شرح أبي داود
للعيني 108- باب: المرأة
ترى الكدرة والصفرة
أي: هذا باب في بيان المرأة التي ترى الكدرة والصفرة.
291- ص- حدَّثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن قتادة،
عن
أم الهذيل، عن أم عطية- وكانت بَايعت النبيَّ- عليه
السلام- قالت: كُنَّا
لا نَعُدُّ الكُدرةَ والصُّفرَةَ بعدَ الطُّهرِ شيئاً (3)
.
__________
(1) سورة البقرة: (128) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) البخاري: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة في غير أيام
الحيض (326) =
7* شرح سنن أبى داوود 2
(2/97)
ش- حماد بن سلمة.
وأم الهذيل: حفصة بنت سيرين الأنصارية البصرية، أخت محمد
وإخوته. سمعت: أنس بن مالك، وأم عطية الأنصارية. روى عنها:
محمد وإخوته، [وأيوب] السختياني، وعاصم الأحول، وهشام بن
حسان، وخالد الحذاء. روى لها الجماعة. قال ابن معين: ثقة
حجة.
وقال أحمد بن عبد الله: هي ثقة.
وأم عطية قال أحمد: اسمها نسيبة وقال غيره: نُسَيبة بنت
كعب.
ويقال: بنت الحارث الأنصارية. رُوي لها عن رسول الله
أربعون حديثاً،
اتفقا على ستة، وللبخاري حديث، ولمسلم آخر. روى عنها: ابن
سيرين، وأخته حفصة. روى لها الجماعة. نزلت البصرة وسكنتها.
قوله: " كنا لا نعد الكدرة والصفرة " الكُدرة: اسم
الكَدَر،
والكُدُورة: من كدر الماء بالضم يكدر، وجاء كَدِرَ يكدَر
مثل عَلمَ يعلَم،
والكدر خلاف الصفو، يقال فيه: مثل فخِذ وفَخذ، والصفرة:
لون
الأصفر، وقد اصفر الشيء واصفار، وصفَّره غيره، واختلف
الناس في
الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء، فروي عن عليّ- رضي الله
عنه-
/أنه قال: ليس ذلك بحيض، ولا يترك لها الصلاة، ولتتوضأ
ولتصل،
وهو قول سفيان الثوري، والأوزاعي. وقال سعيد بن المسيب:
إذا رأت
ذلك اغتسلت وصلت، وبه قال أحمد بن حنبل. وعن أبي حنيفة:
إذا
رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم الصفرة أو الكدرة يوماً أو
يومين ما لم
تجاوز العشرة فهو من حيضها، ولا تطهر حتى ترى البياض
خالصاً.
واختلف قول أصحاب الشافعي في هذا، فالمشهور من مذهب أصحابه
أنها إذا رأت الصفرة أو الكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم
تجاوز خمسة
__________
النسائي: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة (1/186) ، ابن
ماجه:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر الكدرة
والصفرة
(647) .
(2/98)
عشر يوماً فإنها حيض. وقال بعضهم: إذا
رأتها في أيام العادة كانت
حيضاً، ولا يعتبر بها فيما جاوزها، فأما البكر إذا رأت أول
ما رأت الدم
صفرة أو كدرة فإنهما لا يعدان في قول أكثر الفقهاء حيضا،
وهو قول
عائشة، وعطاء. وقال بعض أصحاب الشافعي: حكم المبتدأة
بالصفرة
والكدرة حكم الحيض، وحجة أصحابنا ما رواه مالك. وعند محمد
بن
الحسن في موطئهما، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة
عائشة
قالت: كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف
فيه الصفرة
من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى
ترين
القَصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة. ورواه عبد
الرزاق في
" مصنفه " (: أخبرنا معمر، عن علقمة بن أبي علقمة به سواء.
وأخرجه
البخاري في " صحيحه " تعليقاً ولفظه: قال: وكن النساء
يبعثن إلى
عائشة بالكرسف فيه الصفرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة
البيضاء.
وفي " المصنف " (1) : ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن
محمد بن
إسحاق، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت:
كنا
في حجرها مع بنات أبيها، فكانت إحدانا تطهر، ثم تصلي، ثم
تنكس
بالصفرة اليسيرة فنسألها، فتقول: اعتزلن الصلاة ما رأيتن
ذلك، حتى لا
ترين إلا البياض خالصاً. والقَصّةُ- بالقاف المفتوحة،
وتشديد الصاد
المهملة- هي الجص. وقول عائشة أقوى من قول أم عطية؛ لأنها
أعلم
وأدرى وأقرب إلى الرسول- عليه السلام-، وحديث أم عطية
أخرجه
البخاري، والنسائي، وابن ماجه، ولكن ليس فيه " بعد الطهر
". فإن
قيل: ما حكم الخُضرة؟ قلت: الصحيح إن كانت المرأة من ذوات
الأقراء
تكون حيضاً، ويحمل على فساد الغذاء، وإن كانت كبيرة لا ترى
غير
الخضرة يحمل على فساد المنبت فلا يكون حيضاً.
__________
(1) ابن أبي شيبة (1/94) .
(2/99)
292- ص- حدَّثنا مسدد قال: نا إسماعيل قال:
أنا أيوب، عن محمد
ابن سيرين، عن أم عطية بمثله. قال أبو داود: أم الهذيل هي
حفصة، كان
ابنها اسمه هذيل، واسم زوجها عبد الرحمن (1) .
ش- إسماعيل ابن علية، وأيوب السختياني. أشار بهذا أبو داود
إلى
طريقة أخرى في التخريج.
109- باب: المستحاضة يغشاها
زوجها
أي: هذا باب في بيان حكم المستحاضة التي يقربها زوجها.
293- ص- حدَثنا إبراهيم بن خالد قال: نا مُعلى- يعني: ابن
منصور-
عن عليّ بن مسهر، عن الشيباني، عن عكرمة قال: كانت أمُّ
حبيبةَ
تُستحاضُ، وكان زوجُها يَغشَاهَا (2) .
ش- إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي.
ومُعلى بن منصور أبو يعلى الرازي، سكن بغداد. روى عن: مالك
ابن أنس، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وأبي
يوسف
القاضي، وغيرهم. روى عنه: زهير بن حرب، وأبو قدامة
السرخسي،
وأبو ثور، والبخاري في غير " الجامع "، وغيرهم. قال أحمد
بن
حنبل: كان يحدث بما وافق الرأي، وكان كل يوم يخطئ في
حديثين
وثلاثة. وفي لفظ: كان يكتب الشُّرُوطَ، ومن كتبها لم يَخلُ
[من] أن
يكذب. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة، صاحب سُنَة. وقال ابن
معين:
ثقة. وقال ابن سعد: كان صدوقاً، صاحب حديث ورأي وفقه.
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة في غير أيام
الحيض
(326) ، النسائي: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة (1/186)
، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر
الصفرة
والكدرة (647،.
(2) تفرد به أبو داود
(2/100)
توفي سنة إحدى عشرة ومائتين. روى له: أبو
داود، والترمذي، وابن
ماجه 0
وعلي بن مسهر أبو الحسن الكوفي القرشي، قاضي الموصل، أخو
عبد الرحمن. سمع: إسماعيل بن أبي خالد، وأبا إسحاق
الشيباني
وبشيراً، وابن جريج، والأعمش، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن
الربيع، وبشير بن آدم، وزكريا بن عدي/، وغيرهم. قال ابن
معين:
ثقة. وقال أبو زرعة: صدوق ثقة. مات سنة تسع وثمانين ومائة.
روى
له الجماعة.
والشيباني هو أبو إسحاق.
قوله: " وكان زوجها يغشاها " من غشيها غشياناً، إذا
جامعها.
واعلم أن المستحاضة لها حكم الطاهرات في معظم الأحكام،
فيجوز
لزوجها وطؤها في حال جريان الدم عند الجمهور، وهو المنقول
عن:
ابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وسعيد بن
جبير، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وبكر بن عبد الله
المزني،
والأوزاعي، والثوري، وأبي ثور، ومالك، والشافعي. قال ابن
المنذر: وبه أقول. وعن عائشة: إنما (1) لا يأتيها زوجها،
وبه قال
النخعي والحكم، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد: لا يأتيها إلا
أن
تطول. وفي رواية: إلا أن يخاف زوجها العنت. واستدلت
الجمهور
بهذا الحديث، وإسناده حسن، ورواه البيهقي أيضاً وغيرهما.
294- ص- نا أحمد بن [أبي] سُريج الرازي قال: أخبرني عبد
الله بن
الجهم قال: نا عمرو- يعني: ابن أبي قيس- عن عكرمة، عن حمنة
بنت
جحش: أنها كانت مُستحاضة، وكان زوجُها يُجَامعُهَا (2) .
ش- أحمد بن أبي سُريج- بالسين المهملةَ والجيم- وهو أحمد
بن
الصباح النهشلي أبو جعفر الدارمي الرازي، يعد في
البغداديين. سمع:
إسماعيل ابن علية، ووكيعاً، ومروان بن معاوية، وغيرهم. روى
عنه:
__________
(1) كذا.
(2) تفرد به أبو داود.
(2/101)
أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، وأبو داود،
والنسائي. وقال
أبو حاتم: صدوق.
وعبد الله بن جهم أبو عبد الرحمن الرازي. روى عن: عمرو بن
أبي قيس، وزكريا بن ملازم، وعكرمة بن إبراهيم، وغيرهم. روى
عنه:
أحمد بن أبي سريج، ويوسف بن موسى، ونوح بن أنس، وغيرهم.
قال أبو زرعة: كان صدوقاً، رأيته ولم أكتب عنه. روى له أبو
داود.
وعمرو بن أبي قيس الرازي كوفي، نزل الري. روى عن: عاصم بن
بهدلة، وسماك بن حرب، ومحمد بن المنكدر، وأيوب السختياني،
وغيرهم. روى عنه: إسحاق بن سليمان، ومحمد بن سعيد، والسندي
ابن عبدون، وغيرهم. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه. وقال الشيخ زكي الدين: في سماع عكرمة عن أم
حبيبة
وحمنة نظر، وليس فيهما ما يدل على سماعه منهما، والله
أعلم.
***
110- باب: وقت النفساء
أي: هذا باب في بيان وقت النفساء، يقال: امرأة نفساء، إذا
ولدت،
وجمعها " نفساوات " مثل عشراء تجمع على " عشراوات "،
وامرأتان
نفساوان، أبدلوا من همزة التأنيث واواَ، وقد نفست المرأة
بالكسر،
ويقال أيضاً: نُفسَت المرأةُ غلاماً على ما لم يسم فاَعله،
والولد منفوس
والنفاس ولادة الَمرأةَ. وقالت الفقهاء: النفاس: دم يعقب
الولد، وفي
" المغرب ": والنفاس أيضاً جمع " نفساء ".
295- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير قال: نا علىّ بن
عبد الأعلى، عن أبي سَهل، عن مسة، عن أم سلمة: كانتِ
النفساء على
عهد رسول الله- عليه السلام- تقعد بعدَ نفَاسهَا أربعين
يوماً أو أربعين
ليلة وكما نُطلِي على وجوهِنَا الوَرسَ، تعني: من
اَلكَلَفِ (1) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء كم تمكث النفساء
(139) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: النفساء كم تجلس (648) .
(2/102)
ش- أحمد بن يونس بن زهير الضبي، وزهير بن
معاوية.
وعلي بن عبد الأعلى الأحول أبو الحسن الكوفي الثعلبي. روى
عن:
أبيه، وأبي سَهل، والحكم بن عتيبة. روى عنه: شجاع بن
الوليد،
وزهير بن معاوية، وعمرو بن أبي قيس، وغيرهم. قال أحمد بن
حنبل:
ليس به بأس. وقال البخاري: ثقة. روى له: أبو داود،
والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
وأبو سهل: كثير بن زياد البُرساني الأزدي، بصري الأصل، سكن
بلخ. سمع: الحسن البصري، وأبا سمية، ومُسّة. روى عنه: غالب
ابن سليمان، وحماد بن زيد، وعمر بر الرماح، وجماعة آخرون 0
قال
ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له: أبو
داود،
والترمذي، وابن ماجه.
ومُسّة الأزدية: أم بُسَّة، روت عن: أم سلمة أم المؤمنين.
روى عنها:
كثير بن زياد. روى لها: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه.
قوله: " بعد نفاسها " أي: بعد ولادتها.
قوله: " وكنا نطلي " من طليت الشيء بالدهن وغيره طلياً،
وتطليت
به، وأطليت به.
و" الوَرس " بفتح الواو وسكون الراء، وفي آخره سين مهملة:
نبت
يكون باليمن،/يخرج على الرَّمث بين الشتاء والصيف، والرمث
- بكسر الراء، وسكون الميم، وبعدها ثاء مثلثة-: مرعى من
مراعي الإبل،
وهو من الحَمض، وأورس الرّمثُ أي: اصفر ورقه بعد الإدراك،
فصار
عليه مثل المُلاء الضُفر، والحمض ماء ملح وأمر من النبات.
وقال
الجوهري: الوَرس نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغُمرة
للوجه،
تقول فيه: أورس المكان فهو وارس، ولا يقال: مورس، وهو من
(2/103)
النوادر. وقال ابن الأثير: الوَرسُ: نبت
أصفر يُصبغ به. قلت: وفي
البلاد الشمالية يصبغون به الأقراص والخشلنانج.
قوله: " من الكَلَف " الكلف: شيء يعلو الوجه كالسمسم، وهو
لون
بين السواد والحمرة، وهي حمرة كدرة تعلو الوجه، وهو بفتح
الكاف
واللام.
وبهذا الحديث تمسك أصحابنا في أكثر النفاس أربعون يوماً،
وهو قول
أكثر أهل العلم، وقد رُوي ذلك عن: عمر بن الخطاب، وابن
عباس،
وأنس بن مالك، وهو قول سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل،
وإسحاق
ابن راهويه. وقال أبو عبيد: وعلى هذا جماعة الناس. ورُوي
عن
الشعبي وعطاء أنهما جعلا النفاس أقصاه شهرين، وإليه ذهب
الشافعي.
وحكي عن مالك أنه كان يقول به في الأول ثم رجع عنه، وقال:
تسأل
النساء عن ذلك، ولم يحد فيه حدا. ومما احتج به أصحابنا على
مخالفيهم: ما رواه ابن ماجه بإسناده إلى أنس: أن رسول
الله- عليه
السلام- وَقَّت للنفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر
قبل ذلك. ورواه
الدارقطني في " سننه "، وما رواه الحاكم في " مستدركه "
بإسناده إلى
عثمان بن أبي العاص قال: وَقتَ رسول الله للنفساء أربعين
يوماً. ورواه
الدارقطني في " سننه "، وما رواه الطبراني في " معجمه
الوسط " بإسناده
إلى جابر قال: وَقَّت للنفساء أربعين يوماً دماً. أخرجه
ابن عدي في
" الكامل " بإسناده إلى أبي الدرداء وأبي هريرة قالا: قال
رسول الله:
" تنتظر النفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك،
فإن بلغت
أربعين يوماً ولم تر الطهر فلتغتسل وهي بمنزلة المستحاضة
".
وحديث مُسة أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: لا
نعرفه
إلا من حديث أبي سهل عن مُسة الأزدية.
وقال الخطابي: وحديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل.
ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال (حديث صحيح الإسناد ولم
(2/104)
يخرجاه. ورواه الدارقطني والبيهقي في "
سننهما "، وقال عبد الحق في
" أحكامه ": أحاديث هذا الباب معلولة وأحسنها حديث مُسة
الأزدية. ولا
يلتفت في ذلك إلى كلام ابن القطان حيث قال: وحديث مُسة
معلول؛
لأن مُسة لا يعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا
الحديث. ولا
إلى كلام ابن حبان في كتاب " الضعفاء " أن كثير بن زياد
يروي الأشياء
المقلوبات، فاستحق مجانبة ما انفرد به من الروايات لأن
البخاري أثنى
على هذا الحديث وقال: مُسة هذه أزدية، وكثير بن زياد ثقة،
وكذا قال
ابن معين: ثقة. كما مر.
296- ص- حدثنا الحسن بن يحيى قال: نا محمد بن حاتم قال: نا
عبد الله بن المبارك، عن يوِنس بن نافع، عن كثير بن زياد
أبي سهل قال:
حدثتني الأزِدية قالت: حَججتُ فدخلتُ على أمِّ سلمةَ
فقلتُ: يا أم المؤمنين
إن سَمُرةَ بن جُندب يأمرُ النِّساءَ يقضينَ صلاةَ
المَحيضِ، فقالت: لا تَقضينَ،
كانت المرأةُ من نساًء النبيِّ- عليه الَسلام- تقعدُ في
النفاس أربعين ليلَةً لا
يأمرُها النبيُّ- عليه الَسلام- بقضاءِ صلاةِ النفاسِ (1)
.
