شرح أبي داود للعيني

188- بَاب: مَنْ قامَ مِن ثنتين ولم يَتَشهد
أي: هذا باب في بيان حكم من قام من ركعتين ولم يَتشهد عقيبهما.
1005- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن
__________
(1) المصدر السابق (9 1/ 3784) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 275) ، أسد الغابة (3/ 98 1) ، الإصابة (2/ 289) .

(4/335)


الأعرج، عن عبد الله ابن بُحَينة أنه قال: صلى لنا رَسولُ الله ركعتين ثم قامت فلم يجلس فقام الناسُ معه فلما قضَى صلاته وانتظرنا التسليمَ كثر فسجد سجدتين وهو جالسٌ قبل التسليم ثم سلم (1) .
ش- عبد الله بن بحينة: هو عبد الله بن مالك بن القشيب- وهو جُندب- بن نضرة بن عبد الله بن رافع بن مخضب (2) ، يكنىَ أبا محمد، وبُحَيْنة: أمه، وهي بنت العرب- وهو الحارث- بن المطلب بن عبْد مناف؛ وهي بضم الباء الموحدة، وفتح الحاء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها نون مفتوحة، وتاء تأنيث، ولها صحبة، وقيل: جدته أم أبيه مالك، وقيل: اسمها: عَبْدة، ولقبها: بُحَينة، أسلم عبد الله وصحب النبي- عليه السلام- قديماً وكان ناسكا فاضلاً يصوم الدهر، وكان ينزل بَطن ريم على ثلاثين ميلا من المدينة، ومات به في عمل مروان بن الحكم الآخر على المدينة، رويا له أربعة أحاديث، روى عنه: الأعرج، وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وابنه: علي بن عبد الله، روى له الجماعة (3)
وفي الحديث مسائل؛ الأولى: أن سجود السهو قبل السلام؛ وبه قال الشافعي ومالك، لأنه في النقص.
[2/ 66 - أ] / الثانية: أن التشهد الأول والجلوس له ليْسا برُكنين في الصلاة؛ إذ لو
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: من لم ير التشهد الأول واجباً (829) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (85/ 570) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في سجدتي السهو قبل التسليم (393) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من قام من اثنتين ناسيا ولم يتعهد (3/ 19) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن قام من اثنتين ساهيا (1206) .
(2) في الإصابة "صعب"، وفي تهذيب الكمال (3517/15) : " محصن". (3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 326) ، أصد الغابة (3/ 375) ، 1 لأصل به (2/ 364) .

(4/336)


كانا ركنية لم يجبرهما السجود كالركوع والسجود وغيرهما؛ وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي والجمهور، وقال أحمد في طائفة قليلة: هما ركنان، ماذا سهى جبرهما بالسجود على مقتضى الحديث.
الثالثة: فيه ابنه يُشرع التكبير لسجود السهو؛ وهذا بالإجماع.
واعلم أن سجدتي السهو كما تكون في الفرض كذلك في التطوع،
وقال ابن سيرين لقتادة: لا يسجد للتطوع؛ وهو قول ضعيف للشافعي. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1006- ص- نا عمرو بن عثمان: نا أبي وبَقيةُ: نا شعيب، عن الزهري بمعنى إسناده وحديثه، زادَ: وكانَ منّا المُتشَهد في قيامه (1) .
ش- عمرو بن عثمان الحمْصي، وأبوه: عثمان بن سعيد أبو عمرو الحمصي، وبقية بن الوليد، وشعيب بن أبي حمزة.
قوله: " بمعنى إسناده " أي: بمعنى إسناد الحديث المذكور وبمعنى حديثه.
قوله: " وكان منا المُتشهدُ " أي: الذي يقرأ التشهد في قيامه، أي: في قيام النبي- عليه السلام- للثالثة.
ص- قال أبو داود: وكذلك سجدهما ابن الزبير وقام من سنتين قبل التسليم، وهو قول الزهري.
ش- أي: كذلك سجد سجدتي السهو: عبد الله بن الزبير، والحال
أنه قام من ركعتين للثالثة.
قوله: ما قبل التسليم " متعلّق بقوله: "سجدهما" " بقوله: "وقام
من ثنتين" وهو مذهب الزهُري وغيره.
وفي "المصنف": ثنا أبو بكر: ثنا عبْد الوهاب الثقفي، عن أيوب،
__________
(1) انظر: التخريج المتقدم.
22. شرح سنن أبي داود 4

(4/337)


عن نافع، عن ابن الزبير أنه قام في ركعتين فسبح القوم، حتى إذا عرف أنه قد وهم فمضى في صلاته.
ونا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن في رجل صلى ركعتين من المكتوبة، ونسي أن يتشهد حتى نهض، قال: إذا استوى قائما مضى في صلاته وسجَد سجدتي السهو.
قلت: هو مذهب أبي حنيفة- أيضا- قال صاحب: الهداية،: ومن سهى عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلي حالة القعود أقربُ، عاد وقعد وتشهد؛ لأن ما يقربُ إلى الشيء يأخذ حكمه، ثم قيل: يسجد للسهو للتأخير والأصح: أنه لا يسجد، كما إذا لم يقم، ولو كان إلى القيام أقرب لم يَعد إليه؛ لأنه كالقائم معنى، وسجد للسهو لأنه ترك الواجب.
* * *
189- بَاب: مَنْ نَسِي أنْ يَتَشَهّدَ وَهْوَ جَالِس
أي: هذا باب في بيان من نسي أن يتشهد والحال أنه جالسا؛ وليس في غالب [النسخ] ذكر الباب.
1007- ص- نا الحَسَن بن عَمرو، عن عَبْد الله بن الوليد، عن سفيان، عن جابر- يعني: الجُعْفي-: نا المُغيرة بن شبيل الأحْمَسي، عن قيْس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله: "إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يَسْتوي قائما فليجلس، وإن (1) اسْتوى قائما فلا يجلس ويَسْجدُ سجدتي السَهْو" (2) (3) .
__________
(1) في سنن أبى داود: "فان".
(2) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن قام من اثنتين ساهياً (1208) .
(3) جاء في سنن أبي داود بعد نهاية الحديث: "قال أبو داود: وليس في كتابي عن جابر الجافي إلا هذا الحديث".

