شرح أبي داود
للعيني 56- باب: الصلاة على
القبر
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة على القبر بعد دفن الميت.
1638- ص- نا سليمان بن حرب ومسدد قالا: نا حماد، عن ثابت،
عن أبي رافع، عن أي هريرة: " أن امرأةَ سوداءَ، أو رَجُل
(1) كان يَقُم المسجد، فَفَقَدَهُ النبي- عليه السلام-
فسألَ عنه؟ فقيل: ماتَ، فقال: ألا آذنتموني به؟ قال: "
دلوني على قبره، فدعوه، فصلى عليه" (2) .
ش- حماد بن زيد، وثابت البناني، وأبو رافع مولى النبي-
عليه السلام- اسمه: إبراهيم، أو أسلم، وقد مر غير مرة.
__________
(1) كذا، وفي متن أبي داود:" رجلاً".
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: كنس المسجد وإلقاء الخرق
والقذى والعيدان (57 4) ، وكتاب الجنائز، باب: الصلاة على
القبر بعد ما يدفن (1337) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب:
الصلاة على القبر (965) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما
جاء في الصلاة على القبر (1527) .
(6/147)
قوله: " يقم " أي: يكنس، والقمامة:
الكناسة.
قوله: " ألا آذنتموني " أي: هلا أعلمتموني، واستدل علماؤنا
بهذا الحديث أن الميت إذا دفن بدون الصلاة يصلى على قبره،
ثم قال بعض أصحابنا: يصلى عليه ما لم ينفسخ، وقال أبو
يوسف: يصلى إلى ثلاثة أيام، والأصح أن الاعتبار لأكبر
الرأي، وقال الخطابي (1) : "وفيه دليل لجواز الصلاة على
القبر لمن لم يلحق الصلاة على الميت قبل الدفن ". قلت: هذا
غير مسلم، والحديث لا يدل على مدعاه، والحديث أخرجه:
البخاري، ومسلم، وابن ماجه (2) ، وروى ابن حبان في "صحيحه
" (3) في النوع الأول من القسم الرابع من حديث خارجة بن
زيد بن ثابت، عن عمه يزيد (4) بن ثابت- وكان أكبر من زيد،
قال: "خرجنا مع رسول الله- عليه السلام- فلما وردنا البقيع
إذا هو بقبر، فسأل عنه؟ فقالوا: فلانة فعرفها، فقال: ألا
آذنتموني بها؟ قالوا: كنت قائلا صائما، قال: فلا تفعلوا لا
يعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم، إلا ناديتموني
(5) به، فإن صلاتي عليه رحمة، قال: ثم أتى القبر فصففنا
خلفه، وكبر عليه أربعا".
ورواه الحاكم في " المستدرك" (6) في الفضائل وسكت عنه
وأخرج ابن حبان من طريق أحمد بن حنبل، ثنا غندر، عن شعبة،
عن حبيب بن الشهيد، عن ثابت، عن أنس: " أن النبي- عليه
السلام- صلى على قبر امرأة قد دفنت ".
وقال ابن حبان في "صحيحه ": وقد جعل بعض العلماء الصلاة
على
__________
(1) معالم السنن (1/ 274) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 265، 266) .
(3) ابن حبان (7/ 87 0 3) ، وأخرجه أحمد (4/ 388) ،
والنسائي: في باب الصلاة على القبر من كتاب الجنائز (4/
84) ، وابن ماجه: في باب: الصلاة على القبر من كتاب
الجنائز له 152) .
(4) في الأصل: "زيد" خطأ.
(5) في صحيح ابن حبان: "آذنتموني".
(6) (591/3) .
(6/148)
القبر من خصائص النبي- عليه السلام- بدليل
ما روي فيه: " وإني
أنورها بصلاتي عليهم" وليس كما توهموه، بدليل أنه- عليه
السلام-
صف الناس خلفه، فلو كان من خصائصه لزجرهم عن ذلك، انتهى.
وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه البخاري، ومسلم، عن أبي
هريرة
أيضاً: أن النبي- عليه السلام- صلى على قبر امرأة، أو رجل
كان
يقم المسجد ثم قال: إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة،
وإني أنورها
بصلاتي عليهم ".
وأخرج الترمذي (1) ، عن سعيد بن المسيب " أن أم سعد- يعني
ابن
عبادة ماتت، والنبي- عليه السلام- غائب، فلما قدم صلى
عليها،
وقد مضى لذلك شهر " قال البيهقي (2) : هو مرسل صحيح، وقد
روي
موصولا عن ابن عباس، والمشهور المرسل (3) .
57- باب الصلاة (4) على المسلم يموت في بلاد الشرك
أي: هذا باب في بيان الصلاة على المسلم، يلي أمر ذلك
المسلم أهل
الشرك في بلد آخر، وفي بعض النسخ: " باب الصلاة على المسلم
يموت
في بلاد أهل الشرك".
/ 639 1- ص- نا القعنبي، قال: قرأت على مالك بن أنس، عن
ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضِي الله
عنه- "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نعىِ للناسِ
النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرجَ بهم إلى المُصًلَّى،
فَصلى بهم وكَبرَ أربع تكبيراتٍ " (5) .
