شرح أبي داود للعيني

134- باب: النهوض في الفرد
أي: هذا بابٌ في بيان النهوض في الركعة الفرد.
819- ص- نا مسدد، نا إسماعيل، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: جَاءَنا أبو سليمانَ مالكُ بنُ الحُويْرث في مسجدنَا فقال: أني لأصلي بكم، ولا (2) أريدُ الصلاةَ، ولكني أريدُ أَن أريكُم كيفَ رأيت رسولَ الله- عليه السلام- يُصَلي؟ قال: قلتُ لأبي قلابة: كيفَ صَلَّى؟ قال: مثْلً صَلاة [2 / 5 - أ] شيخنَا/ هذا- يعني: عمرو بن سَلمًة إمَامَهُم. وذكر أنه كان إذا رَفعَ رأسَهَ من السجدة الأخرة في الرَّكْعة الأولىَ َقعَدَ، ثم قَامَ " (3) .
ش- إسَماعيلَ ابن عُلية، َ وأيوب السختياني، وأبو قلابة عبد الله بن زيد. قوله: " قال، قلت لأي قلابة أي: قال أيوب. قلت لأبي قلابة:
، كيف صلى مالك بن الحويرث.
قوله:" عمرو بن سَلِمة بفتح السين، وكسر اللام، أبو بريد (4)
------------------------
(1) كذا، ولعل " لن " مقحمة ". (2) في سنن أبي داود: " وما ". (3) البخاري: كتاب: الأذان، باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمَهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته (677) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: الاعتماد على الأرض عند النهوض (2/ 234) .
(4) في الأصل: بريدة " خطأ، إنما المحكي في اسمه بريد - مصغرا- أو يزيد على وزن عظيم، كما في مصادر ترجمته.

(4/26)


الجرمي الصحابي واستدل به الشافعي في أن السُنة أن يقعد بعد السجدة الثانية جِلْسة خفيفة ثم ينهض، معتمدها على يديه.
والجواب عن هذا وأمثاله أنها محمولة على حالة العذر يسبب الكبر،
أو غيره ولأن هذه الجلسة للاستراحة، والصلاة غير موضوعة لتلك، وبقولنا قال مالك، وأحمد. والحديث أخرجه البخاري، والنسائي. 820- ص- نا زياد بن أيوب، نا إسماعيل، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: جَاءَنا أبو سليمانَ- مالكُ بنُ الحويرث - إلى مسجدنَا، فقال: والله إني لأصلي، وما أريدُ الصلاةَ، ولكني أريدُ أنه أريَكُم كيفَ رَأيتُ رسولَ اللهَ يُصَلي؟ قال: فَقعدَ في الركعةِ الأولى حينَ رَفَعَ رأسَهُ من السجْدةَ الآخرة " (1) .
ش- قد مَر أنه كان جلس لعذرِ به، كما روي أنه- عليه السلام- قال: لا تبادروني، إني بدنت. وكما تَربع ابن عمر لكون رِجْلَيْه لا تحملانه حتى لا يقع التضاد بينه، وبين ما روي عن أبي هريرة قال: وكان رسول الله ينهض في الصلاة على صدور قدميه " رواه الترمذي، وقال: حديث أبي هريرة هذا عليه العمل عند أهل العلم.
وأخرج ابن أبي شيبة في (مصنفه عن عبد الله بن مسعود بأنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه، ولم يجلس ".
وأخرج نحوه عن علي، وعن ابن عمر، وعن ابن الزبير، وعن عمر أيضا، وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر، وعلي، وأصحاب رسول الله ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم.
وأخرج عن النعمان: وكان إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولي والثالثة نهض كما هو، ولم يجلس،، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه " عن ابن مسعود، وعن ابن عباس، وعن ابن عمر، وأخرجه البيهقي، عن عبد الرحمن بن يزيد، أنه رأى عبد الله بن مسعود
------------------
(1) انظر الحديث السابق.

(4/27)


يقوم على صدور قدميه في الصلاة، ولا يجلس إذا صَلى في أول ركعة حتى يقضي السجود.
وفي التمهيد: اختلف الفقهاء في النهوض من السجود إلى القيام، فقال مالك، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، وان أصحابه: ينهض على صدور قدميه، ولا يجلس، وروى ذلك، عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب النبي- عليه السلام- يفعل ذلك، وقال أبو الزناد: ذلك السنَُة. وبه قال أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وقال أحمد: وأكثر الأحاديث على هذا.
قال الأثرم: ورأيت أحمد ينهض بعد السجود على صدور قدميه، ولا يجلس قبل أن ينهض.
821- ص- نا مسدد، نا هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن مالك اِبنِ الحويرث، أنه رأى النبي- عليه السلام- إذا كان في وِتْرٍ من صلاته لم ينْهضْ حتى يستوي قَاعدا (1) .
ش- هشيم بن بشير، وخالد الحذاَء.
قوله: " إذا كان في وتر من صلاته " والوتر من الصلاة الركعة الأولى والركعة الثالثة ". والحديث أخر له البخاري، والترمذي، والنسائي.
*************
135- باب: الإقعاء بين السجدتين
أي: هذا باب في بيان الإقعاء بين السجدتين في الصلاة، وفي بعض النسخ " باب: ما جاء في الإقعاء " وهو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض، كما يدعي الكلاب، والسباعُ، وقيل: هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين.
-----------------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: من استوى قاعدا في وتر من صلاته ثم نهض (823) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء كيف النهوض من السجود
(287) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الاعتماد على الأرض عند النهوض (2/ 234)

(4/28)


822- ص- نا يحيي بن معين، نا حجاج بن محمد، عن ابن جرير،
قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع طاوسا (1) يقول: قلنا لابن عباس في
الإقْعَاء على القَدَمين في السجودِ، فقال: هي السنة. قال: قلنا: إِنا لَنَرَاهُ
جَفَاء باَلرجلِ، فقال ابن عباسٍ: هي سُنة نَبِيك (2) .
ش- حَجاج بن محمد الأعور، وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس
المكي.
/ قوله: " إنا لنراه جفاء بالرجل " بفتح الراء، وضم الجيم، أي: [2/ 5 - ب] بالإنسان، وكذا نقل القاضي عياض عن جميع " رواة مسلم "، (3) في هذا الحديث، وضبطه أبو عمر بن عبد البر، بكسر الراء، وإسكان الجيم،
يريد جلوسه على رجله في الصلاة، وقال أبو عمر: من ضم الجيم فقط
غلط، وقال الشيخ محيي الدين (4) : " وَرَد الجمهور على ابن عبد البر،
وقالوا: الصواب الضم، وهو الذي يليق إضافة الجفاء إليها.
قلت: كلاهما له وجه، وشاهد يشهد له، فقد وقع في " مسند
أحمد ": " إنا لنراه جفاء بالقدم ". وهو شاهد لرواية أبي عمر، ووقع
في كتاب ابن أبي خيثمة " إنا لنراه جفاء بالمرء" وهو شاهد لما رواه
القاضي عياض.
وقال الشيخ محى الدين (4) : اعلم أن الإقعاء ورد فيه حديثان. ففي
هذا الحديث أنه سُنة، وفي حديث آخر النهي عنه، رواه الترمذي،
وغيره من رواية عليه، وابن ماجه من رواية أنس، وأحمد بن حنبل من
رواية سمرة، وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة، وأنس،
----------
(1) في الأصل: " طاوس."
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الإقعاء على العقبين (536) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرخصة في الإقعاء (283) .-
(3) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من شرح صحيح مسلم (5 / 19) .
(4) المصدر السابق.

(4/29)


وأسانيدها كلها ضعيفة وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء، وفي تفسيره اختلافا كثيرًا، لهذه الأحاديث والصواب الذي لا معدل عنه، أن الإِقعاء نوعان، أحدهما: أن يلصق أليته بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، هكذا فَسرَهُ أبو عبيدة معمر بن المثنى، وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام، وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي.
والنوع الثاني: أن يجعل أليته على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مُرَادُ ابن عباس بقوله: (سنَة نبيكم- عليه السلام)
وقد نَص الشافعي في "البويطي) و "الإملاء، على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وحمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققة منهم البيهقي، والقاضي عياض، وآخرون، قال القاضي: وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه، قال: وكذا جاء مفسرًا عن ابن عباس: من السنة أن تمس عقبيك إليتك. فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس، وقد ذكرنا أن الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وله نصا آخر، وهو الأشهر: أن السنة فيه الافتراش، وحاصله أنهم سنتان، وأيهما أفضل؟ فيه قولان". وقال الخطَابي (1) : أكثر الأحاديث على النهي عن الإقعاء في الصلاة. ورُوي أنه عقب الشيطان، وقد ثبت من حديث وائل بن حجر، وحديث أبي حميد الساعدي أن النبي- عليه السلام- قعد بين السجدتين مفترشًا قدمه اليسرى". ورويت الكراهة في الإقعاء عن جماعة من الصحابة، وكرهه النوعي، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، لإسحاق بن راهويه، وهو قول أصحاب الرأي، وعَامة أهل العلم، ويشبه أن يكون حديث ابن عباس منسوخًا، والعمل على الأحاديث الثابتة في صفة صلاة رسول الله- عليه السلام-) .
------------------
(1) معالم السنن (1/ 180) .