(4/338)


ش- عبد الله بن الوليد: القرشي الأموي، وسفيان: الثوري.
وجابر بن يزيد بن الحارث بن معاوية (1) بن والكل بن مرائي (2) بن
جُعْفي بن سَعْد العشيرة الجُعْفي أبو عبد الله، أو أبو يزيد، أو أبو محمد الكوفي، روى عن: عامر بن واثقة، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي
وغيرهم، روى عنه: الثوري، وشعبة، ومسعر وجماعة آخرون، وقد
اختلف كلام الناس فيه؛ فعن سفيان الثوري: كان جابر ورعا في الحديث،
ما رأيت الورع في الحديث منه، وعن شعبة: هو صدوق في الحديث،
وعن أبي داود الطيالسي: سمِعت وكيعاً يقولُ: مهما شككتم في شيء فلا
تشكوا في أن جابراً ثقة، وعن الشافعي: قال الثوري لشعبة: لئن
تكلمت في جابر لأتكلمن فيك، وعن ابن معين: كان جابر كذابا،
وعن عباس بن محمد: سمعت يحيي يقول: جابرٌ لا يكتب حديثه ولا
كرامة، وقيل لزائدة: ثلاثة لا تروي عنهم، لم لا تروي عنهم: ابن
أبي ليلى، وجابر الجوفي، والسلبي؟ فقال: أما جابر: فكان والله كذابا
يؤمن بالرجعة، وقال النسائي (3) : هو كوفي متروك الحديث./ مات [2/66 - ب] سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن
ماجه (4) .
/ وعن أبي داود: ليسَ في كتابي عن جابر الجُعفي غير هذا الحديث (5) /.
والمغيرة بين شُبَيْل بن عوْف البولي الكًوفي، روى عن: جرير بن عبد الله
التجلي، وقيس بن أبي حازم، روى عنه: الأعمش، وجابر الجوفي،
وداود بن يزيد الأولي، قال يحيي بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: لا
بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (6) .
__________
(1) في الأصل: " مصعوية ".
(2) في تهذيب الكمال: "مرئي".
(3) في الأصل: " النسائي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/879) .
(5) ما بين الشرطين المائلتين ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث السابق.
(6) المصدر السابق (28/ 6131) .

(4/339)


وقيس بن أبي حازم: واسم أبي حازم: عبد عوف بن الحارث، ويقال: عبده (1) بن عبد الحارث بن عوف بن خُشَيْش (2) بن هلال بن الحارث ابن رزَاح بن كلفة بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاويةْ بن أسلم بن أحْمَس بن الغوث بن أنمار بن أراش البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية وجاء ليُبايع النبي- عليه السلام- فقبض وهو في الطريق، وأبوه من أصحاب النبي- عليه السلام-، سمع: أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود وجماعة أخرى كثيرة روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وطارق بن عبد الرحمن، والحكم بن عُتَيبة وغيرهم، قال ابن معين: هو ثقة، وقال معاوية بن صالح: قيْس أوثق من الزهري ومن السائب بن يزيد. مات سنة أربع وثمانين. روى له الجماعة (3) .
قوله: " إذا قام الإمام في الركعتين " يعني: إذا قام إلى الثالثة من غير أن يتشهد ناسياً فإن ذكر ذلك قبل أن ينتصب قائما يعود ويتشهد، وأن ذكره وقد انتصب قائما لا يعود، بل يمضي في صلاته ثم يسجد سجدتي السهوة وهذا بعينه مذهب أبي حنيفة الذي ذكره أصحابه في كتب الفقه. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
1008- ص- نا عُبيد الله بن عمر الجُشَمي: نا يزيد بن هارون: أنا المسعودي، عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في
__________
(1) كذا، ولم أجدها في مصادر الترجمة، ولعله أراد: "عوف بن عبد" والله أعلم.
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال (24/ 11) ، وأسد الغابة (4/ 309 ترجمة والده: عوف بن الحارثي "حشيش" وضبطه ابن الأثير بالحروف، وفي الاستيعاب ترجمة والده أبي حازم (4/ 45) "خنيس ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (247/2) ، أسد الغابة (4/ 17 4) ، الإصابة (2/ 267، 271) .

(4/340)


الركعتين قلنا: سُبحان الله قال: سبحان الله ومضى فلما أتم صلاته وسَلّم سجَد سجدتي السهو فلما انصرفَ قال: رأيتُ رسول الله يَصْنعُ كما صنَعْتُ (1) .
ش- عبيد الله بن عمر: ابن ميْسرة القواريري الجُشَمي، ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي، والمَسْعودي: عبد الرحمن بن عبد الله. وزياد بن عملاقة: ابن مالك الثعلبي- بالثاء المثلثة- أبو مالك الكوفي ابن أخي خطبة بن مالك، سمع: عمه: قطبة، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله البولي وغيرهم، روى عنه: أبو إسحاق الطبيعي، والشيباني، والأعمش، وعاصم الأحول وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق. روى له: الجماعة (2) .
قوله: " فنهض في الركعتين " أي: قام إلى الثالثة من غير أن يتشهد
وإنما لم يرجع إلى كلامهم ولم يَعُدْ لأنهم ما ذَكروه إلا بعد أن انتصب قائماً وهذا الحديث- أيضا- بعَيْنه مذهب أبي حنيفة في جميع أحكامه، وهو حجة على مُخالفِيه. وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن المغيرة ابن شعبة، ورفعه.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عامر الشعبي، عن المغيرة بن شعبة، وقال الترمذي: نا أحمد بن منيع: نا هشيم: أنا ابن أبي ليلى، عن الشعبي قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فنهض في الركعتين فسبح به القومُ وسئل بهم، فلما
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسياً (365) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 2061) .

