شرح أبي داود
للعيني 10- باب: في موت الفُجاءة (2)
أي: هذا باب في بيان موت الفُجاءة، الفُجاءة- بضم الفاء-
والمد،
يقال: فَجِئه الأمر، وفجاءة فجاءة، وفاجأه مفاجأة إذا جاءه
بغتة من غير
تقدم سبب، وقيده بعضهم بفتح الفاء، وسكون الجيم من غير مد
على
المرة.
1545- ص- نا مسدد، نا يحي، عن شعبة، عن منصور، عن تميم بن
سلمي، أو سعد بن عبيدة، عن عبيد بن خالد السلمي- رجل من
أصحاب
النبي- عليه السلام- قال مرة: عن النبي- عليه السلام- ثم
قال مرة: عن
عبيد، قال:"موت الفجَاءَةِ أخذةُ أسَفٍ " (3) .
__________
(1) انظر تخريج الحديث المتقدم.
(2) في سنن أبي داود: " باب موت الفجأة".
(3) تفرد به أبو داود.
(6/26)
ش- يحمى القطان، ومنصور بن المعتمر، وسعد
بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي، وعبيد بن خالد السلمي
البصري يكنى أبا عبد الله نزل الكوفة، روى عنه: عبد الله
بن ربيعة، وسعد بن عبيدة، وتميم بن سلمة، روى له: أبو
داود، والنسائي (1) .
قوله: "قال مرة " أي: قال سعد بن عبيدة مرة: عن النبي-
عليه السلام- ففي هذا القول يكون الحديث متصلا، وفي قوله
الآخر يكون منقطعا موقوفا.
قوله: "أخذة أسف" الأسف بفتح الهمزة، وكسر السين من الصفات
المشبهة، والأسف بفتحتين اسم، والمعنى أخذةُ غضبانَ في
الوجه الأول، وأخذةُ غضبٍ في الوجه الثاني يقال: أسف يأسف-
من باب علم يعلم- أسفا، فهو أسف إذا غضب، ومنه قوله تعالى:
{فَلَما آسَفُونَا انتَقَمْنَا منْهُمْ} (2) ويجوز في
الأسف الذي هو صفة تسكين السن ككَتف وَكَتْفٍ، ومعنى
الحديث أنه فعل ما أوجب الغضب عليه، والانتقام منه بَأنً
أماته بغتة من غير استعداد، ولا حضور لذلك، وقال الشيخ زكي
الدين المنذري: وقد روي هذا الحديث من حديث عبد الله بن
مسعود، وأنس ابن مالك، وأبي هريرة، وعائشة، وفي كل منها
مقال، وقال الأزدي: ولهذا الحديث طرق، وليس فيها صحيح عن
رسول الله- عليه السلام- هذا آخر كلامه، وحديث عبيد هذا
الذي خرجه أبو داود، وقال: إسناده ثقات، والوقف فيه لا
يؤثر، فإن مثله لا يؤخذ بالرأي، فكيف وقد أسنده [إلى النبي
عليه السلام؟] (3) .
11- باب: في فضل من مات في
الطاعون
أي: هذا باب في بيان فضيلة من مات في الطاعون.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب للكمال (3713/19) .
(2) سورة الزخرف: (55) .
(3) غير واضحة في الأصل.
