شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا هي ثابتة في غير رواية ابن
عساكر كما في الفرع وأصله.
10 - كتاب الأذان
بالذال المعجمة وهو في اللغة الإعلام وفي الشرع إعلام
مخصوص بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة ثابت لابن عساكر ساقط
في رواية أبي ذر وغيره.
1 - باب بَدْءُ الأَذَانِ
وقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58].
وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9].
(باب بدء الأذان) بهمزة بعد الدال المهملة أي ابتدائه
وللأصيلي وأبي ذر بدء الأذان فأسقط التبويب (وقوله) بالرفع
أو بالجر عطفًا على المجرور السابق وللأصيلي وقول الله (عز
وجل) (وإذا ناديتم) أذنتم داعين (إلى الصلاة) التي هي أفضل
الأعمال عند ذوي الألباب {اتخذوها هزوًّا ولعبًا} أي
اتخذوا الصلاة أو المناداة وفيه دليل على أن الأذان مشروع
للصلاة {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}
[المائدة: 58] معاني عبادة الله وشرائعه واستدلّ به على
مشروعية الأذان بالنص لا بالمنام وحده قال الزهري: فيما
ذكره ابن كثير الحافظ قد ذكر الله التأذين في هذه الآية
رواه ابن أبي حاتم (وقوله) تعالى بالرفع والجر كما مر {إذا
نودي للصلاة} أذن لها {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:
9] عند قعود الإمام على المنبر للخطبة زاد في رواية
الأصيلي، الآية واللام للاختصاص، وعن ابن عباس فيما رواه
أبو الشيخ أن فرض الأذان نزل مع الصلاة {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] والأكثرون على أنه برؤيا عبد
الله بن يزيد وغيره، ووجه المطابقة بين الترجمة والآيتين
كونهما مدنيتين وابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة فالراجح
أن الأذان كان في السنة الأولى من الهجرة.
603 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ
أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "ذَكَرُوا النَّارَ
وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،
فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ
الإِقَامَةَ. [الحديث 603 - أطرافه في: 605، 606، 607،
3457].
وبالسند قال (حدّثنا عمران بن ميسرة) بفتح الميم وسكون
المثناة التحتية الأدمي البصري (قال حدّثنا عبد الوارث) بن
سعيد بن ذكوان التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون
البصري (قال حدّثنا خالد) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي
(خالد الحذاء) (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد
(عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك (قال ذكروا النار
والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا وقع مختصرًا في
رواية عبد الوارث وساقه بتمامه عبد الوهاب في الباب اللاحق
حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء
(2/2)
يعرفونه فذكروا أن يوروا نارًا ويضربوا
ناقوسًا (فأمر بلال) بضم الهمزة أي أمره النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما وقع مصرحًا به في رواية
النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب (أن يشفع الأذان)
بفتحات وسكون الشين أي يأتي بألفاظه مثنى إلا لفظ التكبير
في أوّله فإنه أربع وإلا كلمة التوحيد في آخره فإنها مفردة
فالمراد معظمه (وأن يوتر الإقامة) إلاّ لفظ الإقامة فإنه
يثنى واستنبط من قوله فأمر بلال وجوب الأذان والجمهور على
أنه سُنّة وأجاب القائل بالوجوب بأن الأمر إنما وقع بصفة
الأذان في كونه شفعًا لا لأصل الأذان ولئن سلمنا أنه لنفس
الأذان لكن الصيغة الشرعية واجبة في الشيء ولو كان نفلاً
كالطهارة لصلاة النفل وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم
أن يكون الأصل مأمورًا به قاله ابن دقيق العيد.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة
والقول وأخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل ومسلم وأبو داود
والنسائي والترمذي وابن ماجة.
604 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
كَانَ يَقُولُ: "كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا
الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ
لَيْسَ يُنَادَى لَهَا. فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ
النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ
قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ
رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَنَادِ
بِالصَّلاَةِ».
وبه قال (حدّثنا محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة
العدوي المروزي (قال حدّثنا عبد الرزّاق) بن همام (قال
أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال أخبرني) بالإفراد (نافع)
مولى ابن عمر (أن ابن عمر) بن الخطاب (كان يقول كان
المسلمون حين قدموا المدينة) من مكة في الهجرة (يجتمعون
فيتحينون الصلاة) بالحاء المهملة يتفعلون أي يقدّرون حينها
ليدركوها في الوقت وللكشميهني فيتحينون للصلاة (ليس ينادى
لها.) بفتح الذال مبنيًّا للمفعول وفيه كما نقلوا عن ابن
مالك جواز استعمال ليس حرفًا لا اسم لها ولا خبر ويجوز أن
يكون اسمها ضمير الشأن وخبرها
الجملة بعد وفي رواية مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه ليس ينادي
بها أحد (فتكلموا) أي الصحابة رضي الله عنهم (يومًا في
ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا) بكسر الخاء على صورة
الأمر (مثل ناقوس النصارى،) الذي يضربونه لوقت صلاتهم
(وقال بعضهم: بل بوقًا) أي اتخذوا بوقًا بضم الموحدة (مثل
قرن اليهود) الذي ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته ويسمى
الشبور بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المضمومة
فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد الأذان فجاء إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصّ عليه رؤياه
فصدقه وسقطت واو وقال لأبي الوقت ويل في رواية أخرى (فقال
عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أو لا) بهمزة الاستفهام وواو
العطف على مقدّر أي أتقولون بموافقتهم ولا (تبعثون رجلاً)
زاد الكشميهني منكم حال كونه (ينادي بالصلاة؟) وعلى هذا
فالفاء هي الفصيحة والتقدير كما مرّ فافترقوا قاله القرطبي
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن سياق حديث عبد الله بن زيد
يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قصّ رؤيه على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: رأيت مثل
الذي رأى فدلّ على أن عمر لم يكن حاضرًا لما قصّ عبد الله
قال والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت
عقب المشاورة فيما يفعلونه وأن رؤيا عبد الله كانت بعد ذلك
وتعقبه العيني بحديث أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة
له من الأنصار عند أبي داود فإنه قال فيه بعد قول عبد الله
بن زيد: إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان وكان عمر قد رآه قبل
ذلك فكتمه فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: ما منعك أن تخبرنا إلى آخره وليس فيه أن عمر
سمع الصوت فخرج فقال فهو يقوّي كلام القرطبي ويردّ كلام
بعضهم أي ابن حجر انتهى.
وأجاب ابن جحر في انتقاض الاعتراض بأنه إذا سكت في رواية
أبي عمير عن قوله فسمع عمر الصوت فخرج وأثبتها ابن عمر
إنما يكون إثبات ذلك دالاًّ على أنه لم يكن حاضرًا فكيف
يعترض بمثل هذا (فقال) بالفاء ولأبي الوقت وقال (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) (يا بلال، قم فنادِ
بالصلاة) أي اذهب إلى موضع بارز فنادِ فيه بالصلاة ليسمعك
الناس كذا قاله النووي متعقبًا من استنبط منه مشروعية
الأذان قائمًا كابن خزيمة وابن
(2/3)
المنذر وعياض نعم هو سنة فيه وبه استدلّ
العلاّمة الجلال المحلي للقيام موافقة لمن تعقبه النووي
فإن قلت ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن
بوحي، أجيب لما فيه من التنويه بالنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والرفع لذكره لأنه إذا كان على لسان
غيره كان أرفع لذكره وأفخر لشأنه على أنه روى أبو داود في
المراسيل أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجد الوحي قد ورد بذلك فما
راعه إلا أذان بلال فقال له عليه الصلاة والسلام: سبقك بها
الوحي.
ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والإخبار والقول
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي.
2 - باب الأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى
(باب الأذان مثنى مثنى) بغير تنوين مع التكرار للتوكيد أي
مرتين مرتين ولابن عساكر وعزاها العيني كالحافظ ابن حجر
لغير الكشميهني مثنى مفردًا بإسقاط الثانية.
605 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ
عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: "أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ
يُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلاَّ الإِقَامَةَ".
وبالسند قال (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة
ثم مهملة البصري (قال حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم الجهضمي
البصري (عن سماك بن عطية) بكسر السين وتخفيف الميم البصري
المزيدي بكسر الميم وسكون الزاي بعدها موحدة (عن أيوب)
السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد
الجرمي البصري (عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك (قال:
أمر) وفي الفرع المكي قال: قال أمر (بلال) بضم الهمزة أي
أمره الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه
الآمر الناهي وهذا هو الصواب خلافًا لمن زعم أنه موقوف
ودفع بأن الخبر عن الشرع لا يحمل إلا على أمر الرسول (أن
يشفع الأذان) بفتح المثناة التحتية أي يجعل أكثر كلماته
مثناة (وأن يوتر) وفي رواية ويوتر (الإقامة) أي يفردها
جميعًا (إلاّ الإقامة) أي لفظ الإقامة وهي قوله قد قامت
الصلاة فإنها تشفع وسقط للأصيلي لفظ الإقامة الأولى.
606 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -وهو ابن سلامٍ- قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ:
ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلاَةِ بِشَىْءٍ
يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ
يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ
الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ".
وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (محمد) زاد أبو
ذر -وهو ابن سلام- (قال أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا ولأبي ذر
حدّثني (عبد الوهاب) وللأربعة عبد الوهاب الثقفي (قال
أخبرنا) ولابن عساكر حدّثنا (خالد الحذاء) بن مهران (عن
أبي قلابة) رضي الله عنه (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه
(قال: لما كثر الناس) بتشديد الميم (قال ذكروا) جواب لما
ولفظه قال الثانية زائدة لتأكيد قال السابقة (أن يعلموا
وقت الصلاة بشيء يعرفونه،) بضم أوّل يعلموا وكسر ثالثه أي
يجعلوا له علامة يعرف بها ولكريمة ولغير الأربعة أن يعلموا
بفتحها من العلم (فذكروا أن يوروا) أي يوقدوا (نارًا أو
يضربوا ناقوسًا) كالمجوس والنصارى (فأمر بلال) بضم الهمزة
أي فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن
يشفع الأذان) أي معظمه (وأن يوتر الإقامة) أي يأتي
بألفاظها مفردة أي إلا لفظ قد قامت الصلاة فيأتي بها شفعًا
كما في الحديث السابق وهذا مذهب الشافعي وأحمد والمراد
معظمها فإن كلمة التوحيد في آخر الأذان مفردة والتكبير في
أوّله أربع ولفظ الإقامة مثنى كما مرّ ولفظ الشفع يتناول
التثنية والتربيع فليس في
لفظ حديث الباب ما يخالف ذلك على أن تكرير التكبير تثنية
في الصورة مفردة في الحكم ولذا
يستحب أن يقالا بنفس واحد وذهب مالك وأتباعه إلى أن
التكبير في أوّل الأذان مرتين لروايته من وجوه صحاح في
أذان أبي محذورة وأذان ابن زيد والعمل عندهم بالمدينة على
ذلك في آل سعد القرظ إلى زمانهم لنا حديث أبي محذورة عند
مسلم وأبي عوانة والحاكم وهو المحفوظ عن الشافعي من حديث
ابن زيد كما مر والإقامة إحدى عشرة كلمة والأذان تسع عشرة
كلمة بالترجيع وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين سرًّا قبل
دخولهما جهرًا لحديث مسلم فيه وإنما اختصّ الترجيع
بالشهادتين لأنهما أعظم الأذان وليس بسُنّة عند الحنفية
للروايات المتفقة على أن لا ترجيع في أذان بلال وعمرو ابن
أم مكتوم إلى أن توفيا والله أعلم.
3 - باب الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إِلاَّ قَوْلَهُ: "قَدْ
قَامَتِ الصَّلاَةُ"
هذا (باب) بالتنوين (الإقامة) التي تقام بها الصلاة
ألفاظها (واحدة) لم يكرر لفظ واحدة مراعاة للفظ حديث ابن
عمر عند ابن حبّان ولفظه الأذان مثنى والإقامة واحدة نعم
في حديث أبي
(2/4)
محذورة عند الدارقطني تكريره (إلاّ قوله)
(قد قامت الصلاة) فإنه يكرّره.
607 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ
أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ
يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ" قَالَ
إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُ لأَيُّوبَ فَقَالَ: إِلاَّ
الإِقَامَةَ.
وبالسند قال (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني
البصري إمام عصره في الحديث وعلله (قال حدّثنا إسماعيل بن
إبراهيم) بن علية (قال حدّثنا خالد) وفي رواية خالد الحذاء
(عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس) وللأصيلي أنس بن
مالك (قال: أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة.)
وهي الإعلام بالشروع في الصلاة بألفاظ مخصوصة وتمتاز عن
الأذان بأن يأتي بها فرادى وهو حجة على الحنفية في تثنيتها
واستدلوا بما اشتهر أن بلالاً كان يثني الإقامة إلى أن
توفي وحديث عبد الله بن زيد عند الترمذي وكان أذان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شفعًا شفعًا في
الأذان والإقامة (قال إسماعيل): ابن علية المذكور (فذكرت)
بحذف ضمير المفعول أي حديث خالد وللكشميهني والأصيلي
فذكرته (لأيوب) السختياني (فقال: إلاّ الإقامة) أي إلاّ
لفظ قوله قد قامت الصلاة فإنها تشفع لأنها المقصود من
الإقامة بالذات وما ادّعاه ابن مندة من أن قوله في حديث
سماك في باب الأذان مثنى مثنى إلاّ الإقامة من قول أيوب
غير مسند كما في رواية إسماعيل يعني هذه. وقول الأصيلي
أنها من قول أيوب لا من قول سماك متعقب بحديث معمر عن أيوب
عند عبد الرزاق، ولفظه كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة
إلاّ قوله قد قامت الصلاة والأصل أنّ ما كان في الخبر فهو
منه حتى يدل دليل على خلافه ولا دليل في رواية إسماعيل هذه
لأنه إنما يتحصل منها أن خالدًا كان لا يذكر الزيادة وكان
أيوب يذكرها وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس
فكان في
رواية أيوب زيادة من حافظ فتقبل قاله في الفتح والجمهور
على شفعها إلاّ مالكًا ولا حجة له في الحديث الثاني من
حديثي الباب السابق لما في سابقه واحتجاجه بعمل أهل
المدينة معارض بعمل أهل مكة وهي تجمع الكثير في المواسم
وغيرها ومعهم الحديث الصحيح.
4 - باب فَضْلِ التَّأْذِينِ
608 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ
حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى
النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ
أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ
حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ:
اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا -لِمَا لَمْ يَكُنْ
يَذْكُرُ- حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ
صَلَّى». [الحديث 608 - أطرافه في: 1222، 1231، 1232،
3285].
(باب فضل التأذين) وبالسند قال (حدّثنا عبيد الله بن يوسف)
التنيسي قال (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) بكسر
الزاي وبالنون الخفيفة عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد
الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول
الله) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) (قال: إذا نودي للصلاة) أي لأجلها (أدبر
الشيطان) أي جنس الشيطان أو المعهود هاربًا إلى الروحاء من
سماع الأذان حال كونه (وله) ولأبي ذر والأصيلي له (ضراط)
يشغل له نفسه (حتى) أي كي (لا يسمع التأذين) لعظم أمره لما
اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام أو حتى لا
يشهد للمؤذن بما يسمعه إذا استشهد يوم القيامة لأنه داخل
في الجن والإنس المذكورين في حديث: لا يسمع مدى صوت المؤذن
جن ولا إنس ولا شيء إلاّ شهد له يوم القيامة، ودفع بأنه
ليس أهلاً للشهادة لأنه كافر، والمراد في الحديث مؤمنو
الجن وإنما يجيء عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن
غالبها سرّ ومناجاة فله تطرق إلى إفسادها على فاعلها
وإفساد خشوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على
الإعلان به ونزول الرحمة العامة عليهم مع يأسه عن أن
يردّهم عمّا أعلنوا به ويوقن بالخيبة بما تفضل الله به
عليهم من ثواب ذلك ويذكر معصية الله ومضادّته أمره فلا
يملك الحدث لما حصل له من الخوف وقيل لأنه دعاء إلى الصلاة
التي فيها السجود الذي امتنع من فعله لما أمر به ففيه
تصميمه على مخالفة أمر الله واستمراره على معصية الله فإذا
دعا داعي الله فرّ منه وللأصيلي وله ضراط بالواو على الأصل
في الجملة الاسمية الحالية أن تكون بالواو وقد تقع بغيرها
كما في {اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ} (فإذا قضى) المنادي
(النداء) أي فرغ المؤذن من الأذان وللأصيلي وابن عساكر قضي
بضم القاف مبنيًّا للمفعول النداء بالرفع لقيامه مقام
الفاعل (أقبل) أي الشيطان زاد مسلم في رواية صالح عن أبي
هريرة فوسوس (حتى إذا ثوّب للصلاة أدبر) الشيطان بضم
المثلثة وكسر الواو المشدّدة من ثوّب أي أعيد الدعاء إليها
والمراد الإقامة لا قوله في الصبح الصلاة
(2/5)
خير من النوم لأنه خاص به ولمسلم فإذا سمع
الإقامة ذهب (حتى إذا قضى) المثوّب (التثويب) وللأصيلي
وابن عساكر حتى إذا قضي بضم
القاف التثويب بالرفع كالسابق (أقبل) أي الشيطان ساعيًا في
إبطال الصلاة على المصلّين (حتى يخطر) بفتح أوّله وكسر
الطاء كما ضبطه عياض عن المتقنين وهو الوجه أي يوسوس (بين
المرء) أي الإنسان (ونفسه) أي قلبه ولأبي ذر يخطر بضم
الطاء عن أكثر الرواة أي يدنو منه فيمر بين المرء وبين
قلبه فيشغله ويحول بينه وبين ما يريده من إقباله على صلاته
وإخلاصه فيها (يقول). أي الشيطان للمصلي (اذكر كذا، اذكر
كذا) ولكريمة اذكر كذا واذكر كذا بواو العطف وكذا مسلم
كالمؤلّف في صلاة السهو (لما) أي لشيء (لم يكن يذكر) قبل
الصلاة (حتى) أي كي (يظل الرجل) بفتح الظاء المعجمة
المشالة أي يصير وللأصيلي من غير اليونينية يضل بكسر الضاد
الساقطة أي ينسى الرجل (لا يدري كم صلّى) من الركعات ولم
يذكر في إدبار الشيطان ما ذكره في الأول من الضراط اكتفاء
بذكره فيه أو لأن الشدّة في الأوّل تأتيه غفلة فتكون أهول
وفي الحديث فضل الأذان وعظم قدره لأن الشيطان يهرب منه ولا
يهرب عند قراءة القرآن في الصلاة التي هي أفضل.
ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والإخبار والعنعنة
وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة.
5 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا
سَمْحًا، وَإِلاَّ فَاعْتَزِلْنَا.
(باب) ثواب (رفع الصوت بالنداء) أي الأذان (وقال عمر بن
عبد العزيز:) فيما وصله ابن أبي شيبة بلفظ أن مؤذنًا أذن
فطرّب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز: (أذن) بلفظ
الأمر (أذانًا سمحًا،) بسكون الميم بغير نغمات ولا تطريب
(وإلاّ فاعتزلنا) أي اترك منصب الأذان فإن قلت النهي وقع
عن التطريب فما المطابقة بينه وبين الترجمة أجيب بأن
المؤلّف أراد أنه ليس كل رفع محمودًا إلا رفعًا بهذه
المثابة غير مطرّب أو غير عالٍ فظيع.
609 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ
الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ:
«إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ،
فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ -أَوْ بَادِيَتِكَ-
فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ
بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ
الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ
شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ:
سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. [الحديث 609 - طرفاه في: 3296، 7548].
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال
(أخبرنا مالك) هو ابن أنس (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي صعصعة) بمهملات مفتوحات إلاّ العين
الأولى فساكنة عمرو بن زيد (الأنصاري ثم المازني) بالزاي
والنون (عن أبيه) عبد الله (أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري)
بالدال المهملة (قال له) أي لعبد الله بن عبد الرحمن (إني
أراك تحب الغنم و) تحب (البادية)
الصحراء التي لا عمارة فيها لأجل إصلاح الغنم بالرعي وهو
في الغالب يكون فيها (فإذا كنت في) أي بين (غنمك) في غير
بادية أو فيها (أو) في (باديتك) من غير غنم أو معها أو هو
شك من الراوي ولأبي ذر وباديتك بالواو من غير ألف (فأذنت
بالصلاة) أي أعلمت بوقتها وللأربعة للصلاة باللام بدل
الموحدة أي لأجلها (فارفع صوتك بالنداء،) أي الأذان (فإنه
لا يسمع مدى صوت المؤذن) أي غايته (جن ولا وإنس ولا شيء)
من حيوان أو جماد بأن يخلق الله تعالى له إدراكًا وهو من
عطف العامّ على الخاصّ ولأبي داود والنسائي المؤذن يغفر له
مدّ صوته ويشهد له كل رطب ويابس ولابن خزيمة لا يسمع صوته
شجر ولا مدر ولا حجر ولا جنّ ولا إنس (إلاّ شهد له) بلفظ
الماضي وللكشميهني إلا يشهد له (يوم القيامة.) وغاية الصوت
بلا ريب أخفى أن ابتدائه فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه
منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه وسمع مبادي صوته أولى
نبّه عليه القاضي البيضاوي. والسر في هذه الشهادة {وكفى
بالله شهيدًا} اشتهار المشهود له بالفضل وعلوّ الدرجة وكما
أن الله تعالى يفضح بالشهادة قومًا يكرم بها آخرين ولأحمد
من حديث أبي هريرة مرفوعًا المؤذن يغفر له مدى صوته ويصدقه
كل رطب ويابس قال الخطابي مدى الشيء غايته أي أنه يستكمل
المغفرة إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من
المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت أو لأنه كلام تمثيل
وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدّر أن
يكون بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك
المسافة غفرها الله تعالى له انتهى واستشهد المنذري للقول
الأوّل برواية مدّ صوته بتشديد الدال أي بقدر مدّ صوته
(قال أبو سعيد:) الخدري (سمعته)
(2/6)
أي قوله أنه لا يسمع إلى آخره (من رسول
الله) وللأصيلي من النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.) وحينئذ فذكر الغنم والبادية موقف وقال الجلال
المحلي أي سمعت ما قلت لك بخطاب ليس كما فهمه الماوردي
والإمام الغزالي وأورده باللفظ الدال على ذلك ليظهر
الاستدلال به على أذان المنفرد ورفع صوته به.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلا شيخ المؤلّف وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة والسماع وأخرجه المؤلّف أيضًا
في ذكر الجن والتوحيد والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
6 - باب مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ
(باب ما يحقن بالأذان من الدماء) أي يمنع بسبب الأذان من
إراقة الدماء.
610 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ
يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ
سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ
أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ. قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى
خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلاً، فَلَمَّا
أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ
خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ:
فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ
وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: مُحَمَّدٌ
وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. قَالَ فَلَمَّا
رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.
خَرِبَتْ خَيْبَرُ. إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ
قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
وبالسند قال (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثني (قتيبة)
ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر قتيبة بن سعيد (قال
حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري (عن حميد) الطويل (عن
أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط ابن مالك في رواية أبوي ذر
والوقت وابن عساكر (أن النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني
والحموي عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كان) ولأبي ذر أنه كان (إذا غزا بنا) أي مصاحبًا لنا
(قومًا لم يكن يغزو بنا) الواو بعد الزاي كذا لكريمة من
الغزو والأصل إسقاط الواو للجزم ولكنه جاء على بعض اللغات
وللمستملي من غير اليونينية يغز بنا كالسابقة إلا أنه
بإسقاط الواو على الأصل مجزومًا بدل من يكن وللأصيلي وأبي
الوقت يغير بنا بإثبات مثناة تحتية بعد الغين المعجمة ورفع
الراء من الإغارة ولأبوي الوقت وذر والمستملي يغر بنا
بإسقاط الياء والجزم من الإغارة أيضًا ولأبي الوقت أيضًا
وابن عساكر يغز بنا بضم أوّله وإسكان الغين وحذف حرف العلة
من الإغزاء ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي يغز بنا بإسكان
الغين وبالدال المهملة من غير واو من الغدوّ نقيض الرواح
(حتى يصبح وينظر،) أي ينتظر (فإن سمع أذانًا كفّ عنهم وإن
لم يسمع أذانًا أغار) بالهمزة ويقال غار ثلاثيًا أي هجم
(عليهم) من غير علم منهم (قال) أنس بن مالك (فخرجنا) من
المدينة (إلى خيبر فانتهينا إليهم) أي إلى أهل خيبر (ليلاً
فلما أصبح) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(ولم يسمع أذانًا ركب وركبت خلف أبي طلحة) زيد بن سهل وهو
زوج أم أنس (وإن قدمي لتمس) بكسر الميم من الأولى وفتحها
من الثانية (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال:) أنس (فخرجوا) أي أهل خيبر (إلينا
بمكاتلهم) بفتح الميم جمع مكتل بكسرها أي بقففهم
(ومساحيهم) جمع مسحاة أي مجازفهم التي من حديد (فلما رأوا
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا:)
وللحموي والمستملي قال أي: قائلهم جاء (محمد والله،) جاء
(محمد والخميس) بالرفع عطفًا على الفاعل أو بالنصب مفعولاً
معه وللحموي والمستملي والجيش وهما بمعنى وسمي بالخميس
لأنه قلب وميمنة وميسرة ومقدّمة وساقة (قال فلما رآهم رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: الله أكبر،
الله أكبر.) بالجزم وفي اليونينية بالرفع (خربت خيبر) قاله
عليه الصلاة والسلام بوحي أو تفاؤلاً بما في أيديهم من آلة
الهدم من المساحي وغيرها (إنّا إذا نزلنا بساحة قوم) أي
بفنائهم (فساء صباح المنذرين) بفتح الذال المعجمة أي فبئس
ما يصيحون أي بئس الصباح صباحهم واستنبط من الحديث وجوب
الأذان وأنه لا يجوز تركه لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة
فلو اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا والصحيح عندنا كالحنفية
والمالكية أنه سُنّة إلاّ أن المالكية قالوا إنه لجماعة
طلبت غيرها بخلاف الفذ والجماعة التي لا تطلب غيرها.
ومباحث بقية الحديث تأتي إن شاء الله تعالى وقد أخرج هذا
الحديث المؤلّف أيضًا في الجهاد ومسلم طرفه المتعلق
بالأذان.
7 - باب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي
(باب ما يقول) الرجل (إذا سمع المنادي) أي المؤذن.
