شرح أبي داود للعيني

64- باب (1) : الدعاء للميت إذا وضع في قبره
أي: هذا باب في بيان الدعاء للميت إذا وضع في قبره.
1648- ص- نا محمد بن كثير، ح أنا مسلم بن إبراهيم، نا همام، عن
قتادة، عن أبي الصديق، عن ابن عمر: " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا
وَضَعَ المميت في قَبرِه، قال: بسم اللهِ، وعلى سنة رسولِ اللهَ صلى الله عليه وسلم " هذا لفظ
مسلم (2) .
ش- همام بن يحيى العوذي، وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن
عمرو، وقد مر ذكره.
قوله:" هذا لفظ مسلم " أي: مسلم بن إبراهيم/ " (3) والحديث روي من طرق، فروى ابن ماجه من حديث الحجاج بن أرطأة، عن نافع،
عن ابن عمر، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أدخل الميت القبر، قال: بسم
الله، وعلى ملة رسول الله".
ورواه الترمذي بلفظ:" بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله "
وقال: حسن غريب من هذا الوجه.
وروى ابن حبان في " صحيحه" في النوع الثاني عشر من القسم
الخامس بإسناد أبي داود، وروى الحاكم في " مستدركه" (4) بلفظ:" إذا
وضعتم موتاكم في قبورهم، فقولوا: بسم الله، وعلى ملة رسول الله
__________
(1) في سنن أبي داود:" باب: في الدعاء للميت إذا وضع في قبره ".
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما يقول إذا أدخل الميت القبر (1046) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في إدخال الميت قبره (1550) .
(3) انظر: نصب الراية (2/ 300: 302) .
(4) (366/1) .

(6/166)


قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهمام ابن يحيى مأمون، إذا أسند هذا الحديث لا يعلل بمن وقفه، وقد وقفه شعبة، ورواه البيهقي (1) وقال: تفرد برفعه همام بن يحيى بهذا الإسناد وهو ثقة، إلا أن شعبة، وهشاما الدَستوائي روياه عن قتادة موقوفا على ابن عمر، وقال الدارقطني: الموقوف هو المحفوظ.
قلت: قد رواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث شعبة، عن قتادة به مرفوعا: " أن النبي- عليه السلام- كان إذا وضع الميت في القبر قال: بسم الله، وعلى ملة رسول الله "، وروى الطبراني في "معجمه الوسط" (2) : حدثنا محمد بن أبان، ثنا سوار بن سهل المخزومي، أنا سعيد بن عامر الربعي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب، عن نافع مرفوعا بلفظ الحاكم، وروى الطبراني أيضا في " معجمه ": حدثنا الحسن بن إسحاق التستري، ثنا على بن بحر، ثنا بشر بن إسماعيل، حدثني عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، عن أبيه، قال لي أبي اللجلاج أبو خالد: "يا بني إذا أنا مت فألحد لي، فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، ثم سن (3) علي التراب سنا (3) ، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وختمتها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك " انتهى.
وقال صاحب "الهداية" من أصحابنا في كتاب "الجنازة": "فإذا
وضع في لحده يقول: بسام الله وعلى ملة رسول الله، كذا قال النبي
- عليه السلام- حين وضع أبا دجانة الأنصاري في القبر.
قلت: وهكذا وقع في " المبسوط" وكلاهما وهم، وغلط، فإن
أبا دجانة الأنصاري توفي بعد النبي- عليه السلام- في واقعة اليمامة، وكانت في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق،
__________
(1) السنن الكبرى (3/ 55)
(2) (7/ 7347) .
(3) كذا بالسين، ويروى بالشين المعجمة.

(6/167)


كذا ذكره ابن أبي خيثمة في "تاريخه" وكذا ذكره الواقدي في كتاب "الردة" في حديث طويل إلى أن قال: أبو دجانة الأنصاري، واسمه سماك بن خرشة، ثم عقد بابا في أسماء من قتل من المسلمين يوم اليمامة، وذكر منهم أبا دجانة الأنصاري، وقال: إنه شهد بدرا، وفي معجم الطبراني في ترجمة أبي دجانة الأنصاري أسند عن محمد بن إسحاق، قال في تسمية من استشهد يوم اليمامة من الأنصار: أبو دجاجة سماك بن خرشة " (1) .
65- باب: الرجل يموت له قرابة مشرك
أي: هذا باب في بيان ما إذا مات للرجل المسلم قريب مشرك، كيف يعمل؟
1649- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن سفيان، حدثني أبو إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي- رضي الله عنه- قال: قلت للنبي- عليه السلام -: "إن عمكَ الشيخ الضال قد ماتَ، قال: اذهبْ فَوَارِ أباكَ، ثم لا تُحْدثَن شيئا حتى تأتيَني، فذهبتُ فَوَارَيْتُه وجئتُه، فأمرني فاغتسَلتُ، ودعا لي " (2) .
ش- يحيى القطان، وسفيان الثوري، وأبو إسحاق السبيعي.
وناجية بن كعب الأسلمي الكوفي أبو خفاف. روى عن: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر. روى عنه: أبو إسحاق، وأبو حسان الأعرج، ويونس بن أبي إسحاق، قال يحيى بن معين صالح، وقال أبو حاتم: شيخ. روى له: أبو داود، والترمذي، وا لنسائي (3) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: الغسل من مواراة المشرك (1/ 110) ، وكتاب الجنائز، باب: مواراة المشرك (4/ 79) .
(3) . انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6352) .

