شرح أبي داود للعيني

324- باب: كم الوتر
أي: هذا باب في بيان كمية الوتر.
1391- ص- نا محمد بن كثير، أنا همام، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن، ابن عمر " أن رجلا من أهلِ الباديةِ سَألَ النبيّ- عليه السلام- عن صَلاة الليلِ فقال بإصْبعَيْه هكذا: مَثنى مثنى، والوترُ ركعةٌ من آخرِ الليلِ " (1)
ش- همام بن يحيى.
واستدل الشافعي بهذا الحديث أن الإيجار بركعة واحدة جائز، وقال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا فقلدوه، وجعلوه أصلاً، وخالفهم آخرون، فافترقوا على فرقتين، فقال بعضهم: الوتر ثلاث ركعات، لا يسلم إلا في آخرهن، وقال بعضهم: الوتر ثلاث ركعات، يسلم في الاثنين منهن، وفي آخرهن، وكان قول رسول الله: " الوتر ركعة من
__________
(1) مسلم: كتائب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل (749) ، النسائي: قيام الليل، باب: الوتر بواحدة (1/ 233) .

(5/329)


آخر الليل " فقد يحتمل عندنا ما قال أهل المقالة الأولى، ويحتمل أن يكون ركعة مع شفع قد تقدمها، وذلك كله وتر فتكون تلك الركعة وترًا للشفع المتقدم لها، وقد بين ذلك ما قد رواه بعضهم: حدثنا يزيد بن سنان، أنا أبو عاصم، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر: " أن رجلاً سأل النبي- عليه السلام- عن صلاة الليل؟ فقال: مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فصل ركعة توتر لك صلاتك " ثم أخرج الطحاوي هذا بإحدى عشر طريقا أخرى، كلها عن النبي- عليه السلام- ولنا أحاديث أخرى تدل على أن الوتر ثلاث ركعات كالمغرب، منها ما رواه النسائي في " سننه " بإسناده إلى عائشة، قالت: " كان النبي- عليه [2/ 160 - أ] السلام- لا يُسلم/ في ركعتي الوتر ".
ومنها ما رواه الحاكم في " المستدرك " بإسناده إلى عائشة، قالت: "كان رسول الله- عليه السلام- يوتر بثلاث لا يُسلم إلا في آخرهن " وقال: إنه صحيح على شرط البخاري، ومسلم، ولم يخرجاه. ومنها ما رواه الدارقطني، ثم البيهقي، عن يحيى بن زكرياء: نا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن عبد الله ابن مسعود، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " وتر الليل ثلاث كوتر النهار: صلاة المغرب لما. قال الدارقطني لم يروه عن الأعمش مرفوعًا غير يحمى بن زكرياء، وهو ضعيف، وقال البيهقي: الصحيح، وقفه على ابن مسعود، ورفعه يحيى بن زكرياء بن أبي الحواجب، وهو ضعيف، ورواه الثوري، وعبد الله بن نمير، وغيرهما عن الأعمش، في فوقفوه انتهي.
قلت: أخرجه النسائي من حديث ابن عمر، قال: نا قريبة، عن الفضل بن عياش، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عمر، قال: [قال] رسول الله- عليه السلام-: " صلاة المغرب وتر صلاة النهار، فأوتروا صلاة الليل " وهذا السند على شرط الشيخين، وأخرجه الدارقطني أيضًا،- العني: الحديث الأول- عن إسماعيل بن

(5/330)


مسلم المكي، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة مرفوعا نصحوه سواء.
ومنها ما رواه محمد بن الحسن في " موطئه "، عن يعقوب بن إبراهيم، أنا حصين، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، أنه قال: " ما أجزأت ركعة قط " ورواه الطبراني في ما معجمها.
ومنها ما رواه الطحاوي: حدثنا روح بن الفرج، نا يحيى بن عبد الله ابن بكير، نا بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عقبة بن مسلم، قال: " سألت عبد الله بن عمر عن الوتر؟ فقال: أتعرف وتر النهار؟ فقلت: نعم، صلاة المغرب، قال: صدقت، وأحسنت " وقال الطحاوي: وعليه يُحمل حديث ابن عمر أن رجلاً سأل النبي- عليه السلام.- عن صلاة الليل؟ فقال: لا مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فصل ركعة، توتر لك ما صليت ثم قال: معناه صل ركعة في ثنتي قبلها، وتتفق بذلك الأخبار.
ومنها ما رواه الطحاوي أيضًا: حدثنا صالح بن عبد الرحمن، نا سعيد بن منصور، نا هشام، عن حميد، عن أنس، قال: " الوتر ثلاث ركعات " قال: ومذهبنا أيضا قوي من جهة النظر، لأن الوتر لايح (1) إما أن يكون فرضًا، أو سُنَة، فإن كان فرضًا فالفرض ليس إلا ركعتين، أو ثلاثا، أو أربعًا، وكلهم أجمعوا أن الوتر لا يكون ثنتي ولا أربعًا، فثبت أنه ثلاث، وإن كان لسُنَّة فأنا لم نجد لسُنَّة إلا ولها مَثَلٌ في الفرض، والفرض لم نجد فيه وترا إلا المغرب، فهو ثلاث، فثبت أن الوتر ثلاث، انتهى.
قلت: هذا الذي ذكره نظر جيد، وقد ذكر الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " من جملة الترجيحات أن يكون الحديث موافقا للقياس، ومن جملة ما يُقوي قول أصحابنا أن الحسن البصري حكى إجماع المسلمين على
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى:" لا يخرج ".

(5/331)


الثلاث، على ما روى ابن أبي شيبة: حدثنا حفص، ثنا عمرو، عن الحسن، قال: " أجمع المسلمون على ابن الوتر ثلاث، لا يُسلّم إلا في آخرهن ". 1392- ص- نا عبد الرحمن بن المبارك، نا قريش بن حنان العالي، نا بكر بن وائل، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسوِلُ اللهِ- عليه السلام- " الوترُ حق على كلِّ مُسلمٍ، فمن أجب أن يُوترِ بخمس فليفعلْ، ومَن أحبَّ أن يوترَ بثلاث فليفعَل، ومن أحَبَّ أن يُوتر بواحدة فًليفعلْ " (1) .
ش- قريش بن حنان أبو بكر الًعجلي البصري من بكر بن وائل. روى عن الحسن البصري، وابن سيرين، وثابت البناني، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، ووكيع، وعبد الرحمن بن المبارك، وغيرهم. وقال أحمد: لا بأس به، وقال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود.
وبكر بن وائل بن داود الكوفي. روى عن الزهري. روى عنه: أبوه وائل بن داود، وهشام بن عروة، وقريش بن حيان، وغيرهم، قال أبو حاتم: هو صالح. روى له: الجماعة إلا البخاري.
[2/ 160 - ب] قوله: " الوتر حق على كل مسلم " هذا صَريح/ في وجوب الوتر، لأكن كلمة " على " للإيجاب، ولا سيما متعلِّقُهُ لفظ " الحق "، الذي بمعنى الثابت، ولا ينفي الوجوب مع هذا إلا مكابر معاند.
وأما الجواب عن التخيير بين الخمس، والثلاث، والواحدة، فكان قبل استمرار الثلاث، وقال الطحاوي: وقد أجمعت الأمة بعد رسول الله - عليه السلام- على خلاف ذلك، فأوتروا وترًا لا يجوز لكل من أوتر عنده ترك شيء منه، فدلّ إجماعهم على نسخ ما تقدمه من قول رسول الله، لأن الله لم يكن ليجمعهم على ضلال. والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه، وقد وقفه بعضهم، ولم يرفعوا إلى رسول الله، ولكن هؤلاء
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر الاختلاف على الزهري (1/ 238) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع (1190) .

(5/332)


الثلاثة أخرجوه مرفوضا، كما ذكرنا من رواية بكر بن وائل، عن الزهري، وتابعه على رفعه الأوزاعي، وسفيان بن حسين، ومحمد بن أبي حفصة، وغيرهم. ورواه أحمد أيضا في " مسنده "، وابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرطهما.
***
325- باب: ما يقرأ في الوتر
أي: هذا باب في بيان ما يقرأ في الوتر.
1393- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو حفص الأبار ح، ونا إبراهيم ابن موسى، أنا محمد بن أنس- وهذا لفظه- عن الأعمش، عن طلحة، وزُبيد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن أبيِّ بن كعب، "
قال: " كان رسول الله يوتر: ب {سبحِ اسم ربكَ الأعْلَى} ، وقل للذين كفروا، واللهُ الواحدُ الصَمد " (1) .
ش- أبو حفل الأبار هو: عمر بن عبد الرحمن، وقد مر عن قريب. ومحمد بن أنس القرشي العدوي مولى عمر بن الخطاب، يكنى
أبا أنس. سمع عاصم بن كليب، وسليمان الأعمش، ومطرف بن طريف، وغيرهم. سمع منه: إبراهيم بن موسى الرازي، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو صحيح الحديث. روى له: أبو داود.
وطلحة بن مصرف الكوفي، وزُبيد بن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب بن جُحدب أبو عبد الرحمن اليامي الكوفي. سمع: أبا وائل، وأبا الأحول، والشعبي، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وعمرو بن قيس، ومسعر بن كدام، وشعبة، وغيرهم، قال يحيى القطان: هو ثبت، وقال أبو حاتم: ثقة، مات سنة سنتين وعشرين ومائة. روى له: الجماعة.
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب (1/ 235) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما يقرأ
في الوتر (1171) .

