شرح أبي داود للعيني

141- باب: قول النبي- عليه السلام-: " كل صلاة لا يتمها صاحبها يتم (1) من تطوعه"
أي: هذا باب في بيان قول النبي- عليه السلام-، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في قول النبي- عليه السلام-"، إلى آخره.
841- ص- نا يعقوب بن إبراهيمِ، نا إسماعيل، نا يونس، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي قال: خَاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة- رضي الله عنه- قال: فَنَسبَني فانتسبًتُ له قال: يا فتى ألا أحَدثك حديثا؟ قال: قلتُ: بلى يرحمُكَ (2) الله. قال يونس: وأحسبُه ذكره عن النبي- عليه السلام- قال: " إن أولَ ما يُحاسَبُ الناسُ به يوم القيامة من أعمالهم الصلاةُ. قال: يقولُ ربُّنا عز وجل لملائكته- وهو أعلَمٍ -: انظرُوا في صلاة عبدي أتَمَّهَا أم نَقَصَها؟ فإن كانت تَامةً كُتبتْ له تامة، وإن كان انتقَصَ منَها شَيئًا قال: انظُرُوا هل لعبدي من تَطوع؟ فَإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدِي فريضتَه من تطوعه، ثم تُؤخَذُ الأعمال على ذاكم (3) .
ش- إسماعيل ابن علية، ويونس بن عبيد، والحسن البصري.
وأنس بن حكيم الضبي البصري. سمع أبا هريرة. روى عنه الحسن البصري. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
قوله: " من زياد أو ابن زياد" وزياد هذا يقال له: زياد بن أبيه، وزياد ابن أمه، وزياد بن سمية، وزياد بن عبيد، كل هذا قبل ابن يستلحقه معاوية، وليست له صحبة ولا رواية، وولاه معاوية العراقيين جميعا، وابنه عبيد الله بن زياد، ولاه معاوية البصرة، وأقره يزيد بعد البيه، وضمَّ إليه الكوفة.
__________
(1) في سنن أبي داود:"تُتَمُ".
(2) في سنن أبي داود: "رحمك ".
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة والسنة فيها (1425) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 565) .

(4/66)


قلت: قد ذكرت في كتابي "التاريخ البدري" أن زياد بن أبي سفيان، ويقال له: زياد ابن أبيه، وزياد ابن سمية وهي أمه، مات في رمضان سنة ثلاث وخمسين، وكان كتب إلى معاوية يقول له: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي، ويميني فارغة، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضا، فلما بلغ أهل الحجاز جاءوا إلى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلي عليهم زياد فيعسفَهم كما عسفَ أهل العراق، فقام ابن عمر فاستقبل القبلة، فدعا عَلى زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد بالعراق في يده، فضاق ذرعا بذلك، واستشار شريحَا القاضي في قطع يده، فقال له شريح: إني لا أرى لك ذلك، فإن لم يكن في الأجل فسحة لقيت الله أجذم، قد قطعت يدك
خوفا من لقائه، وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيغترَ ولدُك بذلك، فصرفه ذلك. فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس، وقالوا: هلا تركته يقطع يده؟ فقال: قال رسول الله: " المستشار مؤتمن" ويقال: إن زياد جعل يقول: أأنَامُ أنا والطاعون في فراش واحد؟ فعزم على قطع يده، فلما جيئ بالمكاوي والحديد، خاف من ذلك فترك ذلك،
ويذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبَا ليداووه مما يجد من الحر في باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم، فمات في ثالث شهر رمضان من سنة ثلاث وخمسين، وقد أقام في إمرة العراق خمس سنين ودفن بالنوبة خارج الكوفة، وكان قد برز منها خارجَا إلى الحجار أميرَا عليها، فلم بلغ خبرُ موته عبد الله بن عمر قال: أذهب إليك يا ابن سمية؟ فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت. وكان مولده عام الهجرة، وكان استلحاق معاوية زيادا في مدة أربع وأربعين، وذلك أن رجلا شهد على إقرار أبي سفيان أنه عاهر بسمية أم زياد في الجاهلية، فإنها حملت بزياد هذا منه، فاستلحقه معاوية بأبيه أبي سفيان،/ [. . .] ، (1) قيل له: زياد بن أبي سفيان، وقد قيل: إن سمية كانت [2/ 13 -أ]
__________
(1) كلمتان غير واضحتين.

(4/67)


جارية للحارث بن كلدة الثقفي، فزوجها بعبد له رومي يقال له: عبيد، فولدت سمية زيادا على فراشه، فهو ولد عبيد شرعًا، وكان أبو سفيان قد سار في الجاهلية إلى الطائف، فنزل على إنسان يبيع الخمر يقال له: أبو مريم، ثم أسلم بعد ذلك، وكانت له صحبة، فقال له أبو سفيان: قد اشتهيت النساء، فقال له أبو مريم: هل لك في سمية؟ فقال أبو سفيان: هاتها على طول ثدييها ودفر بطنها، فأتاه بها فوقع عليها، فيقال: إنه علقت منه بزياد، ثم وضعته في السنة التي هاجر فيها رسول الله- عليه السلام-، ونشأ زياد فصيحَا وحضر يومَا بمحضر من جماعة الصحابة في خلافة عمر- رضي الله عنه-، فقال عمرو بن العاص: لو كان أبو هذا الغلام من قريش لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان لعلي ابن أبي طالب: إني لأعرف من وضعه في رحم أمه. فقال علي: فما يمنعك من استلحاقه؟ قال: أخاف الأصلع- يعني: عمر- أن يقطع إهابي بالدرة.
وأما ابنه عبيد الله بن زياد أبو جعفر، فكان مولده سنة تسع وثلاثين. قال ابن العساكر: وروى الحديث عن معاوية، وسعد بن أبي وقاص، ومعقل بن يسار. وحدث عنه الحسن البصري، وأبو المليح بن أسامة، وقتل يوم عاشوراء سنة ست وستين. وقيل: سبعة وستة وهو الأشهر، قتله إبراهيم بن الأشقر، وبعث برأسه إلى المختار بن أبي عبيد إلى الكوفة، وأحرقت جثته، وكان ذلك بأرض الموصل.
قوله: "فنسبني" من نسبت الرجل أنسبه بالضم نِسبة إذا ذكرت نسبه. قوله: "يا فتي" مكبر، وفي بعض النسخ: "فتي" مصغر.
قوله: (الصلاة) مرفوع على أنه خبر "إن" في قوله: "إن أول ". قوله: " أتمها" وفي بعض النسخ فيه بهمزة الاستفهام.
قوله: "على ذاكم" ذاكم من أسماء الإشارة، يقال: ذاك ذاكما ذاكم، ويزاد فيه اللام فيقال: ذلك، ذلكما، ذلكم، وتتصرف مع المخاطب في أحواله من التذكير، والتأنيث، والنية، والجمع، وحاصل

(4/68)


الكلام أن الكاف للخطاب، وما قبلها إشارة إلى غائب، ويتصرف هذا بحسب تصرف ما قبل كاف الخطاب، وبحسب كاف الخطاب، ففي قوله: " على ذاكم " المشار إليه واحد مذكر، وهو قول الله تعالي: "انظروا"، والمخاطب جمع وهو الناس، ومثل هذا: "ذلِكُم اللهُ رَبكُمْ " (1) ففيه المشار إليه واحد مذكر، والمخاطب جمع، أي: الذي تقدم ذكر قدرته هو الله ربكم: أي: الناس، فافهم.
والحديث أخرجه ابن ماجه. وفي "المصنف" نا وكيع، عن أبي الأشهب، عن الحسن، أن أبا هريرة لقي رجلا فقال: كأنك لست من أهل البلد؟ قال: أجل. قال: ألا أحدثك حديثًا سمعته من رسول الله- عليه السلام- لعلك أن تنتفع به؟ سمعت رسول الله يقول: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن كان أتمها وإلا قيل للملائكة: كملوا صلاته من تطوعه " قال الحسن: وسائر الأعمال على ذلك.
[نا] جرير، عن منصور، عن نمير بن سلمة قال " أول ما يسأل عنه العبد يسأل عن صلاته، فإن تقبلت منه تقبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه رد عليه سائر عمله ".
842- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن حميد، عن الحسن، عن رجل من بني سُليط، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- نحوه (2) .
ش- حماد بن سلمي، وحميد الطويل، والحسن البصري، وفيه رجل مجهول.
قوله: "نحوه" أي: نحو الحديث المذكور.
843- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم الداري، عن النبي- عليه السلام- بهذا المعنى، قال: ثم الزكاةُ مثلُ ذلك، ثم تُؤخذُ العمال على حَسَبِ ذلك (3) .
__________
(1) سورة الزمر: (6) .
(2) ابن ماجه: كتاب: إقامة الصلاة والسُنة، باب: ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة (1426) .
(3) انظر الحديث السابق.

