شرح أبي داود
للعيني 104- باب: مَا يُنهى عنه منَ المُرور ِبين
يَدَي المُصلي
أي: هذا باب في بيان ما نُهِي عنه من الجواز بين يدي
المُصلي، وفي بعض النسخ: " باب النهي عن المرور بين يدي
المصلي ".
682- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر مولى عُمر بن
(3/263)
عُبيد الله، عن بُسْر بن سعيد، أن زيد بن
خالد الجُهني أرسله إلى أبي جُهَيْم يَسْأله ماذا سمع من
النبي صلى الله عليه وسلم في ا"رّ بين يدي المُصلي، فقال
أبو جُهيم: قال رسولُ الله: " لو يَعلمُ ا"رُّ بين يدي
المصلي ماذا عليه لكان أن يَقفَ أربعين خيرٌ له من أن
يَمرّ بين يديه " (1) .
قال أبو النضر: لا أدْري قال: أربعين يوماً أو شهرا أو
سنةً.
ش- مالك: ابن أنس، وأبو النضر: اسمه سالم بن أميّة المدني
القرشي. وبُسْر بن سعيد: بالسين المهملة، المدني، مولى ابن
الحضرمي. سمع: عثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن
ثابت، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: أبو النَّضْر سالم،
وبكير بن عبد الله الأشج، ويعقوب بن عبد الله الأشج،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال ابن سَعْد: وكان من
العُباد المنقطعين، وأهل الزهد في الدنيا، وكان ثقة كثير
الحديث ورعاً. مات بالمدينة سنة مائة. روى له الجماعة (2)
. وزَيْد بن خالد الجهني: الصحابي قد ذكر مرةً.
وأبو جُهَيْم: هو ابن الحارث بن الصمّة بن عمرو بن عتيك بن
عمرو ابن مبذول- وهو عامر- بن مالك بن النجار الأنصاري،
قيل: اسمه: عبد الله، اتفقا له على حديثين. روى عنه: بُسْر
بن سعيد، وعُمير مولى ابن عباس. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إثم ا"ر بين يدي المصلي
(510) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي
(261 / 507) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في
كراهية المرور بين يدي المصلي (336) ، النسائي: كتاب
القبْلة، باب: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين
سترته (2 / 65) ، ابن ماَجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
المرور بين يدي المصلي (945)
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/688) .
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 36) ، وأسد
الغابة (6 / 59) والإصابة (4 / 36) .
(3/264)
قوله: " ماذا عليه " محله نصبٌ على أنه
مفعول لقوله: " لو يعلم " أي: ماذا عليه من الإثم
والخطيئة.
قوله: " لكان" جوابُ " لو".
قوله: " أن يقف " أن مصدرية، والتقدير: لكان وقوفه، وهو في
محل الرفع على أنه اسم كان وخبره: قوله: " خيراً " في
رواية نصب " خيراً " وأما في رواية رفع " خيرٌ " فيكون
ارتفاعه على أنه اسم " كان "، ويكون " أن يقف " في محل
النصب خبره، والتقدير: لكان خيرٌ وقوفَه.
قوله: " من أن يمر " أن مصدرية - أيضا ً- مجرور بمنْ،
والتقدير: منْ مروره. ومعنى الحديث: النهي الأكيد والوعيد
الشديد.
قوله: " لا أدري قال: أربعين يوماً " أي: لا أدري قال أبو
الجهيم عن الرسول: أربعين يوماً أو أربعين شهرا أو أربعين
سنة، وذلك لأنه لا بد من مميّز للعدد المذكور ولايح (1)
ذلك عن هذه الأشياء.
والحديث: أخرجه الستة في كتبهم، وعند ابن ماجه: نا هشام بن
عمار: نا ابن عيينة، عن أبي النضر، عن بُسْر قال: أرسلوني
إلى زيد ابن خالد أسأله عن المرور بين يدي المصلي، فأخبرني
عن النبي- عليه السلام- قال: " لأن يقوم أربعين خير له من
أن يمرّ بين يديه " قال سفيان: فلا أدري: أربعين سنة أو
شهرا أو صباحا أو ساعةً؟
، وفي (2) " مسند البزار ": أخبرنا أحمد بن عَبْدة: حدثنا
سفيان، عن سالم أبي النضر، عن بُسْر بن سعيد قال: أرسلني
أبو جَهيم إلى زيد ابن خالد أسأله عن ا"ر بين يدي المُصلي
ماذا عليه؟ فقال: سمعت رسول الله يَقولُ: " لو يعلم ا"ر
بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقفَ أربعين
خريفاً خير له من أن يقوم بين يدَيه ". انتهى.
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى: " لا يخرج ".
(2) انظر: نصب الراية (2 / 79) .
(3/265)
قلت: وفيه شيئان، أحدهما: قوله: " أربعين
خريف"، الثاني: أن مَتْنه عكس متن " الصحيحين "، فالمسئول
في لفظ " الصحيحين " هو أبو الجهيم، وهو الراوي عن النبي-
عليه السلام-، وعند البزار: المسئول: زيد بن خالد. ونسب
ابن القطان، وابن عبد البر الوهم فيه إلى ابن عيينة، وقال
ابن القطان في كتابه بعد أن ذكره من جهة البزار: وقد خطأ
الناسُ ابن عُيينة في ذلك لمخالفته رواية مالك، وليس خطؤه
بمتعين، لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بُسر بن سعيد إلى
زيد بن خالد، وزيد ابن خالد بعثه إلى أبي جُهيم بعد أن
أخبره بما عنده ليَستثبته فيما عنده، [1/234-ب] فأخبر كل
واحد منهما بمحفوظه، وشك أحدهما وجزم الأخر بأربعين /
خريفاً، واجتمع ذلك كله عند أبي النضر وحدث به. وقال ابن
عبد البر في " التمهيد ": روى ابن عُيينة هذا الحديث
مقلوبا، فجعل في موضع زيد بن خالد أبا جهيم، وفي موضع أبي
جهيم زيد بن خالد، والقول عندنا قول مالك ومن تابعه، وقد
تابعه الثوري وغيرُه. وروى ابن حبان في " صحيحه " من حديث
أبي هريرة مرفوعا: " لو يعلمُ أحدكم ما له في أن يمر بين
يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأنْ يُقيم مائة عام خير له
من الخطوة التي خطى " (1) .
وقال الطحاوي: وهذا عندنا متأخر عن حديث أبي جهيم. وروى
الطبراني في " الأوسط " عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: " إن
الذي يمر بين يدي المصلي عمدا يتمنى يوم القيامة أنه شجرة
يابسة ".
وفي " المصنف " عن عبد الحميد عامل عمر بن عبد العزيز قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم ا"ر بين يدي
المُصلي ما عليه لأحب أن ينكسر فخذه ولا يمر بين يديه ".
وقال عمر: لكان يقوم حولا خير له من مروره. وقال كعب
الأحبار: لكان أن يخسف به خير له من أن يمر بين يديْه.
* * *
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3/266)
105- باب: مَا يَقْطعُ الصّلاةَ
أي: هذا باب في بيان ما يقطع الصلاة.
683- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة. ح ونا عبد السلام بن
مُطهّر، وابن كثير المعنى، أن سليمان بن المغيرة أخبرهم عن
حُميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر. قال
حفص: قال: قال رسول الله- عليه السلام- (1) ، وقالا: عن
سليمان قال: قال أبو ذر: " يقطعُ صلاةَ الرجل إذا لم يكن
بين يديه قِيدُ آخرة الرحْل: الحمارُ، والكلبُ الأسْودُ،
والمرأةُ " فقلت: ما بالُ الأسْود من اَلأحمر من الأصفر من
الأبيض؟ فقال: نا ابن أخي، سألتُ رسولَ الله عما (2)
سألتني فقال:، الكلبُ الأسودُ شيطان " (3) .
