شرح أبي داود للعيني

111- باب: في رَفع اليدين (3)
أي: هذا باب في بيان رفع اليدين في أول الصلاة، وفي بعض النسخ: " باب رفع اليدين " بدون (في) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" نظر إلى ماء ". (2) كما في سنن أبي داود. (3) كما في سنن أبي داود: " باب رفع اليدين في الصلاة ".

(3/292)


702- ص- نا أحمد بن حنبل: نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استفتح الصلاة رفع يدَيْه حتى يحاذي منكبَيْه، وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع. وقال سفيان. مرة: وإذا رفع رأسه، وكثر ما كان يقول: وبعدما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفعُ بين السجدتين (1) .
ش- الحديث: أخرجه الأئمة الستةُ. الكلام فيه من وجوه، الأول: في نفس رفع اليدين. قال ابن المنذر: لم يختلفوا أن رسول الله- عليه السلام- كان يرفع يدَيْه إذا افتتح الصلاة. وفي " شرح المهذب،: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الافتتاح. وقال ابن المنذر: ونقل العبدري عن الزيدية أنه، لا يرفع يديه عند الإحرام، ولا يعتد بهم. وفي " فتاوى القفال " أن أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي قال: إذا لم يرفع لم تصح صلاته، لأنها واجبة، فوجب الرفع لها بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع لها، لأنها غير واجبة. وقال النووي: وهذا مردود بإجماع من قبله. وقال ابن حزم: رفع اليدين في أول الصلاة فرض لا تجزئ الصلاة إلا به، وقد رُوِيَ ذلك عن / الأوزاعي. (1/239-ب)
الثاني: في كيفية الرفع، فقال الطحاوي: يرفع ناشرا أصابعه مستقبلاً بباطن كفيه القِبْلة، كأنه لمح ما في " الأوْسط " (2) للطبراني من حديثه عن محمد بن حرب: نا عمير (3) بن عمران، عن ابن جرير، عن
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء (735) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع
من السجود (21 / 390) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في رفع اليدين عند الركوع (255) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين (2 / 182) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (858)
(2) (8 / 1 0 78) . (3) في الأصل: " محمد " خطأ.

(3/293)


نافع، عن ابن عمر مرفوعا: " إذا استفتح أحدكم فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القِبْلة، فإن الله عَز وجَلَّ أمامه ".
وفي " المحيط ": ولا يفرج بين الأصابع تفريجا كأنه يشيرُ إلى ما رواه الترمذي من حديث سعيد بن سمعان: دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زريق فقال: ثلاث كان يعمل بهن تركهن الناسُ: كان عليه السلام إذا قام إلى الصلاة قال هكذا، وأشار أبو عامر العقدي بيده ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمها، وضعفه.
وقال ا"وردي: يجعل بطن كل كف إلى الأخرى. وعن سحنون: ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض. وعن القابسي: يُقيمهما محنيين شيئاً يسيراً. ونقل المحاملي عن أصحابهم: يستحب تفريق الأصابع. وقال الغزالي: لا يتكلف ضما ولا تفريقا، بل يتركهما على هيْئتهما. وقال الرافعي: يفرق تفريقا وسطا. وفي ما المغني " لابن قدامة: يستحب أن يمد أصابعه ويضم بعضها إلى بعض.
الثالث: إلَى أيْن يَرْفع؟ ففي " المحيطة: حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتيهما، وبرءوس أصابعه فروع أذنيه، وذلك لحديث عبد الجبار ابن وائل، ونذكره عن قريب في موضعه، ولحديث مسلم، عن مالك ابن الحويرث: " كان النبي- عليه السلام- إذا كبر رفع يدَيْه حتى يحاذي بهما أذنيه ". وفي لفظ: " حتى يجاوز بهما فروع أذنيه ". وعن أنس مثله من عند الدارقطني، وسنده صحيح، وعن البراء من عند الطحاوي: رفع يدَيه حتى يكون إبهامه قريبا من شحمتي أذنيه. وقال الشافعي وأحمد ومالك وإسحاق: حذْو منكبَيْه، مستدلا بحديث سالم، عن أبيه. وقال القرطبي: هذا أصح قولي مالك، ورواية عنه: إلى صدره. وذهب ابن حبيب إلى رفعهما إلى حذو أذنيه، ورواية: فوق رأسه وقال ابن عبد البر: رُوِيَ عن النبي- عليه السلام- الرفع مدا فوق الأذنين مع الرأس. ورُوِيَ أنه كان يرفعهما حذاء أذنيه، ورُوِيَ: حذو منكبيه، وروي: إلى صدره، وكلها آثار محفوظة مشهورة دالة على

(3/294)


التَوْسعة. والجواب عن حديث رفع اليدين إلى المنكبين: أنه محمول على
حالة العذر. وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": إنما كان رفعهم الأيدي
إلى المناكب لعلة البُرْد، بدليل أن وائل ابن حُجر " روى الرفع إلى
الأذنين قال في حديثه: ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس،
فكانوا يرفعون أيديهم إلى المناكب، قال: وتحمل أحاديث المناكب على
حالة العذر، وتتفق الاَثار بذلك.
الرابع: في حكمة الرفع، قال ابن بطّال: ورفعهما تعتدٌ، وقيل:
إشارة إلى التوحيد، وقيل: حكمته: أن يراه الأصم فيَعلم دخوله في الصلاة، والتكبير لإسماع الأعمى فيعلم بدخوله في الصلاة، وقيل:
انقياد، وقيل: إشارةٌ إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بالكلية إلى الصلاة،
وقيل: استكانة واستسلام، وكان الأسير إذا غلب مد يدَيْه علامة لاستسلامه، وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه.
الخامس: الرفع مقارن بالتكبير أم لا؟ فقال في " المبْسوط ": يرفع ثم
يكبر، وقال: وعليه كثر مشايخنا، وقال خواهر زاده: يرفع مقارنا للتكبير، وبه قال أحمد، وهو المشهور من مذهب مالك. وفي " شرح
المهذب ": الصحيح: أن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع
انتهائه، وهو المنصوص، وقيل: يرفع بلا تكبير ثم يبتدئ التكبير مع
إرسال اليدين، وقيل: يرفع بلا تكبير ثم يُرسلهما بعد فراغ " التكبير،
وهو مصحح عند البغوي، وقيل: يبتدئ بهما معا، ويبتدئ التكبير مع
انتهاء الإرسال، وقيل: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء. وهذا مصحح عند الرافعي. وفي ما شرح المجمع ما: قال
أبو يوسف /: يُقارن رفع اليدين مع التكبير، وبه قال الطحاوي وبعض (1/240-أ)
، الشافعية، وقال أبو حنيفة ومحمد: يقوم الرفع على التكبير، وهو الذي
ذكره صاحب " المبسوط "، لأن الرفع إشارة إلى نفي الكبرياء عن غير
الله، والتكبيرَ إثباتها له، والنفي مقدم على الإثبات.
السادس: في رفعهما إذا أراد الركوع وبعدما يرفع رأسه منه،

(3/295)


الشافعي وأحمد إسحاق: يستحب رفعهما- أيضاً- عند الركوع وعند الرفع منه؛ وهو رواية عن مالك، واستدلوا بالحديث المذكور وبأمثاله، قال الخطابي: وهو قول أبي بكر الصدَّيق، وعلي بن أبي طالب، وابن، صره
عمر، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وإليه ذهب الحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وسالم، وقتادة، ومكحول، وبه قال الأوزاعي، ومالك في آخر أمره، وقال البخاري: رُوي عن تسعة عشر نفرا من الصحابة أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، منهم: أبو قتادة، وأبو أسيد، ومحمد بن مسلمة، وسهل بن سَعْد، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو هريرة، وعبد الله بن عَمرو، وعبد الله بن الزُّبير، ووائل بن حُجر، ومالك بن الحويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حُميد الساعدي، قال: وكان الحميدي، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين وأحمد، وإسحاق يثبتون عاقة هذه الأحاديث عن رسول الله- عليه السلام- ويرونها حقا، وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، ولم يثبت عند أحد منهم في ترك رفع الأيدي عن النبي- عليه السلام- ولا عن أحد من أصحابه أنه لم يرفع يدَيْه. وزاد البيهقي: أبا بكر الصدِّيق، وعمر، وعلى، وجابراً، وعقبة بن عامر، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن جابر أبياضي، وأبا سعيد، وأبا عبيدة، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وسَعْد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن بن علي، وسلمان الفارسي، وبُريدة، وعمارا، وأبا ثمامة، وعُمير بن قتادة الليثي، وأبا مَسْعود، وعائشة، وأعرابيا له صحبة. زاد ابن حزم: أم الدرداء، والنعمان بن عياش، قال: ورويناه- أيضاً عن عبد الرحمن بن سابط، والحسن، وسالم، والقاسم، وعطاء، ومجاهد، وابن سيرين، ونافع، وقتادة، والحسن ابن مسلم، وابن أبي نجيح، وعمرو بن دينار، ومكحول، والمعتمر، ويحيى القطان، وابن مهدي، وابن علية، وابن المبارك، وابن وهب،

(3/296)


ومحمد بن نصر المروزي، وابن جرير الطبري، وابن المنذر، والربيع،
ومحمد بن عبد الحكم، وابن نُمير، وابن المديني، وابن معين، وابن
هارون في آخرين، وهو رواية أشهب، وابن وهب، وأبي المصعب
وغيرهم عن مالك، أنهُ كان يفعله ويُفتي به. وفي " تاريخ ابن عساكر "
بسند لا يحضرني الآن، عن أبي سلمة الأعرج القاص قال " أدركت ألفا
منَ الصحابة كلهم يرفع يدَيْه عند كل خفض ورفع. وقال أبو حنيفة
وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك في رواية ابن القاسم وهي المعمول بها
في المذهب: لا يرفع يدَيْه إلا في تكبيرة الإحرام خاصةً، وهو قول الثوري، وابن أبي ليلى، والنخعي، والشعبي، وغيرهم، واستدلوا
على ذلك بأحاديث وآثار، منها: ما رواه مسلم من حديث تميم بن
طرفة، عن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله " " فقال: لا ما
لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة ".
واعترض علي البخاري في كتابه الذي وضعه في رفع اليدين بأن هذا كان
في التشهد لا في القيام، يُفسره رواية عبد الله ابن القبطية قال: سمعت
جابر بن سمرة يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي- عليه السلام- قلنا:
السلام عليكم، السلام عليكم- وأشار بيده إلى الجانبين- فقال: " ما
بال هؤلاء يومئون بأيديهم كأنها أذناب خيل شُمُسِ؟ إنما يكفي أحدكم أن
يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله ".
وهذا قول معروف لا اختلاف فيه ولو كان كما ذهبوا إليه / لكان الرفع في (1 / 240 - ب) ، تكبيرات العيد - أيضاً منهيا عنه، لأنه لم يَسْتثنِ رفعا دون رفع، بل
أطلق.
والجواب عن هذا: أن هذان حديثان لا يُفسرُ أحدهما بالآخر كما جاء
في الحديث الأول: " دخل علينا رسول الله وإذا الناسُ رافعي أيديهم في
الصلاة فقال: " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟
اسكنوا في الصلاة "، والذي يرفع يديه في أثناء الصلاة وهو حالة
الركوع والسجود ونحو ذلك، هذا هر الظاهر، والراوي روى هذا في

(3/297)


وقت كما شاهده، وروى الآخر في وقت آخر كما شاهده وليس في ذلك بعد.
ومنها: ما أخرجه أبو داود (1) ، والترمذي، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسْود، عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله؟ فصلى ولم يرفع يدَيْه إلا في أول مرة. وفي لفظ: فكان يرفع يده في أول مرة ثم لا يَعودُ. وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرجه النسائي، عن ابن المبارك، عن سفيان. وقد اعترض علي وسنبينه مع جوابه في موضعه إن شاء الله تعالى.
ومنها: ما رواه أبو (2) داود من حديث البراء بن عازب قال: كان النبي- عليه السلام- إذا افتتح الصلاة رفع يدَيْه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود، وسيجيء بيانه مع اعتراضه إن شاء الله تعالى (3) .
ومنها: ما أخرجه البيهقي في " الخلافيات " عن عبد الله بن عون الخَراز: ثنا مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أن النبي - عليه السلام- كان يرفع يديْه إذا افتتح الصلاة ثم لا يَعُود. والخراز: بالخاء المعجمة، بعدها راء ثم زاي. وقال البيهقي: قال الحاكم: هذا باطل موضوع، ولا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح، فقد روينا بالأسانيد الصحيحة، عن مالك بخلاف هذا، ولم يذكر الدارقطني هذا في غرائب حديث مالك.
ومنها: ما رواه البيهقي- أيضاً في "الخلافيات ": أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق، عن الحسن بن الربيع، عن حفص بن غياث، عن محمد بن يحيى، عن عباد بن الزبير أن رسول الله كان إذا افتتح الصلاة رفع يدَيْه في أول
__________
(1) يأتي برقم (729) .
(2) في الأصل: " ابن "
(3) يأتي برقم (732) .

(3/298)


الصلاة، ثم لم يرفعهما في شيء حتى يفرغ. انتهى. قال الشيخ في
" الإمام ": وعبّاد هذا تابعي، فهو مُرْسل. ومنها: ما رواه الطبراني في
" معجمه ": نا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: نا محمد بن عمران:
حدّثني أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن
عباس، عن النبي- عليه السلام- قال: " لا ترفع الأيْدي إلا في سَبْع مَواطن: حين يفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى أبيت، حين يقوم على الصفا، ويقوم على المروة، وحين يقف مع الناس عشية عرفة، وبجمع، والمقامين حين يرمي الجمرة ". ورواه البخاري- مُعلّقا - في كتابه المفرد في " رفع اليدين "، ثم قال: قال
شعبة: لم يَسْمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، ليْس هذا منها،
فهو مرسلْ وغير محفوظ، لأن أصحاب نافع خالفوا، وأيضا - فهم قد
خالفوا هذا الحديث، ولم يعتمدوا علي في تكبيرات العيدين وتكبير القنوت. والجواب: أن قول شعبة مجرد دعوى، ولئن سلمنا فمرسلُ
الثقات مقبول يحتج به، وكونهم لم يَعتمدوا علي في تكبيرات العيدين
وتكبير" القنوت لا يُوجب المخالفة، لأن الحديث لا يدل على الحصْر ( ... ) (1)
ورواه" البزار في " مسنده " أيضاً وقال: حدَّثنا أبو كريب محمد بن
العلاء: ما عبد الرحمن بن محمد المحاربي: ثني ابن أبي ليلى، عن
الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر، عن
النبي- عليه السلام- قال:" ترفع الأيدي في سبع مواطن: افتتاح
الصلاة، واستقبال أبيت، والصفا، والمروة، والموقفين، وعند الحَجر"
ثم قال: وهذا حديث قد رواه غير واحد موقوفاً وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ، وإنما قال: " ترفع الأيدي / ولم يقل: " لا ترفع الأيدي إلا (1/241 / -أ) في هذه المواضع) . انتهى.
__________
(1) بياض في الأصل قدر سطر وثلث السطر.

(3/299)


قلت: رواه موقوفا ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال: حدثنا ابن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " تُرْفَعُ الأيدي في سبع مواطن، إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى أبيت، وعلى الصفا والمروة، وفي جمع، وفي عرفات، وعند الجمار ". قال الشيخ في " الإمام ": ورواه الحاكم ثم البيهقي بإسناده عن المحاربي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر قالا: قال رسول الله- عليه السلام-:" ترفع الأيدي في سبع مواطن: عند افتتاح الصلاة، واستقبال أبيت، والصفا والمروة، و " الموقفين، والجمرتين ".
ومن الآثار: ما رواه الطحاوي ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود. قال: ورأيت إبراهيم، والشعبي يفعلان ذلك. قال الطحاوي: فهذا عمر- رضي الله عنه- لم يكن يرفع يديه أيضاً إلا في التكبيرة الأولى، والحديث صحيح، فإن مداره على الحسن بن عياش، وهو ثقة حجة، ذكر ذلك يحيى بن معين عنه. واعترضه الحاكم بأن هذه رواية شاذة لا تقوم بها الحجة، ولا تعَارضُ بها الأخبارُ الصحيحة عن طاوس، عن كيسان، عن ابن عمر (1) : أن عمر كان يرفع يديه قي الركوع، وعند الرفع منه.
__________
(1) قال محقق نصب الراية (1 / 405 / هامش 2) : هذه المعارضة ذكرها الحافظ أيضاً في الدراية (ص 85) ، وذكر ابن عمر فقط، ولم يذكر عمر. وقال الشيخ المحمى ظهير أحسن النيموي الهندي في كتابه " آثار السنن" (1 / 106) : راجعت (كذا) إلى نسخة صحيحة مكتوبة من " نصب الراية " في الخزانة المعروفة بـ " أيشياتك سوسائتي - كلكتة " فوجدته فيها هكذا: عن ابن عمر
أنه كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه 10 هـ. وفي " فتح القدير " (1 / 319) : وعارضه الحاكم برواية طاوس بن كيسان، عن ابن عمر- رضي
الله عنه-: كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه ".1هـ

(3/300)


قلت: قال الإمام: ما ذكره الحاكم فهو من باب ترجيح رواية على رواية، لا من باب التضعيف.
ومنها: ما أخرجه الطحاوي (1) عن أبي بكر النهشلي، نا عاصم بن كليب، عن أبيه: أن على- رضي الله عنه- كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يعود يرفع ". انتهى. وهو أثر صحيح. ومنها: ما أخرجه البيهقي عن سوار بن مصعب، عن عطية العوفي:
"أن أبا سعيد الخدري وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أول ما يكبران، ثم لا يعودان "، ثم قال البيهقي: قال الحاكم: وعطية سيء الحال، وسوار أسوأ حالا منه. وأسند البيهقي عن البخاري أنه قال: سوار بن مصعب منكر الحديث. وعن ابن معين: أنه غير محتج به.
قلت: قال يحمى بن سعيد: عطية صالح، كذا في الكمال.
ومنها: ما أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " (2) عن إبراهيم النخعي قال: " كان عبد الله بن مسعود لا يرفع يديه في شيء من الصلوات إلا في الافتتاح ". قال الطحاوي: فإن قالوا: إن إبراهيم عن عبد الله غير متصل، قيل لهم: كان إبراهيم لا يرسل عن عبد الله إلا ما صح عنده، وتواترت به الرواية عنه، كما أخبرنا، وأسند عن الأعمش أنه قال لإبراهيم: إذا حدثتني عن إبراهيم فأسند. قال: إذا قلت لك: قال عبد الله، فاعلم أني لم أقله حتى حدثنيه جماعة عنه، وإذا قلت لك: حدثني فلان، عن عبد الله، فهو الذي حدثني وحده عنه.
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الله بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله قال: ألا أريكم صلاة النبي- عليه السلام- فلم يرفع يديه إلا مرة.
ومنها: ما رواه أيضاً: حدَّثنا وكيع، عن أبي بكر بن عبد الله بن
__________
(1) (1/132) . (2) (1/313) .

(3/301)


قطاف النهشلي، عن عاصم بن كليب،عن أبيه: أن عليا كان يرفع يديه
إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا ابن مبارك، عن أشعث، عن الشعبي: أنه
كان يرفع يديه في أول التكبيرة، ثم لا يرفعهما.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا وكيع وأبو أسامة، عن شعبة، عن
أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله، وأصحاب علي لا يرفعون
أيديهم إلا في افتتاح (1) الصلاة. قال وكيع: ثم لا يعودون.
ومنها: ما رواه أيضاً: ما أبو بكر بن عياش، عن حصين ومغيرة،
عن إبراهيم قال: لا ترفع يديك في شيء من الصلاة إلا في الافتتاحية
" لأولى.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا أبو بكر، عن الحجاج، عن طلحة، عن
خيثمة وإبراهيم قال: كانا لا يرفعان أيديهما إلا في بدوء الصلاة.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل قال: كان
قيس يرفع يديه أول ما يدخل في الصلاة، ثم لا يرفعهما. (1/241 -ب) ومنها: ما رواه أيضاً: نا معاوية بن هشام / عن سفيان، عن مسلم الجهني قال: كان ابن أبي ليلى يرفع يديه أول شيء إذا كبَّر.
ومنها: ما رواه: لا وكيع، عن شريك، عن جابر، عن الأسود
وعلقمة: أنهما كانا يرفعان أيديهما إذا افتتحا، ثم لا يعودان.
ومنها: ما رواه: لا ابن آدم، عن حسن بن عياش، عن عبد الملك
ابن أبشر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: صليت
مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين افتتح الصلاة. قال
عبد الملك: ورأيت الشعبي، وإبراهيم، وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم
إلا حين يفتتحون الصلاة.
__________
(1) في الأصل: " الافتتَاح "، وما أثبتناه من مصنف ابن أبي شيبة (1 / 236) .

(3/302)


وقال الطحاوي: ومذهبنا أيضاً قوي من جهة النظر، فإنهم أجمعوا أن التكبيرة الأولى معها رفع، وأن التكبيرة بين السجدتين لا رفع بينهما، واختلفوا في تكبيرة الركوع، وتكبيرة الرفع منه، فخالفهما قوم بالتكبيرة الأولى، وألحقهما قوم بتكبيرة السجدتين، ثم إنا رأينا تكبيرة الافتتاح من صلب الصلاة لا تصح بدونها الصلاة، والتكبيرة بين السجدتين ليست بذلك، ورأينا تكبيرة الركوع والنهوض ليستا من صلب الصلاة فألحقناهما بتكبيرة السجدتين " (1) .
وقال أشرف الدين بن نجيب الكاساني في " البدائع ": وروي عن ابن عباس أنه قال: إن العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة ما كانوا يرفعون أيديهم إلا لافتتاح الصلاة.
قلت: فعلى هذا مذهب أبي حنيفة مذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، أما من الصحابة: فأبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة عامر ابن عبد الله بن الجراح، فهؤلاء العشرة، وعبد الله بن مسعود، وجابر ابن سمرة، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، ومن التابعين ومَن بعدهم: مذهب إبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى، وعلقمة، والأسود، والشعبي، وأبي إسحاق، وخيثمة، وقيس، والثوري، ومالك، وا بن القاسم، والمغير، ووكيع، وعاصم بن كليب، وجماعة آخرين.
والجواب عن أحاديث الرفع أنها منسوخة بدليل ما روي عن ابن مسعود أنه قال: " رفع رسول الله فرفعنا، وترك فتركنا، على أن ترك الرفع عند تعارض الأخبار أولى، لأنه لو ثبت الرفع لأنزلوا درجته على السنة،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية عدا بعض آثار أوردها الشارح من مصنف ابن أبي شيبة.

(3/303)


ولأن ترك الرفع مع ثبوته لا يوجب الفساد- أعني: فساد الصلاة- والتحصيل مع عدم الثبوت يوجب فساد الصلاة لأنه اشتغال بعمل اليدين جميعا، وهو تفسير العمل الكثير.
السابع: هل يرفع بين السجدتين؟ فقال ابن المنذر، وأبو علي الطبري من الشافعية: يرفع، وهو قول جماعة من أهل الحديث، وعند الجمهور: لا يرفع لقوله: " ولا يرفع بين السجدتين ".
703- ص- نا محمد بن المصلى الحمصي، نا بقية، نا الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر قال: كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا قامَ إلى الصلاة رَفَعَ يَدَيه حتى يكُونا (1) حَذوَ مَنكِبَيه، ثم كَبر وهما كذلك، فيركَعُ، ثمَ إذا أرادَ أَن يَرفعِ صُلبَه رِفَعَهُما حتى يَكونا (1) حَذوَ مَنكبَيه، ثم قال: " سَمعَ اللهُ لمن حَمده "، ولا يرفعُ يديه في السجود، ويرفَعُهُماَ فيَ كل تكبيرَة يكبرهَا قبلَ الركوَع حتى تنقضِي صلاتُه (2) .
ش- محمد بن المصلى بن بهلول الحمصي أبو عبد الله القرشي الشامي روى عن: على بن عباس، ومحمد بن حرب، وبقية بن الوليد بن مسلم، وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وأبو داود، والنسائي وقال: صدوق، وابن ماجه، وغيرهم. مات سنة أربعين ومائتين بمكة (3) .
والزبيدي: هو محمد بن الوليد.
قوله: " حذو، بفتح الحاء، وسكون الذال، بمعنى حذاء.
قوله: " وهما كذلك " يعني: يداه كذلك حذو منكبيه.
قوله: " صُلبه " بضم الصاد، أي: ظهره، وجمعه أصلاب.
قوله: أولا يرفع يديه في السجود " وبهذا أخذ الجمهور، وقد ذهبت
__________
(1) في سنن أبي داود: " تكون ". (2) انظر التخريج المتقدم. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5613) .

