شرح أبي داود
للعيني 335- بَاب: فِي ثواب قراءة القُرَانِ
أي: هذا باب في بيان ثواب قراءة القرآن.
1422- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن علقمة بن مَرثد، عن
سَعْد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان، عن النبي-
عليه السلام- قال: " خَيرُكُم مَنْ تعلَّمَ القُراَنَ
وعلَمهُ " (3) .
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل والتطوع بالنهار، باب:
الترغيب في قيام الليل (2/ 205) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة والسنة فيها، باب: من أيقظ أهله من الليل (1336)
وتقدم برقم (1278) .
(2) النسائي: كتاب قيام الليل والتطوع بالبهاِر، باب:
الترغيب في قيام الليل (3/ 203) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة والسنَة فيها (1335) وتقدم برقم (1279) .
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم
القرآن وعلمها=
(5/365)
ش- أبو عَبْد الرحمن هذا: اسمه: عبد الله
بن حبيب بن رُبَيعة
- بضم الراء، وفتح الباء- الكوفي السلمي أخو خرشة، لأبيه
صحبة، وقد ذكرنا ترجمته مستوفًى، والله أعلم بالصواب.
قوله: " عَلَمه " أي: وعلّم القراَن غيره، ومفعوله الثاني
محذوف. والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه.
1423- ص- نا أحمد بن عمرو بن السَرْح: أنا ابن وهب: أخبرني
يحيي بن أيوب، عن زبان بن فائد، عن سَهل بن معاذ الجهني،
عن أبيه أن رسولَ الله- عليه السلام- قال: " مَنْ قَرَأ
القرآنَ، وعَمِلَ بما فيه، ألبسَ وَالِدَاهُ تَاجاً يومَ
القيامة: ضوءه أحسنُ من ضَوْء الشمسِ في بُيوًت الدنيا لو
كانتْ فِيكُم، فما ظنكم بالّذي عَمِلَ بهذا "؟ (1) .
ش- زبان: بفتح الزاي، وتشديد الباء الموحدة، وفائد:
بالفاء، وقد مر ذكره.
وهذا الحديث هو الذي نظم مضمونه أبو القاسم الشاطبي بقوله:
هنيئا مريئا وَالِدَاك عليهما ... ملابسُ أنوار من التاج
والحُدا
فما ظنكم بالنجل عند جزائه ... أولئك أهلُ الله والصَفْوة
المَلا
والحديث معلول بزبان وسَهْلٍ , وكلاهما ضعيفان.
1424- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا هشام وهمام، عن قتادة، عن
زرارة بن أوفى، عن سَعْد بن هشام، عن عائشة، عن النبي-
عليه السلام- قال: " الذي يَقرأ القرآنَ وهو مَاهرٌ به معَ
السَّفَرَةِ الكرام البَرَرةِ، والذي يَقرأهُ وهو يَشتد
عليه فله أجْرانِ " (2)
__________
= (5027) ، الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في
تعليم القرآن (2907) ، ابن ماجه: كتاب المقدمة، باب: فضل
من تعلم القرآن وعلمه
(1) تفردا به أبو داود.
(2) البخاري: كتاب التفسير، باب: سورة، " عبس " (4937) ،
مسلم: كتاب=
(5/366)
ش- هشام: ابن أبي عبد الله الدستوائي،
وهمّام: ابن يحيي العَوْذي. قوله: " الذي يقرأ القراَن "
في محل الرفع على الابتداء، والواو في قوله: " وهو ماهر "
للحال.
وقوله: " مع السفرة " خبر المبتدإ. والماهرُ: الحاذق
الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجودة
حفظه وإتقانه. والسفرةُ: جمع سافرٍ , ككتَبة جامع كاتب ,
والسافرُ: الرسولُ، والسَفرةُ: الرُّسُل , لأنهم يَسْفرون
إلى الناس برسالات الله تعالى، وقيل: السفرة: الكتبة ,
وسُمِي الكاتب سافرا لأنه يُبيّن الشيء ويُوضحه، قيل:
سُموا بذلك لأنهم ينزلون بوحي الله، وما يقع به الصلاح بين
الناس، فشبهوا بالسفير الذي بين الاثنين، وقيل: لأنهم
يسفرون بين الله وأنبيائه.
قوله: " الكرام البررة " الكرام: جمع كريم، والبررة: جمع
بارّ , وهو المطيع من البر وهو الطاعة. قال القاضي: يحتمل
أن يكون معنى قوله: " مع السفرة " يعني: مع الملائكة. أي:
له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة،
لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى. قال: ويحتمل أن
يراد أنه عامل بعملهم، وسالك مسلكهم. قوله: " والذي يقرأه
" في محل الرفع- أيضًا- على الابتداء، وخبره: قوله: " فله
أجران "، وإنما دخل الفاء في جوابه لتضمن المبتدإ معنى
الشرط.
/ قوله: " وهو يَشتدُّ عليه " جملة حالية أي: يتعب ويجهدُ
عليه لأجل [2/ 167 - أ] الحفظ , وإنما كان له أجران، لأن
أحدهما لقراءته، والآخر لتعبه. والحديث أخرجه الجماعة.
__________
= صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل الماهر بالقرآن والذي
يتمتع به (244/ 798) ، الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب:
ما جاء في فضل قارئ القرآن (2904) ، ابن ماجه: كتاب الأدب،
باب: ثواب القرآن (3779) .
(5/367)
1425- ص- نا عثمان- بن أبي شيبة: نا أبو
معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحِ، عن أبي هريرة، عن
النبيِّ- عليه السلام- قال: " ما اجتمعَ قوم في بيْت من
بُيوت الله تعالى، يَتْلُونَ كتابَ الله، ويتدارسُونَه
بينهم، إلا نَزَلتْ عليهمً السكينةُ، وَغشيَتْهُمُ الرحمة،
وحَفتهُمُ الملائكةُ، وذكَرَهم الله فيمَنْ عندَه " (1)
.َ
ش- أبو معاوية: محمد بن خازم الضرير، وأبو صالح: ذكوان
الزيات. والسكينة: شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة
ورحمة ومعه الملائكة.
قوله: " وحفتهم " أي: أحاطتهم الملائكة وأحدقت بهم.
قوله: " فيمَن عنده " أي: فيمن بحضرته من الملائكة.
1426- ص- نا سليمان بن داود المهْري: أنا ابن وهب: نا موسى
بن عُلَي بن رباح، عن أبيه، عن عُقْبة بن عامر الجهني قال:
خَرَجَ علينا رسولُ الله- عليه السلام- ونحنُ في الصُّفةِ
فقال: " أيكم يُحبُّ أن يَغْدو إلى بُطحانَ أو العقيقِ،
فيأخذُ ناقتَيْنِ كَوْمَاوين زَهْراوَيْنِ بِغَير إثم
بالله ولا قطع رَحمٍ؟ " قالوا: كلنا يا رسولَ الله، قال: "
فَلانْ يَغدُوَ أحدُكُم كل يَوْمٍ إلى المسْجد فيتعلَّمَ
آيتَيْن من كتاب اللَه خير له من ناقتَيْنِ، وإنْ ثلاث
فثلاثٌ، مثلُ أعدَادهن مِن الإبل " (2)
.َ
ش- عَبد الله: ابن وهب، ومُوسى بنِ عُلي- بضم العين، وقيل:
بفتحها- ابن رباح- بالباء الموحدة- بن نصر بن قشيب بن
يَينَع- بباءين آخر الحروف، ونون- بن أردة بن حجر بن
جَديلة بن لخم اللخمي المصري، أبو عبد الرحمن أمير مصر
لأبي جعفرَ المنصور ست سنين
__________
(1) جزء من حديث أخرجه أبو داود في كتاب الأدب (4946) ،
ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: فضل الاجتماع على تلاوة
القرآن وعلى الذكر
(269/ 38) ، ابن ماجه: المقدمة، باب: فضل العلماء (225) .
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل قراءة
القرآن (802) بنحوه.
(5/368)
وشهرين. روى عن: أبيه، والزهري، ويزيد بن
أبي حبيب. روى عنه: الليث بن سعد، وأسامة بن زيد- وهو أقدم
وفاةً منه وأكبر-، وابن لهيعة، وابن وهب، وابن المبارك،
وغيرهم، قال أحمد، وابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وستين
ومائة. روى له: الجماعة.
