شرح أبي داود للعيني

261- باب: الجمعُ بين الصَّلاتين
أي: هذا باب في بنان حكم الجمع بَيْن الصلاتين.
/ 1177- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن [2/ 110 - ب] أبي الطُفيل عامر بن واثلة، أن معاذ بن جبل أخبرهم، أنهم خَرَجُوا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَة تَبُوك، فكانَ رسولُ الله- عليه السلام- يَجْمَع بين
الظهرِ والَعَصْرِ والمَغربَ والَعشاءِ، فأخرَ الصَلاةَ يوماً، ثم خَرَجَ فَصلى
الظهرَ والعصرَ جميعا، ثم دَخَلً ثم خَرَجَ فَصلى المغربَ والعِشاءَ جَمِيعاً! 2) .
ش- أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس.
وأبو الطفيل عامر بن واثلة. ويقال: عمرو بن واثلة، والصحيح عامر
ابن واثلة بن عبد الله بن عمرو (2) بن جحش، ويقال: خميس (3) بن
جري (4) بن سَعْد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي، ولد عام
أحُد، وأدرك ثمان سنين من حياة النبي- عليه السلام-، روي له عن
رسول الله تسْعة أحاديث. وروى عن: عليّ بن أبي طالب، وكان من
شيعته، وروى عن: معاذ بن جبل. روى عنه: سعيد الحريري، والزهري، وأبو الزبير المكي، وغيرهم، سكن الكوفة، ثم أقام بمكة
حتى مات بها سنة مائة، وهو آخر من مات من جميع أصحاب النبي
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز الجمع بين الصلاتين (52/ 706) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر (1/ 285) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الجمع بين صلاتين في السفر (1070) .
(2) في الاستيعاب وأسد الغابة: " عمير بن جابر" وفي تهذيب الكمال والإصابة كما عندنا.
(3) في الاستيعاب: " عُميس " وفي أسد الغابة: " حميس "، وفي الإصابة: " جهيش "، وفي تهذيب الكمال كما عندنا.
(4) في الاستيعاب:" حدي "، وفي أسد الغابة: " جدي "، وفي تهذيب الكمال والإصابة كما عندنا.

(5/67)


- عليه السلام-. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " في غَزْوة تبوك " وكانت في سنة تسع، وتبوك- بفتح التاء المثناة من فوق، وضم الباء الموحدة -: بليدة بين الحجْر والشام، وبها عين ونخيل، وقيل: كان أصحابُ الأيكة بها، وتمسك الشافعي- رضي الله عنه- بهذا الحديث وبما يشابهه في جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر.
وقال الخطابي (2) : " في هذا بيان واضح أن الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وبغير المزدلفة جائز، وفيه أن الجمع بين الصلاتين لمن كان نازلاً في السفر غير سائر جائز، وقد اختلف الناس في الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة بعرفة والمزدلفة، فقال قوم: لا يجمع بين صلاتين، وتصلى كل واحدة منهما في وقتها، يُروى ذلك عن إبراهيم النخعي، وحكاه عن أصحاب عبد الله، وكان الحسن ومكحول يكرهان الجمع في السفر بين الصلاتين. وقال أصحاب الرأي: إذا جمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العَصْر في أول وقتها، ولا يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، ورووا عن سَعْد بن أبي وقاص، أنه كان يجمع بينهما كذلك. وقال كثير من أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، إن شاء قدم العصر، وإن شاء أخر الظهرَ على ظاهر الأخبار المروية في هذا الباب، هذا قول ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وسالم بن عبد الله، وطاوس، ومجاهد، وبه قال الشافعي وإسحاق بن راهويه. وقال أحمد بن حنبل: إن فعل ذلك لم يكن به بأس ".
قلت: واستدل أصحابنا بما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 14) ، وأسد الغابة (3/ 145) ، والإصابة (4/ 113) .
(2) معالم السنن (1/ 227 - 228) .

(5/68)


ابن مسْعود قال: مَا رأيت رسول الله- عليه السلام- صلى صلاةً لغير وقتها إلا بجمع، فإنه جَمعَ بين المغرب والعشاء بجمَعْ، وصَلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها ".
وبما رواه مسلم عن أبي قتادة، أن النبي- عليه السلام- قال: " ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى". والجواب عن الأحاديث الواردة في الجمع بَين الصلاتين في غير عرفة وجَمْع ما قاله الطحاوي في " شرح الآثار": أنه صَلى الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها، لا أنه صلاهما في وقت واحدٍ، وقَوِيَ ذلك بما رواه ابن مسعود وأبو قتادة المذكور الآن، ثم قال: ويُؤيدُ ما قلنا ما أخرجه مسلم (1) عن ابن عباس قال: " صَلى رسولُ الله- عليه السلام- الظهر والعَصْر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر "، وفي لفظ قال: " جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مَطر " قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته. قال: ولم يقُلْ أحد منا ولا منهم بجواز الجمع في الحضر، قال: فدل على أن معنى الجمع ما ذكرناه من تأخير الأولى وتعجيل الآخرة. قال: وأما عرفة وجمع فهما مَخصوصتان بهذا الحكم.
فإن قيل في حديث ابن عمر: " إذا جد به السيرُ جمعَ بَين/ المغرب [2/ 111 - ب] والعشاء بعد أن يغيبَ الشَفَقُ "، وهذا صريح في الجَمْع في وقت إحدى الصلاتين.
وقال الشيخ محيي الدين: وفيه إبطال تأويل الحنفية في قولهم أن المراد بالجمع: تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الثانية إلى أول وقتها، ومثله في حديث أنس: " إذا ارتحل قبل أن تزيغَ الشمسُ أخر، لظهرَ إلى وقت العصر، ثم نزل فجمعَ بينهما "، وهو صريح في الجمع في وقت
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.

(5/69)


الثانية، والرواية الأخرى أوضح دلالة، وهي قوله: "إذا أراد أن يَجمَع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما"، وفي الرواية الأخرى: " ويؤخر المغرب حتى يجْمع بينها وبين العشاء حين يَغيبَ الشفقُ ".
قلنا: أمّا الجوابُ عن الأول أن الشفق نوعان: أحمر وأبيض، كما اختلف العلماء من الصحابة وغيرهم فيه، ويحتمل ابنه جمعَ بينهما بعد غياب الأحمر، فيكون المغربُ في وقتها على قول مَنْ يقول الشفقُ هو الأبيض وكذلك العشاء تكون في وقتها على قول من يقول الشفق هو الأحمر، ويُطلقُ عليه أنه جمع بينهما بعد غياب الشفق، والحال أنه قد صلى كل واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في تفسير الشفق، وهذا الجواب مما فُتِحَ عليكَ من الفيض الإلهي، وفيه إبطاء لأبطال تأويل الحنفية. والجواب عن الثاني: أن معنى قوله: " أخر الظهر إلى وقت العصري أخره إلى آخر وقته الذي يتصل به وقت العصر، فيصلي الظهر في آخر وقته، ثم يصلنا العصر متصلاً به في أول وقت العصر، فيطلق عليه أنه جمع بينهما لكنه فعْلاً لا وقتا.
والجواب عن الثالث: أن أول وقت العصر مختلف فيه - كما عرف - وهو إما بِصَيْرُورَةِ ظل كل شيء مثله أو مثليه، فيحتملُ ابنه أخر الظهرَ إلى أن صار ظل كل شيء مثله، ثم صلاها، وصلى عقابها العصر، فيكون قد صلى الظهر في وقتها على قول مَنْ يَرَى أن آخر وقت الظهر بصيرورة ظل كل شيء مثليه، ويكون قد صلى العصر في وقتها على قول من يرى أن أول وقتها بصيرورة ظل ط كل شيء مثله، ويَصدُقُ على مَنْ فعل هذا أنه جمع بينهما في أول وقت العصر، والحال أنه قد صلى كل واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في أول وقت العَصْر، وبمثل هذا لو فعل المقيم يجوز، فضلاً عن المسافر، الذي يحتاج إلى التخفيف.
والجوابُ عن الرابع مثل الجواب عن الأول، فافهم.

(5/70)


قيل: قد ذكر البيهقي في باب " الجمع بين الصلاتين في السفر" (1)
عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه سار
حتى غاب الشفق إلى آخره، ثم قال: ورواه معمر عن أيوب، وموسى
ابن عقبة، عن نافع، وقال: في الحديث: " أخر المغربَ بعد ذهاب الشفق، حتى ذهب هوى من الليل، ثم نزل فصلى المغرب والعشاء الحديث. قلنا: لم يذكر سنده ليُنظر فيه، وقد أخرجه النسائي بخلاف
هذا فقال: أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن
موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: "كان- عليه السلام- إذا
جَد به أمر أو جد به السَيْرُ جمع بين المغرب ولعشاء ".
وأخرج الدارقطني في " سننه " من حديث الثوري، عن عبيد الله بن
عُمر وموسى بن عقبة ويحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر:" كان
- عليه السلام- إذا جذ به السيرُ جمعَ بين المغرب والعشاء ".
فإن قيل: قد قال البيهقي: ورواه يزيد بن هارون، عن يحيى بن
سعيد الأنصاري، عن نافع، فذكر أنه سار قريبا من ربع الليل، ثم نزل
فصلى. قلنا: أسنده في " الخلافيات " من حديث يزيد بن هارون بسنده المذكور، ولفظه:" فسرْنا أمنالا، ثم نزل فصلى " قال يحيى: فحدثني
نافع هذا الحديث مرةً أخرى فقال: " سرْنا حتى إذا كان قريبا من ربع
الليل نزل فصلى"، فلفظهُ مضطرب كما ترى، قد رُوي على وجهين،
فاقتصر البيهقي في" السنن " على ما يُوافقُ مقصوده.
وحديث معاذ أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1178- ص- نا سليمان بنن داود العتكي، نا حماد، نا أيوب، عن نافع،
أن ابن عمر اسْتُصْرِخَ على صَفيةَ- وهو بمَكةَ- فسَارَ حتى فَربت الشم
وبَدْتِ النجُومُ،/ فقال: أن الَنبيَّ- عليهم السلام- كان إذا عَجِلً به أمر في [2/ 111 - ب]
__________
(1) كتاب الصلاة (3/ 159) .

(5/71)


سَفَر جَمَعَ بين هَاتينِ الصلاتَينِ، فسَارَ حتى غَابَ الشفَقُ، فَنَزَلَ فَجَمَعَ بينهمَا (1) .
ش- حماد بن زيد، وأيوب السختياني.
وفي بعض النسخ: " نا حماد- يعني: ابن زيد- نا أيوب" وفي بعضها: " عن أيوب "، ولا فرق بين " حدَّثنا " و" عن " عند الجمهور إلا إذا كان الراوي مُدلسا، فحينئذ " عَنْ " لا يدل على الاتصال، فافهم. قوله: " استُصْرِخ " على بناء المجهول، يُقال: استصرخ الإنسان، وبه إذا أتاه الصارخُ، وهو المُصوت يُعلمِه بأمرٍ حادثٍ يستعين به عليه، أو ينعي له مَيْتا، والاستصراخ: الاستغاثة.
قوله: " وبدت " أي: ظهرت النجومُ، وقد ذكرنا الجواب عن هذا الحديث. وأخرجه الترمذي من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من حديث سالم بن عبيد الله بن عمر، عن أبيه بمعناه أتم منه. وقد أخرج المُسْنَدَ منه بمعناه مسلم والنسائي من حديث مالك، عن نافع.
وصفية بنت أبي عبيد بن مَسْعود الثقفية، أخت المختار بن أبي عبيد الكذاب، امرأة عبد الله بن عمر بن الخطاب، رأت عمر بن الخطاب، وابنه: عبد الله، وروت عن عائشة. روى عنها: نافع مولى ابن عمر، وعبد الله بن دينار، وقال نافع مرةً: عن حفصة أو عن عائشة. قال أحمد بن عبد الله: هي مدنية ثقفية ثقة. روى لها: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وعمرت أزيد من ستين عاما (2) .
1179- ص- نا يزبد بنُ خالد بن يزبد بن عبد الله الرملي الهمداني،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (35/ 7875) .