(3/304)


طائفة إلى الرفع في السجود أيضاً، " روى أبو بكر بن أبي شيبة، نا
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن حميد، عن أنس: أن النبي
- عليه السلام- كان يرفع يديه في الركوع والسجود.
واعترض الطحاوي في " شرح الآثار " حديث ابن عمر فقال: وقد
روي / عن ابن عمر خلاد هذا، ثم أسند عن أبي بكر بن عياش، عن 242 / 11 صا، حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر، فلم يكن يرفع يديه
إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة. قال: فلا يكون هذا من ابن عمر إلا
وقد ثبت عنده نسخ ما رأى النبي- عليه السلام- يفعله. قال: فإن قيل
فقد روى طاوس، عن ابن عمر خلاد ما رواه مجاهد. قلنا: كان هذا
قبل ظهور الناسخ. وقال الحاكم: كان أبو بكر بن عياش من الحفاظ
المتقنين، ثم اختلط حتى ساء حفظه، فروى ما خولف فيه، فكيف تجوز
دعوى نسخ حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف؟ أو نقول: إنه
تركه مرة للجوار، إذ لا نقول بوجوبه، ففعله يدل على أنه سُنَة، وتركه
يدل على أنه غير واجب.
قلت: لا نسلم أن ذلك الحديث ضعيف، لأن إسناده صحيح، فيجوز
به النسخ. ولقائل أن يقول لهم- ولا سيما للشافعية-: أنتم تثبتون
سنية الرفع في الحالتين بحديث ابن عمر، وتنكرون النسخ، فلم لا
تعملون بالزيادة التي فيه، وهي الرفع عند القيام من الركعتين؟ وهي زيادة مقبولة، فإذا ألزمتمونا بالقول بزيادة الرفع عند الركوع والرفع منه،
ألزمناكم بالقول بزيادة الرفع عند القيام من الركعتين.
704- ص- نا عبيد الله بن عمر بن مَيْسرة، ما عبد الوارث بن سعيد، نا
محمد بن جُحادة قال: حدثنيِ عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: كنتُ
فغلاماً لا أعْقلُ صَلاةَ أبي، فحدثني وائلُ بنُ علقمةَ، عن أبي: وائل بن حُجر
قال: صليتُ مع رسول الله- عليه السلام- فكانَ إذا كَبرَ رَفَعَ يَديه. قال:
ثم التَحَفَ، ثم أخَذَ شمَالَهَ بيمينه، وأدخلَ يديه في ثوبه. قال: فإذاَ أرادَ أن
يركعَ أخرجَ يديهِ ثم رفًعَهُمَا، وَإَذا أرادَ أن يرفَعَ رأسَه مًن الركوع رَفعَ يديه
2. شرح سنن ني داود
ُ

(3/305)


ثم سَجَدَ، ووضعَ وجهَهُ بين كَفيه، وإذا رفعَ رأسَه من السجود أيضاً رفعَ يديه حتى فرغ من صلاته. قال محمَد: فذكرتُ ذلك للحسن بن أَبي الحسن، فقال: هي صلاةُ رسولِ اَللهِ صلى الله عليه وسلم " فعلَهُ مَن فعلَهُ، وتركَهُ مَن تركَه (1) .
ش- محمد بن جحادة الكوفي الأودي، ويقال: الأيامي. روى عن: أنس بن مالك. وسمع: الحسن البصري، وطلحة بن مصرف، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن عيينة، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم. وعن أحمد: هو من الثقات. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. روى له الجماعة (2) .
وعبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي كوفي. روى عن أبيه وأمه ولم يصح له عنهما شيء، وروى عن أخيه علقمة. روى عنه: ابنه سعيد، وأبو إسحاق السبيعي، ومحمد بن جحادة، وغيرهم. قال يحيى بن معين: هو ثبت، ولم يسمع من أبيه شيئاً، وفي رواية: ثقة. وقيل: إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر. روى له الجماعة إلا البخاري (3) . ووائل بن علقمة روى عن وائل بن حجر. روى عنه: عبد الجبار بن وائل. روى له: أبو داود (4) .
ووائل بن حجر بن سعيد بن مسروق بن وائل بن النعمان أبو هند أو أبو هنيدة. روى عنه: ابناه: علقمة وعبد الجبار، وعبد الرحمن اليحصبي، وغيرهم. رُوي له عن رسول الله أحد وسبعون حديثاً روى له مسلم ستة أحاديث. روى له الجماعة إلا البخاري (ْ (5) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه
(2) انظرْ ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5114) .
(3) المصدر السابق (16 / 3697) .
(4) المصدر السابق (0 3 / ص 422) . (5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 642) ، وأسد الغابة (5 / 435) ، والإصابة (3 / 628) .

(3/306)


قوله: " عن أبي: وائل بن حُجْر " فقوله:" وائل" عطف بيان لقوله:
" أبي"، وليس هذا بكنية، فافهم.
قوله: "ثم التحف " من قولهم: التحف بالثوب، تغطى به.
قوله: " قال محمد " أي: محمد بن جحادة.
قوله: " للحسن " وهو الحسن البصري. والحديث أخرجه مسلم من حديث عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل، ومولى لهم، عن أبيه وائل بن حجر بنحوه، وليس فيه ذكر الرفع مع الرفع من السجود. وقال الطحاوي في " شرح الآثار": وحديث وائل هذا مُعارض بحديث ابن مسعود: أنه- عليه السلام- كان يرفع يديه في تكبيرة الافتتاح، ثم لا يعود. وابن مسعود أقدم صحبة وأفهم بأفعال النبي- عليه السلام- من وائل. ثم أسند عن أنس قال: كان رسول الله يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه. وابن مسعود كان من أولئك الذين يقربون من النبي- عليه السلام- فهو أولى مما جاء به من هو أبعد منه.
ص- قال أبو داود: روى الحديث (1) همام، عن ابن جُحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود.
/ ش- أي: همام بن يحيى بن دينار العوذي. [1/242-ب]
قوله: " لم يذكر الرفع " أي: رفع اليدين مع رفع الرأس من السجود، وهو رواية مسلم كما نبهنا علي.
705- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا عبد الرحيم بن سليمان، عنِ الحسن بن عبيد الله النخعي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه: أنه أَبصر النبي- عليه السلام- حين قامَ إلى الصلاة رَفعَ يديه، حتى كانَتَا بحيال مَنكبيهِ، وحاذى إبْهاميهِ (2) أذنيهِ، ثم كبر (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" روى هذا الحديث".
(2) في سنن أبي داود:" بإبهاميه ".
(3) تفرد به أبو داود.

(3/307)


ش- عبد الرحيم بن سليمان أبو علي الأشل الكناني، ويقال: الطائي الرازي، سكن الكوفة. روى عن: عبيد الله بن عمر العمري، ويحيى ابن سعيد الأنصاري، والأعمش، وغيرهم. روى عنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو الهمام الوليد بن شجاع، وأبو سعيد الأشل، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (1) .
والحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي. روى عن: الشعبي، وإبراهيم النخعي، وإبراهيم بن سويد، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وحفص بن غياث، وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " بحيال منكبيه " أي: بإزاء منكبيه.
قوله: " وحاذى " أي: ساوى من المحاذاة. وقد قلنا: إن عبد الجبار لم يصح له شيء من أبيه، وكذا قال في " مختصر السنن " وقال: وأهل بيته مجهولون.
706- ص- نا مسدد، نا يزيد بن زريع، نا المَسْعُودي، نا عبد الجبارِ بن وائل قال: حدَثني أهلُ بيتي، عن أبى، أنه حدثهم، أنه رأى رسولَ الله يرفعُ يديهِ معَ التكبيرَةِ (3) .
ش- يعني: مقارنا بالتكبيرة، وبه قال أحمد، ومالك في المشهور، وهو رواية عن أصحابنا، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
707- ص- نا مسدد، نا بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: قلتُ: لأنظُرَن إلى صلاة رسول الله- عليه السلام- كيفَ يصلي؟ قال: فقامَ رسولُ الله فاستقبَلَ اَلقبْلَةَ، فَكَبرَ فَرفعَ يديه حتى حَافَتَا أذُنَيه، ثم أخذَ شمَالَهُ بيمينه، فَ" أرادَ أن يرَكَعَ رفَعَهُمَا مثلَ ذلكَ، ثم وَضعَ يديها على رُكبتَيهِ، ف" رَفعَ رأسَه من الركوع رفَعَهُمَا مثلَ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3407) .
(2) المصدر السابق (6 / 1242) .
(3) تفرد به أبو داود.

(3/308)


ذلك، ف" سَجدَ وضعَ رأسَه بذلكَ المنزلِ من يديه، ثم جَلسَ فافترشَ رِجلَهُ اليُسْرَى، ووضعَ يده اليُسْرَى على فَخذه اليُسْرَى، وحَد مِرْفَقِهِ الأيمنِ على فخذه اليُمْنَى، وقبضَ ثِنتينِ، وحَلقَ حَلقةً- ورأيتُه يقولُ هكذا، وحلقَ بشر الإِبهامَ والوُسْطَى- وأشار بالسبابةِ (1) .
ش- عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي الكوفي. سمع: أباه، وعبد الرحمن بن الأسود، وأبا الجويرية، وأبا بردة بن أبي موسى. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن عيينة، وبشر بن المفضل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبوه كليب بن شهاب الجرمي الكوفي. سمع: أباه، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، ووائل بن حجر. روى عنه: ابنه عاصم، وإبراهيم بن مهاجر. قال ابن سعد: كان ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " بذلك المنزل من يديه " يريد به أنه وضع رأسه بين يديه، بحيث أنهما حاذتا أذنيه.
قوله: " وحَد مرفقِه " أي: جعل مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى حدا عليها، لأن فيه يكون توجيه أصابع يديه إلى القِبْلة.
قوله: " وقبض ثنتين " وهو أن يعقد الخنصر والبنصر.
قوله: ما وحلق حلقة " وهو أن يحلق الوسطى مع الإبهام، و" حَلقَ" بالتشديد، و"حَلْقةً " بفتح الحاء وسكون اللام مثل حلقة الدرع، وحَلْقة الباب، وحَلْقة القرط، وأما حَلْقة القوم فيجور فيها الفتح والسكون.
__________
(1) يأتي برقم (933) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 3024) .
(3) المصدر السابق (24 / 4991) .

(3/309)


وقال أبو عمرو الشيباني: ليس في الكلام " حلَقة " بالتحريك إلا في
قولهم: هؤلاء قوم حَلَقَة، للذين يحلقون الشعر، جمع حَالقٍ، وأما
انتصاب " حلقة " هاهنا فعلى المفعولية.
قوله: " " رأيته يقول هكذا " من كلام بشر.
وقوله: ما وأشار بالسبابة " من كلام وائل، فيكون قوله: " ورأيته " إلى
قوله: " وأشار" معترضا بينهما، فافهم.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: استقبال القِبْلة.
الثانية: تكبيرة الافتتاح.
الثالثة: رفع اليدين في أول الصلاة.
الرابعة: محاذاة اليدين بالأذنين عند الرفع، وهو قول أصحابنا.
(1/243-أ) الخامسة: أخذ الشمال باليمن /، ولم يبين فيه كيفية الأخذ، ولا محل الوضع.
السادسة: رفع اليدين عند الركوع، وبه أخذ الشافعي، والجواب عنه
ما ذكرناه.
السابعة: وضع اليدين على الركبتين في الركوع، ولم يبين كيفية
الوضع.
الثامنة: رفع اليدين عند رفع رأسه من الركوع.
التاسعة: وضع الرأس في السجدة بين اليدين محاذيا أذنيه بهما، وبه
قال أصحابنا، وقال صاحب " الهداية ": ووضع وجهه بين كفيه ويديه
حذاء أذنيه، " روي أنه- عليه السلام- فعل كذلك. وقال صاحب
"المحيط ": ويضع يده في السجود حذاء أذنيه.
العاشرة: افتراش رجله اليسرى، وبه أخذ أصحابنا أنه يفترش رجله
اليسرى ويجلس عليها، ولم يبين فيه حكم اليمنى.

(3/310)


الحادية عشر: وضع اليدين على الفخذين في التشهد.
الثانية عشر: أن يعقد الخنصر والبنصر، ويحلق الوسطى مع الإبهام. وهكذا رُوي عن الفقيه أبي جعفر من أصحابنا، وقال صاحب " الهداية ": ويبسط أصابعه. وقال في " المحيط ": وعن محمد أنه يضع يديه على فخذيه، لأن فيه توجه الأصابع إلى القِبْلة كثر، وعن بعضهم أنه يفرق أصابعه.
الثالثة عشر: يشير بالسبابة، وبه قال أبو يوسف من أصحابنا، وذكره في " الإملاء "، وقال: ويروى الإشارة عن النبي- عليه السلام- وبينه مثل ما رُوي عن الفقيه أبي جعفر، وعن بعض أصحابنا: ويكره الإشارة. وهو غير صحيح، لأن أبا يوسف نص عليها في " الإملاء "، وكذلك نص عليها محمد في كتابه، وقال في " المحيط ": والإشارة قول أبي حنيفة.
708- ص- نا الحسن بن علي، نا أبو الوليد، نا زائدة، عن عاصم بن كليب، بإسناده ومعناه قال فيه: ثم وضَعَ يدهَ اليُمْنى على ظهرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، والرصغْ (1) والساعد. قال فيه: ثمِ جئتُ بعدَ ذلك في زمان فيه بَرْد شَديد فرأيتُ الناسَ عليهم جُلُّ الثيابِ، تَحرك أيديهم تحتَ الثيابِ (2) .
ش- الحسن بن علي الخلال، وأبو الوليد الطيالسي، وزائدة بن قدامة. قوله: ما بإسناده ومعناه " أي: بإسناد الحديث المذكور ومعناه.
قوله: " قال فيه " أي: قال وائل في الحديث في هذه الرواية: " ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرصغ بضم الراء وسكون الصاد المهملة وبغين معجمة، وهو مفصل ما بين الكف والساعد، ويقال: " رسغ، أيضاً بالسن المهملة، ويقال لمجمع الساق مع القدم:" رسغ " أيضاً ويقال: رُسغ ورسُغ، مثل: عُسْر وعُسُر.
__________
(1) في سنن أبي داود:" والرسغ " وهي لغة. (2) انظر تخريج الحديث المتقدم.

(3/311)


قوله: " جل الثياب " جل الشيء معظمة، والمعنى أنهم لبسوا معظم الثياب لأجل البرد. والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه.
ويستفاد من الحديث في هذا الطريق فائدتان غير ما ذكرناه:
الأولى: بين فيه كيفية وضع اليمن على الشمال، وقال صاحب
" المحيط ": ويقبض بكفه اليمنى على رسغه اليسرى كما (1) فرغ من التكبير. وقال أبو يوسف: يقبض بيده اليمنى رسغ اليسرى، ويكون الرسغ وسط الكف. وقال ابن قدامة: يضعهما على كوعه. وقال القفال: يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض رسغها وساعدها، وهو مخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل، وبين نشرها في صوب الساعد، وإذا بزغ من التكبير يضعهما.
الثانية: ترك الوضع عند البرد الشديد، وعند مالك الوضع غير مستحب وإنما هو مباح، فعنده البرد وغيره سواء، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
709- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيتُ النبي- عليه السلام- حين افْتَتَح الصلاةَ رَفعَ يَديه حيَالَ أذُنيه. قال: ثم أَتيتُهُم فرأيتُهم يرفَعُون أيديهم إلى صدُورِهم في افتتَاحَ الصلاةِ، وعليهم بَرَانِسُ، وأكسية (2) .
ش- شريك بن عبد الله النخعي.
قوله: " برانس " جمع بُرنس- بضم الباء الموحدة، وبعد الراء الساكنة نون مضمومة، وسن مهملة- وهو كل ثوب له رأس / ملتزق به، دراعةً (3) كانت أو جبة أو غير ذلك، كان يلبسه العُباد وأهل الخير، وهو
__________
(1) كذا.
(2) النسائي: كتاب التطبيق، باب: موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول (2 / 235) .
(3) ثوب من صوف.

(3/312)


عربي، اشتق من البِرْس- بكسر الباء وسكون الراء- وهو القطن، والنون زائدة، وقيل: إنه غير عربي. وقال الجوهري: " البرنس ": قلنسوة طويلة وكان النّسّاك في صدر الإسلام يلبسونها.
قوله: " وأكْسِية " جمع كساء. والحديث أخرجه النسائي.
وبهذا الحديث قال أصحابنا: إن أحاديث المناكب محمولة على العذر، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
* * *
112- باب: افتتاح الصلاة
أي: هذا باب في بيان افتتاح الصلاة، وليس في بعض النسخ " باب ". 710- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري، نا وكيع، عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل، عن وائلِ بن حُجرِ قال: أتيتُ النبي - عليه السلام- في الشتاء، فرأيتُ أصحابَه يرفعُونَ أيديهُم في ثيابِهِم في الصلاةِ (1) .
ش- دل الحديث على أن رفع اليدين من غير أن يخرجهما من كمّيه غير مكروه إذا كان للبرد، وأما لغير البرد فجعله بعض أصحابنا من ترك السُّنَة، وجعله البعض من ترك الأدب.
711- ص- ما أحمد بن حنبل، نا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ح، ونا مسدد، لا يحيى- وهذا حديث أحمد- أنا عبد الحميد - يعني: ابن جعفر- قال: أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحابِ النبيّ- عليه السلام- منهم أبو قتادةَ. قال أبو حميد: أنا أعلَمكُم بصَلاة رسول الله- عليه السلام- قالوا: فَلِم َ؟ ! فوالله ما كنتَ بأكثَرنَا له تَبعَةً، ولا أَقدمنَاَ له صُحبةً. قال: بلى. قالوا: فاعْرضْ. َ قال: كان رسوَلُ اللهِ هَذا قامَ إلى الصَلاةِ يرفعُ يديْهِ حتى يُحَاذِي بهما مَنكِبيهِ، ثم كَبَّرَ (2)
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " يكبر ".

(3/313)


حتى يَقَر كلُّ عَظمِ في مَوضِعِه معتدلاً، ثم يَقرأ، ثم يُكبرُ ويرفعُ (1) يديه حتى يُحَاذِي بهما مَنكِبيهِ، ثم يَركعُ ويَضعُ راحتَيْهِ على رُكبتَيه، ثم يَعتدِلُ فلا يَصُبُّ رأسَه ولا يُقْنِعُ، ثم يرفعُ رأسَه، فيقول: " سَمِعَ اللهُ لمَن حَمدَه "، ثم يَرفعُ يديه حتى تُحاذِي (2) مَنكبيهِ معتدلاً، ثم يقولُ: " اللهُ كبر "، ثم يَهْوِي إلى الأرضِ فيُجَافِي يديه عن جنبَيهِ، ثم يَرفعُ رأسَه، ويَثْني رِجلَهُ اليُسْرَى فيَقْعُدُ عليها، وبَفْتَحُ أصَابِعَ رِجلَيهِ إذا سَجَدَ، ثم يَسْجُدُ (3) ، ثم يقولُ: "الله كبر" ويرفعُ (4) ، ويثنِي رجْلَه اليُسْرَى فيقعدُ عليها حتى يَرْجِعَ كلُّ عظمِ إلى مَوضِعِه، ثم يَصنعُ في الأخرَى مثلَ ذلك، ثم إِذا قامَ من الركعتينِ كَبَّرَ " رَفعَ يديهِ حتى يُحَاذِي بهما مَنكبيه، كما كَبَّر عندَ افتتاح الصلاة، ثم يَصنعُ ذلكَ في بقيةِ صَلاتهِ، حتى إذا كانت السجدةُ التي فيها التسليمُ أخًّرَ رجلَهُ اليُسْرَى وقَعدَ مُتَوَركّاً على شِقِّهِ الأيسرِ. قالوا: صَدَقْتَ، هكذا كان يُصَلًّي (5) .
ش- الضحاك: ابن مخلد أبو عاصم النبيل، ويحيى القطان.
وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري أبو الفضل. سمع: أباه، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وسعيداً (6) المقبرة، وغيرهم. روى عنه: يحيى القطان، وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، وجماعة آخرون. قال أحمد: ليس به بأس. وقال يحمى بن سعيد: كان سفيان يضعفه من أجل القدر. وقال ابن معين وابن سعد: ثقة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة. روى له الجماعة إلا البخاري (7) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فيرفع" (2) في سنن أبي داود:" يحاذي بهما ". (3) في سنن أبي داود:" ويسجد ". (4) في سنن أبي داود:" ويرفع رأسه ". (5) يأتي برقم (934) . (6) في الأصل:" سعيد"
(7) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3709) .

(3/314)


ومحمد بن عمرو بن عطاء بن عباس (1) بن علقمة بن عبد الله القرشي المدني أبو عبد الله. سمع: أبا قتادة السلمي، وأبا حميد الساعدي، وابن عباس. روى عنه: وهب بن كيسان (2) ، وموسى بن عقبة، وعبد الحميد بن جعفر، وغيرهم.
وقال ابن سعد: وكان ثقة، له أحاديث. توفي في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك. روى له الجماعة (3) .
وأبو حميد عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن عمرو الساعدي.
قوله: " في عشرة من أصحاب النبي- عليه السلام- " محلها النصب على الحال، وكلمة " في " للمصاحبة نحو: " فَخَرَجَ عَلَى قَوْمه فِي زينَته " (4) ، والتقدير: سمعت أبا حميد حال كونه مصاحبا لعشرَةَ من أصًحَاب النبي- عليه السلام- والمعنى: كان جالسا بين عشرة أنفس من الصحابة، منهم أبو قتادة الحارث بن ربعي.
قوله: " تبعةً " نصب على التمييز، وكذلك قوله: " صحبةً " / (1/244-أ) والتبعة - بفتح التاء المثناة من فوق، وكسر الباء- اسم للاتباع، وكذلك التبعة- بضم التاء وسكون الباء- والتباعة بالفتح.
قوله: " حتى يقر " من القراءة، من باب ضرب يضرب، والمعنى: حتى يستقر كل عظم في موضعه ويثبت.
قوله: " معتدلاً " حال من الضمير الذي في " يرفع يديه ".
قوله: " ثم يكبر فيرفع يديه " يعني: بعد الفراغ " من القراءة يكبر فيرفع يديه، أشار بالفاء إلى أنه يرفع يديه عقيب التكبير.
__________
(1) كذا في الأصل، وفي تهذيب الكمال: " عياش "، وعلق محققه قائلاً " "جود ابن المهندس تقييده " ووقع في كثير من المصادر " عباس "، وهو كما قيدناه في باقي النسخ، وهو الصواب إن شاء الله.
(2) في الأصل: " غسان " خطأ. (3) المصدر السابق (26 / 5512) .
(4) سورة القصص: (79) .

(3/315)


قوله: " فلا يَصُب رأسه " يعني: فلا يميلها إلى أسفل، وفي بعض الرواية: " فلا ينصب " من الانصباب، ورواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان (1) ، عن عيسى، عن عباس، عن أبي حميد فقال فيه: " فلا يُصبي " يقال: صبى الرجل رأسه تصبيةً إذا خفضه جدا.
قوله: " ولا يُقنِع " من الإقناع، يعني: لا يرفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره. قال الله تعالى: " مقْنعِي رءوسهِمْ " (2) أي: رافعي رءوسهم. وقال ابن عرفة: يقال: أقنع رأسه، إذا نصبه لا يلتفت يمينا ولا شمالاً، وجعل طرفه موازياً " بين يديه.
قوله: " ثم يهوي " أي: ينزل.
قو له: " فيجافي " أي: يباعد.
قوله: " ويثني رجله اليسرى " من ثنيت الشيء ثنيا، إذا عطفته.
قوله: " ويفتخ أصابع رجليه " بالخاء المعجمة، أي: ينصبها ويغمز موضع المفاصل منها، ويثنيها إلى باطن الرجل، فيوجهها نحو القبْلة. وقال الأصمعي: أصل الفتخ اللين، ومنه قيل للعُقَابِ (3) فتحاً،َ لأنها إذا انحطت كسَرَتْ جناحَها. قال أبو العباس: فتخ أصابعه، أي: ثناها. قوله: " متوركا "ً حال من الضمير الذي في قعد، والتورك أن يجلس على أليتيه وينصب رجله اليمنى، ويخرج اليسرى من تحتها.
واستفيد من هذا الحديث أحكام كثيرة، الأول: رفع اليدين إلى المنكبين، وقد قلنا: إنه كان للعذر.
الثاني: أن التكبير بعد رفع اليدين، لأنه قال: إثم كبر "، وكلمة
" ثم، تقتضي التراخي، وقد ذكرنا الخلاف فيه.
__________
(1) في الأصل:" سليم " خطأ. (2) سورة إبراهيم: (43) .
(3) طائر من كواسير الطير، قوي المخالب، مسروَلْ، له منقار قصير أعقف، حاد البصر.

(3/316)


الثالث: رفع اليدين أيضاً للركوع، وقد قلنا: إنه منسوخ.
الرابع: سُنَة الهيئة في الركوع أن لا يرفع رأسه إلى فوق ولا ينكسه، ومن هذا قال صاحب " الهداية ": ويبسط ظهره، لأن النبي- عليه السلام- كان إذا ركع بسط ظهره، ولا يرفع رأسه ولا ينكسه، لأن النبي - عليه السلام - كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا يقنعه.
الخامس: سُنَة الإمام أن يقول:" سمع الله لمن حمده "، ويكتفي به، وهو قول أبي حنيفة.
السادس: رفع اليدين للهَوِي، وهو أيضاً منسوخ.
السابع: السُنَة أن يجافي بطنه عن فَخِذيه، ويديه عن جنبيه.
الثامن: هيئة الجلوس في القعدة الأولى من ذوات الأربع، أن يجلس على رجله اليسرى، ولم يبين فيه كيف يفعل باليمنى، فعند أبي حنيفة ينصبها نصبا، وهذه هيئة الجلوس في القعدتين عند أصحابنا، وهو قول الثوري " في " صحيح مسلم " (1) عن عائشة: " كان رسول الله يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى "، وفي رواية أبي داود (2) أيضاً كما يجيء الآن: " فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قلله اليسرى، ونصب اليمنى ". وقال مالك: يجلس فيهما متوركا. وقال الشافعي: إن كانت الصلاة ركعتين يجلس متوركا، وإن كانت أربعا افترش في الأولى، وتورك في الثانية. وقال أحمد: إن كانت ركعتين افترش، وإن كانت أربعا فكقول الشافعي.
التاسع: التكبير ورفع اليدين إلى المنكبين عند النهوض من التشهد، وهو منسوخ عندنا أيضاً وقال أبو حامد: انعقد الإجماع على أنه لا رفع في هذا الموضع، فاستدللنا بالإجماع على نسخ الحديث. وقال في " شرح المهذب ": هذا كلام مردود غير مقبول، ولم ينعقد الإجماع على ذلك؛
__________
(1) كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة ... يعه (498/ 240) .
(2) يأتي في الحديث الآتي.

