شرح أبي داود للعيني

275- باب: قول من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين
أي: هذا باب في بيان قول من قال: يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين، ويكون للإمام ح (2) أربعا.
1219- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: نا صلى رَسولُ الله في خَوف الطهْر، فَصُف بعضُهم خَلفَهُ، وبَعْضُهُم بإزَاء العَدو، فَصلى (3) رَكعتينِ، ثم سلم، فانطلَقَ الذين صفُوا معه، فَوَقَفُواَ مَوْقَفَ أصْحَابِهِم، ثم جَاءَ أولئكَ، فَصَلُّوا خَلفَهُ، فَصَلَّى بهم رَكعتين، ثم سَلًّمَ، فكانتْ لِرَسُولِ اللهِ أربعاً ولأصْحَابِهِ ركعتين ركعتين " (4) .
__________
= (455) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: تقصير الصلاة في السفر (1068) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 760) .
(2) أي: " حينئذ ". (3) في سنن أبي داود: " " فصلى بهم ركعتين ".
(4) النسائي: كتاب صلاة الخوف (3/ 178) .

(5/132)


ش- الأشعث بن عبد الملك الحُمْراني الأعمى، والحسن البصري، وأبو بكرة نفيع بن الحارث، وقد ذكرناه.
قوله: " فكانت لرسول الله أربعا " أي: كانت الصلاة في حق رسول الله أربع ركعات، وفي حق أصحابه ركعتين ركعتين، " (1) قال المنذري في "مختصره ": قال بعضهم: كان النبي- عليه السلام- في غير حكم سفر، وهم مسافرون، وقال بعضهم: هذا خاص بالنبي- عليه السلام- لفضيلة الصلاة خلفه. وقال الخطابي، والنووي: وفيه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنقل، ويعترض عليه بأنه لم يسلم من الفرض كما في حديث جابر، وقيل: إنه- عليه السلام- كان مخيراً بين القصر والإتمام في السفر، فاختار الإتمام، واختار لمن خلفه القصر، وقال بعضهم: كان في حضر ببطن نخلة على باب المدينة، ولم يكن مسافراً، وإنما كان خوف فخرج منه محترسا.
قلت: يتقوى هذا بحديث أخرجه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي: أخبرنا الثقة ابن علية، أو غيره، عن يونس، عن الحسن، عن جابر: " أن النبي- عليه السلام- كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخلة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم ".
وأخرج الدارقطني: عن عنبسة، عن الحسنة، عن جابر: " أن النبي
- عليه السلام- كان محاصراً لبني محارب، فنودي بالصلاة " فذكر نحوه/، والأول أصح، إلا أن فيه شائبة الانقطاع، فإن شيخ الشافعي [2/ 123 - أ] مجهول، وأما الثاني ففيه عنبسة بن سعيد القطان، ضعفه غير واحد، وقال غيره: لم يحفظ عن النبي- عليه السلام- أنه صلى صلاة الخوف قط في حضر، ولم يكن له حرب قط في حضر إلا يوم الخندق، ولم تكن نزلت صلاة الخوف بعد، ولما ذكر الطحاوي
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 247) .

(5/133)


حديث أبي بكرة المذكور قال: يحتمل أن يكون ذلك كان [في] وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل أول الإسلام، حتى نهى عنه، ثم ذكر حديث ابن عمرة أن النبي- عليه السلام- نهى أن تصلى فريضة في يوم مرتين "، قال: والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة (1) .
والحديث أخرجه: النسائي، وليس فيه فتوى الحسن.
ص- وبذلك كان يفتي الحسن.
ش- أي: بمثل ما ذكر كان يفتي الحسن البصري. لأنه على قضية التعديل، وعبرة التسوية بين الصلاتين، لا يفضل فيها طائفة على الأخرى، بل كل يأخذ قسطه من فضيلة الجماعة، وحصته من بركة الأسوة.
ص- قال أبو داود: وكذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات وللقوم ثلاث ثلاث.
ش- أي: بالطريق المذكور يكون في صلاة المغرب للإمام ست ركعات , لأنه يصلي بكل واحدة من الطائفتين ثلاث ركعات كاملة، فيكون له ست، وللقوم ثلاث ثلاث.
ص- وكذلك رواه يحيى بن أبى كثير، عن أبى كلمة، عن جابر، عن النبي- عليه السلام-.
ش- أخرجه مسلم عن أبي سلمي، عن جابر، قال: " أقبلنا على رسول الله حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله، قال: فجاء رجل من المشركة وسيف رسول الله معلق بشجرة، فأخذه فاخترطه، ثم قال لرسول الله: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك، قال: فتهدده
__________
(1) ألي هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(5/134)


أصحاب رسول الله، فأغمد السيف، وعلقه، قال: ثم نودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله أربع ركعات، وللقوم ركعتين،، وأخرجه البخاري تعليقا، واستدل صاحب " الهداية " بهذا الحديث أن الإمام إذا كان مقيماً، صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعتين. ص- وكذلك قال سليمان اليشكري: عن جابر، عن النبي- عليه
السلام-.
ش- سليمان بن قيس اليشكري البصري، روى عن: جابر بن عبد الله. روى عنه: قتادة، وعمرو بن دينار. قال أو زرعة: بصري ثقة. وقال أبو حاتم: جالس سليمان اليشكري ص برأ، وسمع منه، وكتب عنه صحيفة، وتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته، وروى أبو الزبير، وأبو سفيان، والشعبي، عن جابر، وهم قد سمعوا من جابر، وكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة. روى له: الترمذي، وابن ماجه (1) .
***
276- باب: صلاة الطالب
أي: هذا باب في بيان صلاة من يطلب العدو، ليقتله.
1220- ص- نا عبد الله بن عمرو أبو معمر، نا عبد الوارث، نا محمد ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، قال: " بَعَثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بنِ سفيان الهُذِلي- وكان نحو عُرَنَةَ وَعَرَفَات، قال (2) : اذهب فاقْتُلهُ، قَال: فرأيتُه وحَضَرَتْ صلاةُ العصرِ، فقلتُ: ً إنه لأخَافُ أن يكونَ بينِي وبينه ما أنْ أؤَخرَ الصلاةَ، فانطلقتُ أمْشي، وأنا أصلي، أومئُ إيماءً نحوه، فلما دنَوْتُ منه، قال لي: مَنْ أنتَ؟ قلتَ: رَجُل من العَربِ، بَلَغَنِي أنك تَجْمَعُ لهذا الرَّجُلِ، فَجِئتُكَ في ذَاكَ،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2556) .
(2) في سنن أبي داود:" فقال"

(5/135)