(4/341)


صلى بقية صلاتهم سلم، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس، لم حدثهم أن رسول الله- عليه السلام- فعل بهم مثل الذي فعل. ثم قال الترمذي: وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى، وقال محمد بن إسماعيل: ابن أبي ليلى هو صدوق ولا أروي عنه؛ لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً.
ص- ورواه أبو عُميس عن ثابت بن عُبيد قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة مثل حديث زياد بن علاقة.
[2/ 67 - أ] ش- أي: وروى الحديث المذكور- أيضا- أبو عُمَيس، عن ثابت ابن عُبَيْد مَوْلى زيد بن ثابت الكوفي. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا محمد بن بشْر: نا مؤشر، عن ثابت بن عبيد قال: صليت خلف المغيرة ابن شعبة فقام في الركعتين فلم يجلس، فلما فرغ سجد سجدتين.
ص- قال أبو داود: أبو عُميس أخو المَسْعودي.
ش- أبو عُميس: اسمُه: عُتْبة بن عبد الله، والمَسْعودي: عبد الرحمن ابن عبد الله- كلاهما- ابنا عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مَسْعود؛ وقد بينا ترجمة كل واحد منهما. وحديث أبي عُميس أجود شيء في هذا؛ فإنه ثقة احتج به الشيخان في "صحيحيهما"، وثابت بن عبيد: ثقة احتج به مسلم.
ص- وفعَل سعدُ بن أبي وقاص مثل ما فعل المُغيرة.
ش- قال أبو بكر بن أبي شيبة: نا محمد بن فضيل، عن بيان، عن قيْس قال: صلى سَعْد بنُ مالك بأصحابه فقام في الركعة الثانية فسبح به القومُ فلَمْ يجلس، وسئل هو وأشار إليهم أن قوموا، فصلي وسجد سجدتين.
ص- وعمران بن حُنين.
ش- أي: وفَعل عمران بن حُنَين- أيضا مثل ما فعل المغيرة. قال

(4/342)


أبو بكر: نا يزيد بن هارون، عن هشام، عن محمد قال: صلى بنا عمرانُ بن حُصَين في المسجد، فنهض في ركعتين أو قعد في ثلاث- وكبر ظن هشام: ابنه نهض في الركعتين- فلمّا أتم الصلاة سجد سَجدتي السَّهْو.
ص- والضحاك بن قَيْس.
شك- قال أبو بكر: حدثنا أسباط بن محمد، عن مشرف، عن الشعبيّ قال: صلى الضحاك بن قيس بالناسِ الظهر فلم يجلس في الركعتين الأولين، فلما سلم سجد سجدتين وهو جَالسٌ.
والضحاك بن قيس: ابن خالد بن ثعلبة الفهري القرشي يكنى أبا سعيد،
ولد قبل وفاة النبي- عليه السلام- بست سنين أو نحوها، وهو أخو فاطمة بنت قيس وكانت كبر منه بعشر سنين، روى عنه: تميم بن طرفة، ومحمد بن سويد الفهري، وميمون بن مهران، وسماك بن حرب، وقتل بمرج راهب من أرض دمشق في قتاله لمروان؛ وكان عاملا لعَبد الله بن الزبير، له ذكر في كتاب مسلم، روى له: النسائي (1) .
ص- ومُعاوية بن أبي سفيان، وابنُ عباس أفْتَى بذلك.
ش- أي: بمثل ما ذكر من الصَّلوات التي صلاها هؤلاء المذكورون. ص- وعُمر بن عبد العزيز.
ش- أي: أفتى بمثل ذلك: عُمر بن عبد العزيز، وكذلك أفتى
الشعبي، والحسنُ، وعَطاء.
ص- وقال أبو داود: هذا فيمَنْ قام من ثنتين ثم سجدُوا بعد ما سلموا. ش- أي: المذكور من الصّوَر فيمنْ قام من ركعتين قبل التشهد، ثم سجدوا للسَّهْو بعد ما سلموا للصّلاة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 2926) .

(4/343)


1009- ص- نا عمرو بن عثمان، والربيع بن نافعِ، وعثمان بن أي شيبة، وشجاع بن مخلد بمعنى الإسْناد أن ابن عياش حدثهم عن عُبيد الله ابن عبيد الكَلاعي، عن زهير- يعني: ابن سالم العَنْسِي-، عن عبد الرحمن ابن جُبير بن نفير- قال عمرو وحده: عن أبيه-، عن ثوبان، عن النبي - عليه السلام- قال: " لكل سهو سجْدتان بعد ما يُسلم ". لم يذكرُ: " عن أبيه " غير عَمرِو (1) .
ش- شجاع بن مخلد: البغوي أبو الفضل البغدادي، سكن بغداد، روى عن: سفيان، وهشيم بن بشير، ووكيع وغيرهم، روى عنه: مسلم، وأبو داود، وعبد الله بن محمد البغوي، وابن ماجه وغيرهم، قال ابن معين: نعم الرجل ثقة، وقال صالح بن محمد: هو صدوق. توفي ببغداد لعشر خلون من صفر من سنة خمس وثلاثة ومائتين (2) . وابنُ عياش: هو إسماعيل بن عياش- بالياء آخر الحروف والشن المعجمة- الحمصي. وعبيد الله بن عُبيد الكلاعي: أبو وهب الشامي، سمع: بلال بن سَعْد، وزهير بن سالم، ومكحولا وغيرهم، روى عنه: يحيي بن حمزة، وابن عياش، والأوزاعي وغيرهم، قال ابن معين: ليس به بأس. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة (3) .
وزهير بن سالم العَنْسي- بالنون- أبو المخارق، حديثه في الشاميين، روى عن: ابن عمرو بن العاص، وعمرو بن سَعْد الأنصاري، وعبد الرحمن بن جُبَير بن نفير وغيرهم، روى عنه: صفوان بن عَمرو، وثور بن يزيد، فضيل بن فضالة، وعُبيد الله بن عبيد الكلاعي. روى [2/67 - ب] له: أبو داود/ وابن ماجه (4) .
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن سجدهما بعد السلام
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 27) .
(3) المصدر السابق (9 1/ 3663) .
(4) المصدر السابق (9/ 2011) .