وأبوه: عُلَيُّ بن رباح. سمع عَمرو بن العاص، وابنه عبد
الله، وعقبة بن عامر، وأبا هريرة، وأبا قتادة الأنصاري،
وغيرهم. روى عنه: ابنه مُوسى، ويزيد بن أبي حبيب، ومعروف
بن سُوَيد وغيرهم، قال أحمد: ما علمت إلا خيرًا، وقال أحمد
بن عبد الله وابن سَعد: هو ثقة. توفي بإفريقية سنة أربع
عشرة ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود. قوله: " ونحنُ في
الصّفة " الصفة- بضم الصاد وتشديد الفاء- مَوْضع مُظلَّلٌ
كان في مَسْجد المدينة يَسْكنونه.
قوله: " إلى بُطحان " - بضم الباء الموحدة، وسكون الطاء-
واد بالمدينة , هكذا قيده أهل الحديث، وحكى فيه أهلُ
العربية فتح الباء، وكسر الطاء. والعقيقُ: واد من أودية
المدينة , وهو الذي وردَ فيه أنه واد مبارك، وفي المدينة
عقيق آخًرُ على مقربة منه، وقال الأزهري: والعرب يقولُ لكل
ما شَقه السَّيلُ في الأرض فأنهَره ووسَّعَه عقيق، وذكر
أربعة أعقةٍ، وذكر غيرهُ عشرة أعقةٍ.
قوله: " كوْماوَيْن " تثنية كَوْماء- بفتح الكاف- العظيمة
السنام.
قوله: " زَهْراوَيْن " صفة بعد صفةٍ من الزهرة , وهي
الحُسن والبَهجةُ. قوله: " بغير إثم بالله " متعلقٌ بقوله
" فيأخذ " في محل الحال أي: فيأخذُ حال كونه غير مُلتبس
بخطيةٍ وإثر في اتخذه ذلك، بأن كان في غير ملك أحد، ليتعلق
الإثم بأخذه من غير رضاه وإذنه.
قوله: " ولا قطع رحمٍ " عطف عليه؟ والمعنى: فيأخذُ بغير
قطع رحم يعني: حال كونه غير ملتبس بقطع رحم في أخذه بأن لم
يكن لأحد من ذوي أرحامه حتى إذا اتخذه من مِلك أحد منهم
بغير رضاه يؤدي ذلك إلى
24*شرح سنن أبى داوود
(5/369)
الضراب، المُنتج للانقطاع، الذي هو قطع
الرحم. وفي بعض الرواية: " ولا قطيعة رحم ".
قوله: " خير له " مرفوع على أنه خبر قوله: " فلأن يغدو "
واللامُ فيه للتكيف، و " أن " مصدرية.
قوله: " وإن ثلاث فثلاث " أي: وإن كان الذي يتعلمه هو ثلاث
آياتٍ , فالنوقُ ثلاث، بمعنى: فخير له من ثلاث نياق، وكذا
إن أربع فأربع، وإن خمس فخمس، وهلم جرًا مثل أعدادهنً من
الإبل. والحديث: أخرجه مسلم بنحوه.
[2/167-ب] / ص- قال أبو عُبيد: الكَوماءُ: الناقةُ العظيمة
السَّنام.
ش- كأنهم شبهُوا سنامها لِعِظَمه بالكوْم , وهو الموضعُ
المُشرفُ , وليس هذا بثابت في بعض النسخ.
وأبو عُبيد: هو القاسمُ بن سَلام- بتشديد اللام- كان أبوه
عبدا روميا لرجل من أهل هراةَ، واشتغل أبو عُبيد بالحديث
والأدب والفقه. وروى عن: أبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبي
عبيدة، وابن الأعرابي، والكسائي، والفراء وغيرهم. وروى
الناس من كتبه المُصنفة بضعةً وعشرين كتابًا في القرآن
الكريم، والحديث وغريبه، والفقه، وله الغريب المصنف،
والأمثال، ومعاني الشعْر، وغير ذلك من الكتب النافعة،
ويقال: إنه أول من صنفَ في غريب الحديث. وقال محمد بن
وَهْب المِسْعَري: سمعتُ أبا عُبيد يَقولُ: كنتُ في تصنيف
هذا الكتاب أربعة سنةً، وربما كنت استفيد الفائدة من أفواه
الرجال فأضعُها في مَوْضعها من الكتاب فأبيتُ ساهرًا فرحًا
مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني فيُقيم أربعة [أو] خمسة
أشهر فيقول: قد أقمت كثيرًا، وولي القضاء بمدينة طرسوس
ثماني عشرة سنة، وقدم بغداد فسمع الناسُ منه كُتُبَه، ثم
حج فتوفى بمكة سنة اثنين أو ثلاث وعشرين ومائتي، وكان
مولده بهرام سنة خمسين ومائة (1) ، والله أعلم.
***
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4792) .
(5/370)
336- بَابٌ: في فَاتحةِ الكِتَابِ
أي: هذا باب في بيان فاتحة الكتاب.
1427- ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني: نا عيسى بن يونس:
نا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قالَ رسولُ
الله -عليه السلام-: " الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ:
أمُّ القراَنِ، وأمُّ الكتابِ، وَالسبع المَثَاني " (1) .
ش- ابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن المدني، والمقبري:
سعيد ابن أبي سعيد.
قوله: " أم القراَن " أي: أصلُه وأوله , ومنه سُفيت مكة أم
القرى , لأنها أول الأرض وأصلها، ومنها دحيت. وقال
الزمخشري: وتسمى أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في
القرآن من الثناء على الله بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر
والنهي، ومن الوعد والوعيد. انتهى.
ويقال: لأن الأم في اللغة الأصلُ، سميت به لأنه لا يحتمل
شيء مما فيه النَسْخ والتبديل , بل آياتها كلها محكمة،
فصارت أصلاً. وقيل: سميت [أم] القرآن , لأنها تؤمُّ غيرها
من القراءة كالرجل يؤم غيره فيُقدم عليه.
قوله: " والسبعْ المثاني " لأنها سبعُ آيات بالاتفاق , إلا
أن منهم من عد
" أنعمت عليهم " دون التسمية، ومنهم مَن مَذْهبه على
العكس، وسبع وعشرون كلمةً ومائة واثنان وأربعون حرفا ,
وسميت المثاني لأنها تثنى في الصلاة أو ثُني نزولها , نزلت
بمكة مرةً وبالمدينة أخرى، أو هي قسمين: ثناء ودعاء، وقيل:
المثاني من الثناء كالمحامد من الحمد، أو من الاستثناء،
لأنها استُثنِيت لهذه الأمة، وقيل: لأن أكثر كلماتها مثنى
إلى
__________
(1) البخاري: كتاب التفسير، باب: تفسيرا " لقد آتيناك
سبعًا من المثاني والقرآن العظيم " من سورة الحجر (4704) ،
الترمذي: كتاب التفسير، باب: سورة الحجر (3124) .
(5/371)
{وغير (1) الضالين} في قراءة عمر وعلي- رضي
الله عنهما-، وقيل: السَّبع: الفاتحة، والمثاني: القرآن،
وقيل: السبْع: الطُوَل من البقرة إلى الأنفال مع التوبة،
وقيل غير ذلك، وقد صح عن رسول الله- عليه السلام- أن السبع
المثاني هي الفاتحة، فلا يعرج على ما سواه، ولعل من قال
غيره لم يطلع على ما صح عن رسول الله- عليه السلام- واعلم
أن لسورة الفاتحة ثلاثة عشر اسماً: فاتحة الكتاب، وأم
القرآن، والكنز، والواقية، وسورة الحمد، والمثاني، وسورة
الصلاة، والشفاء، والشافية، والكافية،
والأساس، والسؤال، والشكر، وسورة الدعاء. والحديث أخرجه:
البخاري، والترمذي.
1428- ص- نا عبيد الله بن معاذ: نا خالد: نا شعبة، عن
خُبَيْب بن عبد الرحمن قال: سمعتُ حفص بن عاصم يُحدَث عن
أبي سعيد بن المُعلى، أن النبي- عليه السلام- مَر بهِ وهو
يُصلي فدعَاهُ فقال (2) : فصليتُ ثم أتيتُه قال: فقال: "
ما مَنَعَكَ أَن تُجيبَني؟ " قال: كنتُ أصلي، قال: " ألم
يَقُل اللهُ {يا أيهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبوا لله
ولِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لمَا يُحْييكُمْ} (3) ؟
لأعَلِّمنكَ سورةً أعظمَ سُورة (4) مِن- أوْ في " - شَك
خالَد " القرآنِ (5) قبلَ أن أخْرُجَ مِن/ المسجد ". قال:
قلتُ: يا رسولَ الله قولَك؟ قال: " الحمدُ لله رب
العَالَمينَ، هيَ (6) السبع المَثَانِي التِي أوتيتُ،
والقُرآنُ العظيمُ " (7) .َ
__________
(1) كتب فوقها " صح ".