(4/30)


وقال النووي في الخلاصة ": ليس في الإقعاء حديث صحيح إلا
حديث عائشة قالت:" كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير "- إلى أن قالت:" وكان ينهى عن عقبة الشيطان " الحديث أخرجه مسلم، ولكن
أخرج مسلم حديث طاوس هذا أيضا. وروى البيهقي عن ابن عمر،
وابن الزبير، وابن عباس أنهم كانوا يقعوون، ثم قال: والجواب عن
ذلك: أن الإقعاء على نوعين: مستحب، ومنهي عنه. فذكره كما ذكرنا
عنه الآن.
ثم قال: وقد بسطناه في شرح المهذبَ، وهو من المهمات، وقد
غلط فيه جماعة لتوهمهم أن الإقعاء نوع واحد، وأن الأحاديث فيه متعارضة، حتى ادعى بعضهم أن حديث ابن عباس منسوخة، وهذا غلط
فاحش، فإن لم يتعذر الجمع، ولا تاريخ فكيف يصح النسخ.
قلت: قد روى ابن ماجه من حديث الحارث، عن علي يرفعه: " لا
تقع بين السجدتين " (1) وفي لفظ: " لا تقعْ إقصاء الكلب " (2) .
وعنده أيضا- بسند ضعيف- عن أنس قال لي النبي- عليه السلام-:
" إذا رفعت رأسك منذ الركوع فلا تقع كما يُقعي الكلب، ضع أليتيك
بين قدميك، وألزق ظاهر قدميك/ بالأرض " [وروى كذلك بسند [2/6 - أ] صحيح] ، (4) عند البيهقي:" نهى رسول الله عن الإقعاء" ورواه الحاكم
في المستدرك، وقال: حديثه صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه،
وصحح الحاكم سماع الحسن من سمرة- رضى الله عنه-، وبَوب
الترمذي فيه بابَا فقال:" باب ما جاء في كراهية الإقعاء في السجود ":
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، نا عبيد الله، نا إسرائيل، عن
أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال لي رسول الله- عليه السلام-: نا علي أحب لك ما أحب لنفسي، وكره لك ما كره
لنفسي لا تقع بين السجدتين " (5) .
----------------------
(1) كتاب أقامة الصلاة، باب: الجلوس بين السجدتين (894) .
(2) (895)
(3) 896
(4) غير واضح في الأصل. (5) كتاب الصلاة (282) .

(4/31)


قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه من حديث علي إلا من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، وقد ضَعف بعض أهل العلم الحارث الأعور، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يكرهون الإقعاء، قال: وفي الباب عن عائشة، وأنس، وأبي هريرة.
************
136- باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع
أي: هذا باب في بيان ما يقول المصلي إذا رفع رأسه من الركوع، وفي بعض النسخ "باب: ما جاء فيما يقول..... "
823- ص- نا محمد بن عيسى، نا عبد الله بن نمير، وأبو معاوية، ووكيع، ومحمد بن عبيد كلهم عن الأعمش، عن عُبَيْد بن الحسن، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: كان النبي- عليه السلام- إذا رفعَ رأسَه من الرُكوع يقول: "سَمِعَ اللهُ لمن حَمده، اللهم ربنا لك الحَمدُ مِلءَ السمواتِ، ومِلءَ الأرضِ، ومِلءَ ما شِئتَ من شَيء بعد" (1) .
ش- محمد بن عيسى الطباع، وعبد الله بن نمَير أبو هاشم الكوفي، وأبو معاوية الضرير.
ومحمد بن عبيد بن أبي أمية أبو عبد الله الطنافسي الأيادي الأحدب الكوفي. سمع هشام بن عروة، والعوام بن حوشب، والأعمش، وغيرهم. روى عنه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن سنان القطان، وغيرهم، وقال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة، توفي في سنة أربع ومائتان في خلافة المأمون. روى له الجماعة إلا أبا داود (2) .
وعبيد بن الحسن المزني (3) الكوفي. سمع عبد الله بن أبي أوفى.
------------
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (771) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من
الركوع (878) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5440) .
(3) في الأصل المدني

(4/32)


روى عنه منصور بن المعتمر، والأعمش، ومسعر، وشعبة، قال ابن معين: هو ثقة. روى له مسلم، وأبو داود، وابن ماجه (1) .
قوله: "سمع الله لمن حمده" "سمع " هاهنا بمعنى أجاب، وقد فسَرْناه غير مرة.
قوله: "ملء السماوات" بنصب الهمزة، ورفعها، والنصب أشهرُ، وهو الذي اختاره ابن خالويه، وروحه، وأطنب في الاستدلال له، وجَوز الرفع على أنه مرجوح، وحكي عن الزجاج أنه يتعين الرفع، ولا يجوز غيره، وبالغ في إنكار النصب، وقد مَر الكلام فيه أيضا، ومعنى " ملء السماوات " لو كان أجسامًا لملا السموات، والأرض.
قوله: " بعدُ " مبني على الضم، أي: بعد ذلك، فلما قطع عن الإضافة بني على الضم.
ويستفاد من الحديث فوائد: الأولى: استحباب هذا الذكر عند رفع الرأس من الركوع، ولكن الزيادة على التسميع والتحميد عند أصحابنا محمولة على النوافل.
الثانية: استحباب الجمع بين التسميع والتحميد سواء كان إمامًا، أو منفردة، وهو مذهب أبي يوسف، ومحمد، والشافعي وهو قول ابن سيرين وعطاء، وعند أبي حنيفة: يقتصر الإمام على التسميع، والمأموم على التحميد، وأما المنفرد فيجمع بينهما بلا خلاف.
قال ابن المنذر: وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة، والشعبي،
ومالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والأوزاعي. ثم مذهب أبي حنيفة حذف الواو من قوله: " لك الحمد " كما وقع في هذه الرواية، وهي رواية مسلم أيضا، وفي "المحيط": اللهم ربنا لك الحمد أفضل لزيادة الثناء، فكأنه استدل بهذه الرواية.
وعن أبي حفص لا فرق بين قوله " لك" وبين قوله: و "لك" وعند
--------------
(1) المصدر السابق (19/ 3711) .
(3) ، (4) شرح سنن أبي داود 4

(4/33)


الشافعي يأتي بالواو؛ ولو أسقطها جاز، وقال الأصمعي: سألت أبا عمرِو بن العلاء عن هذه الواو، فقال: هي زائدة، ويقال: هي عاطفة على محذوف، أي: أطعنا ربنا، أو حمدناك ربنا، ولك الحمد، فلو قال: لك الحمد، أو ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو ولك الحمد كان ذلك كله جائزا.
الثالثة: يفهم منه استجابة الاعتدال، والطمأنينة في الركوع، أو [2/ 6-ب] وجوبهما / على الاختلاف، والحديث أخرجه مسلم، وابن ماجه، وأخرج الطبراني، عن ابن عباس مرفوعًا: " كان إذا رفع رأسه من الركوع، قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من [شيء] بعد".
وأخرج الدارقطني عن بريدة- بسند ضعيف- قال لي النبي- عليه السلام-: " يا بريدة، إذا رفعت رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده.. اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد".
ص- قال أبو داود، قال سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، عن عبيد ابن (1) الحسن: هذا الحديث ليس فيه " بعد الركوع".
قال سفيان: لقينا الشيخ عبيد بن (2) الحسن بَعْدُ، فلم يقل فيه " بعد الركوع.
ش- " هذا الحديث " أي: الحديث المذكور فيه عبيد بن الحسن، وفي بعض النسخ " عبيد أبا الحسن، وأبو الحسن كنية الشيخ ".
ص- قال أبو داود: ورواه شعبة، عن أبي عصمة، عن الأعمش، عن عبيد، قال: "بعد الركوع".
ش- أي: روى هذا الحديث شعبة بن الحجاج، عن أبي عصمة: نوح ابن أبي مريم الخراساني روى له الترمذي، وابن ماجه في " التفسير ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " أبي الحسن "، وانظر: تعليق المصنف بعدُ.
(2) في سنن أي داود: " أبا ".

(4/34)


824- ص- نا مؤمل بن الفضل الحراني، نا الوليدة ونا محمود بن خالد، نا أبو مسهر ح نا ابن السرح، نا بشر بن بكر ح ونا محمد بن محمد ابن مصعب، نا عبد الله بن يوسف كلهم عن سعيد بن عبد العزيز، عن عطية، عن قزعة بن يحيى، عن أبى سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول حين يقول "سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، اللهم ربنا لك الحمدُ مِلءَ" (1) قال مؤمل: مِلءَ السموات، ومِلءَ الأرَض، ومِلءَ ما شئْتَ مِن شَيء بعدُ، أهلَ الثناءِ والمجد، أحق ما قَالَ العبدُ، وكُلنَا لك عبد لا مَانعَ لما أعطيتَ"، زَاد مَحمودْ: "وَلا مُعطِي لما مَنعتَ" ثم اتفقا: "لا ينفعُ ذا الجَد منكَ الجَد، قال بشر: "ربنا لك الحمدُ، لم يقل محمود (2) : " اللهم قال: " ربنا ولك الحمدُ" (3) .
ش- الوليد بن مسلم، ومحمود بن خالد الدمشقي، وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وابن الطرح أحمد بن عمرو، وبشر بن بكر التنيسي الدمشقي.
ومحمد بن محمد بن مصعب أبو عبد الله الصوري، المعروف بِوحشِي. روى عن خالد بن عبد الرحمن، ومؤمل بن إسماعيل، ومحمد بن المبارك الصيرفي. روى عنه أبو داود، والنسائي، قال ابن أبي حاتم: سمعت منه بمكة، وهو صدوق (4) .
وعبد الله بن يوسف التنيسي أبو محمد المصري الدمشقي، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي فقيه أهل الشام.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ملء السماوات ".
(2) في سنن أبي داود: "لم يقل "اللهم" لم يقل محمود ... ".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، (477) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: ما يقول الإمام إذا رفع رأسه من الركوع (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5587) .