ش- الحسن بن يحيى الرُّزِّي روى عن: عبد الله بن عبد
الرحمن،
ومحمد بن حاتم الجرجرائي، ومحمد بن بلال. روى عنه: أبو
داود،
وحجاج بن الشاعر، وأحمد بن عمرو البزار، وغيرهم. ومحمد بن
حاتم بن يونس الجرجرائي المعروف بحبي- بكسر الحاء المهملة
وبعدها باء
موحدة- روى عن: عبد الله بن المبارَك. روى عنه: أبو داود،
وجعفر
ابن محمد القطان 0 قال أبو حاتم: وكان صدوقاً، وروى
النسائي عن
رجل عنه. مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
/ويونس بن نافع الخراساني أبو غانم. روى عن: عمرو بن
دينار،
وأبي سهل كثير بن زياد. روى عنه: ابن المبارك، ويحيى بن
واضح،
ومعاذ بن أسد، وعتبة بن عبد الله المروزي. روى له: أبو
داود، والنسائي.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2/105)
وهذا الحديث حُجة أيضاً لأصحابنا على
مخالفيهم، وقال ابن القطان
في " كتابه ": أزواج النبي- عليه السلام- لم يكن منهن
نفساء معه إلا
خديجة، ونكاحها كان قبل الهجرة، فلا معنى لقولها: " كانت
المرأة "
إلا أن تريد بنسائه غير أزواجه من بنات وقريبات وسريته
مارية.
- ص- قال محمد بن حاتم: واسمها مُسة، وتكنى أم بَسةَ.
ش- محمد بن حاتم المذكور.
قوله: " واسمها " أي: اسم الأزدية " مُسة " بضم الميم،
وتكنى:
أم بَسة بفتح الباء الموحدة.
111- باب: الاغتسال من المحيض
أي: هذا باب في بيان اغتسال الحائض من المحيض، أي: الحيض.
297- ص- حدَثنا محمد بن عمرو الرازي قال: نا سلمة- يعني:
ابن
الفضل- قال: حدَثني محمد- يعني: ابن إسحاق- عن سليمان بن
سحيم
عن أمية بنت أبي الصلت، عن امرأة من غفار وقد سماها لي
قالت:
فأردفني النبيُّ- عليه السلام- على حَقِيبةِ رَحله. قالت:
فوالله لَنَزَلَ (1)
رسولُ الله إلى الصبح فأناخ، ونزلتُ عن حَقيبةَ رَحله،
فإذا بهاَ دَمٌ منَي،
وكانت أول حَيضةٍ حِضتُها، قالت: فتقبضت إلَى النَاقَة
واستَحيَيتُ، فلما
رأى رسولُ الله ما بي، ورأى الدمَ قال: " مَا لك؟ لَعَلَكَ
نُفستِ " قلت:
نعم. قال: " فَأَصلحِي من نفسك، ثم خُذِي إناءً مَن ماء
فاطَرَحَي فيه ملحاً،
ثم اغسلي ما أصاب الحقيبةَ منَ الَدم، ثم عُودي لمَركَبِك
". قالت: فلمَا فَتحَ
رسولُ اللهِ خيبرَ رضَخَ لنا من الفَيءِ. قال: َ وكانت لاَ
تَطهرُ من حَيضَة إلا
جعلت في طُهورِهَا مِلحاً، وأوصت به أن يُجعلَ في غُسلِهَا
حين مَاتَت (2) .
ش- محمد بن عمرو بن بكر بن سالم، وقيل: بكر بن مالك بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " لم يزل ".
(2) تفرد به أبو داود.
(2/106)
الحُباب الطّلاس العدوي عدي تميم الرازي
التميمي أبو غسان المعروف
بزُنَيج صاحب الطيالسة. سمع: جرير بن عبد الحميد، وعبد
الرحمن
ابن مغراء (1) الدوسي، وجابر بن إسماعيل، وسلمة بن. الفضل،
وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو زرعة، وأبو حاتم
وأبو داود، والترمذي، وغيرهم. مات سنة أربع ومائتين.
وسلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش الأزرق الرازي، قاضي
الري.
سمع: أيمن بن نابل (2) ، ومحمد بن إسحاق، وإسحاق بن راشد،
وغيرهم. روى عنه: يوسف بن موسى القطان، ويحيى بن معين،
ومحمد بن عيسى الدامغاني، وغيرهم. قال ابن معين: وكان
يتشيع
وكتبت عنه، وليس به بأس. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال
أبو حاتم: محله الصدق، في حديثه إنكار، ليس بالقوي، لا
يمكن أن
أطلق لساني فيه بأكثر من هذا، يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال محمد
ابن سعد: كان ثقة صدوقاً، وهو صاحب مغازي محمد بن إسحاق.
وتوفي بالري، وقد أتى عليه مائة وعشرون سنة (3) [مات] بعد
التسعين
ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، ومحمد بن إسحاق بن
يسار.
وسليمان بن سُحَيم- بضم السين، وفتح الحاء المهملتين- أبو
أيوب
المدني الخزاعي، مولى بني كعب من خزاعة. روى عن: إبراهيم
بن
عبد الله بن مَعبد بن عباس، وطلحة بن عبيد الله بن كَرِيز.
روى عنه:
ابن جريج، ومحمد بن إسحاق، وابن عيينة، وغيرهم. قال أحمد
بن
حنبل: ليس به بأس. توفي في خلافة أبي جعفر المنصور. وقال
ابن
سَعد: وكان ثقة، له أحاديث. روى له الجماعة إلا الترمذي.
وأُمَية بنت أبي الصلت- بضم الهمزة، وفتح الميم، وتشديد
الياء آخر
__________
(1) في الأصل: " مغر ".
(2) في الأصل: " نايل ".
(3) في تهذيب الكمال (11/309) : " مائة وعشر سنين "، وكذا
في طبقات ابن
سعد (7/381) .
(2/107)
الحروف- والصحيح أنها أمنة- بفتح الهمزة،
وكسر الميم، وفتح النون-
وهي أم سليمان بن سحيم المذكور.
قوله: " من غفار " وفي بعض النسخ: " من بني غفار ".
قوله: " على حقيبة رَحله " الحقيبة- بفتح الحاء وكسر
القاف-: الوعاء
الذي يجمع فيه الرجل متاعه، وتُشَدّ في مؤخَّر الرَّحل،
وجمعها:
حقائب، وحقب /مثل: سفينة، وسفائن، وسفن، والرَّحلُ: الذي
يركب عليه على الإبل، وهو الكَور، وهو له كالسرج للفرس.
قو له: " فأناخ " أي: راحلته.
قوله: " فإذا بها " أي: بالحقيبة، وهي فاء المفاجأة،
وارتفاع " دم "
على أنه مبتدأ، وقوله: " بها " مقدماً خبره.
وقوله: " مني " في محل الرفع على أنه صفة لقوله: " دم "
ومتعلقه
محذوف، أي: دم حاصل مني.
قوله: " وكانت أول حيضة " الضمير الذي في " كانت " يرجع
إلى
الدم، والتأنيث باعتبار الحيضة، وانتصاب " أول " على أنه
خبر " كانت ".
قوله: " حِضتها " في محل الجر على أنه صفة " حيضة ".
قوله: " فتقبضت إلى الناقة " أي: انزويت، وذلك لأجل
استحيائها.
قوله: " ما بي " أي: من التقبض والانزواء والاستحياء.
قوله: " لعلك نُفست " بضم النون وكسر الفاء، بمعنى: حضتِ،
وجاء فتح النون أيضاً، وقال ابن الأثير: يقال: نُفسَت
المرأةَ- بضم
النون وفتحها- فهي منفوسة، ونفساء إذا ولدت، فأَما الحيض
فلا يقال
فيه إلا نَفِسَت بالفتح.
قوله: " فاطرحي فيه ملحاً " قيل: الملح المطعوم، أمرها به
لأجل
المبالغة ير التنقية، ويحوز أن يكون المراد: المِلح الذي
يظهر في الأراضي
السبخة والأحجار التي تملح، وهو غير المطعوم، وذلك لما فيه
من قوة
الجلاء والتنقية.
(2/108)
قوله: " فلما فتح رسول الله خيبر " وكان
فتح خيبر في صفر في سنة سبع
من الهجرة، وسميت خيبر باسم رجل من العماليق نزلها، وهو
خيبر بن
قانية بن مهلاسل، وبينها وبين المدينة ثمانية بُرد.
قوله: " رضخ لنا من الفيء " الرضخ- بالضاد والخاء
المعجمتين-:
العطية القليلة، والفيء: الغنيمة.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز إرداف الرجل
المرأة
على مركوبه.
الثانية: جواز استعمال الملح في غسل الثوب، وتنقيته من
الدم، وفي
معناه سائر المطعومات حتى إنه يجوز غسل الثياب بالعسل إذا
كان ثوباً من
إبريسم يفسده الصابون، وبالخل إذا أصابه الحبر ونحوه،
ويجوز على هذا
التدلك بالنخالة، وغسل الأيدي بدقيق الباقلاء والترمس
ونحوهما من
الأشياء التي لها قوة الجلاء، وعن يونس بن عبد الأعلى:
دخلت الحمام
بمصر فرأيت الشافعي يتدلك بالنخالة.
وفي " المصنف ": حدثنا أبو بكر قال: نا أبو أسامة، عن
مسعر،
عن حماد، عن إبراهيم، أنه كان لا يرى بأساً أن يغسل الرجل
يده بشيء
من الدقيق والسويق.
حدثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن أبي معشر قال: أكلت مع
إبراهيم
سمكاً، فدعى لي بسويق فغسلت يدي.
وحدثنا يزيد بن هارون، عن حبيب، عن عمرو بن هرم قال: سئل
جابر بن زيد، عن الرجل يغسل يده بالدقيق والخبز من الغَمرِ
فقال: لا
بأس بذلك. وجاءت فيه الكراهة أيضاً، قال ابن أبي شيبة:
حدثنا ابن
مهدي، عن مبارك، عن الحسن أنه كان يكره أن يغسل يده بدقيق
أو
بطحين.
الثالثة: وجوب غسل دم الاستحاضة.
الرابعة: جواز الرضخ من الغنيمة للنساء ومَن في معناهن.
(2/109)
298- ص- حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا
سَلام بن سُلَيم، عن
إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشةَ قالت:
دخلَت أسماء
على رسول الله فقالت: يا رسولَ الله، كيف تَغتسِلُ
إِحدَانا إذا طَهُرَت من
المَحِيضِ؟ قَالَ: " تأخذُ سدرَهَا ومَاَءَهَا فتوضأ،
وتَغسلُ رَأسَهَا، وتُدَلكُه
حتى يَبلغَ الماءُ أصولَ شعرِهًا، ثم تُفيضُ على جَسَدهَا،
ثم تاً خُذ فِرصَتها
فَتَطَّهَر بها ". قالت: يا رسولَ الله، كَيف أتَطَهَّر
بها؟ َ قالت عائشةُ: فَعَرَفتُ
الذي يَكنِي عنه رسولُ اللهِ، فقلتَ لها: تَتَبَعِينَ
آثَارَ (1) الدم (2) .
ش- سَلام بن سليم أبو الأحوص الكوفي الحنفي الجشمي مولاهم،
وذكر كثيراً في الكتاب بكنيته أبي الأحوص، وسنذكر ترجمته
فيما بعد
عندما يذكره أبو داود بقوله أبو الأحوص لا غير.
/وإبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي أبو إسحاق الكوفي. سمع:
طارق بن شهاب، ومجاهد بن جبر، وإبراهيم النخعي، وصفية بنت
شيبة، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وشريك، والأعمش،
وسلام بن سُليم. قال سفيان: لا بأس به. وكذا قال أحمد،
وقال
يحيى القطان: لم يكن بقوي. وقال أحمد بن عبد الله: هو كوفي
جائز
الحديث. وقال ابن عدي: هو عندي أصلح من إبراهيم الهجري،
وحديثه يكتب في الضعفاء. روى له الجماعة إلا البخاري.
قوله: " دخلت أسماء " وهي بنت شكَل كذا وقع في " صحيح مسلم
"
بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين. قال الشيخ محيي الدين:
هذا هو
الصحيح المشهور. وحكى فيه صاحب " المطالع " إسكان الكاف.
وقال
__________
(1) في سنن أبي داود: " تتبعين بها آثار ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: دلك المرأة نفسها إذا تطهرت
من المحيض
(314) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: استعمال المغتسلة من الحيض
فرصة
من مسك في موضع الدم (332) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب:
ذكر
العمل في الغسل من الحيض (1/135) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب:
في الحائض كيف تغتسل (642) .
(2/110)
الخطيب في كتابه " الأسماء المبهمة ": إن
اسمها أسماء بنت يزيد بن
السكن التي كان يقال لها: خطيبة النساء. وروى الخطيب
حديثاً فيه
تسميتها بذلك، والله أعلم.
قوله: " من المحيض " أي: الحيض.
قوله: " فتوضأ " أي: تتوضأ، حذفت إحدى التائين، أي: توضأ
وضوء الصلاة.
قوله: " ثم تأخذ فرصتها " الفِرصة- بكسر الفاء، وسكون
الراء،
وبالصاد المهملة- وهي قطعة من قطن أو صوف تُفرصُ، أي:
تقطع،
وقد طيبت بالمسك أو بغيره من الطيب فتتبع بها المرأة أثر
الدم، ليقطع عنها
رائحة الأذى.
قوله: " يكني عنه " بفتح الياء وسكون الكاف من الكناية.
قوله: " آثار الدم " الآثار جمع " أثر "، وأثر الشيء: ما
بقي من
رسمه، وفي بعض النسخ: " تتبعين أثر الدم " موضع الآثار.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: استحباب استعمال
السدر
لأجل التنقية.
الثانية: استحباب دلك رأسها حتى يبلغ الماء أصول شعرها.
الثالثة: استحباب أن تأخذ شيئاً من مسك أو طيب فتجعله في
قطنة أو
خرقة أو نحوهما، فتتبع بها آثار الدم، وهو عام يتناول جميع
المواضع
التي أصابها الدم من بدنها، والذي ذكره المحدثون وشراح
الحديث أنها
تأخذ الفِرصة الممسكة وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها، وما
قلنا أعم
وأشمل بظاهر الحديث، والنفساء في معنى الحائض.
الرابعة: استحباب استعمالها بعد الغسل لدلالة صريح الحديث
هكذا،
وبهذا يرد قول من قال: تستعملها قبل الغسل.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، ولكن
بعبارات مختلفة.
(2/111)
299- ص- حدَثنا مسدد بن مسرهد قال: نا أبو
عوانة، عن إبراهيمِ بن
مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشةَ أنها ذكَرت نساءَ
الأنصار، فأثنت
عليهِنَّ قالت لهن معروفاً، قالت: دَخلَت امرأة منهنَ على
رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فذكر معناه، إلا أنه قال: " فرصةً مُمَسَّكةً ". قال مسدد:
كان أَبو عوانةَ
يقول: " قَرصة "، وكان أبو الأحوص يقول: " قَرضَةً " (1) .
ش- أبو عوانة الوضاح، وأبو الأحوص عوف بن مالك، وقد ذُكرا.
قوله: " معروفاً " أي: قولاً معروفاً.
قوله: " فرصة ممسكة " أي: مطيبة بالمسك أو بغيره من الطيب،
تتبع
بها أثر الدم لينقطع رائحة الأذى. وقال بعضهم: الممسكة على
معنى
الإمساك دون الطيب، يريد أنها تُمسكها بيدها فتستعملها،
وقال: متى
كان المسك عندهم بالحال الذي يمتهن في هذا؟! وقيل: ممسكة
مُتحملة،
يعني: تحمليها معك. وقيل: الممسكة الخَلِقُ التي أمسكت
كثيراَ، فإنه
أراد أن لا تستعمل الجديد من القطن وغيره للارتفاق به،
ولأن الخَلِقَ
أصلح لذلك. ورواه بعضهم بكسر السن، أي: ذات مساك. وروي:
" فرصة من مِسك " بكسر الميم، أي: قطنة من المسك الطيب
المعلوم.
ورواه بعضهم بفتح الميم، أي: قطعة جلد فيه شعر. والأول
أظهر لقوله
في بعض الأحاديث: " فإن لم تجد فطيباً غيره، فإن لم تجد
فالماء كاف "
ووقع في كتاب عبد الرزاق: يعني: بالفرصة المسك. وقال
بعضهم:
الذريرة. واختلف العلماء في الحكمة في استعمال المسك/،
فالصحيح
المشهور أن المقصود به تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة،
وحكى
الماوردي عن البعض: أن المراد منه كونه أسرع إلى علوق
الولد، ثم قال.