(4/69)


ش- تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جَذيمة (1) بن ذراع بن عدي ابن عبد الدار الداري، يكنى أبا رقية، وكان بالمَدينة ثم انتقل إلى الشام، ونزل بيت المقدس بعد قتل عثمان بن عفان، وكان إسلامه في سنة تسع لمن الهجرة. رُوي له عن رسول الله/ ثمانية عشر حديثا. روى له مسلم حديثًا واحدًا من رواية عطاء بن يزيد الليثي، وقد روى عنه عن رسول الله قصة الجساسة، وهذه منقبة شريفة له، وتدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر. روى عنه: ابن عباس، وأنى بن مالك، وأبو هريرة، وجماعة آخرون. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " بهذا المعنى" إشارة إلى معنى الحديث المذكور.
قوله: " ثم الزكاة كذلك " أي: مثل الصلاة، "وكذلك " سائر الأعمال على حسب ما ذكر في الصلاة. وأخرجه ابن ماجه أيضا.
* * *
142- باب: تفريع أبواب الركوع والسجود
ووضع اليدين على الركبتين
أي: هذا باب في " تفريع أبواب الركوع " إلى آخره، وفي بعض النسخ " باب ما جاء في تفريع أبواب الركوع " إلى (3) آخره، وفي بعضها " أبواب الركوع والسجود" بلا قوله: " باب تفريع ".
844- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، عن أبي يعفور (4) ، عن مصعب بن سعد، فال: صليتُ إلى جَنبِ أبي، فجعلتُ يَديَّ بين رُكبتي
__________
(1) كذا في الأول وفي الإصابة وتهذيب الكمال، وفي الجمهرة والاستيعاب وأسد الغابة- عن ابن منبه وأبي نعيم- " خزيمة ".
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 184) ، أسد الغابة (1/ 256) ، الإصابة (1/ 183) .
(3) مكررة في الأول.
(4) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: اسمه فقدان ".

(4/70)


فنهاني عن ذلك، فعدتُ فقال: لا تصنعْ هذا، فإنا كُنا نفعلُهُ فنُهِينَا عن ذلك، وأمِرْنَا أن نَضَعَ أَيدينا على الرُّكَبِ (1) .
ش- أبو يعفور: وقدان ويقال: واقد. والأول أشهر، أبو يعفور الكبير العبدي الكوفي. رأى عبد الله بن عمر، وأدرك المغيرة بن شعبة. وسمع أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وعرفجة (2) بن شريح، ومصعب بن سعد، وعبد الله بن أأبي، سعيد، ولم يرو أبو يعفور الصغير عن هؤلاء، واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نِسطاس. روى عنه ابنه يونس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة وغيرهم. قال أحمد، وابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا ابن ماجه (3) .
ومصعب بن سعد بن أبي وقاص ألا زرارة القرشي الزهري المدني. سمع أباه، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، ورأى طلحة بن عبيد الله، وصهيبَا. روى عنه مجاهد، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو يعفور وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، توفى سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة (4) .
والحديث أخرجه الستة، وقال الترمذي: التطبيق منسوخ بهذا الحديث عند أهل العلم، إلا ما رُوي عن ابن مسعود وبعض أصحابه، أنهم كانوا يطبقون، وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضع الأكف على الركب في الركوع (790) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: الندب في وضع الأيدي على الركب
في الركوع (535) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وضع اليدين على الركبتين (259) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نسخ ذلك (2/ 185) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: وضع اليدين على الركبان (873) .
(2) في الأصل: معرفة، خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6694) .
(4) المصدر السابق له (28/ 5982) .

(4/71)


845- ص- نا محمد بن عبد الله ابن نمير، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله قال: إذا رَكَعَ أحدُكُم فليفرشْ ذراعيه [على] ، فَخذيه، وليُطبقْ بين كَفيه، فكأني أنظُرُ إلى اختلاف أصابع رسولِ الله- عليه السَلامَ- (1) .
ش- قد ذكرنا غير مرة أن حديث التطبيق منسوخ، وكان ينبغي لأبي داود أن يذكر هذا الحديث أولا، ثم يذكر ناسخه بعد ذلك كما هو عادته، والحديث رواه مسلم والنسائي.
ورواه الطحاوي وقال: حدثنا علي قال: نا عبيد الله، قال: نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد/ الرحمن بن الأسود عن ابن حفص قال: نا أبي قال: نا الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن الأسود قال: دخلت أنا وعلقمة على عبد الله فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: نعم. قال: فصلى بنا، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة، فقمنا خلفه فقدمنا، فقام أخدُنا عن/ يمينه والآخر عن شماله، فلما ركع وضع يديه بين رجليه وحنا قال: وضربت يدي على ركبتي، وقال هكذا وأشار بيده، فلما صلى قال: إذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعاً، وإذا كنتم كثر من ذلك فقدموا أحدكم، فإذا ركع أحدكم فليقل هكذا- وطبق يديه- ثم ليفرش ذراعيه بين فخذيه. فكأني أنظر إلى أصابع رسول الله.
قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى هذا واحتجوا بهذا الحديث، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: ينبغي له أن يضع يديه على ركبتيه شِبه القابض عليهما، ويفرق بين أصابعه، واحتجوا فيا ذلك: بما حدثنا يزيد بن سنان. قال: نا بشر بن عمر وحبان بن هلال قالا: نا شعبة قال:
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد، باب: الندب في وضع الأيدي على الركب في الركوع (534) النسائي: كتاب المساجد، باب: تشبيك الأصابع في المسجد (2/ 9 4) ، وكتاب الافتتاح، باب: التطبيق (2/ 183) .

(4/72)


أخبرني أبو حصين، عن أبي عبد الرحمن قال: قال عمر: أمسُّوا، فقد سنت لكم الركب (1) .
وذكر أحاديث أخر كلها حجة للجمهور، وأن التطبيق منسوخ، ثم قال:/ فقد ثبت بما ذكرنا نسخ التطبيق وأنه كان متقدماً لما فعله رسول الله [2/ 14- أ] من وضع اليدين على الركبتين.
قوله: " أصلى هؤلاء خلفكم "؟ يعني الأمير والتابعين له، وفيه إشارة إلى إنكار تأخيرهم الصلاة.
قوله: " وصلوا " فيه جواز إقامة الجماعة في البيوت، لكن لا يسقط بها فرض الكفاية إذا قلنا أنها فرض كفاية، بل لابد من إظهارها، وإنما اقتصر عبد الله بن مسعود على فعلها في البيت لأن الفرض كان سقط بفعل الأمير وعامة الناس، وإن أخروها إلى آخر الوقت.
قوله: " فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة " هذا مذهب ابن مسعود، وبعض السلف من أصحابه، أنه لا يشرع الأذان ولا الإقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه، وتقام الصلاة بالجماعة العظمى، بل يكفي أذانهم وإقامتهم.
قوله: " فقام أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله " هذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه، وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن، فقالوا: إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراءه صفا وأجمعوا إذا كان ثلاثة أنهم يقفون وراعه، وأما الواحد فإنه يقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة، ونقل جماعة الإجماع فيه، ونقل القاضي عياش عن ابن المسيب، أنه يقف عن يساره، ولا أظن أنه يصح عنه، صان صح فلعله لم يبلغه
حديثُ ابن عباس، وكيف كان فَهُمُ اليوم يجمعون على أنه يقف عن يمينه.
* * *
143- باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده من الأدعية، وفي بعض النسخ "باب ما جاء فيما يقول!! ".
__________
(1) انظر شرح معاني الآثار (1/ 229) .

(4/73)


846- ص- نا الربيع بن نافع أبو توبة، وموسى بن إسماعيل- المعنى- قالا: نا ابن المبارك، عن موسى. قال أبو سلمة: موسى بن أيوب، عن عمه عن عقبة بن عامر قال: لما أنزِلَتْ (1) "فَسبِّحْ بِاسْ" ربكَ العَظيم " قال رسولُ الله: " اجْعلوها في رُكُوعكُم " فلما نَزَلَتْ "سبخ اَسْمَ ربِّكَ الأعْلَى" قَال: " اجعَلُوها في سُجُودِكُم " (2) .
ش- عبد الله بن المبارك.
وموسى بن أيوب بن عامر الغافقي المصري. روى عن عقبة بن عامر الجهني، وسهل بن رافع بن خديج. وسمع عمه. روى عنه: الليث ابن سعد، وابن لهيعة، وابن المبارك. قال ابن معين: ثقة. روى له أبو داود وابن ماجه (3) .
وعمه إياس بن عامر الغافقي المَنَارِي. ومنارة بطن من غافق. سمع علي بن أبي طالب، وعقبة بن عامر. روى عنه ابن أخيه موسى بن أيوب. قال ابن يونس: كان من شيعة علي بن أبي طالب والوافدين عليه من مصر، وشهد معه مشاهده. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) . قوله: " لما أنزلت " وفي بعض النسخ: " لما نزلت " وبهذا الحديث استدل أبو حنيفة وأصحابه في أن السُّنَّة للمصلي أن يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم وبحمده"، وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى وبحمده".
واختلف العلماء في سائر الأذكار في الركوع والسجود، فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: هو سُنَّة، فلو تركه لم يأثم، وصلاته صحيحة سواء تركه سهوًا أو عمدًا، لكن يكره عمدًا. وقال إسحاق،
__________
(1) في سنن أبي داود: " نزلت"، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود (887) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6238) .
(4) المصدر السابق (3/ 591) .

