شرح أبي داود للعيني

181- بَابٌ: إذا أحْدَث في صَلاِته يستقبل
أي: هذا باب في بيان ما إذا أحدث المصلي في صلاته يَسْتقبل صلاته.
976- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: ونا جرير بن عبد الحميد، عن
عاصم الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مُسْلم بن سلام، عن علي بن
طَلق قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا فَسَى أحدُكُم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعِد صلاتَه " (2) .
ش- به استدل الشافعي ومالك/ وأحمد أن الرجل إذا سبقه الحدث في [2/57 - أ] الصلاة استقبل صلاته. وقال أصحابنا: انصرف فإن كان إمَامًا استخلف
وتوضأ وبنى، وقد تقدم الحديث بعينه في كتاب الطهارة، وذِكرُ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 1 487) .
(2) الترمذي: كتاب الرضاع، باب: ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن (1164) ، وتقدم برقم (192) .
19. شرح سنن أبي داوود 4

(4/289)


الاحتجاج من الطرفين وقال ابن قطان في كتابه: هذا حديث لا يصح؛ فإن مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك مجهول الحال.
* * *
182- بَاب: في الرجل الذي يتطوَعُ فِي
مَكانِهِ الذِي صَلى فيه المكتوبة
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يتطوع في مكانه الذي صلى
فيه الفرض.
977- ص- نا مسدد: نا حماد، وعبد الوارث، عن ليث، عن الحجاج ابن عُبيد، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيعجزُ أحدُكم". قال: عن عبد الوارث:" أن يَتقدم أو يتأخرَ أو عَن يمينه أو عن شماله"- زاد حماد (1) :" في الصلاةِ "- يعني: في السبْحة (2) .
ش- حماد: ابن زيد، وعبد الوارث: ابن سعيد.
والحجاج بن عُبيد: روى عن: إبراهيم بن إسماعيل. روى عنه: ليث بن أبي سليم، قال أبو حاتم: مجهول. روى له: أبو داود (3) . وإبراهيم بن إسماعيل: روى عن: أبي هريرة. روى عنه: الحجاج ابن عبيد. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "زاد في حديث حماد"
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة (1427) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ْ 1122) .
(4) المصدر السابق (2/ 152) .

(4/290)


قوله: (قال: عن عبد الوارث) أي قال مسدد: عن عَبد الوارث بن سعيد:" أيعجز أحدكم أن يتقدم " الحديث.
قوله: "زاد حماد" أي: قال مسدد: راد حماد في روايته: "في الصلاة" يعني في السبحة أي: التطوع. وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن الرجل لا يتطوع في مكان الفرض، وإليه ذهب ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وأبو سعيد، وعطاء، وعامر الشعبي. وقال صاحب "المحيط": ولا يتطوعُ في مكان الفرض؛ لقوله- عليه السلام-: "اعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن يتقدم أو يتأخر بسُبحته " ولأنه ربما يشتبه حاله على الداخل فيحسبُ أنه في الفرض فيقتدي به في الفرض وأنه لا يجوز. والحديث: أخرجه ابن ماجه؛ ولكنه معلول بإبراهيم بن إسماعيل.
978- ص- نا عبد الوهاب بن نَجدة: نا أشعثُ بن شعبة، عن المنهال ابن خليفة، عن الأزْرق بن قيس قال: صلى بنا إمام لنا يُكنَى أبا رِمْثَة فقال: صليتُ هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي- عليه السلام- قال: وكان أبو بكر وعمر يَقومان في الصَف المقدم عن يمينه وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلى النبي- عليه السلامُ- ثم سلم عن يمينه وعَن يساره حتى رأينا بياض خَديه ثم انفتل كانفتال أبي رمثة- يعني: نفسه- فقامَ الرجلُ الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفعُ فَوثَب إليه عمرُ فأخذ بمنكبه فهَزة ثم قال: اجلس؛ فإنه لم يَهلك أهلُ الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل، فرفعَ النبي- عليه السلام- بصره فقال: " أصابَ الله بك يا ابنَ الخطاب " (1) (2) .
ش- أشعَثُ بن شُعبة: المِصيصي، عن أرطأة بن المنذر وغيره، وعنه:
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) جاء في سنن أبي داود بعد الحديث: "وقد قيل أبو أمية مكان أبي رِمثة".

(4/291)


عبد الوهاب بن نجدة، قال أبو زرعة: لين، وقال الأزدي: ضعيف.
روى له: أبو داود (1) .
والمنهال بن خليفة: أبو قدامة العجلي، روى عن: الحجاج بن أرطأة،
وسِماك بن حَرْب، وعلي بن زيد بن جدعان، روى عنه: أبو معاوية الضرير، وأبو أحمد الزبيري، وعبيد بن هشام وغيرهم، قال ابن معين: ضعيف، وقال البخاري: فيه نظر. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
والأزرق بن قيس: الحارثي، روى عن: ابن عمر، وأنس بن مالك،
وعسعس بن سلامة وغيرهم، روى عنه: سليمان التيمي، والحمادان،
روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبو رِمْثة- بكسر الراء وسكون الميم، وبعدها ثاء مثلثة، وتاء تأنيث-
اسمُه: رفاعة بن يثربي، وقيل غير ذلك، التيمي تيم الرباب وقيل:
التميمي الكوفي. وفي "الكمال": ويقال: حبيب بن حيان، روى
عنه: إياد بن لقيط، روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: "ثم انفتَل " أي: انصرف من الصلاة.
قوله: "يَعْني نفسَه " يعني: أرادَ بقوله كانفتال أبِي رِمْثة نفسَه، وكان
القياس أن يقول: كانفتالي.
قوله: " يَشفع " أي: يَضم إلى صلاته التي صلاها مع النبي- عليه [2/57 - ب] السلام- صلاةً أخرى/ من غير أن يفصل بينهما بمكانِ، فدل هذا أن الصلاة النافلة في المكان الذي صلى فيه الفرض يكره، فينبغي إذا فرغ من
المكتوبة [أن] يتأخر عن موضعه أو يتقدم لأجل صلاة النفل. وقال
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 525) .
(2) المصدر السابق (28/ 9 0 62) .
(3) المصدر السابق (2/ 2 30) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 70) ، أسد الغابة (6/ 111) ، الإصابة (4/ 70) :

(4/292)


أبو بكر بن أبي شيبة (1) : حدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن عامر قال (2) : لا يتطوع حتى ينهض (3) خطوةَ أو خُطوتين. وقد رخص ذلك
بعضهم.
قال أبو بكر: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي بحر، عن شيخ قال: سئل ابن مسعود عن الرجل يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة؟ قال: لا بأس به.
حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي سُبحته مكانه.
* * *
183- بَابُ: السهْوِ في السَجْدَتَيْن
أي: هذا باب في بيان حكم السهو في السَّجْدتين؛ والمراد من السجدتين: الركعتان، يطلق على كل ركعة سجدة بطريق إطلاق اسم الجزء على الكل، لأن السجدة بعْض الركعة. وفي بعض النسخ: "جماع أبواب السهو في الصلاة، باب في سَجْدتي السهو" والصحيح: هو الأول.
979- ص- نا محمد بن عُبَيد: نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: صلي بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العَصْر، قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خَشبة في مُقدم المَسْجد فوضع يدَه (4) عليها إحداهما على الأخْرى يُعرفُ فًي وَجهه الغضبُ ثم خرج سَرَعَانُ الناس وهم يَقولون: قصرت الصلاة قصرت الصلاةُ، وفي الناس أبو بكر، وعمر فهاباه أن يُكلماه، فقامَ رجلٌ كان رسولُ الله يُسميه ذا اليدين فقال: يا رسولَ اللهم أنَسِيتَ أم قُصِرَتِ الصلاةُ؟
__________
(1) المصنف (2/ 208) .
(2) في الأصل: "قالا".
(3) في الأصل "ينهد" وما أثبتناه من المصنف.
(4) في سنن أبي داود: "يديه عليهما ".

(4/293)


قال: " لم أنْسَ ولم تَقْصُر الصلاة " قال: بل نسيتَ يا رسولَ الله، فأقبل رسولُ الله على القَوْم فقال: أصَدَقَ ذو اليَديْن فأَوْمئوا أي: نَعمْ، فرجَع رسولُ اللهَ إلى مَقامِه يصلي الركعتَيْن الباقيتَيْن ثم سلّم ثم كبر وسجَد مثل سجوده أو أطول ثم رفَع وكبَّر ثم كبَّر وسجدَ مثل سجُوده أو أطول ثم رفع وكبَّر. قال: فقيل لمحمد: سَلّم في السهْو؟ فقال: لم أحفَظْ (1) من أبي هُريرة؛ لكنْ نبئتُ أنٌّ عمران بن حُصين قال: ثم سلم (2) .
ش- محمد بن عبيد: الغُبْري البصري، وأيوب: السختياني، ومحمد: ابن سيرين.
هذا الحديث من معظم الأحاديث التي تكلمت فيها مُعظم العلماء من كل فنيّ، والكلام فيه من وجوه؛ الأول: فيما يتعلّق بنظمه من وجوه الكلام؛ فقوله: " الظهر أو العَصْر" شكّ من ابن سيرين؛ والدليل عليه: ما جاء في رواية البخاري: " صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشيّ، قال ابن سيرين: سمّاها أبو هريرة؛ ولكن نسِيتُ أنا. قال: فصلى بنا ركعتين: ثم سلم فقام إلى خشبة مَعْروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على"اليُسْرى، وشبك بين أصابعه، الحديث. وفي رواية أيوب، عن محمد: كبر ظني أنها الظهر، وكذا ذكره البخاري في " الأدب"، وفي " الموطأ": "العَصْر" وأطلق على الظهر أو العَصْر صلاة العَشي؛ لأن العشِي يُطلق على ما بعد الزوال إلى
__________
(1) في سنن أبي داود: "أحفظه".
(2) البخاري: كتاب السهو، باب: إذا سلم في ركعتين أو ثلاث سجد سجدتين (1227) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: السهو في الصلاة والسجود له (573) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر (399) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من سلم من سنتين أو ثلاثة ساهيا (27/3) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: فيمن سلم من سنتين أو ثلاث ساهيا (1214) .