__________
(1) كتاب الجنائز، باب: الصلاة على القبر (1038) .
(2) السنن الكبرى (48/4) . (3) إلى هنا انتهى النقل من نضب
الراية.
(4) في سنن أبي داود: "باب في الصلاة على المسلم يموت في
بلاد الشرك".
(5) البخاري: كتاب الجنائز، باب: التكبير على الجنازة
أربعا (1333) ، مسلم:
كتاب الجنائز، باب: في التكبير على الجنازة (951) ،
الترمذي: كتاب
(6/149)
ش-" نعى" من النعي، وهو خبر الموت، والناعي
الذي يأتي بخبر الموت، والنجاشي اسم كل من ملك الحبشة كما
أن كل من ملك الشام مع الجزيرة، وبلاد الروم يسمى قيصر،
وكل من ملك الفرس يسمى كسرى، وكل من ملك مصر كافرا يسمى
فرعون (1) ، وكل من ملك الإسكندرية يسمى المقوقس، وكل من
ملك اليمن يسمى تبع، وكل من ملك الهند، وقيل: اليونان يسمى
بطليموس (2) ، وكل من ملك الترك يسمى خاقان، وكل من ملك
اليهود يسمى القِطبون، وكل من ملك الصابئة يسمى نمرود، وكل
من ملك العرب من قبل العجم يسمى النعمان، وكل من ملك
البربر يسمى جالوت، وكل من ملك فرغانة يسمى الإخشيد، واسم
هذا النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أصحمة ابن أبجر، ويقال: مصحمة بالميم موضع الهمزة، ويقال:
أصحم، ومعناه بالعربية: عطية، وكان عبدا صالحاً لبيبا
ذكيا، عادلا عالماً وعن جابر قال: قال رسول الله- عليه
السلام- حين مات النجاشي: "مات اليوم رجل صالح، فقوموا
وصلوا على أخيكم أصحمة" رواه البخاري، وقال ابن كثير:
وشهود أبي هريرة الصلاة على النجاشي دليل على أنه مات بعد
فتح خيبر التي قدم بقية المهاجرين إلى الحبشة مع جعفر ابن
أبي طالب يوم فتح خيبر، ولهذا رُوي أن النبي- عليه السلام-
قال:
"والله ما أدري بأيهما أسَر: أبفتح خيبر؟ أم بقدوم جعفر"
وقدموا معهم بهدايا وتحف من عند النجاشي إلى النبي- عليه
السلام- وصحبتهم أهل السفينة العمانية أصحاب أبي، موسى
وقومه من الأشعريين ومع جعفر
__________
= الجنائز، باب "الصفوف على الجنازة (1022) " النسائي:
كتاب الجنائز، باب: الصفوف على الجنازة (4/ 69) ، ابن
ماجه: كتاب الجنائز، باب:
الصلاة على النجاشي (1534) .
(1) وقيل: كل من ملك القبط يسمى فرعون، ومن ملك مصر يسمى
العزيز، وانظر: "شرح صحيح مسلم" (23/7) تحت شرح هذا
الحديث.
(2) في الأصل: "بطلميوس" خطأ.
(6/150)
وهدايا النجاشي ابن أخي النجاشي ذو مخبر،
أو ذو مخمر، أرسله ليخدم النبي- عليه السلام- عوضا عن عمه،
وقال السهيلي: توفي النجاشي في رجب سنة تسع من الهجرة، وفي
هذا نظر (1) .
وقال الخطابي: النجاشي رجل مسلم، قد آمن برسول الله- عليه
السلام- وصدقه على نبوته، إلا أنه كان يكتم إيمانه،
والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه، إلا أنه
كان بين ظهراني أهل الكفر، ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في
الصلاة عليه، فلزم رسول الله- عليه السلام- أن يفعل ذلك إذ
هو نبيه، ووليه، وأحق الناس به، فهذا - والله أعلم- هو
السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه، بظهر الغيب، فعلى هذا
إذا مات المسلم ببلد من البلدان، وقد قضى حقه من الصلاة
عليه، فإنه لا يصلى عليه من كان ببلد آخر غائبا عنه، فإن
عُلِمَ أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كانت السنة أن
يصلى عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة، فإذا صلوا عليه
استقبلوا القبلة، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت- إن كان في
غير جهة القبلة- وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة الصلاة على
الميت الغائب، وزعموا أن النبي- عليه السلام- كان مخصوصا
بهذا الفعل إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي، لما روي في بعض
الأخبار " أنه قد سُويت له أعلام الأرض حتى يبصر مكانه "
وهذا تأويل فاسد، لأن رسول الله- عليه السلام- إذا فعل
شيئا من أفعال الشريعة كان علينا متابعته والاتسَاء به،
والتخصيص لا يعلم إلا بدليل، ومما يبين ذلك أنه صلى الله
عليه وسلم خرج بالناس إلى الصلاة، وصف بهم، وصلوا معه،
فعلم أن هذا التأويل فاسد.