611 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا
مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ».
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال
أخبرنا) وفي رواية حدّثنا (مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام
دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عطاء بن يزيد الليثي
عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا سمعتم
النداء) أي الأذان (فقولوا) قولاً (مثل ما يقول المؤذن).
أي مثل قول المؤذن وكذا
(2/7)
مثل قول المقيم أي إلا في الحيعلتين فيقول
بدل كل منهما لا حول ولا قوّة إلاّ بالله كما يأتي قريبًا
تقييده في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى وإلاّ في
التثويب في الصبح فيقول بدل كل من كلمتيه صدقت وبررت. قال
في الكفاية لخبر ورد فيه وإلاّ في قوله قد قامت الصلاة
فيقول أقامها الله وأدامها وإلاّ إن كان في الخلاء أو
بجامع فلا يجيب في الأذان ويكره في الصلاة فيجيب بعدها
وليس الأمر للوجوب عند الجمهور خلافًا لصاحب المحيط من
الحنفية وابن وهب من المالكية فيما حكي عنهما وعبر
بالمضارع فى قوله ما يقول دون الماضي إشارة إلى أن قول
السامع يكون عقب كل كلمة مثلها لا الكل عند فراغ الكل
ويؤيده حديث النسائي عن أم حبيبة أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا كان عندها فسمع المؤذن يقول
مثل ما يقول حتى يسكت فلو لم يجبه حتى فرغ استحب له
التدارك إن لم يطل الفصل قاله في المجموع بحثًا وهل إذا
أذن مؤذن آخر يجيبه بعد إجابة الأوّل أم لا قال النوويّ لم
أر فيه شيئًا لأصحابنا وقال في المجموع المختار أن أصل
الفضيلة في الإجابة شامل للجميع إلا أنّ الأول متأكد ويكره
تركه وقال ابن عبد السلام يجيب كل واحد بإجابة لتعدّد
السبب وإجابة الأوّل أفضل إلا في الصبح والجمعة فهما سواء
لأنهما مشروعان.
612 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى
بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ
مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ».
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا
وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ
يَحْيَى ... نَحْوَهُ. [الحديث 612 - طرفاه في: 613، 914].
وبه قال (حدّثنا معاذ بن فضالة) بضم ميم معاذ وفتح فاء
فضالة (قال حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير
(عن محمد بن إبراهيم بن الحرث) المدنيّ وعند الإسماعيلي عن
يحيى حدّثنا محمد بن إبراهيم (قال حدّثني) بالإفراد (عيسى
بن طلحة) بن عبد الله (أنه سمع معاوية) بن أبي سفيان رضي
الله عنهما يقول (يومًا) زاد في نسخة المؤذن (فقال مثله)
أي مثل قول المؤذن ولابن
عساكر وأبي الوقت بمثله بموحدة أوّله وقوله فقال مفسر
ليقول المحذوف من النسخة الأخرى (إلى قوله) أي مع قوله
(وأشهد أن محمدًا رسول الله) كذا أورده المؤلّف مختصرًا.
613 - قَالَ يَحْيَى وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا
أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا قَالَ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ
قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ.
وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ".
وبه قال (حدّثنا اسحاق بن راهويه) وسقط راهويه عند الأربعة
(قال حدّثنا وهب بن جرير قال حدّثنا هشام) الدستوائي عن
(يحيى) بن أبي كثير (نحوه) أي نحو الحديث السابق على أنه
لم يسق لفظه كله. (قال يحيى) بن أبي كثير بإسناد إسحاق بن
راهويه (وحدّثني) بالإفراد (بعض إخواننا) قال الحافظ ابن
حجر يغلب على ظني أنه علقمة بن أبي وقاص إن كان يحيى بن
أبي كثير أدركه وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو
بن علقمة وقال الكرماني هو الأوزاعي (أنه قال: لما قال)
المؤذن (حيّ على الصلاة) أي هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى
والنور عاجلاً والفوز بالنعيم آجلاً (قال:) معاوية (لا حول
ولا قوّة إلاّ بالله) ولم يذكر حيّ على الفلاح اكتفاء بذكر
أحدهما عن الآخر لظهوره ولابن خزيمة وغيره من حديث علقمة
بن أبي وقاص فقال معاوية لما قال: حيّ على الصلاة قال: لا
حول ولا قوّة إلاّ بالله فلما قال: حيّ على الفلاح قال: لا
حول ولا قوّة إلا بالله وقال بعد ذلك مثل ما قال المؤذن
(وقال:) أي معاوية وللأصيلي قال: (هكذا سمعنا نبيكم
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) ذلك وإنما لم
يجب في الحيعلتين لأن معناهما الدعاء إلى الصلاة ولا معنى
لقول السامع فيهما ذلك بل يقول فيهما الحوقلة لأنها من
كنوز الجنة فعوّضها السامع عمّا يفوته من ثواب الحيعلتين
وقال الطيبيّ في وجه المناسبة فكأنه يقول هذا أمر عظيم لا
أستطيع مع ضعفي القيام به إلاّ إذا وفّقني الله تعالى
بحوله وقوّته وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول
والسماع.
8 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ
(باب الدعاء عند) تمام (النداء).
614 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ
رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ
الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ
وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ،
حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [الحديث
614 - طرفه في: 4719].
وبالسند قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني بالإفراد
(عليّ بن عياش) بالمثناة التحتية والشين المعجمة الألهاني
بفتح الهمزة الحمصي:
(قال حدّثنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي
الحمصي (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
(من قال حين يسمع النداء:) أي تمام الأذان المطلق محمول
على الكل وليس المراد بظاهره أنه يقول ذلك حال سماع الأذان
من غير تقييده بفراغه لحديث
(2/8)
مسلم عن ابن عمر قولوا مثل ما يقول ثم صلوا
عليّ فبين أن محله بعد الفراغ (اللهم رب هذه الدعوة) بفتح
الدال أي ألفاظ الأذان (التّامة) التي لا يدخلها تغيير ولا
تبديل بل هي باقية إلى يوم النشور أو لجمعها العقائد
بتمامها (والصلاة القائمة) الباقية قال الطيبي من قوله في
أوّله إلى محمد رسول الله الدعوة التامة والحيعلة هي
الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة (آتِ) بالمد أي أعط
(محمدًا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الوسيلة)
المنزلة العلية في الجنة التي لا تبتغى إلا له (والفضيلة)
المرتبة الزائدة على سائر المخلوقين (وابعثه) عليه الصلاة
والسلام (مقامًا محمودًا) يحمد فيه الأوّلون والآخرون
(الذي وعدته).
بقولك سبحانك {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} وهو مقام
الشفاعة العظمى وانتصاب مقامًا على أنه مفعول به على تضمين
بعث معنى أعطى ونكرة للتفخيم كأنه قال مقامًا وأيّ مقام
وللنسائي في هذه الرواية من رواية علي بن عياش المقام
المحمود بالتعريف والموصول بدل من النكرة أو صفة لها على
رأي الأخفش والقائل بجواز وصفها به إذا تخصصت أو مرفوع خبر
مبتدأ محذوف وللكشميهني مما ليس في الفرع وأصله الذي وعدته
{إنك لا تخلف الميعاد} (حلت) أي وجبت (له شفاعتي) أي
المناسبة له كشفاعته في المذنبين أو في إدخال الجنة من غير
حساب أو رفع الدرجات (يوم القيامة) وفي هذا الحديث التحديث
والعنعنة والقول وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وأبو
داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
9 - باب الاِسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ
فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ.
(باب الاستهام) أي الاقتراع بالسهام التي يكتب عليها
الأسماء فمن خرج له سهم جاء حظه (في) منصب (الأذان ويذكر)
بضم أوّله مما وصله سيف بن عمر في الفتوح والطبراني من
طريقه عنه عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق وهو أبو وائل (أن
أقوامًا) وللأصيلي وأبي ذر أن قومًا (اختلفوا في) منصب
(الأذان) عند رجوعهم من فتح القادسية وقد أصيب المؤذن
(فأقرع بينهم سعد) بن أبي وقاص بعد أن اختصموا إليه إذ كان
أميرًا على الناس من قبل عمر بن الخطاب رضى الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد فخرجت القرعة لرجل منهم
فأذن.
615 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ
يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ
الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا
عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي
التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ
مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ
حَبْوًا». [الحديث 615 - أطرافه في: 654، 721، 2689].
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال
أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن سمي) بضم أوّله وتشديد
المثناة التحتية آخره (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن
الحرث بن هشام القرشيّ (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي
هريرة) رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لو يعلم الناس ما في النداء) أي
الأذان (و) لو يعلم الناس ما في (الصف الأوّل) الذي يلي
الإمام أي من الخير والبركة كما في رواية أبي الشيخ (ثم لم
يجدوا) شيئًا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ولأبي ذر
والأصيلي ثم لا يجدون (إلا أن يستهموا) أي يقترعوا (عليه)
على ما ذكر من الأذان والصف الأوّل (لاستهموا) أي لاقترعوا
عليه ولعبد الرزاق عن مالك لاستهموا عليهما وهو يبين أن
المراد بقوله هنا عليه عائد على الاثنين وعدل في قوله لو
يعلم الناس عن الأصل وهو كون شرطها فعلاً ماضيًا إلى
المضارع قصد الاستحضار صورة المتعلق بهذا الأمر العجيب
الذي يفضي الحرص على تحصيله إلى الاستهام عليه (ولو يعلمون
ما في التهجير) أي (التبكير إلى الصلوات لاستبقوا إليه) أي
إلى التهجير (ولو يعلمون ما في) ثواب أداء (صلاة العتمة)
أي العشاء في الجماعة (و) ثواب أداء صلاة (الصبح) في
الجماعة (لأتوهما ولو حبوًا). بفتح الحاء المهملة وسكون
الموحدة أي مشيًا على اليدين والركبتين أو على مقعدته وحثّ
عليهما لما فيهما من المشقة على النفوس وتسمية العشاء عتمة
إشارة إلى أن النهي الوارد فيه ليس للتحريم بل لكراهة
التنزيه.
ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الشهادات ومسلم
والنسائي والترمذي.
10 - باب الْكَلاَمِ فِي الأَذَانِ
وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهْوَ
يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ.
(باب) جواز (الكلام في) أثناء (الأذان) بغير ألفاظه (وتكلم
سليمان بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء وفي آخره دال
مهملة ابن أبي الجون الخزاعي الصحابي (في أذانه) كما وصله
المؤلّف في تاريخه عن أبي نعيم مما
(2/9)
وصله في كتاب الصلاة بإسناد صحيح بلفظ أنه
كان يؤذن في العسكر فيأمر بالحاجة في أذانه (وقال الحسن)
البصري (لا بأس أن يضحك) المؤذن (وهو يؤذن أو يقيم).
616 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ
وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ
قَالَ: "خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ،
فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ
فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ،
فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ:
فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. وَإِنَّهَا
عَزْمَةٌ". [الحديث 616 - طرفاه 668، 901].
وبالسند قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال حدّثنا حماد)
هو ابن يزيد (عن أيوب) السختياني (وعبد الحميد) بن دينار
(صاحب الزيادي وعاصم) أي ابن سليمان (الأحول) ثلاثتهم (عن
عبد الله بن الحارث) البصري ابن عمّ محمد بن سيرين (قال:
خطبنا ابن عباس) رضي الله عنهما يوم جمعة كما لابن علية
(في يوم ردغ.) بالإضافة وفتح الراء وسكون الدال المهملة
وبالغين المعجمة كذا للكشميهني وأبي الوقت وابن السكن أي
يوم ذي طين قليل من مطر ونحوه أو وحل وفي الفرع بتنوين يوم
للقابسي والأكثرين رزغ بزاي موضع الدال أي غيم بارد أو ماء
قليل في الثماد (فلما بلغ المؤذن) إلى أن يقول (حي على
الصلاة) أو أراد أن يقولها (فأمره) ابن عباس (أن ينادي:
الصلاة في الرحال،) بدلها بنصب الصلاة بتقدير صلوا أو
أدّوا ويجوز الرفع على الابتداء والرحال بالحاء المهملة
جمع رحل وهو مسكن الشخص وما فيه أثاثه أي صلوا في منازلكم
ولابن علية إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل حيّ
على الصلاة وفي حديث ابن عمر أنه قالها آخر ندائه والأمران
جائزان نص عليهما الشافعي في الأم لكن بعده أحسن لئلا
ينخرم نظام الأذان لعبد الرزاق بإسناد صحيح عن نعيم بن
النحام قال أذن مؤذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- للصبح في ليلة باردة فتمنيت لو قال ومن قعد فلا
حرج فلما قال: الصلاة خير من النوم قالها ففيه الجمع بين
الحيعلتين وقوله الصلاة في الرحال (فنظر القوم بعضهم إلى
بعض) كأنهم أنكروا تغير الأذان وتبديل الحيعلتين بذلك
(فقال:) ابن عباس (فعل هذا) الذي أمرته به (من هو خير منه)
أي الذي هو خير من ابن عباس وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولابن عساكر مني وللكشميهني منهم أي
من المؤذن والقوم (وإنها) أي الجمعة فإن قلت لم يسبق ما
يدل على أنها الجمعة أجيب بأنه ليس من شروط معاد الضمير أن
يكون مذكورًا بالضمير على أن قوله خطبنا يدل عليه مع ما
وقع من التصريح في رواية ابن علية ولفظه أن الجمعة (عزمة.)
بسكون الزاي أي واجبة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين
فإن قلت ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة أجيب بأنه
لما جازت الزيادة المذكورة في الأذان للحاجة إليها دل على
جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه
لكن نازع في ذلك الداودي بأنه لا حجة فيه على جواز الكلام
في الأذان بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك
المحل وقد رخص أحمد الكلام في أثنائه وهو قول عندنا في
الطويل لكن قيده في المجموع بما لم يفحش بحيث لا يعد
أذانًا ولا يضر اليسير جزمًا ورجح المالكية المنع مطلقًا
لكن إن حصل مهمّ ألجأه إلى الكلام ففي الواضحة يتكلم وفي
المجموعة عن ابن القاسم نحوه وقال الحنفية فيما نقله
العينيّ أنه خلاف الأولى.
ورواة هذا الحديث السبعة بصريون وفيه التحديث والعنعنة
والقول وثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وأخرجه أيضًا
في الصلاة والجمعة ومسلم وأبو داود وابن ماجة في الصلاة.
11 - باب أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ
يُخْبِرُهُ
(باب) جواز (أذان الأعمى إذا كان له من يخبره) بدخول
الوقت.
617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً
يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ». ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ
رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ:
أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. [الحديث 617 - أطرافه في: 620،
623، 1918، 2656، 7248].
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح اللام
القعنبى (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن
الخطاب (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: قال) (إن بلالاً يؤذن) للصبح (بليل) أي في ليل
(فكلوا واشربوا حتى) أي إلى أن (ينادي) أي يؤذن (ابن أم
مكتوم) عمرو أو عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي وأم مكتوم
اسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية (قال) ولغير الأربعة
ثم قال أي ابن عمر أو ابن شهاب (وكان) أي ابن أم مكتوم
(رجلاً أعمى) عمي بعد بدر بسنتين أو ولد أعمى فكنيت أمه أم
مكتوم لاكتتام نور بصره الأوّل هو المشهور (لا ينادي) أي
لا يؤذن (حتى يقال له: أصبحت أصبحت.) بالتكرار للتأكيد وهي
تامة
(2/10)
تستغني بمرفوعها والمعنى قاربت الصبح على
حد قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} أي آخر عدّتهن والأجل
يطلق للمدة ولمنتهاها، والبلوغ هو الوصول إلى الشيء وقد
يقال: للدنوّ منه وهو المراد في الآية ليصح أن يترتب عليه
قوله {فأمسكوهن بمعروف} إذ لا إمساك بعد انقضاء الأجل
وحينئذٍ فليس المراد من الحديث ظاهره وهو الإعلام بظهور
الفجر بل التحذير من طلوعه والتحضيض له على النداء خيفة
ظهوره وإلا لزِم جواز الأكل بعد طلوع الفجر لأنه جعل أذانه
غاية للأكل نعم يعكر عليه قوله أن بلالاً يؤذن بليل فإن
فيه إشعارًا بأن ابن أم مكتوم بخلافه وأيضًا وقع عند
المؤلّف في الصيام من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع
الفجر وأجيب بأن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل وكأنه كان
له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنًا لابتداء طلوع
الفجر وفي هذا الحديث مشروعية الأذان قبل الوقت في الصبح
وهل يكتفي به عن الأذان بعد الفجر أم لا ذهب إلى الأوّل
الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وروى الشافعي في القديم عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عجلوا الأذان بالصبح
يدلج المدلج وتخرج العاهرة وصحّح في الروضة أن وقته من
أوّل نصف الليل الآخر لأن صلاته تدرك الناس وهم نيام
فيحتاجون إلى التأهّب لها وهذا مذهب أبي يوسف وابن حبيب من
المالكية لكن يعكر على هذا قول القاسم بن محمد المروي عند
المؤلّف في الصيام لم يكن بين أذانهما أي بلال وابن أم
مكتوم إلاّ أن يرقى ذا وينزل ذا وهو مروي عند النسائي من
قوله في روايته عن عائشة وهو ينفي كونه مرسلاً ويقيد إطلاق
قوله إن بلالاً يؤذن بليل ومن ثم اختاره السبكي في شرح
المنهاج وحكي تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي قال وقطع به
البغوي وهو أن الوقت الذي يؤذن فيه قبل الفجر هو وقت السحر
وهو كما قال في القاموس قبيل الصبح، وقال الإمام أبو حنيفة
ومحمد لا يجوز تقديمه على الفجر وإن قدم يعاد في الوقت
لأنه عليه الصلاة والسلام قال لمن أذن قبل الوقت لا تؤذن
حتى ترى
الفجر والمشهور عند المالكية جوازه من السدس الأخير من
الليل ونقل الماوردي أنه يؤذن لها إذا صليت العشاء وبقية
مباحث الحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
12 - باب الأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ
(باب الأذان بعد) طلوع (الفجر).
618 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ قَالَ: "أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا
اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ
الصَّلاَةُ". [الحديث 618 - طرفاه في: 1173، 1181].
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال
(أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن
عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: أخبرتني
حفصة) أم المؤمنين (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان إذا اعتكف المؤذن للصبح) أي جلس ينتظر
الصبح لكي يؤذن أو انتصب قائمًا للأذان كأنه من ملازمة
مراقبة الفجر وهذا رواية الأصيلي والقابسي وأبي ذر فيما
نقل عن ابن قرقول وهي التي نقلها جمهور رواة البخاري عنه
ورواية عبد الله بن يوسف عن مالك أيضًا خلافًا لسائر رواة
الموطأ حيث رووه بلفظ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة
الصبح قال الحافظ ابن حجر: وهو الصواب، ولأبي الوقت
والأصيلي إذا اعتكف وأذن بواو العطف على سابقه والضمير هنا
في اعتكف عائد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- واستشكل لأنه يلزم منه أن يكون صنعه لذلك
مختصًّا بحال اعتكافه وليس كذلك وأجيب بمنع الملازمة
لاحتمال أن حفصة راوية الحديث شاهدته عليه الصلاة والسلام
في ذلك الوقت معتكفًا ولا يلزم منه مداومته ولابن عساكر
إذا اعتكف أذّن بإسقاط الواو ولأبي ذر وعزاها العيني كابن
حجر للهمداني كان إذا أذن بدل قوله: اعتكف (وبدا) بالموحدة
من غير همز ظهر (الصبح) والواو للحال (صلّى) عليه الصلاة
والسلام (ركعتين خفيفتين) سنة الصبح (قبل أن تقام الصلاة)
بضم المثناة الفوقية من تقام أي قيام صلاة فرض الصبح وجواب
إذا قوله صلّى ركعتين.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلاّ عبد الله بن يوسف فيه
التحديث والإخبار والعنعنه وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
وابن ماجة.
619 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ
النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ".
[الحديث 619 - طرفه في: 1159].
وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن
(2/11)
دكين (قال حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن
التميمي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بفتح اللام
عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة:) رضي الله عنها
(كان) وللأصيلي وأبي الوقت قالت كان ولابن عساكر أنها
قالت: كان (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يصلّي ركعتين
خفيفتين) سُنّة الصبح (بين النداء) أي الأذان (والإقامة من
صلاة) فرض (الصبح) ومطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق
الإشارة لأن صلاته عليه الصلاة والسلام هاتين الركعتين بين
الأذان والإقامة تدل على أنه صلاهما بعد طلوع الفجر وأن
النداء كان بعد طلوع الفجر قال ابن المنير: وأخرج الحديث
مسلم أيضًا.
620 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً
يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ
ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال أخبرنا)
وللأصيلي حدّثنا (مالك) هو ابن أنس (عن عبد الله بن دينار
عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن بلالاً
ينادي) وللأصيلي يؤذن (بليل) أي فيه (فكلوا واشربوا حتى)
أي إلى أن (ينادي) يؤذن (ابن أم مكتوم) الأعمى المذكور في
سورة عبس واستخلفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثلاث عشرة مرة. وفي حديث ابن قرة عن ابن عمر أن
ابن أم مكتوم كان يتوخى الفجر فلا يخطئه. فإن قلت: لا
مطابقة بين الترجمة والحديث إذ لو كان أذانه بعد الفجر لما
جاز الأكل إلى أذانه. أجيب: بأن أذانه كان علامة على أن
الأكل صار حرامًا وقد مرّ قريبًا نحوه ووقع في صحيح ابن
خزيمة إذا أذّن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذّن
بلال فلا يطعمنّ أحد وهو يخالف حديث الباب وجمع بينهما ابن
خزيمة كما نبّه عليه في الفتح باحتمال أن الأذان كان نوبًا
بينهما أو كان لهما حالتان مختلفتان فكان بلال يؤذن أول ما
شرع الأذان وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر ثم أردف
بابن أم مكتوم فكان
يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى ثم في آخر الأمر
أخّر ابن أم مكتوم لضعفه واستمر أذان بلال بليل وكان سبب
ذلك ما رواه أبو داود وغيره أنه كان ربما أخطأ الفجر فأذن
قبل طلوعه وأنه أخطأ مرة فأمره عليه الصلاة والسلام أن
يرجع فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبة النوم على عينيه
منعته من تبيّن الفجر واستنبط من حديث الباب استحباب أذان
واحد بعد واحد وجواز ذكر الرجل بما فيه من عاهة إذا كان
القصد التعريف ونحوه وغير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى
في محاله.
13 - باب الأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ
(باب) حكم (الأذان قبل الفجر) هل هو مشروع أم لا وهل يكتفى
به عن الذي بعد الفجر أم لا؟
621 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ -أَوْ
أَحَدًا مِنْكُمْ- أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ،
فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ يُنَادِي- بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ
قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ. وَلَيْسَ أَنْ
يَقُولَ الْفَجْرُ أَوِ
الصُّبْحُ -وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى
فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ- حَتَّى يَقُولَ
هَكَذَا". وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا
فَوْقَ الأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ
وَشِمَالِهِ. [الحديث 621 - طرفاه في: 5298، 7247].
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجدّه لشهرته به
واسم أبيه عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس التميمي
اليربوعي الكوفي وصفه أحمد بشيخ الإسلام (قال حدّثنا زهير)
هو ابن معاوية الجعفي (قال حدّثنا سليمان) بن طرخان
(التميمي) البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن (النهدي) بفتح
النون (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يمنعن
أحدكم) نصب على المفعولية لأذان الآتي (أو) قال (أحدًا
منكم أذان بلال من) أكل (سحوره) بفتح السين ما يتسحر به
وبضمها الفعل كالوضوءِ والوضوء وللحموي من سحره كما في
الفرع وأصله ولم يذكرها الحافظ ابن حجر وقال العيني لا
أعلم صحتها (فإنه) أي بلالاً (يؤذن - أو) قال - (ينادي-
بليل)، أي فيه (ليرجع) بفتح المثناة التحتية وكسر الجيم
المخففة مضارع رجع المتعدي إلى واحد كقوله تعالى: (فإن
رجعك الله) أي ليردّ (قائمكم) المتهجد المجتهد لينام لحظة
ليصبح نشيطًا أو يتسحر إن أراد الصيام (ولينبّه) يوقظ
(نائمكم) ليتأهب للصلاة بالغسل ونحوه وبه قال أبو حنيفة
ومحمد قالا: ولا بدّ من أذان آخر للصلاة لأن الأول ليس لها
بل لا ذكر واحتج بعضهم لذلك أيضًا بأن أذان بلال كان نداء
كما في الحديث أو ينادي لا أذانًا. وأجيب بأن للخصم أن
يقول هو أذان قبل الصبح أقره الشارع وأما كونه للصلاة أو
لفرض آخر فذلك بحث آخر وأما رواية ينادي فمعارضة برواية
يؤذن والترجيح معنىً لأن كل أذان نداء ولا عكس فالعمل
برواية
(2/12)
يؤذن عمل بالروايتين وجمع بين الدليلين وهو
أولى من العكس إذ ليس كذلك لا يقال إن النداء قبل الفجر لم
يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرًا كما يقع للناس اليوم
لأنا نقول إن هذا محدث قطعًا وقد تظاهرت الطرق على التعبير
بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرير مقدم (وليس) أي قال
عليه الصلاة والسلام وليس في رواية فليس (أن يقول) أي يظهر
(الفجر أو الصبح) شك من الراوي والفجر اسم ليس وخبره أن
يقول (وقال) أي أشار عليه الصلاة والسلام (بأصابعه ورفعها)
ولأبي ذر ورفعهما وفيه إطلاق القول على الفعل فيهما وفي
بعض الأصول بإصبعه بالإفراد وللكشميهني من غير اليونينية
بإصبعيه ورفعهما (إلى فوق) بالضم على البناء (وطأطأ) بوزن
دحرج أي خفض أصبعيه (إلى أسفل) بضم اللام في اليونينية لا
غير كفوق وقال أبو ذر إلى فوق بالجرّ والتنوين لأنه ظرف
متصرف وبالضم على البناء وقطعه عن الإضافة قال في المصابيح
ظاهره أن قطعه عن الإضافة مختص بحالة البناء على الضم دون
حالة تنوينه وهو أمر قد ذهب إليه بعضهم ففرق بين جئت قبلاً
وجئت من قبل بأنه أعرب الأول لعدم تضمين الإضافة ومعناه
جئت متقدمًا وبنى الثاني لتضمنها ومعناه جئت متقدمًا على
كذا والذي اختاره بعض المحققين أن التنوين عوض عن المضاف
إليه وأنه لا فرق في المعنى بين ما أعرب من هذه الظروف
المقطوعة وما بني منها قال وهو الحق انتهى. فأشار عليه
الصلاة والسلام إلى الفجر الكاذب المسمى عند
العرب بذنب السرحان وهو الضوء المستطيل من العلو إلى السفل
وهو من الليل فلا يدخل به وقت الصبح ويجوز فيه التسحر
وأشار إلى الصادق بقوله (حتى يقول) أي يظهر الفجر (هكذا.
