الله إذا توضأ عرك
عارضته بعض العرْك، ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها " (3) .
وأما حديث أبي أمامة فرواه الطبراني في " معجمه "، وابن أبي شيبة
في " مصنفه ".
وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فرواه الطبراني أيضاً.
وأما حديث أبي الدرداد فرواه الطبراني أيضاً.
وأما حديث كعب بن عمرو فرواه الطبراني أيضاً.
وأما حديث أبي بكرة فرواه البزار في " مسنده ".
وأما حديث عائشة فرواه الحاكم في " المستدرك " وأحمد في " مسنده ".
وأما حديث جابر فرواه ابن عدي في " الكامل " (4) .
وأما حديث أم سلمة فرواه الطبراني في " معجمه "، وكلها مدخولة
وأمثلها حديث عثمان كما ذكرنا.
وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل ": سمعت أبي يقول: لا يثبت
في تخليل اللحية حديث " (5) . ولأجل هذا قال أبو حنيفة: تخليل
اللحية فضيلة وليست بسُنة، وبه قال محمد.
(1) العجم الأوسط (2/2277) .
(2) ابن ماجه (433) .
(3) ابن ماجه (432) .
(4) الكامل (2/89، ترجمة أصرم بن غياث) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(1/343)


ص- قال أبو داود: الوليد بن زوران روى عنه الحجاج بن الحجاج،
وأبو المليح الرقي.
ش- هذه ليست بموجودة في النسخ الصحيحة، وحجاج بن الحجاج
الأحول البصري الباهلي.
***
/50- باب: المسح على العمامة
أي: هذا باب في بيان المسح على العمامة.
135- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا يحيى بن سعيد،
عن ثور، عن راشد بن سعد، عن ثوبان قال: " بعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1)
سريةً فأصابهُمُ البردُ، فلما قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم أن يمْسحُوا على
العصائب والتساخين " (2) .
ش- يحيى بن سعيد القطان، وثور بن يزيد قد ذُكرا.
وراشد بن سعد المقرائي، ويقال: الحُبْراني. سمع: معاوية بن
أبي سفيان وشهد معه صفين، وثوبان مولى رسول الله- عليه السلام-،
ويعلى بن مرة، وأبا أمامة الباهلي. روى عن: أنس بن مالك، وعمرو
ابن العاص، وغيرهما من الصحابة والتابعين. روى عنه: ثور بن يزيد،
وحريز بن عثمان، ومعاوية بن صالح، وغيرهم. قال أحمد: لا بأس
به. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثمان ومائة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وثوبان بن بُجدد مولى النبي- عليه السلام- قد ذكر.
قوله: " سرية " السرية: طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، تبعث
إلى العدو، وجمعها: " السرايا "، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة
__________
(1) في الأصل: " عليه وسلم ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1826) .

(1/344)


العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس، وقيل: سموا بذلك لأنهم
ينفذون سرا وخفية، وهذا ليس بشيء لأن لام السر " راء "، وهذه "ياء".
قوله: " على العصائب " العصائب: العمائم، سميت بذلك لأن
الرأس يعصب بها، وكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة
فهو عصابة.
قوله: " والتساخين " (1) التساخين: الخفاف، ويقال: أصل ذلك:
كل ما تسخن به القدم من خُف وجورب ونحوهما، ولا واحد للتساخين
من لفظها، وقيل: واحدها: تسْخان، وتسخن، وتسخن، والياء فيها
زائدة. وذكر حمزة الأصفهاني (2) أن التّسخان فارسي معرب " تثْكن "،
وهو اسم غطاء من أغطية الرأس، كان العلماء والموابذةُ يأخذونه على
رؤوسهم خاصة دون غيرهم. وقال: من تعاطى تفسيره هو الخفُ لم
يعرف فارسيته " (3) .
" (4) وقد اختلف أهل العلم في المسح على العمامة، فذهب إلى
جوازه جماعة من السلف. وقال به من فقهاء الأمصار: الأوزاعي،
وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وداود. وقال أحمد:
قد جاء ذلك عن النبي- عليه السلام- من خمسة أوجه، وشرط من
جوّز المسح على العمامة أن يعتم الماسح عليها بعد كمال الطهارة، كما
يفعله من يريد المسح على الخفين. وروي عن طاوس أنه قال: " لا يمسح
على العمامة التي تجعل تحت الذقن، وأبى المسح على العمامة أكثر الفقهاء،
وتأولوا الخبر في المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر عل مسح
بعض الرأس، فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره، ولا ينزع عمامته عن رأسه
__________
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث (2/352) .
(2) في الأصل: " الأصهاني "، وهو صاحب كتاب الموازنة.
(3) إلى هنا انتهى النقل من النهاية.
(4) انظر: معالم السنن (1/49) .