قلت: هذا التشنيع كله على الحنفية من غير توجيه ولا تحقيق،
فنقول
ما يظهر لك فيه دفع كلامه: إن النبي- عليه السلام- رفع له
سريره فوقه، فتكون الصلاة عليه كميتٍ رآه الإمام، ولا يراه
المأموم،
__________
(1) انظر ترجمته من: أسد الغابة (1/ 119) ، والإصابة (1/
109) .
(6/151)
فإن قيل: (1) هذا يحتاج إلى نقل يبينه، ولا
يكتفى فيه مجرد الاحتمال.
/ قلت: ورد ما يدل على ذلك، فروى ابن حبان في "صحيحه " في
النوع الحادي والأربعة من القسم الخامس من حديث عمران بن
الحصين، أن النبي- عليه السلام- قال: " إن أخاكم النجاشي
توفي، فقوموا، صلوا عليه، فقام رسول الله- عليه السلام-
وصفوا خلفه فكبر أربعا، وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين
يديه " انتهى.
وجواب آخر أنه من باب الضرورة، لأنه مات بأرض لم يقم فيها
عليه فريضة الصلاة، فتعين فرض الصلاة عليه، لعدم من يصلي
عليه ثم، ويدل على ذلك أن النبي- عليه السلام- لم يصل على
غائب غيره، وقد مات من الصحابة خلق كثير وهم غائبون عنه،
وسمع بهم فلم يصل عليهم، إلا غائبا واحدة ورد أنه طويت له
الأرض حتى حضره وهو: معاوية بن معاوية المدني، روى حديثه
الطبراني فيه معجم " الأوسط " (2) وكتاب "مسند الشاميين":
حدثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا نوح بن عمرو (3) بن حُوَي
السكسكي، ثنا بقية بن الوليد، عن محمد بن زياد الألهاني،
عن أبي أسامة، قال: " كنا مع رسول الله- عليه السلام-
بتبوك، فنزل عليه جبريل- عليه السلام- فقال: يا رسول الله،
إن معاوية بن معاوية المدني مات بالمدينة، أتحب أن تطوى لك
الأرض فتصلي عليه، قال: نعم، فضرب بجناحه على الأرض، ورفع
له سريره"
__________
(1) القائل هو الإمام تقي الدين كما في نصب الراية (283/2)
، ومنه سينقل المصنف ما يأتي.
(2) (4/ 3874) .
(3) في الأصل: "عمير" خطأ، وقد ذكره الذهبي في والميزان،
(4/ 278) ، وأورد له هذا الحديث من طريق الحاكم، وتابعه
الحافظ في "اللسان"
(6/ 173- 174) ، وكذا ذكر الحديث في الإصابة (3/ 437)
ترجمة معاوية بن معاوية، فقالا: "نوح بن عمرو"، وانظر:
"الإكمال" (2/ 574) .
(6/152)
فصلى عليه، وخلفه صفان من الملائكة في كل
صف سبعون ألف ملك،
ثم رفع، وقال النبي- عليه السلام- لجبريل- عليه السلام.:
بم أدرك هذا؟ قال: بحبه سورة "قل هو الله أحد " وقراءته
إياها جائيا، وذاهبا، وقائماً وقاعدا، وعلى كل حالة انتهى.
ورواه ابن سعد في "الطبقات" في ترجمة معاوية بن معاوية
المدني،
قال: ويقال: الليثي من حديث أنس، فقال: أخبرنا يزيد بن
هارون،
ثنا العلاء أبو محمد الثقفي، سمعت أنس بن مالك، قال: وكنا
مع رسول الله- عليه السلام- " فذكر نحوه.
أخبرنا عثمان بن الهيثم البصري، حدثنا محبوب بن هلال
المدني، عن
ابن أبي ميمونة، عن أنس وذكر نحوه، وبسند ابن سعد الأول
رواه البيهقي (1) وضعفه، قال النووي في " الخلاصة":
والعلاء هذا ابن زيد، ويقال: ابن يزيد، اتفقوا على ضعفه،
قال البخاري، وابن عدي، وأبو حاتم: هو منكر الحديث. قال
البيهقي: ورُوي من طريق أخرى ضعيفة وغائبان آخران وهما:
زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، ورد عنه أنه كشف له
عنهما، أخرجه الواقدي في كتاب "المغازي" فقال: حدثني محمد
بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وحدثني عبد الجبار بن
عمارة، عن عبد الله بن أبي بكر، قالا: "لما التقى الناس
بمؤتة جلس رسول الله- عليهم السلام- على المنبر، وكُشِفَ
له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معتركهم، فقال- عليه
السلام-: اتخذ الراية زيد بن حارثه فمضى حتى استشهد، وصلى
عليه ودعا له، وقال: استغفروا له، وقد دخل الجنة وهو يسعى،
ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى استشهد، وصلى
عليه رسول الله- عليه السلام-
__________
(1) السنن الكبرى (4/ 50) وقال: "العلاء بن زيد منكر
الحديث" ورواه بالإسناد الثاني وقال:" لا يتابع عليه" سمعت
ابن حماد يذكره عن البخارية.
