شرح أبي داود
للعيني 19- باب: في الميت
يسجي
أي: هذا باب في بيان تسجيل الميت، وهي تغطيته بثوب ونحوه.
1555- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن
الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن
النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُجي في ثَوْبٍ حِبَرةٍ " (1)
.
ش- " حبرة" بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، يقال:
برد حبير، وبرد حبرة، بوزن عنبة على الوصف والإضافة وهو
برد يمانٍ، والجمع حُبُر وحبَرات، ويستفاد من الحديث
استحباب تسجية الميت بعد موته إلى حين تعريته للغسل،
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
20- باب: القراءة عند الميت
أي: هذا باب في بيان قراءة القرآن عند الميت.
1556- ص- نا محمد بن العلاء، ومحمد بن مكي المروزي،
المعنى، قالا: أنا ابن المبارك، عن سليمان التيمي، عن أبي
عثمان- وليس بالنهدي-، عن أبيه، عن معقل بن يسار، قال: قال
النبي- عليه السلام-: "اقرءوا يس على مَوتاكم" (2) .
ش- محمد بن مكي بن عيسى أبو عبد الله المروزي. روى عنه:
أبو داود، والنسائي، عن رجل عنه (3) .
وعبد الله بن المبارك، وسليمان بن طرخان أبو المعتمر
التيمي.
__________
(1) البخاري: كتاب اللباس، باب: البرود والخبرة (5864) ،
مسلم كتاب: الجنائز، باب: تسجية الميت (48/942) .
(2) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيما يقال عند
المريض إذا حضر (1448) ، النسائي في "عمل اليوم والليلة".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5628/26) .
(6/39)
وأبو عثمان ذكره في " الكمال " في
"الكنى"،- فقال: أبو عثمان. روى عن أبيه، روى عنه سليمان
التيمي، قال علي بن المديني: لم يرو عنه غير التيمي، وهو
إسناد مجهول. روى له: أبو داوود، وابن ماجه، وقال الشيخ
زكي الدين المنذري: وأبو عثمان وأبوه ليسا مشهورين (1) .
ومعقل بن يسار بن عبد الله بن صعير (2) ، وقيل: مغيرة بن
حراق بن لؤي بن كعب بن عبد ثور بن هُذْمة بن لاطم بن عثمان
بن عمرو بن أدَّ بن طابخة، واسم طابخة: عمرو بن إلياس بن
مضر المزني- يكنى أبا علي- ومزنية هي بنت كلب بن وبرة بن
ثعلبة بن إلحاف من قضاعة، نسبوا إلى أمهم، بايع النبي-
عليه السلام- تحت الشجرة. رُوي له عن رسول الله - عليه
السلام- أربعة وثلاثون حديثاً اتفقا على حديث واحد، وانفرد
البخاري بحديث، ومسلم بحديثين، نزل البصرة، وله بها دار.
روى عنه: عمرو بن ميمون، والحسن البصري، وأبو عثمان
المهدي، مات بالبصرة في آخر خلافة معاوية، وقيل: في خلافة
يزيد بن معاوية. روى له: الترمذي، وابن ماجه، وأبو داود،
والنسائي (3) .
قوله: " وليس بالنهدي " أشاربه إلى أن أبا عثمان هذا الذي
روى عنه سليمان التيمي غير أبي عثمان النهدي، فإن النهدي
اسمه: عبد الرحمن ابن مل، أسلم على عهد النبي- عليه
السلام- ولم يلقه، وصدق إليه، وقد ذكرناه مستوفى.
قوله:" اقرءوا يس" أي: سورة {يس والقُرآنِ الحَكِيم} ،
وروى
__________
(1) المصدر السابق (34/ 7506) .
(2) كذا في الاستيعاب، وفي أسد الغابة والإصابة: " مُعبر"،
وفي جمهرة أنساب العرب لابن حزم (502) : "معبد".
(3) انظر ترجمته في: " الاستيعاب " بهامش الإصابة (3/ 409)
، وأسد الغابة (5/ 232) ، والإصابة (3/ 447) .
(6/40)
أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه "، فقال:
نا على بن الحسن بن شقيق، عن ابن المبارك، عن التيمي، عن
أبي عثمان- وليس بالنهدي- عن أبيه، عن معقل بن يسار، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوها عند موتاكم-
يعني يس-". والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه.
/ ص- وهذا لفظ ابن العلاء.
ش- أشار به إلى أن هذا المتن من الحديث لفظ محمد بن
العلاء، أحد شيوخ أبي داود.
21- باب: الجلوس في المسجد وقت
التعزية (1)
أي: هذا باب في بيان الجلوس في المسجد وقت التعزية، وفي
بعض النسخ: " باب الجلوس عند المصيبة "، وفي بعضها لم يذكر
" باب" أصلا.
1557- ص- نا محمد بن كثير، أنا سليمان بن كثير، عن يحي بن
سعيد، عن عمرة، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " لما قُتل
زيدُ بنُ حارثة، وجعفر، وعبدُ الله بنُ رواحة جَلَسَ رسولُ
الله-صلى الله عليه وسلم - في المسجد، يُعرفُ في وجههِ
الحُزْنُ " فذكَر القصة (2) (3) .
ش- استشهد هؤلاء في غزوة مؤتة، وهي سرية زيد بن حارثة في
نحو من ثلاثة آلاف إلى أرض البلقاء من أطراف الشام، قال
ابن إسحاق بعد قصة عمرة القضاء، فأقام رسول الله- عليه
السلام- بالمدينة بقية ذي الحجة، وولي تلك الحجة المشركون،
والمحرم، وصفرا، وشهري ربيع، وبعث في جمادى الأولى من سنة
ثمان بعثه إلى الشام الذين أصيبوا
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب الجلوس عند المصيبة ".
(2) في سنن أبي داود: " وذكر القصة".
(3) البخاري: كتاب الجنائز، باب: من جلس عند المصيبة يعرف
فيه الحزن (1299) ، ومسلم: كتاب الجنائز، باب: التشديد في
النياحة (935) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: النهي عن
البكاء على الميت (4/ 14) .
(6/41)
بمؤتة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال:
إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر
فعبد الله بن رواحة على الناس، فتجهز الناس ثم تهيئوا
للخروج، وهم ثلاثة آلاف، ثم خرجوا ورسول الله خرج يشيعهم،
ثم مضوا حتى نزلوا "معانَ" من أرض الشام، فبلغ الناسَ أن
هرقل قد نزل في "مآب" من أرض البلقاء في مائة ألف من
الروم، وانضم إليه من لخم، وجذام، وبهراء، وبلي [والقين] ،
مئة ألف منهم، عليهم رجل من بليّ، ثم أحد إراشة يقال له:
مالك بن نافلة، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على "معان "
ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله- عليه
السلام- نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن
يأمرنا بأمر فنمضي له، فشجع الناس عبد الله بن رواحه،
وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون،
الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا
بهذا الدين الذي كرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى
الحسنين: إما ظهور، وإما شهادة. قال: فقال الناس: قد والله
صدق ابن رواحة، فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخُوم البلقاء
لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء
يقال لها: مشارف، ثم دني العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية
يقال لها: مؤتة، فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون،
فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له: قطبة ابن
قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار، يقال له: عبادة بن
مالك، ثم التقى الناس فاقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثه براية
رسول الله- عليه السلام- حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها
جعفر فقاتل بها حتى إذا ألجمه القتال اقتحم عن فرس له
شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول رجل
من المسلمين عقر في الإسلام، قال ابن هشام: إن جعفرا أخذ
اللواء بيمينه فقطعت، وأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه
حتى قتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك
جناحين في الجنة، يطير بهما حيث شاء. قال ابن إسحاق: فلما
قتل (1) جعفر
__________
(1) تكرر:فلما قتل" في الأصل.