(2) في سنن أبي داود: " قال ".
(3) سورة الأنفال: (24) .
(4) كلمة " سورة " الأولى غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) في سنن أبي داود: " أو في القرآن- شك خالد- ".
(6) في سنن أبي داود: " وهي ".
(7) البخاري: كتاب التفسير، باب: ما جاء في فاتحة الكتاب
(4474) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تأويل قوله تعالى
{ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} (2/ 139) ،
ابن ماجه: كتاب الأدب، باب: ثواب القرآن (3785) .
(5/372)
ش- خالد: ابن الحارث التميمي الهُجَيمي
البصري، وخُبَيْب- بضم الخاء المعجمة- ابن عبد الرحمن:
الأنصاري المدني، وحفص بن عاصم: ابن عمر بن الخطاب- رضي
الله عنه-.
وأبو سعيد بن المُعلى: ابن لُوذان بن حَبيب بن عبد حارثة
بن مالك بن غَضب بن جُشَم بن الخزرج، قيل: لا يُعرف اسمه،
وقيل: اسمه: رافع، وقيل: الحارث بن نُفيع بن المُعلى بن
لوذان الأنصاري. روى عنه: حفص بن عاصم، وعبيد بن حنين. روى
له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. توفي سنة
أربع وسَبْعين. وفي " مختصر السنن ": وهو من الصحابة الذين
انفرد البخاري بإخراج حديثهم , وليس له في كتابه سوى هذا
الحديث.
قوله: " ما منعك أن تُجيبني " من الإجابة، وفي رواية: " أن
تجيئني "
من المجيء.
قوله: " شك خالد " أي: خالد بن الحارث المذكور , وهذه
الجملة معترضة بين الجار والمجرور.
قوله: " أوتيتُ " أي: أعطِيتُ.
قوله: " والقرآن العظيم " بالرفع عطفا على السبع المثاني.
والحديث أخرجه: البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
***
337- بَاب: مَنْ قالَ: هيَ مِنَ الطُّوَلِ
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن الفاتحة من الطُوَل ,
والطُوَل
- بضم الطاء، وفتح الواو- جمع الطولي، كالكُبَرَ جمع
الكُبْرى , وهذا البناء يلزمه الألف واللام أو الإضافة.
والسبع الطول: هي البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة،
والأنعام، والأعراف، والتوبة.
1429- ص- نا عثمان بنِ أبي شيبة: نا جرير، عن الأعمش، عن
مسلم البَطِين، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: " أوتي
رسولُ اللهِ
(5/373)
سَبْعًا من المَثَانِي الطُّولِ، وأوتيَ
مُوسى- عليه السلام- سِتا، فلما أَلقَىَ الألواح رُفعت
ثِنتانِ وبَقِينَ (1) أرْبع " (2) .
ش- جَريرُ: ابن عبد الحميد، ومُسلم: ابن عمران البَطين
الكوفي. قوله: " أوتي رسول الله " أي: أُعْطِي " سَبْعا من
المثاني الطُول "، وقد فسّرنا الطُّولَ آنفًا , وإنما
سُميت بالمثاني لتثنِي الأحكام والعِبَر، أو لأنها جاوزت
المائة الأولى إلى الثانية.
قوله: " وأوتي موسى- عليه السلام- " أي: أعطي موسى- عليه
السلام- " ستا من المثاني " فلما ألقى الألواح غضبًا على
قومه- وكانت سبْعةً من زمردة خضراء , قاله مجاهد، وقال
سعيد بن جبير: من ياقوتة حمراء- رفعت ثنتان- أي: سورتان-،
وبقيت أربع سُوَرٍ. وروى عن: ابن عباس: لما ألقى الألواح
فتكسرت فرُفعت إلا سُدْسُها، وفيما رُفع تفصيل لكل شيء وما
بقي هُدًى ورحمة، وقال قتادة: ألقاها تحيرا من كثرة فضائل
هذه الأمة.
قوله: " وبقين أربع " والقياس: بقيت أربع , لأن الفعل إذا
أسند إلى الظاهر لا يثنى ولا يجمع إلا على لغة أكلوني
البراغيث. والحديث أخرجه: النسائي.
***
338- بَاب: مَا جَاء في آية الكُرسيِّ
أي: هذا باب في بيان ما جاء من الفضائل في آية الكُرسيِّ.
1430- ص- نا محمد بن المثنى: نا عبد الأعلى: نا سعيد بن
إياس، عن أبي السَّليل، عن عبد الله بن رَباح الأنصاري، عن
أُبيّ بن كعْب قال: قال رسولُ الله: " أبا المُنذرِ! أي
آيةٍ مَعَكَ مِن كتابِ اللهِ أعظمُ؟ " قال:
__________
(1) في سنن أبي داود: " وبقي ".
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: فاتحة الكتاب (2/ 139) .
(5/374)
قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلم. قال: " أبا
المنذر! أي آية معكَ من كتابِ الله
أعظمُ؟ " قال: قلتُ: {اللهُ لا إِلَه إلاَّ هُوَ الحَيُّ
القَيُّومُ} قال: فضَربَ في
صَدْرِي فقال: " ليَهْنِ لك أبا المنذر (1) العِلمُ " (2)
.
ش- عبد الأعلى: ابن عبد الأعلى السَّامي، وسعيد بن إياس
الجُريري
البَصْري.
وأبو السَّليل- بفتح السن المهملة، وكسر اللام- اسمُه:
ضُريب
- بالضاد المعجَمة المضمومة- ابن نُقير- بالنون والقاف-
ابن سُمَيْر
- بالسن المهملة- القيسي الجُريري البصري، ويُقال: ابن
نفير- بالفاء-،
ويُقال: ابن نقيل- باللام وبالقاف , والراء أصح. روى عن:
عبد الله
ابن رباح، وزهدم بن مضرب الجرمي، ومعاذة العدوية. روى عنه:
سليمان التيمي، وكهمس بن الحسن، والجُريري، قال ابن معين:
ثقة.
روى له: الجماعة إلا البخاريّ.
قوله: " أبا المنذر " أي: نا أبا المنذر. وحرف النداء
محذوف،
وأبو المنذر: كنية أبي بن كعب- رضي الله عنه-.
قوله: " أعظم " " (3) قال القاضي:/ فيه حجّة للقول بجواز
تفضيل [2/68- أ] بعض القرآن على بعض، وتفضيله على سائر
كتُب الله تعالى. قال: وفيه خلاف للعلماء , فمنع منه: أبو
الحسن الأشعري، وأبو بكر الباقلاني، وجماعة من الفقهاء
والعلماء؟ لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام
الله نقص، وتأول هؤلاء ما ورد من إطلاق
أعظم وأفضل في بعض الآيات والسوَر بمعنى عظيم وفاضل. وأجاز
ذلك
إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين، قالوا: وهو
راجع إلى
عظم اجْر قارئ ذلك، وجزيل ثوابه. والمختار: جواز قول هذه
الآية أو
__________
(1) في سنن أبي داود: " يا أبا المنذر ".
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل سورة
الكهف وآية الكرسي 258- (810) .
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (6/93- 94) .
(5/375)
السورة أعظم أو أفضل بمعنى: أن الثواب
المتعلق بها أكثر , وهو معنى الحديث. وإنما تميزت آية
الكرسي بكونها أعظم " جمعت من أصول الأسماء والصفات من
الإلهية والوحدانية والحياة والعلم [والملك] (1) والقدرة
والإرادة , وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات ".
قوله: " ليَهْن لك أبا المنذر العلمُ " فيه منقبة عظيمة
لأبيّ، ودليل على كثرة علمه، وفيه تبجيل العالم وجواز مَدح
الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة، ولم يُخَفْ عليه
إعجابٌ ونحوُه لكمال نفسه، ورسُوخه في التقوى، وفيه تنشيط
العالم إذا رآه قد أصاب، وتنويهه به، وسرُوره بما أدركه من
ذلك، وفيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه ليَخْتبر
معرفتهم، وليعلمهم ما لعلهم لم يَتنبهوا للسؤال عنه،
ويُحْتمل جواب أُبيّ بما قد سمعه منه- عليه السلام- قبل.