(5/72)


نا المفضلُ بن فضالة، والليثُ بن سَعْد، عن هشام بن سَعْد، عن أبي الزْبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان في غَزوة تَبُوك إذا زَاغت الشمسُ قبلَ أن يَرْتَحِلَ جَمَعِ بين الظهرِ والعَصْرِ، وإن تَرَحلً قبلَ أن تَزِيَغَ الشمسُ أخرَ الظهرَ حتى ينزِلَ للعَصْرِ، وفي المغرب مثلُ ذلك: إنْ غَابَ الشَقُ (2) قبلَ أنْ يَرْتَحِلَ جَمَعِ بين المغرب والعشاء، وإن ارْتَحَلَ (3) قَبلَ أن تَغيبَ الشمسُ أَخرَ المغرب حتى يَنزِلَ للَعشَاءَ، ثَم جمَعَ بينهما (4) .َ
ش- معنى " زاغت ": مَالَت.
قوله: " وإن ترَحل " وفي بعض النسخ: " وإن ارتحل "، وكلاهما بمعنىً، وقد حكي عن أبي داود أنه أنكر هذا الحديث، وحكي عنه أيضا أنه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم.
ص- قال أبو داود: رواه هشامُ بنُ عُروةَ، عن حسينِ بنِ عبد الله عن كُرَيب، عن ابنِ عباس، عن النبيِّ- عليه السلام- نحوَ حديثَ المفَضل واللَيْثً.
ش- أي: روى هذا الحديث هشام بن عروة بن الزبير، عن حسين ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبي عبد الله، عن كريب مولى ابن عباس. وحسين هذا لا يحتج بحديثه. قال ابن المديني: تركتُ حديثه. وقال أبو جعفر العقيلي: وله غير حديث لا يُتابع عليه. وقال أحمد بن حنبل: له أشياء منكرة. وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: هو ضعيف يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال النسائي: متروك الحديث.
__________
(1) في سجن أبي داود: " يرتحل ".
(2) في سنن أبي داود: " إن غابت الشمس ".
(3) في سجن أبي داود: " يرتحل ".
(4) انظر الحديث (1177) .

(5/73)


وقال السعدي: لا يُشتغلُ بحديثه. وقال ابنُ حبان: يَقْلبُ الأسانيدَ، ويَرْفعُ المراسيلَ. توفي سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له: ابن ماجه. وقال ابن سَعْد: وكان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجون بحديثه.
1180- ص- نا قتيبة، نا عبد الله بن نافعِ، عن أبي مَوْدود، عن سليمان ابن أبي يحيى، عن ابن عمر قال: مَا جَمَع رسولُ اللهِ بينَ المغربِ والعِشاءِ قَط في سَفَرٍ (1) إلا مَرة (2) .
ش- عبد الله بن نافع أبو محمد المدني الصائغ، وأبو مَوْدود هذا اسمه: عبد العزيز بن أبي سليمان المدَني، وسليمان بن أبي يحيى، يروي عن ابن عمر، روى عنه ابن عجلان، كذا ذكره ابن حبان في "الثقات ". ص- قال أبو داود: هذا يُروى عن أيوب، عن نافع موقوف (3) على ابنِ عُمرَ، أنه لم يُرَ ابنُ عُمر جَمعَ بينهما قَط إلا تلكَ الليلةِ، يعني: ليلةَ اسْتُصْرِخَ على صَفيَّةَ.
ش- أي: هذا الحديث يُروى عن أيوب السختياني، عن نافع مولى ابن عمر.
قوله: " موقوف " مرفوع بإسناد يُرْوى إليه.
قوله: " ليلة استصرخ " أراد به الليلة التي جاء إليه الناعِي بصفية امرأة ابن عمر.
[2/ 112 - ب] صِ- ورُوي من حديث مكحول، عن نافع: أنه رَأى/ ابنَ عُمرَ فَعلَ ذلك مرة أو مَرَتينِ.
ش- مكحول بن زير الدمشقي، وهذا أيضا مَوْقوفٌ.
ص- وروى عاصم بن محمد، عن أخيه، عن سالمِ. ورواه ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " السفر ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " موقوفا ".

(5/74)


أبي نجيع، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب، أن الجَمعَ بينهما كان من ابنِ عمرَ بعد غُيُوبِ الشفَقِ (1) .
ش- عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي المدني أخو أبي بكر وعُمر وزيد. روى عن: أبيه، وإخوته: عُمر وَواقد، ومحمد بن المنكدر. روى عنه: وكيع، وإسحاق الأزرق، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
وأخوه هنا هو: عُمر بن محمد بن زيد القرشي، نزل عسقلان الشام. روى عن: أبيه، وجده، وعم أبيه سالم، وزيد بن أسلم، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، وشعبة، وابن وهب، وابن عيينة، وابن علية، وأخوه عاصم. قال أحمد وابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي بعسقلان مُرابطا. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وسالم هو: ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ذكرناه، وابن أبي نجيح اسمُه: عَبْد الله.
وإسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب الأسدي، أسد خزيمة المديني. سمع: عطاء بن يَسَار. روى عنه: ابن أبي نجيح، وسعيد بن خالد (4) القارطي. وقال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (5) .
والحديث رواه البيهقي في " سننه " وقال: عاصم بن محمد رواه عن أخيه عمر بن محمد، عن سالم، عن ابن عمر كرواية الذين رووا عن
__________
(1) قول أبي داود هذا قد ذكر في سنن أبي داود عقب حديث رقم (1188)
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 3027) .
(3) المصدر السابق (1 2/ 4303) .
(4) في الأصل: " سعيد بن حاتم " خطأ.
(5) المصدر السابق (3/ 460) .

(5/75)


نافع، عن ابن عمر، أن الجمع بينهما كان بعد غيوب الشفق، ولذا ذكره في " الخلافيات "
قلت: إسناده فن " سنن الدارقطني" بخلاف هذا، فإذا أخرجه من جهة عاصم بن محمد، عن أخيه عمر، عن نافع، عن سالم، عن ابن عمر. وجاء هذا الحديث عن سالم، عن (1) ابن عمر من وجه آخر بخلاف هذا. قال النسائي (2) : أنا عَبْدة بن عبد الرحيم، أنا ابن شميل، ثنا كثير بن قَارَوَندَا قال: سألنا سالم بن عبد الله عن الصلاة في السفر، فقلنا: أكَانَ عبدُ الله يجمعُ بين شيء من الصلوات في السفر؟ فقال: لا، إلا بجَمع، ثم انتبه (3) فقال: كانت تحته صفية فأرسلت إليه أني في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فركب وأنا معه، فأسْرع السَيْر حتى حَانت الظهر، فقال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فسار حتى إذا كان بين الصلاتين نزل، فقال للمؤذن: أقم، فإذا سَلمتُ من الظهر فأقم مكانك، فأقام فصلى الظهر ركعتين، ثم سلم، ثم أقامَ مكانه فصلى العصرَ ركعتين، ثم ركب فأسْرعَ السيْرَ حتى غابت الشمسُ، فقال له المؤذنُ: الصلاةَ يا أبا عبد الرحمن، فقال: كفعلتك الأولى، فسارَ حتى إذا اشتبكت النجومُ نزل، فقال: أقْم فإذا سَلمْتُ فأقمْ، فأقام فَصلى المغربَ ثلاثا، ثم أقام مكانه وصلى العِشاء الآخرة" (4) . وهذا سند جيد رجاله ثقات.
1181- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد
__________
(1) وضعت علامة الإلحاق في الأصل، إشارة إلى إلحاق كلمة " عن "، ولم تكتب في الحاشية.
(2) كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء (1/ 288) ، وانظر: (1/ 282) .
(3) في سنن النسائي: " أتيته " كذا.
(4) في سنن النسائي زيادة: " ثم سلم واحدة تلقاء وجهه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا حضر أحدَكم أمرا يخشى فوته، فليصل هذه الصلاة ".

(5/76)


ابن جبير، عن عبد الله بن عباس قال: صَلَّى رسولُ الله الظهرَ والعَصرَ جميعا، والمغربَ والعِشاءَ جميعا في غَيرِ خَوف ولا سَفَرِ " (1) .
قال مالك: أرَى ذلك كان في مطَرِ.
ش- " جميعا " نصب على الحال بمعنى مجتمعتين.
قوله: " أرى ذلك " على صيغة المجهول، أي: أظن فعل رسول الله ذلك في وقت مطرٍ.
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وليس فيه كلام مالك، وقد تكلمت العلماء فيه، فأؤَله بعضهم على أنه جمع بعذر المَطر.
وقال الخطابي (2) : " وقد اختلف الناس في جواز الجمع بين الصلاتين للممطور في الحضر، فأجازه جماعة من السلف، رُوي ذلك عن ابن عمر، وفعله عروة بن الزبير، وابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو سلمة، وعاقة فقهاء المدينة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، غير أن الشافعي اشترط في ذلك أن يكون المطر قائما في وقت افتتاح الصلاتين معاً، وكذلك قال أبو ثور، ولم يشترط ذلك غيرُهما، وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين، وفي حال الظلمة، وهو قول عمر بن عبد العزيز. وقال الأوزاعي وأصحاب/ الرأي: يصلي الممطور كل صلاة في وقتها. [2/ 112 - ب]
قلت: هذا التأويل ترده الرواية الأخرى " من غير خوف ولا مطرٍ ". وأؤله البعْض على أنه كان في غيم، فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن أول وقت العصر دخل فصلاها، وهذا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصْر، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء.
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (54/ 705) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: الجمع بين الصلاتين
في الحضر (1/ 290) .
(2) معالم الحق (1/ 229) .