(4/35)


وعطية بن قيس الكلابي، وقيل الكلاعي أبو يحيي الجهضمي، المعروف بالمذبوح (1) ، وقيل: إنه دمشقي، قال أبو مسهر: ولد في حياة النبي - عليه السلام- روى عن عبد الله بن عُمر، وابن عمرو، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن غنم، وغيرهم. روى عنه ابنه سعد، وربيعة بن يزيد، وسعيد بن عبد العزيز وغيرهم، مات سنة إحدى وعشرين ومائة، وهو ابن أربع ومائة. روى له الجماعة إلا مسلما (2) . وقَزعة- بفتح القاف، وسكون الزاي، وقيل: بفتحها، وفتح العين المهملة- بن يحيي أبو الغادية، مولى زياد بن أبي سفيان، ويقال: مولى عبد الملك بن مروان. سمع عبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عَمرو، وأبا سعيد، وأبا هريرة. روى عنه: مجاهد وعبد الملك بن عُمَير، وقتادة، وعطية بن قيس، وغيرهم. دور له الجماعة (3) .
قوله: "قال مؤمل " أي: مؤمل بن الفضل، أحد شيوخ أبي داود. قوله: " أهل الثناء والمجد" انتصاب "أهل" على النداء، وهو المشهور، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت أهل الثناء. و" الثناء" الوصف الجميل، والمدح، و" المجدد العظمة، ونهاية الشرف هذا هو المشهور من الرواية هنا، وفي مسلم أيضا، وقال القاضي عياض: ووقع في رواية ابن ماهان "أهل الثناء والحمد" وله وجه، ولكن الصحيح المشهور الأول.
قوله: " أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد " هكذا هو هاهنا وفي "صحيح مسلم": "أحق" بالألف، "كلنا" بالواو، " (4) وأما ما
__________
(1) قال محقق تهذيب الكمال (153/20) : " جاء في فراشي النص تعقيب للمصنف على صاحب " الكمال، نصه: كان فيه المعروف بالمذبوح وهو وهم، أنما ذاك أبو عطية".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 2/ 1 396) .
(3) المصدر السابق (23/ 4877) .
(4) انظر: شرح صحيح مسلم (194/ 196) .

(4/36)


وقع، في كتب الفقه "حق ما قال العبد، كلنا ... " بحذف الألف، والواو، فغير معروف من حيث الرواية، وإن كان كلامًا صحيحًا، وعلى الرواية المعروفة تقديره: أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، فيكون ارتفاع "أحق " على الابتداء، وخبره قوله/ [" لا مانع [2/7- أ] لما أعطيت" و "كلنا لك عبد "، (1) معترض بينهما تقديره أحق قول
العبد لا مانع لما أعطيت، وكلنا لك عبد فيجب أن نقوله، وفائدة الاعتراض الاهتمام به، وارتباطه بالكلام السابق، ونظيره في القرآن {فسُبْحَانَ الله حين تُمْسُونَ} الآية (2) فإن قوله: {وَلَهُ الحَمْدُ}
اعتراض بين قَولهَ: {وَحينَ تُصْبِحُونَ} {وعَشِيا} والجملة المعترضة،
لا محل لها من الإعراب، وقد عُرف في موضعه.
فإن قيل: ما وجه كون هذا أحق ما يقوله العبد؟ قلت: لأن فيه
التفويض إلى الله تعالى، والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته والتصريح
بأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن الخير والشر منه " (3) .
قوله: زاد محمود، أي: محمود بن خالد.
قوله: ثم اتفقا لا أي: مؤمل ومحمود.
قوله: " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " " (4) أي: لا ينفع ذا الغنى منك
غناه، وإنما ينفعه العملُ بطاعتك، أو معناه: لا يُسْلمُهُ من عذابك غناه،
والجَد في اللغة: الحظ والسعادة، والغنى، ومنه "تَعالى جدك " أي علا
جلالك وعظمتك، والمشهور فيه فتح الجيم، هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون.
قال ابن عبد البر: ومنهم من رواه بالكسر. وقال أبو جعفر الطبري:
__________
(1) غير واضح في الأصل.
(2) سورة الروم: (17، 18) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم. (4) المصدر السابق.

(4/37)


هو بالفتح قال: وقاله الشيباني بالكسر، قال: وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل، قال: ولا نعلم من قاله غيره، وضعف الطبري ومَن بعده الكسْر، قالوا: ومعناه على ضَعْفه الاجتهاد، أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده، إنما ينفعه ويُنْجيه رحمتك. وقيل: المراد ذا الجد والسَعْي التام في الحرص على الدنيا، وقيل معناه: الإسراع في الهرب. أي: لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هَرَبه، فإنه في قبضتك وسلطانك".
فإن قلت: بأن لي إعراب هذا الكلام، قلت: "ذا الجدد" منصوب على أنه مفعول " لا ينفع" وكلمة "مِن" في " منك" للبدل، والمعنى لا ينفع ذا الحظ حَظُه من الدنيا بدلك، أي: بدل طاعتك، أو بدل حظك، أو بدل حَظهُ منك، كما في قوله تعالى: (لَن تُغْني عَنْهُمْ أمْوَالُهُمْ فَلاَ أوْلاَدهم من اللهِ شَيْئا، (1) أي: بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله، وكما في قوله تعالى: "أرَضيتُم بالحَيَاة الدُّنْيَا من الآخِرَة" (2) وقوله: (لَجَعَلنَا منكُم ملائكَة فِي اَلأرْضِ يَخْلفُونَ" (3) أي: بدَلكم، لأن الملائكة لا تكون من الإَنس، وقال أبو حيران: إثبات البداية لـ "من " فيه خلاف وأصحابنا ينكرونه، وغيرهم قد أثبته، وزعم أنها تأتي لمعنى البدل، واستدل بالآيات التي تلونا، وبقول الشاعر:
(أ) خذوا المخاض من الفصيل غلبة ... وظلما وتكتب للأمير إفيلا
أي: بدل الفصيل، ويجوز أن تكون "من " في الحديث بمعني "عِنْد"، والمعنى لا ينفع ذا الغنى عندك غناه.
قلت: يجوز أن تكون "من" على حالها للابتداء، ويكون المعنى لا ينفع ذا الغنى من ابتداء نعمتك، أو من ابتداء عذابك غناه، ويقال: ضمَّن "ينفع " معنى " يمنع "، ومتى علقت " مِن " بالجد انعكست المعنى، وأما ارتفاع " الجد" فعلى أنه فاعل قوله: "لا ينفع".
__________
(1) سورة آل عمران: (1) .
(2) سورة التوبة (38)
(3) سورة الزخرف: (60) .

(4/38)


قوله:" قال بشر " أي: بشر بن بكر.
قوله: ما لم يقل محمود " أي: محمود بن خالد لم يقل "اللهم "،
بل قال: "ربنا ولك الحمد".
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي.
825-ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن سُمَي، عن أبي صالح السَّمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا قالَ الإِمَامُ سَمِعَ الله لمن حَمدَه، فقولوا: ربنا لك الحمدُ، فإنه مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قولَ الملائكةِ غُفِر لهُ ما تقدم مِن ذَنبِهِ " (1) .
ش- مالك بن أنس، وسُمَي القرشي المخزومي المدني، وأبو صالح ذكوان.
قوله:" من وافق قوله قول الملائكة" يعني في قوله "آمين " في زمن واحد وقيل: الموافقة بالصفة من الإخلاص والخشوع، وقيل: موافقته إياهم دعاؤه للمؤمنين كدعاء الملائكة لهم، وقيل: الموافقة الإجابة، أي: ممن استجيب له كما يستجاب لهم، وهو بعيد.
وقيل: هي إشارة إلى الحفظة، وشهودها الصلاة مع المؤمنين، فَتُؤمنُ إذا أمن الإمام، فمن فعل فعلهم، وحضر حضورهم الصلاة، وقال قولهم غفر له، والقول الأول/ أولى.
وقال الخطابي (2) : وفيه دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول، ويستغفرون ويحضرون بالدعاء والذكر.
واستدل أبو حنيفة بهذا الحديث أن وظيفة الإمام أن يأتي بالتسميع،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: فضل اللهم ربنا ولك الحمد (796) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين (409/ 71) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: (267) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قوله وربنا ولك الحمد " (2/ 196) .
(2) معالم السنن (1/ 181) .

(4/39)


والمقتدي بالتحميد، لأنه- عليه السلام- قَسَمَ، والقسمة تنافي الشركة، وهو حجة على صاحبيه والشافعي.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. وأخرج مسلم أيضا، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد عن حسان بن عبد الله الرقابي، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم ".
وأخرج الحاكم في " المستدرك " عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله: ده إذا قال الإمام الله كبر فقولوا: الله أكبر، "إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد" وقال: حديث صحيح على شرط البخاري، ومسلم ولم يخرجاه.
826 - ص -: نا بشْر بن عمار، نا أسباط، عن مُطرف، عن عامر، قال:
لا يَقُولُ القَومُ خَالفَ الإمام سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، ولكن يقولُ (1) : ربنا لك الحمدُ" (2)
.َ
ش- بشر بن عمار. روى عن أسباط بن محمد بن عبد الرحمن القرشي، الكوفي. روى عنه: أبو داود.
ومتطرف بن طريف أبو بكر، ويقال: أبو عبد الرحمن الحارثي الكوفي. روى عن الشعبي، والحكم بن عتيبة، وأبي الجهم، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وأسباط بن محمد، قال سفيان، وأحمد بن حنبل: كان ثقة، توفي سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وعامر هو ابن شراحيل الشعبي الكوفي.
وقول الشعبي هذا هو قول أبي حنيفة، وأصحابه، أن المقتدي لا يقول
__________
(1) في سنن أبي داود. ويقولون،. (2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6000) .