(6/168)


قوله: " فوار" أمر من وارى يواري مواراة، وهي: الستر، والحديث
رواه النسائي، وأحمد، وابن أبي شيبة، والبزار، وبه (1) استدل
أصحابنا بهذا (1) الحديث على أن المسلم إذا مات له قريب كافر يغسله
ويدفنه، " وقال (2) صاحب "الهداية": " وإن مات الكافر وله ولي
مسلم يغسله ويكفنه ويدفنه، بذلك أمرَ علي في حق أبيه أبي طالب ".
/ قلت: وليس في الحديث الغسل والتكفين، إلا أن يؤخذ ذلك من مفهوم قوله: "فأمرني فاغتسلت " فان الاغتسال شرع من غسل الميت،
مع أنه قد جاء مصرحا به في بعض الأحاديث، فروى ابن سعد في "الطبقات" (3) : أخبرنا محمد بن عمر الواقدي، حدثني معاوية بن
عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، عن علي،
قال: " لما أخبرت رسول الله- عليه السلام- بموت أبي طالب بكى، ثم
قال لي: اذهب فاغسله، وكفنه، وواره، قال: ففعلت ثم أتيته، فقال
لي: اذهب فاغتسل، قال: وجعل رسول الله يستغفر له أياما ولا يخرجِ
من بيته، حتى نزل عليه جبريل- عليه السلام- بهذه الآية: {ومَا كَان
لِلنبي وَالذين آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلمُشْرِكينَ} الآية (4) انتهى.
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه" (5) الحديث بسند أبي داود قال: " إن
عمك الشيخ الكافر قد مات، فما ترى فيه؟ قال: أرى أن تَغْسلَه،
وتنحيه (6) وأمره بالغسل". وروى أبو يعلى الموصلي في " مسنده " (7)
من طريق السدي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي- رضي الله
عنه- قال: " لما توفي أبو طالب أتيت النبي- عليه السلام- فقلت: إن
__________
(1) كذا بتكرار الضمير.
(2) انظر: نصب الراية (2/ 281، 282) .
(3) (1/ 78) القسم الأول، ورواه البيهقي (1/ 305) بإسناد آخر وضعفه.
(4) سورة التوبة (113) . (5) (3/142) .
(6) كذا، وفي المصنف "تحنطه"، وفي نصب الراية:" تجنه ".
(7) (1/ 423، 424) ، ورواه أحمد (1/ 03 1، 129) ، والبيهقي (1/ 4 30) ، وضعفه الإمام النووي في شرح المهذب (5/ 258) .

(6/169)


عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب وواره، ولا تُحدثْ شيئَا حتى تأتيني، قال: فواريته، ثم أتيته، فقال: اذهب فاغتسل، فاغتسلت ثم أتيته فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم، أو سوادها، قال: وكان علي إذا غسل ميتا اغتسل" انتهى.
ورواه الشافعي، وأبو داود الطيالسي، وابن راهويه في مسانيدهم عن شعبة، عن أبي إسحاق به بلفظ السنن، زاد الشافعي فيه: " فقلت: يا رسول الله، إنه مات مشركا، قال: اذهب فواره " ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في "سننه الوسطى" ثم قال: وناجية بن كعب لا نعلم روى عنه غير أبي إسحاق، قاله ابن المديني وغيره من الحفاظ، وروى البيهقي في " سننه " حديث علي هذا من طرق، وقال: إنه حديث باطل، وأسانيده كلها ضعيفة وبعضها منكر، وأما حديث أبي هريرة مرفوعا: "من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ" فقد رواه: أبو داود، والترمذي، وحسنه (1) ، وضعفه الجمهور، وبسط البيهقي القول في طرقه، وقال: الصحيح وقفه، قال: قال الترمذي: عن البخاري، عن أحمد بن حنبل، وابن المديني، قالا: لا يصح في هذا الباب حديث، وقال محمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري: لا أعلم فيه حديثا ثابتا، وقال ابن المنكدر: ليس فيه حديث ثابت.
وأما حديث عائشة " أنه- عليه السلام- كان يغتسل من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، وغسل الميت". فرواه أبو داود بسند ضعيف (2) ، والله أعلم. وقد مر الكلام فيه مستوفى، واستدل ابن الجوزي في "التحقيق " للإمام أحمد في منعه المسلم غسل قريبه الكافر ودفنه بحديث أخرجه الدارقطني في " سننه " (3) ، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: " جاء ثابت بن قيس بن شماس، فقال: يا رسول الله، إن أمي
(1) تقدم برقم (596 1) .
(2) تقدم برقم (595 1) .
(3) (1/ 75، 76) .