(4/294)


المغرب، وقيل: العشي من زوال الشمس إلى الصباح، وفي "الصحاح ":
العَشي والعشِية: من صلاة المغرب إلى العتمة.
قلت: الذي قال الجوهري هو أصل الوضع، وفي الاستعمال يُطلقُ
على ما ذكرنا.
قوله: " مقدم المَسْجد " بتشديد الدال المفتوحة.
قوله: " إحداهما على الأخرى " قد فسره في تلك الرواية بقوله:
"وشبك بَيْن أصابعه ".
قوله: " ثم خرج سَرَعَانُ الناسِ "- بفتح السين والراء والعين المهملات-
أي: أخفاءهم والمستعجلون منهم وأوائلُهم، ويلزم الإعراب نونَه في كل
وجه، هذا الوجه هو الصواب الذي ماله الجمهور من أهل الحديث
واللغة، وهكذا ضبطه المتقنون، وقال ابن الأثير: السَّرعَان- بفتح السين
والراء- أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسُرعة،
ويجوز تسكين لراء.
قلتُ: وكذا نقل القاضي عن بعضهم قال: وضبطه الأصيلي في
البخاري بضم السين وإسكان الراء، ووجهه؛ أنة جمع سريع كقَفيز
وقُفْزان وكَثيب وكُثبان، ومن قال: سِرعان- بكسر السين- فهو خطأَ،
وقيل: يُقَال- أيضا- سِرْعان بكسر السين وسكون الراء؛ وهو جمع
سريع، كرعيل ورِعْلان- وأما قولهم: "سرْعانَ/ ما فعلت" ففيه ثلاث [2/58 - أ] لغاتِ: الضم والكسر والفتح مع إسكان الراء، والنون مفتوحة أبداً.
قوله: " وهم يقولون " جملة اسمية وقعت خالا من "سرعان الناس".
قوله: " قُصرت الصلاةُ" بضم القاف وكسر الصاد، وروي بفتح القاف
وضم الصاد؛ وكلاهما صحيح؛ لكن الأول أشهر وأصح.
قوله: " فقام رجل كان رسول الله يُسَميه ذا اليمين " وفي رواية: "فقام
ذو اليدين" وفي رواية: "رجل من بني سليم، وفي رواية-: "رجل يُقالُ
له: الخِرباقُ وكان في يده طول" وفي رواية: "رجل بَسيط اليدين"،

(4/295)


هذا كله رجل واحد اسمه: الخِرباق بن عَمرو- بكسر الخاء المعجمة، وبالباء الموحدة، وآخره قاف-، ولقبه: ذو اليدين؛ لطول كان في يده، وهو معنى قوله: " بَسيط اليدين". وفي " مصنف ابن أبي شيبة"، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى يوماً فسلّم من ركعتَيْن، فأدركه ذو الشمالين فقال: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ الحديث.
وروى- أيضا- بإسناده إلى عكرمة: صلى النبي بالناس ثلاث ركعات ثم انصرف فقال له بعض القوم: حدث في الصلاة شيء، قال: " وماً ذاك؟ " قال: لم تصل إلا ثلاثاً، فقال: أكذاك يا ذا اليَدين؟ وكان يسمى- أيضا- ذا الشمالَيْن قال: نعم، الحديث.
وروى- أيضا-، عن عكرمة أن رسول الله صلى العَصْر ركعتين فسلم ودخل، فدخل عليه رجل من أصحابه يُقال له: ذو الشمالين فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج فقال:" ما يقول ذو اليدين؟ " فقالوا: يا رسول الله! نعم.
قوله: " أنَسيت" الألف فيه للاستفهام.
قوله: " لم أنس ولم تُقصَر الصلاة" وفي رواية مسلم: "كل ذلك لم يكن". وفي رواية أبي داود- أيضا-: "كل ذلك لم أفعل ". قال الشيخ محيي الدين (1) : فيه تأويلان، أحدهما: أن معناه لم يكن المجموع ولا يَنْفي وجود أحدهما، والثاني: وهو الصواب معناه: لم يكن لا ذاك ولا ذا في ظني، بل ظني أني كملتُ الصلاةَ أربعا؛ ويدل على صحة هذا التأويل، وأنه لا يجور غيره: أنه جاء في روايات للبخاري في هذا الحديث أن النبي- عليه السلام- قال: "لم تَقصُر ولم أنْسَ".
ويُقال:؛ لم أنسى، يرجعُ إلى السلام، أي: لم أسهُ فيه، إنما سلمتُ قصداً ولم أسهُ في نفس السلام، وأنما سهوتُ عن العدد. قال
__________
(1) شرح صحيح مسلم (69/5) .

(4/296)


القرطبي: وهذا فاسد؛ لأنه حينئذ لا يكون جوابا عَما سُئلَ عنه. ويُقالُ: بين النسيان والسهْو فرق، فقيل: كان النبي- عليه السلام- يَسْهُو ولا يَنسى؛ ولذلك نفى عن نفسه النسيان؛ لأن فيه غفلة ولم يَغْفُل، قاله القاضي. وقال القشيري: يَبْعدُ الفرق بينهما في استعمال اللغة، وكأنه يتلوّح من اللفظ، على أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق بالصلاة، والسهو: عدم الذكر لأمر يتعلّق بها، ويكون النسيان: الإعراض عن تفقد أمورها حتى يحصل عدم الذكر، والسهو: عدم الذكر لا لأجل الإعراض. وقال القرطبي: لا نسلم الفرق ولئن سُلم فقد أضافَ- عليه السلام- النسيان إلى نفسه في غير ما موضع بقوله: " إنما أنا بشرٌ أنسى كما تَنْسون، فإذا نَسيتُ فذكروني (1) ". وقال القاضي: إنما أنكر- عليه السلام- " نَسِيتَ " المُضافة إليه، وهو قد نهى عن هذا بقوله: " بئسما لأحدكم أن يقول: نسيتُ آيةَ كذا؛ ولكنه نُسِّي "، وقد قال- أيضا-:"لا أنسى "- على النفي" ولكن أُنَسَّى " وقد شك بعض الرواة في روايته فقال: " انْس أو أُنَسَّى" وأن "أو" للشك أو للتقسيم، وأن هذا يكون منه مرة من قبل شغله، ومرة يغلب ويخبر عليه، فلما سأله السائل بذلك أنكره، وقال: " كل ذلك لم يكن " وفي الأخرى: " لم أنس ولم تُقْصَرْ " أما القصر: فبين، وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي؛ ولكن الله أنساني. ويمكن أن يجاب عما قاله القاضي: إن النهي في الحديث عن إضافة " نسيتُ " إلى الآية الكريمة؛ لأنه يقبح للمؤمن أن يُضيف إلى نفسه نسيان كلاَم الله تعالى، ولا يلزم من هذا النهي الخاص" النهيُ عن إضافتهَ إلى كل شيء، فافهم. وذكر بعضهم أن العصمة ثابتة في الإخبار عن الله تعالى، وأما إخباره عن الأمور الوجودية فيجوز فيها/ النسيان. [2/58 - ب] قلت: تحقيق الكلام في هذا المقام أن قوله: " لم أنس ولم تُقْصر الصلاة" مثل قوله: "كل ذلك لم يكن "، والمعنى: كل من القصر
__________
(1) يأتي برقم (991) .

(4/297)


والنسيان لم يكن، فيكون في معنى لا شيء منهما بكائن على شمول النفي وعمومه لوجهيـ[هما، ذلك] (1) أن السؤال عن أحد الأمرين بأم يكون لطلب التعين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم لا علي التعيين، فجوابه: إما بالتعيين أو بنفيهما جميعاً تخطئةً للمُسْتفهم، لا بنفي الجمع بَيْنهما حتى يكون نفي العموم؛ لأنه عارف بأن الكائن أحدهما، والثاني: لما قال- عليه السلام-: " كل ذلك لم يكن" قال له ذو اليدين: "قد كان بعض ذلك" ومعلوم أن الثبوت للبعض إنما يُنافي النفي عن كل فرد لا النفي عن المجموع، وقوله: "قد كان بعض ذلك " موجبة جزئية، ونقيضها: السالبة الكلية، ولولا أن ذا اليدين فهم السلب الكلي لما ذكر في مقابلته الإيجاب الجزئيَّ.
وها هنا قاعدة أخرى: أن لفظة" كل " إذا وقعت في حيز النفي كان النفيُ موجهاً خاصةً، وأفادَ بمفهومه ثبوتَ الفعل لبعض الأفراد؛ كقولك: " ما جاء كل القوم " " ولم آخذ كل الدراهم"، وقوله: " ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يُدركُه"، وإن وقع النفي في حيزها اقتضى السلبَ عن كل فرد كقوله- عليه السلام-: "كل ذلك لم يكن ".
قوله: " فأوْمئوا أي نعم " وفي رواية البخاري: " فقال الناس: نعم " وكثر الأحاديث:" قالوا: نعم، ويمكن أن يجمع بينهما بأن بعضهم أومأ وبعضهم تكلم، ثم إذا كان كلاما لا إشارة كان إجابةً للرسول- عليه السلام-؛ وهي واجبة، قال الله تعالى: "اسْتَجيبُوا لله وللرسُول إِذَا دَعَاكُمْ " (2) وقال بعض المالكية: " يلزم أن تكونَ الإجابَة باَلقول وَبل يكفي فيها الإيماء، وعلى تقدير أن تجب بالقول لا يلزم منه الحكم بصحة الصلاة؛ لجواز أن تجب الإجابة ويلزمهم الاستئناف، أو يكون النبي - عليه السلام- تكلم معتقدا للتمام والصحابة تكلموا مجهزين النسخ. انتهى. ويُضيف هذا: قول ذي اليدين: " قد كان بعض ذلك "،
__________
(1) غير واضح في الإلحاق.
(2) سورة الأنفال: (24) .

(4/298)


وقولهم: " نعم "، بعد قوله: "اصدق ذو اليدين؟ " فقد تكلموا بعد العلم بعدم النسخ.
فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعدُ في الصلاة؟ قلنا:
قال الشيخ محيي الدين (1) : فجوابه من وجهين؛ الأول: أنهم لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة؛ لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين؟ ولهذا قال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ والثاني: أن هذا كان خطابا للنبي- عليه السلام- وجوابا، وذلك لا يبطل عندنا ولا عند غيرنا؛ وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح أن الجماعة أومئوا أي: نعم؛ فعلى هذه الرواية لم يتكلموا.
قلت: وفي الجواب الأول نظر- كما ذكرنا الآن.
قوله: " فقيل لمحمد " أي: لمحمد بن سيرين.
قوله: " لكن نبئتُ " أي: أخبِرتُ أن عمران بن حُصَين [قال] : ثم سلّم. وحديث عَمران بن حصين: أخرجه البخاري، ومسلم، عنه أن رسول الله- عليه السلام- صلّى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يُقال له: الخِرباق- وكان في يديه طول- فقال: يا رسول اللهم فذكر له صنعه فقال: " أصدقَ هذا؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلّم، ثم سجَد سجدتين ثم سلم.
الثاني في الفوائد التي تؤخذ من هذا الحديث: منها: أنه قد احتج به بعضهم على جواز الترجيح بكثرة العدد. قال القرطبي: لا حجة فيه؛ لأنه- عليه السلام- إنما استكشف لما وقع له من التوقف في خبره؛ حيث انفرد بالخبر عن ذلك الجمع الكثير وكلهم دواعيها متوفرة، وحاجتهم داعية إلى الاستكشاف عما وقع؛ فوقعت الريبَةُ في خبر المخبِر لهذا، وجوز أن يكون الغلط والسهو منه لا لأنها شهادة.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (73/5) .

