ش- عفان: ابن مسلم بن عبد الله الصفّار
البَصري الأنصاري،
أبو عثمان مولى عروة بن ثابت. سمع: شعبة، وهمام بن
يحيى،
وسليمان بن المغيرة، وأبا عوانة، وحماد بن زيد وغيرهم.
روى عنه:
أحمد بن حنبل، وقتيبة، والقواريري، وابن معين، وابنا
أبي شيبة،
وأبو زرعة وغيرهم. وقال أبو حاتم: هو ثقة متقن متقن
(1) . مات
ببغداد سنة عشرين ومائتين. روى له الجماعة (2) .
وسعيدُ بن عامر:
الضبعي، أبو محمد البصري. سمع: سعيد بن أبي عروبة،
وشعبة،
ومحمد بن عمرو بن علقمة وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
حنبل،
وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم. قال
ابن معين:
الثقة المأمون. وقال أبو حاتم: كان رجلا صالحًا وفي
حديثه بعض
الغلط، وهو صدوقي. توفي لأربع بقين من شوال سنة ثمان
ومائتين،
وهو ابن ست وثمانين سنةً. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود (3) .
والحجاج: الأعور، وهمام: بن يحيى بن دينار العَوذي.
وعامر الأحول: هو عامر بن عبد الواحد الأحول البصري.
روى
عن: عائذ بن عمرو، وعطاء بن أبي رباح، ونافع مولى ابن
عمر،
ومكحول وغيرهم. روى عنه: شعبة، والحمادان، وأبان بن
يزيد
وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ليس حديثه بشيء؛ وفي لفظ
عنه:
ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: هو ثقة لا بأس به، قيل:
يحتج
بحديثه؟ قال: لا بأس به. وقال ابن معين: ليس به بأس.
روى له:
الجماعة إلا البخاريّ (4) .
ومكحول: ابن زِير الدمشقي.
/وابن مُحَيرِيز: هو عبد الله بن مُحيريز بن جنادة بن
وهب بن لوذان،
__________
(1) كذا بالتكرار، وفي تهذيب الكمال: " متقن متقن ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3964) .
(3) المصدر السابق (10/2300) .
(4) المصدر السابق (14/3054) .
(2/432)
أبو محيريز المكي، نزل الشام وسكن بيت
المقدس. سمعِ: أبا محذورة،
وعبادة بن الصامت، وأبا سعيد الخدريّ، وفضالة بن
عُبيد، ومعاوية بن
أبي سفيان وغيرهم. روى عنه: أبو قلابة الجرمي،
والزهري،
ومكحول، وعطاء الخراساني وغيرهم. قال أحمد بن عبد
الله: هو ثقة،
من خيار الناس. روى له: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود،
والنسائي (1) .
قوله: " تسعة عشر كلمةَ " صوابه: تسع عشرة كلمة، وكذلك
سَبع
عشرة.
قوله: " الأذان " مَرفوع بالابتداء، وخبره: " الله
أكبر " إلى آخره؛
والتقدير: الأذان هذه الكلمات، وهي " الله أكبر " إلى
آخره، وكذلك
قوله: " الإقامة " مَرفوع بالابتداء، وخبره ما بعده
بالتقدير المذكور.
قوله: " كذا في كتابه في حديث أبي محذورة " ليس
بَموجود في بعض
النسخ أي: في كتاب أبن محيرِيز.
485- ص- نا محمد بن بشار: نا أبو عاصم: نا ابن جريح:
أخبرني
ابنُ عبد الملك بن أبي محذورة- يعني: عبد العزيز-، عن
ابن مُحيرِيز،
عن أبي محذورة قال: أَلقى عَليَّ رسولُ الله- عليه
السلام- التَّأذين هو
بنَفسه فقال: " قُل: الله أكبر، الله كبر، الله أكَبر،
الله أكبر، أشهد أن لا إله
إلا اَللَه، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا
رسولُ الله، أشهد أن
محمدا رسولُ الله (2) ، ثم قال: ارجع فمُدَّ من
صَوتِكَ: أشهدَ أن لا إله إلا
الله، أشهد أن لاَ إله إلا الله، أشهد أن محمدَا رسولُ
الله، أشهد أن محمدًا
رسولُ الله، حَيَ على الصلاة، حَيَ على الصلاة، حَيً
على الفلاحِ، حَيَّ
على الفلاحَ، الله أكبر، الله أكبَر، لا إله إلا الله
" (3) .
__________
(1) المصدر السابق (16/3555) .
(2) في سنن أبي داود بعد " أشهد أن محمدا رسول الله ":
" مرتين مرتين، قال:
ثم ارجع.. " 0
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: صفة الأذان 6- (379) ،
الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في الترجيع في الأذان (192) ،
وقال: حديث حسن
صحيح، النسائي: كتاب الأذان، باب: كيف الأذان (2/5) .
28* شرح سنن أبي داوود 2
(2/433)
ش- محمد بن بشار: أبو بكر، بُندار. وابنُ
عبد الملك: هو
عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة القرشي. روى
عن: عطاء
الخراساني وغيره. روى عنه: أبو توبة الربيع بن نافع
وغيره. روى له:
أبو داود (1) .
قوله: " التأذين " نصب على أنه مفعول " ألقى ".
قوله: " هو بنفسه " أي: رسول الله بنفسه؛ ذكره للتأكيد
" فقال " أي:
رسول الله إلى آخره، والجواب عنه ما ذكرناه.
486- ص- نا النُّفيلي: نا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد
الملك بن
أبي محذورة قال: سمعت جَدّي: عبد الملك بن أبي محذورة،
يذكرُ أنه
سَمِعَ أبا محذورة يقولُ: ألقى عَليَّ رسولُ الله
الأذانَ حَرفًا حَرفًا: " الله
أكبر، الله أكبر (2) ، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدَ
أن لا إله إلا الله، أشهد أن
محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدا رسولُ الله، أشهد أن
لا إله إلا الله،
أشهد أن لا إله إَلا الله، أشهد أن محمدا رسَولُ الله،
أشهد أن محمدًا
رسولُ الله، حَيّ على الصلاة (3) حَيَّ على الفلاح (3)
". قال: وكان يقولُ
في الفجرِ: " الصلاةُ خَير منَ النوم " (4) .
ش- النفيلي: عبد الله بن محمد.
وإبراهيم المذكور: أبو إسماعيل المكي القرشي. روى عن:
أبيه وجَدّه.
روى عنه: بشر بن معاذ، وعبد الله بن عبد الوهاب
وغيرهما. روى له:
الترمذي، والنسائي، وأبو داود (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3460) .
(2) كذا، وفي سنن أبي داود أربع، وهي نسخة كما سيذكر
المصنف.
(3) كذا، وفي سنن أبي داود مرتان.
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: صفة الأذان (6-379) ،
النسائي: كتاب
الأذان، باب: خفض الصوت في الترجيع في الأذان، ابن
ماجه: كتاب
الأذان والسُنَة فيه، باب: الترجيع في الأذان (708) .
(5) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (2/147) .
(2/434)
قوله: " حرفا حرفًا " أي: كلمةً كلمة؛ من
قبيل ذكر الجزء وإرادة
الكل؛ وانتصابه على الحال.
فإن قيل: شرطها أن يكون مشتقا، قلت: غير المشتق يقع
حالا في
مواضع؛ منها: إذا دلّ على الترتيب نحو: ادخلوا رجلا
رجلاً، وتعلّم
الحسابَ بَابًا بابًا؛ وقوله: " حرفا حرفًا " من هذا
القبيل، فافهم.
قوله: " الله أكبر " تقديره: هو الله أكبر إلى آخره،
وهو في نسخة
الحكم: أربع، وفي رواية ابن الأعرابي، وأبي عيسى:
مثنى، وفيه
حجة لمالك حيث يقول: التكبير في أول الأذان: مرتان،
وحجة
للشافعي في الترجيع.
قلت: " (1) روى الطبراني في " معجمه الوسط (2) " ما
يُعارض هذا
قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن: ثنا أبو جعفر
النُفيلي: ثنا إبراهيم بن
إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي:
عبد الملك
ابن أبي محذورة يقول: إنه سمع أباه: أبا محذورة يقول:
[أ] لقى
عليّ رسولُ الله الأذان حرفًا: " الله أكبر الله أكبر
" إلى آخره؛ لم يذكر
فيه ترجيعا. وهذا كما رأيته (3) قد ذكره بالإسناد
المذكور. وأسند البيهقي
عن إسحاق بن راهويه/: أنا إبراهيم بن عبد العزيز بن
عبد الملك بن
أبي محذورة قال: أدركت أبي وجذي يؤذنون هذا الأذان،
ويقيمون هده
الإقامة؛ فذكر الأذان مُفسرا بتربيع التكبير في أوله،
وتثنية الشهادتين، ثم
يرجع بهما مثنى مثنى- أيضا- وتثنية الحيعلتين
والتكبير، ويختم بلا إله
إلا الله [والإقامة فرادى، وتثنية التكبير] (4) أولها
وآخرها. فظهرَ من
هذه الروايات: أن أبا محذورة وأولاده لم يدوموا على
الرواية المذكورة
التي فيها التكبير مثنى في أوله، والترجيع في
الشهادتين، والإفراد في
الحيعلتين.
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/262 و 268) .
(2) (2/1106)
(3) غير واضحة في الأصل، وهي أقرب إلى ما أثبتناه.
(4) زيادة من نصب الراية.
.
(2/435)
487- ص- نا محمد بن داود الإِسكندراني: نا
زياد- يعني: ابن
يونس-، عن نافع بن عمر، عن عبد الملك بن أبي محذورة
أخبره عن
عبد الله بن مُحيريز الجُمحي، عن أبي محذورة، أن رسولَ
الله- عليه
السلام- عَلَّمه الأذانَ: يقولُ: " الله أكبر، الله
أكبر، أشهد أن لا إلهَ إلا الله،
أشهد أن لا إله إلا الله " ثم ذكر مثل حديث (1) ابن
جريج، عن عبد العزيز
ابن عبد الملك ومعناه (2) .
ش- محمد بن داود: ابن أبي ناجية الإسكندراني، وزياد:
ابن يونس
الحضرمي.
ونافع بن عمر: ابن عبد الله القرشي الجُمحي المكي.
سمع: ابن
أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وبشر بن عاصم وغيرهم. روى
عنه:
يحيى القطان، وابن المبارك، والقعنبي وغيرهم. قال أحمد
بن حنبل:
ثبت ثبت صحيح الحديث 0 وقال ابن معين: ثقة. مات بمكة
سنة تسع
وستين. روى له الجماعة (3) .
قوله: " ثم ذكر مثل حديث ابن جريج " وهو الذي رواه أبو
عاصم عن
ابن جريج الذي في أوله التكبير المربّع.
ص- وفي حديث مالك بن دينار قال: سألت ابن أبي محذورة
قلتُ:
حدِّثنِي عن أذانِ أبيكَ عن رسولِ اللهِ، فذكر قال: "
الله كبر الله أكبر " قط.
ش- أي: قال أبو داود: وفي حديث مالك بن دينار، عن عبد
الملك
ابن أبي محذورة؛ والمقصود: أنه ذكر التكبير في أوله
مَرتين. ومالك بن
دينار: أبو يحيى البصري الزاهد.
ص- وكذلك حديث جَعفر بن سليمان، عن ابن أبي محذورة، عن
عمِّه عن جلِّه؛ إلا أنه قال: " ثم ترجع فترفعَ صوتكَ:
الله أكبر الله أكبر ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " مثل أذان حديث ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 /6367) .
(2/436)
ش- أي: كحديث مالك بن دينار: حديث جعفر بن
سليمان
الضبعي، عن عبد الملك بن أبي محذورة، عن عمه ... (1) .
وهذا- كما رأيت- قد اختلفت الروايات عن أبي محذورة
وقال ابن
عبد البر: علمه رسول الله الأذان بمكة عام حنين،
فرُوِيَ عنه فيه تربيع
التكبير في أوله، ورُوِيَ عنه فيه تثنيته؛ والتربيع
فيه من رواية الثقات
الحُفّاظ؛ وهي زيادة يجب قبولها، َ والعمل عندهم بمكة
في آل محذورة
بذلك إلى زماننا، وهو في حديث عبد الله بن زيد في قصة
المنام، وبه
قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد.
488- ص- نا عمرو بن مرزوق: أنا شعبة، عن عمرو بن مرة
قال.
سمعت ابن أبي ليلى ح ونا ابن المثنى: نا محمد بن جعفر،
عن شعبة، عن
عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاةُ
ثلاثةَ أحوال فال: ونا
أصحابنا أن رسولَ الله قال: " لقد أعجبَنَي أن تكونَ
صلاةُ المسلمًين أو (2)
المؤمنين واحدة حتى لقد هَممتُ أن أبث رِجالاً في
الدُورِ ينادُونَ الناسَ
بحينِ الصلاة، حتى (3) همَمتُ أن آمُرَ رِجالاً
يَقُومونَ على الآطَام ينادُونَ
المسلمين بحيَنِ الصلاة، حتى نَقَسُوا أو كادوا أن
يَنقُسُوا " قال: فجاءَ رجلٌ
من الأنصارِ فقال: ياَ رسولَ اللهِ! إني لمّا رَجَعتُ
لما رأيتُ من اهتمامِكَ،
رأيتُ رجلاً كأن عليه ثوبَينِ أخضرينِ، فقامَ على
المسجد فأدن، ثم قَعَدَ
قَعدَةً، ثم قام فقال مثلَها؛ إلا أنه يقول: قد قَامت
الصلاةُ، ولولا أن يقولَ
الناسُ- قال ابن المثنى: أن تقولوا- لقلتُ: إني كنَتُ
يقظانًا غيرَ نائمٍ، فقال
رسولُ الله- وقال ابنُ المُثنى: " لقد أراكَ اللهُ
خيرًا " ولم يَقُل عَمرو:
" لقَد (4) " - " فمُر بلالاً فَليُؤذن ". قال: فقال
عُمر: أما إني قد رَأيتُ مثلَ
الذي رأى؛ ولكني لما سُبِقتُ استَحيَيتُ (5) .