(5/77)


وأؤله البعضُ على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها، فصارت صُورة جمع.
قلت: هذا هو الصواب، ولا وجه له غير ذلك، ولا يلتفت إلى قول من قال: إن هذا ضعيف، أو باطل , لأنه مخالف للظاهر , لأنه لا مخالفة فيه لا ظاهرا ولا باطنا، يظهر ذلك بالتأمل. وأوله البعض على أنه كان بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار.
وقال الشيخ (1) محيى الدين (2) : " وهو قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار لتأويله لظاهر الحديث، ولأن المشقة أشد فيه من المطر ". قلت: هذا أيضا ضعيفٌ , لأنه مخالف للظاهر، وتقييده بعذر المرض ترجيح بلا مرجح، وتخصيص بلا مخصصٍ، وهو باطل.
ص- قال أبو داودَ: رواه حمادُ بنُ سَلَمةَ (3) ، عن أبى الزبير. ورواه قرةُ ابنُ خالد، عن أبي الزبير قال: في سَفْرَة سَافَرَهَا (4) إلى تَبوك.
ش- أي: روى الحديث المذكورً حمادُ بن سلمة، ً عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس.
قوله: " ورواه قرةُ بن خالد " حديث قرة هذا رواه مُسلم " في " صحيحه " عن ابن عباس، " أن رسول الله جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعَصْر، والمغرب والعشاء" (6) . 1182- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن حبيب، عن سعيد، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: جَمعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ والعصَرَ والمغربَ والعشاءَ بالمدينة منْ غَير خَوْت ولا مَطَرٍ، فقيلً لابنِ عَباسٍ: ما أرَادَ إلى ذلك؟ قَال: أرادَ أنه لَا يُحْرِجً أمته لم 6) .
__________
(1) في الأصل: " الشيخ ".
(2) شرح صحيح مسلم (5/ 218) .
(3) في سنن أبي داود: " ورواه حماد بن سلمه نحوه ".
(4) في سنن أبي داود: " سافرناها ".
(5) كتاب " صلاة المسافرين " باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (705/ 51) .
(6) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الجمع بين الصلاتين فيه =

(5/78)


ش- حبيب بن أبي ثابت الكوفي، وسعيد بن جبير.
والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
قال الخطابي (1) : " هذا حديث لا يقول به كثر الفقهاء، وإسناده جيد، ألا ما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يَقولُ به، ويَحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعتُ أبا بكر القتال ويحكيه عن أبي إسحاق المركزي. قلا ابن المنذر: ولا معنى بحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار , لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه، وهو قوله: " أراد أن لا يحرج أمته " وحكي عن ابن سيرن أنه كان لا يرى بأسا أن. يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة، أو شتاء (2) ما لم يكن يتخذه عادة. وتأوله بعضهم على أن يكون ذلك في حال المرض؟ وذلك لما فيه من إرفاق المريض، ودفع المشقة عنه، فحمْلُه على ذلك أولى من صرفه إلى مَن لا عذر له ولا مشقة عليه من الصحيح البدن، المنقطع العذر.
وقد اختلف الناس في ذلك، فرخص عطاء بن أبي رباح للمريض في الجمع بين الصلاتين، وهو قول مالك وأحمد بن حنبل. وقال أصحاب الرأي: يجمع المريض بين الصلاتين، إلا أنهم أباحوا ذلك على شرطهم في جمع المسافر بينهما، ومنع الشافعي من ذلك في الحضر ألا للممطور. قلت: كل تأويل أهلوه في هذا الحديث يَرفه قولُ ابن عباس: " أرادَ
أن لا يُحْرجَ أفتحه " ما خلا التأويل الذي أوله الطحاوي، على تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الأخرى لأول وقتها، على ما تأويله أبو الشعثاء جابر بن زيد، وعمرو بن دينار في "وصحيح مسلم ". وقال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمم (3) على
__________
= الحضر (49/ 705) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر (187) ، وهو صحيح، النسائي: كتاب المواقيت،
باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (1/ 290) .
(1) معالم السنن (229/1- 230) . (2) في معالم السنن:" أو شيء " (3) كذا.

(5/79)


ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمْع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة.
قلت: هذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله، فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسْخه. وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، فإن جماعة ذهبوا إلى العمل بظاهره، وآخرين أولوه كما ذكرناه، والصواب ما قاله الطحاوي.
[2/ 113 - أ] / 1183- ص- نا محمد بن عُبيد المحاربي، نا محمدُ بن فُضَيْل، عن أبي عن نافع وعَبْد الله بن واقد، أن مُؤِذنَ ابنِ عُمرَ قال: الصلاةَ قال: سرْ (1) ! حتى إذا كانَ قبلَ غُيُوب الشفَق نزَلَ فَصَلَّى المغْربَ، ثم انتظَرَ حتى كًابَ الشفقُ فصلى (2) العشاءَ، َ ثم قالَ: إِن رسولَ الله كان إذا عَجلَ به أمر صَنعً مثلَ الذي صَنَعْتُ، فسًارَ في ذلك اليوم والليلةِ مَسِيرَةَ ثَلاث (3) . ش- أبوه فُضيل بن غزوان بن جرير الكوفي الضبي، مولاهم أبو الفَضْل. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، ونافع مولى ابن عُمر، وأبي إسحاق السبيعي، وغيرهم. روى عنه: ابنه محمد، والثوري، وابن المبارك، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل وابن معين: ثقة. روى له الجماعة (4) .
وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. روى عن: النبي- عليه السلام- مُرسلا. وسمع: جده عبد الله ابن عمر، وعَمه عبد الله بن عبد الله بن عمر. روى عنه: الزهري، وسَعْد بن إبراهيم، وفضيل بن غزوان، وغيرهم. أخرجَ له مسلم حديثا واحدا مرسلاً في الأضحية، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
__________
(1) في سجن أبي داود: " سر سرْ! ".
(2) في سجن أبي داود: " وصَلىَ ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4766) .
(5) المصدر السابق (6 1/ 3636) .

(5/80)


قوله:" قبل غيوب الشفق "، وفي بعض النسخ: " قبل غروب الشفق " وهذا الحديث فيه تصريح على أن الجمع بين الصلاتين هو الجمعُ فعلا لا وقتا، ومُؤكد لتأويل الطحاويّ وغيره من أصحابنا.
ص- قال أبو داودَ: رواه ابنُ جابرٍ، عن نافعٍ نحو هذا بإسناده.
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الله بن جابر أبو حمزة البصري، عن نافع مولى ابن عمر نحو هذا الحديث بإسناده.
1184- ص- نا إبراهيم بن موسى، أنا عيسى، عن ابن جابر بهذا المعنى (1) .
ش- عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
قوله: " بهذا المعنى " إشارة إلى معنى الحديث المذكور.
ص- ورواه عبدُ الله بنُ العَلاء بنِ زَبْر، عن نافعِ قال: حتى إذا كان عندَ ذهابه الشفقِ نَزَلَ فجَمَعَ بينهما. َ
ش- أي: روى هذا الحديث عَبدُ الله بن العلاء بن زَبْر، عن نافع الحديث. والرواية الصحيحة ما رواه فُضيلِ بن غزوان وابن جابر، عن نافع، ولئن سلمنا فالمعنى عند قرب ذَهاب الشفق أو بعد ذهاب الشفق الأحمر،! ما قررناه مرةً مستوفى.
1185- ص- لا سليمان بن حرب ومسدَّد قالا: نا حمادٌ ح، ولا عمرو ابن عون، أنا حماد بن زبد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زبد، عن ابن عباس قال: صلى بنا رسولُ الله بالمدينة ثَمَانيا وسَبْعا: الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعشاءَ (2) .
ش- الظاهر والعصر بيان لقوله: " ثمانيا "، والمغرب والعشاء بيان
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء (1107) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (49/ 705) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المقيم (1/ 286) .
6 " شرح سنن أبي داوود 5

(5/81)


0
لقوله: " وسبعا " , لأنهما سبع ركعات، وهذا أيضا محمول على الجمع فعلاً لا وقتا، يؤيده ما جاء في رواية مسلم: " قلتُ يا أبا الشعثاء، أظنه أخر الظهرَ وعجل العَصْرَ، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال (1) : وأنا أظن ذلك!. وفي البخاري بمعناه. وأدرج هذا الكلام في الحديث في كتاب النسائي. قلت: فاعل قوله: " قلت، هو عمرو بن دينار. وأبو الشعثاء كنية جابر بن زيد، فافهم.
الحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
ص- ولم يقل سليمان ومُسدد: " بنا ".
[ش]- أي: لم يَقلْ سليمانُ بن حرب ومسدد بن مُسرهد- كلاهما من شيوخ أبي داود- في روايتهما: " صلى بنا" بل قالا: " صلى رسولُ الله " بلا لفظ " بنا "
ص- قال أبو داود: ورواه صالح مولى التَوأمَة، عن ابن عباس قال: "في غَيرِ مطرٍ "
ش- أي: روى هذا الحديث صالح عن ابن عباس، وقال في روايته: في آخر الحديث: " في غير مطرٍ "
وصالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف الجُمحي وهو صالح ابن أبي صالح المدني، وقال أبو زرعة: هو صالح بن صالح بن نبهان، وكنية نبهان أبو صالح مولى التوأمة، ويكنى هو بأبي محمد مولى ابنة أمية ابن خلف، والتوأمة كانت معها أخت لها فسميت هذه التوأمة، وسُميت الأخرى باسم آخر. سمع: أبا هريرة، وزيد بن خالد، وابن عباس. روى عنه: ابن أبي ذئب، والثوري، وعمارة بن غزية، وابن جريج، وغيرهم. قال ابن معين: صالح مولى التوأمة ثقة حجة. قيل: إن مالك بن أنس ترك السماع منه؟ قال: إنما أدركه مالك بعد ما كبر وخرف، والثوري إنما أدركه بعد ما خرف، فسمع منه أحاديث منكرات،
__________
(1) في الأصل: " قاله "، وما أثبتناه من صحيح مسلم.

(5/82)


ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف، ومن سمع منه قبل أن
يختلط فهو ثبت. وقال أبو زرعة: مدني ضعيف./ وقال أبو حاتم: [2/ 113 - ب] ليس بقوي. روى له: ابو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
1186- ص- نا أحمد بن صالح، نا يحيى بن محمد الجَازِي (2) ، نا
عبد العزيز بن محمد، عن مالك، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم غابَتْ له الشمسُ بمكةَ، فجَمَعَ بينهما بسَرِفَ (3) .
ش- يحيى بن محمد بن عبد الله بن مهران الجازي بالجيم والزاي (2)
- وهو مرفأ السفن- الحجازي. روى عن: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد العزيز الليثي، وعبد الله بن خالد. روى عنه: احمد
ابن صالح المصري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وهارون الحمَّال. قال البخاري: يتكلم فيه. وقال أحمد بن عبد الله: هو ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي.
وأبو الزبير المكي، وجابر بن عبد الله.
قوله: " فجمع بينهما " أي: بين المغرب والعشاء.
قوله: " بسَرفَ" بفتح السن، وكسر الراء المهملتين، وبعدها فاء،
وهي لا تنصرف للعلمية والتأنيث. والحديث أخرجه النسائي.
1187- ص- لا محمد بن هشام جارُ أحمد بن حنبل، نا جعفر بن
عون، عن هشام بن سعد قال: بينهما عَشْرةُ أميال، يعني: بين مكةَ وسَرِف (5)
ش- محمد بن هشام بن عيسى القصير أبو عبد الله المَروذي، سكن
بغداد في جوار أحمد بن حنبل، وحدَّث عن هُشيم بن بَشِير،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 2842) .
(2) كذا " بالزاي "، وفي مصادر ترجمتها بالراء " وهو الجادة.
(3) النسائي: كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر (1/ 287) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6913)
(5) انظر الحديث السابق.

(5/83)


وأبي معاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. سمع منه: احمد بن حنبل، ويحيى بن معين. وروى عنه: أبو داود، والنسائي، والبخاري. قال الخطيب: وكان ثقة. مات ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين (1) . وذكر غيره أن سرف على ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: اثنا عشر.
1188- ص- نا عبد الملك بن شعيب، نا ابن وهب، عن الليث قال: ربيعة- يعني: كتب إليه- حدثني عبدُ الله بن دينار قال: غَابَت الشمسُ وأنا عندَ عبد الله بنِ عُمرَ فَسِرْنا، فلما رَأيْنَاهُ قد أمْسَى قلنا: الصلاة. فسارَ حتى غَابَ الشَفق وتَصَوبت النُّجُومُ، ثم إنه نَزَلَ فَصلى الصلاتَينِ جميعا، ثم قال: رَأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذا جَد به السَّيْرُ صلى صلاتِي هذه، يقَولُ: يَجْمَعُ بَيْنهما بَعد َلَيْلٍ (2) .ْ
ش- ربيعة: ابن أبي عبد الرحمن المدني.
قوله:" وتصوبت النجوم " أي: تنكسر، وصوب يده أي: خفضها، وصاب المطر إذا نزل.
قوله: " إذا جدَّ به السيْرُ " يقالُ: جَد به الأمرُ وأجد وجدّ فيه وأجد إذا اجتهد واهتم به، وأسرع فيه من جدَّ يجِدّ ويجُدُّ بالضم والكسرة. والجواب عنه قد ذكرناه.
ومعنى قوله: " بعد ليل " بعد دخول ليل، ومن غروب الشمس يُطلقُ دخول الليل.
ص- (3) قال أبو داود: ورواه عاصم بن محمد، عن أخيه، عن سالم. ش- أي: روى هذا الحديث عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أخيه عمر، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 6565) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) تقدم هذا النص والذي بعده عقب الحديث رقم (1180) .