(6/153)
ودعا له، وقال: استغفروا له، وقد دخل الجنة
فهو يطير فيها بجناحه
حيث شاء " مختصر، وهو مرسل من الطريقين المذكورين " (1) .
وحديث أبي هريرة أخرجه الجماعة.
1640- ص- نا عباد بن موسى، نا إسماعيل- يعني: ابن جعفر- عن
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: "
أمرنَا رسولُ الله
- عليه السلام- أن ننطلقَ إلى أرضِ النجاشيِّ" فذكرَ حديثه
" فقال النجاشي: أشهدُ أنه رسولُ الله، وأنه الذي بَشرَ به
عيسى ابنُ مريم، ولولا ما أنا فيه من المُلكِ لأتيتُه حتى
أحمِلَ نعلَيْهِ " (2) .
ش- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، وإسرائيل بن
يونس
ابن أبي إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله
السباعي
الكوفي، هو جد إسماعيل المذكور، وأبو بردة عامر بن عبد
الله بن قيس الكوفي، وعبد الله هو أبو موسى الأشعري، وروى
الإمام أحمد بإسناد
جيد قوي، عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: وبعثنا رسول
الله
- عليه السلام- إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا فيهم:
جعفر،
وعبد الله بن عُرفُطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى
الأشعري، فأتوا النجاشي، وبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة
بن الوليد
بهدية، فلما دخلا على النجاشي سجدا له، ثم ابتدراه عن
يمينه وشماله،
ثم قالا له: إن نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك، ورغبوا عنا
وعن ملتنا،
قال: فأين هم؟ قالوا: في أرضك، فابعث إليهم، فبعث إليهم،
فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم، فاتبعوه، فسلم ولم يسجد،
فقالوا له:
ما لك لا تسجد للملك؟ قال: أنا لا أسجد إلا لله- عز وجل-
قال:
وما ذاك؟ قال: إن الله بعث إلينا رسوله، وأمرنا أن لا نسجد
لأحد إلا
لله- عز وجل- وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو: فإنهم
يخالفونك
في عيسى ابن مريم وأمه، قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم
وأمه؟
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) تفرد به أبو داود.
(6/154)
قال: نقول كما قال الله: هو كلمة الله
وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول التي لم يمسها بشر،
ولم يفرضها ولد، قال: فرفع عودا من الأرض، ثم قال: يا معشر
الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول
فيه ما سوى هذا، مرحبا بكم، وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه
رسول الله، وأنه نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به
عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من
الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه، وأمر بهدية الآخرين
فردت إليهما، ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدراً
وزعم أن النبي- عليه السلام- استغفر له" وذكره أبو نعيم في
" الدلائل " بإسناده إلى أبي موسى، كما ذكره أبو داود،
وذكر ابن إسحاق هذه القصة بأبسط مما ذكر بإسناده إلى أم
سلمة- رضي الله عنها- وذكر الواقدي أن خروجهم إلى الحبشة
كان في رجب سنة خمس من الهجرة، والله أعلم.
58- باب: في الرجل يجمع موتاه في مَقْبَرة والقبر يُعَلمُ
(1)
أي: هذا باب في بيان أن الرجل يجمع موتاه في مقبرة واحدة،
ويُعَلمُ
على قبرهم بعلامة.
1641- ص- نا عبد الوهاب بن نجدة، نا سعيد بن سالم، ح ونا
يحيى
ابن الفضل السجِسْتاني، نا حاتم- يعني: ابن إسماعيل-
بمعناه، عن كثير ابن زيد المدني، عن المطلب، قال: "لما
ماتَ عثمانُ بنُ مظعونٍ أخرِجَ بجنازته فدفنَ، أمرَ (2)
النبي- عليه السلام رجلاً أن يأتيه بحَجَر، فلم يستطًع
حَمْلًهَا (3) ، فقامَ إليه رسولُ الله- عليه السلام-
وحَسَرَ عن ذراعَيْهِ "
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في جمع الموتى في قبر، والقبر
يُعلمُ "
(2) في سنن أبي داود: "فأمر".
(3) في سنن أبي داود: "حمله " وهي نسخة كما سيذكر المصنف.
(6/155)
قال كثير: قال المطلبُ: قال الذي يخبرني
(1) عن رسول الله- عليه السلام-: وكأني أنظرُ إلى بياض
ذرَاعَيْ رسول الله- عليه السَلام- حين حَفَرَ عنهما، ثم
حَمَلَهَا فوضعها عندَ رأسِه، وقالَ: لَنُعَلم (2) بها قبر
أخي، وأدفنُ إليه من ماتَ من أهلِي " (3) .
ش- سعيد بن سالم القداح أبو عثمان المكي خراساني، سكن مكة،
وقال عبد الرحمن: كوفي سكن مكة. روى عن: كثير بن زيد، وابن
جريج، والثوري، وغيرهم. روى عنه: ابن عيينة، وعلي بن حرب،
وعبد الوهاب بن نجدة، والإمام الشافعي وغيرهم، قال ابن
معين: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: محله الصدق. روى له: أبو
داود (4) .