__________
(1) بياض في الأصل قدر ثلث سطر.
(2) في سنن أبي داود: " أو قال ".
(3) في سنن أبي داود: " وحتى ".
(4) في سنن أبي داود: " لقد أراك الله خيراً!.
(5) تفرد به أبو داود.
(2/437)
ش-/عَمرو بن مرزوق: البصري، أبو عثمان
الباهلي. روى عن:
شعبة، وعكرمة بن عمّار، والحمادين وغيرهم. روى عنه:
أبو داود
الطيالسي، وأبو حاتم، والبخاري تعليقًا، وأبو داود،
وغيرهم. قال
أبو حاتم: كان ثقة من العُباد. مات بالبصرة في صفر سنة
أربع وعشرين
ومائتين (1) .
وعمرو بن مُرة: ابن عبد الله المرادي الكوفي. وابن أبي
ليلى:
عبد الرحمن، واسم أبي ليلى: يَسار؛ وقد ذكرناه. وابن
المثنى: محمد،
أحد شيوخ أبي داود. ومحمد بن جعفر: الهُذلي المعروف
بغندر.
قوله: " أحيلت الصلاةُ ثلاثة أحوال " أي: غُيرت ثلاث
تغييرات أو
حُوِلّت ثلاثَ تحويلات، وهذه ما فسرت تفسيرًا جيّدا
إلا في حديث مًثله
أخرجه أحمد بن حنبلً في " مسنده (2) " وهذا لفظهُ: ثنا
أبو النضر قال:
ثنا المَسعوديّ قال: حدثني عمرو بن مُرة، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى،
عن معاذ بن جَبل قال: أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال؛ فأما
أحوال
الصلاة: فإن النبي- عليه السلاَم- قدِم المدينةَ وهو
يُصلِّيِ سَبعة عشر شهرا
إلى بَيت المَقدس، ثم إن الله عز وجلّ أنزل عليه (قَد
نرَى تَقَلُبَ وَجهِكَ
فِي السَمَاء فَلَنُولَيّنًّكَ قبلَةً تَرضَاها) الآية
(3) ، فوجهَه الله إلى مكة؛ فهذا
حَولٌ. قاَل: وكانواَ يجتمعون للصلاة (4) ويؤذن بها
بَعضُهم بعضًا حتى
نقسوا أو كادوا ينقسوا، ثم إن رجلا من الأنصار يُقال
له: عبد الله بن
زَيد أتى رسولَ الله فقال: يا رسول الله! إني رأيتُ
فيما يرى النائم ولو
قلتُ: إني لم أكن نائمًا لصدقتُ إني أنا بين النائم
واليقظان إذ رأيتُ
شخصًا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلةَ فقال: الله
أكبرُ الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله مثنى، حتى فرغ من الأذان ثم
أمهل ساعةً، ثم
قال مثل الذي قال، غير أنه يزيد في ذلك: قد قامت
الصلاة قد قامت
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4446) .
(2) (5/246) .
(3) سورة البقرة: (144) .
(4) في الأصل: الصلاة ".
(2/438)
الصلاة. فقال رسولُ الله: " عَلمها بلالاً
فليؤذن بها " فكان بلالٌ أول من
أذن بها. قالَ: وجاءهَ عُمر بن الخطاب فقال: يا رسولَ
الله! إنه قد
طاف بي مثل الذي طاف به، غير أنه سبَقني؛ فهذان
حَولان. قال:
وكانوا يأتون الصلاة وقد سَبَقَهم النبيّ- عليه
السلام- ببَعضِها فكان
الرجل يُشيرُ إلى الرجل إذا جاء: كَم صَلّى؟ فيقول:
واحدة أو اثنتَين،
فيصليها ثم يدخل مع القَوم في صلاتِهم. قال: فجاء
معاذٌ فقال: لا
أجده على حال أبدا إلا كنتُ عليها، ثم قَضيتُ ما
سَبقنِي. قال: فجاء
وقد سبقه النبي- عليه السلام- ببَعضِها. قال: فثبتَ
معه، فلما قضى
رسول الله صلاته قام فقضى، فقال رسول الله: " إنه قد
سنن لكم مُعاذٌ
فهكذا فاصنعُوا " فهذه ثلاثة أحوالٍ الحديثَ.
قوله: " قال: وحدثنا أصحابنا " أي: قال عبد الرحمن بن
أبي ليلى:
حدثنا أصحابنا.
قلتُ: إن أراد به الصّحابةَ فهو قد سمع من جماعة من
الصحابة؛
فيكون الحديث مُسندا؛ وإلا فهو مُرسلٌ، وذكر الترمذي
ومحمد بن
إسحاق بن خزيمة أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من
معاذ بن
جبل. وقال الشيخ زكي الدين في " مختصر السنن ": وما
قالاه ظاهر
جدا؛ فإن ابن أبي ليلى قال: وُلدتُ لست بقين من خلافة
عمر؛ فيكون
مولده سنة سبع عشرة من الهجرة، ومعاذ توفي سنة سبع
عشرة أو ثمان
عشرة، وقد قيل: إن مولده لست مضين من خلافة عمر؛ فيكون
مولده
على هذا بعد موت معاذ. ولم يَسمع ابن أبي ليلى- أيضاً-
من عبد الله
ابن زيد الأنصاري.
قوله: " أو المؤمنين " شكّ من الراوي.
قوله: " لقد هممتُ أن أبُث رجالا " أي: لقد أرَدتُ؛ من
هممتُ
بالشيء اهُتم هَما إذا أرَدتُه؛ ومعنى أبُث: أُفرّق؛
من البَث وهو النَشر
و" أن " مَصدرية؛ والتقدير: لقد هممتُ بَث رجالٍ " في
الدور ". أي:
القبائل.
(2/439)
قوله: " بحين الصلاة " أي: بوَقتها.
قوله: " على الآطام " الآطام- بالمدّ- جمعُ أُطُم- بضم
الهمزة
والطاء-؛ وهو بناء مرتفع/وآطام المدينة: أبنيتها
المرتفعة، وفي
" الصحاح ": الأطُم مثل الأُجُم- يخفف ويُثقلُ-
والجمعُ: آطام؛ وهي
حصون لأهل المدية، والواحد: أطَمة مثل أكَمة. انتهى.
ويقال:
الآطام: جمعُ إِطام- بكسر الهمزة- وهو ما ارتفع من
البناء.
قوله: " حتى نقَسُوا " - بفتح القاف- من النَقس، وهو
الضربُ
بالناقُوس؛ وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، وقد
ذكرناه.
قوله: " أو كادوا أن ينقُسوا " - بضم القاف-؛ لأنه من
نقس يَنقُس،
من باب نصر ينصُر؛ وهو شك من الراوي، والمعنى: أو
قربُوا من نَقس
النَاقُوس؛ لأن " كاد " من أفعال المقاربة.
قوله: " فجاء رجل من الأنصار " وهو مفسر في حديث أحمد
الذي
ذكرناه بعبد الله بن زيد الأنصاري.
قوله: " لمّا رجعتُ لما رأيتُ " قد علمت أن " لما "
على ثلاثة أوجه؛
أحدها: أن يحزم المضارع ويقلبه ماضيًا، والثاني: أن
يكون حرف
استثناء، فيدخل على الجملة الاسمية نحو (إِن كُل نَفسٍ
لَمَا عَلَيهَا
حَافِظ) (1) فيمن شدد الميم، والثالث ت ظرف بمعنى "
حين " فتختص
بالماضي، فتقتضى جملتين وُجدت ثانيتهما عن وجود
أولاهما نحو: لما
جاءني أكرمته ويكون جوابها فعلا ماضيًا اتفاقا وجملة
اسميةً مقرونة بإذا
الفجائية أو بالفاء- عند ابن مالك- وفعلا مضارعا- عند
ابن عصفور-؛
" ولمّا " هذه هاهنا من القسم الثالث. وقوله: " رأيتُ
رجلاً " جوابُ
كل واحد من " لما رجحتُ "، " لما رأيتُ ".
قوله: " كان عليه ثَوبين أخضرين " قد وقع كذا في رواية
أبي داود " ثوبين
أخضرين " وفي رواية أحمد- كما ذكرنا- " كان عليه ثوبان
أخضران "
__________
(1) سورة الطارق: (4) .
(2/440)
وهو القياس؛ لأن ثوبين فاعل كان وهو اسمُه
فيكون مرفوعًا، وخبره:
قوله: " عليه ". ووجه رواية أبي داود- إن صحت- أن تكون
" كان "
زائدة، وهي التي لا تُخِل بالمعنى الأصلي، ولا يعملُ
في شيء أصلا،
ويكون نَصب " ثوبَين " بالفعل المقدر؛ والتقدير: رأيت
رجلا ورأيت عليه
ثوبَين أخضرين، فقوله: " رأيتُ " يكون دالا على " رأيت
" الثاني المقدّر،
وجَعلُنا " كان " هاهنا زائدةً لا يُخِلُّ بالمعنى
الأصلي- كما قد رأيتَ.
فإن قيل: فإذا لم تعمل " كان " الزائدة فما فائدةُ
دخولها في الكلام؟
قلت: فائدته تأكيد جملة صُدرت بها، ويدلّ على الزمان-
أيضا- ألا
ترى أن " كان " في قولهم: ما كان أحسن زيدا، زائدةٌ لم
تعمل بشيء؛
ولكنها دَلّت على الزمان، والمعنى: ما أحسن زيدا
أَمسِ، فافهم.
قوله: " ثم قَعَدَ قَعدةً " - بفتح القاف- والفَعلة-
بالفتح- يدل على
المرة، وبالكسر يدل على الهيئة؛ والمراد هاهنا: المرة
لا الهيئة. وفيه
دلالة على استحباب الفصل بَين الأذان والإقامة بقعدة
ونحوها.
قوله: " مثلها " أي: مثل كلمات الأذان.
قوله: " ولولا أن يقول الناس " أي: قال ذلك الرجل من
الأنصار- وهو
عبد الله بن زيد-: لولا أن يقول الناسُ.
قوله: " قال ابن المثنى " من كلام أبي داود، أي: قال
محمد بن المثنى،
وهو أحد شيوخه في روايته: " أن تقولوا " موضع " أن
يقول الناس " 0
قوله: " لقلتُ " جواب قوله: لولا، وقوله " قال ابن
المثنى: أن
تقولوا " مُعترض بين " لولا " وجوابه.
قوله: " يَقظانًا " - بفتح القاف وسكونها- وقوله لا
غير نائم " تأكيد له
من جهة المعنى.
قوله: " لقد أراك اللهُ خيرًا " مقول لقوله: " فقال
رسول الله ".
وقوله: " وقال ابن المثنى " معترض بين القول ومَقُوله.
قوله: " ولم يَقُل عَمرو: لقَد " من كلام أبي داود،
أي: لم يقل عمرو
ابن مرزوق أحد شيوخ أبي داود في روايته " لقَد " بل
روايته " أراك الله
خيرا " بدون " لقَد ".
(2/441)
قوله: " فمُر بلالا " من كلام النبي- عليه
السلام-، يُخاطبُ عبد الله
ابن زيد الأنصاري.
قوله: " أما إِني " بفتح الهمزة في " أما " وكسرها في
" إني " فافهم.
قوله: " سُبقتُ " على صيغة المجهول أي: لما سبقني عبد
الله بن زيد
بمقالته " استحييتُ " أن أذكر منامي الذي رأيته كما
رأى.
ص- قال: وحدثنا أصحابنا قال: كان (1) الرجلُ إذا جاء
يَسألُ فيُخبرُ بما
سُبق من (2) صلاته، وأنهم قاموا مع رسول الله- عليه
السلام- من بينِ
قائمِ وراكعِ، وقاعد ومصلي (3) مع رسولِ اللهَ/قال ابن
المثنى: قال عمرو:
وحدثني بها حُصَينَ، عن ابن أبي ليلى حتى جاء مُعاذ.
قال شعبةُ: وقد
سمعتُها من حُصَينٍ فقال: لا أراهُ على حال إلى قوله "
كذلك فافعلوا " ثم
رجعتُ إلى حديث عَمرو بن مَرزُوق قال: فجاء معاذ
فأشاروا إليه. قال
شعبةُ: وهذه سمعتُها من حُصَين قال: َ فقال مُعاذ: لا
أراهُ على حال إلا كنتُ
عليها. قال: " فقَال إن معاذا قد سَنَ لكم سُنةً كذلك
فافعلُوا ".ً
ش- هذا هو الحال الثاني من الأحوال الثلاث التي قالها
ابن أبي ليلى:
" أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال؛ فالحال الأول: قد بيّنه
الشيخ بقوله: قال:
ونا أصحابنا أن رسول الله قال: " لقد أعجبني " إلى
آخره، وقد ببنها
الإمام أحمد مُفسرةً واضحةً مجموعة- كما ذكرناه. وأبو
داود بيّنها مفرقةً
مختلطة بعضها في بَعض، وأدخل في أثناء الحديث بَعض
رُواته- كما
ترى.
