شرح أبي داود
للعيني 172- بَاب: مَنْ ذكرَ التَّورك في الرابعة
أي: هذا باب في بيان من ذكر التورك على آخر الركعة
الرابعة؛
والتورك: أن يجلسَ على أليتيه ويَنْصبَ رجله اليمنى ويخرج
اليُسرى من
تحتها.
934- ص- نا أحمد بن حنبل: نا أبو عاصم الضحاك بن مخلد: أنا
عبد الحميد- يعني: ابن جعفر- ح ونا مسدد: نا يحيى: نا عبد
الحميد
- يعني: ابن جعفر- قال: حدثني محمد بن عمرو، عن أبي حميد
الساعدي قال: سمعته في عشْرة من أصحاب رسول الله- عليه
السلام-.
وقال أحمد: أخبرني محمد بن عمرو بن عَطاء قالَ: سمعت أبا
حميد
الساعدي في عشْرة من أصحاب النبيَ- عليه السلام-/ منهم أبو
قتادةَ قال [2/45 - ب] ، أبو حميد: أنا أَعْلَمكُم بصلاة
رَسول الله- عليه السلام-، قالوا: فاعْرِضْ
فذكَرَ الحديثَ قال: ويفْتح أصابعَ رِجلَيَه إذا سَجدَ، ثم
يُقر (1) ثم يقولُ:
الله أكبر، ويرفعُ ويَثْني رِجلَه اليسْرى فَيَقعُدُ
عليها، ثم يَصْنعُ في الأخَرى
مثل فلك، فذَكَرَ الحَديثَ قال: حنى إذا كانت السجدةُ التي
فيها التسْليمُ
أَخر رِجلَهُ اليُسْرى وقَعدَ مُتَوركا على شفه الَأيْسر.
زادَ أحمدُ: قالوها:
صدقتَ، هكذا كان يُصغي، ولم يذكرا فهي حَديثهما الجلوسَ في
الثامن
كيف جَلَسَ (2) .َ
__________
(1) قوله: " ثم يقر " غير موجود في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: سُنة الجلوس في التشهد
(828) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف الصلاة
(304، 305) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الاعتدال في
الركوع (2/ 187) ، وباب: فتح أصابع =
(4/231)
ش- الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبِيل،
ويحيي: القَطان، ومحمد ابن عَمرو: ابن عَطاء العامري
القرشي.
قوله: " سمعتُه في عشرة ": أي: سمعته حال كونه بين عشرة من
أصحاب النبي- عليه السلامَ-، ويجوز أن يكون "في" بمعنى
"مع" أي: مع عشرة أنفس؛ كما في قوله تعالى: "فَخَرَجَ
عَلَى قَوْمه في زينَتِهِ" و (1) . قوله: "وقال أحمد:
أخبرني محمد بن عَمْرو" أي: قال أحمد بن حنبل في روايته:
قال عبد الحميد بن جعفر: أخبرني محمد بن عمرو موضع "حدثني
".
قوله: "فاعرِض" أمر من عَرَض يَعْرض، وهمزته تسقط بالدرج
بخلاف ما إذا أخذت الأمر من الإعراض فإن همزته للقطع.
والحديث قد تقدم بأتم منه في "باب رفع اليدين " وشرحناه
مستوفى فليراجع فيه. وأخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه.
935- ص- نا عيسى بن إبراهيم المصري: نا ابنُ وهْب، عن
الليث، عن يزيد بن محمد القرشيِ، ويزيد بن أبي حبيب، عن
محمد بن عَمرو بن حَلحَلةَ، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه
كان جَالسا مع نفر من أصحاب رَسُول الله- عليه السلام-
بهذا الحديث ولم يذكرْ أبا قتادة، قال: فإذا جَلَسً في
الركعتين جَلَسَ على رجله اليُسْرَى فإذا جَلَسَ في
الركعةِ الأخِيرةِ قَدمَ رِجلَه اليُسرى وَجَلَسَ على
مقعَدتِهِ (2) .
ش- ابن وهب: هو عبد الله بن وهب، والليث: ابن سَعْد، ويزيد
__________
الرجلين في السجود (2/ 211) ، و (3/ 2، 35) ، ابن ماجه:
كتاب (قامة الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (803) ، وباب: رفع
لليدين إذا ركع، وإذا
رفع رأسه من الركوع (862) ، وباب: إتمام للصلاة (1061) ،
وقد تقدم برقم (711) .
(1) سورة القصص: (79) .
(2) انظر الحديث للسابق.
(4/232)
ابن محمد: ابن قيس القرشي المصري، ويزيد بن
أبي حبيب- سُويد- المصْري، ومحمد بن عمرو بن حَلْحلة:
الديلي المدني.
قوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور، ولم يذكر أبا
قتادة: الحارث بن ربعي المدني.
قوله: " في الركعتين " أراد به التشهد الأول، وأراد
بالركعة الآخرة: التشهد الأخير. وقد مر هذا الحديث- أيضا-
بأتم منه في الباب المذكور. والشافعي تمسك بهذا الحديث في
أن السنة: الافتراش في الأولى والتورك في الثانية. وبه قال
أحمد، وقال مالك: السُّنَة: هي التورك فيهما. وعندنا:
السنة: أن يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى
نصبًا في القعدتين جميعاً. واستدلوا بحديث عائشة في "صحيح
مسلم": "قالت: كان رسول الله يفتتح الصلاة- إلى أن قالت-:
وكان يفرش اليسرى ويَنْصب رجله اليمنى، الحديث. وروى
النسائي بإسناده إلى ابن عمر، عن أبيه قال: " من سُنَة
الصلاة: أن تنصب القدم اليمنى واستقبالك بأصابعها القبلة،
والجلوس عَلى اليُسْرى". ورواه البخاري في " صحيحه" بلفظ:
"إنما سُنَّة الصلاة: أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليُسْرى
لما؛ لم يذكر فيه استقبال القبلة بالأصابع. وروى الترمذي،
عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: قدمتُ
المدينة قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله، فلما جلس - يعني:
التشهد- افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه
اليسرى، ونصب رجله اليمنى،. وقال: حديث صحيح.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : الجلسات عند الشافعي أربع:
الجلوس بين السجدتين، وجلسة الاستراحة عجيب كل ركعة يعقبها
قيام، والجلسة للتشهد الأول، والجلسة للتشهد الأخير؛
فالجميع تسن مفترشا إلا الأخيرة، فلو كان مسبوقا وجلس
إمامه في آخر الصلاة متورطا جلس
__________
(1) شرح صحيح مسلم (215/4) .
(4/233)
المسبوق مفترشا؛ لأن جلوسه لا يعقبه سلام،
ولو كان على المصلي
سجود سهو فالأصح: أن يجلس مفترشا في تشهده، فإذا سجد سجدتي
السهو تورك ثم سلم.
وأما جلوس المرأة: فهو التورك عندنا.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وجلوسُ المرأة كجلوس الرجل.
وحكى القاضي عياش عن بعض السلف: إن سُنَة المرأة: التربع،
وعن بعضهم: التربع في النافلة.
وفي " مصنف " ابن أبي شيبة: نا وكيع، عن ثور، عن مكحول أن
46/21- 7 أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة/ كجلسة الرجل،
وكان أنس يقول: تجلس المرأة كما يجلس الرجل. وبه قال
النخعي، ومالك، وقالت
طائفة: تجلس كيف شاءت إذا تجمعت، منهم عطاء، والشعبي. وقال
ابن بطال: وكانت صفية- رضي الله عنها- تصلي متربعة، ونساء
ابن
عمر كن يفعلنه. وقال- أيضا-: روي عن جماعة من السلف أنهم
كانوا يتربعون في الصلاة كما فعله ابن عمر، منهم ابن عباس،
وأنس،
وسالم، وعطاء، وابن سيرين، ومجاهد، وجوزه الحسن في
النافلة،
وفي رواية: كرهه هو والحكم وابن مسعود.
936- ص- نا قتيبةُ: نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن
محمد
ابن عَمرو بن الحلة، عن محمد بن عمرو العامري قال: كنتُ في
مَجلسِ،
بهذا (2) قال فيه: فإذا قَعدَ في الركعتينِ قَعدَ على بطنِ
قَدَمه اليُسْرى،
ونَصبَ اليُمنى، فإذا كانت الرابعةُ أفضَى بِوَرِكه
اليُسْرى إلي لأرْضِ،
وأخْرَجَ قدمَيْهِ من نَاحيةِ وَاحده (3) .
ش- أي: بهذا الحديث.
__________
(1) المصدر السابق.
(2) في سنن أبي داود: وبهذا الحديث،.
(3) انظر التخريج السابق.
(4/234)
قوله: " فإذا كانت الرابعةُ" برفع الرابعة
على أنها اسم " كان"، ولا يحتاج إلى الخبر لأنها تامة.
وقوله: " أفضى" إلى آخره تفْسيرُ التورك، وهذا وأمثاله
كلها محمولة على حالة العذر إما لكبر سن أو غيره من
الأعذار.
937- ص- نا علي بن الحسين بن إبراهيم: نا أبو بدر قال:
حدثني زُهير أبو خيثمة: نا الحسنُ بن حُر: نا عيسى بن عبد
الله بن مالك، عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في
مجلسٍ فيه أبوه، فذكر فيه قال: فَسَجدَ فانتصب على كَفيْه
ورُكبتَيْه وصُدور قَدمَيْه وهو جالس فَتوركَ ونصبَ قَدمَه
الأخرى، ثم كَبر فَسجَدَ، ثم كَبر فَقام، وَلم يَتَوَركْ،
ثم عَادَ فركع الركعةَ الأخرى فكَبر كذلك ثم جَلَس بعد
الركعتين حتى إذا هو أَرادَ أن ينهضَ للقيام قَامَ بتكبير،
ثم رَكعً الركعتين الأخَريينِ، فَلما سلم الركعتين عن
يمينِه وعن شِمالِهِ.
لَم يذكرْ في حديثِه ما ذكرَ عبدُ الحميدِ من التوَرك في
الرفع (1) إذا قام من ثِنتين (2) .
ش- أبو بدْر: شجاع بن الوليد، وزهير: ابن معاوية أبو
خيثمة، والحسن بن حر: النخعي، وعيسى بن عبد الله بن مالك
الدار: مولى عمر بن الخطاب.
وقد تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في" باب استفتاح الصلاة"
إلا أنه راد هناك في الإسناد رجلا بين عيسى بن عبد الله
وبن عباس بن سهل، وهو محمد بن عمرو بن عطاء، وقال فيه: "
وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس فتورك " وقال هنا:" وهو
جالس "، وقد شرحناه هناك مُستوفى.
938- ص- نا أحمد بن حنبل: نا عبد الملك بن عَمرو قال:
أخبرني
__________
(1) في سنن أبي داود: "في التورك والرفع ".
(2) تقدم برقم (714) .
(4/235)
فُليح قال: أخبرني عباس بن سَهْل قال:
اجتمع أبو حُميد وأبو أسيد وسَهْل ابن سَعْد ومحمد بن
مَسْلمة، فذُكِرَ هذا الحديثُ، لم يُذْكَرْ الرفعُ إذا
قامَ من ثنتين ولا الجلوسَ، قال: حتى فَرِغَ ثم جَلَسَ
فافترشَ رجْلَه اليُسرى، وأقبلً بصدْرِ اليُمنى على
قِبلَتِهِ (1) .
ش- قد تقدم هذا الحديث- أيضا- في " باب رفع اليمَيْن ".
قوله: " فذكر هذا الحديث" برفع الحديث وبناء " ذُكِرَ" على
صيغة المجهول، وكذا قوله: "لم يذكر الرفع".
* * *
173- بَابُ: التَّشهُّدِ
أي: هذا باب في بيان التشهد، وفي بعض النسخ: "باب ما يقول
في التشهد" والأول أصح.
939- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن سليمان الأعمش قال: حدثنا
شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: كُنا إذا
جَلَسْنَا مع رسول الله - عليه السلام- في الصلاة قلنا:
السلامُ على الله قَبْلَ عبَاده، السلامُ عَلىَ فلان
وفلان، فقال رسولُ اَلله: "لا تقولوا: السَلامُ علىَ
اَلله؛ فإن الله هو السلَامُ؛ ولكَن إذا جَلَسَ أحدُكُم
فليقلْ: التحياتُ لله والصلَواتُ والطيبات، السلامُ عليكَ
أيها النبي - صلى الله عليه وسلم -رحمةُ الله وبركاتُه،
السلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالحين؛ فإنكم إذا قُلتُم
ذلك أصَاَبَ كل عَبد صالحِ في السماءِ والَأرضِ أو بينَ
السماء والأرضِ، أشهدُ أن لا إله إلام اللهُ وأشهدُ أن
محمدا عبدُه ورسولُه، ثم ليَخترْ أحدكُم من الدعاءِ أعجبَه
إليه، فيَدْعو بهِ " (2) .
__________
(1) تقدم برقم (15) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: التشهد في الآخرة (831) ،
مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة (58/ 402) ،
النسائي: كتاب السهو، باب: إيجاب التشهد (3/ 40) و (3/ 41،
50) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التشهد
(899) .
(4/236)
ش- السلامُ: اسم من أسماء الله تعالى؛
ومعناه: السالم من النقائص وسمات الحدث، ومن الشريك والند،
وقيل: بمعنى المسلم أوليائه، وقيل: المسلم/ عليهم. [2/46 -
ب]
قوله: " التحيات لله " التحيات: جمع تحية وهي السلامة من
جميع الآفات، وقيل: البقاء الدائم، وقيل: العظمة، وفي
"المحكم": التحية: السلام. وقال الخطابي: رُوي عن أنس في
تفسيرها في أسماء الله: السلام المؤمن المهيمن العزيز
الجبار الأحد الصمد، قال: التحيات لله بهذه الأسماء، وهي
الطيبات لا يحيي بها غيرُه. وقال ابن الأثير (1) :
التحيات: كلمات مخصوصة كانت العرب تحيي بها الملوك كقولهم:
أبيْت اللعن، وأنعمْ صباحا، وعم ظلام: "وزي دَه هزار سَال
" (2) أي: عِش عشرة آلاف سنة، وكلها لا يصلح شيء منها
للثناء على الله تعالى فتركت واستعملت بمعنى التعظيم،
فقيل: قولوا: التحيات لله أي: الثناء والعظمة والتمجيد كما
يستحقه ويجبُ له.
قوله: "لله " اللام فيه لام الملك والتخصيص، وهي للأول
أبلغ وللثاني أحسن. وقال القرطبي: فيه تنبيه على أن
الإخلاص في العبادات والأعمال لا يُفعل إلا لله تعالى،
ويجوز أن يراد به الاعتراف بأن ملك ذلك كله لله تعالى.
قوله: "والصلوات " قيل: أراد الصلوات الخمس، وقيل:
النوافل، قال ابن الأثير: والأول أولى. وقال الأزهري:
العبادات. وقال الشيخ تقي الدين: والصلوات يحتمل أن يراد
بها الصلوات المعهودة، ويكون التقدير: إنها واجبة لله، ولا
يجوز أن يقصد بها غيره أو يكون ذلك إخبارا عن قصد إخلاصنا
الصلوات له أي: صلاتنا مخلصة له لا لغيره؛ ويجور
__________
(1) النهاية (1/ 183) .
(2) هذه الجملة جملة فارسية، ومعلوم أن المصنف كان يجيد
اللغة التركية، فلعله ذكرها عرضا.
(4/237)
أن يراد بالصلوات الرحمة، ويكون مبنى قوله
" لله" أي: المتفضل بها، والمُعْطي هو الله؛ لأن الرحمة
التامة لله تعالى لا لغيره.
قوله: " والطيبات " أي: الكلمات الطيبات. وقال الشيخ تقي
الدين: وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال الطيبات، ولعل
تفسيرها بما هو أعم أولى، أعني: الطيبات من الأفعال
والأقوال والأوصاف؛ وطيب الأوصاف كونها صفة الكمال وخلوصها
عن شوائب النقص. وقال الشيخ حافظ الدين النسفي رحمه الله:
التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية،
والطيبات: العبادات المالية.