قال: إني لَفِي ذَاكَ، فمشيتُ معه سَاعة، حتى إذا أمكَنَنِي عَلَوْته بسيْفِي حتى بَرَدَ " (1) .
ش- عبد الوارث بن سعيد، ومحمد بن جعفر بن الزبير بن العوام. وابن عبد الله بن أنيس هذا هو: عبد الله بن عبد الله بن أنيس، جاء ذلك مبينا في رواية محمد بن سلمة الحراري، عن محمد بن إسحاق، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يروي عن أبيه في ليلة (2) [2/ 123 - ب] / القدر. روى عنه: محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي (3) .
وعبد الله بن أنيس بن أسعد (4) بن حرام بن حبيب بن مالك، عداده في جهينة، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، ولم يشهد بدراً، وشهد أُحُداً، والخندق، وما بعدها من المشاهد مع رسول الله، وبعثه رسول الله سرية وحده، روي له عن رسول الله- عليه السلام- أربعة وعشرون حديثا، روى له مسلم حديثا واحدا في ليلة القدر. وروى عنه: جابر بن عبد الله، وأبو أمامة الباهلي، ومن التابعين: بسر (5) بن سعيد، وبنوه: عطية، وعمرو، وضمرة، وعبد الله بنو عبد الله. مات سنة أربع وخمسين. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (6) .
قوله: " بعثني رسول الله إلى خالد بن سفيان "، وكان خروجه من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من مهاجره، وذكره البيهقي في " الدلائل " تلو مقتل أبي رافع، وذلك أنه لما
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) قوله: " في ليلة " مكررة في الأصل.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/ 7739) .
(4) في الأصل: " سعد "، وما أثبتناه من مصادر الترجمة.
(5) في الأصل: " بشر " خطأ.
(6) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 258) ، وأسد الغابة (3/ 179) ، وا لإصابة (2/ 278) .

(5/136)


بلغه- عليه السلام- أن خالد بن سفيان (1) قد جمع لرسول الله- عليه السلام- فبعث إليه عبد الله وحده، فقال: " يا رسول الله، صفه لي، فقال: إذا رأيته هبته، وفرقت منه، وذكرت الشيطان، قال: وكنت لا أهاب الرجال، فاستأذنت رسول الله أن اقفل، فأذن لي، فأخذت سيفي، وخرجت، حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي، ووراءه الأحابيش، فعرفته بنعت رسول الله، وهبته، وحضرت صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي، وأنا أصلي، أومئ إيماء نحوه "، وفي رواية: " برأسي " "فقال: مَن الرجل؟ فقلت: من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد، فجئتك لأكون معك، قال: أجل، إني لأجمع، فمشيت معه وحدثته، واستحلى حديثي، وتفرق عنه أصحابه، حتى إذا هدأ الناس وناموا، اغتررته فقتلته، وأخذت رأسه، ثم دخلت غاراً في الجبل، وضَرَبَتِ العنكبوتُ علي، وجاء الطالب فلم يجدوا شيئاً، فانصرفوا، ثم خرجت فكنت أسير الليل، وأتوارى بالنهار، حتى قدمت المدينة، فوجدت رسول الله في المسجد، فلما رآني قال: افلح الوجه، قلت: أفلح وجهك يا رسول الله، فوضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري، فدفع- إلي عصا، وقال: تحضر بهذه في الجنة، فكانت عنده، فلما حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا، وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم ".
قوله: " نحو عُرنة وعرفات " عرنة- بضم العين المهملة، وبالراء المفتوحة- وسكنها بعضهم، والأول أصوب، وبعدها نون مفتوحة، وتاء تأنيث، وبطن عرضة هو بطن الوادي الذي فيه المسجد، والميل كله، وهو من الحرم. وقال الشافعي: عرفة ما جاوز وادي عربة، وليس بالوادي، ولا المسجد من عينة، وعرفات علم للموقف، سمي بجمع كأس رعيت.
__________
(1) في الأصل: " سفيان بن خالدة " كذا.

(5/137)


فإن قيل: لِمَ لم يمنع الصرف، وفيها السببان: التعريف، والتأنيث؟ قلت: التأنيث فيها لايح (1) ، إما أن يكون بالتاء التي في لفظها، صاما بتاء مقدرة كما في سعاد، فالتي في لفظها ليست للتأنيث، وإنما هي والألف التي قبلها علامة جمع المؤنث، ولا يصح تقدير التاء فيها , لأن اختصاص هذه التاء بالجمع المؤنث مانعة من تقديرها، وإنما سميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم- عليه السلام- فلما أبصرها عرفها، وقيل: الْتَقَى آدم وحواء فيها فتعارفا، وقيل: لأن الناس يتعارفون فيها.
قوله: " ما أن أؤخر الصلاة " كلمة " ما " اسم لقوله: " أن يكون " أعني: فاعله، وخبره قوله: " بيني وبينه "، وكلمة " أن " زائدة، وزعم الأخفش أن " أن " تجيء زائدة مع كونها تنصب المضارع، كما تجر من، والباء الزائدتان الاسم.
قوله: " إني لفي ذاك " أي: في جمع الناس لأجل محمد.
قوله: " علوته بسيفي " أي: ضربته به.
قوله: " حتى برد " أي: مات، وهو بفتح الراء.
[2/ 124 - أ] وقال الخطابي (2) في هذا الحديث: واختلفوا/ في صلاة الطالب. قال عوام أهل العلم: إذا كان مطلوبا كان له أن يصلي إيماء، وإذا كان طالبا نزل إن كان راكبا، وصلى بالأرض راكعاً، وساجداً، وكذلك قال الشافعي، إلا أنه شرط في ذلك شرطا لم يشترطه غيره، وقال: إذا قَل (3) الطالبون عن المطلوبين، وانقطع الطالبون عن أصحابهم، فيخافون عودة المطلوبين عليهم، فإذا كان هكذا كان لهم أن يصلوا يومئون إيماء، قال الخطابي: وبعض هذه المعاني موجودة في قصة عبد الله بن أنيس. وقال صاحب " المحيط ": والطالب إن كان راكبا لا يجور صلاته على الدابة لعدم ضرورة الخوف في حقه، وإن كان مطلوباً فلا بأس بأن يصلي
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى: الا يخرج"
(2) معالم السنن (1/ 236) .
(3) في الأصل: " أنقل "، وما أثبتناه من معالم السنن.

(5/138)


وهو سائر , لأن السير فعل الدابة حقيقة، وإنما أضيفت إليه معنى مسيره، فإذا جاء العدو انقطعت الإضافة إليه بخلاف ما لو صلى وهو يمشي، حيث لا يجوز , لأن المشي فعله حقيقة، وهو مناف للصلاة، والحديث أخرجه: أحمد، والبيهقي بأتم منه.
***
277- باب: تفريع أبواب التطوع وركعات السُّنَّة
أي: هذا باب في بيان تفريع أنواع التطوع، وفي بيان ركعات السُّنَّة، وفي بعض النسخ:" باب في ركعات السُّنَة ".
1221- ص- نا محمد بن عيسى، نا ابن علية، نا داود بن أبي هند، حدَّثني النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، قالت: قال النبي- عليه السلام-: " مَنْ صَلَّى في يَومِ ثنْتَي عَشْرَةَ رَكْعةَ تَطَوعاً بَنَى اللهُ له (1) بِهِنَّ بَيتاً في الجَنةِ " (2) .
ش- ابن علية: إسماعيل.
والنعمان بن سالم الطائفي. روى عن: عبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير، وعمرو بن أوس، وغيرهم. روى عنه: سماك، وشعبة، وداود بن أبي هند، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " بُني له.
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن (728) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له من الفضل (415) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة (3/ 262، 263) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في ثنتا عشرة ركعة من السُنة (1141) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6441) .

