شرح أبي داود للعيني

164- بَابُ: التصْفيق في الصلاة
أي: هذا باب في بيان حكم التصفيق في الصلاة، وهو مصدر من
صفق إذا ضَرب يده على يده.
915-ص- نا قتيبة بن سعيد: نا صفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة،
[2/40 - أ] ، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله يكن: " التَسبِيحُ للرجال/ والتَّصْفيقُ للنساء" (3)
.ً
__________
(1) في الأصل: " عمرو" خطأ.
(2) في سنن أي داود: " والمقراء قبيلة".
(3) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: التصفيق للنساء (1203) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسبح الرجل وتصفيق المرأة (422) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التصفيق في الصلاة (1206) .

(4/202)


ش- أراد أن السُّنَة لمن نابه شيء في الصلاة كإعْلام من يَسْتأذن عليه، وتنبِيه الإمام ونحو ذلك، أن يُسبح إن كان رجلاً، فيقول: سبحان الله، وأن تصفق إن كانت امرأةً، فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللُّعْب واللهو، فإن فعلت هذا على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة. وعن هذا قال صاحب، "المحيط": إذا استأذن على المصلي غيره، فسبّح إعلاما أنه في الصلاة لا تفسد، ثم قال: والمرأة تصفق لإعلام، وروى هذا الحديث. والحديث: أخرجه البخاريّ، ومسلم، والنسائي.
916- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل ابن سَعْد، أن رسول الله ذهب إلى بني عَمرو بن عوف ليُصلحِ بَيْنهم وحانتْ الصلاةُ، فجاء المؤذنُ إلى أبي بكرٍ فقال: أتُصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاءَ رسولُ اللهِ والناس في الصلاة فتخلص حتى وَقَفَ في الصَف، فصَفقً الناسُ وكان أبو بكر لا يَلتفتُ في الَصلاة، فلمّا أكثَرَ الناسُ التصفيقَ التفتَ، فرأى رسولَ الله، فًأشار إليه رسولُ اللهِ أَن امكُثْ مَكانَكَ، فرفع أبو بكرٍ يديه فحمدَ اللهَ علىَ ما أمرَه به رسولُ الله من ذلك، ثم اسْتأخرَ أبو بكر حتى اسْتَوى فيَ الصف وتقدّمَ رسولُ الله وصلى، فلما انصرفَ قال: " يا أبا بًكر، ما مَنَعَكَ أن تَثبُتَ إذ أمَرْتُكَ؟ " قالَ أبو بكرٍ: ما كان لابنِ أبي قُحافةَ أن يصليَ بين يدَيْ رسولِ الله، فقال رسولُ الله: "ما لي رأيتُكم كْثرْتُم من التصْفِيح؟ مَنْ نابَه شيء؛ في صلاته فليُسبحْ؛ فإنه إذا سبّحَ التُفتَ إليه، فإنما (1) التصفيحُ للنساءِ" (2)
.ً
__________
(1) في سنن أبى داود:" وإنما ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته (684) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام، ولم يخافوا مفسدة بالتقديم (421) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر؟ (2/ 77) .

(4/203)


ش- أبو حازم هذا: اسمه: سلمة بن دينار الأعرج، وقد ذكرناه. قوله: " ذهب إلى بني عمرو بن عوف" هم من ولد مالك بن الأوس وكانوا بقُباء.
قوله: " وحانت الصلاة " أي: قربت، وحلت، وكانت صلاة العصر، كما صرح بها في الراوية الأخرى.
قوله: " أتُصلي " الهمزة فيه للاستفْهام.
قوله: " والناسُ في الصلاة " جملة حالية.
قوله: " فتخلص حتى وقف في الصف " معناه: خرق الصفوف وتخلص منها حتى وقف في الصف الأول.
قوله: " أن امكث " "أنْ" هاهنا تفسيرية.
قوله: " فرفع أبو بكر يدَيْه فحمد الله على ما أمَره به رسول الله " قال ابن الجوزيّ: إنما كان إشارة منه إلى السماء لا أنه تكلم. وقال مالك: من أُخبر في صلاته بسُرُور فحمد الله تعالى لا يضر صلاته. وقال ابن القاسم: ومن أخبر بمُصيبة فاسترجع أو أخبر بشيء فقال: الحمد لله على كل حال أو قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات لا تُعجبني وصلاته مجزئة. وقال أشهب: إلا أن يريد بذلك قطع الصلاة. وكذلك عند أبي يوسف من أصحابنا: إذا أخبر المصلي بما يَسُوؤه فاسترجع، أو أخبر بما يَسرة فحمد الله تعالى، لا تبطل صلاته؛ لفِعل أبي بكر- رضي الله عنه- وقال أبو حنيفة ومحمد: تفسدُ؛ لأنه خرج مخرج الجواب. ويجاب لهما عن فعل أبي بكر بما قاله ابن الجوزي، وأن أراد بتلك الألفاظ إعلامه أنه في الصلاة لا تفسد بالإجماع.
قوله: "ثم استأخر " بمعنى: تأخر، فإن قيل: لمَ لَمْ يثبت أبو بكر إذْ أشار إليه سيدنا - صلى الله عليه وسلم - بالثبات؟ وظاهره يقتضي المخالفةَ. قلنا: علم أبو بكر أنها إشارة تكريم لا إشارة إلزام؟ والأمور تُعرف بقرائنها، ويدل على

(4/204)


ذلك: شق رسول الله الصفوف حتى خَلُص إليه، فلولا أنه أراد الإمامة لصلى حيث انتهى.
وقال الشيخ محيي الدين (1) في تقدمه- عليه السلام-: يَسْتدلُّ به أصحابنا على جواز اقتداء المصلي بمن يُحرمُ بالصلاة بعد الإمام الأول؛ فإن الصديق- رضي الله عنه- أحرم بالصلاة أولا، ثم اقتدى بالنبي - عليه السلام- حين أحرم بعده. قال: وهو الصحيح من مذهبنا.
وقال ابن الجوزي. ودل هذا الحديث على جواز الصلاة بإمامَيْن؛ وذلك أن النبي- عليه السلام- لما وقف عن يَسار أبي بكر علم أبو بكر أنه نوى/ الإمامة، فعندها نوى أبو بكر الائتمام.
قال السفاقسي: وفيه دليل على جواز استخلاف الإمام إذا أصابه ما يوجبُ ذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وبه قال عمر، وعلي، والحسن، وعلقمة، وعطاء، والنخعي، والثوري. وعن الشافعي وأهل الظاهر: لا يستخلف الإمام. وقال بعض المالكية: تأخرُ أبي بكر وتقدّمه- عليه السلام- من خواص النبي- عليه السلام-؛ لأنهم كانوا تقدموا النبي- عليه السلام- بالإحرام، ولا يفعل ذلك بعد النبي- عليه السلام-.
قلت: هذا الحديث حُجَّة على الشافعي في منعه صحة الاستخلاف، وأصحابنا جوزوا الاستخلاف بهذا الحديث وبحديث عائشة: لما مرض النبي- عليه السلام- مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس" الحديث.
فإن قيل: أنتم ما يجوزون الاستخلاف إلا فيمن سبقه الحدثُ، حتى لو تعقد ذلك أو قهقه أو تكلم لا يجوز الاستخلاف، فكيف تستدلون بالحديث؟ قلت: لأن الذي سبقه الحدث عاجز عن المضيف في الصلاة، فيجوز له الاستخلاف، كما أن أبا بكر عجز عن المضي فيها لكون المضي
__________
(1) شرح صحيح مسلم (146/4) .