وقوله " العلم " مرفوع لأنه فاعل لقوله " ليَهْن " " وأبا
المنذر ": جملة ندائية معترضة بَيْنهما. و" ليَهْنِ ": من
هَنُؤ الطعام يَهنؤ هَناءةً، أي: صَار هنيئًا، وكذلك:
هَنِئ الطَعامُ يَهنَأُ , والحاصل: أنه يجيء من البابَيْن
من باب فعُل يفعُلُ- بالضم فيهما-، ومن باب فعِل يَفعَل
بالكسر في الماضي، والفتح في المستقبل. والحديث أخرجه:
مسلم.
***
339- بَاب: فِي سُورة الصَّمدِ
أي: هذا باب في بيان فَضِيلة سورة الصمد , ومعنى الصمد:
المصمود إليه في الحوائج , لا مَن تدعونه من ساداتكم،
وقيل: هو الذي يُطعِم ولا يُطعَم، قال الشعبي: الذي لا
يأكل ولا يشربُ، وقال قتاده: الباقي بعد فناء خلقه، وقال
الحسن: الدائم الذي لا يزال ولم يزل، وقال القرطبي: الذي
انتهى إليه السُّؤدد، وقال الكلبي: لا عيب فيه، وقال
السُّني: مقصود للرغائب مُستجاب للنوائب، وقال أبو هريرة:
مستغني
__________
(1) سقط من الأصل وأثبتناه من شرح صحيح مسلم.
(5/376)
عن الكل، وقال علي: ليس فوقه أحدٌ، وقال
كيسان: لا يُوجدُ بصفاته أحد، وقال يمان: لا ينامُ، وقال
الربيع: لا تُغيّره الآفات، وقال الصادق: غالب لا يُغلَبُ،
وقال الترمذي: لا تدركه الأبصار، ولا تحويه الأفكار، ولا
تحيط به الأقطار، وكل شيء عنده بمقدار، وعنه: الأول بعد
عدد، والباقي بلا مدد، والقائم بلا عمد، وقال عطاء:
المتعالي عن الكون والفساد، وقال جنيد: لم يجعل لأعدائه
إلى معرفته سبيلا. وقال الواسطي: لا تعترض عليه القواطع
والعلل، وقال علي بن موسى الرضا: الذي أيست العُقولُ عن
الاطلاع إلى كيفيته.
ولهذه السورة عشرون اسمًا، ذكرها أبو حنيفة عبد الوهاب بن
محمد الفانتي في كتابه " الفصول "، وهي: سورة التوحيد،
والتفريد، والتجريد، والإخلاص، والنجاة، والولاية، ونسْبة
الرب، والمعرفة، والجمال، والمقشقشة (1) ، والمعوذة،
والصمدُ، والأساسُ، والمانعة، والمُحضّرة، والمُنفّرة،
والبراءة، والنُّور، والمُذكرة، و [الأمان] (2) ، و {قل هو
الله أحد} وهي أربع آيات، وخمس عشرة كلمةً، وسَبْعة
وأربعون حرفًا.
1431- ص- نا القعنبي، عن مَالك، عن عبد الرحمنِ بنِ عبد
الله بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً
سمِع رَجلاً يقرا {قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ} يُرَددُهَا، ف"
أصْبحَ جَاءَ إلى رسول الله- عليه السلام- فذكرَ ذلك له،
وكأن الرجلَ يَتقالها، فقال النبي- عليهَ السَلام-: "
والذي نفسي بيدِه إنها لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القرآنِ " (3) .
ش- عَبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن: ابن أبي
صَعْصعة الأنصاري ا"زني المدني. روى عن: أبيه، وعطاء بن
يَسار. روى عنه: مالك/ بن أنس، وسفيان بن عيينة، ويَزيد بن
خُصيفة، قال أبو حاتم: [2/169- أ]
__________
(1) في الأصل:" المتشقشة " خطأ.
(2) انظر معاني هذه الأسماء في تفسير الفخر الرازي.
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: فضل {قل هو الله
أحد} (5013) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الفضل في
قراءة {قل هو الله احد} (2/ 171) وفي عمل اليوم والليلة
برقم (698)
(5/377)
ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة.
وأبوه: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري.
سمع: أبا سعيد الخدري. روى عنه: ابناه: محمد، وعبد الرحمن.
روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " يَتقالُّها " - بتشديد اللام- أي: يراهَا قليلةً ,
يُقال: تقلّلَ الشيءَ واستقله وتقالّه وَقَاله إذا رآه
قليلاً.
قوله: " إنها " أي: سورة {قل هو الله أحد} " لتعدل ثلث
القراَن " أي: لتُماثِلُ , وفيه أقوال , أحدها: أن القرآن
العزيز لا يتجاوزُ ثلاثة أقسام، وهي الإرشادُ إلى معرفة
ذات الله وتقديسه، ومَعْرفة أسمائه وصفاته، أو معرفة
أفعاله وسُنته في عباده، ف" اشتملت سورة الإخلاص على أحد
هذه الأقسام الثلاثةَ وهو التقديس، وازَنَها رسولُ الله
بثلث القرآن، والثاني: أن القرآن الكريم أنزل أثلاثا ,
فثلث أحكام وثُلث وعد ووعيد، وثُلث أسماء وصفات , وقد جمع
في {قل هو الله أحد} أحد الأثلاث وهي الصفات، والثالث: أن
من عمِل بما تضمنه من الإقرار بالتوحيد والإذعان للخالق،
كان كمنْ قرأ ثلث القرآن، والرابع: قال ذلك لشخص بعَيْنه
قصدهُ رسولُ الله , وهذا يقدح فيه أن رسول الله حَشَدَ
الناسَ، وقال: " سأقرأ عليكم ثلث القرآن " فقرأ {قل هو
الله أحدٌ} ، والخامس: أن الله تعالى يتفضلُ بتضعيف الثواب
لقارِئها ويكون مُنتهى التضعيف ثلث ما يَستحقّ من الأجر
على قراءة القرآن من دون تضعيف أجرٍ، والسادسُ: أنه إنما
قال هذا للذي رَددها، فحصل له من تردادهاَ وتكرارها قدر
تلاوته ثلث القرآن.
***
340- بَابٌ: في المُعَوِّذَتَيْن
أي: هذا باب في بيان فضائل المعوذتين , وهما سورة {قل أعوذ
بربّ
(5/378)
الفلق} ، و {وقل أعوذ برب الناسِ} و {قل
أعوذ برب الفلق} مدنية، وهي خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة
(1) ، وثلاث وسبعون حرفًا، و {قل أعوذ برب الناس} مكيّة في
قول قتادة وعكرمة، وفي قول ابن عباس: مدنية، وهي ست آياتٍ،
وعشرون كلمةً، وتسعة وسبْعون حرفاً.
1432- ص- نا أحمد بن عمرو بن السَّرْح: أنا ابن وهب:
أخبرني معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى
معاوية، عن عاقبة بن عامر قال: كُنتُ أقُودُ لرسول الله
ناقتَه في السَّفرِ فقال لي: يا عُقبة! ألا أعلِّمُكَ خيرَ
سُورتَيْنِ قُرئَتَا "َ فعلَّمِني {قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ
الفَلَقِ} و {قُلْ أعُوذُ بِرب النَّاسِ} . قال: فلم
يَرَنِي سَرُرْتُ بهما جدا، ف" نَزل لصلاة الصبح صَلَّى
بهما صَلاةَ الصبحِ للناس، ف" فَرغَ رسولُ اللهِ من
الصلاةَ التفتَ إليَّ فقال: " يا عُقبة! كيفَ رَأيت؟ " (2)
.
ش- عبد الله: ابن وهب، ومُعاوية: ابن صالح قاضي الأندلس.
والقاسم: ابن عبد الرحمن القُرشي الأموي مولاهم الشامي،
مولى معاوية بن أبي سفيان، وكذا قاله الطبراني، ويقال:
مولى خالد بن يزيد ابن معاوية، وقد ذكرناه مستوفى. وعقبة
بن عامر: الجُهني.
قوله: " ألاَ أعلمك " كلمة " ألا " للتحضيض والتنبيه , وقد
ذكر غير مرة.