(5/139)


وعمرو بن أوس الثقفي المكي. روى عن: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق، وعنبسة بن أبي سفيان. روى عنه: عمرو بن دينار، ويعلى بن عطاء، والنعمان بن سالم، مات قبل سعيد بن جبير، وقتل سعيد سنة خمس وتسعين. روى له الجماعة (1) . وعنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أخو يزيد، ومعاوية، وأم حبيبة زوج النبي- عليه السلام- أبو الوليد، ويقال: أبو عثمان. سمع: أخته أم حبيبة. روى عنه: عمرو بن أوس، ومكحول، وشهر بن حوشب، وغيرهم. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) . واستدل صاحب " الهداية "، وصاحب " ألمحيط "، وغيرهما بهذا الحديث أن السنن المؤكدة في الصلوات الخمس اثنتا عشرة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وبعدها ركعتان، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وزاد الترمذي، والنسائي: " أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة "، وللنسائي في رواية: " وركعتين قبل العصر" بدل! وركعتين بعد العشاء!، وكذلك عند ابن حبان في " صحيحه" في النوع الأول من القسم الأول، رواه عن ابن خزيمة بسنده، وكذلك رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وجمع الحاكم في لفظه بين الروايتين، فقال فيه: " وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد العشاء "، وكذلك عند الطبراني في " معجمه ".
1222- ص- نا أحمد بن حنبل، نا هشيم بن بشير، أنا خالد ح، ونا مسدد، نا يزيد بن زريع، نا خالد- المعنى- عن عبد الله بن شقيق، قال: سألتُ عَائشةَ عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطَوع؟ فقالت:! كان يُصَفي قبلَ الظهرِ أربعا في بَيتِيَ، ثم يَخْرج فَيُصَلي بالناسِ، ثم يَرْجِعُ إلى بَيتِي،
__________
(1) المصدر السابق (1 2/ 4329) .
(2) المصدر السابق (22/ 4535) .

(5/140)


فَيُصَلّى رَكعتينِ، وكان يصلي بالناسِ المغربَ، ثم يَرْجِعُ إلى بيتِي فَيُصَلِّي رَكعتينِ، وكان يُصَلِّي بهمُ العِشَاءَ، ثم يَدْخُلُ بيتي فَيُصَلِّي رَكعتينِ، وكان
يُصَلّي مِن اللَيلِ تسَعَ رَكَعات، فيهن الوترُ، وكان يُصَلِّي لَيلاً طَوِيلاً قائماً،
ولَيلاً طوِيلاً جالسا، فإذا قَرًأ وهو قَائمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وهو قَائمٌ، وإذا قَرَأ
/ وهو قَاعدُ رَكَعً وسَجَدَ وهو قَاعد، وكَان إذا طَلَعَ الفَجْرُ صلى ركعتين، ثم [2/ 124 - ب] يَخْرُجُ فَيُصًفَي بالناسِ صَلاةَ الفَجرِ " (1) .
ش- خالد الحذاء.
واستفيد من الحديث فوائد:
الأولى: " (2) استحباب النوافل الراتبة في البيت، وهو قول الجمهور،
وسواء في ذلك راتبة فرائض النهار والليل، وقال جماعة من السلف
الاختيار (3) فعلها في المسجد كلها. وقال مالك، والثوري: الأفضل
فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد، وراتبة الليل في البيت، ودليل
الجمهور هذا الحديث، وأمثاله، وفيه التصريح بأنه- عليه السلام- صلى
النوافل الراتبة في بيت عائشة.
الثانية: استحباب الصلاة بالليل.
الثالثة: تأخير الوتر.
الرابعة: جواز صلاة التطوع قاعداً، مع القدرة على القيام.
الخامسة: كره قوم لمن افتتح الصلاة قاعداً أن يركع قائماً واحتجوا
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (17) ، (125 / 738) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل
(439) ، النسائي في الكبرى: كتاب الصلاة.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (6/9) .
(3) في الأصل: " للاختيار "، وما أثبتناه من شرح صحيح مسلم.

(5/141)


بهذا الحديث، وخالفهم آخرون، وأجازوا ذلك، واحتجوا بحديث عائشة: " أن رسول الله- عليه السلام- كان يصلي جالساً، فيقرأ وهو جالس، فماذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين، أو أربعين آية، قام فقرأ وهو قائم، ثم يركع ". الحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، وهو محمول على أن عائشة رأته فعل هذا مرة، وفعل هذا مرة، فأخبرت بهما، وأما لو افتتح النافلة قائماً ثم أراد الجلوس من غير عذر جاز عند أبي حنيفة. وقال ابو يوسف، ومحمد: لا تجزئه، والمسألة معروفة في الفقه. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصراً، ومطولاً.
1223- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر:
" أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي قَبْلَ الظهرِ ركعتين، وبعد ركعتين، وبعدَ المغرب ركعتين في بَيْته، وبعدَ صَلاة العشاء رَكعَتين، وكان لا يُصلي بعدَ الجُمُعَةَِ حتى يَنصرِفَ، فَيُصَلِّي ركعتين " (1) .
ش- أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
واعلم أن اختلاف الأحاديث في أعداد النوافل الراتبة محمول على توسعة الأمر فيها، وان لها أقل وأكثر، فيحصل أقل السنة بالأقل، ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل.
1224- ص- لا مسدد، نا يحيى، عن شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن عائشة: " أن النبيَّ- عليه السلام- كان لا يدع أربعاً قَبلَ الظهرِ،! رَكعتينِ قبلَ صَلاةِ الغَدَاةِ " (2) .
ش- يحيى القطان.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: التطوع بعد المكتوبة، مسلم: كتاب الصلاة، باب: فضل السنن الراتبة (882/ 71) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الصلاة بعد الظهر (2/ 119) .
(2) البخاري: كتاب التهجد، باب: الركعتان قبل الظهر (1182) ، النسائي: كتاب صلاة الليل، باب: المحافظة على الركعتين قبل الفجر (3/ 251) .