(4/344)


قوله: " قال عَمرو وحده" أي: عَمرو بن عثمان المذكور، انفردَ من بين هؤلاء بقولها عن أبيها أي: عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان، عن النبي- عليه السلام-، ولم يذكر لفظ لأبيه " بين عبد الرحمن وبن ثوبان غير عمرو بن عثمان؛ وهو معنى كلام الشيخ في آخر الحديث " لم يَذكر عن أبيه غير عَمرو ". واستدل بهذا الحديث صاحبة "الهداية" فسر قوله: " يَسْجدُ للسهو للزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام، ثم يتشهد ثم يُسلم". والحديث: أخرجه ابن ماجه، وأحمد في " مسنده "، وعبد الرزاق في "مصنفه " والطبراني في "معجمه" وذكر البيهقي حديث ثوبان هذا، ثم قال: إسناد فيه ضعف.
قلنا: سكوت أبي داود يدل على أن اقل أحواله أن يكون حسنا عنده على ما عرف، وليس في إسناده مَنْ تكلم فيه سوى ابن عياش، وبه عمل البيهقي الحديث في كتاب " المعرفة " فقال: تفرد به إسماعيل بن عياش؛ وليس بالقوي.
قلنا: هذه العلة ضعيفة؛ فإن ابن عياش روى هذا الحديث عن شامي، وهو: عُبيد الله الكلامي. وقد قال البيهقي في " باب ترك الوضوء من الدم ": ما روى ابن عياش عن الشاميين صحيح، فلا ندري من أين حصل الضعف لهذا الإسْناد؟ ثم معنى قوله: "لكل سهو سجدتان" أي: سواء كان من زيادة أو نقص كقولهم: لكل ذنب توبة، وحمله على هذا أولى من حمله على أنه كلما تكرر السهو ولو في صلاة واحدة لكل سهو سجدتان- كما فهمه البيهقي- حتى لا تتضاد الأحاديث، وأيضاً فقد جاء هذا التأويل مصرحاً به في حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سجدتا السهو تجزآن من كل زيادة ونقصان " ذكره البَيْهقي في "باب من كثر عليه السهول، على أن البيهقي فهم من هذا اللفظ- أيضا - ما فهمه في هذا الباب، وبهذا يظهر لك أنه لا اختلاف بين حديث ثوبان وبين حديث أبي هريرة وعمران وغيرهما.
* * *

(4/345)


190- بَابُ: سَجْدتي السهو فيهما تَشهد وَتَسْليم
أي: هذا باب في بيان سجدتي السهْو فيهما تشهد وتسليمَ.
1010- ص- نا محمد بن يحيي بن فارس: نا محمد بن عبد الله بن المثني قال: حدثني أشعث، عن محمد بن سيرين، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حُسين أن النبي- عليه السلام- صلى بهم فسهَى فسجَدَ سجدتين ثم تشهد ثم سلم (1) .
ش- أشعث بن عبد الملك الحُمراني، وخالد الحذاء، وأبو قرابة عبد الله ابن زيد الجرمي، وأبو المُهلب عبد الرحمن بن عَمرو.
قوله: "صلى بهم" أي: بالناس. وفيه: أن سجدتي السهو عقابهما: التشهد والسلام. وأخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب، وقال: اختلف أهل العلم في التشهد في سجدتي السهو؛ فقال بعضهم: يتشهد فيهما ويُسلّم، وقال بعضهم: ليس فيها (2) تشهدٌ وتسليم، ماذا سجدهما قبل السلام لم يتشهد؛ وهو قول أحمد وإسحاق قالا: إذا سجد (3) سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا معاذ بن معاذ: أنا ابن جرير، عن عطاء قال: ليس في سجدتي السهو تشهد ولا تسليم. نا ابن مهدي، عن حماد بن سلمي، عن قتادة، عن الحسن وأنا أنهما سجَداهما ثم قاما ولم يُسلما.
وأخرج عن عبد الله التشهد، وكذا أخرج عن إبراهيم: التشهد والسلام، وعن الحكم وحماد.
* * *
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التشهد في سجدتي السهو (395) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من سهم من ركعتين ناسيا وتكلم (26/3) .
(2) في جامع الترمذي " فيهما".
(3) في الأصل: " شهد "، وما أثبتناه من جامع الترمذي.

(4/346)


191- بَابُ: انصرَافِ النِسَاءِ قَبلَ الرجالِ منذ الصلاة
أي: هذا باب في بيان انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة.
1011- ص- نا محمد بن يحيى، ومحمد بن رافع قالا: نا عبد الرزاق: أنا معمر، عن الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أمر كلمة قالت: كان رسول الله- عليه السلام- إذا سلم مكث قليلا وكان يُروْن أن ذلك كيْما يَنْفُذ النِساءُ قبل الرجال (1) .
ش- هند بنت الحارث: الفِراسية، ويقال: القرشية، روت عن
أم سلمة، روى عنها: الزهري. قال جعفر بن ربيعة،/ عن الزهري: [2/68 - أ] حدثتني بنت الحارث الفراسية- وكانت من صواحباتها-، وقال الزبيدي: عن الزهري: أخبرتني هند القرشية، وكانت تحت معبد المقداد، وهو حليف ابن زهرة، وكانت تدخل على الزواج النبي- عليه السلام-. وقال ابن التين: وقال الداودي. كانت من فارس. وقال ابن الأثير: ولا العلم له وجهاً روى لها: الجماعة إلا مُسلماً (2) .
قوله: "كيما ينفذ النساء" بالذال المعجمة، أي: كيما تمضي النساء قبل الرجال- واختلف العلماء: هل يمكث الإمام في مصلاه بعد الفراغ من الصلاة؟ فقال أبو حنيفة: كل صلاة يتنفل بعدها يقوم، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصّبح فلا. وقال أبو محمد: يتنفل بعد الصلوات كلهاة ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه من سجوده سهو ولا غيره. وقال مالك: لا يثبت الإمام بعد سلامه. وقال أشهب: له أن يتنفل في موضعه؛ أخذا بما روي عن القاسم بن محمد. قال ابن بلال: ولم أجده لغيره من الفقهاء. وقال الشافعي: يستحب له أن يثبت ساعةً. وقال ابن بطال:
__________
(1) البخاري: كتاب الآذان، باب: التسليم (837) ، النسائي: كتاب السهو، باب: جلسة الإمام بين التسليم والانصراف (3/ 25) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة (932) .
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/ 7942) .

