شرح أبي داود
للعيني 117- باب: الغُسل يَوم الجُمعة
أي: هذا باب في بيان الغسل يوم الجمعة.
324- ص- حدَثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: ثنا معاوية،
عن يحيى
قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة أخبره،
أن عمر بن
الخطاب بَينا هو يخطُبُ يومَ الجُمُعَة، إذ دَخلَ رجلٌ
فقال عُمرُ: أتَحتَبسُون
عن الصلاة؟ فقال الرجلُ: ما هوَ إلا أن سمعتُ النَداءَ
فتوضأت، َ فقالَ
عمرُ: والوَضوءُ أيضاً!! أوَلَم تسمعُوا رسولَ الله يقول:
" إذا أتَى أحدُكُمُ
الجُمُعَةَ فليغتَسِل "؟ (3) .
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7477) .
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: فضل الغسل عن عمر، باب:
فضل الجمعة
(881) ، مسلم: كتاب الجمعة (4/845) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب:
ما جاء في اغتسال الجمعة (493) ، النسائي: كتاب الجمعة،
باب: الأمر
بالغسل يوم الجمعة (3/93) .
(2/158)
ش- الربيع بن نافع الحلبي.
ومعاوية بن سلام بن أبي سلام الحبشي الأسود الألهاني، واسم
أبي سلام ممطور. سمع: جده أبا سلام، وأخاه زيد بن سلام،
والزهري، ويحيى بن أبي كثير. روى عنه: الوليد بن مسلم،
وأبو توبة، ويحيى بن يحيى، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. روى له
الجماعة إلا الترمذي (1) .
ويحيى هو يحيى بن أبي كثير اليمامي الطائي.
قوله: " بينا هو يخطب " قد مر الكلام في " بينا " مرةَ.
قوله: " النداء " أي: الأذان. والرجل القائل هو: عثمان بن
عفان.
واختلف العلماء في غسل الجمعة، فحكِي وجوبه عن بعض
الصحابة،
وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه
الخطابي عن
الحسن البصري، ومالك. وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف
وفقهاء الأمصار إلى أنه سُنَة مستحبة ليس بواجب. قال
القاضي: وهو
المعروف من مذهب مالك. واحتج من أوجبه بظواهر الأحاديث
الواردة
في هذا الباب، واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة، منها حديث هذا
الرجل الذي دخل وعُمر يخطب وقد ترك الغسل، ولو كان واجباً
لأمره
عُمر أن ينصرف فيغتسل، فدل سكوت عمر ومَن حضره من الصحابة
على
أن الأمر به محمول على معنى الاستحباب دون الوجوب، وليس
يجوز
على الرجل الذي دخل- الذي ذكر في هذا الخبر من غير هذا
الوجه أنه
عثمان- وعلي وعمر ومَن بحضرته من المهاجرين والأنصار أن
يجتمعوا
على ترك الواجب. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه 0
325- ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن صفوان بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6057) .
(2/159)
سُليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد
الخدري: " أن رسولَ الله- عليه
السلام- قال: " غُسلُ يوم الجُمُعُةِ واجبٌ على كلِّ
مُحتَلِمٍ " (1) .
ش- مالك بن أنس.
قوله: " مُحتلمٍ " أي: بالغ، والمعنى: أنه متأكد في حقه،
كما يقول
الرجل لصاحبه: حقك واجب عليّ، أي: متأكَّد، لا أن المراد
الواجب
المحتم المعاقب عليه، وشهد لصحة هذا التأويل الأحاديث
الصحيحة،
كحديث عمر وغيره، ومثل هذا الواجب يسمى وجوب الاختيار
والاستحسان. وقد أجاب بعض أصحابنا أن هذه الأحاديث التي
ظاهرها
الوجوب منسوخة بحديث: " من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو
أفضلُ ". وقال ابن الجوزي: " أحاديث الوجوب أصح وأقوى،
والضعيف لا ينسخ القوي ".
قلت: هذا الحديث رواه أبو داود في " الطهارة " والترمذي،
والنسائي
في " الصلاة "، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد
في
" سننه "، والبيهقي كذلك، وابن أبي شيبة/في " مصنفه "،
وسنتكلم
عليه.
326- ص- حدَّثني يزيد بن خالد الرملي قال: نا المفضل-
يعني: ابن
فضالة- عن عياش بن عباس، عن بكير، عن نافع، عن ابن عمر، عن
حفصة، عن النبي- عليه السلام- فال: " على كُلّ محتلم رَواح
الجُمُعة (2)
وعلى مَن رَواح الجمُعةَ (3) الغُسل " (4)
.ًَ
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضوء الصبيان متى يجب
عليهم الغسل
والطهور (858) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة
على
كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (5/846) ، النسائي:
كتاب الجمعة،
باب: إيجاب الغسل يوم الجمعة (3/93) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة،
باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1089) .
(2) في سنن أبي داود: " رواح إلى الجمعة ".
(3) في سنن أبي داود: " وعلى كل من راح إلى الجمعة ".
(4) النسائي: كتاب الجمعة، باب: التشديد في التخلف عن
الجمعة (3/92) .
(2/160)
ش- عياش بن عباس: الأول بالياء آخر الحروف
المشددة وبالشين
المعجمة، والثاني بالباء الموحدة المشددة والسين المهملة،
أبو عَبد الرحيم
القِتباني، وبكير بن عبد الله الأشج.
قوله: " رواح الجمعة " الرواح: الذهاب أي وقت كان، والحديث
أخرجه النسائي.
ص- قال أبو داود: إذا اغتسلَ الرجلُ بعدَ طُلوع الفجرِ
أجزأه من غسلِ
الجُمُعةِ وإن أجنبَ.
ش- أشار بهذا إلى أن هذا الغسل لليوم لا للصلاة، وهو قول
الحسن
ابن زياد من أصحابنا. وقال أبو يوسف: للصلاة. وفائدته طهر
فيما
قال أبو داود، فعندهما إذا اغتسل بعد طلوع الفجر ينال أجر
الغسل؛ لأنه
وجد في يوم الجمعة، وعند أبي يوسف لا ينال؛ لأنه لم يصل به
الجمعة، وكذا الخلاف إذا اغتسل بعد صلاة الجمعة.
قوله: " وإن أجنب " يعني: وإن كان جنباً واغتسل لأجل
الجنابة بعد
طلوع الفجر، أجزأه من غُسل الجمعة.
327- ص- حدَثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن
مَوهَب الرملي
وعبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: ثنا محمد بن سلمة. ونا
موسى بن
إسماعيل قال: نا حماد- وهذا حديث محمد بن سلمة- عن محمد بن
إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
قال: أبو داود: وقال يزيد وعبد العزيز في حديثهما عن أبي
سلمة بن
عبد الرحمن، وأبي أمامة بن سهل، عن أبى سعيد الخدري، وأبي
هريرة
قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
مَنِ اغتسَلَ يومَ الجمُعَة، ولَبسَ من أحسنِ ثِيَابِه،
ومَس من طيب إن كان عنده، ثمِ أتى الجُمُعَةَ فلمَ يَتَخطَ
أعَناقَ الناسِ، ثَم
صلَّى ما كَتب اللهُ له، ثم أنصت إذا خَرجَ إمامُه حتى
يَفرغُ من صَلاته،
كانت كَفارةَ لما بينها وبَين جُمُعَتِهِ التي قَبلَها "
(1) .
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: فضل من استمع وأنصت في الخطبة
(26/857)
مختصرا.
11* شرح سنن أبي داوود 2
(2/161)
ش- حماد بن سلمة، ومحمد بن إسحاق بن يسار،
ومحمد بن
إبراهيم بن الحارث القرشي التيمي المدني، وأبو سلمة عبد
الله بن
عبد الرحمن.
وأبو أمامة: أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري المدني، ولد في
حياة
النبي- عليه [السلام] (1) ، وهو سماه، حدّث عنه مُرسلاَ،
وسـ[مع
عمر] بن الخطاب، وعثمان، وأبا هريرة، [وزيد] بن ثابت،
وأبا سعيد. روى عنه: ابناه محمد وسهل، والزهري، ويحيى
الأ [نصاري] ، وغيرهم. مات سنة مائة. روى له: النسائي،
وابن
ماجه عن النبي- عليه السلام-، وبقية الجماعة عن الصحابة
(2) .
قوله: " ثم أنصت " أي: سكت.
قوله: " إذا خرج إمامه " أي: إذا خرج للخطبة.
قوله: " كانت " أي: الخصال المعدودة " كفارةَ "، الكفارة
فعالة
للمبالغة، كقتّالة، وضرابة، وهي من الصفات الغالبة في باب
الاسمية،
وهي عبارة عن الفَعلة والخَصلة التي من شأنها أن تكفر
الخطيئة، أي:
تسترها وتمحوها، وأصله من الكَفر- بفتح الكاف- وهو
التغطية، وقد
كَفَرتُ الشيءَ أكفِره- بالكسر- كَفراً أي: سترته. وأما
الكُفر- بالضم-
فهو ضد الإيمان، وفعله من كفر يكفُر، من باب نصر ينصر.
ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: استحباب الغسل يوم
الجمعة.
الثانية: استحباب لبس أحسن الثياب.
الثالثة: استحباب مس الطيب إن وجده، وهو يتناول سائر أنواع
الطيب
حتى المسك، وغيره.
الرابعة: ترك تخطي أعناق الناس، وفيه الإشارة إلى استحباب
التبكير.
__________
(1) غير واضح في الإلحاق وكذا ما بعده، وأثبتناه من مصادر
الترجمة.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/5) ، وأسد
الغابة (6/18) ،
والإصابة (4/9) ، وتهذيب الكمال (2/403) .
(2/162)
الخامسة: استحباب التنفل قبل خروج الإمام.
السادسة: أن النوافل المطلقة لا حد لها، لقوله: " ما كتب
الله له ".
السابعة: استحباب الإنصات من حين خرج الإمام إلى أن يفرغ
من
صلاته.
واعلم أن قرانه بين غسل الجمعة وبن لُبسه أحسن ثيابه، ومسه
الطيب،
يدل على أن الغسل مستحب كاللباس والطيب.
وأخرجه مسلم مختصراً من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة،
وأدرج فيه زيادة " ثلاثة أيام " في الحديث.
ص- قال: ويقول أبو هريرة: " وزيادةُ ثلاثة أيامٍ "، ويقول:
" إن الحسنةَ
بعَشرِ أمثالِهَا ".
ش- أي: قال يزيد بن خالد: يقول أبو هريرة في روايته: "
كانت
كفارة لما بينها وبن جمعته التي قبلها، وزيادة ثلاثة أيام
"، ويقول: " إن
الحسنة بعشر أمثالها "، لقوله تعالى: (مَن جَاءَ
بالحَسَنَة فَلَهُ عَشرُ
أمثَالهَا) (1) /. فإن قلت: ما بين الجمعتين ستة أيام،
فإذا ضمّيتَ عليه
ثلاثَة تكون تسعة أيام فما صحت العشرة، فإن حَسِبت
الجمعتين معها
تكون أحد عشر يوماً فلا يستقيم قوله: " إن الحسنة بعَشر
أمثالها " قلت (2)
" المراد ما بين الساعة التي يُصلي فيها الجمعة إلى مثلها
من الجمعة الأخرى
على سبيل التكسير لليوم، فيستقيم الأمر في تكميل العشرة،
وقد اختلف
الفقهاء قيمن أقر لرجل بما بَين درهم إلى عشرة دراهم، فقال
أبو حنيفة:
يلزمه تسعة دراهم. وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه عشرة. ويدخل
فيه
الطرفان والواسطة. وقال أبو ثور وزفر: لا يلزمه أكثر من
ثمانية ويسقط
الطرفان، وهو قول الشافعي أيضاً ".
ص- قال أبو داود: حديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد
كلام
أبي هريرة.