(4/40)


إلا "ربنا لك الحمد " وقال الشافعي، ومالك: يجمع بين التسميع، والتحميد.
137- باب: الدعاء بين السجدتين
أي: هذا ثالث في بيان الدعاء بين السجدتين.
827- ص- نا محمد بن مسعود، ما زيد بن الحبيب، نا كامل أبو العلاء. قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كان يقولُ بين السجدتينِ: " اللهم اغفرْ لي، وارْحَمْنِي، واهدني، وعافني، وارزقنِي " (1) .
ش- محمد بن مسعود بن يوسف بن جعفر النيسابوري نزيل طرسوس، يعرف بابن العجمي. روى عن زيد بن الحباب، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعبد الرزاق بن هَمام، وأبي عاصم النبيل. روى عنه: أبو داود، ويحي بن محمد بن صاعد، وأبو عبد الله المحاملي القاضي، قال الخطيب: وكان ثقة، وقال أبو القاسم الآبندوني: لا بأس به (2) . وكامل بن العلاء أبو العلاء، ويقال أبو عبد الله التميمي السعدي، الحِماني. روى عن حبيب بن أبي ثابت، وأبي صالح السمان، ومنصور ابن المعتمر، وغيرهم. روى عنه زيد بن الحبيب، ومحمد بن يوسف الفريابي، ووكيع، وغيرهم، قال ابن معين: ثقة. روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث غريمه هكذا رُوِيَ عن عليه، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق،
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول بين السجدتين (284) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما يقول بين السجدتين (898) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5600) .
(3) للصدر السابق (24/ 4934) .

(4/41)


يرون هذا جائزا في المكتوبة والتطوع. وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلا، وعند أصحابنا مثل هذا محمول على النوافل.
138- باب: رفع النساء إذا كُن مع الرجال رءوسهن من السجدة
أي: هذا ثالث في بيان رفع النساء إذا كن مصليات مع الإمام رءوسهن من السجدة، وقوله " من السجدة".. متعلق بقوله: " رَفْع ".
828- ص- نا محمد بن المتوكل العسقلاني، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن عبد الله بن مسلم- أخي الزهري- عن مولىً لأسماء أبنت (1) أبي بكر، عن أسماء ابنة أبو بكر، قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: {منِ كانَ منكُنَّ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر، فلا تَرفع رَأسَهَا حتى يَرْفَعَ الرجالُ رُؤُوسهم، كَرَاهِيةَ أن يريْنَ من عَوْرَات الرجال " (2) .
ش- محمد بن المتوكلَ العَسْقَلاني أبو عبد الله. سمع الفضيل بن عياش، وعبد الرزاق بن هَمام، ومروان بن معاوية الفزاري وغيرهم. روى عنه:/ أبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم وغيرهم. توفي بعسقلان سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين (3) ، ومعمر بن راشد.
وعبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي،
أبو محمد المدني- أخو محمد بن مسلم الزهري- وكان كبر من الزهري. سمع عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وحمزة ابن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: أخوه محمد بن مسلم، وابنه محمد ابن عبد الله، ومعمر بن راشد، وغيرهم (4) .
قوله: "عن مولى لأسماء" مجهول.
قوله: "فلا ترفع رأسها" أي: من السجدة، حتى يرفع الرجال رءوسهم منها.
__________
(1) في سنن أبي داود: وابنة،. (2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5578) .
(4) المصدر السابق (16/ 3566) .

(4/42)


قوله: " كراهية أن يَرين" انتصاب " كراهية " على التعليل. أي: لأجل كراهية أن ترى النساء من عورات الرجال إذا رفعن رءوسَهُن قبلهم، وذلك لأنهم كان عليهم أزر قصيرة، فإذا سجدوا ربما ينكشف موضع من عوراتهم.
* * *
139- باب: طول القيام من الركوع وبين السجدتين
أي: هذا ثالث في بيان طول القيام من الركوع، وبين السجدتين.
829- ص- نا حرص بن عمر، نا شعبة، عن الحكم، عن ابن أي ليلى، عن البراء، أن رسولَ الله يكن كان سُجُود ورُكُوعُهُ (1) ، ومَا بينَ السجدتين قريبًا من السَواء " (2) .
ش- "قريبا" نصب على أنه خبر "كان "، ومعنى " من السواء ": من السوية، والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأحمد في " مسنده "، ولفظ البخاري: "كان ركوع رسول الله، وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبَا من السواء"، ولفظ الترمذي: وكانت صلاة رسول الله إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود قريبَا من السواء"، ولفظ أحمد: " كانت صلاة رسول الله إذا صلى فركع، وإذا رفع رأسه من السجود، وبين السجدتين قريبَا من السواء" وفي قولهم قريبَا من السواء " دلالة على أن بعضها كان فيه طولٌ يسير عن بعض، وذلك في القيام. ولعله أيضا في التشهد، وهذا الحديث محمول على بعض الأحوال، وإلا فقد ثبتت أحاديث بتطويل
__________
(1) في سنن أبي داود زيادة "وقعوده".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: حد إتمام الركوع والاعتدال فيه (792) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام
(93/471 1، 94 1) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من السجود والركوع (279) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قدر القيام بين الرفع من الركوع والسجود (2/ 97 1) و (2/ 232) و (3/ 66) .

(4/43)


القيام، وأنه- عليه السلام- كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة، وفي الظهر "الم تنزيل " السجدة، وأنه قرأ في المغرب بالطور، والمرسلات، وفي البخاري بالأعراف، وأشباه هذا، فكله يدل على أنه- عليه السلام- كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات، وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات، وقد ذكره مسلم في رواية أخرى، ولم يذكر فيه القيام، وكذا ذكره البخاري في رواية، وفي أخرى: " ما خلا القيام والقعود" كما ذكرناه، وهذا يُفَسر الرواية الأخرى، وقال القشيري: نسب بعضهم ذكر القيام إلى الوهم، قال: وهو بعيد عندنا، لأن توهين الراوي الثقة على خلاف الأصل، لا سيما إذا لم يدل دليل قومي لا يمكن الجمع بينه، وبين الزيادة، وليس هذا من باب العموم والخصوص، حتى يحمل العام على الخاص فيما عدا القيام، فإنه قد صَرح في حديث البراء بذكر القيام، ويمكن الجمع بينهِما، وذلك أن يكون فِعْلهُ- عليه السلام- في ذلك كان مختلفَا، فتارة يستوي الجميع، وتارة يستوي ما عدا القيام والقعود، وتكلم الفقهاء في الأركان الطويلة والقصيرة، واختلفوا في الرفع من الركوع، هل هو ركن طويل أو قصير؟ وراح أصحاب الشافعي أنه ركن قصير، وفائدة الخلاف فيه أن تطويله يقطع الموالاة الواجبة في الصلاة، ومن هذا قال بعض الشافعية: إنه إذا طَولهُ بطلت صلاته، وقال بعضهم: لا تبطل حتى ينقل إليه ركنَا كقراءة الفاتحة، والتشهد، وذهب بعضهم إلى أن الفعل المتأخر بعد ذلك التطويل، قد ورد في بعض الأحاديث- يعني: عن جابر بن سمرة- "وكانت صلاته بعد ذلك تخفيفَا".
830- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حداد، أنا ثابت وحميد، عن [2/8-ب] ، أنس بن مالك، قال: ما صَليْتُ/ خَلفَ رجل أوْجَزَ صَلاةً من رسول الله عليه السلام-[في تمام. وكان رسولُ الرأي إذا قالَ سمع اللهُ لمن حًمِده قام حتى نَقُولَ، (1) قد وَهمِ (2) ، ثم يمرر، ويَسْجدُ وكان يَقْعُدُ بين السجدتينِ حتى نَقولَ: قد وَهِم (2) (3) .
__________
(1) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: "أوهم "، وسيذكر المصنع أنها نسخة.
(3) تفرد به أبو داود.

(4/44)


ش- حماد بن سلمي، وثابت البُنَاني، وحميد الطويل.
قوله: أوجز صلاة " أي: أقصر صلاةَ في تمام " من الأقوال والأفعال.
قوله: " قد وهم" وفي بعض النسخ "قد أوهم"، ويقال الوهم في صلاته ركعة إذا أسَقطها، ووهم وهمَا إذا سهَى، ووهم إذا غلط، ووهم بالفتح إذا ذهب وهمهُ إلى شيءٍ، وقد ذكرنا أن فِعْلَهُ- عليه الإسلام- في ذلك كان مختلفًا بحسب اختلاف الأحوال.
831- ص- نا مسدد وأبو كامل- دخل حديث أحدهما في الآخر- قالا: نا أبو عوانة عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رَمَقْت محمدا- عليه السلام- قال أبو كامل: رسولَ الله- عليه السلام- في الصلاة، فوجدتُ قيامَه كركْعتِهِ، وسَجْدتُه، واعْتدَالَهَُ في الركعة كَسجْدَته، وجالَسَتَهُ بين السجدتين، وسجدته ما بين التسلَيم والانصرافَ قريبًا منه اَلسواءِ (1) .
ش- أبو كامل: فُضَيْل بن حسين الجَحدري، وأبو عوانة: الوضاح، وهلال بن أبي حُمَيد، ويقال: ابن حميد، ويقال: ابن عبد الله الجهني مولاهم، ويقال: ابن مقلاص أبو عَمرو، ويقال: أبو أمية، ويقال: أبو الجهم، الجهبذ الصيرفي الوزان. سمع عبد الله بن عكيم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة بن الزبير. روى عنه مسْعَر، وشعبة، وابن عيينة، وأبو عوانة، وغيرهم، قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " رمقت محمدا " من رَمَقْتُه أرْمُقُهُ رَمْقًا نظرت إليه.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (30/ 6615) .