(4/299)


ومنها: أن فيه إشكالاً على مذهب الشافعي؛ لأن عندهم: إنه لا
يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره إماما كان أو مأموما،
ولا يعمل إلا على يقين نفسه. واعتذر الشيخ محيي الدين عن هذا: بأنه
- عليه السلام- سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر، فعلم السهو فبنى
عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم، ولو جار ترك يقين نفسه والرجوع
[2/59 - أ] إلى قول غيره، لرجع ذو اليدين/ حين قال النبي- عليه السلام-: "لم تُقْصَر ولم أنْس".
قلتُ: ليس هذا بجواب مُخلّصِ؛ لأنه لايح (1) من الرجوع سواء
كان رجوعه للتذكر الو لغيره، وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام
الرسول لا لأجل يقين نفسه، فافهم. وقال ابن القصار: اختلفت الرواة
عن مالك في هذا؛ فمرةَ قال: يرجع إلى قولهم؛ وهو قول أبي حنيفة
لأنه قال: يَبْني على غالب ظنه، وقال مرةً أخرى: يعمل على يقينه ولا
يرجع إلى قولهم، كقول الشافعي.
ومنها: أن الذي عليه السهو إذا ذهب من مقامه ثم عاد وقضى ما عليه
هل تصح؟ فظاهر الحديث يدل على أنه تصح؛ لأنه قال: فرجع
رسول الله إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتَيْن. ولكن الفقهاء اختلفوا في
هذه المسألة؛ فعند الشافعية: فيها وجهان؛ أصحّهما: أنه تصح بهذا
الحديث؛ لأنه ثبت في مُسلم أنه- عليه السلام- مشى إلى الجذعْ وخرج السرعان، وفي رواية: دخل منزله، وفي رواية: دخَل الحُجرة ثم خرج
ورجع الناسُ، وبنى على صلاته، والوجه الثاني وهو المشهور عندهم-:
أن الصلاة تبطل بذلك. وقال الشيخ محيي الدين: وهذا مشكل،
وتأويل الحديث صعبٌ على مَن أبْطلها، ونقل عن مالك: أنه ما لم
ينتفض وضوؤه يجور له ذلك وإن طال الزمنُ، وكذا رُوي عن ربيعة
مُستدلينَ بهذا الحديث. ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: إنه
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".

(4/300)


إذا سلم ساهياً على الركعتين وهو في مكانه لم يصرف وجهه عن القبلة، ولم يتكلم، يَعُود إلى قضاء ما عليه، ولو اقتدى به رجل يصح اقتداؤه،
أما إذا صرف وجهه عن القبلة: فإن كان في المسجد ولم يتكلم فكذلك؛ لأن المسجد كله في حكم مكان واحد؛ لأنه مكان الصلاة، وإن كان خرج من المسجد ثم تذكر لا يعودُ وتفسد صلاته، وأما إذا كان في الصحراء: فإن تذكر قبل أن يُجاوز الصفوف من خلفه أو من قبل اليمين أو اليسار، عاد إلى قضاء ما عليه وإلا فلا، وإن مَشى أمامه: لم يذكره في الكتاب، وقيل: إن مشى قدر الصفوف التي خلفه تفسد وإلا فلا؛ وهو مَرْوي عن أبي يوسف اعتبار لأحد الجانبين بالآخر. وقيل: إذا جاوز موضع سجوده
لا يعود؛ وهو الأصح، وهذا إذا لم يكن بين يديْه سُتْرة، فإن كان يعود
ما لم يجاوزها؛ لأن داخل السترة في حكم المسْجد، والله أعلم. والجواب عن الحديث: أنه منسوخ- كما استوفينا الكلام فيه في: " باب رد السلام في الصلاة ".
ومنها: فيه حجة لأصحابنا أن لسَجْدتي السهو بعد السلام؛ لقوله: "وصلى الركعتين الباقيتَيْن ثم سلم "، وقال الشافعي: قبل السلام.
ومنها: فيه دليلٌ على أن سجود السَهْو سَجْدتان.
ومنها: فيه دليل على أنه في آخر الصلاة.
ومنها: فيه دليل على أن سجود السهو يتداخل؛ وهو مذهب الجمهور، وقيل: يتعدّدُ بتعَدُّد السَهْو.
الثالث: أن هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة، ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع السابع عشر من القسم الخامس ولفظه: قال: صلى رسول الله الظهر أو العَصْر فسلم في الركعتين فقال ذو الشمالين بن عبد عمرو حَليف لبني زهرة: أخُففت الصلاة أم نسيتَ يا رسول الله؟ فقال- عليه السلام-: " ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: يا نبي الله صدق، قال: فأتم بهم الركعتين اللتين نقصهما ثم سلم.

(4/301)


ورواه مالك في، الموطأ" (1) : مالك (2) ، عن ابن شهاب الزهري (3) ، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة (4) قال: بلغني أن رسول الله ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار الظهر أو العصر فسلّم من اثنتين فقال له ذو الشمالين رجل من بني زهرة بن كلاب: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله: "ما قصرت الصلاة وما نسيتُ " فقال له ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله على الناس فقال: "أصدق ذو اليدين؟ " قالوا: نعم، وأتم رسول الله ما بقي من الصلاة ثم سلم. انتهى.
وقال ابن عبد البر في "التقصِي ": هذا مُرسل، إلا أنه يَتصلُ من
وجوه صحاح.
فإن قيل: ما تقول فيما رواه ابن عدي في " الكامل" (5) : أخبرنا
أبو يعلى: حدثنا ابن معين: حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا ليث وابن
[2/59 - ب] وهب،/ عن عبد الله العمري، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - عليه السلام- لم يَسْجد يوم ذي اليدين سجدتي السهْو، قال أبو عمر: وكان ابن شهاب يقول: إذا عرف الرجل ما نسي من صلاته فأتمها ليس عليه سجدتا السهو لهذا الحديث.
قلنا: قال مسلم في "التمييز": قول ابن شهاب: إنه لم يسجد يوم
ذي اليدين خطأ وغلط؛ وقد ثبت أنه سجد سجدتي السهو في روايات الثقات.
الرابع: فيما تكلم فيه العلماء، وأجاب أصحابنا عما قالوه، وقد ذكرناه كما ينبغي فلا حاجة إلى إعادته.
__________
(1) كتاب الصلاة، باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا (64) .
(2) كذا.
(3) في الأصل: "عن ابن شهاب عن الزهري" خطأ.
(4) في الأصل: " خيثمة " خطأ.
(5) (235/5) ترجمة عبد الله بن عمر.

(4/302)


980- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أيوب، عن محمد بإسناده، وحديث حماد أتم قال: ثم صلى رسولُ الله لم يَقُل بِنا ولم يَقُل: "فأومئوا "، قال: فقال الناس: نعم، قال: ثم رفع ولم يَقُل: " وكبر " ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع، وتم حديثُه لم يذكر ما بعده، ولم يذكر " فأوْمئوا " إلا حماد بن زَيْد (1) (2) .
ش- حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة أتم من حديث مالك بن أنس، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: ثم صلى رسول الله ركعتين، ولم يَقُل: صلى بنا رسول الله ركعتين - كما هو في رواية حمّاد-، وكذا لم يَقُل مالك في روايته: "فأوْمئوا " كما قال حماد: " فأومئوا أي نعم " وكذا في رواية حماد " ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد " ولم يَقُل مالك إلا " ثم رفع ثم كبر وسجَد ".
قوله: " ولم يذكر " فأومئوا " إلا حمادُ بن زيد " يعني: غيره لم يذكر
إلا القول باللسان كما ذكر مالك في روايته " فقال الناسُ: نعم " وفي رواية أخرى: "قالوا: صَدق " وفي رواية: " قالوا: يا نبي الله، صدق " ولذا قال الدارقطني في " العلل ": وفي رواية حماد بن زيد وحده، عن أيوب:" فأومئوا أي نعم".
981- ص- نا مُسدّد: نا بشر- يعني: ابن المفضل-: نا سلمة- يعني: ابن علقمة-، عن محمد، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسولُ الله، بمَعْنى حماد كُله إلى آخر قوله: نُبئتُ أن عمران بن حُصين قال: ثم سَلّم، قال: قلتُ: فالتَشهدُ؟ قال: لم أَسمَعْ في التشهد، وأحب إليّ أن يَتشهدَ، ولم يذكر " كان يُسمّيه ذا اليدين" ولا ذكر " فأوْمئُوا " ولا ذكر الغضبَ (3) .
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: " قال أبو داود: وكل من روى هذا الحديث لم يقل "فكبر، ولا ذكر "رجع ".
(2) انظر: التخريج المتقدم.
(3) انظر: تخريج الحديث قبل السابق.

(4/303)


ش- سلمة: ابن علقمة أبو بشر التميمي البصري، من ولد عامر بن عُبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سَعد بن زيد مناة بن تميم، سمع: نافعا مولى ابن عمر، ومحمد بن سيرين، روى عنه: الجمادان، وبشر ابن المفضل، وابن علية وغيرهم، قال أحمد حين سئل عنه: بخ ثقة، وقال ابن معين: ثبت، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ثقة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
قوله: " بمعنى حماد" أي: بمعنى حديث حماد بن زيد المذكور أولا؛ ولكن زاد فيه السؤال عن التشهد، ونقص ذكر ثلاثة أشياء: تَسمية ذي اليدين، وذكر " فأومئوا" وذكر " يُعرفُ في وجهه الغَضبُ".
ص- وحديثُ أيوبَ أتم (2) .
ش- أي: من حديث سلمة بن علقمة، وفي بعض النسخ: "وحديث حماد أتم " أي: حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد أتم من حديث سلمة بن علقمة، عن محمد.
982- ص- نا علي بن نصر: نا سليمان بن حرْب: نا حماد بن زيد، عن أيوب، وهشام، ويحي بن عتيق، وابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- في قصة ذي اليدين أنه كبّر وسجد، وقال هشام- يعني: ابن حَسان-: كبر ثم كبر وسجَد (3) .
ش- هشام: ابن حسان البصري.
ويحيى بن عتيق: البصري، سمع: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، روى عنه: ابن علية، وحماد بن زيد، وهمام بن يحيى، قال
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ 2461) .
(2) في سنن أبي داود: "وحديث حماد عن أيوب أتم "، وذكر المصنف أنها نسخة.
(3) انظر الحديث السابق.

(4/304)


أحمد وأبو حاتم وابن سعد: هو ثقة. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي (1) .
وابن عون: عبد الله بن عون البصري.
والحاصل: أن أيّوب ويحيى وابن عون- كلهم- رووا عن محمد بن
سيرين في حديث ذي اليدين أنه كبّر وسجد، وأن هشام بن حسان روى
عنه "كبّر ثم كبر وسجَد" والمعنى: أنه رفع رأسه وكبّر ثم كبر وسجَد.
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديث- أيضا- عن محمد (2) : حبيب
ابن الشهيد، وحُميدٌ، ويونس، وعاصم الأحول/ عن محمد، عن [2/60- أ] أبي هريرة، لم يذكر أحدٌ منهم ما ذكر حماد بن زيد، عن هشام أنه كبر ثم
كبّر (3) . وروى حمادُ بن سلمي، وأبو بكر بن العياش هذا الحديث عن
هشام؛ لم يذكرا عنه هذا الذي ذكر حماد بن زيد أنه كبر ثم كبّر.
ش- أي: روى الحديث المذكور- أيضا- حبيب بن شهيد البصري،
عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وكذا رواه حُميد الطويلُ،
ويونس بن عُبَيد البصري، وعاصم الأحولُ؛ ولكن لم يذكر أحد من
هؤلاء ما ذكر حماد بن زَيْد، عن هشام بن حسان من قوله: "إنه كبر ثم
كبّر وسجَد " وكذلك روى حماد بن سلمة، وأبو بكر بن العياش هذا
الحديث عن هشام بن حسان، لم يذكر واحد منهما هذا الذي ذكر حماد
ابن زيد أنه كبر ثم كبر وسجَد.
وأبو بكر بن العياش: ابن سالم الأسدي الحناط- بالحاء المهملة
والنون- مولى واصل بن حيان، وجدته: مولاة لسمرة بن جندب الصحابي، قيل: اسمه: محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6881) .
(2) قوله: " عن محمد " غير موجود في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "ثم كبر، ثم سجد ".
20. شرح سنن أبي داود 4

(4/305)


وقيل: شعبة، وقيل: رؤبة، وقيل: مُسلم، وقيل: خداش، وقيل: مُطرف، وقيل: حماد، وقيل: حبيب، وقيل: اسمه كنيته، سمع: أبا إسحاق السبيعي، والأعمش، وأبا إسحاق الشيباني ونجيرهم، روى عنه: الثوري، وابن المبارك، وأبو داود الطيالسي وغيرهم، وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وتسعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
3 ما- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، وعُبيد الله بن عَبْد الله، عن أبي هريرة بهذه القصة قال: ولم يَسْجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك (2) .
ش- وفي بعض النسخ: لا حتى لَقنه الله ذلك" وفي بعضها: "حين يَقنَهُ الله ذلك " 000 (3) .
4 ما- ص- ثنا حجاج بن أبي يعقوب: نا يعقوب- يعني: ابن إبراهيمِ-: نا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثْمة أخبره أنه بلَغه أَن رسولَ الله بهذا الخبر، قال: ولم يَسْجد السجدتين اللتين تُسْجدان إذا شك حينَ لقاه الناسُ (4) .
ش- حجاج بن أبي يعقوب: روى عن: حجين بن المثنى، ويَعْقوب ابن إبراهيم بن سَعْد، روى عنه: أبو داود، والترمذي. وإبراهيم: ابن سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وصالح: ابن كَيْسان. وأبو بكر بن سُلَيْمان بن أبي حَثْمة، واسم أبي حكمة: عبد الله بن حذيفة، وقيل: عدي بن كعب بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عَوِيج ابن عدي بن كعب القرشي العدوي، روى عن: سعيد بن زيد بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 2 5 72) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) بياض في الأصل قدر سطرين.
(4) النسائي: كتاب السهو، باب: ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين.