(6/42)
اتخذ عبد الله بن رواحه الراية، ثم تقدم
بها- وهو على فرسه- فجعل
يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، ثم قال:
يا نفس إن لا تُقتلي تموتي ... هذا حمام الموتِ قد صَليتِ
وما تمنيتِ فقد أعطيتِ. ... حال إن تفعلي فِعلهما هُديتِ
يريد صاحبيه: زيدا، وجعفرا، ثم نزل، قال: فلما نزل أتاه
ابن عم
له بعرق من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت أيامك
هذه ما
لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نهسة، ثم سمع الحطمة في
ناحية
الناس، فقال: وأنت في الدنيا، ثم/ أخذ سيفه، ثم تقدم،
فقاتل [2/192 - ب] ، حتى قتل- رضي الله عنه- قال: ثم أخذ
الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان، فقال: يا معشر
المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا:
أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد،
فلما
اتخذ الراية دافع القوم، وخاشى بهم (1) ، ثم انحاز وانحاز
عنه، حتى
انصرف بالناس، وعن خالد بن الوليد: "لقد انقطعت في يدي يوم
مؤتة
تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية " رواه
البخاري (2) .
أما زيد فهو ابن حارثه بن شَرَاحيل بن كعب بن عبد العزى بن
امرئ
القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد وُد بن عوف بن
كنانة (3) بن
بكر بن عوف بن عُذرَةَ بن زيد اللات بن رُفيدة بن ثور بن
كلب بن وَبْرة
ابن تَغْلب بن حُلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي
القضاعي،
مولى رَسول الله- عليه السلام- وذلك أن أمه ذهبت تزور
أهلها، وأغار
عليهم خيل من بني القين، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة
بنت
خويلد- رضي الله عنها- فوهبته لرسول الله- عليه السلام (4)
- قبل
__________
(1) حجز بينهم وبين الروم.
(2) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الإثم (4265) .
(3) في الأصل: "كيلة" خطأ.
(4) في الأصل:" فوهبته من رسول الله" خطأ.
(6/43)
النبوة، ثم وجده أبوه، فاختار المقام عند
رسول الله، فأعتقه وتبناه، وكان يقال له: زيد بن محمد،
وكان رسول الله يحبه حبا شديداً، وقيل: اشتراه رسول الله-
عليه السلام- ثم أعتقه، وقال السهيلي: باعوه بسوق حباشة،
وهو من أسواق العرب، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام، وكان
أول من أسلم من الموالي، وفيه نزلت آيات من القرآن، منها
قوله تعالى: {وَمَا جَعَل أدعيَاءَكم أبْنَاءكُمْ} (1) ،
وقوله: {ادْعُوهُمْ لآبَائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِندَ الله}
(2) ، وقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحَد مِن رجالكمْ}
(3) ، وقوله تعاَلى: {وَإذ تقُولُ للَّذي أَنْعَمَ اللهُ
عَليه} الآية (4) ، وَالمقصود أن الله تعالى لم يسم أَحدا
من الَصحابة في القرَآن غيره، وهداه الله إلى الإسلام،
وأعتقه- عليه السلام- وزوجه مولاته أم أيمن، واسمها: بركة،
فولدت له أسامة بن زيد، فكان يقال له: الحب ابن الحب، ثم
زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش، وآخى بينه وبين عمه حمزة،
وقَدمَهُ في الإمرة على ابن عمه جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة
(5) - كما مر ذكره-. وعن عائشة- رضي الله عنها- كانت تقول:
"ما بعث رسول الله- عليه السلام- زيد بن حارثة في سرية إلا
أمرَهُ عليهم، ولو بقي بعده لاستخلفه". رواه الإمام أحمد،
والنسائي، وابن أبي شيبة لإسناد قوي جيد على شرط الصحيح،
وهو غريب جدا. وأما جعفر فهو ابن أبي طالب، عم النبي- عليه
السلام- وكان أكبر من أخيه علي بعشر سنين، وكان عقيل أسن
من جعفر بعشر سنين، وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين، أسلم
جعفر قديماً وهاجر إلى الحبشة، وقد أخبر- عليه السلام- عنه
بأنه شهيد، فهو ممن يقطع له بالجنة، وجاء في تسميته بذي
الجناحي أحاديث، وعن ابن عمر
__________
(1) سورة الأحزاب: (3) .
(2) سورة الأحزاب: (4) .
(3) سورة الأحزاب: (0 4) .
(4) سورة الأحزاب: (37) .
(5) انظر: ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 44) ،
وأسد الغابة (2/ 281) ، والإصابة (1/ 563) .
(6/44)
- رضي الله عنهما- أنه كان إذا سلم على
ابنه عبد الله بن جعفر، يقول
له: " السلام عليك يا ابن ذي الجناحين" رواه البخاري،
وبعضهم يرويه
عن عمر بن الخطاب نفسه، والصحيح ما في الصحيح عن ابن عمر،
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- عليه
السلام-:
"رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة ". رواه الترمذي،
وكان يقال له
بعد قتله: جعفر الطيار، وقد تقدم أنه قتل وعمره ثلاث
وثلاثون، وقال
ابن الأثير في "الغابة": كان عمره يوم قتل إحدى وأربعين
سنة، قال:
وقيل غير ذلك (1) . وأما عبد الله فهو ابن رواحة بن ثعلبة
بن امرئ القيس
ابن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن الأغر (2) بن
ثعلبة بن كعب
ابن الخزرج بن الحارث بن الخزرج أبو محمد، ويقال: أبو
رواحة،
ويقال: أبو عمرو، وهو خال النعمان بن بشير، أخته عمرة بنت
رواحة،
أسلم قديماً وشهد العقبة، وكان أحد النقباء ليلتئذ لبني
الحارث بن
الخزرج، وشهد بد ما، وأحد ا، والخندق، والحديبية، وخيبرا،
وكان
- عليه السلام- يبعثه على خرصها، وشهد عمرة القضاء، ودخل
يومئذ
مكة، وهو ممسك بزمام ناقة رسول الله- عليه السلام- وقيل:
بغرزها
- يعني الركاب- وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله. وقد
شهد له
رسول الله- عليه السلام-/ بالشهادة فهو ممن يقطع له بدخول
[2/193- أ] الجنة (3) .
واستفيد من الحديث جواز الجلوس في المسجد وقت المتعدية،
وإن كان
الميت غالْباً، وسواء مات حتف أنفه الو قتل، والحديث
أخرجه:
البخاري، ومسلم، والنسائي- رحمهم الله-.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 210) ،
وأسد الغابة (1/ 1 34) ، والإصابة (1/ 237) .
(2) كذا في الأصل وفي الإصابة:" مالك بن الأعز" وفي
الاستيعاب وأسد الغابة وغيرهما: " مالك الأغر".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (293/2) ،
وأسد الغابة (3/ 234) ، والإصابة (2/ 6 0 3) .
(6/45)
22- باب: في التعزية
أي: هذا باب في بيان التعزية، التعزية، والعزاء، والعزَوة
اسم لدعوى المستغيث، وهو أن يقول: يا لفلان، أو يا
للأنصار، ويا للمها جرين.
1558- ص- نا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني،
نا المفضل، عن ربيعة بن سيف المعافري، عن أبي عبد الرحمن
الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: " قَبَرْنَا
مع رسولِ الله- عليه السلام- يعني ميتاً، فلما فَرَغْنَا
انصرف رسولُ الله وانصرفْنَا معها، فلما حاذَى بابه وقفَ،
فإذا نحنُ بامرأة مُقبلة، قال: أظنها"عرَفَها، فلما ذهبتْ
إذا هي فاطمة - رضي الله عنها- فقتال لا رسولُ اللهِ- عليه
السلام-: ما أخرجك يا فاطمةُ من بيتك؟ قالت (1) : أتيتُ يا
رسولَ الله أهلَ هذا البيت، فَرَحمتُ إليهم ميَتهُم، أو
عَزَّيتهُم به، فقال لها رسولُ اللهَ- عليه السلامَ-:
فَلَعلَّك بلغت معهم الكدَى، فقالت: معاذَ الله، وقد
سَمعتُك تَذكر فيها ما تَذكرُ، قال "َ لو بلغت معهم
الكدَى، فذكر تَشديداً في ذلك، فسألتُ ربيعة عن الكدَى؟
فقال. القُبُورُ- فيما أحْسِبُ- " (2) .
ش- المفضل بن فضالة، وربيعة بن سيف المعافري الإسكندراني.
روى عن: فضالة بن عبيد، وأبي عبد الرحمن الحُبُليِّ، وبشر
(3) بن زبيد. روى عنه: مفضل بن فضالة، وسعيد بن أبي أيوب،
وهشام بن سعد، والليث بن سعد، وغيرهم، قال البخاري: عنده
مناكير. وقال الدارقطني: مصري صالح، وقال أبو سعيد بن
يونس: توفي قريبا من
__________
(1) في سنن أبي داود:"فقالت ".