(5/333)


قوله: " وقل للذين كفروا " أراد به: {قُلْ يا أيهَا الكاَفرُونَ} وأراد بقوله: " والله الواحد الصمد " {قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ يدل علَى ذلك رواية النسائي، وابن ماجه، وفي روايتهما {قُلْ يا أيها الكَافرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} . وقال الطحاوي: نا أبو بكرة، نا أبو المطرَف بن أبي الوزير، نا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه أنه صلى مع النبي- عليه السلام- الوتر فقرأ في الأولى ب {سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى} وفي الثانية {قُلْ يا أيُّهَا الكَافرُونَ} ووفي الثالثة ": {قُلْ هُوَ اللهُ احَدٌ} فلما فرغ قال: سبحان الملك القدَوس ثلاثا، ثم يمد صوته بالثالثة.
حدثنا ابن نصر، نا أبو نعيم، نا سفيان، عن زبيد فذكر مثله بإسناده. حدثنا ابن أبي داود، نا أحمد بن يونس، نا محمد بن طلحة عن زبيد فذكر مثله بإسناده غير أنه قال: وفي الثانية: قل للذين كفروا وفي الثالثة: الله الواحد الصمد- فهذا يدل على أنه كان يوتر بثلاث.
1394- ص- نا أحمد بن أبي شعيب، نا محمد بن سلمة، نا خصيف عن عبد العزيز بن جرير قال: سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنينَ: بأيِّ شيء كان يُوترُ رسولُ الله؟ فذكرَ معناه قال: وفي الثالثة ب {قُلْ هُوَ اللهَ أحَدٌ} والمُعَوذتينَ (1) .
ش- محمد بن سلمه الباهلي الحراري، ورصيف بن عبد الرحمن الحراني.
وعبد العزيز بن جريح المكي القرشي مولاهم، والد عبد الملك. روى عن عائشة أم المؤمنين، وسعيد بن جبير. روى عنه: ابنه عبد الملك، وخصيف بن عبد الرحمن. قال البخاري: لا يتابع في حديثه. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقرأ في الوتر (463) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء فيما يقرأ في الوتر (1173) .

(5/334)


والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
***
326- باب: القنوت في الوتر
أي: هذا باب في بيان القنوت في الوتر.
1395- ص- نا عتيبة بن سعيد. وأحمد بن جَوَّاس الحنفيُّ قالا: حدثنا أبو الأحول، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم/، عن أبي الحَوْراء [2/ 161- أ] ، قال أبو داود: أبو الحَوْراء: ربيعة بن شَيْبان (1) ، قال: قال الحسن بن علي: علَّمَني رسولُ الله- عليه السلام- كَلمات أقولهن في الوترِ- قال ابنُ جَوّاس: في قُنوتَ الوتر-: " اللهمَّ اهْدنيً فيمَنْ هَدَيْتَ! وَعَافِنِي فيمَنْ عَافَيْتً! وتَولَّنِي فَيمَنْ تَولَّيْتَ! وباركَْ لي فيما أعطيتَ! وقني شَرَّ ما قضَيْتَ! إنك تَقْضي ولا يُقْضى عليكَ، وإنه لا يَذلُّ مَن والًيْتَ (2) . تَبَاركتَ ربنا وتَعَاليْتً " (3) .
ش- أحمد بن جَواس الحنفي: قد ذكر مرةً، وجَواس- بفتح الجيم وتشديد الواو، وفي آخره سين مهملة- وأبو الأحوص: سلام بن سليم، وأبو إسحاق: السبيعي.
وبُرَيْد- بضم الباء الموحدة وفتح الراء- ابن أبي مريم: السلولي البصري، واسم أبي مريم: مالك بن ربيعة. سمع: أباه، وأنس بن مالك، وأبا الحوْراء. روى عنه: ابنه: يحيى، وأبو إسحاق، وابنه: يونس، وشعبة، وغيرهم، قال ابن معين: كوفي ثقة، وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) هذا النص ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(2) في سنن أبي داود زيادة: " ولا يعز من عاديت " بعد قوله:" ... واليت ".
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القنوت في الوتر (464) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الدعاء في الوتر (3/ 248) ، ابن ماجهِ: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القنوت في الوتر (1178) .

(5/335)


وأبو الحَوْراء- ممدود- وهو بفتح الحاء المهملة، وسكون الواو، وبعدها راء مهملة، اسمه: ربيعة بن شَيْبان البصري. سمع: الحسن بن علي بن أبي طالب. روى عنه: بريد بن أبي مريم، وثابت بن عمارة الحنفي. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " فيمَن هديت " أي: فيمَنْ هديَتَهم، وحذف المفعول كثير في الكلام، وكذلك حذف في " توليت " و " أعطيت ".
قوله: " وقِني " أي: احفظني " شر ما قضَيْته ".
قوله: " وإنه " أي: إن الشأن.
قوله: " مَنْ واليت " فاعل " لا يذلُّ " أي: مَنْ وَاليتَهُ بمعنى: لا يذل من كنتَ له ولنا حافظا وناصرًا.
قوله: " تباركت " أي: تعاظمتَ.
قوله: " ربنا " أي: نا ربّنا، وحرف النداء محذوف.
واستدل أصحابنا بهذا الحديث أن المستحب للقانت في الوتر: أن يقنت بهذا الدعاء، ونمو عليه- أيضًا- صاحب " الهداية " و " المُحيط ". والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي، ولا نعرف عن النبي- عليه السلام- في القنوت شيئا الحسن من هذا. ورواه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والعشرين من القسم الثاني منه، والحاكم في " المستدرك " في " كتاب الفضائل " وسكت عنه. ورواه البَيْهقي في " سننه ". ورواه في رواية بعد " واليت ": " ولا يَعزُّ مَنْ عاديت " وزادَ النسائي في رواية: " تباركتَ وتعاليتَ وصلى الله على النبيّ ". وقال النووي في " الخلاصة ": وإسنادهما صحيح أو حسَنٌ. ورواه إسحاق بن راهوَيْه، والدارمي، والبحار في مسانيدهم، قال الجزار: هذا حديث لا نعلم أحدًا يَرْويه عن النبي- عليه السلام- إلا الحسن بن علي- رضي الله عنهما-.

(5/336)


1396- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهير: نا أبو إسحاق بإسناده ومعناه قال في آخره: قال: هذا يقولُ في الوترِ في القُنوتِ ولم يذكر: " أقولُهن في الوتْرِ " (1) .
ش- زهير: ابن معاوية، وأبو إسحاق: السبِيعي.
قوله: " بإسناده ومعناه " أي: بإسناد الحديث ومعناه المذكور.
1397- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن هشام بن عَمرو الفزاري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن علي بن أبي طالب أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان يقولُ في آخرِ وتْرِه: " اللهمَ إِني أعوذُ برِضَاكَ من سَخَطكَ، وبمُعَافَاتكَ من عُقُوبَتكَ، وأعُوذُ بك منك، لا أحْصِي ثناءً عليكَ أنتَ كَما أثنيت علىَ نفسِك " (2) .
ش- حماد: ابن سلمة. وهشام بن عَمرو الفزاري: روى عن: عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. روى عنه: حماد بن سلمي، قال أحمد: هو من الثقات، وقال أبو حاتم: شيخ قديم ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام: بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو محمد القرشي المخزومي، أدرك عصر النبي- عليه السلام- سمعَ: أباه، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وهو أحد الرهْط الذين أمرهم عثمان بكتابة المصاحف. روى عنه: ابنه: أبو بكر، وهشام بن عمرو الوزاري، والشعبية، قال محمد بن عبد الله: هو تابعين ثقة، مات أبوه: الحارث في طاعون عَمْواس بالشام سنة ثمان عشرة، فخلف
__________
(1) انظر: التخريج المتقدم.
(2) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: في دعاء الوتر (3566) ، النسائي: كتاب الوتر، باب: الدعاء في الوتر (3/ 248) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القنوت في الوتر (1179) .
22 هـ شرح سنن أبي داود هـ

(5/337)


[2/ 161 - ب] / عمر بن الخطاب على امرأته، وكان عبد الرحمن في حجر عمر، وكان عبد الرحمن شهد الجمل مع عائشة، وتوفي في خلافة معاوية.
روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " وأعوذ بك منك " أي: أستعيذ بك من عذابك، أو ألتجئ
أليك من سخطك.
قوله: " لا أحْصي ثناء عليك " أي: لا أقدر على إحْصاء الثناء عليك.
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن
سلمة. واستدلّ لنا ابن الجوزي في " التحقيق " بهذا الحديث على وجوب
القنوت في السنة كلها. فكأنه بناه على أن " كان " يقتضي الدوام.
ص- قال أبو داود: هشام أقدمُ شيخ لحماد، وبلَغني عن يحيي بن مَعين
أنه قال: لم يَرْو عنه غيرُ حمادِ بن سلمة.
ش- أي: هشام بن عَمرو الفزاري أقدم شيخ لحماد بن سلمة. وقال البخاريّ: قال أبو العباس: قيل لأبي جَعْفر الدارمي: روى عن هذا
الشيخ غير حماد؟ فقال: لا أعلم , وليس لحماد عنه إلا هذا.
قلت: أبو جعفر الدارمي هو احمد بن سعيد شيخ البخاري، ومسلم،
وأبو العباس: محمد بن إسحاق السراج.
ص- قال أبو داود: رَوى عيسى بنُ يونس، عن سعيد بن أبي عَروبةَ،
عن قتادة، عن سعيد بنِ عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عَن أبيِّ بنِ كعب،
أن رسولَ اللهِ- علليه اَلسلام- قلَتَ- يعني: في الوترِ قبلَ الركوع-.
ش- هذا الحديث الذي ذكره أبو داود مَعلَّقًا طرف من حديث قد أخرجه
النسائي في " سننه " بطوله، وقال النسائي، وابن ماجه: نا علي بن
ميمون الرقي: نا مخلد بن يزيد، عن سفيان، عن زُبيد اليامي، عن
سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن أبيه بن كعب، " أن
رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان يُوتر فيَقْنت قبل الركوع ". انتهى لابن