(3/317)


بل قد ثبت الرفع في القيام من الركعتين عن خلائق من السلف والخلف
منهم: علي، وابن عمر، وأبو حميد مع أصحابه العشرة، وهو قول البخاري. وقال الخطابي: وبه قال جماعة من أصحاب الحديث. ولم
(11 / 244-ب) يذكره الشافعي، والقول به لازم على أصله / في قبول الزيادات. وقال البيهقي: مذهب الشافعي متابعة السُّنَّة إذا ثبتت. وقال صاحب " التهذيب: لم يذكر الشافعي رفع اليدين إذا قام من الركعتين، ومذهبه
اتباع السنة، وقد ثبت ذلك. وقال الشيخ محمى الدين: يتعين القول باستحباب رفع اليدين إذا قام من الركعتين، وأنه مذهب الشافعي لثبوت
هذه الأحاديث.
قلت: قد صرح صاحب " التهذيب " أن الشافعي لم يذكر هذا،
وادعى أبو حامد الإجماع على تركه ونسخ الحديث، وهؤلاء كيف
يجعلون هذا مذهبا للشافعي بصورة الإلزام؟ فربما ثبت عند الشافعي
انتساخ الحديث، فلذلك لم يذكر رفع اليدين، لأن الغفلة منه في مثل هذا
بعيدة، وقولهم مذهب الشافعي اتباع السُنَّة ليس على الإطلاق، فإنه لا
يتبع السنن المنسوخة، فافهم.
العاشر: توجيه أصابع رجليه إلى القِبْلة في السجود.
الحادي عشر: التورك في القعدة الأخيرة، وقد ذكرنا الخلاف فيه،
وعندنا هذا محمول على العذر، إما لكبرِ أو لعلة أخرى، فافهم.
والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه
مختصراً ومطولاً.
" (1) واعترضه الطحاوي في " شرح الآثار" (2) فقال: هذا الحديث
لم يسمعه محمد بن عمرو بن عطاء من أبي حميد، ولا من أحد ذكر مع
أبي حميد، وبينهما رجل مجهول، ومحمد بن عمرو ذكر في الحديث أنه
حضر أبا قتادة وسنه لا يحتمل ذلك، فإن أبا قتادة قتل قبل ذلك بدهر
__________
(1) انظر: نصب الراية (1 / 410- 412) . (2) (1/153،154)

(3/318)


طويل، لأنه قتل مع علي- رضي الله عنه-، وصلى علي علي، وقد رواه عطاف بن خالد، عن محمد بن عمرو، فجعل بينهما رجلاً، ثم أخرجه عن يحمى بن سعيد بن أبي مريم، ثنا عطاف بن خالد، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، حدثني رجل: أنه وجد عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا ... فذكر نحو حديث أبي عاصم سواء. قال: فإن ذكروا ضعف عطاف قيل لهم: وأنتم تضعفون عبد الحميد بن جعفر كثر من تضعيفكم لعطاف، مع أنكم لا تطرحون حديث عطاف كله، إنما تصححون قديمه وتتركون حديثه، هكذا ذكره ابن معين في كتابه. وابن أبي مريم سماعه من عطاف قديم جدا، وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعاً لمحمد بن عمرو من أبي حميد إلا عبد الحميد، وهو عندكم أضعف، ثم أخرج عن عيسى بن عبد الله (1) بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، حدثني مالك، عن عباس بن سهل الساعدي، وكان في مجلس فيه أبوه سهل بن سعد الساعدي، وأبو حميد، وأبو هريرة، وأبو أسيد، فتذاكروا الصلاة، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ... الحديث. وليس فيه: " فقالوا: صدقت " قال: وقوله فيه: " فقالوا جميعاً صدقت " ليس أحد يقولها إلا أبو عاصم. انتهى.
وأجاب البيهقي في كتاب " المعرفة " فقال: أما تضعيفه لعبد الحميد بن جعفر فمردود، لأن يحيى بن معين وثقه في جميع الروايات عنه، وكذلك أحمد بن حنبل، واحتج به مسلم في" صحيحه "، وأما ما ذكر من انقطاعه فليس كذلك؟ فقد حكم البخاري في " تاريخه " بأنه سمع أبا حميد، وأبا قتادة، وابن عباس. وقوله: إن أبا قتادة قتل مع علي رواية شاذة رواها الشعبي، والصحيح الذي أجمع علي أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي والواقدي والليث، وابن منده، ثم قال: وإنما اعتمد الشافعي في حديث أبي حميد برواية إسحاق ابن عبد الله، عن عباس بن سهل، عن أبي حميد ومن سماه من الصحابة،
__________
(1) في الأصل: " عبد الرحمن " خطأ.

(3/319)


وكده برواية فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل، عنهم، فالإعراض عن هذا والاشتغال بغيره ليس من شأن من يريد متابعة السُنَة " (1) . والجواب عما قاله البيهقي: أما قوله: " أما تضعيفه لعبد الحميد بن جعفر فمردود " مردود، لأن مثل يحيى بن سعيد طعن في حديثه، وهو (1/245-أ) إمام الناس / في هذا الباب، وذكره ابن الجوزي في كتاب " الضعفاء والمتروكين " فقال: كان يحيى بن سعيد القطان يضعفه، وكان الثوري يحمل عليه ويضعفه. وفي " الكمال ": وقال يحيى بن سعيد: كان سفيان يضعفه من أجل القدر. على أن الطحاوي نسب تضعيفه إليهم. وأما قوله: " وأما ما ذكر من انقطاعه فليس كذلك؛ فقد حكم البخاري في " تاريخه " بأنه سمع أبا حميد (2) ، وأبا قتادة، وابن عباس، فمجرد تشنيع وتعصب، لأن الطحاوي ما قال هذا من عنده، بل إنما حكم بأن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع من أبي حميد، ولم ير أبا قتادة، لعدم احتمال سِنه ذلك، لأنه قتل مع علي، وصلى عليه علي، وهو قول مثل الشعبي الإمام في هذا الفن، وكذا قال الهيثم بن عدي، وقال ابن عبد البر: هو الصحيح. وفي " الكمال ": قيل: توفي سنة ثمان وثلاثين، فكيف يقول البيهقي: هذه رواية شاذة؟ فيجعل رواية البخاري في " تاريخه " صحيحة، ويجعل كلام مثل هؤلاء الأجلة شاذا؟ على أن ابن الحزم قال: ولعله وهم فيه، يعني: عبد الحميد، وأيضا قد اضطرب سند هذا الحديث ومتنه، فرواه العطاف بن خالد فأدخل بين
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية. وقد قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية (1 / 424) :" قلت: قد تقدم في حديث رفع اليدين تضعيف الطحاوي لحديث أبي حميد، وكلام البيهقي معه، وانتصار الشيخ تقي الدين للطحاوي مستوفى، ولله الحمد، 10هـ. قلت: ولم أر هذا الانتصار في النسخة المطبوعة، فلعل ما سيذكره الشارح في جوابه على البيهقي، هو انتصار تقي الدين، وكأنه كان موجودا في نسخته من نصب الراية، والله أعلم.
(2) في الأصل: " أبا قتادة " خطأ.

(3/320)


محمد بن عمرو وبين النفر من الصحابة رجلاً مجهولاً، والعطاف وثَّقه ابن معين، وفي رواية قال: صالح. وفي رواية: ليس به بأس. وقال أحمد: من أهل مكة، ثقة صحيح الحديث. ويدل على أن بينهما واسطة، أن أبا حاتم ابن حبان أخرج هذا الحديث في " صحيحه " من طريق عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو، عن عباس بن سهل الساعدي، أنه كان في مجلس فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي ... الحديث، وذكر المزي، ومحمد بن طاهر المقدسي في " أطرافهما " أن أبا داود أخرجه من هذا الطريق، وأخرجه البيهقي في " باب السجود على اليدين والركبتين " من طريق الحسن بن الحر، حدَثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن مالك، عن عياش أو عباس بن سهل ... الحديث، ثم قال: وروى عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس ابن سهل، عن أبي حميد، لم يذكر محمداً في إسناده. وقال البيهقي في " باب القعود على الرجل اليسرى بين السجدتين ": وقد قيل في إسناده عن عيسى بن عبد الله، سمعه عباس بن سهل، أنه خص أبا حميد، ثم في رواية عبد الحميد أيضاً أنه رفع عند القيام من الركعتين، وقد تقدم أنه يلزم الشافعي، وفيها أيضاً التورك في الجلسة الثانية، وفي رواية عباس بن سهل التي ذكرها البيهقي بعد هذه الرواية خلاد هذه ولفظها: " حتى فرغ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبْلته "، وظهر بهذا أن الحديث مضطرب الإسناد والمتن، وظهر أن قولهَ: " والاشتغال بغيره ليس من شأن من يريد متابعة السنة " كلام واقع عليه.
712- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا ابن لهيعة، عن يزيد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو العامري قال: كنتُ في مجلسٍ من أصحاب رسول الله فتذاكَرُوا صَلاتَه، فقال أبو حميد- فذكرَ بعض هذا الحديثَ وقال- إذا رَكَعَ أمكَنَ كَفيه من رُكْبَتَيْه، وفَرج بين أصابعه، ثم هَصَر ظًهْرَه غيرَ مُقْنِعٍ رأسه ولا صَافحٍ بخدهِّ، وقَال: فإذا قَعَد في اَلرَكَعتينِ
2. شرح سنن أبى داود 3

(3/321)


قَعدَ على بَطنِ قَلله اليُسرى ونَصَبَ اليُمْنَى، فإذا كان في الرابعَة أفضَى بِوَرِكِهِ اليُسْرَى إلى اَلَأرضِ، وأخرجَ قَدميهِ من ناحيةٍ واحدةٍ (1) .َ
ش- ابن لهيعة: هو عبد الله بن لهيعة، وفيه مقال كما ذكرناه، ويزيد بن أبي حبيب: سويد المصري.
قوله: " فقال أبو حميد: فذكر بعض " هذا الحديث " من كلام محمد بن عمرو، والإشارة إلى الحديث المذكور.
قوله: " ثم هصر ظهره " بتخفيف الصاد المهملة، أي: ثناه وعطفه للركوع، وأصل الهصر: أن تأخذ رأس العود فتثنيه إليك وتعطفه، وفي "الصحاح ": الهصر: الكسر، وقد هصره، واهتصره بمعنىً، وهصرت الغُصْن بالغصن إذا أخذت برأسه وأملته، والأسد هيصر وهَصار.
(1/245-ب) / قوله: " غير مقنع " حال من الضمير الذي في " هصر " من الإقناع وقد ذكرناه قريبا. و " رأسه " منصوب لكونه مفعول اسم الفاعل.
قوله: " ولا صافح بخده " عطف على قوله: " غير مقنع " أي: غير مُبرز صفحة خده، ولا مائل في أحد الشقين.
قوله: " أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض " يعني: مس الأرض بوركه اليسرى، والورك- بفتح الواو وكسر الراء- وهو ما فوق الفخذ، وقد يخفف مثل: فَخِد وفَخْد، وهي مؤنثة.
713- ص- نا عيسى بن إبراهيم المصري، نا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن محمد القرشي، وبزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن الحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، نحو هذا، قال: فإذا سَجَد وضعَ يديه غيرَ مُفْتَرش، ولا قَابضهما، واستقبلَ بأطراف أصابعه القِبْلةَ (2) .ًًً ش- يزيد بن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) السابق.

(3/322)


القرشي المصري. روى عن: عبد الله بن واقد، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، وسعد بن إسحاق، وغيرهم. روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن عبد العزيز، وعبد الرحيم بن ميمون، وغيرهم. روى له البخاري مقرونا بالليث بن سعد، وأبو داود (1) .
قوله: " نحو هذا " أي: نحو الحديث المذكور في الرواية المذكورة. وفيه من الفقه: أن لا يفترش المصلي يديه في السجدة، ولا يقبضهما، ويستقبل بأطراف أصابع يديه ورجليه نحو القِبْلة.
714- ص- نا علي بن الحسين بن إبراهيم، نا أبو بدر، نا زهير أبو خيثمة، نا الحسن بن حر قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك، عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي: أنه كان في مَجْلِس فيه أبوه- وكان من أصحاب رسولِ الله- وفي المَجْلسِ أبو هُريرةَ، وأبو أشَيدٍ، وأبو حميد الساعدي. بهَذا الخبر يَزيدُ ويَنقصُ (2) قال فيه: ثم رَفَع رأسَه- يعني: منً الركوع- فقال: " سَمِعَ الله لمن حَمدَهُ، اللَهُم ربنا لك الحمد "، ورفعَ يديهِ، ثم قال: " اللهُ أكبر " فسجًَد فانتصبَ على كَفيه ورُكْبتيهِ، وصدُور قَدَمَيهِ وهو سَاجِد، ثم كَبرَ فجلسَ فَتَوَركَ، ونصبَ قَلله الأخْرى، ثم كَبرَ فسجَدَ، ثم كَبرَ فَقَامَ، ولم يَتَوَركْ، ثم ساقَ الحديث. قال: ثم جَلسَ بعدَ الركعتينِ حتى إذا هو أرادَ أن يَنهضَ للقيام قامَ بتكبيرة، ثم رَكَع الركعتينِ الأخريين، ولم يذكر التوركَ في التشهدِ (3) .ً
ش- على بن الحسين بن إبراهيم بن الحارث يقال له إشكاب أخو محمد وِهو الأكبر. سمع: ابن علية، ومحمد بن ربيعة، وحجاج بن محمد الأعور، وأبا بدر، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال: ثقة، وابن ماجه، وغيرهم. توفي سنة إحدى وستين ومائتين (1) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32 / 46 70) .
(2) في حق أبي داود: " أو ينقص" (3) انظر الحديث السابق.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20 / 4049) .

(3/323)


وأبو بدر: شجاع بن الوليد الكوفي، وزهير بن حرب النسائي:
أبو خيثمة.
والحسن بن حر النخعي أبو محمد الكوفي. سمع: الشعبي، وخاله عبدة، ونافعا مولى ابن عمر، وغيرهم. روى عنه: ابن عجلان، وزهير، وحسين بن على الجعفي، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. توفي بمكة سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وعيسى بن عبد الله بن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب. روى عن: زيد بن وهب، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وعطية بن سفيان. روى عنه: محمد بنِ إسحاق، وابن لهيعة، والحسن بن حر. قال ابن المديني: هو مجهول، لم يرو عنه غير محمد بن إسحاق. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وعباس بن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري المدني، أدرك زمن عثمان ابن عفان وهو ابن خمس عشرة سنة. سمع: أباه، وسعيد بن زيد، وأبا هريرة، وأبا حميد، وأبا أسيد الساعديين، وأبا قتادة، وعبد الله بن الزبير. روى عنه: محمد بن عمرو بن عطاء، وعمر (و) ، بن يحيى ا"رني، وفليح بن سليمان، وابناه: أبَي وعبد المهيمن ابنا عباس، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. توفي رمن الوليد بن عبد الملك بالمدينة. روى له الجماعة إلا النسائي (3) .
قوله: " أو عياش " بالياء آخر الحروف المشددة، وبالشن المعجمة.
وأبو أسيد- بضم الهمزة وفتح السن- مالك بن ربيعة الساعدي
الأنصاري، وقد ذكرناه.
قوله: " بهذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
__________
(1) المصدر السابق (6 / 1213) . (2) المصدر السابق (22 / 4635) .
(3) المصدر السابق (14 / 3122) .

(3/324)


/ قوله: " يزيد وينقص " حال، يجوز أن يكون من عباس، ويجوز أن (1/246-أ) يكون من محمد بن عمرو، أو ممن روى منه، يظهر بالتأمل.
قوله: " فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه " من نصبته فانتصب،
والمراد من الصدور صدران، ذكر الجمع وأراد التثنية.
قوله: "وهو ساجدا " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في " انتصب"
وفيه من الأحكام: أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وهو قول
أبي يوسف، ومحمد، والشافعي، ورفع اليدين للركوع وهو منسوخ.
وفيه: أن يضع أولا كفيه، ثم ركبتيه، ثم قدميه، وهو قول
الشافعي، ومالك. وعندنا السُّنَّة أن يضع أولا ركبتيه، ثم يديه " نذكره
بدليله إن شاء الله تعالى.
وفيه: أنه تورك في القعدة الأولى، وهو مذهب مالك، وعندنا مثل
هذا محمول على العذر.
715- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الملك بن عمرو قال: أخبرني
فُليح قال: حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حُميدِ، وأبو أسيد،
وسهل بن سعد، ومحمد بن مَسلمة فذكروا صلاةَ رسول الله- علي
السلام- فقال أبو حُميدِ: أنا أعلمُكُم بصلاة رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم "، فذكَر بعضَ هذا، قال: ثم ركَعَ فوضَعَ يديه على رُكبتيه كَأنه قَابَض عليها" (1) ، وَوَتَر يَديهِ فتجافَى عن جنبيه، وقال: ثم سَجدَ فأمَكَنَ أنفَه وجَبهَتَهُ، ونَحى يديه عن جَنبيهِ، ووضعَ كَفيَهِ حَنْوَ مَنكبِيهِ، ثم رَفَع رأسَهُ حتى رَجَعَ كُلُّ عَظمِ في مَوضعه حتى فَرِغِ، ثم جَلَسَ فافترشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وأَقبلَ بصدْرِ اليُمْنَى على قِبَلَته، ووضعَ كَفهُ اليُمْنَى على رُكبته اليُمْنَى، وَكَفهُ اليُسْرَى على رُكبته اليُسْرَ ى، َ وأَشَار َبإصْبَعِهِ (2) .ً
__________
(1) في سنن أبي داود: " عليهما ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في أنه يجافي يديه عن جنبيه في=

(3/325)


ش- عبد الملك بن عمرو بن قيس أبو عامر العقدي البصري.
وفليح بن سليمان بن أبي المغيرة بن حنين أبو يحيى المدني، ويقال: اسمه: عبد الملك، وفليح لقب غلب عليه. روى عن: عثمان بن عبد الرحمن، وعامر بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وغيرهم. روى عنه: زياد بن سعد، وابن وهب، وأبو الربيع الزهراني، وغيرهم. قال ابن معين: هو ضعيف. وفي رواية: ليس بقوي، ولا يحتج بحديثه. وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به. مات سنة ثمان وستين ومائة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (1) . ومحمد بن مَسلمة بن " حريش بن "، خالد الحارثي الأنصاري أبو عبد الله، أو أبو عبد الرحمن، أو أبو سعيد، شهد بدرا والمشاهد كلها. روى عنه: جابر بن عبد الله، والمغيرة بن شعبة، والمسور بن مخرمة، والحسن البصري، وعبد الرحمن الأعرج، وغيرهم. اعتزل الفتنة، وأقام بالربذة، ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين، وصلى علي. مروان بن الحكم، وهو يومئذ أمير المدينة. روى له: " النسائي، وابن ماجه، وأبو داود، والترمذي (2) .
قوله: " ووتَّر يديه " بتشديد التاء، معناه: وضعهما على ركبتيه ممدود تين.
قوله: " فتجافى عن جنبيه " أي: أبعد يديه عن جنبيه.
قوله: " ونحى " أي: أبعد يديه عن جنبيه.
قوله: " بصدر اليمنى " أي: الرجل اليمنى. والأحكام التي فيه ظاهرة، وقد مر ذكرها غير مرة.
__________
= الركوع (260) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (863) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23 / 4775) .
(2) المصدر السابق (26 / 5610) .

(3/326)


ص- قال أبو داود: روى هذا الحديثَ عتبةُ بنُ أبي حكيمٍ، عن عبد الله ابن عيسى، عن العباس بن سهل، لم يذكر التوركَ نحو فُليحٍ (1) ، وذكر الحسنُ بنُ حُر نحو جِلسَة حديثِ فُليحٍ وعتبةَ.
ش- عُتْبة بن أبي حكَيم أبو العباس الشامي الطبراني الأردني. سمع: عمرو بن حارثة، وطلحة بن نافع، ومكحولا، وعيسى بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وبقية بن الوليد، وصدقة بن خالد، وجماعة آخرون. قال يحيى: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح لا بأس به، وكان أحمد يوهنه قليلا. وقال النسائي: ضعيف. وقال الطبراني: هو من ثقات المسلمين. مات بصُور سنة سبع وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. قوله: " لم يذكر التورك " يعني: لم يذكر في روايته التورك في القعدة
/ كرواية فليح. (1/246-ب)
716- ص- نا عمرو بن عثمان، خبَّرنا بقية قال: حدثني عتبة قال: حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباسِ بن سهل الساعدي، عن أبي حُميد فيِ هذا الحديث قال: وإذا سَجدَ فَرج بين فَخذيه، غيرَ حامل بطنَهُ علىً شيء من فَخِذَيهَِ (3) .ً
ش- عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، وبقية بن الوليد الحمصي. قوله: " غير حامل " حال من الضمير الذي في " فرَّج ".
ص- قال أبو داود: رواه ابن المبارك قال: أنا فليح قال: سمعت عباس ابن سهل يحدثُ فلم أحفظهُ فحدثنيه، أرَاهُ ذكرَ عيسى بن عبد الله، أنه سمعه من عباسِ بنِ سهلٍ قال: حضرتُ أبا (4) حميد الساعدي (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " لم يذكر التورك، وذكر نحو حديث فلاح ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3771) . (3) تفرد به أبو داود.
(4) في الأصل: " حضرت أنا وحميد " خطأ.
(5) في سنن أبي داود:" بهذا الحديث ".

(3/327)


ش- أي: عبد الله بن المبارك.
قوله: " فحدثنيه " من كلام فليح، فافهم.
717- ص- نا محمد بن معمر، نا حجاج بن المنهال، نا همام، نا محمد بن جُحَادةَ، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، عن النبيّ- عليه السلام- في هذا الحديث قال: ف" سَجَدَ وقَعَتَا رُكبتَاهُ إلى الأرض قبلَ أن تَقَعَا كَفَّاهُ (1) ، ف" سَجَدً وضَعَ جَبهتَهُ بين كَفيهِ، وجَافَى عن إِبْطَيْهِ (2) . ش- محمد بن معمر بن ربعي القيسي البصري أبو عبد الله، يعرف بالبحراني. سمع: مؤمل بن إسماعيل، وحميد بن حماد، وأبا عاصم النبيل، وغيرهم. روى عنه: الجماعة، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم. قال أبو بكر البزار، كان من خيار عباد الله. وقال الخطيب: كان ثقة (3) . وهمام بن يحيى العَوْذي.
قوله: " وقعتا ركبتاه " من باب أكلوني البراغيث، وكذلك قوله: " قبل أن تقعا كفاه "، ويجوز أن يكون " ركبتاه " بدلا من الضمير الذي في "وقعتا "، و " كفاه " بدلا من الضمير الذي في " يقعا "، والمُعْرِب يُعْرِب بطريقه.
وفيه كلام، لأن عبد الجبار لم يسمع من أبيه كما ذكرناه.
ص- قال حجاج: قال همام: ونا شقيق قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- بمثل هذا.
ش- أي: قال حجاج بن المنهال: قال همام بن يحيى: حدثنا محمد ابن جُحادة، وحدثنا شقيق بن سلمة الأسدي قال: حدَثني عاصم بن كليب، عن أبيه كليب بن شهاب (4) الجرمي الكوفي. روى عن النبي - عليه السلام- مرسلا ولم يدركه، وقد مر مرة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " قبل أن تقع كفاه قال: ... "
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5621) .
(4) في الأصل: " شهاب ".

(3/328)


ص- وفي حديث أحدهما- وكبر علمي أنه حديث محمد بن جُحادة-: وإذا نَهَض نَهَضَ على رُكبتَيهِ، واعتمدَ على فَخِنَيهِ.
ش- أي: في حديث أحدهما من شقيق ومحمد بن جحادة- يعني شك فيهما- ثم قال: " وكبر علمي " أي: ظني- والعلم يأتي بمعنى الظن- أن الحديث حديث محمد بن جحادة، وليس حديث شقيق، وفيه: " إذا نهض ... " إلى آخره.
718- ص- نا مسدد، نا عبد الله بنِ داود، عنِ فطر، عن عبد الجبار بنِ وائل، عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ اللهِ يرفعُ إِبهَاميْهِ في الصلاةِ إلى شَحْمةِ أذُنَيهِ (1) .
ش- عبد الله بن داود الخريبي، وفِطر بن خليفة.
وفيه حجة للحنفية. والحديث: أخرجه النسائي، وهو مرسل. وقد ذُكر أن من هنا إلى الحديث الذي رواه النضر بن علي سقطت لابن داسة (2) وثبتت لأبي عيسى منها ما هو للخولاني عن ابن الأعرابي، ومنها ما هو للؤلؤي.
719- ص- نا (3) عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبيد المحاربي قالا:
نا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن محارب، عن ابن عمر قال: كان النبط- عليه السلام- إذا قَامَ من الركعتينِ كَبرَ ورَفَعَ يديهِ (4) .
ش- محمد بن عبيد بن محمد النحاس المحاربي أبو جعفر الكوفي. روى عن أبيه، ومحمد بن فضيل، ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة،
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: موضع الإبهامين عند الرفع (2 / 123) . (2) في الأصل: " لابن راشة " خطأ.
(3) حدث هنا تقديم وتأخير في الأحاديث بين نسخة المصنف وسنن أبي داود، فذكر هذا الحديث تحت " باب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين " ولم يذكر هذا التبويب في نسخة المصنف.
(4) تفرد به أبو داود.