(4/347)


وأما مكث الإمام في مصلاه بعد السلام فكرهه أكثر الفقهاء إذا كان إماماً راتبا، إلا أن يكون مكثه لعِلة كما فعل رسولُ الله. وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال مالك: يقومَ ولا يقعد في الصلوات كلها إذا كان إمام مسجد جماعة، فإن كان في سفر: فإن شاء قام، وإن شاء قعد. قال ابن خربود: من غير أن يَسْتقبل القبلة. وعن عمر بن الخطاب: جلوس الإمام بعد السلام بدْعة. وعن ابن مسعود: كان النبي- عليه السلام- إذا قضى صلاته انفصل سريعاً: إما أن يقوم وأما أن ينحرف. وقال قتاده: كان أبو بكر إذا سلم كأنه على الرضْف حتى ينهض. وعن الحسن والزهري: لا ينصرفون حتى يقوم الإمام؛ ذكرها عبد الرزاق. وفي كتاب ابن شاهين من حديث سفيان، عن سماك، عن جابر: كان النبي - عليه السلام- إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً وفي حديث ابن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس: صليت مع النبي- عليه السلام-، فكان ساعة يُسلم يقوم، ثم صليت مع أبي بكر فكان إذا سلم وثب من مكانه كأنه يقوم عن رضفة. قال ابن شاهين الحديث الأول عليه العمل في الصلاة التي لا يتنفل بعدها، والثاني: في التي بعدها تنفل. وحديث أم كلمة: أخرجه البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
192- بَابٌ: كيفَ الانصرافُ مِن الصلاة؟
أي: هذا باب في بيان كيفية الانصراف من الصلاة.
1012- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة، عن سماك بن حرب، عن قَبيصة بن هُلب- رجل من طيئ-، عن أبيه أنه صلى مع النبي- عليه السلام- فكان ينصرفُ مع شِقيه (1) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله (301) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة

(4/348)


ش- قبيصة بن الهلب: الكوفي الطائي، روى عن: أبيه، روى
عنه: سماك بن حرب، قال علي بن المديني: هو مجهول، لم يرو عنه
غير سماك، وقال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وهُلْب: بضم الهاء وسكون اللام، وقيل: الصواب فيه: فتح الهاء
وكسر اللام، وذكر بعضهم فيه ضم الهاء وفتحها وكسرها، واسمه: يزيدُ
ابن قنافة، ويقال: يزيد بن عدي بن قنافة، وفد على رسول الله وهو
أقرع فمسح رأسه، فنبت شعرُه فسُمّي هلباً (2) .
قوله: "مع شقيه" أي: مع جانِبَيْه؛ يعني: تارةً عن يمينه وتارة عن
شماله. وفي رواية ابن ماجه بسند صحيح، عن عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده: رأيت رسول الله ينفتل عن يمينه ويساره في الصلاة.
وعند ابن حبان، عن قبيصة بن هُلْب- أيضاً-، عن أبيه قال: أمّنا
رسولُ الله- عليه السلام- فكان ينصرف عن جانبيه جميعاً.
وقال الترمذي: نا قتيبة: نا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب،
عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: كان رسول الله يؤمنا فينصرف على
جانبيه على يمينه وشماله، وقال: حديث هلب حديث حسنٌ، وعليه
العمل عند أهل العلم: أنه ينصرف على أقي جانبيه/ شاء، إن شاء عن [2/68- ب] يمينه، دان شاء عن يساره، وقد صحّ الأمران عن النبي- عليه السلام-،
ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن
يمينه، أن كانت حاجته عن يَساره أخذ عن يَساره.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4846) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 614) ، وأسد الغابة (5/ 413) ، والإصابة (3/ 906) .

(4/349)


1013- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن سُلَيْمان، عن عمارة، عن الأسْود بن يزيد، عن عبد الله قال: لا يجعلْ أحدكم نصيبا للشيطان من صلاته أن لا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر ما ينصرفُ عن شماله قال عمارة: أتينا المدينةَ بعدُ فرأيت منازلَ النبي- عليه السلام- عن يَسارِه (1) .
ش- سليمان: هو الأعمش، وعمارة: ابن عُمَيْر.
وفي رواية مسلم: "لا يجعلن " بنون التأكيد. وأخرجه البخاري، والنسائي، وابن ماجه؛ وليس فيه قول عمارة. وقد أخرج مسلم في "صحيحه" والنسائي في "سننه " من حديث إسماعيل بن عبد الرحمن السُدي قال: سألت أنساً كيف أنصرفُ إذا صليتُ عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه. وجه الجمع بين الروايتين: أنه- عليه السلام- كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدل على جوازهما ولا كراهة في واحد منهما. وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل الانصراف عن اليمين أو الشمال؛ دائما هي في سنن من يرى أن ذلك لا بد منه؛ فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : ومذهبنا: أنه لا كراهة في واحد من الأمرين؛ لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته، سواء كانت عن يمينه أو شماله، فإن استوت الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل؛ لعموم الأحاديث المصرية في فضل اليمين في باب المكارم ونحوها.
وقال صاحب "المحيط ": والمستحب: أن ينحرف إلى يمين القبلة،
__________
(1) البخاري: كتاب الآذان، باب: التسليم (852) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الانصراف من الصلاة (3/ 81) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة (930) .
(2) شرح صحيح مسلم (220/5) .

(4/350)


وكذلك إذا أراد أن يتنفل بعد المكتوبة يستحب له أن يتطوع في يمين القبلة؛ لأن لليمين فضلاً على اليَسار؟ ويمين القبلة: ما بحذاء يَسار المستقبل.
* * *
193- بَابُ صَلاة الرجل التطوّعَ في بيتِهِ
أي: هذا باب في بيان صلاةَ الرجلِ التطوعَ في بيْته، وفي بعض النسخ: "باب التطوع في بَيْته".
1014- ص- نا أحمد بن حنبل: نا يحيي، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله-: واجعلوا من صلاتكم في بيوتكم (1) ولا تتخذوها قبورا " (2) .
ش- يحيي القطان. وعُبيد الله بن عمر بن حرص العمري، روى عن: نافع، وابن أبي صالح، َ وأبي الزبير المكي وغيرهم، روى عنه: يحيي، وأبو بَدْر، وابن قدامه وغيرهم، قال يحيي بن معين: ثقة. روى له الجماعة.
قوله: " اجعلوا منْ صلاتكم في بيوتكم" معناه: صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة؟ والمراد به: صلاة النافلة أي: صلوا النوافل في بيوتكم. وقال القاضي عياض: قيل: هذا في الفريضة؛ ومعناه: اجعلوا بعض فرائضهم في بيوتكم ليقتدي بكم مَن لا يخرج إلي المساجد من نسوة وعبيدٍ ومريض ونحوهم. قال: وقال الجمهور: بل هو في
__________
(1) في سنن أبي داود: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ".
(2) البخاري: كتاب التهجد في الليل باب: التطوع (1187) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة النافلة في البيت 208 / 777) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت (451) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الحث على الصلاة في البيوت، والفضل في ذلك (197/3) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها باب: التسبيح في الركوع والسجود (887) .