(4/74)


وأحمد: هو واجب، فإن تركه عمدا بطلت صلاته، وإن نسيه لم
تبطل. زاد أحمد: ويسجد للسهو. وفي رواية عنه: هو سُنَة. وقال
ابن حزم: هو فرض، فإن نسيه سجد للسهو، وفي " شرح الطحاوي ":
يسبح الإمام ثلاثا. وقيل: أربعا ليتمكن المقتدي من الثلاث، وعند
الماوردي أدنى الكمال ثلاث، والكمال إحدى عشرة أو تسع، وأوسطه
خمس. وفي "شرح الهداية": إن زاد على الثلاث حتى ينتهي إلى اثنتى
عشر فهو أفضل عند الإمام، وعندهما إلى سبع وعن بعض الحنابلة
الكمال أن يسبح مثل قيامه، وعند الشافعي عشرة، وهو منقول عن عمر
ابن الخطاب- رصْي الله عنه-.
والحديث رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في
"المستدرك " قال: وقد اتفقا على الاحتجاج برواية غير إياس بن عامر،
وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه الطحاوي.
/847- ص- نا أحمد بن يونس، نا الليث- يعني: ابن سعد- عن [2/14 - ب] أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب، عن رجل من قومه، عن عقبة بن عامر
بمعناه، زاد قال: فكان رسولُ الله إذا ركع قال: " سبحانَ ربي العظيم وبحمده" ثلاثا، وإذا سَجَد قال: " سَبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثا (1) .
ش- شك أحمد بن يونس في موسى بن أيوب، أن أيوبَ ابن أو أب.
وقال أبو داود: الصواب موسى بن أيوب.
قوله: " بمعناه" أي: بمعنى الحديث المذكور، وبهذا أخذ أصحابنا أن
أدنى الكمال فيه أن يقول ثلاث مرات.
ص- قال أبو داود: وهذه الزيادة أخاف (2) أن لا نكون محفوظة.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود (887) .
(2) في سنن أبي داود: نخاف "، وجاء في سنن أبي داود بعد هذا النص: قال أبو داود: انفرد أهل مصر بإسناد هذين الحديثين: حديث الربيع، وحديث أحمد بن يونس.

(4/75)


ش- أشار فيه إلى قوله: " قال: فكان رسول الله، إلى آخره. وهذه الزيادة رواها الطبراني في " معجمه ". ورُوي عن أبي بكر أنه- عليه السلام- كان يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً" رواه بكار بن عبد العزيز، عن أبيه، عن أبي بكر- رضي الله عنه-.
وفي "المصنف " نا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن عون، عن ابن مسعود قال: " ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود".
ونا ابن مبارك، عن محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة قال: بلغني أن عمر كان يقول في الركوع والسجود قدر خمس تسبيحات سبحان الله وبحمده.
ونا حفص، عن ليث، عن مجاهد قال: صليت خلف عمر بن عبد العزيز فعددت له في الركوع أربعا أو خمس تسبيحات، وفي السجود خمسًا أو ست تسبيحات.
ونا هشيم، عن يونس، عن الحسن، أنه كان يقول وسطا من الركوع والسجود، أن يقول الرجل في ركوعه وسجوده: سبحان الله وبحمده ثلاثا.
ونا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي الضحى قال: كان علي- رضي الله عنه- يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا.
848- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة قال: قلت لسليمان: أدعو في الصلاة إذا مَررتُ بآيةِ تَخَوف؟ فحدثني عن سعد بن عبيدة، عن مستورد، عن صلة بن زفر، عن حذيفًة، أنه صلَّى مع رسولِ اللهِ- عليه السلام- فكان يقولُ في رُكُوعِهِ: سبحانَ ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربى

(4/76)


الأعلى، وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا بآيةِ عَذاب إلا وقف عندها فتعوذَ (1) .
ش- سليمان الأعمش.
وسعد بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي، ختن عبد الرحمن السلمي. سمع عبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، والمستورد وغيرهم. روى عنه الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعلقمة بن مرثد، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، كان يرى رأي الخوارج ثم تركه. روى له الجماعة (2) .
ومستورد بن الأحنف. روى عن عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، ومعبد بن عامر (3) ، وصلة بن زفر. روى عنه: عفان ابن عاصم، وسلمة بن كهيل، وسعد بن عبيدة. ثقة، روى له الجماعة (4) .
وصله بن زفر العبسي أبو العلاء، ويقال: أبو بكر الكوفي. سمع حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود. روى عنه أبو وائل، والشعبي، وإبراهيم النخعي، والمستورد بن الأحنف، وأبو إسحاق الطبيعي، وأيوب السختياني. قال الخطيب: كان ثقة، مات في ولاية مصعب. روى له الجماعة (5) .
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (772) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في الركوع، والسجود (262) و (263) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب (2/ 176) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل (1351) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2220) .
(3) في تهذيب الكمال "معقل بن عامر، وذكر محققه أنه جاء في حاشية نسخة المؤلف التي بخطه من تعقباته على صاحب الكمال: قوله: " كان فيه معبد ابن عامر، وهو خطأ".
(4) المصدر السابق (27/ 5896) .
(5) المصدر السابق (13/ 2 0 29) .

(4/77)


قوله: (بآية رحمة) وهي الآية التي يذكر فيها الجنة، أو الوعد ونحوهما، "وآية عذاب" هي الآية التي يذكر فيها النار، أو الوعيد ونحوهما، ثم حكم هذا الحديث أنه محمول عندنا على التطوع. وقال صاحب "المحيط": صلى منفردَا تطوعَا، فمر بذكر النار استعاذ، أو بذكر الجنة فسأل جاز، ويستحب لما روى حذيفة الحديث. وإن كان إمامَا يكره له ولمن خلفه، أما الإمام فلأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة، والتثقيل على القوم، وأما المؤتم فلأنه مأمور بالسكوت والاستماع، وإن كان منفردَا فصلى المكتوبة يكره أيضا خلافا للشافعي، لأن الاشتغال بالدعاء يقطع دوام القراءة، وأنه مكروه لكن تركنا هذا في التطوع بالنص [2/15 - أ] والحديث رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، بنحوه مختصرا ومطولا.
849- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا هشام، نا قتادة، عن مطرف، عن عائشة- رضي الله عنها-، أن النبي- عليه السلام- كان يقولُ في رُكُوعِهِ وسُجُوده: "سبوح قُدوس رب الملائكةِ والروح " (1) .
ش-َ مسلم بن إبراهيم القصاب، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير.
قوله: "سبوح قدوس " يرويان بالضم والفتح، والفتح أقيس، والضم أكثر استعمالا. وقال الخطابي: لم يأت من الأسماء على فعُول بضم الفاء إلا "سبوح وقدوس" وقد يفتحان كسَفود وتلوب. وقال ثعلب: كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس، فإن الضم فيهما أكثر، وكذلك الذروح. وقال أبو الحسن الهنائي: ومعنى سبوح قدوس. أي: تسبيح وتقديس وتعظيم، ويقال: القدوس: الطاهر من العيب. وقال ابن فارس وغيره: معنى السبوح المسبح، أي: المبرأ من النقائص والشريك، وكل ما لا يليق بالإلهية، ومعنى القدوس المقدس، أي: المطهر من كل مالا يليق بالخالق. وقال القروي: قيل: القدوس المبارك.
__________
(1) مسلم كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (487) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر منه (2/ 191) ، باب: نوع آخر (2/ 224) .

(4/78)


قوله: "رب الملائكة والروح" قيل: الروح ملك عظيم، وقيل: خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة. وقيل: يحتمل أن يكون جبريل- عليه السلام-. وقيل: الروح صنف من الملائكة. وقيل: يحتمل أن يراد به الروح الذي به قوام كل حي. أي: رب الملائكة ورب الروح. فإن قيل: ما وقع قوله: "سبوح قدوس" من الإعراب؟ قلت: هما خبرا مبتدأ محذوفٍ، تقديره ركوعي وسجودي لمن هو سبوح قدوس. وقال القاضي عياض: وقيل فيه: سبوحا قدوسا على تقدير أسبح سبوحاً، أو أذكر، أو أعظم، أو أعبد ونحو ذلك. والحديث أخرجه مسلم، والنسائي.
850- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب قال: حدثني معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، عن عاصم بن حميد، عن عوت بن مالك الأشجعي قال: قمتُ معَ رسول الله ليلةً، فقامَ فقرأ سورةَ البقرة، لا يمر بآية رحمة ألا وَقفَ فسأَلَ، ولا يَمر بآيةَ عَذاب الا وقفَ فتعوذَ. قالَ: ثم رَكَعً بقدرً قيامه يقولُ في رُكُوعه: "سبَحان ذيً الجبروت والملكوت والكبرياء والعَظًمَة" ثم سجدَ بقدر قيَامه، ثم قال في سُجُوده مثَلَ ذلك، ثَم قامً فقرأَ بال عِمرَانَ، ثم قَرأ سُورةً سورة (1) .
ش- عمرو بن قيس بن ثور بن مازن بن خيثمة السكوني الكندي أبو ثور الحمصي، وفد مع أبيه على معاوية. وسمع معاوية، وعبد الله ابن قرط الثمالي، وواثقة بن الأسقع، وجده مارن بن خيثمة وله صحبه، وعبد الله بن عمرو، وعاصم بن حميد السكوني وغيرهم. روى عنه الأوزاعي، ومعاوية بن صالح، وحسان بن نوح، وغيرهم. وقال ابن سعد: كان صالح الحديث. توفى سنة خمس وعشرين ومائة. روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
__________
(1) المساير: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر (2/ 191، 223) ، والترمذي في " الشمائل".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4435) .