(5/142)


وأبوه: محمد بن المنتشر أبو إبراهيم ابن أخي مسروق بن الأجدع. سمع: ابن عمر، وعائشة، وعمرو بن شرحبيل أبا ميسرة (1) . روى عنه: ابنه إبراهيم، وسماك بن حرب، ومجالد بن سعيد. روى له: الجماعة (2) . والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
***
278- باب: ركعتي الفجر
أي: هذا باب في بيان ركعتي الفجر، يعني سُنَّته، وليس في غالب النسخ ذكر لفظ الباب.
1225- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن ابن جريج، حدثني عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، قالت: " إِن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يكنْ على شَيء من النوَافِلِ أشدُ مُعَاهدةً منه على الركْعتينِ قبلَ الصُبحَ " (3) .
ش- يحيى القطان، وعبد الملك بن جريج، وعطاء بن أبي رباح، وعبيد- بضم العين- ابن عمير بن قتادة المكي.
قوله: " أشد معاهدة " أي: حفظاً، ورعاية، وملازمة، ولذلك (4) قال الحسن البصري: إن سُنَة الصبح واجبة، والصواب قول الجمهور: إنها سُنَّة. والحديث: أخرجه مسلم، والبخاري.
***
279- باب: تخفيفها
أي: هذا باب في بيان تخفيف ركعتي الفجر.
1226- ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني، نا زهير بن معاوية نا يحيى
__________
(1) في الأصل: " وعمر بن شرحبيل وأبا ميسرة " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5629) .
(3) البخاري: كتاب التهجد، باب: تعاهد ركعتي الفجر (1163) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتي سنَة الفجر 0 0 0 (724/ 94) ، النسائي: كتاب الصلاة وتحفة (11/ 16321) .
(4) في الأصل: " وبذلك "

(5/143)


ابن سعيد، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشةَ، قالت: " كانَ رسولُ الله يُخَفِّف الركعتين قبلَ صَلاة الفجر حتى إني لأقُولُ: هَلْ قَرَأ فيهما بِأمِّ القُرآنَ؟! " (1) .
ش- يحيى بن سعيد الأنصاري.
ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري المدني، ابن أخي عمرة (2) ، عامل عمر بن عبد العزيز. روى عن: سالم بن عبد الله بن عمر، وابن كعب، وعمته (3) عمرة، والأعرج، وغيرهم. روى عنه: يحيى الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وابن عجينة، وغيرهم. توفي سنة أربع وعشرين ومائة. روى له: الجماعة (4) .
وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد، وقد ذكرناها مرة.
قوله: " حتى إني لأقول " إلى آخره، دليل المبالغة في التخفيف، والمراد:
[2/ 125 - أ] / المبالغة بالنسبة إلى عادته- عليه السلام- من إطالة صلاة الليل، وغيرها من نوافله، وليست فيه دلالة لمن قال: لا يقرأ فيهما أصلاً كما حكى الطحاوي، والقاضي عن جماعة أنهم قالوا: لا يقرأ فيهما أصلاً، وقد ثبت في " الصحيح ": " أن رسول الله كان يقرأ فيهما بـ {قُلْ يا أيهَا الكافِرُون} و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} وقوله: " لا صلاة إلا بقراءة ". فإن قيل: إذا أطالهما المصلي هل يكره؟ قلت: قال بعض السلف:
لا يكره إطالتهما، ولعلهم " أرادوا أنها ليست محرمة، ولم يخالَف في استحباب التخفيف.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر (1165) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر (724/ 92) ، النسائي: كتاب الصلاة، وكتاب الافتتاح، باب: تخفيف ركعتي الفجر (2/ 156) .
(2) في الأصل: " أخو عمرة " خطأ.
(3) في الأصل: " وأخته ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5399) .
(5) في الأصل: " ولعله ".

(5/144)


1227- ص- نا يحيى بن معين، نا مروان بن معاوية، نا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: " أن النبي- عليه السلام- قَرَأ في رَكْعَتَي الفجرِ: {قُلْ يأَيُّهَا الكافِرُون} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد} (1) ". ش- يزيد بن كيسان، أبو إسماعيل اليشكري، ويقال: أبو منير الكوفي. سمع: أبا حازم الأشجعي، ومعبدا أبا الأزهر. روى عنه: يحمى القطان، ومروان بن معاوية، وأبو خالد الأحمر، وغيرهم. قال يحمى القطان: ليس هو ممن يعتمد عليه، هو صالح متوسط. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو حازم هذا اسمه: سلمان الأشجعي، وقد ذكرناه.
وفيه فائدتان، الأولى: إن في سُتة الفجر قراءة.
والثانية: إن المستحب تخفيفهما. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1228- ص- نا أحمد بن حنبل، نا أبو المغيرة، حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني أبو زيادة عبيد الله بن زياد الكندي، عن بلال، أنه حدثه: "أنهُ أتَى رسولَ الله ليُؤْذنَهُ بِصلاة الغَداة، فَشَغَلَتْ عَائشةُ بلالاً بأمْر سَألَتْهُ عنه حتى فَضَحهُ الصُبحُ، فأصبح جَدا، قاَل: فَقَامَ بلالٌ، فآذنه بالصلَاة، وتَابَعَ أذَانَهُ فلم يَخْرج رسولُ الله، فلَما خَرجَ صلى بَالناسِ، وأخبرَه أن عائشةَ شَغَلَتْهُ بأمر سَألتْهُ عنه حتى أصبح جدا، وأنه أبْطأ عليه بالخُروج، فقال: إني كُنتُ رَكَعْتُ ركعتي الفجرِ، فقال: َ يا رسولَ الله، إنك أصبحت جدا؟ قاتل: لو أَصْبَحْتُ أكْثَرَ مما أصبحتُ لَرَكَعْتُهُمَا، وَأحْسَنتُهُمَا، وَأَجْمَلتُهُمَاَ " (3) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب ركعتي سُنًة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقران فيهما (98 ً/ 726) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في ركعتي الفجر ب {قل يا أيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} (944) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما يقرأ في الركعتين قبل الفجر (1148) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7041) .
(3) تفرد به أبو داود
10هـ شرخ منن أبى داوود 5

(5/145)


ش- أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي.
وعبيد الله بن زيادة أبو زيادة البكري، ويقال: الكندي الدمشقي. روى عن: بلال، وأبي الدرداء. روى عنه: عبد الله بن العلاء بن زبر، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " حتى فضحه الصبح " أي: دهمته فضحة الصبح، والفضحة: بياض في غيره، وقد يحتمل أن يكون معناه: إنه لما تبين له الصبح جدا ظهرت غفلته عن الوقت، فصار كمن يفتضح بعيب يظهر منه، وقد رواه بعضهم: " فصحه الصبح " بالصاد المهملة، ومعناه: بان له الصبح، ومنه الإفصاح في الكلام، وهو الإبانة باللسان عن الضمير.
قوله: " لركعتهما " يدل على أنها لا تترك، وأنها سُنَّة مؤكدة.
قوله: " وأحسنتهما " إحسانهما كناية عن تكميل أركانها، وفروضها،
وإجمالهما كناية عن ترتيب أفعالها، وأقوالها.
1229- ص- نا مسدد، نا خالد، نا عبد الرحمن- يعني: ابن إسحاق المدني-، عن ابن زيد، عن ابن سيلان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَدَعُوهُمَا وإنْ طَرَدَتكُمُ الَخَيْلُ " (2) .
ش- خالد الحذاء، وعبد الرحمن بن إسحاق-، ويقال: عباد بن إسحاق المدني، وقد بيناه، وابن زيد اسمه: محمد بن زيد بن المهاجر ابن قنفد التيمي الجدعاني المدني، وقد ذكرناه مرة، وابن سيلان اسمه: عبد ربه بن سيلان، جاء مبينا في بعض طرقه، وقيل: هو جابر بن سيلان. وقال ابن حبان، وقد ذكره في " الثقات ": عبد ربه بن سيلان، يروي عن: أبي هريرة، عداده في أهل المدينة، وهو الذي يقال له: عبد ربه الدوسي. روى عنه: محمد بن مهاجر، وسِيلان بكسر الشن المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وآخره نون.
قوله: " لا تدعوهما " بفتح الدال، أي: لا تتركوهما، أي: ركعتي
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3636) .
(2) تفرد به أبو داود.