(5/338)


ماجه، ولفظ النسائي: كان يوتر بثلاث: يقرأ في الأولى {سبح اسْمَ رَبك الأعْلَى} وفي الثانية {قُلْ يا أيُّهَا الكافرون} وفي الثالثة {قُلْ هوَ اللهُ أَحَدٌ} ويقنت قبل الركوع. انتهى. ورواه في " سننه الكبرى ": فإذا فرغ قال: " سبحان الملك القدوس " - ثلاث مرات- يُطيل في آخرهن، ثم قال: وقد روى هذا الحديث غير واحد عن زبيد النامي، فلم يقل فيه " ويقنت قبل الركوع ".
قلت: وبهذا الحديث استدلّ أصحابنا أن القنوت محلّه [قبل] الركوع. قلت: " (1) وفي الباب عن ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر
- رضي الله عنهم-.
أما حديث ابن مسعود: فما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " والدارقطني في " سننه " عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله ين مسعود: " أن النبي- عليه السلام- قنت في الوتر قبل الركوع ".
وأما حديث ابن عباس: فما رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه " الحلْية " عن عطاء بن مسلم: ثنا العلاء بن المسيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس قال: أوتر النبي- كليه السلام- بثلاث فقنت فيها قبل الركوع.
وأما حديث ابن عمر: فما رواه الطبراني في " معجمه الوسط ": حدثنا محمود بن محمد المروزي: نا سهل بن العباس الترمذي: نا سعيد ابن سالم القداح، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - عليه السلام- كان يوتر بثلاث ركعات، ويجعل القنوت قبل الركوع. قال الطبراني: لم يروه عن عبيد الله إلا سعيد بن سالم. ومن الآثار: ما رواه الطبراني في " معجمه ": نا فضل بن محمد الملطي: نا أبو نعيم: نا أبو العُمَيْس: حدثني عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: كان
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 123: 125) .

(5/339)


عبد الله بن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة، وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركوع. وفي لفظ: كان لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر قبل الركعة. ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في " مُصنفه ": نا يزيد ابن هارون، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي- عليه السلام- كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع (1) .
ص- وَرَوَى عيسَى بنُ يونسَ هذا الحديثَ- أيضًا- عن فطر بن خليفة، عن زُبَيْد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عنَ أبيٍّ، عن النبي - عليه السلام- مثله.
ش- أي: الحديث المذكور. وزُبَيْد: ابن الحارث اليامي، وقد مر ذكره عن قريبٍ. وأخرج البيهقي هذه الرواية- أيضًا- وصرح فيها بذكر القنوت قبل الركوع.
قوله: " مثله " أي: مثل الحديث المذكور الذي فيه التصريح بأن القنوت قبل الركوع.
[2/ 162 - أ] ص- ورُوي عن حفص بن غياث، عن مسْعر، عن/ زُبَيْد، عن سعيد ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبيّ بن كعْب أن رسول اللَه- عليه السلام- قنت في الوتر قبل الركوع.
ش- هذا تعليق آخر بإسنادٍ فيه التصريح بالقنوت قبل الركوع.
ص- قال أبو داود: وحديث سعيد، عن قتادة، رواه يزيدُ بن زُريعٍ، عن سَعْيد، عن قتادة، عن عَزْرَة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن الًنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يذكر القنوت، ولا ذُكِرَ أبي (2) .
ش- أي: حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. رواه يزيد بن
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) في سنن أبي داود: " ولا ذَكَرَ أبنا " وسيذكر المصنف أنها نسخة.

(5/340)


زُريع عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عَزْرة بن عبد الرحمن الخزاعي.
قوله: " ولا ذُكِرَ أبَي " برفع " أبيّ " في بعض النسخ على إسناد الفعل المجهول أيه، أي: ولا ذكر في هذه الرواية: أبيّ بن كعب. وفي بعض النسخ: " ولا ذكر أبنا، بالنَصْب على المفعوليّة.
ص- وكذلك رواه عَبْد الأعلى، ومحمد بن بشر العَبْدي، وسماعه بالكوفةِ مع عيسى بن يونس، ولم يذكرُوا القنوتَ.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث: عبد الأعلى بن عبد الأعْلى. قوله: " وسماعه " أي: سماع محمد بن بشر كان بالكوفة مع عيسى ابن يونس، كلاهما رونا عن سعيد بن أبي عروبة، وكذلك عبد الأعلى من جملة من روى عن سعيد بن أبي عروبة.
ص- وقد رواه- أيضَا- هشام الدستوائي، وشعبة، عن قتادة، لم يذكروا القنوتَ.
ش- أي: قد روى هذا الحديث- أيضًا- هشام الدستوائي، وشعبة ابن الحجاج، عن قتادة، وكلهم لم يذكروا فيه القنوت.
ص- وحديثُ زُبَيد رواه سليمانُ الأعمشُ، وشعبةُ، وعبدُ الملك بن أبي سليمان، وجريرُ بين حازم- كلهم-، عن زُبَيْد، لم يذكرْ أحد منهم القنوتَ إلا ما رُوي عن حفصة بن كنان، عن مسعرة، عن عُبيد، فإنه قال في حديثه: وأنه قَنتَ قبلَ الركوع، وَليسً هو بالمشهور رد من حديثه حفصة، يُخاف (1) أن يكون عن حفصة، عن غير مسعرٍ.
ش- العجبُ من أبي داود كيفَ يقولُ: " لم يذكر أحد منهم القنوتَ إلا ما رُوي عن حفص، عن مِسْعر، عن زُبَيْدٍ "؟ وقد روى هو ذكر القنوت قبل الركوع مِنْ حديث عيسى بن يونس، عن ابن أبي عروبة، ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " نخاف "

(5/341)


قال: وروى عيسى بن يونس هذا الحديث- أيضًا- عن فطْر، عن زُبيد إلى آخره، وقد رواه النسائي، وابن ماجه- كما ذكرنا- وفي إسناد حديثهما: ابن ميمون، وثقه النسائي، وأبو حاتم، ومخلّد وثقه ابن معين، ويعقوب بن سفيان، وأخرج له الشيخان، فظهر بهذا أن ذكر القنوت عن زُبَيْد زيادة ثقة من وُجوه، فلا يصيرُ سكوت من سكت عنه حجة على مَنْ ذكره، وأما عيسى بن يونس: فقال فيه أبو زرعة: ثقة حافظ، وقال ابن المديني: بخ بخ، ثقة مأمون، وإذا كان كذلك فهو زيادة ثقة، ولا سيما جاء له شاهد وهو ما ذكرناه، فافهم.
ص- قال أبو داود: ويُروى أن ابَنا كان يَقنُتُ في النصفِ من رَمضانَ (1) . ش- ذكره أبو داود مُعلّقا، ثم ذكره بإسناده وبَيّن فيه أن النصف هو النصف الأخير من رمضان على ما يذكره الآن.
1398- ص- نا أحمد بن حنبل: نا محمد بن بكر: أنا هشام، عن محمد، عن بعض " أصحابه أن أبي بنَ كعب أمَّهم- يعني: في رمضانَ- فكان يَقْنُت في النصفِ الأخيرِ (2) من رمضانَ (3) . ش- محمد بن بكر: ابن عثمان البَصْري، وهشام: ابن حسان، ومحمد: ابن سيرين. وهذا فيه شيئان , الأول: أن فيه مجهولاً، والثاني: أنه فعلُ صحابي.
1399- ص- نا شجاعُ بن مُخلد: نا هشيم: أنا يونس بن عُبيد، عن الحسَن أن عمرَ بنَ الخطابِ جمعَ الناسَ على أبيِّ بنِ كعب، فكانَ يُصفَي لهم عشرين ليلةً، ولا يَقْنُتُ بهم إلا في النصف الباقِي، فإَذا كانت العشرُ الأوَاخَرُ تخلَّف فصَلَّى في بَيْتِهِ، فكانوا يَقُولُون: أبَقَ أبي (4) .
ش- هُشيم: ابن بَشِير. والحسن: البصري. وهذا الحديث فيه
__________
(1) في سنن أبي داود: " من شهر رمضان ".
(2) في سنن أبي داود: " الآخر ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) تفرد به أبو داود.

(5/342)


شيئان , الأول: أن فيه انقطاعًا , فإن الحسن لم يدرك عمر بن الخطاب
لأنه ولد في سنة إحدى وعشرين، ومات عمر في أواخر سنة ثلاث وعشرين، أو في أول المحرم سنة أربع وعشرين، والثاني: أنه فعل
صحابي. وقال النووي في " الخلاصة ": الطريقان ضعيفان.
قلت: أراد بهما الأول والثاني.
/ ص- قال أبو داودَ: هذا يدل؟ على أن الذي ذُكرَ في القنوت ليْس [2/ 162 - ب] بشيء، وهذان الحديثانِ يدلانِ على ضعْفِ حديثِ أبي، أن النبي- عليه
السلامً- قَنَتَ في الوتر.
ش- هذا غيرُ مُسلم من أبي داود , لأن الحديث الذي ذكر في القنوت
إسناده صحيح على ما بيناه، وكيف يقال فيه: ليْس بشيء؟ والحَديثان
اللّذان أشار أيهما ضَعيفان، فكيف يدلان على ضَعْف الحديث القوي؟
وهذا المقدار عجيب منه , ولكن الرجلَ له هَفْوة، والجَوادَ له كَبْوة،
ونقل بعضهم هذا الكلام من أبي داود ثم قال: وهو مُنازعَ في ذلك.
***
327- بَابٌ: فِي الدُّعاءِ في (1) الوِتْرِ
أي: هذا باب في بيان الدعاء في الوتر. وفي بعض النسخ: " باب
الدعاء بَعْد الوتر " وهو أصغ.
1400- ص- نا عثمان بن أبي شَيْبة: نا محمد بن أبي عبيدة: نا أبي،
عن الأعمش، عن طلحة الإيامي، عن ذَر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن
أبزى، عن أبيه، عن أبي بنَ كعبٍ قال: كان رسولُ الله إذا سَلمَ في الوترِ
قال: " سُبحانَ الملكِ القُدُوسِ " (2) .
ش- محمد بن أبي عبيدة: ابن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود، واسم أبي عبيدة: عبد الملك الكوفي المسعودي الهذلي. سمع:
__________
(1) في سنن أبي داود: " بعد "
(2) النسائي: كتاب الوتر، باب: القراءة في الوتر (3/ 245) .