(4/79)


وعاصم بن حميد السكوني الحمصي.
وعوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني أبو عبد الرحمن، أو
أبو محمد، أو أبو حماد، أو أبو عمرو. شهد فتح مكة مع رسول الله
- عليه السلام-، نزل الشام وسكن دمشق، وكانت داره بها عند سوق
الغزل العتيق. رُوي له عن رسول الله سبعة وستون حديثًا. روى له البخاري حديثا واحدَا، ومسلم خمسة. روى عنه أبو هريرة،
وأبو مسلم، وأبو إدريس الخولاني، وجبير بن نفير، وخلق سواهم.
مات سنة ثلاث وسبعين بحمص. روى له الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فقرأ سورة البقرة" فيه دليل على جواز القول بسورة البقرة
ونحوها، خلافَا لمن كره ذلك.
قوله: " ذي الجبروت " الجبروت فعلوت من الجبر والقهر، وكذلك
الملكوت فعلوت من الملك. وقال في "الصحاح": الملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، ويقال: إن زيادة الواو والتاء لأجل المبالغة في التعظيم، والكبرياء عبارة عن كمال الذات، وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله. ويقال: الكبرياء العظمة والملك. وقال في "الصحاح": الكبر- بالكسر- العظمة، وكذلك الكبرياء.
[2/15 - ب] قلت: فعلى هذا/ قوله: "والعظمة" وقع تفسيرا لقوله: "والكبرياء".
قوله: " ثم قرأ سورة سورة" أي: ثم قرأ القرآن سورة سورة،
وانتصاب سورة على الحال وقد مر نظيره في قوله: (حرفا حرفا) ، وقد
قلنا: إن الحال يقع من غير المشتقات إذا دل على الترتيب كما في قولك:
ادخلوا رجلان رجلاً والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 131) ، أسد الغابة (5/ 2 31) ، 1 الإصابة (3/ 43) .

(4/80)


851- ص- نا أبو الوليد الطيالسي وعلي بن الجعد قالا: نا شعبة، عن عمرو، عن أبي حمزة مولى الأنصار، عن رجل من بني عبس، عن حذيفة، أنه رأى رسولَ الله يصلي من الليلِ فكان يقولُ: " الله أكبر" ثلاثا " ذو المَلكُوت والجبَروتَ والكبرياء والعَظَمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم رَكَع فكان رُكوعُه نحوا من قَيامهَ، فكان (1) يقولُ في رُكوعه: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العَظيَمَ، ثم رفعَ رأسه من الركوع، َ فَكان قيامِه نحوا من قيامهِ (2) ، يقول: لربي الحمد. ثم سجدَ فكانَ سجود نحوا من قَيامه، فكان يقَولُ في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم رفعَ رأسه من السجوَدَ، وكان يقعدُ فيما بين السجدتين نحوِا من سجوده، وكان يقولُ: رب اغفَرْ لي، رب اغفر لي. فصلَّى أربع رَكعات فقرأ فيهنَّ البقرةَ وآلَ عِمرانَ والنساءَ والمائدةَ أو الأنعامَ. شك شعبة (3) .
ش"- علي بن الجعد بن عبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي الهاشمي مولاهم. سمع الثوري، ومالك بن أنس، وشعبة، وشريكًا وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيي بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، وأبو داود، وأبو القاسم البغوي وغيرهم. وقال ابن معين: ما روى عن شعبة من البغداديين أثبت منه. وقال أبو زرعة: كان صدوقا في الحديث. وقال أبو حاتم: كان متقنا صدوقا لم أر من المحدثين من يحفظ، ويأتي بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى قبيصة، وأبي نعيم في حديث الثوري، ويحيي الحماني في شريك، وعلي بن الجعد في حديثه، توفي في سنة ثلاثين ومائتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب، وله يوم توفي ستة وتسعون سنة وأشهر (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "وكان ".
(2) كذا.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (262) النسائي: كتاب التطبيق، باب: ما يقول في قيامه ذلك (2/ 197) ، باب: الدعاء بين السجدتين (2/ 231) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 2/ 34 0 4) .

(4/81)


وعمرو بن مرة الكوفي.
وأبو حمزة اسمه طلحة بن زيد كذا قال الترمذي. وقال النسائي: أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد. وقد سقط ذكره في الكمال فلعله سها عنه، وهو طلحة بن زيد مولى قرظة بن كعب الأنصاري أبو حمزة الكوفي، احتج به البخاري، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال طلحة ابن يزيد الأنصاري. روى عن: زيد بن أرقم. روى عنه: عمرو بن مرة (1) .
قوله: "شك شعبة" أي: شك بين المائدة والأنعام. والحديث أخرجه
الترمذي، والنسائي.
واعلم أن كل ما جاء من مثل هذه الأدعية فهو محمول على صلاة الليل النافلة.
* * *
144- باب: في الدعاء في الركوع والسجود
أي: هذا باب في بيان الدعاء في الركوع والسجود.
852- ص- نا أحمد بن صالح، وأحمد بن عمرو بن السرح، ومحمد ابن سلمة. قالوا: نا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن عمارة ابن غزية، عن سمى مولى أبي بكر (2) ، أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- قال: "اقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثِرُوا (3) الدعاءَ (4) .
ش- معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله (5) .
__________
(1) المصدر السابق (13/ 2986) .
(2) سقط "بكر" من سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "فأكثروا من الدعاء".
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (482) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل (226/2) .
(5) بل المراد منه قربا حقيقيا يليق به سبحانه، وهو كنزوله في الثلث الأخير من-

(4/82)


وقوله: "أقرب ما يكون" مبتدأ حذف خبره لسد الحال وهو قوله:
"وهو ساجد" مسده، فهو مثل قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائما،
إلا أن الحال ثمة مفرد، وهنا جملة مقرونة بالواو، وعلم من ذلك خطأ
من زعم أن الواو في قوله: " وهو ساجد" زائدة، لأنه خبر قوله:
"أقرب " وتحقيق الكلام هاهنا أن " ما" في " ما يكون" مصدرية،
والفعل الذي بعدها بمعنى المصدر، وهو بمعنى الجمع هنا، لأن أفعل
التفضيل يجب أن يكون بعض ما أضيف هو إليه فتقديره أقرب أكوان العبد
من ربه حاصل إذا كان وهو ساجد، ثم حذف الخبر- أعني: " حاصل"
- لأن حذف متعلقات الظروف شائع كثير، ثم حذف الظرف- أعني:
"إذا كان " لدلالة الحال عليه، لأن الحال يدل على الوقت والزمان،
فالحال يدل على الظرف، والظرف على الخبر، فالحال على الخبر، لأن
الدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء.
/ فإن قيل: ما معنى كون العبد أقرب إلى الله حالة السجود من بين [2/16- أ] سائر أحواله؟ قلت: لأنه حالة تدل على غاية تذلل، واعتراف بعبودية
نفسه وربوبية ربه، فكانت مظنة الإجابة، فلذلك أمر- عليه السلام-
بإكثار الدعاء في السجود بقوله: " فأكثروا الدعاء" أي: في حالة السجود، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أن السجود أفضل من القيام، ومذهب أبي حنيفة أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، قال الشافعي لقوله- عليه السلام-: " أفضل الصلاة طول
القنوت " رواه مسلم (1) ، ومعناه القيام، وقال الشيخ محيي الدين (2) : (وفي
__________
= الليل، وكتقربه من عباده المتقربين إليه ذراعا بشبر، وباعا بذراع. . .،
{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} اعتقاد أهل السنة والجماعة، وانظر الرسالة الدموية لشيخ الإسلام ابن تنمية، ومجموع الفتاوى (5/ 124: 134)
و (226/5: 244) و (5/6: 32) .
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: أفضل الصلاة طول القنوت (756/ 164) من حديث جابر بن عبد الله.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (36/6- 37) .

(4/83)


هذه المسألة ثلاثة مذاهب، أحدها: أن تطويل السجود، وتكثير الركوع والسجود أفضل، حكاه الترمذي، والبغوي عن جماعة، وممن قال بتفضيل تطويل السجود ابن عمر- رضي الله عنهما-، والمذهب الثاني: مذهب الشافعي وجماعة أن تطويل القيام أفضل لما ذكرنا، والمذهب الثالث: أنهما سواء. وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة، ولم يقض فيها بشيء، وقال إسحاق ابن راهويه: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما بالليل فتطويل القيام، إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه، فتكثير الركوع والسجود أفضل ". والحديث أخرجه مسلم، والنسائي. 853- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن سليمان بن سُحيم، عن إبراهيم ابن عبد الله بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كَشَفَ الستَارة والناسُ صفوف خلفَ أي بكر فقال: "يا أيها الناسُ" إنه لم يبقَ من مُبَشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يرَاها المسلمُ أو تُرَي له، وإنى نُهِيتُ أن أقرأ راكعَا أَو ساجدا، فأما الركوعُ فعظمُوا الرب فيه، وأما السجودُ فاجتهدوا في الدعاءِ، فَقمنُ أن يُستجاب لكم " (1) .
ش- إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي. سمع أباه، وميمونة بنت الحارث زوج النبي- عليه السلام-. روى عنه نافع مولى ابن عمر، وسليمان بن سُحيم، وابن جريج. روى له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) ، وعبد الله بن معبد بن عباس القرشي الهاشمي المدني. روى عن: عمه عبد الله بن العباس. روى عنه: ابنه إبراهيم، وابن أبي مليكة، ومحمد بن عباد بن جعفر.
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود (279) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: تعظيم الرب في الركوع (2/ 189) ، ابن ماجه: كتاب تعبير الرؤيا، باب: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له (3899) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 198) .