(5/146)


الفجر، " وإن طردتكم الخيل " أي: الفرسان، وهذا كناية عن المبالغة،
وحث عظيم على مواظبتهما، وبه استدل أصحابنا أن الرجل إذا انتهى إلى
الإمام في صلاة الفجر، وهو لم يصل/ ركعتي الفجر، إن خشي تفوته [2/ 125 - ب] ركعة ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد، ثم يدخل
ولا يتركهما، وأما إذا خشي فوت الفرض فحينئذ دخل مع الإمام، ولِم
يصل , لأن فوات الجماعة أعظم، والوعيد بالترك ألزم، بخلاف سُنة
الظهر حيث يتركها في الحالين , لأنه يمكن أداؤها في الوقت بعد الفرض
في القول الصحيح. وقال عبد الحق في " أحكامه " بعد أن ذكر هذا
الحديث من جهة أبي داود بن سيلان: هذا هو عبد ربه وليس إسناده بالقوي. انتهى. وقال ابن القطان في " كتابه ": وعلته الجهل بحال ابن سيلان، ولا ندري اهو عبد ربه بن سيلان، أو جابر بن سيلان؟ فجابر
ابن سيلان يروي عن ابن مسعود، روى عنه: محمد بن زيد بن مهاجر،
كذا ذكره ابن أبي حاتم، وذكره الدارقطني فقال: يروي عن أبي هريرة،
روى عنه: محمد بن زيد بن مهاجر، وأيهما كان فحاله مجهول لا
يعرف، وأيضاً فعبد الرحمن بن إسحاق هو الذي يقال له: عباد المقرئ،
قال يحيى القطان: سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه، وقال أحمد: روى
أحاديث منكرة.
قلت: أما عبد ربه بن سيلان فقد ذكره ابن حبان في " الثقات "- كما
ذكرناه- وأما (1) عبد الرحمن بن إسحاق فقد أخرج له مسلم، ووثقه
ابن معين، واستشهد به البخاري، وإنما لم يحمَدُوه في مذهبه، فإنه كان
قدرنا منعوه من المدينة، فأما رواياته فلا بأس بها، كذا قاله البعض،
وروى أبو يعلى الموصلي في " مسنده " بإسناده إلى ابن عمر، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تتركوا ركعتي الفجر، فان فيهما الرغائب ".
__________
(1) مكررة في الأصل.

(5/147)


1230- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهير، نا عثمان بن حكيم، أخبرني سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عباس: " أنَّ كثيرا مما كانَ يَقْرَأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في رَكْعَتَي الفجر بـ {أمَنَّا بالله وَمَا أنزلَ إِلَيْنَا} وهذه الآية (1) ، قال: هذهَ في الركعة الأولَىَ، وفي اَلركَعة الآخرة ب {أمَنَّا بالله وَاشْهَدْ بأنا مُسْلِمُوَن} (2) " (3) .ًًَ
ش- سعيد بن يسار هو: ابن أبي الحسن البصري، أخو الحسن البصري. سمع: عبد الله بن عباس، وأبا هريرة. روى عنه: عوف الأعرابي، ويحيى بن أبي إسحاق، وعليّ بن عليّ الرفاعي. توفى قبل الحسن سنة مائة. روى له الجماعة (4) .
ويستفاد من الحديث: أن قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة في ركعتي الفجر سُنَّة، وأن قراءة هاتين الآيتين، أو سورة {قُلْ نا أيها الكافرُون} و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ومستحبة. وقال مالك وجمهور أصحابه: َ لا يقرأ غير الفاتحة. وقال بعض السلف: لا يقرا شيئاً- كما سبق- وكلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لهما. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي
1231- ص- نا محمد بن الصباح، لا عبد العزيز بن محمد، عن عثمان بن عمر- يعني: ابن موسى- عن أبي الغيث، عن أبي هريرة: " أنه سَمعَ النبي- عليه السلام- يَقْرَأ في رَكْعَتي الفجرِ: {قُلْ آمَنا بالله وَمَا أنزلَ عَلَينَا} ، وفي الركَعة الآخِرَةِ (6) بَهذه الآية: {ربنا آمَنَّا بمَا أنزَلتً وَاتبعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشاهدين} (7) أَو {أنا أرْسَلنَاكَ بالحَق بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أصْحَابِ الجًحِيم} (8) شَك الدَرَاورْدِيُّ " (9) .
__________
(1) سورة البقرة: (136) .
(2) سورة آل عمران: (52) .
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب ركعتي الفجر (727/ 99) ، النسائي: كتاب الافتتاح (945) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيَب الكمال (11/ 2385) .
(5) سورة البقرة: (136) .
(6) في سنن أبي داود: " الأخرى ".
(7) سورة آل عمران: (53) . (8) سورة البقرة: (119) .
(9) تفرد به أبو داود.

(5/148)


ش- عبد العزيز بن محمد الدراوردي.
وعثمان بن عمر بن موسى التيمي، المدني. روى عن: أبان بن عثمان، والزهري، وأبي الغيث، وغيرهم. روى عنه: الدراوردي، وابنه عمر بن عثمان، ومحمد بن راشد. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبو الغيث مولى ابن المطيع اسمه: سالم مشهور باسمه وكنيته، روى عن: أبي هريرة، روى له: الجماعة (2) .
قوله: " شك الدراوردي " أي: عبد العزيز الدراوردي بين قوله: {رَبّنا آمَنَّا بمَا أنزَلتَ} وبين قوله: {إنَّا أرْسَلنَاكَ بِالحَقِّ} الآية، ويفهم من الحديثَ أن الجهر بقراءة النوافل الراتبة بالليل غير مكروه.
***
280- باب: الاضطجاع بعدها
أي: هذا باب في بيان حكم الضجعة بعد سُنَة الفجر.
1232- ص- نا مسدد، وأبو كامل، وعبيد الله بن عمر بن ميسرة، قالوا: لا عبد الواحد، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:/ " إِذَا صلى أحَدُكُم الركعتين قَبلَ الصبح فَليَضْطَجِعْ [2/ 126 - أ] على يَمينِه "، فقال له مَرْوَانُ بنُ الحكم: أمَا يُجْزِئُ أَحَلَنَا مَمْشَاه إلى المسِجد حتى يَضطَجِعِ على يَمينه؟ قال عُبيد الله في حديثه: قال: لا، قال: لْبَلِغً ذلك ابنَ عُمر، فقال: كثَرَ أبو هريرةَ عَلى نَفْسه، قال: فقيلَ لابنِ عُمَر: هل تُنكِرُ شيئاً مما يَقولُ؟ قال: لا، ولكنه اجْتَرَأ وً جَبُنَّا، قال , فَبَلَغَ ذلك أبا هُريرةَ، قال: فما فَنبِي إِنْ كُنتُ حَفِظتُ وَنَسُوا! " (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3849) .
(2) المصدر السابق (10/ 2163) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: الاضطجاِع بعد ركعتي الفجر (420) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنَة فيها، باب: ما جاء في الرجعة بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر (1199) .