(4/306)


عمرو، وسمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة، روى عنه: الزهري، وإسماعيل بن محمد بن سَعْد، وصالح بن كيْسان. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه (1) . وحثمة: بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة. قوله: " بهذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
قوله: " قال " أي: قال أبو بكر بن سليمان.
قوله: " حين لقاه الناسُ" بتشديد القاف. . . (2) والحديث مُرسل. وأخرجه النسائَي.
ص- قال ابن شهاب: وأخبرني هذا الخبر سعيدُ بن المُسيب، عن أبي هريرة. قال: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن الحارث ابن هشام، وعُبيد الله بن عبد الله (3) .
ش- أي: قال الزهري: وأخبرني هذا الخبر المذكور: سعيد بن المسيب، وأبو بكر: هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ وقد ذكر مرةً. وعُبَيْد الله بن عبد الله الأول مُصَغر والثاني مكبّرة وهو عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهُذلي.
ص- قال أبو داود: رواه الزبيدي، عن الزهري، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثمة، عن النبي- عليه السلام- قال فيه: ولم يَسْجد سَجْدتي السهو.
ش- أي: رواه محمد بن الوليد الزبيدي؛ وهذا- أيضا- مُرسل.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 7234) .
(2) بياض في الأصل قدر سطر ونصف.
(3) جاء في سنن أبي داود عقب هذا النص: " قال أبو داود: رواه يحيى بن أبي كثير وعمران بن أبي أنس، عن أبي سلمه بن عبد الرحمن [والعلاء بن
عبد الرحمن، عن أبيه- جميعا-] عن أبي هريرة بهذه القصة، ولم يذكر
أنه سجد السجدتين اهـ. وقد ذكره المصنف عقب الحديث الآتي بدون ما بين المعقوفتين.

(4/307)


985- ص- نا ابن معاذ: نا أبي: نا شعبة، عن سعد سمع أبا سلمةَ بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- أنه صلّى الظهر- يعني: النبي- عليه السلام- فسلّم في الركعتين/ فقيل له: نقصت الصلاةَ، فَصلّى ركعتَيْن ثم سجَد سَجْدتين (1) .
ش- سَعْد: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عَوْف.
فيه دليل على وجوب سجدتي السَّهْو، وأن السلام سهوا لا يخرجه عن الصلاة. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي، وقال النسائي: لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث لا ثم سجَد سَجدتين " غيرُ سَعْد. ص- قال أبو داود: رواه يحيي بن أبي كثير، وعمران بن أبي أنس، عن أبي سلمه بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة هذه القصة؛ لم يذكر أنه سجد السجدتَيْن.
ش- أي: روى هذا الحديث: يحيى بن أبي كثير، وعمران بن أبي أنس المِصْري العامري.
ص- قال (2) أبو داود: ورواه داود بن الحُسين، عن أبي سفيان مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- بهذه القصة قال: ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم.
ش- داود بن الحُسن: المدني أبو سليمان الأموي مولى عمرو بن عثمان بن عفان، روى عن: عبد الرحمن الأعرج، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبي سفيان مولى أبي أحمد، روى عنه: مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة (3) وغيرهم،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟ (715) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من سلم من ركعتين ناسيا وتكلم (20/3) .
(2) هذا النص ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث بعد التالي.
(3) كذا، وفي تهذيب الكمال "إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة " وقال محققه: جاء في حواشي النسخ من قول المؤلف وهو يتعقب صاحب " الكمال": "كان فيه إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة، وهو وهم".

(4/308)


قال ابن المديني: ما روى داود عن عكرمة منكر، وقال ابن عيينة: كنا نتقي حديث داود بن الحصين، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولولا أن مالكا روى حديثه لترك حديثه. مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن ست وسبعين سنةً. روى له الجماعة (1) .
وأبو سفيان: اسمُه: قُزْمان، وقيل: وهب، وقيل: عطاء، ويقال فيه: مولى أبي أحمد، ومولى ابن أبي أحمد، واحتج البخاري ومسلم بحديثه. وقال في "الكمال": مولى عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي، وقال ابن سَعْد: هو مولى لبني عبد الأشهل، وكان له انقطاع إلى أبي أحمد بن جحش فنُسب إلى ولائه، روى عن: أبي سعيد الخدري، روى عنه: داود بن الحصين، كان يَؤم بني عبد الأشهل وفيهم ناس من أصحاب النبي- عليه السلام-، منهم: محمد بن مسلمة، وسلمة بن سلامة بن وقش، ويُصلي بهم وهو مكاتب. قال ابن سَعْد: وكان ثقة قليل الحديث. روى له: البخاري، ومسلم، وابن ماجه (2) . ثم هذا الحديث الذي علقه أبو داود أخرجه مسلم، والنسائي، عن قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن داود بن الحصين.
986- ص- نا (3) هارون بن عبد الله: نا هاشم بن القاسم: نا عكرمة ابن عمار، عن ضمام بن جَوْس الهِفّاني قال: حدثني أبو هريرة بهذا الخبر، قال: ثم سجد سجدتي السهوً بَعْدما سلم (4) .
ش- ضمضم: بضادين معجمتين، وجوه: بفتح الجيم وسكون الواو وبالسين لمهملة، قد ذكرناه، والهِفَّاني: نسبة إلى هدفان- بكسر الهاء، وتشديد الفاء، وبعد الألف نون- وهو في حنيفة. والحديث: أخرجه النسائيّ.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1753) .
(2) المصدر السابق (33/ 3 0 74) .
(3) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(4) النسائي: كتاب السهو، باب: السلام بعد سجدتي السهو (3/ 66) .

(4/309)


987- ص- نا إسماعيل بن أسَد: نا شبابة: نا ابن أبي ذئب، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن النبي- عليه السلام- انصرف من الركعتين من صلاة مكتوبة فقال له رجل: أقصرت الصلاةُ يا رسول الله أو (1) نسيتَ؟ قال: "كل ذلك لمَ أفعل" فقالَ الناسُ: قد فعلتَ ذلك يا رسول الله، فركَع ركعتَيْن أخرايَيْن (2) ثم انصرف ولم يَسْجد سَجْدتي السهْو (3) . ش- إسماعيل بن أسَد: هو ابن أبي الحارث بن شاهين البغدادي أبو إسحاق، روى عن: شبابة بن سوار، والحسن بن موسى الأشيب، وكثير بن هشام وغيرهم، روى عنه: أبو داود، وابن ماجه، وأبو بكر ابن أبي الدنيا وغيرهم. قال الدارقطني: بغدادي ثقة صدوق، ورع فاضل. مات يوم الجمعة في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين ومائتين (4) .
وابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن.
قوله: " كل ذلك لم أفْعل " بنَصْب " كلَّ " على إضمار عامله بشرط التفسير، تقديره: لم أفعل كل ذلك، ويجوز رفعُه على الابتداء، وخبره: " لم أفعل " أي: كل واحد من الأمْرين لم أفْعَلْهُ.
قوله: " ولم يسجد سجدتي السهو" وهذا- كما ترى- اختلفت الرُّواة في سجدة النبي- عليه السلام- للسهْو. وهذا الحديث يدل على أن الكلام حينئذ كان مُباحا، حيث لم يسجد- عليه السلام- سجدتي السهو ثم نسخ؛ وقد قررنا الكلام فيه مرة.
[2/61 - أ] 988 - ص - نا أحمد بن محمد بن ثابت:/ نا أبو أسامة ح ونا محمد ابن العلاء: أنا أبو أسامة قال: أخبرني عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر
__________
(1) في سنن أبي داود: "أم ".
(2) كذا، وفي سنن أبي داود: " أخريين ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 425) .

(4/310)


قال: صلى رسول الله- عليه السلام- فسلم في ركعتين، فذكر نحو حديث ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: ثم سلم ثم سجد سَجْدتي السهو (1) . ش- أحمد المذكور هو ابن شَبّويَه، وأبو أسامة: حماد بن أسامة، وعبيد الله: ابن عُمر العُمري. وهذا الحديث فيه إثبات سجدتي السهو، وأخرجه ابن ماجه- أيضا.
989- ص- نا مسدد: نا مسلمة بن مُحمد أح وحدثنا مسدد: حدثنا يزيد بن زريع، (2) قالا: نا خالد الحذاء: نا أبو قلابة، عن أبي المُهلب، عن عمران بن الحُصَيْن قال: سلم رسولُ الله- عليه السلام- في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل- قال عن مسلمة- الحُجَر، فقام إليه رجل يُقال له الخرْباقُ- وكان طويل اليدَيْن- فقال: أَقصرت الصلاةُ يا رسول الله؟ فخرج مُغضباً يَجر رداءه فقال: " أصدَق؟ " قالوا: نعم، فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتيها ثم سلم (3) .
ش- مسلمة بن محمد: الثقفي، فيه مقال، وقد ذكرناه، وأبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي، وأبو المهلب: اسمُه: عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: معاوية بن عمرو، وقيل: عمرو بن معاوية، ذكر هذه الأقوال الثلاثة في اسمه البخاري في " تاريخه " وقيل: اسمه: النضر بن عمرو الجرمي الأزدي البصري التابعي الكبير، روى عن: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين، وهو عم أبي قلابة الراوي عنه هنا.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فيمن سلم من اثنتين أو ثلاث ساهياً (1213) .
(2) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له (102/ 574) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين (3/ 26) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فيمن سلم من اثنتين أو ثلاث ساهيا (1215) .