(4/205)


من باب التقدم على رسول الله، وقد قال الله تعالى: "يَا أيُّهَا الَّذينَ اَمَنُوا لا تُقَدمُوا بَيْنَ يَدَي اللهِ ورَسُوله " (1) ، فصار هذا أصلاً في سنن كَل إمام عجز عن الإتمام أنَ يتأخر ويَسْتَخَلف غيره.
وقال الطبري: وفي هذا دلالة راجحة على أن من سبق إمامه بتكبيرة الإحرام، ثم ائتم به في صلاته، أن صلاته تامة، وبيان فساد قول من زعم أن صلاته لا تجزئه؛ وذلك أن أبا بكر كان قد صلى بهم بعض الصلاة وقد كانوا كبروا الإحرام معه، فلما أحرم رسول الله لنفسه للصلاة بتكبيرة الإحرام، ولم يستقبل القوم صلاتهم، بل بنوا عليها مُؤتمن به، وقد كان تقدم تكبيرهم للإحرام تكبيرَه. والجواب عن هذا: أن إمامهم كان أبا بكر أولا ولم يسبق تكبيرهم على تكبيره، ثم إن النبي- عليه السلام- أتم صلاة أبي بكر ولم يَبتدئها من أولها حتى يلزم ما ذكره، وهذا ظاهر لمن يتكلم بالتأمل.
وقال ابن بطال: لا أعلم مَنْ يقول: إن من كبر قبل إمامه فصلاته تامة إلا الشافعي؛ بناء على مذهبه وهو: أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإِمام، وسائر الفقهاء لا يجيزون صلاة من كبر قبل إمامه.
قوله:" لابن أبي قحافة " أبو قحافة: اسمه: عثمان، أسلم يوم الفتح، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة وهو ابن سبع وتسعين سنةً، وكانت وفاة الصديق قبله، فورث منه السدسَ فرده على ولد أبي بكر، والصديقُ خليفةٌ ورثه أبُوه.
قوله: " من التصْفيح " التصفيح: هو التصفيق؟ يقال: صفح بيده وصفق، وقيل: الذي بالحاء: الضربُ بظاهر اليد إحديهما على باطن الأخرى، وقيل: بإصْبعين من إحديهما على صفحة الأخرى، وهو الإنذار والتَنْبيهُ، والذي بالقاف: ضرب إحدى الصفحتَيْن على الأخرى؛ وهو لِلهو واللعب. قال للداودي: في بعض الروايات: " فصفح القومُ "
__________
(1) سورة الحجرات: (1) .

(4/206)


فيحتمل أنهم ضربوا بأكفهم على أفخاذهم. وقال السفاقسي: احتج به جماعة من الحذاق على أبي حنيفة في قوله: "إن سبح الرجل لغير إمامه لم تجزه صلاتُه ". ومذهب مالك والشافعي: إذا سبح لأعمى خوفَ أن يقع في بئرٍ، أو من دابة أو حيةٍ أنه جائر.
قلت: لا نسلم أن يكون هذا حجة على أبي حنيفة؛ لأن الذي في الحديث: " فصفق الناس " وهو غير التسبيح.
وأما قولُه- عليه السلام-: " مَنْ نابه شيء في الصلاة فليُسبّح فأبو حنيفة- أيضا- يعمل به كما بينا- ولئن سلمنا ذلك فمرادُ أبي حنيفة من قوله: " إذا سبح الرجل لغيْر إمامه لم يجزه " إذا كان على وجه الجواب مثل ما أخْبر الرجل لمنْ في الصلاة بخبرٍ يُعجبه وقال: سبحان الله، وأما إذا كان لا على وجه الجواب لا تُفْسد صلاته، كما في المسألة المذكورة؛ لعموم قوله- عليه السلام-: " من نابه شيء" الحديث. ويُستفاد من الحديث فوائد أخرى؛ الأولى: " (1) أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة يُقدم غيرُه/ إذا لم يخف فتنه ولا إنكارا، [1] الإمام. الثانية: ينبغي أن يكون المقدمَ نيابة عن الإمام أفضل القوم وأصلحهم لذلك الأمر، وأقومهم به.
الثالثة: أن المؤذن وغيرهُ يَعرض التقدم على الفاضل، وأن الفاضل
يُوافقه.
الرابعة: أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة لقوله: "وصفق الناس". الخامسة: جواز الالتفات في الصلاة للحاجة.
السادسة: استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة.
السابعة: جواز رفع اليدين بالدعاء.
الثامنة: جواز المشي في الصلاة خطوة أو خطوتين.
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (145/4- 146) .

(4/207)


التاسعة: أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء، وفهم منه الإِكرام، وعدم الإلزام، وترك الامتثال لا يكون مخالفةً للأمر.
العاشرة: استحباب ملازمة الآداب مع الكبار.
الحادية عشَر: أن السُّنَة لمنْ نابه شيء في الصلاة أن يسبح إن كان رجلاً، وتصفق إن كانت امرأة.
الثانية عشر: فيه بيان فضيلة أبي بكر الصديق على سائر الصحابة.
الثالثة عشر: أن الإقامة لا تصح إلا عند إرادة الدخول في الصلاة. الرابعة عشر: جواز خرق الإمام الصفوف ليصل إلى موضعه إذا احتاج لخرقها؛ لخروجه إلى طهارة أو لرعاف ونحوهما ورجوعه، وكذا من احتاج إلى الخروج من المأمومين لعذْر، وكذا خرقها في الدخول إذا رأى قدامهم فرجة؛ فإنهم مُقصّرون بتركها. وقال الشيخ محيي الدين: وفيه: أن المؤذن هو الذي يقيم الصلاة فهذا هو السُّنَّة، ولو أقام غيره كان خلاف السُّنة؛ ولكن يعتد بإقامته عندنا.
قلنا: لا يلزم من ذلك أن غيره إذا أقام أن يكون خلاف السنة، وليس هاهنا دلالة على هذه الدعوى، وقد بينا الكلام فيه في " كتاب الأذان " مستوفى.
وقال- أيضا-: وفيه تقديم الصلاة لأول وقتها.
قلنا: هذا- أيضا- لا يدل على فضيلة التقديم؛ لأنهم ربما كانوا استعجلوا بها خوفا على فواتها بصَبْرهم، وانتظارهم إلى حضور رسول الله؛ لأنه- عليه السلام- قد كان ذهب إلى قباء وهي بعيدة من المدينة، وفي مثل هذا نحنُ- أيضا- نقولُ بالتقديم. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
ص- قال أبو داود: هذا في الفريضة.
ش- يعني: قوله- عليه السلام-: من نابَه شيءْ في صلاته" الحديث في الصلاة الفريضة، فإذا كان هذا الحكم في الفَريضة ففي التطوع أولى.