قوله: " قال: وحدثنا أصحابنا " أي: قال عبد الرحمن بن
أبي ليلى،
وقد ذكرنا أنه إن أراد به الصحابة فالحديث مُسند وإلا
فمُرسلٌ.
قوله: " كان الرجل إذا جاء يَسأل " يعني: كان الرجل من
الرجال إذا
جاء إلى الصلاة مع النبي- عليه السلام- يسأل ممن كان
هناك: كم صلّى
رسولُ الله من الركعات؟
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكان "
(2) مكررة في الأصل.
(3) في سنن أبي داود: " ومصل ".
(2/442)
قوله: " فيُخبرُ بما سُبق من صلاته " على
صيغة المجهول، أي: يُخبره
المُخبرُ بالَّذي سُبِق من أَعداد ركعات صلاته ركعةً
أو ركعتين أو ثلاثا،
فكان الرجل يُصليها وحده ثم يقوم ويدخل مع القوم في
صلاتهم.
قوله: " وإنهم قاموا " بكسر الهمز.
وقوله: " من بين قائم " إلى آخره؛ إشارة إلى أن منهم
من كان يدرك
صلاة النبي- عليه السلامَ وهو في القيام، ومنهم من كان
يدركه وهو
في الركوع، ومنهم من كان يدركه وهو في القعدة، ومنهم
من كان يدركه
من الأول، وهو معنى قوله " ومُصلي مع رسول الله "
وقوله " مع رسول
الله " متصل بالجميع، أعني بقوله " من بين قائم " إلى
آخره.
قوله: " قال ابن المثنى: قال عمرو " أي: قال محمد بن
المثنى: قال
عمرو بن مُرة.
قوله: " وحدثني بها حُصَين عن ابن أبي ليلى " أي: قال
عمرو بن مرة:
وحدثني بها- أي: بالقصّة المذكورة- وإنما قال: وحدثني
بواو العَطف؛
لأنه قال في الرواية الأولى: عن ابن أبي ليلى، وفي هذه
الرواية:
حدثني بها حُصَين، عن ابن أبي ليلى فكأنه قال: حدثني
بها ابن
أبي ليلى، وحدثني بها حصين، عن ابن أبي ليلى؛ وهو
حُصين بن
عبد الرحمن أبو الهذيل السُلمي الكوفي، وقد ذكرناه.
قوله: " حتى جاء معاذ " من تتمة قوله " ومُصلي مع رسول
الله ".
وقوله " قال ابن المثنى " إلى آخره معترض بينهما،
وكذلك قوله " قال
شعبة " إلى قوله " فقال: لا أراه " معترض بين قوله "
حتى جاء معاذ "
وبين قوله " لا أراه ".
قوله: " قد سمعتها " أي: قد سمعت هذه القصة من حُصَين
المذكور.
قوله: " فقال: لا أراهُ " أي: قال معاذ: لا أرى النبي-
عليه السلام-
على حالٍ من الأحوال إلا كنتُ عليها.
قوله: " ثم رجعتُ " من كلام أبي داود، أي: ثم رجعت إلى
رواية
عمرو بن مرزوق أحد شيوخه.
(2/443)
قوله: " فجاء معاذ " أي: جاء مُعاذ
والنبيُّ- عليه السلام- يُصلَي مع
القوم فأشاروا إليه، أي إلى مُعاذ بما سُبِق.
قوله: " قال شعبة " إلى قوله " فقال معاذ " معترض بين
قوله " فأشاروا
إليه " وبَين قوله " فقال معاذ ".
قوله: " قال: فقال معاذ " أي: قال شعبة: قال معاذ، حين
أشاروا
إليه: " لا أراه على حالٍ إلا كنتُ عليها " بمعنى: أني
لم أُخالفه في حال
من الأحوال، مثل ما كانوا يفعلونه مِن أنهم إذا جاءوا
إليه- عليه السلام-
وهو يُصلي مع القوم يَسألونهم: كم صلّى من الصلاة؟
فيصلون ما
سُبقوا، ثم يدخلون في صلاة القوم- كما ذكرناه- ومعاذ
لم يَفعل ذلك؛
بلَ كما جاء شرع في صلاة النبي- عليه السلام-، ثم لما
فرغ النبي
- عليه السلام- قام معاذ وقضى ما عليه، فقال النبي-
عليه السلام-:
" إن معاذًا قد سَنّ لكم سُنَة، كذلك فافعلوا " أي:
كما فعل معاذٌ
فافعلوا- كما قد فسّر هكذا في حديث أحمد/رضي الله عنه.
ويُستفاد من الحديث: أن المسبوق يجب أن يُشارك الإمامَ
من حين
وصوله، ثم إذا فرغ الإمامُ يقوم ويَقضي ما فاتَه، وفيه
دليل لمن يُجوّز
الاجتهاد بحَضرة النبي- عليه السلام-، وفيه دليل على
إطلاق السُنَة
لغير النبي- عليه السلام-؛ كما يقال: سُنَّة العمرين،
وهذا سُنَّة معاذ
- رضي الله عنه-.
ص- قال: وحدثنا أصحابُنَا أن رسولَ الله-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِما قَدمَ المدينةَ
أمرَهُم بصيام
ثلاثة أيام، ثم انزِلَ رَمضانُ، وكانوا قوما لمَ
يتعوّدُوا اَلصيامَ، وكان الصيام
عليهَم شديدًا، فكان مَن لم يَصُم أطعَم مسكينًا،
فنزلت هذه الآية (فَمَن
شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ) (1) فكانتِ
الرُّخصةُ للمريضِ والمُسافرِ، فأمِروُا
بالصِيام.
ش- أي: قال ابن أبي ليلى؛ وفي " مسند أحمد (2) ": "
وأما
__________
(1) سورة البقرة: (185) .
(2) (5/246- 247) *
(2/444)
أَحوال الصيام: فإن رسول الله- عليه
السلام- قدم المدينة فجعل يصومُ
من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله عز
وجل فرض عليه
الصيام، فأنزل الله تعالى (يَا أيُّهَا الَذينَ
آمَنُوا كُتبَ عَلَيكُمُ الصَيامُ كَما
كُتبَ عَلَى الَذينَ من قَبلِكُم) إلى قولهَ (وَعَلى
الَّذَينَ يُطيقُونهُ فديَةٌ طَعَامُ
مِسكِينٍ) (1) وكَان مَن شَاء صام ومن شاء أطعمَ
مسكينَا، فأَجزأ ذلك
عنه، ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى (شَهرُ
رَمَضانَ (2) الَّذي
أنزِلَ فيه القُرانُ) إلى قوله (فَمَن شَهِدَ منكُمُ
الشَّهرَ فَليَصُمهُ) فأثبت الله
عز وجَلَ صيامَه على المقيم الصحيح، وَرخصَ فيه للمريض
والمسافر،
وثبت الإطعامُ للكبير الذي لا يَستطيع الصيام. فهذان
حَولان. قال:
وكانوا يأكلون ويَشربون ويأتون النساء ما لم يناموا،
فإذا ناموا امتنعوا، ثم
إن رجلا من الأنصار يُقال له: صرمة كان يعملُ صائمًا
حتى أمسى، فجاء
إلى أهله، فصلى العشاء ثم نام، فلم يأكل ولم يشرب حتى
أصبح
صائمًا، فراَه رسولُ الله وقد جهَد جَهدًا شديدًا،
فقال: " مالي أراك قد
جهدت جهدا شديدًا؟ " قال: يا رسول الله! إني عمِلتُ
أمسِ فجئتُ
حين جئت فألقيتُ نفسي فنمتُ، فأصبحتُ حين أصبحتُ صائما
قال:
وكان عُمر- رضي الله عنه- قد أصاب من النساء بعدما نام
فأتى النبي
- عليه السلام- فذكر ذلك له فأنزل الله عز وجل (أحلَّ
لَكُم لَيلَةَ الصَيام
الرفَثُ) إلى قوله (إِلَى اللَّيلِ) . وهذا من تتمة
الَحديث الذي ذكرناه
عن قريب.
ص- قال: وحدثنا بعضُ أصحابنَا قال: وكان الرجل إذا
أفطر فنام قبل
أن يأكل لم يأكل حتى يُصبح قال: فَجاء عُمر فأرَادَ
امرأتَه فقالت: إني قد
نمتُ، فظَنَّ أنها تعتل فأتاها، فجاء رجل من الأنصار
فأراد طعامًا فقالوا:
حتى نُسخن لك شيئا فنامَ فلما أصبحوا نزلت (3) هذه
الآية فيها (احِلَّ لَكُم
لَيلةَ الصمام الرَفَثُ إِلَى نِسَائِكُم) (4) .
__________
(1) سورة البقرة: (183، 184) .
(2) مكررة في الأصل.
(3) في سنن أبي داود: " أنزلت ".
(4) سورة البقرة: (187) .
(2/445)
ش- أي: قال ابن أبي ليلى.
قوله: " فأراد امرأته " كناية عن طلب الجماع.
قوله: " فأتاها " أي: جامعها.
قوله: " فجاء رجل من الأنصار " وهو صِرمة المذكور في
حديث أحمد.
489- ص- نا محمد بن المثنى، عن أبي داود ح ونا نصر بن
المهاجر:
نا يزيد بن هارون، عن المَسعوديّ، عن عَمرو بن مرة، عن
ابن أبي ليلى،
عن معاذ بن جبل قال: أحيلَت الصلاةُ ثلاثةَ أحوال،
وأُحيلَ الصيامُ ثلاثةَ
أحوالٍ. وساقَ نصرٌ الحدَيث بطوله، واقتصر (1) ابنَ
المثنى منه قصة
صلاتهم نحو بَيت المقدس قط (2) .ً
ش- أبو داود هذا: سليمان بن داود الطيالسي. ونصر بن
المهاجر:
أحد شيوخ أبي داود؛ وقد ذكرناه. ويزيد بن هارون: أبو
خالد الواسطي.
والمَسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد
الله بن مسعود
المَسعودي الكوفي. سمع: أبا إسحاق الشيباني، وجامع بن
شداد،
وعبد الرحمن بن الأسود، وعطاء بن السائب، وعمرو بن
مرّة وغيرهم.
روى عنه: وكيع، ويزيد بن هارون، وأبو داود الطيالسي،
وجماعة
آخرون. قال ابن معين: ثقة إذا حدّث عن عاصم وسلمة بن
كهيل،
وقال- أيضا- ثقة ثقة. مات سنة ستين ومائة. روى له: أبو
داود،
والترمذي، والنسائي/وابن ماجه (3) .
قوله: " وساق نصر " أي: نصر بن المهاجر المذكور.
قوله: " واقتصر ابن المثنى منه " أي: اقتصر محمد بن
المثنى من الحديث
و" قصةَ " منصوب على أنه مفعول " اقتصر " لأن افتعل
يجيء بمعنى فعل؛
كمدح وامتدح.
__________
(1) في سن أبي داود: " اقتص ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3872) .
(2/446)
ص- قال: الحال الثالث: أن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمَ المدينةَ فصلَّى-
يعنِيِ:
نحو بَيت المقدس- ثلاثةَ عَشَرَ شَهرًا، فانزلَ اللهُ
تَعالى هذه الآية (قَد نرى
تَقَلُّبَ وَجهِكَ فيَ السَّمَاء فَلنُوَلينَّكَ
قبلَةً تَرضَاهَا فَولِّ وَجهَكَ شَطر المَسجد
الحَرامِ وحَيثُ مًا كُنتُم فَولوا وُجُوهَكم شَطرَهُ)
(1) فوجّهه الله عز وجلّ إلَىَ
الكعبة. وتَمّ حديثُه.
ش- أي: قال ابن أبي ليلى: الحال الثالث من الأحوال
الثلاث التي
ذكرها في قوله: " أُحيلَت الصلاة ثلاثة أحول " الحال
الأوّل: قضية
عبد الله بن زيد في روياَ الأذان، والحال الثاني:
قضيّة معاذ- رضي الله
عنه- في الصلاة، والثالث: هذا؛ وهو قضيّة تحويل
القبلة؛ وذلك أنه
- عليه السلام- لما قدم المدينة أُمر أن يصلي إلى صخرة
بَيت المقدس تألفًا
لليهود ستة عشر شهرا، وقيل: سبعة عشر، ثم حُول إلى
الكعبة؛ لأنه
كان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت. وعن ابن عباس:
كانت قبلته بمكة
بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بَينه وبَينه،
وكان تحويل القبلة قبل
غزوة بدر. قال بعضهم: كان ذلك في رجب سنة ثنتين. وبه
قال: قتادة،
وزيد بن أسلم، وهو رواية عن محمد بن إسحاق. وقيل: في
شعبان
منها. وقال ابن إسحاق بعد غزوة عبد الله بن جحش،
ويقال: في
شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله،
وحكاه ابنُ
جرير عن ابن عباسٍ، وابن مسعود، وناسٍ من الصحابة، وهو
قول
الجمهور. وحُكِيَ عن الواقديّ أنها حُوّلت يوم
الثلاثاء النصف من
شعبان. وقال بعضهم: نزل التحويل وقت الظهر. وقال
بعضهم: كان
بين الصلاتين.
قوله (قَد نَرَى) معناه: ربّما نرى، ومَعناه: كثرة
الروية،
والحاصل: أن " قد " للتقليل؛ ولكنه استعير هاهنا
للتكثير لمجانسة بين
الضدين، كما أن التقليل قد يُستعار للتكثير.
__________
(1) سورة البقرة: (144) .