فإن قلنا بالأول فتستعمل عند عدم المسك ما يقوم مقامه في
طيب الرائحة،
وإن قلنا بالثاني فتستعمل ما يقوم مقامه في ذلك من القُسط
والأظفار
وشبههما.
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2/112)
وقال الشيخ محيي الدين (1) : قول من قال:
إن المراد الإسراع في
العلوق ضعيف وباطل، فإنه على مقتضى قوله: ينبغي أن يخص به
ذوات
الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعه في الحال، وهذا شيء لم يصر
إليه أحد
نعلمه، وإطلاق الأحاديث يرد على من التزمه، بل الصواب أن
المراد
تطييب المحل، وإزالة الرائحة الكريهة، وأن ذلك مستحب لكل
مغتسلة
من الحيض أو النفاس، سواء كانت ذات الزوج أو غيرها.
قوله: " كان أبو عوانة يقول: قرصة " بفتح القاف، وسكون
الراء،
وبالصاد المهملة، أي: شيئاً يسيرا مثل القرصة بطرف
الإصبعين.
قوله: " وكان أبو الأحوص يقول: قرضةً " بفتح القاف، وسكون
الراء، وبالضاد المعجمة، أي: قطعة من القَرض القطيع. وحكي
هذا
عن ابن قتيبة أيضاً، والمشهور الرواية الأولى، وهي "
الفِرصة " بكسر
الفاء، وسكون الراء، وبالصاد المهملة.
300- ص- حدثَنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري قال:
حدثَّني
أبي قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت
شيبة، عن
عائشة أن أسماءَ سألت رسولَ الله- عليه السلام- بمعناه؟
قال: " فِرصة
مُمسكةً " قالت: قلتُ: وكيف تَطهَرُ (2) بها؟ قال: "
سُبحانَ اللهِ تَطَهَرِي
بها، واستَترِي بثوب "، وزاد: وسألته عن الغسل من الجَنابة
فقال:
" تأخُذينَ ماءك فَتَطَّهَرِينً أحسنَ الطهورِ وأبلَغَهُ،
ثم تصبِّينَ على رأسَكِ الماءَ،
ثم تُدلِّكينَهُ حتى يَبلغَ شُؤونَ رأسك، ثم تُفيضينَ عليك
المَاءَ ". قالَ: وقالت
عائشةُ: نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصَارَ، لم يَكنَ يمنعهُنّ
الحياءُ أن يَسألن عن
الدينِ، ويَتفقهنَ (3) فيهِ (4) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/13- 14) . (2) في سنن أبي داود: "
أتطهر ".
(3) في سنن أبي داود: " وأن يتفقهن ".
(4) البخاري: كتاب الحيض، باب: دلك المرأة نفسها إذا تطهرت
من المحيض
تعليقاً، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر العمل في الغسل
من الحيض
(1/135) .
8* شرح سنن أبي داوود 2
(2/113)
ش- قد ذكرنا أن " سبحان الله " في مثل هذا
الموضع يراد بها
التعجب، وكذا " لا إله إلا الله "، ومعنى التعجب: كيف يخفى
مثل هذا
الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر؟ وفيه جواز
التسبيح عند
التعجب من الشيء واستعظامه، وكذلك يحوز عند التنبيه على
الشيء
والتذكير به.
قوله: " فتطهرين أحسن الطهور " بضم الطاء، والمراد منه
الوضوء
الكامل.
قوله: " حتى يبلغ شؤون رأسك " بضم الشن المعجمة وبعدها
همزة،
ومعناه: أصول شعر رأسها، وأصل الشؤون: الخطوط التي في عظم
الجمجمة، وهو مجتمع شعب عظامها، الواحد منها شأن. وقال
الشيخ
زكي الدين: الشؤَون: عظام الرأس وطرائقه ومواصل قبائله،
وهي أربع
بعضها فوق بعض.
قوله: " نعم النساء " اعلم أن " نعم " من أفعال المدح، كما
أن " بئس "
من أفعال الذم، وهي ما وضع لإنشاء مدح أو ذم، وشرطها أن
يكون
الفاعل معرفاً باللام، أو مضافاً إلى المعرف بها، وهما
فعلان بدليل جواز
اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما في كل اللغات، ويحوز حذفها
وإن كان
الفاعل مؤنثاً حقيقيا؛ لأنه غير متصرف فأشبه الحرف، ومنه
قول عائشة
- رضي الله عنها- حيث قالت: " نعم النساء "، ولم تقل: "
نعمت
النساء "، فارتفاع " النساء " على الفاعلية، وارتفاع "
النساء " الثانية على
أنها مخصوصة بالمدح كما في قولك: نعم الرجل زيد، فيكون هذا
مبتدأ، وما قبله الجملة خبر عنه.
قوله: " أن يسألن " في موضع النصب على المفعولية، و " أن "
مصدرية، والتقدير: لم يكن يمنعهن الحياء سؤالهن عن أمور
الدين.
***
(2/114)
112- باب: التيمم
أي: هذا باب في بيان أمور التيمم، ولما فرغ عن الوضوء الذي
هو
طهارة صغرى، وعن الغسل الذي هو طهارة كبرى، وما يتعلق
بهما،
شرع في بيان التيمم الذي هو خلف/عن الوضوء، قدم الوضوء
أولاً
لأنه الأعم الأغلب، ثم بالغسل لأنه الأندر، ثم بالخلف لأنه
أبداَ يلي
الأصل، وهو في اللغة: مطلق القصد. قال الشاعر:
ولا أدري إذا يممت أرضاً ... أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني
وفي الشرع: قصد الصعيد الطاهر واستعماله بصفة مخصوصة
لإقامة
القربة. وسبب وجوبها ما هو سبب وجوب الوضوء، وشرط جوازها
العجز عن استعمال الماء؛ لأنه خلف لا يشرع معه، وإنما لم
يقل كتاب
التيمم لما ذكرنا أن كتاب الطهارة يشمله، فلا يحتاج إلى
ذكر الكتاب، بل
يحتاج إلى الذكر بالنوع وهو الباب.
301- ص- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا أبو
معاوية ح، ونا
عثمان بن أبي شيبة قال: أنا عَبدةُ- المعنى واحد-، عن هشام
بن عروة، عن
أبيه، عن عائشةَ قالت: بَعثَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسَيدَ بنَ حُضَيرٍ وأناساً معه في
طلب قلادَة أضلَّتهَا عائشةُ، فحضَرَت الصلاةُ فصلُوا
بغيرِ وُضوء، فأتَوا
النبي- عليًه السلامِ- فذكروا ذلك له، فأنزِلَت آيةُ
التيمم. زاد ابن نفيل:
فقال لها أسَيدٌ: يرحَمُك اللهُ، ما نزلَ بك أمرٌ تكرهينَه
إلا جَعَلَ اللهُ
للمسلمينَ ولكِ فيه فَرَجاً (1) .
ش- أبو معاوية الضرير، وعَبدة بن سليمان الكلابي، وأُسَيد
بن
حضير بالضم فيهما.
__________
(1) البخاري: كتاب التيمم، باب: إذا لم يجد ماءً ولا
تراباً (336) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: التيمم (367) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: بدء
(لتيمم) (1/164) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في
السببَ
(2/115)
قوله: " بعث رسولُ الله أسيدَ بن حُضَير "
وفى رواية للبخاري: " فبعث
رسول الله رجلاَ فوجدها "، وفي رواية: " رجلين "، وفي
رواية:
" ناساً "، وهي قضية واحدة.
قوله: " قلادة " القلادة- بكسر القاف- التي في العنق.
فوله: " أضلتها " أي: أضاعتها، يقال: ضل الشيء إذا ضاع،
وضل
عن الطريق إذا جَارَ.
قوله: " فصلوا بغير وضوء " استدل به من قال: إن من لم يجد
ماء ولا
تراباً لا يترك الصلاة إذا حضر وقتها على كل حال، وذلك لأن
القوم
الذين بعثهم رسول الله- عليه السلام- في طلب القلادة كانوا
على غير
ماء، ولم يكن رخص لهم بعد في التيمم بالتراب، وإنما نزلت
آية التيمم
بعد ذلك، فكانوا في معنى من لا يحد الماء ولا التراب، ولو
كانوا
ممنوعين من الصلاة- وتلك حالهم- لأنكره النبي- عليه
السلام- حين
أعلموه ذلك، ولَنَهاهم عنه فيما يستقبلونه، إذ لا يجوز
سكوته على باطل،
ولا تأخيره البيان في واجب عن وقته. وعن الشافعي أربعة
أقوال،
أصحها: يجب عليه أن يصلي، ويجب عليه أن يعيد إذا زالت
الضرورة.
الثاني: لا يجب عليه الصلاة ولكن يستحب، ويجب القضاء سواء
صلى
أو لم يصل. والثالث: تجب الصلاة، ولا تجب الإعادة، وبه قال
المزني. والرابع: يحرم عليه الصلاة لكونه محدثاً، وتجب
الإعادة، وهو
قول أصحابنا، واحتجوا بقوله- عليه السلام-: " لا يقبل الله
صلاة
بغير طهور ". والجواب عن هذا أنهم صلوا صلاتهم تلك
اجتهاداً،
والمجتهد يخطى ويصيب، والبيان يحوز تأخيره إلى وقت الحاجة،
ولا
يجوز تأخيره عن وقت الحاجة.
قوله: " فأنزلت آية التيمم " وهي قوله تعالى: (فَلَم (1)
تَجدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طيِّباً) (2) ، وكان ذلك في غزوة
بني المصطلق، وَهي في
السنة السادسَة من الهجرة.
__________
(1) في الأصل: " فإن لم ".
(2) سورة النساء: (43) ، والمائدة: (6) .
(2/116)
قوله: " زاد ابن نفيل " هو عبد الله بن
محمد بن نفيل، شيخ أبي داود،
وقد ذكرناه.
قوله: " ما نزل بك " من قولهم: نزل به أمر إذا أصابه شيء
يكرهه،
ومنه النازلة وهي الشديدة من شدائد الدهر.
قوله: " تكرهينه " في محل الرفع على أنها صفة للأمر.
والحديث
أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
302- ص- حدَثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عبد الله بن وهب
قال:
أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة حدَثه، عن
عمار بن ياسر، أنه كان يحدث أنهم تَمسَّحُوا وهم مع رسولِ
اللهِ بالصَعِيد
لصلاةِ الفجرِ، فضربوا با " كُفهمُ الصَعيدَ، ثم مَسَحُوا
بوجوههِم مَسحةً
واحدةً، ثم عَادُوا فَضَرَبوا بأكفهمُ الصَعيدَ مرةً أخرى،
فمسَحوا بأيديهِم
كُلَها إلى المناكبِ والآبَاطِ من بُطُونِ أيديهِم (1) .
ش- أحمد بن صالح المعروف بابن الطبري/ويونس بن يزيد
الأيلي.
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد
الله الفقيه
الأعمى المدني، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. سمع: ابن
عباس، وابن
عمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وأبا واقد الليثي،
وعائشة
الصديقة، وغيرهم. روى عنه: عراك بن مالك، والزهري، وصالح
ابن كيسان، وغيرهم. قال أبو زرعة: مأمون ثقة إمام. وقال
أحمد بن
عبد الله: تابعي ثقة، رجل صالح جامع للعلم، وهو معلم عمر
بن
عبد العزيز. مات سنة تسع وتسعين. روى له الجماعة.
قوله: " بالصعيد " متعلق بقوله: " تمسحوا "، وقوله: " وهم
مع
رسول الله " جملة حالية معترضة، و " الصعيد " فعيل،
والمراد منه:
التراب هاهنا بالإجماع، وفي غيره هو جميع ما صعد على وجه
الأرض،
__________
(1) النسائي: كتاب الظهارة، باب: الاختلاف في كيفية التيمم
(1/168) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: التيمم في ضربتين (571) .
(2/117)
وكذلك الذي في قوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا
صَعيداً طيباً) ، ومعنى طيباً:
طاهراً عند الأكثرين، وقيل: حلالاً. وقالَ الشافعي: الطيب
المُنبت
الخالص، ولهذا لم يُجوز التيمم بغير التراب، وبه قال أحمد،
وداود.
وقال مالك: يجوز بكل متصل بالأرض حتى الثلج والنبات. وعن
بعض
الشافعية: لا يجوز إلا بتراب عذب صالح للحرث، وبه قال
إسحاق.
وقال الأوزاعي والثوري: لا يجوز بالثلج وكل ما على الأرض.
والأصح
ما قاله أصحابنا أنه يجوز بالتراب وبكل ما كان من جنس
الأرض؛ لأن
الصعيد: وجه الأرض لغة بالإجماع، والطيب: الطاهر لغة.
فوله: " إلى المناكب والآباط " المناكب: جمع منكب، وهو
مجمع
عظم العضد والكتف، والآباط- بمد الهمزة المفتوحة- جمع
إِبط- بكسر
الهمزة- وفُهِم من هذا الحديث مسألتان:
الأولى: أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للذراعين.
والثانية: أن ضربة الذراعين إلى المناكب والآباط. أما
الأولى فهي
مذهبنا ومذهب الأكثرين، وهو قول الشافعي، ومالك، والثوري،
وإليه
ذهب عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والحسن البصري،
والشعبي، وسالم بن عبد الله بن عمر. وذهبت طائفة إلى أن
الواجب
ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو مذهب عطاء، ومكحول،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وعامة أصحاب
الحديث.
وعن ابن سيرين لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات، ضربة للوجه،
وضربة
ثانية لكفيه، وثالثة لذراعيه.
وأما الثانية: فقد أخذ الزهري بظاهر هذا الحديث، أنه يجب
مسح
اليدين إلى الإبطين. والجواب عن هذا أنهم أجروا اسم اليد
على ظاهر
الاسم؛ لأن اليد لغة من رؤوس الأنامل إلى الإبط، ولم يكن
عندهم
دليل الخصوص، فاجرَوا الحكم على ظاهره، ولكن قام دليل
الإجماع
في إسقاط ما وراء المرفقين فسقط، وما دونهما بقي على الأصل
لاقتضاء
الاسم إياه، ويؤيده أن التيمم بدل من الوضوء، والبدل لا
يخالف المبدل.
(2/118)
وفي هذا الحديث حجة لمَن ذهب إلى إدخال
الذراعين والمرفقين في
التيمم، وهو قول ابن عمر، وابنه سالم، والحسن، والشعبي،
وإليه
ذهب أبو حنيفة، والثوري، وهو قول مالك، والشافعي. وعن
مالك:
التيمم إلى الكوعين، وهو قول الشافعي في القديم، وأحمد في
رواية.
ورُوي عن مالك: أنه من الجنابة إلى الكوعين، ومن الحدث
الأصغر إلى
المنكبين.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً وهو منقطع، فإن عبيد
الله بن
عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر، كذا قال الشيخ زكي
الدين.
قلت: وقد أخرجه النسائي، وابن ماجه من حديث عبيد الله بن
عبد الله
ابن عتبة، عن أبيه، عن عمار موصولاً، ورواه أيضاً أبو داود
من حديث
الزهري: حدَّثني عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن
عمار أتم
منه كما يجيء الآن.
303- ص- حدَّثنا سليمان بن داود المهري، وعبد الملك بن
شُعيب،
عن ابن وهب نحو هذا الحديث. قال: قامَ المسلِمونَ
فضَرَبُوا بأكُفهمُ
الترابَ، ولم يَقبضُوا من الترابِ شيئاً، فذكر نحوه، ولم
يذكر المناكبَ
والآبَاطَ. فال ابنَ الليث: إلى ما فوقَ المِرفَقين (1) .
ش- سليمان بن داود بن حماد بن سعد المهري أبو الربيع
المصري.
روى عن: ابن وهب، وإدريس بن يحيى الخولاني. روى عنه:
أبو داود، والنسائي، وزكريا بن يحيى الساجي، وغيرهم. قال
/النسائي: ثقة. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، وقد ذكرناه.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
قوله: " فال ابن الليث " هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن
سعد،
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في السبب (565) .
(2/119)
وروايته تدل على أن المرفقين يدخلان في
التيمم كما في الوضوء، وفيه
خلاف زفر (1) .