__________
(1) سورة الأنعام (160) .
(2) انظر: معالم السنن (1/92)
(2/163)
ش- إنما صار حديث محمد بن سلمة أتم؛ لأنه
ذكر في روايته:
" زيادة ثلاثة أيام " عن أبي هريرة، ولم يذكرها حماد بن
سلمة.
328- ص- ثنا محمد بن سلمة المُرادي قال: أنا ابن وهب.، عن
عمرو
ابن الحارث: أن سعيد بن أبي هلال، وبُكَير بن الأشج حدّثاه
عن أبي بكر
ابن المنكدر، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن عبد الرحمن بن
أبي سعيد
الخدري، عن أبيه، أن رسول الله- عليه السلام- قال: "
الغُسلُ يوم الجُمُعَة
على كُلِّ مُحتَلِم، والسِّوَاكُ، وَيَمسُّ من الطِّيبِ
مَا قُدَرَ لَهُ " إلا أن بكيراَ لمَ
يذكر عبدَ الرحمن، وقال في الطيب: " ولو من طِيبِ المَرأةِ
" (1) .
ش- ابن وهب هو: عبد الله بن وهب.
وسعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري، ويُقال:
المدني.
روى عن: محمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، ونبيه بن وهب،
وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، وهشام بن سعد، وخالد بن
يزيد، وعمرو بن الحارث. قال أبو حاتم: لا بأس به. توفي سنة
ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو بكر هذا هو أخو محمد بن المنكدر، ولم يُعرف اسمه،
وكنيته
اسمه، ومن لم يُميّز بينهما ربما يعتقد أن المراد من أبي
بكر في هذا
الحديث هو: محمد بن المنكدر.
وعمرو بن سليم بن عمرو بن خلدة بن مخلَّد- بالتشديد- ابن
عامر
ابن زريق الزرقي الأنصاري المدني. روى عن: عمر بن الخطاب،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضوء الصبيان ومتى يجب
عليهم الغسل
والطهور وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم (857)
، وانظر
(895) ، (2665) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة
على
كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (5/846) ، النسائي:
كتاب الجمعة،
باب: إيجاب الغسل يوم الجمعة (3/95) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة
والسُّنَة فيها، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1089) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2372) .
(2/164)
وسمع أبا قتادة، وأبا سعيد الخدري، وابنه
عبد الرحمن بن أبي سعيد،
وأبا حُمَيد الساعدي. روى عنه: سعيد المقبري، وأبو بكر بن
المنكدر،
وبكير بن عبد الله الأشج، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة
قليل
الحديث. روى له الجماعة (1) .
وعبد الرحمن بن سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي
أبو حفص، أو أبو محمد، أو أبو جعفر المدني، وهو ابن أبي
سعيد
الخدري. روى عن: أبيه، وأبي حُميد الساعدي. روى عنه: عطاء
بن
يسار، وزيد بن أسلم، وعمرو بن سُليم الزُّرقي، وغيرهم. مات
سنة
ثنتي عشرة ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " الغُسل " مبتدأ، و " يوم الجمعة " نصب على الظرف.
قوله: " على كل محتلم " متعلق بمحذوف، وهو مع متعلقه خبر
المبتدأ.
فإن قيل: ما متعلقه المحذوف؟ قلت: لفظة " على " يدل على أن
المتعلق
" واجب " أي: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. وذلك لا
في
" على " للإيجاب.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكون غسل يوم الجمعة واجباً؟
قلت:
قد مر الكلام فيه مستوفى، ويجوز أن تكون " على " هاهنا
بمعنى " من "
نحو قوله تعالى: (إِذَا اكتَالُوا عَلَى النَاسِ
يَستَوفُونَ) (3) ، ويكون
المعنى: الغسل يوم الجمعة من كل محتلم مستحب أو فضيلة.
قوله: " والسواكُ " قال الشيخ محيي الدين في " شرح مسلم "
(4) :
أي: ويُسَن له السواك. قلت: الأولى أن يكون هذا عطفاً على
الغسل،
ويكون التقدير: والسواك أيضاً على كل محتلم. ويكون الكلام
فيه مثل
الكلام في الغسل.
قوله: " ويَمسّ من الطيب " يجوز فيه الرفع، ويكون هذا
كلاماً بذاته
__________
(1) المصدر السابق (22/4379) .
(3) سورة المطففين: (2) .
(2) المصدر السابق (17/3829) .
(4) (6/135) .
(2/165)
منقطعاً عما قبله، ويحوز النصب بتقدير " أن
"، ويكون حينئذ في قوة
المصدر، والتقدير: ومَسُّه من الطيب، ويكون عطفاً على
قوله:
" والسواك ".
قوله: " ما قدر له " في محل النصب على أنه مفعول " يَمسُّ
". قال
القاضي: هذا الكلامُ محتمل لتكثيره، ومحتمل لتأكيده حتى
يفعله/بما
أمكنه، ويؤيده قوله: " ولو من طيب المرأة " وهو المكروه
للرجال، وهو
ما ظهر لونه وخفي ريحه، فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم
غيره. وهذا
يدل على تأكده.
قوله: " إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن " أي: إلا أن
بكير بن
عبد الله الأشج لم يذكر في روايته عبد الرحمن بن أبي سعيد
الخدري،
ولكن قال في الطيب: " ولو من طيب المرأة " أي: ولو كان
الطيب من
طيب المرأة.
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وأخرجه البخاري من حديث
عَمرو بن سليم الزرقي، عن أبي سعيد الخدري بنحوه.
329- ص- حدثنا محمد بن حاتم الجَرجرائي (1) قال: ثنا ابن
المبارك،
عن الأوزاعي قال: نا حسان بن عطية قال: حدَثني أبو الأشعث
الصَنعانِي
قال: حدَّثني أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من
غسل يومَ الجُمُعة واغتسلَ، ثم بكر وابتكَرَ، ومَشَى ولم
يركَب، ودَنا من
الإمام فاستمعَ، ولم يَلغُ، كان له بكل خُطوة عملُ سنة
اجرُ صيامِها
وقيَامِها " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ... الجرجرائي، حدثنا حِبي " وهو
خطأ، وإنما محمد
الجرجرائي معروف ب " حبي "، وهو مترجم في تهذيب الكمال
(25/5128) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل غسل يوم
الجمعة (496) ،
النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95) ،
وباب:
الفضل من الدنو هن الإمام (3/102) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة
والسُنَة فيها، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1087) .
(2/166)
ش- ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك.
وأبو الأشعث شَرَاحيل بن شُرحبيل بن آدة الصنعاني، صنعاء
دمشق،
وكانت قرية بالقرب من دمشق، وهي الآن أرض فيها بساتين تقرب
من
الربوة، وقيل: إنه من صنعاء اليمن، و " آدة " ممدودة. سمع:
عبادة
ابن الصامت، وابن عَمرو، وأبا هريرة، وثوبان، وأوس بن أوس
الثقفي، وغيرهم. روى عنه: مسلم بن يسار، وحسان بن عطية،
والوليد بن سليمان، وجماعة آخرون. قال أحمد بن عبد الله
العجلي:
تابعي ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: " من غسل يوم الجمعة واغتسل " رُوي مخففاً ومشدداً،
ومن
خفف قال: معناه وطئ امرأة قبل الخروج إلى الصلاة؛ لأنه
يجمع غض
البصر، يقال: غسل الرجل امرأته، وغسلها- مخففاً ومشدداً-
إذا
جامعها، وفحل غُسَله: إذا كان كثير الضراب، ومن شدد قال:
معناه:
غسل غيره؛ واغتسل هو؛ لأنه إذا جامع امرأته أحوجها إلى
الغُسل.
وقيل: أراد بـ " غسل " غَسل أعضائه للوضوء، ثم اغتسل بعد
ذلك
للجمعة. وقيل: معنى " غسل " غسل الرأس خاصة؛ لأن العرب لهم
لمم وشعور، وفي غسلها مؤنة، فأفرد ذكر الرأس لذلك. و "
اغتسل "
غسل سائر جسده. وقيل: معناهما واحد، وكررهما للتأكيد، كما
قال:
" مشى ولم يركب ".
قوله: " ثم بكر وابتكر " قيل: معنى " بكر " يعني إلى
الصلاة فأتاها
في أول وقتها، وكل مَن أسرع إلى شيء فقد بكر إليه، "
وابتكر ":
أدرك أول الخطبة، وأولها باكورتها، كما يقال: ابتكر الرجل،
إذا أكل
باكورة الفاكهة. وابتكار الجارية: أخذُ عذرتها. وقيل: "
بكر " تصدق
قبل خروجه، وتأول في ذلك قوله في الحديث: " باكروا
بالصدقة، فان
البلاء لا يتخطاها ". وقيل: معنى اللفظتين واحد من " فعل،
وافتعل "
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2712) .
(2/167)
وإنما كرر للزيادة في المبالغة والتأكيد،
ولأن العرب إذا بالغت في الشيء
اشتقت من اللفظة الأولى لفظةً على غير بنائها، ثم اتّبعوها
إعرابها،
فيقولون: جَاد مجد، وليل لائل.
قوله: " ولم يركب " تأكيد لقوله: " ومشى "، ويحتمل أن لا
يكون
تأكيداً ويكون المعنى: ولم يركب بالكلية في الذهاب
والإياب؛ لأنه إذا
مشى في الذهاب فقط، أو في الإياب فقط، أو مشى شيئاً يسيراً
في
الذهاب، أو الإياب، يصدق عليه أنه مشى، ولم يصدق عليه أنه
لم
يركب، فح (1) لا يكون قوله: " ولم يركب " تأكيداً، فافهم.
قوله: " فاستمع " أي: إلى الخطبة.
قوله: " ولم يلغ " من اللَّغو، يقال: لغى الإنسان يلغو،
ولغَى يلغَى،
ولغي يَلغَى، إذا تكلم بالمطرّح من القول وما لا يُعنى،
وألغى إذا أسقط،
فالأول من باب: نصر ينصر، والثاني من باب: فتح يفتح،
والثالث من
باب: علم يعلم.
قوله: " بكل خطوة " الخُطوة- بالضم- بُعدُ ما بين القدمَين
في المشي
- وبالفتح- للمرة، وجمع الخطوة في الكثرة خُطى، وفي القلة
خُطوات- بسكون الطاء وضمها وفتحها-.
قوله: " عملُ سُنَة " بالرفع على أنه اسم " كان ".
قوله: " أجر صيامها " بالرفع أيضاً على أنه بدل من العمل/.
والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال
الترمذي:
حديث أوس بن أوس حديث حسن.
330- ص- حدَّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث، عن خالد بن
يزيد،
عن سعيد بن أبي هلال، عن عبادة بن نُسن، عن أوس الثقفي، عن
رسول
الله- عليه السلام- أنه قال: " من غسَّلَ رأسَه يومَ
الجُمُعة واغتسلَ " ثم
ساق نحوه (2) .
__________
(1) أي: " فحينئذ ".
(2) انظر الحديث السابق.
(2/168)
ش- خالد بن يزيد المصري أبو عبد الرحيم
الإسكندراني، مولى
أبي الصنيع، وقيل: ابن أبي الصنيع الجمحي مولى عمير بن
وهب،
وكان فقيهاً مفتياً. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وأبي
الزبير، وسعيد
ابن أبي هلال، والزهري. روى عنه: الليث بن سَعد، وحيوة بن
شريح، والمفضل بن فضالة، وابن لهيعة. قال أبو زرعة: مصري
ثقة.
وقال أبو حاتم: لا بأس به 0 توفي سنة تسع وثلاثين ومائة.
روى
الجماعة (1) .
فوله: " ثم غسل رأسه " بالتشديد، وقد قلنا: إنه - عليه
السلام-
حرضهم بذلك لكونهم أصحاب لمم وشعور.