(6/27)
1546- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله
بن عبد الله بن جابر بن
عتيك، عن عتيك بن الحارث بن عتيك وهو جد عبد الله بن عبد
الله أبو أمه،
أنه أخبره، أن جابر بن عتيك أخبره، أن رسول الله-صلى الله
عليه وسلم -: " يعودُ عبدَ الله
ابن ثابت، فوجده قد غُلبَ فصاحَ به رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم فلم يُجبْهُ، فاسترجَعَ رسولُ الله- عليه
السلام- وقال: غُلبْنَا عليك يَا أبا الربيع، فصاحَ
النسوةُ
وَبَكَيْنَ، فَجعل ابنُ عتيك يُسكتهُن، فَقال النبي- عليه
السلام-: دَعْهُنَّ،
فإذا (1) وجبَ فلا تَبكين باكيةَ، قالوا: وما الوجوبُ يا
رسولَ الله؟ قال:
الموتُ، قالت ابنتُه: وَالله إن كنتُ لأرجو أن تكونَ
شهيداً، فإنكَ قد كنت
قضيتَ جهازَكَ، قال رسولُ اللهِ- عليه السلام-: إن الله-
عز وجل- قد
أوقعَ أجرَهُ على قدرِ نيته، وما تَعدونَ الشَّهادةَ؟
قالوا: القتلُ في سبيلِ الله،
قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: الشَّهادةُ سَبْغ
سوى القتل في سبيلِ الله: المَطعُونُ شهيد، والغَرَيقُ
شهيد، وصاحبُ ذات الجَنْب شهيد، والمبطُوَنُ شهيدٌ، وصاحبُ
الحَريقِ شهيد، والذي يموتَُ تحتَ الهدم شهيد والمرأةُ
تموتُ بِجُمْع شهيدة (3) " (4) .
ش- عتيك بن الحارث بن عتيك الأنصاري، روى عن: جابر بن عتيك
روى عنه: عبد الله بن عبد الله بن عتيك، روى له: أبو داود،
والنسائي وعبد الله بن ثابت (5) .
قوله: "استرجع" أي: قال: "إنا لله، وإنا إليه راجعون "،
مثل ما يقال: حوقل، إذا قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله "
وبسمل إذا قال: "بسم الله الرحمن الرحيم".
__________
(1) في سنن أبي داود:" فإذ ".
(2) في سنن أبي داود:"والغرق ".
(3) في سنن أبى داود:"شهيدة".
(4) النسائي: كتاب الجنائز، باب: النهي عن البكاء على
الميت (14/4) (1847) ، ابن ماجه: كتاب الجهاد، باب: ما
يرجى فيه الشهادة (3 0 28) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3790) .
(6/28)
قوله: "وما الوجوب؟ " أصل الوجوب في اللغة
السقوط قال الله تعالى: {فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا
فَكُلُوا منْهَا} (1) ، وهو أن تميل فتسقط، وإنما يكون
ذلكَ إذا زهقت نفسها، ويقابل للشمس إذا غابت: قد وجبت
الشمس. قوله: " المطعون شهيد " من طعن الرجل فهو مطعون،
وطعين إذا أصابه الطاعون، وذات الجنب خلط يَنصبُّ إلى
الغشاء المستبطن للأضلاع، فيُحدثُ ورما حارا، وعلامَته حمى
لازمة، وسعال، وضيق نفس، ووجع فاحش، والمبطون العليل
البطن، وهو الذي يمشي فؤاده، والبَطينُ العظيم البطن،
والمبطان الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكلَ،
والمُبْطِنُ الضامر البطن، والبَطِنُ الذي لا يهمه إلا
بطنه.
قوله: " بجمع " بضم الجيم، وسكون الميم، والمعنى تموت وفي
بطنها ولد وقيل: التي تموت بكرا، والجمع بمعنى المجموع،
كالذُّخْرِ بمعنى المَذْخور، وكسر الكسائي الجيم، والمعنى
أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو
بكارة.
ثم قوله- عليه السلام-: "الشهادة سبع سوى القتل " المراد
به الشهادة الحكمية، بمعنى أن هؤلاء كالشهداء حقيقة عند
الله تعالى في وفور الأجر، ولهذا يغسلون ويكفنون كسائر
الموتى، بخلاف الشهيد الحقيقي وهو الذي قُتل ظلما، ولم تجب
بقتله دية، أو وجد في المعركة قتيلا كما عرف في الفقه
بالخلاف الذي فيه، والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه-
رحمهما الله تعالى-.