(2/447)
قوله: (تَقَلُّبَ وَجهكَ) أي: تردد وجهك
وتصرف نظرك في جهة
السماء؛ وكان- عليهَ السلام- يَتوقعُ من الله أن
يُحوله إلى الكعبة؛
لأنها قبلة أبيه إبراهيم- عليه السلام-، وأدعى للعرب
إلى الإيمان؛ لأنها
مفخرتهم ومزارهم ومطافهم، ولمخالفة اليهود، فكان
يُراعي نزول جبريل
- عليه السلام- والوَحي بالتحويل.
قوله: (فَلَنُوَليّنًكَ) أي: فلنُعطينك ولنمكّننك من
استقبالها، من
قولك: وَليته كذا إذا جعَلته واليًا له.
قوله: (تَرضَاهَا) أي: تحبّها وتميلُ إليها لأغراضك
الصحيحة التي
أضمَرتها.
قوده: (شَطرَ المَسجد الحَرَامِ) أي: نحوَه؛ وقرأ أُبي
" تلقاءَ المسجد
الحرام " وهو نَصب علَىَ الظرف، أي: اجعل تولية الوجه
في جهة
المسجد وسَمته؛ لأن استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم
على البَعيد، وذكر
المسجد الحرام دون الكعبة دليل على أن الواجب مراعاة
الجهة دون العين؛
ولهذا قال جماعة من أصحابنا: يجب على من كان في المسجد
الحرام أن
يستقبل عين الكعبة، ومن كان في مكة يستقبل المسجد
الحرام، ومن كان
خارج الحرم من أهل الدنيا يستقبل الحرم من أيّ جهة
كان.
قوله: " وتم حديثه " أي: حديث ابن المثنى.
ص- وسمّى نصرٌ صَاحبَ الرؤيَا قال: فجاء عبدُ الله بنُ
زيد رجل من
الأنصارِ وقال فيه: فاستقبلَ القبلَة قال: الله كبر،
الله أكبرَ، أشهدَ أن لا إله
إلا الله، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدَا
رسول الله، أشهد أن
محمدَا رسول الله، مرتين (1) . حَيَّ على الصلاة
مرتينِ، حَي على الفلاح
مرتين، الله كبر، الله كبر، لا إله إِلا الله. ثم
أمهلَ هُنيةَ، ثم قام فقال مثلها
إلا أنه (2) زادَ بعدما قال: حيَ على الفلاح: قد
قَامتِ الصلاةُ،
__________
(1) كلمة مرتين غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " إلا أنه قال: زاد ".
(2/448)
قد قَامت الصلاةُ. قال (1) رسول الله- عليه
السلام-: " لقنها بلالا " فأذن
بها بلالاً.
ش- أي: سمّى نصر بن المهاجر: صاحب الرؤيا وهو من كلام
أبي داود.
قوله: " قال: فجاء عبد الله " / أي: قال نصرٌ في بقية
حديثه: فجاء
عبدُ الله.
قوله: " رجُل من الأنصار " مَرفوع على أنه خبر مبتدأ
محذوف تقديره:
هو رجل من الأنصار، والجملة تكون صفة كاشفة، ويجوز أن
تكون
بدلاً من عبد الله، والتطابق بين البدل والمبدل منه
ليس بشرط، وتبدل
النكرة من المعرفة، والمعرفة من النكرة، والمعرفة من
المعرفة، والنكرة من
النكرة، والبدل أربعة أنواع، فيصير الجملة ستة عشر
بخلاف الصفة
والموصوف؛ فإن التطابق بَينهما شرط تعريفا وتنكيرا
وغير ذلك كما عرف
في موضعه، على أن الرجل هاهنا اتصف بقوله " من الأنصار
".
قوله: " وقال فيه " أي: في حديثه الذي حدّث من رؤياه.
قوله: " ثم أمهلَ هُنيةً " بمعنى أبطأ ساعةً لطيفةً،
وأَمهَلَ: أفعل؛ ولكنه
بمعنى فعل كأنبت الزرع بمعنى: نبت. " وهُنية ": تصغير
هَنَة، ويقال:
هُنَيهة- أيضا- وهو القليل من الزمان.
قوله: " مثلها " أي: مثل كلمات الأذان.
ص- وقال في الصوم: قال: فإنَّ رسولَ الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَصُومُ ثَلاثَة أيام
من كل شهرٍ، ويَصومُ يَومَ عَاشُوراءَ، فأنزلَ اَللهُ
عَر وجل (كُتبَ عَلَيكُم
الصَيَامُ كَمَا كُتبَ عَلَى الَذين مِن قَبلِكُم) إلى
قوله (طَعَامُ مسكين) (2)
فكان من شاءً أن يَصومَ صًامَ، ومَن شَاءَ أن يُفطِرَ
ويُطعم كل يوم مًسكينًا
أجزاهُ ذلك. فهذا (3) حَول. فأنزلَ الله عز وجل (شَهرُ
رَمَضانَ الَذِيَ انزِلَ
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال: فقال "
. (2) سوية القرة: (183، 184) .
(3) في سنن أبي داود: " وهذا ".
29. شرح سنن أبي داوود 2
(2/449)
فِيه القُرآنُ) إلى (أيامِ أُخَرَ) (1)
فثبت الصيامُ على مَن شهر الشهر،
وعَلى المُسافرِ أن يقضي، ولبت الطعامُ للشيخِ
الكَبيرِ والعجوز اللَّذين لا
يَستطيعانِ الصومَ، وجاء صِرمَةُ وقد عَمِلَ يَومَه.
وساَقَ الحديث (2) .
ش- أي: قال ابن أبي ليلى في روايته: قال مُعاذ- رضي
الله عنه-.
قوله: " كان يَصومُ ثلاثة أيام من كل شهر " وكانت هذه
فرضًا قبل
رمضان، وكذلك كان صوم عاشوراء؛ فلما أنزل الله تعالى
(يَا أيهَا
الَّذينَ آمَنُوا كُتبَ عَلَيكُمُ الصّيَامُ) الآية
نسخَ ذلك الصومَ؛ والصيام
والَصوم واحدَ وَهو الإمساك لغةً، وشرعا: إمساك عن
المُفطرات.
قوله: (كَمَا كُتبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلكُم) يعني:
الأنبياء والأمم من
لدن اَدم، وفيه توكَيد للحكم وَترغيبٌ عَلى الفعل.
قوله: (طَعَامُ مسكين) يعني: نصف صاع من بُر أو صاع من
غيره
عند فقهاء العراق، وَمُذ عند فقهاء الحجاز؛ رُخص لهم
في ذلك أول
الأمر لما أمروا بالصوم فاشتد عليهم لأنهم لم يتعودوه،
ثم نسخ بقوله
تعالى: (فَمَن شَهد َمنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ)
يعني: فمن حضر في أشَهر
ولم يكن مسافراً فَليصَمه (ومن كَانَ مَرِيضًا أو
عَلَى سَفَر فَعدة مِّن أيَّام
أُخرَ) أي: فعليه عدة من أيّام أخر؛ والمعنى: أن
المريضَ إذا أفطر
والمسافر إذا أفطر يجبُ عليهما أن يقضيا ذلك من أيام
أخر؛ وكانت فرضية
رمضان في السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر، وقد
قيل: إنه فرض
في شعبان منها.
قوله: " فهذا حول " أي: أمر الخيار بين الصوم الفرض
وبين الإفطار
والإطعام للمسكين حال واحد من الأحوال الثلاثة. والحال
الثاني:
فرضيّة الصوم على المقيم الصحيح من غير الخيار،
والرُّخصة للمسافر
والمريض. والحال الثالث: ما قَصَّه الله في قوله:
(أحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصَيَام
الرُّفَثُ) إلى قوله (اللَّيلِ) وقد مرّ هذا مُفسرا
واضحا في حديث
__________
(1) سورة البقرة: (185) .
(2) تفرد به أبو داود.
(2/450)
أحمد. وتخريجُ أبي داود مُفرقٌ يحتاج فيه
إلى إِمعان النظر والفِكر القوِي،
فافهم.
قوله: " وجاء صِرمةُ " صِرمة- بكسر الصاد المهملة
وسكون الراء- هو
صرمة بن قيس، كنيتُه: أبو قيس، له صُحبةٌ وهو لا ينصرف
للعلمية
وتاء التأنيث.
قوله: " وقد عمل يومه " جملة وقعت حالاً من " صرمة "
وتمام قصته قد
مرّ في حديث أحمد.
***
28- باب في الإقامةِ
أي: هذا باب في بيان حكم الإقامة وصفته، وفي بعض
النسخ: " باب
ما جاء في الإقامة " وهي مصدر من أقام يقيم/ إقامة،
وفي اصطلاح
الفقهاء: هي إعلام الحاضرين.
490- ص- نا سليمان بن حَرب، وعبد الرحمن بن المبارك
قالا: نا
حماد، عن سماك بن عطيّة ح ونا موسى بن إسماعيل: نا
وهيبٌ - جميعا-،
عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: أُمرَ بلالٌ أن
يَشفعَ الأذانَ ويُوترَ
الإقامةَ (1) .
ش- سُليمان بن حرب: الواشحي، أبو أيوب البصري، قاضي
مكة.
وعبد الرحمن بن المبارك: ابن عبد الله العَيشِي-
بالياء آخر الحروف
والشين المعجمة- أبو بكر أو أبو محمد البصري. روى عن:
وهيب بن
خالد، وأبي عوانة بن جرم (2) ، وعبد العزيز بن مسلم
وغيرهم. روى
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: بدء الأذان (603) ،
مسلم: كتاب الصلاة،
باب: الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة (2-378) و
(3-378) ، الترمذي:
كتاب الصلاة، باب: ما جاء في إفراد الإقامة (193) ،
النسائي: كتاب
الأذان، باب: تثنية الأذان (2/3) ، ابن ماجه: كتاب
الأذان، باب: إفراد
الإقامة (729) .
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال " أبو عوانة اليشكري، وحزم
القُطعي " فلعله
مركب منهما، والله أعلم.
(2/451)
عنه: البخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم- وقال:
صدوق-، وأبو داود
وغيرهم. وروى النسائي، عن رجل، عنه. مات سنة ثمان
وعشرين
ومائتين (1) . وحماد: ابن زيد.
وسماك بن عطية: البصري المِربَدي، روى عن: الحسن
البصري،
وأيوب السختياني. روى عنه: حمادَ بن زيد، والهيثم بن
الربيع. روى
له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (2) .
وموسى بن إسماعيل: المنقري. وَوُهَيب: ابن خالد بن
عجلان
البصري. وأيوب: السختياني. وأبو قلابة: عبد الله بن
زيد الجرمي
البصري.
قوله: " جميعًا " حال عن " سماك " وَ " وُهيب " بمعنى:
مجتمعَين.
قوله: " أُمر بلال " أي: أمرَه رسول الله بذلك. وقد
أخرجه النسائي
في " سننه " مَبينا من حديث أبي قلابة، عن أنسِ أن
رسول الله أمَر بلالا
أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة. وأخرجه البخاري،
ومسلم،
والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " أن يشفع الأذان " يعني: يأني به مثنى؛ وهذا
مجمع عليه
اليوم؛ وحكِي في إفراده خلاف عن بعض السلف.
قوله: " ويوتر الإقامة " يعني: يأتي بها وترا ولا
يثنيها بخلاف الأذان.
" (3) واختلف العلماء في لفظ الإقامة؛ فالمشهور من
مذهب الشافعي:
أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، وبه قال أحمد. وقال مالك
في المشهور:
هي عشر كلمات؛ فلم يثن لفظ الإقامة، وهو قول قديم
للشافعي. وقال
أصحابنا: الإقامة سبع عشرة كلمةَ، فيُثنيها كلها.
واحتج الشافعي
بالحديث المذكور. واحتج أصحابنا بما رواه الترمذي من
حديث عمرو بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3946) .
(2) المصدر السابق (12/2581) .
(3) انظر: نصب الراية (1/268: 270) .
(2/452)
مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد
الله بن زيد قال: كان
أذان رسول الله شفعا شفعا في الأذان والإقامة؛ وبما
رواه أبو داود وابن
ماجه من حديث ابن محيريز؛ وقد مرّ بيانه، وقال فيه
النسائي: ثم عدها
أبو محذورة تسع عشرة كلمةً وسبع عشر كلمةً، وقال
الترمذي: حديث
حسن صحيح. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ولفظه: "
فعلمه الأذان
والإقامة مثنى مثنى ". وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه
". واعترض
البيهقي (1) فقال: وهذا الحديث عندي غير محفوظ لوجوه؛
أحدها: أن
مسلما لم يخرجه؛ ولو كان محفوظا لم يتركه مسلم؛ لأن
هذا الحديث
قد رواه هشام الدستوائي، عن عامر الأحول دون ذكر
الإقامة كما أخرجه
مسلم في " صحيحه "، والثاني: أن أبا محذورة قد رُوِيَ
عنه خلافه،
والثالث: أن هذا الخبر لم يدم عليه أبو محذورة ولا
أولاده، ولو كان
هذا حكما ثابتَا لما فعلوا بخلافه. وأجاب الشيخ في "
الإمام " بأن عدم
تخريج مسلم إياه لا يدل على عدم صحته؛ لأنه لم يلتزم
إخراج كل
الصحيح، وعن الثاني: أن تعبين العدد بتسعة عشر وسبعة
عشر ينفىِ
الغلط في العدد؛ بخلاف غيره من الروايات؛ لأنه قد يقع
فيها اختلاف
وإسقاط- وأيضا- قد وُجدت متابعة لهمام في روايته عن
عامر كما
أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي عروبة، عن عامر بن عبد
الواحد،
عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة قال:
" علمني
رسول الله الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة
كلمة "، وعن
الثالث: أن هذا داخل في باب الترجيح لأن باب التضعيف؛
لأن عمدة
التصحيح: عدالة الراوي؛ وترك العمل بالحديث لوجود ما
هو أرجح منه
لا يلزم منه ضَعفُه، ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة
يحكم بصحتها إذا
كانت/رواتها عدولاً، ولا يُعمل بها لوجود الناسخ، وإذا
آل الأمرُ إلى
الترجيح فقد يختلف الناسُ فيه ". قلت: " وله طريق آخر
عند أبي داود
أخرجه عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب؛ وفيه: "
وعلمني الإقامةَ
__________
(1) لعل هذا الاعتراض ملتقط من السنن الكبرى (1/417)
وما بعدها.