قوله: " ثم ساق " أي: ثم ساق قتيبةُ الحديث نحو ما ذكر.
331- ص- حدَثنا ابن أبي عقيل، ومحمد بن سلمة المصريان (2)
قالا:
ثنا ابن وهب، فال ابن أبي عقيل: فال (3) : أخبرني أسامة-
يعني: ابن
زيد- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو بن
العاص،
عن النبي- عليه السلام- أنه فال: " مَنِ اغتسلَ يَومَ
الجُمُعَة، ومَسَّ من
طِيب امرأته إن كان لها، ولَبِسَ من صَالح ثيابه، ثم لم
يَتَخَطَّ رِقَابَ الناسِ،
ولمَ يَلغُ عَنَدَ المَوعظة، كانت كفارةً لما بَينهَمَا،
ومن لَغَى وتَخَطَّى رِقابَ
الناسِ كانت له ظُهراً " (4) .
ش- اسم ابن أبي عقيل: عبد الغني، وقد مر بيانه.
قوله: " عند الموعظة " أي: الخطبة؛ لأن فيها الموعظة
وغيرها.
قوله: " لما بينهما " أي: لما بين الجمعتين.
قوله: " كانت له ظهراً " أي: كانت جمعته له ظهراَ، بمعنى:
أن
الفضيلة التي كانت تحصل له من الجمعة لم تحصل له، لفوات
شروط هذه
الفضيلة. وهذا الحديث فيه عمرو بن شعيب، وقد تقدم الخلاف
فيه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1666) .
(2) في الأصل: " البصريان " خطأ
(3) كذا، والجادة حذفها.
(4) تفرد به أبو داود.
(2/169)
332- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا
محمد بن بشر قال: ثنا
زكرياء قال: ثنا مصعب بن شيبة (1) ، عن طلق بن حبيب
العنزي، عن عبد الله
ابن الزبير، عن عائشةَ أنها حدثته: " أن النبيَ- عليه
السلام- كان يَغتسلُ
من أربعٍ: من الجنابةِ، ويومَ الجُمُعةِ، ومن الحِجَامةِ،
ومن غَسلِ المَيتِ " (2) .
ش- محمد بن بشر العَبدي، وزكرياء بن أبي زائدة.
قوله: " من أربع " أي: من أربع خصال. وقال الخطابي (3) : "
قد
يجمع النظم قرائن الألفاظ والأسماء الَمختلفة الأحكام،
والمعاني تُرتبها
وتنزلها منازلها، فأما الاغتسال من الجنابة فواجب
بالاتفاق، وأما
الاغتسال للجمعة فقد قام الدليل على أنه كان يفعله ويأمر
به استحباباً،
ومعقول أن الاغتسال من الحجامة إنما هو لإماطة الأذى، ولما
لا يؤمن أن
يكون قد أصاب المحتجم رشاش من الدم، فالاغتسال منه استظهار
بالطهارة، واستحباب للنظافة، وأما الاغتسال من غسل الميت
فقد اتفق
أكثر العلماء على أنه على غير الوجوب، وقد رُوي عن أبي
هريرة عن
النبي- عليه السلام- قال: " مَن غسل ميتاً فليغتسل " (4) ،
ورُوي عن
ابن المسيب، والزهري معنى ذلك، وقال النخعي، وأحمد،
وإسحاق:
يتوضأ غاسلُ الميت. ورُوي عن ابن عمر، وابن عباس أنهما
قالا: ليس
على غاسل الميت غسل. وقال أحمد: لا يثبت في الاغتسال من
غسل
الميت حديث ".
وأبو داود أخرج هذا الحديث في الجنائز وقال: هذا منسوخ.
وقال
أيضاً: وحديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليه. ورُوي عنه
أيضاً:
حديث مصعب بن شيبة ضعيف. وقال البخاري: حديث عائشة من هذا
__________
(1) في سنن أبي داود: " مصعب بن أبي شيبة " خطأ، وهو مترجم
في تهذيب
الكمال (28/5985) .
(2) تفرد به أبو داود، وسيأتي في كتاب الجنائز، باب: في
الغسل من غسل
الميت.
(3) معالم السنن (1/94) .
(4) يأني في كتاب الجنائز، باب: في الغسل من غسل الميت.
(2/170)
الباب ليس بذاك. وقال ابن المديني: لا يصح
في هذا الباب شيء،
وكذا قال أحمد. وقال محمد بن يحيى: لا أعلم فيمن غسل ميتاً
فليغتسل حديثاً ثابتاً، ولو ثبت لزمنا استعماله.
333- ص- حدَثنا محمود بن خالد الدمشقي قال: ثنا مروان قال:
ثنا
علي بن حوشب قال: سألت مكحولاً عن هذا القول: " غسَّلَ
واغتسلَ "،
فقال: غسلَ رأسَه وجسَده " (1) .
ش- مروان بن معاوية/الكوفي.
وعلي بن حوشب الدمشقي أبو سليمان الفزاري، ويُقال:
السَّلمي.
سمع: مكحولاً، وأبا سلام الأسود، وأباه حوشباً 0 روى عنه:
مروان
ابن معاوية، والوليد بن مسلم، وأبو توبة، وغيرهم. قال أبو
زرعة عن
عبد الرحيم بن إبراهيم إنه ثقة. روى له أبو داود (2) .
ومكحول بن زيد الدمشقي.
قوله: " غسل " بالتشديد، جعل مكحول " غسَّل " راجعاً إلى
غسل
الرأس والبدن جميعاً كما ذكرناه.
334- ص- حدَّثنا محمد بن الوليد الدمشقي قال: ثنا أبو مسهر
قال:
قال سعيد بنِ عبد العزيز في قوله: " غسَّلَ واغتسلَ " قال:
" غَسَّلَ رأسَه
وغَسلَ سائر جسَدهِ " (3) .
ش- محمد بن الوليد بن هُبيرة: أبو هبيرة القلانسي الهاشمي
الدمشقي. روى عن: أبي مسهر الدمشقي، ويوسف بن السَفر. روى
عنه: أبو داود تفسير حديث، وهو هذا الحديث، وعبد الله بن
محمد بن
مسلم المقدسي (4) .
وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر
الغَسَاني
__________
(1) النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95)
.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4062) .
(3) تفرد به أبو داود.
(4) المصدر السابق (26/5677)
(2/171)
الدمشقي. سمع: مالك بن أنس، وسعيد بن عبد
العزيز، ويحيى بن
حمزة، وجماعة آخرين 0 روى عنه: ابن معين، وأبو نعيم،
وأبو حاتم، والبخاري، وجماعة آخرون كثيرة. توفي ببغداد يوم
الأربعاء ليومين مضيا من رجب، سنة ثمان عشرة ومائتين، وهو
ابن
سبعين سنة، ودفن بباب التين. روى له الجماعة إلا البخاري
(1)
وسعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي أبو محمد، ويقال:
أبو عبد العزيز الدمشقي، فقيه أهل الشام ومُفتِيهم بعد
الأوزاعي، سأل
عطاء بن أبي رباح عن مسألة. وسمع: الزهري، وعبد العزيز بن
صهيب، وزيد بن أسلم، ومكحولاً، وعطاء الخراساني، وغيرهم.
روى عنه: الثوري، والوليد بن مسلم، ومروان بن محمد
الطاطري،
وأبو مسهر، ومحمد بن إسحاق الرافعي، وغيرهم. قال ابن معين
وأبو حاتم: ثقة. مات سنة سبع وستين ومائة، وهو ابن بضع
وسبعين
سنة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " قال: غسّل رأسه " أي: قال سعيد بن عبد العزيز:
معنى قوله
- عليه السلام-: " غسل واغتسل " غسل رأسه، وغسل سائر جسده.
335- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن سُمى، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلامٍ -
قال: " مَنِ
اغتسلَ يومَ الجُمُعَة غسل الجنابَةِ، ثم رَاح، فكأنما
قَرَبَ بَدنة، ومَن راح فيِ
الساعة الثانية، فكَأنما قَربَ بَقرةً، ومن رَاح في الساعة
الثالثة فكأنما قَرَّب
كبشاً أقرنَ، وَمن راح في الساعةِ الرابعة، فكأنما قَرَّبَ
دَجَاجةً، َ ومن راح في
الساعةِ الخامسة فكأنما قَرَّبَ بَيضَةً، َ فإذا خَرجَ
الإمامُ حَضَرَت الملائكةُ
يَستَمِعُونَ الذكر " (3) .
__________
(1) المصدر السابق (16/3691) .
(2) المصدر السابق (10/2320) .
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: فضل الجمعة (1 88) ، مسلم:
كتاب
الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة (24/850) ،
الترمذي: كتاب
الجمعة، باب: ما جاء في التبكير إلى الجمعة (499) ،
النسائي: كتاب
(2/172)
ش- مالك بن أنس، وسُمي مولى أبي بكر بن عبد
الرحمن،
وأبو صالح ذكوان السمان.
قوله: " غُسل الجنابة " منصوب بنزع الخافض، أي، غسلا كغسل
الجنابة في الصفات، هذا هو المشهور. وقيل: المراد غسل
الجنابة حقيقةَ،
فلذا قالوا: يستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض لبصره، وأسكن
لنفسه. وهذا ضعيف، والصواب ما قدمناه.
قوله: " ثم راح " المراد بالرواح الذهاب أول النهار. وقال
مالك:
المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، وبه قال
القاضي
حسين، وإمام الحرمين. والرواح عندهم بعد الزوال، وادَّعوا
أن هذا
معناه في اللغة. وقال جماهير العلماء باستحباب التبكير
إليها أول النهار،
وبه قال الشافعي، وابن حبيب المالكي، والساعات عندهم من
أول
النهار، والرواح يكون أول النهار وآخره. وقال الأزهري: لغة
العرب أن
الرواح الذهاب، سواء كان أول النهار وآخره أو في الليل.
وهذا هو
الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى؛ لأن النبي- عليه
السلام- أخبر
أن اللائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى، وهو كالمُهدِي
بدنة، ثم
من جاء في الساعة الثانية، ثم في الثالثة، ثم الرابعة، ثم
الخامسة،
وفي رواية النسائي: " السادسة "، فإذا خرج الإمام طووا
الصحف ولم
يكتبوا بعد ذلك/واحداَ، ومعلوم أن النبي- عليه السلام- كان
يخرج
إلى الجمعة متصلاَ بالزوال؛ وهو بعد انقضاء الساعة
السادسة؛ فدل على
أنه لا شيء من الهدي، والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولاشك
ذكر
الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها، والترغيب في
فضيلة السبق،
وتحصيل الصف الأول وانتظارها، والاشتغال بالتنفل والذكر
ونحوه،
وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال، ولا فضيلة لمن أتى
بعد الزوال؛
لأن النداء يكون حينئذ، ويحرم التخلف بعد النداء.
__________
الجمعة، باب: ما جاء في التبكير إلى الجمعة (3/97) ، ابن
ماجه: كتاب
إقامة الصلاة والسنَة فيها، باب: ما جاء في التهجير إلى
الجمعة (1092) .
(2/173)
قوله: " فكأنما قرب " أي: تصدق.
قوله: " بدنةً " البدنة تطلق على الإبل والبقر، وخصّصها
مالك بالإبل،
وتقع على الذكر والأنثى، و " الهاء " فيها للوحدة كقمحة
وشعيرة
ونحوهما من أفراد الجنس؛ سميت بذلك لعظم بدنها؛ ولكن
المراد هاهنا
من البدنة الإبل بالاتفاق؛ لتصريح الحديث بذلك.
قوله: " كبشاً أفرن " وصفه بأقرن؛ لأنه أكملُ وأحسن صورة؛
ولأن
القرن ينتفع به.