قوله: "السلام عليك أيها النبيّ، قيل: معناه: التعوذ باسم
الله الذي [هو] السلام كما تقول: الله معك أي: الله متوليك
وكفيل بك، وقيل: معناه: السلامة والنجاة لك كما في قوله
تعالى: "فسلام لكَ منْ أصْحَاب اليَمين" (1) . وذكر الفخْر
الفارسي الخُبْري: معنى السلَام على النبَي- عَليه السلام-
أي: اسم الله عليك، وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات،
وسًلِمْتَ من المكاره والمذامّ والآفات، فإذا قلنا: اللهم
صلي على محمد إنما نُريدُ: اللهم اكتب لمحمد في دعوته
وأمته، وذكره السلامة من كل نقص، وقال الشيخ حافظ الدين:
يعني السلام الذي سلمه الله تعالى عليك ليلة المعراج، ورفع
ليدل على الثبوت والاستمرار. وقال ابن الأثير: السلام
مُنكر، أراد: " سلام عظيم لا يدرك كُنهه، ولا يعرف قدره"،
وكثر ما جاء في القرائن مُنكَّرا، ومن رواه مُعَرفا فلأنه
أراد إما سلاما معهودة أو جنْس السلام.
قلت: يقتضي تفسير الشيخ حافظ الدين أن يكون الألف واللام
فيه للعهد، وهو السلام الذي سلمه الله عليه ليلة المعراج.
قوله: " وبركاته " البركات: جمع بركة؛ وهي: الخير الكثير
من كل شيء؛ واشتقاقه من البرك وهو الإبل الكثير.
__________
(1) سورة الواقعة: (91) .
(4/238)
قوله: " السلام علينا " أراد به الحاضرين
من الإمام والمأمومين والملائكة عليهم السلام.
قوله: " وعلى عباد الله الصالحين " الصالح: هو القائم بما
عليه من حقوق الله وحقوق العباد. وقال القرطبي: فيه دليل
على أن الدعاء يصلُ من الأحياء إلى الأمْوات.
قوله: " وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " قال أهل اللغة:
يُقال: رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة. وقال ابن
الفارس: وبذلك سمى نبينا محمداً يعني: لعلم الله تعالى
بكثرة خصاله المحمودة. قلت: الفرق بين محمد وأحمد أن
محمداً مُفعّل للتكثير، وأحمدُ أفعل للتفضيل، والمعنى: إذا
حمدني أحد فأنت أحمدُ منهم، وإذا حمدتُ أحدا فأنت محمد/
والعبدُ: الإنسان حرا كان أو رقيقا، وجَمعُه: اعبدٌ [2/47
- أ] وعبيد وعباد وعُبْد وعبْدان وعُبدان، وأعابد جمع
أعبُد، والعِبْدي والعبد والعُبُوداء والعبدة أسمَاء
الجمع، وجعل بعضهم العبادَ لله وغيره من الجَمع لله
والمخلوقين، وخصّ بعضهم بالعبْدَى العَبيد الذين وُلدُوا
في الملْك، والأنثى: عَبْدة، والعَبْدل: العَبْدُ، َ ولامه
زاَئدة. وقالَ أبو علي الدقاق: ليْس شيء أشرف من العبودية،
ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية؛ ولهذا قال الله
تعالى للنبي- عليه السلام- ليلة المعراج وكانت أشرف أوقاته
في القرب "سبحانَ الَّذي أسْرَى بعَبْده " (1) وقال في تلك
الليلة" فأوْحَى إِلَى عبدهِ مَا أوْحَى" (2) .
وفي قوله: "أصابَ كل عبد صالح في السماء " دلالة على أن
الألف واللام الداخلتين للجنس تقتضي الاستغراق والعموم.
قوله: " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه " فيه
استحباب الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام. وقال الشيخ محيي
الدين: وفيه: أنه يجور الدعاء بما شاء من أمور الدنيا
والآخرة ما لم يكن إثمًا، وهذا مذهبنا
__________
(1) سورة الإسراء: (1) .
(2) سورة النجم: (10) .
(4/239)
ومذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يجور
إلا الدعوات الواردة في القرآن أو السنة.
قلنا: لأن الدعاء من أمور الدنيا مثل قوله: " اللهم زوجني
فلانة، أو: ارزقني ألف دينار" من كلام الناس، وقد صح في
الحديث: " إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس"-
كما ذكرناه-. وقال الشيخ تقي الدين: بعض الفقهاء من أصحاب
الشافعي استثنى بعض صور من الدعاء تُقبحُ كما لو قال:
اللهم أعطني امرأةً صفتها كذا وكذا- وأخذ يذكر أوصاف
أعضائها-.
وهذا الحديث: أخرجه الأئمة الستة عن عبد الله بن مسعود،
ولفظ مسلم قال: علمني رسول الله التشهد كفي بين كفيه كما
يُعلمني السورة من القرآن فقال: " إذا قعد أحدكم في الصلاة
فليقل: التحياتُ لله والصلواتُ والطيباتُ السلامُ عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين، فإذا قالها أصابَتْ كل عبد صالح في السماء
والأرضِ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله ". زادوا في رواية إلا الترمذي، وابن ماجه: " ثم
ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به " قال
الترمذي: أصح حديث عن النبي - عليه السلام- في التشهد:
حديث ابن مسعود، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من
الصحابة والتابعين. ثم أخرج عن معمر، عن خصيف قال: رأيت
النبي- عليه السلام- في المنام فقلتُ له: إن الناس قد
اختلفوا في التشهد فقال: عليك بتشهد ابن مسعود (1) .
وأخرج الطبراني في "معجمه" عن بشير بن المهاجر، عن ابن
بريدة، عن أبيه قال: ما سمعتُ في التشهد أحسن من حديث ابن
مسعود وذلك أنه رفعه إلى النبي- عليه السلام-ووافق ابن
مسعود في روايته عن النبي - عليه السلام- هذا التشهد جماعة
من الصحابة فمنهم معاوية، وحديثه
__________
(1) جامع الترمذي (2/ 82) .
(4/240)
عند الطبراني في " معجمه" أخرجه عن إسماعيل
بن عياش، عن جرير بن
عثمان، عن راشد بن سعد، عن معاوية بن أبي سفيان، أنه كان
يُعلم
الناس التشهد وهو على المنبر عن النبي- عليه السلام-: "
التحيات لله والصلوات والطيبات" إلى آخره سواء.
ومنهم: سلمان الفارسي، وحديثه عند البزار في " مُسنده "
والطبراني
في "معجمه "- أيضا- أخرجاه عن سلمة بن الصلت، عن عُمر بن
يزيد الأزدي عن أبي راشد قال: سألت سلمان الفارسي عن
التشهد
فقال: أعلمكم كما علمنيهن رسول الله- عليه السلام-: "
التحيات لله والصلوات والطيبات" إلى آخره سواء.
ومنهم عائشة- رضي الله عنها- وحديثها عند البيهقي في "سننه
"
عن القاسم، عنها قالت: هذا تشهد النبي- عليه السلام-: "
التحيات
لله " إلى آخره. قال النووي في " الخلاصة": سنده جيد،
وفيه: فائدة
حسنة؛ وهي أن تشهده- عليه السلام- بلفظ: تشهدنا. وقال
الخطابي:
/ أصح الروايات وأشهرها رجالا: تشهد ابن مسعود. وقال ابن
المنذر، [2/47 - ب] وأبو علي الطوسي: قد روي حديث ابن
مسعود من غير وجه؛ وهو
أصح حديث رُوي في التشهد عن النبي- عليه السلام-. وقال
أبُو عُمر:
بتشهد ابن مسعود أخذ أكثر أهل العلم لثبوت فعله عن النبي-
عليه
السلام-. وقال علي بن المديني: لم يصح في التشهد إلا ما
نقله أهل
الكوفة عن ابن مسعود، وأهل البصرة عن أبي موسى. وبنحوه
قاله ابن
طاهر. وقال النووي: أشدها صحة باتفاق المحدثين: حديث ابن
مسعود
ثم حديث ابن عباس.
قلت: ولأجل ذلك اختار أبو حنيفة وأصحابه تشهد ابن مسعود.
وقال صاحب " الهداية": والأخذ بتشهد ابن مسعود أولى؛ لأن
فيه
الأمْر، وأقلى: الاستحباب، والألف واللام وهما للاستغراق،
وزيادة
الواو وهي لتجديد الكلام كما في القسم وتأكيد التعليم.
(4/241)
قلت: أما الأمر وهو قوله " فليقل" وليس في
تشهد ابن عباس في ألفاظهم الجميع إلا في لفظ للنسائي: "
إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا" وفي لفظ له: " قولوا في كل
جلسة" وأما الألف واللام: فإن مسلما، وأبا داود، وابن
ماجه، لم يذكروا تشهد ابن عباس إلا معرفا بالألف واللام.
وذكره الترمذي، والنسائي مُنكرًا: " سلام عليك أيها النبي،
سلام علينا". وكان برهانُ الدين اعتمد على هذه الرواية.
وأما الواو: فليْس في تشهد ابن عباس عند الجميع. وأما
التعليم: فهو- أيضا- في تشهد ابن عباس عند الجميع: " كان
رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القراَن".
هكذا لفظ مسلم، وفي لفظ الباقين: كما يعلمنا القراَن.
وفي تشهد ابن مسعود: تَراجيح أُخر؛ منها: أن الأئمة الستة
اتفقوا عليه لفظا ومعنى؛ وذلك نادر، وتشهد ابن عباس معدود
في أفراد مسلم، وأعلى درجة الصحيح عند الحُفاظ: ما اتفق
عليه الشيخان، ولو في أصله فكيف إذا اتفقا على لفظه؟.
ومنها: إجماع العلماء على أنه أصح حديث في الباب- كما تقدم
من كلام الترمذي. ومنها: أنه قال فيه: "علمني التشهد كفي
بين كفيه"، ولم يقل ذلك في غيره؛ فدل على مزيد الاعتناء
والاهتمام به.
ثم اختلفت العلماء في التشهد هل هو واجب أم سُنة؟ فقال
الشافعي وطائفة: التشهدُ الأولُ سُنة، والأخير: واجب. وقال
جمهور المحدثين: هما واجبان. وقال أحمد: لأول واجب،
والثاني: فرض. وقال أبو حنيفة، ومالك، وجمهور الفقهاء: هما
سنتان. وعن مالك رواية بوجوب الأخير. وقال ابن بطال: أجمع
فقهاء الأمصار أبو حنيفة، ومالك، والثوري، والشافعي،
وإسحاق، والليث، وأبو ثور على أن التشهد الأول ليس بواجب،
حاشا أحمد؛ فإنه أوجبه، ونقل ابن الأثير وجوبهما عن أحمد
وإسحاق، ونقله ابن التين- أيضا- عن الليث وأبي ثور. وفي "
المغني": إن كانت الصلاة مغربًا أو رباعية، فهما
(4/242)
واجبان فيهما على إحدى الروايتين، وهو مذهب
الليث وإسحاق؛ لأنه - عليه السلام- فعله وداوم عليه وأمَر
به في حديث ابن عباس بقوله: "فقولوا: التحيات لله " وقال
ابن قدامة: والأخرى: ليسا بواجبين. وفي شرح "الهداية":
قراءة التشهد في القعدة الأولى واجبة عند أبي حنيفة، وهو
المختار والصحيح، وقيل: سُنَّة؛ وهو أقيس؛ لكنه خلاف ظاهر
الرواية ثم السُّنَة في التشهد: الإخفاء؛ لما روى الترمذي
بإسناده إلى عبد الله بن مسعود: " من السنة: أن تخفي
التشهد" (1) ، وقال: حسن غريب. وعند الحاكم عن عبد الله:
من السّنَة: أن يخفى التشهد (2) ، وقال: صحيح على شرط
مسلم. وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه" عن عائشة قالت: نزلت هذه
الآية في التشهد "ولا تَجْهَرْ بِصلاَتكَ وَلا تُخَافِتْ
بِهَا" (3) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم (4) . 940- ص-
نا تميم بن المنتصر: أنا إسحاق- يعني: ابن يوسف- عن شريك،
عن أبي إسحاق/ عن أبي الأحول، عن عبد الله قال: كنا لا
نَدْري ما نقولُ إذا جَلَسْنا في الصلاةِ، وكان رسول اللهِ
قد عُلمَ، فذكر نحوه (5) .
ش- تميم بن المنتصر: ابن تميم بن الصلت بن تمام بن لاحق
الواسطي، أبو عبد الله الهاشمي مولى ابن عباس. سمع: إسحاق
بن يوسف الأزرق، ومحمد بن يزيد الكلاعي، وأحمد بن سنان
القطان. روى عنه:
__________
(1) يأتي في "باب إخفاء التشهد ".
(2) مستدرك الحاكم (1/268) .
(3) سورة الإسراء: (110) .
(4) كذا، ولم أره عند الحاكم، فلعلها سبق قلم، والله أعلم.
(5) الترمذي: كتاب الصلاة، باب منه أيضا (290) ، النسائي:
كتاب السهو، باب: إيجاب التشهد (3/ 40) ، كتاب التطبيق،
باب: كيف التشهد الأول (238/2) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة، باب: ما جاء في التشهد (899) .
(4/243)
أبو داود، والنسائي- وقال: ثقة- وابن ماجه.
ولد سنة ست وسبعين ومائة، ومات سنة أربع وأربعين ومائتين
(1) .
وشريك: ابن عبد الله النخعي، وأبو إسحاق: السبيعي، وأبو
الأحوص: عَوْف بن مالك الجُشمي الكوفي، وعبد الله: ابن
مسعود.
قوله: " قد عُلم " على صيغة المجهول مِن التَعْليم أي:
عُلم قراءة التحيات في التشهد، ثم علمنا، ويُقال: قد علم-
بالتخفيف على صيغة المعلوم- أي: علم ذلك منها، ثم أمرنا أن
نقول: " التحيات لله " إلى آخره. والحديث: أخرجه الترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال شريك: ونا جامع، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله بمثله.
ش- أي: شريك بن عبد الله، وجامع: ابن شداد، أبو صخرة
الكوفي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة.
قوله: "بمثله " أي: مثل الحديث المذكور.
ص- قال: وكان يُعَلِّمُنَا كَلمات ولم يكنْ يُعلمُنَاهُنَّ
كما يُعلِّمُنا التشهد:
" اللهم ألّفْ بين قُلُوبِنَا وأصلِحْ ذاتً بيننَا
واهْدنَا سُبُلَ السلام، ونَجنّاَ من الظلماتِ إلى النورِ،
وجنِّبْنَا الفَوَاحش ماَ ظَهرَ منوها وما بَطَنَ،
وبَارِكْ لنا في أسْمَاعنَا وأبْصارنَا وقُلوبنَا وأزواجنا
وذرياتنَا، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واجعلنَا
شَاكِرين لنِعمَتِكً، مثنِينَ بَها، قَائِلِيهَا (2) ،
وأتِمّهَا عَلينا ". ش- أي: قال ابن مسعود: وكان النبي-
عليه السلام- يُعلمنا كلمات.
قوله: " ألف بين قلوبنا " من التأليف، والألفة بين القلوب:
الأنس والمُداراة، ورعاية بعضهم بعضًا، وعدم الخلف؛ لأن
خلف القلوب يورِث فساد الأبدان.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 807) .
(2) في سنن أبي داود: "قابليها".
(4/244)
قوله: " وأصلح ذات بَيْننا" مراده: أصلح
بيننا، ولفظة "ذات" رائدة للتأكيد؛ وإصلاح البَيْن: أن
يكونوا متفقين على الحقَّ، راضين بما بينهم مما أعطاهم
الله تعالى من النعم، متحابين في الله تعالى.
قوله: " واهدنا سبل السلام" السبل- بضم السين والباء- جمع
سبِيلٍ، أي: طُرُق السلامة.