قوله: " فلم يرني سَرُرْتُ بهما " بضم الراء الأولى , لأنه
من باب فعل يفعلُ بالضم فيهما.
قوله: " كيف رأيت؟ " إنما قال، له ذلك ترغيبا له، وتنبيها
على فَضْل السُّورتَيْن وتأكيدا " قاله أوّلا.
__________
(1) قوله " وثلاث وعشرون كلمة " مكرر في الأصل.
(2) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الأمر بقراءة المعوذات
بعد التسليم من الصلاة (3/ 68) .
(5/379)
1433- ص- نا عبد الله بن محمد النُّفيلي:
نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري، عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال: بَيْنا أنا أسيرُ
معَ رسولِ الله- عليه السلام- بينَ الجُحْفة والأبْواء، إذ
غشيتْنا رٍيحٌ وظُلَمة شَديدةٌ، فجَعل رسولُ اللهِ- عليه
السلاَم- يتعوَّذُ ب {أعُوَذُ بِربِّ الفَلَقِ} ، و
{أعُوذُ بِرَبِّ الناسِ} ويقول: " يا عُقبة " تعوذ بهما،
فمَا تعوَّذ مُتعوذ بمثلِهِمَا ". قال: وسمِعْتُه يَؤُمنا
بهما فِي الصلاةِ (1) .
ش- " بَيْنا " أصله " بَيْن " زيدت فيه الألف للإشباع ,
وقد مر الكلام فيه غير مرة وجوابه: قوله: " إذ غشيتنا "
أي: أحاطتنا , والجُحفة،- بضم الجيم- قرية جامعة بها منبر
(2) بين مكة [2/169- ب] والمدينة , وسُمّيت/ الجُحفة , لأن
السْيل اجتحفها وحمل أهلها، وهي على ثمان مراحل من
المدينة، وهي على ستة أميال من البَحْر، وكان اسمها "
مهيعة " فلما أجحف السَّيْلُ أهلها سُميت الجُحفة. ومَهيعة
- بفتح الميم، وسكون الهاء، وفتح الياء آخر الحروف، وبعدها
عين مهملة مفتوحة، وتاء تأنيث-، وقيدها بعضهم بكسر الهاء ,
والأول أكثر، وقيل: إن مهيعة قريبة من الجُحفة، وفي الحديث
إنها الجُحفة. والأبْواء- بفتح الهمزة، وسكون الباء
الموحدة ممدودة- قريةٌ من عمل الفُرْع من ناحية المدينة ,
سُميت بذلك للوباء الذي بها , وهذا لا يصح إلا على القلب،
كان يجب أن يُقال: أوباء , وقيل: سمّيت بذلك لأن السيول
تتبوأها أي: تَحلّ بها.
قلت: الأبواء في الشمال عن الجُحفة على ثمان مراحل.
قوله: " وسمعتُه يؤمنا بهما " أي: سمعْتُ النبي- عليه
السلام- يؤمنا بهاتين السورتين في الصلاة , وهذا نص صريح
أنهما من القرآن , إذ لو لم يكونا منه " جازت الصلاة بهما.
وقد رُوي عن ابن مسعود أنهما لَيْستا من القرآن , والصحيح:
أنهما من القرآن , وإنما لم يَثبتا في مصحف ابن مسعود
للأَمْن عن نسيانهما , لأنهما تجريان على لسان كل إنسان ,
وإلا فهما من القرآن.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل:" قرية جامعة بمنبر".
(5/380)
341- كَيفَ يُستحبُّ التَّرَسُّلُ في
القُرآنِ؟
أي: هذا بيان كيف يستحب للقارئ أن يترسل في قراءته ,
يُقال: ترسَّل الرجلُ في كلامه ومَشْيه إذا لم يعجل ,
والترسّل والترتل سواء. وفي بعض النسخ: " بابٌ في تَرتيلِ
القرآن " وفي بعضها: " باب استحباب الترتل في القرآن " (1)
.
1434- ص- نا مُسددّ: نا يحيي، عن سفيان: حدثني عاصم بن
بهدلة، عن زرّ، عن عبد الله بن عَمرو قال: قال رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم: " يُقال لصَاحب القرآنِ: اقرأ
وارْتَقِ ورتلْ كما كُنتَ تُرتِّلُ في الدنيا فإن
مَنْزِلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تَقرؤُهَا " (2) .
ش- يحيي: القطان، وسفيان: الثوري، وزِرّ: ابن حُبَيْش.
قوله: " وارتق " أمر من ارتقى يَرتقي , ومعناه: اصعَدْ إلى
منزلك درجةً درجةً , فإن منزلَه بحسَب قراءته من الآيات،
وهو معنى قوله: " فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " وجاء في
الأثر أن عدد أي القرآن على قدر عدد درج الجنة، فمًن
استوفى قراءة جميع القراَن استولى على أقصى درج الجنة، ومن
قرأ جزءا منها كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى
الثواب على قدر منتهى القراءة. ويُستفاد منه: استحباب
الترتيل في القراءة. والحديث: أخرجه الترمذي، وابن ماجه،
وقال الترمذي: حسن صحيحٌ.
1435- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا جرير، عن قتادة قال:
سألتُ أنَسًا عن قراءة النبي- عليه السلام-، فقالَ: كان
يَمُدُّ مَدا (3) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود، وعنده " القراءة " بدلا من "
القرآن ".
(2) الترمذي: ثواب القرآن، باب: من ليس في جوفه قرآن
كالبيت الخرب (2914) ، تحفة (8627/6) .
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: مد القرآن (5045) ،
الترمذي: في " الشمائل "، باب: ما جاء في قراره رسول الله
صلى الله عليه وسلم (316) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب:
تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب (2/ 176) ، =
(5/381)
- ش- جرير: ابن حازم البصري.
قوله: " كان يَمدّ " من مددتُ الشيء مَدا ومدادا وهو ما
يكثَّرُ به الشيء ويُزادُ , ولكن المرادَ من المدّ هَاهُنا
هو المَدّ المُصطلح بَيْن أهلا القراءة، وذلك يحسُن به نظم
القراَن، ويُعطي للحروف حَقها، ويَحْصلُ به الترتيلُ.
والحديث أخرجه: البخاري، والترمذي، والنسائي، وا بن ماجه.
1436- ص- نا يزيد بن خالد بن موهب الرمْلي: نا الليث، عن
ابن أبي مُليكة، عن يَعْلى بن مَمْلَكٍ، أنه سألَ أمَ سلمة
عن قراءة رسولِ الله - عليه السلام- وصلاته فقالت: ومَا
لَكُم وصلاتَه، كان يُصلِّي ويَنامُ قدرَ ما صلى، ثم
يُصلّي قدر ما نَامَ، ثم ينامُ قدرَ ما صلى حتى يُصْبحَ،
ونَعتَتْ قراءته فإذا هِي تَنْعُتُ (1) حَرْفا حَرْفًا (2)
.
ش- الليث: ابن سَعْد، وعبد الله: ابن أبي مُليكة. ويَعْلى
بن مَمْلك
- بفتح الميم الأولى، وسكون الثانية، وبَعْدها لام وكاف-.
روى عن: أم سلمة زوج النبي- عليه السلام-. روى عنه: ابن
أبي مليكة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
قوله: " ونَعتَتْ " النَعْت: وصْف الشيء بما فيه من حُسْن،
ولا يُقالُ في المذموم إلا أن يتكلف متكلف فيقول: نعت
سُوء.
قِوله. " تنعت حرفا حرفًا " يعني: كان يقرأ القرآن حرفا
حرفًا , وذلك
لا يكون إلا بالترتيل والتأني، ورعاية مخارج الحروف،
وإعطاء حقوقها، ورعاية الحدود بأجناسها ونحو ذلك.
والحديثُ: أخرجه الترمذي
__________
= ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء
في القراءة في صلاة الليل (1351) .
(1) في سنن أبي داود: " تنعت قراءته ".
(2) الترمذي: ثواب القرآن، باب: كيف كانت قراءة النبي صلى
الله عليه وسلم (2924) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب:
تزيين القرآن بالصوت (2/ 179) .
(5/382)
/ والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب،
لا نعرفه إلا من [2/ 170- أ] ، حديث ليث بن سَعْد، عن ابن
أبي مليكة، عن يَعلى بن مَملك.