(5/149)


ش- أبو كامل فضيل الجحدري، وعبد الواحد بن زياد، وأبو صالح ذكوان السمان.
قوله: " ممشاه، أي: مشيه، وهو مصدر ميمي.
قوله: " قال عبيد الله " أي: عبيد الله بن عمر القواريري.
قوله: " كثر أبو هريرة على نفسه " كناية عن القول. لا يعني.
قوله: " وجبنا " من الجبن وهو الخوف، وذهب طائفة من العلماء إلى
أن الضجعة بعد ركعتي الفجر لسُنَّة، وممن كان يفعلها أبو موسى الأشعري، ورافع بن خديج، وذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الضجعة إنما كان يفعلها- عليه السلام- للراحة من تعب القيام، وكرهها ابن عمر، وحكى ابن مسعود نحوه، وكرهها إبراهيم النخعي، وقال بعضهم: اضطجاعه- عليه السلام- بعد الركعتين إنما كان في الغِب لأنه كان أكبر عمله أن يصليهما إذا جاءه المؤذن للإقامة، وقال بعضهم: إن كان قام الليل فاضطجع استحماما لصلاة الصبح فلا بأس به، وقال القاضي: ذهب مالك، وجمهور العلماء، وجماعة من الصحابة إلى أنه بدعة، وقال: ولم يقل أحد في الاضطجاع قبلهما: إنه لسُنَّة، وكذا بعدهما، قال: وذكر مسلم، عن عائشة: "فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع" (1) ، فهذا يدل على انه ليس لسُنَّة، وأنه تارة كان يضطجع قبل، وتارة بعد، وتارة لا يضطجع.
وقال الشيخِ محيي الدين (2) : والصحيح، أو الصواب: أن الاضطجاع بعد "مُنَّة الفجر سُنَّة، لحديث أبي هريرة: لا إذا صلى أحدكم " الحديث، رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح.
فهذا حديث صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع، وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها، وحديث ابن عباس قبلها فلا يخالف هذا،
__________
(1) يأتي في الحديث الآتي.
(2) شرح صحيح مسلم (6/ 20 - 21) .

(5/150)


فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعدها، ولعله- عليه السلام- ترك الاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بيانا للجواز لو ثبت
الترك، ولم يثبت، فلعله كان يضطجع قبلُ وبعدُ، وإذا صح الحديث في
الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل الموافقة للأمر به تعين المصير
إليه، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لم يجز رد بعضها، وقد أمكن
بطريقين اشرنا إليهما، أحدهما: أنه اضطجع قبلُ وبعدُ، والثاني: أنه
تركه بعد في بعض الأوقات لبيان الجواز.
قلت: قد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا
الوجه، وقد رأى بعض أهل العلم أن يفعل هذا استحبابا. انتهى. وقد
قيل: إن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة فيكون منقطعا
واخرج ابن أبي شيبة: عن مجاهد، قال: صحبت ابن عمر في السفر والحضر، فما رأيته اضطجع بعد ركعتي الفجر.
وعن سعيد بن المسيب: رأى عمر رجلاً اضطجع بعد الركعتين،
فقال: أحصبوه، أو ألا أحصبتموه، وعن إبراهيم قال عبد الله: ما بال
الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة، أو الحمار، إذا سلم
فقدم فصلى، وعن أبي مجلز، قال: سألت ابن عمر عن ضجعة الرجل
على يمينه بعد الركعتين قبل صلاة الفجر؟ فقال: يتلعب بكم الشيطان.
وعن إبراهيم: هي ضجعة الشيطان. وعن أبي الصديق الناجي قال:
رأى ابن عمر قوماً اضطجعوا بعد ركعتي الفجر، فأرسل إليهم،
فنهاهم، فقالوا: نريد بذلك السنة، فقال ابن عمر: ارجع إليهم
فأخبرهم أنها بدعة. وعن إبراهيم، قال عبد الله: ما هذا التمرغ بعد
ركعتي الفجر كتمرغ الحمار؟!
1233- نا يحيى بن حكيم، لا بشر بن عمر،/ نا مالك بن أنس، [2/ 126 - ب] أبي النضير، عنِ أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشةَ- رضي
الله عنها- قالت: " كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَضَى صَلاتَهُ من آخرِ اللَيلِ نَظَرَ، فإنْ كُنتُ مستيقظة حَدثنِي، وإن كنتُ نَائمةً أيقَظَنِي، وصلى اَلركعتينِ، ثم

(5/151)


اضْطَجَعَ حتى يأتيَهُ المُؤَذنُ فَيُؤْذنَهُ بصَلاةِ الصبحِ، فَيُصَلِّي رَكعتين خَفيفتين، ثم يَخْرُج إلي الصَلاةِ (1) " (2) .
ش- يحيى بن حكيم أبو سعيد البصري المقوم، أحد شيوخ أبي داود. وروى عنه: النسائي أيضاً، وقال: ثقة حافظ، وابن ماجه. مات سنة ست وخمسين ومائتين (3) .
وبشر بن عمر بن الحكم بن عقبة الزهراني (4) الأزدي أبو محمد البصري. سمع: مالك بن أنس، وشعبة، وهمام بن يحيى، وغيرهم. روى عنه: علي بن المدني، ومحمد بن المرزوق، وابن المثنى، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة. توفي بالبصرة في شعبان سنة تسع ومائتين، وصلى عليه يحيى بن كثم، وهو يومئذ يلي القضاء بالبصرة ".
قوله: " حتى يأتيه المؤذن " فيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد.
قوله: " فيؤذنه " أي: يعلمه، وفيه جواز إعلام المؤذن للإمام بحضور الصلاة، وإقامتها، واستدعائه لها.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع (1161) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل (743) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء
من مس الرجل امرأته من غير شهوة (1/ 102) (تحفة الأشراف 12/ 17711) .
(2) جاء في سنن أبي داود حديث ولم يرد عندنا، وهو: حدَّثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن زياد بن سعد، عمن حدَّثه ابن أبي عتَّاب أو غيره، عن أبي سلمة قال: قالت عائشة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت نائمة اضطجع، وإن كنت مستيقظة حدَّثني".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الخط ل (31/ 6814) .
(4) في الأصل:" الزهري "
(5) المصدر السابق (4/ 701) .