(5/343)


أباه. روى عنه: ابنا أبي شيبة، وأبو كريب، ومحمد بن الحسن بن إشكاب، قال ابن معين: ثقة. مات سنة خمس ومائتين. روى له: الجماعة إلا الترمذي.
وأبوه: أبو عبيدة عبد الملك بن مَعْين الكوفي. روى عن: الأعمش. روى عنه: ابنه: محمد، وابن المبارك، قال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
؟ طلحة: ابن مُصرف الإيامي الهَمْداني، وذَرّ: ابن عبد الله الهَمْداني. قوله: " سبحان الملك القدوس " سبحان: علم للتسبيح كعثمان علم للرجل، وانتصابه على المصدر بفعل مضمر , كأنه قال: أبرئ الله من السُوء براءةً , واصل التسْبيح: التنزيه، والتقديس والتَبْرئة من النقائص. والقدُّوس: فُعّول، ومعناه الظاهر: المنزه عن العيوب والنقائص، وهذا (1) البناء للمبالغة، وقد تفتح القاف , وليس بالكثير، وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى. والحديث: أخرجه النسائي.
1401- نا محمد بن عَوْف: نا عثمان بن سعيد، عن أبي غسان محمد ابن مصرف المدني، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد قال: قال النبي- عليه السلام-: " من نَامَ عن وترِه أو نَسيَه فليُصلِّه إذا ذَكَرهَ" (2)
.ً
ش- عثمان بن سعيد: الحمْصي، وأبو سعيد: الخدري.
وهذا الحديث-أيضا- يدل عي وجوب الوتر , لأنه- عليه السلام- أمر بقضائه إذا نام عنه أو نسيَه، ولا يؤمر إلا بقضاء الواجب , وهو حجة على الشافعي في قوله: " اَلوتر لا يُقضى ". وقال صاحب " المحيط ": ولو فاته الوتر يقضي , خلافا للشافعي، أما عنده فلأنه واجب، وأما
__________
(1) في الأصل: " وهذه ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل ينام عن الوتر (465) ، ابن ماء: كتاب إقامة الصلاة، باب: من نام عن وتر أو نسيه معه (1188)

(5/344)


عندهما: فلقوله- عليه السلام- " من نام عن وتره " الحديث. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه. وأخرجه الترمذي- أيضًا- مرسلاً، وقال: وهذا اصح من الحديث الأول، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم بالكوفة إلى هذا الحديث فقالوا: يوتر الرجلُ إذا ذكر وأن كان بعد ما طلعت الشمس. وبه يقول سفيان الثوري.
***
328- بَاب: في الوِتْر قَبْلَ النَّوْم
أي: هذا باب في بيان الوتر قبل النوم.
1402- ص- نا ابن المثنى: نا أبو داودَ: نا أبانُ بن يزيد، عن قتادة، عن أبي سعيد- من أزدِ شَنُوءةَ- عن أي هريرةَ قال: أوصَانِي خَليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدَعُهُنَّ في سَفر ولا حَضَرِ: ركعتي الضُّحَى، وصَوم ثلاثةِ أنامِ من الشهرِ، ولا أنامُ (1) إلا علَى وترِ (2) .
ش- محمد: ابن المثنى، وأبو داود: الطيالسي. وأبو سعيد: الأزْدي، من أزد شَنُوءَة. روى عن: أبي هريرة. روى عنه: قتادة، حديثه في البصريين. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. قوله: " أوصاني خليلي " المرادُ به: جبريل- عليه السلام- (3) ، ولا يُخالف قوله- عليه السلام- لا لو كنت متخذا من أمتي خليلا الأن الممتنع: أن يتخذ النبي- عليه السلام- غيره خليلاً، ولا يمتنع اتخاذ
__________
(1) في سنن أبي داود: " وأن لا أنام ".
(2) البخاري: كتاب التهجد، باب: صلاة الضحى في الحضر (1178) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان (721) .
(3) كذا، والقائل " أوصاني " هو أبو هريرة، وهذا يقتضي أن الموصي هو النبي صلى الله عليه وسلم

(5/345)


الصحابي وغيره النبي- عليه السلام- خليلا. وفي هذا الحديث الحثُّ على ركعتي الضحى، والحث على صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وعلى الوتر وتقديمه على النوم لمن خاف أن لا يَسْتيقظ آخر الليل. وقد أخرجه البخاري، ومسلم بنحوه من حديث أبي عثمان النَّهْدي، عن أبي هريرة. [2/ 163 - أ] وأخرجه/ مسلم من حديث أبي رافع الصائغ، عن أبي هُريرة , وليس في حديثهما: " في سفرٍ ولا حضرٍ ".
1403- ص- نا عبد الوهاب بن نجْدة: نا أبو أيمان، عن صَفْوان بن عَمرو، عن أبي إدريس السَكُوني، عن جُبير بن نفير، عن أبي الدرداء: أوْصَانِي خَليلِي بثلاثِ لا أدَعُهُن لشيء: أوْصَانِي بصيام ثلاثة أيامِ من كلِّ شهرِ، ولا أَنامُ إِلا على وترِ، وتَسْبِيحةِ (1) الضُّحَى في السفرِ والَحَضَرِ (2) (3) .
ش- أبو أيمان: الحكم بن نافع البهراني الحمْصي، مولى امرأة من بَهْراء يُقال لها: أمّ سلمة. روى عن: حريز بن عثمان الرحبي، وصفوان بن عمرو، وأرطاة بن المنذر وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحمى بن معين، وأبو زرعة الدمشقي وغيرهم. توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه (4) .
وصفوان بن عمرو: السكسكي الحمْصي. وأبو إدريس السَّكُوني
- بفتح السن-، روى عن: جُبير بن نفير. روى عنه: صفوان بن عمرو. روى له: أبو داود.
قوله: " لا أدعهنّ " أي: لا اتركهنّ.
قوله: " وتسبيحة الضحى " أي: صلاة الضحى. والحديث أخرجه: مسلم من حديث أبي مرة مولى أم هانئ، عن أبي الدرداء بنحوه , وليس فيه لا في الحضر والسفر "
__________
(1) في سنن أبي داود: " وبسبحة ".
(2) في سنن أبي داود: " في الحضر والسفر ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1448) .

(5/346)


1404- ص- نا محمد بن أحمد بن [أبي] خلف: نا أبو زكرياء السَّيْلَحِيني: نا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رَباح، عن أبي قتادة أن النبي- عليه السلام- قال لأبي بكرٍ: " مَتى تُوتِرُ؟ " قال: أوترُ من أول الليلِ، وقال لعُمَر: " متى تُوترُ؟ " قال: آخرُ الليلِ، قال لأبي بكر (1) : " أخَذَ هَذا بالحَذَرِ " (2) وقال لعُمَرَ: " أخذَ هذا بالقوةِ " (3) .
ش- أبو زكرياء: يحيي بن إسحاق السَّيْلَحِيني، قد مرّ مرةً، وثابت: البياني، وأبو قتادة: الحارث بن ربْعي.
قوله: " أخذ هذا بالحذر " وفي نسخة صحيحة: " بالحزْم " , الحزمُ: ضَبْط الرجل أمْره والحذر من فواته، من قولهمً: حزمت الشيءَ أي: شدَدْتُه.
قوله: " أخذ هذا بالقوة " لأن الوثوق بالانتباه آخر الليل من القوة. وبه استدل أصحابنا: أن الرجل يُستحب له أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل إن وثق بالانتباه، د لا فالأفضل: أن يوتر قبل النوم.
***
329- بَابُ: وقْت الوتْرِ
أي: هذا باب في بيان وقت الوتر.
1405- ص- نا أحمد بن يُونس: نا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن مُسلم، عن مَسْروق قال: قلتُ لعائشة: مَتى كان يُوترُ رسولُ اللهِ؟ قالت: كُلُّ ذلك قد فَعلَ، أوترَ أؤلَ الليلِ ووَسطَهُ وآخِرَهُ؟ ولكن انتهى وتْرُهُ حين مَاتَ إلى السحَرِ (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال "
(2) في سنن أبي داود: " بالحزم " وسيذكر المصنف أنها نسخه.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) البخاري: كتاب الوتر، باب: ساعات الوتر (996) ، مسلم: كتاب صلاة=

(5/347)