1437- ص- نا حفص بن عُمر: نا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن
عبد الله بن مُغفّل قال: رأيتُ النبيَّ- عليه السلام- يومَ
فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسُورةِ الفتحِ وهو يُرجِّعُ
(1) .
ش- الترجيع: ترديد القراءة، وقيل: هو تقارب حروف الحركات
في الصوت. وفي " صحيح البخاري ": كيف كان ترجيعه فقال:
ثلاث مراتٍ , وهذا إنما حصل منه- عليه السلام - لأنه كان
راكبًا، فجعلت الناقةُ تحركهُ فيحصلُ هذا من صوته. وقد جاء
في حديث آخر أنه كان لا يُرجّع، قيل: لعلّه لم يكن راكبًا
فلم يلجأ إلى الترجيع. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي.
1438- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن الأعمش، عن
طلحة عن عبد الِرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: قال
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " زينُوا القرآنَ
بأصْوَاتكُم " (2) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد، وَطلحة: ابن مُصرف الكوفي.
قوله: " زينوا القرآن بأصْواتكم " قيل: معناه: زينوا
أصواتكم بالقرآن هكذا فسّره غير واحد من أئمة الحديث
وقالوا: إنه من باب المقلوب كما قالوا: عرضت الناقة على
الحوض، وكقولهم: استوى العُود على الجِرباء أي: استوى
الجرباء على العود. وفي بعض طرُقه: " زينوا أصواتكم
بالقرآن " والمعنى: اشغلوا أصواتكم بالقرآن، والهجوا
بقراءته، واتخذوه شِعارا وزينةً , وليس ذلَك على تطريب
القول. وقال آخرون:
__________
(1) البخاري: كتاب المغازي، باب: أين ركز النبي الراية يوم
الفتح (4281) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب:
قراءة صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم الفتح (794) ،
الترمذي في " الشمائل ", النسائي في الكبرى: كتاب فضائل
القرآن.
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تزيين القرآن بالصوت (2/
179) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في حسن الصوت
بالقرآن (1342) .
(5/383)
لا حاجة إلى القلب. وإنما معناه: الحث على
الترسل الذي أمر به في قوله تعالى: " ورتَلِ القُرآنَ
تَرْتيلاً " (1) فكأن الزينة للمرتل لا للقرآن، كما يُقال:
وَيْل للشًعْر من رُوَاة السُّوء، فهو راجع إلى الراوي لا
إلى الشعر , فهو حثّ على ما يزين من الترتيل، والتدبر
ومراعاة الإعراب، وقيل: أراد بالقرآن القراءة أي: زينوا
قراءتكم بأصْواتكم. والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه.
1439- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، وقُتيبة بن سَعيد،
ويزيدُ بن خالد ابن مَوهب الرملي بمعناه، أن الليث حدثهم
عن عبد الله بن أبي مُليكة، عن عُبيد الله بن أبي نهيك، عن
سَعْد بن أبي وقاص. وقال يزيدُ: عن ابن أبي مليكة، عن سعيد
بن أبي سَعيد- وقال قتيبة: هو في كتابي عن سعيد بن أبي
سَعيد- قال: قال رسولُ الله: " ليْس مِنَّا من لم يَتغنّ
بالقراَنِ " (2) . ش- عُبيد الله بن أبي نهيك- بفتح النون
وكسْر الهاء-. روى عن: سَعْد بن أبي وقاص. روى عنه: ابن
أبي مُليكة. روى له: أبو داود، وذكره في " الكمال" في باب
" عبد الله " بالتكبير في العبْد، وفي نسخ كثيرة من "
السُنَن ": عُبَيد الله- بالتصغير.
قوله: " وقال يزيد " أي: قال يزيد بن خالد المذكور في
روايته عن عبد الله بن أبي مليكة، عن سَعيد بن أبي سَعيد
المقبري.
قوله: " وقال قتيبة " أي: قال قتيبة بن سعيد في روايته: إن
الليث حدثه عن سعيد بن أبي سعيد، عن سَعْد بن أبي وقاص
قال: قال رسول الله. وروى هذا الحديث أبو صالح كاتب الليث،
عن الليث، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن
سَعْد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال
أبو صالح: هكذا حدّث به الليث، عن سَعْد - يعني: ابن أبي
وقاص- وكان يُحدث قبلَ ذلك عن [ابن] أبي مليكة، عن سَعيد
بن أبي سعيد. وقال الدارقطني: اختلف عن الليث في ذكر
__________
(1) سورة المزمل: (4) .
(2) تفرد به أبو داود.
(5/384)
سَعْد بن أبي وقاص , فأما الغرباء عن
الليث: فرووه على الصواب عن
سعد، وأما أهل مصر: فرَوَوه وقالوا: عن سعيد بن أبي سعيد
مكان
سَعْدً، والصواب: ما رواه عمرو بن دينار، وابن جريج، عن
ابن
أبي مًليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سَعْد.
قوله: " من لم يتغن بالقراَن " قال وكيع وسفيان بن عيينة:
معناه: منْ
لم يَسْتغْن به. واختلف في معنى ذلك، فقيل: يستغني به عن
الناس، وقيل: يستغني به عن غيره من الأحاديث والكُتب،
وقيل: معناه من لم
يجهر به، وقيل: من لم يُحسن صوته، وقيل: من لم يجعله يجهر
به.
وقال ابن الأعرابي: كانت العرب تتغنى بالركبان/ إذا ركبت
وإذا جلست [2/170-ب] في الأفنية وعلى أكثر أحوالها، ف" نزل
القراَن أحبّ النبي- عليه
السلام- أن يكون هَجيراهم بالقرآن مكان التغني بالركُبان.
وأول مَن قرأ بالألحان: عُبيدُ الله بن أبي بكرة، فورثه
عنه عُبيد الّله بن عمر، ولذلك
يُقالُ: قراءة العُمري، وأخذ ذلك عنه: سعيد العلاف
الأباضِي. وقال الشافعي: معناه: تحسين القراءة وترقيقها.
وقال أبو عُبيد القاسم بن
سلام: مَحملُ هذه الأحاديث التي ذكرناها في حُسْن الصَّوْت
إنما هو على
طريق الحزن والتخويف والتشويق , فهذا وجهُه لا الألحان
المطربة المُلْهية.
قوله: " ليْسَ منا، بمعنى: ليس على سيرتنا، أو ليس بمهتد
بهَدْينا،
ولا بمتخلق بأخْلاقنا. وذهبَ بعضهم إلى أنه أراد بذلك
نفْيه عن دين
الإسلام , وليس بصحيح، وكذا معنى قوله: " من غشنا " ونحو
ذلك.
1440- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا سفيان بن عُيَينة، عن
عَمرو،
عن ابن أبى مُليكة، عن عُبيد الله بن أبي نهيك، عن سَعْد
قال: قال النبي
" مليه السلام- مثله (1) .
ش- أي: مثل الحديث المذكور.
1441- ص- نا عبد الأعلى بن حماد: نا عبد الجبار بن الورْد
قال:
__________
(1) تفرد به أبو داود.
52. شرح سنن أبي داود.
(5/385)
سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عُبيد الله
بن أبي يَزيد: مرّ بنا أبو لُبَابة فاتبعناه حتى دخَلَ
بيتَه فدخلنا عليه، فإذا رجلٌ رَثُّ البَيْت، رَث الهيئة،
فسمعتُه يقولُ: سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام- يقولُ: "َ
ليسَ منا من لَم يَتَغَن بالقرآن ". قال: فقلتُ لابن أبي
مُليكة: نا أبا محمد " أرأيتً إذا لم يكُن حسَنَ الَصوْتِ؟
قال: يُحَسنه ما استطاعَ (1) .
ش- عبد الأعلى بن حماد: ابن نصر النَرْسِي الباهلي أبو
يحيى البصري، سكن بغداد، ونَرْس- بالنون- لقب لجدهم، وكان
اسمُه نصرا فلقبته القبط نَرْساً. روى عن: مالك بن أنس،
وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن عُيينة وغيرهم. روى
عنه: أبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، ومسلم،
والنسائي، عن رجل، عنه، وغيرهم. مات بالبصرة في سنة سبع
وثلاثين ومائتين.