(2) النسائي: كتاب الجنائز، باب: النعي (4/ 28) .
(3) في الأصل: "بشير"، وقال محقق تهذيب الكمال (113/9) :
"جاء في حواشي النسخ من تعقبات المؤلف على صاحب "الكمال"
قوله: "كان فيه بشير، وهو وهم ".
(6/46)
سنة عشرين ومائة، أيام هشام بن عبد الملك،
وفي حديثه مناكير. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي
(1) .
قوله: "قبرنا" من قبرتُه إذا دفنتُه، وأقبرتُه إذا جعلتُ
له قبرا.
قوله: "الكدَى" بضم الكاف، وفتح الدال المقصورة جمع
"الكدية" (2) وهي القطعة الصلبة من الأرض، والقبور إنما
تحفر في المواضع الصلبة لئلا تنهار، والعرب تقول: ما هو
إلا ضب كدية، إذا وصفوا الرجل بالدهاء والأدب، ويقال: أكدى
الرجل إذا حفر فأفضى إلى الصلابة، ويضرب به المثل فيمن
أخفق فلم ينجح في طلبته" وأراد - عليه السلام- بقوله: "
بلغت معهم الكدى" المقابر، لأنها كانت مقابرهم في مواضع
صلبة، وتروى بالراء، وقال الخطابي: روايتنا عن أبي سعيد بن
الأعرابي: "الكرى" بالراء، وأخبرناه ابن داسة، عن أبي
داود: الكدى بالدال، والكرى بضم الكاف، وفتح الراء جمع
كرية، أو كروة، من كريت الأرضَ، وكروتُها إذا حفرتُها
كالحفرة من حفرتُ. ويستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: استحباب الذهاب مع الميت إلى قبره، والوقوف عنده
إلى دفنه
والثانية: جواز خروج المرأة إلى جارها، أو إحدى معارفها
لأجل التعزية.
والثالثة: عدم جواز ذهاب المرأة للميت إلى قبره.
والرابعة: جواز التعزية.
والحديث أخرجه النسائي أيضاً
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1876) . (2) انظر:
معالم السنن (1/ 263) .
(6/47)
23- باب: الصبر عند
المصيبة (1)
أي: هذا باب في بيان فضل الصبر عند المصيبة، وفي بعض
النسخ: "باب الصبر على المصيبة"، يقال: أصابته مصيبة فهو
مصاب، ويقال: مصيبة، ومَصُوبة، ومصابه، والجمع مصائب
ومصاعب، وهو الأمر المكروه ينزل بالإنسان، يقال: أصاب
الإنسان من المال وغيره، أي: أخذ وأنا ول.
1559- ص- نا محمدين المثنى، نا عثمان بن عمر، نا شعبة، عن
ثابت، عن أنس بن مالك، قال: " أَتى نبي الله- عليه السلام-
على امرأة تَبكي على، صَبي لها، فقال لها: اتقي اللهَ
واصبرَي، فقالت: وما تُبالي أنت بمصيبتي، فقيل لها: هذا
النبي، فأَتتْهُ فلم تجدْ عَلى بابه بوابينَ، فقالَت: يا
رسوله الله. لمْ أَعرفْكَ، فقال: إنما الصبرُ عندَ الصدمة،
أو عندَ أولِ صدمة" (2)
ش- عثمان بن عمر بن فارس العبدي، البصري.
قوله: " اتقي الله" أي: خافي الله وراقبيه.
قوله:/ " عند الصدمة" أي: عند فورة المصيبة وشدتها، والصدم
ضرب الشيء الصلب بمثله، والصدمة المرة منه.
قوله: " أو عند أول صدمة" شك من الراوي، والحديث أخرجه:
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
__________
(1) في سنن أبى داود: "الصبر عند الصدمة".
(2) البخاري: كتاب الجنائز، باب: زيارة القبور (1283) ،
مسلم: كتاب الجنائز، باب: البكاء على الميت (923) ،،
الترمذي: كتاب الجنائز، باب: الصبر في الصدمة الأولى (7
ما) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب:
شق الجيوب (4/ 22) .
(6/48)
24- باب: البكاء على
الميت (1)
أي: هذا باب في بيان البكاء على الميت.
1560- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، نا شعبة، عن عاصم
الأحول، سمعت أبا عثمان، عن أسامة بن زيد: " أن ابنة لرسول
اللهِ صلى الله عليه وسلم أرسلتْ إليه - وأنا معه- وسعد،
وأحسبُ أبي (2) أن ابني، أو ابنتيَ قد حَضرَ فاشَهدْنا،
فأرسل يقرأ السلام، وقال: قل: لله ما أخذَ وما أعطى، وكل
شيءِ عنده إلى أجل، فأرسلتْ تُقسمْ عليه، فأتاهَا، فوُضِع
الصبي في حجرِ رسول الله - عليه السلام- ونفسُه
تَقَعْقَعُ، ففاضتْ عينَا رسول الله- عليه السلالم- فقال
له سعد: ما هذا؟ قال: إنها رحمة يضعها (3) اللهُ- عز وجل-
في قلوبِ مَن يشاء وإنما يرحمُ اللهُ- عز وجل- من عباده
الرُّحَمَاءَ" (4) .
ش- في رواية: " إن بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي
... " (5) .
قوله:"وسعد " بالرفع عطف على قوله: " وأنا معها".
قوله: "وأحسب أبي " وفي كثير من النسخ: " وأحسب أبيا " (6)
.
قوله: "إن ابني، أو ابنتي " شك من الراوي 000 (7)
قوله: " فاشْهدْنَا " بسكون الدال، أي: أحضرنا.
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في البكاء على الميت ".
(2) في سنن أبي داود: "أبيا"، وانظر: تعليق المصنف.
(3) في سنن أبي داود: "وضعها".
(5) البخاري: كتاب الجنائز، باب: قول النبي يكن يعذب الميت
ببعض بكاء أهله (1284) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: البكاء
على الميت (923) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الأمر
بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة (21/4) ، ابن ماجه:
كتاب الجنائز، باب: ما جاء في البكاء على الميت (1588) .
(5) بياض في الأصل قدر كلمتين.
(6) بياض في الأصل قدر سطر.
(7) بياض في الأصل قدر نصف سطر.
4. شرح سنن أبي داود 6
(6/49)
قوله: " فأرسل" أي: رسول الله- عليه
السلام-.
قوله: "يقرأ السلام " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في
"أرسل ". قوله: " إلى أجل " أي: يُنهى إلى أجل، والأجل مدة
الشيء.
قوله: " ونفسه تقعقع " جملة حالية من الصبي، ومعنى تقعقع
تضطرب وتتحرك، أراد كلما صار إلى حال لم يلبث أن ينتقل إلى
أخرى تقربه من الموت، والقعقعة: حكاية حركة لشيء يسمع له
صوت.
قوله: " إنها رحمة " أي: إن الدمعة التي نزلت من عيني
رحمة، والمعنى من أثر شفقة ورحمة في القلب، نفضها القلب
إلى ظاهر العين. قوله: " الرحماء " بالنصب مفعول قوله: "
يرحم الله"، والرحماء جمع رحيم، كالكرماء جمع كريم،
والندماء جمع نديم، ويستفاد من الحديث جواز البكاء على من
يحضر، ولكن من غير صوت، وجواز إرسال أصحاب من يحضر إلى أحد
من جهتهم ليحضر عند من حضر، وفيه حث وتحريض على التخلق
بأخلاق الرحماء، والصحاب الشفقة، والحديث أخرجه: البخاري،
ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. 1561 - ص - نا شيبان بن فروخ،
نا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك-
رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((وُلدَ لي الليلة غلام، فسميتُه باسم أبي إبراهيمَ " فذكر
الحديث، قال أنس: لقَد رأيتُه يكيد بنفسه بين يَدَيْ رسول
الله- عليه السلام- فدمَعَتْ عينَا رسول الله، فقال:
تَدمعُ العينُ، ويَحزنُ القلبُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي
ربّنا- عز وجل- " إِنُّا بكَ يا إبراهيم لَمَحْزُونُونَ "
(1) .
ش- شيبان بن فروخ وهو ابن أبي شيبة الأبُلِّي، بضم الهمزة،
وبالباء الموحدة، أبو محمد الحَبَطي. روى عن: جرير بن
حازم، وأبي عوانة، وحماد بن سلمة، وأبان بن يزيد، وغيرهم.