ش- عبد السلام بن مطهر: ابن حسام أبو ظفر الأزدي البصري.
روى عن: شعبة، وسليمان بن المغيرة، وجعفر بن سُليمان،
وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو داود، وأحمد بن أبي خيثمة،
وأبو زُرعة، وأبو حاتم وقال: صدوق. مات في رجب سنة أربع
وعشرين ومائتي (4) . وابن كثير: هو محمد بن كثير البصري،
وعبد الله بن الصامت: هو ابن أخي أبي ذر الغفاري، وحَفْص:
هو ابن عمر البصري المذكور
__________
(1) في سنن أبي داود: " يقطع صلاة الرجل، وقالا ... "
(2) في سنن أبي داود:" كما ".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي (265 /
510) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أنه لا يقطع الا
الكلب والحمار والمرأة
(338) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: ذكر ما يقطع الصلاة
وما لا يقطع إذا لم يكن بين المصلي سترة (2 / 63) ، ابن
ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقطع الصلاة (952) ،
كتاب الصيد، باب: صيد كلب المجوس والكلب الأسود البهيم
(3210) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3426) .
(3/267)
قوله:"وقالا" يعنى: عبد السلام بن مطهر،
ومحمد بن كثير " عن سليمان " وهو: ابن المغيرة.
قوله: " قِيدُ آخِرة الرحل " أي: قدر مؤخر الرحل، واعلم أن
قِيد وقادَ وقاسَ وقِيسِ وقدى وقَاب كلها بمعنى القدر، وقد
قيل في قوله تعالى: " قابَ قَوْسيْنِ " (1) إن القوس:
الذراع بلغة أزْد شَنُوءَةَ، وقيل: القابُ: ظفر القوس، وهو
ما وراء معْقد الوتر. وارتفاع " قِيدُ " على أنه اسم " لم
يكن ".
قوله: " الحمارُ " مرفوع على أنه فاعل قوله: " يقطعُ "
وصلاة الرجل: مفعوله.
واختلف العلماء في هذا الحديث، فقال بظاهره غير واحد من
الصحابة والتابعين، وهو قول ابن عمر، والحسن البصري. وقالت
طائفة: يقطع الصلاة: الكلبُ الأسودُ، والمرأة الحائض،
رُوِيَ ذلك عن ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح. وقالت طائفة:
لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود رُوِيَ ذلك عن عائشة، وهو
قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وقال أحمد: في قلبي
من المرأة والحمار شيء. وقالت طائفة: لا يقطع الصلاة شيء،
رُوِيَ هذا القول عن عليّ، وعثمان، وكذلك قال ابن المسيّب،
وعَبيدة، والشعبي، وعروة بن الزبير، وإليه ذهب مالك بن
أنس، وسفيان الثوري، والشافعي، وهو قول أصحابنا وقول أبي
ثور. وقال بعض أصحابنا: الصلاة لا يقطعها ما يمرّ بين يدي
المُصلي بوجه من الوجوه ولو كان خنزيرا، وإنما يقطعها ما
يُفسدها من الحدث وغيره مما جاءت به الشريعة.
والجواب عن الحديث: أن المراد بالقطع: المبالغة في الخوف
على فسادها بالشَّغْل بهم، كما يُقالُ: قطعت عنق أخيك أي:
فعلت به فعلا يخاف علي هلاكه منه كمن قطع عنقه. وذهب بعضهم
إلى أن حديث
__________
(1) سورة النجم: (9) .
(3/268)
أبي ذر وما في معناه منسوخ، وقيل: فيه نظر،
لأن الجمع ممكن / ولا (1/235-أ) يتحقق التاريخ. والحديث:
أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه بنحوه مختصرا ومطولا.
4 ملا- ص- نا مسدّد: نا يحيى، عن شعبة: نا قتادة قال: سمعت
جابر
ابن زيد يُحدّث عن ابن عباس- رفعَه شعبة- قال: " يقطع
الصلاة: المرأة
" لحائضُ، والكلبُ " (1) .
ش- أي: رفعه شعبة بن الحجاج إلى النبي- عليه السلام-.
وأخرجه النسائي، وابن ماجه، وفي حديث ابن ماجه: " والكلب
الأسود ". وقال الطحاوي: أجمعوا أن مرور بني آدم بعضهم
ببعض لا
يقطع الصلاة، رُوِيَ ذلك عن النبي- عليه السلام- من غير
وجه من
حديث عائشة وأم كلمة ومَيْمونة أنه كان يُصلي وكل واحدة
منهن معترضة
بيْنه وبن القِبْلة، وكلها ثابتة. وقد رُوِيَ عن الرسول-
عليه السلام- رد
المصلي مَنْ مرّ بين يديه، فدل ذلك على ثبوت النسخ عنه-
عليه السلام-
أو أنه على وجه الكراهَة.
ص- أوقفه (2) سَعيد، وهشام، وهمام، عن قتادة، عن جابر بن
زيد
على ابن عباس.
ش- أي، أوقف الحديث المذكور: سعيد بن أبي عروبة، وهشام
الدستوائي، وهمام بن يحيي، عن قتادة بن دعامة، عن جابر بن
زيد.
قوله: " على ابن عباس " متعلق بقوله: " أوقفه ".
وأما جابر بن زيد: فهو أبو الشعثاء اليَحْمدي الجَوفي-
بالجيم - من
ناحية عمان، وقيل: موضع بالبصرة يقال له: درب الجَوْف
البصري.
__________
(1) النسائي: كتاب القِبْلة، باب: ذكر ما يقطع الصلاة وما
لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة (2 / 63) ، ابن
ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقطع الصلاة (949) .
(2) في سنن أبي داود:" قال أبو داود: وقفه ".
(3/269)
سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر،
والحكم بن عمرو الغفاري. روى عنه: عمرو بن دينار، وقتادة،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث ومائة. روى له
الجماعة (1) .
685- ص- نا محمد بن إسماعيل البصري: نا معاذ: نا هشام، عن
يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أحْسبُه عن رسول الله
قال: " إذا " صلى أحدُكم إلى غير السترة فإنه يقطع صلاتَه:
الكلبُ، والحمارُ، والخنزيرُ، واليهوديُّ، والمَجُوسي،
والمرأةُ، ويُجزئ عنه إذا مَروا بَيْن يديه على قذفة بحجر
" (2) .
ش- محمد بن إسماعيل: ابن أبي سَمينة أبو جعفر البصري، روى
البخاري حديثاً عن محمد بن أبي غالب، عنه، وروى عنه: أبو
داود، وأبو يعلى الموصلي. قال البخاري: كان قد قدم بغداد
ثم خرج إلى الثغر، فمات به سنة ثلاثين ومائتين (3) .
ومعاذ: ابن فَضالة البَصْري الزهراني، ويُقال: القرشي
مولاهم، ويقال: الطفاوي. سمع: الاستوائي، والثوري، وابن
لهيعة، وغيرهم. روى عنه: ابن وهب، والبخاري، وأبو حاتم
وقال: ثقة صدوق (4) .
وهشام: الدستوائي، ويحيى: ابن أبي كثير.
قوله:" ويُجزئ عنه " أي: عن الذي صلى إلى غير السترة " إذا
مروا " أي: هؤلاء المذكورون.
قوله: " على قذفة " أي: رَمْية بحجرٍ.
وقال أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء، كنتُ أذاكر به
إبراهيم وغيره فلم أرَ أحداً جاء به عن هشام ولا يَعْرفه،
ولم أر أحداً يحدث به (5)
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 866) .