(3/329)


وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، والترمذي، ولو حاتم، وأبو زرعة (1)
ومحمد بن فضيل بن غزوان الكوفي. وهذا الحديث من جملة ما يحتج
به الشافعية، وقد ذكرنا أن أحاديث الرفع في غير تكبيرة الإحرام منسوخة. 720- ص- نا الحسن بن عليّ، نا سليمان بن داود الهاشمي، ما عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن عبد الرحمن (2) بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الرحمن الأعرج عن عُبيد الله بن أبي رافع، عن على بن أبي طالب، عن رسول الله - عليه السلام-: أنه كانَ إذا قامَ إلى الصلاة المكتوبة كَبرَ، " رَفَعَ يَديهِ حَذوَ مَنكبَيه ويَصنعُ مثلَ ذلك إذا قَضَى قراءَتَه، وَإذا أرادَ (3) أن يركَع، / ويصنَعُهُ إذا فًرِغَ (4) من الركوع، ولا يَرفَعُ يَديه في شيء من صلاته وهو قَاعد، وإذا قامَ من السَّجدَتينِ يرفعُ (5) يديهِ كذلكَ وكَبَّرَ (6) .
ش- سليمان بن داود بن داود (7) بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي أبو أيوب، سكن بغداد. سمع:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5446) .
(2) " ابن عبد الرحمن " غير موجودة في سنن أبي داود، وذكر محقق تهذيب الكمال (15/ 432 / 433) أنه جاء في حواشي النسخ تعليق يتعقب صاحب " التهذيب " صاحب " الكمال " نصه: " كان فيه عبد الله بن الفضل بن عبد الرحمان بن العباس، وعبد الرحمان زيادة لا حاجة إليها ".
(3) في سنن أبي داود: " وأراد ". (4) في سنن أبي داود: " رفع ".
(5) في سنن أبي داود:" رفع"
(6) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع (226) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر والدعاء (2/129) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: سجود القرآن (1045)
(7) " صح ".

(3/330)


إبراهيم بن سعد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومحمد بن إدريس الشافعي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو يحيى صاعقة، والحسن بن علي الحلواني، وغيرهم. وقال ابن سعد: كان ثقة. توفي ببغداد سنة سبع عشرة ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي (1) . وموسى بن عقبة المطرفي المدني الأسدي.
وعبيد الله بن أبي رافع، واسم أبي رافع: أسلم، ويقال: إبراهيم، مولى النبي- عليه السلام- كاتب على بن أبي طالب. سمع: عليا، وأباه، وأبا هريرة. روى عنه: الحسن بن محمد ابن الحنفية، وعبد الرحمن الأعرج، وعطاء بن يسار. وقال أبو حاتم: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " إذا قضى قراءته " أي: إذا فرغ من قراءته.
قوله: " ويصنعه " أي: يصنع رفع اليدين.
قوله: " وهو قاعد " جملة حالية. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، " (3) وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي (علل الخلال" قال: سئل أحمد عن حديث علي هذا فقال: صحيح. وقال الشيخ في " الإمام": وقوله فيه: " وإذا قام من السجدتين" يعني: الركعتين. وقال النووي في " الخلاصة": وقع في لفظ أبي داود: " السجدتين"، وفي لفظ الترمذي:" الركعتين"، والمراد بالسجدتين: الركعتان. وقال الخطابي: وأما ما روي في حديث علي أنه كان يرفع يديه عند القيام من السجدتين، فلست أعلم أحداً من الفقهاء ذهب إليه، وإن صح الحديث فالقول به واجب. انتهى.
قلت: قد غلط الخطابي في هذا لكونه لم يقف على طرق الحديث، فافهم. وقال الطحاوي في " شرح الآثار": وقد روي عن علي خلاد
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11 / 2509) .
(2) المصدر السابق (9 1 / 3632) .
(3) انظر: نصب الراية (1 / 2 1 4- 13 4) .

(3/331)


هذا. ثم أخرج عن أبي بكر النهشلي، ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه: أن عليا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يرفع بعده. قال الطحاوي: فلم يكن علي- رضي الله عنه- ليرى النبي- عليه السلام- يرفع ثم يتركه إلا وقد ثبت عنده نسخه. قال: ويضعف هذه الرواية أيضاً أنه روي من وجه آخر وليس فيه الرفع، ثم أخرجه عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل (1) ، عن الأعرج به، ولم يذكر فيه: " الر فع " (2) .
ص- قال أبو داود: في حديث أبي حميد الساعدي حين وصفَ صلاةَ النبي- عليه السلام- إذا قامَ من الركعتين رَفَعَ (3) يديه حتى يُحَاذي يهما مَنكِبَيهِ كما كبرَ عندَ افتتاح الصلاةِ (4) .
ش- إنما ذكر هذا تفسيرا لقول علي- رضي الله عنه- في الحديث السابق: " وإذا قام من السجدتين " لنعلم أن المراد من السجدتين الركعتان كما ذكرناه، وهو الموضع الذي اشتبه على الخطابي.
721- ص- نا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن قتادة، عنِ نصر بن عاصم، عن مالك بن الحُويرث قال: رأيتُ النبي- عليه السلام- يرفعُ يَديه إذا كَبَّرَ، وإذا رَكَعَ، واذا رفَعَ رأسَهُ من الركوع حتى يَبْلُغَ بهما فُرُوعً أفُنَيهِ (5) .
__________
(1) في الأصل: " عن عبد الله، عن عبد الله بن الفضل" كذا.
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) في سنن أبي داود: " كبر ورفع"
(4) تفرد به أبو داود.
(5) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود (25 / 391) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: رفع اليدين للركوع حذاء
فروع الأذنين (2 / 122) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع اليدين
إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (859)

(3/332)


ش- نصر بن عاصم الليثي البصري. روى عن: عمر بن الخطاب،
ومالك بن الحويرث، وابن معاوية الليثي. روى عنه: قتادة، وعمران بن
حدير، وأبو سلمة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .ْ
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وقد أخرج
البخاري ومسلم بنحوه من حديث أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث.
وأخرجه الدارقطني عن أنس مثله.
722- ص- نا ابن معاذ، نا أبي ح ونا موسى بن مروان، نا شعيب
- يعني: ابن إسحاق- المعنى، عن عمران، عن لاحق، عن بَشير بن نَهيك
قال: قال أبو هُريرةَ: لو كنتُ قُدامَ النبيِّ- عليه السلام- لرأيتُ إبطَه (2) .
زاد ابنُ معاذ: يقولُ لاحق: ألا تَرى أنه في صَلاة (3) ، ولا يَستطيع أن يكونَ
قُدامَ رسول الله؟ وزاد موسى: يعني: إذا كَبرَ رَفعً يَديهِ (4) .
ش- ابن معاذ عبيد الله بن معاذ بن معاذ البصري، وموسى بن مروان
الرقي، وشعيب بن إسحاق الدمشقي.
/ وعمران بن حدير أبو عُبيدة (5) السدوسي البصري. روى عن: [1/247-ب] عكرمة مولى ابن عباس، وقسامة بن زهير، ولاحق بن حميد. روى
عنه: شعبة، وحماد بن زيد، ووكيع، ويزيد بن هارون، وغيرهم.
قال أحمد: بخ بخ، كان ثقة. وقال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (6) .
ولاحق بن حميد بن سعيد بن خالد بن كثير أبو مجلز السدوسي الأعور
البصري. سمع: عبد الله بن عمرو، وابن عباس، وبَشير بن نَهيك،
وجماعة آخرين. روى عنه: أيوب السختياني، وقتادة، وعمرانَ بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 / 6399) .
(2) في سنن أبي داود: " إبطيه".
(3) في سنن أبي داود: " الصلاة".
(4) النسائي: كتاب الصلاة، باب: صفة السجود (2 / 212) .
(5) فيه الأصل: "عَبدة " خطأ.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4484) .

(3/333)


حدير، وغيرهم. قال أبو زرعة: بصري ثقة، وكذلك قال ابن معين. مات في ولاية ابن هبيرة سنة ست ومائة. روى له الجماعة (1) .
وبشير بن نَهيكِ السدوسي، ويقال: السلولي، أبو الشعثاء البصري. سمع: أبا هريرة، وبشير بن الخصاصية. روى عنه: النضر بن أنس، وأبو مجلز لاحق، وخالد بن سُمير. وقال أبو حاتم: تركه يحيى القطان. وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " وزاد موسى " يعني: ابن مروان.
والحديث أخرجه النسائي، وهذا حجة للحنفية أيضاً، لأن من رفع يديه إلى منكبيه لا يرى إبطه، ولا يرى الإبط إلا ممن يرفع يديه إلى أذنيه.
723- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ في الصلاة رَفَع يَديهِ مدا (3) .
ش- يحيى القطان، وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن.
وسعيد بن سمعان الأنصاري الزرقي مولاهم المدني. سمع: أبا هريرة. روى عنه: ابن أبي ذئب. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " مدا " نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: رفعا مدا. ويجوز أن يكون " مدا" بمعنى " مادا "، ويكون حالا من الضمير الذي في " رفع "، والتقدير: حال كونه مادا يديه.
724- ص- ما عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي، عن
__________
(1) المصدر السابق (1 3 / 6772) .
(2) المصدر السابق (4 / 0 73) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير (239) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: رفع اليدين مدا (2 / 124) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 1 / 2293) .

(3/334)


جدي، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرةَ أنه قال: كان رسولُ الله إذا كَبَرَ للصلاة جَعَل يَديه حَذاءَ (1) مَنكبيه، وإذا ركَعَ فَعلَ مثلَ ذَلكَ، وَإذا رَفعَ للسجُوَد فَعلَ مثلَ فَلك، وإذا قَامَ مَنَ الركعتينِ فعلَ مثلً فلك (2) .
ش- يحيى بن أيوب الغافقي المصري.
وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، اسمه كنيته، وكان من سادات قريش، وكان فقيها عابدا يصوم الدهر كله، وكان يُعرف براهب قريش. روى عن جماعة من أصحاب النبي- عليه السلام-. روى عنه: أهل المدينة، والشعبي، والزهري، ومجاهد، وجماعة آخرون. وقال في " الكمال": قيل: اسمه: محمد، وقيل: اسمه: أبو بكر، وكنيته: أبو عبد الرحمن. والصحيح أن اسمه كنيته، وكان مكفوفا. مات بالمدينة سنة أربع وتسعين. روى له الجماعة (3) .
725- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا ابن لهيعة، عن ابن هُبيرة، عن ميمون المكي، أنه رَأى عبدَ اللهِ بنَ الزبيرِ وصلى بهم يُشيرُ بكفيه حينَ يَقُومُ، وحين يَركعُ وحين يَسجدُ، وحين يَنهَضُ للقيام، فيقوم فيُشيرُ بيَديه، فانطلقتُ إلى ابنِ عباس فقلت: إِني رأيتُ ابنَ الزبير ِصلى صَلاَةَ لم أرً أحداً يُصَليهَا، ووصفت (4) له هذه الإشارةَ، فقال: إنْ أحْبَبتَ أن تَنظُرَ إلى صلاةِ رسولِ اللهِ فاقتدِ بصلاةِ ابنِ الزبيرِ (5) .
ش- ابن هُبيرةَ هو عبد الله بن كبيرة بن أسعد بن كهلان السبئي الحضرمي أبو هبيرة المصري. روى عن: مسلمة بن مخلد، وميمون
__________
(1) في سنن أبي داود: "حذو".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع 000 (28) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33 / 43 72) .
(4) في سنن أبي داود: "فوصفت".
(5) تفرد به أبو داود.

(3/335)


المكي، وأبي تميم الجيشاني. روى عنه: حيوة بن شريح، ويحيى الأنصاري، وعبد الله بن لهيعة، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. مات سنة ست وعشرون ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) . وميمون المكي روى عن: عبد الله بن الزبير، روى عنه: ابن هبيرة، روى له: أبو داود (2) .
وفيه ابن لهيعة وهو معروف.
726- ص- نا قتيبة بن سعيد، ومحمد بن أبان- المعنى- قالا: نا
[1/248-أ] النضر بن كثير- يعني: السعدي- قال: / صلى إلى جَنبي عبدُ الله بنُ طاوس فِي مَسْجد الخيف، فكانَ إذا سَجَدَ السجدةَ الأولَى فَرفَعَ رأسَهُ منَها، رَفَعَ يَديه تِلقَاءَ وَجههَ، فَأنكَرتُ ذلك، فقلتُ لوهيبِ بن خالد، فقال (3) وهيب: تَصنعُ شيئاً لًم أرَ أحداً يصنَعُهُ؟ فقال ابنُ طاوس: رأيتُ أي يصنَعُهُ وقال أبي: رأيتُ ابنُ عباس يَصنَعَهُ، ولا أعلم إلا أنه قال: كان (4) النبي - عليه السلام- يصنَعُهُ (5) .
ش- محمد بن أبان: [ابن] وزير البلخي أبو إبراهيم، يعرف بحمدويه، مستملي وكيع. سمع: وكيعا، وعبدة بن سليمان، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد، وغيرهم. روى عنه الجماعة إلا مس". وقال النسائي: هو ثقة. مات سنة أربع وأربعين ومائتين (6) .
والنضر بن كثير السعدي أبو سهل البصري. رأى عبد الله بن طاوس، وروى عنه، وعن سعيد بن أبي عروبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم. روى عنه: نصر بن علي، وإبراهيم الدورقي، وموسى بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16 / 3628) .
(2) المصدر السابق (29 / 6343) .
(3) في سنن أبي داود:" فقال له ".
(4) كلمة" كان " غير موجودة في " سنن أبي داود"
(5) النسائي: كتاب التطبيق، باب: رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه (2 / 232) .
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5021) .

(3/336)


عبد الله البصري، وغيرهم. قال أبو حاتم: هو شيخ، فيه نظر. وقال أحمد: هو ضعيف الحديث.. وقال الدارقطني: فيه نظر. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
ووهيب بن خالد بن عجلان الباهلي البصري.
وقال الحافظ أبو أحمد النيسابوري: هذا حديث منكر من حديث ابن
طاوس.
727- ص- نا نصر بن عليّ، أنا عبد الأعلىِ، نا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا دَخلَ في الصلاة كَبرَ ورفَعَ يديهِ، وإذا رَكَعَ، وإذا قال: " سَمِعَ الله لمن حَمِدَهُ "، وإذا قامَ منَ الركعتين رفَعَ يديهِ، وبرفعُ ذلك إلى رسولِ اللهِ (2) .
ش- نصر بن عليّ بن نصر البصري، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-.
قوله: " وير فع ذلك " أي: الحديث. وأخرجه البخاري، وقال: ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - عليه السلام-.
ص- قال أبو داود: الصحيحُ قولُ ابنِ عُمَر، وليس (3) بمرفوعِ.
ش- أي: الصحيح أن هذا قول ابن عمر، وليس بمرفوع إلى النبي
- عليه السلام-.
ص- قال أبو داود: روى بقيةُ أولَه عن عبيدِ اللهِ وأسنده.
ش- أي: روى بقية بن الوليد أول الحديث عن عبيد الله بن عمر
__________
(1) المصدر السابق (29 / 6433) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع اليدين إذا قام من الركعتين (739) . (3) في سنن أبي داود: " ليس"
22. شرح سنن في داود 3

(3/337)


العمري. وقال الدارقطني: رواه بقية، عن عبيد الله، عن نافع بلفظ: " أن النبي- عليه السلام- كان إذا افتتح رفع يديه " لم يزد على هذا. ص- ور " ى هذا الحديثَ الثقفي، عن عبيدِ الله أوقفه (1) على ابن عُمَر، وقال فيه: إذا قامَ من الركعتينِ يرفَعهُما إلى ثَديَيْهِ، وهذا (2) الصحيح. ش- الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن عبد الله بن الحكم بن أبي العاص أبو محمد البصري الثقفي. سمع: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر العمري، وغيرهم. روى عنه: هاشم بن القاسم، وقتيبة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومسدد، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، وجماعة آخرون. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، وفيه ضعف. توفي سنة أربع وتسعين ومائة، ومولده سنة ثمان ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " وهذا الصحيح " أي: كونه موقوفا على ابن عمر هو الصحيح. وقد قلنا: أنه روي بأسانيدَ صحيحة عن ابن عمر خلاد هذا، فلا يكون هذا إلا وقد ثبت عنده نسخ.
ص- ورواه الليث بن سعد، ومالك، وأيوب، وابن جريج موقوفا.
ش- أي: روى هذا الحديثَ الليثُ بن سعد، ومالكُ بن أنس، وأيوب السختياني، وعبد الملك بن جريج موقوفا على ابن عمر- رضي الله عنه-. وقال الدارقطني: ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موقوفا. ورواه أبو صخرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر موقوفا، وقال: رواه إسماعيل بن أمية، والليث كذلك.
ص- وأسنده حماد بن كلمة وحلَه عن أيوب.
__________
(1) في سنن أبي داود:" وأوقفه"
(2) في سنن أبي داود: " وهذا هو ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال له " / 3604) .

(3/338)


ش- أيوب السختياني. وقال البيهقي: نا أبو عبد الله الحافظ، نا
محمد بن يعقوب، نا محمد بن إسحاق الصغاني، نا عفان، نا حماد
ابن سلمة، نا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله كان إذا دخل
في الصلاة رفع يديه حَذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
ص- لم يذكر أيوب ومالك الرفع إذا قام من السجدتينِ.
ش- أما رواية أيوب فقد قال أبو الحسن محمد بن الحسين العُلوي: أنا
أحمد بن (1) / محمد بن الحسن الحافظ، نا أحمد بن يوسف السلَمي، [1/248-ب]
نا عمر بن عبد الله بن رزين أبو العباس السلمي، نا إبراهيم بن طهمان،
عن أيوب، وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يرفع
يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائماً من ركوعه حَذَو
منكبيه ويقول: كان رسول الله يفعل ذلك.
وأما رواية مالك فعن عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن
شهاب، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله كان يرفع يديه حذو منكبيه
إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما
كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل
ذلك في السجود.
ص- وذكره الليث في حديثه.
ش- أي: ذكر الرفع إذا قام من السجدتين الليثُ بن سعد في حديثه.
ص- قال ابنُ جريج فيه: قلت لنافعِ: كان ابنُ عُمَر يجعلُ الأولَى
أرفَعَهُن؟ قال: لا، سواء. قلت: أشِرْ لي، فأشَارَ إلى الثديينِ أو أسفلَ من
ذلك.
ش- أي: في هذا الحديث، والهمزة في " كان " للاستفهام.
قوله: " يجعل الأولى أرفعهن " أي: يجعل الحالة الأولى- وهي حالة
الافتتاح- أرفع الحالات.
__________
(1) مكررة في الأصل.

(3/339)


قوله: " لا " أي: لا يجعل الأولى أرفعهن.
قوله:" سواء " بالرفع " على أنه، (1) خبر مبتدأ محذوف، أي: الكل سواء، ويجوز أن ينصب على معنى: يجعلها سواء.
728- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع: أن عبدَ الله بنَ عُمَر كان
إذا ابتدأ الصلاةَ يَرفعُ يَديهِ حَذوَ مَنكبَيه، وإذا رَفَعَ رأسَهُ من الرَكوع رَفَعَهُمَا دُون ذلك.
ولم يذكر " رفَعَهُما دون ذلك " أحد غير مالك فيما علمت (2) .
ش-" إذا ابتدأ" أي: إذا افتتح الصلاة.
قوله: " دون ذلك " أي: دون المنكبين.
قوله: " ولم يذكر رفعهما " إلى آخره من كلام أبي داود.
" (3) واعلم أن حديث ابن عمر هذا رواه مالك في " موطئه" (4) عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: أن النبي- عليه السلام- كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حَذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان لا يفعل ذلك في السجود. انتهى. لم يذكر فيه الرفع في الركوع، هكذا وقع في رواية يحيى بن يحيى، وتابعه على ذلك جماعة من رواة " الموطأ" منهم: يحيى بن بكير، والقعنبي، وأبو مصعب، وابن أبي مريم، وسعيد بن عفير، ورواه ابن وهب، وابن القاسم، ومعن بن عيسى، وابن أبي أويس، عن مالك، فذكروا فيه " الرفع من الركوع"، وكذلك رواه جماعة من أصحاب الزهري، عن الزهري، وهو الصواب. ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر في كتاب " التقصي". وقال في" التمهيد": وذكر جماعة من أهل العلم أن الوهم في إسقاط الرفع من الركوع، إنما وقع من جهة مالك، فإن جماعة حفاظا رووا عنه الوجهين جميعا. انتهى. وكذلك قال الدارقطني في " غرائب مالك" أن مالكا لم يذكر في
__________
(1) في الأصل: " وابنه" كذا.
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر: نصب الراية (1 / 408- 409) .
(4) كتاب الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (17) .

(3/340)


" الموطأ " الرفع عند الركوع، وذكره في غير " الموطأ "، حدث به عشرون نفرا من الثقات الحفاظ، منهم: محمد بن الحسن الشيباني، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن وهب، وغيرهم. قال: وخالفهم جماعة من رواة " الموطأ" فرووه عن مالك وليس فيه الرفع من الركوع، منهم: الإمام الشافعي، والقعنبي، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن بكير، وسعيد بن أبي مريم، وإسحاق الحُنيني، وغيرهم " (1) . وقد ذكرنا اعتراض الطحاوي واعتراض البيهقي علي والجواب عنه مستوفى.
***
113- باب: مَن لم يذكر الرفع عند الركوع
أي: هذا باب في بيان أقوال من لم يذكر رفع اليدين عند الركوع،
وفي بعض النسخ" باب فيما جاء فيمن لم يذكر ".
729- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع، عن سفيان، عن عاصم
- يعني: ابن كليب- عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلى بكم صلاةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: فَصلى، فلم يَرفعْ يديه إِلا مرةً (2) .
ش- علقمة بن قيس / النخعي. والحديث: أخرجه الترمذي، [1/249-أ] وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي عن ابن المبارك، عن سفيان. واعترض على هذا الحديث بأمور، منها: ما رواه الترمذي (3) بسنده عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة (257) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: مواضع أصابع اليدين في الركوع (2 / 186) .
(3) جامعه (2 / 38) .

(3/341)


- عليه السلام- لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من الركعتين، ورواه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما "، وذكره المنذري في " مختصر السنن".
ومنها: ما قال المنذري. وقال غير ابن مبارك: إن عبد الرحمن لم يسمع من علقمة.
ومنها: تضعيف عاصم بن كليب، نقل البيهقي في " سننه" عن
أبي عبد الله الحاكم أنه قال: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه في " الصحيح" وكان يختصر الأخبار فيؤديها بالمعنى، وأن لفظه: " ثم لا يعود " في الرواية الأخرى غير محفوظ في الخبر. والجواب عن الأول: أن عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع من النظر فيه، وهو يدور على عاصم بن كليب، وقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به.
وعن الثاني: أن قول المنذري غير قادح، فإنه عن رجل مجهول.
وقال الشيخ في الإمام: وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في " مراسيله "، وإنما ذكره في كتاب " الجرح والتعديل " فقال: وعبد الرحمن بن الأسود أدخل على عائشة وهو صغير ولم يسمع منها، وروى عن أبيه وعلقمة ولم يقل: إنه مرسل، وذكره ابن حبان في كتاب
" الثقات، وقال: إنه مات فيِ سنة تسع وتسعين، فكان سِنُه سِنَّ إبراهيم النخعي، فإذا كان سنُّه سِنّ إبراهيم فما ا"نع من سماعه من القمة مع الاتفاق على سماع النَخعي منه؟ ومع هذا كله فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابا المتفق والمفترق " في ترجمة عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة.
قلت: وكذا قال في " الكمال "، سمع عائشة زوج النبي- عليه السلام- وأباه وعلقمة بن قيس.
وعن الثالث وهو تضعيف عاصم فقد قلنا: إن ابن معين قال فيه: ثقة

(3/342)


وأنه من رجال الصحيح، وقول الحاكم أن حديثه لم يخرج في " الصحيح " غير صحيح، فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة، عن علي في الهدي، وحديثه عنه عن علي: " نهاني رسول الله- عليه السلام- أن أجعل خاتمي في هذه والتي تليها "، وغير ذلك، وأيضا فليس من شرط الصحيح التخريج عن كل عدل، وقد أخرج هو في " المستدرك " عن جماعة لم يخرج لهم في " الصحيح"، وقال: هو على شرط الشيخين، وإن أراد بقوله: " لم يخرج حديثه في الصحيح " أي: هذا الحديث فليس ذلك بعلة، وإلا لفسد علي مقصوده كله من كتابه " المستدرك ".
730- ص- نا (1) الحسن بن علي، نا معاوية وخالد بن عمرو بن سعيد وأبو حذيفة قالوا: نا سفيان لإسناده بهذا قال: " فَرَفَعَ يَديْهِ في أؤَلِ مَرةِ، وقال بعضُهُم: مَرةَ وَاحدةَ (2) .
ش- معاوية 000 (3) .
وخالد بن عمرو بن سعيد القرشي الأموي، أبو سعيد (4) الكوفي. سمع: الثوري، وهشاما الدستوائي، وشعبة، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن علي، ويوسف بن عدي، وإبراهيم بن موسى الفراء، وغيرهم. روى له: أبو داود، وابن ماجه (5) .
وأبو حذيفة النهدي اسمه: موسى بن مسعود.
قوله: "بهذا " أي: بهذا الحديث، قال في روايته: " فرفع يديه في أول مرة"
731- ص- نا (6) عثمان بن أبي شيبة، نا ابن إدريس، عن عاصم بن
__________
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود بعد الحديثين الآتيين.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.
(4) في الأصل: " سعد" خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1638 / 8) .
(6) ذكر هذا الحديث في سنن أبي داود تحت الباب السابق.