(5/84)


ص- ورواه ابن أبي نجيح، عنِ إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب، أن الجَمعَ بينهما كان مِن ابنِ (1) عمر بعدَ غيُوبِ الشفقِ.
ش- قد تقدم هذا بعيْنه عن قريب فليراجع فيه.
1189- ص- نا قتيبة وابن موهب- المعنى- قالا: نا المفضل، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا ارْتَحَلِ قبلَ أن تَزِيغَ الشمسُ أخرَ الصلاةَ (2) إلى وَقْت العصر، ثم نَزَلَ فَجَمَع بينهما، فإن زَاغَت الشمسُ قبلَ أَن يرْتَحلَ صًفَى الَظهْرَ، ثم رَكِب (3) ، (4) .َ
ش- ابن مَوْهب: يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن مَوْهب الهمداني الرملي، والمفضل بن فضالة، وعُقيل- بضم العين- ابن خالد الأموي.
قوله: " أن تزيغ " أي: أن تميل.
قوله: " أَخر الصلاة " وفي نسخة: " أخر الظهرَ".
قوله: " فجمع بينهما " أي: فعلاً لا وقتا يؤيده قوله: " فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب " حيث لم يُصَلَّ العَصْر، بل أخرها إلى وقتها.
1190- ص- لا سليمان بن داود المهري، نا ابن وهب، أخبرني جابر
__________
(1) في سنن أبي داود: " من ابن عمر كان بعد.... "
(2) في سنن أبي داود: " الظهر"، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) جاء في سنن أبي داود زيادة: " قال أبو داود: كان مفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة، وهو ابن فضالة ".
(4) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس (1111، 1112) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب: جوار الجمع بين الصلاتين في السفر (46/ 704) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء (1/ 287) .

(5/85)


ابن إسماعيل، عن عُقيل بهذا الحديث بإسناده قال: ويُؤَخرُ المغْرِبَ حتى يَجْمعَ بينها وبينَ العِشَاءِ حين يغيبُ الشفقُ (1) .
ش- جابر بن إسماعيل الحَضْرمي المصري، روى عن: عُقيل بن [2/ 114 - أ] خالد/. روى عنه: عبد الله بن وهب. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وليس في حديث البخاري قوله: " ويؤخر المغرب " إلى آخره.
1191- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جبل، أن النبيَّ- عليه السلام- كان في غَزْوَة تَبُوك إذا ارْتَحَلَ قبلَ أَن تَزِيغَ الشَّمْسُ أخَّرِ الظهرَ حتى يَجْمَعَهَا إلى العصرِ، فيصليها جَميعا، وإذا ارْتَحَلَ بعدَ زيغ الشمس صلَّى الظهرَ والعَصرَ جميعا، ثم سَارً، وكان إذا ارْتَحَلَ قبلَ المغرب أَخَّرَ المغربَ حتى يُصليها مع العِشَاءِ، وإذا ارْتَحَلَ بعْدَ المغربِ عَجَّلَ الَعِشَاءَ فَصَلاهَا مع المغربِ (3) .
ش- قد تقدم ما يُشابه هذا من طريق القعنبي، عن معاذ. وأخرجه
الترمذي.
ص- قال أبو داود: لم يرو هذا الحديثَ إلا قتيبةُ وحده.
ش- أشار به إلى أن قريبة بن سعيد تفرد به، ولهذا قال الترمذي: حديث حسن غريب، تفرد به قتيبةُ، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيرُه. وذكر أن المعروفَ عند أهل العلم حديثُ معاذ من حديث أبي الزبير - يَعني: الحديث [الذي] ذكر في أول الباب- وقال أبو سعيد بن يونس
__________
(1) انظر تخريج الحديث المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 865) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين (553) .

(5/86)


الحافظ: لم يُحدًث به إلا قتيبةُ، ويقال: إنه غلِط، وأن موضعَ يزيد بن أبي حبيب أبو الزبير، وذكر الحاكم أن الحديث موضوع. وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون، وحكي عن البخاري أنه قال: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سَعْد حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبتُه مع خالد المدائني. قال البخاري: وكان خالد المدائني يُدخل الأحاديث على الشيوخ. انتهى. وخالد المدائني هذا هو أبو الهيثم خالد ابن القاسم المدائني، متروك الحديث. وقال ابن عدي الجرجاني: له عن الليث بن سَعْد غير حديث منكر، والليث بريء من رواية خالد عنه تلك الأحاديث.
***
262- بَابُ: قصر القراءة في السفرِ فِي الصلاةِ (1)
أي: هذا باب في بيان قصر القراءة في الصلاة في السفر، وفي بعض النسخ: " باب في قدر القراءة في الصلاة في السفر ".
1192- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: خَرجْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَر، فَصَفي بنا العِشَاءَ الآخرَةَ، فَقَرأ في إِحْدَى الركعتين ب {التيَنِ وَالزيتون} (2) .
ش- أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه، وفي " علل ابن أبي حاتم " عن ابن عمر بسند ضعيف: فصلى النبي - عليه السلام- صلاة الغداة بالناسِ في السفر، فَقرأ: {قُلْ يا أيهَا
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب قصر قراءة الصلاة في السفر".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الجهر في العشاء (767) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في العشاء (175/ 464) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة العشاء (310) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة فيها بالتين والزيتون، كتاب الافتتاح، باب: القراءة في الركعة الأولى من صلاة العشاء الآخرة (1000) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة العشاء (834) .

(5/87)


كَافِرُون} ، و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ، ثم قال: قرأت لكم ثلث القرآن وربعه ".
وروى ابو داود في " فضائل القرآن " في حديث عقبة بن عامر: " صلى بهما صلاة الصبح " أي: بالمعوذتين لما سيجيء إن شاء الله تعالى، وكان ذلك في السفر.
وروى ابن حبان في " صحيحه " عن عقبة بن عامر، أن النبي- عليه السلام- " أمَهم بالمُعوذتين في صلاة الصبح "، وكذلك رواه الحاكم في "مستدركه " وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه أحمدُ في " مسنده "، والطبراني في " معجمه "، وابن أبي شيبة في " مُصنفه ". ولفظه عن عقبة بن عامر الحمصي قال: " كنت مع النبي - عليه السلام- في سفر، فلما طلع الفجر أذن وأقام، ثم أقامني عن يمينه، ثم قرأ بالمعوذتين فلما انصرف قال: كيف رأيت؟ قال: قلت: قد رأيت نا رسول الله، قال: فاقرأ بهما كلما (1) نمت، وكلما قمت " وأخرج أيضا عن المَعرُور بن سُويد قال: خرجنا مع عمر حجاجا وصلى بنا الفجر، فقرأ بـ {ألم تر} ، و {لإيلاف} . وعن إبراهيم قال: كان أصحاب رسول الله يقرءون في السفر بالسُور القصار.
***
263- بَابُ: التَّطَوُّع فِي السَّفَر
أي: هذا باب في بنان التطوع في السَفر.
1193- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا الليثُ، عن صَفْوان بن سُلَيم، عن أبي بُسْرةَ الغفاري، عن البراء بن عازب الأنصاري قال: صَحبْتُ رسولَ الله [2/ 114 - ب] صلى الله عليه وسلم ثَمانيةَ عَشَرَ سَفَراً/، فما رَأيْتُه تَرَكَ رَكْعتينِ إِذا زَاغَتَ الشمس قَبْلً الظهرِ (2) .
__________
(1) في الأصل: " كما "، وانظر المسند (4/ 144) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التطوع في السفر (550) .

(5/88)


ش- أبو بُسْرَة- بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة، وفتح الراء، وتاء تأنيث- روى عن: البراء بن عازب. روى عنه: صفوان ابن سُليم. روى له: أبو داود، والترمذي وقال: سألت محمدا عنه فلم يَعْرفه، ولم يعرف اسمَه. وذكره ابن حبان في " الثقات " (1) .
قوله: " إذا زاغت الشمسُ " أي: إذا مالت الشمس قبل الظهر، يعني: قبل فرض صلاة الظهر.
واختلف العلماء في التنفل في السفر، فمذهب ابن عمر منعه بالنهار جملة، وجوازه بالليل على الراحلة والأرض. وعامّة السلف وأئمة الفتوى على جوازه بالليل والنهار، على الراحلة والأرض. وقال الترمذي: ورُوي عن ابن عمر، أن النبي- عليه السلام- كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعْدها. ورُوي عنه، عن النبي- عليه السلام- أنه كان يتطوع في السفر. ثم اختلف أهل العلم بعد النبي- عليه السلام-، فرأى بعض أصحاب النبي- عليه السلام- أن يتطوع الرجل في السفر، وبه يقول أحمد وإسحاق، ولم تر طائفة من أهل العلم أن يصلي قبلها ولا بعدها. ومعنى مَنْ لم يتطوع في السفر قبول الرخصة، ومن تطوع فله في ذلك فضل كبير، وهو قول كثر أهل العلم، يختارون التطوع في السفر. انتهى.
والحديث أخرجه الترمذي، وقال: غريب.
1194- ص- نا القعنبي، نا عيسى بن حرص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه قال: صَحبْتُ ابنَ عُمر في طَريق، قال: فَصلى بنا ركعتين ثم أقبلَ، فَرأى أنَاسا (2) قياما فقال: ما يصنعُ هؤلاء؟ قلت: يُسبِّحُون. قال: لو كُنتُ مُسبحا أتْمَمْتُ صَلاتي! يا ابنَ أخِي! إِنيَ صَحبتُ رسولَ اللهِ في السفَرِ فلم يَزِدْ على رَكعتينِ حتىَ قَبَضَهُ اللهُ، وصَحبتُ أبَا بكرِ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 7223) .
(2) في سنن أبي داود: " ناسا ".