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(24 / 5065) . (4) المصدر السابق له (28/ 34 0 6) . (5) في
سنن أبي داود: وجاء به".
(3/270)
عن هشامِ، وأحْسبُ الوهم من ابن أبى سمينة
(1) ، والمنكر فيه: ذكر المجوسي، وفيه:" على قذفة بحجر "،
وذكرَ الخنزير، وفيه نكارة. قال:
ولم أسْمع هذا الحديث إلا من ابن أَبي سمينة (2) ، وأحْسبه
وهم لأنه كان
يُحدثنا من حفظه.
وقال ابن القطان: ليس في سنده متكلم فيه، غير أن علته
بادية، وهي
الشك في رفعه، فلا يجوز أن يُقال: إنه مرفوع، وفي " العِلل
" لابن
أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن حديث رواه عُبَيس بن ميمون، عن
ابن
أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة يَرفعه: " يقطع
الصلاة:
" لكلبُ، والحمارُ، والمرأةُ، واليهوديُ، والنصراني،
والمجوسي،
والخنزيرُ "، فقال: هذا حديث منكر. وهو عند مسلم: " يقطع
الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار ". وكذا رواه ابن مغفل
عند ابن
ماجه بسند صحيح.
686- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، من سعيد بن
عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران
فال: رأيت رجلاً
بتبُوكَ مُقعدا فقالَ: مررتُ بين يدي النبي- عليه السلام-
وأنا على حمار
وهو يُصلي فقال: " اللهم اقطعْ أثرَه " فما مَشيتُ عليها
بَعدُ (3) .
ش- يزيد بن نمران: ابن يزيد بن عبد الله المذْحجي الذماري،
ويقال:
يزيد بن غزوان. روى عن: عمر بن الخطابَ، وأبي الدرداء،
وعن:
مُقْعَد المذكور. روى عنه: مولى له اسمه: سعيد، وإسماعيل
بن عبيد الله
ابن أَبي المهاجر. روى له: أبو داود (4) .
/ قوله: (بتبوك " أي: في تبوك، وهي بفتح التاء المثناة من
فوق، وضم
(1/235-ب)
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: " ويعني: محمد بن
إسماعيل البصري مولى بني هاشم ".
(2) في سنن أبي داود: " محمد بن إسماعيل بن سمينة "
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32 / 0 6 0 7) .
(3/271)
الباء الموحدة، بُليدة بين الحجْر والشام،
وبها عين ونخيل، وقيل: كان أصحاب الأيكة بها، وهي لا تنصرف
للعلمية والتأنيث.
قوله: " مُقْعدا "- بضم الميم وسكون القاف - وهو الذي لا
يقدر على القيام لزَمَانة به، كأنه قد ألْزم القُعودَ،
وقيل: هو منَ القُعَاد، وهو داء يأخذ الإبل في أوراكها،
فيُميلها إلى الأرض. وقال الشيخ زكي الدين في " مختصره ":
ومولى يزيد مجهول.
قلت: قد ذكره عبد الغني في " الكمال " وقال: اسمه سعيد-
كما ذكرناه-، ولكنه كأنه أشار به إلى ضَعف الحديث. وقال
ابن القطان: هذا الحديث في غاية الضعْف ونكارة المتن وزعم
الحازمي أنه على تقدير الصحة يكون منسوخا بحديث ابن عباس؟
لأن حجة الوداع بعد تبوك فافهم.
678- ص- نا كثير بن عُبيد: نا أبو حَيْوة، عن سعيد بإسناده
ومعناه، زاد: فقال: " قطع صلاتَنا قطعَ الله أثرَه " (1) .
ش- كثير بن عُبَيْد: ابن نمير الحمْصي، إمام جامع حمص.
سمع: أيوب بن سُويد الرمْلي، وابن عُيينة، ووكيعاً، وأبا
حَيْوة، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة. توفي
سنة سبع وأربعين ومائتْين (2) . وأبو حيوة: شريح بن يزيد
الحَضرمي الحمْصي المقرئ. روى عن، شعيب بن أبي حمزة،
وصفوان بن عَمرو، وأرطاة بن المنذر، وغيرهم. روى عنه:
ابنه: حَيْوة، ويحيى بن عثمان، والوليد بن عتبة، وغيرهم.
روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
وسعيد: ابن عبد العزيز المذكور.
قوله: " قطع صلاتنا " أي: فعل فعلا يخاف منه القطع، لا أنه
قطع
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(24 / 4949) . (3) المصدر السابق (12 / ص455)
(3/272)
حقيقة، و" قطع " الثاني إنشاء في صورة
الإخبار بمعنى: اللهم اقطع أثره، ويستفاد منه: أن المصلي
إذا دعى على من يمرّ بين يدَيْه فلا بأس علي. ص- قال أبو
داود: رواه أبو مُسْهِرٍ، عن سَعيدٍ قال (1) : " قطع
صلاَتنا " ش- أبو مسهر: عبد الأعلى بن مسْهر. وأشار بهذا
أن في رواية أبي مُسْهر، عن سعيد بن عبد العزيز: " قطع
صلاتنا " كرواية أبي حيوة عنه.
688 - ص- نا أحمد بن سعيد الهمْداني ح، ونا سليمان بن
دَاوُد: أنا ابن وهب قال: أخبرني معاوية، عن سعيد بن
غزوان، عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا برجل (2)
مُقْعد فسأله عن أَمْره فقال: سأحدثك بحديث (3) فلا
تُحدِّثْ به ما سمعْت أنيً حب: إنّ رسول الله " شَي " نزلَ
بتبوِك إلى نخلة فقال: " هذه قبْلتُنا "، ثم صلّى إليها
قالَ: فأقبلتُ وأنا غلام أسْعى حتىِ مَررًتُ بَيْنه
وبَيْنها فَقال: " قطعَ صلاتنا قطع الله أثره " فما قمتُ
عليها إلى يوْمي هذا (4) .
ش- مُعاوية: ابن صالح الحمصي قاضي الأندلس. وسَعيد بن
غزْوان. روى عنه: أبيه، وصالح بن يحيى بن المقدام. روى
عنه: معاوية بن صالح، والحارث بن عبيدة الكلاعي. روى له:
أبو داود (5) . وفي " الكمال " (6) : غزوان روى عن رجل
مقعد بتبوك، روى عنه: ابنه: سعيد بن غزوان، روى له: أبو
داود (7) .
قوله: " وهو حاج " أي: قاصد الحج.
__________
(1) في سنن أبي داود:، " قال فيه ".
(2) في سنن أبي داود: (فإذا هو برجل ".
(3) في سنن أبي داود:، فقال له: سأحدثك حديثا ". (4) تفرد
به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6058) .
(6) كذا انتقل إلى ترجمة أبيه مباشرة.
(7) المصدر السابق (23 / 4687) .
18. شرح سنن أبى داود 3
(3/273)
قوله: " أني حي " بفتح الهَمْزة في محل
المفعولية، والتقدير: ما سمعْت حياتي في الدنيا.
قوله: " إن رسول الله " بكسر الهمزة، لأنه ابتداء كلام.
قوله: " عليها " أي: على رجْلي، وليس ب " ضمار قبل الذكر
لوجود
"القرينة.
* * *
106- باب: سترة الإِمَام سترة لِمَنْ خَلفَه
أي: هذا باب في بيان أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
689- ص- نا مسدد: نا عيسى بن يونس: نا هشام بن الغاز، عن
عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: هبطنا مع النبي- عليه
السلام- من ثَنية أذَاخِرَ، فحضرتِ الصلاةُ فصَلى إلى
جَدْرٍ فاتخذه قبلةً ونحن خَلفه فجاءت بَهْمة تمر بين
يدَيْه، فما زال يُدارئُها حتى لصق بَطنُهَ بالجدر، ومرّت
من ورائه، أو كما قال مُسدد (1) .