(4/84)


قال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: "كشف الستارة " هي بكسر السين الستر الذي يكون على باب البيت والدار.
قوله: "والناس صفوف " جملة اسمية وقعت حالا، وكذلك قوله:
"خلف أبي بكر" حال.
قوله: "إنه " أي: إن الشأن.
قوله: " من مبشرات النبوة " المبشرات جمع مبشرة، وهي الأمور المبشرة، ثم صار بغلبة الاستعمال كالاسم واشتقاقها من البشارة، والبشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير من بشرت الرجل أبشره- بالضم- بشرَا وبشورَا من البشرى، وكذلك الإبشار والتبشير ثلاث لغات، والاسم البشارة، والبشارة- بالكسر والضم- والنبوة من النبأ وهو الخبر، تقول: نبأ ونبّأ وأنبأ، أي: أخبر، ومنه أصل النبي، لأنه أنبأ عن الله، وهو فعيل بمعنى فاعل.
قوله: " إلا الرؤيا الصالحة " الرؤيا مقصورة مهموزة، ويجوز ترك همزها كنظائرها من رأى في منامه رؤيا على وزن فُعلى، والمراد بالصالحة صحتها أو حسن ظاهرها.
قوله: " راكعَا أو ساجدا " حالان من الضمير الذي في "أقرأ".
فإن قيل: ما الحكمة من النهي عن القراءة في حالتي الركوع والسجود، قلت: الذي يلوح لنا في هذا المقام، هو أن النبي- عليه السلام- الخبر الأمة عن انقطاع الوحي بوفاته، وعزاهم عن مبشرات النبوة، ثم نبههم على جلالة قدرها ما هو تارك فيهم من الوحي المنزل- وهو الكتاب العزيز، الذي لم يؤت نبي مثله- بقرينة مستكنة في صيغة النهي، وذلك
__________
(1) المصدر السابق (16/ 3584) .

(4/85)


أن الركوع والسجود من باب الخضوع، وأمارات التذلل من العباد لجلال
وجه الله الكريم، فنهى أن يقرأ الكتاب الكريم الذي عظم شأنه، وارتفع
محله عند هيئة موضوعة للخضوع والتذلل، ليتبين لأولي العلم معنى
الكتاب العزيز، وينكشف لذوي البصائر حقيقة القرآن الكريم. [2/16- ب] فإن قيل/ لم تأخر هذا النهي إلى آخر الرسالة؟ قلت: ليكون مورده على تمام النعمة بمواقع النجوم [واستيفاء أنصبة القرب] (1) باطلاعه على
مطالع الوحي ومقاطعه. فإن قيل: إذا قرأ المصلي القرآن في ركوعه أو
سجوده هل تبطل صلاته أم لا؟ قلت: لا تبطل عند أبي حنيفة مطلقَا،
سواء قرأ عامدَا أو ناسيَا، ولكن في الناسي يجب سجدتا السهو.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : "فلو قرأ في الركوع أو السجود غير
الفاتحة كره ولم تبطل صلاته، وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا،
أصحهما أنه كغير الفاتحة فيكره ولا تبطل صلاته، والثاني: يحرم وتبطل
صلاته، هذا إذا كان عمدَا، فإن قرأ سهوَا لم يكره، وسواء قرأ عمدا أو
سهوَا يسجد للسهو عند الشافعي.
وقال الخطابي (3) : " قوله نهيت عن القراءة راكعَا أو ساجدَا " يَشدّ
قول إسحاق ومذهبه في إيجاب الذكر في الركوع والسجود، وذلك أنه
إنما أخلى موضعهما من القراءة ليكون محلا للذكر والدعاء ".
قلت: لا نسلم أن إخلاءهما من القراءة ليكون محلا للذكر والدعاء،
بل لحكمة ذكرناها الآن، ولو قال يشد قول إسحاق الأمر بتعظيم الرب
في الركوع والاجتهاد في الدعاء في السجود، كان له وجه، فافهم.
قوله: "فأما الركوع فعظموا الرب فيه". أي: سبحوه ونزهوه ومجدوه،
فاستحب أصحابنا وغيرهم من العلماء أن يقول في ركوعه: سبحان ربي
__________
(1) غير واضح في الأصل، وأثبته من "العلم الهيب في شرح الكلم الطيب " للمصنف (ص/ 285) ، فالنص فيه بلفظه.
(2) شرح صحيح مسلم (6/ 197) . (3) معالم السنن (1/185) .

(4/86)


العظيم وبحمده " وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى وبحمده، ويكرر كل واحد منهما ثلاث مرات، ويقتصر على هذا عندنا في الفرائض سواء كان إمامَا أو مقتديا أو منفردا، فإن ضم إليه ما جاء من الأدعية التي ذكرناها في التطوع فلا بأس به.
قوله: " فقمن أن يستجاب لكم" بفتح القاف، وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان، فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع، ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع، وفيه لغة ثالثة "قمين" بزيادة ياء، وفتح القاف، وكسر الميم، ومعناه حقيق وجدير، وإعراب هذا الكلام أن "أن" مصدرية، والتقدير الاستجابة لكم في محل الرفع مبتدأ. وقوله: "قمن " خبره أي: الاستجابة لكم في هذه الحالة حقيق وجدير، ويجوز أن يكون ارتفاع "أن يستجاب" على الفاعلية، لكونه مستندَا إلى الصفة، وهو "قمن" بكسر الميم. والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.

854 - ص- نا عثمان بن أبى شيبة، نا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- يُكثر أن يقولَ في ركُوعهِ وسجُوده: "سبحانك اللهم ربنا وَبحمدك، اللهم اغفرْ لي" يتأولُ القرآنَ " (1) .
ش- جرير بن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، وأبو الضحى مسلم ابن صبيح، ومسروق بن الأجدع.
قوله: " يتأول القرآن " يعني: يعمل ما أمر به في قول الله تعالى: فَسبحْ بحَمْد ربكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنهُ كَانَ تَوابا " (2) وفيه حجة لمن أجاز الدعاء فيه الركَوع، إذ فيه "اللهم اغفر لي".
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الدعاء في الركوع (794) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (484) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: نوع آخر من الذكر في الركوع (2/ 190) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود (889) .
(2) سورة النصر: (3) .

(4/87)


والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وعند
مسلم: كان رسول الله يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك. قالت: قلت: يا رسول الله ما هذه
الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: " جعلت لي علامة في أمتي
إذا رأيتها قلتها "إذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالفَتْحُ " (1) إلى آخر السورة. وفي
لفظ: " ما رأيت النبي- عليه السَلام- منذ نزلت عليه: "إذا جاءَ نَصْرُ
الله والفَتْحُ " يصلي صلاة إلا دعا أو قال: "سبحانك ربي وبحمدك،
اللَهم اغفر لي " وفي لفظ: " كان يكثر من قول: سبحان الله وبحمده،
أستغفر الله وأتوب إليه " قالت: فقلت: يا رسول الله إنك تكثر من
قول: سبحان الله وبحمده؟ فقال: " إنه أخبرني ربي عز وجل أني سأرى
علامة في أمتي فإذا رأيتها كثرت من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر
الله وأتوب إليه فقد رأيتها "إذا جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ " فتح مكة وَرَأيْتَ
النَاسَ إلي أفواجَا. وفي لفظ: رأيته يقول وهو راكع أو ساجد:
[2/17 - أ] سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت،/ وفي تفسير [. . . .] ، (2) عاش - صلى الله عليه وسلم - بعد نزولها ستين يومَا. وذكر القرطبي وغيره أنها نزلت بمنى أيام التشريق، في حجة الوداع.
855- ص- نا أحمد بن صالح، ونا ابن السرحِ، نا ابن وهب قال:
أخبرني يحيي بن أيوب، عن عمار" بن غَزية، عن سُمي مولى أبي بكر، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبيَّ- عليه السلام- كان يقولُ في سُجُوده:
"اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخِرَه ". زاد ابن السرح:
" عَلانِيَته وسِره " (3) .
ش- " دقه " بكسر الدال. أي: قليله، وفي الأصل هو مصدر من دق
الشَّيء إذا لَطف، و" جله" بكسر الجيم، أي: كثيره. وهو أيضا في
الأصل مصدر من جل الشيء إذا عظم.
__________
(1) سورة النصر: (1) .
(2) كلمة غير واضحة.
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (483) .

(4/88)


وقوله: "دقه وجله " إلى آخره تفصيل بعد إجمال، لأنه لما قال: "اغفر لي ذنبي كله" فقد تناول جميع ذنوبه مجملاَ، ثم فصله بقوله: كذا وكذا، وفائدته أن التفصيل بعد الإجمال أوقع وآكد. وانتصاب "دقه" على أنه بدل من قوله "ذنبي" و "جله" إلى آخره عطف عليه. قوله: "زاد ابن السرح " أي: زاد أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح في روايته "علانيته " أي: علانية الذنب وسره.
والحديث أخرجه مسلم.
856- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري، نا عبدة، عن عبيد الله، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عائشة قالت: فَقدتُ النبي- عليه السلام- ذاتَ لَيلة فَلَمستُ المسجدَ فإذا هو سَاجد وقَدَمَاه مَنصوبتان، ويقولُ: أعوذُ برضَاكً من سَخَطكَ، وأعوذُ بمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتكَ، وأعَوذُ بك منكَ، لاَ أحصِي ثَنَاءَ عليكً أنتَ كما أثنيتَ على نَفْسِكَ " (1) .
ش- عَبْدة بن سليمان الكوفي، وعبيد الله بن عمر العمري.
قوله: "فقدت النبي " - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية مسلم "افتقدت " وفي أخرى له "فقدت " وهما لغتان بمعنى.
قوله: "فإذا هو" أي: رسول الله "ساجد".
قوله: " وقدماه منصوبتان " جملة حالية، وفيه أن السنة نصبهما في السجود. قوله: "ويقول" جملة حالية أيضا.
قوله: " أعوذ برضاك " إلى آخره. قال الخطابي (2) : "فيه معنى
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (486) ، النسائي: كتاب الطهارة، وباب: ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة (1/ 103) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: ما تعوذ به رسول الله (3841) .
(2) معالم السنن (1/ 185) .