قوله: "ونجنا من الظلمات إلى النور" المراد من الظلمات:
الضلالات؛ جُمعت لاختلافها، واتحد النور؛ لأن الإيمان
واحد؛ والمعنى: اصرفنا مبتدئين من الظلمات منتهين إلى
النور، وتحقيق المعنى: ثبتنا على ما كنا عليه من الانصراف
والبُعْد عن الضلالة، والثبات على النور.
قوله: "وجنبنا الفواحش" أي: أبعدنا من الفواحش؟ وهي جمع
فاحشةٍ، وهي كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا
ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من
الأقوال والأفعال. وقوله: نا ما ظهر منها وما بطن لما
نوعان للفاحشة؛ فالذي ظهر هو الذي يكون بيْنه وبين العباد،
والذي بطن: هو الذي يكون بيْنه وبين الله، أو الذي ظهر: هو
ما يكون من الجوارح، والذي بطن: ما يكون من القلوب.
قوله: "وبارك لنا في أَسْماعنا وأبْصارنا" سأل الله تعالى
أن يُبارك في سمعه وبصره إذا أدركه الكبرُ، وضعف منه سائرُ
القوة، ليكونا وارثي سائر القُوى، والباقين بَعْدهما،
ويُقال: أراد بالأسماع والأبصار: الأولاد والأعْقاب، وقيل:
بالأسْماع: وَعْي ما يَسْمعُ، وبالأبْصار: الاعتبار بما
يرى.
قوله: " وقلوبنا" أي: بارك لنا في قلوبنا بمعنى: أثبتْ لها
وأدِمْ ما أعطيتها من اليقين والمعرفة والاعتقاد الصحيح.
قوله: "وأزواجنا" أي: وبارك لنا في أزواجنا بمعنى: أثبت
لهن وأدم
ما أعطيتهن من الألفة والسكون إلى أزواجهن، ومن حفظ
حقوقهم،
(4/245)
وتحصين أنفسهن، ورضاهن عليهم. ورأيتُ في
بعض النسخ الصحيحة
ضبطها بالحاء المهملة (1) ، يعني: وبارك لنا في أرواحنا
بمعنى: أثبت
وأدمْ ما قد [ر] ت لها من البقاء إلى وقتها المعلوم عندك
بالخير والهُدى،
والَانتفاع بها بالصحة والسلامة.
قوله: " وذرياتنا " أي: وَبارك لنا في ذرياتنا؛ بمعنى:
أثبت لهم وأدم
ما قدرت لهم من البقاء في دار الدنيا بالصلاح والخيْر؛ وهي
جمع ذريةِ،
وذرية الرجل: نَسْله، وأصله من ذرَأ الله الخلقَ يذرؤهم.
قوله: "مثنين بها" من أثنى يُثْني أي: قائمين بثناء نعمتك.
22/48 - ب] / قوله: "قائليها" بمعنى: مُعترفين بها غير
مُنكريها؟ والقول بالنعمة: عبارة عن إقامة شكرها،
والاعتراف بها بأنها فضل من الله تعالى.
941- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهَير: نا
الحَسن بن الحُرّ،
عن القاسم بن مُخيمرة قال: أخذَ علقمةُ بيدي فحدثني أن عبد
الله بنَ
مَسْعود أخذَ بيده، وأن رسولَ الله- عليه السلام- أخذَ بيد
عبد الله يعلَّمُه (2)
التشهّدَ في الصَلَاةِ. فذكر مثلَ دَعاء حديثِ الأعمشِ: "
إذاَ قُلَت هذا أو
قَضيتَ هذا فقد قَضيتَ صلاتَكَ إن شَئتَ أن تَقومَ [فقمْ]
، وإن شئتَ أن تَقْعُدَ فاقعُدْ " (3) .
ش- زهير: ابن معاوية.
والقاسم بن مخيمرة: أبو عروة الهمداني الكوفي، سكن دمشق.
روى عن: عبد الله بن عكيم، وعلقمة، وشريح بن هانئ وغيرهم.
روى عنه: أبو إسحاق السَّبيعي، والحكم بن عُتَيبة،
والأوزاعي وغيرهم،
قال ابن معين، وأبو حاتم، وأحمد بن عبد الله: ثقة. مات سنة
مائة
بالمدينة في خلاقة عمر بن عبد العزيز (4) .
__________
(1) يعني: بالراء والحاء المهملتين مفرد الروح.
(2) في سنن أبي داود: "فعلمه ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4825) .
(4/246)
وعلقمة: ابن قيس النخعي.
قوله: " مثل دعاء حديث الأعمش " هو الحديث الذي مضى في أول
لباب.
قوله: "إذا قلتَ هذا " أي: التحيات لله إلى آخره.
قوله: "أو قضيت هذا " أي: أو فعلت هذا أي: القعود.
قوله: " فقد قضيتَ صلاتك " أي: أديتها وأتممتها.
وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث في مسائل، الأولى: أن هذا
يُنافي فرضية الصلاة على النبي- عليه السلام- في الصلاة؛
لأنه- عليه السلام- علق التمام بالقعود؛ وهو حجة على
الشافعي،- وأيضًا- أنه - عليه السلام- علم التشهد لعبد
الله بن مسعود، ثم أمر عقيبه أن يتخير من الدعاء ما شاء،
ولم يُعلم الصلاة عليه، ولو كانت فرضًا لعلمه؛ إذ موضع
التعليم لا يؤخر فيه بيان الواجب،- وأيضًا- لما علم
الأعرابي أركان الصلاة لم يُعلمه الصلاة عليه، ولو كانت
فرضا لعلّمه، وكذا لم يُرْو في تشهد أحد من الصحابة، ومن
أوجبها فقد خالف الآثار. وقالت جماعة من أهل العلم: إن
الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة؛ وليس له سلف يقتدي
به؛ منهم: ابن المنذر، وابن جرير الطبري، والطحاوي، وهو
يستدل بقوله تعالى: "صلوا عَلَيْه " (1) والأمر للوجوب،
فلا يجب خارج الصلاة فتعينت الصلاة. وليسَ في الآية دلالة
على ما قال؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار؛ بل يجب في العمر
مرةً- كما اختاره الكرخي- أو كلما ذكر اسم النبي- عليه
السلام- كما اختاره الطحاوي-، وسنستوفي الكلام فيه في
موضعه.
الثانية: أن هذا يُنافي فرضية السلام في الصلاة؛ لأنه-
عليه السلام- خير المصلي بعد القعود، بقوله: إن شئت أن
تقوم، وإن شئت أن تقعد؛
__________
(1) سورة الأحزاب: (56) .
(4/247)
وهو حجة على الشافعي- أيضا- حيث افترض
السلام، وسنستكمل (1) بقية الكلام في (باب السلام) إن شاء
الله تعالى.
الثالثة: استدل به أصحابنا على فرضية القعدة الأخيرة.؛
وذلك لأنه
- عليه السلام- علق تمام الصلاة بالقعود، وما لا يتم الفرض
إلا به فهو فرض؛ وهو حجة على مالك؛ حيث لم يفترض القعدة
الأخيرة.
فإن قيل: أو لأحد الشيئين، وليس فيه دلالة على ما ادعيتم.
قلت: معناه: إذا قرأت التشهد وأنت قاعدٌ؛ لأن قراءته في
غير الصلاة لم تشرع ولم يُعتبر إجماعاً فصار المعنى: إذا
قلت هذا يعني: قرأت هذا وأنت قاعد أو قعدت ولم تقل، فصار
التخييرُ في القول لا في الفعل؛ إذ الفعل ثابت في الحالين.
فإن قيل: كيف تثبت الفرضية بخبر الواحد؟ قلت: ليس الثبوت
به؛
بل هو بالكتاب؛ لأن نفس الصلاة ثابتة به، وتمامها منها؛
فالخبر بيان لكيفية الإتمام والبيان به يصح كما في مسح
الرأس.
الرابعة: استدل به أبو يوسف، ومحمد في الاثني عشرية
المشهورة أن الصلاة لا تبطل بها؛ لأنه لم يبق عليه شيء،
فاعتراض العوارض عليه كاعتراضها بعد السلام، وقد عرف
مستوفًى في موضعه.
[2/49 - أ] ثم بقي الكلام في صحة/ هذا الحديث ورفعه إلى
النبي- عليه السلام-؛ " (2) فقد قال الخطابي (3) : اختلفوا
في هذا الكلام هل هو من قول النبي- عليه السلام- أو من قول
ابن مسعود؟ فإن صح مرفوعًا إلى النبي- عليه السلام- ففيه
دلالة على أن الصلاة على النبي- عليه السلام- في التشهد
غير واجبةٍ. وقال البيهقي (4) : وقد بينه شبابة بن
__________
(1) في الأصل: "وسنتكلم".
(2) انظر: نصب الراية (1/ 424- 425) .
(3) معالم السنن (1/198) .
(4) السنن الكبرى (2/ 174) .
(4/248)
سوار في روايته عن زهير بن معاوية وفصَل
كلام ابن مَسعود من كلام النبي - عليه السلام-، وكذلك (1)
رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن الحسن بن الحر
مُفصلا مُبينا. وقال ابن حبان بعد أن أخرج الحديث في "
صحيحه" في النوع الحادي والعشرين من القسم الأول بلفظ
السنن: وقد أوهم هذا الحديث مَنْ لم يُحكِم الصناعة أن
الصلاة على النبي ليست بفرض؛ فإن قوله: "إذا قلت هذا "
زيادة أدرجها زهير بن معاوية في الخبر عن الحسن بن الحر.
ثم قال: ذكر بيان أن هذه الزيادة من قول ابن مسعود، لا من
قول النبي- عليه السلام- وأن زهيرا أدرجه في الحديث، ثم
أخرجه عن ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن
مُخيمرة به سنداً ومتنًا، وفي آخره: قال ابن مسعود: فإذا
فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت وإن شئت
فانصرف. ثم أخرجه عن حسين بن علي الجُعْفي، عن الحَسن بن
الحُر به، وفي آخره: قال الحسن: وزادني محمد بن أبان بهذا
الإسْناد قال: فإذا قلت هذا فإن شئت فقم، قال: ومحمد بن
أبان ضعيف قد تبرأنا من عهدته في كتاب "الضعفاء".
وقال الدارقطني في" سننه" (2) بعد أن أخرج الحديث: هكذا
أدرجه بعضهم في الحديث عن زهير، ووصله بكلام النبي- عليه
السلام- وفَصَله شبابة بن سوار، عن زهير فجعله من كلام ابن
مسعود؛ وهو أشبه بالصواب؛ فإن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن
الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود؟ ولاتفاق حُسين
الجُعفي، وابن عجلان، ومحمد ابن أبان في روايتهم عن الحسن
بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى
التشهد عن علقمة وغيره، عن ابن مسعود على ذلك، ثم ساق جميع
ذلك بالأسانيد، وفي آخره: قال ابن مسعود: إذا فركت من هذا
إلى آخره (3) .
__________
(1) السنن الكبرى (2/ 175) منفصلا عن القول الأول.
(2) (1/ 352- 353) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(4/249)
والجواب عن جميع ما ذكروه من وجوه؛ الأول:
أن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، ولو كان فيه ما
ذكروه لنبه عليه؛ لأن عادته في كتابه أن يُلوح على مثل هذه
الأشياء.
الثاني: زعم أبو زيد الدبوسي وغيره أن هذه الزيادة رواها
أبو داود الطيالسي، وموسى بن داود الضبي، وهاشم بن القاسم،
ويحي بن أبي كثير، ويحيى بن يحيى النيسابوري في آخرين
متصلا؛ فرواية من رواه مفصولا لا يقطع بكونه مُدرجًا،
لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره، فسمعه هؤلاء متصلاً وهذا
مُنفصلا، أو قاله ابن مسعود فُتيا كعادته، وقد وجدنا في
كتاب النسائي من حديث الأفريقي، عن عبد الله بن عمرو، عن
النبي - عليه السلام-: "إنه إذا حدّث الرجلُ في آخر صلاته
قبل أن يسلم فقد جازت صلاته " ولفظ أبي داود: "فقد تمت
صلاته".
الثالث: أن عبد الرحمن بن ثابت الذي ذكره البيهقي قد ضعّفه
ابن معين، هو بنَفْسه ذكره في "باب التكبير أربعاً" وكذلك
غَسان بن الربيع الذي رَوى عن عبد الرحمن بن ثابت ضعفه
الدارقطني وغيره، وبمثل هذا لا تُعللُ رواية الجماعة الذين
جعلوا هذا الكلام متصلا بالحديث، وعلى تقدير صحة السند
الذي روي فيه موقوفا، فرواية من وقف لا تعلل بها رواية من
رفع؛ لأن الرفع زيادة مقبولة على ما عرف من مذاهب أهل
الفقه والأصول، فتُحمل على أن ابن مسعود/ رضي الله عنه
سمعه من النبي- عليه السلام- فرواه كذلك مرةً، وأفتى به
مرة أخرى، وهذا أولى من جعله من كلامه "إذ فيه تخطئة
الجماعة الذين وصلوه، ثم لو سلّمنا حصول الوهم في رواية من
أدرجه لا يتعين أن يكون الوهم مِن زُهير؛ بل ممن رواه عنه؛
لأن شبابة رواه عنه موقوفا.
942- ص- نا نَصْر بن علي قال: حدثنا أبىِ: نا شعبة، عن أبي
بشر قال: "سمعتُ مجاهدا يُحدث عن عبد الله بنِ عمر، عن
رسول الله في التشهد: "التحيات لله، الصلواتُ اَلطيباتُ،
السلام عليكم أيها النبي - صلى الله عليه وسلم -رحمة اللهِ
وبركاتُه " قال: قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها: وبركاته
"السلام علينا
(4/250)
وعلى عباد الله الصالحينَ، أشهدُ أن لا إله
إلا الله ". قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها: وحَده "لا شريكَ
له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه " (1) .
ش- نصر بن علي: أبو عمرو الصغير البصري، وأبوه: علي بن
نصْر ابن علي البصري. وأبو بشْر: جعفر بن أبي وحشية.
قوله: " الصّلوات " بدون واو العطف وكذلك " الطيبات" وهذا
السند صحيح. وروى مالك في " الموطأ " (2) عن نافع، عنه
موقوفا بلفظ: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزكيات
لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، شهدت أن
لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً (3) رسول الله، فإذا أراد
أن يُسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته،
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم. زاد
رزين في كتابه: وقال: إن رسول الله أمره بذلك.
وقال البيهقي: أما التسمية في هذا عن ابن عمر- وإن كانت
صحيحة- فيحتمل أن تكون زيادةً من جهته هو، روينا عنه، عن
النبي- عليه السلام- حديث التشهد ليس فيه التسمية. قال:
روى ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر، وهشام، عن أبيه،
عن عائشة- كلاهما- عن النبي- عليه السلام- في التسمية قبل
التحية، وثابت: منكر الحديث، والصحيح: عن ابن عمر موقوف-
كما رويناه. قال: روينا عن ابن عباس أنه سمع رجلا يقولُ:
بسم الله التحيات لله، فانتهره. 943- ص- نا عَمرو بن عون:
أنا أبو عوانة، عن قتادة ح ونا أحمد بن حنبل: نا يحيي بن
سعيد: نا هشام، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطانَ بن
عبد الله الرَّقَاشي قال: صَلَّى بنا أبو موسى الأشعريُّ
فلما جلسَ في آخر صَلاِته قال رجل من القول: أقرَّت
الصلاةُ بالبرِّ والزكاة، فلما انفتلَ أبو موسى أَقبلَ على
القول فقال: أيكم القائل كَلِمةَ كذا وكَذا؟ قال: فأرَمَّ
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) كتاب الصلاة، باب: التشهد (57) .
(3) في الأصل: "محمد".
(4/251)
القومُ، قال: أيكُم القائلُ كَلمةَ كذا
وكذا. قال: فَأرَم القومُ، قال: فلعلك يا حطانُ أنتَ
قلتَها. قال: ما قلتُها، ولقد رَهبتُ أن تَبكعَني بها.