ش- عيسى بن يونس: ابن أبي إسحاق السبيعي.
وهشام بن الغار: ابن ربيعة الجرشي، أبو عبد الله الشامي
الدمشقي، نزل بغداد. سمع: نافعا، وعطاء، وعمرو بن شعيب،
وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وعيسى بن يونس، والوليد بن
مسلم، وغيرهم. قال أحمد: صالح الحديث. وقال ابن معين: ليس
به بأس. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له: البخاريّ،
وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " من ثنية " الثنية: اسم لكل فج في جبلِ يخرجك إلى
فضاء؟ وقيل: لا تسمى ثنيةَ حتى تكون مَسلوكةَ، وقال ابن
الأثير: الثنية في
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(30 /6588)
(3/274)
الجبل كالعقبة فيه، وقيل: هو الطريق العالي
فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه.
قوله: " أذاخر " - بفتح الهمزة، وبعدها ذال معجمة مفتوحة،
وخاء معجمة مكسورة وراء-: موضع بين مكة والمدينة، وكأنها
مسماة بجمع " الإِذخِر.
قوله: (فصلى إلى جَدْر " - بفتح الجيم، وسكون الدال
المهملة -
/ الجَدْر، والجدار: "الحائطُ. (1/236-أ)
قوله: " بَهْمة " البَهْمة: اسم للذكر والأنثى من أولاد
بقر الوحش والغنم والمعْز، وقيل: البهمة: السَخْلة. وقيل:
البهمة اسم للأنثى، لقوله- عليه السلام- للراعي: ما ولدتَ؟
قال: " بهمة. قال: " اذبح مكانها شاةً " (1) ، فلولا أن
البهمة اسم لجنس خاص " كان في سؤاله صلى الله عليه وسلم
الراعيَ وإجابته عنه بهمة كثير فائدة، إذْ يُعْرف أن ما
تلد الشاة: إما يكون ذكرا أو أنثى، ف" أجاب ببهمة فقال: "
اذبح مكانها شاة، دَل على أنه اسم للأنثى دون الذكر، أي:
دع هذه الأنثى في الغنم واذبح مكانها شاةً.
وفيه فوائد، الأولى: أن سترة الإمام هي سترة للقوم، حيث
صلى رسول الله- عليه السلام- إلى جَدْرٍ والناس خلفه، وفيه
التبويبُ. الثانية: أن مرور الحيوان بين يدي المُصلي لا
يقطع الصلاة، لأن البهمة وإن كانت مرت من خلف النبي- عليه
السلام-، ولكنها من بين يَدي القوم وسترته سترتهم.
والثالثة: المدارأةُ بالمار مهما أمكن حتى لا يمر من بين
يدَيْه.
690- ص- نا سليمان بن حرب، وحفص بن عمر قالا: نا شعبة، عن
__________
(1) تقدم برقم (131) باب في الاستتار.
(3/275)
عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن ابن
عباس أن النبي- عليه السلام- كان يُصلي فذهب جَدْي يمرّ
بين يدَيْه فجعلَ يتّقِيه (1) .
ش- عمرو بن مُرة: ابن عبد الله المرادي الكوفي.
ويحيى بن الجزار- بالجيم والزاي المعجمة وآخره راء- العرني
(2) الكوفي، يلقب " زَبّان "- بالزاي والباء الموحدة-.
سمع: عليا، وابنه: الحُسن بن علي، وعبد الرحمن بن أبي
ليلى، وغيرهم. روى عنه: الحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة،
والحسن العرني (2) . قال أبو حاتم وأبو زرعة: هو ثقة. روى
له: الجماعة إلا البخاري (3) . قوله: " فذهب جَديٌ "
الجدي- بفتح الجيم وسكون الدال المهملة-: الصغير من ولد
المعز، وجمعه في الكثرة: جداء، وثلاثة أجْد، ولا تقل في
الكثرة: الجَدايا ولا الجِدْ- بكسر الجيم.
قوله: " فجعل يتقي" أي: جعل رسول الله يحترز من مروره من
بَيْن يديْه، ويدارئه حتى لا يمرّ من بين يديه.
* * *
107- باب: مَنْ قال: المرأةُ لا تَقْطعُ الصَّلاةَ
أي: هذا باب في بيان من قال: إن المرأة إذا مرت من بين يدي
المصلي
لا تقطع صلاته. وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في أن المرأة
لا تقطع الصلاة ".
691- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن سَعْد بن
إبراهيم، عن عروة،عن عائشة قالت: كنتُ بين النبي- عليه
السلام- وبَيْن القِبْلة. قال شعبة: وأحسبها قالت: وأنا
حائض (4) .
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) في الأصل:" الغرني " خطأ. (3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 /6800) .
(4) تفرد به أبو داود.
(3/276)
ش- سَعْد بن إبراهيم: ابن عبد الرحمن بن
عَوْف قاضي المدينة.
قوله: " وأحسبها قالت " أي: وأحسب عائشة قالت: والحال أنا
حائض في ذلك الوقت. والحديث دَلّ على أن مرور المرأة من
بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، لأن المعترضة الحائض بَيْنه
وبن القِبْلة إذا لم تقطع فا"رة بطريق الأولى، وهو وأمثاله
حجة على من يرى أن المرأة تقطع الصلاة.
ص- قال أبو داود: رواه الزهري، وعطاء، وأبو بكر بن حفص،
وهشام ابن عروة، وعراك بن مالك، وأبو الأسْود، وتميم بن
سلمة- كلهم-، عن عروة، عن عائشة (1) ، وأبو الضحى، عن
مسروق، عن عائشة، والقاسم ابن محمد، وأبو سلمي، عن عائشة،
ولم يذكر واحد منهم (2) : "وأنا حائض ".
ش- أي: روى هذا الحديث: الزهريّ، وعطاء بن أبي رباح، وأبو
بكر: عبد الله بن حفص بن عمر بن سَعْد بن أبي وقاص، وعراك
ابن مالك: المدني، وأبو الأسود: محمد بن عبد الرحمن بن
الأسود الأسدي المدني.
وتميم بن سلمة: السُّلَمي الكوفي، وهو رأى عبد الله بن
الزبير، وسمع أخاه: عروة بن الزبير، وشريحا (3) القاضي،
وعبد الرحمن بن هلال. روى عنه: طلحة بن مصرف، والأعمش،
ومنصور بن المعتمر. قال ابن معين: ثقة. مات سنة مائة. روى
له الجماعة، البخاري " استشهادا (4) .
قوله: " كلهم " أي: كل هؤلاء المذكورون رووا الحديث
المذكور عن عروة بن الزبير بن العوام، عن عائشة أم
المؤمنين.
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: " وإبراهيم عن الأسود،
عن عائشة ". (2) في سنن أبي داود: " ولم يذكروا ". (3) في
الأصل: " شريح ". (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/
803) .
(3/277)
قوله: " وأبو الضحى " أي: رواه أبو الضحى /
مُسلم بن صُبيح- بضم الصاد وفتح الباء الموحدة- العطار
الكوفي الهَمْداني مولى يل سعيد بن العاص. سمع: ابن عباس،
وابن عمر، والنعمان بن بشير، ومَسْروق ابن الأجدع، وغيرهم.
روى عنه: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، ومغيرة بن مقسم،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات في خلافة عمر ابن عبد
العزيز. روى له الجماعة (1) .