(4/89)


لطيف وذلك أنه استعاذ بالله، وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمعاقبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له- وهو الله سبحانه وتعالى- استعاذ به منه لا غير. ومعناه: الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب في سنن عبادته والثناء عليه".
قوله: "لا أحصي ثناءً عليك " أي: لا أطيقه ولا آتي عليه. وقيل: لا أحيط به. وقال مالك: معناه لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك بها، وإن اجتهدتُ في الثناء عليك.
قوله: " أنت كما أثنيتَ على نفسك" اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد ثناءه إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين، فوكل ذلك إلى الله تعالى، المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، وكما أنه لا نهاية لصفاته، لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء نافع للمُثني عليه، فكل ثناء أثني عليه به، وإن كثر، وإن طال، وبولغ فيه، فقدر الله أعظم، وسلطانه أعز، وصفاته كبر وكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.
وفي هذا الحديث دليل لأهل السنة في جواز إضافة الشر إلى الله تعالى، كما يضاف إليه الخير لقوله: "أعوذ من سخطك ومن عقوبتك ". والحديث أخرجه مسلم، وابن ماجه، والنسائي.
* * *
145- باب: الدعاء في الصلاة
أي: هذا باب في بيان الدعاء في الصلاة، وفي بعض النسخ "باب ما جاء في الدعاء في الصلاة".
857- ع- نا عمرو بن عثمان نا بقية نا شعيب عن الزهري عن عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في صلاته: "اللهم إني أعوذُ بك مِن عَذَابِ القَبْرِ، وأعوذُ بك من فِتنةِ المسيح الدجالِ، وأعوذُ بك من

(4/90)


فتنة المحْيا والمَمَاتِ. اللهم أني أَعوذُ بك من المَأثَم" والمَغْرَم" فقال له قائل: ما
كًثرَ ما تَستعيذُ/ من المغرم؟ فقال: كان الرجلَ إذا غرمَ حَدثَ فكَذَبَ، [2/17 - ب] ووَعدَ فأخْلَفَ " (1) .
ش- بقية بن الوليد، وشعيب بن أبي حمزة.
قوله: " كان يدعو في صلاته " يعني بعد التشهد الأخير قبل السلام. ولهذا قال البخاري: "باب الدعاء قبل السلام"، ثم روى هذا الحديث وغيره.
قوله: "من عذاب القبر" فيه إثبات عذاب القبر وفتنته، وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة.
قوله: " المسيح الدجال " أما تسميته بالمسيح " (2) فلان الخير مُسحَ منه فهو مسيح الضلالة وقيل سمي به لأن عينه الواحدة ممسوحة، ويقال: رجل ممسوح الوجه ومسيح، وهو أن لا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلا استوى. وقيل: لأنه يمسح الأرض، أي: يقطعها، وقال أبو الهيثم: إن مِسيحَ على وزن سكيت، وأنه الذي مُسح خلقه، أي: شوه، فكأنه هرب من الالتباس بالَمسيح ابن مريم- عليهما السلام- ولا التباس، لأن عيسى- عليه السلام- إنما سمي مسيحا لأنه كان لا يمسح بيده المباركة ذا عاهةٍ إلا برأ، وقيل: لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحة بدهن. وقيل المسيح: الصديق، وقيل: هو بالعبرانية: مشيحَا فعرًب، وأما تسميته بالدجال، فلأنه بدل متلبس من الدجل وهو الخلط، ويقال: الطلي والتغطية، ومنه البعير المدجل أي: المهنوء بالقطران، ودجلة: نهر ببغداد، سُميت
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الدعاء قبل السلام (832) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة (589) ، النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر (3/ 57) .
(2) انظر: النهاية (4/ 326- 327) .

(4/91)


بذلك لأنها تغطي الأرض بمائها، وهذا المعنى أيضا في الدجال، لأنه يغطي الأرض بكثرة أتباعه، أو يغطي الحق بباطله، وقيل: لأنه مطموس العين من قولهم، دجل الأثر إذا عفي ودرِسَ. وقيل من دجل؛ أي: كذب، والدجال: الكذاب".
قوله: "من فتنة المحيا والممات " كلاهما مصدران ميميان بمعنى الحياة والموت ويحتمل زمان ذلك لأن ما كان معتل العين من الثلاثي فقد يأتي منه المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد، أما فتنة الحياة فهي: التي تعرض لإنسان مدة حياته من الافَتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأشدها وأعظمها- والعياذ بالله- أمر الخاتمة عند الموت، وأما فتنة الموت فاختلفوا فيها، فقيل: فتنة القبر، وقيل: يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار، أضيفت إلى الموت لقربها منه.
فإن قيل: إذا كان المراد من قوله: "وفتنة الممات" وفتنة القبر، يكون هذا مكررَا، لأن قوله: "من عذاب القبر" يدل على هذا، قلت: لا تكرَار، لأن العذاب يزيد على الفتنة، والفتنة سبب له، والسبب غير المسبب. قوله: "من المأثم " أي: الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة.
قوله: "والمغرم " الدين، يقال: غَرِمَ الرجل- بالكسر- إذا ادان، وقيل الغُرم والمغرم: ما ينوبُ الإنسان في ماله من ضرر لغير جنايةِ منه، وكذلك ما يلزمه أداؤه، ومنه الغرامة، والغريم الذي عليه الدين، والأصل فيه الغَرام وهو الشر الدائم والعذاب.
قوله: "فقال له: قائل " أي: قال للنبي- عليه السلام- قائل، سائلا عن وجه الحكمة في كثرة استعاذته من المغرم فقال- عليه السلام-: "إن الرجل إذا اغَرِم" يعني: إذا لحقه دين حدثَ فكذب، بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه، ولم يقم به فيصير كاذبَا، ووعد وأخلف، بأن قال لصاحب الدين أوفيك دينك في يوم كذا، أوفي شهر كذا، أو في وقت كذا، ولم يوف فيه فيصير مخالفَا لوعده، والكذب وخلف الوعد من

(4/92)


صفات المنافقين، كما ورد في الحديث المشهور، فلولا هذا الدين عليه لما
ارتكب هذا الإثم العظيم، ولما اتصف بصفات المنافقين
وكلمة " ما" في قوله: " ما أكثر ما تستعيذُ" للتعجب، و " ما "
الثانية: مصدرية، يعني: ما أكثر استعاذتك من المغرم.
فإن قيل: قوله: "فتنة المحيا والممات " يشمل جميع ما ذكر فلأي فائدة
خصص هذه الأشياء بالذكر؟ قلت: لعظم شأنها، وكثرة شرها. ولا
شك/ أن تخصيص معنى ما يشمله الَعام من باب الاعتناء بأمره لشدة [2/18- أ] حكمه، وفي هذا الكلام عطف العام على الخاص أيضا، وذلك لفخامة
أمر المعطوف عليه، وعظمة شأنه، فافهم.
فإن قيل: ما فائدة تعوذه- عليه السلام- من فتنة المسيح الدجال، مع
علمه- عليه السلام- بأنه متأخر عن ذلك الزمان بكثير؟ قلت: فائدته
أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة، بأنه
كذاب مبطل مفترى، ساع على وجه الأرض بالفساد، مموه ساحر،
حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه- عليه اللعنة- ويتحققوا
أمره، ويعرفوا أن جميع دعاويه باطلة، كما أخبر به رسول الله- عليه السلام-، ويجوز أن يكون هذا تعليمَا منه لأمته، أو تعوذاً منه لأمته.
فإن قيل: يُعارض التعوذ بالله عن المغرم ما رواه جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن عبد الله بن جعفر يرفعه: "إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه،
ما لم يكن فيما يكره الله عز وجل " وكان ابن جعفر يقول لخادمه: فاذهب
فخذ لي بدينِ فإني أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي"، قال الطبري:
"وكلا الحديثين صحيح ". قلنا: الغرم الذي استعاذ منه، إما أن يكون
في مباح ولكن لا وجه عنده لقضائه، فهو متعرض لهلاك مال أخيه، أو
يستدين وله إلى القضاء سبيل غير أنه يَرى ترك القضاء. وهذا لا يصح إلا
إذا نُزعت كلامه- عليه السلام- على التعليم لأمته، أو يستدين من غير
حاجة طمعا في مال أخيه ونحو ذلك، وحديث جعفر "فيمن كان محتاجا
إليه احتياجا شرعيا، فيستدين ونيته القضاء. وإن لم يكن له سبيل إلى

(4/93)