(5/89)


فلم يَزدْ علَى رَكعتينِ حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحبتُ عُمَرَ فلم يَزدْ على رَكعتينِ حتى قَبَضَهُ الله، وصَحبْتُ عثمَانَ فلم يَزدْ على رَكعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وقد قالَ الله: {لَقَدْ كَانَ لَكمْ فِي رَسُولِ اللهِ أسْوَة حَسَنَة} (1) ، (2) .
ش- عيسى بن حفص عاصم بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أبو زياد القرشي العدوي المدَني، عم عبيد الله بن عمر العمري. سمع: أباه، وسعيد بن المسيح، والقاسم بن محمد، وعطاء بن أبي مروان. روى عنه: سليمان بن بلال، ويحيى القطان، ووكيع، والقعنبي. قال أحمد ويحيى: هو ثقة. مات سنة تسع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمانين سنة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبوه: حفص بن عاصم قد ذكره مرةً.
قوله: " يُسبحون " أي: يتنفلون، والمُسبح ُ: المتنفل بالصلاة، والسبحة: صلاة النفل.
قوله: " لو كنت مُسبحا أتممت صلاتي " معناه: لو اخترت التنفل لكان إتمام فريضتي أحب إلي، ولكني لا أرى واحدا منهما، بل السنة القصر، وترك التنفل، ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض: كسُنَة الظهر والعصر وغيرهما من المكتوبات، وأما النوافل المطلقة فقد كان ابن عمر يفعلها في السفر. وروى هو عن النبي- عليه السلام- أنه كان يفعلها، كما ثبت في مواضع في " ألصحيحين " عنه، وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر، واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة، فتركها
__________
(1) سورة الأحزاب: (21) .
(2) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: من لم يتطوع في السفر (1101) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها (8/ 689) ، النسائي: كتاب التقصير، باب: ترك التطوع في السفر (1457) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: التطوع في السفر (1071) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4621) .

(5/90)


ابن عمر وآخرون، واستحبها الجمهور، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، وحجة الجمهور: الأحاديث العامة المطلقة في نَدْب الرواتب، وحديث صلاته- عليه السلام- الضحى يوم الفتح بمكة، وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس، والتباس على النوافل المطلقة، ولعل النبي- عليه السلام- كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، فإن النافلة في البيت أفضل، أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها، وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أوْلى، فجوابه: أن الفريضة محتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف، فالرفق به أن تكون مشروعة ويتخير، أن شاء فعلها وحصلَ ثوابها، دان شاء تركها ولا شيء عليه.
قوله: " وصحبت عثمان فلم يزِد على ركعتين "/ وفي الحديث الآخر: [2/ 115 - أ] " ومع عثمان صدرا من خلافته،، وفي رواية: " ثمان سنين أو ست سنين" وهذا هو المشهور، أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته، وتأمل العلماء هذه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منَى، والروايات المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته، محمولة عَلى الإتمام بمِنَى، وقد فسر عمران بن حصين في روايته أن إتمام عثمان إنما كان في مِنَى.
واعلم أن القصر مشروع بعرفات، بمزدلفة، ومِنَى للحاج من غير أهل مكة، وما قرب منها، ولا يجور لأهل مكة ومَن كان دون مسافة القصر، هذا مذهب: أبي حنيفة، والشافعي، والأكثرين، وقال مالك: يقصر أهل مكة، ومنَى، بمزدلفة، وعرفات، فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسكَ، وعند الجمهور علته السفر. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه مختصراً ومطولا
***

(5/91)


264- باب: التطوع على الراحلة والوتر
أي: هذا باب في بنان التطوع على الراحلة.
قوله: " والوتر" عطف على التطوع، أي: الوتر على الراحلة، والراحلة: المركب من الدواب.
1195- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهِاب، عن سالم، عن أبيه، قال: " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسبحُ على الراحِلَة أي وَجْهٍ تَوَجهَ، ويوتِرُ عَلَيها، غيرَ أنه لا يُصَلي عليها المَكْتُوبَةَ " (1) .
ش- عبد الله بن وهب، ويونس بن يزيد، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم-.
قوله:" يسبح " أي: يتنفل، والسبحة: النافلة من الصلوات، أما التطوع على الراحلة فليس فيه خلاف، وأما الوتر فقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز الوتر على الراحلة. وقال النوعي: كانوا يصلون الفريضة والوتر بالأرض. وقال الثوري: صل الفرض والوتر بالأرض، وإن أوترت على راحلتك فلا بأس، وممن رخص في الوتر على الراحلة: عطاء، ومالك، والشافعي، وأحمد، وروي ذلك عن: علي، وابن عباس، وابن عمر، وكان مالك يقول: لا يصلى على الراحلة إلا في سفر يقصر فيه الصلاة. وقال الأوزاعي، والشافعي: قصير السمو وطويله في ذلك سواء يصلي على راحلته. وقال الأوزاعي: يصلي الماشي على رحله كذلك، يومئ إيماء، قال: وسواء كان مسافرا أو غير مسافر يصلي على دابته، وعلى رحله إذا خرج عن بلده لبعض حاجته. وقال صاحب " المحيط ": الصلاة على الراحلة أنواع ثلاثة: فريضة، وواجب،
__________
(1) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به (1094، 1095) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت (700/ 39) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: الوتر على الراحلة (1684) .

(5/92)


وتطوع، أما الفرض لا يجوز على الدابة إلا من ضرورة، وهو تعذر
النزول لخوف زيادة مرض، أو خوف العدو، والسبع، فيجوز أن يصلى
على الراحلة خارج المصر لإيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع،
وكذلك الصلاة الواجبة، كصلاة الجنازة، والتطوع الذي وجب قضاؤه
بالإفساد، وكالوتر عند أبي حنيفة، وكذلك الصلاة المنذورة، وسجدة
التلاوة متى وجبت على الأرض، لا تجوز على الدابة , لأنها وجبت
كاملة، فلا يتأدى بما هو ناقص، وأما التطوع فيجوز على الدابة خارج
المصر مسافراً كان أو مقيما، يومئ حيثما توجهت الدابة، ولا يمنعه نجاسة
السرج والركابين، ونجاسة الدابة مطلقا، وأما المصر فلا يجوز فيه عند
أبي حنيفة، وعند محمد يجوز ويكره، وعند أبي يوسف يجوز ولا يكره،
وبه قال أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي، وهو محكي عن
أنس بن مالك.
قوله: " ويوتر عليها " أي: على الراحلة. قال الشيخ محي الدين (1) :
" فيه دليل لمذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور أنه يجوز الوتر
على الراحلة في السفر حيث توجه، وأنه سُنة ليس بواجب "، والجواب
لأبي حنيفة: إن الوتر لما ثبت وجوبه عنده بأحاديث سنذكرها في بابه
التحق بالفرض، فلا يجوز على الدابة كالفرض، وقوله: " إنه سُنَة
ليس بواجب " غير مسلم , لأن الوتر كان فرضا عليه- عليه السلام-
ومع هذا صلاه على الراحلة، فلا يلزم من وتره عليها أن يكون سنة
لأنه يجوز أن يصح فعله هذا له دون غيره، وليس كذلك النفل , لأنه
مبني على السهولة، والتوسع، ولهذا يجوز قاعدا مع القدرة على القيام.
والحدِيث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1196- ص- نا مسدد، نا ربعيُّ بن عبد الله بن البارود، حدثني عمرو
ابن أبي الحجاج، حدَّثني الجارود بن أبي سبرة،/ حدثني أسد بن مالك: [2/ 115 - ب]
__________
ــ
(1) شرح صحيح مسلم (5/ 211) .

(5/93)


" أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سَافَرَ فَأرَادَ أن يَتَطَوعَ اسْتَقْبَلَ بناقَتِهِ القِبلةَ فكَبرَ، ثم صلى حيث وَجهَهُ رِكَابُه " (1) .
ش- ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهذلي البصري. سمع: عمرو بن أبي الحجاج [روى] عن: جده الجارود. روى عنه: يزيد بن هارون، ومسدد، ونصر بن قديد، والصلت بن مسعود. قال يحيى: صالح. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود (2) .
وعمرو بن أبي الحجاج، وقيل: ابن الحجاج. روى عن: الجارود ابن أبي سبرة. روى عنه: ربعي المذكور. روى له: أبو داود (3) . وجارود بن أبي سبرة، ويقال: ابن سبرة، الهذلي أبو نوفل البصري، واسم أبي سبرة: سالم بن سلمة. روى عن: طلحة بن عبيد الله، وأنس بن مالك. روى عنه: قتادة، وعمرو بن أبي الحجاج، وربعي بن عبد الله. قال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود (4) . قوله: " حيث وجهه " أي: حيث وجه النبي ركابه، وركابه مرفوع على الفاعلية، وبه استدل أبو حنيفة أنها لا تجوز في المصر , لأن الشرع ورد به خارج المصر، وأطلق أبو يوسف الجواز اعتبارا بخارج المصر.
1197- نا القعنبي، عن مالك، عِن عمرو بن يحيى المازني، عن أي الحُباب سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال:، رَأَيْتُ رسولَ اللهِ - عليه السلام-[يُصَلي] على حِمارٍ، وهو مُتَوَجّة إلى خيبَرَ" (6) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1851) .
(3) المصدر السابق (21/ 4344) .
(4) المصدر السابق (4/ 882) .
(5) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(6) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: جوار صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت (700) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: الصلاة على الحمار (2/ 60)

(5/94)


ش- سعيد بن يسار أبو الحباب المدني، أخو أبي مِزْرَد، واسم أبي مزرد: عبد الرحمن بن يسار الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي - عليه السلام- وقيل: مولى شقران، وقيل: مولى الحسن بن علي. سمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة، وابن عباس، وعائشة، وزيد بن خالد الجهني. روى عنه: سعيد المقبري، ويحيى الأنصاري، وابن عجلان، وعمرو بن يحيى المازني، وغيرهم. قال أبو زرعة: مديني ثقة. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ست عشرة ومائة، وهو ابن ثمانين. روى له الجماعة (1) .
والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وقال النسائي: عمرو بن يحيى
لا يتابع على قوله: " يصلي على حمار "، وإنما هو على راحلته، ويقال: قد غَلَطَ الدارقطني عمرو بن يحيى في ذلك، والمعروف:" على راحلته "، و" على البعير ".
وقال الشيخ محيي الدين (2) : " والصواب: أن الصلاة على الحمار من فعل أنس- كما ذكره مسلم- عن أنس بن سيرين، قال: " استقبلنا أنس ابن مالك حين قدم من الشام، فلقيناه بعين التمر، فرأيته يصلي على حمار، ووجهه من ذا الجانب- يعني عن يسار القِبلة- فقلت: رأيتك تصلي لغير القِبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله- عليه السلام- فعله لم أفعله "، ويقال في تغليط رواية عمرو بن يحيى نظر , لأنه ثقة، نقل شيئا محتملاَ، فلعله كان الحمار مرة، والبعير مرة، أو مرات، لكن يقال: إنه شاذ، فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعير، والراحلة، والشاذ مردود، وهو المخالف للجماعة ".
قلت: وقد أخرج الدارقطني " وغرائب مالك "عن مالك، عن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ 2385) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/ 211 - 212) .

(5/95)


الزهري، عن انس، قال: " رأيت النبي- عليه السلام- وهو متوجه
إلى خيبر على حمار يصلي، يومئ إيماء ".
قوله: " متوجه إلى خيبر " وفي رواية مسلم: " موجه " بدون التاء،
بمعنى متوجه أيضا، وهي بلد بني عنزة في جهة الشمال والشرق عن
المدينة، على نحو ست مراحل، وخيبر بلغة اليهود: الحصن، وقيل:
أول من سكن فيها رجل من بني إسرائيل، اسمه: خيبر، فسميت به،
ولها نخيل كثير، وكان في صدر الإسلام دارا لبني قريظة، والنضير.
1198- ص- نا عثمان بنِ أبي شيبة، نا وكيع، عن سفيان، عن
أبي الزبير، عن جابر، قال: " بعَثَني رسولُ اللهِ في حَاجَة، قال: فَجئْتُ وهو
يُصَلِّي على رَاحِلَتِهِ نَحوَ المشرِقِ، اَلسُجُودُ أخْفَضُ مِن الرُكُوع " (1) .
ش- الألف واللام في السجود، والركوع بدل من المضاف إليه،
والتقدير: سجوده أخفض من ركوعه، وأخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه أتم منه. وفي حديث الترمذي: والتقدير
: سجود أخفض من الركوع، وقال: حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان
في " صحيحه " في النوع الأول من القسم الرابع، عن أبي الزبير، عن
جابر قال: " رأيت النبي- عليه السلام- يصلي النوافل على راحلته في
[2/ 116 - أ] كل وجه، يومئ إيماء، ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين "./ وأخرج البخاري، عن جابر، قال: " كان النبي- عليه السلام- يصلي على
راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل، فاستقبل القِبْلة ".
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة (36 / 540) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة على الدابة حيثما توجهت به (351) ، النسائي: كتاب السهو، باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة (3/ 6) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: المصلي يسلمُ عليه كيف يرد؟ (1018) .