304- ص- ثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف، ومحمد بن يحيى
النيسابوري في آخرين قالوا: نا يعقوب قال: ثنا أبي، عن
صالح، عن ابن
شهاب قال: حدَّثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن
عمار بن
ياسر: أنَّ رسولَ اللهِ- عليه السلام- عَرَسَ بألات (2)
الجيش ومعه عائشةُ،
فانقطعَ عقدٌ لها من جَزع ظَفارِ، فحبسَ الناسَ ابتغاءَ
عقدهَا ذلك حتى أضاءَ
الفجر ولَيس مع الناسِ ماء، فَتَغَيَّظَ عليها أبو بكر
وَقالَ: حَبَست الناسَ
وليس معهم ماء، فأنزلَ اللهُ على رسوله رُخصَةَ التًطَهرِ
بالصعيد الَطَّيب،
فقامَ المُسلمونَ مع رسول الله فضَربُوا بأَيَديهِم إلى
الأرض، ثم رَفَعُوا (3)
ولم يَقبضُوا من التراب شَيئاً، فمسحوا بها وجوهَهُم
وأيديَهُم إلى المناكب،
ومن بُطونِ أيديهِم إلى الآباط (4) .
ش- محمد بن أحمد بن أبي خلف السلمي، ومحمد بن يحيى بن
عبد الله أبو عبد الله الذهلي النيسابوري الإمام.
ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
أبو يوسف القرشي الزهري المدني، سكن بغداد. سمع: عاصم بن
محمد، ومحمد بن عبد الله بن أخي الزهري، وشعبة، والليث بن
سعد، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن
المديني، وأبو خيثمة، وجماعة آخرون. قال ابن سعد: كان ثقة
مأموناً.
توفي بفم الصح في شوال سنة ثمان ومائتين (5) .
وأبوه إبراهيم بن سعد قد ذكرناه
__________
(1) كذا، والجادة " ذكر ".
(2) في سنن أبي داود ومعجم البلدان (1/372) : " بأولات ".
(3) في سنن أبي داود: " رفعوا أيديهم ".
(4) النسائي: كتاب الطهارة، باب: التيمم في السفر (1/167)
-
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7082) .
(2/120)
وصالح بن كيسان أبو محمد الغفاري، مولاهم
المدني، رأى عبد الله
ابن عمر، وابن الزبير. وقال ابن معين: سمع منهما. وسمع:
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة بن الزبير، وسالم بن
عبد الله بن
عمر، والزهري، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن دينار، ومالك بن
أنس، وابن عجلان، وابن عيينة، وجماعة آخرون 0 قال ابن معين
هو ثقة. قال الحاكم: مات صالح وهو ابن مائة سنة ونيف وستين
سنة،
وكان قد لقي جماعة من أصحاب رسول الله، ثم بعد ذلك تَلمذ
على
الزهري، وتلقن عنه العلم وهو ابن تسعين سنة، ابتدأ
بالتعليم وهو ابن
تسعين. روى له الجماعة (1) .
قوله: " عَرَّسَ بألات الجيش " عرس- بتشديد الراء- من
التعريس وهو
النزول في آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال فيه:
عرس، يعرس،
تعريساً 0 ويقال فيه: أعرس. والمعرس: موضع التعريس، وبه
سمي
معرس ذي الحليفة عرس به النبي- عليه السلام- وصلى فيه
الصبح، ثم
رحل، وألات الجيش، ويقال: ذات الجيش- بفتح الجيم، وسكون
الياء آخر الحروف، وبشين معجمة- واد قرب المدينة بين ذي
الحليفة
وبرثان، وهو أحد مراحل النبي- عليه السلًام- إلى بدر،
وأحدُ مراحل
منصرفه- عليه السلام- من غزوة بني المصطلق، وقال في "
المطالع ":
ذات الجيش على بريد من المدينة.
قوله: " عقد لها " العِقد- بكسر العين، وسكون القاف-:
القلادة.
قوله: " من جزع ظفار ": بإضافة الجزع إلى الظفار إضافة
النسبة،
الجزع- بفتح الجيم، وسكون الزاي، وبعدها عين مهملة- خرز
يماني
ملون، وظفار- بفتح الظاء المعجمة والفاء-: مدينة باليمن
لحمير،
وهي مبنية على الكسر كحذامِ، وقطامِ. وقال بعضهم: سبيلها
سبيل
المؤنث لا ينصرف ويرفع وينصب، وَرواه بعضهم: " من جزع
أظفَار "،
__________
(1) المصدر السابق (13/2834) .
(2/121)
وأراد العطر المعروف، كأنه يؤخذ ويثقب
ويجعل في العقد والقلادة،
والصحيح في الرواية: " من جزع ظفار " بالإضافة.
قوله: " فحبس الناس ابتغاء " أي: طلب عقدها، وهو مرفوع
بالفاعلية،
و" الناس " منصوب مفعوله.
قوله: " وليس مع الناس ماء " الواو فيه للحال.
/قوله: " فتغيظ عليها " أي: على عائشة أبوها أبو بكر.
قوله: " ولم يقبضوا من التراب شيئاً " إشارة إلى أن التراب
لا يستعمل
مثل الماء، بل مجرد إلصاقه باليد كاف؛ لأنه مَسح، بخلاف
الوضوء
لأنه غسل ومسح.
وأخرج البخاري، ومسلم، والنسائي حديث عائشة في انقطاع
العقد،
وليس فيه كيفية التيمم.
ص- زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابنُ شهاب في حديثه: ولا
يعتبر
بهذا الناس.
ش- أي: زاد محمد بن يحيى المذكور في حديثه: قال ابن شهاب
الزهري في حديثه.
قوله: " ولا يعتبر بهذا الناس " مقول قول ابن شهاب، و "
الناس "
مرفوع على أنه فاعل " لا يعتبر "، وهذا إشارة إلى تيممهم
بضربة
واحدة، وقد قيل: هذا إشارة إلى مسحهم أيديهم إلى المناكب.
وقال الخطابي: لم يختلف أحد من أهل العلم في أنه لا يلزم
المتيمم أن
يمسح بالتراب ما وراء المرفقين.
قلت: فيه نظر، فقد ذكر ابن المنذر، والطحاوي، وغيرهما، عن
الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط كما ذكرنا.
ص- قال أبو داود: كذلك رواه ابن إسحاق، قال فيه: عن ابن
عباس.
(2/122)
وذكر ضربتين كما ذكره يونسُ، ورواه معمر
(1) ضربتين، قال مالك، عن
الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار، وكذلك قال أبو
أويس، عن
الزهري، وشك فيه ابنُ عيينةَ قال مرة: عن عبيد الله، عن
أبيه، أو (2)
عبيد الله، عن ابن عباس، اضطرب فيه. قال مرة عن أبيه، وقال
مرة عن ابن
عباس. واضطرب فيه ابن عيينة وفي سماعه من الزهري، ولم يذكر
أحد
منهم في هذا الحديثِ: " ضربتين " غير سفيان (3) .
ش- أي: محمد بن إسحاق.
قوله: " قال فيه " أي: في الحديث عن ابن عباس وذكر ضربتين،
كما
ذكره يونس بن يزيد، عن ابن شهاب في الحديث المتقدم، وحديث
ابن
إسحاق عن ابن عباس أخرجه البزار في " مسنده " من طريق: ابن
إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن
ابن
عباس، عن عمار قال: كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح
بالتراب إذا لم نجد الماء، فأمرنا فضرينا واحدة للوجه، ثم
ضربة أخرى
لليدين إلى المرفقين.
قوله: " ورواه معمر ضربتين " أي: روى هذا الحديث معمر بن
راشد
عن الزهري " ضربتين ".
قوله: " وكذلك قال أبو أويس " أي: كذلك روى أبو أويس "
ضربتين "
عن الزهري. وقال: عبيد الله، عن أبيه، عن عمار. واسم أبي
أويس
عبد الله، وهو ابن عم مالك بن أنس.
قوله: " وشك فيه ابن عيينة " أي: سفيان بن عيينة. والحاصل
أنه قال
مرة: عن عبيد الله، عن أبيه. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال:
عن
ابن عباس. وهذا اضطراب كما ترى، واضطرب أيضاً في سماعه عن
__________
(1) في سنن أبي داود: " ورواه معمر عن الزهري ".
(2) في سنن أبي داود: " أو عن ".
(3) في سنن أبي داود: " إلا من سميت "، وسيذكر المصنف أنها
نسخة.
(2/123)
الزهري، ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث
ضربتين غير سفيان بن
عيينة، وفي بعض النسخ: " إلا من سميت " وهم: ابن إسحاق،
ويونس، ومعمر، وأبو أويس. وأصله إلا من سميتهم، فحذف
المفعول
اتساعاً. وقد يقال: إن حديث عمار لا يخ (1) إما أن يكون عن
أمر النبي
- عليه السلام-، أو لا. فإن لم يكن عن أمره فقد صح عن
النبي
- عليه السلام- خلاف هذا، ولا حجة لأحد مع كلام النبي-
عليه
السلام- والحق أحق أن يتبع، وإن كان عن أمر النبي- عليه
السلام- فهو
منسوخ وناسخه حديث عمار أيضاً. وقد يقال: إن عماراً قد حكى
فيه
فعلهم دون النبي- عليه السلام- كما حكى في الآخر أنه أجنب
فعلمه
- عليه السلام-.
305- ص- حدَّثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: نا أبو
معاوية
الضرير، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنتُ جالساً بين يدي (2)
عبد الله
وأبي موسى فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيتَ لو أن
رجلاً أجَنبَ
فلم يجد الماءَ شهراً، أما كان يَتَيممُ؟ فقال: لا، دان لم
يجد الماءَ شَهراً،
فقال أبوَ موسى: فكيف تَصنَعُونَ بهذه الآية التي في سُورة
الماَئدةِ: (فَلَم
تَجدُوا مَاءً فَتَيَمَمُوا صَعيداً طيِّباً) (3) ؟ فقاَل
عبدُ الله: لوَ رُخَصَ لهم في
هذَا لأوشكُوا إذا بَرَدَ علَيهم الماءُ أن يتيمَّمُوا
بالصعيدِ، فقال له أبو موسى:
فإنما كَرِهتُم هذا لذا (4) ؟ قال: نعم. فقال له أبو موسى:
ألم تسمَعُوا (5)
قولَ عمار لعُمرَ: بعثني رسولُ الله في حاجة، فأجنبتُ فلم
أجد الماءَ،
فَتمرغتُ فًي الصعيد كما تَتَمرغُ الدابَّةُ، ثم أتيتُ
رسولَ اللهِ فذكرتُ ذَلك له
فقال: " إنما كان يكَفِيكَ / أن تصنعَ هكَذا " فضربَ بيديه
على الأرضِ
فنفضها (6) ، ثم ضربَ بشِمَالِهِ على يمِينِه، وبيمِينِه
على شِمَالِهِ على
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى: " لا يخرج ".
(2) غير موجود في سنن أبي داود.
(3) الآية (6) .
(4) في سنن أبي داود: " وإنما ... لهذا ".
(5) في سنن أبي داود: " تسمع ".
(6) في سنن أبي داود: " فنفضها "
(2/124)
الكَفَّين، ثم مَسَحَ وجهَهُ. فقال له عبد
الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقولِ
عمار (1) ؟
ش- عبد الله هو ابن مسعود، وأبو موسى الأشعري.
قو له: " أرأيت " بمعنى: أخبرني.
قوله: " أما كان ": بفتح الهمزة وتخفيف الميم، وقد ذكرنا
أنه يستعمل
في الكلام على وجهين: أحدهما: أن يكون حرف استفتاح بمنزلة
" ألا "
ويكثر قبل القسم. والثاني: أن يكون بمعنى حقا.
قوله: " لأوشكوا " معنى أوشك: قرب وأسرع، وقد زعم بعض أهل
اللغة أنه لا يقال: " أوشك "، وإنما تستعمل مضارعاً،
فيقال: " يوشك "
وليس كذلك؛ بل يقال: " أوشك "، وهذا من أفعال المقاربة،
وهو ما
وضع لدنو الخبر رجاء أو حصولاً، وفي الحقيقة من النواقص
لأنها لتقرير
الفاعل على صفة على سبيل المقاربة، ولا تستعمل أفعال
المقاربة إلا بلفظ
الماضي إلا كاد وأوشك، فإنه قد جاء مضارعهما بهذا المعنى،
ويجيء من
أوشك اسم الفاعل ولكنه شاذ.
قوله: " إذا بَرَد عليهم الماء " بفتح الباء والراء، وقال
الجوهري: بضم
الراء. والمشهور الفتح.
قوله: " فأجنبت " أي: صرت جنباً.
قوله: " فتمرغت في الصعيد " أي: في التراب. قال الجوهري:
مرغته في التراب تمريغاً فتمرغ، أي: معكته فتمعك، والموضع:
متمرغّ.
قوله: " فنفضهما " أي: نفض اليدين. وفيه دليل لأبي حنيفة،
حيث
جوز التيمم من الصخرة التي لا غبار عليها: لأنه لو كان
معتبراَ لم ينفض
__________
(1) البخاري: كتاب التيمم، باب: التيمم للوجه والكفين
(339) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: التيمم (368) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب:
نوع آخر من التيمم (1/168) .
(2/125)
اليد، وفي الحديث دليل أيضا لمن يقول: تكفي
ضربة واحدة للوجه
والكفين جميعاً، والجواب عن هذا أن المراد هنا صورة الضرب
للتعليم،
وليس المراد بيان جميع ما يحصل به التيمم، وقد أوجب الله
غسل اليدين
إلى المرفقين في الوضوء، ثم قال تعالى في التيمم:
(فَامسَحُوا
بوُجُوهِكُم وَأيديكُم) (1) ، والظاهر أن اليد المطلقة هنا
هي المقيدة في
الوضوء في أولَ الآية، فلا يترك هذا الظاهر إلا بصريح،
والله أعلم.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
306- ص- حدَّثنا محمد بن كثير العَبدي قال: نا سفيان، عن
سلمة
ابن كهيل، عن أبي مالك، عن عبد الرحمن بن أبزي قال: كُنتُ
عندَ عُمرَ
فجاءَه رجل فقال: إنا نكونُ بالمكان الشهرَ أو الشهرينِ،
فقال عمرُ: أمّا أنا
فلم كن أصلي حتى أجدَ الماءَ، قالَ: فقال عمارٌ: يا أميرَ
المؤمنين، أمَا تذكرُ
إذ كُنتُ أنا وأنتَ في الإبلِ فَأصَابتنا جَنَابَةٌ، فأمَا
أنا فَتَمَعكتُ، فأتينا النبي
- عليه السلام- فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيكَ أن
تقولَ هكذا "،
وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نَفخَهما، ثم مَسحَ بهما وجهَه
ويديه إلى
نصفِ الذِّراع؟ فقال عمر: يا عمارُ، اتقِ اللهَ، فقال: يا
أميرَ المؤمنين، إن
شئتَ والله لم أذكره أبداً، فقال عمرُ: كلا والله،
لَنُوَلّينكَ من ذلك ما
تَولَيتَ (2) .
ش- سفيان الثوري.
وسلمة بن كهيل بن حصين بن نمازح بن أسد الكوفي، أبو يحيى
__________
(1) سورة النساء: (43) ، وسورة المائدة: (6) .
(2) البخاري: كتاب التيمم، باب: هل ينفخ فيهما؟ (338) ،
مسلم: كتاب
الحيض، باب: التيمم (112/368) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: ما
جاء في التيمم (144) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: التيمم
في الحضر
(1/165) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التيمم
ضربة
واحدة (569) .
(2/126)
الحضرمي التَنعِيُ (1) ، والتنعيون (1)
منسوبون إلى تنعة بطن من حضرموت،
دخل على ابن عمر، وزيد بن أرقم. وسمع: جندب بن عبد الله،
وأبا جحيفة، وأبا الطفيل عامر بن واثلة، وعبد الرحمن بن
يزيد
النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وجماعة آخرين. روى عنه:
الأعمش،
والثوري، ومسعر، وشعبة، وغيرهم 0 قال أحمد بن حنبل: متقن.
وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة مأمون.
توفي
سنة إحدى وعشرين ومائة. روى له الجماعة.
وأبو مالك اسمه: حبيب بن صهبان، روى عن: عمار بن ياسر.
روى عنه: حصين، والأعمش، وغيرهما. وهو المراد هاهنا لأن
ثمة
أبو مالك آخر اسمه غزوان الغفاري الكوفي. روى عن: عمار بن
ياسر،
وابن عباس، والبراء بن عازب، وعبد الرحمن بن أبزى. روى
عنه:
السُّدي، وسلمة بن كهيل، وحصن بن عبد الرحمن. قال ابن
معين:
كوفي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
وعبد الرحمن بن أبزى- بفتح الهمزة، وسكون الباء الموحدة،
وبعدها زاي، ثم ياء ساكنة- الخزاعي، مولى نافع بن الحارث،
سكن
الكوفة، واستعمل على خراسان/. رُوي له عن رسول الله- عليه
السلام- اثنا عشر حديثاً، رويا له عن عمار بن ياسر، روى
عنه: ابناه
سعيد وعبد الله، وغيرهما. روى له الجماعة إلا الترمذي.