(6/170)


توفيت وهي نصرانية، وأني أحب أن اْحضرها، فقال له- عليه السلام-:
اركب دابتك وسر أمامها، فإنك إذا كنت أمامها لم تكن معها".
قلت: وهذا مع ضعفه ليس فيه حجة- كما تراه- ثم استدل لخصومه
بحديث أبي طالب، وأجاب بأنه كان في ابتدأ الإسلام، وهذا أيضا
ممنوع، والله أعلم" (1) ، ثم اعلم أن أبا طالب، وخديجة بنت خويلد
- رضي الله عنها- ماتا في عام واحد، قاله ابن إسحاق، وقال البيهقي:
بلغني أن خديجة توفيت بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام، وزعم الواقدي
أنهما ماتا قبل الهجرة بثلاث سنين عام خرجوا من الشعب، وأن خديجة
توفيت قبل أبي طالب بخمس وثلاثة ليلة، وقال بعضهم: والصحيح أن
أبا طالب توفي في شوال سنة عشر من النبوة/ بعد خروج النبي- عليه السلام- من الحصر بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوما، وكان عمره بضعا
وثمانين سنة، ثم توفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام، وكان موتها
قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وقال ابن كثير: مرادهم قبل أن تفرض
الصلوات الخمس ليلة الإسراء، وأبو طالب اسمه: عبد مناف، وهو أخ
عبد الله لأمه، وكان له من الولد: طالب، مات كافرا، وجعفر وعلي،
وأم هانئ فاختة، وقيل: هند، ولهم صحبة، وهو الذي كفل رسول الله
بعد وفاة جده عبد المطلبي، وقد ذهب بعض الشيعة إلى أنه مات مسلما،
واستدلوا بقول العباس- رضي الله عنه- في حديث طويل، أخرجه ابن
إسحاق، عن العباس بن عبد الله، عن بعض أهله، عن ابن عباس
- رضي الله عنه-: " نا ابن أخيه والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته
أن يقولها، يعنى لا إله إلا الله ".
قلت: في سند هذا الحديث مبهم لا يعرف حاله، وهذا إبهام في الاسم
والحال، ومثله يتوقف فيه لو انفرد، وقد روى: الإمام أحمد،
والنسائي، وابن جريج، نحوا من سياقه، ولم يذكروا قول العباس، ثم
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(6/171)


يعارضه ما هو أصح منه، وهو ما رواه البخاري: " أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي- عليه السلام- وعنده أبو جهل، فقال: أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال (1) آخرَ شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب، فقال النبي- عليه السلام- لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: {إِنكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ} (2) " ورواه مسلم أيضا، ويؤيد هذا أيضا ما رواه البخاري ومسلم أن العباس قال: " قلت للنبي- عليه السلام-: ما أغنيت عن عمك؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لغضبك، قال: هو في ضحضاح (3) من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من الناري.
66- باب: في تعميق القبر
أي: هذا باب في بيان تعميق القبر.
1650- ص- نا القعنبي، أن سليمان بن المغيرة حدثهم، عن حميد
- يعني: ابن هلال- عن هشام بن عامر، قال: "جَاءت الأنصارُ إلى رسول الله- عليه السلام- يومَ أحُد، وقالوا (4) : أصابَنَا قرح وجَهد، فكيفَ تأمَر (5) ؟ قال: احفُرُوا، وأوسعوا، واجعَلُوا الرجلين والثلاثةَ في القبر، قيل: فأيهُم يُقدمُ؟ قال: كثرتهم قرآنا" قال: أصيب أَبي يومئذٍ عامر بين اثنين أو واحدٍ (6) ، (7) .
__________
(1) في الأصل: " قالا"، وما أثبتناه من " صحيح البخاري " (4772) .
(2) سورة القصص: (56) .
(3) في الأصل: " ضخضاخ".
(4) في سنن أبي داود: " فقالوا".
(5) في سنن أبي داود: " تأمرنا " وهي رواية كما سيذكر المصنف "
(6) في سنن أبي داود: " أو قال واحد،.
(7) الترمذي: كتاب الجهاد، باب: ما جاء في دفن الشهداء (1713) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: ما يستحب من أعماق القبر (4/ 80) ، ابن ماجه:
كتاب الجنائز، باب: ما جاء في حفر القبر (1560) .