قال: فقالَ رجل من القوم: أنا قُلتُها ومَا أردتُ بها إَلا
الخيرَ، فقال. أبو موسَى: أما تَعلمُون كيفَ تَقولون في
صلاتكُم؟ إن رسولَ الله خَطبَنا فعلمنا وبَيَّنَ لنا سنتنا
وعلمنا صلاَتَنا فقال: " إذا صليتُم فأقيمُوا صفُوَفَكُم،
ثم ليؤمَّكُم أحدُكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قَرأ "غيرِ
المغضوب عَلَيهم ولا الضالينَ " فقولوا: آمين يُجِبكُم
الله تعالى، وإذا كبر وركَعَ فكبِّرُواَ وارْكَعوا، فإن
الإمامَ يركعُ قَبْلَكُم، ويَرْفَعُ قَبْلَكُم ". قال
رسولُ الله: "فتِلكَ بتلك، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لمن
حَمِدَهُ فقولُوا: اللهم ربنا لك الحَمدُ يَسْمعُ الله
لكم، فإن الله قال على لسانِ نبيه: سَمِعَ الله لمنْ
حَمدَهُ، وإذا كبر وسَجَدَ فكبِّروا واسجدُوا فإن الإمام
يَسْجدُ قَبلَكُم ويرفعُ قَبلًكُم " قال رسولُ الله:
"فتلكَ بتلكَ" فإذا كان عندَ القَعْدة فليكنْ مِنْ أول قول
أحدكُم: أن يقوَلَ: التحياتُ الطيباتُ الصلواتُ لله،
السَلامُ عليكَ أيهاَ النبي - صلى الله عليه وسلم -رحَمة
الله وبركاته، السلامُ علينا وعلى عباد الله الصَالحين،
أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأَشهدُ أن محمداً عبده ورسوله
"- لمَ [2/50 - أ] يَقُلْ أحمدُ: وبركاتُه، ولا قال:
وأشهدُ، قال:-/ وأن محمداً (1) .
ش- أبو عوانة: الوَضاح، ويحي بن سعيد: الأنصاري، وهشام:
الدستوائي.
ويونس بن جبير: الباهلي أبو غلاب البصري. سمع: عبد الله بن
عمر، وجندب بن عبد الله، وحطان الرقاشي وغيرهم. روى عنه:
محمد ابن سيرين، وعبد الله بن عون، وقتادة، قال ابن معين:
كان ثقة، قال ابن سَعْد: مات قبل أنس وأوصى أن يصلي عليه
أنس. روى له الجماعة (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، رقم (404)
، النسائي: كتاب التطبيق، باب: قوله: " ربنا ولك الحمد "
(2/ 196) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ
الإمام فأنصتوا (847) ، وباب: ما جاء
في التشهد، رقم (901) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7172) .
(4/252)
وحطان بن عبد الله الرقاشي: ذكره ابن حبان
في " الثقات " وقال: بصري. يروي عن: علي، وأبي موسى. روى
عنه: الحسن، ويونس ابن جبير. مات في ولاية عبد الملك
وولاية بشر بن مروان على العراق. انتهى. وقال العجلي: هو
بصري تابعي ثقة وكان رجلا صالحًا (1) . قوله: " أقرت
الصلاة بالبرّ " قيل: قُرِنت أي: إنها تُوجب لصاحبها البر؛
وهو الَصدق وجماع الخير، والزكاة: التطهير، ويحتمل أن يكون
من القرار أي: أثبت معها، وتكون الباء بمعنى "مع ".
قوله: "فلما انفتل " أي: انصرف من الصلاة.
قوله: " أيكم القائل كلمةَ كذا " بنصب " كلمة" أطلق الكلمة
وأراد بها الكلام.
قوله: "فأرَمَ القومُ "- بفتح الهمزة والراء وتشديد الميم-
يعني: سكتوا مُطرقين ولم يُجيبوا، يُقال: أرم فلان حتى ما
به نُطق؛ ومنه قول الشاعر.
يَردن والليلُ مُرِمّ طائرُهْ كأنهم أطبقوا شفاههم
والمِرمة- بكسر الميم وفتحها- شفة البقرة وكل ذات ظلف؛
لأنها بها تأكل فاستُعيرَت للناسِ. وروي: "فأزَم القوم "-
بزايِ مفتوحة وميم مخففة- أي: أمسكوا عن الكلام؛ ومعناه
مثل الأول.
قوله: "ولقد رَهبتُ "- بكسر الهاء- أي خِفْتُ.
قوله: " أن تَبكَعني بها" أي تجبهني بها أو تُبكًتني بها،
أو نحو ذلك من الكلام. قال الأصمعي: يُقال: بكَعتُ الرجلَ
بكعَا إذ استَقْبلته بما يكره، وهو من باب فتح يفتح. وعن
سليمان بن معبد: قلتُ للأصمعي: ما قولُ الناس: "الحق
مُغْضَبة"؟ فقال: يا بُنى! وهَلْ يَسألُ عن مثل هذا إلا
رَازِم، قلما بكِعَ أحد بالحقد إلا إِعزَيْزَمَ له؟!.
__________
(1) المصدر السابق (6/ 1384) .
(4/253)
قلت: الرازم: الضعيفُ الذي لا يقدرُ أن
يقوم من الهزال،
والإعزيزام: الاجتماع.
قوله: "يجبكم الله "- بالجيم- من إجابة الدعاء، وبعضهم
يقرأه بالحاء من المحبّة، وليس موضعه.
قوله: " فتلك بتلك" معناه: تلك الدعوة مُعلقة بتلك الكلمة
أو مضمنة بها أعني بالدعوة: قراءة الإمام "اهدنا الصراط
المستقيم" السورة وأعني بالكلمة: قوله " آمين "، فقوله:
(فتلك) مبتدأ في محل الرفع، وخبره: " تلك " الثاني،
ومتعلقه محذوف- كما قدرنا- ويجوز أن يكون المراد من " تلك
" الأول: الصلاة، ومن "تلك" الثاني: قوله " إذا كبر
فكبروا، وإذا قرا {غير المَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلاَ
الضالينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا"، ونحو ذلكَ من
الأفعال والأقوال، ويكون المعنى: صلاتكم متعلقة بصلاة
إمامكم، فاتبعوه ولا تخالفوه، فتلك إنما تصح وتثبت بتلك،
وكذلك الكلام في " فتلك بتلك " الثاني على الوَجهين.
قوله: " يَسْمع الله لكم" أي: يَستجيبُه، ومعنى "سمع الله
لمن حمده": أجاب دعاء من حمده، وقيل: أراد به الحث على
التحميد.
قوله: "ربنا لك الحمد " وفي رواية: "ولك الحمد"؛ وكلاهما
صحيح.
قوله: " فليكن من أوّل قول أحدكم: التحيات" استدل جماعة
بهذا على أنه يقول في أول جلوسه ولا يقول: باسم الله. وقال
الشيخ محيي الدين: وليس هذا الاستدلال بواضح؛ لأنه قال:
"فليكن من أول"، ولم يقل: فليكن أوّل.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
944- ص- نا عاصم بن النضر: نا المعتمر قال: سمعت أبي قال:
نا قتادة، عن أبي غَلاّب يحدثه عن حطان بن عبد الله
الرقاشي بهذا الحديث
(4/254)
زادَ: " فإذا قَرَأ فَأنِصتُوا" وقال في
التشهد بعد أن قال: لا إله إلا الله " (1)
زادَ: " وحده لا شريك له " (2) .
ش- المعتمر: ابن سُلَيْمان، وأبو غلاب: يونس بن جُبير.
قوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور؛ زاد فيه: فإذا
قرأ
- أي الإمام- " فأنْصتوا"، وفيه حجة للحنفية في أن الواجب
على
المقتدي/ أنْ يسكت ويَنْصت ولا يقرأ شيئًا؛ لأن القراءة
تَخِل بالإنْصات [2/50 - ب] وكذا زاد بعد قوله: " لا إله
إلا الله ": "وَحْدهَ لا شريكَ له".
ص- قال أبو داود: قولُه: "وأنصِتُوا " ليْس بمحفوظ، لم
يجئْ به إلا
سليمانُ التيْمي في هذا الحديث.
ش- قد تقدم الكلام على قوله " فإذا قرأ فأنصتوا في " باب
الإمام
يُصلي من قُعود " في حَديث أبي هريرة. وأما هذه الزيادة من
سُليمان
التيمي- وهو سليمان بن طرخان أبو المعتمر- فهي صحيحة،
صحّحها
مُسلم، وذكرَها مسلم في " صحيحه " وكفى به قدوةً، ويُقدمُ
كلامه على
كلام أبي داود. ولما طعَن أبو بكر ابن أخت أبي النضر في
هذا الحديث
قال له مسلم: أحفظ من سليمان؟! معناه: أنه كامل الحفظ
والضبط،
فلا تضره مخالفة غيره. وإذا كان الأمرُ كذلك فلا يُلتفت
إلى قول مَن
يُضعفُ هذه الزيادة.
945- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن أبي الزبير، عن
سعيد بن
جبير وطاوس، عن ابن عباس أنه قال: كان رسولُ الله- عليه
السلام-
يُعلمُنا التشهدَ كما يُعلمُنا القرآنَ، فكان يَقولُ: "
الَتحياتُ المُبَاركاتُ
__________
(1) في سنن أبي داود: "وقال في التشهد بعد أشهد أن لا إله
إلا الله ".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة (62/ 4 0 4)
، النسائي: كتاب الإمامة، باب: مبادرة الإمام (2/ 96) ،
كتاب: الافتتاح، باب: نوع آخر من التشهد (2/ 242) ، ابن
ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا
(847) ، وباب: ما جاء في التشهد (901) .
(4/255)
الصلواتُ الطيباتُ لله، السلامُ عليكَ أيها
النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عبادِ
اللهِ الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن
محمداً رسولُ اللهِ " (1) .
ش- أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وبه
أخذ الشافعي. وقال الشيخ محيي الدين: تقديره: " التحيات
والمباركات والصلوات والطيبات" كما في حديث ابن مسعود
وغيره؛ ولكن حذفت الواو اختصارًا.
قلت: واو العطف لا يجوز حذفه عند الجمهور، وبعضهم ما جَوزه
إلا في الضرورة؛ ولا ضرورة هاهنا ولا فائدة في اختصارها.
ويقال: في حديث ابن عباس اضطراب؛ فمن اضطرابه: أن الشافعي
رواه بتنكير (2) "السلام "، وأحمد بتعريفه، وقال الشافعي
وأحمد: " وأن محمداً" وفي رواية مسلم وغيره؛ "وأشهد أن
محمدا" وفي رواية لمسلم: "وأن محمدًا" والسلام معرف. فإن
قالوا: رجحناه لزيادة " المباركات" لموافقتها الآية
الكريمة "تَحيةَ مّنْ عند الله مُبَارَكَةَ" (3) فيُقال:
قال الطحاوي: لم يشرع في السلَام " حياَكمَ الله وإن وافق
ذلك لفظ القرآن في قوله تعالى: "وَإذا حييتُم بتَحية
فَحَيُّوا بِأحْسَنَ منْهَا" (4) وفي حديث جابر زيادات كان
ينبغي أن تعمدَ وكَذَا في حديث عليَ- رضي الله عنه-. أما
حديث جابر: فرواه الحاكم في" المستدرك" بإسناده إلى جابر
بن عبد الله: كان رسول الله يُعلمنا التشهد كما يُعلمنا
السورة من القرآن:
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب التشهد (60/ 403) ، الترمذي:
كتاب الصلاة، باب: منه أيضا (290) ، النسائي: كتاب
التطبيق، باب: نوع آخر من التشهد (2/ 242) ، ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: ماجاه في التشهد (900) .
(2) في الأصل: "بتكثير ". (3) سورة النور: (61) .
(4) سورة النساء: (86) .
(4/256)
"بسم الله وبالله، التحيات لله والصلوات
والطيبات، السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، أشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسأل
الله الجنةَ وأعوذ
به من النار " ثم قال: هذا حديث صحيح على شرطهما. وقال
الترمذي
في " العلل ": سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو غير
محفوظ
وهو خطأ؛ والصحيح: ما رواه الليث، عن أبي الزبير، عن سعيد،
وطاوس، عن ابن عباس. وقال النووي: لا نقبل من الحاكم
تصحيحه
حديث جابر؛ فإن الذين ضعفوه أجلّ من الحاكم وأتقن.
وأما حديث عليّ- رضي الله عنه-: فما رواه الطبراني في
"الأوسط " (1)
من حديث عبد الله بن عطاء، عن البهزي قال: سألت الحسن عن
تشهد
علي، فقال: هو تشهد النبي- عليه السلام-: " التحيات لله
والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والراكبات،
والناعمات السابغات الطاهرات لله، الحديث. وقال: لم يروه
عن ابن عطاء إلا عمرو بن
هاشم.
946- ص- نا محمد بن داود بن سفيان: نا يحيي بن حسان: نا
سليمان بن موسى أبو داود: نا جَعْفر بن سَعْد بن سمرة بن
جندب قال:
حدثني خُبَيْب بن سليمان، عن أبيه: سليمان بن سَمُرةَ، عن
سمرةَ بن
جندب: أما بعدُ، أمَرنَا رسولُ الله- عليه السلام- إذا
كُنا (2) في وسَط
الصلاةَ/ أو حين انقضائها " فابدءوا قبل التسليم فقولُوا:
التحيات الطيباتُ [2/51- أ] والصلوَاتُ والمُلكُ لله، ثم
سلموا عن النبي (3) ، ثم سلموا على قارئكُم
وعلى أنفسِكُم، (4) .
ش- يحيي بن حسان: بن حيان التِّنيسي، وسليمان بن موسى أبو
داود:
__________
(1) (2917/3) .
(2) في سنن أبي داود: " كان،.
(3) في سنن أبي داود: " على اليمين"
(4) تفرد به أبو داود.
17. شرح سنن أبي داود 4
(4/257)
الزهري الخراساني، وخُبيب هذا بضم الخاء
المعجمة، وفتح الباء الموحدة، وقد ذكرناه. وهذا الحديث:
إسناده صحيح على شرط ابن حبّان.
قوله: " ثم سلموا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن
يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
قوله: " ثم سلّموا على قارئكم " المراد منه: الإمام، "
وعلى أنفسكم " بأن تقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين.
ص- قال أبو داودَ: سليمانُ بن مُوسى كوفيُ الأصلِ كان
بدمشق.
قال أبو داودَ: ودلَّت هذه الصحيفةُ على أن الحسَنَ سمِعَ
من سَمُرةَ.
ش- قد ذكرنا أن سليمان بن موسى أبا داود كان خراساني
الأصل، سكن الكوفة ثم تحول إلى دمشق. وقول أبي داود: "كوفي
الأصل " باعتبار سكناه العام في الكوفة؛ ولكن أصله من
خراسان.
قوله: " ودلت هذه الصحيفة " أراد بالصحيفة: الجزء الذي (1)
كان فيه هذا الحديث 000 (2) .
* * *
174- بَابُ: الصَّلاة عَلى النَبِي- عليه السلامُ- بَعْد
التَّشَهُّدِ
أي: هذا باب في بيانَ الصلاة عدى النبي- عديه السلام- بعد
الفراغ من التشهد.
947- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي
ليلى، عن كعب بن عجرة قال: قلنا: يا رسولَ الله"
أمَرْتَنَا أن نُصلي عَليكَ، وأن نُسلمَ عليكَ، فأما
السلامُ فقد عرَفْنا، فكيفَ نُصلي؟ قال: " قُولُوا: اللهم
صلِّ على محمد وآل محمد كما صليتَ على إبراهيمَ، وباركْ
على محمد واَلِ محمدِ كما بَاركتً علي آلِ إبراهيمَ، إنك
حَميد مجيد " (3) .
__________
(1) في الأصل: "ألذ ".
(2) بيض له المصنف قدر سطر وثلث.