(4/45)


قوله: " قال أبو كامل: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: قال أبو كامل في روايته: (رمقت رسول الله" موضع "محمداً".
قوله: " واعتداله " بالنصب عطفَا على قوله: "قيامه " وكذاب "جلْستَه" عطف عليه، وكذا قوله: "وسجدتَهُ" فيه دليل على تخفيف القراءة، والتشهد، وإطالة الطمأنينة في الركوع، والسجود، وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود.
ص- قال أبو داود: قال مسدد: فركعتَه، فاعتداله (1) بين الركعتين، فسجدته، فجلسَتَه بين السجدتين، فسجدته، فجلستَه بين التسليم والانصراف قريَبًا من السَّواءِ.
ش- رواية مسدد هذه هي رواية البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، أي: قال مسدد: نا أبو عوانة، عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رَمَقْتُ الصلاة مع محمد، فوجدت قيامه فركعتَه " إلى آخره، وفي بعض النسخ.. (فقعدتَهُ بين التسليم والانصراف " بدل " فجلسته ".
* * *
140- باب: صلاة مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود (2)
أي: هذا باب في بيان صلاة من لا يقيم صلبه، وفي بعض النسخ "باب: ما جاء في صلاة من لا يقيم ... " إلى آخره.
832- ص- نا حفص بن عمر النمري، نا شعبة، عن سليمان، عن عُمارة بن عُمير، عن أبي معْمَر، عن أبي مسعود البدريِّ، قال: قال رسول الله يكن: "لا تُجْزِئُ صلاةُ الرجُلِ حتى يُقِيمَ ظَهْرَهُ في الركُوع والسجُودِ، (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "واعتداله ".
(2) في سنن أبي داود: ".. في الركوع والسجود، حديث المسيء صلاته".
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: فيمن لا يقيم صلبه من الركوع والسجود (265) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: إقامة الصلب في الركوع
(2/ 82 1) ، باب: إقامة الصلب في السجود (2/ 4 1 2) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة، باب: الركوع في الصلاة (870) .

(4/46)


ش- سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي، وعُمارة بن عُمير التيمي الكوفي، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، وأبو مسعود البدري- عقبة بن عَمرو الأنصاري.
والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه "، وكذا ابن حبان، والبيهقي وقال: إسناده صحيح. وكذا قال الدارقطني: هذا إسنادَْ ثابتْ صحيح، وفي رواية بعضهما حتى يقيم صُلْبَه "، وعن طلحة السحيمي، أن النبي- عليه السلام- قال: "لا ينظر الله تعالى إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه في ركوعه، وسجوده " ذكره أبو حاتم الرازي في كتاب "العلل".
وعن أبي هريرة يرفعه "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده ". ذكره أحمد فيه مسندها بسند لا بأس به.
وعن أبي قتادة يرفعه ( ... أسوأ الناس سرقةَ الذي يسرق من صلاته، قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يُتِم ركوعها ولا سجودها" ذكره الطبراني في "معجمه الأوسط " (1) .
/0001، (2) عن النبي- عليه السلام- أنه قال: أما من مصل إلا [2/9-أ] وملك عن يمينه وملك عن يساره، فإن أتمها عرجا بها، وإن لم يتمها ضربا بها وجهه " ذكره ابن الجوفي في كتابه "الحدائق ".
وبهذه الأحاديث استدل الشافعي، ومالك، وأحمد أن الطمأنينة في الركوع والسجود فرض، حتى تبطل الصلاة بتركها، وهو قول أبي يوسف، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وابن وهب، وداود، وقال أبو حنيفة، ومحمد: الطمأنينة فيهما واجبة وليست بفرض، وذكر في "الخلاصة" أنها سنة عندهما.
قلت: في تخريج الجرجاني هي سيئة عندهما، وفي تخريج الكرخي
__________
(1) (8/ 8179) . (2) طمس في الأصل قرر خمس كلمات.

(4/47)


واجبة يجب سجود السهو بتركها، وذلك لأن الركوع هو الانحناء، والسجود هو الانخفاض لغة، فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما، وأيضا فإنه - عليه السلام- أطلق اسم الصلاة على التي ليس فيها الطمأنينة حتى قال في آخر حديث أبي هريرة الذي يجيء الآن: " وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك، ولو كانت باطلة لما سماها صلاة، لأن الباطلة ليست بصلاة، وأيضا وصفها بالنقص، فدل أنها صحيحة، ولكنها ناقصة وكذا نقول. ويكون المراد من الأحاديث المذكورة وأمثالها نفي الكمال، لا نفي ذات الصلاة.
833- ص- نا القعنبي، نا أنس- يعني: ابن عياض- ح ونا ابن المثنى قال: حدثني يحيي بن سعيد، عن عبيد الله- وهذا لفظ ابن المثنى- قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَخلَ المسجدَ، فدخلَ رجل فصلَّى، ثم جَاءَ فَسَلَّم على رسول الله، فَر رسولُ الله عليه السلام وقال: " ارجِعْ فَصَل فإنكَ لم تُصَل ". فرجَعً الرجلُ فصلَّى كمَا كان صلى، ثم جَاءَ إلى النبي- عليه السلام- فسلَّم عليه، فقال له رسولُ الله: " وعليكَ السلامُ " ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تُصَل " حتى فَعَل ذلكَ ثلاثَ مرَار، فقال الرجل: والذي بَعَثَكَ بالحق ما أحْسِنُ غيرَ هذا، علمني (1) . قالَ: "إذا قُمتَ إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركعْ حتَى تطمئنَّ راكعًا، ثم اَرفع حتى تعتَدلَ قائمًا، ثم اسجدْ حتى تَطمئن ساجدا، ثم اجلسْ حتى تطمئن جالسًا، ثم افعلْ فلك في صَلاِتكَ ككل" (2) .
__________
(1) في سنن لبي داود: "فعلمني ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام (757) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قرار الفاتحة في كل ركعة.. (397) ، الترمذي: كتاب الاستئذان، باب ما جاء في رد السلام (2692) ، النسائي: كتاب السهو، باب: أقل ما يجزئ من عمل الصلاة (3/ 59) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إتمام الصلاة (1060) .

(4/48)


ش- أنس بن عياض بن ضمرة الليثي المدني، ويحيي بن سعيد القطان، وعبيد الله بن عمر العمري، وسعيد المقبري.
قوله: " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " تنافي فرضية قراءة فاتحة الكتاب، إذ لو كانت فرضا لأمره النبي- عليه السلام- بذلك، بل هو صريح في الدلالة على أن الفرض مطلق القراءة كما هو مذهب أبي حنيفة - رضى الله عنه-، وقال الخطابي (1) : " قوله: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " ظاهره الإطلاق والتخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزئه غيرها، بدليل قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وهذا فيه الإطلاق كقوله تعالى: "فَمَن تَمَتعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهَدْي " (2) ثم كان أقل ما يُجزئ من الهدي معينا معدومَ المقدار، ببيَان السنة وهو الشاة".
قلت: يريد الخطابي أن يتخذ لمذهبه دليلا على حسب اختياره بكلام ينقض ادخره أوله، حيث اعترف أولا أن ظاهر هذا الكلام الإطلاق والتخيير، وحكم المطلق أن يجزئ على إطلاقه، وكيف يكون المراد منه فاتحة الكتاب وليس فيه الإجمال، وقوله: " وهذا في الإطلاق كقوله تعالى" إلى آخره فاسد، لأن الهدي اسم " يُهدَى إلى الحرم، وهو يتناول الإبل والبقر والغنم، وأقل ما يجزئ شاة، فيكون مرادا بالسُّنَة بخلاف قوله: "ما تيسر معك من القرآن"، فإنه ليس كذلك، فإنه يتناول كل ما يطلق عليه اسم القرائن، فيتناول الفاتحة وغيرها، ثم تخصيصه بالفاتحة من غير مخصص ترجيح بلا مرجح وهو باطل، ولا يجور أن يكون قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتابة مخصصها لأنه ينافي معنى التيسير، فينقلب إلى تعسير، وهذا باطل، ولأن هذا المقام مقام التعليم، ولو كانت الفاتحة فرضا، أو مرادة هاهنا، لعلمه النبي- عليه السلام- فافهم.
__________
(1) معالم السنن (1/ 182) . (2) سورة البقرة: (196) .
4. شرح سنن أبي داود 4

(4/49)


[2/9 -ب]
قوله: " ثم افعل ذلك " أي: ما ذكرنا من الهيئات/ في صلاتك كلها. وقال الخطابي (1) : "وفيه دلالة على أن يقرأ في كل ركعة كما كان [عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة] (2) . وقال أصحاب الرأي: إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخريين قرأ، لان شاء أن يسبح سبح، لان لم يقرأ فيهما شيئا أجزأته، ورووا فيه عن علي بن أبي طالب أنه قال: يقرأ في الأوليين، ويسبح في الأخريين، من طريق الحارث عنه، وقد تكلم الناس في الحارث قديما، وممن طعن فيه الشعبي، ورماه بالكذب، وتركه أصحاب (الصحيح) ، ولو صح ذلك عن علي لم يكن حجة، لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك، منهم أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم، وسنة رسول الله أولى ما اتبع، بل قد ثبت عن علي من طريق عبيد الله بن أبي رافع أنه كان يأمر أن يُقرأ في الأول مِن في الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".
قلت: وإن دل قوله ذلك على أن يقرأ في كل ركعة، فقد دل غيره أن القراءة في الأولين قراءة في الأخريين، بدليل ما رُوي عن جابر بن سمرة قال: "شكى أهل الكوفة سعدَا" الحديث. وفيه " وأحذف في الأخريين". أي: أحذف القراءة في الأخريين، وتفسيره بقولهم: أقصرُ القراءة ولا أحذفها كلها خلاف الظاهر.
وقوله: "لأن الجماعة من الصحابة قد خالفوه" غير مُسَلم؛ لأنه رُوي عن ابن مسعود مثله، على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا شريك، عن أبي إسحاق، عن علي، وعبد الله أنهما قالا: "قرأ في الأولين، وسبح في الأخريين" وكذا رُوي عن عائشة، وكذا رُوي عن إبراهيم وابن الأسود.
وروى عبد الرزاق في (مصنفه) عن معمر، عن الزهري، عن
__________
(1) المصدر السابق.
(2) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من معالم السنن.