(3/343)


كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة قال: قال عبد الله: عَلمَنا
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ فكبرَ فرَفَعَ يَديْهِ، ف" رَكَعَ طبقَ يَديه بين رُكْبَتَيْه قال:
فَبَلَغ ذَلكَ سَعْداً فقال: صَدَقَ أخي، كُنَّا (1) نفعلُ هذا، ثم أمرْنًا بهذا
- يعني: الإمساكَ على الركبتينِ- (2) .
ش- ابن إدريس: هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن
الأسود الكوفي.
قوله: " طبَّقَ يديه " من التطبيق، وهو أن يجعل بطن كل واحدة لبطن
الأخرى، ويجعلهما بين فخذيه في الركوع، وهو مذهب ابن مسعود وهو [1/249-ب] / منسوخ، كان في أول الإسلام. وقال الترمذي: التطبيق منسوخ عند أهل العلم مستدلا بما رواه الجماعة عن مصعب بن سعد يقول: صليت
إلى جنب أبيَ فطبقت بين كفي، ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني أبي
وقال: كنا نفعله فنُهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب (3) .
واستدل البيهقي بحديث رواه عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن،
عن أبي سبرة الجُعفي، قال: قدمت المدينة فجعلت أطبق كما يُطبق
أصحاب عبد الله، فقال رجل من المهاجرين: ما يحملك على هذا؟
قلت: كان عبد الله يفعله، ويذكر أن رسول الله كان يفعله، فقال:
صدق عبد الله، ولكن رسول الله ربما صنع الأمر ثم يُحدث الله له أمرأ
آخر، فانظر ما اجتمع علي المسلمون فاصنعه، فكان بعد لا يُطبق. قال البيهقي: وهذا الذي صار إليه موجود في وصف (4) أبي حُميد ركوع
النبي- عليه السلام- (5) .
وعند الحاكم على شرط مسلم: " " بلغ سعد بن أبي وقاص التطبيق
__________
(1) في سنن أبي داود: " قد كنا ".
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: التطبيق (2 / 184) .
(3) جامع الترمذي (2 / 44) .
(4) في السنن الكبرى: "حديث أبي حميد وغيره في صفة ركوع النبي صلى الله عليه وسلم ".
(5) السنن الكبرى (2 / 84) .

(3/344)


عن عبد الله قال: صدق عبد الله، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا، ووضع يديه على ركبتيه ". وفي " الأوسط ": " كان النبي- عليه السلام- إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه ".
وقال ابن عمر في حديث غريب قاله الحازمي: إنما فعله النبي- عليه
السلام- مر ة.
وفي كتاب " الفتوح " لسيف عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، عن مسروق سألت عائشة عن إطباق ابن مسعود يديه بين ركبتيه إذا ركع؟ فقالت: إن النبي- عليه السلام- كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، زيادة من الله زاده إياها في حجته، فرأى أناسا يصنعون كما كان يصنع الرهبان، فحولهم من ذلك إلى ما علي الناس اليوم من إطباق الركب بالأكف وتفريج الأصابع.
وفي "علل الخلال" عن يحيى بن معين: هذان ليسا بشيء- يعني: حديث ابن عمر هذا وحديث محمد بن سيرين: أنه- عليه السلام- ركع يطبق.
قوله: " فبلغ ذلك سعداً" يعني: سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- فإن قيل: ما مناسبة هذا الحديث في هذا الباب؟ قلت: كأنه أشار بهذا إلى ما قال بعضهم من القائلين بالرفع، يجور أن يكون ابن مسعود نسي الرفع في غير التكبيرة الأولى كما نسي في التطبيق، فخفي علي كما خفي علي نسخ التطبيق، ويكون ذلك كان في الابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخا، وصار الأمر في السُّنة إلى رفع اليدين عند الركوع، ورفع الرأس منه.
والجواب عن هذا: أن هذا مستبعد من مثل ابن مسعود، والدليل علي: ما أخرجه الدارقطني في " سننه "، والطحاوي في " شرح الآثار " عن حصين بن عبد الرحمن قال: دخلنا على إبراهيم النخعي فحدثه عمرو ابن مرة قال: صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني القمة بن وائل عن أبيه، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يفتتح، وإذا ركع، وإذا

(3/345)


سجد، فقال إبراهيم: ما أرى أباه رأى رسول الله إلا ذلك اليوم الواحد فحفظ عنه ذلك، وعبد الله بن مسعود لم يحفظه، إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة. انتهى.
ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ولفظه: أحَفِظَ وائلٌ ونسي ابن مسعود؟
ورواه الطحاوي في" شرح الآثار " وزاد فيه: فإن كان رآه مرة يرفع،
فقد رآه خمسين مرة لا يرفع. وقال صاحب " التنقيح ": قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق: هذه علة لا تسوي سماعها، لأن رفع اليدين قد صح عن النبي- عليه السلام- ثم الخلفاء الراشدين، ثم الصحابة والتابعين، وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب، قد نسي ابن مسعود من القراَن ما لم يختلف فيه المسلمون بعدُ وهي المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق، ونسي كيفية قيام الاثنين خلف
[1/250-أ] الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي- عليه السلام- / صلى الصُبح يوم النحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النبي- عليه السلام- بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود، ونسي كيف كان يقرأ النبي- عليه السلام- (وَمَا خَلَقَ الذكر وَالأنثَى) (1) ، وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين؟ انتهى.
والجواب عن ذلك، أما قوله: " لأن رفع اليدين قد صح عن النبي
- عليه السلام- " فنقول: قد صح تركه أيضاً كما في رواية الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وأما قوله:" ثم الخلفاء الراشدين " فممنوع، إذ قد صح عن عمر وعلي- رضي الله عنهما- خلاد ذلك كما ذكرناه، والذي رُوي عن عمر في الرفع في الركوع، والرفع منه. ذكر البيهقي سنده، وفيه مَن هو
__________
(1) سورة الليل: (3) .

(3/346)


مستضعف. ولهذا قال: ورويناه عن أبي بكر وعمر وذكر جماعة، ولم يذكره بلفظ الصحة كما فعل ابن إسحاق المذكور. وقال علاء الدين ا"رديني في " الجوهر النقي في الرد على البيهقي": ولم أجد أحداً ذكر عثمان- رضي الله عنه- في جملة من كان يرفع يديه في الركوع والرفع
وأما قوله: " ثم الصحابة والتابعين " فغير صحيح أيضاً، فإن في الصحابة مَن قصر الرفع على تكبيرة الافتتاح، وهم الذين ذكرناهم سالفا، وكذا جماعة من التابعين منهم: الأسود، وعلقمة، وإبراهيم، وخيثمة، وقيس بن أبي حازم، والشعبي، وأبو إسحاق، وغيرهم. روى ذلك كله ابن أبي شيبة في " مصنفه " بأسانيد جيدة. وروى ذلك أيضاً بسند صحيح عن أصحاب علي وعبد الله، وناهيك بهم.
وأما قوله: " وليس في نسيان عبد الله " إلى آخره، فدعوى لا دليل عليها، ولا طريق إلى معرفة أن ابن مسعود علم ذلك ثم نسيه، والأدب في هذه الصور التي نسبه فيها إلى النسيان أن يقال: لم يبلغه، كما فعل غيره من العلماء.
وقوله: " ونسي كيفية قيام الاثنين خلف الإمام " أراد به ما رُوي أنه صلى بالأسود وعلقمة، فجعلهما عن يمينه ويساره، وقد اعتذر ابن سيرين عن ذلك بأن المسجد كان ضيقا. ذكره البيهقي في باب ا"موم يخالف السنَة في الموقف (1) .
وقوله: " ونَسي أنه- عليه السلام- صلى الصبح في يوم النحر في وقتها " ليس بجيد، إذ في " صحيح البخاري" وغيره عن ابن مسعود: " انه- عليه السلام- صلى الصبح يومئذ بغلس "، فما نسي أنه صلاها في وقتها، بل أراد أنه صلاها في غير وقتها المعتاد، وهو الإسفار، وقد يُبين ذلك بما في " صحيح البخاري" من حديثه: "ف" كان حين يطلع
__________
(1) السنن الكبرى: كتاب الصلاة (3 /98) .

(3/347)


الفجر قال: إن النبي- عليه السلام- كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان في هذا اليوم ". قال عبد الله: هما صلاتان تحولان عن وقتهما: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس، والفجر حين يبزغ الفجر.
وقوله: " ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد "
إلى آخره. أراد بذلك ما رُوي عن ابن مسعود: " أنه قال: هُيئت عظام ابن آدم للسجود، فاسجدوا حتى بالمرافق "، إلا أن عبارة ابن إسحاق ركيكة، والصواب أن يقال: من كراهية وضع المرفق والساعد. وفي "المحتسب " لابن جني قرأ: (والذكًرَ وَالأنثَى) بغير " ما "، النبي - عليه السلام-، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وفي " الصحيحين":
" أن أبا الدرداء قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله" يثبت أن ابن مسعود لم ينفرد بذلك، ولا نسلم أنه نسي كيف كان النبي- عليه السلام- يقرؤها، وإنما سمعها على وجه آخر فأدى كما سمع. قلت: قوله، " في أول كلامه " لا تسوي " لفظة عامية، والصواب أن يقال: لا تساوي، وفي " الصحاح " [قال] الفراء: هذا الشيء لا يساوي- كذا ولم يعرف يُسوي كذا، وهذا لا يساويه أي لا يعادله.
732- ص- نا محمد بن الصباح البزاز قال: نا شريك، عن يزيد بن
أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، أن رسولَ الله- عليه السلام- كان إذا افْتَتَح الصلاة رَفَعَ يديه إلى قريب مِن أذنيهِ، ثم لا يَعُوَد " (1) . [1/250-ب] /ش- أي: لا يعود بعد ذلك إلى رفعَ اليدين، وفيه مسألتان، الأولى: أن رفع اليدين إلى قريب الأذنين.
والثانية: أنه في تكبيرة الافتتاح ليس إلا، وما رُوي غير ذلك فمنسوخ
كما ذكرناه غير مرة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(3/348)


ص- قال (1) أبو داود: روى هذا الحديث هشيم وخالد، وابنُ إدريس،
عن يزيدَ بن أبي زياد، لم يذكروا: " ثم لا يعودُ ".
ش- أي: هشيم بن بشير الواسطي، وخالد بن مهران الحذاء، وعبد الله بن إدريس، وأشار أبو داود بهذا الكلام إلى انفراد شريك برواية هذه الزيادة، ولهذا قال الخطابي: لم يقل أحد في هذا: "ثم لا يعود " غير شريك، وأشار أيضاً إلى تضعيف الحديث، ولهذا قال الشافعي: ذهب سفيان أي تغليظ يزيد، وفي " تاريخ ابن عساكر " عن الأوزاعي: هو مخالف السّنَة. وقال أبو عمر في " التمهيد ": تفرد به يزيد، ورواه عنه الحُفاظ فلم يذكر واحد منهم قوله: " ثم لا يعود ". وقال البزار: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين: " ثم لا يعود ". وقال الدوري عن يحيى: ليس هو بصحيح الإسناد. وقال البيهقي عن أحمد: هذا حديث واه، قد كان يزيد يحدث به لا يذكر: "ثم لا يعود " ف" لقن أخذه، فكاًن يذكره فيه. وقال البخاري: إنما حدث ابن أبي ليلى هذا من حفظه. وقالت جماعة: إن يزيد (2) كان تغير بآخره، وصار يتلقن، واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم: ثنا محمد بن أبي ليلى، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: " رأيت النبي- عليه السلام- حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه. فقلت: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت: ثم لم يعد. قال: لا أحفظ هذا، ثم عاود به فقال: لا أحفظه. وقال البيهقي: سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول، يزيد بن أبي زياد كان يذكر بالحفظ، ف" كبر ساء حفظه، وكان يقلب الأسانيد، ويزيد في المتون، ولا يميز، وادعوا المعارضة أيضاً برواية إبراهيم بن بشار، عن سفيان، ثنا يزيد بن أبي زياد بمكة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله
__________
(1) جاء هذا النص في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(2) في الأصل: " يزيدا ".

(3/349)


- عليه السلام- إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع
رأسه من الركوع. قال سفيان: ف" قدمت الكوفة سمعته يقول: " يرفع
يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود " فظننتهم لقنوه. رواه الحاكم ثم البيهقي
عنه. قال الحاكم: لا أعلم ساق هذا المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن
عيينة غير إبراهيم بن بشار الرمادي، وهو ثقة من الطبقة الأولى من
أصحاب ابن عيينة جالس ابن عيينة نيفا وأربعين سنة. ورواه البخاري في
كتابه في " رفع اليدين": حدثنا الحميدي، ثنا سفيان، عن يزيد بن
أبي زياد بمثل لفظ الحاكم. قال البخاري: وكذلك رواه الحُفَّاظ ممن سمع
يزيد قديما منهم: شعبة، والثوري، وزهير، وليس فيه " ثم لم يعد "
انتهى.
وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء": يزيد بن أبي زياد كان صدوقا
إلا ابنه " كبر تغير، فكان يلقن فيتلقن، فسماع من سمع منه قبل دخوله
الكوفة في أول عمره سماع صحيح، وسماع من سمع منه في آخر قدومه
الكوفة ليس بشيء. قلت: يعارض قول أبي داود قول ابن عدي في
"الكامل ": رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن يزيد لإسناده وقالوا
فيه: " ثم لم يعد ". وأما قول الخطابي: " لم يقل أحد في هذا ثم لا
يعود غير شريك"، فغير صحيح، لأن شريكا قد توبع عليها كما أخرجه
الدارقطني عن إسماعيل بن زكرياء، ثني يزيد بن أبي زياد به نحوه.
وأخرجه البيهقي في " الخلافيات " من طريق النضر بن شميل، عن
إسرائيل- هو ابن يونس بن أبي إسحاق-، عن يزيد بلفظ:" رفع يديه
حذو أذنيه ثم لم يعد ". وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث
حفص بن عمر، أنا حمزة الزيات كذلك. وقال: لم يروه عنه إلا
حفص. تفرد به محمد بن حرب، ثم إنا نظرنا في حال يزيد فوجدنا
[1/251-أ] العجلي / قال فيه: جائز الحديث. وقال يعقوب بن سفيان الفسوي: يزيد وإن كان قد تكلم فيه لتغيره فهو على العدالة والثقة، وإن لم يكن
مثل الحكم ومنصور والأعمش، فهو مقبول القول عدل ثقة. وقال

(3/350)


أبو داود: ثبت، لا أعلم أحداً ترك حديثه، وغيره أحب أي منه. وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلا أنه في آخر عمره اختلط. و" ذكره ابن شاهين في كتاب " الثقات" قال: قال أحمد بن صالح: يزيد ثقة، ولا يعجبني قول من تكلم فيه، وخرّج ابن خزيمة حديثه في " صحيحه "، وقال الساجي: صدوق. وكذا قاله ابن حبان، وذكره مسلم فيمن شمله اسم الستر والصدق وتعاطي العلم، وخرج حديثه في " صحيحه "، واستشهد به البخاري، فلما كانت حاله بهذه المثابة جاز أن يُحمل أمره على أنه حدّث ببعض الحديث تارة وبجملته أخرى، أو يكون قد نسي أو، ثم تذكر، وأما دعوى المعارضة برواية إبراهيم بن بشار الرمادي فلا تتجه، لأنه لم يرو هذا المتن بهذه الزيادة غير إبراهيم بن بشار، كذا حكاه الشيخ في " الإمام" عن الحاكم، وابن بشار قال فيه النسائي ليس بالقوي، وذمه أحمد ذما شديدا. وقال ابن معين: ليس بشيء لم يكن يكتب عند سفيان، وما رأيت في يده ق" قط، وكان يُملي على الناس ما لم يقله سفيان. ورماه البخاري وابن الجارود بالوهم، فجائز أن يكون قد وهم في هذا، والله أعلم.
733- ص- نا عبد الله بن محمد الزهري، نا سفيان، عن يزيد نحو شريك لم يقل: " ثم لا يعود ". وقال سفيان: قال لنا بالكوفة بعدُ: "ثم لا يعودُ " (1) .
ش- سفيان بن عيينة، قد ذكرنا هذه الرواية آنفا من [طريق] إبراهيم
ابن بشار، ودعواهم المعارضة بهذه الرواية وذكرنا جوابها.
قوله: " قال لنا بالكوفة " أي: قال لنا يزيد بن أبي زياد بالكوفة بعد أن
قال لنا بمكة من غير هذه الزيادة:" ثم لا يعود،، وقد عرفنا حال يزيد ابن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي أبي عبد الله، وذكر أبو الحارث الفردي: قال أبو الحسن: يزيد بن أبي زياد جيد الحديث.
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(3/351)


734- ص- نا حسين بن عبد الرحمن، أنا وكيع، عن ابن أبي ليلى،
عن أخيه عيسى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيتُ رسول الله- عليه السلام- رَفَعَ يَديه حين افْتتحَ الصلاة ثم لم يَرفَعْهُمَا حتى انصَرفَ (1) .
ش- حسين بن عبد الرحمن الجرجرائي. روى عن طلق بن غنام، وعبد الله بن نمير، والوليد بن مسلم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
وابن أبي ليلى هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عبد الرحمن الأنصاري الفقيه، الكوفي، قاضيها. أبوه من كبار التابعين ولجده صحبة. سمع: عطاء بن أبي رباح، والشعبي، ونافعا مولى ابن عمر، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن جريج، وشريك، وغير هم. قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أحمد: هو سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقهه أحب إلي من حديثه، حديثه فيه اضطراب. وقال يحيى: ليس بذاك. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أحمد بن عبد الله: كان فقيها صاحب سُنة، صدوقا، جائز الحديث. مات سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وعيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. روى عن: أبيه، وعبد الله بن حكيم. روى عنه: أخوه محمد. قال ابن معين: ثقة. روى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه.
والحكم بن عتيبة.
قوله: "حتى انصرف" أي: خرج من الصلاة بالسلام.
ص- قال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيحٍ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(3/352)


ش- كأنه ضعفه بمحمد بن أبي ليلى، وذكره البخاري في كتابه في
"رفع اليدين " معلقا لم يصل سنده به، ثم قال: وإنما روى ابن أبي ليلى
هذا من حفظه. فأما من روى عن ابن أبي ليلى في كتابه فإنما حدث عنه
عن يزيد بن أبي زياد، فرجع الحديث إلى تلقين يزيد والمحفوظ ما رُوي
عن الثوري، وشعبة وابن عيينة قديما ليس فيه: " ثم لم يرفع ".
قلت: وإن سلمنا أن حديث محمد بن أبي ليلى / ضعيف، أليس هو [1/251-ب] متابع ليزيد بن أبي زياد؟ ويؤكده أيضاً حديث ذكره في " التمهيد " عن
أبي هريرة: " أنه كان يصلي بهم، وكان لا يرفع اليدين إلا حين يفتتح الصلاة، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم".
***
114- باب: وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة
أي: هذا باب في بيان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة،
وفي بعض النسخ: "باب فيما جاء في وضع اليمين على اليسار في الصلاة"
735- ص- نا نصر بن عليّ، نا أبو أحمد، عن العلاء بن صالح، عن
زرعة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين،
وَوَضع اليدِ على اليدِ من السنة (1) .
ش- نصر بن علي بن نصر البصري، وأبو أحمد الزبيري.
والعلاء بن صالح التيمي. روى عن: عدي بن ثابت، والمنهال بن
عمرو، وأبي سليمان المؤذن، وغيرهم. روى عنه: عبد الله بن نمير،
وأبو أحمد، وأبو نعيم. قال ابن معين: ثقة. وفي رواية: لا بأس به.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وزعة بن عبد الرحمن الكوفي. روى عن ابن عباس، وعبد الله
__________
(1) تفرد به أبو داود.
*. شرح سنن أبي داوود 3

(3/353)


ابن الزبير. روى عنه: مالك بن مغول. روى له: أبو داود، وابن ماجه.
وفيه مسألتان، الأولى: صف القدمين في القيام، وعن هذا قال أصحابنا: يستحب للمصلي أن يكون بين قدميه في القيام [قدر] أربع أصابع يديه، لأن هذا أقرب للخشوع.
والثانية: وضع اليد على اليد في القيام أيضاً، وقد ذكرنا الكيفية فيه
عن قريب. وقال ابن حزم: وروينا فعل ذلك عن النخعي، وأبي مجلز، وسعيد بن جبير، وعمرو بن ميمون، وابن سيرين، وأيوب، وحماد بن سلمة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما، والثوري، لإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، ومحمد بن جرير، وداود. وقال ابن الجوزي: هو مستحب عندنا. و"لك روايتان، إحداهما: كقولنا، والثانية: إنه غير مستحب إنما هو مباح، وفي " المدونة ": يكره فعله في الفرض، ولا بأس به في النافلة إذا طال القيام. قال أبو عمر: رواية ابن القاسم عنه إرسال اليدين، وهو قول الليث بن سعد. وروى ابن نافع، وعبد الملك ومطرف عن مالك: توضع اليمنى على اليسرى في الفريضة والنافلة، وهو قول المديني من أصحابه: أشهب، وابن وهب، وابن عبد الحكم.
736- ص- نا محمد بن بكار بن الريان، عن هشيم بن بشير، عن الحجاجِ بن أبي زينب، عن أي عثمان النهدي، عن ابن مسعود أنه كان يُصَفي فوضعَ يده اليُسْرى على اليُمنى، فَراَهُ النبي- عليه السلام-، فَوضعً يدَه اليُمنى على اليُسرى (1) .
ش- محمد بن بكار بن الريان الهاشمي مولاهم البغدادي الرصافي،
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: في الإمام "ذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه (2 / 126) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: وضع اليمن على الشمال في الصلاة (811) .

(3/354)


أبو عبد الله. سمع: قيس بن الربيع، وهشيما، وأبا عاصم النبيل، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم. قال صالح بن محمد البغدادي: هو صدوق يحدث عن الضعفاء. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين في ربيع
الآخر.
والحجاج بن أبي زينب الواسطي، أبو يوسف السُّلمي الصيقل. روى
عن: أبي عثمان النهدي، وأبي سفيان طلحة بن نافع. روى عنه:
هشيم، وابن مهدي، ويزيد بن هارون، وغيرهم. قال ابن معين:
ليس به بأس. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
وأبو عثمان النهدي: اسمه: عبد الرحمن بن قُل من قضاعة.
والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه. وفي أفراد البخاري عن
سهل بن سعد قال: " كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على
ذراعه اليسرى في الصلاة". وعند مسلم عن وائل بن حجر: " رأيت
النبي- عليه السلام- وضع يده اليمنى على اليسرى ". وعند ابن خزيمة:
" وضع كفه اليمنى على ظهر كفه والرصغ والساعد ". وفي لفظ: ثم
ضرب بيمينه على شماله فأمسكها. وفي لفظ: وضعها على صدره.
وعند البيهقي: قبض على شماله بيمينه. وعند البزار: عند صدره.
وذكر البيهقي من حديث عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن
أبي العباس عبد الله بن عباس: (فَصَل لربكَ وَانْحَرْ) قال: وضع
اليمين على الشمال في الصلاة.
737- ص- نا محمد بن محبوب، نا حفص بن غياث، عن
عبد الرحمن بن إسحاق، عبن زياد بن زيد، عن أبي جحيفة، أن عليا
رضي الله عنه- قال /: السنةُ (1) وضع الكَف على الكَف في الصلاة [1/252-أ] تحت السرة (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" من السنة".
(2) تفرد به أبو داود.

(3/355)


ش- محمد بن محبوب، وقيل: إن محبوبا لقب، وهو ابن الحسن البناني، أبو عبد الله البصري. روى عن: حماد بن سلمة، وأبي عوانة وحماد بن زيد، وغيرهم. روى عنه: مسدد، وأبو داود، والبخاري، وكان ابن معين يثني عليه ويقول: هو كثير الحديث، وكان مسدد خيرا منه. توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين. روى له النسائي.
وعبد الرحمن بن إسحاق الكوفي أبو شيبة. روى عن: أبيه، والشعبي، والنعمان بن سعد، وغيرهم. روى عنه: عبد الواحد بن زياد، ومحمد بن فضيل، وأبو معاوية، وغيرهم. قال أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو زرعة: ِ ليس بقوي. وقال البخاري: فيه نظر. روى له: الترمذي، وأبو داود.
وزياد بن زيد السوائي الأعسم. روى عن: أبي جحيفة، وروى عنه: عبد الرحمن بن إسحاق. قال الذهبي: لا يعرف. وقال أبو حاتم: مجهول. روى له أبو داود.
وأبو جحيفة: وهب بن عبد الله السوائي الصحابي.
وهذا الحديث ليس بموجود في غالب نسخ أبي داود، وإنما هو موجود في النسخة التي هي من رواية [ابن] داسة، ولذلك لم يعزه ابن عساكر في " الأطراف" إليه، ولا ذكره المنذري في " مختصره"، ولم يعزه ابن تيمية في " المنتقى، إلا لمسند أحمد، والشيخ محيى الدين لم يعزه إلا للدارقطني. والبيهقي في "سننه" لم يروه إلا من جهة الدارقطني، وما عزاه لأبي داود إلا عبد الحق في " أحكامه".
واستدل به أصحابنا: أن سُنَة الوضع تحت السرة، ويؤيد هذا الحديث
ما رواه ابن حزم عن (1) حديث أنس- رضي الله عنه- " من أخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة". وروى الطبراني في "معجمه
__________
(1) كذا.