(3) البخاري: كتاب الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل
(3370) ،=
(4/258)
ش- "اللهم " يعني: يا الله؛ وقد مر البحث
فيه مستوفى. ومعنى "صلَّ على محمد": عظمه في الدنيا بإعلاء
ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته وفيً الآخرة: بِتشفيعه
في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته. قوله: " واَل محمد " آل
الرجل: أهله. واختلف في آله- عليه السلام-؛ فقيل: أهله:
الأدنون، وعشيرته الأقربون، وقيل: الحسن والحسين، وقيل:
آله: كل مؤمن تقي إلى يوم القيامة. واختار الشافعي أنهم
بنو هاشم وبنو المطلب، والآل أصله: الأوَلُ؛ كذا في
"الصحاح". وقال غيره: أصله: أهل؛ ولهذا يقال في تصغيره:
أهيل، والفرق بينهما: أن الآل قد خص بالأشراف؛ فلا يُقال:
آل الحائك ولا آل الحجام.
فإن قيل: قيل: آل فرعون. قلت: لتصوره بصورة الأشراف. وقد
ذكرتُ في شرحي "المستجمع في شرح المجمع " أن آل الرسول من
جهة النسب: أولاد علي، وعباسٍ، وجعفر، وعقيلٍ، ومن جهة
السبب: كل مؤمن تقي إلى يَوْم القيامة.
قوله: "كما صليت على إبراهيم " هذا تَشْبيه بأداة الكاف.
فإن قيل: المشبه دون المشبه به فكيف وجه هذا التشبيه؟ قلت:
التشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة؛ لا القدر بالقدر، كما في
قوله تعالى "كُتبَ علَيكُمُ الصيامُ كَمَا كُتِبَ عَلى
الذينَ مِن قَبْلكُمْ " (1) فإن المراد: أصلَ الصيام، لا
عَيْنه ووقته. ويقال: اَلتشبيه فيه الصلاة على الآل، لا
على النبي، فكان قوله: "اللهم صل على محمد " منقطع عن
التشبيه.
__________
= مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله
عليه وسلم - بعد التشهد (406) ، الترمذي: كتاب الصلاة،
باب: ما جاء في صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم
- (483) ، النسائي: كتاب السهر، باب: نوع آخر (3/ 5 4) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى
الله عليه وسلم - (904) .
(1) سورة البقرة: (183) .
(4/259)
وقوله: " وعلى آل محمد " متصل بقوله: " كما
صليتَ على إبراهيم
واَل إبراهيم " ويقال: إنه تشبيه المجموع بالمجموع بمعنى:
تشبه الصلاة
على النبي وآله بالصلاة على إبراهيم وآله؛ ومُعظم
الأنبياء- عليهم
السلام- هم آل إبراهيم- عليه السلام- فإذا تقابلت الجملة
بالجملة وتعذر
أن يكون لآل الرسول ما لآل إبراهيم الذين هم الأنبياء، كان
ما توفر من
ذلك حاصلا للرسول- عليه السلام-، فيكون رائدا على الحاصل
لإبراهيم- عليه السلام-، والذي يحصل من ذلك هو آثار الرحمة
والرضوان، ومن كان في حقه كثر كان أفضل. ويقال: كان ذلك
قبل أن [2/51 - ب] يعلم أنه أفضل من (1) / إبراهيم- عليه
السلام-.
فإن قيل: لم خص إبراهيم- عليه السلام- من بين سائر
الأنبياء
- عليهم السلام- بذكرنا [إياه] في الصلاة؟ قلت: لأن النبي-
عليه
السلام- رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم
على كل نبي
ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم- عليه السلام-،
فأمرنا النبي
- عليه السلام- أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم
القيامة مجازاة
على إحسانه. ويقال: إن إبراهيم- عليه السلام- لما فرغ من
بناء الكعبة
دعى لأمة محمد- عليه السلام- وقال: اللهم من حج هذا البيت
من
أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دعى أهله وأولاده بهذه
الدعوة
فأمرنا بذكَرهم في الصلاة مُجازاة على حُسْن صنيعهم.
فإن قيل: الله تعالى أمرنا أن نصلي على النبي- عليه
السلام- بقوله:
"يا أيهَا الَّذينَ آمَنُوا صلوا عَلَيْه وَسلّموا
تَسْليماً" (2) ثم نحن نقول:
اللهم صل عَلى محمد إلى آخره، فنسأل الله أن يُصلي عليه
ولا نُصلي
نحنُ عليه بأنفسنا. قلت: لأن النبي- عليه السلام- طاهر لا
عيب فيه،
ونحنُ فينا العيوبُ والنقائصُ، فكيف يُثْنِي مَن فيه عيب
على طاهر؟ "
فنسألُ الله أن يُصلي عليه لتكون الصلوات من رَب طاهر على
نَبي طاهرٍ.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) سورة الأحزاب: (56) .
(4/260)
قوله: " وبارك على محمد " معنى البركة:
الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: هي بمعنى التطهير
والتزكية، وقيل: الثبات على الخير والكرامة؛ من قولهم:
بركت الإبل أي: ثبتت على الأرض، ومنه: بركة الماء؛ لثبات
الماء فيها.
قوله: " إنك حميد مجيد " كلاهما صيغة المبالغة، فحمد بمعنى
محمود أي: مستحق لأنواع المحامد، ومجيد بمعنى ماجد من
المجْد وهو الشرف، وهذا كالتعليل للصلاة المطلوبة؛ فإن
الحمد والشكر متقاربان من معنى شكور، وذلك مناسب لزيادة
الأفضال والأعطاء لما يراد من الأمور العظام، وكذلك للمجد
والشرف مناسبة لهذا المعنى ظاهرة. وقال القاضي عياض: ولم
يجئ في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي- عليه السلام-،
وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة، قال: واختلف بعض شيوخنا
في جواز الدعاء للنبي- عليه السلام- بالرحمة، فذهب بعضهم -
وهو اختيار ابن عبد البر- إلى أنه لا يقال، وأجازه غيره
وهو مذهب محمد بن أبي زيد. وقال الشيخ محيي الدين:
والمختار: أنه لا يذكر الرحمة.
قلت: وكذلك اختلف أصحابنا؛ والأصح مثل ما قال ابن عبد
البر، ويقال: الأصح: أن يذكر الرحمة؛ لأن كل أحد لا يستغني
عن رحمة الله تعالى.
ثم اختلف العلماء في جواز الصلاة على غير الأنبياء؛ فقال
أصحابنا
- وهو قول مالك والشافعي والأكثرين-: إنه لا يصلى على غير
الأنبياء استقلاله، فلا يقال: اللهم صل على أبي بكر، أو
على عمر، أو غيرهما؟ ولكن يصلي عليهم تبعا. وقال أحمد
وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا.
ثم اختلفوا- أيضا- في وجوب الصلاة على النبي- عليه السلام-
في التشهد الأخير، فقال أبو حنيفة، ومالك، والجماهير: إنها
سُنَّة حتى لو تركها صحت صلاته. وقال الشافعي، وأحمد:
واجبة، لو تركها لم
(4/261)
تصح الصلاة. وقال في "شرح المهذب": ونقله
أصحابنا عن عمر بن
الخطاب وابنه، ونقله الشيخ أبو حامد عن ابن مسعود، وأبي
مسعود البدري، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وقال إسحاق: إن
تركها
عمدا لم تصح صلاته، وان تركها سهوا رجوت أن يُجزئه، وقد
استوفينا
الكلام فيه في "باب التشهد ". والحديث: أخرجه الجماعة.
948- ص- نا مسدد: نا يزيد بن زريع: نا شعبة بهذا الحديث
قال:
"صَلِّ على محمدِ وعلى آلِ محمد كما صليتَ على إبراهيمَ "
(1) (2) .
ش- أي: حدّث شعبة عن الَحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن
عجرة قال: " صل على محمد " إلى آخره.
و949- ص- نا محمد بن العلاء: نا ابْن بشر، عن مسعر، عن
الحكم
بإسناده بهذا قال: " اللهم صَلِّ [على] محمد وعلى آلِ محمد
كما صليتَ
على إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد " (3) (4)
.َ
وش- ابن بشر: محمد بن بشر، ومسعر: ابن كدام، والحكم؛ ابن
عُتيبة.
قوله: " عن الحكم بإسناده " أي: بإسناده المذكور، وهو عن
ابن
[2/ 52 - أ] ، أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: " اللهم "
إلى آخره/ وهذه الرواية لم تثبت في النسخ إلا من رواية ابن
دَاسَةَ.
__________
(1) في سنن أبي داود: "على آل إبراهيم ".
(2) البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن
إسماعيل (3370) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على
النبيء - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد (406) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صفة الصلاة على
النبي - صلى الله عليه وسلم - (483) ، النسائي: كتاب
السهو، باب: نوع آخر (3/ 47) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
(904) .
(3) جاء في سنن أبي داود بعد الحديث: "اللهم بارك على محمد
وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
(4) انظر التخريج المتقدم.
(4/262)
ص- قال أبو داود: رواه الزُّبيرُ بن عدي،
عن ابن أبي ليلى كما رواه مسْعر؟ إلا أنه قال: " كما
صلَّيتَ على إبراهيم (1) إنك حميدٌ مجيد وبَاركْ عَلى محمد
" وسَاقَ مثلَه.
ش- أي: روى الحديث المذكور: الزُبير بن عدي أبو عدي الكوفي
اليامي الهمداني قاضي الري. سمع: أنس بن مالك، وأبا وائل
الأسدي، وأبا رزين وغيرهم. روى عنه: إسماعيل بن أبي خالد،
ومسعر، والثوري وغيرهم، قال أحمد: هو من أصحاب إبراهيم،
ثقة ثبت. مات بالري سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له:
الجماعة إلا أبا داود (2) .
950- ص- نا القعنبي، عن مالك ح ونا ابن السَرحْ: أنا ابن
وهب قال: أخبرني مالك، عن عَبْد الله بن أبي بكر بن محمد
بن عمرو بن حَزْم، عن أبيه، عن عَمرو بن سُليم الزُّرقي
أنه قال: أخبرني أبو حُميد الساعديُّ أنهم قالوا: يا رسولَ
اللهِ" كيفَ نصلِّي عليكَ؟ قال: " قُولُوا: اللهم صلّ على
محمد وأزواجه وذريته كما صَلَّيتَ على إبراهيمَ (3) ،
وبَاركْ على محمد وأزواجهِ وذريتًِه كما بَاَرَكتَ على
اَلِ إبراهيمَ، إنك حميد مجيد " (4) .
ش- عبد اللهَ بن أبي بكر بن محمد: يروي عن: عروة، وأبيه:
أبي بكر، وأهل المدينة. روى عنه: الزهري، وهو يروي عن
الزهري، كنيته: أبو محمد. مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وله
يومَ مات سبعون سنةً (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "على آل إبراهيم ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1969) .
(3) في سنن أبي داود: " على آل إبراهيم ".
(4) البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن
إسماعيل (3369) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على
النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد 69- (407) ،
النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر (3/ 49) ، ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه
وسلم - (905) ، (تحفة الأشراف: 9/ 11896) .
(5) نظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3190) .
(4/263)
وأبو بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم:
الأنصاري المدني. يَرْوي عن: عمرة بنت عبد الرحمن، وعمر بن
عبد العزيز، وعَمرو بن سليم. يروي عنه: يحيى بن سعيد
الأنصاري، والزهري، وابنه: عبد الله. توفي بالمدينة سنة
عشرين ومائة، وكان قاضيا بالمدينة ولا يعرف له اسم غير
كنيته. وعن مالك: كان أبو بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم
قاضيا، وكان فقيها، وأقره عمر بن عبد العزيز على المدينة
بعد أن كان قاضيا. قال مالك: ولم يكن على المدينة أمير
أنصاري غير أبي بكر بن محمد. روى عنه: الليث، وأبو حميد:
اسمه: منذر، وقيل: عبد الرحمن، وقد ذكرناه.
قوله: "وذريته "- بتشديد الياء- أفصح، ويجوز فيه التخفيف،
والذرية: اسم يجمع نَسْل الأب من ذكر وأنثى، وقيل: الذرية:
نسل الثقلين. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي.
951- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نُعَيم بن عبد الله
المُجْمر، أن محمد بن عبد الله بن زَيْد- وعبد الله بن زيد
هو الذي أري النداءَ بالصَلاة- أخبرَه عَنْ أبي مسعود
الأنصاري أنه قال: أتَانَا رسولُ الله- عليَه السلام- في
مَجلس سَعْد بن عُباده فقال له: بشيرُ بن سَعْدِ: أمَرنَا
الله أن نُصليَ عليكَ يا رسولَ الله، فَكيفً نُصلي عليك؟
فسًكَتَ رسولُ الله حتى تَمنيْنَا أنه لم يَسْألهُ، ثم قال
رَسُولُ الله- عليه السلام-: "قُولوا" فذكَر معنى حَد يثق
كعبِ بنِ عُجرةَ، زاد في آخره: "في العالمين، إنك حميدٌ
مجيدٌ " (1) .
ش- أبو مسعود: عقبة بن عمرو البدري. وبشير بن سَعْد: هو
والد نعمان بن بَشير.
وسَعْد بن عبادة: ابن سليم بن حادثة ابن أبي حَزِيمَة-
بفتح الحاء
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله
عليه وسلم - بعد التشهد (405) ، الترمذي: كتاب التفسير،
باب: ومن سورة الأحزاب (3220) ، النسائي: كتاب السهو، باب:
الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (3/ 45) .
(4/264)
المهملة، وكسر الزاي- ابن ثعلبة الخزرجي
الأنصاري سيد الخزرج،
شهد العقبة وبدرا، وقيل: لم يشهد بدرا. روى عنه: قيس بن
سعد (1) ،
وإسحاق، وابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصري، وغيرهم.
مات سنة ست عشرة بحوران من أرض الشام، وبالمنيحة قرية
بالقرب من
دمشق قبر يقال: إنه قبر سَعْد بن عبادة، ويحتمل أنه حمل من
حوران
إليها. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه
(2) .
قوله: " أمرنا الله أن نُصلي عليك " معناه: أمرنا الله
بقوله "صَلُّوا عَلَيْه
وَسَلمُوا تَسْلِيمَا".
قوله: " فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله " معناه:
كرهنا سؤاله
مخافة من أن يكون النبي- عليه السلام- كره سؤاله وشق عليه.
قوله: " في العالمين " الإنس والجن، وقيل: الإنس/ والجن
والملائكة [2/ 52 - ب] والشياطين، وقيل لكلّ وهي عالم، وقد
حققنا هذا البحث مرة.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وأخرجه ابن
خزيمة، وابن حبان في "صحيحهما " عن أبي مسعود قال: أقبل
رجل
حتى جلس بين يدي النبي- عليه السلام- فقال: يا رسول الله!
أما
السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك
في
صلاتنا؟ قال: فصمت حتى أحَببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال:
"إذا أنتم
إذا صليتم عليَّ فقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"
الحديث.
وقال الدارقطني: إسناده حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط
مسلم. وقال البيهقي: إسناد صحيح. وقال الشيخ محيي الدين:
وأصحابنا يحتجون بحديث أبي مسعود- يعني: هذا الحديث-
لقوله:
"قولوا " والأمر للوجوب، وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به
إلا إذا ضم
إليه الرواية الأخرى: "كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك
في
__________
(1) في الأصل: " قيس بن سعيد " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 35) ،
أسد الغابة (2/ 356) ، الإصابة (2/ 30) .
(4/265)
صلاتنا؟ فقال: قولوا " الحديث، وهذه
الزيادة صحيحة رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان-
بكسر الحاء- البستي، والحاكم أبو عبد الله في " صحيحيهما "
قال الحاكم: هي زيادة صحيحةٌ.