(4/208)


917-ص- نا عمرو بن عَوْن: نا حماد بن زيد، عن أبي حازم، عن سهل بن سَعْد قال: كان قتالٌ بين بني عَمْرو بنِ عوف، فبلغَ ذاك النبي - عليه السلام- فأتَاهم ليُصَلحَ بينهم بعد الَظهرِ، فقال لبًلال: " إن حَضرتْ صَلاةُ العَصْر ولم آتكَ فمُرْ أبا بكر فليُصل بالناسِ لما، فلماً حَضَرتْ العَصْرُ أذن بلال ثم أَقَام، ثم أمَر أبا بكرِ، فتَقدمَ، قال في آخره: "إذا نابكُم شيء في الَصلاةِ فليُسبَح الرَجالُ، وليُصفح النساءُ " (1) .
ش- هذا تصريح من النبي- عليه السلام- بتقديم أبي بكر على غيره، فإذا قُدم على غيره في الإمامة الصُّغْرى في حياة النبي- عليه السلام-، فكذلك يقدم في الإمامة الكُبرى بعد وفاته- عليه السلام-.
قوله: " قال في آخره " أي: في آخر الحديث. وعند ابن خزيمة: "مَنْ نابه في صلاته شيءٌ فليَقل: سبحان الله. إنما هذا للنساء " يعني: التصفيق. 918- ص- نا محمود بن خالد: نا الوليد، عن عيسى بن أيوب قال: قوله: " التصفيحُ للنساءِ " تضِربُ بإصبَعَيْنِ من يمِينِهَا على كَفهَا اليُسْرى (2) . ش- الوليد: ابق مسلم الدمشقي، وعيسى بن أيوب: أبو أحمد، روى عن: العلاء بن الحارث، روى عنه: الوليد بن مسلم، روى له: أبو داود.
وإنما فسر التصفيح بهذا التفسير حتى لا يتوهم منه قصد اللَهْو؛ لأن الذي يصفح للهو يضربُ بجميع أصابعه على كفه.
* * *
165- بَابُ: الإِشارَةِ في الصلاة
أي: هذا باب في بيان الإشارة في الصلاة.
919- ص- نا أحمد بن محمد بن شَبويَه، ومحمد بن رافع قالا: نا
__________
(1) البخاري: كتاب الأحكام، باب: الإمام يأتي قوما فيصلح بينهم (7190) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: استخلاف الإمام إذا غاب (2/ 82) .
(2) تفرد به أبو داود.
14. شرح سنن أبي داود 4

(4/209)


عبد الرزاق: نا معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن النبي- عليه السلام- كان يُشيرُ في الصلاة (1) .
/ ش- أحمد بن محمد: ابن ثابت بن عثمان بن مسعود أبو الحسن الهروي الخزاعي؛ وهو أحمد بن شَبويَه، كان يَسْكنُ طرسوسَ. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، وعبد الرزاق بن همام، وغيرهم. روى عنه: ابن معين، وأبو داود. وقال الدارقطني: إن البخاري روى عنه وأبو زرعة الدمشقي، وغيرهم. وقال النسائي: هو ثقة. مات بطرسوس سنة ثلاثين ومائتين وهو ابن ستين سنة (2) . وشَبُويَه: بفتح الشن المعجمة، وضم الباء المُوحدة، وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره هاء.
قوله: " كان يشيرُ في الصلاة " استدل به الشافعي ومن تبعه أن المصلي يردّ السلام إشارة.
قلتُ: قال ابن حبان: اختصر عبد الرزاق من الحديث: " أن النبي - عليه السلام- لما ضعف قدم أبا بكر يصلي بالناس"، وأدخله في " باب من كان يُشيرُ بإصبعه في الصلاة"، وأوْهم أن النبي- عليه السلام- إنما أشار بيده في التشهد؛ وليس كذلك، وقال غيره: إنما كانت إشارة النبي - عليه السلام- لأبي بكر قبل دخوله في الصلاة فلا حجة فيه. وقد يجابُ عن أحاديث الإشارة: أنها كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة؛ يُؤيّدهُ حديث ابن مسعود: "كنا نُسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا"، ولم يقل فأشار إلينا، وكذا حديث جابر: "انه لم يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنتُ أصَل" " فلو كان الردّ بالإشارة جائزا لفعله. وحديث أنس هذا: أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحهما"، والدارقطني في " سننه ". وقال النووي: إسناده على شرط مسلم.
920- ص- نا عبد الله بن سعيد: نا يونس بن بكير، عن محمد بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 94) .

(4/210)


إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس، عن أبي غطفان، عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " التسبيحُ للرجال "- يعني: في الصلاةِ- "والتصْفيقُ للنساء، مَن أشارَ في صلاته إشارةً تفْهَمُ عنه فليُعدْ لها" يعني: الصلاَة (1) .ً
ش- عبد الله بن سعيد: أبو سعيد الأشج الكوفي.
ويعقوب بن عتبة: ابن المغيرة بن الأخنس- واسمه: أبيُّ بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج- واسمه: عُمير- بن سلمة بن عبد العرى الحجازي الثقفي المديني. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، وأبي غطفان. روى عنه: محمد بن إسحاق بن يسار، وإبراهيم بن سَعْد، والوليد بن مسافر، وغيرهم. وقال أبو الزناد: كان ثقةً، له أحاديث كثيرة. وقال أبو حاتم والدارقطني: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو غطفان: ابن طريف المري.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا على أن المصلي لا يرد السلام لا نطقا ولا إشارةً، حتى لو صافح بنيَّةِ التسليم تبطل صلاته.
ص- قال أبو داود: هذا الحديثُ وَهم.
ش- إنما قال أبو داود: هذا وهم بناء على حال أبي غطفان من أنه مجهول؛ كما قال البيهقي: قال الدارقطني: قال لنا ابن أبني داود: أبو غطفان مجهول، ومعتمدا على ما نقل من أحمد على ما قال إسحاق ابن إبراهيم بن هانئ: سئل أحمد عن حديث:؛ من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الصلاة" فقال: لا يثبت، إسناده ليس بشيء. وكذا قال ابن الجوزي في "التحقيق"، وأعلّه بابن إسحاق وقال: أبو غطفًان مجهول. قلت: ليس الأمر كذلك؛ بل إسنادُ الحديث جيّد، أما أبو داود: فإنه لم يُبيّن كيفية الوهم، وليس يُبنى عليه شيء، وأما ابن أبي داود: فمتكلم
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 96 0 7) .

(4/211)


فيه، وأما أبو غطفان: فقد قال صاحب " التنقيح ": هو ابن طريف،
ويُقال: ابن مالك المري. قال عباس الدوري؛ سمعتُ ابن معين يقولُ
فيه: ثقة. وقال النسائي في " الكُنَى ": أبو غطفان ثقة، قيل: اسمه:
سَعْدٌ. وذكره ابن حبان في " الثقات "، وأخرج له مسلم في " صحيحه "
وأما تعليل ابن الجوزي بابن إسحاق فليس بشيء؛ لأن ابن إسحاق من
الثقات الكبار عند الجمهور- على ما ذكرنا في ترجمته- ولو كان الحديث
لهم لجعلوا إسناده من أصح الأسانيد، ولكانوا شنعوا على مَنْ تكلم في
ابن إسحاق أو في أبي غطفان، فهذا دأب غالبهم في هذا الفن.
* * *
[2/42 - أ] 166- بَابُ: مَسْح الحَصَى في الصلاة
أي: هذا باب في بيان مسح الحصى في الصلاة، وفي بعض النسخ:
"باب مَس الحَصَى في الصلاة ".
921- ص- نا مسدد: نا سفيان، عن الزهري، عن أبي الأحوص
- شيخ من أهل المدينة- أنه سمع أبا ذَر يَرْويه عن النبي- عليه السلام- قال:
" إذا قامَ أحدُكم إلى، الصَّلاةِ فإن الرَّحْمَةَ تُوَاجهُهُ، فلا يَمسح الحَصَى" (1) .
ش- به استدل أصحابنا أن المصلي لا يُقلَب الحَصى لأنه نوع عبث،
ولأنه- عليه السلام- علل بقوله: "فإن الرحمة تواجهُه " فتقليًبُ
الحصَى ومَسْحُه اشتغالٌ عن ذلك.
وقولُه:" فلا يَمسح الحصَى" جواب لقوله: "إذا قام ".
وقوله: " فإن الرحمة" تعليل لذلك؛ ولكنه قدمه للاهتمام بتقديم
الرحمة، وتقدير الكلام: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصَى
فإن الرحمة تُواجهُه. والحديث: رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
وَقال الترمذي: حديث حسنٌ.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية مسح الحصى (379) ، النسائي: كتاب السهو، باب: عن مسح الحصى في الصلاة (1190) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: مسح الحصى في الصلاة (1027) .