قوله: " الشهر " نصب على الظرف. والفرق بين قولك: سرت
الشهر
وسرت شهراَ، أن المعرف يدل على التعميم بخلاف المنكر
فافهم.
قوله: " فتمعكت " أي: تمرغت.
قوله: " أن تقول هكذا " أي: تفعل هكذا، وقد ذكرنا أن معنى
القول
يستعمل في معاني مختلفة من الأفعال.
قوله: " إلى نصف الذراع " فيه حجة لمالك، حيث يقول: إن
التيمم
__________
(1) في الأصل: " البيعي، والبيعيون " خطأ، وانظر الأنساب
واللباب لابن الأثير.
(2/127)
إلى الكوعين، والجواب عنه: أن هذا صورة
الضرب للتعليم، وليس فيه
جميع ما يحصل به التيمم كما ذكرنا في الحديث الماضي.
قوله: " اتق الله " يعني: خف الله، ومعنى هذا الكلام: اتق
الله فيما
ترويه، وتثبت، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك الأمر.
قوله: " إن شئت والله لم أذكره أبدا " معناه: إن رأيت
المصلحة في
إمساكي عن التحدث به راجحة على مصلحة تحدثي أمسكت، فإن
طاعتك
واجبة عليَّ في غير مَعصية. ويحتمل أنه أراد: إن شئت لم
أحدث به
تحديثاً شائعاً بحيث يشتهر في الناس، بل لا أحدث به إلا
نادراً.
قوله: " كلا والله " " كلا " ردع وزجر وتنبيه على الخطإ،
ومنه قوله
تعالى: (كلا) بعد قوله: (إِذَا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ
عَلَيه رزقَهُ فَيَقُولُ رَبّ (1)
أهانني (2)) ، ويجيء بمعنى حقا، ومنه قوله تعالىَ. (كَلا
إِنَ الإِنسَانَ
لَيَطغَى) (3) ، وفي قصة عمار- رضي الله عنه- جواز
الاجتهاد في زمن
النبي- عليه السلام- فإن عماراَ- رضي الله عنه- اجتهد في
صفة
التيمم، وقد اختلف الأصوليون فيه، قيل: يجوز الاجتهاد في
زمنه
بحضرته وغير حضرته، وقيل: لا يجوز أصلاَ، وقيل: يجوز في
غير
حضرته ولا يجوز في حضرته. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصراَ ومطولاً.
307- ص- حدَثنا محمد بن العلاء قال: نا حفص قال: نا
الأعمش،
عن سلمة بن كهيل، عن ابن أبزى، عن عمار بنِ يسار في هذا
الحديث
فقال: " يا عَمارُ، إنما كانَ يكفيكَ هكذا "، ثم ضربَ
بيديه الأرضَ، ثم
__________
(1) كذا بحذف الياء، ولم اعثر لها على قراءة، فالله أعلم.
(2) كذا قرأها نافع في رواية قالون، والمسيبي وأبي بكر بن
أبي أويس وأخيه،
وإسماعيل بن جعفر، وأبي قرة، وأبي خليد، ويعقوب بن جعفر،
وخارجة وورش عن نافع في الوصل. وانظر السبعة (684 - 685) .
(3) سورة العلق: (6) .
(2/128)
ضربَ إحداهُمَا على الأخرى، ثم مَسَحَ
وجهَه والذِّرَاعينِ إلى نِصفِ
الساعدِ (1) ، ولم يبلغ المِرفَقينِ ضربةً واحدةً (2) .
ش- حفص بن غياث الكوفي. ويمكن أن يكون هذا الحديث حجة
للحسن بن زياد في روايته عن أبي حنيفة عدم اشتراط
الاستيعاب في
التيمم، وحجة لمن رأى أن التيمم ضربة واحدة.
ص- قال أبو داود: رواه وكيع، عن الأعمش، عن سلمةَ بن كهيل،
عن
عبد الرحمن بن أبزى.
ش- أي: روى هذا الحديث وكيع بن الجراح.
ص- ورواه جرير، عن الأعمش، عن سلمة، عن سعيد بن عبد الرحمن
ابن أبزى، عن أبيه.
ش- أي: رواه جرير بن عبد الحميد، عن سليمان الأعمش، عن
سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن الخزاعي مولاهم
الكوفي.
روى عن أبيه، روى عنه: الحكم بن عُتَيبة، وذر بن عبد الله
الهمداني،
وجعفر بن المغيرة، وغيرهم. روى له الجماعة.
308 - ص- حدثَّنا محمد بن بشار قال: نا محمد بن جعفر قال:
نا
شعبة، عن سلمة، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن
أبيه، عن
عمار بهذه القصةِ فقال: " إنما كان يكفيكَ "، وضَربَ
النبي- عليه السلام-
__________
(1) في سنن أبي داود: " الساعدين ".
(2) البخاري: كتاب التيمم، باب: هل ينفخ فيهما (338) ،
مسلم: كتاب
الحيض، باب: التيمم (113/368) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: ما
جاء في التيمم (114) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: التيمم
في الحضر
(1/165) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التيمم
ضربة
واحدة (569) .
9* شرح سنن أبي داوود 2
(2/129)
- بيده إلى الأرضِ، ثم نَفَخَ فيها (1) ،
ومَسَحَ بها وجهَهُ وكَفيه، شك سلمةُ
قال: َ لا أدرِي فيه " إلى المِرفقينِ " أو " إلى الكَفينِ
" (2) .
ش- ذر- بالذال المعجمة- ابن عبد الله بن زرارة المُرهبِي
الهمداني
أبو عمر. روى عن: سعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد،
ويُسَيع،
ووائل بن مُهانة، وسعيد بن عبد الرحمن. روى عنه: سلمة بن
كهيل،
والأعمش، وابنه عمر بن ذر، والحكم. قال ابن حنبل: ما
بحديثه
بأس. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له
الجماعة (3) .
قوله: " بيده إلى الأرض "، وفي رواية: " يده " بدون الباء.
309- ص- نا علي بن سهل الرملي قال: نا حجاج قال: نا شعبة
بإسناده بهذا الحديث./قال: ثم نَفَخَ فيها ومَسَحَ بها
وجهَهُ وكفيهِ إلى
المِر فَقَينِ أو (4) الذِّراعًينِ " (5) .
ش- علي بن سَهل بن قادم الرملي. روى عن: الوليد، ومروان بن
معاوية، وحجاج، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وابن أبي حاتم.
قال النسائي: ثقة، نَسائي، سكنَ الرملة (6) .
وحجاج هو ابن محمد الأعور، وقد ذكرناه.
قوله: " ثم نفخ فيها " أي: في يده.
ص- قال شعبةُ: كان سَلَمَةُ يقولُ: الكفين والوَجهَ
والذراعَين، فقال له
منصور ذاتَ يومٍ: انظرُ ما تقولُ! فإنه لا يذكر الذراعينِ
غيرُكَ (7) .
ش- سلمة بن كهيل المذكور، ومنصور هو ابن المعتمر شيخ شعبة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فيهما ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/1813)
(4) في سنن أبي داود: " أو إلى ".
(5) انظر الحديث السابق.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/ 4077) .
(7) انظر الحديث السابق.
(2/130)
310- ص- نا مسدد قال: نا يحيى، عن شعبة
قال: حدَّثني الحكم، عن
ذرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار في هذا
الحديث
قال: فقال- يعني: النبيَ- عليه السلام-: " إنما كان يكفيكَ
أن تَضربَ
بيدَيكَ إلى الأرضِ، فَتَمسحَ بهما وجهَكَ وكفَيكَ "، وساق
الحديثَ (1) .
ش- يحيى القطان، والحكم بن عُتَيبة.
قوله: " قال: فقال " الضمير الذي في " قال " الثاني يرجع
إلى الرسول
- عليه السلام- ولذلك فسره بقوله: " يعني النبي- عليه
السلام "،
وفيه حجة لمن يرى أن التيمم ضربة واحدة، ولمن يرى أنه إلى
الكوعين،
وقد أجبنا عن ذلك.
ص- قال أبو داود: ورواه شعبةُ، عن حُصَينٍ، عن أبي مالك
قال:
سمعتُ عماراً يخطُبُ بمثلِهِ إلا أنه [قال:] (2) لم يَنفُخ
".
ش- حُصَين بن عبد الرحمن الكوفي، وأبو مالك غزوان الكوفي،
وقد ذُكرا.
قوله: " يخطب " من الخُطبة- بضم الخاء- بمعنى: يقول أو
يخاطب،
وأما الذي في الخِطبة- بكسر الخاء- فهو من باب النكاح.
ص- وذكر حُسَينُ بنُ محمد، عن شعبةَ، عن الحكم في هذا
الحديث
قال: " (3) ضَرَبَ بكفيهِ إلى الأرضً ونَفَخَ ".
ش- الحسين بن محمد ... (4) ، والحكم بن عتيبة.
قو له: " ونفخ " أي: فيهما.
311- ص- نا محمد بن المنهال، نا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن
قتادة، عن عَزرةَ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن
أبيه، عن عمار
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) زيادة من سنن أبي داود.
(3) في النسخة الهندية: " فضرب بكفيه الأرض ".
(4) بياض في الأصل قدر سطر ونصف.
(2/131)
ابن ياسر قال: سألت النبيَّ- عليه السلام-
عن التيمُم؟ فأمَرَني ضَربةً
واحدةً بالوجهِ والكفينِ (1) .
ش- محمد بن المنهال أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الله الضرير
البصري. سمع: يزيد بن زريع. روى عنه: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم. قال أحمد بن عبد
الله
العجلي: هو بصري ثقة، ولم يكن له كتاب، قلت له: لك كتاب؟
قال: كتابي صدري. توفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين (2) .
ويزيد بن زريع البصري، وسعيد بن إياس أبو مسعود الجُريري،
وقتادة
ابن دعامة.
وعَزرة- بفتح العين وسكون الزاي، وفتح الراء- ابن عبد
الرحمن
الخزاعي الكوفي. روى عن: الشعبي، وابن أبزى، وسعيد بن
جبير،
وغيرهم. روى عنه: سليمان التيمي، وخالد الحذاء، وداود بن
أبي هند،
وقتادة. قال أحمد وابن المديني: ثقة. روى له الجماعة إلا
البخاري (3) .
312- ص- ثنا موسى بن إسماعيل قال: نا أبان قال: سُئِلَ
قتادةُ عن
التيمُّم في السَّفَرِ فقال: حدثني محدّثٌ عن الشعبي، عن
عبد الرحمنِ بن
أبزى، عن عمارِ بنِ ياسرٍ، أن رسولَ اللهِ قال: " إلى
المِرفَقينِ " (4) .
ش- أبان بن يزيد العطار. وفي هذه الرواية رجل مجهول.
313- ص- نا (5) عبد الملك بن شُعيب بن الليث قال: حدَثني
أبي،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5633) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3920) .
(4) تفرد به أبو داود.
(5) ذكر هذا الحديث والأحاديث بعده في سنن أبي داود تحت: "
باب التيمم في
الحضر ".
(2/132)
عن جدّي، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن
بن هُرمز، عن عُمير
مولى ابن عباس، أنه سمعَهُ يقولُ: أقبلتُ أنا وعبدُ الله
بن يسارِ مولى ميمونةَ
زوجِ النبيَ- عليه السلام- حتى دخلنَا على أبي اَلجُهيم
بنِ الحارث بنِ
الصِّمَّةِ الأنصاري، فقال أبو الجُهيم بنُ الحارث بن
الصِّمَّة: أقبلَ رسولُ اللهِ
مِن نَحوِ بئرِ جملِ فلَقِيَهُ رجلٌ فسلَّمَ عليه، فلمَ
يرد رسولُ الله (1) حتى أتى
على جَدارِ، فمسحَ بوجهِهِ ويدَيهِ، ثم رَدَ عَليهِ
السَلامَ (2) .
ش- عبد الملك بن شعيب قد ذكرناه.
وأبوه شعيب بن الليث أبو عبد الملك الفَهمي مولاهم. روى
عن:
أبيه، روى عنه! ابنه عبد الملك، ويحيى بن عبد الله بن
بكير، ويونس
ابن عبد الأعلى/، وغيرهم. قال الخطيب: كان ثقة. مات في صفر
سنة تسع وتسعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي
(3) .
وجدّه الليث بن سعد الإمام قد ذُكر، وجعفر بن ربيعة المصري
ذُكر
أيضا، وكذلك عبد الرحمن بن هُرمز الأعرج.
وعُمَير مولى أم الفضل بنت الحارث امرأة العباس بن عبد
المطلب
أبو عبد الله، ويقال: مولى ابنها عبد الله. روى عن: الفضل،
وعبد الله
ابني العباس، ومولاته أم الفضل، وأبي جهيم بن الحارث بن
الصِّمَّة
الأنصاري. روى عنه: سالم أبو النضر، وعبد الرحمن الأعرج،
وإسماعيل بن رجاء الزبيدي. توفي بالمدينة سنة أربع ومائة،
وكان ثقة.
روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .
وعبد الله بن يسار هذا هو الصحيح في حديث الليث، وقد وقع
في
__________
(1) في سنن أبي داود: " فلم يرد رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه السلامَ ".
(2) البخاري: كتاب التيمم، باب: التيمم في الحضر إذا لم
يحد الماء وخاف
فوات الصلاة (337) ، مسلم تعليقاً: كتاب الحيض، باب:
التيمم
(114/369) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب (194) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2755) .
(4) المصدر السابق (22/4517) .
(2/133)
أصول صحيح مسلم: " عبد الرحمن بن يسار مولى
ميمونة، (1) ،
وقال أبو علي الغساني وجميع المتكلمين على أسانيد مسلم: "
قوله
عبد الرحمن " خطأ صريح، وصوابه: " عبد الله بن يسار "،
وهكذا
رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي. قال القاضي عياض: ووقع
في
روايتنا " صحيح مسلم " من طريق السمرقندي، عن الفارسي، عن
الجُلودي: " عبد الله بن يسار " على الصواب، وهم أربعة
إخوة:
عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الملك، وعطاء مولى ميمونة.
وأبو الجُهَيم- بضم الجيم، وفتح الهاء، وزيادة ياء- هذا هو
المشهور
وفي " صحيح مسلم " بفتح الجيم وبعدها هاء ساكنة، وهو غلط،
والصواب ما ذكرناه. ومثله وقع في البخاري وغيره " (2) .
واسمه:
عَبد الله بن الحارث بن الصَمَّة- بكسر الصاد المهملة،
وتشديد الميم-
ابن حارثة بن الحارث بن زيد مناة بن حبيب بن حارثة
الأنصاري الخزرجي
اتفقا له على حديثين. روى عنه: بُسر (3) بن سعيد، وعمير
مولى ابن
عباس. روى له الجماعة (4) .
قوله: " من نحو بئر جمل " بفتح الجيم والميم، وفي رواية
النَّسائي:
" بئر الجمل " بالألف واللام، وهو موضع بقرب المدينة فيه
مال من أموالها.
قال الشيخ محيي الدين (5) : " وهذا الحديث محمول على أنه-
عليه
السلام- كان عادماً للماء حال التيمم، فإن التيمم مع وجود
الماء لا يحوز
للقادر على استعماله، ولا فرق بين أن يَضيقَ الوقتُ وبن أن
يتسعَ؛ ولا
فرق بين صلاة الجنازة والعيدين وغيرهما ".
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (4/63- 64) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(3) في الأصل: " بشر " خطأ، وهو بسر بن سعيد مولى ابن
الحضرمي، وهو
مترجم في تهذيب الكمال.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/36) ،
وأسد الغابة
(6/59) ، والإصابة (4/36) .
(5) شرح صحيح مسلم (4/64) .
(2/134)
قلت: الحديث مطلق، يُستفادُ منه جواز
التيمم لأجل رد السلام ونحوه
وفي معناه صلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما، سواء وجد
الماء أو لا،
ولا ضرورة إلى حمله على أنه كان عادماً للماء؛ لأنه تخصيص
بلا
مخصص.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل لا ينبغي أن
يُسلم على
البائل، وكذا على قاضي الحاجة، فإن سَلَم عليه كُرِهَ
رَدُه عليه.
الثانية: إذا فرغ من قضاء حاجته يرد عليه السلام، وأما
تيممه- عليه
السلام- لرد السلام فإنه يمكن أن يكون قصد بذلك أن لا يذكر
الله إلا
على طهر؛ لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومعنى سلام
عليك
رحمة سلام عليك، كذا قاله البعض. ويؤيد ما ذكرناه ما روي
في
الحديث الذي يأني وقال: " إنه لم يمنعني أن أرد عليه
السلام إلا أني لم
أكن على طهر "، فإذا جاز إقامة عبادة ما بالتيمم مع وجود
الماء، جاز به
صلاة الجنازة أيضاً عند خوف الفوات؛ لأنها عبادة أيضاً،
وكذا صلاة
العيد عند الخوف.