ش- أبو بكر بن عياش: ابن سالم الأسدي، قيل: اسمه: محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم، وقيل غير ذلك؛ وقد ذكرناه. ومُسلِم: ابن عمران البَطين الكوفي، ومسروق: ابن الأجْدع.
قوله: " كلّ ذلك " مبتدأ، وخبره: قوله: " قد فعل " أي: قد فعله. وقوله: " أوتر أول الليل " إلى آخره، بيان لقوله " كل ذلك قد فعل " والمراد من " أول الليل ": بعد صلاة العشاء الأخرة، وقد علم من ذلك: أن وقت الوتر: ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر , ففعله- عليه السلام- أول الليل وأوسطه بيان للجوار، وتأخيره إلى آخر الليل تنبيه على الأفضل لمن يثق بالانتباه، وكان بعض السلف يوترون أول الليل، منهم: أبو بكر، وعثمان، وأبو هريرة، ورافع بن خديج، وبعضهم يوترون آخر الليل، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر وغيرهم من التابعين. وأما أمره- عليه السلام- لأبي هريرة قبل النوم بالوتر: فهو اختيار منه له حين خشي أن يستولي عليه النوم، فأمرُه بالأخذ بالثقة، والترغيب في الوتر من آَخر الليل هو لمن قوي عليه، ولم تكن عادته أن تغلبه عيْناه. والحديث: أخرجه الجماعة.
1406- ص- نا هارون بن معروف: نا ابن أبي زائدة: حَدثني عُبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي- عليه السلام- قال: " بادرُوا الصبْحَ بالوِترِ " (1) .
ش- زكرياء: ابن أبي زائدة، وعُبيد الله بن عُمر العُمري.
قوله: " بادرُوا " أي: سارعوا؟ والمعنى: أوتاوا قبل أن تصبحوا.
__________
=المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل (745) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: الوتر أول الليل (457) ، النسائي: كتاب الوتر، باب: الوتر
(3/ 230) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر آخر الليل (1185) .
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: مبادرة الصبح بالوتر (467) .

(5/348)


وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا الحديث
- أيضاً- يدل على وجوب الوتر , لأن الأمر بالمبادرة به لأجل خوف فواته
/ عن وقت الأداء , وذا من أمارات الوُجوب، والاستدلال به في أنه [2/ 163 - ب] يُقضى بعد خروج وقته باطل يُعرف بالتأمل.
1407- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث بن سَعد، عن معاويةَ بن
صالح، عن عَبْد الله بن أبي قيْس قال: سألت عائشة عن وترِ رسول الله
- عليه السلام- قالتْ: رُبَّما أوترَ أولَ الليلِ، وربما أوترَ من آَخره، قلتُ
كيف كانتْ قراءَتُه؟ كان يُسرُّ بالقراءة أم يَجْهرُ؟ قالت: كُلّ ذَلك كان
يَفعلُ، ربما أسَرَّ وربما جَهَرَ، وربما اغتسلً فَنامَ، وربما تَوَضأ فنامَ.
قال (1) غيرُ قُتيبة: تَعْني: في الجَنَابَةِ (2) .
ش- يُستفادُ من الحديث: أن الوتر يجوز في أول الليل وآخره، وأنه
مخير بين الجهر بالقراءة فيه وبَن إخفائها، وأنه إذا جامع أهله إن اشتهى
اغتسل ونام، وإن اشتهى توضأ ونام، كل ذلك جائز تيسيرًا للعباد.
قوله: " تعني: في الجنابة " أي: تعني عائشة بقولها: " وربما توضأ
فنام " في الجنابة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي وفي حديثهما:
"فقلتُ: الحمد لله الذي جعل في الأمْر سَعةً ".
1408- ص- نا أحمد بن حنبل: نا يحيى، عن عُبيد الله: حدثني نافع،
عن ابن عمرَ، عن النبيِّ- عليه السلام- قال: " اجعَلُوا آخرَ صلاتكُم بالليلِ
وترم " (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: أقال أبو داود: قال غير ... ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب 00. (307) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب قراءة الليل (449) .
(3) البخاري: كتاب الوتر، باب: يجعل آخر صلاته وتراً مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل (777) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التطوع في البيت (1377) .

(5/349)


ش- يحيي: القطان، وعُبيد الله: ابن عمر بن حفص.
وهذا الأمر للاستحباب , فيُستحب للرجل أن يُوتر آخر الليل إن وثق بالانتباه، وان يجعله آخر جميع صلاته. وأما ما روي عنه- عليه السلام- أنه كان يُداوم على ركعتين بعد الوتر، ويجعلهما آخر صلاة الليل، فالمراد منه: بيان الجواز، وقد تكلمنا في هذا المقام مُسْتوفًى.
***
330- بَاب: فِي نَقْضِ الوِتْرِ
أي: هذا بابٌ في بيان نقض الوتر.
1409- ص- نا مسدد: نا مُلازمُ بن عَمرو: نا عبدُ الله بن بَدْر، عن قَيْس بن طَلق قال: زَارَنَا طلقُ بنُ عليه في يومٍ من رَمضانَ وأمْسَى عندَنَا وأفْطرَ، ثم قًامَ بنَا تلك الليلةَ، وأوترَ بينا، ثم انحدر إلى مَسْجلِهِ فصلى بأصحابه حتى إذا بَقِيَ الوترُ قامَ رجلاً فقال: أوترْ به"صْحابكَ؟ فإني سمعتُ رسولَ الله يَقُولُ: " لا وِتران في لَيلة " (1) .
ش- مُلازم بن عَمرو: الحنفي اليماميّ، وعبدُ الله بن بَدْر: ابن عُميرة الحنفي، وقَيْسُ بن طلق: ابن علي الحنفي، وطلق بن علي: ابن المنذر الحنفي الصحابيّ.
ويُستفادُ من الحديث فوائدُ , الأولى: جواز قيام التراويح بالجماعة؟
لأن قوله: ثم قام بنا تلك الليلة: هي صلاة التراويح. الثانية: جواز صلاة الوتر بالجماعة؟ ولكن في رمضان، وقال صاحب " الهداية ": ولا يُصلِّي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان، عليه إجماع المسلمين. الثالثة: يُفهَم منه جواز الإمامة في التراويح في مَوضعين , ولكن ذكر أصحابنا أنه إذا صلى في كل موضع على الكمال لا يجوز، وقال صاحب " المحيط ": إمام يُصلي التراويح في مَسْجدين في كل مَسْجد على الكمال
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: لا وتران في ليلة (470) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: النهي عن وترين في ليلة (3/ 229) .

(5/350)


لا يجوز , لان السُّنَّة لا تتكرر في وقت واحد، وغير الإمام لو صلى التراويح في مسجدين لا بأس به , لأنه اقتداء المتطوع بمن يُصلي السُّنَّة فيجوز كما لو صلى المكتوبة ثم أدرك الجماعة ودخل فيها جاز.
قلت: فعلى هذا يحتمل أن تكون إمامة طلق بن علي في احد الموضعين
لا على وجه الكمال , ولئن سلمنا فهو فعل صحابي, على أن الحديث مَعلول بقيس بن طلق , فإنه قد ضعفه غيرُ واحدٍ.
الرابعة , يفهم منه أن الرجل إذا صلى الوتر مرةً لا يجوز له أن ينقض هذا ويُصفيه ثانيا، وترجمة الباب في هذه الصورة.
وقال الترمذي- بَعدَ أن روى بإسناده عن طلق بن علي قال: سمعتُ رسول الله يقولُ: " لا وتران في ليلة "-: هذا حديث حسن غريب، واختلف أهل العلم في الذي يُوتِر من أول الليل ثم يقومُ من آخره , فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- ومَن بعدهم نقض الوتر، وقالوا: يُضيف أيها ركعة ويُصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته , لأنه لا وتران في ليلة، وهو الذي ذهب أيه إسحاق، وقال بعض أهل العلم- من أصحاب النبي عليه السلام- وغيرُهم: إذا أوتر من أول الليل ثم نام، ثمِ قام من آخر الليل فإنه يُصلي ما بدَا له، ولا ينقض وتره، ويدعُ وتره على ما كان , وهو قول سفيان الثوري، ومالك، وابن المبارك، واحمد/ وهذا اصح , لأنه قد روي من غير وجه [2/ 164 - أ] أن النبي- عليه السلام- قد صلى بعد الوتر. انتهى.
وقال في " مختصر السنن ": قوله: " لا وتران في ليلة " معناه: أن
من أوتر ثم صلى بعد ذلك لا يُعيد الوتر.
واختلف العلماء فيمن أوتر ثم نام، ثم قام فصلى، هل يجعلُ آخر صلاته وترًا؟ فكان عبد الله بن عمر إذا عرض له ذلك صلى ركعة واحدةً ابتداء قيامه، أضافها إلى وتره يَنْقضه بها، ثم يصلي مَثنى مَثنى، ثم يوتر بواحدة. وروى ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود. وكان طائفة لا ترى نقض الوتر. ويُروى ذلك عن: أبي بكر، وعمار وغيرهما، وقالت

(5/351)


عائشة في الذي ينقض وتره: هذا يَلْعبُ بوِتره. وقال الشعبي: أمرْنا بالإبْرام ولم نؤمر بالنقض.
قلت: روى ابن أبي شيبة: نا وكيع،. عن أبي حمزة، عن ابن عياش، وعائذ بن عمرو، قالا: إذا أوترت أول الليل فلا توتر آخره، وإذا أوترت آخره فلا توتر أوله.
ونا هشيم قال: اخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عائشة أنها سُئلَتْ
عن الذي ينقض وتره فقالت: إنما أمرنا بالإبْرام ولم نؤمر بالنقض.
***
331- بَابُ: القُنُوتِ في الصلَواتِ
أي: هذا باب في بيان قراءة القنوت في الصلوات.
1410- ص- نا داود بن أميّةَ: نا معاذ- يعني: ابن هشام-: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: نا أبو هريرة قال: والله لأقَرئن بكُم (1) صلاةَ رسول الله- عليه السلام-. قال: فكان أبو هريرةً يقنت في الركعة الآخرةِ من صَلاَة الظهرِ، وصلاةِ العِشاءِ الآخرةِ، وصلاةِ الصبح، فيدعُو للمَؤمنين، ويَلعنُ الكَافرين (2) .
ش- " لأقربن "- بالباء المُوحدة , وفي نسخة صحيحة: " لأقرئنّ َ" من القراءة، وفي رواية الطحاوي: قال أبو هريرة: لأرينكم صلاة رسول الله. وأخرجه: البُخاريُ، ومسلم، والنسائي. وكل ما جاء من القنوت في الصلوات الفرض قد نُسخ.
وقال الطحاوي: حدثنا ابن أبي داود: نا المقدمي: نا أبو معشر: نا
أبو حمزة، عن إبراهيم، عن القمة، عن ابن مسعود قال: قنت
__________
(1) في سنن أبي داود: " لكم "
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: حدثنا معاذ بن فضالة (797) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمة نازلة (676) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: النهي عن وترين
في ليلة (2/ 229) .