والجواب عن هذا: أن هذه الزيادة تفرد بها: ابن إسحاق. وقد
ذكر البيهقي في " باب تحريم قتل ماله روح " أن الحُفاظ
يتوقون ما ينفرد به ابن إسحاق، والعجب من البيهقي كيف
يقولُ في هذه الزيادة: وإسناده صحيح، وقوله ذلك يُنافي هذا
الكلام. وقد عرفت من هذا وأمثاله أنه دائرٌ مع غرضه فإن
قيل: " (1) قد روى الدارقطني من حديث جابر، عن أبي جعفر،
عن أبي مسعود الأنصاري: قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: (من صلّى صلاةً لم يُصل علي فيها ولا على أهل
بَيتي لم تُقبَلْ منه) . وروى ابن ماجه، عن عبد المهيمن بن
عباس بن سهل بن سَعْد السعدي، عن أبيه، عن جدّه، عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة لمن لا وضوءَ
له، ولا وضوء لمنْ لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاةَ لمن
لا يُصلي على النبيّ، ولا صلاةَ لمن لم يحب الأنصار" ورواه
الحاكم في "المستدرك". وروى البيهقي، عن يحيي بن السباق،
عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود، عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة
فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد
وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، كما صليتَ وباركتَ
وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
ورواه الحاكم في " المستدرك" وقال: إسناده صحيح.
قلت: أما حديث جابر الجُعفي: فهو ضعيفٌ؛ وقال الدارقطني:
جابر الجُعفي ضعيف، وقد اختلف عليه فيه؛ فوقفه تارةَ ورفعه
أخْرى؛ ولئن سلمنا؛ فالمراد: نفي الكمال. وأما حديث عبد
المهيمن: فضعيف - أيضا-؛ لأن الدارقطني رواه في "سننه "
وقال: عبد المهيمن
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/ 426- 427) .
(4/266)
ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به.
وبعضهم أخرجه عن أبي ابن عباس بن سهل بن سَعْد، عن أبيه،
عن جده مرفوعا بنحوه سواء؛ ولكن تكلموا في أبي بن عباس؛
منهم: الإمام أحمد، والنسائي، وابن معين، والعقيلي،
والدولابي.
وأما حديث يحيى بن السباق: ففيه رجل مجهول وقال القاضي
عياض: فهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه النبي- عليه السلام-
إياه؛ ليس فيه الصلاة على النبي- عليه السلام- وكذلك كل من
روى التشهد عن النبي - عليه السلام- كأبي هريرة، وابن
عباس، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري،
وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير؛ لم يذكروا فيه
ذلك. وقد قال ابن عباس وجابر: " كان النبي- عليه السلام-
يُعلمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن" ونحوه عن
أبي سعيد. وقال ابن عمر: كان أبو بكر يعلمنا التشهد على
المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب، وعلمه- أيضا- على
المنبر عمر بن الخطاب. انتهى. وفي " المصنف ": نا هشيم: نا
عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب، عن ابن عمر قال: كان رسول
الله يُعلمنا التشهد في الصلاة كما يُعلم المكتب الولدان.
/ 952- ص- نا أحمد بن يونس: نا زهير: نا ابن إسحاق- يعني:
محمد-: نا محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد الله
بن زيد، عن عقبة بن عَمرو بهذا الخبر قال: "قولوا: اللهم
صَلِّ على محمّد النبيِّ الأمِّيِّ وعلى آلِ محمدٍ " (1) .
ش- عقبة بن عمرو: هو أبو مسعود البدري. والأمي: الذي هو
على صفة أمة العَرب "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" وكثر
العرب لا تكتب ولا تقرأ. وكونه- عليه السلام- أميا من جملة
المعجزة، وقيل: منسوب إلى أم القرى، وقيل: إلى الضفة؛ وهي
العادة، وأكثرهم لا يكتبون أو إلى أمه كأنه على أصل
الولادة.
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(4/267)
- 953- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حبّان بن
يَسار الكلابي قال: حدثني أبو مطرف: عُبيد الله بن طلحة بن
عُبيدَ الله بن كَرِيز قال: حدثني محمد بن علي الهاشمي، عن
المُجْمر، عن أبي هريرةَ، عنً النبي- عليه السلام- قال: "
مَنْ سَرةُ أن يَكتَالَ بالمكْيال الأوْفَى إذا صلي
عَليْنَا أهْلَ البَيْت فَليَقُلْ: اللهم صَل على محمد
النبي وأزوَاجه أمهات المؤمنين وذريته وأهلَ بَيْتِه، كما
صَليتَ على آلِ إبراهيَمَ، إنك حميد مجيد " (1) .
ش- حبان- بكسر الحاء- بن يَسار: أبو رَوْح الكلابي. سمع:
محمد بنَ واسع، وثابتا البناني، وهشام بن عروة، وأبا مطرف
وغيرهم. روى عنه: موسى بن إسماعيل، وعمرو بن عاصم الكلابي،
وعلي بن عثمان اللاحقي وغيرهم، وقال ابن عدي: وحديثه فيه
ما فيه لأجل الاختلاط الذي ذكر عنه، وقال أبو حاتم: ليس
بالقوي ولا بالمتروك. روى له: أبو داود (2) .
وأبو مطرف: عُبَيد الله بن طلحة بن عُبيد الله بن كَرِيز-
بفتح الكاف، وكسر الراء- الخُزاعي. سمع: الحسن، والزهري،
ومحمد بن علي الهاشمي. روى عنه: حبان بن يسار، ومحمد بن
إسحاق بن يسار، وحماد بن زيد، وعمران القطان. روى له: أبو
داود (3) .
ومحمد بن علي الهاشمي: روى عن: نعَيْم بن عبد الله المجمر.
روى عنه: عبيد الله بن طلحة. روى له: أبو داود (4) .
قوله: " أن يكتال " في محل الرفع على الفاعلية؛ لأن "أن "
مصدرية؛ والتقدير: من سره الاكتيال؛ والمكيال- بكسر الميم-
آلة الكيْل كالمفتاح ألف الفتح، و "الأوفى": أفعل منذ
الوافي بمعنى الكامل؛ والاحتيال هاهنا مجاز عن تحصيل
الثواب الكثير، أوْ حقيقة، إذا قدّر الثوابُ الذي يحصل من
الصلاة على النبي- عليه السلام- أجْسامًا.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1074) .
(3) المصدر السابق (19/ 3645) .
(4) المصدر السابق (26/ 5490) .
(4/268)
قوله: " أهلَ البيت " نَصْب على الاختصاص
أي: مُتخصصين من بين
الناس.
954-ص- نا أحمد بن حنبل: نا الوليد بن مسلم: نا الأوزاعي
قال: حدثنا حَسّان بن عَطية قال: حدثني محمد بن أبي عائشة
أنه سمع أبا هريرةَ يقولُ: قال رسولُ الله- عليه السلام-:
"إذا فرِغ أحدُكُم من التشهد الأخيرِ (1) فليتعوذ بالله من
أرْبع: من عَنَاب جَهَنم، ومن عَذاب القبرِ، ومن فِتْنةِ
المحيا والمَمَاتِ، ومن شَر المسيح الدجّاَلِ" (2) .
ش- محمد بن أبي عائشة: ويقال: ابن عبد الرحمن بن أبي عائشة
القرشي مولى بني أمية المدني، سكن دمشق، خرج مع بني أمية
حين أخرجهم ابن الزبير. سمع: أبا هريرة، وجابر بن عبد
الله. روى عنه: حسان بن عطيّة، وأبو قلابة الجرمي، وعبد
الرحمن بن يزيد بن جابر، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو
حاتم: ليس به بأس. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي،
وابن ماجه (3) .
وقد فسرنا ألفاظ هذا الحديث في "باب ما جاء من الدعاء في
الصلاة". وأخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وفي بعض النسخ
على رأس هذا الحديث: "باب ما يقول بعد التشهد" (4) .
955- ص- نا وَهْبُ بن بقية: أنا عُمر بن يونس اليمامي قال:
حدثنا محمد بن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن طاوس، عن ابن
عباس، عن النبي- عليه السلام- أنه كان يقولُ بعدَ التشهدِ:
"اللهم إِني أعُوذُ بك
__________
(1) في سنن أبي داود: " الآخر".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يستفاد منه
في الصلاة (128/558) ، النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر
(3/ 57) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقال في
التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (909) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5318/25) .
(4) كما في سنن أبي داود.
(4/269)
من عَذاب جَهنمَ، وأعوذُ بك من عَذاب
القبرِ، وأعوذُ بك من فتنة الدجال، وأَعوذُ بكَ من فِتنةِ
المحْيا والمَمَاتِ" (1) .
ش- محمد بن عبد الله بن طاوس: ابن كيْسان اليماني. سمع:
أباه. روى عنه: عمر بن يونس اليمامي (2) ، ونعيم بن حماد
الخزاعي. روى له: أبو داود (3) .
ثم الأدعية بعد التشهد كلها مستحبة عند الجمهور إلا ما قال
ابن حزم من فرضية/ التعوّذ الذي في حديث عائشة؛ وقد مر
الكلام فيه مستوفى. 956- ص- نا عَبْد الله بن عَمرو أبو
مَعْمر: نا عبد الوارث: نا الحُسين المعلم، عن عَبْد الله
بن بُريدة، عن حنظلة بن علي أن محْجن بن الأدرع حدثه قال:
دَخلَ رسولُ الله المسجد، فإذا هو برجل قد قَضى صلاته وهو
يَتشهدُ وبقولُ (4) : اللهمّ إنيَ أَسألُكَ يا أللهُ
الأحدُ الصًمدُ، الذي لم يلدْ ولم يُولدْ، ولم يكنْ له
كُفُوا أحد أن تَغفر لي ذُنُوبي، إنك أنتَ الغفورُ
الرحيمُ. قال: فقال: "قد غُفِرَ له، قد غُفِر لًه " ثلاثا
(5) .
ش- عبد الوارث: ابن سعيد.
وحنظلة بن علي: ابن الأسقع السُلَمي، وقيل: الأسْلمي
المديني. روى عن: أبي هريرة. روى عنه: الزهري، وعمران بن
أبى أنس، عداده في أهل المدينة، ذكره ابن حبان في "الثقات
". روى له: مسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه (6) .
ومِحْجن بن الأدرع: الأسْلمي، من ولد أسْلم بن أفْصَى بن
حارثة، كان قديم الإسلام، وهو الذي قال فيه النبي- عليه
السلام-: "ارمُوا
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: "اليماني".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5350) .
(4) في سنن أبي داود: "وهو يقول".
(5) النسائي: كتاب السهو، باب: الدعاء بعد الذكر (3/ 52) .
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1563/7) .
(4/270)
وأنا مع ابن الأدرع" سكن البصرة، وهو الذي
اختط مسجدها. يُقال: إنه مات في آخر خلافة معاوية. روى له:
أبو داود، والنسائي (1) . قوله: " أن تغفر لي" في محل
النَصْب، و "أن" مصدرية، والتقدير: أسألك غفران ذنوبي.
قوله: " ثلاثا" أي: قالها ثلاث مَرّات. والحديث: أخرجه
النسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال الحاكم: صحيح على شرط
الشيخين.
* * *
175- بَابُ: إِخْفاء التَّشهُّدِ
أي: هذا باب في بيان إخفاء التشهد في الصلاة.
957- ص- نا عبد الله بن سعيد الكنْدي: نا يونس- يعني: ابن
بكير-، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسْود، عن
أبيه، عن عبد الله قال: من السنةِ: أن يُخْفى التشهدُ (2)
.
ش- عبد الله: ابن مسعود. والحديث: أخرجه الترمذي، وقال:
حسن غريبْ. وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. وبهذا
أخذ العلماء، أن المُصلي يخفي التشهد، ولأنه دعاء، والأصل
في الدعاء الإخْفاء.
* * *
176- بَابُ: الإشارة في التَّشهُّدِ
أي: هذا باب في بيان الإشارة بالإصبع في التشهد في الصلاة.
958- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن مُسلم بن أبي مريم، عن
علي ابن عبد الرحمن المُعاوِي قال: رآنِي عبدُ اللهِ بنُ
عمرَ وأنا أعْبَثُ بالحَصَى في
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 412) ،
أسد الغابة (5/ 69) ، الإصابة (3/ 366) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أنه يخفى التشهد
(291) .
(4/271)
الصلاة، فلما انصرفَ نَهَاني وقال: اصنع
كما كان رسولُ الله- عليه السلامَ- يَصْنعُ. فقلتُ: وكَيف
كان رسول الله يَصْنعُ؟ قال: إذا (1) جلسَ في الصلاة وضعَ
كَفه اليُمْنىِ علىِ فَخذه اليُمْنى، وقَبَض أصابعَه
كلَّها وأشارَ بإصبعِهِ التيَ تَلِي الإبهامَ، ووضع كَفة
اَليسرى على فَخِذِهِ اليُسرى (2) . ش- مسلم بن أبي مريم:
المدني الأنصاري مولاهم، وقيل: مولى بني سليم- واسم أبي
مَرْيم: يَسَار- روى عن: أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن
سرجس، وعلي بن عبد الرحمن المُعاوي (3) وغيرهم. روى عنه:
مالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وابن جريج، وشعبة
وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح. روى له:
الجماعة إلا الترمذي (4) .
وعلي بن عبد الرحمن المُعاوي: من بني معاوية بن مالك بن
عوف بن عَمرو بن عوف من الأوْس الأنصاري المدني. سمع: عبد
الله بن عُمر، وجابر بن عبد الله. روى عنه: مسلم بن أبي
مريم، والزهري، قال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: مسلم،
وأبو داود، والنسائي (5) . قوله: " التي تلي الإبهام " هي
المسبحة. وبهذا قال كثر العلماء: الإشارة بالمُسبحة مستحبة
عند قول "الا الله " من الشهادة، ويشير بمُسبحته اليمنى لا
غير، فلو كانت مقطوعة أو عليلةً لم يُشر بغيرها لا من
أصابع اليمنى ولا من أصابع اليُسْرى. وقال في "المحيط ":
ثم قيل: لا يُشير بالمسبحة عند قوله: " أشهد أن لا إله إلا
الله " وقد نص محمد على أنه
__________
(1) في سنن أبي داود: "كان إذا".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: صفة الجلوس في
الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين 116- (580) ،
النسائي: كتاب الافتتاح، باب: موضع البصر في التشهد
(236/2) و (3/ 36) .
(3) في الأصل: "علي بن عبد الله المعاوي " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5944) .
(5) المصدر السابق (21/ 4102) .
(4/272)
يُشير؛ فقال: حدثنا عن رسول الله أنه كان
يفعل ذلك- أي: يُشيرُ-، وقال: نصْنع بصنيع رسول الله، وهذا
قول أبي حنيفة وقولنا.
قلت: الذي ذكر في "مُنْية المغني" من كراهة الإشارة غير
صحيح. وقال في " الفتاوى": لا إشارة في الصلاة إلا عند
الشهادة في التشهد، وهو حسَنٌ. والحديث: أخرجه مسلم،
والنسائي.
959-ص- أنا، محمد بن عبد الرحيم البزاز: أنا عفّان: نا عبد
الواحد بن زياد: نا عثمان بن حكيم: نا عامر بن عبد الله/
بن الزبير، [2/54 - أ] عن أبيه قال: كان رسولُ الله إذا
قَعَدَ في الصلاةِ جَعَلَ قَدَمَه اليُسْرى تحتَ فخذه (1)
وسَاقِه وفَرَشَ قَدًمَهُ اليُمنى، وَوَضَعَ يده اليُسْرى
على رُكبَته اليُسرًى، ووضَعَ يدَه على فَخِذِهِ اليُمنى،
وأشارَ بإصبعِهِ. وأرانَا عبدُ الواحَدَ وأَشَارَ
بالسبابَةِ (2) .
ش- محمد بن عبد الرحيم: ابن أبي زهير البغدادي المعروف بـ
"صاعقة" العدوي أبو يحيى، مولى آل عمر بن الخطاب، فارسي
الأصل، سكن بغداد. سمع: أبا أحمد (3) الزبيري، وأبا عاصم
النبيل، وروح بن عبادة وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو
داود، والترمذي، والنسائي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل
وغيرهم. وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الخطيب: كان متقنا
ضابطا حافظا، ولد سنة خمس وثمانين ومائة، ومات في شعبان
سنة خمس وخمسين ومائتين، وله سبعون سنة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فخذه اليمنى".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: صفة الجلوس في
الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين (112- (579) .