12- باب: المريض يؤخذ من
أظفاره وعانته
أي: هذا باب في بيان المريض الذي يؤخذ من أظفاره أو من
عانته.
1547- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا إبراهيم بن سعد، أخبرني
ابن شهاب، أخبرني عمر بن جارية الثقفي حليف بني زهرة- وكان
من
__________
(1) سورة الحج: (36) .
(6/29)
أصحاب أبي هريرة- عن أبي هريرة، قال:
ابْتَاعَ بنو الحارث بنِ عامرِ بن نوفلٍ خُبيبا، وكان
خُبيب هو قَتَلَ الحارثَ بنَ عامرِ يومَ بدرِ، فلبَثَ خبيب
عندهم أسيرا حتى أجْمَعُوا لِقتلِهِ، فاستعارَ من ابنةِ
الحارث مُوسى يَسْتَحدُ بها فأعارتْهُ، فدرجَ بَنِي لها
وهو غافلة حتى أتتْهُ فوجدنه مخَليا وهو علَى فَخذه
والموسَى بيده، فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا، فقال:
أَتخشِينَ أن أَقْتُلَهُ؟ ما كنت لأفْعَلَ ذلكَ" (1) .
ش- موسى بن إسماعيل المنقري البصري أحد شيوخ أبي داود،
والبخاري، وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري
القرشي
المدني، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب
الزهري
القرشي [] (2) وأخرجه البخاري، والنسائي مطولا.
ص- قال أبو داود: روى هذه القصة شعيب بن أبي حمزة عن
الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عياض، أن بنت (3) الحارث
أخبرته:
"أنهم حينَ أجمعوا (4) - تعنى: لقتلِهِ- استعارَ منها
مُوسَى يَستحد بها
فأعارتهُ".
ش- أي: روى قصة حبيب: شعيب بن أبي حمزة دينار القرشي
الأموي مولاهم الحمصي، عن محمد بن مسلم الزهري، قال [] (5)
.
13- باب: حسن الظن بالله عند
الموت (6)
أي: هذا باب في بيان حسن الظن بالله تعالى عند الموت، وفي
بعض
النسخ: "باب ما يستحب من حسن الظن بالله"
__________
(1) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع ورعل وذكوان
(4086) . (2) بياض في
الأصل قدر ثلث صفحة، والظاهر أن المصنف بيض له ليشرحه،
فوافته المنية قبل شرحه، والله أعلم.
(3) في سنن أبي داود: "ابنة".
(4) في سنن أبي داود: "اجتمعوا ".
(5) بياض أيضا قطر سطرين.
(6) في سنن أبي داود: " باب ما يستحب من حسن ... ".
(6/30)
1548- ص- نا مسدد، نا عيسى بن يونس، نا
الأعمش، عن أي سفيان عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه-
قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ قبلَ
مَوتِه بثلاث، قال: " لا يموت أحدكم إلا وهو يُحْسِنُ
بالله اَلظن" (1) .
ش- سليماَن الأعمش، وأبو سفيان اسمه طلحة بن ناَفع
الواسطي، وقد مر ذكره، ومعنى الحديث: أحسنوا أعمالكم بحسن
ظنكم بالله، فإن من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون حسن الظن
بالله من ناحية الرجاء، وتأمين العفو، والله تعالى جواد
كريم، يعفو عن عبيده المذنبين، والحديث أخرجه: مسلم، وابن
ماجه.
14- باب: تطهير ثياب الميت
(2)
أي: هذا باب في بيان تطهير ثياب الميت عند موته، وفي بعض
النسخ:" باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند موته".
1549- ص- نا الحسن بن علي، نا ابن أبي بريم، أنا يحيى بن
أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن
أبي سعيد الخدري- رد الله عنه- أنه لما حضرَه الموتُ دعَا
بثياب جُدُد فلَبسَهَا، ثم قال: سمعتُ رسولَ الله- صلى
الله عليه وسلم - يقولُ: " إن الَميتَ بُبَعثُ فهي ثَيَابه
التي يمُوتُ فيها " (3) .