(2/453)
مرتين مرنين "، ثم ذكرها مفسرةً؛ وقد مر
بيانه. وله طريق آخر عند
الطحاوي أخرجه عن شريك، عن عبد العزيز بن رفيع قال:
سمعتُ
أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى. قال في "
الإمام ": قال
ابن مَعين: عبد العزيز بن رفيع ثقة. وحديث آخر: أخرجه
عبد الرزاق
في " مصنفه ": أخبرنا معمر، عن حماد، عن إبراهيم، عن
الأسود
ابن يزيد: أن بلالا كان يُثني الأذان ويثني الإقامة،
وكان يبدأ بالتكبير.
ويختم بالتكبير. ومن طريق عبد الرزاق: رواه الدارقطني
في " سننه "
والطحاوي في " شرح الاَثار ".
فإن قيل: قال ابن الجوزي في " التحقيق ": والأسود لم
يُدرِك بلالا.
قلت: قال صاحب " التنقيح ": وفيما قاله نظر؛ وقد روى
النسائي
للأسود عن بلال حدينا. وحديث آخر: أخرجه الطبراني
بإسناده إلى
بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة سواء مثنى مثنى
وكان يجعل أصبعَيه في
أذنيه. وحديث آخر: أخرجه الدارقطني في " سننه "
بإسناده إلى بلال أنه
كان يؤذن للنبي- عليه السلام- مثنى مثنى، ويقيم مثنى
مثنى؛ وفيه زياد
البكائي وثقه أحمد. وقال أبو زرعة: صدوق، واحتج به
مسلم، ويُرد
بهذا تعليل ابن حبان في كتاب " الضعفاء " هذا الحديث
بزياد. وفيه آثار
- أيضا-. روى الطحاوي من حديث وكيع، عن إبراهيم بن
إسماعيل،
عن مجمع بن حارثة (1) ، عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع،
أن سلمة
ابن الأكوع كان يثني الإقامة. حدثنا محمد بن خزيمة: نا
محمد بن
سنان: نا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم قال: كان
ثوبان
يؤذن مثنى ويقيم مثنى. حدثنا يزيد بن سنان: نا يحيى بن
سعيد القطان:
نا فِطر بن خليفة، عن مُجاهد قال في الإقامة مرة مرة
": إنما هو شيء
أحدثه الأمراء، وأن الأصل: هو التثنية " (2) .
وقد بان لك بهذه الدلائل أن قول الشيخ محيى الدين في "
شرح
__________
(1) في نصب الراية " جارية ".
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2/454)
مسلم (1) ": " وقال أبو حنيفة: الإقامة
سَبع عشرة كلمة؛ وهذا المذهب
شاذّ " قول واهي، لا يُلتفت إليه؛ وكيف يكون شاذا مع
وجود هذه
الدلائل الصحيحة؟ غاية ما في الباب كان ينبغي أن يقول
على زعمه: إن
هذا القول مَرجوح، أو قول غيره أقوى منه؛ على أن قول
أبي حنيفة في
هذا الباب أقوى وأجدر بالعمل من وجوه؛ الأول: كثرة
الدلائل من
الأخبار والآثار الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى مثل
الأذان، والثاني: أن
قوله: " أُمِر بلال لما قد قيل فيه: إن الآمر فيه
مُبهم، يحتمل أن
يكون رسول الله، ويحتمل أن يكون غيره، وقد قيل: إن
الآمر بذلك:
أبو بكر، وقيل: عُمر؛ فحصل فيه احتمالات. وقال الشيخ
محيي
الدين (2) : " إطلاق ذلك ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي
وهو رسول
الله؛ ومثل هذا اللفظ: قول الصحابي: " أُمرنا بكذا "
أو " نُهينا عن كذا "
و" أُمر الناس بكذا " ونحوه فكله مرفوع سواء قال
الصحابيّ ذلك في حياة
رسول الله أم بعد وفاته ".
قلت: فيه مناقشة؛ لأن من الإطلاق ينشاً وجوه
الاحتمالات، وقوله
" سواء " إلى آخره غير مسلم؛ لجواز أن يقول الصحابيّ
بعد الرسول:
" أُمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " ويكون الآمر أو
الناهي أحد الخلفاء
الراشدين. والثالث: أن بعضهم ادّعوا أن حديث أبي
محذورة ناسخ
لحديث أنس هذا قالوا: وحديث بلال إنما كان أول ما شرعِ
الأذان- كما
دلّ عليه حديث أنس- وحديث أبي محذورة كان عام حُنين
وبينهما مدةٌ
مَديدة.
فإن قيل: شرط الناسخ: أن يكون أصح سندا، وأقوى من جميع
جهات الترجيح، وحديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس من
جهة
واحدة، فضلا عن الجهات كلها. قلنا: لا نسلم أن من
شرط/الناسخ
ما ذكر؛ بل يكتفى فيه أن يكون صحيحًا متأخراً، معارضا،
غير ممكن
__________
(1) (4/78) .
(2) المصدر السابق
(2/455)
الجمع بينه وبين معارضه؛ فلو فرضناهما
مُتساويَين في الصحة ووجد ما
ذكرناه من الشروط لثبت النسخ، وأما أنه يشترط أن يكون
أرجح من
المعارض في الصحة فلا نسلم، نعم لو كان دونه في الصحة
ففيه نظرٌ.
ص- زاد حماد في حديثه: إلا الإقامة.
ش- أي: زاد حماد بن زَيد في روايته: إلا لفظ الإقامة؛
وهي قوله:
" قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة " فإنه لا يُوترها؛
بل يُثنّيها.
491- ص- نا حُميد بن مَسعدة: نا إسماعيل، عن خالد
الحذّاء، عن
أبي قلابة، عن أنس مثل حديث وُهَيب. قال إسماعيل:
فحدثتُ به أيّوب
قال: إلا الإقامة (1) .
ش- حُمَيد بن مَسعدة: أبو علي الباهلي، وإسماعيل: ابن
علية،
وخالد: ابن مِهران الحذاء، وأبو قلابة: عبد الله.
ووهيب: ابن خالد،
وأيّوب: السختياني.
قوله: " فحدثت به " أي: بهذا الحديث.
قوله: " إلا الإقامة " أي: لفظ الإقامة- كما ذكرناه.
492- ص- نا محمد بن بشار: نا محمد بن جعفر: نا شعبة
قال:
سمعت أبا جَعفر يُحدّثُ عن مُسلمٍ أبي المثنى، عن ابن
عمر قال: إنما كان
الأذانُ على عهدِ رسولِ الله مرتينِ مرتينِ، والإقامةُ
مرةً مرةً، غيرَ أنه يقولُ:
قد قَامت الصلاةُ، قد قامتَ الصلاةُ، فإذا سَمعنَا
الإقامةَ توضأنَا ثم خرجنا
إلى الصلَاةِ (2) .
قال شعبة: لم أسمع من أبي جعفرٍ غير هذا الحديثِ.
ش- أبو جَعفر: مؤذن مسجد العُريان. روى عن: أبي المثنى
المؤذن.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) النسائي كتَاب الأذان، باب: تثنية الأذان (2/3) ،
وباب: كيف الإقامة؟
(2/456)
روى عنه: شعبة. روى له: أبو داود،
والنسائي، وقال في " الكمال ":
أبو جعفر: محمد بن مهران بن مسلم الكوفي مؤذن مَسجد
العُريان (1) .
ومسلم بن المثنى أبو المثنى المؤذن القرشي الكوفي،
وقيل: اسمُه:
مهران. سمع: ابن عُمر. روى عنه: ابن ابنه: أبو جَعفر
هذا،
وإسماعيل بن أبي خالد، وحجاج بن أرطاة وغيرهم. قال أبو
زرعة:
ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه. قال
أبو زرعة:
لا أعرف أبا جعفر إلا في هذا الحديث، وقال البَزّار:
لم يَروِ هذا أحدٌ
من غير هذه الطريق.
493- صِ- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا أبو عامر- يعني:
عبد الملك بن عمرو-: نا شعبة، عن أبي جَعفر مؤذن مَسجد
العُريان. قال:
سمعت أبا المثنى مؤذن مسجد الأكبر يقول: سمعتُ ابن
عُمر. وساق
الحديث (3) .
ش- عبد الملك بن عمرو: العقدي البَصري.
فوله: " مسجد العُريان " مسجد مشهور بالكوفة. و "
مَسجد الأكبر "
هو الجامع الكبير بالكوفة، ومعنى مسجد الأكبر: مسجد
الجامع الأكبر.
فإن قلت: الجامعُ صفة للمسجد، ولا يجوز إضافة الموصوف
إلى
صفته. قلت: هذا مؤول، تأويله أنه محمول على حذف موصوف
المضاف إليه، تقديره: مَسجد الوقت الجامع؛ فالمسجد
مضاف إلى
الوقت، وهو موصوف بالجامع، ومنه قوله تعالى: (ذَلكَ
دينُ
القيِّمَةِ) (4) فإن الدين يوصف بالقيم نحو قوده
تعالى: (دينا قممًا) (5)
فوجب تأويله بحذف موصوف المضاف إليه تقديره: دين
الملَة الَقيمة أي:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5033) .
(2) المصدر السابق (27/5940) .
(3) انظر الحديث السابق.
(4) سورة البينة: (5) .
(5) سورة الأنعام: (161) .
(2/457)
الملة المستقيمة؛ فأضيف دين إلى الملة
إضافة بيان، كأنه قيل: دين
الإسلام؛ لأن الدين أعم من الإسلام؛ إذ هو يستعمل في
الحق والباطل،
والإسلام لا يستعمل إلا في الحق، وقيل: المحذوف: الأمة
أي: دين
الأمة القيمة بالحق.
***
29- بَابُ: الرَّجلِ يؤذن ويُقيمُ آخرُ
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يؤذن ويقيم رجل آخر،
وفي
بعض النسخ: " ما جاء في الرجل يؤذن ".
494- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا حماد بن خالد: نا
محمد بن
عَمرو، عن محمد بن عبد الله، عن عمه: عبد الله بن زبد
قال: أَرادَ النبي
- عليه السلام- في الأذانِ أشياءَ لم يَصنع منها
شيئَا. قال: فأرِيَ عبدُ الله بنُ
زيد الأذانَ في المنام، فأتى النبي- عليه السلام-
فأخبرَهُ فقال: " ألقه عَلى
بلالَ " قال: فألقاه عليه فأذنَ بلالٌ. فقالَ عبدُ
الله: أنا رأيتُه وأنا كنتُ أرَيدُهُ.
قَال. " فأقِم أنتَ " (1) .
ش- حماد بن خالد: الخياط البصري.
ومحمد بن عمرو: شيخ من أهل المدينة من الأنصار./روى
عن:
محمد بن عبد الله، وعن: عبد الله بن زيد الذي رأى
الأذان. روى
عنه: عبد الرحمن بن مَهدي، وحماد بن خالد. روى له: أبو
داود (2) .
ومحمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري المدني،
وثقه ابن حبان.
روى له: الجماعة سوى البخاري.
وهذا الحديث حجة على الشافعي؛ حيث يكره الإقامة من غير
المؤذن.
وقال أصحابنا: إذا أقام الصلاة: غير مَن أذن لا يكره؛
واستدلوا على ذلك
بهذا الحديث، وبما رواه ابن أبي شيبة (3) - أيضا-:
حدثنا يزيد بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5516) .
(3) المصنف (1/216) .
(2/458)
هارون، عن حجاج، عن شيخ من أهل المدينة، عن
" بعض مؤذني
النبي- عليه السلام- قال: كان ابن أم مكتوم يؤذن،
ويقيم بلال،
وربما أذن بلال وأقام ابن أم مكتوم ".
حدثنا محمد بن [أبي] عدي، عن أشعث، عن الحسن قال: لا
بأس أن يؤذن الرجل ويقيم غيره (1)
495- ص- نا عُبيد الله بن عُمر: نا عبد الرحمن بن
مهدي: نا محمد
ابن عَمرو قال: سمعت عبد الله بن محمد قال: كان جَدي:
عبدُ الله بن زيد
يُحدّث بهذا الخبر، قال: فأقام جَدّي (2) .
ش- عبيد الله بن عُمر: القواريري، وعبد الرحمن بن
مَهدي:
العنبري البصري، ومحمد بن عَمرو، مر آنفا.
وعبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربّه
الأنصاري الخزرجي
المدني. روى عن: جده: عبد الله الذي رأى الأذان. روى
عنه: ابن
سيرين، ومحمد بن عمرو الأنصاري. روى له: أبو داود (3)
.