وقال زهير) الجعفي في تفسير معنى هكذا أي أشار (بسبابتيه)
اللتين تليان الإبهام سميتا بذلك لأنهما يشار بهما عند
السب (إحداهما فوق الأخرى، ثم مدّهما) كذا للأربعة
بالتثنية ولغيرهم مدها (عن يمينه وشماله) كأنه جمع بين
أصبعيه ثم فرّقهما ليحكي صفة الفجر الصادف لأنه يطلع
معترضًا ثم يعمّ الأفق ذاهبًا يمينًا وشمالاً.
ورواة هذا الحديث الخمسة أولهم كوفيان والآخران بصريان
وفيه التحديث والقول والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي
سليمان وأبو عثمان وأخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق وفي خبر
الواحد ومسلم وأبو داود والنسائي في الصوم وابن ماجة في
الصلاة.
622 و623 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
أُسَامَةَ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ. ح.
وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ
بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ
أُمِّ مَكْتُومٍ». [الحديث 622 - أطرافه في: 1919].
وبه قال (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثني (إسحاق) بن
إبراهيم بن راهويه الحنظلي كما جزم به المزي فيما حكاه
الحافظ ابن حجر وارتضاه أو هو إسحاق بن منصور الكوسج أو
إسحاق بن نصر السعدي وكل ثقة على شرط المؤلّف فلا قدح في
ذلك (قال أخبرنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال عبيد الله)
بضم العين وفتح الموحدة ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن
الخطاب العمري المدني (حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا أي قال أبو
أسامة حدّثنا عبيد الله (عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي
بكر الصديق (عن) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (وعن
نافع) مولى ابن عمر عطف على عن القاسم (عن ابن عمر) بن
الخطاب (أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ح) للتحويل وكشطت من الفرع وليست
في اليونينية قال المؤلّف:
(وحدّثني) بالإفراد (يوسف بن عيسى المروزي) وسقط المروزي
عند الأربعة (قال حدّثنا الفضل) ولأبي ذر الفضل بن موسى
وللأصيلي يعني ابن موسى (قال حدّثنا عبيد الله بن عمر)
العمري (عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق (عن
عائشة) رضي الله عنهم (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه) سقط أنه للأصيلي (قال):
(إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى) أي إلى أن (يؤذن)
وللكشميهني حتى ينادي (ابن أم مكتوم) هو ابن خال خديجة بنت
خويلد وزاد المؤلّف في الصيام، فإنه لا يؤذن حتى يطلع
الفجر.
قال القاسم: لم يكن بين أذانهما إلاّ أن يرقى ذا وينزل ذا.
14 - باب كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ
يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ؟
(باب) بالتنوين كذا
(2/13)
في الفرع وأصله لكن قال في الفتح في
روايتنا بلا تنوين، في بيان (كم) ساعة أو صلاة أو نحوهما
(بين الأذان والإقامة) للصلاة (و) حكم (من ينتظر إقامة
الصلاة).
ونسبت هذه الجملة الأخيرة من قوله من ينتظر إلى آخرها
للكشميهني، وصوّب عدمها لأنها لفظ ترجمة تالية لهذه، ولذا
ضرب عليها في فرع اليونينية.
624 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلاَةٌ -ثَلاَثًا- لِمَنْ شَاءَ». [الحديث 624 - طرفه في:
627].
وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين (الواسطي قال:
حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن الجريري) بضم
الجيم وراءين مصغر، سعيد بن إياس (عن ابن بريدة) بضم
الموحدة وفتح الراء، عبد الله بن حصيب الأسلمي قاضي مرو
(عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة
وتشديد الفاء المفتوحة (المزني) رضي الله عنه (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بين كل أذانين) أي الأذان والإقامة فهو من باب التغليب أو
الإقامة أذان بجامع الإعلام فالأول للوقت والثاني للفعل
(صلاة) وقت صلاة نافلة أو المراد الراتبة بين الأذان
والإقامة قبل الفرض قال ذلك أي بين كل أذانين صلاة
(ثلاثًا- لمن شاء).
وللترمذي والحاكم بإسناد ضعيف من حديث جابر أنه قال لبلال:
اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب
من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته.
ورواة حديث الباب الخمسة ما بين واسطي وبصري، وفيه التحديث
والعنعنة والقول.
وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة.
625 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ
قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى
يَخْرُجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ
وَالإِقَامَةِ شَىْءٌ". قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ
وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ "لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا
إِلاَّ قَلِيلٌ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة
المشدّدة (قال: حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة محمد بن
جعفر ابن زوج شعبة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:
سمعت عمرو بن عامر) بفتح العين فيهما (الأنصاري عن أنس بن
مالك) رضي الله عنه (قال: كان المؤذن إذا أذّن) للمغرب،
وللإسماعيلي: إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب (قام ناس من)
كبار (أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يبتدرون السواري) يتسارعون ويستبقون إليها للاستتار بها
ممّن يمرّ بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى (حتى يخرج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته إليهم (وهم)
بالميم ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: وهي (كذلك) أي في
الابتدار والانتظار (يصلون الركعتين) ولابن عساكر: ركعتين
(قبل المغرب). قال أنس: (ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء)
كثير لا يقال: إن بين هذا الأثر وكلام الرسول عليه الصلاة
والسلام بين كل أذانين صلاة معارضة، لأن أثر أنس نافٍ،
وقول الرسول مثبت، أو الأثر مخصص لعموم الحديث السابق، أي:
بين كل أذانين صلاة إلا المغرب، فإنهم لم يكونوا يصلون
بينهما، بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان،
ويفرغون مع فراغه، وتعقب بأنه ليس في الحديث ما يقتضي أنهم
يفرغون مع فراغه، ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين واسطي ومدني وبصري وفيه
التحديث والإخبار والسماع والعنعنة والقول.
وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا النسائي (قال) ولابن
عساكر: قال أبو عبد الله أي البخاري (قال عثمان بن جبلة)
بجيم وموحدة ولام مفتوحات ابن أبي روّاد ابن أخي عبد
العزيز بن أبي روّاد (وأبو داود) قال الحافظ ابن حجر هو
الطيالسي فيما يظهر لي وليس هو الحفري بفتح المهملة والفاء
(عن شعبة لم يكن بينهما) أي بين الأذان والإقامة للمغرب
(إلا قليل) فيه تقييد الإطلاق السابق في قوله: لم يكن
بينهما شيء أو الشيء المنفي في السابق الكثير كما مرّ،
والمثبت هنا القليل، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل، وقد
وقع الاختلاف في صلاة الركعتين قبل المغرب.
والذي رجحه النووي الاستحباب. وقال مالك بعدمه، وعن أحمد
الجواز، وقال الحنفية: يفصل بين أذانيها بأدنى فصل، وهو
سكتة لأن تأخيرها مكروه، وقدر زمن السكتة بثلاث خطوات.
كذا عند إمامهم الأعظم، وعن صاحبيه بجلسة خفيفة كالتي بين
الخطبتين. وتأتي بقية مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في
التطوع.
(2/14)
15 - باب مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ
(باب من انتظر الإقامة) للصلاة بعد أن سمع الأذان.
626 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَكَتَ
الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ قَامَ
فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ
الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ
اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ
الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ". [الحديث 626 - أطرافه في:
994، 1123، 1160، 1170، 6310].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال
أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد
ولأبي ذر أخبرنا (عروة بن الزبير) بن العوام (أن) أم
المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت: كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سكت المؤذن)
بالمثناة الفوقية (بـ) بالمناداة (الأولى من صلاة الفجر)
أي فرغ منها بالسكوت، وأوليتها باعتبار الإقامة، وأما
باعتبار التي قبل الفجر فثانية، ويحتمل أن يكون التأنيث
باعتبار تأويله بالمرّة أو الساعة أو لمؤاخاة الأذان
للإقامة، وحكى السفاقسي أنه روي: سكب بالموحدة، وأصله من
سكب الماء، وهو صبه أي صبّ الأذان وأفرغه في الأذان وجزم
به الصغاني، وبه ضبط نسخته التي قال إنه قابلها على نسخة
الفربري، وادّعى أن المثناة تصحيف من المحدّثين، قال
الحافظ ابن حجر: وليس كما قال، ولم يثبت ذلك في شيء من
الطرق، وإنما ذكرها الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري
فقال: إن سويد بن نصر راويها عن ابن المبارك عنه، ضبطها
بالموحدة، وتعقب العيني ابن حجر بأنه لم يبين وجه الردّ
قال: وليس الصغاني ممن يردّ عليه في مثل هذا، انتهى.
قلت: قال الدماميني: الرواية بالمثناة صحيحة، وهي بينة
الصواب.
والباء التي في بالأولى بمعنى "عن مثل" فاسأل به خبيرًا،
فلا وجه لنسبة المحدثين إلى التصحيف انتهى.
وقال ابن بطال والسفاقسي: ولها أي سكب بالموحدة وجه من
الصواب. قال العيني: بل هي عين الصواب لأن سكت بالمثناة
الفوقية لا تستعمل بالموحدة، بل تستعمل بكلمة "من" أو
"عن"، وسكب بالموحدة استعمل هنا بالباء، ثم أجاب عن مجيء
الباء بمعنى "عن" بأن الأصل أن يستعمل كل حرف في بابه، ولا
يستعمل في غير بابه إلا لنكتة، وأي نكتة هنا؟ انتهى.
وجواب إذا قوله (قام) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فركع) ولأبي الوقت يركع (ركعتين خفيفتين قبل
صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر) بموحدة وآخره نون من
الاستبانة، وللكشميهني يستنير بنون وآخره راء من
الاستنارة، (ثم اضطجع) عليه الصلاة والسلام في بيته (على
شقه) أي جنبه (الأيمن) جريًا على عادته الشريفة في حبه
التيامن في شأنه كله، أو للتشريع، لأن النوم على الأيسر
يستلزم استغراق النوم في غيره عليه الصلاة والسلام بخلافه
هو، لأن عينه تنام ولا ينام قلبه، فعلى الأيمن أسرع
للانتباه بالنسبة لنا، وهو نوم الصالحين. وعلى اليسار نوم
الحكماء، وعلى الظهر نوم الجبارين والمتكبرين، وعلى الوجه
نوم الكفار. (حتى يأتيه المؤذن للإقامة) استدل به على الحض
على الاستباق
إلى المسجد، وهو لمن كان على مسافة من المسجد لا يسمع فيها
الإقامة، وأما من كان يسمع الأذان من داره، فانتظاره
الصلاة، إذا كان متهيئًا لها، كانتظاره إياها في المسجد.
قاله ابن بطال.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة والقول.
وأخرجه النسائي في الصلاة.
16 - باب بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ
هذا (باب) بالتنوين (بين كل أذانين) الأذان والإقامة فهو
على حدّ قولهم: العمرين للصدّيق والفاروق، (صلاة لمن شاء)
أن يصلّي. والحديث الذي يسوقه المؤلّف هو السابق لكنه ترجم
أولاً لبعض ما دل عليه، وهنا بلفظه مع ما فيه من بعض
الاختلاف في رواته ومتنه كما ستراه إن شاء الله تعالى،
وحينئذٍ فلا تكرار.
627 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ:
حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ
كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ -ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ-
لِمَنْ شَاءَ».
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يزيد) المقري البصري ثم
المكي (قال: حدّثنا) وفي رواية أخبرنا (كهمس بن الحسن)
بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة وفتح
الحاء عن أبيه النمري بفتح النون والميم القيسي (عن عبد
الله بن بريدة) بضم الموحدة آخره هاء تأنيث (عن عبد الله
بن مغفل) بفتح الغين المعجمة والفاء المشددة رضي الله عنه
(قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة) بالتكرار مرتين.
ولفظ رواية الأصيلي: بين كل أذانين صلاة مرتين (ثم قال في)
المرة (التالية- (لمن شاء)) قيد الثالثة
(2/15)
هنا بقوله: لمن شاء، وأطلق في المرتين
الأوليين، وقال في السابقة: بين كل أذانين صلاة، ثلاثًا،
فأطلق. فالذي هنا قيد الإطلاق الذي هنا لأن المطلق يحمل
على المقيد وزيادة الثقة مقبولة.
17 - باب مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ
وَاحِدٌ
(باب من قال ليؤذن) بالجزم بلام الأمر (في السفر مؤذن
واحد) أذانًا واحدًا في الصبح وغيرها، وكان ابن عمر يؤذن
للصبح أذانين في السفر، رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، ولا
مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضًا كذلك،
والتأذين جماعة أحدثه بنو أمية.
628 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ
بْنِ الْحُوَيْرِثِ "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا
عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا.
فَلَمَّا
رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: ارْجِعُوا
فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا، فَإِذَا
حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ،
وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». [الحديث 628 - أطرافه في:
630، 631، 658، 685، 819، 2848، 6008، 7246].
وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين
المهملة واللام المشدّدة البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم
الواو مصغر، ابن خالد البصري الكرابيسي (عن أيوب)
السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد (عن
مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة
مصغرًا، ابن أشيم الليثي رضي الله عنه (أتيت النبي)
وللأصيلى وابن عساكر قال: أتيت النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى نفر) بفتح الفاء عدة رجال من ثلاثة
إلى عشرة (من قومي) بني ليث بن بكر بن عبد مناف، وكان
قدومهم فيما ذكره ابن سعد والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يتجهز لتبوك، (فأقمنا عنده) عليه الصلاة
والسلام (عشرين ليلة) بأيامها (وكان) عليه الصلاة والسلام
(رحيمًا) بالمؤمنين (رفيقًا) بهم بفاء ثم قاف، من الرفق،
وللكشميهني والأصيلي وابن عساكر: رقيقًا بقافين من الرقة،
(فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (شوقنا إلى أهالينا)
بالألف بعد الهاء جمع أهل.
قال في القاموس: أهل جمعه أهلون. وأهال وأهلات انتهى.
فأهال جمع تكسير، وأهلون جمع تصحيح بالواو والنون، وأهلات
جمع بالألف والتاء فهو من النوادر حيث جمع كذلك.
وللأربعة: إلى أهلينا (قال) عليه الصلاة والسلام: (ارجعوا)
إلى أهليكم (فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا) في سفركم وحضركم
كما رأيتموني أصلي (فأحضرت الصلاة) المكتوبة، أي حان
وقتها، أي في السفر (فليؤذن لكم أحدكم) ظاهره أن ذلك بعد
وصولهم إلى أهليهم، لكن الرواية الآتية: إذا أنتما خرجتما
فأذّنا، (وليؤمكم أكبركم) في السن.
وإنما قدّمه وإن كان الأفقه مقدمًا عليه، لأنهم استووا في
الفضل، لأنهم مكثوا عنده عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه
عادة، فلم يبق ما يقدم به السن. واستدل به على أفضلية
الإمامة على الأذان، وعلى وجوب الأذان. لكن الإجماع صارف
للأمر عن الوجوب.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه رواية تابعي عن
تابعي على قول من يقول: إن أيوب رأى أنس بن مالك، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة
والأدب والجهاد، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة.
18 - باب الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِين إِذَا كَانُوا
جَمَاعَةً وَالإِقَامَةِ، وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ
وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: "الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ" فِي
اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ.
(باب) حكم (الأذان للمسافر) بالإفراد، والألف واللام
للجنس، وحينئذ فيطابق قوله (إذا كانوا جماعة) وللكشميهني
للمسافرين بالجمع (والإقامة) بالجر عطفًا على الأذان
(وكذلك) الأذان
(بعرفة) مكان الوقوف (وجمع) بفتح الجيم وسكون الميم، وهو
المزدلفة وسمي لاجتماع الناس فيها ليلة العيد (وقول
المؤذّن) بالجر أيضًا، عطفًا على الإقامة، (الصلاة) أي
أدّوها، أو بالرفع مبتدأ خبره (في الرجال) أي الصلاة تصلّى
في الرجال، وجمع رحل بسكون الحاء المهملة (في الليلة
الباردة أو) الليلة (المطيرة) بفتح الميم: فعيلة من المطر،
أي فيها. وإسناد المطر إلى الليلة مجاز.
629 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "كُنَّا
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ
لَهُ: أَبْرِدْ.
ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ.
ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ،
حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ شِدَّةَ
الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي
القصاب البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المهاجر
أبي الحسن) التميمي مولاهم الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني
أبي سليمان الكوفي المخضرم (عن أبي ذر) بالمعجمة جندب بن
جنادة الغفاري المتوفى سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان
رضي الله عنهما (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له)
عليه الصلاة والسلام:
(أبرد) (ثم أراد) المؤذن (أن يؤذن فقال له:) عليه الصلاة
والسلام: (أبرد) (ثم أراد) المؤذن (أن يؤذن فقال له:) عليه
الصلاة
(2/16)
والسلام (أبرد) (حتى ساوى الظل التلول) أي
صار الظل مساوي التل أي مثله، وثبتت لفظة المؤذن الأخيرة
لأبي ذر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إن شدة الحر من فيح جهنم).
630 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: "أَتَى
رَجُلاَنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا
فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا
أَكْبَرُكُمَا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قاد: حدّثنا
سفيان) الثوري (عن خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال
المعجمة المشددة (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن
زيد (عن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة مصغرًا، (قال:
أتى رجلان) هما مالك بن الحويرث ورفيقه (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريدان السفر، فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) لهما: (إذا أنتما
خرجتما) للسفر (فأذنا) بكسر الذال بعد الهمزة المفتوحة،
أي: من أحبّ منكما أن يؤذن فليؤذن، أو أحدهما يؤذن والآخر
يجيب، وقد يخاطب الواحد بلفظ التثنية، وليس المراد ظاهره
من أنهما يؤذنان معًا، وإنما صرف عن ظاهره لقوله في الحديث
السابق: فليؤذن لكم أحدكم. لا يقال المراد أن كلاً منهما
يؤذن على حدة لأن أذان الواحد يكفي الجماعة. نعم، إذا
احتيج إلى التعدد لتباعد أقطار البلد أذّن كل واحد في جهة،
وقال الإمام
الشافعي رحمة الله عليه في الأم: وأحب أن يؤذن مؤذن بعد
مؤذن، ولا يؤذن جماعة معًا، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن
يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد. (ثم
أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما) بسكون لام الأمر بعد ثم وكسرها
وهو الذي في الفرع فقط، وفتح ميمه للخفة وضمه للإتباع
والمناسبة.
631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ
عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ:
"أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا
عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا
رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا
أَهْلَنَا -أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا- سَأَلَنَا عَمَّنْ
تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: ارْجِعُوا
إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ،
وَمُرُوهُمْ -وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ
أَحْفَظُهَا - وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي،
فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ
أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».
وبه قال (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي بفتح
العين المهملة والنون والزاي (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن
عبد الحميد البصري (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي
قلابة) عبد الله بن زيد (قال: حدّثنا مالك) هو ابن الحويرث
(قال: أتينا إلى النبي) ولابن عساكر قال: أتيت النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ونحن شببة) بفتحات
جمع شاب (متقاربون) في السنّ (فأقمنا عنده عشرين يومًا
وليلة) وسقط يومًا لابن عساكر وأبي الوقت (وكان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رحيمًا رفيقًا)
بالفاء من الرفق، كذا في الفرع كأصله، وفي غيره رقيقًا
بالقاف، أي رقيق القلب، (فلما ظن) عليه الصلاة والسلام
(أنا قد اشتهينا أهلنا) بفتح اللام (أو قد اشتقنا) بالشك
من الراوي، ولأبي الوقت وابن عساكر: وقد اشتقنا أي إليهم
بواو العطف (سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال) عليه
الصلاة والسلام، وفي نسخة فقال:
(ارجعوا إلى أهليكم) وفي رواية: أهاليكم (فأقيموا فيهم
وعلموهم) شرائع الإسلام، (ومروهم) بما أمرتكم (-وذكر أشياء
أحفظها أو لا أحفظها-) شك من الراوي (وصلوا كما رأيتموني
أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)
ليس قاصرًا على وصولهم إلى أهليهم، بل يعم جميع أحوالهم
منذ خروجهم من عنده.
وهذا الحديث كالذي بعده ثابت هنا في رواية أبي الوقت، وعزا
ثبوتهما في الفرع كأصله لرواية الحموي، وسقوطهما لأبي ذر.
وقد سبق في الباب السابق بنحوه، ويأتي إن شاء الله تعالى
في باب خبر الواحد.
632 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي
نَافِعٌ قَالَ: "أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ
بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي
رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ
مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلاَ
صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ
الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ". [الحديث 632 - طرفه في:
666].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: أخبرنا)
وللأربعة حدّثنا (يحيى) القطان (عن عبيد الله بن عمر) بضم
العين فيهما (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر
(قال: أذن ابن عمر) بن الخطاب (في ليلة باردة بضجنان) بضاد
معجمة مفتوحة وجيم ساكنة ونونين بينهما ألف على وزن فعلان،
غير منصرف، جبيل على بريد من مكة، (ثم قال:) أي ابن عمر:
(صلوا في رحالكم. فأخبرنا) أي ابن عمر ولأبوي ذر والوقت،
وأخبرنا (أن رسول الله) وللأصيلي أن النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأمر مؤذنًا يؤذن، ثم
يقول) عطفًا على يؤذن (على إثره) بكسر الهمزة وسكون
المثلثة وبفتحهما، بعد فراغ الأذان، وفي حديث مسلم يقول في
آخر أذانه:
(ألا) بتخفيف اللام مع فتح الهمزة (صلوا في الرحال) بالحاء
المهملة جمع رحل (في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر)
فعيلة بمعنى فاعلة، وإسناد المطر إليها مجاز وليست بمعنى
مفعولة، أي ممطور فيها لوجود الهاء في قوله: مطيرة، إذ لا
يصح ممطورة
(2/17)
فيها. وليست أو للشك بل للتنويع، وفيه أن
كل واحد من البرد والمطر عدر بانفراده. لكن في رواية: كان
يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ألا صلوا
في الرحال. فلم يقل في سفر. وفي بعض طرق الحديث عند أبي
داود: ونادى منادي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرّة،
فصرّح بأن ذلك في المدينة ليس في سفر. فيحتمل أن يقال لما
كان السفر لا يتأكد فيه الجماعة، ويشق الاجتماع لأجلها،
اكتفى فيه بأحدهما، بخلاف الحضر فإن المشقة فيه أخفّ،
والجماعة فيه آكد، وظاهره التخصيص بالليل فقط دون النهار،
وإليه ذهب الأصحاب في الريح فقط دون المطر والبرد، فقالوا
في المطر والبرد: إن كلاًّ منهما عذر في الليل والنهار،
وفي الريح العاصفة عذر في الليل فقط، جزم به الرافعي
والنووي.
فإن قلت: في حديث ابن عباس السابق في باب الكلام في
الأذان: فلما بلغ المؤذن: حيّ على الصلاة فأمره أن ينادي:
الصلاة في الرحال. وهو يقتضي أن ذلك يقال بدلاً عن
الحيعلة، وظاهر الحديث هنا أنه بعد الفراغ من الأذان، فما
الجمع بينهما؟ أجيب بجواز الأمرين كما نص عليه الشافعي في
الأم، لأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكلٍّ
منهما، ويكون المراد من قوله: الصلاة في الرحال، الرخصة
لمن أرادها، وهلموا إلى الصلاة الندب لمن أراد استكمال
الفضيلة ولو تحمل المشقّة.
وفي حديث جابر المروي في مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه: خرجنا مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر
فمطرنا، فقال: ليصلّ من شاء منكم في رحله. وقد تبين بقوله:
من شاء. أن أمره عليه الصلاة والسلام بقوله: ألا صلوا في
الرحال، ليس أمر عزيمة حتى لا يشرع لهم الخروج إلى
الجماعة، إنما هو راجع إلى مشيئتهم، فمن شاء صلّى في رحله
ومن شاء خرج إلى الجماعة.
633 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ
بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ
عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
"رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِالأَبْطَحِ، فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ
بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَرَجَ بِلاَلٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى
رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالأَبْطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) وفي رواية: إسحاق بن منصور، وجزم
به خلف في الأطراف له (قال: أخبرنا جعفر بن عون) بفتح
العين المهملة وإسكان الواو (قال: حدّثنا أبو العميس) بضم
العين المهملة وفتح الميم آخره سين مهملة مصغرًا (عن عون
بن أبي جحيفة) بتقديم الجيم المضمومة على المهملة المفتوحة
(عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه
(قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه (بالأبطح) مكان بظاهر مكة معروف
(فجاءه بلال) المؤذن (فأذنه) بالمدّ، أي أعلمه (بالصلاة،
ثم خرج بلال) ولأبي الوقت ثم أخرج (بالعنزة) بفتح النون
أطول من العصا، وهمزة أخرج بالضم مبنيًّا للمفعول (حتى
ركزها بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالأبطح) سترة (وأقام) بلال (الصلاة).
19 - باب هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَا هُنَا
وَهَا هُنَا، وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ؟
وَيُذْكَرُ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي
أُذُنَيْهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَجْعَلُ
إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى
غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْوُضُوءُ حَقٌّ
وَسُنَّةٌ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
أَحْيَانِهِ.
هذا (باب) بالتنوين (هل يتتبع المؤذن فاه) بالمثناة
التحتية والمثناتين الفوقيتين، والموحدة المشددة
المفتوحات، من التتبّع وللأصيلي يتبع بضم أوله وإسكان
المثناة الفوقية وكسر الموحدة من الإتباع.
والمؤذن فاعل، وفاه مفعوله (هاهنا وهاهنا) أي جهتي اليمين
والشمال. وعند أبي عوانة في صحيحه من رواية عبد الرحمن بن
مهدي، فجعل يتتبع بفيه يمينًا وشمالاً وأعرب البرماوي
كالكرماني المؤذن بالنصب وفاه بدلاً منه، والفاعل الشخص
مقدّرًا قال: ليطابق قوله في الحديث: أتتبع فاه انتهى.