ش- الحسن بن علي الخلال، أحد شيوخ: أبي داود، والبخاري
ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وسعيد بن الحكم بن محمد بن
أبي مريم الجُمحي المصري، ويحي بن أيوب الغافقي المصري،
ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، ومحمد بن
إبراهيم بن الحارث القرشي التيمي المدني، وأبو كلمة عبد
الله بن عبد الرحمن.
__________
(1) مسلم: كتاب الجنة ونعيمها، باب: الأمر بحسن الظن بالله
تعالى عند الموت (2877) ، ابن ماجه: كتاب الزهد باب:
التوكل واليقين (67 1 4) .
(2) في سنن أبي داود:"باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت
عند الموت ".
(3) تفرد به أبو داود.
(6/31)
قوله: " جدد" بضم الجيم والدال جمع جديد،
مثل سرير وسرر، وثوب جديد بمعنى مجدود، يراد به حين جده
الحائك، أي: قطعه.
قال الخطابي (1) : " أما أبو سعيد فقد استعمل الحديث على
ظاهره، وقد روى في تحسين الكفن أحاديث، وقد تأوله بعض
العلماء على خلاف ذلك، فقال: معنى الثياب العمل، كنى بها
عنه، يريد ابنه يبعث على ما مات عليه من عمل صالح أو عمل
سيء، قال: والعرب تقول: فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة
النفس، والبراءة من العيب، ودنسُ الثياب إذا كان بخلاف
ذلك، واستدل في ذلك بقوله- عليه السلام-: " يحشَر الناس
حفاة عراة" فدل ذلك على أن معنى الحديث ليس على الثياب
التي هي الكفن، وقال بعضهم: البعث غير الحشر، فقد يجوز أن
يكون البعث مع الثياب والحشر مع العري والحفا"، والله
أعلم.
قلت: ذكرُ الخطابي الكفنَ في هذا الموضع ليس له وجه، لأن
الكلام في الثياب التقي يموت فيها الميت وهي غير الكفن،
نعم، وردت أحاديث في تحسين الكفن، ولكن ليس لذلك تعلق بما
نحن فيه، وإنما قال- عليه السلام- هذا القول ترغيبا لمن
حضره الموت أن يلبس أحسن ثيابه وأنظفها في ذلك الوقت، لأنه
وقت قدومه على الرب الكريم، ووقت اتصاله بجواره، فينبغي أن
يكون في ذلك الوقت على هيئة حسنة نظيفة، والحديث يدل على
أن الميت يبعث في ثيابه، وأما عريه وحفاه فذاك عند الحشر،
والحشر غير البعث، والله أعلم. والحديث لم يخرجه غير أبي
داود من الأئمة الستة.
15- باب ما يبالى عند الميت من
الكلام (2)
أي: هذا باب في بيان ما يقال عند الميت من الكلام.
__________
(1) معالم السنن (1/ 262- 263) .
(2) في سنن أبي داود: "باب ما يستحب أن يقال عند الميت من
الكلام".
(6/32)
1550- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن
الأعمش، عن أبي وائل، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله-
صلى الله عليه وسلم -: " إذا حَضَرتُمُ الميت فقولُوا
خيراً فإن الملائكَةَ يُؤَمنونَ على ما تقولُون، فلما ماتَ
أبو سَلَمةَ قلتُ: يا رسولَ الله" ما أَقولُ؟ قال: قُولي:
اللهم اغفرْ له، وأعْقبْنَا عقبى صالحةً، قالت: فأعقبنيَ
اللهُ- عز وجل- (1) محمداً عليه السلامَ- " (2) .
ش- سفيان الثوري، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي.