قوله: " دجاجةً " بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان، وتقع
على
الذكر والأنثى، فإن قيل: كيف التقرب بالدجاجة والبيضة؟
قلنا: قد
ذكرنا أن معنى قوله: " قرب ": تصدّق: ويحوز التصدق
بالدجاجة
والبيضة ونحوهما؛ وفيه دليل على أن التقرّب والصدقة يقع
على القليل
والكثير، وقد جاء في رواية النسائي بعد " الكبش ": " بطة "
ثم
" دجاجة " ثم " بيضةَ "، وفي رواية: بعد " الكبش ": "
دجاجة " ثم
" عُصفور " ثم " بيضة ". وإسناد الروايتين صحيح.
قوله: " فإذا خرج الإمام " أي: إلى الخطبة " حضرت الملائكة
" بفتح
الضاد وكسرها لغتان مشهورتان، والفتح أفصح وأشهر، وبه جاء
القرآن؛
قال الله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ القسمَةَ) (1) ، ثم
قالوا: إن هؤلاء
الملائكة غير الحفظة، ووظيفتهم: كتَابة حاضري الجمعة.
قوله: " يستمعون الذكر " أي: الخطبة؛ لأن فيها ذكر الله
تعالى،
والثناء عليه، والموعظة والوصيّة للمسلمين. والحديث أخرجه
البخاري
ومسلم والترمذي والنسائي. وأخرجه ابن ماجه والنسائي من
حديث سعيد
ابن المسيّب، عن أبي هريرة بنحوه.
***
__________
(1) سورة النساء: (8) .
(2/174)
118- باب: الرخصة في
ترك الغسل (1)
أي: هذا باب في بيان الرخصة في ترك غسل الجمعة.
336- ص- حدَّثنا مسدّد قال: نا حماد بن زيد، عن يحيى بن
سعيد،
عن عَمرة، عن عائشة قالت: كان الناسُ مُهَّانَ أنفُسهم،
فيروحُون إلى
الجُمُعَةِ بهيئَتِهِم، فقيلَ لهم: لو اغتسلتُم (2) !
ش- يحيى: القطان، وعَمرة: بنت عبد الرحمن الأنصارية
المدنية.
قوله: " مُهَّان أنفسهم " بضم الميم وتشديد الهاء جمع "
ماهن "،
ككتاب جمع " كاتب "، وقال الحافظ أبو موسى: مِهَان- بكسر
الميم
والتخفيف- جمع ماهن، كقيام وصيام جمع قائم وصائم، وفي
رواية:
مَهَنَة بفتح الميم والهاء والنون: جمع ماهن- أيضاً-
ككتَبَة جمع كاتب.
والماهن: الخادم، أي: كانوا يخدمون أنفسهم، ويعملون
أعمالهم
بأنفسهم، لم يكن لهم من يَخدمهم، والإنسان إذا باشر العمل
الشاق
حمِي بدنُه وعرِق، لا سيما في البلاد الحارة، فربما يكون
منه الرائحة
الكريهة، فأمروا بالاغتسال تنظيفا للبدن وقطعاً للرائحة.
قوله: " لو اغتسلتم " جوابه محذوف؛ والتقدير: لو اغتسلتم
لكان
أفضل، أو أكمل، أو أحب؛ وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب.
والأحاديث الواردة في الأمر محمولة على الندب، جمعاً بين
الأحاديث.
وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه.
337- ص- ثنا أبو داود (3) قال: ثنا عبد الله بن مَسلمة
قال: ثنا
عبد العزيز- يعني: ابن محمد-، عن عمرو- يعني ابن أبي
عَمرو-، عن
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم
الجمعة ".
(2) البخاري: كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة إذا زالت الشمس
(903) ،
مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من
الرجال،
وبيان ما أمروا به (847) .
(3) كذا.
(2/175)
عكرمة، أن أناساً من أهلِ العراق جاءُوا
فقالوا: يا ابنَ عَباس، أترى الغُسلَ
يومَ الجمعة واجباً؟ قال: لا؛ ولكَنه أطهرُ وخير لمن
اغتسلَ، " ومَن لم يَغتسل
فليسَ عليهَ بواجب، وسأخبرُكُم كيف بَدا الغُسلُ، كان
الناسُ مجهودين،
يَلبسُون الصوفَ، ويَعملُون عَلىِ ظُهُورهم، وكان مَسجدُهم
ضيقاً، مُقاربَ
السقف، إنما هو عَريش، فخرج رسولُ الله في يوم حَار،
وعَرقَ الناسُ في
ذلك الصوف حتى ثَارت/منهم رياح، آذى بذلك بعضُهمَ بعضاً،
فلما
وجَدَ رسولُ اَلله تلك الريحَ قال: أيها الناسُ، إذا كان
هذا اليومُ فاغتسلُوا،
وليمسَّ أحدُكمَ أفضلَ ما يجدُ من دهنه وطيبه. قال ابنُ
عباس: ثم جَاَءَ اللهُ
بالخيرِ، ولَبسُوا غيرَ الصوفِ، وكُفُوَاَ العمَل، ووسعَ
اللهُ مَسجدَهم (1) ،
وذهبَ بَعضُ الذي كان يُؤذي بعضُهُم بَعضاً مِن العَرَقِ
(2) .
ش- عبد العزيز بن محمد: الدراوردي.
وعمرو بن أبي عمرو: المدني، واسم أبي عمرو: مَيسرة مولى
المطلب
أبي عبد الله بن حنطب؛ روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وسعيد
ابن جبير، وسعيد المقبري. روى عنه: مالك بن أنس، ويزيد بن
الهاد،
وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وغيرهم.
قال
أحمد بن حنبل: ليس به بأس، وقال ابن معين: ضعيف، ليس
بالقوي،
وليس بحجة. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال ابن عدي: لا بأس به؛
لأن
مالكاً قد روى عنه، ولا يروي مالك إلا عن صدوق ثقة. روى له
الجماعة (3) .
فوله: " ولكنه أطهر " أي: للبدن، و " خير لمن اغتسل " في
الثواب.
قوله: " كيف بدأ الغسل " يعني: كيف كان ابتداؤه.
قوله: " مَجهودين " من قولهم: جُهِدَ الرجل فهو مجهود إذا
وجد
مشقة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ووُسعَ مسجدُهم ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4418) .
(2) تفرد به أبو داود.
(2/176)
قوله: " إنما هو عَريشٌ " العَرِيش: كل ما
يُستظَل به؛ والمراد: أنّ
سقفه كان من الجريد والسَعَف.
قوله: " حتى ثارت " أي: هاجت؛ من ثار يثور ثورا وثوراناً
إذا سَطع.
قوله: " من دونه " يتناولُ الزيت ودهن السمسم وغيرهما من
الأدهان
المطيبة، وكذلك الطيب يتناول سائر أنول الطيب، مثل المسك
والعنبر
والغالية ونحوها.
قوله: " ثم جاء الله بالخير " إشارة إلى أن الله تعالى فتح
الشام ومصر
والعراق على أيدي الصحابة، وكثُرت أموالهم وعبيدهم
ومواشيهم (1) ،
فغيروا اللّبس والبناء، وغير ذلك.
338- ص- حدَثنا أبو الوليد الطيالسي قال: ثنا همام، عن
قتادة، عن
الحسن، عن سمرة قال: فال النبي- عليه السلام-: " من توضأ
فبها
ونِعمت، ومَنِ اغتسلَ فهو أَفضلُ " (2) .
ش- اسمُ أبي الوليد الطيالسي: هشام بن عبد الملك، وهمام:
ابن
يحيى العَوذي، وقتادة: ابن دعامة، والحسن: البصري، وسمرة:
ابن جندب بن هلال بن حريج (3) أبو سعيد، أو أبو عبد الله،
أو
أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد، أو أبو سليمان؛ رُويَ له عن
رسول
الله مائة حديث وثلاثة وعشرون حديثاً؛ اتفقا على حديثين،
وانفرد
البخاري بحديثين ومسلم باً ربعة. روى عنه: أبو رجاء
العطاردي،
وعبد الله بن بُريدة، والحسن البصري. مات بالكوفة في آخر
خلافة
معاوية. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في الأصل: " ممشاهم ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوضوء يوم
الجمعة (497) ،
النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95) .
(3) في الأصل: " حديج " خطا.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/77) ،
وأسد الغابة
(2/454) ، والإصابة (2/78) .
12* شرح سنن أبي داوود 2
(2/177)
قوله: " فبها " أي: فبهذه الفعلة أو الخصلة
أخَذَ؛ قال الأصمعي:
معناه: فبالسُنَّة أخذ.
قوله: " ونعمت " أي: نعمت الخصلة.
قوله: " ومن اغتسل فهو أفضل " أي: الغسل أفضل، والضمير
يرجع
إلى الغسل الذي يدل عليه قوله: " ومن اغتسل ".
واعلم أن هذا الحديث " (1) رُوِيَ من حديث سمرة، ومن حديث
أنس، ومن حديث الخدريّ، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث
جابر، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة، ومن حديث ابن عباس.
أما حديث سمرة: فأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي؛
فأبو داود في الطهارة، والترمذي والنسائي في الصلاة، وقال
الترمذي:
حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في " مسنده "، والبيهقي في "
سننه "،
وابن أبي شيبة في " مصنفه ".
وأما حديث أنس: فرواه ابن ماجه في " سننه " (2) من حديث
إسماعيل بن مسلم المكي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك،
عن
النبي- عليه السلام- قال: " من توضأ يوم الجمعة فبها
ونعمت،
يجزئ عنه الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل ". وهذا سَند
ضعيف.
وأما حديث الخدريّ: فرواه البيهقي في " سننه " (3) ،
والبزار في
" مسنده " عن أسيد بن زيد الجمال، عن شريك، عن عوف، عن
أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره.
وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه البزار في " مسنده " عن أبي
بكر
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/88: 93) .
(2) كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الرخصة في ذلك
(1091) .
(3) السنن الكبرى (1/296) .
(2/178)
الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة
مرفوعاً نحوه، ورواه
ابن عديّ في " الكامل " (1) ، وأعله بأبي بكر الهذلي؛
واسمه: سُلمى
ابن عبد الله.
وأما حديث جابر: فرواه عبد بن حُمَيد في " مسنده ":
حدَّثنا عمر
ابن سعد، عن الثوري، عن أبان، عن أبي نضرة، عن جابر
مرفوعاً
نحوه، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا الثوري،/عن
رجل
عن أبي نضرة به، ورواه إسحاق بن راهويه في " مُسنده "،
وأخرجه ابن
عدي في " الكامل " (2) .
وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة: فرواه الطبراني في " معجمه
الوسط " (3) من حديث حفص بن عُمر الرازي: ثنا أبو حُرَّةَ،
عن
الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة مَرفوعاً نحوه.
وأما حديث ابن عباس: فرواه البيهقي في " سننه " (4) :
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ: ثنا أبو أحمد محمد بن (5) إسحاق
الصفّار: ثنا
أحمد بن نصر: ثنا عمرو بن طلحة القناد: ثنا أسباط بن نصر،
عن
السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ... ،
فذكر
نحوه.
واعلم- أيضاً- أن في سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب؛
الأول:
أنه سمع منه مطلقاً؛ وهو قول ابن المديني، ذكره عنه
البخاري في أول
" تاريخه الوسط " فقال: حدثنا الحُميدي، ثنا سفيان، عن
إسرائيل قال:
سمعت الحسن يقول: ولدتُ لسنتين بقيتا من خلافة عمر؛ قال
علي:
سماع الحسن من سمرة صحيح. ونقله الترمذي في كتابه؛ قال في
" باب
__________
(1) (4/342- ترجمة سُلمى بن عبد الله) .
(2) (7/52، ترجمة عبيد بن إسحاق) .
(3) (7/7765) .
(4) السنن الكبرى (1/295) .
(5) " محمد بن " مكررة في الأصل.