وتعقب بأن فيه من التكلف ما لا يخفى، وليست المطابقة
بلازمة، وجعل غير اللازم لازمًا لا يخفى ما فيه (وهل
يلتفت) المؤذن برأسه (في الأذان) يمينًا وشمالاً، أي في
حيعلتيه.
(ويذكر) بضم الياء وفتح الكاف بصيغة التمريض، فيما رواه
عبد الرزاق وغيره عن سفيان (عن بلال) المؤذن (أنه جعل)
أنملتي (إصبعيه) مسبحتيه (في) صماخي (أذنيه) ليعينه ذلك
على زيادة رفع صوته، أو ليكون علامة للمؤذن ليعرف مَن يراه
على بعد، أو كان به صمم أنه يؤذن.
ورواه أبو داود، ولفظ ابن ماجة من حديث سعد القرظ، أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أمر بلالاً أن يجعل
إصبعيه في أُذنيه. لكن في إسناده ضعف، وهو عند أبي عوانة
عن مؤمل عن سفيان وله شواهد.
(وكان ابن عمر) بن الخطاب مما رواه عبد الرزاق وابن أبي
شيبة من طريق نسير بالنون والمهملة مصغرًا ابن ذعلوق،
بالذال المعجمة المضمومة وسكون العين المهملة وضم اللام،
عنه
(2/18)
(لا يجعل إصبعيه في أُذنيه) المراد بالإصبع
كالسابقة الأنملة، فهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء،
وعبر في الأول بقوله: ويذكر بالتمريض، وفي الثاني بالجزم،
ليفيد أن ميله إلى عدم جعل إصبعيه في أُذنيه، فللَّه درّه
من إمام أدق نظره.
(قال إبراهيم) النخعي مما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن
جرير عن منصور عنه: (لا بأس أن يؤذن) المؤذن وهو (على غير
وضوء) نعم يكره للمحدث حدثًا أصغر لحديث الترمذي مرفوعًا
لا يؤذن إلاّ متوضئ وفي إسناده ضعف.
وقال الشافعي في الأم: ويكره الأذان بغير وضوء ويجزئ إن
فعل انتهى.
وللجنب أشدّ كراهة لغلظ الجنابة، والإقامة أغلظ من الأذان
في الحديث والجنابة لقربها من الصلاة.
(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن
جريج عنه (الوضوء) وللأذان (حق) ثابت في الشرع (وسُنّة)
مسنونة هو من الصلاة هو فاتحة الصلاة.
(وقالت عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها مما وصله مسلم
ويؤيد قول النخعي: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يذكر الله على كل أحيانه) سواء كان على وضوء أو
لم يكن لأن الأذان ذكر فلا يشترط له الوضوء ولا استقبال
القبلة كما لا يشترط لسائر الأذكار. وحينئذٍ، فلا يلحق
الأذان بالصلاة لمخالفتها حكمه فيهما، ومن ثم عرفت مناسبة
ذكره لهذه الآثار عقب هذه الترجمة، وأدنى المناسبة كافٍ
ولاختلاف العلماء فيها ذكرها بلفظ الاستفهام ولم يجزم.
634 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلاَلاً يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ
أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا بِالأَذَانِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا
سفيان) الثوري (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم (عن أبيه)
أبي جحيفة وهب بن عبد الله (أنه رأى بلالاً) المؤذن
(يؤذن)، قال أبو جحيفة: (فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا
بالأذان) أي فيه.
ولمسلم: فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينًا وشمالاً،
يقول: حي على الصلاة حيّ على الفلاح، ففيه تقييد الالتفات
في الأذان، وأن محله عند الحيعلتين، أي من غير تحويل صدره
عن القبلة، وقدميه عن مكانهما، وأن يكون الالتفات يمنًا في
الأولى وشمالاً في الثانية، وفائدته تعميم الناس بالإسماع.
قال في المدوّنة وأنكر مالك دورانه لغير الإسماع.
20 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ
وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ: فَاتَتْنَا
الصَّلاَةُ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَمْ نُدْرِكْ. وَقَوْلُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَحُّ.
(باب قول الرجل فاتتنا الصلاة) أي هل يكره أو لا.
(وذكره ابن سيرين) محمد مما وصله ابن أبي شيبة (أن يقول)
الرجل: (فاتتنا الصلاة) وسقط لفظ الصلاة لغير أبي ذر (ولكن
ليقل) وللأربعة وليقل: (لم ندرك) فيه نسبة عدم الإدراك
إليه بخلاف فاتتنا. قال البخاري رادًّا على ابن سيرين
(وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الطلق
للفوات (أصح) أي صحيح بالنسبة إلى قول ابن سيرين، فإنه غير
صحيح لثبوت النص بخلافه. وأفعل قد تذكر ويراد بها التوضيح
لا التصحيح، وقول مرفوع مبتدأ خبره أصح.
635 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ
سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا
شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ.
قَالَ: فَلاَ تَفْعَلُوا. إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ
فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ
فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا».
وبالسند قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
شيبان) بفتح الشين المعجمة وسكون المثناة التحتية بعدها
موحدة، ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي
الأنصاري رضي الله عنهما، (قال: بينما) بالميم (نحن نصلي
مع النبي) وفي رواية مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ سمع جلبة رجال) بفتح الجيم وتاليها
أي أصواتهم حال حركاتهم، وسمَّى منهم الطبراني في روايته:
أبا بكرة. ولكريمة والأصيلي: جلبة رجال (فلما صلّى) عليه
الصلاة والسلام (قال): (ما شأنكم) بالهمزة أي ما حالكم حيث
وقع منكم الجلبة (قالوا استعجلنا إلى الصلاة. قال) عليه
الصلاة والسلام: (فلا) ولأبي ذر: لا (تفعلوا) أي لا
تستعجلوا وعبر بلفظ تفعلوا مبالغة في النهي عنه (إذا أتيتم
الصلاة) جمعة أو غيرها (فعليكم بالسكينة) بياء الجر
واستشكل دخولها البرماوي كالزركشي وغيره لأنه يتعدّى بنفسه
قال تعالى: {عليكم أنفسكم}.
وأجيب بأن أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدّي واللزوم
حكم الأفعال التي هي بمعناها إلاّ أن الباء تزاد في
مفعولها كثيرًا نحو عليك به. لضعفها في العمل فتتعدى بحرف
عادته إيصال اللازم إلى المفعول، قاله الرضي وغيره فيما
نقله البدر الدماميني، وفي
(2/19)
الحديث الصحيح: عليكم برخصة الله فعليه
بالصوم وعليكم بقيام الليل، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي،
فعليكم السكينة، بالنصب، بعليكم على الإغراء. وجوّز الرفع
على الابتداء، والخبر سابقه، والمعنى: عليكم بالتأنّي
والهينة.
فإذا فعلتم ذلك (فما أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا)
معه (وما فاتكم) منها (فأتموا) أي أكملوا وحدكم وبقية
المباحث تأتي في التالي إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الباب اللاحق
ومسلم في الصلاة.
21 - باب لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ، وَلْيَأْتِ
بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَقَالَ: مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ
فَأَتِمُّوا. قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذا (باب) بالتنوين فيه ذكر (لا يسعى) الرجل (إلى الصلاة
وليأت) ولأبي ذر: وليأتها (بالسكينة والوقار) هل بين
الكلمتين فرق أو هما بمعنى واحد، وذكر الثاني تأكيد
للأوّل، ويأتي ما فيه قريبًا إن شاء الله تعالى.
وقد سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلى، وكذا من رواية أبي
ذر عن غير السرخسي، وصوّب ثبوتها لقوله فيها، قاله أبو
قتادة، لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة بخلاف
سقوطها فإنه يعود على المتن السابق ويلزم منه تكرار أبي
قتادة من غير فائدة لأنه ساقه عنه، ووقع عند البرماوي
كغيره وهو رواية الأربعة باب ما أدركتم فصلّوا. فأسقط قوله
لا يسعى إلى الوقار. وقال: وفي بعضها باب: فليأتها
بالسكينة والوقار.
(وقال) عليه الصلاة والسلام (ما أدركتم) من الصلاة أي مع
الإمام (فصلوا وما فاتكم) منها (فأتموا) (قاله) أي المذكور
(أبو قتادة) راوي حديث الباب السابق (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
636 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ
وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلاَ
تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا
فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». [الحديث 636 - طرفه في: 908].
وبالسند قال (حدّثنا آدم) بن إياس (قال: حدّثنا ابن أبي
ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن ذئب (قال: حدّثنا الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(و) بإسناد السابق وهو عن آدم عن ابن أبي ذئب (عن الزهري
عن أبي سلمة) بفتحات يعني أن ابن أبي ذئب حدّث به عن
الزهري عن شيخين حدّثاه به (عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا سمعتم الإقامة) للصلاة (فامشوا إلى الصلاة)، وإنما
ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها، لأنه إذا نهى عن
إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل
الإقامة أولى، وفي رواية همام: إذا نودي بالصلاة فأتوها
وأنتم تمشون. (وعليكم بالسكينة) أي بالتأنّي في الحركات
واجتناب العبث (والوقار) في الهيئة: كغض البصر، وخفض
الصوت، وعدم الالتفات، أو الكلمتان بمعنى واحد، والثاني
تأكيد للأوّل.
وللأربعة وعزاها ابن حجر لغير أبي ذر: وعليكم السكينة
والوقار، بغير موحدة يجوز فيهما الرفع والنصب كما سبق
آنفًا مع جواب استشكال دخول حرف الجرّ على السكينة المتعدي
بنفسه، وقول ابن حجر لا يلزم من كونه يتعدّى بنفسه امتناع
تعديته بالباء، تعقبه العيني بأن نفي الملازمة غير صحيح
انتهى.
وراء والوقار فيها الحركات الثلاثة كالسكينة في أحوالها
الثلاثة للعطف عليها وذكر الإقامة تنبيهًا على غيرها، لأنه
إذا نهى عن إتيانها مسرعًا في حال الإقامة مع خوف فوت
بعضها فما قبلها أولى (ولا تسرعوا) بالإقدام ولو خفتم فوات
تكبيرة الإحرام أو غيرها، ولو فاتت الجماعة بالكلية فإنكم
في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والإجلال والخضوع،
فالمقصود من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا منها شيئًا.
والأعمال بالنيّات، وعدم الإسراع مستلزم لكثرة الخطأ وهو
معنى مقصود بالذات وردت فيه أحاديث صحيحات.
وفي مسلم: فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة،
ففيه إشارة كما مر أن يتأدب بآداب الصلاة.
فإذن قلت إن الأمر بالسكينة معارض بقوله تعالى في الجمعة
{فاسعوا إلى ذكر الله} أجيب: بأنه ليس المراد من الآية
الإسراع، بل المراد الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما
تقول سعيت في أمري.
(فما أدركتم) أي إذا فعلتم ما أمرتكم به من السكينة
والوقار، وعدم الإسراع
(2/20)
فما أدركتم مع الإمام من الصلاة (فصلوا)
معه، وقد حصلت فضيلة الجماعة بالجزء المدرك منها (وما
فاتكم) منها (فأتموا) أي أكملوه وحدكم. كذا في أكثر
الروايات بلفظ: فأتموا. وفي بعضها: فاقضوا.
والأول هو الصحيح في رواية الزهري.
ورواه ابن عيينة بالثاني، وبه استدل الحنفية بأن ما أدرك
المأموم مع الإمام هو آخر صلاته فيستحب له الجهر في
الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة مع الفاتحة.
وبالأول أخذ الشافعية على أنها أوّلها، لكنه يقضي بمثل
الذي فاته من قراءة السورة مع الفاتحة في الرباعية، ولم
يستحبوا إعادة الجهر في الأخيرتين، أو ما يأتي به آخرها،
لأن الإتمام لا يكون إلاّ
للآخر، لأنه يستدعي سبق أوّل، وأجابوا بأن القضاء وإن كان
يطلق على الفائت غالبًا، لكنه يطلق أيضًا على الأداء.
ويأتي بمعنى الفراغ. قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة
فانتشروا} وحينئذٍ فتحمل رواية فاقضوا على معنى الأداء
والفراغ، وإذًا فلا تمسك بها. واستدل بقوله: وما فاتكم
فأتموا، على أن من أدرك الإمام راكعًا لم تحسب له تلك
الركعة. لأنه قد فاته القيام والقراءة أيضًا.
واختاره ابن خزيمة وغيره وقوّاه السبكي والجمهور على أنه
مدرك لها لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بكرة حيث ركع دون
الصف: زادك الله حرصًا ولا تعد. ولم يأمره بإعادة تلك
الركعة.
وأنه يدرك فضيلة الجماعة بجزء من الصلاة وإن قل.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون إلا شيخ المؤلّف فإنه
عسقلاني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في باب
المشي إلى الجمعة، ومسلم والترمذي.
22 - باب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الإِمَامَ
عِنْدَ الإِقَامَةِ؟
637 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: كَتَبَ إِلَىَّ يَحْيَى عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا
حَتَّى تَرَوْنِي». [الحديث 637 - طرفاه في: 638، 909].
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (متى يقوم الناس) الطالبون
للصلاة جماعة (إذا رأوا الإمام عند الإقامة) لها.
وبالسند قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (قال:
حدّثنا هشام) الدستوائي
(قال: كتب إليّ يحيى) ولأبي ذر يحيى بن أبي كثير، والكتابة
من جملة طرق التحديث وهي معدودة في السند الموصول (عن عبد
الله بن أو قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي
الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إذا أقيمت الصلاة) أي ذكرت ألفاظ الإقامة (فلا تقوموا)
إلى الصلاة (حتى تروني) أي تبصروني خرجت، فإذا رأيتموني
فقوموا وذلك لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له ما
يؤخره.
واختلف في وقت القيام إلى الصلاة، فقال الشافعي، والجمهور:
عند الفراغ من الإقامة، وهو قول أبي يوسف.
وعن مالك أولها، وفي الموطأ أنه يرى ذلك على طاقة الناس،
فإن منهم الثقيل والخفيف.
وعن أبي حنيفة أنه يقوم في الصف عند حيّ على الفلاح فإذا
قال قد قامت الصلاة كبّر الإمام لأنه أمين الشرع، وقد أخبر
بقياسها فيجب تصديقه.
وقال أحمد إذا قال حيّ على الصلاة.
23 - باب لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ مُسْتَعْجِلاً،
وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
هذا (باب) بالتنوين (لاّ يسعى) الرجل (إلى الصلاة) حال
كونه (مستعجلاً وليقم) ملتبسًا (بالسكينة والوقار) كذا في
رواية المستملي، ولأبي ذر وعزاها في الفتح للحموي: لا يقوم
إلى الصلاة مستعجلاً وليقم إليها بالسكينة والوقار، ولأبي
الوقت والأصيلي وابن عساكر: لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم
إليها مستعجلاً وليقم بالسكينة والوقار، فجمع بين النهي في
السعي والقيام.
638 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُقِيمَتِ
الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي،
وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ». تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ
الْمُبَارَكِ.
وبالسند قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي
(قال: قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا) إليها (حتى تروني) خرجت
فإذا رأيتموني فقوموا إليها (وعليكم بالسكينة) وللأصيلي
وأبوي ذر والوقت: وعليكم السكينة بحذف الباء، وتقدم الحديث
قريبًا.
ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والعنعنة والكتابة
والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة أيضًا وكذا مسلم وأبو
داود والترمذي والنسائي.
(تابعه) أي تابع شيبان عن يحيى بن أبي كثير على هذه
الزيادة (عليّ بن المبارك) البصري مما وصله المؤلّف في
الجمعة وفائدة المتابعة التقوية، وهي ساقطة في رواية غير
أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر.
24 - باب هَلْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يخرج) الرجل (من المسجد) بعد إقامة
الصلاة (لعلة)
(2/21)
كحدث.
نعم يخرج كما دلّ عليه حديث الباب وقول أبي هريرة المروي
في مسلم وغيره في رجل خرج من المسجد بعد الأذان. أما هذا
فقد عصى أبا القاسم مخصوص بمن ليست له ضرورة لحديثه
المرفوع المروي في الأوسط ولفظه: لا يسمع النداء في مسجدي
هذا ثم يخرج منه إلاّ لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق.
639 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ
بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ: "رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ
الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتِ
الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَّهُ
انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ قَالَ: عَلَى
مَكَانِكُمْ. فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا، حَتَّى
خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدِ
اغْتَسَلَ".
وبالسند قال (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى
القرشي الأويسي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين
ابن إبراهيم الزهري المدني نزيل بغداد (عن صالح بن كيسان)
بفتح الكاف المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
التابعي (عن أبي سلمة) بفتح اللام ابن عبد الرحمن التابعي
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله) وللأصيلي أنّ
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) من
الحجرة (و) الحال أنه (قد أقيمت الصلاة) بإذنه (وعدلت
الصفوت) أي سوّيت (حتى إذا قام) عليه الصلاة والسلام (في
مصلاه انتظرنا أن يكبر) تكبيرة الإحرام، والجملة حالية
وجواب إذا الشرطية قوله (انصرف) إلى الحجرة قبل أن يكبر،
وأن مصدرية، أي انتظرنا تكبيره (قال) وللأصيلي وقال (على
مكانكم) أي اثبتوا على مكانكم (فمكثنا على هيئتنا) بفتح
الهاء وسكون المثناة التحتية وفتح الهمزة، أي الصورة التي
كنا عليها من القيام في الصفوف المسواة، وللكشميهني هيئتنا
بكسر الهاء وسكون التحتية وفتح النون من غير همز الرفق،
والأولى أوجه (حتى خرج) عليه الصلاة والسلام (إلينا) من
الحجرة حال كونه (ينطف) بكسر الطاء وضمها أي يقطر (رأسه
ماء) قليلاً قليلاً، وماء نصب على التمييز (و) الحال أنه
(قد اغتسل).
زاد الدارقطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال: إني كنت
جنبًا فنسيت أن أغتسل.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه المؤلّف في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب
فخرج كما هو ولا يقيم من كتاب الغسل، وأخرجه مسلم وأبو
داود والنسائي.
25 - باب إِذَا قَالَ الإِمَامُ "مَكَانَكُمْ" حَتَّى
رَجَعَ انْتَظَرُوهُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال الإمام) للجماعة
الزموا (مكانكم حتى رجع) وللكشميهني في رواية أبي ذر: حتى
نرجع بالنون قبل الراء، وللأصيلي، أرجع بالهمزة، ولأبي
الوقت وابن عساكر: يرجع، بالمثناة التحتية، وجواب إذا قوله
(انتظروه).
640 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ،
فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَقَدَّمَ وَهْوَ
جُنُبٌ. ثُمَّ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ. فَرَجَعَ
فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً،
فَصَلَّى بِهِمْ".
وبالسند قال (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور كما جزم به المزي
فيما نقله الحافظ ابن حجر وأقرّه، لا ابن راهويه (قال:
حدّثنا) وللهروي وابن عساكر: أخبرنا (محمد بن يوسف)
الفريابي (قال: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بفتح
العين (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال:
أقيمت الصلاة) بضم الهمزة بعد أن أذن عليه الصلاة والسلام
في إقامتها (فسوّى) أي فعدل (الناس صفوفهم، فخرج رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليهم من الحجرة
(فتقدم) عليه الصلاة والسلام (وهو جنب) أي في نفس الأمر لا
أنهم اطّلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم، فلما قام في
مصلاه ذكر أنه جنب (فقال) ولغير أبي ذر ثم قال:
(على مكانكم) أي اثبتوا فيه ولا تتفرّقوا (فرجع) إلى
الحجرة (فاغتسل) وللأصيلي، واغتسل (ثم خرج) إلى المسجد
(ورأسه يقطر ماء) نصب على التمييز. والجملة من المبتدأ
والخبر حالية، (فصلّى بهم) من غير إعادة الإقامة كما هو
ظاهر السياق.
وفي بعض الأصول هنا زيادة نبّه عليها الحافظ ابن حجر لم
أرها في الفرع ولا في اليونينية وهي، قيل لأبي عبد الله،
أي البخاري، إن بدا لأحدنا مثل هذا يفعل كما فعل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: فأي شيء يصنع؟
فقيل ينتظرونه قيامًا أو قعودًا قال أي البخاري: إن كان
قبل التكبير للإحرام فلا بأس أن يقعدوا وإن كان بعد
التكبير انتظروه حال كونهم قيامًا.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود في الطهارة
والصلاة أيضًا.
26 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا
(باب قول الرجل ما صلينا) ولأبي ذر قول الرجل للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما صلينا.
641 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ
يَقُولُ: أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ
حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا
أَفْطَرَ الصَّائِمُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا.
فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى
-يَعْنِي الْعَصْرَ- بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ
صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ".
وبالسند قال
(2/22)
(حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال:
حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير
(قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن حال كونه (يقول:
أخبرنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه عمر بن الخطاب) رضي الله
عنه (يوم) أي زمان وقعة (الخندق فقال: يا رسول الله، والله
ما كدت) ولغير الكشميهني: يا رسول الله ما كدت،
وفي الفرع عن أبي ذر عن الكشميهني إسقاط القسم (أن أصلي)
العصر وللأصيلي: ما كدت أصلي (حتى كادت الشمس تغرب) أتى في
الأوّل بأن في خبر كاد كما في عسى، وأسقطها في الثاني وهو
أكثر في الاستعمال، وللأصيلي إسقاطها فيه كما مرّ (وذلك)
أي الوقت الذي خاطب فيه عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (بعدما أفطر الصائم) أي بعد الغروب
وليس المراد الوقت الذي صلّى عمر العصر، فإنه قبيل الغروب
كما يدل عليه كاد (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(والله ما صلّيتها).
فإن قلت: إن نفي الصلاة إنما وقع من الرسول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا من عمر، وحينئذٍ فلا
مطابقة بين الحديث والترجمة.
أجيب، بأن المطابقة حصلت من قول عمر رضي الله عنه: ما كدت
أصلي، لأنه بمعنى ما صليت بحسب عرف الاستعمال، أو من كون
المؤلّف ترجم لبعض ما وقع في طرق الحديث المسوق له هنا،
فقد وقع عنده في المغازي وقوع ذلك من عمر لكن الأولى أن
تكون المطابقة بين الترجمة والحديث المسوق في بابها
بلفظها، أو ما يدل عليه.
قال جابر (فنزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء، وادٍ بالمدينة غير
منصرف، كذا يقوله المحدّثون قاطبة، وحكى أهل اللغة فتح
أوّله وكسر ثانيه، قاله أبو علي القالي في البارع (وأنا
معه، فتوضأ ثم صلّى العصر) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي،
ثم صلّى، يعني العصر (بعدما غربت الشمس، ثم صلّى بعدها
المغرب) يحتمل أن يكون التأخير نسيانًا لا عمدًا للاشتغال
بأمر العدوّ، وكان قبل نزول آية صلاة الخوف.
ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة
والسماع والقول.
27 - باب الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ
الإِقَامَةِ
(باب الإمام تعرض) بكسر الراء أي تظهر (له الحاجة بعد
الإقامة) هل يباح له التشاغل بها قبل الدخول في الصلاة أم
لا؟ نعم، يباح له ذلك.
642 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَاجِي رَجُلاً فِي جَانِبِ
الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى نَامَ
الْقَوْمُ". [الحديث 642 - طرفاه في: 643، 6292].
وبالسند قال (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين
مهملة ساكنة (عبد الله بن عمرو) بفتح العين فيهما، المقعد
التميمي المنقري مولاهم البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث)
بن سعيد بكسر العين التنوري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن
صهيب) بضم الصاد المهملة وفتح الهاء وسكون المثناة
التحتية آخره موحدة، وللأربعة: عبد العزيز هو ابن صهيب (عن
أنس) وللأصيلي زيادة: ابن مالك (قال: أقيمت الصلاة) أي
العشاء، كما عند مسلم من رواية حماد عن ثابت عن أنس
(والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يناجي) أي
يحدث (رجلاً في) ولابن عساكر: إلى (جانب المسجد) المدني،
ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم الرجل، والجملة من مبتدأ وخبر
حالية (فما قام) عليه الصلاة والسلام (إلى الصلاة حتى نام
القوم).
في مسند إسحاق بن راهويه، عن ابن علية عن عبد العزيز في
هذا الحديث حتى نعس بعض القوم، وفيه دلالة على أن النوم
المذكور لم يكن مستغرقًا، وزاد مسلم كالمؤلّف في
الاستئذان، عن شعبة، عن عبد العزيز: ثم قام فصلّى. واستنبط
من الحديث جواز الكلام بعد الإقامة، نعم كرهه الحنفية لغير
ضرورة.
ورواته كلهم بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه
مسلم وأبو داود.
28 - باب الْكَلاَمِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ
643 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنِ الرَّجُلِ
يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلاَةُ، فَحَدَّثَنِي
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ،
فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ".
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ
الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا.
(باب الكلام إذا أقيمت الصلاة) وبالسند قال (حدّثنا عياش
بن الوليد) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة التحتية
آخره معجمة، الرقام (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد
الأعلى السامي بالسين المهملة والميم (قال: حدّثنا حميد)
الطويل (قال: سألت ثابتًا البُناني) بضم الموحدة وتخفيف
النون وبعد الألف نون ثانية مكسورة، كذا روى حميد عن أنس
بواسطة، ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة (غير
الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة، فحدّثني عن أنس بن
(2/23)
مالك) رضي الله عنه (قال: أقيمت الصلاة،
فعرض للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل
فحبسه) أي منعه من الدخول في الصلاة بسبب التكلم معه، زاد
هشام في روايته: حتى نعس بعض القوم (بعدما أقيمت الصلاة)
وفيه الردّ على من كره
الكلام بعد الإقامة.
زاد في غير رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر هنا زيادة
ذكرها في الباب الآتي وهو اللائق كما لا يخفى وهي: وقال
الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة عليه لم
يطلعها، ومبحث ذلك يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والسؤال
والقول، وأخرجه أبو داود في الصلاة.
29 - باب وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ
الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا.
(باب وجوب صلاة الجماعة).
أطلق المؤلّف الوجوب وهو يشمل الكفاية والعين لكن قوله
(وقال الحسن) أي البصري (إن منعته) أي الرجل (أمه عن)
الحضور إلى صلاة (العشاء في الجماعة) حال كون منعها (شفقة)
أي لأجل شفقتها (عليه) وليس في الفرع هنا عليه، نعم هي
لابن عساكر في السابق، وفي رواية في جماعة بالتنكير (لم
يطعها) يشعر بكونه يريد وجوب العين. لأن طاعة الوالدين
واجبة حيث لا يكون فيها معصية الله، وترك الجماعة معصية
عنده.