(3/356)


الكبير " من حديث إبراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الأعمش، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي الدرداء: " من أخلاق النبيين صلى الله عليهم أجمعين وضع اليمين على الشمال في الصلاة ". وقال الترمذي: نا قتيبة، نا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قبيصة ابن هُلب، عن أبيه قال: كان رسول الله يؤمنا، فيأخذ شماله بيمينه. قال: وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث، وابن عباس، وابن مسعود، وسهل بن سعد. قال أبو عيسى: حديث هلب حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- والتابعين ومَن بعدهم، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى بعضهم أن يضعها فوق السرة. ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم.
***
115- باب: ما يستفتح به الصلاة من الدعاء
أي: هذا باب في بيان ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، وفي بعض النسخ: " باب فيما يستفتح به ".
738- ص- نا عُبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عمه الماجشون بن أبي سلمة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن على بن أبي طالب قال: " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إلى الصلاة كبرَ ثم قال: وَجهتُ وَجْهِي للذي فَطَرَ السمواتِ واَلأرض حنيفا (1) ومَا أنَاَ من المشركينَ، إن صَلاتي ونُسُكِي ومَحيايَ ومماتي لله رب العالمَينَ، لا شريكَ له، وبذلك أمرتُ وأنا أولُ المسلمينَ، اللهم أنت الملكُ لا إلهَ إلا أنتَ ربي (2) ، وأنا عبدُكَ، ظلمتُ نَفْسِي فاعْترفْتُ بذنبِي، فاغفر لي ذُنُوبي
__________
(1) في سنن أبي داود: "حنيفا مسلماً ".
(2) في سنن أبي داود: " لا إله لي إلا أنت، أنت ربي"

(3/357)


جميعا، لا (1) يَغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، واهدني لأحسن الأخلاقِ، لا يَهْدِي (2) لأحسنِهَا إلا أنتَ، واصرف عنَّي سَيئَها، لا يصرف سَيئَها إلا أنت لبيكَ وسعْديْكَ، والخيرُ كله في يديكَ (3) ، أنا بكَ وإليكَ، تباركتَ وتَعاليتَ، أَستغْفِرُكَ وأتوبُ إليكَ، وإذا ركعِ قال: اللهم لكَ رَكَعْتُ، وبكَ آمنت، ولك أسلمتُ خشعَ لك سَمعِي وبَصرِي ومُخَّي وعظامِي وعَصَبِي، وإذا رفعَ قال: سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، رَبّنا ولكَ الحمدُ مِلءَ السموات والأرضِ وما بينهما (4) ، ومِلءَ مَا شئتَ من شيء بعدُ، وإذا سَجَدَ قال. اللهم لك سجدتُ، وبك آمنت، ولك أسلمتُ، سُجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَهُ فَصَوَّرَهُ (5) فأحسنَ صُورتَه، فَشَق (6) سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، وتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ، وإذا سَلَمَ من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أَسرفتُ، وما أنتَ أعلمُ به مني، أنتَ المقدمُ والمؤخرُ لا إله إلا أنتَ " (7) .
ش- عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون الماجشون، قد ذكرناه، وعمه الماجشون اسمه: يعقوب بن أبي سلمة، أبو يوسف، المدني القرشي التيمي، أخو عبد الله بن أبي سلمة. روى عن: عبد الله بن،
[1/252-ب] عمر /، وقيل: سمع منه، وسمع من عمر بن عبد العزيز، وعبد الرحمن الأعرجْ، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة، وهؤلاء كلهم يعرفون
(1) في سنن أبي داود:" إنه لا".
(2) في سنن أبي داود: " لا يهد ني".
(3) في سنن أبي داود بعد هذا: " والشر ليس إليك".
(4) في سنن أبي داود: " وملء ما بينهما".
(5) في سنن أبي داود: " وصوره".
(6) في سنن أبي داود:" وشق".
(7) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1 77 / 1 0 2، 2 0 2) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (266) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة (2 / 129) ، وباب: نوع آخر منه (2/292) ، وباب: نوع آخر (2 / 0 22- 221) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع 00. (864) ، وباب: سجود القرآن (1054) .

(3/358)


الماجشون، مات سنة أربع وستين ومائة، روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
وعبيد الله بن أبي رافع أسلم أو إبراهيم، مولى النبي- عليه السلام-. قوله: " وجهت وجهي " أي: قصدت بعبادتي "للذي فطر السموات " والأرض، أي: ابتدأ خلقهما، وقيل: معناه: أخلصت ديني وعملي. قوله: " حنيفا " أي: مستقيما مخلصا. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم- عليه السلام-، ويقال: معناه مائلاً إلى الدين الحق وهو الإسلام، وأصل الحنَف: الميل، ويكون في الخير والشر، ومنه يصرف إلى ما تقتضيه القرينة، والنسبة إليه حنيفي، وأما الحنفي بلا ياء فهو الذي ينسب إلى أبي حنيفة في مذهبه، حذف هاهنا الياء ليكون فرقأ بينهما، وانتصاب " حنيفا " على أنه حال من الضمير الذي في " وجهت " أي: حال كوني في الحنيفية.
قوله: ما وما أنا من المشركين " بيان للحنيف بإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافرِ من عابد وثن وصنم ويهودي، ونصراني ومجوسي، ومرتد وزنديق، وغيرهم.
قوله: " إن صلاتي " يعني: عبادتي" ونسكي " يعني: تقربي كله، وقيل: وذبحي، وجمع بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالى: (فَصَل لرَبّكَ وَانْحَرْ) وقيل: صلاتي وحجي، وأصل النسك: العبادة من الَنسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط، والنسيكة أيضاً: كل ما يتقرب به إلى الله عَز وجَل.
قوله: " ومحياي ومماتي " أي: وما آتيه في حياتي وأموت علي من الإيمان والعمل الصالح، خالصة لوجهه لا شريك له، وبذلك من الإخلاص أمرت في الكتاب " وأنا أول المسلمين "، ويقال: ومحياي ومماتي، أي: حياتي وموتي، ويجور فتح الياء فيهما وإسكانها، والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان ياء مماتي، واللام في " لله " لام الإضافة، ولها معنيان: الملك والاختصاص، وكلاهما مراد هاهنا، والرب ا"لك، والسيد، والمدبر، والمربي، والمصلح، فإن وصف الله

(3/359)


برب لأنه مالك، أو سيد فهو من صفات الذات، وإن وصف بأنه [المدبر] ، لأنه مدبر خلقه ومربيهم، ومصلح لأحوالهم فهو من صفات فعله، ومتى دخلته الألف واللام اختص بالله تعالى، وإذا حذفنا جار إطلاقه على غيره فيقال: رب ا"ل ورب الدار ونحو ذلك، والعالَمون جمع عالَم، وليس للعالَم واحد من لفظه، والعالَم اسم " سوى الله تعالى، ويقال: الملائكة والجن والإنس، وزاد أبو عبيدة: والشياطين. وقيل: بنو آدم خاصة. وقيل: الدنيا وما فيها، ثم هو مشتق من العَلامة لأن كل مخلوق علامة على وجود صانعه، وقيل: من العِلم، فعلى هذا يختص بالعقلاء. وذكر ابن مالك أن العالمين اسم جمع لمن يعقل، وليس جمع عالم، لأن العالَم عام، والعالَمين خاص، ولهذا منع أن يكون الأعراب جمع عرب، لأن العرب للحاضرين والبادين، والأعراب خاص بالبادين. وقال الزمخشري: إنما جمع ليشمل كل جنس مما سُمي به.
فإن قلت: فهو اسم غير صفة، وإنما يجمع بالواو والنون صفات العقلاء، أو ما في حكمها من الأعلام. قلت: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم فيه.
قوله: " وأنا أول المسلمين" من هذه الأمة، قاله قتادة، أو في هذا الزمان، قاله الكلبي، أو بروحي مذ كنتُ، كقوله- عليه السلام-: " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين"، وفي رواية: " وأنا من المسلمين" بلا " أول".
قوله: " اللهم أنت الملك " قد ذكرنا معنى " اللهم" مستوفى، ومعنى أنت الملك، أي: ا"لك الحقيقي لجميع المخلوقات.
فإن قلت: ما الفرق بين الملك وا"لك؟ قلت: الملك أمدح، " إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملك". قال أبو عبيدة: لأن الملك ينفد على ا"لك دون عكسه. وقال أبو حاتم: ا"لك أمدح، لأنه في صفة الله يجمع المُلك والملك، لأن مالك الشيء ملكُه ومَلكه قد لا يملكه وهما
[1/253-أ] جميعا من الملكَ وهو الشد والربط، ومنه مَلْكَ العجين /. وقال

(3/360)


الزمخشري: المُلك يعم، أراد بضم الميم، والمِلك يخص، أراد بكسرها. قلت: ليس مراده العموم والخصوص المنطقيان فإنهما على العكس، بل المراد بالعموم كثرة الشمول، والتوابع والتعلقات، فإن الملك كثر بسطة وسلطة من ا"لك ويقال: المُلك بالضم عبارة عن القدرة الحَسية العامة، فإذا قلت: هذا مُلك فلان يدخل فيه ما يملكه، وما لا يملكه، وإذا قلت: هذا مِلك فلان- بالكسر- لا يدخل فيه ما لا يملكه فافهم.
قوله: " وأنا عبدك " أي: معترف بأنك مالكي ومدبري، وحكمك نافذ في.
قوله: " ظلمت نفسي " اعتراف بالتقصير، قلله على سؤال المغفرة أدبا كما قال آدم وحواء- عليهما السلام-: (ربّنا ظَلَمْنَا أنفُسَنَا ... ) الآية (1) ، ومعنى ظلمت نفسي: أوردتها موارد المعاصي.
قوله: " واعترفت بذنبي " يعني: رجعت عن ذنبي، لأن الاعتراف بالذنب بمنزلة الرجوع منه.
قوله: "فاغفر لي " أمر صورةْ، وسؤال وطلب معنى.
قوله: " جميعا " حال من الذنوب.
قوله:" لا يغفر الذنوب إلا أنت " بمنزلة التعليل، يعني: لأن مغفرة الذنوب بيدك، وليس هي إلا إليك، ولا يتولاها غيرك، ولا يقدر عليها أحد غيرك.
قوله: " واهدني لأحسن الأخلاق " أي: أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق به.
قوله:" واصرف عني سيئها " أي: قبيحها.
__________
(1) سورة الأعراف: (23) .

(3/361)


قوله: " لبيك " أصله: لبين تثنية لبَّ، فحذفت النون للإضافة. وقد
مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: " وسعديك" معناه: مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لديك بعد متابعة، أو إسعادا بعد إسعاد، ونصبه على المصدر والمعنى: ساعدت طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة.
قوله: " والخير كله في يديك " أي: في تصرف قدرتك الباسطة.
قوله: " أنا بك" مبتدأ وخبر، والمعنى: أنا مستجير بك، أو أنا موفق بك، أو نحو ذلك، فعلى جميع التقدير " بك " متعلق بمحذوف في محل الرفع على الخبرية.
قوله: " وإليك " عطف على قوله: " بك " أي: أنا إليك، والمعنى:
أنا ملتجئ إليك، أو متوجه إليك ونحو ذلك.
قوله: " تباركت" أي: استحققت الثناء عليك. وقيل: ثبت الخير عندك. وقال ابن الأنباري: تبارك العباد بتوحيدك.
قوله: " وتعاليت" أي: تعاظمتَ عن متوهم الأوهام، ومتصور الأفهام.
قوله: " اللهم لك ركعت " تأخير الفعل للاختصاص، والركوع: الميلان والخرور، يقال: ركعت النخلة إذا مالت، وقد يذكر ويراد به الصلاة من إطلاق اسم الجزء على الكل.
قوله: " وبك آمنت " أي: صدقت.
قوله: " ولك أسلمت " أي: انقدت وأطعت.
قوله: " خشع لك سمعي " أي: خشي وخضع، وخشوع السمع والبصر والمخ والعظم والعصب كالخضوع في البدن. فإن قلت: كيف يتصور الخشوع من هذه الأشياء؟ قلت: ذكر الخشوع وأراد به الانقياد والطاعة، فيكون هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم.

(3/362)


فإن قلت: ما وجه تخصيص السمع والبصر من بين الحواس،
وتخصيص المخ والعظم والعصب من بين سائر أجزاء البدن؟ قلت: أما تخصيص السمع والبصر فلأنهما أعظم الحواس، وكثرها فعلاً، وأقواها
عملاً، وأمسها حاجة، ولأن كثر الآفات للمصلي بهما فإذا خشعت قَلَّت الوساوس الشيطانية، وأما تخصيص المخ والعظم والعصب فلأن ما في
أقصى قعر البدن المخ، ثم العظم، ثم العصب، لأن المخ يمسكه العظم،
والعظم يمسكه العصب، وسائر أجزاء البدن مركبة عليها، فهذه عمد بنية
الحيوان وأطنابها، وأيضا العصب خزانة الأرواح النفسانية واللحم والشحم
غاد ورائح، فإذا حصل الانقياد والطاعة من هذه فمما الذي يتركب عليها
بالطًريق الأولى.
فإن قلت: ما معنى انقياد هذه الأشياء؟ قلت: أما انقياد السمع،
فالمراد به قبول سماع الحق، والإعراض عن سماع الباطل، وأما انقياد
البصر فالمراد / به صرف نظره إلى كل ما ليس فيه حرمة، والاعتبار به في [1/253-أ] المشاهدات العلوية والسفلية، وأما انقياد المخ، والعظم، والعصب،
فالمراد به انقياد باطنه كانقياد ظاهره، لأن الباطن إذا لم يوافق الظاهر لا
يكون انقياد الظاهر مفيدا معتبرا، وانقياد الباطن عبارة عن تصفيته عن دنس
الشرك والنفاق، وتزيينه بالإخلاص والعلم والحكمة، وترك الغل والغش
والحقد والحسد والظنون والأوهام الفاسدة، ونحو ذلك من الأشياء التي
تخبث الباطن، وانقياد الظاهر عبارة عن استعمال الجوارح بالعبادات،
كل جارحة بما يخصها من العبادة التي وضعت لها.
فإن قلت: ما وجه ارتباط قوله: " خشع لك سمعي " بما قبله؟ وما
وجه ترك العاطف بين الجملتين؟ قلت: كأن هذا وقع بيانا لقوله: "ولك أسلمت "، ولذلك ترك العاطف، لأن معنى: " لك أسلمت ": انقدت وأطعت، ومعنى " خشع سمعي " إلى آخره: الانقياد والإطاعة كما
قررناه، فكأنه- عليه السلام- بريق نوعي الانقياد والإطاعة بقوله:
" خشع سمعي" إلى آخره. بعد الإجمال. فقوله: " خشع سمعي

(3/363)


وبصري " بيان الانقياد الظاهر. وقوله: ما ومخي وعظمي وعصبي " بيان الانقياد الباطن، فهذه الأسئلة والأجوبة قد لاحت لي في هذا المقام من الأنوار الربانية، من نتيجة الأفكار الرحمانية.
قوله: " سمع الله لمن حمده " أي: تقبل الله منه حمده وأجَابَه، تقول: اسمع دعائي، أي: أجب، وَضَعَ السمع موضع القبول والإجابة للاشتراك بين القبول والسمع، والغرض من الدعاء القبول والإجابة، والهاء في " لمن حمده " هاء السكتة لا هاء الكتابة، فلذلك لا يجوز تحريكه فيسكن دائما.
قوله: " ربنا ولك الحمد " بالواو، وفي رواية بلا واو، والأكثر على أنه بالواو وكلاهما حسن، ثم قيل: هذه الواو زائدة. وقيل: عاطفة تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد.
قوله: " ملء السموات وملء الأرض وما بينهما " إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه، فإنه- عليه السلام- حمده ملء السموات والأرض، وهذه نهاية أقدام السابقين، وهذا تمثيل وتقريب. والكلام لا يقدر بالمكاييل، ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد، حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمات أجساما تملأ الأماكن، ولبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرض، المِلء- بكسر الميم-: ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، والمَلء- بالفتح- مصدر ملأت الإناء فهو مملوء، ودلو ملأى على فعلى، وكوز ملآن ماء. والعامة تقول: ملأى ماءً. وهاهنا بكسر الميم، وأما انتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: حمداً ملء السموات والأرض، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف، أي: هو ملء السموات والأرض.
قوله: " وملء ما شئت من شيء بعد " إشارة إلى أن حمد الله أعز من أن يعتوره الحسبان، أو يكتنفه الزمان والمكان، فأحال الأمر فيه على المشيئة،

(3/364)


وليس وراء ذلك الحمد منتهى، ولم ينته أحد من خلق الله في الحمد مبلغه ومنتهاه، وبهذه الرتبة استحق أن يُسمى أحمد لأنه كان أحمد من سواه.
وقوله: "بعدُ" مبني على الضم، لأنه قطع عن الإضافة فبني على
الضم كما قد عرف في موضعه.
قوله: " وشق سمعه وبصره" من الشَق- بفتح الشن- أي: فلق
وفتح، والشق- بكسر الشين- نصف الشيء. واستدل الزهري بقوله:
" سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره " على أن الأذنين
من الوجه. وعند أبي حنيفة هما من الرأس، لقوله- عليه السلام-:
" الأذنان من الرأس "، والمراد به: بيان الحكم لا الخلقة. قال جماعة:
أعلاهما من الرأس وأوسطهما من الوجه. وقال آخرون: ما أقبل على
الوجه فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس. وقال الشافعي: هما عضوان
مستقلان لا من الرأس ولا من الوجه.
والجواب للجمهور عن احتجاج الزهري: أن المراد بالوجه جملة
الذات، / كقوله تعالى: (كل شَيْء هَالك إلا وَجْهَه) (1) ، ويؤيد هذا [1/254-أ] أن السجود يقع بأعضاء أخر مع الوجه، والثاني: أن الشيء يضاف إلى ما يجاوره، كما يقال: بساتين البلد.
قوله: " تبارك الله أحسن الخالقين " أي: المقدرين والمصورين، ومعنى
تبارك: تعالى وتعاظم، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: " ما قدمت" أي: من الذنوب.
قوله: " وما أخرت " أي: من الأعمال، قال الله تعالى: (ينَبأ
الإِنسَانُ يَوْمَئِذ بِمَا قَدمَ وأخرَ) (2) .
قوله: " وما أسررت " أي: وما أخفيت من الأعمال، و " ما أعلنت "
بها أي: جهرت بها.
__________
(1) سورة القصص: (88) .
(2) سورة القيامة: (13) .

(3/365)


قوله: " وما أسرفتُ " أي: وما بذرت من الأوقات والساعات التي في غير الطاعة.
قوله: " وما أنت أعلم به مني" من الذنوب التي نسيتها وأغفلتها.
فإن قيل: النبي- عليه السلام- مغفور له ومعصوم عن الذنوب، فما وجه هذا القول؟ قلت: هذا تواضع منه- عليه السلام- وهضم النفس، أو هو عد على نفسه فوات الكمال من الذنوب، فكل ما وقع في أدعية الرسول من هذا القول، فالجواب فيه هكذا، ويجوز أن يكون هذا تعليما لأمته وإرشاداً إلى طريق الدعاء، لأنهم غير معصومين وهم مبتلون بالذنوب والتقصير في الطاعات.
قوله: " أنت المقدم وأنت المؤخر " بكسر الدال والخاء، والمعنى: تقدم من شئت بطاعتك وغيرها، وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، ثم هذا الدعاء وأمثاله محمولة عندنا على صلاة الليل النافلة. وقال ابن الجوزي: كان ذلك في أول الأمر أو في النافلة. وقال أبو محمد ابن قدامة: العمل به متروك، فإنا لا نعلم أحدا استفتح بالحديث كله، وإنما يستفتحون بأوله.
وفي " شرح المسند ": الذي ذهب إليه الشافعي في " الأم " أنه يأتي بهذه الأذكار جميعها من أولها إلى آخرها في الفريضة والنافلة. والمنقول عن المزني أنه يقول: " وجهت وجهي " إلى قوله: " من المسلمين". وقال الشيخ محيى الدين: وفي هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح في كل الصلوات حتى في النافلة، وهو مذهبنا ومذهب الأكثرين إلا أن يكون إماما لقوم لا يؤثرون التطويل. وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود. والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي مطولا. وأخرجه ابن ماجه مختصرا.
739- ص- نا الحسن بن علي، نا سليمان بن داود، ما عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن

(3/366)


عبد المطلب، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أي رافع، عن عليّ بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قامَ إلى الصلاة المكتوبة كَبر ورفعَ يديه حَذوَ مَنكبيه، يَصنعُ (1) مثلَ ذلك إذا قَضَى قراءتَه، وإذا أرَادَ أن يركعَ، ويصنعُهُ إذا رفعً من الركوع، ولا يرفعُ يديه في شيء من صلاِتهِ وهو قاعا، وإذا قَامَ من السجدتين رفعَ يديه كذلك وكَبر ودَعَى نحو حديث عبد العزيز في الدعاء، يزيدُ وينقصُ الشيء لم (2) يذكر: " والخير (3) في يديك، والشر ليس إلَيك"، وزاد فيه: " وبقولُ عندَ انصرافه من الصلاة: " اللهم اغفر لي ما قدمتُ وأخرتُ وأسررتُ وأعلنتُ، أنت إلَهَي، لا إله إَلا أنت " (4) . ش- سليمان بن داود بن داود أبو أيوب القرشي الهاشمي، وموسى ابن عقبة، أبو محمد الأسدي.
قوله: " إذا قضى قراءته " أي: إذا فرغ منها.
قوله: " وهو قاعد " حال من الضمير الذي في " ولا يرفع".
قوله: " وإذا قام من السجدتين " أي: الركعتين.
قوله: " نحو حديث عبد العزيز " أي: الحديث الذي رواه عبد العزيز ابن أبي سلمة الذي مر آنفاً
قوله: " يزيد وينقص " حال من " عبد العزيزة ".
__________
(1) في سنن أبي داود:" ويصنع".
(2) في سنن أبي داود:" ولم ".
(3) في سنن أبي داود: "والخير كله ".
(4) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (201 / 771) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (266) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبيرة والقراءة (2 / 129) ، وباب: نوع آخر منه (2 / 292) ، وباب: نوع آخر (2 / 220) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع
اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (864) ، وباب: سجود القرآن (1054)

(3/367)


قوله: " لم يذكر " أي: لم يذكر الحسن بن علي في روايته، أو لم
يذكر عبد العزيز في هذه الرواية: " والخير في يديك، والشر ليس
إليك "، ولكن راد في هذا الحديث: " ويقول عند انصرافه " أي: خروجه
من الصلاة:" اللهم اغفر لي " إلى آخره. وأخرجه الدارقطني هكذا.
وفي رواية لمسلم عن عبد العزيز بعد قوله: " والخير كله في يديك، والشر
ليس إليك "، وكذا في رواية أحمد في " مسنده "، ولم أجد في غالب
نسخ أبي داود المصححة: " والشر ليس إليك ".
واعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء والمتكلمين من
الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من علماء المسلمين: أن جميع الكائنات
خيرها وشرها، نفعها وضرها كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته [1/254-ب]
وتقديره، وإذا ثبت هذا فلابد من تأويل هذه اللفظة /، فذكر العلماء فيه أجوبة، أحدها: وهو الأشهر قاله النضر بن شميل والأئمة بعده
معناه: والشر لا يتقرب به إليك. والثاني: لا يصعد إليك إنما يصعد
الكلم الطيب. والثالث: لا يضاف إليك أدبا فلا يقال: نا خالق الشر،
وإن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالق الخنازير وإن كان خالقها.
والرابع: ليس شرا بالنسبة إلى حكمتك، فإنك لا تخلق شيئاً عبثا.
740- ص- نا عمرو بن عثمان، نا شريح بن يزيد قال: حدثني شعيب
ابن أبي حمزة: فقال لي ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل
المدينة: فإذا قُلتَ أنتَ ذاكَ فقل: وأنا من المسلمينَ- يعني: قوله: " وأنا
أولُ المسلمينَ " (1) .
ش- عمرو بن عثمان القرشي الحمصي، وشريح بن يزيد الحضرمي
أبو حيوة الحمصي، وابن المنكدر هو محمد بن المنكدر القرشي التيمي.
وابن أبي فروة إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، أبو سليمان المدني
الأموي، مولى عثمان بن عفان أخو عبد الحكيم، وعبد الأعلى،
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(3/368)


ومحمد. أدرك معاوية. روى عن: ابن المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، الزهري، وغيرهم روى عنه: الليث بن سعد، وعبد السلام بن حرب وشعيب بن أبي حمزة، وغيرهم. قال الترمذي: تركه بعض أهل العلم منهم: أحمد بن حنبل. قال أبو حاتم والنسائي متروك متروك. وقال أبو زراعة ذاهب الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. مات بالمدينة سنة أربعة وأربعين ومائة. وروى له: الترمذي، وابن ماجة
741- ص -نا موسى ابن إسماعيل نا حماد عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس ابن مالك، أن رجلا جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس فقال: الله أكبر، والحمد لله (1) كثيرا طيبا مباركا فيه، ف" قضى رسول الله صلاته قال: " أيكم المتكلم بالك"ت، فإنه لم بقل بأسا؟ "، فقال: أنا يا رسول الله جئت وقد حفزني النفس فقالتها. قال: " لقد رأيت اثنى عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها "
ش - حماد بن سلمة وقتادة بن دعامة وثابت البناني وحميد الطويل
قوله: " وقد حفزه " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في " جاء " وهو بالحاء المهملة المفتوحة والفاء، والزاي، أي: جهده النفس من شدة السعي إلى الصلاة، وأصل الحفز الدفع: الدفع العنيف.
قوله: " كثيرا " نصب على انه صفة لمصدر محذوف، أي: حمداً كثيراً، وكذلك انتصاب " طيبا مباركا فيه "، ومعنى طيبا خالصا صالحا أو نظيفا من الرياء.
ــــــــــــــــــــ
(1) في سنن أبي داود: " الحمد لله حمدا ... "
(2) مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة (600) ، والنسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر بين افتتاح وبين القراءة (2/ 131)
42 هـ شرح سنن أبي داوود 3

(3/369)


قوله: " يبتدرونها " من الابتدار وهو الاستباق، ومعناه: يستبقونها أيهم يرفعها ويكتبها في ديوانه، أو يرفع إلى الله سبحانه وتعالى، ووجه تخصيص العدد في الملائكة بالمقدار المذكور مفوض إلى علم الله تعالى وعلم رسوله وقد وقع في خاطري هاهنا من الأنوار الإلهية في تعيين العدد " اثني عشر " أن كلمات " الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه " ست كلمات فبعث الله لكل كلمة منها ملكين تعظيما لشأنها وتكثيرا لثواب قائلها وإنما لم نعتبر كلمتي " الله أكبر " لأن هذا المعني الذي في زاده الرجل من عنده وهو لم يزد إلا هذه الكلمات الست، وكان يمكن أن يقال: إن حروف هذه الكلمات جميعها بإسقاط المكرر منها اثني عشر حرفا إذا جعلنا " كبيرا " بالباء الموحدة، فأنزل الله لكل حرف من حروفها ملكها ولكن الرواية بالثناء المثلثة.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وقد مر أن مثل هذا كان في أول الأمر. ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل إذا قال هذا في صلاته عند الشروع لا باس عليه
والثانية: أن الحسنات تضاعف بأمثالها.
الثالثة: أن هذا يدل على كثرة الملائكة، وأنه لا يجوز أن يكون هؤلاء الملائكة من الكرام الكاتبين، لأنه ورد أن مع كل مؤمن ملكان، وقيل: ستون وقيل مائة وستون ويحتمل أن يكون من غيرهم
الرابعة: أن الملائكة يرون كما يرى يرى بنو آدم، لأنه - عليه السلام - قال: " لقد رأيت "، ولكنه مخصوصة بالنبي - عليه السلام - حيث رآهم رسول الله ولم يرهم غيره كما في قضية بدر.
[1/ 255 - أ] / الخامسة: فيه دليل أن الكلام في الصلاة حرام، حيث سأل رسول الله - عليه السلام - عن هذا المتكلم بعد انصرافه من الصلاة، ولم يسأل وهو في الصلاة.