وكثير بن زيد الأسلمي السهمي من سهم أسلم مولاهم أبو محمد
المدني، يقال له: ابن مافنهْ وهي أمه. روى عن: المطلب بن
عبد الله بن حنطب، وسالم بن عبد الله بن عمر، ونافع مولى
ابن عمر، وغيرهم. روى [عنه] : حاتم بن إسماعيل، وحماد بن
زيد، والدراوردي، وغيرهم، قال ابن معين: ليس بذاك القوي.
قال معاوية بن صالح: صالح. وقال محمد بن عبد الله بن عمار:
ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
قوله: "فلم يستطع حملها" أي: حمل الحجر، وإنما أنث الضمير
فيه وفي قوله: " ثم حملها فوضعها " باعتبار معنى الجنسية
التي تشتمل على معنى الجمع، وفي بعض النسخ: "فلم يستطع
حمله" بالتذكير، وباقي ضمائره بالتأنيث.
__________
(1) في سنن أبي داود: " يخبرني ذلك".
(2) في سنن أبي داود: " أتعلم بهم".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 1/ 2279) . (5)
المصدر السابق (24/ 4941) .
(6/156)
قوله: "وحسر" أي: كشف، وفي الحديث من الفقه
جواز وضع
الحجارة ونحوها عند القبر للعلامة، وجوار جمع الرجل موتاه
في حظيرة
واحدة، وفي هذا المعنى، ما يفعله الناس من وضع الألواح على
القبور،
ونصبها عند/ رؤوس الموتى للعلامة، وإنما ورد النهي عن
البناء على القبور وتجصيصها، وكذلك قالت الفقهاء: تكره
الكتابة عليها، حتى
قالوا: إن قراءة ما كتب على ألواح القبور يورث النسيان،
والأصل فيه ما
روى أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا حفص، عن ابن جريج، عن
أبي الزبير، عن جابر، قال: " نهى رسول الله- عليه السلام-
أن نبني
عليه ". وقال سلمان بن موسى، عن جابر: "وأن نكتب عليه".
وحديث المطلب رواه ابن أبي شيبة أيضا ولفظه حدثنا أبو بكر
الحنفي،
عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حاطب، قال: "
لما مات
عثمانُ بنُ مظعون، دفنه رسول الله- عليه السلام- بالبقيع،
وقال
لرجل: اذهب إلى تلك الصخرة فأتتني بها، حتى أضعها منذ قبره
حتى
أعرفه به".
59- باب: في الحفار يجد العظم هل يَتنَكَبُ ذلك المكان؟
أي: هذا باب في بيان الحفار الذي يجد عظم الميت عند
حَفْرِه، يتنكب عن ذلك المكان، أي: يعدل عنه، يقال: نكب عن
الطريق ينكب نكوبا أي عدل، وفي بعض النسخ: "باب في الحفار
يجد العظم يتنكب عن ذلك المكان ".
1642- ص- نا القعنبي، يا عبد العزيز بن محمد، عن سعد-
يعني: ابن سعيد- عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة- رضي
الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كَسْرُ
عَظم الميتِ كَكَسْرِهِ حَيا" (1) .
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: في النهي عن كسر عظام
الميت (1616) .
(6/157)
ش- عبد العزيز الدراوردي، وسعد بن سعيد بن
قيس بن عمرو الأنصاري، وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن
زرارة الأنصارية المدنية. قوله: "كسر عظم الميت " مبتدأ
وخبره هو "ككسره حيا "، والمعنى أن حرمة بني آدم سواء في
الحالتين، فكما لا يجور كسر عظم الحي فكذلك كسر عظم
الميت،. وذكر صاحب "الخلاصة": " ولا تكسرُ عظام اليهود إذا
وجدت في قبورهم " فعُلِم من هذا أن عظم الميت له حرمة سواء
كان مسلما أو كافرا (1) ، والحديث أخرجه ابن ماجه.
60- باب: في اللحد
أي: هذا باب في بيان اللحد، اللحد: الشق الذي يعمل في جانب
القبر لموضع الميت، وأصله الميل، ومنه المُلحدُ لميله عن
الدين، ولحد القبر لأنه الميل عن وسط القبر إلى جانبه،
يقالَ: لحدت، وألحدت.
1643- ص- نا إسحاق بن إسماعيل، نا حكام بن مسلم، عن علي بن
عبد الأعلى، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسِ - رضي
الله عنه- قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " اللَّحْدُ
لَنا، والشّق لغيرِنَا " (2) .