وهذا الأثر أخرجه موصولاً بمعناه في كتاب الصيام للحسين بن
الحسن المروزي بإسناد صحيح عن الحسن في رجل يصوم تطوعًا،
فتأمره أمه أن يفطر، قال: فليفطر ولا قضاء عليه وله أجر
الصوم وأجر البر، قيل فتنهاه أن يصلّي العشاء في جماعة،
قال: ليس ذلك لها، هذه فريضة.
وقد أبدى الشيخ قطب الدين القسطلاني، رحمه الله، فيما نقله
البرماوي في شرح عمدة الأحكام، لمشروعية الجماعة حكمة
ذكرها في مقاصد الصلاة.
منها: قيام نظام الألفة بين المصلين، ولذا شرعت المساجد في
المحال ليحصل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين
الجيران.
ومنها: قد يتعلم الجاهل من العالم ما يجهله من أحكامها.
ومنها: أن مراتب الناس متفاوتة في العبادة فتعم بركة
الكامل على الناقص فتكمل صلاة الجميع.
644 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ
فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا،
ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ
إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ
أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ
حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ». [الحديث 644 - أطرافه
في: 657، 2420، 7224].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسيّ (قال:
أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن أبي الزناد) عبد الله بن
ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي
الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) زاد مسلم: فقد ناسًا في بعض الصلوات (قال):
(و) الله (الذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره (لقد هممت)
هو جواب القسم، أكده باللام وقد، والمعنى لقد قصدت (أن آمر
بحطب فيحطب) بالفاء وضم المثناة التحتية وبعد الحاء
الساكنة طاء مبنيًّا للمفعول منصوبًا عطفًا على المنصوب
المتقدم، وكذا الأفعال الواقعة بعده. وللحموي والمستملي:
ليحطب، بلام التعليل، ولابن عساكر وأبي ذر. يتحطب، بضم
التحتية وفتح الفوقية والطاء، ولابن عساكر أيضًا فيحطب،
بالفاء وتشديد الطاء. ولأبي الوقت: فيتحطب، بالفاء ومثناة
فوقية مفتوحة بعد التحتية المضمومة وتشديد الطاء أيضًا،
وفي رواية: فيحتطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد الحاء
الساكنة. وحطب واحتطب بمعنى واحد، قال في الفتح: أي يكسر
ليسهل اشتعال النار به، وتعقبه العيني بأنه لم يقل أحد من
أهل اللغة إن معنى يحطب يكسر، بل المعنى يجمع (ثم آمر)
بالمد وضم الميم (بالصلاة) العشاء أو الفجر أو الجمعة أو
مطلقًا، كلها روايات ولا تضاد لجواز تعدد الواقعة (فيؤذن
لها) بفتح الذال المشددة، أي يعلم الناس لأجلها. والضمير
مفعول ثانٍ، (ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) المشتغلين
بالصلاة قاصدًا (إلى رجال) لم يخرجوا إلى الصلاة (فأحرّق
عليهم بيوتهم) بالنار عقوبة لهم، وقيد بالرجال ليخرج
الصبيان والنساء، ومفهومه أن العقوبة ليست قاصرة على المال
بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وأحرّق بتشديد الراء
وفتح القاف وضمها كسابقه وهو مشعر بالتنكير والمبالغة في
التحريق.
وبهذا استدلّ الإمام أحمد ومن قال: إن الجماعة فرض عين
لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض
كفاية لكان قيامه عليه الصلاة والسلام ومن معه بها كافيًا.
وإلى هذا ذهب عطاء والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية،
كابني خزيمة، وحبان، وابن المنذر وغيرهم من الشافعية،
لكنها ليست بشرط
(2/24)
في صحة الصلاة كما قاله في المجموع.
وقال أبو حنيفة ومالك: هي سُنَّة مؤكدة، وهو وجه عند
الشافعية لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان:
صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة،
ولمواظبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها بعد
الهجرة.
وقرأت في شرح المجمع لابن قرشتاه مما عزاه العيني لشرح
الهداية. وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سُنّة
لأنه ثابت بالسُّنَّة اهـ.
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور أصحابه
المتقدمين، وصحّحه النووي في المنهاج كأصل الروضة، وبه قال
بعض المالكية، واختاره الطحاوي والكرخي وغيرهما من الحنفية
لحديث أبي داود، وصحّحه ابن حبّان وغيره: ما من ثلاثة في
قرية أو بلد ولا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان
أي غلب.
ويمكن أن يقال التهديد بالتحريق وقع في حق تاركي فرض
الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية.
وأجيب عن حديث الباب بأنه همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين
لما تركهم، أو أن فرضية الجماعة نسخت، أو أن الحديث ورد في
قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، ما يدل عليه
السياق. فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل.
وتعقب بأنه يبعد اعتناؤه عليه الصلاة والسلام بتأديب
المنافقين على تركهم الجماعة مع علمه بأنه لا صلاة لهم.
وقد كان عليه الصلاة والسلام معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع
علمه بطويتهم.
وأجيب بأنه لا يتم إلاّ أن أدّعي أن ترك معاقبة المنافقين
كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك ْوإذا ثبت أنه كان
مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم.
وفي قوله في الحديث الآتي، إن شاء الله، بعد أربعة أبواب:
ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر، دلالة على
أنه ورد في المنافقين. لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق
الكفر كما يدل عليه حديث أبي هريرة المروي في أبي داود، ثم
آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة. نعم سياق حديث
الباب يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلّف
عنها.
ومحل الخلاف إنما هو في غير الجمعة، أما هي فالجماعة شرط
في صحتها وحينئذ فتكون فيها فرض عين. ثم إن التقييد
بالرجال في قوله: ثم أخالف إلى رجال، يخرج الصبيان والنساء
فليست في حقهن فرضًا جزمًا، والخلاف السابق في المؤداة.
أما المقضية فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية، ولكنها
سنة لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بأصحابه الصبح جماعة
حين فاتتهم بالوادي.
ثم أعاد عليه الصلاة والسلام القسم للمبالغة في التأكيد
فقال:
(و) الله (الذي نفسي بيده) بتقديره (لو يعلم أحدهم) أي
المتخلفين (أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة
وسكون الراء وبالقاف: العظم الذي عليه بقية لحم أو قطعة
لحم (أو مرماتين حسنتين) بكسر الميم وقد تفتح، تثنية
مرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفها من اللحم كذا عن البخاري
فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري،
أو اسم سهم يتعلم عليه الرمي (لشهد العشاء) أي صلاتها.
فالمضاف محذوف.
والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعًا دنيويًّا وإن
كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همّته على الدنيا، ولا
يحضرها لما لها من مثوبات الأخرى ونعيمها، فهو وصف بالحرص
على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فبما
يحصل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامات، ووصف العرق بالسمن
والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما،
واستنبط من قوله: لقد هممت، تقديم التهديد والوعيد على
العقوبة، وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر
اكتفى به على الأعلى، وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي
في محالها إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الأحكام،
والنسائي في الصلاة.
30 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ
إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَجَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ،
فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً.
(باب فضل صلاة الجماعة) على صلاة الفذ.
(وكان الأسود) بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين (إذا
فاتته الجماعة) أي صلاتها في مسجد قومه (ذهب إلى مسجد آخر)
وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ومطابقته للترجمة من
(2/25)
حيث أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عند
الأسود لما ترك فضيلة أول الوقت وتوجّه إلى مسجد آخر، أو
من حيث أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع
في المسجد دون من جمع في بيته، لأنه لو لم يكن مختصًّا
بالمسجد لجمع الأسود في بيته ولم يأت مسجدًا آخر لأجل
الجماعة.
(وجاء أنس) وللأصيلي وابن عساكر: أنس بن مالك فيما وصله
أبو يعلى في مسنده، وقال: وقت صلاة الصبح (إلى مسجد) في
رواية البيهقي أنه مسجد بني رفاعة وفي رواية أبي يعلى أنه
مسجد بني ثعلبة.
(قد صُلي فيه) بضم الصاد وكسر اللام (أذن وأقام وصلّى
جماعة) قال البيهقي في روايته جاء أنس في عشرين من فتيانه.
645 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ
تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ
دَرَجَةً». [الحديث 645 - طرفه في: 649].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى
ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ولغير الأصيلي
وابن عساكر عن ابن عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(صلاة الجماعة تفضل) بفتح أوله وسكون الفاء وضم الضاد
(صلاة الفذ) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة أي المنفرد
(بسبع وعشرين درجة) فيه أن أقل الجمع اثنان لأنه جعل هذا
الفضل لغير الفذ وما زاد على الفذ فهو جماعة، لكن قد يقال:
إنما رتب هذا الفضل لصلاة الجماعة وليس فيه تعرض لنفي درجة
متوسطة بين الفذ والجماعة كصلاة الاثنين مثلاً، لكن قد ورد
في غير حديث
التصريح بكون الاثنين جماعة، فعند ابن ماجة من حديث أبي
موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "اثنان فما فوقهما جماعة" لكنه فيه ضعف.
646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا
اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ
سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ
بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا)
ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد إمام المصريين
(قال: حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن
أسامة، ونسبه لجدّه لشهرته به (عن عبد الله بن خباب) بفتح
الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة ثانية،
الأنصاري المدني التابعي، وليس هو ابن الأرت، إذ لا رواية
له في الصحيحين (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (أنه
سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه
(يقول):
(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس) وللأصيلي تفضل خمسًا
(وعشرين درجة).
وهذا الحديث ساقط في رواية غير الأربعة، وفي حديث ابن عمر
السابق: بسبع وعشرين، وفي حديث أبي سعيد هذا: بخمس وعشرين،
وعامّة الرواة عليها إلا ابن عمر كما قال الترمذي، واتفق
الجميع على الخمس والعشرين سوى رواية أُبيّ فقال: أربع أو
خمس على الشك، ولأبي عوانة بضعًا وعشرين وليست مغايرة لصدق
البضع على الخمس ولا أثر للشك فرجعت الروايات كلها إلى
الخمس والسبع واختلف في الترجيح بينهما، فمن رجح الخمس
لكثرة رواتها، ومن رجح السبع لزيادة العدل، الحافظ، وجمع
بينهما بأن ذكر القليل لا ينفي الكثير، إذ مفهوم العدد غير
معتبر، وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بالخمس، ثم أعلمه
الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، لكنه يحتاج إلى التاريخ.
وعورض بأن الفضائل لا تنسخ فلا يحتاج إلى التاريخ أو
الدرجة أقل من الجزء، والخمس والعشرون جزءًا هي سبع وعشرون
درجة، ورد بأن لفظ الدرجة والجزء وردا مع كلٍّ من العددين.
قال النووي: القول بأن الدرجة غير الجزء غفلة من قائله، أو
أن الجزء في الدنيا والدرجة في الجنة، قال البرماوي في شرح
العمدة: أبداه القطب القسطلاني احتمالاً. انتهى.
أو هو بالنظر لقرب المسجد وبُعده، أو لحال المصلي كأن يكون
أعلم أو أخشع. أو الخمس بالسرية والسبع بالجهرية.
فإن قلت ما الحكمة في هذا العدد الخاص؟.
أجيب باحتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسًا. فأريد
المبالغة في تكثيرها، فضربت في مثلها فصارت خمسًا وعشرين،
وأما السبع فمن جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والقول والسماع.
647 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ الرَّجُلِ
فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ
وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ
أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ
خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ
الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ
بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ. فَإِذَا
صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا
دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ،
اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي
صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا
عبد الواحد) بن زياد
(2/26)
العبدى (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا
(الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان حال
كونه (يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(صلاة الرجل في الجماعة) وللحموي والكشميهني في جماعة
(تضعف) بضم الفوقية وتشديد العين أي تزاد (على صلاته في
بيته وفي سوقه) منفردًا (خمسًا وعشرين ضعفًا) وفي لفظ
للبخاري بخمس وعشرين جزءًا.
ووجه حذف التاء من خمسًا بتأويل الضعف بالدرجة أو بالصلاة،
وتوضيحه أن ضعفًا مميز مذكر فتجب التاء، فأول بما ذكر.
وقَوّى البرماوي كالكرماني بأن التزام التاء حيث ذكر
المميز وإلاّ فيستوي حذفها وإثباتها، أي: وهو هنا غير
مذكور، فجاز الأمران. ولأبوي ذر والوقت: خمسة وعشرين ضعفًا
لإثبات التاء.
ومذهب الشافعي كما في المجموع أنه: من صلّى في عشرة فله
سبع وعشرون درجة، ومن صلّى مع اثنين كذلك، لكن صلاة الأول
أكمل وهو مذهب المالكية.
لكن قال ابن حبيب منهم: تفضل صلاة الجماعة الجماعة بالكثرة
وفضيلة الإمام اهـ.
وروى الإمام أحمد، وأصحاب السُّنن، وصحّحه ابن خزيمة
وغيره، من حديث أُبيّ بن كعب مرفوعًا: صلاة الرجل مع الرجل
أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع
الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى. واستدلّ بالحديث
على سنية الجماعة لأنه أثبت صلاة الفذ، وسماها صلاة، وهل
التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد؟ قال في الفتح:
جاء عن بعض ْالصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على
التجميع في المسجد العام، مع تقرير الفضل في غيره.
وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال
لعبد الله بن عمرو بن العاصي: أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء
ثم صلّى في بيته؟ قال: حسن جميل. قال: فإن صلّى في
مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة. قال: فإن مشى إلى مسجد
جماعة فصلّى فيه؟ قال: خمس وعشرون.
(وذلك) التضعيف المذكور سببه (أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء
ثم خرج) من منزله (إلى المسجد لا يخرجه إلاّ الصلاة) أي
إلا قصد الصلاة المكتوبة في جماعة (لم يخط خطوة) بفتح
المثناة التحتية وضم الطاء في الأول وفتح الخاء في الثاني.
قال الجوهري: بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة
(إلا رفعت له بها) بالخطوة (درجة، وحط عنه بها خطيئة) بضم
راء رفعت وحاء حط مبنيين للمفعول، ودرجة وخطيئة رفعًا
نائبين عن الفاعل (فإذا صلّى) صلاة تامة (لم تزل الملائكة
تصلي عليه ما دام في مصلاه) الذي أوقع فيه الصلاة من
المسجد، وكذا لو قام إلى موضع آخر من المسجد مع دوام نيّة
انتظاره للصلاة، فالأول خرج مخرج الغالب، وقد مرّ مبحث ذلك
في باب: من جلس في المسجد ينتطر الصلاة (اللهمَّ صلّي
عليه، اللهم ارحمه) أي لم تزل الملائكة تصلي عليه حال
كونهم قائلين: يا الله ارحمه. وزاد ابن ماجة اللهم تب
عليه. واستنبط منه أفضلية الصلاة على سائر العبادات،
وصالحي البشر على الملائكة، كما لا يخفى (ولا يزال أحدكم
في) ثواب (صلاة ما انتظر الصلاة).
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري ومدني، وفيه رواية
تابعي عن تابعي، والتحديث والسماع والقول.
31 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
(باب فضل صلاة الفجر في جماعة) وللأصيلي وابن عساكر: فضل
الفجر، وفي رواية في الجماعة بالتعريف.
648 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: تَفْضُلُ صَلاَةُ الْجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ
وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ
مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي
صَلاَةِ الْفَجْرِ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ:
فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُودًا}.
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا شعيب) هو ابن حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم ابن
شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) بن حزن
القرشي المخزومي التابعي، المتفق على أن مرسلاته أصح
المراسيل (وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني،
اسمه عبد الله أو إسماعيل (أن أبا هريرة) رضي الله عنه
(قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول):
(تفضل) أي تزيد (صلاة الجميع صلاة أحدكم) إذا صلّى (وحده
بخمس وعشرين جزءًا) بحذف التاء من خمس على تأويل الجزء
بالدرجة، أو لأن المميز غير مذكور، وفي أكثر الأصول، وصحح
عليه في اليونينية، بخمسة. بالتاء ولا إشكال فيه (وتجتمع)
بالواو الفوقية للكشميهني، وفي رواية
(2/27)
أبوي ذر والوقت يجتمع (ملائكة الليل
وملائكة النهار في صلاة الفجر) لأنه وقت صعودهم بعمل الليل
ومجيء الطائفة الأخرى لعمل النهار.
(ثم يقول أبو هريرة) مستشهدًا لذلك (فاقرؤوا وإن شئتم)
قوله تعالى ({إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ}) ولابن عساكر
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر {كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء من
الآية: 78] تشهده الملائكة.
649 - قَالَ شُعَيْبٌ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ
وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
(قال شعيب) أي ابن أبي حمزة (وحدّثني) بالإفراد بالسند
المذكور (نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما نحوه
إلا أنه (قال: تفضلها بسبع وعشرين درجة) فوافق رواية مالك
وغيره عن نافع كما سبق.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني وفيه ثلاثة من
التابعين، والتحديث والإخبار والعنعنة والسماع والقول.
650 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ
سَالِمًا قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ:
دَخَلَ عَلَىَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهْوَ مُغْضَبٌ،
فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا
أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- شَيْئًا إِلاَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ
جَمِيعًا".
وبه قال (حدّثنا عمر بن حفص) الكوفي (قال: حدّثنا أبي) حفص
بن غياث بن طلق النخعي (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن
مهران (قال: سمعت سالمًا) بن أبي الجعد (قال: سمعت أم
الدرداء) هجيمة الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية التي
اسمها خيرة (تقول: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب) بفتح
الضاد المعجمة (فقلت: ما أغضبك؟ فقال:) وللأصيلي وابن
عساكر قال (والله ما أعرف من أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا) أبقوه من الشريعة (إلاّ أنهم
يصلون) الصلاة حال كونهم (جميعًا) أي مجتمعين وهو أمر
نسبي، لأن ذلك كان في الزمن النبوي أتم مما صار إليه.
وللحموي وعزاها في الفتح لأبي الوقت: من أمر أمة محمد،
وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت: من محمد، أي: ما أعرف من
شريعة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا لم
يتغير عما كان عليه إلاّ الصلاة في جماعة، فحذف المضاف
لدلالة الكلام عليه.
ورواة هذا الحديث الأربعة كوفيون، وفيه رواية تابعية عن
صحابيّ، وتابعي عن تابعية، والتحديث والسماع والقول، وهو
من إفراد المؤلّف.
651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ
فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ
حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ
الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المعلى) بن كريب الهمداني الكوفي
(قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد
الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن أبي بردة) عامر أو الحرث
(عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس، رضي الله عنه،
ولابن عساكر: الأشعري (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أعظم الناس أجرًا) بالنصب على التمييز (في الصلاة أبعدهم)
بالرفع خبر أعظم الناس (فأبعدهم ممشى) بفتح الميم الأولى
وسكون الثانية، منصوب على التمييز أي: أبعدهم مسافة إلى
المسجد لأجل كثرة الخطأ إليه، ومن ثم حصلت المطابقة بين
الترجمة وهذا الحديث، لأن سبب أعظمية الأجْر في الصلاة بعد
الممشى للمشقة، وفي صلاة الفجر زيادة المفارقة النومة
المشتهاة، طبعًا مع مصادفة الظلمة أحيانًا.
وفاء فأبعدهم، قال البرماوي، كالكرماني للاستمرار نحو:
الأمثل فالأمثل، وتعقبه العيني بأنه لم يذكر أحد من النحاة
أن الفاء تجيء بمعنى الاستمرار، ثم رجح كونها هنا بمعنى
ثم، أي: أبعدهم. ثم أبعدهم ممشى.
(والذي ينتظر الصلاة حتى يصلّيها مع الإمام) ولو في آخر
الوقت (أعظم أجرًا من الذي يصلّي) في وقت الاختيار وحده أو
مع الإمام من غير انتظار (ثم ينام) كما أن بُعد المكان
مؤثر في زيادة الأجر كذلك طول الزمان للمشقة فيهما.
32 - باب فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ
(باب فضل التهجير) أي التبكير، وهو المبادرة في أول الوقت
(إلى) صلاة (الظهر) ذكر الظهر مع التهجير للتأكد، وإلا فهو
يدل عليه. وفي رواية لابن عساكر إلى الصلاة وهي أعمّ
وأشمل.
652 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ
مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي
بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ،
فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ».
[الحديث 652 - طرفه في: 2472].
وبالسند قال (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر والوقت: حدّثني
(قتيبة) ولابن عساكر: قتيبة بن سعيد الثقفي، مولاهم
البغلاني البلخي (عن مالك) إمام الأئمة (عن سمي) بضم السين
وفتح الميم
(مولى أبي بكر) وللأصيلي: أبي بكر بن عبد الرحمن، أي ابن
الحرث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني (عن أبي
صالح) ذكوان (السمان) كان يجلبه كالزيت للكوفة (عن أو
هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينما رجل) بالميم، وأصله: بين فأشبعت فتحة النون، فصارت
ألفًا، وزيدت الميم ظرف زمان، مضاف إلى جملة من فعل وفاعل
أو
(2/28)
مبتدأ وخبر، وهو هنا رجل، النكرة المخصصة
بالصفة، وهي قوله (يمشي بطريق) أي فيها وخبر المبتدأ قوله
(وجد غصن شوك على الطريق فأخره) عن الطريق وللحموي
والمستملي فأخذه (فشكر الله له) ذلك أي رضي فعله وقبله منه
وأثنى عليه (فغفر له) ذنوبه.
653 - ثُمَّ قَالَ «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ،
وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ،
وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وَقَالَ: «لَوْ
يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ
الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا
لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ». [الحديث 653 - أطرافه في: 720،
2829، 5733].
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (الشهداء خمسة:) جمع شهيد،
سمي بذلك لأن الملائكة يشهدون موته فهو مشهود، فعيل بمعنى
مفعول، ولأبي ذر عن الحموي خمس بغير تاء بتأويل الأنفس أو
النسمات، أو المميز غير مذكور فيجوز الأمران (المطعون) أي
الذي يموت في الطاعون، أي الوباء، (والمبطون): صاحب
الإسهال أو الاستسقاء، أو الذي يموت بداء بدنه: (والغريق)
بالياء بعد الغين المعجمة والراء وللأصيلي الغرق في الماء،
(وصاحب الهدم) بفتح الهاء وسكون الدال، أي الذي مات تحت
الهدم، (والشهيد) القتيل (في سبيل الله) أي الذي حكمه أن
لا يغسل ولا يصلّى عليه، بخلاف الأربعة السابقة.
فالحقيقة الأخير والذي قبله مجاز، فهم شهداء في الثواب
كثواب الشهيد.
وجوّز الشافعي الجمع بينهما، واستشكل التعبير بالشهيد في
سبيل الله، مع قوله: الشهداء خمسة، فإنه يلزم منه حمل
الشيء على نفسه، فكأنه قال: الشهيد هو الشهيد. وأجيب بأنه
من باب: أنا أبو النجم وشعري شعري، أو معنى، الشهيد
القتيل.
وزاد في الموطأ صاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت
بجمع.
وعند ابن ماجة من حديث ابن عباس: موت الغريب شهادة،
وإسناده ضعيف.
وعند ابن عساكر من حديث ابن عباس أيضًا الشريق، ومن أكله
السبع.
ويأتي مزيد لذلك في محاله إن شاء الله تعالى.
(وقال:) عليه الصلاة والسلام.
(لو يعلم الناس ما في النداء) التأذين للصلاة (والصف
الأوّل، ثم لم يجدوا) شيئًا (إلا أن يستهموا، لاستهموا
عليه) أي إلا أن يقترعوا عليه لاقترعوا، ولأبي ذر والأصيلي
وابن عساكر: إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه.
654 - وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ
لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي
الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
(ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما
في الحتمة والصبح لأتوهما ولو) كان إتيانًا (حبوًا) وفي
هذا المتن كما ترى ثلاثة أحاديث وكأن قتيبة حدث بذلك
مجموعًا من مالك فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار.
ورواته الخمسة كلهم مدنيون إلا قتيبة فبلخي، وفيه التحديث
والعنعنة.
وأخرج المؤلّف حديث: بينما رجل في الصلاة، ومسلم في الأدب،
والترمذي في البرّ، وقال: حسن صحيح. وحديث: الشهداء. في
الجهاد، وقوله: لو يعلم الناس ما في النداء، أخرجه المؤلّف
في الصلاة، والشهادة. وكذا النسائي.
وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، في محالها بعون
الله وقوّته.
33 - باب احْتِسَابِ الآثَارِ
(باب احتساب الآثار) أي الخطوات إلى المسجد للصلاة.
655 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ:
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا بَنِي سَلِمَةَ
أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ». وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي
قَوْلِهِ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قَالَ:
خُطَاهُمْ. [الحديث 655 - طرفاه في: 656، 1887].
وبالسند قال (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء
المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة آخره موحدة،
الطائفي (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي
(قال: حدّثنا) بالجمع وفي بعض الأصول: حدّثني (حميد)
الطويل (عن أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا بني سلمة) بفتح السين وكسر اللام بطن كبير من الأنصار
(ألا تحتسبون آثاركم) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه،
أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد، فإن بكل خطوة
إليه درجة، وإنما خاطبهم عليه الصلاة والسلام بذلك حين
أرادوا النقلة إلى قرب المسجد.
ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث
والعنعنة والقول.
(وقال مجاهد في) تفسير (قوله) تعالى ({ونكتب ما قدموا
وآثارهم} قال: خطاهم) رواه ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد
مما ذكره في تفسيره وللأصيلي وأبي ذر وقال: قال مجاهد:
خطاكم، آثار المشي بأرجلكم في الأرض. ولابن عساكر، قال
مجاهد: خطاهم: آثارهم، هي المشي في الأرض بأرجلهم.
656 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى
بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ حَدَّثَنِي أَنَسٌ:
"أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ
مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ فَكَرِهَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: أَلاَ تَحْتَسِبُونَ
آثَارَكُمْ". قَالَ مُجَاهِدٌ: خُطَاهُمْ: آثَارُهُمْ،
أَنْ يُمْشَى فِي الأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ.