(2/179)
الصلاة الوسطى ": قال محمد بن إسماعيل-
يعني البخاريّ-: قال
عليّ- يعني: ابن المديني-: سماع الحسن من سمرة صحيح. وقال
الترمذي: سماع الحسن من سمرة عندي صحيح. واختار الحاكم هذا
القول، وأخرج في كتابه عدّة أحاديث من رواية الحسن، عن
سمرة،
وقال في بعضها: على شرط البخاريّ.
الثاني: أنه لم يسمع منه شيئاً، واختاره ابن حبان في "
صحيحه "؛
فقال في النوع الرابع من القسم الخامس- بعد أن روى حديث
الحسن عن
سمرة-: أن النبي- عليه السلام- كانت له سكتتان-: والحسن لم
يَسمع من سمرة شيئاً. وقال صاحب " التنقيح ": قال ابن
معين: الحسن
لم يلق سمرة. وقال شعبة: الحسن لم يسمع من سمرة. وقال
البردعي:
أحاديث الحسن عن سمرة كتاب، ولا يثبت عنه حديث قال فيه:
سمعت
سمرة.
الثالث: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط؛ قاله النسائي،
وإليه مال
الدارقطني في " سننه "، فقال في حديث السكتتَين: والحسن
اختُلِف في
سماعه من سمرة، ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة فيما قاله
قريش بن
أنس، واختاره عبد الحق في " أحكامه "، واختاره البزار في "
مسنده ".
والله أعلم (1) .
119- بَابُ: الرَّجُل يُسلِم وُيؤمرُ (2) بالغُسل
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يُسلم ويؤمر بالغُسل
عقيب
إسلامه.
339- ص- ثنا محمد بن كثير العَبدي قال: ثنا سفيان قال: نا
الأغر،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) في سنن أبي داود: " فيؤمر ".
(2/180)
عن خليفة بن حُصَين، عن جدّه: قيس بن عاصم
قال: أتيتُ النبيَ- عليه
السلام- أريدُ الإسلامَ، فأمَرني أن اغتسلَ بماء وسِدر (1)
.
ش- سفيان: الثوري، والأغرُّ: ابن حَصِيل، وقال صاحب
" الكمال ": الأغر بن الصباح الكوفي المنقري، مولى لآل قيس
بن
عاصم. روى عن: خليفة بن حُصين. روى عنه: الثوري، وقيس بن
الربيع. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائيّ (2) .
والخليفة بن حُصَين بن قيس بن عاصم المنقري البصري. روى
عن:
جده، وأبي نصر، عن ابن عباس. روى عنه: الأغر بن الصباح.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) ، وقيس بن عاصم
بن
سنان بن خالد بن منقر بن عُبيد السَّعدي التميمي، وفد على
النبي- عليه
السلام- في وَفد بني تميم سنة تسع فأسلم، وقال- عليه
السلام-:
" هذا سيّد أهل الوبر ". روى عنه: الحسن البصري، وابنه:
حكيم بن
قيس، وابن ابنه: خليفة بن حصين. نزل البصرة وله بها دار،
وتوفي
عن اثنين وثلاثين ذكراَ من أولاده. روى له: أبو داود،
والترمذي،
والنسائي (4) .
هذا عند أكثر أهل العلم على الاستحباب، لا على الإيجاب،
وعند
أحمد، وأبي ثور: يجب الغسل على الكافر إذا أسلم أَخذاَ
بظاهر
الحديث؛ ولأنه لايح (5) في أيام كفره من جماع أو احتلام
وهو لا يغتسل،
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في الاغتسال عندما
يسلم الرجل
(605) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: غسل الكافر إذا أسلم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/541) .
(3) المصدر السابق (3 /1718) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/232) ،
وأسد الغابة
(4/432) ، والإصابة (3/252) .
(5) كذا، ولعلها بمعنى: " لا يخرج ".
(2/181)
ولو اغتسل لم يصح منه ذلك؛ لأن الاغتسال من
الجنابة فرض من فروض
الدين وهو لا يُجزئه إلا بعد الإيمان كالصلاة والزكاة
ونحوهما، قلنا: لا
يجب عليه إلا إذا أسلم وهو جنبٌ، ولا يصح قياسه على الصلاة
والزكاة/؛ لأنهما لا تصح بدون النية، ونية الكافر لغو لعدم
الإيمان،
بخلاف اغتساله؛ لأن الماء مطهر بنفسه فلا يَحتاج إلى
النيّة. والحديث
أخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسنٌ لا
نعرفه
إلا من هذا الوجه.
340- ص- ثنا مَخلَد قال: ثنا عبد الرزاق قال: أنبا ابن
جريج قال:
أخبرتُ عن عثَيم بن كُليب، عن أبيه، عن جَدِّه، أنه جَاءَ
النبيَ (1) - عليه
السَلام- فقال: قد أسلمتُ، فقال له النبيُ- عليه السلام-:
ألق عنكَ شَعرَ
الكُفرِ، يقولُ: احلق. قال: وأَخبرني آخرُ أن النبيَ- عليه
السَلام- قال
لآخر معه: ألقِ عنك شَعرَ الكُفرِ واختتِن (2) .
ش- مخلد: ابن خالد بن يزيد الشعيري، كان بطرسوس. روى
عن: عبد الرزاق بن همام، وإبراهيم بن خالد الصنعانيين. روى
عنه:
مسلم، وأبو داود- وقال: ثقة-، وغيرهما. وقال أبو حاتم حين
سئل
عنه: لا أعرفه (3) .
وعبد الرزاق: ابن همام الصنعاني، وابن جُريج: عبد الملك بن
عبد العزيز، وعُثَيم- بضم العين المهملة، وفتح الثاء
المثلثة، وبياء آخر
الحروف ساكنة، وميم- ابن كُلَيب الحضرمي. روى عن: أبيه، عن
جده. روى عنه: ابن جريج، وقيل: قال ابنُ جريج: أخبرتُ عن
عُثَيم. روى له: أبو داود (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " جاء إلى النبي ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5834) .
(4) المصدر السابق (19/3876) .
(2/182)
وكليب والد عُثيم (1) البصري، روى عن:
أبيه، روى عنه: ابنه:
عُثيم، روى له: أبو داود. وإنما أمر النبي- عليه السلام-
بالحلق زيادة
لتنظيفه، وإزالةَ للشعر الذي رباه في الكفر. وأما أمره
بالاختتان فظاهر،
ولو أسلم الكافر ولم يطق ألم الختان يترك. وفيه رواية
مجهولٌ فافهم.
***
120- بَابُ: المرأةِ تَغسلُ ثوبَها الذِي تَلبَسَهُ في
حَيضها
أي: هذا باب في حكم المرأة تغسل ثوبها الذي كانت تلبسه في
أيام
حيضها.
341- ص- حدَثنا أحمد بن إبراهيم قال: ثنا عبد الصمد بن
عبد الوارث، [عن أبيه] قال: حدثتني أم الحسن- يعني: جدة
أبي بكر
العدوي-، عن معاَذةَ قالت: سألت عائشةَ عن الحائض يُصيبُ
ثَوبَها الدمُ،
قالت: تَغسلُهُ، فإن لم يذهب أثَرُهُ فلتُغيره بشيء من
صفرةَ، وقالت: لقد
كنتُ أحِيض عندَ رسولِ اللهِ ثَلاثَ حِيَضِ جميعاً، لَا
أغسِلُ ليَ ثوباً (2) .
ش- أحمد بن إبراهيم: الموصلي، وعبد الصمد بن عبد الوارث:
البَصري التميمي.
وأم الحسن جدة أبي بكر العدوي، روت عن معاذة العدوية، روى
عنها: عبد الصمد، روى لها: أبو داود، وابن ماجه (3) .
ومعاذة: بنت عبد الله العدوية البصرية، وقد ذكرناها.
قوله: " فإن لم يذهب أثره " والأثر: اللون والرائحة.
قوله: " من صفرة " مثل الورس والزعفران ونحوهما.
__________
(1) جاء في تهذيب الكمال (24/4995) : أن كليباً هذا جَذُ
عثيم بن كثير بن
كليب، وأنه معدود في الصحابة، وانظر ترجمته في الاستيعاب
بهامش
الإصابة (3/313) ، وأسد الغابة (4/498) ، والإصابة (3/307)
.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7965) .
(2/183)
وفي " المصنف " عن سعيد بن جبير " في
الحائض يُصيب ثوبُها من دمها
قال: تغسله، ثم تلطخ مكانه بالوَرس والزعفران أو العَنبر
"؛ والمقصود
من ذلك: إزالة الرائحة الكريهة ودفعاً للوَسوسة- أيضاً.
وقول عائشة: " لا أغسل لي ثوباً " إما لأجل أن الدم ما كان
يُصِيبُ ثوبها
لأجل احترازها ونظافتها، وإما لأنها كانت تغسلها بعد
خروجها من
الحيض، ولا تغسلها في أيام حيضها.
342- ص- حدَّثنا محمد بن كثير قال: أنا إبراهيم بن نافع
قال:
سمعت الحَسن- يعني ابن مُسلم- يذكر عن مجاهد قال: قالت
عائشةُ: ما
كان لإحدَانا إلا ثوبٌ واحدٌ فيه تحيضُ (1) ، فإن أصابَه
شيءٌ من دَمِ بَلَتهُ
برِيقِها، ثم قَصَعَتهُ بريقِهَا (2) .
ش- إبراهيم بن نافع: المكي، والحسن بن مسلم: ابن يناق (3)
المكي.
قوله: " بَلته بِريقها " من البَلل، وهو من باب نصر ينصر.
قوله: " ثم قصعته " معناه: دلكته به، ومنه قَصَعَ القملةَ
إذا شدخها بين
أظفاره، فأما فَصَعَ الرُّطبةَ فهو بالفاء؛ وهو أن يأخذها
بإصبعَيه فيغمزها
أدنى غمزِ، فتخرج الرطبة خالعةَ قشرها. وقال ابن الأثير
(4) : " قصَعَته
أي: دلكته بظُفرها، ويروى: " مَصَعته " بالميم معنى فركته.
قال
البيهقي: هذا في الدم اليَسير الذي يكون معفوا عنه، وأما
الكثير منه فصح
عنها أنها حَانت تغسله.
قلت: هذا كلام جيد؛ ولكنه حجة عليهم؛ حيث اختصوا إزالة
النجاسة بالماء بحديث أسماء كما نذكره عن قريب إن شاء الله
تعالى.
__________
(1) في سنن أبي داود: " تحيض فيه ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت
فيه؟
(312)
(3) في الأصل: " نياق " خطأ.
(4) النهاية (4/73) .
(2/184)
343- ص- حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا
عبد الرحمن بن مهدي
قال: ثنا بكار بن يحيى قال: حدثتني جدتي قالت: دخلت على
أمِّ سَلَمةَ
فسألَتهَا امرأةٌ من قُريش عن الصلاةِ في ثوب الحائضِ؟
فقالت أم سَلَمَةَ: قد
كان يُصيبُنَا الحَيضُ/على عَهد رسول اللهِ- عليه السلام-،
فتَلبثُ إحدانا
أيامَ حَيضَهَا، ثم تَطهُرُ فتنظر الَثَّوبَ الَذي كانت
تَقلَّبُ فيه، فإن أَصَابَه دَمٌ
غسَلنَاهُ وصَفَينَا فيه، وإن لم يكن أصَابَه شيءٌ
تَرَكنَاه، ولم يَمنعنا ذلك من أن
نُصلِّيَ فيه، وأمَّا المُمتَشِطَةُ فكانَت إحدانا تكونُ
مُمتشطَةً فإذا اغتسلت لم
تَنقُض ذاك؛ ولكنها تَحفنُ على رأسِهَا ثَلاثَ حَفَنَات،
فإذا رأت البَلَلَ في
أصُولِ الشَّعرِ دَلَكَته، ثم أفاضت على سائرِ جَسَدِها
(1) .