(4/311)


قوله: " الحُجر" مفعول قوله: "ثم دخل ".
وقوله: " قال عن مسلمة " مُعترض بينهما.
قوله: "فخرج مغضبا يَجر رداءه " يعني: لكثرة استعجاله لبناء الصلاة خرج يجر رداءه، ولم يتمهل ليلبسَه.
قوله: " ثم سجد سجدتيها " أي: سجدتي الصلاة. وفي بعض النسخ: "ثم سجد سجدتَيْن ". والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
184- بَاب: إذا صَلى خمساً
أي: هذا باب في بيان ما إذا صلى المصلي خمس ركعات وزاد ركعةً سهواً. ولما بين حكم الذي نقص شرع في بيان حكم الذي يزيد.
990- ص- نا حفص بن عمر، ومسلم بن إبراهيم المعنى، قال حفص:
نا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صلي رسولُ الله- عليه السلام- الظهر خَمساً، فقيل له: أزِيدَ في الصّلاة؟ قال: " وما ذاك؟ " قال: صلَيتَ خمساَ، فَسَجَدَ سَجْدتين بَعْدَ مَا سلم " (1) . ش- عبد الله: ابن مسعود.
وهذا الحديث حجة لأبي حنيفْة وأصحابه أن سجدتي السهو بعد السلام
وأن كانت للزيادة.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القبلة (404) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 891 (572) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام (392) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من صلى خمساً (3/ 31) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من صلى الظهر خمساً وهو ساه (1205) .

(4/312)


وقال الشيخ محيي الدين (1) : قال الإمام أبو عبد الله المازري: أحاديث الباب خمسة؛ حديث أبي هريرة فيمن شك فلم يدر كم صلي وفيه " أنه يَسْجد سجدتين "، ولم يذكر موضعهما، وحديث أبي سعيد فيمن شك وفيه " أنه يسجد سجدتين قبل أن يُسلم"، وحديث ابن مسعود وفيه القيام إلى خامسة، وأنه يسجد بعد السلام، وحديث ذي اليدين وفيه
السلام من اثنتين والمشي والكلام، وأنه سجد بعد السلام، وحديث ابن بُحَينة وفيه القيام عن اثنتين والسجود قبل السلام. واختلف العلماء في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث فقال داود: لا يُقاس عليها؛ بل تستعمل في مَواضعها على ما جاءت به، وقال أحمد كقول داود في هذه الصلوات خاصة وخالفه في غيرها، وقال: يسجد فيما سواها قبل السلام لكل
سهو، وأما الذين قالوا بالقياس فاختلفوا فقال بعضهم: هو مخير في كل سهو: إن شاء سجد بعد السلام، وإن شاء قبله في الزيادة والنقص. وقال أبو حنيفة: الأصل هو السجود بعد السلام، وتأول باقي الأحاديث عليه. وقال مالك: إن كان السهو زيادة سجد بعد السلام، وان كان نقصا فقبله. فأما الشافعي فيقول في حديث أبي سعيد: فإن كانت خامسةً شفعها، ونص على السجود قبل السلام مع تجهيز الزيادة، والمجوز كالموجود، ويتأولُ حديث ابن مسعود في القيام إلى خامسة، والسجود بعد السلام على أنه- عليه السلام- ما علم السهو إلا بعد السلام، وهو علمه قبله لسجد قبله، ويتأول حديث ذي اليدين على ابنها صلاة جرى فيها سهو فينهى/ عن السجود قبل السلام فتداركه بعده. وقال الشيخ [2/61 - ب] محيي الدين: أقوى المذاهب هنا: مذهب مالك، ثم مذهب الشافعي، وللشافعي قول كمذهب مالك وقول بالتخيير، وعلى القول بمذهب مالك لو اجتمع في صلاته سهوان: سهو بزيادة وسهو بنقص سجد قبل السلام. قال القاضي: لا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء، أنه لو
__________
(1) شرح صحيح مسلم (56/5-57) .

(4/313)


سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا يفسد صلاته؛ وإنما اختلافهم في الأفضل.
وقال الحازمي في كتابة "الناسخ والمنسوخ": اختلف الناس في هذه المسألة على أربعة أقوال، فطائفة رأوا السجود بعد السلام عملا بحديث ذي اليدين، وهو مذهب أبو حنيفة، وقال به بعض الصحابة: على بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومن التابعين: الحسن وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلي، والثوري، والحسن بن طالح وأهل الكوفة. وذهبت طائفة إلي أن السجود قبل السلام أخذا بحديث ابن بحينة، وزعموا أن حديث ذي اليدين منسوخ، وحديث ابن بحينة رواه البخاري ومسلم، وأخذا بحديث الخدري رواه مسلم، وبحديث معاوية. المذهب الثالث: أن السهو إذا كان في الزيادة كان السجود بعد السلام أخذا بحديث ابن مسعود، وإذا كان في النقصان كان قبل السلام أخذا بحديث بحينة. والمذهب الرابع مثل قول داود؛ وقد ذكرناه.
قلت: مذهب أبي حنيفة أقوي المذاهب كلها؛ لأن قوله - عليه السلام -: "فإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين" - رواه البيهقي وعزاه إلي البخاري (1) - عام يشمل الزيادة والنقصان؛ والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على ما هو المشهور عند أهل الأصول، وإن كان الشافعي خالف في ذلك فهو خلاف ضعيف. وحديث عبد الله رواه البخاري، ومسلم، الترمذي، والنسائي وابن ماجه، وابن ماجه.
991 - ص - نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قال عبد الله: صلي رسول الله - عليه السلام - قال إبراهيم:
__________
(1) انظر الحديث الآتي

(4/314)


فلا أدري زاد أم نقص - فلما سلم قيل له: يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ قال: "وما ذاك؟ " قالوا صليت كذا وكذا، قال: فثني رجليه واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين ثم سلم فلما انفتل أقبل علينا بوجهه فقال: "إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به؛ ولكن إنما أنا بشر أنسي كما تنسون فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين". (1)
ش - جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور ابن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس.
قوله: "أحدث" الهمزة فيه للاستفهام، و"حدث" بفتح الدال.
قوله: "فثني" بتخفيف النون أي: عطف.
قوله: " فسجد بهم سجدتين ثم سلم" فيه دليل لأصحابنا في أن سجدة السهو بعد السلام.
قوله: "لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به" أي: أخبرتكم به، فيه دليل أن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.
قوله: "أنا بشر أنسي" (2) فيه دليل على جواز النسيان عليه - عليه السلام - في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء؛ وهو ظاهر القرآن والأحاديث، واتفقوا على أنه - عليه السلام - لا يقر عليه؛ بل يعلمه الله تعالي به. ثم قال الأكثرون: شرطه: تنبيهه - عليه السلام - على الفور متصلا بالحادثة، ولا يقع فيه تأخير، وجوزت طائفة تأخيره
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: التوجه نحو القبلة حيث كان (401) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له (89/572) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التحري (3/28) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن شك في صلاته فتحري الصواب (1211) .
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (2/ 61 - 62) .

(4/315)


مدة حياته - عليه السلام، واختاره إمام الحرمين، ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات، كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه (1) - عليه السلام - في الأقوال البلاغية، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك بأن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه لم تحصل منه مفسدة؛ بل يحصل فيه فائدة، وهو بيان أحكام الناسي وتقرير [2/62 - أ] الأحكام، وإليه مال أبو إسحاق الإسفرائيني/ الصحيح: الأول. وقال القاضي: واختلفوا في جواز السهو عليه - عليه السلام - في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ، وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته، وأذكار قلبه، فجوزه الجمهور. وأما السهو في الأقوال البلاغية: فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده، وأما السهو في الأقوال الدنياوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام، الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلي وحي، فجوزه قوم؛ إذ لا مفسده فيه. قال القاضي: والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الأخبار، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا، لا في صحة ولا في مرض، ولا رضا ولا غضب. وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع. (2)
قوله: " فإذا نسيت فذكروني" فيه أمر التابع بتذكير المتبوع لما ينساه.
قوله: "فليتحر الصواب" (3) وفى رواية: " فلينظر أحري ذلك للصواب" وفى رواية: "فليتحر أقرب ذلك إلي الصواب" وفى رواية: "فليتحر الذي يري أنه صواب"، التحري: طلب أحري الأمرين وأولاهما بالصواب. وفيه دليل لأبي حنيفة على أن من شك في صلاته في عدد ركعاته تحري وبني على غالب ظنه، ولا يلزمه الاقتصار على الأقل والإتيان بالزيادة، وبه قال مالك؛ ولكن هذا فيمن يعرض له الشك كثيراً، وإذا كان أول ما عرض له استأنف الصلاة على ما عرف في
__________
(1) كتب فوقها: "صح".
(2) إلي هنا انتهي النقل من شرح صحيح مسلم.
(3) المصدر السابق (5/62 - 63) .

(4/316)


مَوضعه، وقال الشافعي: لزمه البناء على اليقين؛ وهو الأقل، فيأتي بما بقي ويسجد للسهو؛ واحتج بقوله- عليه السلام- في حديث أبي سعيد: "فليطرح الشك، وليَبْن على ما استَيْقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيماً للشيطان " (1) . وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين، وحَمْلُ التحري (2) في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين؛ لأن التحري هو القَصد، ومنه قوله تعالى: "تَحَروا رَشَد " (3) فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعملُ به، وقصدُ الصواب: هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره.
قلنا: حديث أبي سعيد محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحركه على شيء، وعندنا: إذا تحرى ولم يقع تحريه على شيء يَبْني على الأقل؛ ولأنه حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا، لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يَبْني على الأقل بالإجماع. وقول الشيخ محيي الدين في دفع هذا (4) "أن تفسير الشك بمُستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين، وأما في اللغة: فالترددُ بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سوى المستوي والراجح والمراوح. والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح " غير مُجْد ولا دافع؛ لأن المراد الحقيقة العرفية؛ وهي أن الشك: ما استوى طرفاَه؛ ولئن سلمنا أن يكون المراد معناه اللغوي، فليس معنى الشك في اللغة ما ذكره؛ لأن صاحب "الصحاح" فستر الشك في باب الكاف فقال: الشك خلاف اليقين، ثم فسر اليقين في باب النون فقال: اليقين: العلم، فيكون الشك ضد العلم، وضع العلم: الجهل، ولا يُسَمى
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) في شرح صحيحا مسلم: "وحملوا ".
(3) سورة الجن: (14) .
(4) شرح صحيح مسلم (63/5-64) .

(4/317)


المتردّد (1) بين وجود الشيء وعدمه جاهلاً؛ بل يُسمّى شاكا، فعلم ابن قوله: " وأما في اللغة: "فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمي شكا" هو الحقيقة العرفية لا اللغوية، فافهم.
ثم معنى كيفية البناء على الأقل: أنه إذا وقع الشك في الركعة والركعتين يجعلها ركعةً واحدةً، وإن وقع الشك في الثلاث والركعتين يجعلها ركعتين، وإن وقع في الثلاث والأربع يجعلها ثلاثا واهتم صلاته على ذلك، وعليه أن يتشهد لا محالة في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته؛ لأن القعدة الأخيرة فرض- والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
992- ص- نا محمد بن عبد الله بن نُمَير: نا أبي: نا الأعمش، عن إبراهيم/، عن علقمة، عن عبد الله بهذا قال: "فإذا نسي أحدكم فليَسْجد سجدتين " ثم تحولَ فسجَد سجدتين (2) ..
ش- عبد الله بن نمير: أبو هشام الكوفي.
قوله: " بهذا " أي: بهذا الحديث.
قوله: "فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " عَام يتناول الزيادة والنقصان، وأن السجدة فيهما بعد السلام.
قوله: " ثم تحول " أي: رسولُ اللهِ.
ص- قال أبو داود: رواه حُنَين نحو الأعمش (3) .
ش- أي: روى الحديث المذكور: حُنَين بن قبيعة الكوفي نحو حديث سليمان الأعمش.
__________
(1) في الأصل: "للمتردد".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) في سنن أبي داود: "نحو حديث الأعمش ".