(3/370)


ص - وزاد حميد فيه:" وإذا جاء أحدكم فليمش نحو ما كان يمشي، فليصل ما أدرك (1) ، وليقض ما سبقه.
ش - أي زاد: حميد الطويل في الحديث في روايته، والراد: أن يأتي الصلاة بسكينة ووقار، ولا يأتها سعيا كما جاء: " إذا أقمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون عليكم السكينة، ف" أدركتم فصلوها وما فاتكم فاقضوا " وقد مر هذا في بابه
742 - ص - نا عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة - قال عمرو: لا أدري أي صلاة هي - قال (3) : الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا (4) ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه " (5)
ش- عاصم بن عمير العنزي. روى عن.انس بن مالك ونافع بن جبير بن مطعم. وروى عنه: عمرو بن مرة، ومحمد بن أبي إسماعيل، وشعبة. وروى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة.
ابن جبير هو نافع ابن جبير.
قوله: " قال عمرو " أي: عمرو بن مرزوق: " لا أدري أي صلاة هي " فرضا أو نفلا وهو معترض بين قوله: " صلاة " وبين قوله " الله أكبر كبيرا " يعني: كان يقول بعد الشروع قبل القراءة، وانتصاب " كبيرا " بالباء الموحدة بإضمار فعل كأنه قال: أكبر كبيرا، وقيل: منصوب على
ـــــــــــــــــ
(1) في سنن أبي داود: " ما أدركه "
(2) انظر الحديث السابق.
(3) في سنن أبي داود " فقال "
(4) في سنن أبي داود ذكر قوله: " والحمد لله كثيرا "
(5) ابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة، باب: الاستعاذة في الصلاة (807، 808)

(3/371)


القطع من اسم الله تعالى، وانتصاب " كثيرا " بالثناء المثلثة على أنه صفة لمصدر محذوف، وأي: حمدا كثيرا
قوله: " سبحان الله " أي: أسبح الله تسبيحا، وانتصاب " بكرة " أي: غدوة، و " أصيلا " أي: عشيا على الظرفية،والعامل فيهما " سبحان " وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما.
قوله: " ثلاثا " من الراوي، أي: قالها ثلاث مرات.
قوله: " أعوذ بالله " أي: ألتجئ به من شر الشيطان.
قوله: " من نفخه " بدل اشتمال من الشيطان.
ص - قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة
ش- أي نفث الشيطان الشعر،إنما سمي النفث شعرا لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه كالرقية، قيل: إن كان هذا التفسير من متن الحديث فلا معدل عنه، وإن من قول بعض الرواة فلعله يراد منه السحر، فإنه أشبه " شهد له التنزيل قال الله تعالى {ومن شر النفاثات في العقد} (1)
قوله: " ونفخه " بالخاء المعجمة: الكبر، ونفخه كناية عما يسوله للإنسان من الاستكبار والخيلاء فيتعاظم في نفسه كالذي نفخ فيه ولهذا قال عليه السلام للذي رآه قد استطار غضبا " نفخ فيه الشيطان ".
قوله: " وهمزه الموتة " بضم الميم، وسكون الواو، وفتح التاء المثناة من فوق: وهي الجنون، وسماه همزا لأنه جعل من النخس والغمز، ومعدل عنه وإلا فالأشبه أن همزه ما يوسوس به قال الله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} (2) ، وهمزاته خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان، وهي جمع المرة من الهمز.
ــــــــــــــــ
(1) سورة الفلق: (4)
(2) سورة المؤمنين: (97)

(3/372)


734 - ص - نا مسدد، نا يحيى، عن مسعر، عن عمرو بن مرة عن رجل عن ابن جبير، عن أبيه قال: سمعت النبي - عليه السلام - يقول في التطوع ذكر نحوه
ش يحيى القطان، ومسعر بن كدام
قوله: " نحوه " أي: نحو الحديث المذكور، ولكنه عين في هذه الرواية أن هذه كان في صلاة التطوع دون الفرض والرواية الأخرى محمولة على هذا المعنى، وهذه الرواية أخرجها ابن ماجة، وفيها رجل مجهول
744 - ص - نا محمد بن رافع نا زيد بن حباب قال: أخبرني معاوية ابن صالح قال: أخبرني أزهر بن سعيد الحرازي، عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة: بأي شيء كان يفتتح رسول الله قيام الليل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبر عشرا وحمد الله عشرا، وسبح عشراً وهلل عشراً واستغفر عشراً، وقال: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ / من ضيق (2) المقام يوم القيامة " (3) [1/ 255- ب]
ش- أزهر بن سعيد الحرازي - بفتح الحاء المهملة والراء المخففة، وكسر الزاي -: نسبة إلى حراز بن عوف بن عدي بن مالك الحميري. سمع: أبا أمامة الباهلي، وعاصم بن حميد السكوني. روى عنه: معاوية بن صالح. قال ابن سعد: كان قليل الحديث، مات سنة تسع وعشرين ومائة. وروى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
قوله: " قيام الليل " أي: صلاة الليل، أطلق القيام عليها من باب إطلاق الجزء على الكل.
ــــــــــــــــــــ
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) قوله: " من ضيق " مكررة في الأصل.
(3) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر ما يستفتح به القيام (2/ 208) ، ابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل (1356)

(3/373)


قوله: " عشراً " أي: عشر مرات سأل فيه الغفران لذنوبه، والهداية في طريقه، والرزق في معاشه، والعافية في بدنه، ثم تعوذ من ضيق المقام يوم القيامة، وهذا كله تعليم وإرشاد للأمة، والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: رواه خالد بن معدان عن ربيعة الجُرَشي عن عائشةَ نحوه.
ش- أي: روى هذا الحديث خالد بن معدان الحمصي، عن ربيعة بن عمر، ويقال: ابن الغاز القرشي الشامي، ويقال: إن له صحبة. روى عن: أبي هريرة، وعائشة. روى عنه: ابنه الغاز، وبشير بن كعب، ويحيي بن ميمون، وغيرهم. وكان يقضي في زمن معاوية. وروى عن النبي حديثاً وقال الدارقطني: في صحبته نظر. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
745- ص- نا ابن المثنى، نا عمر بن يونس، نا عكرمة قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدَّثني أبو سلمي بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألتُ عائشةَ بأيِّ شيء كان نَبي الله- عليه السلام- يَفتتحُ صَلاتَهُ إذا قامَ من الليلِ؟ قالت (1) : كانت إذا قَامَ من الليلِ كان (2) يَفتتحُ صَلاته: اللَّهُمَّ رَب جبريلَ ووميكائيل ووإسرافيل، فَاطِرَ السمَوَات وَالأرْضِ، عَالمَ الغَيب وَالشهادة، أنتَ تحكُم بينه عبادٍكَ فيما كانوا فيه يَخَتلفُونَ، اهدنِي " اختلَفُواَ فيه من الَحقّ بإِذنِكَ، إنك (3) تهْدِي من تَشَاءُ إلى صَراطِ مُستقيمِ " (4) .
ــــــــــــــــــــ
(1) في الأصل:" قال".
(2) كلمة " كان " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " إنك أنت ".
(4) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (770) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل (3420) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: بأي شيء يستفتح صلاة الليل (2 / 212) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما
جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل (1357) .

(3/374)


ش- عمر بن يونس بن القاسم الحنفي اليمامي، أبو حفص. سمع: أباه، وعكرمة بن عمار. روى عنه: إسحاق بن وهب، وزهير بن حرب، ومحمد بن المثنى، وغيرهم.
قوله: " رب جبريل " رب " منصوب على النداء، وحرف النداء محذوف، والتقدير: يا رب جبريل، إنما خص هؤلاء الملائكة بالذكر من بين سائر المخلوقات كما جاء في القرآن والسُّنَة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة، وكبير الشأن، دون ما يستحقر ويستصغر، فيقال له: رب السموات والأرض، ورب الملائكة والروح، ورب المشرقين، ورب المغربين ورب الناس، ورب كل شيء. وكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه وتعالى بدلائل العظمة وعظم القدرة والملك، ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر، فلا يقال: رب الحشرات، خالق القردة والخنازير، وشبه ذلك على الانفراد، وأنما يقال: خالق المخلوقات، وخالق كل شيء، فيدخل فيه كل ما قل وجل، وصغر وكبر، ومعنى جبريل: عبد الله، لأن "جبر" معرب "كبر "، وهو العبد و" إيل" هو الله، وهو ملك متوسط بين الله ورسوله، وهو أمين الوحي، وكذلك ميكائيل معناه: عبد الله. وقيل: إنما خص هؤلاء الملائكة تشريفا لهم، إذ بهم تنتظم أمور العباد، أما جبريل فإنه- عليه السلام- كان هو الذي أنزل الكتب السماوية على أنبياء الله- عليهم السلام-، وعلمهم الشرائع وأحكام الدين. وأما ميكائيل فإنه- عليه السلام- موكل على جمع القطر والنبات وأرزاق بني آدم، وغيرهم. وأما إسرافيل فإنه- عليه السلام- على اللوح المحفوظ، الذي فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو صاحب الصور الذي ينفخ فيه.
قوله: " فاطر السموات" أي: خالقها.
قوله: " عالم الغيب والشهادة " أي: ما غاب عن العباد وما شاهدوه.
- قوله: " اهدني " بكسر الهمزة معناه: ثبتني على الحق، كقوله تعالى:
(اهْدنَا الصرَاطَ المُسْتَقِيمَ) .

(3/375)


قوله: " من الحق" بيان " في قوله: " " اختلف ".
قوله: " بإذنك" أي: بتيسيرك وفضلك.
قوله: " إلى صراط مستقيم " أي: طريق الحق والصواب. والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
746- ص- نا محمد بن رِافع أنا أبو نوح قراد، نا عكرمة بإسناده بلا [1/256-أ] إخبار، / ومعناه: قال: " إذا قَام كبر وبقولُ " (1) .
ش- أبو نوح قراد اسمه: عبد الرحمن بن غزوان المعروف بقراد
أبو نوح، مولى عبد الله بن مالك الخزاعي، سكن بغداد. سمع: الليث بن سعد، وشعبة، وعكرمة بن عمار، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وحجاج بن الشاعر، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس صالح. وقال ابن سعد: كان ثقة. مات سنة سبع ومائتين. روى له: البخاري، وأبو دا ود، والترمذي، والنسائي.
قوله: " ومعناه "عطف على قوله: " بإسناده " أي: قال قراد: حدثنا عكرمة بن عمار بهذا الحديث بإسناده بلا إخبار، وفي بعض النسخ: " بالإخبار ومعناه" قال: إذا قام، أي: رسول الله من الليل كبّر ويقول: " اللهم رب جبريل ... " إلى آخره.
747- ص- نا القعنبي قال مالك: لا بأس بالدعاء في الصلاة في أوله، وفي (2) أوسطِه، وفي آخره في الفريضَةِ وغيرِها (3) .
ش- حدَث عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك بن أنس أنه قال: لا بأس بأن يدعو هذه الأدعية في الصلوات كلها، سواء كان في أولها، أو في أوسطها، أو في آخرها. وكذا رُوي عن الشافعي، وقال البغوي: وبأي دعاء من هذه الأدعية استفتح حصل سُنَن الاستفتاح، وقال أصحابنا:
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) كلمة " في" غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) تفرد به أبو داود.

(3/376)


لا يستفتح إلا بقوله: " سبحانك اللَهُمَّ" إلى آخره. " نذكره إن شاء الله تعالى عن قريب. وأما هذه الأدعية فإن (1) أراد يدعو بها في آخره صلاته بعد الفراغ من التشهد في الفرض، وأما باب النفل فواسع، وكل ما جاء في هذه الأدعية فمحمول على صلاة الليل.
748- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن علي بن يحيى الشرقي، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع الشرقي قال: كنا يوماً نُصَلي وراءَ رسول الله، ف" رفع رسولُ الله من الركوع (2) قال: " سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ ". قالَ رجل وراءَ رسولِ الله: ربنا (3) ولكَ الحمدُ حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ف" انصرفَ رسولُ الله قال: " مَنِ المتكلمُ بها (4) ؟ " قال (5) الرجلُ: أنا يا رسولَ الله، فقالَ رسولُ الله: " لقدْ رأيتُ بضعا وثلاثينَ ملكا يَبتَدِرُونَها، أيُّهُم يكتُبُهَا أولُ " (6) .
ش- نعيم بن عبد الله أبو عبد الله المجمر العدوي المدني، مولى
آل عمر بن الخطاب، سُمي المجمر لأنه كان يجمر المسجد. سمع: أبا هريرة، وابن عمر، وأنس بن مالك، وعلي بن يحيى، وسالماً مولى شداد، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، وعمارة بن غزير، وابن عجلان، وغيرهم. روى له الجماعة.
وعلي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان الشرقي الأنصاري المدني. روى عن: أبيه. روى عنه: شريك بن عبد الله بن
__________
(1) كذا، ولعلها:" فإنه"
(2) في سنن أبي داود: "رأسه من الركوع".
(3) في سنن أبي داود: " اللهم ربنا".
(4) في سنن أبي داود: "بها آنفاً".
(5) في سنن أبي داود: " فقال ".
(6) البخاري: كتاب الأذان، باب: حدثنا معاذ بن فضالة (799) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: ما يقول ا"موم (2 / 196) .

(3/377)


أبي نمر، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وابنه يحيى بن علي، ونعيم بن عبد الله المجمر، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
ويحيى بن خلاد الزرقي الأنصاري المدني، قيل: إنه ولد في عهد النبي- عليه السلام- فحنَّكه وسماه يحيى. روى عن: عمر بن الخطاب وعمه رفاعة بن رافع. روى عنه: ابنه علي بن يحيى. توفي سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة إلا مس"
ورفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان الشرقي أبو معاذ، شهد بدرا هو وأبوه، وكان أبوه نقيباً رُوي له عن رسول الله أربعة وعشرون حديثاً روى له البخاري ثلاثة أحاديث. روى عنه: ابنه معاذ، ويحيى بن خلاد الزرقي، وعبد الله بن الشداد بن الهاد، مات في أول خلافة معاوية. روى له الجماعة إلا مس"
قوله: " ف" رفع رسول الله " أي: رأسه من الركوع.
قوله: " بضعة وثلاثين " البضعة- بكسر الباء- في العدد- وقد يفتح-
ما بين الثلاث إلى التسع، َ وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة. وقال الجوهري: تقول: بضع سنين، وبضعة عشر رجلاً، وبضع عشرة امرأة، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، لا نقول: بضع وعشرون. انتهى. وهذا الحديث الصحيح يدفع ما قاله، فإن قيل: ما الحكمة في تخصيص هذا العدد بهذا المقدار؟ قلت: قد استُفتح علي هاهنا أيضاً من الفيض الإلهي، أن حروف هذه الكلمات أربعة وثلاثون حرفاً وبالمكرر ستة وثلاثون حرفاً فأنزل الله بعدد حروف هذه الكلمات ملائكة. وقد
[1/256-ب] عرفت أن / البضعة ما بين الواحد إلى العشرة، فتكون الملائكة أيضاً ما بين الثلاثة والأربعة عدد حروف هذه الكلمات، لأن عددها ما بين الثلاثة والأربعة، وذلك تعظيما لهذه الكلمات، حيث أنزل في مقابلة كل حرف منها ملك من الملائكة.
قوله: " أول " بالضم من الظروف كما تقول: أبدأ بهذا الفعل أول كل

(3/378)


شيء، ثم تحذف المضاف إليه، ويبنى " أول" على الضم. وفيه من الفوائد ما ذكرناه في حديث حميد، عن أنس عن قريب. وفيه: أن وظيفة الإمام التسميع، ووظيفة المقتدي التحميد، حيث استحسن رسول الله فعل الرجل، وأخبر بثوابه. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
749- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس، أن رسولَ الله كان إذا قامَ إلى الصلاة من جوف الليلِ يقولُ: اللهمَ لكَ الحمدُ، أنتَ نُور السمواتِ والأرضِ، وَلك الحمدُ، أنتَ قَيامُ السموات والأرض، ولك الحمدُ، أنتَ رافع السموات والأرض ومَن فيهن، أنتَ الحق، وقَولكَ الحق، وَوَعْدُكَ الحق، ولقاؤُكَ حق، والجنة حق والنارُ حَق، والسَاعَةُ حَق، اللهم لكَ أسلمتُ، وبَكَ آمَنتُ، وعليكَ تَوكلتُ، وإليكَ أنبتُ، وبكَ خَاصَمْتُ، وإليكَ حَاكَمْتُ، فاكفر لي ما قدمتُ وأخرتُ، وأسررتُ وأعلنتُ، أنتَ إِلهِي، لا إله إلا أنتَ " (1) .
ش- أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، وطاوس بن كيسان اليماني. قوله: " أنت نور السموات " معناه: أن كل شيء استنار فيها واستضاء وتقدر بك، والأجرام النيرة بدائع فطرتك، والحواس والعقل خلقك وعطيتك، وأضاف النور إلى السموات والأرض للدلالة علي سعة إشراقه، وفشل إضاعته، وعلى هذا فسر قوله تعالى: (اللهُ نُورُ السمَوَات وَالأرْضِ) (2) ، وقد فسر كثير من العلماء النور في أسمائه تعالى بمعنىَ المنور، وجدوا في الهرب عن إطلاق هذا الاسم على الله إلا من هذا الوجه، وقالوا: إن النور يضاده الظلمة ويعاقبه، فتعالى الله أن يكون له ضد ونِد، وقال بعضهم: معنى النور الهادي.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: التهجد بالليل (1120) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (769) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر ما يستفتح به القيام (3 /209) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في
الدعاء إذا قام الرجل من الليل (1355) .
(2) سورة النور: (35) .

(3/379)


قلت: قد ثبت أن الله تعالى سمى نفسه النور بالكتاب والسُّنَة، وقد
ورد في الكتاب على صفة الإضافة، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو ذر من غير إضافة، وذلك قوله: " نور أنى أراه " حين سأله أبو ذر: "هل رأيت ربك؟ "، وقد أحصى أهل الإسلام النور في جملة الأسماء الحسنى، وقد عرفنا في أصول الدين أن حقيقة ذلك ومعناه يختص بالله سبحانه، ولا يجوز أن يفسر بالمعاني المشتركة، وصح لنا إطلاقه على الله بالتوقيف، ونقول في بيان ما أشير إليه: إن الله سبحانه سمى القمر نوراً وسمى النبي- عليه السلام- نورا وهما مخلوقان، وبينهما مباينة ظاهرة في المعنى، فتسمية القمر نورا للضوء المنتشر منه في الأبصار، وتسمية النبي- عليه السلام- به للدلالات الواضحة التي لاحت منه للبصائر، وسمى القرآن لمعانيه التي تخرج الناس من ظلمات الكفر والجهالة، وسمى نفسه نورا " اختص به من إشراق الجلال وسبحات العظمة، التي تضمحل الأنوار دونها، وهذا الاسم على هذا المعنى لا استحقاق فيه لغيره بل هو المستحق له المدعو به، (وللهِ الأسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوه ُبِهَا) (1) . قوله: " قيام السموات "، وفي رواية:" قيم السموات" قالت العلماء: من صفاته القيَام والقيم كما صرح به الحديث، والقيوم بنص القرآن وقائم، ومنه قوله تعالى: (أفَمَنْ هُوَ قَائم عَلَى كُلِّ نَفْس بمَا كَسَبَتْ) (2) . قال الهروي: ويقال: قوام. قالَ ابن عباس، القيَوم الذي لا يزول. وقال غيره: هو القائم على كل شيء ومعناه: مدبر أمر خلقه. وقال الجوهري: القيوم اسم من أسماء الله. وقرأ عُمر: الحي القيام، وهو لغة، وفي" المطالع ": أنت قيام السموات والأرض، كذا للجماعة وهو القائم بأمرهما. وعند أبي عتاب: قيام. والقَيام والقَيوم والقوام والقيم والقائم سواء.
[1/257-أ] قوله: " أنت رب السموات والأرض " أي: أنت مالك / السموات والأرض ومن فيهن، وقد مر الكلام في معنى" الرب ".
__________
(1) سورة الأعراف: (180) .
(2) سورة الرعد: (33) .

(3/380)


قوله: " أنت الحق " الحق: اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: الوجود حقيقة، المتحقق وجوده وإلاهيته.
قوله: " وقولك الحق " أي: غير كذب، بل هو صدق حقا وجزمت. قوله: " ووعدك الحق " أي: الثابت غير الباطل، قال الله تعالى: (إِن اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ) (1) .
قوله: " ولقاؤك حق " أي: واقع كائن لا محالة، والمراد من لقاء الله تعالى: المصير إلى الدار الآخرة، وقيل: المراد به الموت. وقال الشيخ محيى الدين: " وهذا القول باطل في هذا الموضع، إنما نبهت علي لئلا يغتر به، والصواب البعث، فهو الذي يقتضيه سياق الكلام وما بعده، وهو الذي يرد به على الملحد، لا بالموت. قلت: يمكن أن يفسر اللقاء بالموت، ويرد على الملحد بقوله: " والساعة حق ".
قوله: " والجنة حق " أي: موجود معد للمؤمنين.
قوله: " والنار حق " أي: موجود معد للكافرين.
قوله: " والساعة حق " أي: واقع كائن لا محالة، والمراد من الساعة يوم القيامة.
قوله: " اللَّهمَّ لك أسلمت " أي: انقدت، وأطعت.
قوله: " وبك آمنت " أي: صدقت بك، وبكل ما أخبرت، وأمرت، ونهيت. قال الشيخ محيى الدين:" فيه الإشارة إلى الفرق بين الإيمان، وا لا سلام ".
قلت: المراد من الإسلام والإيمان هاهنا: معناهما اللغوي، لا الشرعي، ولا نزاع لأحد أن بينهما فرقا من حيث اللغة، ولكن الخلاف هل بينهما فرق من حيث اَلشرع أم لا؟ وقد ذكرناه.
قوله: " وعليك توكلت " أي: فوضت أمري إليك في كل شيءِ.
__________
(1) سو رة آل عمران: (9) .

(3/381)


قوله: " واليك أنبت" أي: أقبلت بهمتي وطاعتي، وأعرضت عضا سواك.
قوله: " وبك خاصمت " أي: بك أحتج وأدافع وأقاتل من عاند فيك وكفر بك، وقمعته بالحجة والسيف.
قوله: " واليك حاكمت " أي: رفعت محاكمتي إليك في كل من جحد الحق، وجعلتك الحكم بيني وبينه لا غيرك، مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم ونارٍ وكاهنٍ وشيطان وغيرها، فلا الرضى إلا بحكمك، ولا أعتمد على غيره.
قوله: " فاغفر لي ما قدمت " أي: من الذنوب، " وما أخرت" أي:
من الأعمال، " وما أسررت " أخفيت من الأعمال، " وما أعلنتُ " بها أي: جهرت بها، وقد مَر قبلُ هذا عن قريب، والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأخرجه البخاري، ومسلم من رواية سليمان الأحول، عن طاوس.
750- ص- نا أبو كامل، نا خالد- يعني: ابن الحارث- نا عمران بن مسلم، أن قيس بن سعد، حَدَّثه قال: لا طاوس، عن ابن عباس: " أن رسول الله- عليه السلام- كان في التهجد يقول بعد ما يقول الله أكبر"، ثم ذكر معناه (1) .
ش- أبو كامل الجحدري، وخالد بن الحارث البصري.
وعمران بن مسلم: أبو بكر القصير المقرئ البصري. سمع: أبا رجاء العطاردي، والحسن البصري، وابن سيرين، وأنس بن سيرين، وقيْس ابن سعد. روى عنه: الثوري، ويحيى القطان، ومهْدي بن ميمون، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين. ثقة. وقال يحيى بن سعيد: كان مستقيم الحديث. روى له: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود (2) .
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4502) .

(3/382)


وقيس بن سعد أبو عبد الملك المكي، مولى نافع بن علقمة. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، ومجاهد بن جبر، وعمرو بن دينار. روى عنه: هشام بن حسَان، والحمادان، وغيرهم. قال أحمد، وأبو زرعة: ثقة. وقال ابن معين: ليس به بأس. مات سنة تسع عشرة ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " في التهجد " والتهجد: صلاة الليل، وهجد يهجد، أي:
نام (2) ليلاً، وهجد وتهجد، أي: سهر، وهو من الأضداد.
قوله: " ثم ذكر معناه " أي: معنى الحديث.
751- ص- نا عتيبة بن سعيد، وسعيد بن عبد الجبار نحوه.
ش- أي: نحو ما روى سعيد بن عبد الجبار.
ص- قال قتيبة: نا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع (3) ، عن أبيه قال: " صليتُ خلفَ رسول الله، فعَطَسَ رفاعةُ " لم يقل قتيبة:" رفاعة "، فقلت: الحمدُ لله حمداً كثيراً طَيبا، مباركا عليه (4) ، كما يُحبُّ ربنا ويرضَى، ف" صَلَّى رسولُ الله انصرفَ، فقالَ: مَنِ المتكلمُ في الصَلاةِ؟ "، ثم ذكر نحو حديث مالك، وأَتم منه (5) . ش- رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر (6) بن زُريق بن عبد حارثه بن غصب بن
__________
(1) المصدر السابق (24 / 4907) .
(2) مكررة في الأصل.
(3) في الأصل: " عن معاذ بن رفاعة بن رافع، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع " كذا بالتكرار.
(4) في سنن أبي داود:" فيه"
(5) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة (404) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قول ا"موم إذا عطس خلف الإمام (2 / 145) .
(6) في الأصل: " عاصم " خطأ.