(3) في الأصل: "أبا حميد" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5417) .
18. شرح سنن في داود 4
(4/273)
وعفان: ابن مُسلم. وفي الحديث حجة
للحنفيّة. ْ
قوله: " وأرانا عبد الواحد" هو عبد الواحد بن زياد.
والحديث: أخرجه مُسلم.
960- ص- نا إبراهيم بن الحسن المِصيصي: نا حجاج، عن ابن
جريج، عن زياد، عن محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد الله، عن
عبد الله بن الزبير أنه ذكرَ أن النبي- عليه السلام- كانَ
يُشيرُ بإصْبَعه إذا دَعَى ولا يُحركُها. قال ابن جريج:
"زادَ عَمرُو بن دينارِ قال: أخبرني عًامرٌ، عن أبيه، أنه
رأى النبي- عليه السلام- يَدعو كذلك ويتحامَلُ النبي- عليه
السلام- بيده اليُسْرى على فَخِذهِ اليُسْرى (1) .
ش- المصّيصي- بكسر الميم وتشديد الصاد- نسبة إلى مِصّيصة
مدينة مشهورة علَى جانب جَيْحان. وحجاج: ابن محمد الأعور،
وزياد: ابن سَعْد بن عبد الرحمن.
قوله: " إذا دعى " أي: في التشهد.
قوله: " ويتحامَلُ " أي: يتكئ.
961- ص- نا محمد بن بشار: نا يحيي: نا ابن عجلان، عن عامر
بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه بهذا الحديث قال: لا
يُجاوزُ بصرُه إِشارَتَه (2) . ش- أي: الحديث المذكور
"وإشارته" نَصْب على المفعولية. وفيه من السُّنَّة:
الإشارة بالمُسبحة وترك الالتفات. وأخرجه النسائي- أيضا-.
ص- وحديثُ حجاجِ أتمُ.
ش- أي: حجاج بن محمد الأعْور الذي رواه عن ابن جريج.
962- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا عثمان- يعني: ابن
__________
(1) النسائي: كتاب السهو، باب: بسط اليسرى على الركبة (3/
37) .
(2) النسائي: كتاب السهو، باب: النهي عن الإشارة بأصبعه
وبأي أصبع يشير (3/ 38) .
(4/274)
عبد الرحمن- نا عصامُ بن قدامة من بني
بَجْلَة، عن مالك بن نُمير الخزاعي، عن أبيه قال: رأيتُ
النبي- عليه السلام- واضعًا ذرَاعَه اليُمنى على فَخذه
اليُمنى رَافعًا إِصْبَعَه السبابةَ قَدْ حَنَاهَا شيئًا
(1) .
ش- عًثمان: ابن عبد الرحمن بن مسلم أبو عبد الرحمن، أو أبو
محمد، أو أبو هاشم، القرشي الهاشمي الحراني المكْتِب
الطرائفي؛ وإنما لُقب بذلك لأنه كان يتتبع طرائف الحديث.
روى عن: معاوية بن سلام، وعبد الرحمن بن ثابت، وعصام (2)
بن قدامة وغيرهم. روى عنه: النفيلي، وقتيبة بن سعيد، وعمرو
بن هشام الحراني (3) وغيرهم، قال ابن معين: هو ثقة، وقال
أبو حاتم: صدوق، وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب
"الضعفاء" وقال: يُحوّل منه. توفي سنة ثلاث وثلاثين
ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي (4) .
وعصام بن قدامة: أبو محمد البَجلي، ويُقال: الجَدلي
الكُوفي. روى عن: عبد الله بن عمر، ومالك بن نمير الخزاعي،
وعكرمةْ مولى ابن عباس. روى عنه: علي بن مسْهر، ووكيع،
وعثمان بن عبد الرحمن الطرائفي وغيرهم، قال ابن معين: هو
صالح، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: لا بأس به. روى له: أبو
داود، والنسائي، وابن ماجه (5) .
ومالك بن نُمير الخزاعي: ذكره ابن حبان في "الثقات". يروي
عن: أبيه، وله صحبة. روى عنه: عصام بن قدامة. وقال أبو
القاسم البغوي: ولا أعلم روى نُمير حديثا مسندَا غير هذا؛
وهو بضم النون: نُمير بن أبي سمير الخزاعي، ويقال: الأزدي،
سكن البصرة، وكنيته: أبو مالك بابنه: مالك.
__________
(1) النسائي: كتاب السهو، باب: الإشارة بالإصبع في التشهد
(3/ 38) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الإشارة في
التشهد (911) .
(2) في الأصل: "عصامة".
(3) لم يرد وعمرو بن هشام، في تهذيب الكمال فيمن روى عن
عثمان.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3838) .
(5) المصدر السابق (0 2/ 3926) .
(4/275)
قوله: " حَنَاها"- بفتح الحاء المهملة
والنون- أي: أمالها شيئًا. والحديث: أخرجه النسائي، وابن
ماجه.
* * *
177- بَابُ: كراَهِية الاعْتمادِ على اليَدِ في الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان كراهة الاعتماد على اليد في الصلاة.
963- عر- نا أحمد بن حنبل، وأحمد بن محمد بن شَبُّويَه،
ومحمد ابن رافع/ ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا: نا عبد
الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر
قال: نَهَى رسولُ الله- عليه السلام-. قال ابنُ حنبل: أن
يَجلسَ الرجلُ في الصلاة وهو مُعتَمدَا على يَدِهِ (1) .ًَ
ش- لأنه يُشبه جلوس المعذبين لما يجئ الآن.
ص- وقال ابن شبويه: نهى أن يعتمد الرجل على يدهِ في
الصلاةِ.
ش- أي: قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن ثابت الخزاعي
المعروفُ بابن شَبويه- أحد شيوخ أبي داود- في روايته عن
عبد الرزاق: نهى رسول الله أن يعتمد، الحديث.
ص- وقال ابن رافع: نَهَى أن يُصلي الرجلُ وهو معتمد على
يَده. وذكره في باب الرفع من السجدةِ (2) .
ش- أي: قال محمد بن رافع- أحد شيوخ أبي داود- في روايته عن
عبد الرزاق: نهى رسول الله أن يصلي، الحديث.
عر- وقال ابنُ عبدِ الملكِ: نَهَى أن يَعتمدَ الرجلُ على
يَديه إذا نَهَضَ في
الصلاة.
ش- أي: قال محمد بن عبد الملك بن زنجويه البَغدادي الغزال-
شيخ أبي داود، وهو شيخ النسائي- أيضا- في روايته عن عبد
الرزاق: نهى
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: "السجود".
(4/276)
أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في
الصلاة. والمقصود: أن هذه أربع روايات رواها أبو داود عن
أربعة مشايخ، كلها تدل على كراهة الاعتماد على اليدين في
الصلاة؛ والرواية الرابعة حجة صريحة لأبي حنيفة أن المصلي
إذا فرغ من السجدة الثانية يستوي قائمًا على صدور قدمَيْه،
ولا يَعْتمدُ بيدَيْه على الأرض. وبه قال مالك، وأحمد.
وقال الشافعي: يجلس جلسة خفيفة، ثم ينهض معتمدا على الأرض؛
والحديث حجة عليه، وقد استوفينا الكلام فيه مرة.
964- ص- نا بثر بن هلال: نا عبد الوارث، عن إسماعيل بن
أمية قال: سألت نافعا عن الرجلِ يُصلي وهو مُشبكٌ يده قال:
قال ابنُ عمرَ. تلك صلاةُ المغضوبِ عليهم (1) .
ش- بشْر بن هلال: أبو محمد الصواف البغدادي، وقيل: البصري.
سمع: جعفر بن سليمان، وعلي بن مسهر، وعبد الوارث بن سعيد.
روى عنه: الجماعة إلا البخاري، قال أبو حاتم: محله الصدق.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة (2) : نا وكيع، عن عبيد الله بن
عبد الرحمن
ابن موهب، عن عمه، عن مولى لأبي سعيد الخدري: أنه كان مع
أبي سعيد الخدري، وهو مع رسول الله جالس، قال: فدخل النبي
- عليه السلام- المسجد فرأى رجلاً جالسًا وسط المسجد،
مُشبكا أصابعه يُحدث نفسه، قال: فأومأ إليه النبي- عليه
السلام- فلم يَفطِنْ، فالتفت إلى أبي سعيد الخدري فقال: "
إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه؛ فإن التشبيك من
الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة مادام في المسجد حتى
يخرج منه".
ونا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن النعمان بن أبي
عياش قال: كانوا ينهون عن تشبيك الأصابع- يعني: في
الصلاة-.
ومنهم من رخص في ذلك؛ لما روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظره وما بعده في: المصنف (2/ 75- 76) .
(4/277)
أبو داود (1) الطيالسي، عن خليفة بن غالب:
نا نافع قال: رأيت ابن عمر يُشبكُ بين أصابعه في الصلاة.
ونا هشيم: أنا أصحابنا، عن الحسن أنه كان يشبك بين أصابعه
في المسجد.
نا عفان: نا وهيب، عن إسماعيل بن أمية قال: رأيت سالم بن
عبد الله يُشبّك بَيْن أصابعه في الصلاة.
965- ص- نا هارون بن زَيْد بن أي الزرقاء: نا أبي حِ ونا
محمد بن سَلمة: نا ابن وهب- وهذا لفظه- جميعاً، عن هشام بن
سعْد، عن نافع، عن ابنِ عُمرَ أنه رأى رجلاً يَتكِئُ على
يَدهِ اليُسْرى وهو قَاعد في الصلاة- وقال هارونُ بنُ زيد:
ساقطا على شقه الأَيسرِ- ثم اتفقا فقال له: لا تَجلِس
هكذا؛ فإن هكذا يَجًلسُ الذين يُعذبونَ (2) .
ش- هارون بن زَيد بن يزيد بن أبي الزرقاء: الموصلي، وأبوه:
زيد
ابن يزيد بن أبي الزرقاء الموصلي.
قوله: " جميعاً " حال من يزيد والد هارون، وعبد الله بن
وهب أي: مجتمعَيْن، عن هشام بن سَعْد.
قوله: "ثم اتفقا" يعني: هارون ومحمد بن سلمة كلاهما شيخ
أبي داود. وهذا الحديث: إنما ثبت في النسخ من رواية أحمد
بن سعيد، عن ابن الأعرابي، عن أبي داود.
* * *
178- باب: في تخفيف القُعُود
أي: هذا باب في بيان تخفيف القعود فيَ الصلاة.
966- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن سعد بن إبراهيم/، عن
أبى عُبَيْدة، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- كان في
الركعتين الأولَيينِ كأنه على الرضفِ، قال: قلنا: حتى
يَقومَ؟ قال: حتى يقومَ (3) .
__________
(1) في الأصل: "أبو بكر" خطأ.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في مقدار القعود في
الركعتين الأولين (366) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب:
التخفيف قي التشهد الأول (2/ 243) .
(4/278)
ش- سَعْد بن إبراهيم: ابن عبد الرحمن بن
عوف القرشي.
وأبو عُبيدة: اسمه: عامرٌ، ويُقال: اسمُه كُنيته؛ وهو ابن
عبد الله ابن مسعود. سمع: أبا موسى الأشعري، وكثر الرواية
عن أبيه، ولم يَسمع منه. كذا في " الكمال" وكذا قال
الترمذي، وقال عمرو بن مرة: سألت أبا عُبيدة: هل تذكر من
عبد الله شيئا؟ قال: ما أذكر شيئًا. وقد احتج به البخاري،
ومسلم بحديثه في " صحيحهما ". وروى عنه: عمرو بن مرة، وأبو
إسحاق السبيعي، وسعد بن إبراهيم، وإبراهيم بن يزيد النخعي،
وغيرهم. روى له الجماعة (1) .
قوله: " كأنه على الرضف "- بفتح الراء المهملة، وسكون
الضاد المعجمة، وبعدها فاء- الحجارة المُحماة؛ واحدها:
رَضْفةٌ، ومن أمثالهم: خذ من الرضفة ما عليها.
والحديث: رواه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث
حسن؛ إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والعمل على هذا
عند أهل العلم، يختارون أن لا يطيل الرجل القعود في
الركعتين الأولين، ولا يزيد على التشهد شيئا، وقالوا: إن
زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو، وهكذا روي عن الشعبي
وغيره.
قلت: وهو مذهب أصحابنا- أيضا-. وقال صاحب " المحيط ": ولا
يزيد على هذا- أي: التحيات في القعدة الأولى. وقال
الشافعي: يزيدُ عليه: اللهم صل على محمد..
قلت: الحديث حجة عليه.
* * *
179- بَاب: في السَّلام
أي: هذا باب في بيان أحكام السلام في آخر الصلاة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3051) .
(4/279)
967- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان ح ونا
أحمد بن يونس: نا زائدة ح ونا مسدد: نا أبو الأحوص ح ونا
محمد بن عُبيد المحاربي، وزياد ابن أيوب قالا: نا عمر بن
عُبيد الطنافسي ح ونا تميم بن المنتصر: أنا إسحاقُ - يعني:
ابن يوسف-، عن شريك ح ونا أحمد بن مَنيع: ْ نا حُسين بن
محمد: نا إسرائيل- كلهم-، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن
عبد الله- وقال إسرائيل: عن أبي الأحْوص، والأسود، عن عبد
الله- أن النبيَّ- عليه السلام- كان يُسلمُ عن يمينه وعن
شمَاله حتى يُرَى بياضُ خَدهِ: " السلامُ عليكم ورحمةُ
اللهِ، السلامُ عليكم ورحَمةُ الله " (1) .
ش- سفيان: الثوري، وزائدة: ابن قدامة الكوفي، وأبو الأحوص:
سلام بن سليم الحنفي الكوفي.
وعمر بن عُبيد: ابن أبي أمية الطنافسي الحنفي الكوفي، أخو
يَعلى ومحمد وإبراهيم. روى عن: أبي إسحاق السَبيعي، وسماك
بن حرب، ومنصور بن المعتمر وغيرهم. روى عنه: أخوه: يعلىَ،
وأحمد بن حنبل، وقال: هو شيخ كثير الحديث، وقال ابن معين:
صالح، وقال أبو حاتم: محله الصدق. مات سنة خمس وثمانين
ومائة. روى له الجماعة (2) .
وإسحاق: ابن يوسف الأزرق، وشريك: ابن عبد الله النخعي.
وأحمد بن منيع: ابن عبد الرحمن المروروذي أبو جعفر سكن:
بغداد. سمع: هُشيم بن بَشِير، وابن عُيينة، وابن المبارك،
وحسين بن محمد وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم،
والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، وغيرهم. وقال النسائي: ثقة. مات سنة أربع وأربعين
ومائتين (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسليم في
الصلاة (295) ، النسائي: كتاب السهو، باب: كيف السلام على
الشمال (63/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
التسليم (914) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 2/ 4282) .
(3) المصدر السابق (1/ 114) .
(4/280)
وحُسن بن محمد: ابن بهرام المروذي، أبو
أحمد التميمي المُعلم،
سكن بغداد. سمع: إسرائيل بن يُونس، ويزيد بن عطاء، وجرير
بن
حازم وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي
شيبة،
وأحمد بن منيع وغيرهم، وقال ابن سَعْد: كان ثقةً. مات سنة
ثلاث
عشرة ومائتين. روى له الجماعة (1) .
وأبو إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي، وأبو الأحْوص: عوف
بن
مالك، والأسود: ابن يزيد النوعي، وعبد الله: ابن مسعود.
قوله: " كلهم " أي: روى كل هؤلاء المذكورون عن أبي إسحاق
السبيعي.
وبالحديث استدل أصحابنا: أن السنة للمُصلي: أن يُسلِّم
تسليمتين.