__________
(1) قال الشيخ الألباني في هامش "صحيح الجامع " تعليقا على
لفظ " الميت": أي "المؤمن كما في رواية". وقال الشيخ رجائي
في " الموازين مختصر تنبيه الغافلين" (ص 175 هامش) :
"فالميت الكافر كان قبل موته عند الله ميتا"، انظر إلى
قوله تعالى في شأن من أسلم بعد كفره: {أو مَن كَانَ مَيْتا
فَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لهُ نُورا يَمْشِي به في
الناسِ} (الأنعام: 122) ، وبناء على هذا جَوَز بعض العلماء
الأفاضلَ دراسة الطب على جثث الكافر فقط، بغير قصد التمثيل
بها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المُثْلَة.
وَالمُثلة هي العبث والتشويه انتقاما أو جهلا أو لعبا وهي
حرام أهـ.
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في قول النبي صلى
الله عليه وسلم: " اللحد لنا والشق لغيرنا" (1045) ،
النسائي: كتاب الجنائز، باب: اللحد والشق
(4/ 80) (2008) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في
استحباب اللحد (1554) .
(6/158)
ش- إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، يعرف
باليتيم، وحكَام بن سلم الرازي، أبو عبد الرحمن الكناني.
سمع: إسماعيل بنَ أبي خالد، وحميدا (1) الطويل، والثوري.
روى عنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وإبراهيم بن موسى الرازي،
ويحيى بن معين، وأبو حاتم، قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو
داود، والترمذي، وابن ماجه (2) . وحكام بكسر الحاء
المهملة.
وعلي بن عبد الأعلى الأحول الكوفي.
وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي- بالثاء المثلثة- الكوفي. روى
عن: محمد ابن الحنفية، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن
جبير. روى عنه: ابنه عبد الأعلى، وأبو عوانة، والثوري، قال
ابن معين: ليس بذلك القوي. وقال أحمد بن حنبل: هو ضعيف
الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه
(3) .
قوله: " اللحد لنا " يعني لأجل أموات المسلمين، والشق لأجل
أموات الكفار، ولو شقوا لمسلم يكون تركا للسنة، اللهم إلا
إذا كانت الأرض رخوة لا تحتمل اللحد، فإن الشق حينئذ متعين
والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال
الترمذي: حديث غريب من هذا الوجه.
" (4) وروى ابن ماجه في وسننه " (5) ، عن أبي أيقظان، عن
__________
(1) في الأصل:" حميد".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1421) .
(3) المصدر السابق (16/3684) . (4) انظر: نصب الراية (2/
296- 297) . (5) كتاب الجنائز: باب: استحباب اللحد (1555)
وقال في " الزوائد": إسناده ضعيف، لاتفاقهم على تضعيف أبي
أيقظان، واسمه عثمان بن عمير، والحديث من رواية ابن عباس
في السن الأربعة، ومن رواية سعد بن أبي وقاص
في مسلم وغيره.
(6/159)
زاذان، عن جريج بن عبد الله البجلي مرفوعا
نحوه سواء، ورواه
أحمد (1) ، وأبو داود الطيالسي (2) ، وابن أبي شيبة (3) في
مسانيدهم،
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه "، ومن طريقه الطبراني في
"معجمه "،
وأبو نعيم في "الحلية" في ترجمة زاذان، وله طريق آخر عند
أحمد في
"مسنده" (4) ، عن أبي جَنَاب، عن زاذان، عن جريج "أن
النبي- عليه
السلام- جلس على شفير قبر فقال: ألحدوا، ولا تشقوا، فإن
اللحد
لنا، والشق لغيرنا" وفيه مقال. 214/21 ط وروى أبو حفص بن
شاهين في كتاب "الجنائز": حدثنا جعفر بن حمدان الشحام، أنا
عبد الأعلى بن واصل، أنا محمد بن الصلت،
عن محمد بن عبد الملك الأسلمي، عن محمد بن المنكدر، عن
جابر بن
عبد الله قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " اللحد لنا،
والشق لغيرنا".
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه" (5) من طريق مالك: ثني
نافع، عن
ابن عمر "أن النبي- عليه السلام- اللحد له، ولأبي بكر،
وعمر
- رضي الله عنهما" (6) .
61- باب: كم يدخل القبر؟
أي: هذا باب في بيان كمية من يدخل القبر لأجل دفن الميت.
1644- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهير، نا إسماعيل بن أبي
خالد،
__________
(1) (5/ 362) .
(2) (ص 92)
(3) (127/3) .
(4) (359/4) ، وله طريق آخر عند أحمد (357/5) رواه عن
عفان، عن حماد ابن سلمة، عن عمرو بن مرة، عن زاذان به.
(5) (127/3) ، وأخرجه أحمد (2/ 24) من طريق العمري، عن
نافع به، ولم يذكر أبا بكر ولا عمر.
(6) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(6/160)
عن عامر، قال: " غسل رسولَ اللهِ صلى الله
عليه وسلم: علي، والفضلُ، وأسامةُ بنُ زيدٍ، وهم
أدْخَلُوهُ قَبْرَهُ" قال: وحدثني مرحب، أو ابن أبي مرحب
(1) أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف، فلما فرغ علي-
رضي الله عنه- قال:
" إنما يَلِي الرجلَ أهلُهُ " (2) .
ش- عامر الشعبي.