روى عنه: مسلم،
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه
وسلم " إنا بك لمحزونون" (تعليقا) ، مسلم: كتاب الفضائل،
باب: رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان (2315) .
(6/50)
وأبو داود، وعبد الله بن أحمد بن حنبل،
وعبد الله بن محمد البغوي،
وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم، وروى النسائي، عن رجل عنه، قال
أحمد بن حنبل: هو ثقة، مات سنة ست وثلاثة ومائتين. وقيل:
خمس وثلاثة ومائتين (1) .
قوله: " ولد لي الليلة" أي: في الليلة، وكان مولد إبراهيم
ابن رسول
الله- عليه السلام- في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، قال
الواقدي:
ولد إبراهيم ابن رسول الله من مارية القبطية، فاشتدت غيرة
أمهات
المؤمنين منها حين رزقت ولدا ذكرا، وكانت قابلتها سلمى
مولاة رسول
الله، فخرجت إلى أبي رافع، فأخبرته، فبشر به رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأعطاه
مملوكا، ودفعه رسول الله إلى أم بُردة (2) بنت المنذر بن
لبيد (3) بن
حماس (4) بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وزوجها/ البراء
بن [2/194- أ] أوس.
قوله: " باسم أبي إبراهيم " إبراهيم عطف بيان من قوله: "
أبي " ومحله
من الإعراب الجر، وهو إبراهيم الخليل- صلوات الله عليه
وسلامه- وإنما
قال: لأبي، لأنه- عليه السلام- من ولد إسماعيل بن إبراهيم
كما ثبت
في عمود نسبه، ومعنى إبراهيم أب رحيم، وهو لفظ سرياني، وعن
أنس- رضي الله عنه-: " لما وُلد للنبي - عليه السلام- ابنه
إبراهيم
وقع في نفسه منه شيء، فأتاه جبريل- عليه السلام- فقال:
السلام
عليك يا أبا إبراهيم " رواه أبو بكر البزار. وقد روي عن
ابن لهيعة،
وغيره، عن عبد الرحمن بن زياد، قال: " لما حبلت بإبراهيم
أتى جبريل
- عليه السلام- فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2785) .
(2) في الأصل: " أم برزة" وما أثبتناه من مصادر الترجمة.
(3) في الأصل: " أسيد" وما أثبتناه من مصادر الترجمة.
(4) كذا، وكتب تحت الحاء " ح"، وفي الاستيعاب بهامش
الإصابة (4/ 436) ،
وأسد الغابة (7/ 305) : " خراش "، وفي أسد الغابة (1/ 49)
: (خداش) ، وفي الإصابة، (4/ 434) : "حراث".
(6/51)
قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية، وأمرك
أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك فيه، وجعله قرة عين لك في
الدنيا والآخرة".
قوله: "ولقد رأيته " أي: رأيت إبراهيم، " يكيد بنفسه " أي:
يجود بها، يريد النزع، وعن أنس: "توفي إبراهيم ابن رسول
الله وهو ابن ستة عشر شهراً، فقال رسول الله: ادفنوه
بالبقيع، فإن له مرضعا يتم رضائه في الجنة". رواه ابن
منده، وفي رواية أحمد، وأبي عوانة: "فإن له مرضعا في
الجنة،، وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: " توفي إبراهيم،
فقال رسول الله: يرضع بقية رضائه في الجنة " رواه ابن
عساكر، وقال الواقدي: مات إبراهيم ابن رسول الله يوم
الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر، وهو ابن
ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار في دار أم بُردة
(1) بنت المنذر، ودفن بالبقيع، وما يذكره القصاص الجهلة من
أن إبراهيم انتهى في الكبر حتى قعد في الكتاب مع الصبيان،
وأن ملك الموت قد جاء إلى رسول الله- عليه السلام- وأعلمه
بقبض روحه، وأن رسول الله جاء إليه وهو في الكتاب، وودعه،
وبكى، فكل ذلك كذب وافتراء، وتقول بلا برهان، وروى الإمام
الحمد، عن أنس- رضي الله عنه-: " لو عاش إبراهيم ابن
النبي- عليه السلام- لكان صديقا نبيا". وروى ابن عساكر، عن
جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " لو
عاش إبراهيم لكان نبيا ". قوله: " لمحزونون " خبر لقوله: "
إنا". وقوله:" يا إبراهيم" معترض بين اسم " إن" وخبره، و"
اللام" في " لمحزونون " للتكيف، وهي مفتوحة، والحديث أخرجه
مسلم، وأخرجه البخاري تعليقا.
في 8في
__________
(1) في الأصل لا أم بررة " خطأ.
(6/52)
25- باب: في النوح
أي: هذا باب في بيان النور، بفتح النون، وهو الصياح
بالبكاء.
1562- ص- نا مسدد، نا عبد الوارث، عن أيوب، عن حفصة، عن
أم عطية، قالت: " إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
نهانا عن النِّياحَةِ" (1) .
ش- عبد الوارث بن سعيد، وأيوب السختياني، وحفصة بنت سيرين،
أخت محمد بن سيرين، وأم عطية الأنصارية، والسياحة من ناحت
المرأة تنوح نوحا، والاسم النياحة، ونساء نوح، وأنواح،
ونوائح ونائحات، والحديث أخر له البخاري، ومسلم، والنسائي.
1563- ص- نا إبراهيم بن موسى، أنا محمد بن ربيعة، عن محمد
بن الحسن بن عطية، عن أبيه، عن جده، عن أبي سعيد الخدري،
قال: " لعنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النائحةَ،
والمُسْتَمِعَةَ" (2) .
ش- محمد بن ربيعة أبو عبد الله الكلائي الرؤاسي ابن عم
وكيع بن الجراح. سمع: هشام بن عروة، وابن جريج، والأعمش،
وغيرهم. روى عنه: محمد بن عيسى بن الطباع، وابن معين،
وزياد بن أيوب، وغيرهم، قال ابن معين: صدوق ثقة. وقال أبو
حاتم الرازي: صالح الحديث. وقال الدارقطني: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
ومحمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي الكوفي. روى عن
أبيه،
عن جده، عن أبي سعيد الخدري، وروى عن محمد بن عبد الرحمن،
عن أبي هريرة. روى عنه محمد بن ربيعة، قال ابن معين: كوفي،
ليس بمتين. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: ما ينهى عن النوح والبكاء
والزجر عن ذلك (6 0 13) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب:
التشديد في النياحة (934) ، النسائي: كتاب البيعة، باب:
بيعة النساء (7/ 148) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5210) .
(4) المصدر السابق (25/ 5150) .
(6/53)
وقال المنذري: في إسناده محمد بن الحسن بن
عطية العوفي، عن أبيه،
عن جده، وثلاثتهم ضعفاء.
قوله:" النائحة" أي: المرأة النائحة، والنساء المستمعة
لها.
1564- ص- نا هناد بن السَّرِي، عن عبدة، وأبي معاوية،
المعنى، عن
هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم " إن
الميتَ لَيُعَذبُ ببُكَاء أهلهِ عليه " فذكر ذلك لعائشة-
رضي الله عنها-
فقالت: وَهَلَ- تعنيَ ابنه عمر-/ إنما مَرَّ رسولُ الله-
عليه السلام- على قبر، فقال: " إن صَاحبَ هذا لَيُعَذَّبُ،
وأهلُهُ يَبكُونَ عليه، ثم قرأتْ: (وَلا تَزِر وَازِرَة
وِزْرَ أخْرَى) (1) . قال: عن أبي معاوية "على قبر يهودي"
(2) .
ش- عبدة بن سليمان الكِلابي، وأبو معاوية الضرير.
قوله: " فذكر ذلك " أي: قول ابن عمر- رضي الله عنهما-
لعائشة
- رضي الله عنها- فقالت: " وَهَلَ " أي: قالت عائشة:
وَهَلَ ابنُ
عمرَ بفتح الواو والهاء، معناه ذهب أهله إلى ذلك، يقال:
وَهَلَ الرجل
ووَهَمَ بمعنى واحد، كل ذلك بفتح الهاء، فإذا قلت: وَهِيَ-
بكسر
الهاء- كان معناه فزع، وقال ابن الأثير (3) : (وَهَلَ إلى
الشيء بالفتح،
يَهِلُ بالكسر، وَهْلاَ بالسكون إذا لتصب وَهْمُه إليه،
ومعنى وَهَل ابنُ عمر،
أي: ذهب وهمه إلى ذلك، ويجوز أن يكون بمعنى سهى وغلط، يقال
منه: وهل في الشيء، وعن الشيء بالكسر، يسهل وهَلا بالتحريك
".