وعبد الجبار بن الورد: المكي، أخو وُهَيْب. روى عن: ابن
أبي مليكة، وعمرو بن شعيب، وعطاف بن خالد. روى عنه: عبد
الأعلى بن حماد، وبُسرة بنت صفوان، قال ابن معين، وأبو
حاتم: هو ثقة، وقال أحمد: لا بأس به. روى له: أبو داود،
والنسائي. وعبيد الله بن أبي يزيد: المكي مولى يل قارظ
حُلفاء بني زهرة. سمع: ابن عباس، وابن عُمرَ، وابن الزبير،
ونافع بن جبير، ومجاهدا. روى عنه: ابن جريج، وشعبة، وحماد
بن زيد وغيرهم، قال ابن معين: ثقة. مات سنة ست وعشرين
ومائة. روى له: الجماعة. وأبو لبابة: اسمُه: رفاعة بن عبد
المنذر بن عنبر الأنصاري المدني، وقيل: اسمه: بَشير. روى
له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه. قوله: " رَث البَيْت،
الرث- بفتحِ اِلراء، وتشديد الثاء المثلثة- الشيء البالي،
وفلان رَث الهيئة، وفي هيئَته رثاثة، أي: بذاءة، وأرَث
الثوب، أي: أخْلقَ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(5/386)
قوله: " أرأيت " أي: أخبِرني " إذا لم يكن
" أي: القارئ.
1442- ص- نا سليمان الأنباري قال: قال وكيع وابن عيينة:
يَسْتغنِي (1) (2) .
ش- أي: قال وكيع بن الجراح، وسفيان بن عيينة في تفسير
قوله: " من لم يتغن ": من لم يَسْتغن، وقد ذكرناه الآن.
1443- صِ- نا سليمان بن داود المَهْري: أنا ابنُ وهب:
حدثني عُمر ابن مالك، وحيْوة، عَن ابن الهاد، عن محمد بن
إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي
هريرة، أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- قال: " ما أذنَ اللهُ
لشيء ما أذنَ لنبي حَسَن الصَوْت يَتَغنَّى بالقراَن
يجْهَرُ بهِ " (3) .ًًًَ
ش- عُمر بن مالك: الشرعبي المصري، وحيوة: ابن شريح، ويزيد:
ابن الهاد.
قوله: " ما أذن اللهُ " - بفتح الهمزة، وكسْر الذال "
المعجمة- يُقال ": أذنتُ للشيء آذَنُ أذانا - بفتح الهمزة
والذال- , والمعنى: ما استمع لشيء كاستماعه لهذا، والله
تعالى لا يَشْغلُه شأن عن شأنٍ , دائما هي استعارة للرضا
والقبول " لقراءته وعمله، والثواب عليه.
قوله: " ما أذن لنبي " " ما " مَصْدرية , والتقدير:
كأذَنِه لنبي.
قوله: " يتغنى بالقراَن " قد بينا الاختلاف في معناه،
وهذه/ جملة حالية، وكذا قوله: " يَجْهر به " حال " أخرى
مترادفة أو متداخلة، وقد
__________
(1) في سنن أبي داود: " يعني: يستغني به ".
(2) انظر التخريج المتقدم.
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: من لم يتغن بالقرآن
(5023) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب تحسين
الصوت بالقرآن (792) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: في
تزيين الصوت بالقرآن (1018) .
(5/387)
قيل: إنه تفسيرٌ لقوله: " يتغنى " وكل من
رفع صوته بشيء مُعلِنا به فقد تغنى به. والحديث أخرجه:
البخاري، ومسلم، والنسائي.
***
342- بَابٌ: فِيمَنْ حَفِظَ القُرآنَ ثم نَسِيَهُ
أي: هذا باب في بيان الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه،
وفي بعض النسخ: " باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه "
(1) وفي بعضها: " التشديدُ فيمن حفظ القرآن ثم نسيه " بدون
لفظ " باب ".
1444- ص- نا محمد بن العلاء: خبرنا ابنُ إدريس، عن يَزيد
بن أبي زناد، عن عيسى بن فائد، عن سَعْد بن عُبادة قال:
قال رسولُ الله- عليه السلام-: " ما من امرئ يَقرأ القرآن
ثم يَنْساهُ، إلا لَقِيَ اللهَ يومَ القيامة أجْذمَ " (2)
.ً
ش- ابن إدريس: عبد الله بن إدريس ". ويزيد بن أبي زناد:
الهاشمي مولاهم الكوفي، كنيته: أبو عبد الله، ولا يحتج
بحديثه.
وعيسى بن فائد- بالفاء. روى عن: سَعْد بن عبادة، وقيل: عن
رجلِ من خزاعة. وروى عنه: يزيد بن أبي زناد، قال علي بن
المديني: لم يرو عنه غيره، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم:
عيسى بن فائد. روى عمن سمع سَعْد بن عبادة , فالحديث على
هذا منقطع مع ضَعْفِه. قوله: " أجزم " الأجذمُ: المقطوع
اليد، وقيل: الأجذم هاهنا: المجذوم، وقيل: يلقى الله تعالى
خالي اليد عن الخير , كنى باليد عما تحويه اليدُ، وقيل:
لقي الله تعالى لا حجة له. وذكر الجوهري أنه لا يقال
للمجذوم أجزم. ثم قيل: ليس المراد: مَنْ يحفظ القرآن
بالغيب ثم ينساه , وإنما المرادُ: الذي يَقرأ القرآن،
ويعلم حَلاله وحرامه ثم ينساه. أي: يتركه ولا يعمل بما
فيه، فافهم.
**
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(5/388)
343- بَابٌ: أُنزِل القُرآنُ على سبعة
أحْرُفٍ
أي: هذا باب في بيان أن القرآن أنزل على سَبْعةِ أحرفٍ،
وفي بعض النسخ: " باب في قوله: نزل القرآن على سبْعة أحرف
" وفي بَعضِها: " أنزل القرآن على سبْعة أحْرف " بدون لفظ
الباب.
1445- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن
الزُّبير، عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القارِي قال: سمعتُ
عمرَ بن الخطاب يَقولُ: سمعتُ هشام بن حكيم بن حزام يقرأ
سُورةَ الفُرقانِ على غَيْر ما أقرؤُهَا، وكان رسولُ الله
أقرأنيهِ (1) ، فكِدتُ أنْ أعْجلَ عليه، ثم أمْهَلتُهُ حتى
انصرفَ، ثم لبَبْتُه بِرَدائِي، فجئتُ به رسولَ الله
فقلتُ: نا رسولَ الله! إني سمعتُ هذا يَقرأ سُورةَ
الفرقانِ على غيرِ ما أقْرَأتَنَيهَا، فقال له رسولُ
الَله: " اقْرأ " فقرأ القرَاءَة التي سمعتُه يقرأ، فقالَ
رسولُ اَللهِ: " هكذا أنزِلَتْ " ثم قال لي: " اقرأَ "
فقرأتُ، فقال: " هكذا أنزِلَتْ " ثم قال: " إن هذا
القُرآنَ أنزِلَ على سبعة أحرُفٍ، فاقْرءُوا ما تيَسر منهُ
" (2) .
ش- عبدَ الرحمن بن عبد- بالتنوين، والقارِيّ- بالتشديد-
نِسْبة إلى قارة- وقد ذكرناه.
وهشام بن حكيم بن حزام- بكسر الحاء المهملة، وفتح الزايَ-
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزَى بن قصي بن كلاب القرشي
الأسدي، أسلم يوم الفتح. رُوي له عن رسول الله ستة أحاديث.
روى له: مسلم حديثًا واحدًا. روى عنه: عروة بن الزبير،
وقتادة البصري- والد عبد الرحمن بن قتادة-، وجبير بن
نُفير، مات قبل أبيه، وقيل ": إنه استشهد بأجنادين. روى
له: أبو داود، والنسائي.
__________
(1) في سنن أبي داود:" أقرأنيها".
(2) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: أنزل القرآن على
سبعة أحرف (4992) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: القرآن
على سبعة أحرف (818) ، الترمذي: كتاب القراءات، باب:
القرآن أنزل على سبعة أحرف
(4 294) ، النسائي: كتاب الافتتاح (937، 939) .
(5/389)
قوله: " ثم لببته " - بتخفيف الباء
وتشديدها، والتخفيف أعرف-
ومعناه: جمعت عليه ثوبه عند صَدْره في لبته، ومَسكته بها
وسُقتُه
واللبّة: المنحر، ووقع هاهنا " لببته بردائي "، ولفظ
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي " بردائه " ويحتمل أن
يكون جمعهما له " حصل
عنده من الإنكار عليه.