(5/152)


قوله:" فيصلي ركعتين خفيفتين " هما سُنَة الصبح، وفيه دليل على تخفيفهما، وقد سبق. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي.
1234- ص- نا العباس العنبري، وزياد بن يحيى، قالا: نا سهل بن حماد، عن أبي مكين، نا أبو الفضل- رجل من الأنصار- عن مسلم بن أبي بكرة، عنِ أبيه، قال: " خَرَجْتُ مَعَ رَسول اللهِ- عليه السلام- لِصَلاةِ الصبح، فكَان لا يَمُر برَجُل إلا نَاداهُ بالصلاة، أَو حَركًهُ برجْله " قال زياد: قال: حدثنا أبو الفضيلَ (1)
ش- العباس بن عبد العظيم البصري العنبري.
وزياد بن يحيى بن [زياد بن] حسان الغساني ابو الخطاب البصري البكري. روى عن: زياد بن الربيع، وحاتم بن وردان، وسهل بن حماد، وغيرهم. روى عنه: الجماعة، وابن صاعد، وابن خزيمة، وغيرهم. قال أبو حاتم، والنسائي: ثقة. مات سنة أربع وخمسين ومائتين (2) .
وأبو مكين: نوح بن ربيعة الأنصاري مولاهم البصري. سمع:
أبا صالح السمان، ونافعا مولى ابن عمر، ومسلم بن أبي بكرة، وغيرهم. روى عنه: سهل بن حماد البصري الدلال، والحكم بن أبان، ووكيع، وأبو الوليد الطيالسي، ويحيى القطان، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبو الفضل- رجل من الأنصار- روى عن: مسلم بن أبي بكرة. روى عنه: أبو مكين نوح (4) بن ربيعة. روى له: أبو داود (5) .
قلت: هو غير مشهور
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 2073) .
(3) المصدر السابق (30/ 6492) .
(4) في الأصل: " أبو مكي نوفل ".
(5) المصدر السابق (34/ 7570) .

(5/153)


ومسلم بن أبي بكرة: نفيع بن الحارث الثقفي البصري. روى عن: أبيه. روى عنه: عثمان الشحام، وسعيد بن سلمة، وسعيد بن جمهان. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
وفيه من السنة: إيقاظ النائمين في وقت الصلاة.
قوله: " قال زياد " أي: زياد بن يحيى المذكور، قال أبو مكين: حدثَّنا ابو الفضيل بالتصغير.
***
281- باب: إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر
أي: هذا باب في بيان من أدرك الإمام في صلاة الصبح والحال أنه لم يصل ركعتي الفجر.
1235- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن عاصم، عن عبد الله ابن سرجس، قال: " جَاءَ رَجُل والنبيُّ- عليه السلام- يصَلِّي الصُّبحَ فَصَلَّى الرَّكْعتينِ، ثم دَخلَ مَعَ النبي- عليه السلام- في الصَّلاة، فلمّا انصَرَفَ قال: نا فلانُ، أيتهُمَا صَلاتكَ التي صَلَّيْتَ: وَحْدَكَ أو التيَ صَلَّيتَ مَعَنَا؟ " (2) .
ش- حماد بن زيد، وعاصم بن سليمان الأحول.
قوله: " أيتهما صلاتك؟ " استفهام على سبيل الإنكار، ومعناه: النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة. وقال الشيخ محيي الدين (3) : فيه دليل على أنه لا يصلي بعد الإقامة نافلة، وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام، ورَد على من قال: إن علم أنه يدرك الركعة الأولى، أو الثانية يصلي النافلة.
__________
(1) المصدر السابق (27/ 5917) .
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: كراهية الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن (67/ 712) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: فيمن يصلي ركعتي الفجر والإمام في الصلاة (867) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ماصات في هذا أقيمت الصلاة فلا صلاة ألا المكتوبة (1152) .
(3) شرح صحيح مسلم (5/ 2245) .

(5/154)


قلت: اختلف العلماء فيمن دخل المسجد لصلاة الصبح فأقيمت الصلاة، هل يصلي ركعتي الفجر، أم لا؟ فكرهت طائفة أن يركع ركعتي الفجر في المسجد، والإمام في صلاة/ الفجر، محتجين بهذا الحديث، [2/ 127 - أ] وبقوله- عليه السلام-: , إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " لما يجيء الآن، وروي ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة، وسعيد بن جبير، وعروة، وابن سيرين، وإبراهيم، وعطاء، هو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقالت طائفة: لا بأس أن يصليها خارج المسجد إذا تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة مع الإمام، وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه، والأوزاعي، إلا أن الأوزاعي أجار ذلك أن يركعهما في المسجد، وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل معه، ولم يصلهما، وإلا صلاهما في المسجد، وعند الظاهرية أنه يقطع صلاته إذا أقيمت الصلاة، وفي " الجلاب ": يصليهما وإن فاتته الصلاة مع الإمام إذا كان الوقت واسعاً، وروى أبو نعيم: عن طاوس إذا أقيمت الصلاة وأنت في الصلاة فدعها، وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير: اقطع صلاتك عند الإقامة.
والجواب: إن إنكاره- عليه السلام- وصله إياها بالفريضة في مكان واحد دون أن يفصل بينهما بشيء يسير، وهذا مثل ما نهى من صلى الجمعة أن يصلي بعدها تطوعا في مكان واحد، حتى يتكلم، أو يتقدم، والدليل على ما قلنا: إنه- عليه السلام- مر بابن بحينة وهو يصلي بين نداء الصبح، فقال: الا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة الظهر، واجعلوا بينهما فصلاً" فظهر بهذا أن الذي كرهه رسول الله لابن بحيرة وصله إياها بالفريضة في مكان واحد من غير أن يفصل بينهما بشيء يسير، وفيما ذهبنا إليه جمع بين الفضيلتين: فضيلة السنَة، وفضيلة الجماعة، وكيف وقد قال- عليه السلام-: " لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل " (1) . وعن ابن مسعود: " أنه دخل المسجد، وقد أقيمت صلاة الصبح فركع ركعتي
__________
(1) تقدم قريبا

(5/155)


الفجر إلى أسطوانة بمحضر حذيفة وأبي موسى ". وقال ابن بطال: ورُوي مثله عن عمر بن الخطاب، وأبي الدرداء، وابن عباس. وعن ابن عمر: " انه أتى المسجد لصلاة الصبح، فوجد الإمام يصلي، فدخل بيت حفصة، فصلى ركعتين، ثم دخل في صلاة الإمام "، وروى البيهقي من طريق حجاج بن نصير، عن عباد بن كثير، عن ليث، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، إلا ركعتي الفجر "، وقال البيهقي: هذه الزيادة لا أصل لها، وحجاج، وعباد ضعيفان.
قلت: قال يعقوب بن شبة، عن يحيى بن معين: كان شيخاُ صدوقاً - يعني الحجاج- وأما عباد فوثقه يحمص بن معين، فقال: عباد الرملي الخواص ثقة، وحديث عبد الله بن سرجس أخرجه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1236- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا حماد بن سلمة، ونا أحمد بن حنبل، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن ورقاء ح، ونا الحسن بن عليّ، نا أبو عاصم، عن لبن جريج ح ونا الحسن بن عليّ، نا يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، عن أيوب ح، ونا محمد بن المتوكل، نا عبد الرزاق، نا زكرياء بن إسحاق، كلهم عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أقِيمَتِ الصلاة فَلا صَلاةَ إِلا المَكْتُوبَةُ " (2) .
ش- هذه خمس طرق تتصل إلى عمرو بن دينار، ومحمد بن جعفر البصري غندر، وورقاء بن عمر اليشكري الكوفي، أبو بشر. سمع:
__________
(1) تقدم قريباً
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن (63/ 710) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (421) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب:
ما يكره من الصلاة عند الإمامة (864) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1151) .ًًًً