(4/212)


922- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن مُعيقيب أن النبيَّ- عليه السلام- قال: "لا تَمْسَحْ وأنْتَ تُصَلِّي؛ فإن كُنتَ لا بدَّ فاعِلاً فواحدةً تسْويةَ الحَصَى" (1) .
ش- هشام: ابن أبي عبد الله الدستوائي، ويحيى: ابن أبي كثير. ومُعيقيب: ابن أبي فاطمة الدَّوْسي حليف بني عبد شمس، وقال موسى بن عقبة: مولى سعيد بن العاص، أسلم قديما بمكة وهاجر منها إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، وكان على خاتم رسول الله، واستعمله أبو بكر، وعمر على بيْت المال، روي له عن رسول الله سبْعة أحاديث؛ اتفقا على حديث واحد، ولمسلم آخر، وبقي إلى زمن عثمان بن عفان، وتوفي في آخر خلافته، وقيل: سنة أربعين في خلافة عليّ. روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي (2) .
قوله: "لا تَمْسحْ وأنت تصلي " أي: لا تمسح الأرض والحال أنك تصلي. وفي بعض نسخ ابن داسةَ: "لا تَمْسح الأرضَ ".
قوله: "لابد فاعلاً " انتصاب " فاعلاً " على أنه خبر كان، وأما "لابُدّ" فمعناه: لا فراقَ ولا مفارقة من هذا؛ وأصله: من البدّ؛ وهو التفريق، و"بُدّ " اسْم "لا "، مبني على الفتح، وخبره محذوف أي: لا بد منه أو من ذلك ونحوهما. وفي معنى " لا بُدّ": لا محالة، ولا حيلة، ولا وَعَى، ولا حُمَّ، ولا عُنْدد، ولا مُعلَنْددَ، فمعنى الجميع معنى " لابُد".
__________
(1) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: مسح الحصى في الصلاة (1207) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة (546) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية مسح الحصى (380) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الرخصة في مسح الحصى في الصلاة مرة واحدة، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنَة فيها، باب: مسح الحصى في الصلاة (1026) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 476) ، وأسد الغابة (5/ 240) ، والإصابة (3/ 450) .

(4/213)


قوله: " فواحدة" معناه: امسحْ مَسْحةً وَاحدةً، وذلك إذا لم يمكنه السجود على الأرض. ومن هذا اللفظ قالت الفقهاء في تعليل تقليب الحصَى لأجل السجدة: جاء في الخبر عن أبي ذر في تَسْوية الحجر عن سيد البشر: "يا أبا ذر مرةً أو ذَرْ". وقال صاحب " الهداية": ولا يُقلب الحصى؛ لأنه نوع عبث، إلا أن لا يمكنه السجودُ فيُسَويه مرةً؛ لقوله- عليه السلام-: "مَرةً يا أبا ذر، وإلا فذَرْ ".
قلت: الحديث ليس هكذا؛ وإنما لفظه مثل ما روى أبو داود وغيْره من الأئمة الستة، وأخرجه أحمد في " مسنده" (1) عن أبي ذر قال: سألت النبي- عليه السلام- عن كل شيء حتى سألتُه عن مسح الحصَى فقال: "واحدةً أو دع" هكذا عزاه صاحب "التنقيح على التحقيق"؛ ولكن ليس فيه إلا عن حذيفة، حدَّثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن شيخ يُقال له هلال، عن حذيفة، فذكر نحوَه سواء. ورواه ابن أبي شيبة كذلك سواء؛ ولكن حديث أبي ذر رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي ذر قال: سألت النبي- عليه السلام- عن كل شيء إلى آخر اللفظ المتقدم. وكذلك رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا عبد الله بن أمير، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى به. وقال الدارقطني في "علله ": وحديث أبي ذر رواه ابن عُيينة عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبي ذر، وخالفه ابن أبي نجيح فرواه عن مجاهد، عن أبي ذر مرسلاً، وحديث الأعمش أصحّ.
قوله: "تسويةَ الحصى" نصت على التعليل أي: لأجل تسوية الحصَى حتى يتمكن من السجود عليه.
* * *
[2/42 - ب] / 167-بَابُ: الاخْتِصَارِ فِي الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان الاختصار في الصلاة، وفي بعض النسخ:
__________
(1) (5/ 163) .

(4/214)


"باب الرجل يُصلّي مختصرا" (1) ، والأول أصح، وسنبين معنى الاختصار إن شاء الله تعالى.
923- ص- نا يعقوب بنِ كعْب: نا محمد بن سَلمة، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرةَ قال: نَهى رسولُ اللهِ عن الاختصارِ في الصلاةِ (2) . ش- يعقوب بن كعب: الأنطاكي، وهشام: ابن حسان البصري، ومحمد: ابن سيرين. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه، ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهو وهم منه؛ فقد أخرجاه. ص- قال أبو داود: يَعنِي: يضع يدهَ على خاصرَتِهِ.
ش- أشار بهذا إلى تفسير الاختصار؟ وهذا تفسير ابن سيرين على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة، قال محمد: وهو أن يضع يده على خاصرته وهو يُصلي.
ونا وكيع، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة أنها كرهت أن يضع يده على خاصرته في الصلاة، وقالت: يفعله اليهود.
ونا وكيع قال: نا ثور الشامي، عن خالد بن معدان، عن عائشة أنها رأت رجلاً واضعا يده على خاصرته فقالت: هكذا أهل النار في النار. ونا وكيع قال: نا سفيان، عن ابن جرير، عن إسحاق بن عُويمر، عن مجاهد قال: وضع اليدين على الحقو: استراحة أهل النار.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: الخصر في الصلاة (1220) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: كراهة الاختصار في الصلاة (545) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: النهي عن الاختصار في الصلاة (383) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: النهي عن التخصص في الصلاة (2/ 127) .