ش- يعقوب بن إبراهيم: الدورقي، وعبد الرحمن بن مَهدي:
أبو سعيد العنبري.
وبكار بن يحيى روى عن: جدته، عن أم سلمة. روى عنه:
عبد الرحمن بن مهدي. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " تقَلَّبُ فيه " أصله: تتقلبُ؛ فحذفت إحدى التائين،
من
قولك: فلان يَتقلَّبُ في أمره، أي: يتحول من حال إلى حال.
وفي
بعض الرواية: " الذي كانت تعلَّت فيه " من قولهم. تعلت
المرأةُ من
حيضها إذا طهرت، وكذا يقال: تعلت النُّفسَاء إذا ارتفعت
وطهُرَت،
ويقال: تعالت- أيضاً- ويجوز أن يكون من قولهم: تعلَّى
الرجل من
عِلَّته إذا برأ أي: خرجَت من نفَاسِها وسَلِمَت.
قوله: " وأما المُمتشطةُ " أي: المرأة الممتشطةُ: وهي التي
تَمتشِطُ:
يُقال: امتشطت المرأةُ، ومَشطتها الماشطةُ إذا سرحت شعرها
بالمشط، وفيه
ثلاث لغات، وأنكر ابن دريد الكسر، وحكى ضم الميم والشين.
قال
ابن دريد: إلا أن يزاد ميم فيقال: مُمشُط.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/704) .
(2/185)
ويستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: جواز الصلاة في الثوب الذي تحيض فيه المرأة ولم
يُصبه شيء
من دم الحيض.
الثانية: جوازها- أيضاً- في الذي أصابه شيءٌ؛ ولكن بعد
غسله.
والثالثة: أن المرأة إذا بلغ الماء أصول شعرها لا تحتاج
إلى نقض
ضفائرها، سواء عند اغتسالها من انقطاع الحيض والنفاس أو
الجنابة.
344- ص- ثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا محمد بن
سلمة، عن
محمد بن إسحاق، عن فاطمةَ بنت المنذر، عن أسماءَ بنتِ أبي
بكرٍ قالت:
" سمعتُ امرأةَ تسألُ النبيَ- عليهَ السلام- كيف تَصنعُ
إحدانا بثَوبِهَا إذا
رَأت الطُهرَ؟ أتُصَلِّي فيه؟ قال: تَنظُرُ، فإن رأت فيه
دماً فلتُقرِصهُ بشيء
من مَاءِ، ولتَنضِح ما لم تَرَ، ولتُصَلِّي (1) فيه " (2)
.
ش- فاطمة بنت المنذر: ابن الزبير بن العوام الأسدية
المدنية، زوجة
هشام بن عروة. روت عن: جَدتها أسماء بنت أبي بكر- رضي الله
عنها (3) -. روى عنها: زوجها هشام، ومحمد بن إسحاق بن
يَسار.
قال هشام: كانت أكبر مني بثلاث عشرة سنة. قال أحمد بن عبد
الله:
هي تابعية، ثقة. روى لها الجماعة (4) .
قوله: " فلتَقرصه " مخفف ومثقل؛ رُوِيَ بهما جميعاً؛
والقرص
والتقريص: الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء عليه
حتى
يذهب أثره؛ وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجميع اليد. وقال
الخطابي (5) : " أصل القَرص: أن يقبض بإصبعَيه على الشيء،
ثم
يغمزه (6) غمزاً جيداً ".
__________
(1) كذا.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: " عنه ".
(4) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7906) .
(5) معالم السنن (1/97) .
(6) في الأصل: " تعمزه ".
(2/186)
قوله: " من ماء " استدلت به الشافعية على
أن غسل النجاسة بنحو الخل
وغيره من المائعات لم يُجزئه؛ لأنه نص على الماء، وفي تركه
ترك المأمُور
به
قلنا: ذكر الماء خرج مخرج الغالب؛ لا مخرج القيد؛ لأن
المراد:
إزالة النجاسة، وغير الماء من المائعات الطاهرة أبلغ في
القلع والإزالة.
قوله: " ولتنضِح " بكسر الضاد أي: وَلتَرُش، وقال الخطابي
(1) :
" النضحُ: الرشُ، وقد يكون- أيضاً- بمعنى: الصَب والغَسلِ
".
ويُستفادُ من الحديث فوائد؛ الأولى: فيه أن الدمَ نجس؛ وهو
إجماع
المسلمين.
الثانية: فيه أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد؛ بل
المراد الإنقاء.
الثالثة: أنها إذا لم تَرَ في ثوبها شيئاً من الدم ترش
عليه ماء، وتصلي
فيه
الرابعة: استدلّ به أصحابنا على وجوب الطهارة في الثياب.
والبيهقي استدل به في " سننه " على أصحابنا في وجوب
الطهارة بالماء دون
غيره من المائعات الطاهرة. والجواب عنه: أنه مفهوم لقب لا
يقول به
إمامُه.
345- ص- حدَثنا عبد الله بن مَسلمة، عن مالك، عن هشام بن
عروقا
عن فاطمة بنت المنذر،/عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت:
سألَت امرأةٌ
رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا
رسولَ الله، أرأيتَ إِحدانا إذا أصَابَ ثَوبَها الدمُ من
الحَيضَة كَيف تَصنَعُ؟ قال: " إذا أصَابَ إحداكُن الدمُ
من الحيضة فلتقرصه
ثم لتَنضَحهُ بالماءِ ثم لتُصَل فيه (2) " (3) .
__________
(1) المصدر السابق.
(2) كلمة " فيه " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الدم (227) ، مسلم:
كتاب=
(2/187)
ش- قد قيل: إن هذه السائلة: خولةُ بنت
يَسار.
قوله: " إذا أصاب إحداكن " أي: ثوب إحداكن؛ لأن السُؤال عن
الثوب، وأما إذا أصاب البدن فكذلك لا بد فيه من الغسل؛
ولكن لا
يحتاج إلى التقريص.
346- ص- حدَّثنا مسدد قال: ثنا حماد ح، قال: ونا مسدد قال:
ثنا
عيسى بن يونس ح قال: ونا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد-
يعني ابن
سلمة-، عن هشام بهذا المعنى قالا: " حتيه، ثم اقرُصيه
بالماء، ثم
انضَحِيهِ " (1) .ًَ
ش- فيه ثلاث طرق؛ اثنان لمسدد بن مسرهد؛ أحدهما: عن حماد
ابن زيد البصري، عن هشام بن عروة، والآخر: عن عيسى بن يونس
ابن أبي إسحاق السبيعي، عن هشام بن عروة، والطريق الثالث:
عن
موسى بن إسماعيل المنقري البصري، عن حماد بن سلمة، عن هشام
بن
عروة.
قوله: " بهذا المعنى " إشارة إلى معنى الحديث السابق.
قوله: " قالا " أي: مُسدّد وإسماعيل، ويجوز أن يرجع الضمير
الذي
فمِه إلى الحمادَين: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة.
قوله: " حتّيه " أمرٌ من حَتَّ يحتُّ حَتاً؛ الحتُّ
والحكُّ والقَشر سواءٌ.
قوله: " ثم اقرصيه " أمر من قَرص، وفي رواية: " قرّصيه "
بالتشديد.
قوله: " ثم انضحيه " أي: اغسليه؛ والمراد بالنضح هاهنا:
الغَسل دون
الرش.
__________
الطهارة، باب: نجاسة الدم وكيفية غسله (110/291) ،
الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في غسل دم الحيض (138) ، النسائي:
كتاب
الطهارة، باب: دم الحيض يصيب الثوب (1/154) ، ابن ماجه:
كتاب
الطهارة، باب: في ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب (629) .
(1) انظر الحديث السابق.
(2/188)
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، وابن
ماجه.
347- ص- حدثنا مسدّد قال: نا يحيى، عن سفيان قال: نا ثابت
الحداد
قال: نا عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول:
سألت
النبيَّ- عليه السلام- عن دَم الحيض يكونُ في الثوب؟ قال:
" حُكِّيه
بضِلَعٍ، واغسِلِيهِ بماءٍ وسِدرٍ " (1) .
ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري، وثابت: ابن هرمز
الحداد، أبو المقدام الكوفي، مولى بكر بن وائل. سمع: ابن
المسيّب،
وزيد بن وهب، وعدي بن دينار، وغيرهم 0 روى عنه: الحكمُ،
والأعمش، وليث بن أبي سليم، والثوري، وشعبة، وغيرهم. وقال
ابن معين، وأحمد: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو
داود،
والنسائي، وابن ماجه (2) ، وعدي بن دينار: مولى أم قيس بنت
محصن
الأسدية، روى عنها. روى عنه: أبو المقدام ثابت بن هرمز.
روى له:
أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأم قَيس بنت محصن بن حرثان بن قيس الأسدية، أخت عكاشة بن
محصن، أسلمت قديماً بمكة وهاجرت إلى المدينة، رُوِيَ لها
عن رسول
الله أربعة وعشرون حديثاً؛ اتفقا منها على حديثين. روى
عنها. وابصة
ابن معبد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ونافع مولى
حمنة بنت
شجاع، وأبو الحسن مولاها. روى لها الجماعة (4) .
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: دم الحيض يصيب الثوب
(1/154) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: في ما جاء في دم الحيض يصيب
الثوب (627) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/833) .
(3) المصدر السابق (19 /3885) .
(4) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/485) ،
وأسد الغابة
(7/379) ، والإصابة (4/485) .
(2/189)
قوله: " بضلع " بكسر الضاد وفتح اللام أي:
بعُود؛ والأصل فيه:
ضلع الحيوان؛ فسُفي به العود الذي يُشبهه، وقد تسكًن اللام
تخفيفاً.
وإنما أمرها أن تغسل بماء وسدر مبالغة في الإنقاء، وقطع
أثر دم الحيض.
وأخرجه النسائي، وابن ماجه.
348- ص- ثنا النفيلي قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن
عطاء،
عن عائشة قالت: قد كان يكوِنُ لإِحدَانا الدرعُ تحيض فيه،
وفيه تصيبُه (1)
الجنابةُ، ثم ترى فيه قَطرةً من دمٍ فتَقصعُه بِريقِهَا
(2) .
ش- النفيلي هو عبد الله بن محمد، وسفيان: الثوري، واسم ابن
أبي نجيح: عبد الله- وقد مر مرةً-، وعطاء: ابن أبي رباح.
قوله: " كان يكون " كان هذه تامة فلا تحتاج إلى الخبر،
والتقدير: قد
كان الشأنُ أي: وجد أو وقع. ويكون من النواقص فاسمه: "
الدرع "
وخبره: قوله: " لإحدانا "، والدرع- بكسر الدال-: القميص.
قوله: " فتقصَعُه " من القَصع: وهو الدلك؛ وقد مر مثله
قريباً.
349- ص- ثنا محمد بن كثير قال: ثنا إبراهيم- يعني ابن
نافع- قال:
سمعت الحسن يذكر عن مجاهد قال: قالت عائشةُ: ما كان
لإحدانا إلا
ثوبٌ فيه تحيض، فإن أصابَهُ شيء من دَمٍ بلَتهُ بِريقِهَا،
ثم قصَعتهُ بِرِيَقهَا (3) .
ش- هذا الحديث/مكرر، والأصح إسقاطُه؛ لأنه ليس بمَوجود في
__________
(1) في سنن أبي داود: " فيه تحيض، وفيه تصيبها ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) غير موجود في سنن أبي داود، وتقدم تخريجه، وهو ثاني
حديث في الباب.