وبه قال (حدّثنا) بواو العطف، ولغير أبي ذر، وقال (ابن أبي
مريم) سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي البصري
(أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (قال:
(2/29)
حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (قال:
حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه،
ولأبي ذر: عن أنس (أن بني سلمة) بكسر اللام (أرادوا أن
يتحوّلوا عن منازلهم) لكونها كانت بعيدة من المسجد
(فينزلوا) منزلاً (قريبًا من النبي) أي من مسجده (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) أنس: (فكره رسول الله)
ولأبي ذرّ: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يعروا المدينة) بضم المثناة التحتية وسكون العين المهملة
وضم الراء أي: يتركوها خالية، وللكشميهني: أن يعروا
منازلهم، فأراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن تبقى جهات المدينة عامرة بساكنيها، (فقال)
(لا تحتسبون أثاركم) أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى
المسجد، زاد في رواية الفزاري: في الحج، فأقاموا. ولمسلم،
من حديث جابر، فقالوا: ما يسرنا أنّا كنّا تحوّلنا (قال
مجاهد: خطاكم: آثارهم، أن يُمشى بضم أوّله وفتح ثالثه، وفي
رواية: أن يمشوا. وفي رواية لأبي ذر: (والمشي في الأرض
بأرجلهم).
وزاد قتادة فقال: لو كان الله عز وجل مغفلاً شيئًا من شأنك
يا ابن آدم، اغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى
على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى عليه هذا الأثر فيما
هو من طاعة الله تعالى، أو من معصيته. فمن استطاع منكم أن
يكتب أثره في طاعة الله فليفعل.
وأشار المؤلّف بهذا التعليق، المسوق مرتين، إلى أن قصة بني
سلمة كانت سبب نزول هذه الآية، وقد ورد مصرحًا به عند ابن
ماجة بإسناد قوي، وكذا عند ابن أبي حاتم، قال الحافظ ابن
كثير: وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة
بكمالها مكية اهـ.
قلت قال أبو حيان: السورة كلها مكية، لكن زعمت فرقة أن
قوله: {ونكتب ما قدّموا وآثارهم} نزل في بني سلمة من
الأنصار، وليس هذا زعمًا صحيحًا. اهـ. لكن يترجح الأوّل
بقوّة إسناده.
ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث
والقول.
34 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ
(باب فضل صلاة العشاء). حال كونها (في الجماعة) وسقط لفظ
صلاة لابن عساكر.
657 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ
صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ
وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا
لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ
الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ
النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلاً مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ
عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ».
وبالسند قال (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين (قال: حدّثنا
أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي.
(قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني)
بالإفراد (أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله
عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): (ليس صلاة أثقل) بالنصب، خبر ليس، كذا في
رواية الكشميهني، وفي رواية أبي ذر وكريمة عنه وللأكثرين:
ليس أثقل (على المنافقين)، بحذف اسم ليس (من الفجر). ولأبي
الوقت وابن عساكر: من صلاة الفجر (و) صلاة (العشاء) لأن
وقت الأولى وقت لذة النوم، والثانية وقت سكون واستراحة.
وفي تعبيره بالفعل التفضيل دلالة على أن الصلاة جميعها
ثقيلة على المنافقين، والصلاتان المذكورتان أثقل من غيرهما
لقوّة الداعي المذكور إلى تركهما، وأطلق عليهم النفاق، وهم
مؤمنون، على سبيل المبالغة في التهديد، لكونهم لا يحضرون
الجماعة ويصلون في بيوتهم من غير عذر ولا علة، وقد تقدم
التنبيه على ذلك في باب وجوب الجماعة (ولو يعلمون ما
فيهما) أي الفجر والعشاء من مزيد الفضل (لأتوهما) إلى
المسجد للجماعة (ولو) كان إتيانهم (حبوًا). يزحفون إذا
تعذّر مشيهم كما يزحف الصغير، ولم يفوتوا ما في مسجد
الجماعة من الفضل والخير، ومطابقة الحديث للترجمة في الجزء
الثاني. (لقد) بغير واو، ولأبوي ذر والوقت: ولقد (هممت أن
آمر) بالمدّ وضم الميم (المؤذن فيقيم ثم آمر) بالنصب عطفًا
على آمر المنصوب بأن مثل فيقيم (رجلاً يؤم) برفع الميم
(الناس) بنصب السين. والجملة في موضع نصب صفة لرجل المنصوب
بثم آمر (ثم آخذ شعلاً من نار) بضم الشين المعجمة وفتح
العين، والنصب مفعول آخذ المنصوب عطفًا على آمر (فأحرّق)
بفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة ونصب عطفًا على آخذ،
وللكشميهني: فأحرق بسكون الحاء، (على مَن لا يخرج إلى
الصلاة بعد) نقيض قبل، مبني على الضم. أي بعد أن يسمع
النداء إلى الصلاة.
وللكشميهني وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر:
(2/30)
يقدر، بمثناة تحتية فقاف ساكنة فدال مكسورة
فراء، بدل بعد. أي: لا يخرج إلى الصلاة حال كونه يقدر.
وفي رواية ادّعى في المصابيح أنها للجمهور: إلى الصلاة
بعذر، بموحدة ثم عين مهملة مضمومة فذال معجمة فراء، وهي
مشكلة لما لا يخفى، لا سيما ولم أرها في شيء من النسخ، نعم
وقع عند الداودي الشائع فيما نقله الزركشي والحافظ ابن
حجر: لا بعذر، بحرف النفي، وهي واضحة. لكن قال في الفتح:
لم نقف عليها في شيء من الروايات عند غيره.
ولأبي داود من حديث أبي هريرة: ثم آتي قومًا يصلون في
بيوهم ليس بهم علة فأحرقها عليهم.
35 - باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (اثنان فما فوقهما جماعة) كذا رواه ابن
ماجة من حديث أبي موسى، وكذا رواه غيره. وكلها ضعيفة.
658 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ
لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري
الثقة (قال: حدّثنا يزيد ابن زريع) الأوّل من الزيادة،
والثاني تصغير زرع، العايشي (قال: حدّثنا خالد) وللأصيلي:
خالد الحذاء (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد
(عن مالك بن الحويرث) بضم الحاء مصغرًا الليثي: رضي الله
عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال) لرجلين أتياه يريدان السفر:
(إذا حضرت الصلاة) المكتوبة (فأذنا وأقيما) أي أحدكما (ثم
ليؤمكما أكبركما).
فإن قلت ليس في حديث الباب ذكر صلاة الاثنين، وحينئذٍ فلا
مطابقة بينه وبين الترجمة، أجيب: بأنه بالاستنباط من لازم
الأمر بالإقامة، لأنه لو استوت صلاتهما معًا مع صلاتهما
منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة، كان يقول: أذنًا وأقيما
وصليا. قاله ابن حجر، وتعقبه العيني، بأن هذا اللازم لا
يستلزم كون الاثنين جماعة على ما لا يخفى، فكيف يستنبط منه
مطابقته للترجمة؟ وأجاب بأنه يمكن أن يذكره وجه، وإن كان
لا يخلو عن تكلف وهو أنه عليه الصلاة والسلام، إنما أمرهما
بإمامة أحدهما الذي هو أكبرهما، التحصيل لهما فضيلة
الجماعة. فصار الاثنان هاهنا كأنهما جماعة بهذا الاعتبار،
لا باعتبار الحقيقة.
وقال الدماميني: لما كان لفظ حديث الترجمة ضعيفًا، لا جرم
أن البخاري اكتفى عنه بحديث مالك بن الحويرث، ونبّه في
الترجمة عليه.
36 - باب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ
الصَّلاَةَ، وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ
(باب) بيان فضل (من جلس في المسجد) حال كونه (ينتظر
الصلاة) ليصلّيها مع الجماعة (و) بيان (فضل المساجد).
659 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي
عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ مَا لَمْ
يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.
لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ
الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ
إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ».
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي
الحارثي البصري المدني الأصل (عن مالك) هو ابن أنس، إمام
دار الهجرة (عن أبي الزناد) بالزاي المكسورة وبالنون، عبد
الله بن ذكوان القرشي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن
هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الملائكة تصلي على
أحدكم) أي تستغفر له (ما دام في مصلاه) ينتظر الصلاة وهل
المراد البقعة التي صلّى فيها من المسجد حتى لو انتقل إلى
بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المرتب عليه، أو
المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلّى فيه؟ يحتمل كلاًّ
منهما، والثاني أظهر بدليل رواية: ما دام في المسجد وبه
بوّب هنا، ويؤيد الأوّل ما في رواية مسلم وأبي داود: ما
دام في مجلسه الذي صلّى فيه، (ما لم يحدث) بإخراج شيء من
أحد السبيلين، أو فاحش من لسانه أو يده، حال كونهم، أي
الملائكة المصلين على المصلي، قائلين: (اللَّهمّ اغفر له،
اللهمّ ارحمه) وعبر: بتصلي ليناسب الجزاء العمل (لا) بغير
واو في رواية: ولا (يزال أحدكم في) ثواب (صلاة ما دامت
الصلاة تحبسه) أي مدّة دوام حبس الصلاة له، وللكشميهني: ما
كانت الصلاة تحبسه (لا يمنعه أن ينقلب) أي لا يمنعه
الانقلاب، وهو الرواح (إلى أهله إلاّ الصلاة) أي لا غيرها.
ومقتضاه أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه
الثواب المذكور، وكذا إذا شارك نيّة الانتظار أمر آخر.
660 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ
بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ
ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي
عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي
الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ
اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ
طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ:
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى
حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ،
وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.
[الحديث 660 - أطرافه في: 1423، 6479، 6806].
وبه قال (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد
المعجمة ولابن عساكر ابن بشار بندار وهو لقب محمد (قال:
حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بالتصغير،
العمري (قال:
حدّثني) بالإفراد (خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة
وموحدتين، أولاهما مفتوحة
(2/31)
بينهما مثناة تحتية، الأنصاري المدني (عن
حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو
جدّ عبيد الله المذكور، لأبيه، كما أنّ خبيبًا خاله (عن
أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:):
(سبعة) من الناس، (يظلهم الله في ظله) أي ظل عرشه (يوم لا
ظل) في القيامة ودنو الشمس من الخلق (إلاّ ظله) أحدهم.
(الأمام) الأعظم (العادل) التابع لأوامر الله، فيضع كل شيء
في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدّم على تاليه لعموم
نفعه، ويلتحق به من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه،
لحديث: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين
الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا.
(و) الثاني من السبعة (شاب نشأ في عبادة ربه) لأن عبادته
أشق لغلبة شهوته وكثرة الدواعي لطاعة الهوى، فلازمة
العبادة حينئذٍ أشدّ وأدلّ على غلبة التقوى، وفي الحديث
يعجب ربك من شاب ليست له صبوة.
(و) الثالث: (رجل قلبه معلق) بفتح اللام كالقنديل (في
المساجد) من شدة حبه لها، وإن كان جسده خارجًا عنها،
وكُنِّيَ به عن انتظار أوقات الصلوات، فلا يصلّي صلاة في
المسجد ويخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليصلّيها فيه فهو
ملازم للمسجد بقلبه وإن عرض لجسده عارض، وبهذا تحصل
المطابقة بين الحديث والترجمة.
ولأبي ذر عن المستملي والحموي: متعلق بزيادة مثناة فوقية
بعد الميم مع كسر اللام.
(و) الرابع: (رجلان تحابا في الله) أي لأجله لا لغرض دنيوي
(اجتمعا عليه) سواء كان اجتماعهما بأجسادهما حقيقة أم لا،
وللحموي والمستملي: اجتمعا على ذلك أي: على الحب في الله.
كالضمير في قوله (وتفرّقا عليه) أي استمرا على محبتهما
لأجله تعالى حتى فرّق بينهما الموت، ولم يقطعاها لعارض
دنيوي، وتحابا بتشديد الموحدة. وأصله، تحاببا. فلما اجتمع
المثلان أسكن الأوّل منهما وأدغم في الثاني، وليس التفاعل
هنا كهو، أي: أظهر الجهل من نفسه، والمحبة من نفسه. بل
المراد التلبس بالحب كقوله: باعدته فتباعد. فهو عبارة عن
معنى حصل عن فعل متعدّ.
وقع في رواية حماد بن زيد: ورجلان قال كل منهما للآخر: إني
أحبك في الله فصدرا على ذلك. (و) الخامس: (رجل طلبته ذات)
وفي رواية كريمة طلبته امرأة ذات (منصب) بكسر الصاد
المهملة، أصل أو شرف أو مال (وجمال) حسن للزنا (فقال)
بلسانه زجرًا لها عن الفاحشة، أو بقلبه زجرًا لنفسه: (اني
أخاف الله). زاد في رواية كريمة ربّ العالمين والصبر على
الموصوفة، بما ذكر من الأصل والشرف والمال والجمال المرغوب
فيها عادة، لعزّة ما جمع فيها من أكمل المراتب وأكمل
المناصب، لا سيما وقد أغنت عن مشاق التوصّل إليها بمراودة
ونحوها، وهي رتبة صدّيقية، ووراثة نبوية.
(و) السادس: (رجل تصدّق) تطوعًا حال كونه قد (أخفى)
الصدقة، ولأحمد: تصدق فأخفى. وللمؤلّف، في الزكاة، كمالك:
فأخفاها. فحمل على أن راوي الأوّل حذف العاطف.
وللأصيلي: تصدّق. إخفاء بكسر الهمزة والمدّ أي صدقة إخفاء.
فنصب بمصدر محذوف، أو حالاً من الفاعل، أي مخفيًّا. قال
البدر على تأويل المصدر باسم الفاعل جعل كأنه نفس الإخفاء
مبالغة (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) جملة في موضع
نصب بتعلم ذكرت للمبالغة في إخفاء الصدقة والإسرار بها.
وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما. أي لو قدّر أن الشمال
رجل متيقظ لما علم صدقة اليمين للمبالغة في الإخفاء فهو من
مجاز التشبيه أو من مجاز الحذف، أي حتى لا يعلم ملك شماله
أو حتى لا يعلم من على شماله من الناس، أو هو من باب تسمية
الكل بالجزء، فالمراد بشماله نفسه، أي أن نفسه لا تعلم ما
تنفق يمينه.
ووقع في مسلم: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ولا يخفى
أن الصواب ما في البخاري، لأن السُّنَّة المعهودة إعطاء
الصدقة باليمين لا بالشمال، والوهم فيه من أحد رواته، وفي
تعيينه خلاف. وهذا يسميه أهل الصناعة: المقلوب. ويكون في
المتن والإسناد.
(و) السابع: (رجل ذكر الله) بلسانه أو بقلبه حال كونه
(خاليًا) من الخلق لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء،
أو خاليًا من الالتفات إلى غير المذكور تعالى، وإن كان
(2/32)
في ملأ ويدل له رواية البيهقي بلفظ: ذكر
الله بين يديه (ففاضت عيناه) من الدمع لرقة قلبه وشدة خوفه
من جلاله أو مزيد شوقه إلى جماله. والفيض انصباب عن
امتلاء، فوضع موضع الإمتلاء للمبالغة، أو جعلت العين من
فرط البكاء كأنها تفيض بنفسها.
وذكر الرجال في قوله: ورجل لا مفهوم له، فتدخل النساء؟
نعم. لا يدخلن في الإمامة العظمى، ولا في خصلة ملازمة
المسجد، لأن صلاتهنّ في بيتهنّ أفضل، لكن يمكن في الإمامة
حيث يكن ذوات عيال فيعدلن، ولا يقال لا يدخلن في خصلة من
دعته امرأة لأنًّا نقول: إنه يتصور في امرأة دعاها ملك
جميل مثلاً للزنا، فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها. وذكر
المتحابين لا يصير العدد ثمانية لأن المراد عدّ الخصال لا
عدّ المتصفين بها.
ومفهوم العدد بالسبعة لا مفهوم له، بدليل ورود غيرها. ففي
مسلم من حديث أي اليسر مرفوعًا: من أنظر معسرًا أو وضع له
أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وزاد ابن حبّان، وصححه من حديث ابن عمر المغازي، وأحمد
والحاكم من حديث سهل بن حنيف عون المجاهد، وكذا زاد أيضًا
من حديثه: إرفاد الغارم، وعون المكاتب.
والبغوي في شرح السُّنَّة: التاجر الصدوق.
والطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف: تحسين الخلق.
ومن تتبع دواوين الحديث وجد زيادة كثيرة على ما ذكرته.
وللحافظ ابن حجر مؤلف سماه: (معرفة الخصال الموصلة إلى
الظلال). ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في الزكاة
والرقاق.
ورواته الستة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة
والقول، ورواية الرجل عن خاله وجده، وأخرجه في الزكاة وفي
الرقاق، ومسلم في الزكاة والنسائي في القضاء والرقاق.
661 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: "سُئِلَ
أَنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَخَّرَ
لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ،
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى
فَقَالَ: صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي
صَلاَةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا. قَالَ: فَكَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ".
وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي
(قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) هو ابن كثير الأنصاري
المدني (عن حميد) الطويل (قال: سئل أنس) وللأصيلي: أنس بن
مالك (هل اتخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خاتمًا؟ فقال: نعم) اتخذه (أخَّر ليلة صلاة
العشاء إلى شطر الليل) نصفه (ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم
(بعدما صلّى فقال):
(صلى الناس) أي غيركم ممن صلّى في داره أو مسجد قبيلته
(ورقدوا ولم تزالوا في) ثواب (صلاة منذ انتظرتموها) أي
الصلاة.
(قال) أنس: (فكأني) بالفاء وفي رواية وكأني (أنظر إلى وبيص
خاتمه) بكسر الموحدة آخره صاد مهملة أي بريقه ولمعانه.
وسبق الحديث في باب وقت العشاء إلى نصف الليل، وهو مطابق
للجزء الأوّل من الترجمة في قوله: ولم تزالوا في صلاة منذ
انتظرتموها. وبقية مباحثه تأتي في محالها إن شاء الله
تعالى.
37 - باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ
رَاحَ
بيان (فضل من غدا إلى المسجد ومن راح) إليه.
وللكشميهني: من خرج. بلفظ الماضي، وللحموي والمستملي: من
يخرج بلفظ المضارع، والأولى موافقة للفظ الحديث الآتي إن
شاء الله تعالى في الغدوّ والرواح، وأصل غدا: والأولى
موافقة للفظ الحديث الآتي إن شاء الله في الغدوّ والرواح،
وأصل غدا: خرج بغدوة، أي مبكرًا. وراح:
رجع بعشي، وقد يستعملان في الخروج مطلقًا توسعًا، وتبين
بالروايتين الأخيرتين أن المراد بالغدوّ الذهاب، وبالرواح
الرجوع.
662 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ
لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ
رَاحَ».
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني
البصري (قال: حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان الواسطي
(قال: أخبرنا محمد بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة
وكسر الراء المشدّدة وبالفاء، الليثي المدني، وفي رواية
ابن المطرّف: بالألف واللام (عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة
واللام، المدني، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه (عن عطاء
بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة، الهلالي،
مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث (عن أبي هريرة) رضي
الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال)
(من غدا إلى المسجد وراح أعدّ الله) أي هيّأ (له نزله) بضم
النون والزاي مكانًا ينزله (من الجنة) وقد تسكن الزاي كعنق
وعنق أو هيأ له ضيافته وللمستملي نزلاً بالتنكير ولابن
عساكر فى الجنة (كلما غدا أو راح) للطاعة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة والقول ورواية
(2/33)
تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه مسلم
أيضًا.
38 - باب إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ
الْمَكْتُوبَةَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أقيمت الصلاة) أي إذا شرع في
الإقامة لها (فلا صلاة) كاملة أو لا تصلوا حينئذٍ (إلا
المكتوبة).
هذا لفظ رواية مسلم والسنن الأربعة وغيرها، ولم يخرجها
البخاري لكونه اختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، لكن
حكمه صحيح، فذكره ترجمة، وساق لها ما يغني عنه. لكن حديث
الباب مختص بالصبح، وحديث الترجمة أعم لشموله كل الصلوات.
663 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ ... "
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا
بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ
حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنَ
الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكٌ ابْنُ بُحَيْنَةَ "أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَأَى رَجُلاً وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَثَ بِهِ النَّاسُ، وَقَالَ
لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا" تَابَعَهُ
غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ. وَقَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. وَقَالَ حَمَّادٌ: أَخْبَرَنَا
سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ.
وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى
القرشي المدني (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين،
الزهري المدني (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن (عن
حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب (عن عبد الله بن مالك)
هو ابن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة (ابن
بحينة) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية
وفتح النون آخره هاء تأنيث بنت الحرث بن المطلب بن عبد
مناف، وهي أم عبد الله، ويكتب ابن بحينة بزيادة ألف، ويعرب
إعراب عبد الله رضي الله عنه (قال: مر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل) هو عبد الله الراوي،
كما عند أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه
بلفظ: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ
به وهو يصلّي، ولا يعارضه ما عند ابني حبان وخزيمة: أنه
ابن عباس، لأنهما واقعتان (قال:) أي البخاري (وحدّثني)
بالإفراد (عبد الرحمن) زاد ابن عساكر: يعني ابن بشر، بكسر
الموحدة وسكون المعجمة، أي الحكم النيسابوري (قال: حدّثنا
بهز بن أسد) بفتح الموحدة وسكون الهاء آخره زاي، العمي
البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني)
بالإفراد، وللأصيلي: حدّثني بالإفراد أيضًا (سعد بن
إبراهيم) بسكون العين، ابن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت
حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب (قال: سمعت رجلاً من
الأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي، وللأصيلي من الأسد،
بالسين بدل الزاى، أي أسد شنوأة (يقال له: مالك بن بحينة)
تابع شعبة على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة، لكن حكم ابن
معين وأحمد والشيخان والنسائي والإسماعيلي والدارقطني
وغيرهم من الحفاظ بوهم شعبة في ذلك في موضعين، أحدهما: أن
بحينة أم عبد الله لا مالك. ثانيهما: أن الصحبة والرواية
لعبد الله لا لمالك.
ولم يذكر أحد مالكًا في الصحابة. نعم ذكره بعض من لا تمييز
له ممن تلقاه من هذا الإسناد (أن رسول الله رأى رجلاً وقد
أقيمت الصلاة) هو ملتقى الإسنادين، والقدر المشترك بين
الطريقين، إذ تقديره: مر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- برجل. أو قال: قد رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة،
أي نودي لها بالألفاظ المخصوصة، حال كونه (يصلّي ركعتين)
نفلاً، (فلما انصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) من صلاة الصبح (لاث به الناس) بالثاء المثلثة
أي داروا به وأحاطوا (فقال) ولغير ابن عساكر وقال (له) أي
لعبد الله المصلي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) موبخًا بهمزة الاستفهام الإنكاري الممدودة وقد
تقصر.
(الصبح) نصب بتقدير أتصلي الصبح حال كونه (أربعًا الصبح)
أي أتصلي الصبح حال كونه (أربعًا) ورفع بتقدير الصبح تصلي
أربعًا مبتدأ أو الجملة التالية خبره، والضمير المنصوب
محذوف.
وأعرب البرماوي كالكرماني أربعًا على البدلية من سابقه، إن
نصب، أو مفعول مطلق، إن رفع.
وابن مالك على الحال.
والمراد بذلك النهي عن فعله لأنها تصير صلاتين، وربما
يتطاول الزمان فيظن وجوبهما.
ولا ريب أن التفرغ للفريضة والشروع فيها تلو شروع الإمام
أولى من التشاغل بالنافلة، لأن التشاغل بها يفوّت فضيلة
الإحرام مع الإمام. وقد اختلف في صلاة سنة فريضة الفجر عند
إقامتها، فكرهها الشافعي وأحمد وغيرهما وقال الحنفية لا
بأس أن يصلّيها خارج المسجد إذا تيقن إدراك الركعة الأخيرة
مع الإمام، فيجمع بين فضيلة السُّنَّة وفضيلة الجماعة.
وقيّدوه بباب المسجد لأن فعلها في المسجد يلزم منه تنفله
فيه مع إشغال إمامه بالفرض، وهو مكروه لحديث: إذا أقيمت
الصلاة.
وقال المالكية لا تبتدأ صلاة بعد الإقامة لا فرضًا ولا
نفلاً لحديث: إذا أقيمت الصلاة
(2/34)
فلا صلاة إلا المكتوبة، أي الحاضرة. وإن
أقيمت وهو في صلاة قطع إن خشي فوات ركعة. وإلاّ أتم.
ورواة هذا الحديث ما بين نيسابوري ومدني وواسطي، وفيه
التحديث والقول واثنان من التابعين وأخرجه مسلم في الصلاة.
(تابعه) أي تابع بهز بن أسد في روايته عن شعبة بهذا
الإسناد (غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال
المهملة، محمد بن جعفر ابن زوج شعبة، مما وصله أحمد
(ومعاذ) بالذال المعجمة، ابن معاذ البصري، مما وصله
الإسماعيلي (عن شعبة) بن الحجاج في الرواية (عن مالك) أي
ابن بحينة ولأبوي ذر والوقت ومعاذ عن مالك (وقال ابن
اسحاق) محمد صاحب المغازي (عن سعد) بسكون العين، ابن
إبراهيم (عن حفص) هو ابن عاصم (عن عبد الله بن بحينة) وهذه
موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه، وهي الراجحة (وقال
حماد) هو ابن أبي سلمة لا ابن زيد (أخبرنا سعد عن حفص عن
مالك) فوافق شعبة في قوله عن مالك ابن بحينة والأول هو
الصواب كما مر.
39 - باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ
(باب) بيان (حد المريض) بالحاء المهملة أي ما يحدّ للمريض
(أن يشهد الجماعة) حتى إذا جاوز ذلك الحد لم يشرع له
شهودها.
وقال ابن بطال وغيره: معنى الحدّ هنا الحدة، كقول عمر في
أبي بكر: كنت أداري منه بعض الحد، أي الحدة، والمراد الحض
على شهودها. وقال ابن قرقول، مما عزاه للقابسي: باب جد
بالجيم، أي اجتهاد المريض لشهود الجماعة.
664 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ الأَسْوَدُ: قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ
عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ: لَمَّا
مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ
الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ
رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ
أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. وَأَعَادَ، فَأَعَادُوا لَهُ،
فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ
يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ.
فَخَرَجَ
أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً،
فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ
رِجْلَيْهِ تَِخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو
بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ مَكَانَكَ،
ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ". قِيلَ
لِلأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ،
وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ
بِرَأْسِهِ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ
عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ. وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ:
جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
يُصَلِّي قَائِمًا.