وقال الخطابي (4) : "قد يحتمل أن يكون الأمر في هذا على ما
ذهبت إليه عائشة- رضي الله عنها- لأنها قد روت أن ذلك إنما
كان في شأن
__________
(1) سورة الإسراء: (15) .
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه
(927) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: النهي عن البكاء على
الميت (16/4) .
(3) النهاية (5/ 233) .
(4) معالم السنن (1/ 264) .
(6/54)
يهودي، فالخبر المفسر أولى من المجمل، ثم
احتجت له بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحا
من غير أن يكون فيه خلاف للآية، وذلك أنهم كانوا يوصون
أهلهم بالبكاء والنوح عليهم، فكان ذلك مشهورا من مذاهبهم،
وهو موجود في أشعارهم، كقول القائل (1) :
إذا ما مت فانعيني بما أنا أهله ... وشُفي عليّ الجيبَ يا
ابنة معبدٍ
وكقول لبيد:
فقوما وقولا بالذي تعلمانه ... ولا تَخمِشا وجها ولا
تحلِقا شعرَ
وقولا هو المرءُ الذي لا صديقه ... أضاعَ ولا خانَ الأميرَ
ولا غَدرَ
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا
فقد اعتذر
ومثل هذا كثير في أشعارهم، وإذا كان كذلك فالميت إنما
تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت
حياته، وقال- عليه السلام-: " من سن سنة حسنة فله أجرها،
وأجر من عمل بها، ومن سنة سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من
عمل بها". وفيه وجه آخر وهو أنه مخصوص في بعض الأموات
الذين وجب عليهم بذنوب اقترفوها، وجرى من قضاء الله سبحانه
وتعالى فيهم أن يكون عذابه وقت البكاء عليهم، ويكون
كقولهم: " مطرنا بنوء كذا ْ": عند نوء كذا، كذلك قوله: "إن
الميت يعذب ببكاء أهله " أي: عند بكائهم عليه لاستحقاقه
ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالا لا سببا، لأنا لو جعلناه سببا
لكان مخالفا للقرآن، وهو قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ
وَازِرَة وزْرَ أخْرَى) (2) والله أعلم " (3) .
قوله: " قال: عن أي معاوية " أي: قال عبدة بن سليمان في
روايته: عن أبي معاوية الضرير:" إنما مر رسول الله على قبر
يهودي ". وأخرجه: مسلم، والنسائي.
__________
(1) وهو طَرَفة بن العبد.
(2) سورة الإسراء.
(3) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(6/55)
1565- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير،
عن منصور، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، قال: "دخلتُ على
أبي موسى وهو ثقيل، فذهَبتْ امرأتُه لتَبكِيَ، أو تَهُمُّ
به، فقال لها أبو موسى: أما سمعتِ ما قال رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، قال: فسكَتَتْ، فلما ماتَ أبو
موسى، قال يزيد: لقيَتُ المرأةَ، فقلتُ لها قولَ أبي موسى
لك: أما سمعت ما قال (1) رسولُ أله- عليه السلام- ثم
سَكَتّ؟ قالت: قال رسولُ الله- عليه السلام-: ليسَ منا: من
حَلَق، ومن سَلَق، ومن خَرَقَ " (2) .
ش- جرير بن عبد الحميد الرازي، ومنصور بن المعتمر،
وإبراهيم النوعي.
ويزيد بن أوس، قال علي بن المديني: مجهول، لا نعلم أحدا
روى عنه غير إبراهيم، قال فيه "الكمال": روى عن أبي موسى
الأشعري. روى عنه: إبراهيم النخعي، وأبو موسى الأشعري (3)
.
وامرأة أبي موسى أم عبد الله بنت أبي دومة (4) . روى عنها:
يزيد بن أوس هذا الحديث، ويروي عنها عن النبي- عليه
السلام- وبعضهم يروي عنها، عن أبي موسى، عن النبي- عليه
السلام- روى لها: أبو داود، والنسائي (5) .
قوله:" وهو ثقيل" جملة اسمية وقعت حالا، أي: ثقيل من
المرض، مشارف على الموت.
قوله: " لتبكي " بنصب الياء، أي: لأن تبكي.
__________
(1) في سنن أبي داود:"قول".
(2) النسائي: كتاب الجنائز، باب: شق الجيوب (4/ 21) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 6966) .
(4) في الإصابة: "دومى " ولم يذكر اسم أبيها في الاستيعاب
ولا أسد الغابة. (5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش
الإصابة (4/ 470) ، وأسد الغابة (7/ 0 36) ، والإصابة
(4/473) .
(6/56)
قوله: " أو تهم به " أي بالبكاء/ من هم
بالأمر يهم، من باب نصر [2/195- أ] ينصر إذا عزم عليه.
قوله: " ليس منا من حلق" أي: ليس من أهل سنتنا من حلق شعره
عند
المصيبة إذا حَلَّت به.
قوله: " ومن سلق لما أي: رفع صوته عند المصيبة، وقيل: هو
أن
تصك المرارة وجهها وتمرده (1) ، والأول أصح، ويقال:
بالصاد، قال الجوهري: وسلق لغة في صلق، أي: صاح،
والمسْلاقُ: الخطيب
البليغ، وهو من شدة صوته وكلامه، وكذلك السلاقُ، ويقال:
خطيب
مِسقع مسلق بكسر الميم فيهما.
قوله: " ومَن خرق " بالخاء المعجمة من الخرق وهو الشق، أي:
من
شق ثيابه لأجل المصيبة، والحديث أخرجه النسائي، وقد روي
هذا
الحديث عنها، عن أبي موسى، عن النبي- عليه السلام- وأخرجه
النسائي أيضاً
1566- ص- نا مسدد، نا حميد بن الأسود، نا الحجاج عاملُ
عمرَ بنِ
عبد العزيز على الربذة، قال: حدثني أسيد بن أبي أسيد، عن
امرأة من المبايعات، قالت: "كان فيما أخذ علينا رسولُ
اللهِ- عليه السلام- في
المعروف الذي أخذَ علينا أنْ لا نعصيَه فيه: أنْ لا
نَخْمشَ وجهاً ولا نَدعو
ويلاً، ولا نشق جيبا، ولا (2) ننشرَ شَعراً" (3) .
ش- الحجاج عامل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الأموي
على
الربذة، بفتح الراء، والباء الموحدة، والذال المعجمة، وهي
قرية من قرى
المدينة، وبها قبر أبي ذر الغفاري. روى له: أبو داود،
والترمذي (4) .
وأسيد بن أبي أسيد البراد المديني، واسم أبي أسيد: يزيد.
روى عن:
__________
(1) تخدشه وتحكه بأطراف أصابعها.
(2) في سنن أبي داود: "وأن لا ننشر شعراً"
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1132) .
(6/57)
عبد الله بن [أبي] قتادة، ومعاذ بن عبد
الله بن خُبيب، ونافع بن عباس، عن أبي هريرة. روي عنه:
الدراوردي، وابن أبي ذئب، وابن جريج وغيرهم. روى له: أبو
داود، والترمذي، والنسائي (.1) ، وأسيد بفتح الهمزة، وكسر
السين.
قوله: " أن لا نعصيه" في محل النصب على أنه مفعول لقوله:
"أخذ علينا".
قوله: " أن لا نخمش " بدل من قوله:، "أن لا نعصيه "
والخمش: الخدش، يقال: خمشت المرأة وجهها تخدشه خمشا وخموشا
إذا خدشت وقشرت جلدها بأظافيرها.
قوله: " ولا ندعو ويلا " الويل الحزن والهلاك، والمشقة من
العذاب، وكل من وقع في هلكة دعي بالويل، ومعنى النداء فيه
يا حزني، ويا هلاكي، ويا عذابي احضر، فهذا وقتك وأواني،
فكأنه نادى الويل ابن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع.
قوله: " ولا نشق جيبا " الجيب: القميص، يقال: جبت القميص
أجوبه وأجيبه إذا قورت جيبه.