والقاسم بن محمد: ابن أبي بكر الصديق، وأبو سلمة: عبد الله
بن عبد الرحمن.
قوله:" ولم يذكر واحد منهم " أي: من هؤلاء المذكورين في
روايتهم عن عائشة:" وأنا حائض ".
692- ص- نا أحمد بن يونس: نا زهير، نا هشام بن عروة، عن
عروة، عن عائشة أن رسول اله كان يُصلي صلاةَ (2) من الليل
وهي معترضة بَيْنه وبين القِبْلة راقدة على الفراش الذي
يرقد عليه حتى إذا أراد أن يُوتر أيْقظها فأوترتْ (3) .
ش- زهير: ابن معاوية.
قوله: " وهي معترضة، جملة اسمية وقعت حالا "
وقوله: " راقدة " خبر بعد خبرِ.
قوله: وعلى الفراش الذي يرقد عليه " أي: الفراش الذي ينام
عليه رسول الله- عليه السلام -. والحديث: أخرجه البخاري،
ومسلم، وابن ماجه من حديث الزهري، عن عروة. ويستفاد من
الحديث فوائد؛
__________
(1) المصدر السابق (27 / 5931) . (2) في سنن أبي داود:"
صلاته ".
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: من قال: لا يقطع الصلاة
شيء (515) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي
المصلي (267 / 512) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنة فيها، باب: من صلى
وبينه وبين القبلة شيء (956) .
(3/278)
الأولى: استدلت به عائشة والعلماء بعدها
على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل.
الثانية: فيه جواز صلاة الرجل إليها، وكرهه البعض لغير
النبي- عليه السلام- لخوف الفتنة بها، وتذكرها واشتغال
القلب بها بالنظر إليها، والنبي- عليه السلام- منزّه عن
هذا كله، مع أنه كان في الليل والبيوت يومئذ ليس فيها
مَصابيح.
الثالثة: استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق
بالانتباه.
الرابعة: استحباب إيقاظ النائم للصلاة في وقتها.
693- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن عبيد الله قال: سمعت القاسم
يُحدث عن عائشة قالت: بئسَ ما عدَلتمونا بالحمار والكلب،
لقد رأيت رسولَ الله يُصلي وأنا معترضة بين يدَيْه، فإذا
أراد أن يَسْجد غمز رجلي فضممتها إلى ثم سجَد (1) ، (2) .
ش- يحيى: القطان، وَعُبَيْد الله: ابن عمر بن حفص،
والقاسم:
ابن محمد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-.
قوله: " بئس ما عدَلتمونا " اعلم أن " بئس " من أفعال الذم
كما أن " نعم، من أفعال المدح، وشرطهما: أن يكون الفاعل
المظهر فيهما معرّفا باللام، أو مضافا إلى المعرف بها، أو
مُضمرا مميزا بنكرة منصوبة، وقد ذكرناه مستوفى في " نعم ".
وأما بيان هذا الكلام فقوله مَا يجوز أن يكون بمعنى،" الذي
" ويكون فاعلاَ لبئِس والجملة- أعنى " عدلتمونا "- صلة له،
ويكون المخصوص بالذم محذوفا، والتقدير: بئس الذي عدلتمونا
بالحمار ذلك الفعلُ، ويجور أن يكون فاعل بئس مُضمرا مميزا،
وتكون الجملة بعده صفة له،
__________
(1) في سنن أبي داود:" يسجد ".
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: هل يغمز الرجل امرأته عند
السجود لكي يسجد (519) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك
الوضوء من مس الرجلِ امرأتَه من غير شهوة (1 / 102) .
(3/279)
والمخصوص- أيضاً- محذوفا، والتقدير: بئس
شيئاً ما عدلتمونا بالحمار شيء، وفي الوجهين المخصوص بالذم
مبتدأ، وخبره يكون الجملة التي قبله، ومعنى " عدلتمونا
بالحمار ": جعلتمونا مثله، ونظيره من قولك: عدلتُه بهذا
إذا سوّيت بينهما وكذلك عادلتُ.
قوله: " غمز رجلي " قال الجوهري: غمزت الشيء بيدي، وقال:
وكنتُ إذا غمزتُ قناةَ قوم كسرتُ كعوبَها أو تَسْتقيما
وغمزته بعَيْني، قال تعالى: " وإذا مروا بهم يتغامزون "
(1) والمراد هاهنا: الغمز باليد. وفيه حجة لأصحابنا، لأن
الأصل فني الرجل أن يكون بغير حائل عرفا، وكذلك اليد، كذا
قاله ابن بطال وقال: وقول الشافعيّ: " كان غمزه إياها على
ثوب " فيه بعدٌ. انتهى. وأيضا- من الجائز أن يمسّ منها
عضوا بغير حائل، لأن المكان إذا كان بغير مصباح لا يتأتي
فيه الاحتراز كما إذا كان فيه مصباح، والنبي- عليه السلام-
في هذا المقام في مقام التشريع لا الخصوصية، إذ من المعلوم
أن الله تعالى عصمه في جميع أفعاله وأقواله.
والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي، وفي رواية البخاري-
أيضاً-
عن عائشة أنها قالت: لا كنت أنامُ بين يدي رسول الله
ورجْلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت برجلي، وإذا قام
بَسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ".
(1/237-أ) ومن حديث الزهري، عن عروة، عنها: كان يُصلِّي
وهي بَيْنهُ وبين القِبْلة على فراش أهله اعتراض الجنازة.
ومن حديث عراك، عن عروة، أن النبي- عليه السلام- كان يُصلي
وعائشة معترضة بَيْنه وبن القِبْلة على الفراش الذي ينامان
عليه.
وعند مسلم: كان يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه
وبين
__________
(1) سورة المطففين: (30) .
(3/280)
القبْلة على فراش أهله اعتراض الجنازة. وفي
لفظ: يصلي وسط السرير وأَنا مضطجعة بينه وبين القبْلة،
تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله، فأنسل انسلالا من
قبل رجلَيْه. وفي لفظ: وأنا حذاءه وأنا حائض، وربما قالت:
أصابني ثوبه إذا سجد. وفي لفظ: عليّ مرْط وعليه بعضُه.
694- ص- نا عاصم بن النضر: ثنا المعتمر: نا عبيد الله، عن
أبي النضر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها
قالت: كنت أكون نائمةً ورجْلاي بَيْن يدي رسول الله وهو
يُصلي من الليل، فإذا أرادَ أن يَسْجد ضربَ رجْلي فقبضتها
(1) ، فسَجد (2) .
ش- عاصم بن النضر: ابن المنتشر الأحول التيمي البصري. روى
عن: معتمر بن سليمان، وخالد بن الحارث. روى عنه: موسى بن
إسحاق الأنصاري، ومُسلم، وأبو داود، وروى النسائي، عن رجل،
عنه (3) .
وعُبيد الله، ابن عمر العمري، وأبو النَّضْر: سالم بن أبي
أميّة.
قوله: " وهو يُصلي " جملة حاليّة. والحديث يدلّ على أمور،
منها: جواز الصلاة إلى المرأة، ومنها: جواز الصلاة إلى
نائم، ومنها: أن المرأة لا تقطع الصلاة، ومنها: أن مس
المرأة لا ينقض الوضوء، ومنها: أن الصلاة في الظلام غير
مكروهة، ومنها: استحباب صلاة الليل، ومنها: أن العمل
اليسير لا يقطع الصلاة. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم،
والنسائي بنحوه أتم منه.
695- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا محمد بن بشرح، ونا
القعنبي:
__________
(1) في سنن لبي داود: " فقبضتهما ".