القضاء في ذلك الوقت، لأن "الأعمال بالنيات "، و" نية المؤمن خير من عمله "، ثم اختلف العلماء في الأدعية التي يدعى بها قبل السلام، فالجمهور على أنها مستحبة. وقال ابن حزم بفرضية التعوذ الذي في حديث عائشة، وذكر مسلم أن طاوسَا أمر ابنه بإعادة صلاته التي لم يدع به فيها، وظاهر هذا: أنه حَمل هذا على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : "ولعل طاوسَا أراد- تأديب ولده، وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه " والله أعلم.
واختلفوا أيضا فيما يدعو به الإنسان في صلاته، فعند أبي حنيفة، وأحمد لا يجور الدعاء فيها إلا بالأدعية المأثورة، أو الموافقة للقرآن العظيم. وإليه ذهب إبراهيم، وطاوس، وابن سيرين. وقال الشافعي ومالك، يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز به الدعاء خارج الصلاة، من أمور الدنيا والدين، مما يشبه كلام الناس، ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك عندهما.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
858- ص- نا مسدد، نا عبد الله بن داود، عن ابن أبي ليلى، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: صليتُ إلى جَنْب رَسول الله في صلاة تَطَوع فسمعته يقولُ: أعوذُ بالله من النار، ويَل لأهلِ النارِ" (2) .
ش- عبد الله بن داود الخُرَيبْي البصري، وابن أبي ليلى اسمه محمد بن عبد الرحمن وهو: ضعيف الحديث وقد ذكرناه، وأبو ليلى له صحبة لقبه االأيسر " واختُلف في اسمه فقيل: "يسار، وقيل: داود وقيل: أوس،
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/89) .
(2) ا"بن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل (1352)

(4/94)


وقيل: بلال، وقيل بلال أخوه. وفي الكمال: يسار؛ أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال مسلم وابن نُمير: اسمه
يَسار، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: اسم أبي ليلى داود بن بلال بن
بليل بن أحيحة بن الجُلاح بن جحجبي بن كَلْفة الأنصاري، من الأوس.
روى عنه: ابنه عبد الرحمن، قُتل بصفين مع علي بن أبي طالب. روى
له: الترمذي، وابن ماجه، وأبو داود (1) .
قوله:" ويل لأهل النار " أي: شدة عذاب، قاله ابن عباس، وقال
الأصمعي: تقبيح، وقال الفضل: حزن، وقال أبو سعيد الخدري: واد
في جهنم، وقال ابن بريدة: جبل فيها، وقال ابن كيسان: كلمة كل مكروب، وقال الزجاج: كل واقع في الهلكة، ويقال/ معناه: خزي [2/ 18- ب] لأهل النار، ويقال: عويلْ وصياح. ويقال: دعاء بالثبور، وارتفاعه
على الابتداء، وخبره [" لأهل النار"] ، (2) وأخرجه ابن ماجه.
859- ص- نا أحمد بن صالح، نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني
يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال:
"قَامَ رسولُ اللهِ إلى الصلاةِ وقُمْنَا معه، فقال أعرابي في الصَّلاة "اللهم
ارْحَمْنِي ومُحمدا ولا تَرْحَمْ معنا أحدَا. فلما سَلَّمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي: "لقد تَحَجَّرْتَ وَاسِعَا"- يُريدُ رحمةَ اللهِ- (3) .
ش- يونس بن يزيد.
قوله: "لقد تحجرتَ واسعا" أي: ضيقتَ ما وسعه الله، وخصصت
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 170) ، أسد الغابة (6/ 269) ، الإصابة (4/ 169) .
(2) غير واضح في الأصل.
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب الأعرابي الذي بال في المسجد، النسائي: كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء (1/ 47) ، وكتاب: السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 14) .

(4/95)


به نفسك دون غيرك، وفيه أن تخصيص الرجل نفسه بالدعاء مكروه، بل يُعمم الدعاء فإنه أقربُ إلى القبول، لأن رحمة الله واسعة، والحديث أخرجه البخاري، والنسائي.
860- ص- نا زهير بن حرب، نا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كَانَ إذا قَرَأ (سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى " (1) قال: "سبحانَ ربي الأعْلى " (2) .
ش- إسرائيل بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، ومسلم بن عمران، ويقال: ابن أبي عمران، ويقال: ابن أبي عبد الله البطين، أبو عبد الله الكوفي. روى عن سعيد [بن جبير] ، (3) ، وإبراهيم التيمي، ومجاهد وغيرهم. روى عنه الأعمش 0001، (3) والمسعودي، وغيرهم. قال أحمد وابن معين: ثقة. روى له [الجماعة] (3) إلا النسائي (4) . وإنما كان يقول- عليه السلام- سبحان ربي الأعلى لأنه أمر به، حيث قال له ربه "سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى" والخطاب للنبي- عليه السلام. وقد روي هذا موقوفاً
ص- قال (5) أحمد: يعجبني في الفريضةِ أن يَدْعُو بما في القرآن.
ش- أي: قال أحمد بن حنبل، وأشار به إلى أن المصلي يدعو في الفرض بقوله: فسبحان ربي الأعلى في السجود (6) وسبحان ربي العظيم في الركوع.
ص- قال أبو داود: خُولفَ وكيع في هذا الحديث. رواه أبو وكيع وشعبةُ عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفَا.
__________
(1) سورة الأعلى: (1) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) غير واضح في الإلحاق.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 936 5) .
(5) هذا القول ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(6) في الأصل: " الركوع ".

(4/96)


ش- أشار أبو داود بهذا إلى أن الحديث المذكور. رواه غير وكيع موقوفَا على ابن عباس، وهو أبو وكيع الجراح بن مليح بن عدي بن فرس ابن جمحة بن سفيان بن الحارث بن عمرو بن عبيد بن رُؤَاس واسمه الحارث بن كلاب بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار الرُّؤَاسي الكوفي، والد وكيع ولي بيت المال ببغداد في زمن هارون الرشيد، وكان على دار الضرب بالري، وأصله من قرية من قرى نيسابور، يقال لها أُسْتُوا، يقال كنيته أبو وكيع. روى عن أبي إسحاق السبيعي، والأعمش، وعاصم الأحول وغيرهم. روى عنه: ابنه وكيع، وأبو الوليد الطيالسي، ومسدد وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتبُ حديثه، ولا يحتج به. وقال ابن معين: ضعيف، وقال في رواية عباس: ثقة، وفي رواية عثمان: ليس به بأس، وقال أبو الوليد الطيالسي: هو ثقة، وقال أبو داود: ثقة، وقال الدارقطني: ليس بشيء، لا يُعتبر به، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وروايات مستقيمة، وحديثه لا بأس به. وهو صدوق، ولم أجد في حديثه منكرَا، وعامة ما رواه عنه ابنه وكيع، وقد حدَّث عنه غير وكيع. والثقات من الناس، مات سنة ست وسبعين ومائة. روى له مسلم، والترمذي (1) .
861- ص- نا محمد بن المثنى قال: حدثني محمد بن جعفر، نا شعبة عن مُوسى بن أبي عائشة قال: كان رجلٌ يُصلِّي فوق بيته، فكانَ إذا قَرَأ، "أليس ذَلكَ بقَادر عَلَى أن يحيي المَوْتَى" (2) . قالَ. س"بحَانَكَ فَبَلَى، فَسَألُوهُ عن ذلكَ فقَاَل: سمعتُه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) .
ش- محمد بن جعفر البصري المعروف بغُندر، وموسى بن أبي عائشة أبو الحسن الكوفي الهمداني.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 910) .
(2) سورة القيامة: (40) .
(3) تفرد به أبو داود.
7. شرح سنن أبي داوود 4

(4/97)


وبه استحب بعض العلماء أن القارئ إذا ختم سورة القيامة يقول عُقيب قوله: "ألَيْسَ ذلكَ بقَادر عَلَى أَن يحيي المَوتَى" "سبحانك اللهم بلى" وكذلك إذا ختم سورةَ التَين. وفي " تفسير السجاوندي " في سورة القيامة وفي الحديث، أن رسول الله لما ختم السورة قال: "سبحانك اللهم ربي" وذكر في سورة التين قال قتادة/ [. . . .] ، (1) بسورة وأنا على ذلك من الشاهدين" يعني: في الصلاة، وسيذكره أبو داود من حديث إسماعيل ابن أمية، عن عروة، عن أبي هريرة (2) .
* * *
146- باب: مقدار الركوع والسجود
أي: هذا باب في بيان مقدار الركوع والسجود، وفي بعض النسخ هذا الباب مؤخر عن الباب الذي يتلوه، ويقال إنه في رواية اللؤلؤي كذا.
862- ص- نا مُسدد، نا خالد بن عبد الله، نا سعيد الجريري، عن السعدي، عن أبيه أو عمه قال: رَمَقتُ النبي- عليه السلام- في صلاة فكانَ يَتَمكنُ في رُكُوعِهِ وسُجُوده قدرَ ما يقولُ سبحانَ الله وبحمده ثلاثا (3) . ش- خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، وسعيد بن إياس أبو مسعود الجريري البصري، والسعدي مجهول كذا قال في " مختصر السنن". وقال ابن حبان، وابن أبي عاصم في كتابه " الصحابة" اسمه عبد الله. قوله: " فكان يتمكن في ركوعه" إلى آخره، المراد منه الطمأنينة في الركوع والسجود، وإلا فنفس الركوع يتأدى بالانحناء، ونفس السجود يتأدى بوضع الجبهة على الأرض. "روى أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" نا هشيم عن جرير، عن الضحاك، عن ابن مسعود قال: لا إذا أمكن الرجل يديه من ركبتيه، والأرض جبهته فقد أجزأه".
__________
(1) طمس في الأصل قدر أربع كلمات.
(2) يأتي برقم (864) .
(3) تفرد به أبو داود. والسعدي، قال عنه ابن حجر في التقريب (8499) وذكر الحديث: لا يعرف ولم يسم.