قوله: "غسل " بالتشديد، وفاعله علي، والفضل هو ابن عباس
ابن
عم رسول الله- عليه السلام-.
قوله: "وحدثني مرحب " أي قال الشعبي، ومرحب أو ابن أبي
مرحب الصحابي، وفي الكمال: أو أبو مرحب. روى عنه: الشعبي.
روى له: أبو داود.
قوله: "إنما يلي الرجل " من ولي الشيء يليه بالكسر فيهما،
وفيه من الفقه استحباب نزول ثلاثة أنفس في القبر لتولي أمر
الميت، فإن كانوا أكثر فلا بأس سواء كانوا وترا، أو شفعا،
قال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد،
عن إبراهيم، قال: "أدخل القبر كم شئت".
حدثنا وكيع، عن ربيع، عن الحسن، قال: " لا يضرك شفع أو
وتر" وفيه أيضا استحباب تولي أمور الدفن أهل الميت، حتى
إذا كانت امرأة يتولى دفنها من بينها وبينه قرب بالمحامية،
أو المصاهرة، أو الرضاع، وروى ابن ماجه في حديث طويل عن
ابن عباس: "ونزل في حفرته علي ابن أبي طالب، والفضل بن
عباس، وقثم أخوه، وشقران مولى رسول الله - عليه السلام-
وقال أوس بن خولي وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب: أنشدك
الله، وحظنا من رسول الله؟ قال له علي: انزل " الحديث.
1645- ص- نا محمد بن الصباح بن سفيان، أنا سفيان، عن ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: "أبو مرحب".
(2) تفرد به أبو داود.
11. شرح سنن أبي داوود
(6/161)
أبي خالد- أظنه عن الشعبي- عن أي مرحب: "
أن عبد الرحمن بنَ عوف نزل في قبر النبي- عليه السلام-
قال: كأني أَنظرُ إليهم أربعة ". (1)
ش- محمد بن الصباح بن سفيان الجرجرائي، وإنما ذكر جده حتى
لا يلتبس بمحمد بن الصباح الدولابي البزار "صاحب السنن "
فإن كلا منهما شيخه، وسفيان بن عيينة، وابن أبي خالد هو
إسماعيل بن أبي خالد البجلي.
قوله: " أربعة" نصب على الحال، والمعنى كأني أنظر أيهم حال
كونهم معدودين بهذا العدد، والله العلم.
62- باب: كيف يُدخلُ الميتُ في قبره؟ (2)
أي: هذا باب في بيان كيفية إدخال الميت قبره.
1646- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، عن شعبة، عن أبي
إسحاق، قال: "أوْصَى الحارثُ أن يُصَلي عليه عبدُ الله بنُ
يزيد، فصلَّى عليه، ثم أدخله القبرَ من قِبَلِ رجلي
القبرِ، وقال: هذا من السنة " (3) .
ش- أبو إسحاق عمرُو السبيعي، والحارث ... َ (4)
وعبد الله بن يزيد بن زيد الصحابي الخطمي، وفيه من الفقه
أن الرجل
إذا أوصى أن يصلي عليه فلان، تصح وصيته، وقال بعض أصحابنا:
هذه الوصية باطلة، وهو غير صحيح، وفيه حجة للشافعي أيضا في
أن السنة في إدخال الميت القبر السَّلُّ، والحديث رواه
البيهقي (5) ، وقال: إسناده صحيح، أومن حججهم ما رواه ابن
أبي شيبة في "مصنفه" (7) : (6)
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " باب في الميت يدخل من قبل رجليه".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.
(5) السنن الكبرى (4/ 54) .
(6) انظر: نصب الراية (2/298: 300) .
(7) (130/3) .
(6/162)
حدثنا عبد الأعلى، عن خالد، عن ابن سيرين،
قال: " كنتُ مع أنس
في جنازة، فأمر الميت، فأدخل من قبل رجليه ".
حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن ابن عمر: "أنه أدخل
ميتا من قبل رجليه".
وروى ابن ماجه في "سننه " (1) ، عن مندل بن علي، أخبرني
[محمد
ابن] عبيد الله بن أبي رافع، عن داود بن الحصين، عن أبيه،
عن
رافع، قال: "سَل رسولُ اللهِ سعدا، ورش على قبره ماء"
ومندل بن
علي ضعيف.
وروى أبو حفص عمر بن شاهر في كتاب " الجنائز": حدثنا عبد
الله
ابن الأشعث، ثنا الحسن بن علي بن مهران، ثنا مكي بن
إبراهيم، عن
غالب بن عبيد الله، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال
رسول الله
- عليه السلام-: "يدخل الميت من قبل رجليه، ويُسل سَلا".
واستدل أصحابنا بما رواه/ ابن ماجه في "سننه " (2) : حدثنا
هارون ابن إسحاق، نا المحاربي، عن عمرو بن قيس، عن عطية،
عن
أبي سعيد: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من قبل
القبلة، واستقبل استقبالا"
انتهى.
قال البيهقي: قال الشافعي: ولا يتصور إدخاله من جهة
القبلة، لأن
القبر في أصل الحائط.