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: هل يغمز الرجل امرأته عند
السجود لكي يسجد (519) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الاعتراض
بين يدي المصلي (512 / 272) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب:
ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة (1 / 101) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 3029) .
(3/281)
نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد، وهذا لفظه
-، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت:
كنتُ " أنام " وأنا مُعترضة في قِبْلة رسول الله صلى الله
عليه وسلم " فيصلى، رَسولُ الله وأنا أمامه إذا أرادَ
يُوترُ. زاد عثمان: غمزني، ثم اتفقا فقال:" تَنَحيْ " (1)
.
ش- عبد العزيز: الدراوردي، ومحمد بن عمرو: ابن علقمة بن
وقاص.
قو له: " وأنا أمامه " أي: قدامه.
قوله: " زاد عثمان " أي: ابن أبي شيبة، وهذه الجملة معترضة
بين قوله: " يوتر"، وبين قوله: " غمزني ".
قوله: " ثم اتفقا " أي: عثمان والقعنبي.
قوله: " فقال: تَنَحيْ " أي: قال النبي- عليه السلام-:"
تنحي" أي: تحولي، وهو أمر من تَنَحى يتنحى، فللمذكر: تَنَح
وللمؤنث: تنحَيْ- بفتح الحاء وإسكان الياء.
* * *
108- باب: مَنْ قال: الحمارُ لا يقطعُ الصلاةَ
أي: هذا باب في بيان مَنْ قال: الحمار لا يقطع الصلاة إذا
مر بين يدي المصلي.
696- ص- نا عثمان بن أبى شيبة: نا سفيان بن عيينة، عن
الزهري، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: جئتُ
على حمار ح، ونا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عُبيد
الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه قال: أقبلتُ
راكبا على أتانِ وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلامَ ورسول
الله يُصلي بالناسِ بمِنىَ، فمررتُ بين يدي بعض
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(3/282)
الصف فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع ودخلت الصف
(1) فلم ينكر ذلك
أحد (2) .
ش- الأتان- بالفتح- الحمارة، والجمع: " أتُن وأتُن وأتْن،
ويقال:
بالكسر لغة- أيضاً-، ذكره ابن عُدَيس في " المثنى "، وفي "
المحكم ":
الأتان: الحمارة، والمأتونا اسم للجمع، واستأتن الحمارُ
صار أتانا،
وفي " الصحاح ": ولا تقل أتانة، وقال ابن قرقول: جاء في
بعض الحديث: أتانة، وضبط الأصيلي حمار أتان على النعت أو
البدل مُنونين
وجاء على حمار وجاء على أتان، فالأولى الجمع بينهما. وقال
سراج بن
عبد الملك: أتان وصف للحمار، ومعناه: صلب قوي مأخوذ من
الأتان
وهي الحجارة الصلبة، قال: وقد يكون بدل غلط، قال: وقد يكون
/ (1/ 237 - ب) ، البعض من الكل، لأن الحمار يشمل الذكر
والأنثى كالبعير. وقال ابن
سراج: وقد يكون على حمار أتان على الإضافة أي: على حمار
أنثى،
وكذا وجلله مضبوطا في بعض الأصول.
قوله:" وقد ناهزت الاحتلام " ذكر في " الموعب " إذا دنى
الصَبي
للفطام قيل: ناهز، وقد نهز، والجارية: ناهزة، ومعنى كلامه:
قارنتُ
البلوغ. وقد اختلف في سنه يوم وفاة سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقيل: خمس عشرة، وصوبه أحمد بن حنبل.
وقيل: ثلاث عشرة، وقيل:
عشر سنين، وفيه بُعد، وقيل غير ذلك.
قوله: " بمنى " قد مر الكلام فيه، سمي به " يُمْنى فيها من
الدماء
أي: يراق، َ وقيل: لأن آدم تمنى بها الجنة، وقيل: لأن
الأقدار وقعت
__________
(1) في سنن أبي داود: " في الصف ".
(2) البخاري: كتاب العلم، باب: متى يصح سماع الصغير؟ (76)
، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلى (256 / 504) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء لا يقطع الصلاة شيء
(337) ، النسائي: كتاب القِبلة، باب:
ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي
سترة (2 / 64) ،
ابن ما-: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما يقطع الصلاة (947) .
(3/283)
على الضحايا بها فذبحت، من قولهم: منى الله
عليك خيراً أي: قدره. وقيل: لأن جبريل- عليه السلام- " أتى
آدم بمنى قال له: تمنّ.
قوله: " ترتع " أي: تأكل وتَنْبسط وتتسع في رَعْيها
مُرْسلة. والحديث: أخرجه الأئمة الستة، ولفظ النسائي، وابن
ماجه: " بعرفة ". وأخرج مسلم اللفظين، والمشهور أن هذه
القضية كانت في حجة الوداع. وقد ذكر مسلم حديث معمر، عن
الزهري وفيه: وقال في حجة الوداع أو يوم الفتح، فلعلها
كانت مرّتين. وعند البزار بسند صحيح، عن ابن عباس: أتيتُ
أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله- عليه
السلام- بعرفة وهو يصلي المكتوبة، ليس شيء يَسْتره يحول
بيننا وبيْنه. وعند أبي بكر بن خزيمة (1) : جئت أنا وغلام
من بني عبد المطلب على حمار، وفيه: وجاءت جاريتان من بني
عبد المطلب اقتتلتا فأخذهما فنزع إحديهما من الأخرى فما
بالا ذلك.
وعند النسائي: فأخذتا بركبَتَي النبي- عليه السلام- ففرع
بينهما ولم ينصرف (2) .
وعند الطبراني: كان الفضل أكبر مني، فكان يُرْدفُني فأكون
بين يدَيْه، فارتدفت أنا وأخي حمارة. وفي لفظ: ربما رأيتُه
صلى الله عليه وسلم يُصلي والحمرُ تعترك بين يدَيْه.
وهذا الحديث دل على أن الحمار لا يقطع الصلاة. ودعم ابن
القصار
أن من قال: إن الحمار يقطع الصلاة قال: إن مرور حمار عبد
الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصف.
قلت: هذا كلام جيّد، لولا رواية البزار من أن ذلك كان بين
يدي النبي- عليه السلام-، ولا يُعارِضه حديث المُقْعد
بتبوك الذي مضى ذكره، لأنه ضعيف أو منسوخ- كما ذكرناه.
__________
(1) في الأصل: وأبو بكر بن أبي خزيمة " خطأ. (2) يأتي بعد
الحديث الآتي.
(3/284)
ص- هذا لفظ القعنبي، وهو أتم. قال مالك:
وأنا أرى ذلك واسعا إذا قامت الصلاة.
ش- أي: هذا الذي رويناه لفظ عبد الله بن مسلمة القعنبي،
وهو أتم من رواية عثمان بن أبي شيبة.
قوله: " وأنما أرى ذلك واسعا " أي: مرور الحمار بين يدي
المصلَي، والمقصود أشار به إلى أن الحمار لا يقطع الصلاة،
خلافاً لمن رأى ذلك. 697- ص- نا مسدد: نا أبو عوانة، عن
منصور، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن أبي الصهباء قالَ:
تَذاكرنا ما يَقطع الصلاةَ عند ابن عباس فقال: جئتُ أنا
وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورَسُولُ الله بُصلِي،
فنزلَ ونزلتُ فتركنا (1) الحمارَ أمامَ الصف فما بالاه،
وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب فدخلتا بين الصف فما بالا
ذلك (2) .
ش- أبو عوانة: الوضاح، ومنصور: ابن المعتمر، والحكم: ابن
عتيبة، ويحيى بن الجزار: مر عن قريب.