(3/383)


[1/257-ب] جشم بن الخزرج / الأنصاري الشرقي، إمام مسجد بني زريق. روى عن: عم أبيه معاذ بن رفاعة. روى عنه: عتيبة بن سعيد، وسعيد ابن عبد الجبار. روى عنه: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
ومعاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو الشرقي الأنصاري المدني، أبو عبيد. سمع: أباه، وجابر بن عبد الله، وخولة بنت حكيم. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن محمد ابن عقيل. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (2) . ورفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الصحابي الشرقي، أبو معاذ،
وقد ذكرناه.
قوله: " ثم ذكر نحو حديث مالك" أي: الحديث الذي رواه القعنبي،
عن مالك بن أنس، الذي سلف الآن، وأخرجه أيضاً الترمذي، والنسائي، وتمامه بعد قوله: " من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله. قال: كيف قلت؟ قال: قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيباً مباركا فيه، مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي- عليه السلام-: والذي نفسي بيده لقد ابتدروها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها". قال: وقيل: الحديث مطلق، ويقال: وكان هذا الحديث في التطوع. وقال صاحب" الهداية": ومن عطس، فقال
له آخر: يرحمك الله وهو في الصلاة فسدت صلاته، لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم بخلاف ما إذا قال العاطس، أو السامع: الحمد لله، على ما قالوا، لأنه لم يتعارف جواباً
قلت: فعلى هذا لا يحتاج أن يحمل حديث قتيبة على التطوع، لأنه
إذا عطس، وقال:" الحمد لله" فقط، أو قال:" الحمد لله حمدا كثيرا " إلى آخره كما في الحديث، ينبغي أن لا تفسد صلاته، سواء كان
__________
(1) انظر ترجمته في، تهذيب الكمال (9/1919) .
(2) المصدر السابق (28 / 25 0 6) .

(3/384)


في الفرض، أو النفل، لأن مثل هذا لم يتعارف جواباً ورُوي عن أبي حنيفة أنه يحمد الله في نفسه، ولا يحرك لسانه، ولو حرك تفسد صلاته، كذا في " المحيط "، والصحيح ما قاله برهان الدين صاحب " الهداية ". وقال الترمذي: " وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع، لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يَحمدُ الله في نفسه، ولم يوسعوا في أكثر من ذلك. وفي والمصنف،: نا إسماعيل ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، قال: قلت لابن سيرين:" إذا عطست في الصلاة ما أقول؟ قال: قل: الحمد لله رب العالمين.
نا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: " في الرجل يعطس في الصلاة، قال: يحمد الله في المكتوبة وغيرها ".
752- ص- نا العباس بن عبد العظيم، نا يزيد بن هارون، أنا شريك، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: "عَطسَ شاب من الأنصار خلفَ رسول الله- عليه السلام- وهو في الصلاة فقال: " الحمدُ لله [حمداً] (1) كثيرا طيبا مباركا فيه، حتى يرضى ربنا، وَبعدَ ما يرضَى من أَمرِ الدنيا والآخرة، ع" انصرفَ رسولُ الله عمليه السلام- قال: مَنِ القائلُ الكلمةَ؟ قال: فسكتَ الشاب، ثم قالَ: مَنِ القائلُ الكلمةَ؟ فإنه لم يقلْ بأساً فقال: يا رسولَ الله، [أنا] (1) قلتُها، لم أرِدْ بها إلا خيراً، قال: ما تَناهَتْ دونَ عرشِ الرحمنِ جَل ذكره (2) " (3) .
ش- شريك بن عبد الله، وعاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. روى عن: أبيه عبيد الله، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وجماعة آخرين. روى عنه: الثوري، وشعبة،
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " تبارك وتعالى ".
(3) تفرد به أبو داود.
*2. شرح سنن أبي، داود 3

(3/385)


وشريك، وابن عجلان، ويحيى القطان، وغيرهم. قال البخاري: هو
منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، ولا يحتج به. ومات في أول خلافة بني العباس. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وعبد الله بن عامر بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة. روى عن:
أبيه، وعن: عائشة. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصم
ابن عبيد الله (2) .
وعامر بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة العنزي، أسلم قبل عمر
ابن الخطاب، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد
بدراً وسائر المشاهد، روي له عن رسول الله اثنان وعشرون حديثاً
اتفقا على حديثين، وقد روى عن أبي بكر، وعمر. روى عنه: ابنه:
عبد الله بن عامر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعيسى الحكمي. توفي سنة ثلاث وثلاثين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " من القائل الكلمة " انتصاب " الكلمة " بقوله: " القائل"،
وأطلق الكلمة على الكلام مجارا كما في قوله: (وكَلمَةُ الله هيَ
العُليَا) (4) .ً
قوله: " ما تناهت دون عرش الرحمن " كناية عن قبولها، وكونها عملاً [1/258-أ] ، صالحاً. قال تعالى: / (إلَيْه يَصْعَدُ الكلمُ الطيب وَالعَمَلُ الصَالِحُ يَرْفَعه (ْ (5) ، والحديث معلول بعاَصم، وشريك.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 3014) .
(2) المصدر السابق (15 / 3352) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 4) ، وأسد الغابة (3 / 121) ، وا لإصابة (2 / 249) .
(4) سورة التوبة: (40) .
(5) سورة فاطر: (10) .

(3/386)


116- باب: من رأى الاستفتاح بـ " سبحانك " (1)
أي: هذا باب في بيان من رأى استفتاح الصلاة بقوله: " سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك " إلى آخره.
753- ص- نا عبد السلام بن مطهر، نا جعفر، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: " كان رسولُ الله إذا قامَ منذ الليلِ كَبَّرَ، ثم يقولُ: سبحانَكَ اللهمَ وبحمدكَ، تبارَكَ اسمُكَ، وتعالىَ جَمدُك، ولا إله غيرُك، ثم يقولُ: لا إلَه إلا اللهُ ثلاَثا، ثم يقولُ: الله أكبر كبيرا ثلاثاً أعوذُ بالله السميع العليم من الشيطانِ الرجيم، من: هَمْزِه، ونفْخِهِ، ونفْثِهِ، ثم يقرأ " (2) .
ش- جعفر بن سليمان الضبعي، وعليه بن علي بن نجاد بن رفاعة الرفاعي المصري أبو إسماعيل. سمع: أبا المتوكل الناجي، والحسن البصري، وأخاه سعيداً (3) . روى عنه: جعفر بن سليمان، ووكيع، وأبو نعيم، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: هو صالح، قيل له: كان يُشَبه بالنبي- عليه السلام- قال: كذا كان يقال. وقال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وأبو المتوكل: علي بن داود الناجي بالنون والجيم.
قوله: " سبحانك اللهم " أي: أنزهك يا الله، وقد مر غير مرة.
قوله: " وبحمدك " عطف على محذوف، أي: أسبحكُ بتسبيحك، وأحمدك بحمدك.
__________
(1) في سنن أبي داود: " بسبحانك اللهم وبحمدك ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (842) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة (2 / 132) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (806) عن عائشة.
(3) في الأصل: " سعدا " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21 / 4110) .

(3/387)


قوله: " تبارك " تفاعل من البركة، وهي الكثرة والاتساع، ومعناه: تعالى وتعظم، وكثرت بركته في السموات والأرض، إذ به تقوم، وبه تستنزل الخيرات، ونُهي أن يتأول في وصفه معنى الزيادة، لأنه ينبئ عن النقصان.
قوله: " وتعالى" أي: علا وارتفع.
قوله: " جدك " أي: عظمتك.
قوله: "ثلاثا " أي: ثلاث مرات، والباقي قد فسرناه عن قريب. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: هذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي، عن الحسن (1) ، الوهم من جعفر.
ش- أي: الحسن البصري، ولكن الوهم من جعفر بن سليمان. وقال الترمذي: وحديث أبي سعيد الشهر حديث في هذا الباب، وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي. وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث.
قلت: قد تقدم أن ابن معين وثق علي بن علي، وكذا وثقه وكيع، ومحمد بن عبد الله بن عمار.
754- ص- نا حسين بن عيسى، نا طلق بن غنام، نا عبد السلام بن حرب المُلائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: "كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا اسْتَفتحَ الصلاةَ، قال: سبحانكَ اللهم وبحمدِكَ، وتبارَكَ اسمُكَ، وتعالى جَدك، ولا إله غيرُك " (2) .
ش- حسين بن عيسى البسطامي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن الحسن مرسلا ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (243) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسمعة فيها، باب: افتتاح الصلاة (806) .

(3/388)


وطلق بن غنام بن طلق بن معاوية، وهو ابن [عم] حفص بن غياث، وكاتب شريك بن عبد الله. روى عن: عبد السلام بن حرب، وشريك ابن عبد الله، وزائدة بن قدامة، وغيرهم. روى عنه: محمد بن العلاء، والحسن بن عيسى، وأحمد بن عثمان، وغيرهم. مات في رجب سنة إحدى عشرة ومائتين. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي (1) .
وأبو الجوزاء- بالجيم، والزاي- هو أوس بن عبد الله الربعي البصري، من رَبَعة الأزد، والطبعة هو ابن الغطريف الأصغر بن عبد الله ابن الغطريف الأكبر. سمع: عبد الله بن عباَس، وعبد الله بن عمر، وعائشة الصديقة. روى عنه: بديل بن ميسرة، وعمرو بن مالك، وأبو الأشهب، وغالب القطان، وغيرهم. قال أبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة. قتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (2) .
والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، من حديث حارثه بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة، وبه استدل أبو حنيفة أن المصلي بعد التكبير يستفتح به الصلاةَ، وهو قول محمد بن الحسن، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وجماعة آخرون (3) . وقال الشافعي: يستفتح بما روى عبيد الله بن رافع، عن عليّ، وقد ذكرناه. وقال مالك: إذا كبر وفرغ من التكبير يقرأ (الحمد لله رب العالمين) . وقال أبو يوسف: أن يجمع بينه وبين " وجهت وجهي " إلى آخره، وقال: لأن الرواية جاءت بهذا وبهذا، واستحسنت أن / يقولهما (4) المصلي جميعاً. [1/258-ب]
ص- قال أبو داود: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنام، وقد روى قصة الصلاة جماعة غير واحد، عن بديل، لم يذكروا فيه شيئاً من هذا.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 2991) .
(2) المصدر السابق (3 / 580) .
(3) كذا.
(4) قوله: " أن يقولهما " مكررة في الأصل.

(3/389)


ش- أشار به إلى أن الحديث غير قوي، وكذا قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تكلم فيه.
قلت: " (1) قد أخرجه الحاكم في ما المستدرك " (2) بالإسنادين، أعني إسناد أبي داود، وإسناد الترمذي. وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ولا أحفظ في قوله: " سبحانك اللهم وبحمدك " في الصلاة أصح من هذا الحديث، وقد صح عن عمر بن خطاب أنه كان يقوله، ثم أخرجه عن الأعمش، عن الأسود، عن عمر، قال: وقد أسنده بعضهم عن عمر، ولا يصح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (3) عن عبدة، وهو ابن أبي لبابة، أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". وقال المنذري: وعبدة لا يعرف له سماع من عمر، وإنما سمع من ابنه عبد الله، ويقال: إنه راعى عمر رؤية. وقال صاحب " التنقيح ": وإنما أخرجه مسلم فيه صحيحه،، لأنه سمعه مع غيره. وقال الدارقطني في كتابه " العلل ": وقد رواه إسماعيل بن عياش، عن عبد الملك بن حميد ابن أبي غنية، عن أبي إسحاق الطبيعي، عن الأسود، عن عمر، عن النبي- عليه السلام- وخالفه إبراهيم النخعي فرواه عن الأسود، عن عمر قوله، وهو الصحيح.
وروى الطبراني في " معجمه ": نا محمد بن عبد الله الحضرمي، نا أبو كريب، نا فردوس الأشعري، نا مسعود بن سليمان قال: سمعت الحكم يحدث، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: وكان رسولُ الله إذا استفتح الصلاة، قال: سبحانك اللهم وبحمدك " إلى آخره.
وروى الطبراني أيضاً: حدَّثنا محمد بن إدريس المصيصي، والحسين بن إسحاق التستري، قالا: ثنا محمد بن النعمان الفراء المصيصي، نا يحيى
__________
(1) انظر: نصب الراية (1 / 0 32- 323)
(2) (1 / 235) .
(3) كتاب الصلاة، باب: حجة من قال: لا يجهر بالبسملة (399 / 52) .

(3/390)


ابن يعلى الأسلمي، عن موسى بن أبي حبيب، عن الحكم بن عمير الشمالي، قال: " كان رسول الله يعلمنا: إذا قمتم إلى الصلاة فارفعوا أيديكم، ولا تخالف آذانكم ثم قولوا: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإن لم تزيدوا على التكبير أجزأكم ".
وروى الطبراني أيضاً (1) ، عن مكحول، عن واثلة: " أن رسول الله
- عليه السلام- كان يقول إذا استفتح الصلاة" نحوه سواء.
وروى الدارقطني في " سننه " (2) : نا أبو محمد بن صاعد، نا الحسين بن عليّ بن الأسود، نا محمد بن الصلت، نا أبو خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس، قال: " كان رسول الله إذا افتتح الصلاة كبر، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك "، ثم قال: إسناده كلهم ثقات.
وروى الطبراني أيضاً في كتابه المفرد في " الدعاء "، فقال: نا أبو عقيل أنس بن سلم الخولاني، نا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى، نا مخلد بن يزيد، عن عائذ بن شريح، عن أنس بن مالك: " أن النبي - عليه السلام- كان إذا استفتح الصلاة يكبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ".
وروى أيضاً من طريق آخر بإسناده إلى حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: " كان رسول الله إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم " إلى آخره (3) .
وفي " المصنف ": نا هشيم، أنا حصين، عن أبي وائل، عن الأسود
__________
(1) (22 / رقم 155) : وقال في المجمع (2/106) : فيه عمرو بن الحصين وهو ضعيف.
(2) (1 / 300) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(3/391)


ابن يزيد، قال: " رأيت عمر بن الخطاب افتتح الصلاة فكبر، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". ونا عبد السلام، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله: " أنه كان إذا افتتح الصلاة، قال: سبحانك اللهم 100 " إلى آخره.
نا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، قال: " بلغني أن أبا بكر كان يقول مثل ذلك ".
[1/259-أ] نا هشيم، / أنا جويبر، عن الضحوك في قوله تعالى: (وسبحْ بحَمْد ربِّكَ حين تَقُومُ) (1) قال: حين تقوم إلى الصلاة تقول هؤلاء اَلكلمات: سبَحانك اللهم وبحمدك " إلى آخره.
نا ابن فضيل، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، قال: قال ابن مسعود: ومن أحب الكلام إلى الله أن يقول الرجل: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
***
117- باب: السكتة عند الاستفتاح
أي: هذا باب في بيان السكتة عند استفتاح الصلاة، وفي بعض النسخ: " باب التكبير عند الافتتاح "، وفي بعضها: " باب فيما جاء في التكبير عند الافتتاح ".
755- ص- نا يعقوب بن إبراهيم، نا إسماعيل، عن يونس، عن الحسن، قال: قال سمرة: " حَفظتُ سكتتين في الصلاةِ، سكتةً إذا كَبرَ الإمامُ حين (2) يقرأ، وسكتةً إذا فًرغً من فاتحةِ اَلكتابِ وسورةٍ عند الركوع "
__________
(1) سورة الطور: (48) .
(2) في سنن أبي داود: " حتى ".

(3/392)


قال: فأنكر ذلك علي عمران بن حصين، قال: فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبَي، فصدق سمرة (1) .
ش- يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وإسماعيل ابن علية، ويونس بن عبيد البصري، والحسن البصري، وسمرة بن جندل، وأبي بن كعب. قوله: " سكتة " أي: إحديهما سكتة إذا كبر الإمام، حين يقرأ، وفيه دليل لأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والجمهور أنه يستحب دعاء الافتتاح، ولأحاديث أخرى جاءت في هذا الباب. وقال مالك: لا يستحب دعاء الافتتاح بعد تكبيرة الافتتاح، ودليل الجمهور ظاهر.
قوله: " وسكتة إذا فرغ " أي: الأخرى سكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب، وسورة، وقوله: " عند الركوع " متعلق بقوله: " وسكتة ". وقال الخطابي: " وهذه السكتة ليقرأ مَنْ خلف الإمام، ولا ينازعه في القراءة، وهو مذهب" الشافعي " (2) ، وعند أصحابنا: لا يقرأ المقتدي خلف الإمام فتحمل هذه السكتة عندنا على الفصل بحق القراءة والركوع بالتأني، وترك الاستعجال بالركوع بعد الفراغ من القراءة، ولكن حد هذه السكتة قدر ما يقع به الفصل بحق القراءة والركوع، حتى إذا طال جدا، فإن كان عمدا يكره، وإن كان سهوا يجب عليه سجدة السهو، لأن فيه تأخير الركن.
عن- قال أبو داود: وكذا قال حميد: " وسكتة إذا فرغ من القراءة ". ش- أي: حميد الطويل، والحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً وقد حمل البعض هذه السكتة على ترك رفع الصوت بالقراءة دون السكوت عن القراءة.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في سكتتي الإمام (845) .
(2) معالم السنن (1 / 171) .

(3/393)


756- ص- نا أبو بكر بن خلاد، نا خالد بن الحارث، عن أشعث، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي- عليه السلام-: " أنه كان يسكتُ سكتتينِ إذا استفتحَ، وإذا فَرغَ من القراءةِ كلها "، ثم ذكر معنى [حديث] يونس (1) .
ش- أبو بكر بن خلاد، اسمه: محمد بن خلاد الباهلي البصري، والد أبي عمر محمد بن محمد بن خلاد ثقة. روى عن: ابن عيينة، ويحيى القطان، وآخرين. روى عنه: أبو داود، وغيره (2) .
وأشعث بالثاء المثلثة، هو: ابن عبد الملك الحمراني، أبو هانئ البصري. روى [عن] : الحسن البصري، ومحمد بن سيرين. روى عنه: ابن أبي عدي، ويحيى بن سعيد، ومعاذ بن معاذ، وغيرهم. وقال يحيى بن سعيد: هو عندي ثقة مأمون. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ست وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وا لنسائي (3) .
قوله: " إذا استفتح " أي: إذا استفتح الصلاة.
قوله: " ثم ذكر معنى [حديث] يونس " أي: يونس بن عبيد المذكور. وفي " المصنف": نا حفص، عن عمرو، عن الحسن، قال: وكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - ثلاث سكتات: سكتة إذا افتتح التكبير حتى يقرأ الحمد، وإذا فرغ من الحمد حتى يقرأ السورة، وإذا فرغ من السورة حتى يركع ".
قلت: أما السكتة الأولى فلأجل دعاء الافتتاح، وفيه دليل للجمهور، وإما السكتة الثانية فلأن يقول: آمين، بعد الفراغ من الفاتحة، وفيه دليل لأصحابنا، وأما السكتة الثالثة فليقع الفصل والتمييز بين الركنين.
757- ص- نا مسدد، نا يزيد، نا سعيد، نا قتادة، عن الحسن، أن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5199) .
(3) المصدر السابق (3 / 531) .

(3/394)


سمرة بن جندب، وعمران بن حصين تذاكرا، فحدث سمرة بن جندب:
" أنه حفظَ من رسول اللهِ / سكتتين: سكتة إذا كبرَ، وسكتة إذا فرغَ من [1/259-ب] ، قراءة: (غيْرِ المَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلا الضالّيِنَ) فحفظَ ذلك سمرةُ، وأنكرَ
عليه عمرانُ بنُ حصين، فَكتبا في ذلك إلى أبيِّ بن كعب، وكان في كتابِه
إليهما، أو في ردِهِ عليهَما: إن سمرةَ قد حَفِظَ " (1) .
ش- يزيد بن زريع، وسعيد بن أبي عروبة.
قوله: " وسكتة إذا فرغ من قراءة: (غيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا
الضّالِّينَ) هذه السكتة كانت لأجل أن يقول: " آمين "، وفيه حجة
للحنفية في إخفاء " آمين "، كما ذكرنا الآن في حديث أبي بكر بن
أبي شيبة.
758- ص- نا ابن المثنى، نا عبد الأعلى، نا سعيد بهذا، قال: عن
قتادة عن الحسن، عن سمرة، قال: " سكتتانِ حفظتهما عن رسول الله
- عليه السلام- قال فيه سعيد: قلنا لقتادةَ: ما هاتانِ السكتتان؟ قال: إذاَ
دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعدُ: وإذا قَال: (غيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلا الضالِّينَ) " (2) .
ش- عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وسعيد بن أبي عروبة.
قوله: "ثم قال بعدُ " أي: بعد أن قال: " وإذا فرغ من القراءة " قال:
" وإذا قال: (غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضالينَ) يعني: بعد قراءة
الفاتحة كانت السكتة الثانية. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه
بنحوه. وقال الترمذي: حديث سمرة حديث حسن، وهو قول غير
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في السكتتين في الصلاة (251) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: في سكتتي الإمام (844) .
(2) انظر الحديث السابق.

(3/395)


واحد من أهل العلم، يستحبون للإمام أن يسكت بعد ما يفتتح الصلاة، وبعد الفراغ من القراءة، وبه يقول أحمد، وإسحاق، وأصحابنا.
759- ص- نا أحمد بن أبي شعيب، نا محمد بن الفضيل، عن عمارة ح، ونا أبو كامل، عن عبد الواحد، المعنى، عن عمارة (1) ، عن أي زرعة، عن أبي هريرة، قال: " كان رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم - إذا كبرَ في الصلاة سكتَ بين التكبير والقراءةِ، فقلتُ له: بأبي أنتم وأمي، ورأيت سكوتًَك التكبيرة والقراءة؟ أخبرني ما تقولُ، قالَ: اللهم باعدْ بيني وبن خطايايَ كما باعدْت بين المشرق والمغرب، اللهم أنقنِي من خطايايَ كالثوب الأبيضِ من الدنسِ، اللهم اغسِلَني بالثلجَ، والماءِ، وَالبَرَدِ " (2) .
ش- أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني.
وعمارة بن القعقاع بن شبرمة، ابن أخي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي. سمع: أبا زرعة، وعبد الرحمن بن أبي نعم (3) . روى عنه: الأعمش، والثوري، وشريك، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (4) . وأبو كامل الجحدري، وعبد الواحد بن زياد البصري، وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير البجلي.
قوله: " بأبي أنت وأمي " أنت مُفَدى بأبي وأمي، وقد ذكر هذا غير مرة. قوله: " أرأيت " بمعنى: أخبرني سكوتك.
__________
(1) في سنن أبي داود:"عن عمارة المعني ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: ما يقول بعد التكبير (744) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يقول بعد الإحرام والقراءة (147 / 598) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الوضوء بالثلج (1 / 50) ، وكتاب المياه
، باب: الوضوء بماء الثلج والبرد (1 / 176) ، وكتاب الافتتاح، باب: سكوت الإمام بعد افتتاحه التكبير (2 / 128) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (805) .
(3) في الأصل: " نعيم " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21 / 4196) .

(3/396)


قوله: " وبين خطاياي " الخطايا جمع خطية، كالعطايا جمع عطية.
قوله: " اللهم أنقني " وفي رواية: " نقني " من التنقية.
قوله: " كالثوب الأبيض " وجه التشبيه أن الثوب الأبيض إذا نظف من
الدنس والوسخ لم يبق فيه أثر ما من آثار الدنس، ويبقى مثل ما كان
أولاً فكذلك البدن إذا نقي من الذنوب، بأن غفرت له ذنوبه، وتطهر
من آثارها عاد إلى حالته الأولى، وهي أنه كان مثل الثوب الأبيض في
عدم تلبسه بالآَثام والأوزار، وإنما شبه ذلك بالثوب الأبيض دون غيره من
الألوان، لأن ظهور النقاوة في الأبيض أشد وكمل، لصفاء أبياض،
بخلاف غيره من الألوان.
قوله: " اللهم اغسلني بالثلج " ذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء
التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة، والنظافة في شيء إلا بأحدها،
تبيانا لأنواع المغفرة التي لا يخلص من الذنوب إلا بها، والمعنى: طهرني
من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأصول
الثلاثة في (1) إزالة الأرجاس، ورفع الجنابة والأحداث، ويحتمل ابنه
سأل الله أن يغسل خطاياه بهذه الأصول التي يستعملها المتطهرون لرفع الأحداث، والمعنى: كما جعلتها سبباً لحصول الطهارة، فاجعلها سبباً
لحصول المغفرة، وبيان ذلك في حديث أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن فغسل وجهه / خرج من [1/260-أ] وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء "
الحديث (2) . وقال بعضهم: معنى قوله:" بالثلج، والماء، والبرد "
أنها أمثال، ولم يرد أعيان هذه المسميات، وإنما أراد التقيد في التطهير،
ويقال: هذه استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب، والحديث محمول
على صلاة الليل كما ذكرناه، وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي،
وابن ماجه.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) مسلم: كتاب الطهارة، باب: خروج الخطايا مع ماء الوضوء (244 / 32) .
-

(3/397)


وعند البزار بسند جيد من حديث خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله- عليه السلام- قال: فإذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبن خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك أن تصد عني بوجهك يوم القيامة، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مس" وأمتني مس" ".
وخبيب وثقه ابن حبان، وكذلك أبوه، وابن القطان رد حديثه بجهل حالهما.
***