قوله: " على سَبعة أحرُف " قال العلماء: سبب إنزاله على
سبعة أحرف
التخفيف والتَّسْهِيل , ولهذا قال- عليه السلام-: " هُون
على أمتِي ".
واختلفوا في المراد بسَبْعة أحرف , " (1) قال القاضي: قيل:
هو
توسعة وتَسْهيل لم يقصد به الحصْر، وقال الأكثرون: هو
حَصْرٌ للعدد في [2/171-ب] ، سَبْعة، ثم قيل: هي سَبْعة في
المعاني/ كالوَعْد والوعيد، والمحكم والمُتشابه، والحلال
والحرام، والقصص والأمثال، والأمر والنَهْي.
ثم اختلف هؤلاء في تعيين السَبْعة، وقال آخرون: هي في صورة
التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظْهار، وتفخيم
وترقيق، وإمالة
ومَد , لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه،
فيسّرَ اللهُ تعالى عليهم، ليقرا كل إنسان بما يُوافقُ
لغتَه، ويَسْهلَ على لسانه. وقال
آخرون: هي الألفاظُ والحروفُ.
ثم اختلف هؤلاء، فقيل: سبْعُ قراءات وأوجُه. وقال أبو
عُبيد:
سبْع لغات للعرب يمنها ومعدها، وهي أفصح اللغات وأعْلاها،
وقيل:
بل السبْعة كلها لمُضَر وحدها، وهي متفرقة في القرآن غير
مجتمعة في
كلمة واحدة. وَقيل: بل هيِ مجتمعة في بعض الكلمات كقوله
تعالى:
" وعَبَدَ الطَّاغُوتَ " و" نرْتَعْ ونَلعَبْ " و" "
بَاعدْ بينَ أسْفَارِنَا "
و" بعَذاب بَئيس " وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكَر ابن
الباقلاني: الصحَيح: أن هًذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضَت
عن رسول الله
- عليه السلام-، وضبطتها عنه الأمة، وأثبتها عثمان
والجماعة في المصحف، وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما
لم يثبت متواترا، وأن
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (6/99 -100) .
(5/390)
هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها
أخرى، وليست متضادةً ولا
متنافية.
وقال الطحاوي: إن القراءة بالأحرف السبْعة كانت في أول
الأمر خاصةً للضرورة لاختلاف لغة العرب، ومَشقّة أخذ جميع
الطوائف بلغة، فلما كثر الناسُ والكتاب، وارتفعت الضرورة
عادت إلى قراءة واحدة. وقال الداودي: وهذه القراءات السبْع
التي يقْرأ الناسُ اليوم بها ليس هو كل حرف منها هو أحد
تلك السبْعة؟ بل قد تكون متفرقة فيها. وقال أبو عبد الله
ابن أبي مقرن: هذه القراءات السبْع إنما شرعت من حرف واحد
من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عثمان- رضي
الله عنه- عليه المصحفَ. وكذا ذكره النحاسُ وغيرُه. وقال
غيره: ولا تكن القراءة بالسبْعة المذكورة في الحديث في
ختمة واحدة، ولا ندري أي هذه القراءات كان آخر العرض على
النبي- عليه السلام-، وكلها مستفيضة عن النبي- عليه
السلام- ضبطها عنه الأئمة، وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف
إليه من الصحابة أي: إنه كان أكثر قراءة به، كما أضيفت كل
قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السَّبْعة
وغيرهم. قال المازري: وأما قول من قال: المراد سبعة مَعان
مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ , لأن النبي- عليه
السلام- أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف، وإبدال
حرف بحرف، وقد تقرر إجماع المسلمين: أنه يحرم إبدال آية
أمثال بآية أحكام. قال: وقول من قال: المراد: خواتيم الآي
فيجعل مكان " غفور رحيم ": " سميع بصير" فاسد - أيضا-
للإجماع على منع تغيير القرآن للناس (1) ، والله أعلم.
وا لحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
1446- ص- نا محمد بن يحيي بن فارس: نا عبد الرزاق: أنا
معمر قال: قال الزهري: إنما هذه الأحرفُ في الأمرِ الواحد
, ليْسَ يختلفُ في حلال ولا حرامٍ (2) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم. (2) تفرد به
أبو داود.
(5/391)
ش- عبد الرزاق: ابن همام، ومعمر: ابن راشد،
ومحمد بن مُسلم: الزهري.
قوله: " إنما هذه الأحرف " أي: الأحرف السبعة المذكورة "
في الأمر الواحد ليس يختلف " أي: الأمر الواحد مثلا إذا
كانت سبع لغات في كلمة واحدة، وهي سَبعْ قراءات لا يختلف
حكم تلك الكلمة في الحلال والحرام بسبب الاختلاف في اللفظ،
فافهم.
1447- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا همام بن يحيي، عن
قتادة، عن يحيى بن يَعْمُر، عن سليمان بن صُرَد الخُزاعي،
عن أبيِّ بن كعب قال: قال النبيُّ- عليه السلام-: " يا
أبى! إِني أقرِئْتُ القرآنَ فقيلَ لي: على حرف أو
حرفَيْنِ، فقال المَلَكُ الذي معي: قل: على حرفَيْنِ.
قَلتُ: على حرفينِ، فقيلَ لي: على حرفين أو ثلاثٍ، فقال
المَلَكُ الذي معي: قلْ: على ثلَاث (1) ، قلتُ: على ثلاث
(1) حتى بَلَغَ سبعةَ أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شافٍ
كافٍ، إن قلتَ: "سَميعًا عليمًا، عزيزًا حكًيمًا، ما لم
تختم آيةَ [2/172-أ] عذاب/ برحمة، أو آيةَ رحمة بعذاب "
(2) .
ش- سُليماًن بن صُرد: الصحًابيّ. روى عن: أبيّ بن كعب
الصحابيّ.
قوله: " أقرِئتُ " على صيغة المَجْهول.
قوله: " ليس منها إلا كاف شاف " أي: ليْس من هذه الأحرف
السَبْعة حرفٌ إلا وهو حَرْف كاف لكل شيًءٍ، شاف مِن كل
ذنب. والحاصل: أن حكم الجميع حكم القرًآَن في كونه كافيا
شاًفيا.
قوله: " إن قلت: سميعا عليما " واصل بقوله " كاف "، يعني:
إن قلت: سميعا عليما موضع عزيزٍ حكيم، أو بالعكس" فهو كاف
ما لم تَختم آية عذاب برحمة، مثلا تكون الآية في العذاب ثم
يَخْتمها بقوله " غفور رحيم، أو تكون في رَحْمة ثم يختمها
بقوله: " تشديد العقاب "
__________
(1) في سنن أبي داود: " ثلاثة ". (2) تفرد به أبو داود.
(5/392)
ونحوه- , وهذا الحكمُ إنما كان قبل الإجماع على ترتيب
القرآن في المصحف العثماني، فلما وقع الإجماع على منع
تغيير الناس القرآن لم يجُز لأحد أن يجْعل موضع " سميع
عليم " مثلا " عزيزا حكيما."، ونحو ذلك قصدا وعمدا , ولكن
إذا جرى على لسانه من غير قصدٍ إلى التغيير فلا بأس بذلك،
حتى لو كان في الصلاة لا تفسدُ صلاته.
1448- ص- نا ابن المثنى: نا محمد بن جعفر: نا شعبة، عن
الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبيِّ بن كعب، أن
النبيّ- عليه السلام- كان عند أضاة بني غفارِ، فأتاه
جبريلُ- عليه السلام- فقال: " إن الله يأمُرُك أن تُقرِئ
أمتكً على حرْف، قال: أسأل الله مُعافاته ومغفرته، إن أمتي
لا تُطيقُ ذلك، ثم أتاه ثانية فذكر نحوه هذا حتى بلغ سبْعة
أحرف، قال: إن الله يأمُرُك أن تُقرِئ أمتك على سبْعة أحرف
فأيّما حرْف قرءُوا عليه فقد أصابُوا " (1) .
ش- الحكم: ابن عُتيْبة، وعبد الرحمن: ابن أبي ليلى.
قوله: " كان عند أضاة بني غفار "- بفتح الهمزة، وبضادٍ
معجمة مقصورة- وهي الماء المُستنقع كالغدير، وجمعُها: أضا
كحصاة وحصى، وإِضاء- أيضا- بكسر الهمزة، والمد كأكم
وإِكام. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي. |