وقد سقط هنا حديث، وهو في سنن أبي داود برقم (365) . قال:
حدَثنا
قتيبة بن سعيد، حدَثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن
عيسى بن
طلحة، عن أبي هريرة: أن خولة بنت يسار أتت النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا
رسول الله، إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف
أصنع؟
قال: " إذا طهُرت فاغسليه، ثم صلي فيه "، فقالت: فإن لم
يخرج الدم،
قال: يكفيك غسلَ الدم، ولا يضركِ أثره ".
(2/190)
النسخ الكثيرة الصحيحة، وأيضا- تكراره ليس
فيه زيادة فائدة، والله
أعلم.
***
121- بَابُ: الصلاة في الثوبِ الذِي يُصِيبُ أهله فيه
أي: هذا باب في بيان الصلَاة في الثوب الذي يجامع امرأته
فيه، وفي
بعض النسخ: " في الثوب الذي يجامع أهله فيه ".
350- ص- ثنا عيسى بن حماد المصري قال: أنا الليث، عن يزيد
بن
أبي حبيب، عن سُويد بن قَيسِ، عن معاوية بن حُدَيج (1) ،
عن معاوية بن
أبي سفيان أنه سألَ أختهُ أم حبيبةَ زوج النبي- عليه
السلام- هل كان رسولُ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي في الثوبِ الذي
يُجَامِعُهَا فيهِ؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أدى (2) .
ش- الليث: ابن سَعد، ويزيدُ بن أبي حبيب سُوَيد المصري.
وسُوَيد: ابن قَيس المِصري التُّجِيبي. روى عن: عبد الله
بن عَمرو،
وابن عُمر، ومعاويةَ بن حُدَيج، وكيرهم. روى عنه: يزيد بن
أبي حبيب. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
ومعاوية بن حُديج- بضم الحاء المهملة، وفتح الدال، وفي
آخره جيم-
ابن جفنة بن قُتيرةَ بن حارثة بن عبد شمس التُجيبي، أبو
عبد الرحمن، أو
أبو نعيم الكندي أو الخولاني، له صحبة منَ النبي- عليه
السلام-.
روى عيب النبي- عليه السلام-، وعن عمر بن الخطاب، وأبي ذر،
وابن عَمرو، ومعاوية بن أبي سفيان، وعلي بن رباح، وعبد
الرحمن بن
شماسة. توفي سنة اثنتين وخمسين. روى له: أبو داود،
والنسائي (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " خديج " خطأ.
(2) النسائي: باب الطهارة، باب: المني يصيب الثوب (1/154)
، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه (540)
.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2649) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/406) ،
وأسد الغابة
(5/206) ، والإصابة (3/431) .
(2/191)
قوله: " إذا لم ير فيه أدى " وفي بَعض
الرواية: " دماً ". والحديث
أخرجه النسائي، وابن ماجه.
***
122- بَابُ: الصَلاةِ في شُعُر النّسَاء
أي: هذا باب في بيان الصلاة في شعر النساء. الشُعُر- بضم
الشين
والعين-: جمع شعار، مثل كُتب وكتاب؛ والشِّعار: الثوب الذي
يَستشعرُه الإنسان أي: يجعله مما يلي بدنه، والدثار: ما
يلبسه فوق
الشَعار.
351- ص- حدَّثنا عُبيد الله بن معاذ قال: ثنا أبي قال: ثنا
الأشعث، عن
محمد بن سيرين، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشةَ قالت: كان
النبيُّ- عليه
السلام- لا يُصَلِّي في شُعُرِنا أو لُحفِنا (1) . قال
عبيد الله: شك أبي (2) .
ش- عبيد الله بن معاذ البصري، وأبوه: معاذ بن معاذ بن حسان
قاضي البصرة، والأشعث بن عَبد الملك الحُمراني البصري.
وعبد الله بن شقيق العقيلي، من بني عقيل بن كعب: أبو عبد
الرحمن
أو أبو معاوية. روى عن: عثمان، وعليّ. وسمع: أبا ذر،
وأبا هريرة، وابن عباس، وابن عُمر، ومرة بن كعب، وعائشة.
روى
عنه: ابن سيرين، وقتادة، وأيوب، وغيرهم. قال ابن سَعد: كان
ثقةَ
عثمانيا. توفي في ولاية الحجاج. وقال ابن عدي: ما
بأحاديثه- إن
شاء الله- بأس. روى له الجماعة (3) .
قوله: " أو لحفنا " اللُّحف: جمعُ لحاف، وهو اسم لما يلتحف
به،
__________
(1) في سنن أبي داود: " أو في لحفنا ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: كراهية الصلاة في لحف
النساء (600) ،
النسائي: كتاب الزينة (8/217) ، ويأتي برقم (626) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3333) .
(2/192)
وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به. وإنما
خُصَ الشُعُر بالذكر لأنها
أقرب إلى أن ينالها النجاسة من الدثار، وإنما امتنع- عليه
السلام- من
الصلاة فيها مخافة أن يكون أصابها شيء من دم الحيض.
352- ص- حدَّثنا الحسن بن علي قال: أنا سليمان بن حرب قال:
نا
حماد، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عائشة، أن النبيَّ- عليه
السلام-
كان لا يُصَلِّي في مَلاحِفِنَا (1)
ش- الحسن بن علي: أبو محمد الخلال الحلواني، وسليمان بن
حرب: الواشحي قاضي مكة، وحماد: ابن زيد، وهشام: ابن عروة.
قوله: " في ملاحفنا " الملاحف: جمع ملحفة- بكسر الميم- ما
يلتحف به.
وأخرج أبو داود هذا الحديث- أيضاً- في الصلاة (2) ، وأخرجه
الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ص- قال حمادٌ: وسمعتُ سعيدَ بن أبي صدقةَ قال: سألت محمداً
عنه
فلم يُحدِثنِي. وقال: سمعتُه منذُ زمان، ولا أدري ممن
سمِعتُه، ولا أدري:
سمِعته من لَبت أم لا؟ فسَلُوا عنه. ً
ش- أي: ً قال حماد بن زيد. وسعيد بن أبي صدقة: أبو مُرة،
ذكره
ابن حبان في " الثقات "، روى عن: محمد بن سيرين. وروى عنه:
حماد بن زيد.
قوله: " سألت محمداً " يعني: محمد بن سيرين " عنه " أي: عن
هذا الحديث.
قوله: " من ثَبت " الثبتُ- بفتح الثاء المثلثة، وسكون
الباء المُوحدة-
يعني: الثابت/، يقال: رجل ثَبتٌ إذا كان ثقةَ حجةً في
أقواله وأفعاله.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) لم يخرجه مرة ثانية، وإنما أخرج الذي قبله.
13* شرح سنن أبي داوود 2
(2/193)
قوله: " فسلوا عنه " أي: اسألوا عن هذا
الحديث غيري؛ فإنّي مشكك
في سماعي.
123- باب: الرّخصَة (1)
أي: هذا باب في بيان الرخصة في الصلاة في ثوب النساء.
353- ص- حدثّنا محمد بن الصَباح بن سُفيان قال: أنا سفيان،
عن
أبي إسحاق الشيباني سمعه من عَبد الله بن شداد يُحدث عن
ميمونة، أن
النبيَّ- عليه السلام- صَلَّى وعليه مرط على بعضِ أزواجه
منه وهي حَائضٌ
وهو يُصلِّي وهو عليه (2) .
ش- محمد بن الصباح بن سفيان: ابن أبي سفيان الجرجرائي مولى
عمر بن عبد العزيز. روى عن: عاصم بن سويد، وزكرياء بن
منظور،
والدراوردي، وابن عُيَينة، وغيرهم. روى عنه: أبو داود.
وقال
أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، والدُّولابيّ
أخت
إلي؛ وهو محمد بن الصباح الدولابي، مات بجرجرايا سنة
أربعين
ومائتين (3) . وإنما ذكر أبو داود جذ محمد بن الصباح هاهنا
لئلا يلتبس
بمحمد بن الصَّباح الدّولابي؛ فانه روى عن كل واحد منهما،
ولو لم
يذكر سفيان لالتبس بينهما فافهم. واسم أبي إسحاق: سليمان
بن فيروز.
قوله: " وعليه مرط " المِرط- بكسر الميم-: كساء من خزّ أو
صوف أو
كتان، وقيل: لاَ يسمّى المِرط إلا الأخضر. وفي " الصحيح ":
" في
مرط من شعر أسود " أي: خرج فيه رسول الله، والمِرط يكون
إزاراَ
وَيكون رداءَ، ويَلبَسه الرجال والنساء.
قوله: " عَلى بعض أزواجه منه " أي: من المرط. وهاهنا خمسة
أحوال؛
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الرخصة في ذلك ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: حدثنا الحسن بن مدرك (333)
، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي (513) ، ابن
ماجه: كتاب
الطهارة، باب: في الصلاة في ثوب الحائض (653) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5297) .
(2/194)
الأول: قوله: " وعليه مِرط " حال من الضمير
الذي في " صَلى ".
والثانية: قوله: " على بعض أزواجه " حال من " المرط ".
والثالثة: قوله: " وهي حائض " حال من البَعض.
والرابعة: قوله: " وهو يصلي " حال من النبي- عليه السلام-.
والخامسة: قوله: " وهو عليه " أي: والحال أن المرطَ على
النبي
- عليه السلام-، والمراد من " بعض أزواجه " عائشة- رضَي
الله عنها-،
وقد جاءت في رواية أُخرى مُصرحةَ.
ويستفاد من الحديث ثلاث فوائد:
الأولى: أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعاً ترى عليه دماً أو
نجاسة
أخرى.
والثانية: جواز الصلاة بحضرة الحائض.
والثالثة: جواز الصلاة في ثوب بَعضه على المصلي وبَعضُه
على الحائض
أو غيرها. وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وفي هذا دليل على
أن وقوف
المرأة بجنب المصلي لا يبطل صلاته، وهو مذهبنا ومذهب
الجمهور،
وأبطلها أبو حنيفة ".
قلت: العجب ثم العجب من الشيخ! كيف لم يتأمل كلامَه هاهنا؟
فأبو حنيفة- أيضاً- هاهنا مع الجمهور، أي: هذه الصلاة لا
تبطل،
وإنما تبطل الصلاة بمحاذاة المرأة الرجل إذا كانا مشتركين
في صلاة واحدة
مطلقة: تحريمة وأداءَ، فهل وُجد شرط من هذه الشروط في
الصلاة
المذكورة حتى يذكر فيه خلاف أبي حنيفة؟ والحديث أخرجه ابن
ماجه،
وفي البخاري ومسلم نحو منه.
354- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع بن الجراح
قال: ثنا
طلحة بن يحيى، عن عُبيد الله بن عَبد الله بن عتبة، عن
عائشةَ قالت: كان
رسولُ اللهِ- عليه السلام- يُصلِّي بالليلِ وأنا إلى
جانبِه وأنا حائضٌ، وعَليَّ
مِرطٌ لي وعليه بعضُه (2) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/230) .
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلىِ
(514) ، النسائي:-
(2/195)
ش- طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله
القرشي التيمي المدني،
سكن الكوفة، أدرك عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وروى عن:
موسى، وعيسى، ويحيى، وعائشة بني طلحة، وإبراهيم 0 بن محمد
بن
طلحة، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وعبيد الله بن عبد الله
بن
عتبة، وعروة بن الزبير. روى عنه: الثوري، ووكيع، ويحيى
القطان،
وجماعة آخرون. قال ابن سَعد: كان ثقة. وقال أبو زرعة، وأبو
حاتم:
صالح الحديث، حسن. وقال ابن مَعين: ثقة، وقدًمَهُ على أخيه
إسحاق. روى له الجماعة إلا البخاريّ (1) .
قوله: " وأنا إلى جانبه " حَال، وكذا قوله: " وأنا حائض "،
وكذا
قوله: " وعلي مرط "، وكذا قوله: " وعليه بَعضه " أي: على
النبي
- عليه السلام- بعض المرط.