(4/351)


النافلة لإخفائها، وللحديث الآخر: " أفضل الصلاة: صلاة المرء في بيْته إلا المكتوبة ".
قلت: فعلى التقدير الأحول تكون "مِنْ" في قوله: "اجعلوا من صلاتكم " زائدةً؛ ويكون التقدير: اجعلوا صلاتكم في بيوتكم ويكون المراد منها النوافل، وعلى التقدير الثاني تكون " مِن " للتبعيض، والمعنى: اجعلوا بعض صلاتكم المكتوبة في بيوتكم. والأحسنُ عندي: أن تكون "من" للتبعيض مطلقا ويكون المراد من الصلاة مطلق الصلاة، ويكون المعنى: اجعلوا بعض صلاتكم وهو النفل من الصلاة المطلقة في بيوتكم، والصلاة المطلقة تشتمل النفل والفرض، على أن الأصح منع مجيء " مِنْ " زائدةً في الكلام المثْبت، ولا يجوز حمل الكلام على الفريضة لا كلها [2/69 - أ] ولا بعضها،/ لأن الحث على النفل في البيت، وذلك لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحيطات وليتبرك البيْت بذلك، وتنزل الرحمة فيه والملائكة، وينفر الشيطان منه.
وقوله: " ولا تتخذوها قبورا " من التشبيه البليغ البديع بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البَيْت الذي لا يُصلَّى فيه بالقبر الذي لا يُمكَنُ الميّت فيه من العبادة. وقد أول جماعة هذا الحديث على منع الصلاة في المقابر، ونسَب السفاقسي هذا التأويل إلى البخاري. وهذا تأويل بعيدة والصحيح ما ذكرناه. وقد روي عن جماعة أنهم كانوا لا يتطوعون في المسجد، منهم: حذيفة، والسائب بن يزيد، والربيع بن خثيم، وسويد بن غفلة. ومن هذا أخذ علماؤنا: أن الأفضل في غير الفرائض: المنزلُ. وقد روى الترمذي، عن زيد بن ثابت، عن النبي- عليه السلام- قال: "أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة". وحديث ابن عمر: أخر له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وروى الطبري من حديث عبد الرحمن بن سابط، عن أبيه يَرْفعه: "نوْروا بيوتكم بذكر الله، وكثروا فيها تلاوة القرآن، ولا تتخذوها قبورا كما اتخذها اليهود والنصارى".

(4/352)


وروى ابن أبي شيبة بسند جيد، عن زيد بن خالد الجهني يَرْفعُه: "صلُوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا". ورَوى- أيضا- من حديث جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين: حدثنيِ علي بنُ عمر، عن أبيه، عن علي بن حُسين، عن أبيه، عن جده يرْفعهُ: " لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً".
1015- ص- نا أحمدُ بن صالح: نا عبدُ لله بن وهب قال: أخبرني سُليمانُ بن بلال، عن إبراهيم بن أبي النَضْر، عن أبيه، عن بُسْر بن سَعيد، عن زيْد بن ثابت أن النبي- عليه السلام- قال: " صلاةُ المرْء في بيته أفضلُ من صلاته في مَسْجدي هذا إلا المكتوبة " (1) .
ش- إبراهيم بن سالم بن أبي النضر أبو إسحاق التميمي القرشي، يُلقبُ بَرَدان، روى عن: أبيه، وسعيد بن المسيب، روى عنه: سليمان ابن بلال، وصفوان بن عيسى، قال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له: أبو داود (2) .
وأبوه: سالم بن أبي أمية أبو النضر، قد ذكر مَرةً، وبُسْر بن سعيد: بضم الباء وسكون السين المهملة، قد ذكرناه.
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي بنحوه، وقال الترمذي، حديث حسن، وفيه دلالة [أن الصلاة] (3) في البيت أفضل؛ لأن صلاة المرء إذا كا [نت] (3) في بيته أفضل من صلاته في مسجد الرسول، (3) - عليه السلام- كانت في بيته بطريق الأولى أن تكون أفضل من صلاته في مسجد غير الرسول- عليه السلام-.
* * *
__________
(1) البخاري: كتاب الآذان، باب: صلاة الليل (731) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوارها في المجد
(1 13/78 2، 4 1 2) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل صلاة التطوع في البت (450) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الحث على الصلاة في البيوت (3/197 - 198) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 173) .
(3) غير واضح في الإلحاق.
23. شرح سنن أبي داوود 4

(4/353)


194- بَاب: مَنْ صَلى لغيْر القِبْلةِ ثم عَلِمَ
أي: هذا باب في بيان من صلى لغير جهة القبلة ثم علم.
1016- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن ثابت وحميد، عن أنس، أن النبي- عليه السلام- وأصحابه كانوا يُصلون نحو بَيْت المقدس، فلماً نزلت هذه الآية "فَول وجهك شطر المسجد الحرام وحيْث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " فمر رجل من بني سَلِمة فنادَاهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حُولَتْ إلى الكعبة- مرتين- قال: فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبَة (1) .
ش- صلى رسول الله- عليه السلام- نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا على ما روي في " الصحيح " عن البراء قال: وكان رسول الله يصلي نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا" الحديث. وعند ابن ماجه بسند صحيح. "صلينا مع رسول الله نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهراً وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين " الحديث.
قوله: "شطر المسجد الحرام" أي: جهته. السجستاني (2) من حديث يزيد النحوي، عن عكرمة، عنه: كان يستقبل صخرة بيت المقدس. وهي قبلة اليهود سبعة عشر شهر. وعن سعيد بن عبد العزيز أن النبي - عليه السلام- صلى نحو بيْت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة. وعند الشافعي، عن مالك، عن يحيي بن سعيد، عن سعيد ابن المسيب أن رسول الله- عليه السلام- صلى في مسجده الظهر بالمسلمين، ثم أمر أن يواجه إلى المسجد الحرام. قال: ويُقال: إنه زار
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، " باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (527/15) ، النسائي في كتاب التفسير، باب: " فول وجهك شطر المسجد الحرام " (1/ 198) .
(2) كذا.