(6/172)


ش- القرح بالفتح ظاهر، وبالضم الجرح، وقيل: هو بالضم الاسم، وبالفتح المصدر، وأرادوا ما نالهم من القتل والهزيمة يومئذ، والجهد بالفتح: المشقة وقيل: المبالغة والغاية، وبالضم (1) : الوسع والطاقة، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة.
قوله: " فكيف تأمر؟ " وفي بعض الرواية: " فكيف تأمرنا".
قوله: " وأوسعوا " أي: أوسعوا ما تحفرون، والمراد أعاقوا، يدل عليه الرواية الأخرى، ولم يبين فيه حد التعميق، وقد بينه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وقال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: " يحفر القبر إلى السرة ". حدثنا أبو أسامة، عن محمد بن سليم، عن الحسن، قال: وأوصى عمر- رضي الله عنه- أن نجعل عمق قبره مقامة وسطه ".
قوله: " قال: أصيب أبي " أي: قال هشام.
قوله: " عامر" بالرفع عطف بيان لقوله أبي.
قوله: " بين اثنين أو واحد "..... (2) .
وفيه من الفقه استحباب أعماق القبر، حتى قيل: للرجل إلى السرة، وللمرأة قدر القامة، وإن الرجلين إذا دفنا والثلاثة في قبر واحد يُقدمُ أفضلُهم، حتى يُقدمَ الرجل على الصبي والخنثى، والصبي العالم يقدم على الشيخ الجاهل، فافهم.
1651- ص- نا أبو صالح، نا أبو إسحاق- يعني: الفزاري- عن الثوري، عن أيوب، عن حميد بن هلال بإسناده أو (3) معناه زاد فيه: " وأعمقوا " (4) (5) .
__________
(1) في الأصل:" وبالفتح".
(2) بياض في الأصل قدر سطر وثلث.
(3) في سنن أبي داود: "ومعناه ".
(4) انظر تخريج الحديث المتقدم.
(5) جاه في سنن أبي داود بعد هذا الحديث حديث برقم (3217) : حدثنا موسى ابن إسماعيل، حدثنا جريج، حدثنا حميد، يعني ابن هلال- عن سعد بن هشام بن عامر بهذا الحديث. وقد سقط من نسخة المصنف.

(6/173)


ش- أبو صالح عبد الغفار بن داود، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري الكوفي،/ وسفيان الثوري، وأيوب السختياني.
قوله: " زاد فيه" أي: في هذا الحديث من هذه الرواية، وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
67- باب: في تسوية القبر
أي: هذا باب في بيان تسوية القبر، وهو جعله مساويا بالأرض.
1652- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، نا حبيب بن أبي ثابت، عن أي وائل، عن أبي الهياج (1) الأسدي، قال: "بَعثَني عَلي- رضي الله عنه- قال: أبْعثُكَ على ما بعثني رسولُ الله- عليه السلام- أنْ لا تدع (2) قَبْراً مُشْرِفاَ إلا سويتَهُ، ولا تمثَالاً إلا طمسته" (3) .
ش- أبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو الهياج (4) حيان بن حصين الأسدي، الكوفي. سمع: علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر. روى عنه: أبو وائل، وشعبة، وابنه جريج بن حيان. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (5) .
قوله: " قبرا مشرفا " أي: مرتفعا عن الأرض.
قوله:" ولا تمثالا" التمثال بكسر التاء اسم من مثلت بالتشديد والتخفيف إذا صورت تمثالا، والطمس: المحو والإزالة.
" (6) وبهذا الحديث احتج الشافعي على أن القبور تسطح، وقال ابن
__________
(1) في الأصل:" التياح " خطأ.
(2) في سجن أبي داود: " أن لا أدع".
(3) مسلم: كتاب الجنائز، باب: الأمر بتسوية القبر (969) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تسوية القبور (969) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: تسوية القبور إذا رفعت (4/88) .
(4) في الأصل: " التياح" خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1575) .
(6) انظر نصب الراية (2/ 304، 305) .

(6/174)


الجوزي في "التحقيق ": "وهذا محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء الحسن العالي ". وقال أصحابنا: السنة أن يسنم القبر، لما روى البخاري في "صحيحه "، عن أبي بكر بن عياش، أن سفيان التمار حدثه "أنه رأى قبر النبي- عليه السلام- مسنما" وهو من مراسيل البخاري، ولم يرو البخاري لسفيان بن دينار التمار إلا قوله هذا، وقد وثقه ابن معين وغيره، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، ولفظه: عن سفيان، قال: "دخلت البيت الذي فيه قبر النبي- عليه السلام- فرأيت قبر النبي، وقبر أبي بكر، وعمر مسنمة ". وعارضه النووي في "الخلاصة" بالحديث الذي أخرجه أبو داود، عن القاسم بن محمد، لما يجيء الآن (1) ، ثم قال في الجمع بينهما: "إنه كان أولا [كما] قال القاسم مسطحا، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد جُعل مسنما" وروى محمد بن الحسن في "الآثار" (2) : أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، قال: "أخبرني مَن رأى قبر النبي- عليه السلام- وقبر أبي بكر، وعمر ناشزة من الأرض، عليها فلق من مدر أبيض " (3) .
وحديث أبي الهياج (4) أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
1653- عن- نا أحمد بن عمرو بن السرح، نا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، أن أبا علي الهمداني، حدثه قال: "كنا مع فَضالةَ بنِ عُبيد بِرُودسِ بأرضِ (5) الروم فتُوفيَ صاحب لنا، فأمر فَضالةُ بقبره فسوي، ثم قال: سمعتُ رسول اللهِ- عليه السلام- يأمُر بتسويَتِها" (6) .
ش- عبد الله بن وهب، وأبو علي ثمامة بن شفي الهمداني، وفضالة ابن عبيد الصحابي، كان معاوية ولاه على الغزو، ثم ولاه على قضاء
__________
(1) يأتي بعد حديث.
(2) (ص/ 42) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(4) ، في الأصل:"التياح" خطأ.
(5) في سنن أبي داود: "من أرض".
(6) مسلم: كتاب الجنائز، باب: الأمر بتسوية القبر (968) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: تسوية القبور إذا رفعت (4/88) ، (2031) .