26- باب: صنعة الطعام لأهل
الميت
أي: هذا باب في بنان صنعة الطعام لأجل أهل الميت، ويقال
للطعام الذي يصنع لأهل البيت 000 (2)
1567- ص- نا مسدد، نا سفيان، حدثني جعفر بن خالد، عن أبيه،
__________
(1) كذا ترجم المصنف لأسيد، وصاحبنا أسيد آخر، انظر ترجمته
في: تهذيب الكمال (3/ 511) .
(2) بياض قدر كلمتين.
(6/58)
عن عبد الله بن جعفر، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " اصْنَعُوا لآل جعفر طعامًا، فإنه قد
أتاهم أمر شَغَلَهُم " (1) .َ
ش- جعفر بن خالد بن سارة المخزومي المكي، وقيل: المدني،
روى عن أبيه. روى عنه: سفيان بن عيينة، وابن جريج، قال
أحمد بن حنبل: ثقة، وكذلك قال يحيى، والترمذي. روى له: أبو
داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
وخالد بن سارة، ويقال: خالد بن عبيد بن سارة المخزومي
المكي. سمع: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن جعفر
بن أبي طالب. روى عنه: ابنه جعفر المكي. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
قوله: " لآل جعفر " آل الرجل أهل بيته، قال ذلك- عليه
السلام- حين نعي بجعفر بين أبي طالب- رضي الله عنه- حيث
قتل مع: عبد الله ابن رواحة، وزيد بن حارثة في غزوة مؤتة
سنة ثمان من الهجرة، ويستفاد من الحديث استحباب صنعة
الطعام لأهل الميت، سواء كان الميت حاضرا، أو جاء خبر
موته، وذلك لاشتغال أهله بخبره، أو بحاله، ولذلك علل- عليه
السلام- بقوله:" فإنه" أي: فإن الشأن قد أتاهم أمر، أي:
شأن وحالة شغلهم عن صنعة الطعام وغيره، والحديث أخرجه:
الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
__________
(1) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الطعام يصنع
لأهل الميت (998) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء
في الطعام يبعث إلى أهل الميت (1610) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 938) .
(3) المصدر السابق له (8/ 1615) .
(6/59)
27- باب: الشهيد يُغسَّلُ (1)
أي: هذا باب في بنان الشهيد، هل يغسل أم لا؟ والشهيد فعيل
[2/195- ب]
بمعنى فاعل، والمعنى يشهد رحمة الله تعالى، ويجوز أن يكون
بمعنى مفعول، لأنه مشهود له بالجنة، أو لأن الملائكة
يشهدون موته إكراما له، والشهيد: كل مسلم قتله كافر، أو
مسلم ظلما قتلا لم يجب به، قال: والشرط فيه أن يكون القاتل
معلوما فوجب عليه القصاص، مثل من قتله قطاع الطريق، أو
البغاة، أو قُتِل دون نفسه أو أهله، أو ماله، أو قُتِل
مدافعا عن مسلم، أو ذمي، وإذا لم يكن القاتل معلوما فوجد
القتيل في محلة تجب فيه الدية، والقسامة، فلا يكون شهيداً.
1568- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا معن بن عيسى، ح، ونا عبيد
الله بن عمر الجشمي، نا عبد الرحمن بن مهدي، عن إبرِاهيم
بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر- رضي الله عنه- قال:
"رُمِي رجلِ بسهام في صَدره أو في حَلقِهِ فماتَ، فأدرج في
ثيابه كما هو، قال: ونحنُ مع رسولِ الله صلى الله عليه
وسلم".
ش- أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وجابر بن عبد
الله، وقال النووي في " الخلاصة ": سند هذا الحديث على شرط
مسلم، واستدل به العلماء على أن الشهيد يكفن في ثيابه، كما
هو المشهور في كتب الفقه.
1569- ص- نا زياد بن أيوب (3) ، نا علي بن عاصم، عن عطاء
بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي الله عنهم-
قال: "أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقَتْلَى أحد أنْ
يُنزعَ عنهمُ الحديدُ والجلودُ، وأن يُدْفَنُوا بثيابهم
ودمائِهِم (4) " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في الشهيد يغسل".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " حدثنا زياد بن أيوب وعيسى بن يونس
قالا".
(4) في سنن أبي داود:" وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم".
(5) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على
الشهداء ودفنهم (1515)
(6/60)
ش- علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي،
أبو الحسن القرشي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق-
رضي الله عنه- روى عن: خالد الحذاء، وحميد الطويل، وابن
جريج، وغيرهم. روى عنه: أبو معاوية، وعلي بن الجعد، وأحمد
بن حنبل، وغيرهم، وكان من الورعين الزهاد، وتكلموا فيه،
فقال صالح بن محمد: علي ابن عاصم (1) ليس هو ممن يكذب،
ولكن يهم، وهو سيئ الحفظ، كثير الوهم يغلط في أحاديث
يرفعها ويقلبها، وسائر أحاديثه صحيحة مستقيمة. وقال محمد
بن زكرياء: من أهل الصدق، ليس بالقوي في الحديث، وسئل أحمد
بن حنبل عنه فقال: هو والله عندي ثقة، وأنا أحدث عنه، قال
ابن عدي: والضعف بين على حديثه، مات سنة إحدى ومائتين
أواسط وهو ابن أربع وتسعة سنة. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
قوله: " بقتلى أحد" القتلى فعلى جمع قتيل، كجرحى جمع جريح،
ومرضى جمع مريض، وبه استدل أصحابنا وغيرهم على أن الشهيد
لا يغسل، ولا ينزع عنه ثيابه، ولكن ينزع عنه ما هو من غير
جنس الكفن: كالحديد، والجلد، والفرو، والحشو، ونحوها،
والحديث أخرجه ابن ماجه، واجعله النووي بعطاء بن السائب.
1570- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، ح، ونا سليمان بن
داود المصري، أنا ابن وهب وهذا لفظه، قال: ثنا أسامة بن
زبد الليثي، أن ابن شهاب أخبره، أن أنس بن مالك حدثه: "إن
شُهداءَ أحد لم يُغسّلُوا، ودفنِوا بدمائِهم، ولم يُصَلَّ
عَلَيهم " (4) .
__________
(1) في الأصل: "عاصم بن علي" خطأ.
(2) في الأصل: " بغلط في أحاديث نعرفها ونقلبها" وما
أثبتناه من تهذيب الكمال (20/ 511) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 2/ 94 0 4) .
(4) تفرد به أبو داود.
(6/61)
ش- عبد الله بن وهب. وفيه من الفقه أن
الشهيد لا يغسل، وهو قول جماهير أهل العلم، وفيه أنه لا
يصلى عليه، وبه استدل الشافعي على مذهبه، والجواب أنه لم
يصل عليهم على الفور لاشتغالهم عن الصلاة على الفور بأمور
الحرب، ويؤيد ذلك أحاديث الصلاة عليهم، منها: ما روى
البخاري في " المغازي " في غزوة أحد، ومسلم في "فضائل
النبي- عليه السلام- " من حديث أبي الخير، عن عقبة بن عامر
الجهني أن النبي- عليه السلام- خرج يوما فصلى على شهداء
أحد صلاته على الميت، ثم انصرف ". زاد فيه مسلم: " فصعد
المنبر كالمودع للأحياء والأموات " الحديث، وقد حمل
البيهقي، وابن حبان في "صحيحه " الصلاة في هذا الحديث على
الدعاء، لكن قوله: "صلاته على الميت " يدفعه ويرده.
ومنها ما أخرجه الحاكم في " المستدرك"، عن أبي حماد
الحنفي، واسمه المفضل بن صدقة (1) ، عن ابن عقيل، قال:
سمعت جابر بن عبد الله يقول: "فقد رسول الله حمزة حين فاء
الناس من القتال، فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرات، فجاء
رسول الله نحوه، فلما رآه ورأى ما مثلَ به شهق وبكى، فقام
رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب، ثم جيء بحمزة فصلى عليه،
ثم جيء بالشهداء كلهم، وقال صلى الله عليه وسلم: حمزة سيد
الشهداء عند الله يوم القيامة". وقال: صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه، وتعقبه الذهبي في ما مختصره، " فقال: أبو حماد
الحنفي، قال النسائي فيه: متروك (2) .