(4/354)


أم بشر بن البراء بن معرور في بني سَلِمة، وصنعت له طعاماً، وحانت
الظهر فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أمر أن يتوجه إلي الكعبة، فاستداروا
إلى الكعْبة، واستقبل الميزاب، فسمي المسجد مسجد القبلتين، وذلك يوم
الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا. قال محمد بن
عمر: هذا أثبت عندنا. وعن عمارة بن أوس الأنصاري قال: صلينا
إحدى صلاتي العشاء فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة
فنادى: إن الصلاة قد وجهت نحو الكعْبة. قال: فتحرف أو تحول إمامنا
نحو الكعبة والنساء والصبيان. وفي "المُحبر " لابن حبيب: حُولِت
/ الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان في الركعة الثالثة، وقيل: في 2/69 - ب] صلاة العصر. وفي "الناسخ والمنسوخ " للنحاس، عن ابن زيد بن أسلم:
بعد بضعة عشر شهرا. قال: وروى الزهري، عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن كعب بن مالك: صرفت في جمادى. قال أبو جعفر
النحاس: وهو أولى الأقوال بالصواب. وقال الطبري: حدثنا القاسم:
نا الحسين: نا حجاج: قال ابن جريج: صلى رسول الله- عليه السلام-
أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى المقدس فصلّت الأنصار قبل
قدومه بثلاث حجج.
قوله: "شطر المسجد الحرام " أي: جهته.
قوله: "فمر رجل من بني سَلمة"- بفتح السن وكسر اللام- بَطن من
الأنصار من الخزرج، وزعم ابنَ بَشكوال والخطيب أن الذي مر عليهم:
أبو بشر عباد بن بشر الأشهلي، وقيل: عباد بن نهيك، فيحتمل ابن
أحدهما أتى إلي مسجد قريب من المدينة العصر، والآخر جاء إلى أهل قباء الصبح.
قوله: "وهم ركوع " جملة حالية، والركوع جمع راكع كالسجود
جمع ساجدِ. ويُستفادُ من الحديث فوائد؛ الأولى: جواز النسخ عقليا
ووقوعه شرعا، وهو مذهب المسلمين أجمع؛ خلافا لليهود- عليهم
اللعنة- فعند بعضهم باطل نقلا وهو ما جاء في التوراة: "تمسكوا

(4/355)


بالسبْت مادامت السمواتُ والأرض " فادعوا نقله تواترا، ويدعون النقل عن موسى- عليه السلام- أنه قال: "لا نسخ لشريعته". وعند بعضهم باطل عقلا. وقد نقل إنكارُه عن أبي مسلم الأصفهاني من المسلمين، قال فخر الإسلام: "إنكار النسخ مع عقد الإسلام لا يتصورُ". قلنا: أما جوازه عقلا؛ فلأنه ليْس إلا بيان مدة الحكم المُطلق التي هي غيْب عنا، ومعلوم عند الله بأنها مُؤقتة إلى وقت كذا، والأحكام ضرعت لمصالح العباد، وتتبدلُ باختلاف الزمان. وأما وقوعه شرعا: فلا شك أن نكاح الأخوات كان مشروعاً في شريعة آدم- عليه السلام-، وبه حصل التناسل وهذا لا ينكره أحد، ثم نسخ ذلك في شريعة غيره، وكذلك العمل في السبت كان مباحا قبل شريعة موسى- عليه السلام-، ثم نُسخ بعدها بشريعته- عليه السلام-، وبه خرج الجواب عما ذكره اليهود عليهم اللعنة.
الثانية: جواز نسخ الكتاب بالسنة وعكْسه؛ وذلك لأنه- عليه السلام- كان يتوجهُ إلى الكَعْبة في الصلاة حين كان بمكة، وبعد الهجرة توجه إلى المدينة- كما ذكرنا- وعلم بالتحقيق أن التوجه إلى بيت المقدس كان بالسنة؛ لأنه ليس بمتلو في القرآن، فإن كان التوجه إلى الكعبة أولا بالكتاب، فقد نسخ بالسنة المُوجبة إلى التوجه إلى بيت المقدس، فدل على جواز نسخ الكتاب بالسنة، وأن كان بالسنة فلا شك أن التوجه الثابت إلى القدْس نسخ بالكتاب وهو قوله: "فَول وَجْهَكَ شَطرَ المسجِدِ الحَرَام" (1) فدل على جواز نسخ السنة بالكتاب وقال الشيخ محيي الدين (2) : واختلف أصحابنا وغيرهم أن استقبال بيت المقدس كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي- عليه السلام-؟ فحكى للماوردي في "الحاوي" وجهين في ذلك لأصحابنا، قال القاضي: الذي ذهب إليه كثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال: إن القرآن ينسخ السنةَ، وهو قول كثر الأصولية، وهو أحد قولي الشافعي،
__________
(1) سورة البقرة: (144) .
(2) شرح صحيح مسلم (9/5) .

(4/356)


والقول [الثاني] (1) له وبه قالت طائفة لا يجوز؛ لأن السنة مبينة
للكتاب فكيف يَنسخها؟ وهؤلاء يقولون: لم يكن استقبال بيت المقدس
بسنة؛ بل كان بوحي، قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلنَا القِبْلَةَ التِي كُنتَ عَلَيْهًا) الآية (2) ، واختلفوا- أيضا في عكْسه وهو نسخ السنة
بالقرآن، فجوزه الأكثرون ومنعه الشافعي وطائفة.
الثالثة: جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد في حال حياة النبي- عليه
السلام-. لأن أهل قباء كانوا في الصلاة متوجهين إلي القدس،
فأخبرهم مخبر بأن القبلة/ قد تحوّلت إلى الكعبة، فتحولوا إلى الكعبة [2/70 - أ] في خلال الصلاة بخبر الواحد، ولم يُنكر عليهم رسولُ الله- عليه السلام- بذلك. وأما بعد النبي- عليه السلام-: فلا يجوز نسخ
الكتاب بخبر الواحد؛ بل إنما يثبت النسخ بالمتواتر مستندا إلى حال حياة
النبي- عليه السلام:؛ لأن النصوص بعد موته- عليه السلام- بقيت
قطعية لارتفاع احتمال النسخ بعده، فلا يجوز النسخ إلا بقطعي مثله
مستندا إلي حال حياته- عليه السلام-، فظهور الناسخ يُبَين أن النسخ
كان ثابتا في زمان جواز النسخ، وهو حياته- عليه السلام-؛ لا أن
النسخ ثبت في زماننا فقط.
الرابعة: فيه قبول خبر الواحد؛ وتفصيل هذه المسألة على خمسة
أقسامٍ؛ لأنه إما أن يكون من حقوق الله أو من حقوق العباد؛ فإن كان من
حقوق الله فهو على قسمين: عبادات وعقوبات، وإن كان من حقوق
العباد: فهو على ثلاثة أقسام: ما فيه إلزام محض، وما فيه إلزام من
وجه دون وجه، وما لا إلزام فيه؛ فهذه خمسة:
الأولُ: وهو العبادات: خبر الواحد حجة فيه من غير اشتراط العدد،
ولفظه الشهادة بعد وجود شرائط تُراعَى في المخبِر وهي: الإسلام،
والعدالة، والعقل، والضَبْطُ.
__________
(1) زيادة من شرح صحيح مسلم.
(2) سورة البقرة: (143) .