قوله: " بهذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
496- ص- نا عبد الله بن مَسلمة: نا عبد الله بن عُمر
بن غانم، عن
عبد الرحمن بن زياد، عن زياد (4) بن نُعَيم الحضرمي،
أنه سمع زياد بن
الحارث الصدائي قال: لما كان أولُ أذانِ الصبحِ أمرني-
يعني: النبيَّ عليه
السلام- فأذنتُ فجعلت أقولُ: أُقيمُ يا رسولَ الله؟
فَجعلَ ينظرُ في ناحيةِ
المشرقِ إلى الفجرِ فيقولُ: " لا "، حتى إذا طلَع
الفجرُ نَزلَ فَبرزَ، ثم
انصرفَ إليَّ وقد تلاحقَ أصحابُه- يعني: فتوضأ- فأرادَ
بلال أن يُقيمَ فقال
له نبيُّ اللهِ: " إن أَخَا صُدَاءِ هو أذنَ؛ ومَن
أذنَ فهو يُقيمُ " قاَل: فأقمتُ (5) .
__________
(1) المصنف (1/216) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3537) .
(4) في سنن أبي داود: " أنه سمع زياد بن نعيم ".
(5) الترمذي: كتاب الصلاة، باب. ما جاء أن من أذن فهو
يقيم (199) ، ابن
ماجه: كتاب الأذان، باب: السنَة في الأذان (717) .
(2/459)
ش- عبد الرحمن بن زياد: الإفريقي.
وزياد بن نعيم الحَضرمي: البصري. روى عن: زياد بن
الحارث
الصدائي. وروى عنه: بكر بن سوادة الإفريقي، وعبد
الرحمن بن زياد
الإفريقي وغيرهما (1) .
وزياد بن الحارث الصدائي: الصحابي، قدم على النبي-
عليه السلام-،
وأذن له في سفره. روى عنه: زياد بن نعيم. روى له: أبو
داود،
والترمذي، وابن ماجه (2) . والصدَائي منسوب إلى صُداء-
بضم الصاد
وبالمدّ- وهو يزيد بن حَرب بن عُلة بن خالد (3) بن
مالك بن أدد بن زيد
ابن يشجب بن عُريب بن زيد بن كهلان بن سَبَأ بن يَشجُب
بن يَعرب بن
قحطان؛ وهو قبيلٌ من اليمن.
قوله: " أول أذان الصبح " وهو الذي يُؤذن ليقوم القائم
ويتسحر
الصائم.
قوله: " فبرَز " أي: خرج، من بَرز الرجل يبرُز بروزًا.
قوله: " إن أخا صُداء " يعني به: زياد بن الحارث.
وبهذا الحديث استدل الشافعي على كراهة الإقامة من غير
المؤذن.
والجواب عن ذلك: أنه- عليه السلام- قال ذلك حتى لا
تدخل الوحشة
في قَلب زياد بن الحارث؛ لأنه كان حديث العهد
بالإسلام؛ وذلك لأن
قدوم وفد صداء وفيهم زياد بن الحارث كان في حجة
الوداع، وكان بعثه
- عليه السلام- قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن،
وأمره أن يطأ
صُدَاء كان لما انصرف- عليه السلام- من الجعرانة سنة
ثمان؛ على أن
الترمذي قال: وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي؛
والإفريقي هو
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2041) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/566)
، أسد الغابة
(2/269) ، الإصابة (1/557) .
(3) كذا، وفي اللباب " جلد " بالجيم.
(2/460)
ضعيف عند أهل الحديث؛ ضعّفه يحيى بن سعيد
القطان وغيره، وقال
أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي.
30- بَابُ رَفع الصَوتِ بالأذَان
أي: هذا باب في بيان رفع الصوت بالأذان، وفي بعض
النسخ:
" باب رفع الصَوت " فقط، وفي بعضها: " باب ما جاء في
رفع الصوت
بالأذان ". الصوتُ زعم قوم أنه اصطكاك أجسام صلبة،
وقيل: هو
القَلع، وقيل: هو القرع، وقيل: تموج الهواء. وكل ذًلك
باطل؛ لأن
كل ذلك مُبصرٌ لا مَسموع؛ والحق أنه واضح عند العقل،
غني عن
التعريف، ومنهم من زعم أن سبَبه/القريب تموج الهواء،
وسببَه البعيد:
إمساسٌ عنيف وهو القَرع، أو تفريق عنيف وهو القَلعُ،
والصوت القرعيُّ
أشدّ انبساطا من القَلعِيّ.
فإن قلت: ما الفرق بين الصَوت والنطق واللفظ؟ قلت:
اللفظ هو
النطق المعتمدُ على مقاطع الفم، فالنطق اللغوي أخصّ من
الصوت؛ لأن
الصَوت يكون من حي وغير حيّ، والنطق لا يكون إلا من
حيّ؛ واللفظ
أخصّ من النطق، لأنه لا يكون إلا من الإنسان. وإنما
ذكرنا هذه الأشياء
وإن كان هذا الموضع ليس محلّها تكثيرا لفائدة المحدّث،
وترغيبا له أن لا
يقتصر على معرفة المتون من غير معانيها.
497- ص- نا حَفص بن عُمر النَّمَريُّ: نا شعبة، عن
موسى بن
أبي عثمان، عن أبي يحيِى، عن أبي هريرة، عن النبي-
عليه السلام- قال:
" المؤذِّنُ يُغفرُ له مَدى صوته، ويَشهدُ له كلُّ رطب
ويابس، وشاهدُ الصلاة
يُكتبُ له خمسٌ وعشرون صَلاة، ويُكفرُ عنه ما بَينهًما
" (6) .
ش- مُوسى بن أبي عثمان: التّبَان مولى المغيرة بن
شعبة. روى عن:
__________
(1) النسائي: كتاب الأذان، باب: رفع الصوت بالأذان
(2/12) ، ابن ماجه:
كتاب الأذان، باب: فضل الأذان وثواب المؤذنين (724) .
(2/461)
أبيه، وأبي يحيى، وإبراهيم النخعي، وسعيد
بن جبير. روى عنه:
أبو الزناد، وشعبة، ومالك بن مغول، والثوري، وقال:
وكان مؤذنا،
وكان نعم الشيخ، وكان سمع إبراهيم بن مهاجر. روى له:
أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
وأبو يحيى هذا لم يُنسَب فيُعرف حاله، وفي " الكمال "
ذكره في
أبواب الكُنى وقال: أبو يحيى. روى عن: أبي هريرة. روى
عنه:
موسى بن أبي عثمان. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " المؤذن " مبتدأ، وخبره: " يُغفر له " وبُني
على المجهول لعلم
الفاعل.
قوله: " مَدى صَوته " كلام إِضافي، ومَدَى الشيء:
غايته؛ والمعنى:
أنه يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وُسعَه في رفع
الصَوت، فيبلغ الغاية من
المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت، والظاهر: أنه من باب
التمثيل
والتشبيه، بمعنى أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو
قدر أن يكون ما بين
أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوبٌ تملا تلك المسافة،
لغفرها الله له.
قوله: " ويَشهدُ له " أي: للمؤذن يوم القيامة " كل
رُطب ويابس " قي
الدنيا، وهذا يتناول الإنس والجن وسائر الحيوانات،
وسائر الأشياء
المخلوقة من الرطب واليابس.
فإن قيل: أي شيء يحتاجُ إلى هذه الشهادة وكفى بالله
شهيدا؟ قلت:
المرادُ منها: اشتهارُه يومَ القيامة فيما بينهم
بالفَضل وعُلو الدرجة، ثم إن
الله تعالى كما يُهين قومًا بشهادة الشاهدين عليهم
تحقيقا لفضوحهم على
رءوس الأشهاد، وتَسويدا لوجوههم، فكذلك يكرم قوما
بشهادة
الشاهدين، تكميلا لسرورهم،، وتطييبًا لقلوبهم، وبكثرة
الشهود نزداد
قرة عيونهم، فأخبر أن المؤذنين كلما كانت أصواتهم أجهر
كانت شهودهم
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6281) .
(2) المصدر السابق (34/7701) .
(2/462)
فإن قيل: أليس قد جُمع بين الحقيقة والجاز
في قوله " ويَشهدُ له " لأن
الشهادة حقيقة في حق الإنس والجن، مجاز في حق غيرهما
من الأشياء
الرطبة واليابسة؟ قلت: قد عرفتَ أن مَعنى الشهادة كونه
مشتهرا بينهم
بالفضل حتى إن كل من شهده عرفه أنه إنما حصل له هذا من
أذانه في
الدنيا، فإذن لا شهادة لا حقيقة ولا مجازا.
قوله: " وشاهدُ الصلاة " مبتدأ وخبرُه: " يكتبُ له "
والمعنى: حاضِرُ
الصلاة مع الجماعة يكتبُ له أجرُ خمسٍ وَعِشرين صلاةً.
فإن قيل: ما الحكمة في تعبين الخمس والعشرين؟ قلت:
الذي ظهر
لي في هذا المقام من الأنوار الإلهية، والأَسرار
الربانية، والعنايات
المحمديّة: أن كل حسَنة بعشر أمثالها بالنّص، وأنه لو
صلى في بَيته كان
يَحصل له ثواب عشر صلوات، وكذا لو صلى في سُوقه كان
يحصل له
ثواب عشر صلوات، كل صلاة بعشرِ، ثم إنه لو صلى
بالجماعة يحصل
له ما كان يحصل له/من الصلاة في بَيته وفي سوقه،
ويُضاعف له مثله،
فيصير ثواب عشرين صلاةً. وأما زيادة الخمسة؛ فلكونه
أدى فرضا من
الفروض الخمسة، فأنعم الله عليه ثواب خمس صلوات أخرى
نطير عدد
الفروض الخمسة، زيادة على العشرين، إنعاما وفضلا منه
عليه، فيصير
الجملة خمسةً وعشرين. وجواب آخر: أن مراتب الأعداد:
آحاد
وعشرات ومئات وألوف: والمائة من الأوساط، وخير الأمور:
أوساطها،
والخمسة والعشرون ربع المائة، وللربع حكم الكل.
قوله: " ويكفر عنه ما بَينهما " أي: ما بَين الصلاتين؛
بَين الصلاة التي
صلاّها وبين الصلاة التي تليها؛ والمعنى: تكفر ذنوبه
التي ما بينهما غير
الكبائر. والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه.
498- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن
أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: " إذا نُوديَ بالصلاة أدبرَ الشيطانُ
وله ضُراطٌ
حتى لا يَسمعَ التَأذينَ، فإذا قُضِيَ النداءُ أَقبل،
حتىَ إذا ثُوِّبَ بالصلاةِ أدبَرَ،
(2/463)
حتى إذا قُضيَ التثويبُ أقيل، حتى بَخطُرَ
بين المَرء ونَفسه ويَقول: اذكر كذا،
اذكر كذا، لِمَا لم يكن يَذكُرُ، حتى يَظل (1) الرجل
إِن يَدرَي كم صَلَّى " (2) .
ش- عبد الله بن مسلمة القعنبي، ومالك: ابن أنس، وأبو
الزناد:
عَبد الله، وعبد الرحمن الأعرج.
قوله: " إذا نودي بالصلاة " أي: إذا أذن بها.
قوله: " أدبر الشيطان وله ضراط " الإدبار: نقيض
الإقبال؛ يقال: دَبَر
وأدبر إذا وَلّى؛ والواو في " وله ضراط " للحال. وفي
رواية البخاري
ومسلم بدون الواو؛ والجملة الاسمية تقع حالا بلا واو-
أيضًا- كما في
قوله: كلمته فوُه إلى فيَّ. وفي رواية مسلم: " وله
حصَاص ".
فإن قيل: ما حقيقة هذا الكلام؟ قلت: هذا تمثيل لحال
الشيطان عند
هروبه من سماع الأذان بحال مَن حزقه- أمر عظيم،
واعتراه خطب
جسيم، حتى لم يزل يحصل له الضُّراط من شدة ما هو فيها؛
لأن الواقع
في شدة عظيمة من خوف وغيره تسترخي مفاصله، ولا يقدر
على أن يملك
نفسه فينفتح منه مخرج البول والغائط؛ ولما كان
الشيطان- عليه اللعنة-
تعتريه شدة عظيمة وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة،
فيَهرب حتى لا
يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على
وجه الادعاء
الضراط الذي يَنشا من كمال الخوف الشديد؛ وفي الحقيقة:
ما ثم
ضراط، ويحوز أن يكون له ريح لأنه روح، ولكن لم نعرف
كيفيته (3) .
فإن قيل: ما الحكمة أن الشيطان يهرب من الأذان ولا
يَهرب من قراءة
__________
(1) في سنن أبي داود: " يضل " وهى رواية كما سيذكر
المصنف.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: فضل التأذين (6، 8) ،
مسلم: كتاب
الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع
تكبيرة الإحرام
والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع
من السجود
(19/389) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: فضل التأذين
(2/21) .
(3) بل الظاهر أنه ضراط على وجه الحقيقة، كما قال
القاضي عياض وغيره،
وانظر الفتح (2/84) .
(2/464)
القراَن وهي أفضل من الأذان؟ قلت: إنما
يفرُ من الأذان وله ضراط لئلا
يسمع فيحتاج أن يَشهد بما سمع إذا استُشهِد يوم
القيامة؛ لأنه جاء في
الحديث: " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء،
إلا شهد
له يوم القيامة (1) " والشيطان- أيضًا- شيء، أو هو
داخل في الجنّ لأنه
من الجن والحديث المذكور- أيضًا- " ويَشهد له كل رطب
ويابس ".