(5/96)


265- باب: الفريضة على الراحلة من غير عُذر
أي: هذا باب في بيان صلاة الفريضة على الراحلة من غير عذر.
1199- ص- نا محمود بن خالد، نا محمد بن شعيب، عن النعمان ابن المنذر، عن عطاء بن أبي رباح، أنه سأل عائشةَ: " هَلْ رُخِص للنساء أن يُصلينَ عَلَى الدَوَاب"؟ قالتْ: لَم يُرَخصْ لَهُنَّ في ذَلكَ فِي شدَّة، وَلا رَخَاءٍ لما (1) .ًً ش- محمود بن خالد أبو يزيد الدمشقي، ومحمد بن شعيب بن شابور الدمشقي.
والنعمان بن المنذر: أبو الوزير الغساني، وقال أبو بكر الخطيب: اللخمي. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وطاوس، ومجاهد، وسالم ابن عبد الله بن عمر، والزهري، ومكحول. روى عنه: الهيثم بن حميد، ويحيى بن حرملة، ويحيى بن حمزة، ومحمد بن شعيب. قال ابو زرعة: دمشقي ثقة. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " في ذلك " أي: في فعل الصلاة على الدواب. وقال الدارقطني: تفرد به النعمان بن المنذر، عن سليمان بن موسى، عن عطاء.
ص- قال محمد: هذا في المكتوبةِ.
ش- أي: قال محمد بن شعيب المذكور: قول عائشة هذا في الفرائض، وأما النوافل فتجوز لهن يضأ أن يصلين على الدابة، في شدة ورخاء.
***
266- باب: متى يتم المسافر؟
أي: هذا باب في بنان وقت إتمام المسافر صلاته.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6449) .
7، شرح سنن أبي داود 5

(5/97)


1200- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد ح، ونا إبراهيم بن موسى، أنا ابن علية- وهذا لفظه- أنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن عمران بن حصين قال: " غَزوتُ معَ رسولِ الله، وشَهِدتُ معه الفَتْحَ، لْأقامَ بمكةَ ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً، لا يُصَلِّي إلا رَكْعتينِ، يقولُ: نا أهْلَ البَلَدِ، صَلُّوا أربعا، فإِنّا سَفْر (1) " (2) .
ش- حماد بن سلمة، وإبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء، وإسماعيل ابن علية، وعلي بن زيد البصري أبو الحسن الأعمى، وأبو نضرة المنذر بن مالك العبدي.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المسافر لا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلد، أو قرية خمسة عشر يوما، أو أكثر، صان نوى أقل من ذلك قصر.
فإن قيل: استدلالكم بهذا لا يتم. قلنا: استدلالنا بهذا " (3) أن المسافر إذا دخل بلداَّ، أو قرية لا يزال على حكم السفر ما لم ينو الإقامة، وأما تعيين المدة بخمسة عشر يومأ، فلما روى الطحاوي، عن ابن عباس، وابن عمر، قالا: " إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر ليلة، فأكمل الصلاة بها، صان كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها ".
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه ": ثنا وكيع، ثنا عمر بن فر، عن مجاهد نا أن ابن عمر كان إذا اجمع على إقامة خمسة عشر يوماً أتم الصلاة". وأخرجه محمد بن الحسن في كتابه " الاَثار " (4) : أخبرنا أبو حنيفة، هنا موسى بن مسلم، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فإنا قوم سفره "
(2) الترمذي بنحوه: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التقصير في السفر (545) .
(3) انظر: نصب الراية (2/ 83 1- 84 1) .
(4) باب: الصلاة في السفر (ص/ 34) .

(5/98)


قال:" إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمس عشرة يوما فأتم
الصلاة، وإن كنت لا تدري فاقصر "، وقدرها الشافعي بأربعة أيام، فإن
نواها صار مقيما، ويرده حديث أنس، قال:" خرجنا مع النبي- عليه
السلام- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى
المدينة، قيل: كم أقمتم بمكة؟ قال: أقمنا بها عشراً " أخرجه الأئمة
الستة (1) ، ولا يقال: يحتمل بأنهم عزموا على السفر في اليوم الثاني،
أو الثالث، واستمر بهم ذلك إلى عشر , لأن الحديث إنما هو في حجة
الوداع، فتعين أنهم نووا الإقامة كثر من أربعهّ أيام، لأجل قضاء النسك،
نعم، كان يستقيم هذا أن لو كان الحديث في قصة الفتح، والحاصل أنهما حديثان، أحدهما: حديث ابن عباس: " أن رسول الله أقام بمكة تسع
عشرة يقصر الصلاة " رواه البخاري (2) ، وكان في" الفتح " صرح بذلك
في بعض طرقه:" أقام بمكة عام الفتح " (3) ، والآخر حديث أنس المذكوَر، وكان في حجة الوداع. قال المنذري في " حواشيه ": حديث
أنس مخبر عن مدة مقامه- عليه السلام- بمكة- شرفها الله- في حجة
الوداع، فإنه دخل مكة صبح رابعة من ذي الحجة/ وهو يوم الأحد، [2/ 116 - ب] وبات بالمحصب ليلة الأربعاء، وفي تلك الليلة اعتمرت عائشة من التنعيم،
ثم طاف النبي- عليه السلام- طواف الوداع سحرا قبل صلاة الصبح من
يوم الأربعاء، وخرج صبيحته وهو الرابع عشر. فأما حديث ابن عباس
وغيره، فهو إخبار عن مدة مقامه- عليه السلام- بمكة زمن الفتح.
انتهى (4) .
وقال الخطابي في تفسير حديث عمران (5) " هذا العدد جعله
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) كتاب تقصير الصلاة، باب: ما جاء في التقصير (1080) .
(3) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 150) .
(4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(5) معالم السنن (1/ 1 23- 232) .

(5/99)


الشافعي حداً في القصر، لمن كان في حرب يخاف على نفسه العدو، وكذلك كان حال رسول الله أيام مقامه بمكة، فأما في حال الأمن فان الحد عنده في ذلك أربعة أيام، فإذا أزمع مقام أربع أتم الصلاة، وذهب في ذلك إلى مقام رسول الله بمكة في حجه، وذلك انه دخلها يوم الأحد، وخرج يوم الخميس، كل ذلك يقصر الصلاة، وكان مقامه أربعة أيام، وقد روي عن عثمان بن عفان، أنه قال: " من أزمع مقام أربع فليتم " وهو قول مالك بن أنس، وأبي ثور. وقال الأوزاعي: إذا أقام اثنتي عشرة ليلة أتمم الصلاة، وروي ذلك عن ابن عمر. وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا عزم مقام عشر أتم الصلاة، وأما أحمد بن حنبل ف! نه لا يجد ذلك بالأيام والليالي، ولكن بعدد الصلوات، قال: إذا أجمع المسافر لإحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر، فإذا عزم على أن يقيم كثر من ذلك أتم، وهذا، قريب من قولا عالك، والشافعي، إلا أنه رأى تحديده بالصلوات أحوط وأحصر، فخرج من ذلك زيادة صلاة واحدة على مدة أربعة أيام ولياليها. وقال ربيعة قولاً شاذا: إن من أقام يوما وليلة أتم الصلاة ".
قلت: قوله: " وكذلك كان حال الرسول أيام مقامه بمكة " غير صحيح , لأن الله تعالى قال: {لَتَدْخُلُنَّ المَسْجدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمنين} (1) ، وكيف يكون خائفا؟ وأما تحديده بأرَبعة أيام فيرده حديث أنسً كما ذكرناه مستوفى.
والحديث أخرجه: الترمذي، وقال: حديث حسن. ورواه الطبراني
في " معجمه "، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، وإسحاق بن راهويه، وأبو داود الطيالسي (2) ، والبزار في" مسانيدهم " (3) ، ولفظ الطيالسي قال: " ما سافرت مع رسول الله سفرا قط إلا صلى ركعتين حتى يرجع،
__________
ـ
(1) سورة الفتح: (27) .
(2) (ص/ 115) .
(3) وأخرجه كذلك أحمد (4/ 430، 431، 432، 440) ، والبيهقي في سننه (3 / 135، 153) .

(5/100)


وشهدت معه: حنين، والطائف، فكان يصلي ركعتين، ثم حججت معه واعتمرت، فصلى ركعتين، ثم قال: يا أهل مكة، أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عمر واعتمرت، فصلى ركعتين، ثم قال: أتموا الصلاة، فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عثمان، واعتمرت، فصلى ركعتين، ثم إن عثمان أتم ". انتهى.
وزاد فيه ابن أبي شيبة: " وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة، لا يصلي إلا ركعتين "، وقال فيه: " وحججت مع عثمان سبع سنين من إمارته، فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم صلاها بمِنَى أربعاً ". قوله: " فإنا سفر " بفتح السن، وسكون الفاء جمع سافر، كصحب وصاحب، ويجمع على أسفار أيضا، وأسفر، والمسافرون بمعنى واحد. 1201- ص- نا محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة- المعنى واحد- قالا: نا حفصِ، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس: " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقَامَ سَبعْ عَشْرَةَ بمكةَ يَقْصُرُ الصلاةَ " (1) .
ش- حفص بن غياث الكوفي، وعاصم بن سليمان الأحول.
والحديث رواه البيهقي (2) أيضاً وقال النووي في " الخلاصة ":
وإسناده على شرط البخاري.
ص- قال ابن عباس: " وَمَنْ أقَامَ سبعَ عَشْرَةَ قَصَرَ، وَمَن أقَامَ أكْثَرَ أتَمَّ ". ش- مدة الإقامة التي ينويها المسافر سبعة عشر يوما عند ابن عباس في رواية، وفي رواية أخرجها الطحاوي عنه: " خمسة عشر يوما " مثل مذهب أبي حنيفة وقد ذكرناها.
__________
(1) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: ما جاء في التقصير (1080) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كم تقصر الصلاة (549) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة (1075) .
(2) الست الكبرى (3/ 151) .