قوله:" خيرا" نصب على أنه صفة لمفعول محذوف تقديره كلاما
خيرا،
أو قولا خيرا، والمعنى: ادعوا له، بقرينة قوله:" فإن
الملائكة يؤمنون على ما تقولون" فإنه لا يوافق تأمن
الملائكة دعاء أحد إلا ويستجاب له. قوله: "فلما مات أبو
سلمة" هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن
عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي وأمه برة بنت
عبد المطلب عمة رسول الله- عليه السلام- وكان رضيع رسول
الله، ارتضعا من ثويبة مولاة أبي لهب، وكان إسلام أبي
سلمة، وأبي عبيدة، وعثمان بن عفان، والأرقم بن أبي الأرقم
قديما في يوم واحد، وقد هاجر هو وزوجته أم سلمة إلى أرض
الحبشة، ثم عادا إلى مكة، وقد ولد لهما بالحبشة أولاد، ثم
هاجر من مكة إلى المدينة وتبعته أم سلمة إلى المدينة، وشهد
بدرا، وأحدا، ومات بآثار جُرح، جُرِحَ بأحد في السنة
الرابعة من الهجرة له حديث واحد في الاسترجاع عند المصيبة،
وهو ما روته أم سلمة، قالت: فأتاني أبو سلمة يوما من عند
رسول الله- عليه السلام- فقال: لقد سمعت [من] رسول الله-َ
عليه السَلام- قولا
__________
(1) في سنن أبي داود: "فأعقبني الله تعالى به ".
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: ما يقال عند المريض والميت
6- (9 91) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تلقين
المريض عند الموت والدعاء
له عنده (977) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: كثرة ذكر
الموت (4/ 4) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيما يقال عند المريض
إذا حضر (1447) .
3. شرح سنن أبي داوود 6
(6/33)
سُرِرتُ به، قال: لا يُصيبُ أحداً من
المسلمين مصيبة، فيسترجعُ عند مصيبته، ثم يقول: اللهم
أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها إلا فعل بَه". رواه
الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حسن
غريب، وفي " الكمال ": توفي أبو سلمة بالمدينة في حياة
النبي - عليه السلام- مرجعه من بدر، روى له: الترمذي، وابن
ماجه (1) . قوله: "عقبى صالحة " أي: بدلا صالحا.
قوله: " فأعقبني الله- عز وجل- محمدا- عليه السلام- ". أي:
عوضني محمدا بدل أبي سلمة، وكل من خلف عن شيء فهو عاقبه،
وعاقبة كل شيء آخره، وعقب فلان مكان أبيه عاقبة أي: خلفه،
وأخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
16- باب: في التلقين
أي: هذا باب في بيان تلقين الميت.
1551- ص- نا مالك بن عبد الواحد المسمعي، نا الضحاك بن
مخلد،
نا عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني صالح بن أبي عريب عن
كثير بن مرة عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسولُ
الله- صلى الله عليه وسلم-: "من كانَ آخِرُ كلامه لا إله
إلا اللهُ دخلَ الجنةَ " (2) .
ش- مالَكَ بن عبد الواحد أبو غسان المِسمَعِي البصري، من
مسمع ربيعة، روى عن: معاذ بن هشام، ومعتمر بن سليمان، وعون
بن كهمس وغيرهم، روى عنه: أبو داود، ومسلم وغيرهما، مات
سنة ثلاثين ومائتين (3)
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (338/2) ،
وأسد الغابة (3/ 94 2) ، والإصابة (2/ 335) ، وتهذيب
الكمال (5 1/ 3369) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5746) .
(6/34)
والضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، وصالح بن
أبي عريب- بالعين
المهملة-، واسم أبي عريب قليب بالقاف، وقد مر مرة.
قوله: " آخر كلامه" أي: آخر كلامه في الدنيا، ولهذا قال
أصحابنا:
ينبغي أن يلقن الميت حين يشرف على الموت، ليكون آخر كلامه
شهادة أن
لا إله إلا الله، فلا يفيد التلقين بعد الموت، والحديث
رواه الحاكم في "مستدركه " وقال: صحيح الإسناد، عن معاذ-
رضي الله عنه-.