(4/215)


وحدَّثنا الثقفي، عن خالد، عن حميد بن هلال أنه إنما كره التخصر في الصلاة؛ لأن إبليس اهْبط متخصرا.
ويُقالُ: الاختصارُ: أن يُصلي وبيده عَصًى يَتوكأ عليها، مأخوذ من المِخْصرة وهي العَصا، ويقرب من ذلك إذا صلى وهو يَعتمدُ على الحائط. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا عباد بن العوام، عن هشام، عن الحسن أنه كان يكره أن يَعتمد الرجل على الحائط في الصلاة المكتوبة إلا من علة، ولم يَرَ به في التطوع بأسا.
حدَّثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه كان يكره أن يتساند الرجل على الحائط في الصلاة، وكان يكره رفع رجليه إلا من علةٍ، وقال: وكان ابن سيرين يكرهه أي: الاستناد على الحائط في الفريضة والتطوع. ويقال: الاختصار: أن لا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها كأنه يختصرها، ويقال: أن يقرأ فيها من آخر السورة آيةً أو آيتين ولا يتم السورة في فرضه، ومنه: اختصار السجدة وهو أن يقرأ السورة، فإذا انتهى إلى السجدة جاوزها، وقيل: يختصر الآيات التي فيها السجدة في الصلاة فيَسْجد فيها.
* * *
168- بَابُ: الرّجُل يَعتمدُ في الصَّلاةِ على عَصى
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يعتمد على عصًى في الصلاة.
924- ص- نا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابِصِي: نا أبي، عن شَيْبان، عن حُصَين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يَسَاف قال: قَدمْتُ الرقةَ فقال لي بعضُ أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبَي- عليه السلام-؟ قال: قلتُ: غنَيْمَة، فدُفعْنَا إلى وَابصَةَ فقلتُ (1) لَصاحِبِي: نَبدأ فننظُرَ إلى دله، فإذا عليه قَلَنْسُوة لاَطئَة ذاتُ أذنينِ، وبُرنسُ خَز أغبر، وإذا هو مُعتمِدٌ على عصا في صلاِتهِ، فَقلنا بعد أن سلمْنَا، فقال: حدثتني
__________
(1) في سنن أبي داود: "قال".

(4/216)


أم؟ قيس بنْتُ محصن أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أسَن وحَمَلَ اللحْمَ اتخذَ عموداً في مُصلاهُ يعْتمِدُ عليه (3) .
ش- عبد السلام بن عبد الرحمن: ابن صَخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن مَعبد الأسدي أبو الفضل الرَّقّي قاضي الرقة وحران وحلب، وولي القضاء ببغداد في أيام المتوكل. سمع: أباه. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وأبو عروبة الحراني، وأبو داود، سئل عنه أحمد بن حنبل فأحسن القول فيه وقال: ما بلغني عنه إلا خير. مات سنة سبع وأربعين ومائتين (2) .
وأبوه: عبد الرحمن بن صخر. روى عن: شيبان، وجعفر بن برقان، وطلحة بن زيد، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد السلام. روى له: أبو داود (3) .
وشيبان: ابن/ عبد الرحمن النحوي البصري المؤدب. وهلال بن يَسَاف: بكسر الياء آخر الحروف وفتحها، ويقال: إِساف- بكسر الهمزة- وقد ذكر مرةً.
قوله: " قدمتُ الرقةَ " الرقة- بفتح الراء والقاف- ويُقال لها: الرافقة، بلدة بالَثغور الجزرية. وقال ابن سعيد: هي مدينة كبيرة خراب، وكان لها سور، وهي على جانب الفرات من الجانب الشمالي الشرقي، واسمُها: البيضاء، وهي قاعدة ديار مُضر في الجزيرة. وقال ابن حوقل: الرقةُ أكبر مدن ديار بكر. وقال في "المشترك ": الرافقةُ مدينة على الفرات وهي الرقةُ.
قوله: غنيمة" خبر مبتدأ محذوف أي: هو غنيمة، والغنيمة: ما يتغنم به الشخصُ.
قوله: " إلى وابصة" وهو وابصةُ بن مَعْبد بن عُتبة بن الحارث الأسدي؛ وقد ذكرناه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3423) . (3) المصدر السابق (17/ 3853) .

(4/217)


قوله: " فَننظر إلى دله" الدَلُّ- بفتح الدال، وتَشديد اللام- والهَدْيُ والسَّمْتُ كلها بمعنى واحد، وهي الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار، وحُسْن السيرة والطريقة، واسْتقامة المنظر والهيأة. قوله: " فإذا عليه " الفاء فيه فاء المفاجأة، و" القلنسوة" معروفة، وقد ذكرنا فيها وُجوها.
قوله: " لاطئة " أي: مُنبسطة على رأسه، وليست بعالية إلى فوق.
قوله: " ذات أذنيْن " صفة للقلنسوة.
قوله: " وبُرْنس خَز " البرنس: كل ثوب رأسه منه مُلتزق به من درَّاعة
أو جُبَّة أو مِمْطرِ أو غيره. وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة كان النُّساك يلبسونها في صدْر الإسْلام، وهو من البِرْس- بكسر الباء-: القطن، والنون زائدة، وقيلَ: إنه غير عربي. والخز: ما خلط من الحرير والوَبر وشبهه، وأصله من وبر الأرنب. ويُسمى ذكر الأرانب: الخُزَزُ فسُمي به، وإن خُلط بكل وبر جزء من أجْل خلطه. والأغبرُ من الألوان: ما هو شبيه بالغبار.
قوله: "أم قيس " وهي بنْت مُحصنِ بن حَرثان الأسَدية، وقد ذكرت مرةَ.
وبهذا الحديث قال أصحابنا: إن الضعيفَ أو الشيخ الكبير إذا كان قادر على القيام مُتكئا على شيء، يُصلي قائما مُتكئا ولا يَقعدُ. وذكر في "الخُلاصة": ولو كان قادرا على القيام مُتكئا يُصلي قائما مُتكئا، ولا يجور غير ذلك، وكذا لو قدر على أن يَعْتمد على عَصًى أو كان له خادم لو اتكأ عليه قدر على القيام، فإنه يقوم ويتكئ. انتهى. ولو صلى الرجل معتمدا على العَصَى من غير علة هل يكره أم لا؟ فقيل: يكره مطلقاً وقيل: لا يكره في التطوع لمَا روى أبُو بكْر بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قَال: كان عمرو بن ميمون أوتدَ له وتد في حائط المسجد، وكان إذا سئم من القيام في الصلاة أو شق عليه أمْسك بالوتد يعتمد عليه.

(4/218)


ونا مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن عراك بن مالك، عن أبيه قال: أدركتُ الناسَ في شهر رمضان تُرْبطُ لهم الحبالُ يتمسكون بها من طُول القيام.
ونا وكيع، عن عكرمة بن عمار، عن عاصم بن سميح قال: رأيتُ أبا سعيد الخدري يُصلي متوكئا على عَصى.
ونا وكيع، عن أبان بن عبد الله البجلي قال: رأيتُ أبا بكر بن أبي موسى يُصلي متوكئا على عصي.
* * *
169- بَابُ: النَّهْى عن الكلام في الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان النهي عن الكلام في الصلاة.
925- ص- نا محمد بن عيسى: نا هُشيم: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الحارث بن شُبَيْل، عن أبي عَمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم قال: كان أحدنَا يكلمُ الرجلَ إلى جَنْبه في الصلاة فنزلت: "وَقُومُوا لله قَانتينَ " (1) ، فأُمِرْنَا بالسُكُوتِ، ونُهِينَا عنَ الكَلام (2) .
ش- هشيم: ابن بَشِير، وإسماعيل: ابن أبي خالد- هرمز- الكوفي.
والحارث بن شُبَيل: ابن عوف الأحمسي أبو الطفيل الكوفي. روى عن: أبي عمرو الشيباني، وعبد الله بن شداد بن الهند. روى عنه:
__________
(1) سورة البقرة: (238) .
(2) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: ما ينهى من الكلام في الصلاة (1200) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ
ما كان من إباحته (539/ 35) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة (405) ، وكتاب التفسير، باب: ومن سورة البقرة
(6 ما 2) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 18) .