(4/357)


الثاني: وهو العقوبات كالحدود والكفارات؛ فذهب الجمهور وكثر أصحابنا إلى أن إثبات الحدود بأخبار الآحاد جائز؛ وهو المنقول عن أبي يوسف في "الأمالي " وهو اختيار الجصاص، وذهب الكرخي إلى أنه لا يجوز إثبات العقوبات بخبر الواحد، وإليه ذهب بعض المتأخرين من أصحابنا.
الثالث: الذي فيه إلزام محض كالبيع والشراء وسائر أسباب الملك
فإن خبر الواحد لا يكون حجة فيه؛ بل يشترط فيه العدد، وأقله اثنان فيما يطلع عليه الرجال، ولفظه الشهادة مع سائر شرائط صحة الأخبار. الرابع: الذي فيه إلزام من وجه دون وجه؛ وذلك مثل العبد المأذون إذا أُخبر بالحجر، أو الوكيل إذا أخبر بالعزل، أو البكر البالغة إذا أُخبرت بتزويج الولي فسكتت، أو الشفيع إذا أخبر ببَيع الدار المشفوعة فسكت عن طلب الشفعة، أو المولى أخبر بجناية عبده فأعتقه، أو الذي أسْلم في دار الحرب ولم يهاجر إلى دارنا أخبر بالشرائع؛ فإن الإخبار بهذه الأشياء فيه شَبَهان: إلزام من وَجه دون وجه- كما عرف في موضعه- فالمخبِر إن كان رسولا أو وكيلا فالإخبار من جهة المولى أو الموكل لا يشترط فيه العددُ والعدالة اتفاقا، وإن كان فضوليا فكذلك عند أبي يوسف ومحمد، وأبو حنيفة شرَط أحدَهما إما العدد أو العدالة.
واختلف المشايخ في الذي أسلم في دار الحرب إذا أخبره فاسق بوجوب الصلاة، هل يلزمه القضاء باعتبار خبره عما فات عنه من الصلوات والصيام؟ فمنهم من يقول: ينبغي أن لا يجب القضاء عليه عندهم؛ لأن هذا من أخبار الدين، والعدالة فيها شرط اتفاقا، واعثر على أنه على الخلاف المذكور. وقال شمس الأئمة: الأصح عندي: أنه يلزمه القضاء بخبر الفاسق عند الكل، لأن المخبِرَ بالشرائع رسول عن رسول الله- عليه السلام-؛ فإنه مأمور من جهة النبي- عليه السلام- بالتبليغ. الخامس: الذي لا إلزام فيه بوجه أصلا كالوكالات والمضاربات والهدايا والودائع والإذن في التجارة، فيعتبر لثبوت هذا القسم خبر كل مميز بين

(4/358)


المضار والمنافع، وإن كان غير عدلا أو صبيا أو كافراً إذا وقع في قلب
السامع صدقُه.
الخامسة: فيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين؛ وذلك فيمن اشتبهت
عليه القبلة، فإنه إذا تحرى وصلى إلى جهة ثم علم أنه أَخطأ وهو في
الصلاة، استدار إلى القبلة كما في قضية أهل قباء، وكذا إلى جهات
مختلفة فيما إذا أتم قوما في ليلة مظلمة، فتحرى القبلة وصلى إلى جهة،
وتحرى مَن خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهةٍ وكلهم خلفه، ولا
يعلمون ما صنع الإمام أجزأهم لوجود التوجه إلى جهة التحري.
وقالت الشيخ محيي الدين (1) : وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين
وهذا/ هو الصحيح عند أصحابنا فيمن صلى إلى جهة بالاجتهاد، ثم [2/70- ب] تغير اجتهاده في أثنائها، فيَسْتدبرُ إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده
أربع مرات في الصلاة الواحدة، فصلى كل ركعة منها إلى جهة صحت
صلاته على الأصح.
السادسة: فيه دليل على أن النسخ لا يَثبُت في سنن المكلف حتى يبلغه
وهذا ظاهر. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن خزيمة؛ وزاد
في آخره: " واعتدوا بما مضى من صلاتهم ". وعند الطبراني في
" الأوْسط ": نادى منادي النبي- عليه السلام-: إن القبلة حولت إلى
البيت الحرام- وقد صلى الإمام ركعتين- فاستداروا. وقالت الطحاوي:
وفي كونهم "استداروا " دليل على أن من يعلم بفرض الله تعالى ولم تبلغه
الدعوة، ولم يمكنه استعلام ذلك من غيره، فالفرض في ذلك غير لازم
له، وكذا الرجل يُسلمُ في دار الحرب أو دار الإسلام، وتمرّ عليه فرائضُ
لم يعلمها، ولم يعلم بفرضيتها، ثم علم بفرضيتها بعدُ فللعلماء في ذلك
قولان، أحدهما: إن كان في دار الحرب بحيث لا يجد من يُعلمه لا
يجب عليه قضاء ما مر، وإن كان في دار الإسلام أو في دار الحرب وعنده
__________
(1) شرح صحيح مسلم (9/5) .

(4/359)


من يتعلم منه يجب عليه القضاء فيما مر. وهذا قول أبي حنيفة. والقول الآخر: أنه يقضي ما مرّ من الصلوات والصيام، وهو قول أبي يوسف رحمه الله.
* * *