وبه قال الشافعي وإسحاق، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعلي،
وعمار، وابن مسعود، ونافع بن عبد الحارث، وعلقمة، وأبي (2)
عبد الرحمن السلمي، وعطاء، والشعبي، والثوري، وقال ابن
المنذر:
وبه أقول. وقال مالك: تسليمة واحدة؛ وهو قول عائشة، وابن
سيرين،
والحسن، وعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي. وقال/ ابن بطال:
إنما [2/55 - ب] حدثت التسليمتان زمن بني هاشم. وقال
الطبري: هو مخير في الخروج
بسلام أو غيره. وفي " المغنى " لابن قدامة: التسليم واجب
لا يقوم غيرُه
مَقامه، والواجبُ: تسليمة واحدة، والثانية: لسُنَة. وقال
ابن المنذر:
أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة
جائزة. وعند الطحاوي، عن الحسن بن حر: هما واجبتان؛ وهي
رواية عن أحمد،
وبها قال بعض أصحاب مالك. وعند الشافعي: السلام فرض. وكذا
عن أحمد. وقال النووي: لو أخل بحرف من حروف " السلامِ
عليكم "
لم تصح صلاته. وعن أبي حنيفة: إنها واجبة، وقيل: سُنةٌ.
وقال
صاحبه "الهداية": ثم إصابة لفظ السلام واجبة عندنا؛ وليست
بفرض
خلافا للشافعي. وقد ذكرنا الاحتجاج من الطرفين غير مرّة.
__________
(1) المصدر السابق (6/ 1333) .
(2) في الأصل: "وأبو ".
(4/281)
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر
أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- ومَن بعدهم من
التابعين، وهو قول: سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد،
وإسحاق.
ورواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث الشعبي، عن مسروق،
عن ابن مسعود قال: لم أنْس تسليم رسول الله عن يمينه وعن
شماله: " السلام عليكم ورحمة الله، وكأني أنظر إلى بياض
خدّيه- عليه السلام-. ص- قال أبو داود: هذا لفظُ حديث
سفيان، وحديثُ شريكٍ (1) لم يُفسره.
ش- أي: المذكور من الحديث: لفظ سفيان الثوري، وحديث شريك
النخعي لم يفسر السلام كيف هو؟.
ص- قال أبو داود: رواه زهير، عن أبي إسحاق، ويحيى بن آدمَ،
عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بنِ الأسود، عن
أبيه، وعلقمة عن عبدِ اللهِ.
ش- أي: روى هذا الحديث: زُهير بن معاوية، عن أبي إسحاق
السَّبِيعي. ورواه يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، عن
إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق.
ص- قال أبو داودَ: شعبةُ كان يُنكرُ هذا الحديثَ: حديثَ
أبي إسحاق (2) .
ش- شعبةُ بن الحجاج كان يُنكرُ أن يكون حديث أبي إسحاق
السباعي مَنْ في ما.
قوله: " حديث أبي إسحاق " منصوب على أنه بدل من قولهم هذا
الحديث ".
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود:" إسرائيل ".
(2) في سنن أبي داود: " حديث أبي إسحاق أن يكون مرفوعا"،.
(4/282)
968- ص- نا عَبْدة بن عبد الله: نا يحيى بن
اَدم: نا موسى بن قيس الحَضْرمي، عن سلمة بن كهيل، عن
علقمة بن وائل، عن أبيه قال: صَليتُ مع النبي- عليه
السلام- فكان يُسلّم عن يمينه: " السلامُ عليكم ورحمةُ
الله وبركاتُه " وعن شِمَالهِ: " السلامُ عليكم ورحَمَة
الله " (1) .
ش- موسى بن قيس الحَضرمي: الصغير (2) الكوفي. روى عن: سلمة
بن كهيل، ومُسلم بن البطن، وعطية بن سَعْد العَوْفي. روى
عنه: وكيع، ويحي بن آدم، وقبيصة وغيرهم، قال ابن معين:
ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له: مسلم، وأبو داود
(3) .
وعلقمة بن وائل: ابن حُجر الحضرمي الكوفي. روى عن: أبيه،
والمغيرة بن شعبة، وطارق بن سويد. روى عنه: سماك بن حرب،
وعبد الملك بن عمير، وجامع بن مطر وغيرهم. روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
وهذا- أيضا- حجة للجمهور. وروى أحمد في " مسنده "
والطبراني في "معجمه" عن ملازم بن عمرو: حدثني هوذة بن قيس
بن طلق، عن أبيه، عن جده: كان رسول الله يُسلّم عن يمينه
وعن يَسارِه حتى يُرى بياضُ خده الأيمن وبياض خده الأيسر.
669- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن زكرياء، ووكيع،
عن مسْعر، عن عُبيد الله ابن القبطية، عن جابر بن سمرة
قال: كُنَّا إذا صلينا خلفَ رسول الله يُسلّم (5ْ) أحدنا-
أشارَ بيده من عن يمينه ومن عن يَساره- فلما صلي قائل:" ما
بالُ أحَدِكُم يَرْمى بيدِه كَأنها أذناب خَيلِ شُمْسِ؟ َ
إَنما
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) قال محقق تهذيب الكمال (134/29) : "جاء في حاشية نسخة
المؤلف التي بخطه من تعقباته على صاحب الكمال " قوله: "
كان فيه الصغير وهو وهم، والصواب الفراء ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6293/29) .
(4) المصدر السابق (20/ 4020) .
(5) في سنن أبي داود: "فسلم ".
(4/283)
يَكْفي (1) أو أَلا يكْفِي أَحدَكُم أن
يقولَ هكذا "- وأشارَ بإصبعه-
"السَلام (2) على أخيه من عن يميِنه، ومن عن شِمَالِهِ "
(3) .
ش- عُبيد الله ابن القبطية: روى عن: جابر بن سمرة، وأم
سلمة
زوج النبي- عليه السلام-. روى عنه: عبد العزيز بن رفيع،
ومسْعر
ابن كدام، وفرات القزاز. روى له: مسلم، وأبو داود،
والنسائي (4) .
قوله: " من عن يمينه " كلمة "عن " هاهنا اسم لدخول حرف
الجر
عليه، وهو بمعنى جانب. [2/56 - أ] / قوله: " شُمْس "- بضم
الشن المعجمة، وسكون الميم، وبعدها سين مهملة- جمعًُ:
شَمْساءَ؛ والذكر: أشمس، والشموسُ يُطلقَ على
الذكر والأنثى، ولا تقُلْ " شموص" وهو الذي لا يَستقرّ
لشغبه وحدته،
وهو من الناس العَسِرُ، الصَّعْب الخُلُق.
قوله: " أولا يكفي " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " السلام على أخيه " المراد بالأخ: الجنْس أي:
إخوانه الحاضرين
عن اليمين والشمال. وفَيه الأمر بالسكون في الصلاة والخشوع
فيها،
والسلام على الحاضرين من الجانبَيْن. والحديث: أخرجه مسلم،
والنسائي.
970- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا أبو نعيمِ، عن
مسْعر
لإسناده ومعناه، قال:" أمَا يكْفِي أحدَكُم أو أحدهم أن
يضَعَ يده على فَخذه،
ثم يُسلمُ على أخِيه من عن يمِينهِ ومن عن شِمَالِهِ؟ "
(5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "يكفي أحدكم".
(2) في سنن أبي داود: "يسلم".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة
والنهي عن الإشارة
باليد ورفعها عند السلام. . . (431) ، النسائي: كتاب
السهو، باب: موضع
اليدين عند السلام (3/ 61) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 1/ 3675) .
(5) انظر التخريج المتقدم.
(4/284)
ش- أبو نعيم: الفضل بن دكين.
قوله: " بإسناده " أي: بإسناد الحديث المذكور ومعناه.
971- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير: نا الأعمش،
عن المُسّيب بن رافع، عن تميم الطائي، عن جابر بن سمرة
قال: دخلَ علينا رسولُ الله- عليه السلام- وهم أو الناس
(1) رافِعُوا أيديهم- قال زهير: أرَاهُ قال "َ في الصلاة-
فقال: "مَالي أراكُم رَافِعِيَ أيلِيكُم كأنها أَذنَابُ
خَيلِ شُمْس، اسكُنوا فِي اَلصلاةِ" (2) .
ش- تميم: ابن طرفة الطائى.
قوله: " أو الناسُ " شك من الراوي.
قوله: "قال زهير" أي: زهير بن معاوية "أراه" أي: أظنه قال:
رافعوا أيديهم في الصلاة. وقد استدل بهذا الحديث أصحابنا
في ترك رفع اليَدين في الصلاة عند غير تكبيرة الافتتاح،
واعترض البخاري على وجه استدلالهم، وقد ذكرناه مستوفًى في
"باب رفع اليدين". والحديث: أخرجه مسلم.
* * *
180- بَابُ: الرد على الإِمام
أي: هذا باب في بيان حكم الرد على الإمام.
972- ص- نا محمد بن عثمان أبو الجَماهر: نا سعيد بن بَشير،
عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة قال: أمرنا رسولُ اللهِ أن
نَرد على الأِمَام، وأن نَتحاب، وأن يُسلمَ بَعْضُنا عَلى
بَعضِ (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "والناس".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة،
والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف
الأول.. (430) .
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رد السلام على
الإمام (921) .
(4/285)
ش- سَعِيد بن بَشير- بفتح الباء- أبو عبد
الرحمن النضري مولاهم البَصْري، نزل الشامَ؛ روى عن: أبي
الزبير المكي، وقتادة، وعبد الملك ابن أبجر وغيرهم. روى
عنه: عبد الرحمن بن مَهدي، ووكيع، والوليد بن مسلم وغيرهم،
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا: محله
الصدق عندنا، قلت: يحتج بحديثه؟ قالا: يحتج بحديث ابن أبي
عروبة والدستوائي، هذا شيخ يكتبُ حديثه، وسمعت أبي يُنكر
على مَنْ أدخله في كتاب "الضعفاء" قال: يحول منه. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: "أن نَرُد على الإمام" أراد به: أن يفتح على إمامه
إذا استفتح في الصلاة. وعن هذا قال أصحابنا: إذا فتح
المصلي على غير إمامه فسدت صلاته بخلاف إمامه
قوله:" وأن نتحابَّ " من التَحابب؟ وهو أن يُحب بعضهم
بعضًا. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
973- ص- نا (2) أحمد بن عبدة: أنا سفيان، عن عَمرو، عن أبي
مَعْبد،
عن ابن عباس قال: كان يُعْلَمُ انقضاءُ صَلاةِ رسولِ اللهِ
بالتكبِيرِ (3) .
ش- أحمد بن عَبْدة: ابن موسى أبو عبد الله الضبي البصري.
سمع: سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وأبا عوانة وغيرهم.
روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
وأبو زرعة، وأبو حاتم وقال: ثقة، وقال النسائي: صدوق لا
بأس به. مات سنة خمس وأربعين ومائتين (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2243) .
(2) في سنن أبي داود: "باب التكبير بعد الصلاة".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: الذكر بعد الصلاة (842) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الذكر بعد الصلاة
(583) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التكبير بعد تسليم
الإمام (3/ 67) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 75) .
(4/286)
وعَمرو: ابن دينار.
وأبو معبد: نافذ- بالنون والفاء والذال المعجمة وقيل:
بالمهملة-
القرشي الهاشمي الحجازي مولى عبد الله بن عباس. سمع: عبد
الله بن
عباس. روي عنه: عمرو بن دينار، وأبو الزبير المكي، والقاسم
بن
أبي بزة، قال أحمد وأبو زمعة: ثقة. مات بالمدينة سنة أربع
ومائة.
روي له الجماعة (1) .
قوله: " يعلم" على صيغة المجهول. وبهذا استدل بعض السلف
أنه
يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقيب المكتوبة، وممن
استحبه من المتأخرين: ابن حزم الظاهر". وقال ابن بلال:
أصحاب المذاهب
المتنوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب/ رفع الصوت
بالتكبير والذكر [2/56- ب] حاشا ابن حزم. وحَمل الشافعي
هذا الحديث على أنه جهر ليُعلمهم صفة
الذكر؛ لا ابنه كان دائما، قال: وأختارُ للإمام والمأموم
أن يذكر الله بعد
الفراغ من الصلاة ويُخفيان ذلك، إلا أن يقصدا التعليم
فيُعلما ثم يُسِرا.
وقال الطبري: فيه البيانُ على صحة فعل مَنْ كان يَفعْلُ
ذلك من الأمراء
والولاة، يكبر بعد صلاته ويكبر من خلفه، وقال غيره: لم أجد
أحدا
من الفقهاء قال بهذا إلا ابن حبيب في "الواضحة": كانوا
يستحبون
التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء. وروي
ابن
القاسم، عن مالك: إنه مُحدث. وعن عَبيدة: هو بدْعة. وقال
ابن
بلال: وقول ابن عباس هذا فيه دلالة أنه لمَ يكن يُفعلُ حين
حدث به
لأنه لو كان يفعل لم يكن لقوله معنى، فكان التكبير بأثر
الصلوات لم
يواظب الرسول عليه طول حياته، وفهم أصحابه أن ذلك ليس
بلازم
فتركوه خشية أن يظن أنه مما لا تتم الصلاة إلا به، فلذلك
كرهه من كرهه
من الفقهاء، وفيه دلالة أن ابن عباس كان يُصلي في أخريات
الصفوف
لكونه صغيرًا. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
__________
(1) المصدر السابق (29/ 6358) .
(4/287)
974- ص- نا يحيي بن موسى البلخي: نا عبدُ
الرزاق: أخبرني ابن جريج: أنا عمرو بن دينار أن أبا معبد
مولِى ابن عباس أخبره أن ابن عَباس أخبره، أن رَفعَ الصوت
للذكْر حينَ ينصرِفُ [الناس] ، من المكتُوبة كانَ ذلك على
عَهد رسولِ الله، وأنَ ابن عباس قال: كنتُ أعلمُْ إذا
انصَرَفُوا بذاكَ وأسمَعُه؟ (1) .
ش- يحيي بن موسى: ابن عبد ربه بن سالم أبو زكرياء
السختياني الحداني البلخي كوفي الأصل. سمع: ابن عيينة،
ووكيعَا، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق بن همام وغيرهم. روى
عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، قال أبو
زرعة: ثقة، وقال الدارقطني: كان من الثقات. مات سنة ست
وأربعين ومائتين (2) .
قوله:" كنت أعلمُ إذا انصرفوا " ظاهره: أنه لم يكن يحضر
الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لصغره. والحديث: أخرجه
البخاري، ومُسلم.
975- ص- نا (3) أحمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن يُوسف
الفِرْيابي: نا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري
عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -:" حذف السلام سُنة" (4) .
ش- قرة بن عبد الرحمن: ابن حيويل بن ناشرة بن عبد بن عامر
بن الحارث أبو محمد، ويُقال: أبو حيويل المعافري المصري،
أصله مدني سكن مصر. روى عن: الزهري، وربيعة بن أبي عبد
الرحمن، ويحيى وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، وحيوة بن شريح،
وابن وهب، والليث بن سعد وغيرهم، قال أحمد: منكر الحديث
جدا،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الذكر بعد الصلاة (841) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الذكر بعد الصلاة
(583) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 0 693) .
(3) في سنن أبي داود: "باب حذف التسليم".
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن حذف السلام سُنة
(297) .
(4/288)
وقال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ذكره
مسلم
في حديثه مقرونا بغيره غير محتج به. روى له: مسلم، وأبو
داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله:" حذت السلام "- بالحاء المهملة والذال المعجمة- قيل:
الإسراع به، وقيل: أن لا يكون فيه " ورحمة الله"- يعني: في
الصلاة- ورواه الترمذي، وقال: قال علي بن حُجر: قال عبد
الله بن
المبارك: يعني أن لا يمده مدا، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن
صحيح، وهو الذي يستحسنه أهل العلم. ورُوي عن إبراهيم
النخعي أنه
قال: التكبير جزم، والسلام جزم. انتهى.
قلت: جزم بالجيم والزاي. وروي " جذم " بالذال المعجمة،
ومَعناه:
سريع، والجذم في اللسان: السرعة، إذا أقمت فاجذم، أي:
أسرِعْ.
* * * |