(4/219)


] 2/43 - ب] إسماعيل بن أبي خالد، وسعيد بن مسروق. قال ابن معين:/ لا يُسأل عن مثله لجلالته. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه (1) .
وأبو عمرو الشيباني [] (2) اسمُه: سَعْد بن إياس الكوفي الشيباني، أدرك زمن النبي- عليه السلام- ولم يَره. سمع: عليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن اليمان، وأبا مسعود البدري. روى عنه: أبو إسحاق السَّبيعي، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: الجماعة (3) . وزيد بن أرقم: ابن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن الأغر،
أبو عَمرو، أو أبو حمزة، أو أبو سَعْد، أو أبو سعيد، غزى مع النبي - عليه السلام- سبع عشرة غزوة، روي له عن رسول الله سبعون حديثاً، اتفقا على أربعة، وللبخاري حديثان، ولمسلم ستة. روى عنه: أنس بن مالك، وأبو عمرو الشيباني، وأبو إسحاق السبيعي، ومحمد بن كعب القرظي، وجماعة آخرون. نزل الكوفة، ومات بها سنة ثمان وستين. روى له الجماعة (4) .
قوله: " قانتين " نصب على الحال من الضمير الذي في "قُومُوا" من القنوت، وهو السكوت؟ ويَرِدُ القنوت لمعان كثيرة: للطاعة، والخشوع، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. وقد مر الكلام في هذا الباب مُستوفًى.
* * *
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1023) .
(2) كلمة غير واضحة.
(3) المصدر السابق (10/ 2205) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 556) ، وأسد الغابة (2/ 276) ، والإصابة (1/ 0 56) .

(4/220)


170- بَابٌ: في صَلاةِ القَاعِدِ
أي: هذا باب في بيان صلاة القاعد.
926- ص- نا محمد بن قدامة بن أعين: نا جرير، عن منصور، عن هلال- يعني-: ابن يَسَاف-، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عَمرو قال: حُّدثتُ أن رسولَ الله- عليه السلام- قال: " صَلاةُ الرجلِ قاعداً نصفُ الصلاة " فأتيتُه فوجدَتُه يصلِّي جالساً، فوضعتُ يَدِي على رأسي فَقال: "مالكً يا عبدَ الله بنَ عمرو؟ " قلتُ: حُدِّثْتُ يا رسولَ الله أنكَ قُلتَ: "صلاةُ الرجل قاعَداً نصفُ الصلاة "، وأنت تصلِّي قاعداً، قَال: " أجل؛ ولكني لستُ كَأحَد منكُم " (1) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر، وأبو يَحْيى: يروي عن: عبد الله بن عمرو، روى عنه: هلال بن يَساف، وهو مولى عفراء، كذا ذكره ابن حبان في باب الكنى في " الثقات ".
قوله: " حُدثت" على صيغة المجهول في الموضعين.
قوله: ما قال: أجل ما أي: قال النبي- عليه السلام-: نعم صلاةُ الرجل قاعدا نصف الصلاة، معناه: صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم فيها.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : هذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه؛ بل يكون كثوابه قائما،/ وأما الفرض: فإن صلاته قاعدا مع القدرة على القيام لا تصح فضلاً عن الثواب، وإن صلى قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القعود، فثوابه كثوابه قائما لا ينقص. وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المُصلي فريضةً لعذر، أو نافلة لعُذر أو لغير عذرٍ.
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا (735) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد (223/3) .
(2) شرح صحيح مسلم (14/6- 15) .

(4/221)


قلت: كما ذكره الشيخ محيي الدين حمله أصحابنا على صلاة النفل،
حتى استدلوا به في جواز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام. وقال
صاحب " الهداية": ويصلي النافلة قاعداً مع القدرة على القيام لقوله
- عليه السلام-: "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم".
قوله: " ولكني لستُ كأحد منكم " بمعنى: أن صلاته النفل قاعدا مع
القدرة على القيام كنافلته قائم"، لا ينقص من أجره شيء تشريفا له
وهذا من خصائصه- عليه السلام-. " (1) وقال القاضي عياض:
معناه: أن النبي- عليه السلام- لحقه مشقة من القيام لحطم الناس
وللسن، فكان أجرُه تاما، بخلاف غيره ممن لا عذر له.
وقال الشيخ محيي الدين: هذا ضعيف أو باطل؛ لأن غيره- عليه
السلام- إن كان معذوراً فثوابُه- أيضا- كامل، وإن كان قادراً على
القيام فليس هو كالمعذور؛ فلا يبقى فيه تخصيص ولا يحسن على هذا
التقدير: " لست كأحدٍ منكم " وإطلاق هذا القول.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
927- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن حسين المعلم، عن عبد الله بن
بُريدة، عن عمران بن حُصين أنه سألَ النبيَّ- عليه السلام- عن صلاة
الرجلِ قَاعداً فقال: "صَلاتُهُ قائما أفضلُ من صَلاته قَاعداً، وصلاتُهُ قاعداً
[2/44 - أ] على النصف من صَلاته/ قَائما، وصلاتُهُ نائما على النصف من صلاته قاعداً " (2) ً
__________
(1) المصدر السابق.
(2) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: صلاة القاعد (1115) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (371) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: فضل صلاة القاعد على صلاة النائم (3/ 223- 224) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (1231) .

(4/222)


ش- يحيي: القطان، وحُسَيْن: ابن ذكوان المعلم، وعبد الله بن (1) بريدة: ابن الحُصَيب الأسلمي.
قوله: " وصلاته قاعدا على النصف من صلاته قائما " إنما هو في التطوع
- أيضا-؛ لان الفرض لا جواز له قاعدا وهو يقدر على القيام لما قلنا. قوله: " وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا" أي: صلاته مضطجعا؛ يدل عليه: قوله- عليه السلام- في الحديث الآخر: "فعلى جَنْب" وترجم له النسائي" باب: صلاة النائم" وقال الترمذي: ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع، حدثنا محمد بن بشار: نا ابن أبي عدي، عن أشعث بن عبد الملك، عن الحسن قال: إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما أو جالسا أو مُضطجعا (2) .
وقال بعض الناس: قوله: "وصلاته نائما" تصحيف؛ وإنما هو بإيماءٍ أي: صلاته بإشارة على النصف من صلاته قاعدا؛ كما روى في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ظهر الدابًة يُومِئ إيماء.
وقال الخطابيُّ (3) : وأما قوله: "وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا" فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث، ولا أحفَظُ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي- عليه السلام- ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرَجَه في الحديث، وقاسَه على صلاة القاعد، أو اعتبره بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود؛ فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز- أيضا- للمسافر إذا تطوع على راحلته، فأما من جهة القياس فلا يجوز له أن يصلي مضطجعا كما يجوز له أن يصلي
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (2/ 209) .
(3) معالم السنن (1/ 194) .