الثالثة: جواز التيمم بالجدار سواء كان عليه غبار أو لم
يكن، لإطلاق
الحديث، وهو حجة لأبي حنيفة على مخالفيه.
الرابعة: فيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل:
كسجدة التلاوة
والشكر، ومس المصحف ونحوها، كما يجوز للفرائض وهذا
بالإجماع،
إلا وجه شاذ منكر للشافعية، أنه لا يجوز إلا للفريضة.
الخامسة: فيه دليل أن التيمم هو مسح الوجه واليدين بالتراب
ونحوه.
فإن قيل: كيف تيمم بالجدار بغير إذن مالكه؟ فالجواب: أنه
محمول
على أنه كان مباحاً أو مملوكاً لإنسان يَعرفه، فأدلَ عليه
النبيُ- عليه السلام-
وتيمم به، لعلمه بأنه لا يكره ذلك، بل كان يفرح به، ومثل
هذا يحوز
لآحاد الناس، فالنبي- عليه السلام- أولى وأجدر.
/والحديث أخرجه البخاري والنسائي، وأخرجه مسلم منقطعاً،
وهو
(2/135)
أحد الأحاديث المنقطعة في " صحيحه "، وفيه
أربعة عشر أو اثنى عشر
حديثاً منقطعة.
314- ص- نا أحمد بن إبراهيم الموصلي، نا محمد بن ثابت
العَبدي،
نا نافعٍ قال: انطلقت مع ابنِ عمرَ في حاجة إلى ابنِ
عباسِ، فقضَى ابنُ عمرَ
حاجتهُ، وكان (1) مِن حديثِهِ يومئذ أن قالَ: مَرَ رجلٌ
على رسول الله في
سكَّة مِن السكَك، وقد خرجَ من غائًط أو بَولٍ فَسلَمَ
عليه، فلم يردَّ علَيه،
حَتىَ إذا كادَ الرجَلُ أن يَتوارَى في السكًّةِ، ضَرَبَ
بيدَيهِ على الحائط، ومَسحَ
بها (2) وجهَهُ، ثم ضَربَ ضَربةَ أخرى، فمسحَ ذراعيه، ثم
رد عَلَى الرجلِ
السَّلامَ وقال: " إنه لم يمنَعني أن أرُدَّ عليه السلامً
(3) إلا أّبي لم أكُن عَلَى
طُهرٍ (4) " (5) .
ش- أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو عليّ، سكن بغداد،
سمع: حماد بن زيد، وشريك بن عبد الله النخعي، وابن
المبارك،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو يعلى، وأبو
زرعة
الرازي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم. قال أحمد بن
حنبل:
ليس به بأس، وقد كتب عنه، وكذا ابن معين. توفي سنة خمس
وثلاثين ومائتين ببغداد (6) .
ومحمد بن ثابت العبدي المصري أبو عبد الله. روى عن: نافع،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فكان ".
(2) في سنن أبي داود: " بهما ".
(3) في سنن أبي داود: " عليك السلام ".
(4) زيد في سنن أبي داود بعد هذا: " قال أبو داود: سمعت
أحمد بن حنبل
يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم. قال ابن
داسة: قال
أبو داود: لم يُتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على "
ضربتين " عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورَوَوهُ فعل ابن عمر
".
مسلم: كتاب الحيض، باب: التيمم (115/370) .
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/1) .
(2/136)
وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار،
وغيرهم. روى عنه: ابن
البارك، ووكيع، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. قال ابن
معين:
ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ليس هو بالمتقن، يكتب حديثه.
وقال
البخاري: يخالف في بعض حديثه 0 وقال النسائي: يروي عن
نافع،
لبس بالقوي. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
ونافع القرشي العدوي مولى ابن عمر- رضي الله عنهم-.
قوله: " يومئذ " أصله: " يوم إذ كان كذا "، فحذف " كان كذا
"،
وعوض عنها التنوين، وكذا " حينئذ "، و " ساعتئذ "، و "
وقتئذ ".
قوله: " أن قال " في محل الرفع على أنه اسم " كان " وخبره
مقدماً عليه
" من حديثه "، والتقدير: كان قوله: مرّ رجل ... إلى آخره
من حديثه
يومئذ.
قوله: " في سكة من السكك " أي: الطرق والأزقة، وأصلها
النخل
المصطفة، ثم سميت الطرق بذلك لاصطفاف المنازل بجانبيها.
قوله: " أن يتوارى " أي: أن يغيب.
ويُستفادُ من هذا الحديث الفوائد التي ذكرناها في الحديث
الذي قبله،
مع زيادة تنصيص على الضربتين. وقد أنكر البخاري على محمد
بن ثابت
رفعَ هذا الحديث. وقال الخطابي (2) : " وحديث ابن عمر لا
يصح؛
لأن محمد بن ثابت العَبدي ضعيف جدا، لا يحتج بحديثه ".
وقال البيهقي (3) : " ورفعه غير منكر، وفعل ابن عمر التيمم
على
الوجه والذراعين والمرفقين شاهد بصحة رواية محمد بن ثابت،
غير مناف
لها ".
قلت: أما أنه غير مناف فصحيح، وأما أنه شاهد ففيه نظر؛
لأنه لم
__________
(1) المصدر السابق (24/5104) .
(2) معالم السنن (1/86) .
(3) " المعرفة " للبيهقي كما في نصب الراية (1/153) .
(2/137)
يوافق رواية ابن ثابت في رفع الذراعين، بل
هذا هو علة من علل الرفع،
فكيف يكون المقتضي للتعليل وهو الوقف مقتضياً للتصحيح؟
وقال البيهقي أيضاً (1) : وهو- أي: محمد بن ثابت- في هذا
الحديث غير مستحق للنكير بالدلائل التي ذكرتها. ثم قال:
وأثنى عليه
مسلم بن إبراهيم ورواه عنه. وأشار البيهقي بذلك أن مسلماً
لما رواه عنه
قال: حدَّثنا محمد بن ثابت العَبدي، وكان صدوقاً، وصدقه لا
يمنع أن
يُنكر عليه رفعه على وجه الغلط، لمخالفة غيره له على عادة
كثير من أهل
الحديث أو أكثرهم.
315- ص- نا جعفر بن مسافر، نا عبد الله بن يحيى البُرُلسي،
أنا حيوة
ابن شريح، عن ابن الهاد، أن نافعاً حدَثه عن ابنِ عمرَ
قال: " اقبلَ رسولُ
الله من الغائط فلقيَهُ رجلٌ عندَ بئرِ جَمَل، فسلَمَ
عليهِ، فلم يَردَّ عليه رسولُ
اللهَ- عليهَ السَلامَ- حتى أقبلَ على الحائط، فوضَعَ
يدَهُ على الحائط، ثم
مَسحَ وجهَه ويديه، ثم رَدَّ رسولُ اللهَ- عليه السلام-
علىَ الَرجلِ
السلامَ " (2) .
ش- جعفر بن مسافر التَنّيسي، أبو صالح الهذلي. سمع: يحيى
بن
حسان التِّنِّيسي، وأيوب بن سويد الحميري الرملي، وعبد
الله بن يزيد
المقرئ، وعبد الله بن يحيى البرلسي. روى عنه: أبو داود/،
وابنه
عبد الله بن أبي داود، والنسائي، وقال: صالح، وابن ماجه،
وغيرهم. مات سنة أربعين ومائتين (3) .
وعبد الله بن يحيى المعافري المصري البرلسي- بضم الباء
الموحدة والراء
واللام- قرية من سواحل مصر. روى عن: نافع بن يزيد، وحيوة
بن
شريح، وسعيد بن أبي أيوب، وغيرهم. روى عنه: دُحَيم، وجعفر
__________
(1) المصدر السابق.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/955) .
(2/138)
ابن مسافر، وأبو داود، وغيرهم. وقال أبو
زرعة: لا بأس به،
وأحاديثه مستقيمة. روى له: البخاري، وأبو داود (1) .
وحيوة بن شريح بن صفوان أبو زرعة المصري قد ذُكر.
وابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أُسامة بن الهاد
الليثي المدني
أبو عبد الله، كان أعرج يَعرج من رجليه جميعاً، وهو ابن
أخي عبد الله
ابن الهاد. روى عن: عبد الله بن خَبّابٍ، وعبد الله بن
دينار،
والزهري، وجماعة آخرين. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري،
ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وابن عيينة، وحيوة بن شريح،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة
بالمدينة.
روى له الجماعة (2) .
ويستفاد من الحديث الفوائد التي تقدمت.
وقال البيهقي: وحديث يزيد بن الهاد عن نافع أتم من ذلك.
أي:
من حديث محمد بن ثابت العَبدي، وقال أيضاً: وهذا شاهد
لرواية
محمد بن ثابت، يعني: أنه مرفوع لا يُنكر رفعه، فافهم.
***
113- باب: الجنب يتيمم
(3)
أي: هذا باب في بيان أن الجنب إذا لم يجد الماء يتيمم.
واعلم أن العلماء أجمعوا على جواز التيمم عن الحدث الأصغر
بلا
خلاف، وكذا أجمع أهل هذه الأعصار ومَن قبلهم على جوازه
للجنب
والحائض والنفساء، ولم يخالف فيه أحد من الخلف والسلف، إلا
ما جاء
عن عمر وابن مسعود، وحكي عن إبراهيم النخعي مثله، وقيل: إن
عمر
وابن مسعود رجعا عنه. وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث
الصحيحة
__________
(1) المصدر السابق (16/3655) .
(2) المصدر السابق (32/7011) .
(3) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2/139)
المشهورة، وإذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد
الماء، وجب عليه الاغتسال
بإجماع العلماء، إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
الإمام
التابعي أنه قال: لا يلزمه. وهو مذهب متروك بالإجماع،
وبالأحاديث
الصحيحة في أمره- عليه السلام- الجنب بغسل بدنه إذا وجد
الماء، والله
أعلم.
316- ص- ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا خالد الواسطي، عن خالد
الحذاء، عن أبي قلابة ح، ونا مسدد قال: ثنا خالد الواسطي،
عن خالد
الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجدان، عن أبي ذر قال:
اجتَمَعت
غُنيمةٌ عندَ رسولِ اللهِ- عليه السلامُ- فقال: " يا أبا
ذرٍّ ابدُ فيها " فَبدوت
إلى الربذة، فكانت تُصيبُني الجَنابةُ، فأمكُثُ الخمسَ
والستَّ، فأتيتُ
رسولَ الله- عليه السلامُ- فقالَ: أبو ذرٍّ؟ فسكتُّ، فقال:
" ثَكلَتكَ أمُّكَ
أبا ذرٍّ! لَأمِّكَ الويلُ، فدعا لي بجارية سوداءَ، فجاءت
بعُسٍ فيه ماءٌ،
فسَتَرني بثوب واستَترتُ بالرَاحلَة، فاغتسَلتُ، فكأنَنِي
(1) ألقيَتُ عني جَبَلاً،
فقال: " الصّعيدُ الطَّيبُ وُضوءُ اَلمسلم ولَو إلى عشرِ
سنين، فإذا وَجدتَ الماءَ
فامسَحهُ (2) جِلدَكَ، فإن ذلك خيرٌ " (3) .
ش- عمرو بن عون أبو عثمان الواسطي، وخالد بن عبد الله
الواسطي،
وخالد بن مِهران الحذاء البصري، وأبو قلابة عبد الله بن
زيد الجَرمي
البصري.
وعمرو بن بُجدان- بضم الباء الموحدة وسكون الجيم- العامري
القعنبي. روى عن أبي ذر الغِفاري، وأبي زيد الأنصاري. روى
عنه:
أبو قلابة، وحديثه في البصريين. قال ابن المديني: لم يرو
عنه
__________
(1) في سنن أبي داود: " واغتسلت، فكأني ".
(2) في سنن أبي داود: " فأمسه "، وهي رواية كما سيذكر
المصنف.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التيمم للجنب
إذا لم يجد الماء
(124) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الصلوات بتيمم واحد
(1/171) .
(2/140)
غير أبي قلابة روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن
ماجه (1) .
وأبو ذر اسمه: جُندب بن جُنادة بن سفيان بن عبيد بن
الوقيعة (2) بن
حرام بن غفار، ويقال: اسمه: برير بن جُنادة، ويقال: برير
بن
جندب، ويَقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن.
والمشهور الأول. روي عنه قال: أنا رابع الإسلام، ويقال:
كان خامساً
في الإسلام، أسلم بمكة ثم رجع/إلى بلاد قومه، ثم قدم
المدينة إلى
رسول الله. رُوي له عن رسول الله مائتا حديث وأحد وثمانون
حديثاً،
اتفقا منها على اثني عشر حديثاً، وانفرد البخاري بحديثين،
ومسلم بسبعة
عشر حديثاً. روى عنه: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك،
وزيد بن
وهب، والمعرور بن سويد، وخلق سواهم. مات بالرَبذة سنة
اثنين
وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود. روى له الجماعة (3) .
قوله: " غُنيمة " الغُنَيمة: تصغير الغنم؛ لأن الغنم اسم
مؤنث موضوع
للجنس، يقع على الذكور وعلى الإناث وعليهما جميعاً، فإذا
صغرتها
ألحقتها الهاء فقلت: غنيمة، لأن أسماء الجموع التي لا واحد
لها من
لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، يقال: له
خمس من
الغنم ذكور، فتؤنث العدد، دان عنيت الكباش إذا كان ثلاثة
من الغنم،
لأن العدد يجري في تذكيره وتأنيثه على اللفظ لا على
المعنى، والإبل
كالغنم في جميع ما ذكرناه.
قوله: " ابدُ فيها " ابد- بضم الهمزة- أمر من بدا، يبدو،
إذا خرج
إلى البدو، يقال: بدا القوم بدوا، إذا خرجوا إلى البادية،
والضمير
الذي في " فيها " يرجع إلى الغنم، أي: اخرج إلى البدو في
الغنم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4330) .
(2) في الاستيعاب: " الواقعة "، ولم يذكر هذا الاسم في أسد
الغابة ولا الإصابة.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامس الإصابة (4/61) ،
وأسد الغابة (6/99) ،
والإصابة (4/62) .
(2/141)
وكلمة " في " هاهنا للمصاحبة، والمعنى:
اخرج إلى البادية مصاحباً
الغنم، كما في قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَومه في
زينَته) (1) ، ويكون
محل " فيها " نصباً على الحال.
قوله: " فبدوت إلى الربذة " أي: أخرجتها إلى بادية الربذة،
والربذة
- بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة-: قرية معروفة
قرب المدينة،
بها قبر أبي ذر الغفاري، بينها وبين المدينة ثلاث مراحل.
قوله: " فأمكث الخمس والست " أي: خمسة أيام وستة أيام،
ونصبهما على الظرفية.
قوله: " ثكلتك أمك " أي: " (2) فقدتك، والثكل- بضم الثاء-:
فقد الولد، وامرأة ثاكل وثكلى، ورجل ثاكل وثكلان، كأنه دعى
عليه
بالموت لسوء فعله، أو قوله، والموت يعم كل أحد، فإذن
الدعاء عليه
كَلا دُعاء، أو أراد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا
تزداد سوءاً،
ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا
يراد بها
الدعاء، كقولهم: " تربت يداك، وقاتلك الله ".
قوله: " أبا ذر " نصب على النداء، وحرف النداء محذوف
تقديره: يا
أبا ذر.
قوله: " لأمك الويل " أي: الحزن والهلاك والمشقة من
العذاب، وكل
من وقع في هلكة دعى بالويل، و " الويل " مرفوع بالابتداء،
وخبره
" لأمك " مقدماً، والمعنى: إنها إذا فقدت ولدها يكون لها
ويل وعذاب،
وهذا دعاء بعد دعاء، يدل على أنه- عليه السلام- تغيظ على
أبي ذر
غيظاً قويا لمكثه في الجنابة هذا المقدار الذي ذكره.
قوله: " فجاءت بعُس " العس- بضم العين المهملة، وتشديد
السين-:
القدح الضخم، وجمعه عِسَاسٌ وأعساسٌ.
__________
(1) سورة القصص: (79) .
(2) أنظر: النهاية (1/217) .
(2/142)
قوله: " فاستترت بالراحلة " الراحلة: الركب
من الإبل ذكراَ كان أو
أنثى.
قوله: " الصعيد " مبتدأ، و " الطيب " صفته، ومعناه:
الطاهر،
وخبره: " وضوء المسلم " يجوز في " الوضوء " ضم الواو
وفتحها،
والفتح أشهر وأصح.