ومنها ما رواه أحمد في "مسنده ": حدثنا عفان بن مسلم، ثنا
حماد
ابن سلمة، ثنا عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود
قال:
__________
(1) في الأصل: " الفصل بن صدقة" خطأ.
(2) الحاكم (2/ 119) ، وفيه استدراك الذهبي، ورواه الحاكم
(3/ 97 1) ، وسكت عليه الذهبي، و (3/ 199) ، وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد لم يخرجاه "، ووافقه الذهبي!!
(6/62)
"كان النساء يوم أحد خلف المسلمين يُجْهزن
على جرحى المشركين " إلى أن قال: (فوضع النبي- عليه
السلام- حمزة وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى
عليه، ثم رُفع، وتُرك حمزة، ثم جيء بآخر فوضع إلى جنب حمزة
فصلى عليه، ثم رُفع وتُرك حمزة، حتى صلى عليه يومئذ سبعين
صلاة"، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن الشعبي، لم يذكر
فيه ابن مسعود.
ومنها ما رواه أبو داود، عن عثمان بن عمر، لما يجيء الآن
(1) ، ومنها ما أخرجه الدارقطني في " سننه "، عن إسماعيل
بن عياش، عن عبد الملك بن أبي غنية أو غيره، عن الحكم بن
عتيبة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: "لما انصرف المشركون
عن قتلى أحدا إلى أن قال: "ثم قدم رسول الله حمزة فكبر
عليه عشرا، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع، وحمزة مكانه، حتى
صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتلى يومئذ سبعين". ثم قال:
لم يروه غير إسماعيل بن عياش، وهو مضطرب الحديث عن غير
الشاميين (2) .
ومنها ما أخرجه الحاكم في "المستدرك "، والطبراني في "
المعجمي" والبيهقي في " السنن "، عن يزيد بن أبي زناد، عن
مقسم، عن ابن عباس، قال: " أمر رسول الله- عليه السلام-
بحمزة يوم أحد فهيئه للقبلة، ثم كبر عليه سبعا، ثم جمع
إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة". زاد الطبراني:" ثم
وقف عليهم حتى واراهم" سكت الحاكم عنه، وتعقبه الذهبي،
فقال: ويزيد بن أبي زناد لا يحتج به، وقال البيهقي: هكذا
رواه يزيد بن أبي زناد، وحديث جابر أنه لم يصل عليهم أصح
ورواه ابن ماجه في " سننه " بهذا الإسناد، قال: " أتي بهم
رسول الله يوم أحد، فجعل يصلي على عشرة عشرة، وحمزة كما
هو، يرفعون
__________
(1) يأتي برقم (1572) .
(2) سنن الدارقطني (4/ 118) .
(6/63)
وهو كما هو موضوع ". قال ابن الجوزي في
"التحقيق ": ويزيد بن أبي زناد منكر الحديث، وقال النسائي:
متروك الحديث، وتعقبه صاحب "التنقيح" بأن ما حكاه عن
البخاري، والنسائي إنما هو في يزيد بن زناد، وأما راوي هذا
الحديث فهو الكوفي، ولا يقال: فيه ابن زناد، وإنما هو ابن
أبي زناد، وهو ممن يكتب حديثه على لينه، وقد روى له مسلم
مقرونا بغيره، وروى له أصحاب الحق، وقال أبو داود: لا
العلم أحدا ترك حديثه، وابن الجوفي جعلهما في كتابه الذي
في "الضعفاء" واحدا، وهو وهم.
ومنها ما رواه ابن هشام في "السيرة"، عن ابن إسحاق، حدثني
من
لا أتهم، عن مقسم- مولى ابن عباس- عن ابن عباس قال: "أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة، فسُجَّيَ ببردة، ثم
صلى عليه، وكبر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى يوضعون إلى
حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين
صلاة،.
قال السهيلي في "الروض الأنف": قول ابن إسحاق في هذا
الحديث: حدثني من لا أتهم، إن كان هو الحسن بن عمارة كما
قاله بعضهم فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث، وإن كان غيره فهو
مجهول، ولم يُرو عن النبي- عليه السلام- أنه صلى على شهيد
في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية، ولا في مدة
الخليفتين من بعده، انتهى كلامه.
قلت: وقد ورد مصرحا فيه بالحسن بن عمارة كما رواه الإمام
أبو قرة موسى بن طارق/ الزبيدي في "سننه"، عن الحسن بن
عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: "
لما انصرف المشركون من قتلى أحد أشرف رسول الله- عليه
السلام- على القتلى فرأى منظرا ساءه، فرأى حمزة قد شق
بطنه، واصطدم أنفه، وجدعت أذناه، فقال: لولا (1) أن تخرج
النساء فتكون سنة بعدي لتركته حتى
__________
(1) كذا، وفي نصب الراية (1/ 311) : " لولا أن يحزن
النساء، أو يكون سنة بعدي".
(6/64)
يحشره الله في بطون السباع والطير، وتمثلت
بثلاثة منهم مكانه، ثم دعي ببردة، فغطى بها وجهه، فخرجت
رجلاه، فغطى بها رجليه فخرج رأسه، فغطى بها رأسه، وجعل على
رجليه من الإذخر، ثم قدمه فكبر عليه عشرا، ثم جعل يجاء
بالرجل فيوضع إلى جنبه فيصلى عليه، ثم يرفع، ويجاء بآخر
فيوضع، وحمزة مكانه، حتى صلى عليه، (1) سبعين صلاة، وكانت
القتلى سبعين، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية:
{وَاِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} الآية (2) ، فصبر- عليه
السلام- ولم يقتل، ولم يعاقب".
ومنها ما رواه أبو داود في " مراسيله ": عن حصين، عن أبي
مالك الغفاري على ما يجيء عن قريب- إن شاء الله تعالى-.
فإن قيل: الشهيد وصف بأنه حي بالنص، والصلاة شرعت على
الميت
لا على الحي.
قلت: الشهيد حي في أحكام الآخرة، فأما في أحكام الدنيا فهو
ميت حتى يقسم ميراثه، وتتزوج امرأته، والصلاة عليه من
أحكام الدنيا.
فإن قيل: الصلاة ما شرعت إلا بعد الغسل، فسقوطه دليل على
سقوطها.
قلت: غسله لتطهيره، والشهادة طهرته، فأغنت عن الغسل كسائر
الموتى بعد ما غسلوا، فافهم.
1571- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا زيد- يعني ابن الحباب-
ح، ونا عتيبة بن سعيد، نا أبو صفوان- يعني المرواني- عن
أسامة، عن الزهري، عن أنس، المعنى، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مَر على حمزةَ وقد مثُّلَ به، فقال:" لولا أن
تجد صفيةُ في نفسِها لتركتُه حتى تصله العافيةُ، حتى
يُحشرَ من بُطونِها، وقَلتِ الثيابُ، وكَثرَتِ القَتلى،
فكان الرجلُ والرجلانِ والثلاثة
__________
(1) زيادة من نصب الراية.
(2) سورة النحل: (126) .
5. شرح سنن أبي داوود 6
(6/65)
يُكفنون في الثوب الواحد " زاد قتيبة: " ثم
يُدفَنُونَ في قبر واحد، فكان رسول الله- عليه الإسلام-
يسأل: أيهم أكثرُ قرآناً فيُقَدمه إلى القبلة " (1) .
ش- أبو صفوان الأموي، اسمه: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك
بن مروان، وقيل: عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد
الملك، وقد مر مرة، وأسامة بن زيد.
قوله: " وقد مثلَ به "من (2) "مثلت بالحيوان أمثل به مثلا
بالسكون إذا قطعت أطرافه، وشوهت به، ومثلت بالقتيل إذا
جدعت أنفه، أو أذنه، أو مذاكيره، أو شيئا من أطرافه والاسم
المحلة، ومثل بالتشديد للمبالغة" وبابه من باب نصر ينصر.
قوله: " لولا أن تجد صفية " من وجد في الحزن وَجدا بالفتح،
وأما وجد في المال وُجْداَ فبالضم والكسر، أي: استغنى ووجد
مطلوبه وجودا، ووجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضاً
حكاه بعضهم، ووجد الشيء عن عدم فهو موجود. وصفية أخت حمزة
بنت عبد المطلب أسلمت وهاجرت، وهي أم الزبير بن العوام،
توفيت بالمدينة في خلافة عمر- رضي الله عنه-.