(4/223)


قاعدا؛ لأن القعود شكل من أشكال الصلاة، وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة.
قلت: كلام الترمذي الذي ذكرناه يُسْقِطُ كلامَ الخطابي جميعه، فليتأمل. وروى أحمدُ هذا الحديث في "مسنده" ولفظه: ثنا عبد الوهاب الخفّاف، عن سعيد، عن حسين المعلم. قال؛ وقد سمعته، عن حسين، عن عبد الله بن بُريدة، عن عمران بن حصين قال: كنتُ رجلاً ذا أسْقامٍ كثيرة، فسألتُ رسولَ الله- عليه السلام- عن صلاتي قاعدا؟ فقال: "صلاتك قاعدا على النصْف من صلاتك قائما، وصلاة الرجل مضطجعا على النصف من صلاته قاعدا " انتهى.
قلت: هذا يُفسّر أن معنى قوله في رواية أبي داود "وصلاته نائما" معناه: مضطجعا، وأنه في حق مَن به سقمٌ، بدلالة قوله: "كنت رجلا ذا أسقام كثيرة، وأن ثواب مَن يُصلي قاعدا نصْف ثواب مَن يُصلي قائما، وثواب من يصلي مضطجعا نصف ثواب من يُصلي قاعدا على ما ذهب إليه البعض. والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
928- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، عن إبراهيم [بن] طهمان، عن حُسين المُعلم، عن ابن بُريدة، عن عمران بن حُنَين قال: كان بي النَّاصُورُ، فسألتُ النبي- عليه السلام- فقال: " صَل، قَائما، فإن لم تَستطعْ فقاعدا، فإن لم تَستطعْ فعلى جنبٍ " (1) .
ش- إبراهيم بن طهمان: ابن شعبة الخراساني، أبو سعيد القروي، ولد بهرام وسكن نيسابور، ثم قدم بغداد وحدث بها، ثم سكن مكة ومات بها سنة ثلاث وستة ومائة. سمع: عمرو بن دينار، وعبد الله
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (372) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة المريض (1223) .

(4/224)


ابن دينار، وأبا إسحاق السبيعي، وأيوب السختياني، وثابتا البناني، والثوري، والأعمش، وحسين بن ذكوان المعلم وغيرهم. روى عنه:
أبو حنيفة- رضي الله عنه-، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع
وجماعة آخرون، قال أحمد: هو ثقة، قال ابن معين: لا بأس به،
وقال أبو حاتم: صدوق حسن الحديث. روى له الجماعة (1) .
قوله:" كان بي النَّاصور"- الناصور- بالنون والصاد وبالسين-
أيضا- الناسور- علة تحدث في مآقي العين، يسقى فلا ينقطع، وقد يحدث- أيضا- في حوالي المقعدة؛ وهو المراد هاهنا، وقد يحدث
- أيضا- في اللثة/ وهو معرب، والبَاسُور- بالباء الموحدة- علة تحدث [2/44 - ب] في المقعدة، وفي داخل الأنف- أيضا- وجاء في حديثه: " كان لي بواسير"- بالباء- وفي لفظ: " مَبْسورا" وفي لفظ بالنون. وقيل: لا
يسمى بَاسُورا إلا إذا جرى وتفتحت أفواه عروقه من داخل المخرج. وبهذا
الحديث استدل أصحابنا أن المريض إذا عجز عن القيام صلى قاعدا يركع ويسجد، فإن لم يستطع الركوع والسجود أومأ إيماء قاعدا، وجعل
سجوده أخفض من ركوعه، وإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره
وجعل رجليه نحو القبلة، وأومأ بالركوع والسجود، وإن استلقى على
جنبه ووجهه إلى القبلة وأومأ جاز، إلا أن الأوْلى هو الأولى عندنا خلافا للشافعي. وقال بعض أصحابنا: المستلقي ينبغي أن يَنْصب ركبتيه إن قدر
عليه حتى لا يمر رجليه إلى القبلة. وأما كيفية القعود فيما إذا صلى قاعدا
فبحسب طاقته وتمكنه.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : واختلف العلماء في الأفضل في كيفية
القعود موضع القيام في النافلة وكذا في الفريضة إذا عجز، وللشافعي
قولان، أظهرهما: يَقعدُ مفترشا، والثاني: متربعًا. وقال بعض
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 186) .
(2) شرح صحيح مسلم (6/15) .
15* شرح سنن أبي داود 4

(4/225)


أصحابنا: متوركا وبعض أصحابنا: ناصبا ركبتيه وكيف قعد جاز؛ لكن الخلاف في الأفضل.
قلت: اختلف أصحابنا في حد المرض الذي يُبيح الصلاة قاعدا؛ فقيل:
أن يكون بحالٍ لو قام سقط من ضعف، أو دوران رأسٍ، أو غير ذلك، وقيل: أن يصير صاحب فراشٍ؛ وأصح الأقاويل: أن يلحقه ضرر بالقيام، وإذا كان قادرا على بعض القيام دون تمامه كيف يصنع؟ قال الفقيه أبو جَعْفر: يؤمر بأن يقوم مقدار ما يقدر، فإذا عجز قعد، حتى إذا كان قادرا على أن يكبر قائما ولا يقدر على القيام للقراءة، أو قادرا على القيام ببعض القراءة دون تمامها، قالوا: يؤمر بأن يكبر قائما ويقرأ ما يقدر عليه قائما، ثم يقعد إذا عجز. وبه أخذ شمس الأئمة الحلواني.
والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي، وزاد النسائي: فإن لم يستطع فمستلقيا "لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلا َوُسْعَهَا" (1) ووهم الحاكم في " المستدرك " فقال بعد أن رواه كذلك: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ذكره البخاري عقيب صلاة المُسافر.
929- ص- نا أحمد بن عبد الله بن يونس: نا زُهير: نا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيتُ رسولَ اللهِ يَقرأ في شيء من صَلاة الليلِ جَالسا قَط حتى دَخلَ في السّنّ، فكانَ يَجلس" فَيَقرأ (2) حتىً إذا بَقي أرَبعين أو ثلاثينَ (3) آية قَامَ فًقَرَأَهَا ثم سَجَدَ " (4) .
__________
(1) سورة البقرة: (286) .
(2) . في سنن أبي داود: " فكان يجلس فيها فيقرأ ".
(3) في سنن " أبي داود: وأربعون أو ثلاثون" وانظر المشرح لزاما.
(4) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: إذا صلى قاعدان ثم صح، أو وجد خفة، تمم ما بقي (1118) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائما وقاعداَ، وفعل بعض الركعة قائمَا".. (731) .

(4/226)


ش- أحمد بن عبد الله بن يونس: ابن عبد الله بن قيس اليربوعي التميمي أبو عبد الله الكوفي. سمع: مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وزهير بن معاوية وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وجماعة آخرون، قال أبو حاتم: كان ثقة متقنا، آخر من روى عن سفيان الثوري. وروى كل واحد من الترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن رجل، عنه. توفي في ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين بالكوفة (1) .
قوله: "حتى إذا بقي أربعين أو ثلاثين آية ": هكذا قد وقع في كثير من النسخ؛ والصحيح: "حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آيةً" ويمكن أن نأول الوجه الأول على تقدير: حتى إذا بقي قراءتُه مقدار أربعين أو ثلاثين آية قام فقرأها ثم سجد.
فيه جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وعامة العلماء، وسواء في ذلك: قام ثم قعد أو قعد ثم قام. ومنعه بعض السلف وهو غلط. ولو نوى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عند الجمهور، وجوّزه من المالكية ابن القاسم، ومنعه أشهبُ. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
930- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد وأبي النضر، عن أبي سلمه بن عبد الرحمن، عن عائشةَ- رض الله عنها-/ زوج النبي - عليه السلام-، أن النبي- عليه السلام- كان يُصَلي جَالسًا فيَقرأ وهو جَالس، فإذا بَقِيَ (2) من قِرَاءَتِهِ قَدرُ ما يكونُ ثلاثينَ أو أربعينَ أَيةً قَامَ فَقرأ وهو قَائم، ثم رَكَع وسجدَ (4) ، ثم يَفعل في الركعة الثانية مثلَ ذلك (5) .َ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 64) .
(2) في سنن أبي داود: "كان يصلي وهو جالس، وإذا بقي".
(3) في سنن أبي داود: "فقرأها".
(4) في سنن أبي داود: "ثم سجد".
(5) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: إذا صلى قاعداً ثم صح، أو وجد=