(5/352)


رسول الله شهرًا يَدْعُو على عُصية وذكوان، فلها ظهر كليهم ترك القنوت، وكان ابن مسعود لا يَقنتُ في صلاة، ثم قال: فهذا ابن مسعود يُخبرُ أن قنوتَ رسول الله الذي كان إنما كان من أجل من كان يَدْعو عليه، وأنه قد كان ترك ذلك فصارَ القنوت منسوخا، فلم يكن هو من بعد رسول الله يقنتُ، وكان أحدُ مَنْ رَوَى- أيضًا- عن رسول الله عبد الله بن عمر، ثم أخبرَهم أن الله- عز وجل- نسخ ذلك حين أُنزِلَ على رَسول الله - عليه السلامِ- {لَيْسَ لَكَ منَ الأمْرِ شَيء أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذبّهَمْ فَإِنَهُمْ ظَالمُون} (1) فصار ذلكَ عند ابن عمر منسوخا- أيضًا- فلم يكن هوَ يقْنت بَعدَ رسول الله، وكان يُنكِرُ على مَنْ كان يَقنت، وكان احد من روي عنه القنوت عن رسول الله- عليه السلام-: عبدُ الرحمن بن أبي بكر، فأخبر في حديثه بأن ما كان يقنتُ به رسول الله دعاء على منِ كان يدعو عليه، وأن الله عز وجل نسخ ذلك بقوله: {لَيْسَ لَكَ من الأمْرِ شَيء أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذبّهَمْ} الآية، ففي ذلك- أيضاَ- وجوب ترك القنوت في الفجر.
فإن قيل: قد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الصبح بعد النبي
- عليه السلام-، فكيف تكون الآية ناسخة لجملة القنوت؟ وكذا أنكر البيهقي ذلك، فبسط فيه كلاما في كتاب " المعرفة " فقال: وأبو هريرة أسلم في غزوة خيبر، وهو بعد نزول الآية بكثير , لأنها نزلت في احدٍ، وكان أبو هريرة يقنت في حياته- عليه السلام- وبعد وفاته؟ قلنا: يحتملُ أن يكون نزول هذه الآية لم يكن أبو هريرة علمه، فكان يعملُ على ما علم من فعل رسول الله وقنوته إلى أن مات. لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك، الا ترى أن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر لما علما بنزول هذه الآية، وعَلِمَا كونها ناسخة لما كان رسول الله يَفعْل تركا القنوت.
1411- ص- نا أبو الوليد، ومسلم بن إبراهيم، وحفص بن عمرو،
__________
(1) سورة آل عمران: (128) .
23 هـ شرح سنن أبي داود هـ

(5/353)


ونا ابن معاذ: نا أبي قالوا كلهم: نا شعبة، عن عمرِو بن مُرة، عن ابن أبي ليلى، عن البَرَاء، أن النبي- عليه السلام- كان يقنُتُ في صلاةِ الصبحِ. [2/ 164 - ب] زاد ابن معاذ: وصلاة/ المغربِ (1) .
ش- أبو الوليد: َ هشام بن عبْد الملك الطيالسي، وابن معاذ: هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ (2) بن حسان البصري، والبراء: ابن عازب. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي مشتملاً على الصلاتين. ومذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق: القنوت في الصبح، وأن محله بعد الركوع. ومذهب أبي حنيفة وأصحابه: لا قنوت إلا في الوتر قبل الركوع. وقد قلنا: إن أحاديث القنوت في الفرائض منسوخة. ومن أحاديث الشافعي ومن معه: ما رواه عبد الرزاق في " مُصنّفه ": أخبرنا أبو جَعْفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله- عليه السلام- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. ومن طريق عبد الرزاق: رواه الدارقطني في " سننه "، وإسحاق بن راهوَيْه في " مسنده "، ولفظه عن الربيع بن أنسٍ: قال: قال رجل لأنس بن مالك: اقنتي رسولُ الله شهرا يدْعو على حي منْ أحياء العرب؟ قال: فزجره أنسى وقال: مازال رسول الله- عليه السلام- يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا. قال إسحاق: وقوله " ثم تركه " يعني: ترك تسمية القوم في الدعاء. انتهى.
ورواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب " الأربعين" له، وفي " الخلاصة " للنووي: صححه الحاكم في كتابه المستدركة فليراجع " وقال: حديث صحيح. ورواته كلهم ثقات، وعن الحاكم: رواه البيهقي في " المعرفة " بسنده ومَتْنه وسكت عنه، قال: وله شواهد عن أنس ذكرناها في السنن ".
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة، وإذا نزلت بالمسلمين نازلة (678) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: القنوت في الفجر (401) ، النسائي: كتاب افتتاح الصلاة، باب: القنوت في صلاة المغرب (2/ 202) .
(2) كتب فوقها:" صح "

(5/354)


وقال صاحب: " التنقيح على التحقيق ": هذا الحديث أجود أحاديثهم، وذكر جماعة وثقوا أبا جعفر الرازي، وله طرق في كتاب " القنوت " لأبي مُوسى المديني، قال: وإن صغ فهو محمول على أنه مازال يقنت في النوازل، أو على انه ما زال يُطول في الصلاة , فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة، والقيام، والخشوع، والسكوت، وغير ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّ إبْراهيمَ كَانَ أمَّةَ قَانِتَا للهِ حَنِيفًا} (1) ، وقال: {أفَنْ هُوَ قَانت آنَاءَ الليل} (2) قاَل (3) : {ومَن يَقْنُتْ منكُن لله} (4) ، وقال: {يا مَرْيَمُ اقْنُتِي} (5) ، وقال: {وقُومُوا للهَ قَانتينً} (6) ، وقال: {كُل لهُ قَانِتُون} (7) . وفي الحديث: " أفضلَ الَصَلاة: طول القنوت " انتهى. وضعفه ابن الجوزي في كتاب "التحقيق " وفي " العلل المتناهية " فقال: هذا حديث لا يصح , فإن أبا جعفر الرازي اسمُه: عيسى بن ماهان , قال ابن المديني: كان يخلط، وقال يحيي: كان يخطئ، وقال أحمد: ليس بالقوي في الحديث، وقال أبو زرعة: كان يَهِمُ كثيرًا، وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير. انتهى. ورواه الطحاوي في " شرح الآثار ": وسكت عنه , إلا أنه قال: وهو مُعارَض بما رُوي عن أنس أنه- عليه السلام- إنما قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه. انتهى.
قلت (8) , ويُعارَضُ بما رواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد العزيز: نا شيبان بن فروخ: نا غالب بن فرقد الطحان قال: كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة. انتهى./
__________
(1) سورة النحل: (120) .
(2) سورة الزمر: (9) .
(3) كذا بدونه " واو ".
(4) سورة الأحزاب: (31) .
(5) سورة آل عمران: (43) .
(6) سورة البقرة: (238) .
(7) سورة البقرة: (116) .
(8) القائل هو الحافظ الزيلعي كما في نصب الراية.

(5/355)


وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة، عن
حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي قال: لم يُر النبي- عليه السلام- قانتاً في الفجر حتى فارق الدنيا.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": أحاديث الشافعية على أربعة أقسام،
منها: ما هو مطلق وأن رسول الله- عليه السلام- قنت , وهذا لا نزاع
فيه , لأنه ثبت أنه قنت، والثاني: مقيد بأنه قنت في صلاة الصبح فيحمل
على فعله شهرا بأدلتنا، الثالث: ما رُوي عن البراء بن عازب أن النبي
- عليه السلام- كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب. رواه مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد، وقال أحمد: لا يُروى عن
النبي- عليه السلام- أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث، والرابع:
ما هو صريح في حجتهم , نحو ما رواه عبد الرزاق في " مصنفها- وقد
ذكرناه الآن-.
قال: وقد أورد الخطيب في كتابه الذي صنفه في " القنوت " أحاديث
أظهر فيها تعَصبه , فمنها: ما أخرجه عن دينار بن عبد الله خادم أنس بن
مالك، عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله- عليه السلام-[2/ 165 - أ] يقنت في صلاة الصبح حتى مات. قال: وسكوته/ عن القدح في هذا الحديث، واحتجاجه به وقاحة عظيمة، وعصبية نادرة، وقفة دين , لأنه
يعلم أنه باطل , قال ابن حبان: دينار يروي عن أنس أضناء موضوعه لا
يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها، فواعجبا للخطيب! أما
سمع في " الصحيح ": " من حدث عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو
أحد الكاذبين "؟ ! وهل مثله إلا كمثل من أنفق بَهْرجًا ودلسه , فإن كثر
الناس لا يعرفون الصحيح من السقيم، وإنما يظهرُ ذلك للنُقاد، فإذا أورد
الحديثَ مُحدثْ، واحتج به حافظ، لم يقع في النفوس إلا أنه صحيح
ولكن عصبيته. ومَنْ نظر في كتابه الذي صرفه في القنوت، وكتابه الذي
صنفه في الجهر بالبسملة، ومسألة الغيم، واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم
بطلانها اطلع على فرط عصبيته، وقفة دينه، ثم ذكر له أحاديث أخرى