(4/318)


993- ص- نا نصرُ بن علي. أنا يوسف بن موسى: نا جريرِ- وهذا حديث يوسف-، عن الحسَن بن عُبيد الله، عن إبراهيم بن سويد، عن القمة قال: قال عبد الله: صلى بنا رسول الله خمسا فلما انفصل توَسْوسَ (1) القومُ بينهم فقال: " ما شأنكم؟ " قالوا: يا رسولَ الله هل زبد في الصلاة؟ قال: " لا"، قالوا: ما فإنك قد صليت خمسا لما فانفتح فسجد سجدتين ثم سهم ثم قال:" إنما أنا بَشر أنسى كما تنسون " (2) .
ش- يوسف بن موسى: القطان الكوفي، وجرير بن عبد الحميد، والحسن بن عبيد الله بن عروة النوعي الكوفي، وإبراهيم النوعي، وعبد الله ابن مسعود.
قوله:" فلما انفتل" أي: انصرف.
قوله: " توَسْوسَ القوم" قال الشيخ محيي الدين في لشرح مسلم، (3) : ضبطناه بالشين المعجمة، وقال القاضي: رُوي بالمعجمة وبالمهملة وكلاهما صحيح، ومعناه تحركوا، ومنه: وسواس الحلي بالمهملة وهو تحركه، ووسوسة الشيطان. قال أهل اللغة: الوشوشة بالمعجمة: صَوْت في اختلاط، قال الأصمعي: ويُقال: رجل وشوال أي خفيف. قوله: "هل (4) زيد في الصلاة؟ قال: لا" إلى آخره. " قال الشيخ محيي الدين: فيه دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف: أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لم تبطل صلاته؛ بل إن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحةً، ويَسْجد للسهو إن ذكر بعد السلام بقريب، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها،
__________
(1) في سنن أبي داود: "توشوش"، وانظر الشرح.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 92- (572) .
(3) (5/ 65- 66) .
(4) مكررة في الأصل.

(4/319)


ويتشهدُ ويسجد للسهو ويُسلم. وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة. إذا زاد ركعة ساهيا بطلت صلاته ولزمه إعادتها، وقال أبو حنيفة: إن كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسةً، انضاف إليها سادسةً تشفعها وكانت نفلا؛ بناء على أصله: أن السلام ليس بواجب، ويخرج من الصلاة بكل ما يُنافيها وأن الركعة الفَرْدة لا تكون صلاة، قال: وإن لم يكن تشهّد بَطلَتْ صلاته؛ لأن الجلوس بقدر التشهد واجب، ولم يأت به حتى أتى بالخامسة. وهذا الحديث يَرُد كل ما قالوه؛ لأن النبي- عليه السلام- لم يرجع من الخامسة ولم يَشْفَعْها. وإنما تذكر بعدَ السلام، ففيه رد عليهم وحجة للجُمهور.
قلنا: قوله.: " وهذا الحديث يرد كل ما قالوه " غير مُسلم؟ لابنه لم يُبين في الحديث أنه لم يَقعُدْ على الرابعة؛ بل الظاهرُ: أنه قعَد على الرابعة؛ لأن حمل فعله- عليه السلام- على الصواب أحسَنُ من حمله على غَيْره وهو اللائق بحاله؛ على أنه روي في رواية أخرى أنه صلى الظهر خمساً والظهرُ اسمٌ لجميع أركانها. وقوله: " لأن النبي- عليه السلام- لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها " لا يَضرنا هذا لأنا لا نُلزِم المُصلي بضم (2) الركعة السادسة على طريق الوجوب، حتى قال صاحب " الهداية ": ولو لم يضم لا شيء عليه لأنه مظنون. وقال صاحب "البدائع ": والأولى: أن يضيف إليها ركعةً أخرى لتصير الركعتان له نفلا إلا في العصر. دائما قال أصحابنا: يضم إليه ركعة سادسةً على طريق الاستحباب ليصير نفسه شفعا؛ لأنه ورد النهي عن التنفل بركعة واحدة؛ وهو ما روي عن ابن مسعود: والله ما أجزتُ ركعةَ.
وقال الشيخ محيي الدين (3) : ثم مذهب الشافعي ومن وافقه: أن
__________
(1) شرح صحيح مسلم (64/5) .
(2) في الأصل: "يضم".
(3) المصدر السابق.

(4/320)


الزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء وقت أم كثرت إذا كانت من
جنس الصلاة، فسواء زاد ركوعا أو سجوداً أو ركعة أو ركعات كثيرة
ساهياً فصلاته صحيحة في كل ذلك، ويسجد للسهو استحبابا لا
إيجاباً وأما مالك: فقال القاضي: مذهبه: أنه إن زاد دون نصف
الصلاة لم تُبطل صلاته؛ بل هي صحيحة ويسجد للسهو، وإن زاد
النصف فآثر: فمن أصحابه مَنْ أبْطلها وهو قول مطرف، وابن القاسم،
ومنهم مَنْ قال/: إن زاد ركعتين بطلت، وإن زاد ركعة فلا؛ وهو قول [2/63 - أ] عبد الملك وغيره، ومنهم من قال: لا تبطل مطلقا؛ وهو مروي عن
مالك. والحديث: أخرجه مُسلم.
994- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب أن
سُوَيْد بن قيس أخبره عند مُعاوية بن حُديج أن رسول الله- عليه السلام-
صلّى يوما فسَلّم وقد بقيتْ من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال: نسيتَ من
الصلاة ركعةً [فرجع فدخل المسجدَ، وأمر بلالا، فأقام الصلاة، فصلى
للناس ركعة] (1) فأخبرتُ بذلك الناسَ فقالوا لي: أتعرفُ الرجل؟ قلتُ:
لا إلا أن أراهُ، فمر بي فقلتُ: هذا هو، فقالوا: هذا طلحة بن عُبَيد الله (2) .
ش- حُديج- بضم الحاء المهملة، وفتح الدال، وفي آخره جيم-
وقد ذكرناه.
وروى الحاكم، عنه: صليتُ مع النبي- عليه السلام- المغرب فسلّم
في ركعتين ثم انصرف، فقال له رجل- يعني: طلحة بن عبيد الله-:
إنك سهوتَ فسلمتَ في ركعتين، فأمر بلالا فأقام الصلاة، ثم اهتم تلك
الركعة. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وأخرجه الحمدُ فيه مسنده
ولفظه: إن رسول الله صلى يوما وانصَرَف وقد بقي من الصلاة ركعة،
فأدركه رجل فقال: نسِيتَ من الصلاة ركعة، فرجَعَ ودَخل المسجدَ،
__________
(1) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) النسائي: كتاب الأذان، باب: الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة (2/ 18) .
521 شرح سنن أبى داود 4

(4/321)


وأمرَ بلالا فأقامَ الصلاة، فصلي بالناسِ رَكْعةً، فأخبرتُ بذلك الناسَ فقالوا لي: أتعرفُ الرجلَ؟ قلتُ: إلا أن أراه، فمر بي فقلتُ:- هو هذا، فقالوا طلحة بن عُبَيْد الله. انتهى.
وهذا الحديث فيه أشياء: سهو النبي- عليه السلام- ركعة، وخروْجه من المسجد ثم دخوله فيه، وأمره بلالا بالإقامة، وكلامُه في أثناء الصلاة، وكلام طلحة بن عبيد الله.
فإن قيل: ما حكم هذه الأشياء إذا وقعت لأحد من المسلمين؟ قلتُ:
قد أوضحت لك غير مرة ابن الكلام والخروج منه المسجد ونحو ذلك قد نُسخ، حتى لو فعلَ احد مثل هذا اليومَ بطلت صلاته؛ ألا ترى إلى ما روى الطحاويّ أن عمر رضي الله عنه كان مع النبي- عليه السلام- يوم ذي اليدين، ثم حدثت به تلك الحادثة بعد النبي- عليه السلام- فعمل فيها بخلاف ما عمل- عليه السلام- يومئذ، ولم ينكر عليه أحد ممن حضر فعله من الصحابة؛ وذلك لا يصح أن يكون منه ومنهم إلا بعدَ وُقوفهم على نسخ ما كان منه- عليه السلام- يوم ذي اليدين.
فإن قيل: الأخبار التي ورَدت من حديث أبي هريرة وحديث عمران بن الحصين وحديث معاوية بن حُديج هل هي قضية واحدة أو قضيتان أو كثر؟ قلت: الذي يظهر من كلام البخاريّ أن حديث أبي هريرة وعمران واحدة لقوله إثر حديث أبي هريرة: فربما سألوه- يعني: محمداً- ثم سلم قال: نبئتُ أن عمران قال: ثم سلم. والذي يقوله ابن حبان أنه غيرُه قال: لأن في حديث أبي هريرة الذي أعلمَ النبيَّ- عليه السلام- ذو اليدين، وفي خبر عمران: الخرباقُ، وفي خبر معاوية بن حديد: طلحة بن عُبيد الله، قال: وخبر الخِرباق: سَلم في الركعة الثالثة، وخبر ذي اليدين: من ركعتين، وخبر معاوية: من الركعتين من صلاة المغرب؛ فخذ أنها ثلاثة أحوال مُتباينة في ثلاث صلوات لا واحدة، فافهم. وحديث معاوية: أخرجه النسائي- أيضا وقال أبو سعيد بن يونس: هذا الصح حديثٍ: معاوية بن حُديج.
* * *

(4/322)


185- بَاب: إذا شَكّ في الثنتين والثلاث مَنْ قال: يُلقى الشَكَّ
أي: هذا باب في بيان ما إذا شك المصليَ في الركعتين والثلاث مَنْ
قال: يلقي الشك، أي: يَرميه وَليَبْين على اليقين.
995- ص- نا محمد بن العلاء: نا أبو خالد، عن أبن عجلان، عن
زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله
- عليه السلام-: وإذا شك أحدكُم في صلاته فَليُلق الشَك وَليَبْين على
اليقين، فإذا استيقنَ التمامَ سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تارةً كانت
الركعةُ نافلةً والسَجْدتَيْن (1) ، وإن كانت ناقصةً كانت الركعة تماما لصلاته
وكانت السجْدتان مُرغمتي الشيْطان" (2) .
ش- أبو خالد الأحمر، ومحمد بن عجلان.
قوله: " فليُلق الشك" بالقاف، وفي رواية: "فليلغ " بالغين المعجمة،
من الإلْغاء؛ والمعنى: إذا شك في صلاته فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا؟
أم ثلاثيا أم أربعا؟ فليترك الشك، وليبن على اليقين، وبه أخذ الشافعي
/ وقال أبو حنيفة: إن كان أول ما شك استقبل الصلاة؛ لما روى ابن [2/63 - ب] أبي شيبة في "مصنفه " عن ابن عمر قال في الذي لا يَدْري صلى ثلاثا أو
أربعا؟ قال: يُعيدُ حتى يحفظَ. وفي لفظ: أما أنا فإذا لم أمركم صليتُ
فإني أعيدُ. وأخرج نحوه، عن سعيد بن الجُبير، وابن الحنفية،
وشريح. وحديث أبي سعيد محمول على ما إذا وقع له ذلك مرارا، ولم
يقع تحريه على شيء.
قوله: " فإذا استيقن التمامَ " أي: تمام الصلاة سجد سجدتين. وفي
__________
(1) في سنن أبي داود " والسجدتان " وانظر: الشرح لزاما.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له هو- (571) ، النسائي: كتاب السهو، باب: إتمام المصلى على ما ذكر إذا شك (27/3) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، بابكم فيمن شك في صلاته فرجع إلى اليقين (1210) .