(5/156)


زيد بن اسلم، وعمرو بن دينار، ومسلما الأعور، وغيرهم. روى عنه: شعبة، ووكيع، وابن المبارك، وغير هم. قال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: الجماعة، وأبو عاصم النبيل، وأيوب السختياني، وعبد الرزاق بن همام، وزكرياء بن إسحاق المكي. وقد ذكرنا أن المراد من [ ... ] (1) .
***
/ 282- باب: من فاتته متى يقضيها؟ [2/ 127 - ب]
أي: هذا باب في بيان من فاتته سُنَّة الفجر، متى يقضيها؟
1237- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، لا عبد الله بن نمير، عن سعد بن سعيد، حدثني محمد بن إبراهيمِ، عن قيس بن عمرو، قال: " رَأى النبيّ -عليه السلام- رجلا يُصَلّي بعد صَلاة الصُبْحِ ركعتين، فقال رسولُ الله - عليه السلام-: صَلاةُ الصبح رَكعِتينَ (2) ، فقالَ الرَّجُلُ: إني لَمْ أكُن صَليتُ الركعتين اللّتيَن قَبلَهُمَا، , فصليتهما الآن، فَسَكَتَ رسولُ الله- عليه السلام- " (3)
ش- سعد بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري، أخو يحيى، وعبد ربه. روى عن: أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وعمرو بن ثابت، وغيرهم. روى عنه: أخوه يحيى، والحسن بن صالح بن حي، وعبد الله بن نمير، وابن جرير، وغيرهم. قال الحمد بن حنبل، وابن معين: ضعيف. توفي سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) بيض له المصنف قدر أربعة أسطر وربع.
(2) في سنن أبي داود: " ركعتان " وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد الفجر (422) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر متى يقضيهما (1154) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2208) .

(5/157)


ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي.
وقيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار الأنصاري المدني، هو جد يحيى، وسعد، وعبد ربه، بني سعيد بن قيس المدنين الفقهاء. روى عنه: محمد بن إبراهيم التيمي، وقيس بن أبي حازم. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فقال رسول الله: صلاة الصبح ركعتين؟ " معناه: أتصلي صلاة الصبح ركعتين؟ وفي بعض النسخ: صلاة الصبح ركعتان على الابتداء والخبر، ولكن الجملة في مقام الاستفهام على سبيل الإنكار، ثم بين الرجل أنهما سُنَة الفجر، ولم يكن صلاها.
وقال الخطابي (2) : فيه بيان أن من فاتته الركعتان قبل الفريضة أن يصليهما بعدها قبل طلوع الشمس، وأن النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إنما هو فيما يتطوع به الإنسان إنشاء وابتداء، دون ما كان له تعلق بسبب، وقد اختلف الناس في وقت قضاء ركعتي الفجر، فروي عن ابن عمر، أنه قال: " يقضيهما بعد صلاة الصبح "، وبه قال عطاء، وطاوس، وابن جرير، وقالت طائفة: يقضيهما إذا طلعت الشمس، وبه قال القاسم بن محمد، وهو مذهب: الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال أصحاب الرأي: إن أحب قضاهما إذا ارتفعت الشمس، فإن لم يفعل فلا شيء عليه , لأنه تطوع. وقال مالك: يقضيهما ضحى إلى وقت زوال الشمس، ولا يقضيهما بعد الزوال. انتهى.
قلنا: يعارض ما قاله الخطابي ما أخرجه: البخاري، ومسلم من
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 234) ، وأسد الغابة (4/ 438) ، والإصابة (3/ 255) .
(2) معالم السنن (1/ 238) .

(5/158)


حديث أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله - عليه السلام- يقول: " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس"، فإن قوله: " لا صلاة " لنفي جنس الصلاة، فيتناول جميع الصلوات، ولكن النهي لحق الفرض، ليصير الوقت كالمشغول به، لا لمعنى في الوقت، فلم يظهر في حق الفرائض فجازت الفوائت، وفيما وجب لعينه، كسجدة التلاوة، وصلاة الجنازة، وظهر في غير ذلك سواء يتطوع به الإنسان ابتداء، أو كان له سبب، على أن الحديث إسناده ليس بمتصل، فإن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس، وروى الترمذي لإسناده عن قيس، قال: خرج رسول الله فأقيمت الصلاة، فصليت معهم الصبح، ثم انصرف النبي- عليه السلام- فوجدني أصلي، قال: مهلاً نا قيس، أصلاتان معاً! " قلت: نا رسول الله، إني لم كن ركعت ركعتي الفجر، قال: فلا إذا "، ثم قال الترمذي: حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه إلا من حديث سعد بن سعيد، وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل، محمد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس. انتهى (1) .
وأيضاً فإن سعد بن سعيد ضعيف- كما ذكرناه الآن-.
وقوله: " وقال أصحاب الرأي" إلى آخره، كلام من لا رأي له، ونقل مذاهب الناس على غير أصلها، فإن مذهب أصحاب أبي حنيفة أن سُنَن الفجر لا- ـح (2) ، إما أن تفوت مع الفرض، أو تفوت وحدها، فإن فاتت مع الفرض فإنها تقضى إلى الزوال، بلا خلاف/ بين أصحابنا، [2/ 128 - أ] لان فاتت وحدها وكذلك تقضى عند محمد إلى وقت الزوال. والحديث أخرجه: ابن ماجه أيضاً.
1238- ص- ثنا حامد بن يحيى، قال: قال سفيان: كان عطاء بن أبي رباح يحدث ب! ذا الحديث، عن سعد بن سعيد (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الفجر (422) .
(2) كذا، ولعلها بمعنى: " لا تخرج ".
(3) انظر التخريج المتقدم.

(5/159)


ش- حامد بن يحيى بن هانئ البلخي، وسفيان هو ابن عيينة. وقال الترمذي: قال سفيان بن عيينة: سمع عطاء بن أبي رباح، من سعد بن سعيد هذا الحديث.
ص- قال أبو داود: رواه عبد ربه (1) ، ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرسلاً، أن جدهم زيدا صلى مع النبي- عليه السلام- (2) .
ش- أي: روى هذا الحديث عبد ربه، ويحيى ابنا سعيد بن قيس بن عمر و، 1 لأنصاريون، المدنيون، الفقهاء.
***