(5/356)


كلها عن أنس، أن النبي- عليه السلام- لم يزل يَقْنت في الصبح حتى مات، وطعن في أسانيدها " (1) .
1412- ص- نا عبد الرحمن بن إبراهيم: نا الوليد: نا الأوزاعي: حدثني يحيي بن أبي كثير: حدثني أبو سلمي، عن أبي هريرة قال: قنَتَ رسولُ الله- عليه السلام- في صَلاة العَتْمَة شهرًا يَقُولُ في قُنُوتِهِ: " اللهم نجِّ الوليدً بنَ الوليد، اللهم نَجِّ سلمةً بنَ هشَام، اللهم نَجِّ المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشددْ وَطأتَكَ على مُضَرَ، اللهم اجْعَلهَا عليهم سِنينَ كسِنِيِّ يوسفَ ". قال أبو هريرةَ: وأصبح رسولُ اللهِ ذاتَ يومٍ فلم يَدع لهم، فذكرتُ ذلك له فقال: " وما تَراهم قد (2) قدِمُوا؟ " (3) .
ش- عبد الرحمن بن إبراهيم: قاضي الأردن، دُحَيْم، والوليد: ابن مسلم.
قوله: " نج الوليدَ بن الوليد " هو اخو الخالد بن الوليد، أسر يوم بدر كافرًا فَفُدي بأربعة آلاف درهم، ولما افتُدي أسلم، فحبسوه بمكة، فكان رسول الله يَدْعو له. وسلمة بن هشام: أخو أبي جهل بن هشام، وكان من خيار الصحابة، واحتبس بمكة، وعُذب في الله، وكان رسول الله يَدْعو له.
قوله: " وطأتك " الوطأة- بفتح الواو، وسكون الطاء، وبعدها همزة- هي البَأس , والمعنى هنا: الإيقاع بهم، والعقوبة لهم، ويكون الوطأة بالقدم وبالقوائم وبالخيل.
قوله: " كسِني يوسفَ " أصله: كسِنين , سقطت النون بالإضافة،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من " نصب الراية ".
(2) غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: دعاء النبي يكل صلى الله عليه وسلم اجعلها عليهم كسني يوسف، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب القنوت (675) .

(5/357)


ومعنى " سنِي يُوسُفَ ": الجدْبُ والقحط , وهي السَبْع الشداد التي أصابتهم. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
1413- ص- نا عبدُ الله بن معاوية الجُمحي: نا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قنتَ رسولُ الله- عليه السلام- شهرًا مُتتابعًا في الظهرِ والعَصْرِ والمغرب والعشاء، وصَلاةِ الصبح في دُبُرِ كل صلاةٍ إَذا قال: سَمِعَ اللهُ لمن صَلَهُ مَن الركعَةِ الآخرةِ، يدْعو على أحْناء من [بني] سُلَيْم: على رعْل، وذَكوانَ، وعُصَية، ويؤمنُ مَنْ خَلفَه (1)
ش- عبد الله بن معاوية: ابن موسى بن نشيط الجُمحي، أبو جعفر ".
روى عن: صالح المري، وحماد بن سلمة، وَوُهَيْب بن خالد وغيرهم. روى عنه: محمد بنْ الحارث المخزومي، وأبو داود. مات سنة ثلاث وأربعن ومائتين.
وثابت بن يزيد: الأحول، أبو زيد البصري. روى عن: بُرد بن سنان، وهلال بن خباب وآخرين. روى عنه: عبد الله بن معاوية وغيره، قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس. روى له الجماعة. وهلال بن خبّاب- بالخاء المعجمة، وتشديد الباء الموحدة الأولى-
أبو العلاء البصري العبدي مَوْلى زيد بن صُوحَان، سكن المدائن ومات بها سنة أربع وأربعين ومائة. روى عن: أبي جحيفة السّوائي، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير وغيرهم. روى عنه: ثابت بن يزيد، ومسعر، والثوري، وأبو عوانة وغيرهم. قال أحمد: شيخ ثقة، وقال
- سفيان: ثقة , إلا أنه تغير، عَمِلَ فيه السنُّ. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " على رعل " بيان عن قوله: وعلى أحناء من [بني] سليم "، ورعيل- بكسر الوراء، وسكون العين المهملتين ولام-، وذكران- بفتح
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(5/358)


الذال المعجمة، وسكون الكاف، وبعدها واو وألف ونون- وعُصَيّة
- بضم العين، وفتح الصاد المهملتين، وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وتاء تأنيث- كلها أحناء من بني سُلَيْم.
وقال الخطابي: فيه بيان أن موضع/ القنوت بعد الركوع لا قبله. [2/ 165 - ب] ، والجواب: أنه منسوخ، على أن في إسناده هلال بن خبّاب , قال ابن
حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
1414- ص- نا سليمان بن حرب، ومسدد قالا: نا حماد، عن أيوب،
عن محمد، عن أنس بن مالك أنه سُئلَ: هل قنَتَ رسولُ الله في صلاة
الصبح؟ فقال: نعم، فقيلَ له: قبلَ اَلركوِع أو بعدَ الركوع؟ قال: بعدً
الركوع. قال مُسدد: بِيسيرٍ (1) .
ش- حماد: ابن سلمي، وأيوب: السختياني، ومحمد: ابن سيرين.
قوله: " قال مسدد: بيسير " أي: قال مسدد في روايته: بعد الركوع
بيسير. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه
مختصرا ومُطولا. والجواب عن ذلك: أنه روي عن أنس من وجوه
خلاف ذلك , فروى إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عنه أنه قال:
قنت رسول الله ثلاثين صباحا على رِعْل وذكوان. وروى قتادة، عنه
نحوا من ذلك. وروى عنه محمدٌ أن رسول الله- عليه السلام- إنما قنت
عشرين يوما. وروى عاصم عنه إنكار القنوت بعد الركوع أصلاً وأن
رسول الله إنما فعل ذلك شهران ولكن القنوت قبل الركوع، فهؤلاء كلهم
أخبروا عنه خلاف ما رواه محمدٌ عنه، فلم يجز لأحد أن يحتج من
حديث أنس بأحد الوجهين مما روي عنه , لأن لخصمه أن يحتج عليه بما
__________
(1) البخاري: كتاب الوتر-، باب القنوت قبل الركوع وبعده (1001) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب القنوت في جميع إذا
نزلت بالمسلمين نازلة حول (298 / 677) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: القنوت في صلاة الصبح (2/ 200) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
ما جاء في القنوت قبل الركوع وبعده (1184) .

(5/359)


روي عنه مما يخالف ذلك. وأما قوله: " ولكن القنوت قبل الركوع " فلم يذكر ذلك عن النبي- عليه السلام- , فقد يجوز أن يكون ذلك أخذه ممن بعده أو رأيا رآه.
1415- ص- نا أبو الوليد: نا حماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، أن النبي- عليه السلام- قنتَ شهرًا ثم تَرَكَه (1) . ش- أبو الوليد: الطيالسي. والحديث أخرجه: مسلم أتم منه , وليس فيه " ثم تركه ".
قوله: " ثم تركه " يدل على أن القنوت في الفرائض كان ثم نسخ. قال الخطابيّ: معنى قوله: " ثم تركه " أي: ترك الدعاء على هؤلاء القبائل المذكورة في الحديث الأوّل، أو ترك القنوت في الصلوات الأربع ولم يتركه في صلاة الصبح.
قلت: هذا كلام متحكم متعصّب بلا دليل، فإن الضمير في " تركه " يرجع إلى القنوت الذي يدل عليه لًفظ " قنتَ " وهو عام يتناولُ جميع القنوت الذي كان في الصلوات، وتخصيص الفجر من بَيْنها بلا دليل من اللفظ يدل عليه باطل. وقوله " أي ترك الدعاء " لا يصح , لأن الدعاء ليمِ يمض ذكره في هذا الحديث , ولئن سلمنا فالدعاء هو عَيْن القنوت وما ثَم شيءٌ غيره، فيكون قد ترك القنوت , والترك بعد العمل نسخ- كما ذكرنا - مستوفًى.
1416- ص- نا مسدد: نا بشر بن المفضل: نا يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين: حدثني مَن صَلَّى مع النبي- عليه السلام- صلاة الغَدَاة: فلما رَفَعَ رأسَهُ من الركعةِ الثانيةِ قَامَ هُنية (2) .
ش- " هنية "- بضم الهاء وفتح النون، وتشديد الياء آخر الحروف
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب القنوت في جمع الصلاة، 304000 - (677) .
(2) النسائي: كتاب التطبيق، باب: القنوت في صلاة الصبح (2/ 201) .