(4/323)


رواية مسلم: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى، فليكس على اليقين، حتى إذا استيقن أن قد تتم فليسجد سجدتين قبل ابن يُسلم، فإنه إن كانت صلاته وتراً شفعها، وان كانت شفعت كان ذلك ترغيبا للشيطان". وحاصل الكلام: أنه إذا شك بين الثلاث والأربع يبني على يقينه فيجعله ثلاثاً فيصلي ركعة أخرى حتى يحصل اليقين بالتمام، ثم يَسْجد سجدتين للسهو، فإن كانت صلاته تامة في نفس الأمر كانت تلك الركعة الزائدة نافلة، وإن كانت ناقصة في نفس الأمر كانت الركعة الرابعة تماما لصلاته، وكانت السجدتان ترغيما للشيطان.
قوله: " كانت الركعة نافلة " أي: الركعة التي يزيدها.
قوله: "والسجدتين " بالنصب؟ والواو فيها بمعنى " مع " أي: كانت الركعة الزائدة نافلة مع السجْدتين. ورأيتُ في بعض النسخ المضبوطة: "والسجدتان" بالرفع، فما أظنه صحيحاً.
قوله: "وإن كانت ناقصة" أي: وإن كانت الصلاة ناقصة في نفس الأمر، كانت الركعة تماما لصلاته.
قوله: "وكانت السجدتان" أي: السجدتان اللتان سجدهما مُرغمتي الشيطان أي: مُغيطَتَيْن (1) له، ومُذلتين له؛ مأخوذ من الرغام وهو الترابُ، ومنه: أرغم الله أنفه؛ وذلك لأنها في حالة النقصان جبر له وفي حالة التمام يكون إرغاما للشيطان؛ لأنه يُبغضُ السجدة، لأنه ما لُعِن إلا من إبائه عن سجود آدم- عليه السلام-. والحديث: أخرجه مسلم- كما ذكرنا، والنسائي، وابن ماجه.
وقد اعترض بعض أصحاب مالك على هذا الحديث بأن مالكا رواه مُرْسلا؛ وهذا ليس بشيء؛ لأن الثقات الحُفاظ الأكثرين رووه متصلا، فلا يضر مخالفة واحد لهم في إرساله؛ لأنهم حفظوا ما لم يحفظه، والثاني: أن المُرْسل عند مالك حجة.
__________
(1) في الأصل: " مغيضتين ".

(4/324)


ص- قال أبو داود: رواه هشام بن سَعْد، ومحمد بن مُطرف، عن زيْد، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي- عليه السلام-ً، وحديث أبي خالد أشبَعُ.
ش- زيد بن أسلم.
وأشار أبو داود بهذا الكلام إلى أن هذا الحديث مسند مِنْ طرُق؛ فذكر أولا طريق ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، ثم أشار إلى طريق هشام بن سَعد، عن زيد، وإلى طريق محمد بن مُصرف، عن زيد؛ فهذه ثلاث طرُق مسندة.
وقال الخطابي (1) : وقد أسندَه- أيضا- سليمانُ بن بلال، عن زيد: حدثنا حمزة بن الحارث، ومحمد بن أحمد بن زِيرك قالا: ثنا عبّاس الدوري: أنا موسى بن داود: أنا سُليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسولُ الله: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يَدرِ كم صلى أثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليَبْن على ما استيقن، ثم ليسَجْد سَجْدتين وهو جالس قبل أن يُسلم؟ فإن كان صلى خمسا كانتا شفعا، وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان "، قال: ورواه ابن عباس كذلك- أيضا حَدّثونا به عن محمد بن إسماعيل الصائغ: أنا ابن وعنب: أنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن رسول الله - عليه السلام- قال: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا؟ فليقم فليصل ركعةً، ثم ليَسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام، فإن كانت الركعة التي صلى خامسةً شفعها بهاتين، وإن كانت رابعةً فالسجدتان ترغيم للشيطان ". وقال الخطابي: وفي هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب فيمن صلى خمسا إلى أنه يضيف إليها سادسةً إن كان قد قعد في الرابعة/ واكتفوا بأن النافلة لا تكون ركعةً، وقد نصّ فيه [2/ 64 - أ]
(1) معالم السنن (1/ 208) .

(4/325)


من طريق ابن عجلان على أن تلك الركعة تكون نافلة، ثم لم يأمره بإضافة أخرى إليها.
قلنا: بل الفساد في هذا الكلام؛ لأن أصحابنا ما ألْزموا بإضافة الركعة السادسة؛ بل قالوا: الأولى: أن يضيف إليها ركعة سادسةً- كما قلنا في حديث ابن مسعود- ولا نسلم ابن المنصوص من طريق ابن عجلان هو أن الركعة وحدها تكون نافلة؛ بل قال: كانت الركعة نافلةً والسجدتَيْن يعني: مع السجدتين. كما ذكرناه.
قوله: " وحديث أبي خالد أشبعُ " أي: حديث أبي خالد الأحمر، عن ابن عجلان أكثر فائدةً؛ من قولهم: ثوب شبِيع الغَزل، أي: كثيره.
996- ص- نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزْمة: أنا الفضلُ بن موسى، عن عبد الله بن كيسان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس أن النبي- عليه السلام- سمّى سَجدتي السهو: المُرْغمتين (1) .
ش- محمد بن عبد العزيز بن أبي رزْمة: واسم أبي رزمة: غزلان، مركزي، أبو عَمرو، روى عن: الفضل بن موسى السينَاني، وأبي صالح سلمويه، روى عنه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد بن حنبل. مات سنة إحدى وأربعة ومائتين (2) . والفضل بن موسى السيناني- بكسر السن المهملة، وبعدها ياء آخر الحروف ثم نون- أبو عبد الله المركزي، سمع: هشام بن عروة، والأعمش، والثوري وغيرهم، روى عنه: إسحاق بن راهويه، إبراهيم بن موسى، ومحمود بن آدم وجماعة كثيرون، قال ابن معين: ثقة، وقال وكيع: ثقة صاحب سُنةِ. مات سنة إحدى أو اثنتين وتسعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5418/26) . (3) المصدر السابق (23/ 0 475) .

(4/326)


وعبد الله بن كيسان: أبو مجاهد المروزي، سمع: عكرمة، وعمرو ابن دينار، وثابتا البناني، روى عنه: عيسى بن موسى، والفضل بن موسى، وابنه إسحاق بن عبد الله، قال أبو حاتم: هو ضعيف الحديث. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " المُرغمتين " تثنية " مرغمة " من الإرْغام؛ وقد ذكرنا معناه عن قريبِ.
997- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا شك أحدكما في صلاته فلا يَدْري كم صلّى ثلاثاً أو أربعا فليُصَلّ ركعةً وليَسْجُد. سجْدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان " (2) .
ش- بهاتف أي: بالسجدتين اللتان (3) سجدهما للسَّهْو. وهذا الحديث مُرْسل. ورواه البيهقي- أيضا ثم قال: وقد روي من حديث ما لك- أيضا موصولاً.
قلت: الصحيح فيه عن مالك الإرسال؛ كذا قال ابن عبد البرّ في "التمهيد" وقال- أيضا- لا أعلم أحداث أسنده عن مالك إلا الوليد بن مُسلم، ويحيى بن راشد.
قلت: الوليد مُدلس لا سيما في شيوخ الأوزاعي؛ كذا قال الذهبي. وفي سند الوليد: أحمد بن عُمير بن حرصا؛ قال الدارقطني: ليس بالقوي، ذكره الذهبي في " الضُعفاء " وقال ابن- مَنْدة: ترك حمزة الكتاني الرواية عنه أصلان. ويحيي بن راشد: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث في حديثه إنكارٌ.
998- ص- نا قتيبةُ: نا يعقوب، عن زيد بن أسلم بإسناد مالك قال:
__________
(1) المصدر السابق (15/ 3508) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) كذا.

(4/327)


إن النبي- عليه السلام- قال: " إذا شك أحدُكم في صلاته، فإن اسْتيقَنَ أَنْ قد صلَى ثلاثاً فليقُم فليتم ركعةً بسجودها، ثم يجلس فيتَشهدُ، فإذا فرغ فلم يبق إلا أن يُسلم فليسجد سجدتين وهو جالس، ثم يُسلم " ثم ذكر معنى مالك (1) .
ش- يعقوب بن عبد الرحمن القاري بتشديد الياء.
قوله: " أَنْ قد صلى " لا أن، يجوز أن تكون مخففة من المثقلة أي: أنه قد صلي، ويجوز أن تكون مَصْدريةً أي: فإن استيقن صلاته ثلاثا أي: ثلاث ركعات.
قوله: " ثم ذكر معنى مالك " أي: معنى حديث مالك بن أنسٍ المذكورة
وهو - أيضا مُرْسل.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه ابن وهب، عن مالك، وحرص بن ميْسرة، وداود بن قيس، وهشام بن سَعْد؛ إلا أن هشام بن سَعْد بلغ به أبا سعيد الخدري.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث: عبد الله بن وهب، عن مالكِ. وحرص بن ميسرة: أبو عمر (2) الصنعاني/ من صنعاء دمشق، وقيل: من صنعاء اليمن، سكن عسقلان الشام، وروى عن: هشام بن عروة، وموسى بن عقبة، وزيد بن أسلم وغيرهم، روى عنه: الثوري، وابن وهب، وآدم بن إياس وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم وأبو زمعة: لا بأس به. مات سنة إحدى وثمانين ومائة. روى له: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وداود بن قيس: الفراء الدباغ المدني. وهشام بن سعد: أبو سَعْد المدني.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " أبو عمرو" خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1417/7) .

(4/328)


والحاصل: أن عبد الله بن وهب روى هذا الحديث عن هؤلاء الجماعة، وهم رووه عن زيد بن أسلم كلهم بالإرْسال؛ إلا أن هشاما وصله، وبلغ به أبا سعيد الخدري.
* * *
186- بَاب: مَنْ قال: يُتمّ عَلَى أكبَر ظنّه
أي: هذا باب في بيان من قال: يتم على كبر ظنه عندَ الشك.
999- ص- نا النفيلي: نا محمد بن سلمي، عن خُصَيف، عن أبى عُبيدة بن عبد الله، عن أبيه، عن رسول الله يكره قال: "إذا كنت في صلاة فشككتَ في ثلاث وأربع (1) وكبر ظنك علي أربع تشهدتَ ثم سجدتَ سجدتين وأنثَ جالسين قبل أن تُسلم ثم تَشهدت- أيضا- ثم تُسلم " (2) . ش- خُصيف- بضم الخاء المعجمة- بن عبد الرحمن، قد مر ذكره، وأبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود، قد تقدم أنه لم يَسْمع من أبيه. وفيه: الأخذُ بخبر الظن، وأن سجدتي السهو قبل السلام؟ ولكنه غيرَ مَرْفوع. ص- قال أبو داود: وكذا رواه عبد الواحد عن خُصَيف ولم يَرْفعه.
ش- أي: عبد الواحد بن زياد البصري روى هذا الحديث عن خُصيف ولم يَرْفعه.
ص- ووافقَ عبدَ الواحد- أيضا سفيان، وشريك، وإسرائيل، واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يُسْندوه.
ش- فاعلة وافق،: سفيان، و "عبد الواحد" مفعوله. وسفيان الثوري، وشريك النخعي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق.
1000- ص- نا محمد بن العلاء: أنا إسماعيل بن إبراهيم: نا هشام الدستوائي: نا يحيي بن أمي كثير: نا عياض ح أنا موسى بن إسماعيل: نا
__________
(1) في سنن أبي داود: "أو أربع ".
(2) تفرد به أبو داود.