(6/175)


دمشق. واعلم أن المسلمين افتتحوا جزيرة رودس وعليهم جنادة بن أبي أمية في سنة ثلاث وخمسة من الهجرة، فأقام بها طائفة من المسلمين كانوا أشداء على الكفار يعترضون لهم في البحر، ويقطعون سبيلهم، وكان معاوية يدر عليهم الأرزاق والأعطيات الجزيلة، وكانوا على حذر شديد من الفرنج، يبيتون في حصن عظيم لهم فيه حوائجهم، ودوابهم، وتواصلهم، ولهم نواظير على البحر ينذرونهم إن قدم عدو، أو كادهم أحد، وما زالوا كذلك حتى كانت إمارة يزيد بن معاوية بعد أبيه، فأقفلهم من تلك الجزيرة، وقد كانت للمسلمين بها أموال كثيرة، وزراعات غزيرة. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي.
ص- وقال أبو داود: رودس جزيرة في البحر.
ش- قال المنذري: المشهور أنها بضم الراء، وسكون الواو، بعدها
دال مهملة مكسورة وسين مهملة، وقد اختلف في تقييدها اختلافا كثيراً، وقد قيل: إنها أرض قريبة من الإسكندرية.
قلت: رودس، بضم الراء، ثم واو ساكنة، ودال مهملة، ويقال: معجمة مكسورة، ثم سين مهملة، فتحت في زمن معاوية، وامتدادها من الشمال إلى الجنوب بانحراف نحو/ خمسين ميلا، وعرضها نصف ذلك، وبينها وبين ذنب أقريطش مجرى واحد، وبعض رودس للفرنج وبعضها لصاحب إسطنبول، ورودس في الغرب عن جزيرة قبرص بانحراف إلى الشمال، وهي بين جزيرة المصطكي وبين جزيرة أقريطش.
1654- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن أبي فديك، قال: أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم، قال: "دَخلتُ على عائشة- رد الله عنها- فقلت: يا أمه، اكشِفِي لي عن قبرِ رَسول الله وصاحبَيه، فكشفتْ لي عن ثلاثة قبور لا مُشرِفةَ، ولا لاطِئةَ مبطَوحة ببطَحاء العَرْضةِ الحمراء " (1)
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(6/176)


ش- محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وعمرو بن عثمان بن هانئ. روى عن: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-. روى عنه: ابن أبي فديك. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " يا أمه" معناه يا أمي، والعرب تقول: يا أمه لا تفعلي، ويا أبت افعل، يجعلون علامة التأنيث عوضا، ويوقف عليها بالهاء.
قوله: "لا مشرفة " أي: لا مرتفعة عالية.
قوله: " ولا لاطئة " أي: ملتصقة بالأرض، يقال: لاطَ به يلوط، ويليط، لوطا، وليطا، ولياطا إذا لصق به.
قوله: "مبطوحة" أي: مُسواة "ببطحاء العرصة الحمراء " وهو الحصى الصغار، وبطحاء الوادي وأبطحه: حصاه اللين في بطن المسيل، "والعرصة" بفتح العين المهملة، وسكون الراء، وفتح الصاد المهملة: كل موضع واسع لا بناء فيه، والحديث رواه الحاكم وصححه، وقد مر الكلام فيه آنفا.
ص- قال أبو علي: يقال (2) : رسول الله مقدم، وأبو بكر عند رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول الله- عليه السلام-.
ش- أبو علي ثمامة بن شُفَي الهمداني المذكور آنفا، وروى الحاكم، والبيهقي من حديث ابن أبي فديك، عن عمرو بن عثمان، عن القاسم، قال: "رأيتُ النبي- عليه السلام- مقدما، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي- عليه السلام- وعمر رأسه عند رجل النبي- عليه السلام- ". قلت: هيئته ما صورناه على الهامش (3) ، فافهم.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 5068) .
(2) في سنن أبي داود: "يقال: إن ".
(3) بهامش الأصل: " النبي عليه السلام،أبو بكر، عمر".
12. شرح سنن أبي داوود

(6/177)