(5/360)


وفتحها، وتاء تأنيث- تصغير " هَنَة " وهي قليل من الزمان، ويُقالُ: " هنية "- أيضا. والحديث: أخرجه النسائي.
***
332- بَابٌ: في فَضْلِ التطوع فِي البَيْت
أي: هذا باب في بيان فضل التطوع في البيْت.
1417- ص- نا هارون بن عبد الله البزاز: نا مكي بن إبراهيم: نا عبد الله- يعني: ابن سعيد بن أبي هند-، عن أبي النضر، عن بُسْرِ بن سَعيد، عن زيد بن ثابت أنه قال: احْتَجَرَ رسولُ اللْه في المسجد حُجرةً، فكان رسولُ الله يَخرجُ من الليلِ فيصلي فيها. قال: فَصَلوا معَه بصلاته - يعني: رِجال (1) - وكانوا يأتُونَه كلَّ ليلة، حتى إذا كان ليلةً من الليالي لَمَ يخرج- أيهم رسولُ الله، فتنَحْنَحُوا وَرَفَعُواً أصواتَهم، وحَصبُوا بَابَه. قال: فخرجَ أيهم رسولُ الله مُغْضبا فقال: " أيُّها (2) الناسُ! ما زال بكم صنيعكُم حتى ظننتُ أن ستكْتبَ عليكمُ، فعليكُم بالصلاةِ في بُيوتكم , فإن خيرَ صلاة المرءِ في بَيْته إلا الصلاةَ المكْتوبة " (3) .
ش- مَكي بن إبراهيم: ابن بَشير- بفتح الباء- ابن فرقد، وقيل: ابن فرقد بن بَشير، أبو السكنَ البلخي البرجمي الحنظلي التميمي. سمع: يزيد بن أبي عبيد، ومالك بن أنس، وابن جرير وغيرهم. روى عنه: أحمد وابن معين، والبخاريّ، وغيرهم، قال أحمد: هو ثقة، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: محله الصدق. توفي سنة أربع عشرة ومائتين ببَلْخ. وروى أبو داود عن رجل عنه، ومسلم عن رجل عنه، والنسائي عن رجل عنه، وابن ماجه عن رجل عنه.
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " رجالاً "
(2) في سنن أبي داود: " يا أيها ".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: صلاة الليل (731) ، مسلم: كتاب صلاة كمسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة النافلة (781) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: فضل التطوع في البيت (450) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الحث على الصلاة في البيوت (3 / 197) .

(5/361)


[2/ 166- أ] وعبد الله بن سعيد بن أبي هند/ أبو بكر الفزاري مولى بني شمخ من فزارة (1) المديني. روى عن: أبيه، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن الأعرج وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، ووكيع، ويحيي القطان، ومكي بن إبراهيم وغيرهم، قال أحمد: هو مديني شيخ ثقة، وقال ابن معين: ثقة حجة. روى له: الجماعة. وأبو النضر: سالم بن أبي، أمية.
قوله: " احتجر " افتعل من الحُجرة , وهي الموضع المنفرد , والمعنى: اتخذ حُجرةً، أو اقتطع موضعا حجرةً عن غيره , والحجر: المنع، ومنه سُميت الحجرة.
قوله: " وحصَبُوا بابه " يعني: رمَوْه بالحصْباء؟ وهي الحصَا الصغارُ، واستفيد من الحديث: جواز اتخاذ الحجرة في المسجد إذا لم يضر بالمُصلين، وجواز صلاة النفل في المسجد، وأن الأفضل: صلاته في بَيْته. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي مختصرا ومطولا.
1418- ص- نا مُسدد: نا يحيى، عن عُبيد الله: أنا نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله: " اجْعَلُوا في بُيوتِكُم من صَلاتكُم " ولا تَتَّخذُوهَا قُبورا " (2)
.ً
ش- يَحْيى: القطان، وعُبيد الله: ابن عمر العُمري.
قوله: " من صلاتكم " أي: من بعض صلاتكم , وأراد به النفل.
قوله: " ولا تتخذوها قبورا " أي: كالقبور , وهذا من التمثيل البديع،
__________
(1) في الأصل: " فرازة " خطأ.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: كراهية الصلاة في المقابر (432) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد 208- (777) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء في فضل صلاة التطوع في البيت (451) ، النسائي: كتاب قيام الليل (2/ 197) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التطوع في البيت (1377) .

(5/362)


حيث شبه البيت الذي لا يُصلى فيه بالقبر الذي لا يتأتى فيه من ساكنه عبادة. واختلفوا في معنى هذا الحديث , فقيل: إنه ورد في النافلة , لأنه - عليه السلام- قد سن الصلوات في الجماعة، ورغب في ذلك، وتوعد من تخلف عنها لغير عذر، ولأنها إذا كانت في البيت كانت أبعد من الرياء والشغل بحديث الناس , فحضّ رسول الله على النوافل في البيوت , إذ السرّ فيها أفضل من الإعلان، وعلى هذا تكون " مِن " زائدة , كأنه قال: اجعلوا صلاتكم النافلة في بيوتكم، وإلى هذا ذهب البخاري. وقيل: إنه ورد في الفريضة و " مِن " للتبعيض , كأنه قال: اجعلوا بعض صلاتكم في بيوتكم ليقتدي بكم أهلوكم، ومَن لا يخرج إلى المسجد منهم، ومَنْ يلزمكم تعليمه لقوله تعالى: {قُوا أنفُسَكُمْ وأهْليكُمْ نَارًا} (1) . ومن تخفف عن جماعة لجماعة دان كانت أقل لم يتخلَف عنها، ومن أصاب في بَيته جماعةً فقد أصاب سُنَّة الجماعة وفضلها.
قلت: قد قررنا الكلام فيه مرةً وذكرنا أن " مِن " للتبعيض، وأنها لا ترادُ في الإثبات، وأن المراد من الصلاة: مطلق الصلاة، فيتناول الفرض والنفل، وأن المعنى: من بعض صلاتكم الذي هو النفل من مطلق الصلاة، فا فهم.
وقد ترجم البخاري على هذا الحديث " كراهة الصلاة في المقابر " يُريد أن القبور لا تجوز فيها الصلاة , وهذا كلام بعيد، وترجمة غير مناسبة. والحديث أخرجه الجماعة.
***
333- بابٌ (2)
أي: هذا باب، أي: نوع من أنواع ما يتعلق بالأبواب الماضية، أو بالباب الذي يليه.
__________
(1) سورة التحريم: (6) .
(2) في سنن أبي داود: " باب طول القيام ".

(5/363)


1419- ص- نا أحمد بن حنبل: نا حجاج قال: قال ابن جريح: حدثني
عثمان بن أبي سليمان، عن عَلي الأيدي، عن عُبيد بن عُمير، عن عَبْد الله
ابن حبشِي الخثعمي، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أي الأعمال أهلُ؟ قال.
"طُولُ القيام " قيلَ: فأيُّ الصدقةِ أفَضلُ؟ قال: " جُهْدُ المُقَلِّ " قيلَ: فأيّ
الهجرة أفضلُ؟ قال: " مَنْ هَجَرَ ما حرَّمَ اللهُ عليه " قيلَ: فأيُّ الجهاد
أفضلُ؟ قال: " مَن جاهَدَ المشرِكينَ بماله ونفسه ". قيلَ: فأيُّ القَتْل أَشرفُ؟
قال: " مَنْ أهْريقَ ودمُهُ وعُقِرَ جَواده " (1)
ش- حجاج: ابن محمد الأعور، وعبد الملك: ابن جرير، وعثمان
ابن أبي سليمان: ابن جبير بن مطعم المكي، وعلي: ابن عبد الله
الأيدي، وعُبيد بن عمير: ابن قتادة بن سَعْد المكي.
قوله: " أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام " قد تقلّم ذكره بهذا
المقدار.
قوله: " جُهد المُقل " الجهد- بالضم- الوُسعْ والطاقة، وبالفتح:
المشقة، وقيل: المباَلغة والغاية، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة،
فأما في المشقة والغاية: فالفتح لا غير. والمُقل- بضم الميم، وكسر
القاف، وتشديد اللام- الفقير الذي معه شيء قليل؟ والمعنى: أفضل الصدقة: ما يكون من جُهد المقل.
قوله: " من هجَر " أي: ترك.
[2/ 166 - ب] ، قوله: " أهريق " أي: أريق، والهاء/ فيه زائدة.
قوله: " وعقِرَ جواده " والجواد من الخَيْل يشملُ الذكر والأنثى.
***
334- بَابُ الحَثِّ عَلى قيام اللَّيل
أي: هذا باب في بيان الحَضّ والترغيب على قيام الليل.
__________
(1) النسائي: كتاب الزكاة (5/ 58) ، وكتاب الإيمان (8/ 94) .

(5/364)


1420- ص- نا محمد بن بشار: نا يحيي: نا ابن عجلان: نا القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله- عليه السلام-: " رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قامَ من الليلِ فصلَّى، وأيقظَ امرأته فصلَّت، فإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهِا الماءَ، رَحِمَ اللهُ امرأةً قامَتْ من الليل فصَلَّتْ، وأيْقظتْ زَوْجَهَا، فإن أبى نَضَحَتْ في وَجْهِهِ الماءَ " (1) .
ش- يحيى: القطان، ومحمد: ابن عجلان، وأبو صالح: ذكوان الزيات. والحديث قد تقدم مرة. وأخرجه النسائي.
1421- ص- نا محمد بن حاتم بن بَزِيع: نا عُبيد الله بن مُوسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن علي بن الأقمرِ، عن الأغرِّ أبي مُسلمٍ، عن أي سعيد، وأي هريرة قالا: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ استيقظَ من الليل وأيقظَ امرأتَه فصفنا ركعتَيْنِ جميعًا كُتِبَا من الناكِرِينَ اللهَ كثيرا والذَّاكِرَاتِ " (2) . ش- شيبان: ابن عبد الرحمن النحوي، والأغر: اسمه سلمان. وقد تقدم- أيضًا- في " باب قيام الليل " وزاد هاهنا في هذه الرواية قوله " كثيرًا".
***