1552- ص- نا مسدد، نا بشر، نا عمارة بن غزي، نا يحيى بن
عمارة،
قال: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله-صلى الله
عليه وسلم -: " لَقنوا
مَوتَاكم (1) لا إله إلا الله" (2) .
ش- بشر بن المفضل، والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري،
واستدل الشافعي بظاهر الحديث على أن التلقين بعد الدفن،
وأصحابنا
أولوه بمعنى: لقنوا من قرب إلى الموت لا إله إلا الله، لأن
تلقين الميت لا
يفيد/ والحديث الأول يؤيد هذا التأويل، ويؤيده أيضا ما
رواه أبو حفص [2/191- أ] أن عمر بن شاهين في كتاب
والجنائز،، وهو مجلد وسط، حدثنا عثمان
ابن جعفر بن أحمد السبيعي، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن
نجدة، ثنا
علي بن عياش، ثنا حفص بن سليمان، حدثني عاصم وعطاء بن
السائب، عن زاذان، عن ابن عمر، مرفوعا: " لقنوا موتاكم: لا
إله
لا الله، فإنه ليس مسلم يقولُها عند الموتِ إلا أنجته من
النار" (3)
__________
(1) في سنن أبي داود:" لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله".
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: تلقين الموتى (916/ 1) ،
الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تلقين المريض عند
الموت والدعاء له عنده (976) ، النسائي: كتاب الجنائز،
باب: تلقين الميت (4/ 5) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب:
تلقين الميت (1445) .
(3) انظره بسنده ومتنه في نصب الراية (2/ 254) ، وعنده:"
إلا أنجاه الله من النار".
(6/35)
17- باب: تغميض
الميت
أي: هذا باب في بيان تغميض عيني الميت بعد موته.
1553- ص- نا عبد الملك بن حبيب أبو مروان، نا الفزاري (1)
، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أم
سلمة، قالت:- "دخل رسول الله- "- على أبي سَلَمةَ وقد شقَّ
بَصَره فأغمضَهُ، فضج (2) ناس من أهلِه، فقال: لا تَدْعُوا
على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يُؤَمنونَ على ما
تقولونَ، ثم قال: اللهم اغفرْ لأبي سَلَمةَ، وارفعْ
دَرَجتَه في المهديينَ، وأَخْلِفْه فيه عَقبه في
الغَابرِينَ، واغفرْ لنا وله ربَّ العَالمينَ، اللهم
أفْسَحْ له في قبرِه، ونورْ لَها فيه " (3) .
ش- الفزاري هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث، وأبو
قلابة عبد الله بن زيد.
وقبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد
الله
أبو إسحاق أو أبو سعيد الخزاعي المديني، ولد عام الفتح،
سكن الشام سمع: زيد بن ثابت، وأبا الدرداء، وأبا هريرة،
وروى عن: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن
عوف، وعبادة بن الصامت، وعمرو بن العاص، وجابر بن عبد
الله، وتميما الداري، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة مرسلا،
روى عنه: رجاء بن حيوة، ومكحول، وأبو قلابة، وغيرهم، مات
سنة ست أو سبع وثمانين في خلافة عبد الملك، وكان ثقة،
مأمونا، كثير الحديث، روى له الجماعة (4) . قوله:- "وقد شق
بصره " بفتح الشين، والضم فيه غير مختار،
و"بصره" مرفوع بالفاعلية، والمعنى انفتح بصره.
__________
(1) في الأصل: "الفرازي".
(2) في سنن أبي داود: "فصيح ".
(3) مسلم: كتاب الجنائز، باب: في إكمال الميت والدعاء له
إذا حضر (920) ، ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في
تغميض الميت (1454) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4842) .
(6/36)
قوله: " في المهديين"في محل النصب على
الحال.