فإن قيل: الشيطان ليس بأهل للشهادة؛ لأنه كافر،
والمراد من
الحديث: يَشهد له المؤمنون من الجن والإنس. قلت: هذا
ليس بشيء؛
لأن قوله: " ويَشهد له كل رطب ويابس " يَتناوَله،
والأحسن: أن يقال:
إنه يُدبر لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد
التوحيد، وإظهار
شعائر الإسَلام وإعلانه. وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان
عند الإعلان
بالتوحيد. قال أبو الفرج: فإن قيل: كيف يهرب الشيطان
من الأذان،
ويدنو من الصلاة، وفيها القراَن ومُناجاة الحق؟
فالجواب: بُعده عند
الأذان لغيظه من ظهور الدين، وغلبة الحق، وعلى الأذان
هَيئة يشتدُ
انزعاجه لها، ولا يكاد يقع فيه رياء ولا غفلة عند
النطق به؛ لأن النفس
لا تحضره، وأما الصلاة: فإن النفس تحضر، فيفتح لها
الشيطان أبواب
الوساوس.
قوله: " فإذا قضي النداء/أقبل " يعني: إذا فُرغ من
الأذان أقبل
الشيطان، لزوال ما يلحقه من الشدة والداهية.
قوله: " حتى إذا ثُوِب بالصلاة " أي: حتى إذا أُقيم
لها؛ " (2)
والتثويب هاهنا: الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا
قول المؤذن في
صلاة الفجر: " الصلاة خير من النوم " حسب؛ ومعنى
التثويب:
الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه؛ وأصله: أن يلوح الرجل
لصاحبه بثَوبه
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع الصوت بالنداء
(609) من حديث
أبي سعيد الخدري.
(2) انظر: معالم السنن (1/134) .
30. شرخ سنن أبي داوود 2
(2/465)
فيُديرُه عند الأمر يَرهقه من خوف أو عدو،
ثم كثر استعماله في كل إعلام
يُجهرُ به صوت؛ وإنما سميت الإقامة تثويبًا؛ لأنه
إعلام بإقامة الصلاة،
والأذان إعلام بوقت الصلاة ".
وقيل: سميت الإقامة تثويباً لأنه عود للنداء من ثاب
إلى كذا إذا عاد
إليه.
قوله: " حتى يخطر بين المرء ونَفسه " - بضم الطاء
وكسرها- قال
عياض: ضبَطناه عن المتقنين بالكسر، وسمعناه من أكثر
الرواة بالضم،
قال: والكسر هو الوجه؛ ومعناه: يُوسوس؛ من قولهم: خطر
العجل
بذنبه إذا حركه يَضرب به فخذَيه. وأما الضم: فمن
السلوك والمرور،
أي: يدنو منه، فيمر بينه وبن قلبه، فيُشغله عما هو
فيه، وقال الباجي:
فيحول بين المرء وما يُريده من نفسه من إقباله على
صلاته وإخلاصه. وقال
الهجري في " نوادره ": يخطِر بالكسر في كل شيء، وبالضم
ضعيف.
قوله: " حتى يظل الرجل إن يدري كم صَلّى " أي: حتى
يصير الرجل
ما يَدري كم صلّى من الركعات. و " يطل " بظاء قائمة
مفتوحة،
و" الرجل " مرفوع لأن فعله (1) بمعنى يصير كما في قوله
تعالى: (ظَل
وَجهُهُ) (2) وقيل: معناه: يبقى ويدوم. وحكى الداوديّ
" يضِل "
بالضاد المعجمة المكسورة بمعنى: ينسى ويذهب وهمُه
ويَسهو، قال تعالى:
(أن تَضِلَّ إِحدَاهُمَا) (3) . قال ابن قرقول: وحكى
الداودي أنه روي
" يضِل " و " يضَل " من الضلال وهو الحَيرة، قال:
والكسر في المستقبل
أشهر. قال الحافظ القشيري: ولو روى هذا الرجل " حتى
يُضِل الرجلَ "
لكان وَجها صحيحًا، يُريد حتى يُضل الشيطان الرجلَ عَن
درايته كم
صلّى، قال: ولا أعلم أحدًا رواه؛ لكنه لو رُوي لكان
وَجها صحيحًا في
المعنى غير خارج عَن مراده- عليه السلام-، وقوله " إن
" بالكسر،
__________
(1) في الأصل: " فاعله ".
(2) سورة النحل: (58) .
(3) سورة البقرة: (282) .
(2/466)
" إن " نافيةٌ بمعنى " ما " قال القاضي
عياض: وروي بفتحها قال: وهي
رواية ابن عبد البرّ، وادعى أنها رواية أكثرهم، وكذا
ضبطه الأصيلي في
كتاب البخاري، والصحيح: الكسرُ.
قلت: الفتح إنما يتوجه على رواية " يضل " بالضاد فيكون
" أن " مع
الفعل بَعدها بتأويل المصدر، أي: يجهل درايته، ويَنسى
عدد ركعاته.
فإن قيل: ما معنى أنه أثبت له الضراط في إدباره الأول
ولم يثبت في
إدباره الثاني؟ قلت: لأن الشدّة الأولى تلحقه على سبيل
الغفلة، وتكون
هي أعظم، أو يكون اكتفى بذكره في الأوّل عن ذكره في
الثاني.
فإن قيل: ما مقدار بُعد إدباره؟ قلت: قد بَيّنه في
رواية مسلم أن
الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان
الروحاء، قال
الراوي: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلاً؛ وهي بفتح
الراء والحاء المهملة
وبالمدّ.
31- بَابُ: مَا يجبُ عَلى المؤذنِ من تعاهُدِ الوَقت
أي: هذا باب في بيان ما يجب على المؤذن من تعاهد وقت
الصلاة،
وفي بعض النسخ: " باب ما جاء فيما يجب " وفي بعضها: "
من تعهد
الوقت " فالتعاهد والتعهد بمعنًى واحد؛ وهو الحِفَاظُ
والرعاية.
499- ص- نا أحمد بن حنبل: نا محمد بن فضيل: نا الأعمش،
عن
رجل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله-
عليه السلام-:
" الإمامُ ضَامنٌ، والمؤذنُ مؤتمنٌ، اللهم أرشدِ
الأئمةَ، واغفر للمؤذِنِينَ " (1) .
ش- محمد بن فضيل: ابن غزوان الكوفي، وأبو صالح: ذكوان
السمان.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن الإمام ضامن
والمؤذن مؤتمن
(207) .
(2/467)
قوله: " الإمام ضامن " أصل الضمان: الرعاية
والحفظ؛ لأنه يحفظ
على القوم صلاتهم، وقيل: لأنه يتحمل القراءة عنهم،
ويتحمل القيامَ
إذا أدركه راكعًا، وقيل: صلاة المقتدين به في عهدته،
وصحتها مقرونة
بصحة صلاته؛ فهو كالمتكفل/لهم صحة صلاتهم، وقيل: ضمان
الدعاء يعمّهم به ولا يختص بذلك دونهم. وقال بعض
أصحابنا: مَعناه:
يتضمن صلاته صلاة القوم، وعن هذا قالوا: اقتداء
المفترض بالمتنفل لا
يجوز؛ لأن تضمين الشيء فيما هو فوقه يجوز وفيما دونه
لا يحوز، وهو
المَعنِيُ من الفرق؛ فإن الفرض يشتمل على أصل الصلاة
والصفة، والنفل
يشتمل على أصل الصلاة، وإذا كان الإمام مفترضا فصلاته
تشتمل صلاة
المتقدي وزيادة فيصحّ الاقتداء، وإذا كان متنفلا
فصلاته لا تشتمل على ما
تشتملُ عليه صلاة المقتدين؛ فلا يصح اقتداؤه به؛ لأنه
بناء القوي على
الضعيف؛ فيكون منفردا في حق الوَصف. وهذا الحديث أصلٌ
لِثلاثة من
الفروع تُستفاد منه؛ الأول: فساد اقتداء المفترض
بالمتنفل، والثاني: عدم
وجوب القراءة على المقتدين، والثالث: فساد صلاة
المقتدين إذا ظهر
الإمام محدثا أو جنبا. وفي الكل خلاف الشافعي؛ والحديث
حجة عليه.
قوله: " والمؤذن مؤتمن " يعني: أمينٌ على صلاتهم
وصيامهم؛ لأنهم
يعتمدون عليه في دخول الأوقات وخروجها- وأيضا- هو يطلع
على حرَم
المسلمين لارتقائه على المواضع المرتفعة. وعن هذا
قالوا: يكرهُ أذانُ
الجاهلِ مواقيتَ الصلاةِ، وأذانُ الفاسقِ.
قوله: " اللهم أرشد الأئمة " مِن الإرشاد؛ وهي الهداية
إلى طريق
الصواب، والرُشد خلاف الغي، والأئمة أصله: أأمَمةٌ جمع
إمام؛
فقلبت الهمزة الثانية ألفًا فصَار آممة بالمدّ، ثم
قلبت ياء بعد إدغام الميم في
الميم لالتقاء الساكنين، ويجوز: أئِمة بالهمزتين،
وقُرئ بها. وإنما قال
في حق الَأئمة: " ارشد " وفي حق المؤذنين: " اغفر "
لأن الإمامَ
ضامِنٌ، فيحتاج إلى الإرشاد في طريق ضمانه، ليَخرج عن
عُهدته
بالسلامة، والمؤذن أمين فيحتاجُ إلى الغُفران؛ لأنه قد
يقع منه تقصيرٌ.
(2/468)
والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: وفي الباب
عن عائشة، وسهل
ابن سعد، وعقبة بن عامر؛ قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة
رواه
سفيان الثوري، وحفص بن غياث، وغير واحد، عن الأعمش، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-. وروى
أسباط
ابن محمد، وأبو بدر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة،
عن النبي- عليه السلام-. وروى نافع بن سليمان، عن محمد
بن
أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي- عليه السلام-
هذا
الحديث، قال: وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي هريرة أصح
من
حديث أبي صالح عن عائشة، قال: وسمعت محمدا يقول: حديث
أبي صالح عن عائشة أصح، وذكر عن علي بن المديني أنه لم
يثبت
حديث أبي هريرة ولا حديث عائشة.
500- ص- نا الحسن بن علي: نا ابن نُمير، عن الأعمش
قال: نبئتُ
عن أبي صالح- ولا أُرَى (1) إلا قد سمعتُه منه، عن أبي
هريرة قال: قال
رسول الله- عليه السلام مثله (2) .
ش- الحسن بن علي: الخلال. وعبد الله بن نُمير: الكوفي.
قوله: " نبّئتُ " على صيغة المجهول؛ أي: أُخبِرتُ.
قوله: " ولا أُرى " بضم الهمزة وفتح الراء.
قوله: " منه " أي: من أبي صالح السمان.
32- باب: أذان فَوق المنارة
أي: هذا باب في بيان الأذان فوق المنارة، وفي بعض
النسخ: " باب
ما جاء في الأذان " والمنارة: علم الطريق، والمنارة:
التي يؤذن عليها.
501- ص- نا أحمد بن محمد بن أيوب: نا إبراهيم بن سَعد،
عن
محمد بن إسحاق، عن محمد بن جَعفر بن الزبير، عن عروة
بن الزبير،
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولا أراني "
(2) انظر الحديث السابق.
(2/469)
عن امرأة من بني النجارِ قالت: كان بَيتِي
من أطول بيت حولَ المسجد،
فكان (1) " بلال يُؤَذنُ عليه الفجرَ، فيأتَي بسَحَر،
فيجلسُ على البيت يَنظرُ إلَى
الفَجرِ، فإذا رآهُ تمطَّى، ثم قال: اللهم إنَي
أحمَدُكَ وأَستعينُكَ علىَ قريش أن
يُقِيمُوا دينَكَ، قالت: ثم يُؤذنُ، قالت: والله ما
علمتُه كان تَرَكَهَا ليلةً واحدة
هذه (2) الكلمات (3) .
ش- أحمد بن محمد بن أيوب: الوراق، أبو جعفر البغدادي،
كان
يورق للفضل بن يحيى بن خالد بن برمك. روى عن: إبراهيم
بن سعد
/وأبي بكر بن عياش. روى عنه: أبو داود، وعبد الله بن
أحمد بن
حنبل، وحنبل بن إسحاق، وأبو بكر بن أبي الدنيا وغيرهم.
سئل عنه
يحيى بن معين فقال: كذاب، وقال يعقوب بن شيبة: لا
نعرفه أخذ
بالطلب؛ وإنما كان وراقًا. وذكره ابن الجوزي في "
الضعفاء " وقال:
وكان أحمد وعلي يحسنان القول فيه. مات ببغداد ليلة
الثلاثاء لأربع ليال
بقين من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين ومائتين (4) .
وإبراهيم بن سَعد: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
القرشي
المدني. ومحمد بن إسحاق: ابن يسار.
ومحمد بن جَعفر بن الزبير: ابن العوام القرشي الأزدي
المدني.
سمع: عروة بن الزبير، وابن كلمه: عباد بن عبد الله بن
الزبير، وعبد الله
ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عنه: عبد الرحمن
بن القاسم
ابن محمد بن أبي بكر، وعبد الرحمن بن الحارث، والوليد
بن كثير،
ومحمد بن إسحاق وغيرهم. وكان عالما فقيها. روى له
الجماعة (5) .
وعروة بن الزبير: ابن العوام.
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكان ".
(2) في سنن أبي داود: " تعني هذه ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/93) .
(5) المصدر السابق (24/5115) .
(2/470)
قوله: " من أطول بَيت " أي: أرفعه بناء.