(4/50)


عبيد الله بن أبي رافع قال: "كان- يعني: عليا- يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة، ولا يقرأ في الأخريين"، وهذا إسناد صحيح، وينافي قول الخطابي: "بل قد ثبت عن علي من طريق عبيد الله " إلى آخره. وفي "التهذيب " لابن جرير الطبري: وقال حماد: عن إبراهيم، عن ابن مسعود، أنه كان لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر شيئا. وقال هلال بن سنان: صليت إلى جنب عبد الله بن يزيد فسمعته يسبح. وروى منصور، عن جرير، عن إبراهيم قال: ليس في الركعتين الأخيرين من المكتوبة قناعة، سبح الله، واذكر الله. وقال سفيان الثوري: اقرأ في الركعتين الأولين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب. أو سبح فيهما بقدر الفاتحة. أفي ذلك فعلتَ أجزأك، وإن سبح في الأخيرتين أحب إليكَ.
ثم اعلم أنه- عليه السلام- بين في هذا الحديث بعض الواجبات ولم يبين بعضها، مثل النية، والقَعدة الأخيرة، وترتيب الأركان، وكذا بعض الأفعال المختلف في وجوبها كالتشهد في الأخير، والصلاة على النبي. - عليه السلام- وإصابة لفظة " السلام "، فلعل كانت هذه الأشياء معلومة عند السائل، فلذلك لم يبينها.
وفيه دليل على أن التعوذ، والثناء، والبسملة، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ووضع اليمنى على اليسرى، وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الركوع والسجود، وهيئات الجلوس ونحو ذلك مما لم يذكره في الحديث ليس بواجب.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : (وفيه دليل على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، والجلوس بين السجدتين، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، ولم يُوجِبهَا أبو حنيفة وطائفة يسيرة. وهذا الحديث حجة عليهم وليس عنه جواب صحيح ".
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/ 108) .

(4/51)


قلت: ليس الأمر كما زعمه الشيخ، بل فيه دليل على أن الطمأنينة ليست بفرض، إذ لو كانت فرضا لما أطلق عليه الصلاة بقوله في آخر الحديث: "وما انتقصت من هذا فإنما انتقصت من صلاتك "، وقد ذكرناه مستوفى عن قريب، فصار الحديث حجة عليهم، وأيضا قوله لتعالى: "ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا" (1) أمر/ [بالركوع والسجود، وهما لفظان] (2) خاصان يراد بهما الانحناء والانخفاض فيتأدى ذلك بأدنى ما ينطلق عليه من ذلك، [وافتراض] (2) الطمأنينة فيهما بخبر الواحد زيادة على مطلق النص وهو نسخ، وذا لا يجوز، نعم، نقول: إما بوجوبها أو بسُنيتها، حتى إذا تركها تكون صلاته ناقصة لا باطلة، كما هو صريح الحديث، فإذن صار لنا عن هذا جوابا صحيحا، ولم يبق لهم جواب صحيح.
" (3) وفي الحديث من الفقه: أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل، ولم يسأله عنه، يستحب له أن يذكره له، ليكون ذلك من باب النصيحة، لا من الكلام فيما لا يَعْنِي. وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته وفيه استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده، وأنه يستحب تكرَاره إذا تكرر اللقاء، وإن قرب العهد، وأنه يجب رده في كل مرة، وأن صيغة الجواب وعليكم السلام أو وعليك بالواو، وهذه الواو مستحبة عند الجمهور، وأوجبها بعض الشافعية وليس بشيء، بل الصواب أنها سُنة. قال الله تعالى: "قَالُوا سَلامَا قالَ سَلاَم" (4) . والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه. وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة.
ص- قال أبو داود: قال القعنبي: عن سعيد بن أي سعيد المقبري، عن
__________
(1) سورة الحج: (77) .
(2) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من عمدة القاري (5/ 70) .
(3) انظر شرح صحيح مسلم (108/4) .
(4) سورة هود: (69) .

(4/52)


أبي هريرة، وقال في آخره: " وإذا (1) فَعلتَ هذا فقد تَمَّتْ صَلاتُكَ، وما انتقَصْتَ من هذا (2) فإنما انتقصتَ من صلاِتكَ". وقال فيه: " إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغْ الوضوءَ ".
ش- لما بين أولا رواية ابن المثنى بقوله: وهذا لفظ ابن المثنى قال: "حدثني سعيد" إلى آخره، بين ثانيا رواية القعنبي وفيها هذه الزيادة، وهي قوله: " وإذا فعلت هذا" إلى آخره. وكذا رواه الترمذي، والنسائي، وأما الترمذي فقد قال: حدثنا علي بن حجر، نا إسماعيل ابن جعفر، عن يحيي بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، أعن أبيه،، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة: ونحن معه إذ جامح" رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف فسلم على النبي- عليه السلام-، فقال له: "وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع فصلى، ثم جاء فسلم عليه فقال: وعليك، ارجع فصل فإن لم تصل". فعل ذلك مرتين أو ثلاثا (3) ، فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني، وإنما أنا بشر أصيب وأخطئ. فقال: " أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد فأقم أيضا، فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله، وكبره وهلله، ثم اركع فاطمئن راكعًا، ثم اعتدل قائما، ثم اسجد فاعتدل ساجدا، ثم اجلس فاطمئن (4) جالسا، ثم قم، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك". وقال: حديث حسن وقد رُوي عن رفاعة من غير وجه.
__________
(1) في سنن لبي داود: " فإذا ".
(2) في سنن لبي داود: " من هذا شيئا فقد انتقصته.
(3) في جامع الترمذي بعد قوله: " أو ثلاثا "، كل ذلك يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل، فخاف الناس وكَبُرَ عليهم أن يكون مَن أخذ صلاته لم يصل، فقال
الرجل ... "
(4) في الأول: " فاظهر " وما أثبتناه من جامع الترمذي.

(4/53)


وأما النسائي فقال: أخبرنا سويد بن نصر، نا عبد الله بن المبارك، عن داود بن قيس، حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، حدثني أبي، عن عم له بدري قال: كنت مع رسول الله جالسًا في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، ثم جاء فسلم على النبي - عليه السلام- وقد كان- عليه السلام- يرمقه في صلاته، فرد عليه السلامَ ثم قال: "ارجع فصل فإنك لم تصل "، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلامَ، ثم قال له: " ارجع فصل فإنك لم تصل " حتى كان عند الثالثة أو الرابعة فقال: والذي أنزل عليك الكتاب لقد جهدت فأرني وعلمني. قال: " إذا أردت أن تصلي فتوضأ وأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن قاعدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع، فإذا [2/10 - ب] أتممت/ صلاتك على هذا فقد تمت، وما انتقصت من هذا فإنما تنقصه من صلاتك.
قوله: "وقال فيه: [. . . .] (1) في الحديث: " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" وأخرج مسلم هذه الرواية ولفظه: " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" وفي رواية النسائي: " إذا أردت أن تصلي فتوضأ" كما مَر. وفي رواية الترمذي: " إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ" إلى آخره كما بينا الآن.
834- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن إسحاق بن عبد الله، ابن أبي طلحة، عن علي بن يحيي بن خلاف، عن عمه، أن رجلاً دخلَ المسجدَ- فذكر نحوه- قال فيه: فقال النبي- عليه السلام-: "إنه لا تتم صلاةٌ لأحد من الناس حتى يَتوضأ فيضع الوُضُوءَ- يعني: مَواضعَه- ثَم يكبرُ، ويَحمدُ الله، ويثني عليه، ويقرأ بما شَاءَ (2) من القراَنِ، ثم يقَولُ: الله
__________
(1) كلمتان غير واضحتين.
(2) في سنن أبي داود: " بما تيسر ".

(4/54)


أكبر، ثم يَركعُ حتَى تَطمَئن مَفاصلُهُ، ثم يقولُ: سَمِعَ اللهُ لمن حَمدهُ حتى يَستويَ قائما، ثم يقولُ: الله أكبر، ثَم يَسجدُ حتى تَطمَئن مفاصلُهُ، ثَم يقول: الله أكبر، ويَرفعُ رأَسَهُ حتى يَستوي قاعدًا، ثم يقولُ: الله أكبَر، ثم يَسجِدُ حتى تَطمئن مَفاصِلُهُ، ثم يرفع رأسَه فيكبرُ، فإذا فعلَ ذلك فقد تمتْ صلاَتهُ " (1) .
ش- حماد بن سلمة، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري، وعلي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري المدني، وعمه رفاعة بن رافع الأنصاري الصحابي.
وفي "مختصر السنن ": " والمحفوظ فيه: علي بن يحيي بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع " كما سيأتي.
قوله: "فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
قوله: "قال فيه " أي: في هذا الحديث.
قوله: " إنه لا تتم " أي: إن الشأن.
قوله: "ويقرأ بما شاء من القرآن "، صريح ينادي بأعلى صوته أن قراءة الفاتحة ليست بفرض في الصلاة.
قوله: " فإذا فعل ذلك " إشارة إلى ما ذكر من الأقوال والأفعال.
835- ص- نا الحسن بن علي، نا هشام بن عبد الملك والحجاج بن المنهال قالا: نا همام، نا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيي بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع بمعناه قال: فقال رسول الله: "إنها لا تَتمِ صَلاةُ أَحَدكُم حتىَ يُسبغِ الوضُوءَ كما أَمَرَ (2) اللهُ عز وجل، فَيغسلُ وجوهه ويديه إلاَ المرْفقين، ويمْسَحُ برأسه ورِجلَيْه إلى الكَعْبينِ، ثم يكبرُ اللهَ ويَحمَدُه، ثم يقرأ القَرآنِ ما أذِنَ له فيَهَ وتَيَسَر".
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف الصلاة (302) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الإقامة لمن يصلي وحده (2/ 0 2) و (2/ 93 1، 225) ، و (3/59، 0 6) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء على ما أمر الله تعالى (460) .
(2) في سنن أبي داود: "أمره".