(1/345)


ولا ينقضها، وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة (1) كالمفسر له، وهو أنه
وصف وضوءه ثم قال: " ومسح بناصيته وعلى عمامته " فوصل مسح
الناصية بالعمامة، وإنما وقع أداء الواجب في مسح الرأس بمسح الناصية،
إذ هي جزء من الرأس، وصارت العمامة تبعاً له، كما روي: أنه مسح
أسفل الخف وأعلاه، ثم كان مسح الواجب (2) في ذلك مسح أعلاه،
وصار مسح أسفله كالتبع له، والأصل: أن الله فرض المسح، وحديث
ثوبان محتمل للتأويل، فلا يترك الأصل المتيقن وجوبه بالحديث المحتمل،
ومن قاسه على مسح الخفين فقد أبعد؛ لأن الخفّ يُشق خلعه ونزعه،
ونزع العمامة لا يشق " (3) . وهنا جواب آخر: أنه يجوز أن يكون هذا
من قبيل ذكر الحال، وإرادة المحل، ذكر العصائب وأراد ما تحويه
العصائب مجازاً.
136- ص- حدثنا أحمد بن صالح قال: نا ابن وهب، قال: حدثني
معاوية بن صالح، عن عبد العزيز بن مسلم، عن أبي معقل، عن أنس بن
مالك قال: " رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ وعليه عمامةٌ قطريةٌ، فادخل يده
من تحت العمامة، فمسح مُقدم رأسه، ولم ينقض العمامة " (4) .
ش- أحمد بن صالح أبو جعفر المصري يعرف بابن الطبري، كان أبوه
من أهل طبرستان من الجند، وكان أحد الحُفاظ المبرزين، والأئمة
المذكورين. سمع: ابن عيينة، وعبد الله بن وهب، وإبراهيم بن
الحجاج، وغيرهم. روى عنه: ابن المثنى، والبخاري، والترمذي،
وأبو داود، وأبو زرعة، وغيرهم. وقال البخاري: ثقة صدوق. توفي
في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين/ومائتين (5) .
وعبد العزيز بن مسلم: أبو زيد القسْملي مولاهم الخُراساني المرْوزي،
__________
(1) يأتي برقم (139) .
(2) في معالم السنن: " ثم كان الواجب ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(4) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على العمامة (564) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/49) .

(1/346)


أخو المغيرة السراج، سكن البصرة، وقيل: نزل القسامل فنسب إليهم.
روى عن: عبد الله بن دينار، وأبي إسحاق الهمداني، وحصين بن
عبد الرحمن، والربيع بن أنس، والأعمش، وغيرهم. روى عنه:
مسلم بن إبراهيم، و [أبو] الوليد الطيالسي، وداود بن بلال، وغيرهم.
قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. وكان من الأبدال. روى له الجماعة إلا
ابن ماجه (1) .
وأبو معقل روى عن أنس بن مالك، روى عنه عبد العزيز بن مسلم
القسملي، روى له أبو داود، وابن ماجه (2) .
قوله: " عمامة قطرية " هي ثياب حُمر لها أعلام فيها بعض الخشونة،
منسوبة إلى قطر، موضع بين عمان وسيف البحر، وعن الأزهري:
وقيل: هي حلل جياد تُحمل من البحرين، القطر- بفتح القاف والطاء-:
قرية في بلاد البحرين. وقال ابن الأثير: " وأحسن الثياب القطرية نسبت
إليها، فكسروا القاف للنسبة وخففوا ".
قوله: " فمسح مُقدم رأسه " بضم الميم، وفتح الدال المشددة، ويجوز
ضم الميم وكسر الدال المخففة.
***