قوله: " فيأتي بسَحر " السحَر: قُبِيل الصبح؛ وهو
هَاهنا مُنصرفٌ لأنه
نكرة: كما في قوله تَعالى: (إِلاَّ آلَ لُوط
نَجينَاهُم بسَحَرٍ) (1) فإذا
قلت: سحرنا هذا إذا أردت به سحر ليلتك لًم تصرفه؛ لأنه
معدول عن
الألف واللام وهو معرفة، وقد غلب عليه التعريف بغير
إضافة ولا ألف
ولام كما غلب ابن الزبير على واحد من بنِيه، وتقول:
سير على
فرسخك سحَرَ يا فتى، فلا ترفعه لأنه ظرف غير متمكن،
وإن أَردت به
نكرةً أو سميتَ به رجلا أو صغرته انصرف؛ لأنه ليس على
وزن المعدول
كآخر يقول: سير على فرسخك سُحيراً؛ وإنما لم ترفعه لأن
التَّصغير لم
يُدخله في الظروفَ المتمكنة كما أدخله في الأسماء
المنصرفة.
قوله: " أن يقيموا دينك " أي: لأن يقيموا دينك.
قوله: " تركها " أي: الكلمات المذكورة، وفسرها بقوله
بعد ذلك:
" هذه الكلمات ". والمقصود من تبويب هذا الباب:
استحباب الأذان فوق
الأماكن العالية؛ لأن الأذان إعلام الغائبين، فكلما
كان المكان أرفع كان
الإعلام أبلغ. وفي " المصنف ": نا أبو خالد، عن هشام،
عن أبيه
قال. أمر النبي- عليه السلام- بلالا أن يؤذن يوم الفتح
فوق الكعبة
حدثنا أبو بكر قال: نا عبد الأعلى، عن الجريري، عن عبد
الله بن
شقيق قال: من السُنَّة: الأذان في المنارة، والإقامة
في المسجد، وكان
عَبد الله يَفعله.
33- بَابُ: المُؤذّن يَستديرُ في أذانِه
أي: هذا باب في بيان المؤذن يَستدير- أي: يدور يمينًا
وشمالا- في
أذانه، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في المؤذن ".
__________
(1) سورة القمر: (34) .
(2/471)
502- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا قَيس-
يعني: ابن الربيع ح ونا
محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، عن سفيان- جميعا-،
عن عون بن
أبي جُحيفة، عن أبيه، قال: أتيتُ النبيَ- عليه السلام-
بمكةَ وهو في قُبةِ
حمراءَ من أدَمٍ، فخرجَ بلالٌ فأذنَ، فكنتُ أتَتَبَعُ
فَمَهُ هاهنا وهاهنا. قال: ثم
خرجَ النبيُ- عليه السلام- وعليه حُلَةٌ حمراء برُودٌ
يمانيةٌ قِطري. وقال
موسى: قال: رأيتُ بلالاً خرجَ إلى الأبطحِ فأذنَ، فلما
بلغَ حَيَ على الصلاة
حَيَّ على الفلاحِ لَوَى عُنُقَهُ يمينًا وشِمالاً ولم
يَستدر، ثم دَخَلَ فأخرجَ العَنَزَةَ.
وساق حديثَه (1) .
ش- قيس: ابن الربيع أبو محمد الأسدي الكوفي من ولد
الحارث بن
قيس الذي أَسلم وعنده تسع نسوة. سمع: عون بن أبي
جُحيفة،
والأعمش، وهشام بن عروة وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن
المبارك، وشعبة وغيرهم. وقال عفان: كان قيس بن الربيع
ثقة؛ يوثقه
الثوري وشعبة. وعن ابن معين: ليس بشيء. روى له: أبو
داود،
والترمذي، وابن ماجه (2) .
وعون بن أبي جُحيفة- وهب بن عبد الله السُّوائي
الكوفي. روى
عن: أبيه، والمنذر بن جرير. روى عنه: عمر بن أبي
زائدة، ومسعر بن
كدام، والثوري، وشعبة وغيرهم. قال ابن معين، وأبو
حاتم: ثقة.
روى له الجماعة (3)
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يتتبع المؤذن فاه
هاهنا وهاهنا وهل يلتفت
في الأذان (634) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة
المصلى (503) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في إدخال الإصبع في
الأذن عند
الأذان (197) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: كيف يصنع
المؤذن في أذانه
(2/12) ، ابن ماجه: كتاب الأذان والسُنَة، باب:
السُنَة في الأذان
(711) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/4903) .
(3) المصدر السابق (22/4549) .
(2/472)
وأبوه: وهب بن عبد الله السُّوائي- ويُقال:
وهب بن وهب-،
يقال له: وهب الخير، من (1) /بني حُرثان بن سُواءة بن
عامر بن
صَعصعة أبو جُحَيفة كان من صغار أصحاب النبي- عليه
السلام-، قيل:
مات رسول الله ولم يَبلُغ الحلم، نزل الكوفةَ وابتنى
بها دارًا. رُوِيَ له
عن رسول الله خمسة وأربعون حديثا؛ اتفقا على حديثين،
وانفرد
البخاري بحديثين وانفرد مسلم بثلاثة. روى عنه: ابنه:
عون،
وإسماعيل بن أبي خالد، والحكم بن عُتيبة، وأبو إسحاق
السبيعي،
وعلي بن الأقمر. روى له الجماعة (2) .
قوله: " جميعا " حالٌ من قيس وسفيان- يعني: مجتمعَين.
قوله: " وهو في قبة حمراء " الواو فيه للحال، القُبّة-
بضم القاف
وتشديد الباء- من الخيام، بَيت صغير مستدير؛ وهو من
بيوت العرب،
وفي " الصحاح ": القبة- بالضم- من البناء؛ والجمع:
قبَب وقِبَابٌ.
قوله: " من أدَمٍ " - بفتح الهمزة والدال- وهو جمع
أديمِ؛ مثل: أفيقِ
وأفَقِ؛ وقد يُجمع على آدمة، مثل رغيف وأرغفة؛
والأديم: الجلد.
قوله: " هاهنا وهاهنا " يعني: يمينا وشمالاً.
قوله: " وعليه حلة حمراء " جملة اسميّة وقعت حالا؛
والحُلة: ثوبان
غيرُ لفتين رداء وإزار، وقيل: أن يكون ثوبين من جنس
واحد؛ سُميا
بذلك لأن كل واحد منهما يحلّ على الأخر، وقيل: أصل
تسميتهما
بهذا: إذا كان الثوبان جديدَين كما حُل طيهما فقيل
لهما حلة لهذا، ثم
استمر عليها الاسمُ. وقال ابن الأثير: الحُقة واحدة
الحلل؛ وهي بُرود
اليمن، ولا تُسمّى حُلة إلا أن يكون ثوبين من جنس
واحدِ.
قوله: " بُرُودٌ " مرفوع لأنه صفة للحُلًة، من الصفات
الكاشفة.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/36) ،
أسد الغابة
(5/460) و (6/48) الإصابة (3/642) .
(2/473)
وقوله: " يَمانيّة " صفة للبُرود؛ أي:
منسوبة إلى اليمان.
فوله: " قطريّ " - بكسر القاف وسكون الراء (1) - نسبة
إلى قطر بلدٌ
بين عُمان وسَيف البَحر، ويقال: إن البلد " قَطَر " -
بَفتح القاف وفتح
الطاء- فلما نُسب الحُللُ إليها خفّفوها وقالوا:
قطريّ- بكسر القاف
وسكون الطاء- والأصلُ: قطَري- بفتح القافَ والطاء-،
ويُقال:
القطري: ضرب من البرود فيها حمرة، وقيل: ثياب حمرٌ لها
أعلام فيها
بعض الخشونة، وقيل: حُلَل جياد تحمل من قبل البحرين.
فإن قيل: ما موقعه من الإعراب؟ قلت: رفعٌ؛ لأنه صفة
للحلة؛
وإنما لم يقل: قطرية لأن التطاَبق بين الصفة والموصوف
شرط؛ كما راعى
التطابق في قوله " حمراء " وفي قوله " يمانية " لأن
القطري بكثرة
الاستعمال صار كالاسم لذلك النوع من الحُلل؛ ألا ترى
إلى قول
البعض: كيف فسّر القطري وقال: هو ضرب من البرود فيها
حمرة- أي:
نوع من البرود فلما صار كالاسم جاز فيه ترك علامة
التأنيث، كما في
حائض وخادم ونحوهما، لما خرَجت من الصفتيّة صارت
كالاسم،
فاستوى فيها التذكير والتأنيث؛ فالتذكير أولى لأنهَ
الأصل. وهاهنا ثلاث
صفات للحلّة؛ الأولى: صفة الذات؛ وهي قوله " حمراء "،
والثانية:
صفة الجنس؛ وهي قوله " بُرودٌ " بَيّن به أن جنسَ هذه
الحلة الحمراء من
البرود اليمانية، والثالثة: صفة النَوع؛ وهي قوله "
قطري " لأن البُرود
اليمانية أنواع؛ نوع منها: قطريّ، بينه بقوله " قِطري
".
قوله: " وقال موسى: قال " أي: قال موسى بن إسماعيل في
روايته:
قال أبو جُحيفة: رأيت بلالاً خرج إلى الأبطح- يعني:
أبطح مكة-
وهو مَسيل واديها، ويُجمَع على البطاح والأباطح.
قوله: " لَوَى عنقه " أي: أمالَ عنقه يمينًا وشمالاً؛
من لوى الرجلُ
رأسَه، وألوى برأسه أمال وأعرض؛ من باب ضرب يضرب.
قوله: " ولم يَستدِر " يعني: لم يَدُر؛ يُقال: دارَ
يَدُور واستدار يستدير
__________
(1) كذا، والجادة: " بكسر الطاء ".
(2/474)
بمعنى، إذا طاف حول الشيء، وإذا عاد إلى
الموضع الذي ابتدأ منه؛
والمقصود من هذا: أنه حول وَجهه في الأذان يمينًا
وشمالاً مع ثبات
القدمين.
" (1) وفي رواية ابن ماجه: قال " أتيتُ النبي- عليه
السلام- بالأبطح
وهو في قبة حمراء، فخرج بلال فأذن، فاستدار في أذانه
وجعل إصبعَيه
في أذنيه " أخرجه عن/حجاج بن أرطأة، عن عون بن أبي
جحيفة،
عن أبيه، فذكره. وبهذا اللفظ رواه الحاكم في "
المستدرك " وقال: لم
يَذكرا فيه إدخال الإصبعين في الأذنين والاستدارة في
الأذان؛ وهو صحيح
على شرطهما جميعا. ورواه الترمذي: ثنا محمود بن غيلان:
نا
عبد الرزاق: أنا سفيان الثوري، عن عون بن أبي جحيفة،
عن أبيه قال:
" رأيتُ بلالا يؤذن ويَدُور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا،
وإصبعاه في أذنيه "،
وقال: حديث حسن صحيح. واعترض البيهقي (2) فقال:
الاستدارة في
الأذان ليست في الطرق الصحيحة في حديث أبي جحيفة، ونحن
نتوهم
أن سفيان رواه عن الحجاج بن أرطأة، عن عون، والحجاج
غير محتج
به، وعبد الرزاق وهم فيه؛ ثم أسند عن عبد الله بن محمد
بن الوليد،
عن سفيان به؛ وليس فيه الاستدارة، وقد رويناه من حديث
قيس بن
الربيع، عن عون وفيه: " ولم يَستدر ". وقال الشيخ في "
الإمام ":
أما كونه ليس مخرجا في " الصحيح " فغير لازم، وقد صححه
الترمذي
وهو من أئمة الشأن، وأما أن عبد الرزاق وهم فيه فقد
تابعه مؤمل، كما
أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " عن مؤمل، عن سفيان به
نحوه؛
وتابعه- أيضا- عبد الرحمن بن مهدي؛ أخرجه أبو نعيم في
" مستخرجه
على كتاب البخاريّ ". وقد جاءت الاستدارة من غير جهة
الحجاج؛
أخرجه الطبراني عن زياد بن عبد الله، عن إدريس الأودي،
عن عون بن
أبي جحيفة، عن أبيه قال: بينا رسول الله- عليه السلام-
وحضرت
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/276: 278) .
(2) السنن الكبرى (1/395) .
(2/475)
الصلاة فقام بلال فأذّن، وجعل إصبعَيه في أذنيه، وجعل
يَستديرُ لما.
وأخرج أبو الشيح الأصبهاني في كتاب " الأذان " عن
حمادَ وهشيم
- جميعا-، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه أن بلالا أذن
لرسول الله
بالبطحاء فوضع إصبعَيه في أُذنَيه وجعل يَستدير يمينًا
وشمالاً " (1) .
قلت: وفي " سنن الدارقطني (2) من حديث كامل أبي
العلاء، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة: أُمر أبو محذورة أن يَستدير
في أذانه.
قوله: " فأخرج العنزةَ " العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر
شيئا، وفيها
سنان مثل سنان الرمح، والعكازة قريب منها.
قوله: " وساق حديثه " وتمامه في رواية البخاري ومسلم:
قال: " صلى
ينا إلى العنزة الظهر أو العصر، تمر المرأة والكلبُ
والحمارُ لا يمنع، ثم لم
يزل يصلي ركعتَين حتى أتى المدينة ". وفي رواية أخرى:
" وكان يمر من
ورائها الحمار والمرأة، ثم قام الناس فجعلوا يأخذون
فيمسحون بها
وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من
الثلج،
وأطيب ريحا من المِسك ". وفي رواية: ثم قَدَّم بين
يديه عنزةً بينه وبين
مارة الطريق، ورأيت الشيب بعَنفقته أسفل من شفته
السفلى ". وهذه
الطرق كلها مخرجة في " الصحيَحين " وأخرجها أحمد في "
مُسنده ".
ويستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: استحباب الالتفات
إلى اليمين
والشمال في الحيعلتين.
الثانية: جواز لباس الأحمر.
الثالثة: نصب العنزة أو نحوها بَين يدَيه إذا صلى في
الصحراء.
***