68- باب: الاستغفار للميت عند القبر (1)
أي: هذا باب في بيان الاستغفار لأجل الميت عند قبره.
1655- ص- نا إبراهيم بن موسى الرازي، نا هشام، عن عبد الله بن بشير، عن هانئ مولى عثمان، عن عثمان، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فَرغَ من دَفن الميت وقفَ عليه فقال: استغْفرُوا لأخيكُم، وسَلُوا له بالتثبيت، فإنه الآن يُسألُ " (2) (3)
.ً
ش- هشام بن يوسف الصنعاني أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء من أبناء الفرس. سمع: ابن جريج، والثوري، وعبد الله بن بحير. روى عنه: علي بن المديني، ويحيى بن معين، وإبراهيم بن موسى وغيرهم، وقال أبو حاتم: ثقة متقن، توفي سنة سبع وتسعين ومائة. روى له: الجماعة إلا مسلما (4) ، وعبد الله بن بحير- بالباء الموحدة، والحاء المهملة- ابن ريسان (5) أبو وائل القاص الصنعاني اليماني. روى عن: هانئ مولى عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن يزيد القاضي. روى عنه: هشام بن يوسف، وعبد الرزاق. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (6) .
وهانئ البربري أبو سعيد القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان. روى عن: عثمان بن عفان. روى عنه: عبد الله بن بحير وغيره. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (7) .
قوله: "وسلوا" أصله اسألوا، حذفت الهمزتان للتخفيف، فوزنه
__________
(1) التبويب غير واضح شيئا ما، وفي سنن أبي داود:" باب: الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود بعد هذا الحديث قال أبو داود:" بحير بن ريسان ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6592) .
(5) في الأصل: " ببيان " خطأ. (6) المصدر السابق (14/ 3174) . (7) المصدر السابق (30/ 6550) .

(6/178)


" فلوا " لأن عين الفعل سقطت من الموزون، فسقطت من الوزن،
ويستفاد من الحديث ثلاث فوائد، الأولى: انتفاع الميت بدعاء الحي خلافا
لمن ينكر ذلك.
الثانية: لا بد من السؤال في القبر.
الثالثة: وقت السؤال عقيب الدفن، وقال ابن أبي شيبة: حدثنا
إسماعيل ابن علية، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: " كان أنس بن
مالك إذا سوى على الميت قبره قام عليه فقال: اللهم عبدك رُدَّ إليك،
فارؤف به وارحمه، اللهم جاف الأرض عن جنبه، وافتح أبواب السماء
لروحه، وتقبله منك بقبول حسن،/ اللهم إن كان محسنا فضاعف له في إحسانه، أو قال: فزد في إحسانه، وأن كان مسيئا فتجاوز عنه ".
69- باب: كراهية الذبح عند القبر
أي: هذا باب في بيان كراهية الذبح عند القبر.
1656- ص- نا (1) يحيى بن موسى البلخي، نا عبد الرزاق، أنا معمر،
عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا عَقْرَ في الإسلام " قال
عبد الرزاق: " كانوا يَعْقِرُون عند القبرِ- يعني: ببقرة، أو شيء (2) " (3) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وثابت البناني، وأنس
ابن مالك- رضي الله عنه-.
قوله: " لا عقر في الإسلام " يعني: لا يشرع العقر في الإسلام،" (4) كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد، يقولون:
"نجازيه على فعله، لأنه كان يعقرها في حياته فيطعمها الأضياف، فنحن
__________
(1) في سنن أبي داود هذا الحديث تحت باب بعنوان:"كراهية الذبح عند القبر" (2) كذا، وفي سنن أبي داود: "أو شاة".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر: معالم السنن (1/ 274، 275) .

(6/179)


نعقرها عند قبره ليأكلها السباع والطير، فيكون مُطِعما بعد مماته كما كان مُطعِما في حياته قال الشاعر:
عقرت على قبر النجاشي ناقة.... بأبيضَ عَضبٍ أخلصتُه صياقله
على قبر من لو أنني مت قبله.... لهانت عليه عند قبري رواحلُه
ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر يوم القيامة راكبا، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا، وكان هذا على مذهب من يرى البعث منهم بعد الموتة (1) . وأصل العقر: ضرب قوائم البعير، أو الشاة بالسيف، وهو قائم.
70- باب: الصلاة عند القبر بعد حين (2)
أي: هذا باب في بيان الصلاة على قبر الميت بعد مدة طويلة.
1657- ص- نا عتيبة بن سعيد، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر: " أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خرَجَ يوما فصلى على أهلِ أحُد صلاتَه على الميتِ، ثم انصرف" (3) .
ش- أبو الخير مراد بن عبد الله اليمني المصري، والجواب عن هذا الحديث من ثلاثة أوجه، الأول: أن المراد من الصلاة الدعاء، وفيه نظر. الثاني: أنه من خصائص النبي- عليه السلام- لأنه- عليه السلام- قصد بها التوديع كما صرح بذلك في الرواية الأخرى.
الثالث: أنه- عليه السلام- قصد بالصلاة عليهم أن تنور قبورهم كما ورد في البخاري ومسلم، عن أبي هريرة: "أن النبي- عليه السلام-
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(2) في سنن أبي داود: " باب: الميت يصلى على قبره بعد حين".
(3) البخاري: كتاب الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد (1344) ، مسلم: كتاب الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم (2296) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الصلاة على الشهداء (4/ 61) .