قلت: فعلى هذا إن كانوا سلوا رسول الله فذاك إنما كان لأجل
الضرورة
لأجل الحائط، وإلا فالسنة أن يدخل مما يلي القبلة، وروى
ابن عدي في
__________
(1) كتاب الجنائز، باب: ما جاء في إدخال الميت القبر
(1551) ، وقال في " الزوائد": وفي إسناده مندل بن علي
ضعيف، ومحمد بن عبيد الله متفق على ضعفه ".
(2) كتاب الجنائز، باب: ما جاء في إدخال الميت القبر
(1552) ، وقال في "الزوائد ": وفي إسناده عطية العوفي،
وضعفه الإمام أحمد ".
(6/163)
"الكامل " (1) والعقيلي في " الضعفاء" (2)
، عن عمرو بن يزيد (3) التميمي، عن علقمة بن مرثد، عن ابن
بريدة، عن أبيه، قال:
" أخذ (4) رسول الله من قبلي (5) القبلة، وألحد له، ونصب
عليه اللبن نصبا" ونقل ابن عدي تضعيف عمرو بن يزيد، عن ابن
معين ولينه هو، وقال: هو من جملة من يكتب حديثه من
الضعفاء، وقال العقيلي: لا يتابع عليه.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " (6) ، عن عمير بن سعيد: "
أن عليا كبر على يزيد بن المكفف أربعا، وأدخله من قبل
القبلة"، وأخرج أيضا عن ابن الحنفية: "أنه ولي ابن عباس،
فكبر عليه أربعا، وأدخله من قبل القبلة".
قلت: واضطربت الروايات في إدخاله- عليه السلام- فروى
الشافعي في "مسنده": أخبرنا الثقة عن عمر بن عطاء، عن
عكرمة، عن ابن عباس، قال: " سُل رسولُ الله- عليه السلام-
من قبل رأسه" أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي وغيره، عن ابن
جريج، عن عمران بن موسى " أن رسول الله- عليه السلام- سُل
من قبل رأسه، والناس بعد ذلك". أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي
الزياد، وربيعة، وأبي النضر لا اختلاف بينهم في ذلك " أن
النبي- عليه السلام- سل من قبل رأسه" وكذلك أبو بكر،
وعمره، ومن طريق الشافعي رواها البيهقي (7) ، وقال: هذا هو
المشهور فيما بين أهل الحجاز.
__________
(1) (6/ 240) ، ترجمة عمرو بن يزيد، وأخرجه البيهقي (4/
54) .
(2) (295/3) .
(3) في الأصل: "عمرو بن زيد" خطأ.
(4) كذا في الأصل وفي نصب الراية، وفي الكامل: "أدخل". (5)
كذا في الأصل وفي الكامل وغيره: " قبل ".
(6) (3/ 1 13) وصححه ابن حزم في " المحلى" (178/5) .
(7) السنن الكبرى (4/ 54) .
(6/164)
ومما ورد مخالفا لما تقدم ما أخرجه أبو
داود في " المراسيل" عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم: "
أن النبي- عليه السلام- أدخل من قبل القبلة، ولم يسل سلا "
وذكره عبد الحق في " أحكامه " وعزاه لمراسيل أبي داود.
وقال فيه: عن إبراهيم التيمي وهو وهم منه، نبه عليه ابن
القطان في " كتابه"، دائما هو إبراهيم النخعي، قال: لأنه
رواه من حديث حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، ومعلوم أن
حماد بن أبي سليمان إنما يروي عن النخعي لا القيمي، ولعل
الذي أوقعه في ذلك اشتراكهما في الاسم، واسم الأب والبلد.
قلت: صرح به ابن أبي شيبة في " مصنفه" (1) فقال عن حماد،
عن إبراهيم النخعي فذكره، وزاد: " ورفع قبره حتى يعرف "
(2) .
63- باب: كيف يُجلسُ عند القبر؟
أي: هذا باب في بيان كيفية الجلوس عند القبر، وفي بعض
النسخ: "باب الجلوس عند القبر" (3) .
1647- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا جريج، عن الأعمش، عن
المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، قال: "
خَرَجْنَا معَ رسول الله- عليه السلام- في جَنازة رجلٍ من
الأنصارِ، فانتهينَا إلى القَبرِ ولَمْ يُلَحد بعدُ، فجلسَ
النبي- علَيه السلام- مُسْتقبِلَ القبلَة وجلسْنَا معه "
(4) .
ش- جريج بن عبد الحميد، وسليمان الأعمش، وزاذان الكندي.
فيه من الفقه استحباب القعود عند الميت بعد الصلاة عليه
إلى أن يدفن،
__________
(1) (3/ 130) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) وهي نسخة أبي داود المطبوعة.
(4) النسائي: كتاب الجنائز، باب: الوقوف للجنائز (4/ 78) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الجلوس في المقابر
(1548) .
(6/165)
واستحباب استقبال القبلة في القعود، والحديث أخرجه:
النسائي، وابن ماجه. |