وأبو الصهباء: اسمه: صهيب مولى عبد الله بن عباس، وقيل:
إنه بصري. وقال في " الكمال ": أبو الصهباء الكوفي. روى
عن: سعيد ابن جبير. روى عنه: حماد وسعيد ابنا زيْد، وعمارة
بن زاذان، والحسن بن أبي جعفر. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي. وفي " مختصر السنن ": وسئل عنه أبو
زمعة فقال: مديني ثقة (3) . قوله: " أمام الصف " أي:
قدامه.
قوله: " فما بالاه " أي: فما اكترث له وهو من بَالى يبالي
مُبالاةً. واستفيد من الحديث: أن الحمار والمرأة لا يقطعان
الصلاة. والحديث أخرجه ابن خزيمة (4) - كما ذكرناه آنفا.
__________
(1) في حق أبي داود: " وتركنا ".
(2) النسائي: كتاب القبْلة، باب: ذكر ما يقطع وما لا يقطع
إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة (2 / 65) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33 / 7446) .
(4) في الأصل:" ابن أبي خزيمة " خطأ.
(3/285)
(1 / 238 -أ)
/ 698- ص- نا عثمان بن أي شيبة، وداود بن مخراق الفريابي:
نا جرير، عن منصور بهذا الحديث بإسناده قال: فجاءت جاريتان
من بني (عبد) المطلب اقتتلتا فأخذهما. قال عثمان: فَفَرَعَ
بينهما، وقال داود: فنزع إحديهما من الأخرى فما بالا ذلك
(1) .
ش- داود بن مخراق الفريابي: سمع: سفيان بن عيينة، وعيسى بن
يونس، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن موسى الفِطْري. روى عنه:
أبو داود، وجعفر بن محمد الفريابي، ومحمد بن أشرس. مات سنة
تسع وثلاثين ومائتين (2) .
وجرير: ابن عبد الحميد، ومَنْصور: ابن المعتمر.
قْوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور.
قوله: " قال عثمان " يعني: ابن أبي شيبة ما ففرع بينهما "
أي: حجَز وفرق. قال الجوهري: فرَعتُ بينهما: حجزتُ وكففتُ.
انتهى، وهو بالفاء والراء والعين المهملتين، من باب فتح
يفتح، ويقال: فرغ بالتشديد يُفرع تفريعا أي: فرق تفريقا.
ْقوله: " وقال داود " أي: داود بن مخراق " فنزع إحديهما "
أي: إحدى الجاريتين من الأخرى. والحديث: أخرجه النسائي،
وابن خزيمة (3) .
* * *
109- باب: من قال: الكلبُ لا يَقْطعُ الصلاة
أي: هذا باب في بيان من قال: إن مرور الكلب بين يدي المصلي
لا يقطع صلاته. وفي بعض النسخ: " باب فيمن رأى الكلب لا
يقطع الصلاة"
__________
(1) انظر تخريج الحديث المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1785) . (3) في
الأصل: " ابن أبي خزيمة " خطأ.
(3/286)
699- ص- نا عبد الملك بن شعيب بن الليث
قال: حَدثني أبي، عن جدي، عن يحيى بن أيوب، عن محمد بن عمر
بن على، عن عباس بن عبيد الله بن عباس، في الفَضْل بن عباس
قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ونحن في بادية
(1) ومعه عباس فصلى في صحراء ليْس بين يديه سُترة وحمارة
لنا وكلبًة تعْبثان بين يديه فما بالَى ذلك (2) .
ش- يحمى بن أيوب: الغافقي المصري.
ومحمد بن عمر بن علي: ابن أبي طالب - كرم الله وجهه (3) -،
كنيته: أبو عبد الله، وأمه: أسماء بنت عقيل بن أبي طالب،
يروى عن: علي بن أبي طالب، وكثر روايته عن أبيه، وعلي بن
الحُسين. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، والثوري، ويحيى
بن أيوب، وغير هم (4) .
وعباس0 بن عبيد الله بن العباس: ابن عبد المطلب القرشي
الهاشمي. روى عن: الفضل بن عباس. روى عنه: محمد بن عمر بن
علي. روى له: أبو داود، والنسائي (5) .
والفضل بن عباس: ابن عبد المطلب الهاشمي القرشي ابن عم
رسول الله، أبو عبد الله أو أبو محمد أو أبو العباس،
رُوِيَ له عن رسول الله أربعة وعشرون حديثا، اتفقا على
حديثين. روى عنه: أخوه: عبد الله ابن عباس، وأبو هريرة،
وعباس بن عبيد الله بن عباس، وخلق سواهم. مات بالشام في
طاعون عَمْواس سنة ثمان عشرة وهو الأظهر، وقيل: قتل يوم
أجنادين سنة ثلاث عشرة، وقيل: قتل يوم اليرموك سنة
__________
(1) في سنن أبي داود: " بادية لنا "
(2) النسائي: كتاب القِبلة، باب: ذكر ما يقطع الصلاة وما
لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة (2 / 65) .
(3) تقدم التعليق على خطأ هذه الكلمة في (1 / 182) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5496) .
(5) المصدر السابق (14 / 3130) .
(3/287)
أربع عشرة أو خمس عشرة، وقيل: قتل يوم
مَرْج الصّفْر سنة ثلاث عشرة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " وحمارةٌ لنا " مبتدأ خضت بالصفة، و" كلبةٌ " عطف
عليها، وخبره: " تعْبثان " أي: تلعبان، والعبَث: الإفْساد،
وفي نسخة: "تَعِيثان " من عَاث الذئب في الغنم يعيث عَيْثا
إذا أفسد، ويجوز أن يكون من عِثي يعثى عثيا إذا أفسَدَ من
باب علم يعلم، ويقال: عثا يَعْثو من باب نصر ينصر، ويكون
التثنية: تعثيان - بتقديم الثاء المثلثة -.
ويفهمُ من الحديث مسألتان، الأولى: إذا صلى في الصحراء بلا
سترة
لا بأس علي. قال الأبهري: لا خلاد أن السترة مشروعة إذا
كان في موضع لا يأمن من المرور بين يديه، واختلفوا في موضع
يأمن، فعن مالك قولان، وهي عند الشافعي مشروعة مطلقا لعموم
الأحاديث، فإن كان في الفضاء هل يصلي إلى غير سترة؟ فأجازه
ابن القاسم لهذا الحديث ولحديث عبد الله. وقال مطرف وابن
الماجشون: لا بد من السترة. وذكر عن عروة، وعطاء، وسالم،
والقاسم، والشعبي، والحسن أنهم كانوا يصلون في الفضاء إلى
غير سترةِ.
الثانية: أن الحمار والكلب لا يقطعان / الصلاة، وقال
بعضهم: لم يذكر فيه نعت الكلب، وقد يجوز أن يكون الكلب
ليْس بأسْود، وقد ذكرنا عن أحمد أنه قال: لا يقطع الصلاة
إلا الكلب الأسود.
وفي كتاب أبي نعيم الدكيني بسند صحيح متصل قال: نا يونس،
عن مجاهد، عن عائشة قالت: " لا يقطع صلاة المسلم إلا الهرّ
الأسود، والكلب البهيم ". قال: وحدَّثنا ابن عجينة، عن
ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال: ادرءوا ما استطعتم عن
صلاتكم، وأشد ما يتقى عليها الكلاب. وحدَّثنا ابن عيينة،
عن ابن أبي نجاح، عن مجاهد قال:
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/208) ،
وأسد الغابة (4 / 366) ، والإصابة (3 / 8 0 2) .
(3/288)
الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع
الصلاة. وعن ابن طاوس قال: كان أبي يشدد في الكلاب.
وحدَثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن بكر المزني أن ابن عمر
أعاد ركعة من جرو مر بين يدَيْه. وقد ذكرنا أن عند
الجمهور: لا يقطع الصلاة شيء، رُوِيَ ذلك عن عثمان، وعلي،
وحذيفة، وعروة، والشعبي، وغير هم. والحديث: أخرجه النسائي
بنحوه، وذكر بعضهم أن في إسناده مقالا.
* * *
110- باب: مَنْ قال: لا يقطعُ الصّلاةَ شيءٌ
أي: هذا باب في بيان من قال: لا يقطع الصلاة شيء من
الحيوان إذا
مر بين يدي المصلي، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء فيمن قال:
لا يقطع الصلاة شيء ".
700- ص- نا محمد بن العلاء: أنا أبو أسامة، عن مجالد، عن
أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " لا يقطع الصلاة شي " وادرءوا ما استطعتم، فإنما هو
شيطان " (1) .
ش- أبو أسامة: القرشي الكوفي اسمه: حماد بن أسامة بن زيد،
روى له الجماعة، وقد مر مرة. ومجالد: ابن سعيد الكوفي، قد
ذكرناه وفيه مقال.
وأبو الوداك- بتشديد الدال- جَبْر بن نوْف البِكاليُّ. روى
عن: أبي سعيد الخدري، وشريح القاضي. روى عنه: أبو إسحاق
السبيعي، ومجالد بن سعيد، ويونس بن أبي إسحاق، وغيرهم. قال
ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن
ماجه (2) . وجبر: بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة، ونوف:
بفتح النون وسكون الواو، وفي آخره فاء.
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(4 / 895) .
19. شرح سنن أبي داوود 3
(3/289)
قوله: " شيء " يعني: من بني آدم وغيرهم من
الحيوان.
قوله: " وادرأوا " أي: ادفعوا ما قدرتم.
قوله: " فإنما هو شيطان " أي: فإن الذي يمر بين يدي المصلي
شيطان، وقد ذكرنا أن هذا تشبيه بليغ. والحديث: أخرجه
الدارقطني ثم البيهقي. وقال محيى الدين: وحديث " لا يقطع
الصلاة شيء " حديث ضعيف.
" (1) وأخرج الدارقطني- أيضاً-، عن إبراهيم بن يزيد: ثنا
سالم ابن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله وأبا بكر وعمر
قالوا: لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرءوا ما استطعتم.
انتهى. ووقفه مالك في " المُوطأ ": حدَّثنا الزهري، عن
سالم، عن أبيه قال: لا يقطع الصلاة شيء، ووقفه البخاري في
" صحيحه " على الزهري، فأخرجه عن محمد بن عبد الله ابن أخي
الزهري أنه سأل عمّه ابن شهاب الزهري عن الصلاة أيقطعها
شيء؟ فقال: لا يقطعها شيء.
وروى الدارقطني- أيضاً- عن عفير بن معدان، عن سليم بن
عامر، عن أبي ثمامة، عن النبي- عليه السلام - قال: " لا
يقطع الصلاة شيء ". وروى - أيضا ً- عن صخر بن عبد الله بن
حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول عن أنس بن مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلى بالناس، فمرّ بين
أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله، سبحان
الله، ف"
سلم رسول الله قال: " من المُسبّح آنفا؟ قال: أنا يا رسول
الله، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة، فقال النبي- عليه
السلام -: " لا يقطع الصلاة شيء ". وروى ابن الجوزي في "
العلل المتناهية " هذه الأحاديث الثلاثة من طريق الدارقطني
وقال: لا يصح منها شيء، قال في " التحقيق ": أما حديث ابن
عمر، ففيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، قال أحمد، والنسائي: هو
متروك. وقال ابن معين: ليس بشيء، وأما حديث أبي أسامة،
ففيه عُفير بن معدان. قال أحمد: ضعيف منكر
__________
(1) انظر: نصب الراية (2 / 76- 78) .
(3/290)
الحديث. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال أبو
حاتم الرازي: ليس بثقة،
وأما حديث أنس، ففيه صخر بن عبد الله /. قال ابن عدي:
يُحدّث (1/ 239 -أ) ،عن الثقات بالأباطيل عامّة ما يَرْويه
منكر، أو من موضوعاته. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه.
وقال صاحب " التنقيح ": إنه وهم في صخر هذا، فإن صخر بن
عبد الله بن حرملة الراوي، عن عمر بن
عبد العزيز لم يتكلم فيه ابن عبدي ولا ابن حبان، بل ذكره
ابن حبّان في
"الثقات ". وقال النسائي: هو صالح، وإنما ضعّف ابن عدي صخر
بن
عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة.
روى عن:
مالك، والليث، وغيرهما.
وروى الطبراني في " معجمه الوسط " (1) عن عيسى بن ميمون،
عن
جرير بن حازم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله
الأنصاري
قال: كان رسول الله- عليه السلام- قائماً يُصلي، فذهبت شاة
تمر بين
يديه فساعاها حتى ألزقها بالحائط، ثم قال: " لا يقطع
الصلاة شيء،
وادرءوا ما استطعتم "، وقال: تفرّد به: عيسى بن ميمون.
وقال ابن
حبان في كتابه في " الضعفاء ": عيسى بن ميمون أبو سلمة
الخواص
الواسطي يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (2)
.
701- ص - نا مسدّد: نا عبد الواحد بن زياد: نا مجالد: نا
أبو الودّاك
قال: مرّ شاب من قريش بين يديْ أبي سعيد الخدري وهو يُصلى
فدفعه، ثم
عاد فدفعه ثلاث مرات، ف" انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها
شيء،
ولكن قال رسولُ الله: " وادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان "
(3) .
ش- عبد الواحد بن زياد: أبو عبيدة البصري، ومجالد: ابن
سعيد.
قوله: " وهو يصلى " جملة حالية. وفيه: ابن ا"ر إذا تقوى
على المرور
فللمصلي أن يدفعه إلى ثلاث مراتٍ، ولا تفسد صلاته، لأن هذا
__________
(1) (7 / 7774) . (3) تفرد به أبو داود.
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3/291)
يمكن بيد واحدة، والعمل الكثير الذي يفسد الصلاة هو ما لا
يوجد إلا باليدين.
ص- وقال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن النبي- عليه
السلام - نُظِر (1) ما عمل به أصحابُه من بعده.
ش- من عادته أن يذكر الحديث في بابه، ويذكر الذي يُعارضُه
في باب آخر على إثره، و" ذكر الأبواب التي فيها انقطاع
الصلاة بالشيء ثم أعقبها بهذا الباب، فكأنه أشار به إلى أن
العمل اليوم على أن الصلاة لا يقطعها شيء، وهو مذهب
الجمهور- كما بيناه مُفصلاً مُستوفًى، والله أعلم.
* * *
أَبْوابُ: استفْتاح الصّلاة
أي: هذه أبواب استفتاح الصلاة، وهذه إشارة إلى بيان
الأحاديث المتعلقة بأفعال الصلاة وفي بعض النسخ: " تفريع
استفتاح الصلاة " (2) . والاستفتاح: طلب الفتح، والمراد
منه: الافتتاح وهو الشروع فيها. وقد سمعت بعضهم يُفحم أئمة
المساجد بقوله: ما مفتاح الصلاة؟ وما افتتاحها؟ وما
استفتاحها؟ فالذي عنده قصور يَبْهَتُ في الفرق بَيْنها،
فمراده من المفتاح: الطهور، ومن الافتتاح: تكبيرة الإحرام،
ومن الاستفتاح: قراءة " سبحانك اللَّهُم وبحمدك " إلى
آخره.
* * * |