(5/101)


ص- قال أبوِ داود: قال عباد بن منصور: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " أقَامَ تِسعْ عَشْرَةَ ".
ش- وكذا أخرجه: البخاري، والترمذي، وابن ماجه.
1202- ص- نا النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: " أقَامَ رسولُ اللهِ بمكةَ عَامَ الفَتْح خَمْس عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصلاةَ " (1) .
[2/ 117 - ب] ش- هذه رواية ضعيفة، وبعضهم أرسلها، وأخرجها:/ النسائي، وابن ماجه، والبيهقي.
ص- قال أبو داود: روى هذا عبدةُ بنُ سليمانَ، وأحمدُ بنُ خالد الوَهْبي، وسلمةُ بنُ الفضلِ، عن ابنِ إسحاقٍ (2) هذا الحديثَ، لم يذكرواً فيه ابنَ عَبَّاسٍ
ش- أشار بهذا إلى أن الرواية المذكورة رويت أيضا مرسلة، واختلف على محمد بن إسحاق، فَرُوي عنه مسندا كما مر، ومرسلا كهذه الرواية. 1203- ص- نا نصر بن علي، أخبرني أبي، نا شريك، عن ابن الأصبهاني، عن عكرمة، عن ابن عباس: " أن النبي - عليه السلام - أقَامَ بمكَّةَ سَبع عَشْرَةَ، يُصَلي رَكْعتينِ " (3) .
ش- قد تقدمت هذه الرواية بعينها، ولكن الإسناد مختلف- كما ترى- ونصر بن عليّ أبو عمرو البصري.
وأبوه: علي بن نصر بن علي أبو الحسن الكوفي الكبير. روى عن: شعبة، وقرة بن خالد، وخالد بن قيس، وغيرهم. روى عنه: أبو نعيم، ومعلى بن أسد، وابنه نصر. قال ابن معين: ثقة. وقال
__________
(1) النسائي: كتاب تقصير الصلاة (1454) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة (1076) .
(2) في سنن أبي داود: " أبي إسحاق " خطأ.
(3) تفرد به أبو داود.

(5/102)


أبو حاتم: صدوق. وقال أحمد: صالح الحديث، أثبت من أبي معاوية. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبخاري في " المغازي " (1) .
وشريك بن عبد الله.
وابن الأصبهاني عبد الرحمن بن عبد الله (2) الأصبهاني الكوفي الجهني، كان منزله بالكوفة، ويتجر إلى أصبهان، وله بالكوفة عقب. روى عن: أنس بن مالك، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وغيرهم. روى عنه: شعبة، والثوري، وشريك، وأبو عوانة، وغيرهم. قال أبو زرعة: كوفي ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن معين: ثقة (3) .
فإن قيل: ما التوفيق بين هذه الروايات؟ قيل له: التوفيق بينها أن يكون من قال: " سبعة عشر يوما " لم يعد يوم الدخول، ويوم الخروج، ومن قال: " تسعة عشر، عدهما، ومن قال: "ثمانية عشر" عد أحدهما. 1204- ص- نا موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم- المعنى- قالا: ثنا وهيب، لا يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك قال: " خَرَجْنَا مَعِ رسول الله- عليه السلام- من المَدينة إلى مَكةَ، فكانَ يصلي ركعتين حتى رَجَعْنا إلَى المَدِينةِ، فقلنا: هَل أقَمْتُمَ بهَا شَيئا؟ قال: أقَمْنَا بها عَشْرا " (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/ 4144) .
(2) في الأصل: " عبد الرحمن بن سليمان" خطأ، ولعله انتقل بصر المصنف إلى اين أخيه محمد بن سليمان بن عبد الله ".
(3) المصدر السابق (17/ 3879) .
(4) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: ما جاء في تقصير الصلاة (1081) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها (15 / 693) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كم تقصر الصلاة (548) ، النسائي: كتاب التقصير، باب: تقصير الصلاة في السفر (1437) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة؟ (1077) .

(5/103)


ش- وهيب بن خالد.
ويحيى بن أبي إسحاق، واسم أبي إسحاق: زيد بن الحارث، وهو
عم يعقوب، وأحمد ابني إسحاق الحضرميين. سمع: أنس بن مالك، وسليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: ابن سيرين، والثوري، وحماد بن سلمة، وجماعة آخرون. قال يحيى: ثقة. مات سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحديث أنس هذا يخبر فيه عن مدة مقامه- عليه السلام- بمكة في حجة الوداع، فإنه دخل مكة صبح رابعة من ذي الحجة، وهو يوم الأحد وخرج صبح يوم الأربعاء الرابع عشر، وقد قررناه مرة عن قريب، وهو الحديث الذي يرد مذهب الشافعي في تقديره مدة الإقامة بأربعة أيام، وأخرجه الجماعة، وقال محيي الدين في شرح هذا الحديث (2) : " معناه أنه أقام في مكة وما حواليها، لا في نفس مكة فقط، فقدم مكة في اليوم الرابع، فأقام بها الخامس، والسادس، والسابع، وخرج منها في الثامن إلي مِنَى، وذهب إلى عرفات في التاسع، وعاد إلى منى في العاشر، فأقام بها الحادي عشر، والثاني عشر، ونفر في الثالث عشر إلى مكة، وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر، فمدة إقامته في مكة وحواليها عشرة أيام، وكان يقصر الصلاة فيها كلها، ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول، والخروج يقصر، وأن الثلاثة ليست إقامة.
قلت: هذا الكلام الذي قرره لا ينهض حجة لمذهبهم، بل في نفس الأمر حجة عليهم، سلمنا أنه إذا نوى الإقامة دون أربعة أيام لا تصح نيته فيقصر، ولكن لا نسلم صحتها أيضا إذا نوى أربعة، أو خمسة، أو ستة، فمن أين يفهم من الحديث انه إذا نوى أربعة أيام، أو خمسة أن نيته
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 3/ 6783) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/ 202) .

(5/104)


صحيحة، وكذلك استئناء يومي الدخول والخروج لا يفهم من الحديث،
بل هو مجرد كلام من الخارج، بل صريح الحديث يرد صحة نية الإقامة
بأربعة- كما قررناه مستوفى- فافهم، فإنه موضع مناقشة./ وقال [2/ 117 - ب] ، الحسن بن صالح: إذا نوى إقامة عشرة أيام يتم، واستدل بهذا الحديث
وهذا أنسب من غيره من وجه، تأمل تدر.
1205- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، وابن المثنى، وهذا لفظ ابن المثنى،
قالا: نا أبو أسامة، قال ابن المثنى: أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن
علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده: " أنَّ عَليا كان إذا سَافَرَ سَارَ بَعْدَ مَا
تَغْرُبُ الشمسُ حتى تكادُ أن تَظلِمَ، ثم يَنزِلُ فًيُصَلِّيَ المغرِبَ، ثم يَدْعُو
بعَشَائه، فَيَتَعَشَّى، ثم يُصَلِّي العِشاءَ، ثم يَرْتَحِلُ، ويقولُ: هكذا كان
رسولُ اللهِ يَصْنَعُ " (1) .
ش- هذا الحديث والذي بعده ليس لهما مناسبة بترجمة الباب، ولهذا
قال أبو علي: ليس هذا الحديث في كتابي، ولكن كان في الأصل موجوداً، وابن المثنى محمد، أحد شيوخ أبي داود، وأبو أسامة حماد بن
أسامة.
وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو محمد، وأمه: خديجة بنت علي بن الحسين، يلقب دافن. روى عن: أبيه، عن جده. روى عنه: ابنه عيسى بن عبد الله، وابن المبارك، وأبو أسامة، وغيرهم. قال ابن سعد: مات آخر زمن أبي جعفر روى له: أبو داود (2) .
وأبوه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يروي عن عليّ بن أبي طالب. روى عنه: يحيى بن
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب الصلاة.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3546) .

(5/105)


سعيد الأنصاري، والثوري. كنيته: أبو عبد الله، وأمه: أسماء بنت عقيل بن أبي طالب، وكثر روايته عن أبيه، وعليّ بن الحسن (1) . وجده: عمر بن علي بن أبي طالب، ذكره ابن حبان. أيضاً في
" الثقات "، وقال: يروي عن: أبيه، روى عنه: ابنه محمد بن عمر، قتل سنة سبع وستين، أمه: أم النجوم بنت جندب بن عمرو، وفي " الكمال " قال أحمد بن عبد الله: هو تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " بعَشائه " بفتح العين، وهو اسم ما يتعشى به من الطعام.
ص- وقال عثمان: عن عبد الله بن محمد بن عمر بنِ عليّ، وروى أسامة بن زيد، عن حفص بن عبيد الله: " أن أنَساً كانَ يَجْمعُ بينهما حين يَغِيبُ الشفق، وبقولُ: كان النبيُّ- عليه السلام- يَصْنَعُ ذلكَ "
ش- قد تقدم بمعناه في باب: " الجمع بين الصلاتين "، وذكره هاهنا تعليقاً.
وحفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك. سمع: جده أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبا هريرة. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأسامة بن زيد الليثي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا ندري سمع من أبي هريرة، وجابر، ولا يثبت له السماع إلا من أبيه. روى له الجماعة (3) .
ص- وروايةُ الزهري عن أنسِ، عن النبي- عليه السلام- مثله.
ش- أي: مثل ما ذكر من رواية حرص بن عبيد الله.
***
(1) المصدر السابق (26/ 5496) .
(2) المصدر السابق (1 2/ 4289) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1396) .

(5/106)


267- باب: إذا أقام بأرض العدو يقصر؟
أي: هذا باب في بيان حكم القصر لمن يقيم بأرض العدو.
1206- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى
ابن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله،
قال: "؟ لَامَ رسولُ اللهِ بتَبُوكَ عِشْرِينَ يوما يَقْصُرُ الصلاةَ " (1) .
ش- محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أبو عبد الله القرشي العامري،
مولاهم المدني. سمع: ابن عمر، وابن عباس، وأبا هريرة، وجابر
ابن عبد الله، وأبا سعيد الخدري، وغيرهم. روى عنه: الزهري،
ويحيى بن أبي كثير، ويزيد بن خصفة، وغيرهم. قال أبو زرعة: ثقة.
روى له الجماعة (2) .
ومن هذا قال أصحابنا: الغزاة المحاصرون الكفارَ لا يكْمِلون وإن أقاموا
سنة، وكذلك إن حاصروا أهل البغي في دار الإسلام، وعن أبي يوسف:
إن كانوا في مدينة في البيوت صاروا مقيمين، وفي الفسطاط لا، وقال
زفر: إن كانت الشوكة لهم صاروا مقيمين، والمواضع الصالحة للإقامة هو
موضع لُبث وقرار في العادة نحو الأمصار والقرى، وأما المفازة،
والجزيرة، واَلسفينة، والرباط فليس بموضع للإقامة حتى إن أهل الخلاء في
المفازة كالأعراب، والأكراد، والتراكمة الذين يسكنون في الأخبئة، والفساطيط لا يصيرون مقيمين وإن نووا الإقامة، وعن أبي يوسف/ في [2/ 118 - أ] رواية: يصيرون مقيمين، وعليه الفتوى، ولو ارتحلوا عن موضع
إقامتهم، وقصدوا موضعا آخر للإقامة، وبينهما مسيرة سفر يصيرون
مسافرين في الطريق، وكذا صاحب السفينة، والملاح، لا يصير مقيماً
بإقامته في السفينة، إلا أن يكون قريبا من وطنه.
ص- قال أبو داود: غيرُ معمرِ لا يُسنده (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5393) .
(3) قي سنن أبي داود: " غير معمر يرسله لا يسنده ".