(4/227)


ش- عبد الله بن يزيد: المقرئ المدني. وأبو النضر مولى عمر بن عُبيد الله. روى له: البخاري، ومسلم (1) .
فيه دليل على استحباب تطويل القيام في النافلة، وقال صاحب "المحيط ": وطول القيام أفضل من طول الركوع والسجود، وتكثير الركعات أفضل من طول القيام، وقال الشافعي بالعكس. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
ص- قال أبو داود: روى علقمةُ بنُ وقاصٍ، عن عائشةَ- رضي الله عنها-، عن النبي- عليه السلام- نحوَه.
ش- علقمة بن وقاص بن مِحصن بن كلدة بن عبد ياليل بن طريف الليثي من أهل المدينة. يروي عن: عمر، وعائشة. روى عنه: الزهري، وابناه: عبد الله، وعمرو، وهو جد محمد بن عمرو بن علقمة. مات في ولاية عبد الملك بن مروان بالمدينة، ذكره ابن حبان في "الثقات " ووثقه النسائي- أيضا- (2) .
قوله: " نحوه" أي: نحو الحديث المذكور.
931- ص- نا مُسدد: نا حماد بن زيد قال: سمعتُ بُدَيل بن مَيْسرة، وأيوب يحدثان عن عبد الله بن شقيق، عن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله يُصلي ليلاً طويلاً قَائمًا، ويصلي (3) ليلاً طويلاً قاعدا، فهذا صلي قائمًا ركَعً قَائمًا، وإذا صلي قاعدا ركعَ قاعدا (4) .
__________
- خفة، تمم ما بقي (1119) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جوار النافلة قائما وقاعدا، وفعل بعض الركعة 112- (731) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2141) .
(2) المصدر السابق (20/ 4021) .
(3) كلمة "ويصلي " غير موجودة في سنن أبي داود.
(4) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعلا =

(4/228)


ش- أيوب: السختياني. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
932- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا يزيد بن هارون:.أنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن شقيق قال: سألتُ عائشة: كانَ رسولُ اللْه يَقرأ السُّوَرَ (1) في رَكعة؟ قالت: المفصلَ، قال: قلتُ: وكان يُصلِّي قاعدا، قالت: حين حطمه الباسُ (2) (3) .
ش- الهمزة في (كان) للاستفهام.
قوله: "المفصل" منصوب بفعل محذوف أي: كان يَقرأ المُفصل، وهو من أول سورة محمد، وقيل: من الحجرات وقيل غير ذلك على ما ذكرناه؛ سميت بذلك لفصل بعضها بعض أو لكثرة الفصل بينها ببسم الله الرحمن الرحيم، وقيل: لإحكامه، وقيل: لقلة المنسوخ فيه. قوله: " حين حَطَمه البَاسُ " بالباء الموحدة هكذا وقعَ وله وَجْه؛ لأن الباس في اللغَة: الشدة، ويكون كناية عن كبر السن بمعنى: حين هجم عليه كبر السن. والمشهور فيه: "الناسُ "- بالنون-، والرواية الأخرى تفسره وهي: قوله: وسألتها: أكان يصلي قاعدًا؟ قالت: بَعْدما حطمتموه، يقال: حطم فلانًا أهلُه إذا كبُر فيهم، كأنهم بما حمّلوه من أثقالهم صيرُوه شيخًا مَحْطوما؛ والحَطْمُ: كَسْر الشيء اليابِس.
* * *
171- بَاب: كيفَ الجُلوُس في التَشَهُّد؟
أي: هذا باب في بيان كيفية الجلوس في التشهد، وفي بعض النسخ: "تفريع أبواب التشهد باب كيف الجلوس في التشهد؟ ".
__________
=بعض الركعة قائما وبعضها قاعداً 109- (730) ، النسائي: باب: كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائما؟ (3/ 220) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: في صلاة النافلة (1228) .
(1) في سنن أبي داود: "السورة".
(2) في سنن أبي داود: "الناس" وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) تفرد به أبو داود.

(4/229)


933- ص- نا مسدد: نا بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجْر قال: قلتُ: لأنْظُرَنَّ إلى صلاةِ رسول اللهِ كيف يُصلِّي، فقامَ رسولُ الله فاستقبلَ القِبلةَ فكَبر فَرفعَ يَدَيْه حتى حَاذتَا بأذنيه، ثم أخَذَ شمَالَهُ بيمينه، فلَما أرادَ أن يَركَعَ رَفَعَهُمَا مثلَ (1) ذلكَ، قالَ: ثم جلس فافترش رَجلَهُ اليُسرى، ووَضع يَدَهُ اليُسرى على فَخِذه اليُسرى، وَحَدَّ مِرْفَقه اليُمنى (2) على فَخذه اليُمنى، وقَبَضَ ثنتينِ، وحَلَّقَ حَلقة، ورأيتُه يقولُ هكذا- وحَلقَ بشرٌ الَإَبهَامَ والوُسْطى وأشاَرَ بالسبابَةِ (3) (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " رفعهما إلى مثل".
(2) في سنن أبي داود: " الأيمن ".
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: رفع اليدين إذا ركع ... (867) ، وتقدم برقم (7 0 7) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: موضع اليمين من الشمال في الصلاة (126/2) و (2/ 1 1 2) و (3/ 35، 37) .
(4) الأحاديث من (ص 958: 962) لم ترد في نسخة المصنف، وقال في " عون المعبود": هذه الأحاديث ليست في رواية اللؤلؤي، ولذا لم يذكرها المنذري في "مختصره"، ولم توجد في عامة النسخ، وإنما وجدت في نسخة واحدة صحيحة ذكرها المزي في "الأطراف" اهـ. قلت: وقد رأيت إثبات هذه الأحاديث وهي:
958- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر قال: سُنَة الصلاةِ أن تَنصِبَ رِجلَك اليمنى، وتَثنِي رِجلَك اليُسرى.
959- حدثنا ابن معاذ، حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى، قال: سمعت القاسم يقول: أخبرني عبد الله بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: من سُنة الصلاة أن تُضْجعَ رِجلَكَ اليُسْرى وتَنصِبَ اليُمنى.
960- حدثنا عثمَان بن أبَي شيبة، حدثنا جرير، عن يحيي بإسناده مثله.
قال أبو داود: قال حماد بن زيد عن يحيي أيضا: من السُنَّة، كما قال جرير.
961- حدثنا القعنبيِ، عن مالك، عن يحيِى بن سعيد، أن القاسم بن محمد أراهُم الجلوس في التشهد، فذكرَ الحديث.
962- حدثنا هنًاد بن السوري، عن وكيع عن، سفيان، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، قال: كان النبي فيه إذا جَلَسَ في الصلاةِ افترش شك رجلَهُ اليُسرَى حتى اسود ظهرُ قدمِهِ.

(4/230)


ش- الحديث بعيْنه قد مر في " باب رفع اليدين " وشرحناه هنالك
فليراجع فيه.
قوله: "وحلق بِشْر " أي: بشْر بن المفضل.
* * *