قوله: " في عقبه " بفتح العين وكسر القاف، وعقب الرجل ولده
وولد ولده، وفيه لغتان، عقب بكسر القاف، وعقب بسكونها.
قوله: ما في الغابرين " أي: الباقي (1) ، قال أهل اللغة:
الغابر يجيء بمعنى الماضي وبمعنى الباقي، فإنه من الأضداد،
قال الأزهري: والمعروف الكثير أن الغابر: الباقي، وقال غير
واحد من الأئمة: إنه يكون بمعنى الماضي.
قوله: يا رب العالمين لما منصوب بحذف حرف النداء، والمعنى
يا رب العالمي. ويستفاد من الحديث استحباب تغص ض عين
الميت، وذلك لئلا يقبح منظره، وأن يدعو من حضره بخير، ولا
يدعون بما فيه شر، ولا يضجون، ولا يصيحون، والحديث أخرجه
مسلم، وروى ابن ماجه في، سننه "، عن قاعة بن سويد، عن حميد
الأعرج، عن محمود بن لبيد، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم - "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا
البصرَ، فإن البصرَ يتبع الروح، وقولوا خيرا، فمان
الملائكة تؤمن على ما قال أهل البيت ".
ورواه أحمد في " مسنده"، والحاكم في " المستدرك"، وقال:
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه البزار في "مسنده"، وقال:
لا نعلم رواه عن حميد الأعرج إلا قزعة بن سويد، وليس به
بأس، لم يكن بالقوي، واحتملوا حديثه، انتهى.
وأعله ابن حبان في كتاب " الضعفاء" بقزعة، وقال: إنه كان
كثير الخطأ، فاحش الوهم، حتى كثر ذلك في روايته، فسقط
الاحتجاج به.
ص- قال أبو داود: تغميض (2) الميت بعد خروج الروح. سمعت
محمد بن محمد المقري، قال: سمعت أبا ميسرة- رجلا عابدا-
يقول:
__________
(1) في الأصل: (الباقيين " كذا، وانظر: النهاية (3/ 337) .
(2) في صنع أبي داود:"وتغميض ".
(6/37)
" غمضتُ جعفرا المعلمَ- وكان رجلا عابداً-
في حالة الموت، فرأيتُه في
مَنَامِي ليلةَ ماتَ، يقولُ: أعظمُ ما كان عَلَيَّ تغميضك
لي قَبلَ أنا أموت ".
ش- أشار بهذا إلى أن السنة في تغميض عين الميت بعد خروج
روحه،
فلا يغمض قبل خروج الروح، لئلا يتألم الميت، ولأن قبح
المنظر إنما يكون بعد/ خروج الروح إذا كانت عينه مفتوحة،
وأما قبل ذلك فلا.
وقوله: " قال أبو داود لما إلى آخره، ليس بموجود في غالب
النسخ.
18- باب: الاسترجاع (1)
أي: هذا باب في بيان الاسترجاع عند المصيبة، وهو أن يقول:
إنا لله
وإنا إليه راجعون.
1554- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، أنا ثابت، عن ابن
عمر
ابن أبي سلمي، عن أبيه، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصابَ (2) أحدَكم مصيبة
فليقلْ: إنا لله وإنا إليه راجعونَ، اللهم عندكَ
أحتسِبُ مصيبتِي، فأجرْنِي فيها، وأبدلْ لِي بها خيراً
منها " (3) .
ش- حماد بن سلمي، وثابت البناني، وعمر بن أبي سلمي هذا هو
ابن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، ربيب رسول
الله- عليه السلام- وقد مر مرة [.......] (4) والحديث
أخرجه النسائي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الاسترجاع ".
(2) في سنن أبي داود:" إذا أصابت ".
(3) النسائي في " عمل اليوم والليلة".
(4) بياض في الأصل قدر ثلاثة أسطر، ولعله بيض له ليشرحه
فيما بعدُ، فقبض قبل شرحه، والله أعلم.
(6/38)
|