قوله: "حتى تأكله العافية " أي: السباع والطير التي تقع
على الجيف فتأكلها، وتجمع على العوافي، وقال ابن الأثير
(3) : " العافية، والعافي كل طالب رزق من إنسان، أو بهيمة،
أو طائر، وجمعها العوافي، وقد تقع العافية على الجماعة،
يقال: عفوته، واعتفيته، أي: أتيته أطلب معروفه ". وفيه من
الفقه أن الشهيد لا يغسل، وجواز دفن الجماعة في القبر
الواحد، وجواز تكفين الجماعة في الثوب الواحد، وكان هذا
للضرورة، وفيه استحباب تقديم أفضل الموتى إلى القبلة، وقال
الخطابي: وفيه أنه لا يصلى على الشهيد.
__________
(1) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في قتلى أحد وذكر
حمزة (1016) .
(2) انظر: النهاية (4/ 294) .
(3) النهاية (3/ 266) " باب عفا ".
(6/66)
قلت: الحديث ساكت عن هذا، فكيف يدل على
ذلك؟! فافهم،
والحديث أخرجه: الترمذي، وقال: غريب لا نعرفه من حديث أنس
إلا
من هذا الوجه، وفي حديث الترمذي " لم يصل عليهم" والجواب
أنه لم
يصل عليهم على الفور كما ذكرناه آنفا، والله أعلم.
1572- ص- نا عباس العنبري، نا عثمان/ بن عمر، نا أسامة، عن
[2/197ـ أ] الزهري، عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم
مَر بحمزةَ وقد مثلَ به، ولم يُصَل على
أحدٍ من الشهداءِ غيره " (1) .
ش- عباس بن عبد العظيم البصري، وعثمان بن عمر بن فارس
البصري.
وقال الدارقطني: تفرد به أسامة بن زيد (2) ، عن الزهري، عن
أنس
بهذه الألفاظ، ورواه عثمان بن عمر، عن أسامة، عن الزهري،
عن
أنس، وزاد فيه حرفا لم يأت به غيره، فقال: " ولم يصل على
أحد من
الشهداء غيره" يعنى حمزة، وقال في موضع آخر: " لم يقل هذه
اللفظة
غير عثمان بن عمر، وليس بمحفوظ" (3) انتهى كلامه.
قلت: أما أسامة بن زيد فقد احتج به مسلم، واستشهد به
البخاري،
وأما عثمان بن عمر البصري، فقد اتفق البخاري ومسلم على
الاحتجاج
بحديثه، والزيادة من الثقة مقبولة، والله أعلم.
1573- ص- نا قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن موهب، أن
الليث
حدثهم، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن
جابر بن
عبد الله، أخبره، أن رسول الله " وكان يجمع بين الرجل من
تتلي أحُد،
ويقول: أيهُما أكثرُ أخذا للقرآنِ؟ فإذا أشِيرَ له إلى
أحدِهِمَا قَدَّمَه في اللَّحد
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(3) سنن الدارقطني (117/4) .
(2) في الأصل: " أسامة بن يزيد" خطأ.
(6/67)
وقال: أنا شهيد على هؤلاء يومَ القيامة،
وأمَر بدفنهم بدمائهم، ولم يغْسِلهُمْ " (1) (2)
.ًَ
ش- رواه البخاري في "صحيحه "، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، زاد البخاري والترمذي: "ولم يصل عليهم " وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال النسائي: لا أعلم أحدا تابع
الليث من أصحاب الزهري على هذا الإسناد، واختلف عليه فيه،
انتهى.
ولم يؤثر عند البخاري، والترمذي تفرد الليث بهذا الإسناد،
بل احتج
به البخاري في " صحيحه "، وصححه الترمذي.
1574- ص- نا سليمان بن داود المهرة، أنا ابن وهب، عن الليث
بهذا الحديث بمعناه، قال: " يجمع بين الرجلين من قتلى أحد
في ثوب واحدِ " (3) .
ش- أشار أبو داود بهذا إلى رواية أخرى، فافهم.
28- باب: في ستر الميت عند
غسله
أي: هذا باب في بيان ستر الميت عند غسله.
1575- ص- نا علي بن سهل الرملي، نا حجاج، عن ابن جريج،
قال: أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي-
رضي
__________
(1) في سنن أبي داود: "ولم يغسلوا".
(2) البخاري: كتاب الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد (1343)
، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في ترك الصلاة على
الشهيد (1036) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: ترك الصلاة
عليهم (4/ 60) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في
الصلاة على الشهداء ودفنهم (1514) .
(3) البخاري: كتاب الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد (1343)
، النسائي: كتاب الجنائز، باب: ترك الصلاة عليهم (4/ 62) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في الصلاة على
الشهداء ودفنهم (1514) .
(6/68)
الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " لا تبرِزَن فَخِذا (1) ، ولا تَنظرَن إلى فَخِذِ
حَيّ، ولا ميت " (2) .
ش- حجاج بن محمد الأعور، وعبد الملك بن جريج.
قوله:" لا تبرزن " أي: لا تظهرن من الإبراز، والفخذ بكسر
الخاء وسكونها، وفيه من الفقه أن الفخذ من العورة وأنه يجب
ستره سواء كان من حي أو ميت، وهو حجة على من يجعل العورة
السوأتين فقط، والحديث أخرجه: ابن ماجه، وقال أبو داود:
هذا الحديث فيه نكارة، والله أعلم.
1576- ص- نا النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق،
قال: حدثني يحيى بن عَباد، عن أبيه عبَّاد بن عبد الله بن
الزبير، قال: سمعتُ عائشة- رضي الله عندها- قالت (3) : "
لمَا أرادوا غَسْلَ النبي- عليه السلام- قالوا: والله ما
ندرِي، أنُجَرد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه
كما نُجَرد موتانا؟ أم نغسلُه وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا
ألقى اللهُ عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذَقنه في
صدرِه، ثم كَلمَهُم مكلم من ناحية البيت، لا يدرونَ مَن
هو، أنه اغسلُوا النبيَّ- عليه السلام- وعليه ثيابه،
فقاموَا إلى رسول الله، فَغَسلُوه وعليه قميصُهُ، يصبُّونَ
الماءَ فوقَ القميصِ، ويُدلكونه بالقميَصِ دون أيديِهم"
وكانت عائشة تقولُ: " لو استقبلتُ من أمري ما استبدرتُ ما
غَسلَهُ إلا نساؤه" (4) .
ش- يحي بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي
الأسدي المدني. روى عن: أبيه. روي عنه: ابن إسحاق، قال ابن
معين، والدارقطني: ثقة. وقال عبد الرحمن: مات قديماً وهو
ابن ست
__________
(1) في سنن أبي داود:" لا تبرز فخذك ".
(2) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت
(1460) .
(3) في سنن أبي داود: " تقول ".
(4) تفرد به أبو داود.
(6/69)
وثلاثين سنة، وكانت له مروءة. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعباد- فعّال بالتشديد- ابن عبد الله بن الزبير الحجازي،
سمع أباه، وعائشة، وأسماء ابنتي أبي بكر. روى عنه: ابنه،
وهشام بن عروة، / وعبد الواحد بن حمزة، وغيرهم. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " وذَقنه " الذقن- بفتح الذال المعجمة، والقاف-
مجتمع اللعين، وبالحديث استدل الشافعي على أن القميص (3)
يغسل في قميصه، وعندنا يجرد وتستر عورته، والجواب عن
الحديث ابنه من خصائص النبي- عليه السلام- وأخرج ابن ماجه
في " سننه " من حديث بريدة بن الحصيب، قال: " لما أخذوا في
غَسِل النبي- عليه السلام- ناداهم مناد من الداخل: لا
تنزعوا عن رسول الله قميصه ". قال الدارقطني: تفرد به عمرو
بن يزيد، عن القمة، انتهى.
وعمرو بن يزيد هذا هو أبو بردة التميمي، لا يحتج به، وفي
رواية الإمام الحمد: " فحضر علي رسول الله، ولم يل من غسله
شيئا، فأسنده على صدره، وعليه قميصه، وكان العباس، وفضل،
وقثم يقلبونه مع علي، وكان أسامة بن زيد، وصالح هما يصبان
الماء، وجعل علي يغسله، ولم ير من رسول الله شيئا مما يراه
من الميت وهو يقول: بأبي وأمي، ما أطيبك حنا وميتا". |