(6/180)


صلى على قبر امرأة أو رجل كان يقم المسجد، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة، وإني أنورها بصلاتي عليهم " وقد مر الكلام فيه مرة.
1658- ص- نا الحسن بن علي، نا يحيى بن الدم، نا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الحديث، قال: " إن النبي - عليه السلام- صَلَّى على قَتلَى أحُد بعد ثَمان سنين كالمودع للأحياء والأموات" (1) .
ش- "بهذا الحديث"، أي: الحديث المذكور، وأخرجه البخاري، ومسلم، فالبخاري أخرجه في " المغازي " في غزوة أحد، ومسلم في "فضائل النبي- عليه السلام- "، وزاد: "فصعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات، فقال: إني فَرَطكم على الحوض، ولست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخشى أن تَنَافَسُوا في الدنيا، وتقتتلوا كما هلك من قبلكم ". قال عقبة: فكانت لآخر ما رأيت رسول الله- عليه السلام- على المنبر، انتهى.
وقال ابن حبان فيه صحيحه،: المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء، إذ لو كان المراد حقيقة الصلاة للزم من يقول بها أن يجوز الصلاة على الميت بعد دفنه بسنين، فإن وقعة أحد كانت في سنة ثلاث من الهجرة، وهذه الصلاة حين خروجه من الدنيا بعد وقعة أحد بسبع سنين، وهو لا يقول بذلك.
71- باب: البناء (2) على القبر
أي: هذا باب في بيان البناء على القبر.
1659- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج،
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في سنن أبي داود: "في البناء".

(6/181)


أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: " سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام- نَهَى أن يُقْعَدَ على القبرِ، وأن يُقَصَّصَ، وأن يُبنىَ عليه " (1) (2) .
ش- عبد الملك بن جريج، وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي.
قوله: " نهى أن يقعد" قال الخطابي (3) : "نهيه عن القعود على القبر يتأول على وجهين، اْحدهما: أن يكون ذلك في القعود عليه للحدث ".
/ والثاني: كراهة أن يطأ القبر شيء من بدنه، فقد روي أن النبي
- عليه السلام- رأى رجلا قد اتكأ على قبر، فقال له: " لا تؤذ صاحب القبر".
قوله: " وأن يقصص " من التقصيص، وهو التجصيص، والقصة
- بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة- شيء شبيه بالجص، وإنما نهى عن ذلك لأن القبر للبلى لا للبقاء.
قوله: " وأن يبنى عليه" أي: على القبر لما ذكرنا، ولفظ البناء عام يشمل سائر أنواع البناء، فالكراهة تعم في الجميع، والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، وليس في " صحيح مسلم" ذكر الزيادة والكتابة، وفي حديث الترمذي: " وأن يكتب عليها"، وقال: حسن صحيح، وفي حديث النسائي: " أو يزاد عليه".
1660 - ص- نا مسدد وعثمان بن أبي شيبة، قالا: نا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، وعن أبي الزبير، عن جابر بهذا الحديث، قال عثمان (4) : " أَوْ يُزادَ عليه " وزاد سليمان
__________
(1) في سنن أبي داود: "ويبنى عليها".
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: النهي عن تجصيص القبر (970) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: كراهية تجصيص القبور (1052) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الزيادة على القبر (4/ مه) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: النهي عن البناء على القبور (1562) .
(3) معالم السنن (1/ 275) .
(4) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: قال عثمان ".

(6/182)


ابن موسى: " (1) وأن يُكتبَ عليه" ولم يذكر مسدد في حديثه: " أو يزادَ عليه " (2) .
ش- سليمان بن موسى الدمشقي الأشدق، وهو لم يسمع جابر بن عبد الله، فالحديث منقطع.
قوله: " بهذا الحديث" أي: الحديث المذكور.
قوله: " قال عثمان" أي: ابن أبي شيبة.
قوله: " أو يزاد عليه" أي: على القبر، والزيادة على القبر أعم من أن يكون بناء، أو وضع حجر، أو تراب غير التراب الذي خرج منه، ونحو ذلك، والحديث أخرجه النسائي، وأخرجه ابن ماجه مختصرا، قال: "نهى رسول الله- عليه السلام- أن يكتب على القبر شيء ".
ص- قال أبو داود: خفي علي من حديث مسدد حرف (3) .
ش- أي: كلمة ويجيء بمعنى اللغة كما في قوله- عليه السلام-: " أنزل القرآن على سبعة أحرف " أي: سبع لغات، وبمعنى الجانب، يقال: على حرفه أي جانبه، وبمعنى الوجه لقوله تعالى: {وَمنَ الناسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْف} (4) أي: على وجه، وهو أن يعبده علَى السراء دون الضراء، والحرفَ: الناقة المعزولة، والحرف: واحد حروف التهجي.
1661- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- قال:" قاتل اللهُ اليهود اتخذُوا قبورَ أنبيائِهِم مَساجدَ " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " أو".
(2) النسائي: كتاب الجنائز، باب: الزيادة على القبر (4/ 86) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها (1563) .
(3) في سنن أبي داود: "حرف أن". (4) سورة الحج: (11) .
(5) البخاري: كتاب الصلاة، باب: حدثنا أبو اليمان (437) ، مسلم: كتاب المساجد وإقامة الصلاة، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور (530) ، النسائي في الكبرى: كتاب الوفاة.