(4/329)


أبان: نا يحيي، عن هلال بن عياض، عن أبي سعيد الخدري أن النبي- عليه السلام- قال: " إذا صلى أحدكم فلم يَدْر زادَ أم نقصَ فليسجُد سجدتين وهو قَاعد فإذا أتاه الشيطانُ فقال: إنك قد أحدثتَ فليَقُل: كذبتَ، إلا ما وجَدَ ريحا بأنفِه أو صَوتا بأذنه " (1) (2) .
ش- إسماعيل بن إبراهيم: هو ابن علية. وعياض بن هلال، ويُقالُ: هلال بن عياض، وأبان بن يزيد العطار، ويحيي بن أبي كثير. قوله: " فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثت " كناية عن وَسْوسته بذلك وتَلْبيسه عليه.
قوله: " فليقل كذبتَ " كناية عن دفع تلك الوسوسة، وترك العمل بها.
قوله: "إلا ما وَجَد ريحاً" كلمة [ما] مصدرية، والمُستثنى منه محذوف؛ وتقدير الكلام: لا ينقض قول الشيطان ذلك وضوءه إلا وجدان الريح بأنفه، أو وجدان الصوت بأذنه، فذكر النَوْعين ليشمل الأطروش والأخشم، أو ليشمل نوعي خروج الريح وهما: الفُساء والضُراطُ. والحديث: أخرجه الترمذي، وابن ماجه مختصرا، وقال الترمذي: حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن أبي سعيد من غير هذا الوجْه. ص- قال أبو داود: وهذا لفظ حديث أبان. وقال معمر، وعلي بن المبارك: عياض بن هلال، وقال الأوزاعي: عياض بن أبي زُهير.
ش- أشار بهذا إلى الاختلاف في عياض؛ فقيل: هو عياض بن هلال- كما وقع هكذا في رواية هشام الاستوائي-، وقيل: هلال بن عياش- كما وقع في رواية أبان بن يزيد- وقال عبد الرحمن الأوزاعي،
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: " وهذا لفظ حديث أبان".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان (396) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: السهو في الصلاة

(4/330)


عن يحيي بن أبي كثير، عن عياض بن أبي زُهير، وقال ابن حبان في "الثقات": عياض بن أبي زهير، يروي عن: أبي سعيد الخدري، رَوى عنه: يحيي بن أبي كثير، حدثنا عمر بن محمد الهمداني: ثني عمرو بن عثمان: نا بقية بن الوليد: أنا الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثير، عن عياض بن أبي زهير: سمعت أبا سعيد الخدري: قال رسول الله- عليه السلام-: "إذا سهى أحدكم في صلاته فلا يدري زاد أم نقص، فليسجد سجدتين/ وهو جَالس".
1001- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي كلمة ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله- عليه السلام- قال: ما إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة (1) جاءه الشيطان فَلبَس عليه حتى لا يَدْري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليَسْجد سجدتين وهو جالس (2) .
ش- " لَبَس عليه "- بتخفيف الباء- أي: خلط عليه أمر صلاته، ومنه قوله تعالى: "وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم فلا يَلبسُونَ" (3) وضبطها بعضهم بالتشديد؛ لأجل التكثير؛ والتخفيف أفصحَ.
واختلف العلماء في المراد به؛ فقال الحسن البصري: وطائفة من السلف بظاهر هذا الحديث، وقالوا: إذا شك المصلي فلم يدر زاد أو نقص، فليس عليه إلا سجدتان وهو جالسا؛ عملا بظاهر هذا الحديث. وقال الشعبي، والأوزاعي وجماعة كثيرة من السلف: إذا لم يدر كم
__________
(1) في سنن أبي داود: "قام يصلي ".
(2) البخاري: كتاب السهو، باب: السهو في الفرض والتطوع (1232) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 82- (389) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي فيشك
في الزيادة والنقصان (397) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التحري
(3/ 31) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام (1216، 1217) .
(3) سورة الأنعام: (9) .

(4/331)


صلى لزمه أن يُعيد الصلاة مَرةً بعد أخرى أبدا حتى يستيقن. وقال بعضهم: يُعيد ثلاث مرات، فإذا شك في الرابعة فلا إعادة عليه. وقال مالك، والشافعي، وأحمد والجمهور: متى شك في صلاته هل صلى ثلاثا أو أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين، فيجب أن يأتي برابعة وأمجد للسهو؛ عملا بحديث أبي سعيد الذي مضى في أول الباب السابق؛ لأنه صريح في وجوب البناء على اليقين، وهو مُفسِر لحديث أبي هريرة، فيحملُ حديث أبي هريرة عليه. وقال أصحابنا: إن كان الشك عرض له أول مرة يَستقبلُ، وإن كان يعرض له كثيراً بنى على كثر رأيه لقوله- عليه السلام-: " إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه ما رواه البخاري ومسلم (1) ، وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين لقوله- عليه السلام-: "إذا سهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدةً صلى أو ثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبْن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث، وليَسْجد سجدتين قبل أن يسلمه رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه، ولفظه: " إذا سهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدةً صلى الو ثنتين فليجعلها واحدةً، وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا، ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يَسجُد سجدتين وهو جالسٌ قبل أن يسلم،. وأخرجه الحاكم في "المستدرك " ولفظه: "فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليُتم؛ فإن الزيادة خيرٌ من النقصان" وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه. وقال الذهبي في " مختصرها: فيه عمار بن مَطر الرهاوي، وقد تركوه. وعمار ليس في "السنن".
وأما حديث أبي سعيد: فقد قلنا: إنه محمول على ما إذا وقع له ذلك مرارا ولم يقع تحريه على شيء. وأما حديث أبي هريرة هذا: فإنه فيما إذا
__________
(1) تقدم قريبا.

(4/332)


شك ثم تحرى الصواب، فإنه يبني على كبر رأيه- لما قلنا- وتبويب
أبي داود- أيضا- يدل على هذا. والحديث: أخرجه البخاري،
ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: كذا رواه ابن عيينة، ومعمر، والليث.
ش- أي: كذا روى الحديث المذكور: سفيان بن عيينة، ومعمر بن
راشد، والليث بن سَعْد.
1002- ص- نا حجاج بن أبي يعقوب: نا يعقوب: نا ابنُ أخي
الزهري، عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده، زادَ: "وهو جالسٌ
قبل التسليم" (1) .
ش- يعقوب بن إبراهيم بن سَعْد، وابن أخي الزهري: اسمُه:
محمد بن عبد الله، وقد مر غير مرة، ومحمد بن مسلم: هو الزهري.
قوله: "زاد" أي: حجاج المذكور في روايته: " فليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم".
1003- ص- نا حجاج: نا يعقوب: أنا أبي، عن ابن إسحاق قال:
حدثني محمد بن مسلم الزهري بإسناده ومعناه قال: "فليسجد سجدتين
قبل أن يُسلم ثم ليُسلم " (2) .
ش- حجاج ويعقوب هما المذكوران آنفا، ووالد يعقوب: إبراهيم بن
سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن إسحاق بن يَسار.
فإن قيل: ما تقول في هذه الروايات التي تدل على ابن سجدتي السهو
/ قبل السلام؟ قلت: روايات الفعل متعارضةٌ، فبقي لنا رواية القول؛ [2/65 - ب] وهو حديث ثوبان: " لكل سهو سجدتان بعدما تسلم " من غير فصل بين
الزيادة والنقصان سالما من المعارض، فنَعْملُ به لسلامته عن المُعارض،
__________
(1) انظر: التخريج المتقدم.
(2) انظر الحديث قبل السابق.

(4/333)


ولأن سجود السهو مما لا ينكر فيؤخر عن السلام، حتى لو سهى عن السلام يَنْجبرُ به.
فإن قيل: روايات [] (1) متعارضة كما ترى في هذا 1، (1) وغيره. قلت: لا يَضُرنا ذلك، لأن هذا الخلاف في الأولوية، فللمُصلي أن يختار أفيَ قول شاء؛ لأن الأحاديث صوت في الأقوال وَغيرها.
* * *
187- بَاب: مَن قال بَعْد السلام
أي: هذا باب في بيان من قال: إن سجدتي السهو بَعْد السلام.
1004- ص- نا أحمد بن إبراهيم: نا حجاج، عن ابن جرير قال: أخبرني عبد الله بن مسافر أن مُصعب بن شيْبة أخبره عن عتبة بن محمد بن الحارث، عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله- عليه السلام- قال: " مَنْ شكّ في صلاته فليسجُد سجدتين بعدما يُسلمُ" (2) .
ش- أحمد بن إبراهيم الدورقي، وحجاج بن محمد الأعور، وعبد الملك بن جرير.
وعبد الله بن مُسافع بن عبد الله البر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة
- واسمه: عبد الله بن عبد العُزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصير القرشي العبدري المكي الحربي. مات مرابطا بسابق في أرض الشام مع سليمان بن عبد الملك، ومات سليمان بعده بيسيرٍ، ودفن إلى جانبه، وكانت وفاة سليمان في صفر سنة تسعة وتسعين. روى له: أبو داود، والنسائي حديثا واحدا (3) .
__________
(1) غير واضح في الإلحاق قدر كلمة.
(2) النسائي: كتاب السهو، باب: التحري (3/ 30) ، قال النسائي: مصعب منكر الحديث.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3562) .

(4/334)


وعتبة بن محمد بن الحارث بن نوفل، يروي عن ابن عباس، وعبد الله ابن جعفر، روى عنه: ابن جرير، ومُصْعب بن شيبة، ومنبوذ، قال سفيان بن عيينة: أدركتُه. روى له: أبو داود (1) .
وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الجواد بن الجواد يكنى
أبا جعفر، وأمه: السماء بنت خميس الخثعمية، وُلد بأرض الحبشة وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، ويقالَ: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، روي له عن رسول الله- عليه السلام- خمسة وعشرون حديثا، اتفقا على حديثين، روى عنه: بنوه: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، ومحمد بن علي بن الحسن، والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبيري، والشعبي وجماعة آخرون. توفي سنة تسعين وهو ابن تسعين سنا بالمدينة. روى له الجماعة (2) . وهذا الحديث حجة ظاهرة للحنفية. ورواه النسائي- أيضا وأحمد في " مسندها وابن خزيمة في "صحيحه " ورواه البيهقي وقال: إسناده لا بأس به.
قلت: الحديث صحيح، وقولُ النسائي: مُصعَب منكر الحديث، وعُتبة ليْس بمعروف لا ينضر صحته، لأن مصعب بن شيبة الخرج له مسلم في "صحيحه "، ووثقه ابن مَعين، وعُتبة معروف ذكره ابن حبان في "الثقات ".
* * *