وقوله: " لي " في محل الرفع صِفة للمرط. وأخرجه مسلم،
والنسائي، وابن ماجه.
124- بَاب: المني يصيبُ الثوبَ
أي: هذا باب في بيان المني يُصيب ثوب المصلي، قد مرّ تفسير
المنيّ
وغيره.
355- ص- حدَثنا حفص بن عمر، عن شعبة، عن الحكم، عن
إبراهيم، عن همام بن الحارث أنه كان عندَ عائشةَ فاحتلَمَ،
فأبصَرَته جارية
لعائشةَ وهو يَغسل/أثَرَ الجَنابَةِ من ثوبِهِ، أو يَغسلُ
ثوبه، فأخبرَت عائشةَ
فقالت: لقَد رَأيتُنِي وأنا أفرُكُهُ من ثوبِ رسولِ اللهِ-
عليه السلام- (2) .
__________
= كتاب القبلة، باب: صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته
(2/71) ، ابن
ماجه: كَتاب الطهارة، باب: في الصلاة في ثوب الحائض (652)
.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2984) .
(2) انظر تخريج الحديث الأتي.
(2/196)
ش- حفص بن عمر: ابن الحارث البَصري، وشعبة:
ابن الحجاج،
والحكم: ابن عُتَيبة، وإبراهيم: النخعي، والهمام بن
الحارث: النخعي
الكوفي. سمع: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، والمقداد
بن
الأسود، وعمار بن ياسر، وعدي بن حاتم، وحذيفة بن اليمان،
وعائشة الصديقة. روى عنه: سليمان بن يسار، وإبراهيم
النخعي،
ووبرَةُ. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " أثر الجنابة " المراد من الأثر: المني، ومن
الجنابة: الاحتلام.
قوله: " أو يغسل ثوبه " شك من الراوي.
فو له: " فأخبرت " أي: الجارية.
قوله: " لقد رأيتني " بضم التاء أي: لقد رأيت نفسي " وأنا
أفركه "،
ويجوز كسر التاء على كونه خطاباً للجارية.
اعلم أن العلماء " (2) اختلفوا في المني؛ فذهب أبو حنيفة،
ومالك
إلى نجاسته؛ إلا أن أبا حنيفة قال: يكفي في تطهيره فركه
إذا كان يابسا،
وهو رواية عن أحمد. وقال مالك: لا بد من غسله رطباً كان أو
يابساً.
وقال الليث: هو نجس، ولا تعاد الصلاة منه. وقال الحسن بن
صالح:
لا تعاد من المني في الثوب وإن كان كثيراً، وتعاد منه إن
كان في الجسد
وإن قلّ. وقال الشافعي: المني طاهرٌ، وبه قال داود، وأحمد
في رواية:
وحجتهم: رواية الفرك، فلو كان نجساً لم يكف فركُه كالدم
وغيره،
وكذا رواية الغسل، ولو لم يكن نجساً لما أُمِر بالغسل ".
وقد روى الدارقطني في " سننه " (3) من حديث عبد الله بن
الزبير:
ثنا بشر بن بكر، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة،
عن
عائشة قالت: كنتُ أفرك المني من ثوب رسول الله إذا كان
يابساً وأغسله
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6599) .
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (3/197) .
(3) (1/125) .
(2/197)
إذا كان رطبا. ورواه البزار في " مُسنده ".
وروى الدارقطني في
" سننه " (1) - أيضا- من حديثه، وفي آخره: إنما يغسل الثوب
من
خمس: من البول والغائط والمني والدم والقيء. وهذا يَردّ
قولهم.
ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزّه واختيار
النظافة. والحديث
أخرجه مسلم، والنسائي، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه بمعناه.
356- ص- ثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن حماد، عن
إبراهيم، عن الأسود أن عائشةَ قالت: كُنتُ أفرُكُ المنيَّ
من ثوب رَسولِ الله
- عليه السلام- فيُصلِّي (2) .
ش- حماد الأول هو حماد بن سلمة، وحمّاد الثاني هو حماد بن
أبي سليمان، أبو إسماعيل الأشعري، واسم أبي سليمان: مسلم
مَولى
إبراهيم بن أبي موسى. سمع: أنس بن مالك، وابن المسيب،
وسعيد
ابن جبير، وزيد بن وهب، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وابن
بريدة.
روى عنه: الحكم، وأبو إسحاق الشيباني، والأعمش، وغيرهم.
وسئل أحمد بن حنبل عنه فقال: رواية القدماء عنه مقارب
كالثوري،
وشعبة، وهشام، وأما غيرهم فجاءوا عنه بأعاجيب. وقال أحمد
بن
عبد الله: كوفي ثقة، وكان أفقه أصحاب إبراهيم. وقال أبو
حاتم: هو
صدوق، ولا يحتج بحديثه، وهو مستقيم في الفقه، فإذا جاء
الآثار
شوش. توفي سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري
(3) .
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) (1/127) .
(2) مسلم: كتاب الطهارة، باب: حكم المني (288) ، النسائي:
كتاب الطهارة،
باب: فرك المني من الثوب (1/156) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: ما
جاء في المني يصيب الثوب (116) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: في
فرك المني من الثوب (537) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1483) .
(2/198)
ص- قال أبو داود:/رواه الأعمش كما رواه
الحكم/ (1) ووافقه مغيرة
وأبو معشر وواصل.
ش- هذا ليس بموجود في غالب النسخ؛ الحكم: ابن عُتَيبة،
ومُغيرة:
ابن مقسم، أبو هشام الضبيّ، وأبو معشر: زياد بن كليب
الكوفي،
وواصل: ابن حيان الأحدب الأسدي الكوفي.
357- ص- ثنا عبدُ الله بن محمد النفيلي قال: نا زهير ح
قال: ونا
محمد بن عُبيد البصري قال: نا سُلَيم- يَعني ابن أخضرَ-
المعنَى واللفظُ
واحد- والإخبار في حديث سليم قالا: حدثنا عمرو بن ميمون بن
مهرِان
قال: سمعتُ سُلَيمان بن يَسار يقول: سمعتُ عائشةَ تقولُ:
إنها كانت
تَغسِلُ المنيَّ من ثوبِ رسولِ اللهِ قالت: ثم أرَاهُ (2)
فيه بُقعةً أو بُقَعاً (3) .
ش- زهير: ابن معاوية بن حُدَيج، ومحمد بن عُبيد: الغَبري-
بالغين
المعجمة- البصري.
وسُلَيم بن أخضر: البصري. سمع: عبد الله بن عون، وعُبيد
الله
ابن عمر العُمري. روى عنه: عفان بن مسلم، وعبيد الله بن
عمر
/القواريري، وسليمان بن حرب. قال ابن حرب: ثنا سليم بن
أخضر
الثقة المأمون الرضي. وقال أحمد بن حنبل: هو من أهل الصّدق
والأمانة
روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (4) .
وعَمرو بن ميمون بن مهران أبو عبد الله الجزري، أخو عبد
الأعلى.
__________
(1) ما بين الشرطتين المائلتين كثب في سنن أبي داود بعد
الحديث قبل السابق.
(2) في سنن أبي داود: " أرى ".
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل المني وتركه، وغسل ما
يصيب المرأة
(230) ، مسلم: كتاب الطهارة، باب: حكم المني (289) ،
الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: غسل المني من الثوب (117) ، النسائي:
كتاب
الطهارة، باب: غسل المني من الثوب (1/156) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة
باب: المني يصيب الثوب (536) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2483) .
(2/199)
روى عن: أبيه، وسليمان بن يَسار، وعمر بن
عبد العزيز، والزهري،
ومكِحول الدمشقي. روى عنه: الثوري، وشريك، وزهير بن
معاوية،
وابن المبارك، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة، وفي
رواية: شيخ
صد [و] ق. وقال أحمد: ليس به بأس. مات سنة خمس وأربعين
ومائة.
روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
وسُلَيمان بن يَسار، أبو أيوب الهلالي، أخو عطاء.
قوله: " المعنى واللفظ واحدٌ والإخبار " بكسر الهمزة:
والنسخة
الصحيحة: " المعنى والإخبار واحدٌ "، وفي بعض النسخ: "
المعنى
والإخبار في حديث سُليم ".
قوله. لا قالا " أيمما: زُهَير، وسُلَيم.
قوله: " ثم أراه فيه بُقعة " أي: أرى الغسل، أي: أثره في
الثوب بُقعةً.
قوله: " أو بُقعاً " شك من الراوي؛ والبُقع: جمعُ بُقعة،
والمرادُ منها:
آثار الغَسل التي في القماش.
وقال الخطابي (2) : " هذا لا يُخالِف حديث الفرك؛ وإنما
هذا
استحباب واستظهار بالنظافة كما قد يغسل الثوب من النخامة
والمخاطة
ونحوهما، والحديثان إذا أمكن استعمالهما لم يجز أن يحملا
على التناقض ".
قلتُ: ما ادعى أحد المخالفة بين الحديثين ولا التناقض؛ د
نما هذا
الحديث يدل على أن المني نجس؛ بدلالة غَسله، وكان هذا هو
القياس
- أيضاَ- في يابسه؛ ولكن خُص بحديث الفرك، ولا نسلم أن غسل
هذا
مثل غسل النخامة والمخاطة؛ لأنه ورد في حديث أخرجه
الدارقطني في
" سننه " (3) : " يا عمار، ما نخامتك ولا دموعك إلا بمنزلة
الماء الذي في
__________
(1) المصدر السابق (22/4457) .
(2) معالم السنن (1/99) .
(3) (1/127) من طريق إبراهيم بن زكريا، نا ثابت بن حماد،
عن عليّ بن زيد،
عن سعيد بن المسيب، عن عمار به. وقال زيادة على ما ذكره
المصنف:
" وإبراهيم وثابت ضعيفان ".
(2/200)
رَكوتك؛ إنما يغسل الثوب من خمس: من البول والغائط والمني
والدم
والقيء ". فانظر كيف ذكرَه بين الغائط والدم، فإن قيل: قد
قال
الدارقطني: لم يَروه غير ثابت بن حماد؛ وهو ضعِيف جدا،
قلت:
قال البزار: وثابت بن حماد كان ثقةً، فإن قيل: قد قال
البَيهقي (1) :
" وأما حَديثُ عمار بن ياسر أن النبي- عليه السلام- قال
له: " يا عمارّ
ما نخامتك ولا دُموع عَينيك إلا بمنزلة الماء الذي في
رَكوتك؛ إنما يُغسلُ
ثوبك من البول والغائط والني والدم والقيء "، فهذا باطل،
لا أصل
له؛ إنما رواه ثابتُ بن حماد، عن عليّ بن زيد، عن ابن
المسيب، عن
عمار؛ وعليّ بن زيد غيرُ محتج به، وثابت بن حماد متهمٌ
بالوضع "
فلت: كفاك ما أَخرجه الدارقطني، وقوله: " عليّ بن زيد غيرُ
محتج
به " لا يُفيدُ دعواه؛ لأن مُسلماً روى له مقروناً بغيره،
وروى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي. وقال رجل لابن معين: اختلط عليّ بن
زيد؟
قال: ما اختلط علي بن زيد قط، وهو أحبّ إلي من ابن عقيل
ومن
عاصم بن عبيد الله. وقال العجلي: لا بأس به، وفي موضع آخر
قال:
يكتب حديثه. وروى له الحاكم في " المستدرك ". وقال
الترمذي:
صدوق. وقال الشيخ علاء الدين التركماني (2) : " وأما كون
ثابت بن
حماد مُتّهماً بالوَضع فما رأيتُ أحداً بعدَ الكشف التام
ذكره غير البيهقي،
وقد ذكر- أيضاً- هو هذا الحديث في كتاب " المعرفة " وضعّف
ثابتاً
هذا، ولم يَنسُبه إلى التهمة بالوضع ".
وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
*** |