(4/55)


فذكر نحو حماد (1) ، قال: " ثم يكبرُ فيسجدُ فيمكنُ وجهَه ". قال همام: وربما قال: " جبهَتَهُ من الأرضِ حتىِ تَطمئن مَفاصلُهُ وتَسترخي، ثم يكبرُ فَيستوي قاعدا على مَقْعَده، ويُقيم صُلبَهَ، فَوصفَ الصلاة هكذا أربعَ ركعاتِ حتى فَرغً، لا تَتمُ صًلاةُ أحَدِكم حتى يفعلَ ذلك " (2) .
ش- هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، وهمام بن يحيى.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور.
قوله: " قال: فقال رسول الله" إلى آخره بيان هذا الحديث الذي بمعنى الحديث المذكور.
قوله: " إنها " أي: إن القضية أو القصة.
قوله: "ورجليه إلى الكعبين" أي: يمسح برجليه إلى الكعبين، فهذا أو أمثاله من الاثار الدالة على مسح الرجلين في الوضوء من غير خف منسوخة بالأحاديث الواردة بغسلهما، وقال الطحاوي: فذكر عبد الله بن عَمْرو أنهم كانوا يمسحون حتى أمرهم رسول الله- عليه السلام- وإسباغ الوضوء وخوفهم فقال:" ويل للأعقاب من النار " فدل ذلك على أن حكم المسح الذي قد كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه مما ذكرنا، يعني: من الأحاديث التي وردت بالغسل.
قوله: " ما أذن له " على صيغة المجهول.
قوله: " فذكر نحو حماد ". أي: نحو حديث حماد بن سلمي.
قوله: "وربما قال جبهته". قال الخطابي (3) : " فيه دليل على أن السجود لا يجزئ على غير الجبهة، وأن من سجد على كور العمامة ولم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزئ صلاته ".
__________
(1) في سنن أبي داود: "نحو حديث حماد".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) معالم السنن (1/ 183) .

(4/56)


قلت: لا نسلم ذلك، لأنه قال: " فيمكن وجهه "، والوجه مشتمل على الأنف والجبهة، فإذا سجد على أحدهما حصل القصد، وأما الذي يسجد على كور العمامة فإنه ساجد على الجبهة أيضا، على أن السجدة على كور العمامة" (1) رويت من حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، وحديث عبد الله بن أبي أوفى، وحديث جابر، وحديث أنس، وحديث
ابن عمر- رضي الله عنهم-.
أما حديث أبي هريرة فرواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا عبد الله
ابن محرر، أخبرني/ [يزيد بن الأصم] (2) ، أنه سمع أبا هريرة يقول: [2/11- أ] كان رسول الله يسجد على كور عمامته. قال ابن محرر: وأخبرني سليمان بن موسى، عن مكحول، عن النبي- عليه السلام- مثله. وأما حديث ابن عباس فرواه أبو نعيم في " الحلية" في ترجمة" إبراهيم ابن أدهم ": ثنا أبو يعلى الحسن بن محمد الزبيري، ثنا أبو الحسن عبد الله بن موسى الحافظ الصوفي البغدادي، نا لاحق بن الهيثم، نا الحسن بن عيسى الدمشقي، نا محمد بن فيروز المصري، نا بقية بن الوليد، نا إبراهيم بن أدهم، عن أبيه أدهم بن منصور العجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كان يسجد على كور عمامته.
وأما حديث ابن أبي أوفى فرواه الطبراني في "معجمه الوسط " (3)
بإسناده إلى عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله يسجد على كور عمامته.
وأما حديث جابر فرواه ابن عدي في" الكامل (4) " من حديث عمرو ابن شمر، عن جابر الجعفي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر ابن عبد الله قال: رأيت رسول الله يسجد على كور العمامة.
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/ 384-385) .
(2) غير واضح في الأصل.
(3) (7/ 7184) .
(4) (228/6) ، ترجمة عمرو بن شمر.

(4/57)


وأما حديث أنس- رضي الله عنه- فرواه ابن أبي حاتم في كتابه "العلل": ثنا أبي نا عبد الرحمن بن بكر (1) بن الربيع بن مسلم، حدثني حسان بن سياه (2) ، نا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن النبي- عليه السلام- سجد على كور العمامة. ثم قال: قال أبي: هذا حديث منكر.
وأما حديث ابن عمر فرواه الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي في "فوائده": أخبرنا محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، نا أبو بكر أحمد ابن عبد الرحمن بن أبي حسين بطرسوس (3) ، ثنا كثير بن عبيد، ثنا سويد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنه-، أن النبي- عليه السلام- كان يسجد على كور العمامة. وأخرج البيهقي في "سننه" (4) عن هشام، عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على عمامته. وذكره البخاري في "صحيحه" تعليقَا فقال: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه" (5) .
قلت: ذكر هذا التعليق ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي أسامة، عن هشام، عن الحسن قال: إن أصحاب النبي- عليه السلام- كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته، وكان عبد الرحمن بن زيد يسجد على كور عمامته، وكذلك الحسن، وسعيد بن المسيب، وبكر بن عبد الله، ومكحول، والزهري، وعبد الله ابن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن يزيد.
فإن قيل: قد قال البيهقي في قول الحسن وكان أصحاب رسول الله
__________
(1) في الأصل: وابن أبي بكر، خطأ، وتصحف كذلك في نصب الراية إلى "ابن بكير ".
(2) في الأصل: أسنان " خطأ.
(3) في نصب الراية: "الطرسوسي".
(4) (106/2) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(4/58)


يسجدون " إلى آخره: يحتمل أن يكون أراد يسجد على عمامته وجبهته.
قلت: هذه زيادة من غير دليل، إذ لا ذكر للجبهة أصلا.
فإن قيل: ما تقول في الحديث المرسل الذي أخرجه أبو داود (1) عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن صالح بن حيوان السبئي، أن رسول الله رأى رجلاَ يسجد إلى جنبه وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول الله عن جبهته. قلت: قال عبد الحق: صالح بن حيوان لا يحتج به وهو بالحاء المهملة ومن قال: بالخاء المنقوطة فقد أخطأ. ذكره أبو داود وليس في هذا المرسل حجة.
قوله: "وتسترخي" بالنصب عطف على قوله: "حتى تطمئن ".
قوله: "ثم يكبر" بالرفع عطف على "يكبر " الأول.
والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، وحديث ابن ماجه مختصر، وقال الترمذي: حديث حسن.
836- ص- نا وهب بن بقية، عن خالد، عن محمد- يعني:
ابن عمرو- عن علي بن يحيي بن خلاف، [عن أبيه] ، عن رفاعة بن رافع بهذه القصة فقال: إذا قُمتَ فتوجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شَاءَ اللهُ أن تَقرأ، وإذا رَكعت فَضعْ راحًتيكَ على رُكبتيكَ، وامدد ظَهرَك. وقال: "إذا سَجدت فمكنْ لِسُجودكَ، فإذا رَفعتَ فاقعد على فَخِذكَ اليسرى" (2) .
ش- وهب بن بقية الواسطي، وخالد بن عبد الله الواسطي، ومحمد ابن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني.
قوله: "بهذه القصة" أي: القصة المذكورة.
/ قوله: "ثم اقرأ بأم القرآن" أي: فاتحة الكتاب، ولا تعلق لهم [2 /11 - ب]
__________
(1) انظره والرد عليه في: نصب الراية (1/ 385- 386) .
(2) انظر التخريج السابق.

(4/59)


بذلك في فرضية الفاتحة، لأنه- عليه السلام- أمر [بقراءة] (1) الفاتحة وقراءة ما شاء الله من القرآن، ولا خلاف أن القراءة بهذه الحيثية ليست بفرض، فتعين أن القراءة بكل واحد منهما ليس بفرض، وتعين أن مطلق القراءة فرض، وتعين أن قراءة الفاتحة واجبة، وكذا ضم شيء إليها من القرآن للأمر الدال على الوجوب.
قوله: أفضع راحتيك ". أي: كفيك على ركبتيك.
ومن جملة تعاليق البخاري: قال أبو حميد في أصحابه: أمكن رسول الله يديه من ركبتيه.
وعند النسائي من حديث أبي مسعود بن عمرو، أنه ركع فوضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه. وقال: هكذا رأيت رسول الله يصلي.
وعند الحاكم على شرط مسلم: "لما بلغ سعد بن أبي وقاص التطبيق عن عبد الله قال: صدق عبد الله، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا، ووضع يديه على ركبتيه.
وروى الطبراني في "معجمه الأوسط" (2) : كان النبي- عليه السلام- إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه.
قوله: " وامدد ظهرك " أي: ابسطه.
قوله: "فإذا رفعت". أي: رأسك من السجدة فاقعد على فخذك اليسرى، وفيه حجة للحنفية.
837- ص- نا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل، عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا علي بن يحيى بن خلاف بن رافع، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي- عليه السلام- بهذه القصة قال: "إذا أنتَ قُمتَ في صَلاِتكَ فكبرِ الله، ثم اقرأ ما تَيَسرَ عليكَ من القرآنِ". وقال فيه: "فإذا جَلَستَ في
__________
(1) غير واضحة في الأصل.
(2) (2/ 2050) من حديث سعد بن أبي وقاص.