قوله: " ولو إلى عشر سنين " الراد: نفس الكثرة، لا العشرة
بعينها،
وتخصيص العشرة لأجل الكثرة لأنها منتهى عدد الآحاد،
والمعنى: له أن
يفعل التيمم مرة بعد أخرى وإن بلغت مدة عدم الماء إلى عشر
ستين،
وليس معناه: أن التيمم دفعة واحدة يكفيه لعشر ستين.
قوله: " فإذا وجدت الماء فامسحه جلدك " معناه: اغسل به
جلدك: لأن
المسح يجيء بمعنى الغَسل كما ذكرنا غير مرة، وفي بعض
الرواية: " فأمِسَّهُ
جِلدكَ " - بفتح الهمزة وكسر الميم وتشديد السين المفتوحة-
من الإمساس.
قوله: " فإن ذلك خير " أي: فإن إمساس الجلد بالماء عند
وجوده خير
من التيمم.
ويُستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: فيه دليل على أن
المتيمم
يجمع بتيمُّمه بين صلوات كثيرة، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو
حُجَة على
مخالفيه.
والثانية: فيه دليل على انتقاض طهارة المتيمم بوجود الماء
على سائر
الأحوال، سواء كان في صلاة أو غيرها، وهو مذهب أبي حنيفة
أيضاً،
وهو حجة على مخالفيه أيضاً.
والثالثة: أن المُحدِثَ/والجنبَ سواء في التيمم. وقال
الخطابي (1) :
" يحتج به من يرى إذا وجد من الماء ما لا يكفي لكمال
الطهارة أن يستعمله
في بعض أعضائه، ويتيمم للباقي، وكذلك فيمن كان على بعض
أعضائه
__________
(1) معالم السنن (1/88) .
(2/143)
جرح، فإنه يغسل ما لا ضرر عليه من غَسله،
ويتيمم للباقي منه، وهو
قول الشافعي، ويحتج به أيضاً أصحابه في أن لا يتيمم في مصر
لصلاة
فرض، ولا لجنازة، ولا لعيد؛ لأنه واجد للماء فعليه أن
يُمسه جلده ".
قلت: لا نسلم أن الاحتجاج به في الصورة الأولى صحيح؛ لأنه
لا
يدل على صحة الجمع بين البدل والمبدل، ومن اين يعرف من
قوله:
" فأمسه جلدك " أن يمس الماء بعض جلده، ويتيمم للبعض؟
والعبارة لا
تدل على هذا أصلاَ، بل هذا حجة لنا عليهم؛ لأن قوله: "
فإذا وجدت
الماء " أي: الماء الكامل الوافي للاغتسال أو الوضوء "
فأمسه جلدك "؛
لأنه ذكر محلى بالألف واللام فيتناول الكامل، حتى إذا وجد
ماء لا يكفي
يكون وجوده وعدمه سواء فيتيمم، كما إذا وجد ماء كافياً
ولكنه يحاف
العطش على نفسه أو دابته، فإنه كالمعدوم.
وأما الصورة الثانية، فكذلك لا يصح الاحتجاج به فيها؛ لأن
مجرد
وجود الماء لا يكفي، بل الشرط القدرة عليه، فالذي تحضره
الجنازة
ويخاف فوتها غير قادر على استعمال الماء، حتى إذا لم يخف
فوتها لا
يجوز التيمم أيضاً، كما هو مصرح في كتب الحنفية.
والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حديث
حسن صحيح. ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثلاثين
من
القسم الأول، ورواه الحاكم في " المستدرك " (1) وقال: حديث
صحيح،
ولم يخرجاه، وكذا رواه الدارقطني في " سننه " (2) .
ص- قال مسدد: " غُنيمة من الصدَقَةِ "، وحديث عمرو أتم.
ش- أشار بهذا إلى أن في رواية مسدد " غنيمة من الصدقة "،
وأشار
بقوله: " وحديث عمرو أتم " إلى أن هذه الرواية التي فيها
صرح باسم
عمرو بن بُجدان أتم من الرواية الثانية التي لم يُصّرح
فيها عمرو، وإنما
__________
(1) (1/176) .
(2) (1/186- 187) .
(2/144)
ذكر عن أبي قلابة، عن رجل، لما يجئ الآن،
ولأجل هذا " (1) ضعف
ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام " هذا الحديث فقال:
وهذا حديث
ضعيف بلا شك، إذ لا بد فيه من عمرو بن بُجدان، وعمرو بن
بُجدن لا
يعرف له حال. وإنما روى عنه أبو قلابة، واختلف عنه، فقال
خالد
الحذاء عنه، عن عمرو بن بُجدان، ولم يختلف على خالد في
ذلك.
وأما أيوب، فإنه رواه عن أبي قلابة، واختلف عليه، فمنهم من
يقول:
عنه، عن أبي قلابة، عن رجل من بني قلابة (2) . ومنهم من
يقول:
عن عمرو بن بُجدان، كقول خالد. ومنهم من يقول: عن أبي
المُهلب.
ومنهم من لا يجعل بينهما أحدا، فيجعله عن أبي قلابة، عن
أبي ذر.
ومنهم من يقول: عن أبي قلابة أن رجلاً من بني قشير قال: "
يا نبي الله "
هذا كله اختلف (3) على أيوب في روايته عن أبي قلابة.
قال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": ومن العجب كون ابن
القطان لم
يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بُجدان، مع
تفرده
بالحديث، وهو قد نقل كلامه هذا " حديث حسن صحيح "، وأي فرق
بين أن يقول: هو ثقة، أو يصحح له حديثاً انفرد به؟ وإن كان
توقف
عن ذلك لكونه لم يَروِ عَنهُ إلا أبو قلابة، فليس هذا
بمقتضى مذهبه، فإنه
لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا
يوجب جهالة
الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله، وهو
تصحيح
الترمذي، وأما الاختلاف الذي ذكره من كتاب الدارقطني،
فينبغي على
طريقته وطريقة الفقه أن ينظر في ذلك، إذ لا تعارض بين
قولنا: عن
رجل، وبين قولنا: عن رجل من بني عامر، وبين قولنا: عن عمرو
بن
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/148- 149) .
(2) كذا في الأصل، وفي " نصب الراية "، وفي " سنن
الدارقطني " (1/187) ،
و" مصنف ابن أبي شيبة " (1/105) : " عن أبي قلابة، عن رجل
من بني
عامر ".
(3) في نصب الراية: " اختلاف ".
10* شرح سنن أبي داوود 2
(2/145)
بُجدان، وأما من أسقط ذكر هذا الرجل فيؤخذ
بالزيادة ويُحكم بها، وأما
من قال: عن أبي المهلب، فإن [كان] (1) كنية لعمرو، فلا
اختلاف،
وإلا فهي رواية واحدة مخالفة احتمالاً لا يقيناً، وأما من
قال: إن رجلاً
من بني قشير قال: " يا نبي الله "، فهي مخالفة، فكان يجب
أن ينظر
في إسنادها على طريقته، فإن لم يكن ثابتاً لم يعلل بها،
والله أعلم " (2) .
317- ص- حدَّثنا موسى بن (3) /إسماعيل قال: نا حماد، عن
أيوب،
عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر قال: دخلتُ في الإسلام،
فَهمَّني (4)
دينِي، فأتيتُ أبا ذر، فقال أبو ذر: إِني اجتَوَيتُ
المَدينةَ، َ فأمر لي رسولُ الله
بذَود وبغنم، فقال لي: اشرب من ألبانِهَا. قال (5) : وأشكُ
في أبوالهَا، قالَ
أبو ذر: فكنتُ أعزُبُ عن الماء ومعي أهلِي فَتُصِيبُنيِ
الجَنابةُ، فأصًلِّي بغيرِ
طَهُور، فأتيتُ رسولَ الله بنصفَ النهار، وهو في رهط من
أصحابه، وهو
في ظلِّ المَسجد، فقال: أَبو ذر؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسولَ
اللَهَِ، قال:
وما أَهلككَ؟ َ قلتُ: إني كنتُ أعزُبُ عن الماء، ومعي
أهلِي، فتُصيبُنِي
الجَنابةُ، فأصَلِّي بغيرِ طُهر (6) ، فأمرَ لي رسولُ الله
بماء، لجاءت به جَارية
سوداءُ بعُس يَتَخَضخَضُ ما هو بملآن، فَتَسَتَّرتُ إلَى
بعير (7) ، فاغتسَلتُ،
ثم جِئت، فقال رسولُ الله: يا أبا ذر، إن الصَّعيدَ طَهُور
فإن لم تجدِ المَاءَ إلى
عشرِ سنين، فإذا وجدتً الماءَ فأمِسَّهُ جِلدَكَ " (8) .
ش- حماد بن سلمة، وأيوب السختياني، ورجل من بني عامر هو
عمرو بن بُجدان المتقدم في الحديث الذي قبله، سماه خالد
الحذاء، عن
أبي قلابة، وسماه سفيان الثوري، عن أيوب.
__________
(1) زيادة من نصب الراية.
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) مكررة في الأصل.
(4) في سنن أبي داود: " فأهمني ".
(5) في سنن أبي داود: " قال حماد: وأشك في أبوالها: هذا
قول حماد ".
(6) في سنن أبي داود: " طهور ".
(7) في سنن أبي داود: " بعيري ".
(8) تفرد به أبو داود.
(2/146)
قوله: " فهمني ديني " أي: أمور ديني، يقال:
همه الأمر، إذا أقلقه
وحَزَنَهُ.
قوله: " إني اجتويت المدينة " أي: أصابني " الجَوَى " وهو
المرض،
وداَء الجوف إذا تطاول، ويقال: اجتويت البلد، إذا كرهت
المقام فيه وإن
كنت في نعمة.
قوله: " بذود " الذود- بفتح الذال المعجمة، وسكون الواو-
من
الإبل ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى
العشر،
واللفظة مؤنثة، ولا واحد لها من لفظها، كالنَعم. وقال أبو
عبيد:
الذود من الإناث دون الذكور.
قوله: " فكنت أعزب عن الماء " أي: أبعد، وقد عزب يعزُب فهو
عازب، إذا أبعد، َ من باب نصر ينصر.
قوله: " وهو في رهط " الرهط: ما دون العشرة من الرجال لا
يكون
فيهم امرأة، قال اللهُ تعالى: (وَكَانَ فِي المَدِينَة
تسعةُ رَهط) (1) فجمع
وليس لهم واحد من لفظهم، مثل: ذود، والَجَمع: أرهُط
وأرهَاط،
وأرَاهِط كان (2) جمع أرهط، وأراهيط.
قوله: " فقال: أبو ذر؟ " أي: هذا أبو ذر؟ أو هو أبو ذر؟
قوله: " يتخضخض " أي: يتحرك، من الخضخضة، وهي التحريك.
قال الجوهري: " الخضخضة ": تحريك الماء ونحوه، وقد خضخضته
فتخضخض.
والحديث بهذا الطريق أخرجه النسائي، والدارقطني (3) ، وابن
حبان.
ص- رواه حماد بن زيد، عن أيوب، ولم يذكر " أبوالها ".
ش- أي: روى هذا الحديث حماد بن زيد البصري، عن أيوب
السختياني، ولم يذكر في روايته: " أبوالها ".
__________
(1) سورة النمل: (48)
(2) كذا.
(3) (1/187) .
(2/147)
[ص-] وقال أبو داود: " أبوالها " ليس بصحيح
في هذا الحديث،
وليس في " أبوالها " إلا حديث أنس، تفرد به أهل البصرة.
[ش-] قلت: هو ما رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث أنس:
" أن ناساً من عُرينة اجتووا المدينة، فرخص لهم رسول الله
أن يأتوا إبل
الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا الراعي،
واستاقوا الذود،
فأرسل رسول الله فأتي بهم، فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمر
أعينهم،
وتركهم بالحرة يعضون الحجارة ".
أخرجه: البخاري، ومسلم في " الصلاة "، وأبو داود، وابن
ماجه
في " الحدود "، والترمذي في " الطهارة "، والنسائي في "
تحريم الدم ".
***
114- باب: إذا خاف الجنب البرد
تيمم
أي: هذا باب في بيان حكم الجنب إذا خاف البرد تيمم، وفي
بعض
النسخ: " باب إذا خاف الجنب البرد ولم يغتسل "، وفي بعضها:
" باب
إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ " بهمزة الاستفهام، وهي
الصحيحة.
318- ص- حدثنا ابن المثنى قال: نا وهب بن جرير، قال: ثنا
أبي،
قال: سمعتُ يحيى بن أيوب، يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن
عمران
ابن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جُبير، عن عمرو بن العاص،
قَال:
" احتلَمتُ في ليلة بَاردة في غزوة ذات السَلاسِلِ،
فَأشفقتُ إنِ اغتَسلتُ أن
أهلكَ، فتيَمَمتُ، ثم صليتُ بأصَحابَي الصُبحَ، فذكروا ذلك
للنبيَ- عليه
السلام-/فقال: يا عمرو، صليتَ بأصحابكَ وأنتَ جُنبٌ؟
فأخبرتُه
بالذي مَنعنِي من الاغتسالِ وقلتُ: إني سمعتُ اللهَ عَزَّ
وجَلَّ يقولُ: (وَلا
تَقتُلُوا أنفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بكُم رَحيماً) (1)
، فَضَحكَ نبيُّ الله- عليه
السلام- ولم يَقُل شيئاً " (2) .
__________
(1) سورة النساء: (29) .
(2) تفرد به أبو داود.
(2/148)
ش- " ابن المثنى ": محمد بن المثنى.
ووهب بن جرير بن حازم أبو العباس البصري. سمع: أباه،
وشعبة،
وهشاماً الدَّستوائي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن
المديني، وأبو خيثمة، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة.
مات سنة
ست ومائتين منصرفاً من الحج بالمَنجَشَانيّة على ستة أميال
من البصرة.
روى له الجماعة (1)
وأبوه جرير بن حارم قد ذكرناه، ويحيى بن أيوب الغافقي،
ويزيد بن
أبي حبيب: سويد المصري.
وعمران بن أبي أنس المصري العامري، أحد بني عامر بن لؤي.
روى
عن: عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وسلمان الأغر، وأبي
سلمة
ابن عبد الرحمن، وغيرهم. روى عنه (2) . روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي. قال أحمد: ثقةٌ (3) .
وعبد الرحمن بن جبير بن نفير أبو حميد، ويقال: أبو حمير
الحضرمي
الحمصي، روى عن أبيه. روى عنه: صفوان بن عمرو، ومحمد بن
الوليد الزبيدي، ومعاوية بن صالح، وغيرهم. قال أبو زرعة:
ثقة.
وقال أبو حاتم: هو صالح الحديث. قال ابن سعد: كان ثقة.
وبعض
الناس يستنكر حديثه. ومات سنة ثمان عشرة ومائة. روى له
الجماعة إلا
البخاري (4) .
قوله: " في غزوة ذات السلاسل " ذات السلاسل وراء وادي
القرى،
بينها وبن المدينة عشرة أيام، وقيل: سميت بماء بأرض جُذام
يقال له
السّلسل، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6753) .
(2) كذا، ولم يذكر أحداَ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4481) .
(4) المصدر السابق (17/3782) .
(2/149)
قوله: " فأشفقت " أي: خفت، من الإشفاق،
وكذلك الشفَقُ:
الخوف، يقال: أشفقتُ، أُشفق، إشفاقاً، وهي اللغة العالية،
وحكى
ابن درَيد: شفِقتُ، أشفَقُ، شَفقاً، من باب علم يعلم.
قوله: " وأنت جنب " جملة اسمية، وقعت حالاً عن الضمير الذي
في
" صَلَّيت ".
ويستفادُ من الحديث فوائدُ، الأولى: جواز التيمم للمسافر
الذي
يخاف البرد، وإن كان يحد الماء، وأبو حنيفة أجازه للمقيم
أيضاً،
لوجود العجز حقيقة، وعند الشافعي: إذا خاف على نفسه التلف
من
شدة البرد تيمم وصفَى، وأعاد كل صلاة صلاها كذلك، وقال
مالك
وسفيان: يتيمم كالمريض، وقال عطاء بن أبي رباح: يغتسل وإن
مات،
وهو مُشكلٌ.
الثانية: عدم إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم في هذه
الحالة، وهو
حجة على من يأمر بالإعادة؛ لأنه- عليه السلام- لم يأمره
بالإعادة لا
صريحاً ولا دلالة.
الثالثة: جواز الاجتهاد في زمن النبي- عليه السلام- في
غيبته، وهو
مذهب بعض الأصوليين.