وبالسند قال (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين ولغير الأصيلي
زيادة ابن غياث (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأربعة حدّثنا
(أبي) حفص بن غياث بن طلق، بفتح الطاء وسكون اللام (قال:
حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (قال
الأسود) ابن يزيد بن قيس النخعي المخضرم الكبير (كنّا)
ولأبوي ذر والوقت: عن إبراهيم عن الأسود قال: كنا فقال:
الثانية ثابتة مع عن ساقطة مع قال الأسود كنا (عند) أم
المؤمنين (عائشة: رضي الله عنها، فذكرنا المواظبة على
الصلاة والتعظيم لها) بالنصب عطفًا على المواظبة (قالت)
عائشة: (لما مرض رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر:
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مرضه الذي
مات فيه) واشتد وجعه، وكان في بيت عائشة رضي الله عنها،
(فحضرت الصلاة) أي وقتها (فأذن) بالصلاة بالفاء وضم الهمزة
مبنيًّا للمفعول من التأذين وللأصيلي: وأذن، قال ابن حجر:
وهو أوجه. قال العيني: لم يبين وجه الأوجهية بل الفاء أوجه
على ما لا يخفى، انتهى. فليتأمل. وفي الفرع وأصله عن
الأصيلي: فأوذن بالفاء وبعد الهمزة المضمومة واو وتخفيف
المعجمة، وفي باب: الرجل يأتم بالإمام جاء بلال يؤذن
بالصلاة فاستفيد منه تسمية المبهم، وأن معنى أذن أعلم. قلت
وهو يؤيد رواية فأوذن السابقة.
تنبيه:
قال في المغني: لما، يكون جوابها فعلاً ماضيًا اتفاقًا
نحو: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ}
[الإسراء: 67]. وجملة اسمية مقرونة بإذا الفجائية نحو:
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ
يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] أو بالفاء عند ابن مالك نحو:
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ
مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32]. وفعلاً مضارعًا عند ابن عصفور
نحو: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ
وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} [هود: 74]. وهو
مؤوّل: يجادلنا. وقيل في آية الفاء: إن الجواب محذوف، أي
انقسموا قسمين، فمنهم مقتصد. وفي آية المضارع. إن الجواب
جاءته البشرى على زيادة الواو، أو محذوف، أي: أقبل
يجادلنا. قال ابن الدماميني: ولم يذكر في الحديث هنا بعد
لما فعلاً ماضيًا مجردًا من الفاء يصلح جوابًا للماء، بل
كلها بالفاء. اهـ.
قلت يحتمل أن يكون الجواب محذوفًا تقديره: لما مرض عليه
الصلاة والسلام، واشتد مرضه فحضرت الصلاة، فأذن أراد عليه
الصلاة والسلام استخلاف أبي بكر في الصلاة (فقال) لمن حضره
(مروا) بضمتين بوزن كلوا من غير همز تخفيفًا (أبا بكر)
الصديق رضي الله عنه (فليصلِّ بالناس)
بتسكين اللام الأولى وابن عساكر: فليصلّي بكسرها وإثبات
الياء المفتوحة بعد الثانية، والفاء عاطفة أي: فقولوا له
قولي فليصل، وقد خرج بهذا الأمر أن يكون من قاعدة الأمر
بالأمر بالفعل، فإن الصحيح في ذلك أنه ليس أمرًا بالفعل
(فقيل له) أي قالت عائشة له عليه الصلاة والسلام: (إن أبا
بكر رجل أسيف)
(2/35)
بهمزة مفتوحة وسين مهملة مكسورة بوزن فعيل،
بمعنى فاعل من الأسف، أي؛ شديد الحزن رقيق القلب سريع
البكاء (إذا قام مقامك) ولغير الأربعة: إذا قام في مقامك
(لم يستطع أن يصلّي بالناس) وفي رواية مالك عن هشام عنها
قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من
البكاء، فمر عمر (وأعاد) عليه الصلاة والسلام (فأعادوا) أي
عائشة ومن معها في البيت. نعم وقع في حديث أبي موسى فعادت،
ولابن عساكر فعاودت (له) عليه الصلاة والسلام تلك المقالة:
إن أبا بكر رجل أسيف، (فأعاده) عليه الصلاة والسلام المرة
(الثالثة) من مقالته: مروا أبا بكر فليصل بالناس (فقال)
فيه حذف بيّنه مالك في روايته الآتية إن شاء الله تعالى،
ولفظه: فقالت عائشة: فقلت لحفصة قولي له: إن أبا بكر إذا
قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء، فأمر عمر، فليصلّ
بالناس. ففعلت حفصة، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
مه (إنكن صواحب يوسف) الصديق، أي مثلهن في إظهار خلاف ما
في الباطن. فإن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن
الصديق لكونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها
زيادة على ذلك، وهو أن لا يتشاءم الناس به، وهذا مثل
زليخا، استدعت النسوة وأظهرت لهنّ الإكرام بالضيافة،
وغرضها أن ينظرن إلى حُسْن يوسف ويعذرنها في محبته، فعبر
بالجمع في قوله: إنكن، والمراد عائشة فقط. وفي قوله:
صواحب، والمراد زليخا كذلك (مروا أبا بكر فليصل بالناس)
بسكون اللام الأولى. وللأصيلي وابن عساكر: فليصلّي بكسرها
وياء مفتوحة بعد الثانية، وللكشميهني: للناس باللام بدل
الموحدة.
وفي رواية موسى بن أبي عائشة الآتية إن شاء الله تعالى:
فأتى بلال إلى أبي بكر فقال له: إن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن تصلي بالناس، فقال
أبو بكر، وكان رجلاً رقيقًا يا عمر، صلً بالناس. فقال له
عمر: أنت أحق بذلك مني (فخرج أبو بكر) رضي الله عنه (فصلى)
بالفاء وفتح اللام، ولأبوي ذر والوقت: يصلي، بالمثناة
التحتية بدل الفاء وكسر اللام، وظاهره أنه شرع فيها، فلما
دخل فيها (فوجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من نفسه خفة) في تلك الصلاة نفسها، لكن في رواية موسى بن
أبي عائشة: فصلّى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد من نفسه خفة
(فخرج يهادى) بضم أوله مبنيًّا للمفعول، أي: يمشي (بين
رجلين) العباس وعلي، أو بين أسامة بن زيد والفضل بن عباس،
معتمدًا عليهما متمايلاً في مشيه من شدة الضعف (كأني أنظر
رجليه) ولابن عساكر: إلى رجليه (يخطّان الأرض) أي: يجرهما
عليها غير معتمد عليهما (من الوجع) وسقط لفظ الأرض من
رواية الكشميهني، وعند ابن ماجة وغيره من حديث ابن عباس،
بإسناد حسن، فلما أحس الناس به
سبّحوا (فأراد أبو بكر) رضي الله عنه (أن يتأخر فأومأ إليه
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لضعف صوته أو
لأن مخاطبة
من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، وسقط لفظ النبي
في رواية الأصيلي (أن مكانك) نصب بتقدير الجزم، والهمزة
مفتوحة والنون مخففة (ثم أتي به) عليه الصلاة والسلام (حتى
جلس إلى جنبه) أي جنب أبي بكر الأيسر، كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في رواية الأعمش، وفي رواية موسى بن أبي عائشة:
فقال أجلساني إلى جنبه فأجلساه (فقيل للأعمش) سليمان بن
مهران بالفاء قبل القاف، ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر:
قيل للأعمش (وكان) بالواو، وللأربعة: فكان (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي، وأبو بكر يصلّي
بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر) أي بصوته الدالّ على
فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا أنهم
مقتدون بصلاته، لئلا يلزم الاقتداء بمأموم. ويأتي البحث
فيه إن شاء الله تعالى، ولأبوي ذر والأصيلي وابن عساكر:
والناس يصلون بصلاة أبي بكر (فقال) الأعمش (برأسه: نعم)
فإن قلت: ظاهر قوله فقيل للأعمش إلخ، إنه منقطع لأن الأعمش
لم يسنده، أجيب بأن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك
متصلاً بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة، وغيرها
قاله في الفتح (رواه) وفي رواية: ورواه أي الحديث المذكور
(أبو داود) الطيالسي
(2/36)
مما وصله البزار (عن شعبة عن الأعمش)
سليمان بن مهران (بعضه) نصب بدل من ضمير رواه، ولفظ
البزار: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- المقدم بين يدي أبي بكر. كذا رواه مختصرًا.
(وزاد معاوية) محمد بن حازم الضرير في روايته عن الأعمش،
مما وصله المؤلّف في باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس
بالمأموم، عن قتيبة عنه (جلس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (عن يسار أبي بكر) رضي الله عنه (فكان) وفي
رواية وكان (أبو بكر يصلّي) حال كونه (قائمًا) وعند ابن
المنذر من رواية مسلم بن إبراهيم عن شعيب: أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر.
وعند الترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، من رواية شعبة عن
نعيم بن أبي هند عن شقيق، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر.
فمن العلماء من رجح أن أبا بكر كان مأمومًا، لأن أبا
معاوية أحفظ لحديث الأعمش من غيره، واستدلّ الطبري بهذا
على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به، ويقتدي هو بغيره من
غير أن يقطع الصلاة، وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء
الصلاة، وعلى جواز تقدّم إحرام المأموم على الإمام بناءً
على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة، ثم قطع القدوة، وائتمّ
برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ومنهم من رجح أنه كان إمامًا لقول أبي بكر، الآتي في باب:
من دخل ليؤم الناس ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد جزم
بذلك الضياء، وابن ناصر، وقال أنه صحّ، وثبت أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر مقتديًا به
في مرضه الذي مات فيه، ولا ينكر هذا إلاّ جاهل انتهى.
وقد ثبت في صحيح مسلم أنه صلّى خلف عبد الرحمن بن عوف في
غزوة تبوك صلاة الفجر.
وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج لحاجته،
فقدّم الناس عبد الرحمن فصلّى بهم. فأدرك -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى الركعتين، فصلّى
مع الناس الركعة الأخيرة. فلما سلم عبد الرحمن قام النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتم صلاته، فأفزع ذلك
المسلمين، فأكثروا التسبيح. فلما قضى -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاته، أقبل عليهم ثم قال: أحسنتم. أو
قال: قد أصبتم. يغبطهم أن يصلوا لوقتها.
ورواه أبو داود بنحوه أيضًا. وقد روى الدارقطني، من طريق
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ما مات نبي حتى يؤمه رجل
من قومه.
ورواة حديث الباب كوفيون، وفيه رواية الابن عن الأب،
والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الصلاة، وكذا مسلم والنسائي وابن ماجة.
665 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ:
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: "لَمَّا ثَقُلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ
يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ. فَخَرَجَ بَيْنَ
رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ
الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ".
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ
عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي: وَهَلْ
تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟
قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
وبه قال (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان التيمي
الرازي (قال: أخبرنا) وللأصيلي: أخبرني، ولأبي ذر: حدّثنا
(هشام بن يوسف) الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين وسكون
العين المهملة بينهما ابن راشد البصري، (عن الزهري) محمد
بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد
الله) بضم العين الأولى مصغرًا وفتح الثانية، ابن عتبة بن
مسعود، أحد الفقهاء السبعة (قال: قالت) أم المؤمنين
(عائشة:) رضي الله عنها (لما ثقل النبي) بفتح المثلثة وضم
القاف أي ركضت أعضاؤه عن خفة الحركات وفي رواية لما ثقل
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واشتد
وجعه، استأذن أزواجه) أي طلب منهن الإذن (أن يمرّض في بيتي
فأَذِنّ) رضي الله عنهنّ (له) عليه الصلاة والسلام بفتح
الهمزة وكسر الذال المعجمة وتشديد نون جماعة النسوة (فخرج
بين رجلين تخطّ رجلاه الأرض، وكان) بالواو، وللأصيلي: فكان
(بين العباس) ولأبوي الوقت وذر، بين عباس (ورجل) وللأربعة:
وبين رجل (آخر) لم تسمِّه.
(قال عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة الذكور (فذكرت ذلك
لابن عباس) ولابن عساكر: فذكرت لابن عباس (ما قالت عائشة)
رضي الله عنها (فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسمِّ
عائشة؟ قلت: لا. قال: هو عليّ بن أبي طالب) رضي الله عنه.
زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر: ولكن عائشة
لا تطيب نفسًا له بخير، ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري:
ولكنها لا تقدر أن تذكره بخير.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين رازي ويماني وبصري ومدني،
وفيه رواية تابعي عن تابعي، وفيه التحديث والإخبار
والعنعنة والقول.
وأخرجه المؤلّف أيضًا في باب:
(2/37)
الغسل والوضوء من المخضب والخشب والحجارة
والصلاة والطب والمغازي والهبة والخمس وذكر استئذان
أزواجه، ومسلم والنسائي وابن ماجة.
40 - باب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ
يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ
(باب الرخصة) للرجل (في المطر) أي عند نزوله ليلاً أو
نهارًاً (و) عند (العلة) المانعة له من الحضور كالمرض
والخوف من ظالم والريح العاصف بالليل دون النهار والوحل
الشديد (أن يصلّي في رحله) أي في منزله ومأواه وذكر العلة
من عطف العامّ على الخاصّ لأنها أعمّ من أن تكون بالمطر أو
غيره مما ذكرته.
666 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ -فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ-
ثُمَّ قَالَ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ -إِذَا كَانَتْ
لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ- يَقُولُ: أَلاَ صَلُّوا
فِي الرِّحَالِ".
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال
أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (مالك) الإمام (عن نافع) مولى
ابن عمر (أن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أذن)
وللأصيلي: عن ابن عمر أنه أذن (بالصلاة في ليلة ذات برد)
بسكون الراء (وريح ثم قال: ألا صلوا في الرحال. ثم قال: إن
رسول الله -صلّى اله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت
ليلة ذات برد) بسكون الراء (ومطر يقول:) (ألا صلّوا في
الرحال). والمراد البرد الشديد والحر، كالبرد بجمع
المشقّة. وسواء كان ذلك المطر ليلاً أو نهارًا، وخصّوا
الريح العاصف، وبالليل لعظم مشقتها فيه دون النهار، وقاس
ابن عمر الريح على المطر بجامع المشقّة العامة، والصلاة في
الرحال أعم من أن تكون جماعة، أو منفردًا، لكنها مظنة
الانفراد.
والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد.
667 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ
الأَنْصَارِيِّ: "أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ
يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهْوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ
وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ
يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ
مُصَلًّى. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ
أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ،
فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-".
وبه قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(عن محمود بن الربيع) بفتح الراء (الأنصاري، أن عتبان)
بكسر العين
المهملة وسكون المثناة الفوقية وبالموحدة، (ابن مالك) هو
ابن عمرو بن العجلاني الأنصاري الخزرجي السالمي (كان يؤمّ
قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا رسول الله، إنها) أي القصة (تكون
الظلمة والسيل) سيل الماء. وكان تامة اكتفت بمرفوعها عن
الخبر (وأنا رجل ضرير البصر) أي ناقصه، قال ابن عبد البر:
كان ضرير البصر ثم عمي، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى:
وفي بصري بعض الشيء، ويقال للناقص: ضرير البصر، فإذا عمي
أطلق عليه ضرير من غير تقييد بالبصر، وذكر الثلاثة:
الظلمة، والسيل، ونقص البصر، وإن كان كل قدر منها كافيًا
في العذر عن ترك الجماعة ليبين كثرة موانعه، وأنه حريص على
الجماعة، (فصلّي يا رسول الله في بيتي مكانًا) نصب على
الظرفية وإن كان محدودًا لتوغله في الإبهام، فأشبه خلف
ونحوها، أو على نزع الخافض (أتخذه) بالجزم لوقوعه في جواب
الأمر، أي إن تصل فيه أتخذه وبالرفع، والجملة في محل نصب
صفة لمكانًا، أو مستأنفة لا محل لها (مصلّى) بضم الميم.
أي: موضعًا للصلاة، (فجاءه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أين تحب أن أصلي) من بيتك؟ (فأشار) عتبان له عليه الصلاة
والسلام (إلى مكان) معين (من البيت، فصلّى فيه رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وساق المؤلّف هذا الحديث مساق الاحتجاج به على سقوط
الجماعة للعذر، لكن قد يقال إنما يدل على الرخصة في ترك
الجماعة في المسجد لا على تركها مطلقًا، نعم يؤخذ من قوله:
فصل يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مصلّى صحة صلاة
المنفرد، إذ لو لم تصح لبيّن عليه الصلاة والسلام له ذلك
بأن يقول له مثلاً: لا تصح لك في مصلاك هذا صلاة حتى تجتمع
فيه مع غيرك. وفي الحديث من الفوائد جواز إمامة الأعمى،
واتخاذ موضع معين من البيت مسجدًا.
41 - باب هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ؟ وَهَلْ
يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يصلّي الإمام بمن حضر) من أصحاب
الأعذار المرخصة للتخلّف عن الجماعة؟ (وهل يخطب) الخطيب
(يوم الجمعة في المطر) إذا حضر، وهم أيضًا ويصلّي بهم
الجمعة؟ نعم يصلّي ويخطب من غير كراهة في ذلك. وحينئذ
فالأمر بالصلاة في الرحال للإباحة لا للندب.
668 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ
عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ
لَمَّا بَلَغَ "حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ" قَالَ قُلِ:
الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى
بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ: كَأَنَّكُمْ
أَنْكَرْتُمْ هَذَا، إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ
خَيْرٌ مِنِّي -يَعْنِي النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ
أَنْ أُحْرِجَكُمْ.
وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ
قَالَ: "كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ، فَتَجِيئُونَ
تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ".
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) البصري
وللأصيلي: ابن عبد الوهاب الحجبي، بفتح الحاء المهملة
والجيم وكسر الموحدة نسبة لحجابة الكعبة الشريفة (قال:
حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري
(قال: حدّثنا عبد الحميد) بن دينار الثقة (صاحب الزيادي،
قال: سمعت عبد الله بن الحرث) بالمثلثة ابن
(2/38)
نوفل بن الحرث بن عبد المطلب المدني، له
رؤية ولأبيه ولجدّه صحبة (قال: خطبنا ابن عباس في يوم ذي
ردغ) بفتح الراء وسكون الدال المهملتين آخره غين معجمة، أي
ذي وحل، وفي رواية: رزغ بالزاي بدل الدال (فأمر المؤذن لما
بلغ: حيّ على الصلاة.
قال: قل: الصلاة) بالرفع في الفرع وأصله أي الصلاة رخصة
(في الرحال) وبالنصب أي الزموها (فنظر بعضهم إلى بعض
كأنهم) وللأربعة: فكأنهم (أنكروا) ذلك (فقال) ابن عباس
لهم: (كأنكم أنكرتم هذا) الذي فعلته؟ (إن هذا فعله)
بفتحات، وللحموي والكشميهني: بكسر الفاء وسكون العين (من
هو خير مني، يعني النبي) ولأبوي ذر والوقت رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إنها) أي الجمعة
(عزمة) بفتح العين وسكون الزاي متحتمة (وإني كرهت) مع
كونها عزمة (أن أحرجكم) بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة
وفتح الجيم، أي كرهت أن أؤثمكم وأضيق عليكم، وللأصيلي:
كرهت أن أخرجكم، بالخاء المعجمة بدل الحاء المهملة.
(وعن حماد) بالعطف على قوله حدّثنا حماد بن زيد، وليس
بمعلق، وقد أخرجه في باب: الكلام في الأذان. عن مسدد عن
حماد عن أيوب وعبد الحميد وعاصم (عن عاصم) الأحول (عن عبد
الله بن الحرث) المذكور (عن ابن عباس) رضي الله عنهما
(نحوه) أي نحو الحديث المذكور بمعظم لفظه وجميع معناه (غير
أنه قال: كرهت أن أؤثمكم) بهمزة مضمومة ثم أخرى مفتوحة
وتشديد المثلثة، من التأثيم من باب التفعيل. أو أوثمكم:
مضارع آثمه بالمد أوقعه، في الإثم من الإيثام، من باب
الأفعال، بدل أن أحرجكم، وزاد قوله (فتجيئون) بالنون أي:
فأنتم تجيئون.
فيقطع عن سابقه، أو منصوب عطفًا على سابقه، على لغة من
يرفع الفعل، بعد أن قاله الزركشي، وتعقبه في المصابيح بأن
إهمال أن قليل، والقطع كثير مقيس. فلا داعي للعدول عنه إلى
الثاني، ولأبي ذر عن الكشميهني: فتجيئوا بحذف النون عطفًا
على ما قبله (تدوسون) أي وأنتم تطؤون (الطين إلى ركبكم).
669 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ:
جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ
-وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ- فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ،
فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى
رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ". [الحديث 669 -
أطرافه في: 813، 836، 2016، 2018، 2027، 2036، 2040].
وبه قال (حدّثنا مسلم) ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر:
مسلم بن إبراهيم أي الأزدي البصري (قال: حدّثنا هشام)
الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (قال: سألت أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري)
رضي الله عنه أي عن ليلة القدر كما بيّنه في الاعتكاف
(فقال: جاءت سحابة فمطرت حتى سال السقف) أي سال الماء الذي
أصاب سقف المسجد، كسال الوادي من باب ذكر المحل وإرادة
الحال (وكان) السقف (من جريد النخل) وهو القضيب الذي جرّد
عنه خوصه (فأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر
الطين في جبهته) الشريفة.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وأهوازي ويماني ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والسؤال والقول، وأخرجه أيضًا في
الاعتكاف وفي الصلاة في موضعين. وفي الصوم. وأبو داود في
الصلاة، والنسائي في الاعتكاف، وابن ماجة في الصوم.
670 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ:
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا
يَقُولُ: "قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنِّي لاَ
أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ -وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا-
فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَطَ لَهُ
حَصِيرًا، وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ صَلَّى عَلَيْهِ
رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ
لأَنَسٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ
صَلاَّهَا إِلاَّ يَوْمَئِذٍ". [الحديث 670 - طرفاه في:
1179، 6080].
وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (قال: حدّثنا أنس بن سيرين) أخو محمد بن سيرين
(قال: سمعت أنسًا) رضي الله عنه، وللأصيلي: أنس بن مالك
(يقول: قال رجل من الأنصار) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والرجل، قيل: هو عتبان بن مالك أو
بعض عمومة أنس، وقد يقال إن عتبان عمّ أنس مجازًا لكونهما
من الخزرج، لكن كلٌّ منهما من بطن: (إني لا أستطيع الصلاة
معك) أي في الجماعة في المسجد، وزاد عبد الحميد عن أنس،
وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي. (وكان رجلاً ضخمًا)
سمينًا وأشار به إلى علة تخلفه (فصنع للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا.
فدعاه إلى منزله، فبسط) بفتحات (له حصيرًا ونضح طرف
الحصير) تطهيرًا أو تليينًا لها (فصلّى) بالفاء، ولغير
الأربعة: صلّى (عليه) أي: على الحصير، زاد عبد الحميد
وصلينا معه (ركعتين، فقال رجل من آل الجارود:) بالجيم وضم
الراء وبعد الواو مهملة، ويحتمل أنه عبد الحميد بن المنذر
بن الجارود، كما عند ابني ماجة وحبّان،
(2/39)
من حديث عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين
عنه، عن أنس (لأنس) رضي الله عنه، وللأصيلي زيادة: ابن
مالك، مستفهمًا له بالهمزة (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي الضحى؟ قال) أنس: (ما رأيته
صلاها إلاّ يومئذٍ) نفي رؤيته، لا يستلزم نفي فعلها، فهو
كقول عائشة، رضي الله عنها: ما رأيته عليه الصلاة والسلام
يصلّيها. وقولها: كان يصلّيها أربعًا. فالمنفي رؤيتها له،
والمثبت فعله لها، بأخباره أو بأخبار غيره فروته.
وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، ومطابقة الحديث
للترجمة من جهة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّي بسائر
الحاضرين عند غيبة الرجل الضخم.
ورواته الأربعة ما بين عسقلاني وواسطي وبصري، وفيه التحديث
والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الضحى والأدب، وأبو داود
فى الصلاة.
42 - باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ،
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ
إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى
صَلاَتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) هل
يبدأ بالطعام أو بالصلاة؟ وحدد المؤلّف ذلك لينبّه على أن
الحكم فيه نفيًا وإثباتًا غير مجزوم به لقوّة الخلاف فيه،
(وكان ابن عمر) بن الخطاب، مما هو مذكور بمعناه في هذا
الباب (يبدأ بالعشاء) بفتح العين والمدّ خلاف الغداء.
(وقال أبو الدرداء،) مما وصله عبد الله بن المبارك في كتاب
الزهد، ومن طريقه، محمد بن نصر المروزي، في تعظيم قدر
الصلاة: (من فقه المرء إقباله على حاجته) أعمّ من الطعام
وغيره (حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ) من الشواغل
الدنيوية، ليقف بين يدي مالكه في مقام العبودية من
المناجاة على أكمل الحالات من الخضوع والخشوع الذي هو سبب
للفلاح {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ
فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2] والفلاح
أجمع: اسم لسعادة الدارين، وفقد الخشوع ينفيه.
671 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ
عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ
وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ».
[الحديث 671 - طرفه في: 5465].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة (قال: حدّثني)
بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (قال: سمعت عائشة) رضي الله
عنها (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه
قال):
(إذا وضع العشاء) أي عشاء مريد الصلاة، وللمؤلّف في
الأطعمة. إذا حضر، وهو أعمّ من الوضع، فيحمل قوله حضر، أي:
بين يديه. لتأْتلف الروايتان لاتحاد المخرج (وأقيمت الصلاة
فابدؤوا) ندبًا (بالعشاء) إذا وسع الوقت، واشتدّ التوقان
إلى الأكل.
واستنبط منه كراهة الصلاة حينئذٍ لما فيه من اشتغال القلب
عن الخشوع المقصود من الصلاة، إلا أن يكون الطعام مما يؤتى
عليه مرة واحدة: كالسويق واللبن. ولو ضاق الوقت بحيث. لو
أكل
خرج يبدأ بها ولا يؤخرها محافظة على حرمة الوقت، ويستحب
إعادتها عند الجمهور. وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
وعند المالكية يبدأ بالصلاة إن لم يكن معلق النفس بالأكل،
أو كان متعلقًا به. لكنه لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله
بدأ بالطعام واستحب له الإعادة والمراد بالصلاة هنا المغرب
لقوله في الحديث التالي: فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة
المغرب. لكن ذكر المغرب لا يقتضي الحصر فيها، فحمله على
العموم أولى نظرًا إلى العلّة، وهي التشويش المفضي إلى ترك
الخشوع، إلحاقًا للجائع بالصائم، وللغداء بالعشاء، لا
بالنظر إلى اللفظ الوارد.