(4/60)


وَسَط الصلاةِ فاطمئنَّ، وافترِضْ فَخذكَ اليُسرى، ثم تَشهدْ، ثم إذا قُمتَ فمثل ًذلك، حتى تَفرغَ من صلاِتكَ " (1) .
ش- إسماعيل ابن علية.
قوله: " في وسط الصلاة " بفتح السين، وقد ذكرنا الفرق بين وسط ووسَط مرة.
قوله: " فاطمئنَّ " بتشديد النون المفتوحة لأنه من مشعبه الرباعي، وأصله من طَمْأنَ يَطمئنُّ كدحرج يدحرج فنقل إلى باب الافتعللال فصار اطمأنَنَ يطمأنِن، فنقلَت حركة النون الأولى إلى الهمزة، فأدغمت النون في النون، فصار اطمأن كاقشَعَر يَقشعرُّ اقْشعر، وأصله قَشْعَرَ، فأحواله مثل أحوال اطمأن.
قوله: " فمثل ذلك " بالنصب. أي: فافعل مثل ذلك إلى أن تفرغ من صلاتك.
838- ص- نا عباد بن موسى الختلي، نا إسماعيل- يعني: ابن جعفر- قال: أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله. فقصَّ هذا الحديثَ قال فيه: "فَتوضأ كما أمركَ الله، ثم تَشهد فأَقمْ، ثم كبر، فإن كان معك قُرآنٌ فاقرأ به" وإلا فاحْمَد الله وكبرْه وهللهُ ". قال فيه: " وإن انتقَصَت منه شيئًا انتقصتَ من صلاتك " (2) .
ش- الختلي- بضم الخاء المعجمة، والتاء المثناة من فوق المشددة- نسبة إلى ختلان- بضم الخاء، وضم التاء المشددة ثم لام ألف ونون- قال في " اللباب": هي بلاد مجتمعة وراء بلخ، والنسبة إليها خُتُلي.
ش- وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري. ووقع في رواية ابن داسة: نا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني علي بن يحيي بن خلاف بن رافع الشرقي، عن أبيه، عن جده، وصوابه: إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاف. وكذلك ثبت لأبي سعيد بن
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2) تفرد به أبو داود.

(4/61)


الأعرابي، ويحي بن علي بن يحيي بن خلاد الأنصاري الزرقي المدني. روى عن أبيه، عن جده. روى عنه إسماعيل بن جعفر. روى له: أبو داود والنسائي.
قوله: " قال فيه" أي: في الحديث في هذه الرواية.
قوله: " فإن كان معك قرآن " مطلق تناول الفاتحة وغيرها.
قوله: "وإلا". أي: وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله، وقد مر أن العاجز عن القرآن إما لمعنى في طبيعته، أو لعذر آخر يجور له أن يصلي بالأدعية ونحوها.
839- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، نا الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن جعفر بن الحكم ح ونا قتيبة، نا الليث، عن جعفر بن عبد الله الأنصاري،، عن تميم بن المحمود عن عبد الرحمن بن شبل قال:/ نَهَى رسولُ الله- عليه السلام- عن نَقْرَة الغُراب، وافترَاشِ السبع، وأن يُوطَّنَ الرجلُ (1) ، المكانَ في المسجدِ كما يُوطنُ البعِيَرُ (2) .
ش- جعفر بن الحكم هو جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان بن رافع الأنصاري الأوسي المدني، والد عبد الحميد. سمع عقبة بن عامر، وأنس بن مالك، وتميم بن محمود وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الحميد، ويزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد وغيرهم. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) .
وتميم بن محمود. روى عن عبد الرحمن بن شبل. روى عنه: جعفر ابن عبد الله المذكور، قال ابن عدي: ليس له في الحديث إلا عن
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: النهي عن نقرة الغراب (2/ 214) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في توطين المكان في المسجد يصلي فيه (1429)
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 945) .

(4/62)


عبد الرحمن بن شبل، وعبد الرحمن له صحبة، وله حديثان أو ثلاثة. روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعبد الرحمن بن شبل بن عمرو بن زيد بن نجدة بن مالك بن لوذان بن عمرو بن عوف، وبنو مالك بن لوذان يقال لهم: بنو السَمِيعة (2) كان يقال لهم في الجاهلية بنو الصماء، وهي امرأة من مزينة أرضعت أباهم (3) مالك بن لوذان، فسماهم رسول الله بني السميعة (2) ، سكن الشام. روى عنه ابن له غير مسمى، وتميم بن محمودَ، وأبو راشد الحبراني، وأبو سلام الأسود. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) . قوله: "نقرة الغراب " كناية عن تخفيف السجود يعني: لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره في لَقْطِ الحَب.
قوله: " وافتراش السبع " وهو أن يمد ذراعيه على الأرض، لا يرفعهما ولا يجافي مرفقيه عن جنبيه.
قوله: "وأن يوطن الرجل " من إيطانه البعير، فيه وجهان، أحدهما:
أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه، كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه، واتخذه مناخَا، لا يبرك إلا فيه، والوجه الآخر: أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود، بروك البعير على المكان الذي أوطنه، وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومَهَلِ، وَذَكرهما الخطابي.
ولا دلالة في الحديث على الوجه الثاني فافهم.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه. وفي "مسند " أحمد عن أبي هريرة قال: نهاني رسول الله- عليه السلام- عن ثلاثة، عن نقرة
__________
(1) المصدر السابق (4/ 806) .
(2) في الأصل: "السمعية" خطأ.
(3) في الأصل: 5 إياهم " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 419) ، أسد الغابة (3/ 459) ، الإصابة (2/ 403) .

(4/63)


كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب ". وفي " معجم الطبراني" عن أبي هريرة: "نهاني خليلي- عليه السلام- أن أقعي إقعاء القرد، وأنقر نقرة الغراب، وألتفت التفات الثعلب ".
ص- هذا لفظ قتيبة.
ش- أي: الحديث المذكور هو لفظ قتيبة بن سعيد، أحد شيوخ أبي داود.
840- ص- نا زهير بن حرب، نا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد قال (1) : أتينا عقبةَ بنَ عمرِو الأنصاري أبا مسعود فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسولِ الله، فقام بين أيدينا في مسجدِ (2) ، فكَبَّرَ، فلما رَكَعَ وضعَ يديه عَلي رُكبتيَه، وجعلَ أصابعَه أسفَلَ من ذلك، وجَافَى بين مِرفقَيه حتى استقر كلُّ شيء منه، ثم قالَ: سَمِعَ اللهُ لمن حمده. فقام حتى استقرَ كل شيء منه، ثم كَبّر وَسَجَدَ، فوضعَ (3) كفيه على الأرضِ، ثم جافى بمرفقيه حَتى استقرَّ كل شيء منه، ثم رفع رأسَه فجلس حتى استقرَّ كل شيء منه، ففعلَ مثلَ ذلك أيضا، ثم صَلَّى أربعَ ركعات مثلَ هذه الركعة، فًصلَّى صلاتَه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله- عليهً السلام- يُصَلي (4) .
ش- جرير بن عبد الحميد.
وسالم البراد هو سالم بن عبد الله أبو عبد الله المصري- بالنون- المدني مولى شداد بن الهاد، وقيل: مولى مالك بن أوس بن الحَدَثان. وقيل مولى دوس وهو سالم سَبَلان- بفتح السين- وهو سالم البراد، وهو سالم مولى النصريين، وإنما سمي برادا لأنه كان يبرد الماء في الكيزان وفي الجرار. وفي الرواية الأخرى نسبه إلى بيع البرود. روى عن عثمان
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) في سنن أبي داود: "المسجد".
(3) في سنن أبي داود: " ووضع".
(4) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: مواضع الراحتين في الركوع (2/ 186) .

(4/64)


ابن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي مسعود البدري، وعائشة زوج النبي- عليه السلام-/. روى عنه سعيد المقبري، ويحيى [2/21 - ب] اسم ابن أبي كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة، ومحمد بن إسحاق بن يسار وغيرهم. قال ابن معين: [ثقة. روى له مسلم] (1) والنسائي وابن ماجه (2) .
وفي الحديث من الفقه: استحباب وضع اليدين على الركبتين، واستحباب المجافاة بين المرفقين، واستحباب قوله: "سمع الله لمن حمده" للإمام، واستحباب الطمأنينة في الركوع والسجود، وغير ذلك. والحديث أخرجه النسائي.
* * *
__________
(1) غير واضح في الأصل.
قد فرق صاحب تهذيب الكمال بين سالم البراد، وسالم بن عبد الله النصري، فترجم للأول (10/ 2159) ، وللثاني (10/ 2150) ، وذكر محقق التهذيب في ترجمة الأول أنه جاء في حاشية النسخة من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال قوله: "خلط في الأصل هذه الترجمة بسالم بن عبد الله المصري، وذلك وهم، والصواب: ما ذكرنا، والله أعلم".
وذكر في ترجمة الثاني أنه جاء كذلك في حاشية النسخة من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال قوله: كان فيه: وهو سالم البراد. وكان فيه: روى عن أبي مسعود البدري، وعبد الله بن عمر. وكان فيه الكلام على سالم البراد وتوثيقه، وذلك وهم، وإنما سالم البراد شيخ آخر كوفي، وهو الذي يروي عن أبي مسعود وأبي هريرة. ويروي عنه عطاء بن السائب كما سيأتي في موضعه، وممن فرق بينهما: البخاري، وأبو حاتم، وعبد الغني بن سعيد فيه أوهام الحاكم "، ومما ذكر فيه الحاكم أنه سالم بن أبي سالم الجيشاني، وهو مما استدركه عليه عبد الغني بن سعيد أيضا في هذه الترجمة. وكان فيه حكاية كلام عبد الغني بن سعيد، وهو سالم مولى شداد بن أوس، وإنما هو مولى شداد بن الهاد " اهـ.
5. شرح سنن أبي داود 4

(4/65)