(4/98)


ونا وكيع، عن الأعمش، عمن سمع محمد بن علي يقول: يجزئه من الركوع إذا وضع يديه على ركبتيه، ومن السجود إذا وضع جبهته على الأرض ".
ونا أبو معاوية، عن أبي مالك، عن سَعد بن عبيدة، عن ابن عمر قال: "إذا وضع الرجل جبهته بالأرض أجزأه". ونا ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: "يجزئ من الركوع إذا أمكن يديه من ركبتيه، ومن السجود إذا أمكن جبهته الأرض".
فظهر بجميع ما ذكرنا أن لبثه- عليه السلام- في ركوعه وسجوده قدر
ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا سنة، وأن الفرض يتأدى بمجرد الانحناء، ووضع الجبهة على الأرض.
863- ص- نا عبد الملك بن مروان الأهوازي، نا أبو عامر وأبو داود، عن ابن ذئب، عن إسحاق بن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رَكَعَ أحدُكُم فليقلْ ثلاثَ مَرات: سُبحانَ ربي العَظيم، وذلك أدناهُ، وإذا سَجَدَ فليقلْ: سبحان ربي الأعْلَىً ثلاثا وذلك أدناهُ " (1) .
ش- عبد الملك بن مروان الأهوازي. روى عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العَقدي، وأبي داود الطيالسي. روى عنه: أبو داود (2) ، وابن أبي ذئب هو محمد بن أبي عبد الرحمن بن المغيرة العامري المدني، وإسحاق بن يزيد الهذلي المدني. روى عن عون بن عبد الله. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (261) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب التسبيح في الركوع والسجود (890) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3560) .
(3) المصدر السابق (2/ 392) .

(4/99)


وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي أخو عبيد الله الفقيه. سمع: عبد الله بن عمرو، وأبا هريرة وعائشة زوج النبي- عليه السلام-، ويوسف بن عبد الله بن سلام وغيرهم. روى عنه: الزهري، وأبو الزبير محمد بن مسلم، وأبو إسحاق الشيباني، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المصلي يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى، كل منهما ثلاث مرات، وذلك أدناه، وقد فسر صاحب "الهداية" قوله: "وذلك أدناه" أي: أدنى كمال الجمع وقال بعض أصحابنا: أي أدنى كمال السنة. ونقل عن الشافعي أنه قال وذلك أدناه أي: أدنى الكمال. وروى الطحاوي أحاديث في هذا الباب منها ما قال: حدثنا فهد بن سليمان قال: نا سحيم الحراني. قال: نا حمْص بن غياث، عن مجالد عن الشعبي عن صلة، عن حذيفة قال: كان رسول الله يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا". ثم قال فهذا أيضا قد دل على ما ذكرنا من وقوفه على دعاء بعينه في الركوع والسجود. والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: هذا مرسل، عون لم يدركْ عبدَ اللهِ.
ش- أي: هذا الحديث مرسل، لان عون بن عبد الله لم يدرك عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-، وكذا قال البخاري في "تاريخه الكبير" وأحمد فيما حكاه الخلال، والطوسي في "أحكامه" وقال،/ الترمذي: ليس إسناده بمتصل، عون بن عبد الله لم يلق ابن مسعود. ورواه البزار فيه "سننه " مرفوعا: " إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا، وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا؛ وذلك أدناه". ثم قال إسحاق بن يزيد عن
__________
(1) المصدر السابق (22/ 4553) .

(4/100)


عون: لا نعلم روى عنه إلا ابن أبي ذئب وعون لم يسمع من ابن مسعود، وذكره الدارقطني من حديث مسروق عن عبد الله قال: "من السنة أن يقول الرجل في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده".
وعن جبير بن مطعم وعبد الله بن أقرم " كان رسول الله يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا". قال البزار في" سننه": حديث جبير لم يصح.
وعن أبي هريرة يرفعه: "إذا ركع أحدكم فسبح لله ثلاث مرات، فإنه يُسبح من جسده ثلاثة وثلاثون وثلاثمائة عظم، وثلاثة وثلاثون وثلاثمائة عرق".
864-ص- نا عبد الله بن محمد الزهري، نا سفيان. قال: حدثني إسماعيل بن أمية قال: سمعت أعرابيا يقول: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-:" مَنْ قَرأ منكُم بـ "التين (1) والزيتون " فانتهى إلى آخرها ألَيْسَ اللهُ بأحكَم الحَاكمينَ " فليقل (2) : وأنا عَلى ذلك من الشاهدينَ، ومًنْ قَرأ "لا أقْسمُ بيَوم القيَامَةِ" فانتهى إلى "ألَيْسَ ذلكَ بقَادرِ بقادر على أن يُحْيىَ المَوْتَى" فليَقلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرأ "والمُرسَلاَتِ " فَبَلغَ "فَبِأي حديث بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ " فليقلْ: "آمَنَا باللهِ " (3) . ش- سفيان الثوري.
قوله: "التين" أي: سورة "والتين والزيتون " والحديث أخرجه النسائي (4) أيضا وقال: إنما يُروى بهذا الإسناد عن الأعرابي ولا يُسمى. ثم إن المصلي إذا قرأ هذه السور هل يقول هذه الألفاظ في الصلاة؟ فقال جماعة من أصحابنا: يقولها خارج الصلاة، ولا يقولها في
__________
(1) في سنن أبي داود: و "التين".
(2) في سنن أبي داود: "فليقل: بلى".
(3) الترمذي كتاب: تفسير القرائن، باب: ومن سورة التين (3347) .
(4) كذبا، وهو سبق قلم، والصواب "الترمذي" وانظر: تحفة الأشراف (11/ 15500)

(4/101)


الصلاة، فإن قالها لا تفسد صلاته سواء كان عامدا أو ناسيا. وقد قيل: يقولها مطلقا لإطلاق الأمر، ثم لا خلاف أن هذا الأمر أمر استحباب لا وجوب، فافهم.
ص- قال إسماعيل: ذهبتُ أعيدُ على الرجلٍ الأعرابي وأنظرُ لعلَّهُ؟ " فقال: يا ابنَ أخِي، أتظنُّ أني لمِ أحْفظهُ؟ لقد حجَجْتُ ستينَ حَجةً ما منها حَجة إلا وأنا أعْرِفُ البَعيرَ الذي حججْتُ عليه.
ش- أي: قال إسماعيل بن أمية، وأراد بهذا الكلام أن هذا الخبر صحيح، والأعرابي متثبت فيه، لا يشك ولا يتمارى، لأن الذي يعرف ويتحقق البُعران التي حج عليها ستين حجة، لا يتمارى في مثل هذا الخبر الذي سمعه من النبي- عليه السلام-.
قوله: " وأنظر لعله " جواب لعل محذوف، أي: لعل الأعرابي وهم فيه، أو سمع من غير النبي- عليه السلام-.
قوله: " فقال" أي: الأعرابي إلى آخره.
865-ص- نا أحمد بن صالح وابن رافع قالا: نا عبد الله بن إبراهيم ابن عمر بن كيسان قال: حدثني أبي، عن وهب بن مأنوس قال: سمعت سعيد بن جُبير يقول: سمعتُ أنسِ بن مالك يقول: ما صلَّيتُ صَلاة أحد بعدَ رسول الله- عليه السلام- أشْبَه صلاةً برسولِ الله من هذا الفَتَى- يعني: عمرِ بن عَبد اَلعزيز- قال: فَحَزَرْنَا ركُوعَه عَشْرَ تسبيحَات، وفي سُجُوده عَشْر تَسبيحَات (1) .
ش- ابن رًا فع؛ محمد بن رافع النيسابوري.
وعبد الله بن إبراهيم بن عُمر بن كيسان الصنعاني أبو يزيد. روى عن: أبيه، وعبد الرحمن بن عمر بن بوذويه. روى عنه: أحمد بن صالح المصري، ومحمد بن رافع، وعلي بن المدينة وغيرهم، قال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له أبو داود، والنسائي (2) .
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: عدد التسبيح في السجود (2/ 224) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3151) .

(4/102)


وأبوه إبراهيم بن عمر. سمع وهب بن مأنوس، ووهب بن منبه.
روى عنه ابنه عبد الله، وأبو عاصم النبيل، وهشام بن يوسف،
وغيرهم. وقال ابن معين: هو يماني ثقة. روى له: أبو داود،
والنسائي (1) . والحديث أخرجه النسائي. ويقال في إسناد هذا الحديث
مقال.
قلت: لعله كان من جهة وهب بن مأنوس.
ص- قال أبو داود: قال أحمد بن صالح: قلت له: مأنوس أو مأبوس؟
قال: أما عبد الرزاق فيقول: مأبوس، وأما حفظي فمأنوس.
ش- يعني مأنوس بالنون أو بالباء الموحدة.
قال أحمد بن صالح: أما عبد الرزاق ابن همام فيقول: مأبوس بالباء،
وأما حفظي فمأنوس بالنون، وذكر البخاري في "تاريخه"/ بأنوس؛ [2/20- أ] بالباء الموحدة في أوله والنون، وقال ابن أبي حاتم، مأهنوس بزيادة الهاء
قبل النون، ويقال ميناس، كان من عدن. وقال بعضهم كان من أهل
البصرة سمع سَعيد بن جبير. روى عنه: إبراهيم بن عمر بن كيسان،
وإبراهيم بن نافع. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
ص- وهذا لفظ ابن رافع، قال أحمد: عن سعيد بن جبير، عن أنس بن
مالك.
ش- أي: هذا الذي ذكره لفظ محمد بن رافع. قال أحمد بن صالح
المصري: عن سعيد بن جبير عن أنس بن مالك بدون لفظ "سمعت"
في الموضعين.
* * *