(6/183)


ش- كانت اليهود- لعنهم الله- يتخذون قبور الأنبياء مساجد، ويقصدونها بالعبادة، وقد نسخ الشرع ذلك، ويفهم ذلك من قوله- عليه السلام-: " قاتل الله اليهودي والمعنى قتلهم الله، لأن " فاعل" يجيء بمعنى" فعل " أيضا كقولهم: سافر وسارع بمعنى سفر وسرع، ويقال: معناه لعنهم الله، ويقال: عاداهم، ثم إن أبا داود أخرج هذا الحديث في هذا الباب تنبيها على منع البناء على القبر، وذلك لأنه- عليه السلام- إنما لعنهم لكونهم بنوا مساجد على القبور، ثم هل يجوز للمسلمين أن يبنوا مساجد على قبور المسلمين أم لا؟ قد مر الكلام فيه مستوفى في "باب بناء المسجد " في أوائل الكتاب، فافهم، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، وا لنسائي.
72- باب: كراهية القعود على القبر
أي: هذا باب في بيان كراهية القعود على القبر.
1662- ص- نا مسدد، نا خالد، نا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة ص في الله عنه- قال: قال رسول الله- عليه السلام-: "لأنْ يَجلِسَ أحدُكم على جَمرة فَتَحْرِقَ ثيابه حتى تَخْلُصَ إلى جلده، خير له من أن يَجلِسَ على قبرِ" (9) .
ش- خالد بن عبد الله الواسطي، وسهيل بن أبي صالح، ذكوان، السمان.
قوله: " لأن يجلس أحدكم " بمعنى "لجُلُوسُ أحدِكم "، وهو، مبتدأ وخبره قوله: "خير"
__________
(1) مسلم: كتاب الجنائز، باب: النهي عن الجلوس على القبر (971) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: التشديد في الجلوس على القبور (4/ 95) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: النهي عن المشي على القبور والجلوس عليها (1566)

(6/184)


قوله: " حتى تخلُص " أي: حتى تصل إلى جلده، يقال: خَلَصَ فلان إلى فلان أي وصل أيه، وخلص أيضا إذا سلم ونجى، وهو من باب نصر ينصر، وقد مر آنفا معنى كراهة القعود على القبر، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1663- ص- نا إبراهيم بن موسى الرازي، نا عيسى، نا عبد الرحمن
- يعني: ابن يزيد بن جابر- عن بسر بن عبيد الله، قال: سمعت واثلة بن الأسقع، يقول: "سمعت أبا مرثد الغنوي، يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَجْلِسُوا على القُبُورِ،/ ولا تُصَلوا إليها " (1) .
ش- عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وبسر بن عبيد الله- بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة- الحضرمي الشامي، سمع واثلة بن الأسقع، وسنان بن عرفة وله صحبة. وروى عن: عمرو بن عبسة، وسمع أبا إدريس الخولاني وغيره. روى عنه: عبد الرحمن ويزيد ابنا جابر، وزيد بن واقد وآخرون، روى له: الجماعة (2) .
وواثلة بن الأسقع الصحابي.
وأبو مرثد كناز بن الحصين، ويقال: ابن الحصن بن يربوع حليف حمزة بن عبد المطلب، شهد بدرا هو وابنه مرثد. روى له: [] (3) من رواية واثلة بن الأسقع عنه، مات [سنة] (4) اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق. روى له: [أبو داود] (4) ، والترمذي، والنسائي (5) .
__________
(1) مسلم: كتاب الجنائز، باب: النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه (972) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في كراهية المشي على القبور والجلوس عليها والصلاة أيها (1050، 1051) ، النسائي: القبلة، باب: النهي عن الصلاة إلى القبر (67/2) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 669) .
(3) كلمة غير واضحة في الإلحاق.
(4) إلحاق غير واضح.
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 0 32) ، (4/ 171) ، وأسد الغابة (4/ 500) ، والإصابة (4/ 177) .

(6/185)


ويستفاد من الحديث مسألتان، الأولى: كراهة الجلوس على القبر. والثانية: كراهة الصلاة إليها، وقد مر الكلام فيه مستوفى، والحديث أخرجه مسلم، والنسائي.