319- ص- حدثنا محمد بن مَسلمة وقال: ثنا ابن وهب، عن ابن
لهيعة، وعمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن
أبي أنس،
عن عبد الرحمن بن جُبَيرِ، عن أبي قيس مولىِ عمرو بن
العاص، أن عمرو
ابن العاص كان على سرِيَّة، وذكر الحديث نحوه. قال:
فَغَسَلَ مَغَابنَهُ
وتَوضأ وُضوءَه للصلاةِ، ثم صًلَّى بهم، فذكر نحوه، ولم
يذكر التيمم (1) .
ش- ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري، وابن لهيعة هو:
عبد الله بن لهيعة- بكسر الهاء-، وعمرو بن الحارث الأنصاري
المصري.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2/150)
وأبو قيس مولى عمرو بن العاص. روى عنه: عبد
الرحمن بن جبير،
وبسر (1) بن سعيد، وعلي بن رباح، ويزيد بن أبي حبيب،
ويقال: إنه
رأى أبا بكر الصديق، وقال أبو سعيد بن يونس: اسمه: عبد
الرحمن
ابن ثابت. وقال محمد بن سُحنون: إن عبد الرحمن بن الحكم
مولى
عمرو بن العاص يكنى أبا قيس. قال أبو سعيد: هذا خطأ، وإنما
أراد
أبا قيس مالك بن الحكم الحبشي وأخطأ. روى له الجماعة (2) .
قوله: " كان على سرية " السَرِيَّة: طائفة من الجيش تبلغ
أقصاها
أربعمائة، تبعث إلى العدو، وقد ذُكِرَ مَرَّة.
قوله: " مغابنه " المغابن- با لغين المعجمة-: الأرفاغ، جمع
" رُفغ "
- بضم الراء وفتحها- وهي أصول الآباط والأفخاذ وغيرهما من
مطاوي
الأعضاء، وما يجتمع فيه الوَسخ والعَرَقُ/. وقال ابن
الأثير (3) :
" المغابن جمع " مَغبن "، من غَبَنَ الثوب إذا ثناه وعطفه،
وهي معاطف
الجلد ".-
ص- قال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي، عن حسان بن
عطية قال فيه: " فتيمم ".
ش- حسان بن عطية الشامي [أبو] (4) بكر المحاربي مولاهم.
رو [ى] عن: أبي واقد الليثي، [وأبي] الدرداء مرسلاَ.
سمـ[ع] : ابن
المسيب، وابن [المنكـ[در] ، ونافعاً مولى ابن عمر،
وغيـ[رهم] روى
عنه: الأوزاعي، [وعبد] الرحمن بن ثابت، وحفص بن غيلان،
وغيـ[رهم] . قال ابن معين [وابن] حنبل: ثقة. روى له
الجماعة (5) .
__________
(1) في الأصل: " بشر " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7578) .
(3) النهاية (3/341)
(4) كير ظاهر في الإلحاق وكذا ما بعده.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1194) .
(2/151)
قوله: " قال فيه " أي: قال الأوزاعي في هذا
الحديث: " تيمم عمرو
ابن العاص ".
***
115- باب: المجدورُ يَتيمّمُ (1)
أي: هذا باب في بيان المجدور يتيمم، والمجدور: الذي به
جُدريّ.
وقال الجوهري: الجُدَري- بضم الجيم وفتح الدال- والجَدَري-
بِفَتحِهِمَا-
لغتان تقول فيه: جُدَر الرجل، فهو مُجدّرٌ - بالتشديد-
والجُدَري:
الحُبَيبات التي تظهر في جلد الصبيان غالباً قدر العَدسة
ونحوها.
320- ص- حدَّثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي، قال: نا
محمد بن
سلمة، عن الزبير بن خُريق، عن عطاء، عن جابر قال: خَرَجنا
في سفرٍ
فأصابَ رَجلاً معنا (2) حَجَر فشجَّه في رأسه، ثم
احتَلَمَ، فسأل أصحابَه:
هل تَجدونَ لي رُخصة في التيمم؟ فقالوا: مًا نجدُ لك
رُخصةً، وأنتَ تَقدرُ
على المَاء، فاغتسلَ فماتَ، فلما قَدمنَا على النبيِّ-
عليه السلام- اخبَرَ
بذلك، فَقالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهمُ اللهُ، ألا سألُوا إذ
لمِ يَعلَمُوا؟ افإنما شِفَاءُ العِيًّ
السؤالُ، إنما كان يكفيه أن يَتيممَ ويَعصرَ أو يُعصِّبَ-
شَكَّ موسى- على
جُرحِهِ خِرقَةً، ثم يَمسحُ عليها، ويغسلُ سَائِرَ جَسَدِه
(3) .
ش- موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي الحلبي. روى عن: زيد بن
الحباب، ومحمد بن سلمة، وعطاء بن مسلم، وغيرهم. روى عنه:
أبو داود، والنسائي وقال: لا بأس به، وأبو حاتم، وقال:
صدوق (4) .
ومحمد بن سلمة الباهلي الخَرّاني.
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في المجروح يتيمم "، وأشار
محققه إلى أنه في
نسخة " هـ " كما عندنا.
(2) في سنن أبي داود: " ما ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 /6277) .
(2/152)
والزبير بن خُرَيق- بضم الخاء العجمة،
وبعدها راَءٌ مهملة مفتوحة،
وباء آخر الحروف ساكنة وقاف- الجزري. روى عن: أبي أمامة "
وعطاء. روى عنه: محمد بن سلمة، وعروة بن دينار، وهو قليل
الحديث. روى له أبو داود (1) .
وعطاء هو: ابن أبي رباح، وجابر بن عبد الله الأنصاري.
قوله: " " معنا " في محل النصب على الحال من " رجلاَ " أي:
مصاحباً
معنا، و " رجلاَ " منصوب على المفعولية، وفاعله " حجر ".
قوله: " فشجه " من شَجَّهُ، يَشُجُّهُ شجا، من باب نصر
ينصر، فهو
مشجوج، وشجج، والشج في الرأس خاصة في الأصل، وهو أن
يضربه بشيء فيجرحه فيه، ويشقه، ثم استعمل في غيره من
الأعضاء.
قوله: " ألا سألوا " - بفتح الهمزة وتشديد اللام- وهي حرف
تحضيض،
مختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض، وهو
الحث على
الشيء.
قوله: " إذ لم يعلموا " كلمة " إذ " للتعليل.
قوله: " شفاء العِيِّ " العِيّ- بكسر العين المهملة وتشديد
الياء-:
الجهل، وقد عيي به يعيا عَياءً، وعَيَّ- بالإدغام
والتشديد- مثل: عَيِي.
قوله: " ويَعصِر " بمعنى: يعصب.
قوله: " على جرحه " متعلق بقوله: " يَعصر ".
وقوله: " شك موسى " معترض بينهما، أي: موسى بن عبد الرحمن.
ويستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: ذم الفتوى بغير علم، ولهذا قد عابهم به- عليه
السلام-
وألحق بهم الوعيد، بأن دعا عليهم، وجعلهم في الإثم
قَتَلَةَ له.
__________
(1) المصدر السابق (9/1962) .
(2/153)
الثانية: فيه دليل على جواز التيمم للجنب
(1) المجروح الذي يخاف
استعمال الماء.
الثالثة: فيه دليل على جواز المسح على الجراحة بعد
تعصيبها. وقال
الخطابي (2) : " فيه من الفقه أنه أمر بالجمع بين التيمم
وغسل سائر بدنه
بالماء، ولم ير أحد الأمرين كافياً دون الآخر. وقال أصحاب
الرأي: إن
كان أقل أعضائه مجروحاً جمع بين الماء والتيمم، وإن كان
الأكثر كفاه
التيمم وحده ".
قلت: أراد بأصحاب الرأي: أصحاب أبي حنيفة، ولكن مذهبهم
ليس كما نقله الخطابي، فإنه غلط؛ بل المذهب: أن الرجل إذا
كان أكثر
بدنه صحيحاً وفيه جراحات، فإنه يغسل الصحيح ولا يتيمم، بل
يمسح
على الجبائر، وإن كان أكثر بدنه جريحاً فإنه يتيمم فقط ولا
يغسل
الصحيح، وقط ما نُقِلَ عن أصحابنا أنهم جمعوا بين الماء
والتراب.
والجواب عما في الحديث: أنه- عليه السلام- ما أمر أن يُجمع
بين
الغسل والتيمم؛ وإنما بين أن الجنب المَجروح له أن يتيممِ
ويمسح على
الجراحة ويغسل سائر جسده، فيحمل قوله: " يتيممُ " و " يمسح
" على
ما إذا كان كثر بدنه جريحاً، ويحمل قوله: " ويغسل سائر
جسده " إذا
كان كثر بدنه صحيحاً، ويمسح على الجراحة، على أن الحديث
معلول؛
لأن فيه الزبير بن خُريق. قال الدارقطني: ليس بقوي. وقال
البيهقي:
ليس هذا الحديث بالقوي
321- ص- حدَّثنا نصر بن عاصم الأنطاكي قال: نا محمد بن
شعيب
قال: أخبرني الأوزاعي، أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح، أنه
سمع عبد الله
ابن عباس قال: أصاب رجلاَ جُرح في عَهد رسول الله، ثم
احتلَمَ، فأمِرَ
بالاغتسال، فاغتسلَ فماتَ، فبلَغَ ذلك رسولً الله فقالَ:
قَتلوه قَتَلَهُمُ اللهُ، الم
يكن شِفَا/العِيَ السُؤالُ "؟ (3) .
__________
(1) في الأصل: " للميت ".
(2) معالم السنن (1/89) .
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في المجروح تصيبه
الجنابة (572) .
(2/154)
ش- نصر بن عاصم الأنطاكي، روى عن: محمد بن
شعيب بن
شابور، روى عنه: أبو داود، وابن ماجه.
ومحمد بن شعيب بن شابور الدمشقي الشامي، مولى بني أمية،
مولى الوليد بن عبد الملك. سمع: خالد بن دهقان، وعثمان بن
أبي العالية، والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه: ابن البارك،
ومحمد
ابن مصفى، وكثير بن عُبيد الحمصّان (1) ، وخلق سواهم. قال
أحمد
ابن حنبل: ما أرى به بأساً. وقال ابن معين: كان مرجئاً،
وليس به في
الحديث بأس. وقال محمد بن عبد الله: ثقة. مات سنة تسع
وتسعين
ومائة، وهو ابن ثنتين وثمانين سنة ببَيروت. روى له الجماعة
(2) .
قوله: " جُرح " بضم الجيم الاسم، وبالفتح المصدر، من جرحه
جَرحاً. والحديث أخِرجه أبو داود منقطعاً، وأخرجه ابن ماجه
موصولاً.
وقال أبو علي بن السكن: قال لي أبو بكر بن أبي داود: حديث
الزّبير
ابن خُريق أصح من حديث الأوزاعيّ.
***
116- بابُ: المُتَيمّم يَجدُ الماء بعد مَا صَلّى (3) في
الوقت
أي: هذا باب في حكم المتيمم الذي صلى بالتيمم، ثم وجد
الماء
قبل خروج الوقت.
322- ص- حدَّثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: نا عبد الله
بن نافع،
عن الليث بن سعد، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن
أبي سعيد
الخدري قال: " خَرجَ رجلانِ في سَفر فحَضرت الصلاةُ وليس
معهما ماء،
فتيمَّمَا صعيداًَ طيباً فصَلّيَا، ثم وَجَدَا الَماءَ في
الوَقَت، فأعادَ أحدُهما الصَّلاةَ
والوُضوءَ، ولم يُعِدِ الآخر، ثم أتيا رسولَ اللهِ فذَكرا
ذلك له، فقالَ للذي لم
__________
(1) كذا.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5290) .
(3) في سنن أبي داود: " يصلي ".
(2/155)
يُعد: أصَبتَ السُّنَّةَ وَأجزأتكَ
صلاتُكَ، وقال للذي توضأ وأعادَ: لك
الأجرُ مَرتينِ (1) .
ش- محمد بن إسحاق بن محمد المسيبي المخزومي المدني.
وعبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن
العوام الأسدي
القرشي، أبو بكر المدني. سمع: مالك بن أنس، وعبد الله بن
محمد
ابن يحيى، وعبد العزيز بن أبي حازم، وغيرهم. روى عنه: ابنه
أحمد
ومحمد بن إسحاق المسيبي، وعباس الدوري. قال ابن معين:
صدوق،
ليس به بأس. مات سنة بضع عشر ومائتين. روى له: مسلم،
وأبو داود، وابن ماجه (2) .
وبكر بن سوادة بن ثمامة الجُذَامي أبو ثمامة المصري: كان
فقيهاً مفتياً.
روى عن: سهل بن سَعد، وعبد الرحمن بن غنم، وسفيان بن وهب
الصحابي (3) ، وعطاء بن يسار، وابن المسيب، وأبي سلمة،
وغيرهم.
روى عنه: عمرو بن الحارث، والليث بن سَعد، وعبد الرحمن بن
زياد
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. توفي بأفريقية، وقيل:
بل غرق
في بحار الأندلس سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة
إلا
البخاري (4) .
قوله: " لك الأجر مرتين " مرة لصلاته الأولى، ومرة لصلاته
الثانية.
واستفيد من الحديث: أن الرجل إذا صلى بالتيمم، ثم وجد
الماء قبل
خروج الوقت لا إعادة عليه، رُوي ذلك عن ابن عمر أيضاً، وبه
قال
الشعبي، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد،
وسفيان، وإسحاق. وقال عطاء وطاوس وابن سيرين ومكحول
والزهري:
يُعيد الصلاة، واستحبه الأوزاعي، ولم يُوجبه. وقال الخطابي
(5) :
__________
(1) النسائي: كتاب الغسل، باب: التيمم لمن لم يجد الماء
بعد الصلاة (1/213) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3607) .
(3) في الأصل: " الصحابية ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/746) .
(5) معالم السنن (1/90) .
(2/156)
" في هذا الحديث من الفقه أن السُّنَة
تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها،
كهو للمتطهر بالماء ".
قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن الحديث لا يدل على هذا، بل المروي
عن
ابن عمر أنه قال: يتلَّوم ما بينه وبن آخر الوقت، وبه قال:
عطاء؟
وأبو حنيفة، وسفيان، وأحمد بن حنبل، ومالك، إلا أنه قال:
إن كان
في موضع لا يرجى فيه وجود الماء تيمم وصلى في أول وقت
الصلاة.
وعن الزهري: لا يتيمم حتى يخاف فوات الوقت.
ص- قال أبو داود: وغيرُ ابن نافع يرويه عن الليث، عن
عميرةَ بن
أبي ناجيةَ، عن بكر بن سَوادة، عن عطاء بن يسار، عن النبي-
عليه
السلام- وذِكرُ أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ
هو مرسل.
ش- رواه ابن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، عن الليث،
عن
بكر، عن عطاء، عن النبي- عليه السلام- مرسلاَ، وأسنده أبو
الوليد
الطيالسي عن الليث، عن عمرو بن الحارث، وعميرة بن أبي
ناجية،
عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.
تفرد
بذلك/أبو الوليد الطيالسي، ولم يُسند عَميرة بن أبي ناجية
غير هذا
الحديث، قاله أبو علي بن السكن، وأخرجه النسائي مُرسلاَ
ومُسنداً،
وأخرجه الحاكم أيضاً مسنداَ، وقال: صحيح على شرطهما، فإن
ابن
نافع ثقة، وقد وصل هذا الإسناد عن الليث، وقد أرسله غيره.
وقال الطبراني في " الأوسط " (1) : لم يروه متصلاَ إلا ابن
نافع تفرَد
به المسيبي. وقال الدارقطني: تفرد به ابن نافع عن الليث
بهذا الإسناد
متصلاَ، وخالفه ابن المبارك وغيره، فلم يذكروا أبا سعيد.
وقال ابن
القطان: عميرة مجهول الحال.
قلت: عَميرة ليس بمجهول الحال، ذكره ابن حبان في " الثقات
" وهو
__________
(1) (8 /7922) ولفظه: " لم يرو هذا الحديث- مجوداَ- عن
الليث بن سعد إلا
عبد الله بن نافع ".
(2/157)
- بفتح العين وكسر الميم- ابن أبي ناجية المصري. روى عن:
يزيد بن
أبي حبيب، وجماعة. وروى عنه: بكر بن مضر، وابن وهب،
وجماعة. وقال النسائي: ثقة، وكان عابداَ بكاء، قاله ابن
يونس.
مات سنة ثلاث ومائة.
323- ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: ثنا ابن
لهيعة، عن
بكر بن سوادة، عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، عن
عطاء بن يسار:
" أن رجلين من أصحابِ النبيَ- عليه السلام- " بمعناه (1) .
ش- أبو عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، روى عن: عطاء بن
يسار، روى عنه: بكر بن سوادة. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور، وهذا أيضاً
مُرسلٌ.
*** |