(5/107)


ش- أي: غير معمر بن راشد لا يسند هذا الحديث، ورواه البيهقي في " المعرفة "، وقال: تفرد معمر بروايته مسنداً، ورواه علي بن المبارك، وغيره، عن يحيى، عن ابن ثوبان، عن النبي- عليه السلام- مرسلاً، وقال النووي في " الخلاصة ": هو حديث صحيح الإسناد، على شرط البخاري ومسلم، ولا يقدح فيه تفرد معمر، فإنه ثقة، حافظ، فزيادته مقبولة.
***
268- باب: صلاة الخوف
أي: هذا باب في بيان صلاة الخوف، وفي بعض النسخ: " أبواب صلاة الخوف، وما فيها من الاختلاف ".
ص- " مَنْ رَأى أن يُصَلي بهم وهم صَفَّانِ، فيكبِّرُ بهم جميعاً ثم يَركعُ بهم جميعا، ثم يَسجدُ الإمامُ والصفُّ الذي يليه، والآخرون قيام يَحْرُسُونَهم، فإذا قَامُوا سَجَدَ الآخرون الذين كانوا خَلفَهُم، ثم تَأخَّرَ الصفّ الذي يليه إلى مَقام الآخرينَ، وتَقدمَ الصف الأخيرُ إلى مَقَامِهِم، ثم يَركعُ الإمامُ، ويركعون جميعا، ثم يَسْجُدُ ويَسْجُدُ الصفّ الذي يَليه، والآخرون يَحْرُسُونَهم، فإذا جَلَسَ الإمَامُ والصف الذي يليه سَجًَد الَآخَرُونَ، ثم جَلَسُوا جميعا، ثم سَلَّمَ عليهَم جَمِيعاً ".
قال أبو داودَ: هذا قولُ سفيان.
ش- الواو في قوله: " وهم صفان " للحال، ووقع في بعض النسخ:
" وهم صفين "، ونسب إلى نسخة الأصل فما أظنه صحيحاً، بل تصحيفا من الكاتب، فإن التزمنا صحة ذلك، ووقوعه على هذا الوجه، وليس له وجه غير أن يكون نصبا على الحال، ويكون ذو الحال محذوفا خبراً للمبتدأ، والتقدير: " وهم يقومون صفين "، أو على المفعولية، والتقدير: توهم يجعلون صفين ".
قوله: " والآخرون قيام " أي: قائمون.

(5/108)


قوله: " يحرسونهم " حال من الآخرين.
قوله: " هذا قول سفيان" أي: سفيان الثوري.
وقال الخطابي (1) : لا صلاة الخوف أنواع، وقد صلاها رسول الله-
عليه السلام- في أيام مختلفة، وعلى أشكال متباينة، يتوخى في كلها ما
هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة، وهي على اختلاف صورها
مؤتلفة في المعاني ".
قلت: ذكر ابن القصار المالكي أن النبي- عليه السلام- صلاها في
عشرة مواطن. انتهى. وذكر مسلم أربعة أحاديث، كل حديث يدل على
صورة، وذكر ابو داود ثمان صور على ما نبينه- إن شاء الله تعالى-
وذكر غيره صوراً أخرى يبلغ مجموعها ستة عشر وجهاً، والمختار أن هذه
الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها، وفيها تفصيل، وتفريع مشهورة في
كتب الفقه، ثم إن كل إمام من أصحاب المذاهب اختار صورة من
الصور، وجعلها مذهبا لنفسه.
1207- ص- نا سعيد بن منصور، نا جرير بن عبد الحميد، عن
منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقي، قال: " كُنَّا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعُسْفَانَ، وعَلَى المُشْركينَ خالدُ بنُ الوليد، فَصَلَّيْنَا الظهرَ، فقال المُشْرَكُوَن:
لَقد أصَبْنَا غرة، لقدَ أَصَبْنَا غَفْلَةَ، دو كنَا حَمَلنَا عَلَيهم وهم في الصلاة "
فَنَزَلَتْ آيةُ الَقَصْر بين الظهرِ والعَصرِ" فلما حَضَرَتِ العصرُ قامَ رسولُ اَلله
- عليه السلام- مسْتَقبلَ القبْلَةِ، والمُشْرِكُون أمَامَه، فَصَفَّ خَلفَ رسولِ اللهَ
- عليه السلام- صَف، وصَفَّ بَعد ذلك الصفِّ صَف آخَرُ، فَرَكَعَ رسولُ
اللهِ، وَرَكَعُوا جَميعاً، ثم سَجَدَ وسَجَدَ الصف الذين يَلُونَه، وقَاِل أن الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهم، فلَما صَلَّى هَؤُلاء السجْدَتين وقَامُوا، سَجَدَ الآخرون الذين
كانوا خَلفَهم، ثم تَأخَّرَ الصفُّ الذي يَليه إلَى مَقَام الآخَرينَ، وتقدمَ الصفّ
الأخِيرُ إلى مَقَام الصف الأوَّلِ/ ثم رَكَعً رَسولُ اللهِ- عليه السلام- ورَكَعُوا [2/ 118 - ب]
__________
(1) معالم السنن (1/ 233) .

(5/109)


جميعا، ثم سَجَدَ وسَجدَ الصف الذي يَليه، وقَامَ الآَخرونَ يَحْرُسُونَهم، فلما جَلَسَ رسولُ الله والصف الذي يَليه سًجَدَ الآخرُوِنَ، ثم جَلَسُوا جميعا، فَسلمَ عليهم جميعاً، فَصَلاهَا بِعُسْفَان، وَصَلاهَا يوم بنِي سُلَيْمٍ " (1) .
ش- منصور بن المعتمر.
وأبو عياش الزرقي الأنصاري، اختلف في اسمه، فقيل: عبيد بن معاوية بن صامت بن زيد (2) بن خلدة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة ابن غضب بن مالك بن جشم بن الخزرج، وقيل: زيد بن الصامت، وقيل: عبد الرحمن، وهو فارس حُلوةَ، وهو فرس كان له، شهد مع رسول الله بعض غزواته. روى عنه: أبو صالح السمان، ومجاهد بن جبر. عاش إلى زمن معاوية، ومات بعد الأربعين. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " بعُسْفان " بضم العين، وسكون السين المهملتين، وبفاء وألف، ونون: قرية جامعة، بها منبر، على ستة وثلاثين ميلا من مكة، وذكرتُ في كتاب " البلدان " أنها على مرحلة من خُليصٍ في الجنوب، ومن عُسفان إلى بطن مَر ثلاثة وثلاثون ميلا، وسميت " عُسفان " لتعسف السيول فيها، وكانت صلاة النبي- عليه السلام- صلاة الخوف بعُسفان سنة أربع من الهجرة، وكانت هي غزوة بني لحيان، وهكذا ذكر البيهقي في " الدلائل "، وأما ابن إسحاق فإنه ذكرها أنها كانت في جمادى الأولى من سنة ست من الهجرة بعد الخندق، وبني قريظة، وهو الأشبه مما ذكره البيهقي. وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن وهب ابن كيسان، عن جابر بن عبد الله قال: " أول ما صلى رسول الله- عليه السلام- صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، ثم صلاها بعدُ بعُسفان، بينهما أربع سنين "، وقال: وهذا عندنا أثبت من غيره.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في أسد الغابة: " يزيد ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 130) ، وأسد الغابة (6/ 235) ، والإصابة (4/ 142) .

(5/110)


قلت: أما غزوة ذات الرقاع فقد ذكرها ابن إسحاق أنها كانت بعد غزوة بني النضير بشهرين، وغزوة بني النضير كانت في سنة أربع، ولكن البخاري قد ذهب إلى أن ذلك كان بعد خيبر، واستدل على ذلك بأن أبا موسى الأشعري شهدها، وقدومه إنما كان ليالي خيبر، صحبه جعفر وأصحابه، وكذلك أبو هريرة قد قال: " صليت مع رسول الله في غزوة نجد صلاة الخوف ".
قوله: " لقد أصبنا غرة، بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء، وهي الغفلة، والمعنى: أنهم كانوا غافلين عن حفظ مقامهم، وما هم فيه من مقابلة العدو.
قوله: " فنزلت آية القصر " وهي قوله تعالى: {وإِذَا ضَرَبْتُم فِيِ الأرْضِ فَلَيْسَ عَليكُمْ جُنَاح أن تَقْصُرُوا مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُوا} الآية (1) ، " وقال على- رضي الله عنه-: " نزل قوله: {أنْ خِفْتُم} بعد قوله:- {أن تَقْصرُوا منَ الصلاة} بسنة في غزوة بني أسد، حين صلى رسول الله الظهر، قالَ بعضهمَ: هلا شددتم عليهم، وقد أمكنوكم من ظهورهم! فقالوا: بعدها صلاة أحب إليهم من آبائهم وأولادهم، فنزل: {أنْ خِفْتُم} إلى قوله: {عَنَابا مهِينا} لشرع صلاة الخوف.
قوله: " وصلاها يوم بني سليم " وفي رواية أحمد (2) ، قال: " فصلاها رسول الله مرتين، مرة بعُسفان، ومرة بأرض بني سليم "، وهذا الحديث أخرجه: الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح، إلا أن بعض أهل العلم بالحديث يشك في سماع مجاهد من أبي عياش، ثم ذكر الحديث بإسناد جيد، عن مجاهد، قال: حدَّثنا أبو عياش، وبين فيه سماع مجاهد من أبي عياش، وبهذه الصورة أخذ سفيان الثوري، كما قال أبو داود: هذا قول سفيان.
__________
(1) سورة النساء: (101) .
(2) المسند (4/ 59) .

(5/111)


ص- قال أبو داود: روى أيوبُ، وهشامٌ، عن أبي الزبير، عن جابرِ، هذا المعنى، عن النبيِّ- عليه السلام-.
ش- أي: روى أيوب السختياني، وهشام بن عروة، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر بن عبد الله، هذا المعنى، عن النبي - عليه السلام-.
ص- وكذلك رواه داودُ بنُ حُصَينِ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث داود بن حصين أبو سليمان المدني، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي الله عنه- وهذا موقوف.
[2/ 119 - أ] / ص- وكذلك عبدُ الملكِ، عن عطاءَ، عن جابرٍ.
ش- أي: كذلك رواه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن عطاء ابن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، وهذا موقوف أيضاً.
ص- وكذلك قتادةُ، عن الحسنِ، عن حِطانَ، عن أبي موسى فعلَه.
ش- أي: كذلك روى قتادة بن دعامة، عن الحسن البصري، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى الأشعري فعله، يعني أنه فعله بأن صلى بمثل الصورة المذكورة.
ص- وكذلك عكرمةُ بنُ خالدٍ، عن مُجَاهدٍ، عن النبيِّ- عليه السلام-. ش- أي: كذلك روى عكرمة بن خالد، عن مجاهد بن جبر، عن النبي- عليه السلام- وهذا مرسل.
ص- وكذلك هشامُ بنُ عُروةَ، عن أبيه، عن النبيِّ- عليه السلام-.
ش- أي: وكذلك رواه هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، عن النبي- عليه السلام- وهذا أيضاً مرسل، والحاصل: أن هذا الحديث روي بطرق مختلفة ما بين: مرفوع، وموقوف، ومرسل. ص- وهو قولُ الثوريِّ.
ش- أي: المذكور من الصورة التي بينها حديث أبي العياش الزرقي هو

(5/112)


اختيار سفيان الثوري، ومذهبه. وقال أبو داود: هو أحوط الصور. قلت: إنما كانت هذه الصورة أحوط الصور , لأنها رويت بطرق كثيرة - كما ذكرناه- والفقهاء لما رجح بعضهم بعض الروايات على بعض احتاجوا إلى ذكر سبب الترجيح، فتارة يرجحون بموافقة ظاهر القرآن، وتارة بكثرة الرواية، وتارة بكون بعضها موصولا، وبعضها موقوفا، وتارة بالموافقة للأصول في غير هذه الصلاة، وتارة بالمعاني، كما أن أبا حنيفة اختار حديث ابن عمر، وروايته , لأنها توافق الأصول في أن قضاء الطائفة بعد سلام الإمام- لما سنبينه إن شاء الله تعالى-
***