672 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ
فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاَةَ
الْمَغْرِبِ وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ». [الحديث
672 - طرفه في: 5463].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف
(قال: حدّثنا الليث) بن سعد، إمام المصريين (عن عقيل) بضم
أوله وفتح ثانيه، ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس
بن مالك) رضي الله عنه (ان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال)
(إذا قدم العشاء) بضم القاف وكسر الدال المشددة وفتح
العين، وزاد ابن حبان والطبراني في الأوسط، من رواية موسى
بن أعين، عن عمرو بن الحرث، عن ابن شهاب: وأحدكم صائم.
وموسى ثقة. (فابدؤوا به) أي بالعشاء (قبل أن تصلوا صلاة
المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم) بفتح المثناة الفوقية
والجيم، وفي نسخة قيل إنها مسموعة على الأصيلي: ولا
تعجلوا. بضم الفوقية وفتح الجيم من الثلاثي فيهما، وروي:
تعجلوا. بضم أوّله وكسر ثالثه، من الإعجال.
وفيه كالسابق دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على
فضيلة أوّل الوقت، فإنهما لما تزاحما قدم الشارع الوسيلة
إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أوّل الوقت.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مصري وإيلي ومدني،
(2/40)
وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في
موضع آخر.
673 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي
أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ
وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلاَ
يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ
يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلاَةُ، فَلاَ
يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ
قِرَاءَةَ الإِمَامِ. [الحديث 673 - أطرافه في: 674،
5464].
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح
الموحدة، القرشي الكوفي الهباري، بفتح الهاء والموحدة
الثقيلة (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم
العين وفتح الموحدة،
ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، (عن نافع) مولى
ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (إذا
وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا) أنتم (بالعشاء)
بفتح العين (ولا يعجل) أحدكم (حتى يفرغ) من معكم (منه)
بالإفراد نظرًا إلى لفظ أحد، والجمع في: فابدؤوا نظرًا إلى
ضمير أحدكم. قاله الطيبي.
وأجاب البرماوي بأن النكرة في الشرط تعم، فيحتمل أن الجمع
لأجل عموم أحد. انتهى.
وإضافة عشاء لأحدكم تخرج عشاء غيره. نعم، لو كان جائعًا
واشتغل خاطره بطعام غيره فلينتقل إلى مكان غير ذلك المكان،
أو يأكل ما يُزيل به اشتغاله، ليتفرغ قلبه لمناجاة ربه في
صلاته.
ويؤيد هذا عموم قوله في رواية مسلم، من حديث عائشة: لا
صلاة بحضرة الطعام. واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله:
فبدؤوا. على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل. وأما من شرع
فيه ثم أقيمت الصلاة، فلا يتمادى، بل يقوم إلى الصلاة.
لكن صنيع ابن عمر بن الخطاب الذي أشار إليه المؤلّف بقوله:
(وكان ابن عمر) مما هو موصول عطفًا على المرفوع السابق
(يوضع له الطعام) وهو أعم من العشاء، (وتقام الصلاة)
مغربًا أو غيرها، لكن رواة السراج من طريق يحيى بن سعيد عن
عبيد الله عن نافع بلفظ: وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه (فلا
يأتيها) أي الصلاة (حتى يفرغ) من أكله. (وإنه يسمع قراءة
الإمام) وللكشميهني: وإنه ليسمع، بلام التأكيد يبطل ذلك.
قال النووي: وهو الصواب، وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له
وإلاّ فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ
من الطعام ما يدفع به شغل البال. نعم. الحكم يدور مع العلة
وجودًا وعدمًا، ولا يتقيد بكل ولا بعض.
674 - وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ
فَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ
أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ». رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ، وَوَهْبٌ
مَدِينِيٌّ.
(وقال زهير) بضم الزاي وفتح الهاء، ابن معاوية الجعفي، مما
وصله أبو عوانة في مستخرجه (ووهب بن عثمان) مما ذكر المصنف
أن شيخه إبراهيم بن المنذر، رواه عنه كما سيأتي قريبًا إن
شاء الله تعالى، (عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر)
رضي الله عنهما أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
(إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه
وإن أقيمت الصلاة) (رواه) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن
عساكر والأصيلي: قال أبو عبد الله، أي: البخاري، رواه أي:
الحديث المذكور (إبراهيم بن المنذر) أي شيخه (عن وهب بن
عثمان) السابق (ووهب مديني) بالياء بين الدال المكسورة
والنون، وفي رواية: مدني بإسقاطها. وفتح الدال، وكلاهما
نسبة لطيبة، رزقنا الله العود إليها بمنّه وكرمه على أحسن
حال، غير أن القياس فتح الدال والحديث من تعاليقه لا غير.
43 - باب إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلاَةِ
وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما
يأكل) أي الذي يأكله، أو وبيده الأكل أي المأكول.
675 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ ذِرَاعًا
يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَامَ
فَطَرَحَ السِّكِّينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى
الأويسي المدني (قال: حدّثنا إبراهيم) بن سعيد بن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني (عن صالح) هو
ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال:
أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو) بفتح العين (ابن أمية أن
أباه) عمرو بن أمية رضي الله عنه (قال: رأيت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل ذراعًا) من
الشاة (يحتز منها) بالحاء المهملة والزاي أي يقطع من لحمها
بالسكين (فدعي إلى الصلاة) بضم الدال، دعاه بلال إليها
(فقام) إليها (فطرح السكين) ألقاها من يده (فصلّى ولم
يتوضأ) قدم عليه الصلاة والسلام الصلاة على الأكل، وأمر
غيره بتقديم الأكل لعله أخذ من خاصة نفسه بالعزيمة، وأمر
غيره بالرخصة، لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوّته.
والاستدلال بفعله عليه الصلاة والسلام من كونه ألقى الكتف
أثناء أكله منها على أن الأمر في قوله: فابدؤوا بالعشاء،
للندب لا للإيجاب، إذ لو كان تقديم أكل واجبًا لما قام
عليه الصلاة
(2/41)
والسلام إلى الصلاة متعقب باحتمال أن يكون
عليه الصلاة والسلام قضى حاجته من الأكل، فلا تتم الدلالة.
ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإخبار
بالإفراد والعنعنة والقول.
44 - باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ
الصَّلاَةُ فَخَرَجَ
(باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج) إليها وترك
تلك الحاجة، وهذا بخلاف حضور الطعام، فإن فيه زيادة وتشوّق
تشغل القلب، ولو ألحقت به لم يبق للصلاة وقت في الغالب.
676 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ
قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟
قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي
خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ
إِلَى الصَّلاَةِ. [الحديث 676 - طرفاه في: 5363، 6039].
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف،
ابن عتيبة تصغير عتبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن
يزيد
النخعي (قال: سألت عائشة رضي الله عنها) فقلت لها
مستفهمًا: (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله)
بفتح الميم وقد تكسر مع سكون الهاء فيهما، وأنكر الأصمعي
الكسر، قال آدم بن أبي إياس في تفسيرها: (تعني) عائشة (في
خدمة أهله) نفسه أو أعم، كتفليته ثوبه، وحلبه شاته،
تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام، وللمستملي وحده: في مهنة
بيت أهله، وإضافة البيت للأهل لملابسة السكنى ونحوها،
وإلاّ فالبيت له عليه الصلاة والسلام، واسم كان ضمير
الشأن، وكررها القصد الاستمرار والمداومة وتفسير آدم
للمهنة موافق للجوهري، لكن فسرها في المحكم، بالحذق
بالخدمة والعمل. (فإذا حضرت الصلاة) ولابن عرعرة: فإذا سمع
الأذان (خرج) عليه الصلاة والسلام (إلى الصلاة) وترك حاجة
أهله. وهذا موضع الدلالة للترجمة.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والسؤال، وأخرجه أيضًا
في الأدب والنفقات، والترمذي في الزهد وقال: صحيح.
45 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهْوَ لاَ يُرِيدُ
إِلاَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُنَّتَهُ
(باب من صلّى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم) بضم الياء
وفتح العين وتشديد اللام مكسورة (صلاة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنته) بالنصب عطفًا على
صلاة.
677 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ
أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: "جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ
الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي
لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ، أُصَلِّي
كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي. فَقُلْتُ لأَبِي قِلاَبَةَ: كَيْفَ
كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا، قَالَ:
وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ
السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ
الأُولَى". [الحديث 677 - أطرافه في: 802، 818، 824].
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال:
حدّثنا وهيب) بضم الواو تصغير وهب، ابن خالد صاحب
الكرابيسي (قال: حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن
أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد الجرمي (قال:
جاءنا مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره
مثلثة، الليثي (في مسجدنا هذا) مسجد البصرة (فقال:)
وللأصيلي قال: (اني لأصلي بكم) بالموحدة، وللأصيلي: لأصلي
لكم: باللام أي لأجلكم، ولام للتأكيد وهي مفتوحة، (وما
أريد الصلاة) لأنه ليس وقت فرضها، أو كان قد صلاها، لكني
أريد تعليمكم صفتها المشروعة بالفعل كما فعل جبريل عليه
الصلاة والسلام، إذ هو أوضح من القول مع نيّة التقرب بها
إلى الله، أو ما أريد الصلاة فقط، بل أريدها وأريد معها
قرابة
أخرى، وهي تعليمها. فنية التعليم تبعًا، فيجتمع نيتان
صالحتان في عمل واحد، كالغسل بنية الجنابة والجمعة، (أصلي)
هذه الصلاة (كيف) أي على الكيفية التي (رأيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) وكيف، نصب بفعل مقدّر،
أي، لأريكم كيف رأيت. لكن كيفية الرؤية لا يمكن أن يريهم
إياها، فالمراد لازمها وهو كيفية صلاته عليه الصلاة
والسلام كما نبّه عليه الكرماني وأتباعه.
قال أيوب السختياني: (فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلّى؟
قال:) كان يصلّي (مثل) صلاة (شيخنا هذا) هو عمرو بن سلمة،
كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب: اللبث بين السجدتين
(قال) أيوب (وكان) أي عمرو (شيخًا) بالتنكير، وللأربعة:
وكان الشيخ (يجلس) جلسة خفيفة للاستراحة (إذا رفع رأسه من
السجود) الثاني (قبل أن ينهض في الركعة الأولى) وهو سُنّة
عندنا خلافًا لأبي حنيفة ومالك وأحمد، وحملوا جلوسه عليه
الصلاة والسلام على سبب ضعف كان به، أو بعدما كبر وأسنّ.
وتعقب بأن حمله على حالة الضعف بعيد، والأصل غيره، وبأن
سنّه عليه الصلاة والسلام لا يقتضي عجزه عن النهوض، لا
سيما وهو موصوف بمزيد القوة التامة، فثبتت المشروعية.
والسُّنّة في هذه المجلسة الافتراش للاتباع، رواه الترمذي،
وقال: حسن صحيح.
والجار والمجرور يتعلق بقوله: من السجود أي السجود الذي في
الركعة الأولى، لا ينهض، لأن النهوض يكون منها لا فيها.
ورواة هذا الحديث الخمسة
(2/42)
بصريون، وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي
والتحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا في الصلاة، وكذا
أبو داود والنسائي.
46 - باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ
بِالإِمَامَةِ
هذا (باب) بالتنوين (أهل العلم والفضل أحق بالإمامة) من
غيرهم ممن ليس عنده علم.
678 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي
مُوسَى قَالَ: "مَرِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ: مُرُوا
أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ:
إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ
يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. قَالَ: مُرُوا
أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَعَادَتْ. فَقَالَ:
مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ
صَوَاحِبُ يُوسُفَ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَصَلَّى
بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 678 - طرفه في: 3385].
وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق بن نصر)
بالصاد المهملة الساكنة، نسبة إلى جده لشهرته به، واسم
أبيه إبراهيم (قال: حدّثنا حسين) هو ابن علي بن الوليد
الجعفي الكوفي (عن زائدة) بن قدامة (عن عبد الملك بن عمير)
بضم العين وفتح الميم، ابن سويد الكوفي، (قال:
حدّثني) بالإفراد (أبو بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي
موسى) عبد الله الأشعري (قال: مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرضه الذي مات فيه (فاشتد مرضه)
وحضرت الصلاة (فقال) لمن حضره:
(مروا أبا بكر) رضي الله عنه (فليصل بالناس) بسكون اللام،
ولابن عساكر: فليصلّي بكسرها، وإثبات ياء مفتوحة بعد
الثانية، أي: فقولوا له قولي: فليصل بالناس.
(قالت عائشة) ابنته رضي الله عنها: (إنه رجل رقيق) قلبه
(إذا قام مقامك لم يستطع) من البكاء لكثرة حزنه ورقة قلبه
(أن يصلّي بالناس) (قال) عليه الصلاة والسلام للحاضرين
(مروا) وللأربعة: مري (أبا بكر) أمرًا لعائشة (فليصل
بالناس) بسكون اللام مع الجزم بحذف حرف العلة، ولابن عساكر
والأصيلي: فليصلّي بالناس، بكسرها وإثبات الياء المفتوحة،
كقراءة: يتقي ويصبر، برفع يتقي، وجزم يصبر. (فعادت) عائشة
إلى قوله: إنه رجل رقيق إلخ.
(فقال) عليه الصلاة والسلام لها (مري أبا بكر فليصلِّ
بالناس) بسكون اللام، ولابن عساكر: فليصلّي بكسر اللام مع
زيادة الياء المفتوحة آخره، (فإنكن) بلفظ الجمع على إرادة
الجنس، وإلا فالقياس أن يقول: فإنك، بلفظ المفردة (صواحب
يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام، تظهرن خلاف ما تبطن
كهنّ. وكان مقصود عائشة أن لا يتطيّر الناس بوقوف أبيها
مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
كإظهار زليخا إكرام النسوة بالضيافة، ومقصودها أن ينظرن
إلى حُسْن يوسف ليعذرنها في محبته (فأتاه الرسول) بلال
بتبليغ الأمر، والضمير المنصوب لأبي بكر فحضر (فصلّى
بالناس في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) إلى أن توفاه الله تعالى.
والإمامة الصغرى تدل على الكبرى، ومطابقة الحديث للترجمة
ظاهرة، فإن أبا بكر أفضل الصحابة، وأعلمهم وأفقههم، كما
يدل عليه مراجعة الشارع بأنه هو الذي يصلّي، والأصح أن
الأفقه أولى بالإمامة من الإقرار الأورع، وقيل: الأقرأ
أولى من الآخرين، حكاه في شرح المهذّب.
ويدل له فيما قيل حديث مسلم: إذا كانوا ثلاثة فليؤمّهم
أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم. وأجيب بأنه في المستوين في
غير القراءة كالفقه، لأن أهل العصر الأول كانوا يتفقهون مع
القراءة فلا يوجد قارئ إلاّ وهو فقيه، فالحديث في تقديم
الأقرأ من الفقهاء المستوين على غيره.
ورواة حديث الباب الستة كوفيون غير شيخ المؤلّف، وفيه
رواية تابعى عن تابعي عن صحابي، والتحديث بالإفراد والجمع،
والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء، ومسلم
في الصلاة.
679 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله
عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي مَرَضِهِ: مُرُوا
أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ:
قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ
يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ
فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ
لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ
فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ
فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَفَعَلَتْ
حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ
صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
لِلنَّاسِ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ
لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا".
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) إمام دار الهجرة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن
عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها، كذا رواه حماد عن مالك
موصولاً، وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلاً لم يذكر عائشة،
وسقط أم المؤمنين لأبي ذر (أنها قالت: إن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في مرضه:) الذي
توفي فيه:
(مروا أبا بكر يصلّي بالناس) (قالت عائشة) رضي الله عنها:
(قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من
البكاء) لرقة قلبه، (فمر عمر) بن الخطاب (فليصل بالناس)
بالموحدة، وللكشميهني. للناس باللام بدلها، ولابن عساكر:
فليصلّي بكسر اللام وإثبات ياء مفتوحة بعد الثانية (فقالت)
ولأبوي ذر والوقت: قالت (عائشة) رضي الله عنها: (فقلت)
بالفاء، ولأبي ذر: قلت (لحفصة) بنت عمر: (قولي له) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن أبا بكر إذا قام في مقامك
لم يسمع الناس
(2/43)
من البكاء، فمر عمر فليصل) بالجزم، ولابن
عساكر: فليصلّي (للناس) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر:
بالناس، بالموحدة بدل اللام، ولأبي ذر: يصلّي بالناس
بإسقاط الفاء واللام (ففعلت حفصة) ذلك (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (مه) اسم فعل مبني
على السكون، زجر بمعنى: اكففي (إنكن) ولأبي ذر في نسخة:
فإنكن (لأنتنّ صواحب يوسف) عليه الصلاة والسلام، أي مثلهن.
قال الشيخ عز الدّين ابن عبد السلام: وجه التشبيه بهنّ
وجود مكر في القصتين، وهو مخالفة الظاهر لما في الباطن،
فصواحب يوسف أتين زليخا ليعتبنها، ومقصودهنّ أن يدعون يوسف
لأنفسهن، وعائشة رضي الله عنها، كان مرادها أن لا يطير
الناس بأبيها لوقوفه مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر بأن سياق
الآية ليس فيه ما يساعده على ما قاله: (مروا أبا بكر فليصل
بالناس) وللكشميهني: للناس باللام، ولابن عساكر: فليصلّي
بالناس.
(فقالت حفصة لعائشة) رضي الله عنها (ما كنت لأصيب منك
خيرًا).
680 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ -وَكَانَ تَبِعَ
النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَدَمَهُ
وَصَحِبَهُ- أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي
وَجَعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ
الاِثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتْرَ
الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهْوَ قَائِمٌ كَأَنَّ
وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ.
فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَكَصَ
أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَشَارَ
إِلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، وَأَرْخَى السِّتْرَ،
فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ". [الحديث 680 - أطرافه في:
681، 754، 1205، 4448].
وبه قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال:
أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال:
أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك الأنصاري) رضي الله عنه،
(وكان تبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
العقائد والأفعال والأقوال والأذكار والأخلاق (وخدمه) عشر
سنين، (وصحبه) فشرف بترقّيه في مدارج السعادة، وفاز
بالحسنى وزيادة، (أن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه (كان
يصلّي بهم) إمامًا في المسجد النبوي، ولغير أبي ذر: يصلّي
لهم (في وجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين) يرفع يوم على أن
كان تامة، وبنصبه على الخبرية (وهم صفوف في الصلاة) جملة
حالية (فكشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ستر الحجرة) حال كونه (ينظر إلينا) وللكشميهني: فنظر
إلينا، (وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف) بفتح الراء وتثليث
ميم مصحف، ووجه التشبيه: رقة الجلد وصفاء البشرة، والجمال
البارع (ثم تبسم) عليه الصلاة والسلام حال كونه (يضحك) أي
ضاحكًا فرحًا باجتماعهم على الصلاة، واتفاق كلمتهم، وإقامة
شريعته: ولهذا استنار وجهه الكريم، لأنه كان إذا سر استنار
وجهه، ولابن عساكر: ثم تبسم فضحك، بفاء العطف (فهممنا) أي
قصدنا (أن نفتتن) بأن نخرج من الصلاة (من الفرح برؤية
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنكص أبو بكر
رضي الله عنه على عقبيه) بالتثنية أي رجع القهقرى (ليصل
الصف) أي: ليأتي إلى الصف (وظن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن أتموا صلاتكم،
وأرخى الستر، فتوفي) عليه الصلاة والسلام، وللكشميهني:
وتوفي (من يومه).
681 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: "لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ،
فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نَبِيُّ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحِجَابِ
فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا
كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ وَضَحَ لَنَا.
فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ،
وَأَرْخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الْحِجَابَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمر
المنقري المقعد البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد
(قال: حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) وللأصيلي: أنس
بن مالك (قال: لم يخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثلاثًا) أي ثلاثة أيام، وكان ابتداؤها من حين
خرج عليه الصلاة والسلام فصلّى بهم قاعدًا (فأقيمت الصلاة،
فذهب أبو بكر) حال كونه (يتقدم) ولأبي ذر: فتقدم، (فقال)
أي أخذ (نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالحجاب) الذي على الحجرة (فرفعه، فلما وضح) أي ظهر (وجه
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما رأينا)
وللكشميهني: ما نظرنا (منظرًا كان أعجب إلينا من وجه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين وضح) أي ظهر
(لنا، فأومأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بيده إلى أبي بكر أن يتقدم) أي بالتقدم إلى الصلاة ليؤم
بهم (وأرخى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات) بضم المثناة
التحتية وسكون القاف وفتح الدال مبنيًّا
للمفعول، وللأصيلي: نقدر بالنون المفتوحة وكسر الدال، وفيه
أن أبا بكر كان خليفة في الصلاة إلى موته عليه الصلاة
والسلام ولم يعزل كما زعمت الشيعة أنه عزل بخروجه عليه
الصلاة والسلام وتقدمه وتخلف أبي بكر.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وأخرجه مسلم في الصلاة.
682 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "لَمَّا اشْتَدَّ
بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا
بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ
الْبُكَاءُ. قَالَ: مُرُوهُ فَيُصَلِّي. فَعَاوَدَتْهُ
قَالَ: مُرُوهُ فَيُصَلِّي، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ
يُوسُفَ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَخِي
الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنِ
الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال
(2/44)
(حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي،
نزيل مصر، المتوفى بها سنة ثمان أو سبع وثلاثين ومائتين
(قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: حدّثني (ابن
وهب) عبد الله المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن
يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن حمزة) بالزاي أخي
سالم (بن عبد الله، أنه أخبره عن أبيه) عبد الله بن عمر بن
الخطاب رضي الله عنهما (قال: لما اشتد برسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه) الذي مات فيه (قيل له
في) شأن (الصلاة، فقال:) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر
قال:
(مروا أبا بكر فليصل بالناس) بالباء، ولابن عساكر:
فليصلّي، بكسر اللام الأولى وياء بعد الثانية.
(قالت عائشة: إن أبا بكر رجل رقيق) قلبه (إذا قرأ غلبه
البكاء، قال:) (مروه فيصلّي) بغير لام بعد الفاء، ولابن
عساكر: فيصلّي بلام مكسورة بعد الفاء، وياء مفتوحة بعد
اللام الثانية، ولأبي ذر والأصيلي، وفي نسخة لابن عساكر:
فليصل، بسكون اللام الأولى وحذف الياء الأخيرة، (فعاودته)
عائشة، ولأبي ذر: بنون الجمع. أي عائشة ومن حضر معها من
النساء. (قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر والأصيلي:
فقال: (مروه فيصلّي) وللأصيلي وأبي ذر: فليصل، ولابن
عساكر: بالياء المفتوحة بعد اللام (إنكن) ولأبي ذر
والأصيلي: فإنكن (صواحب يوسف).
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في عشرة النساء (تابعه)
أيّ تابع يونس بن يزيد (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة،
محمد بن الوليد الحمصي، مما وصله الطبراني في مسند
الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي. عنه موصولاً
موقوفًا (وابن أخي الزهري) محمد بن مسلم، مما وصله ابن عدي
من رواية
الدراوردي عنه، (وإسحاق بن يحيى الكلبي) الحمصي، مما وصله
أبو بكر بن شاذان البغدادي، في نسخة: إسحاق بن يحيى، رواية
يحيى بن صالح، الثلاثة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب.
(وقال عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد الأيلي مما
وصله الذهلي في الزهريات (وقال معمر): بفتح الميمين بينهما
عين مهملة ساكنة، ابن راشد، مما اختلف فيه فرواه عنه عبد
الله بن المبارك مرسلاً، مما أخرجه ابن سعد وأبو يعلى من
طريقه، ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولاً، إلا أنه قال: عن
عائشة بدل قوله: عن أبيه. كذا أخرجه مسلم (عن الزهري عن
حمزة) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
47 - باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ
(باب من قام) من المصلين (إلى جنب الإمام لعلّة) اقتضت
ذلك.
683 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
"أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي
مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ:
فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ، فَإِذَا أَبُو
بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ
اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ،
فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ
بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ".
وبالسند قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) البلخي (قال: حدّثنا)
وللأصيلي: قال أخبرنا (ابن نمير) عبد الله (قال: أخبرنا
هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) أم
المؤمنين (رضي الله عنها، قالت: أمر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا بكر) الصديق رضي الله عنه
(أن يصلّي بالناس في مرضه) الذي توفي فيه؛ (فكان يصلّي
بهم).
(قال عروة) بن الزبير بالإسناد السابق (فوجد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ولأبوي ذر
والوقت؛ والأصيلي؛ وابن عساكر: من (نفسه خفة، فخرج فإذا
أبو بكر يؤم الناس؛ فلما رآه أبو بكر استأخر) أي تأخر؛ وفي
اليونينية هنا مكتوب: إليه مرقوم عليه علامة السقوط
للأربعة مضروب عليه (فأشار إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أن كما أنت) أي: كالذي أنت عليه أو فيه من
الإمامة؛ فما موصولة، وأنت مبتدأ حذف خبره، والكاف
للتشبيه. أي: ليكن حالك في المستقبل مشابَها لحالك في
الماضي، أو الكاف زائدة، أي: الزم الذي أنت عليه، وهو
الإمامة (فجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حذاء أبي بكر) محاذيًا له بحيث لم يتقدم عقب
أحدهما على عقب الآخر (إلى جنبه) لا خلفه ولا قدامه،
واستشكل مطابقته للترجمة من حيث أن فيها من قام إلى جنب
الإمام، وأجيب بأنه كان قائمًا في الابتداء، جالسًا في
الانتهاء إلى جنبه، أو أنه قاس بالقيام على الجلوس، أو أن
أبا بكر هو القائم إلى جنب الإمام، وهو النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال البرماوي وهذا أظهر، والأصل
(2/45)
تقدم الإمام على المأموم في الموقف، فإن
تقدم بطلت صلاته، وتكره مساواته كما في المجموع، إلا إن
ضاق المكان، أو لم يكن إلا مأموم واحد، وكذا لو كانوا
عراة. ويقف بمكة خلف الإمام وليستديروا، ولو قربوا إلى
الكعبة إلا في جهته. (فكان أبو بكر) قائمًا (يصلّي بصلاة
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو قاعد
(والناس) قائمون (يصلون بصلاة أبي بكر) كالمبلغ لهم، وسقط
لفظ يصلون في رواية أبي ذر.
وفي الحديث صحة قدوة القائم بالقاعد، والمضطجع والقاعد
بالمضطجع، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى
في
مرض موته قاعدًا وأبو بكر والناس قيامًا، فهو ناسخ في
الصحيحين وغيرها، إنما جعل الإمام ليؤتم به، من قوله: وإذا
صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين، وقيس المضطجع على
القاعد، فقدوة القاعد به من باب أولى.
وفي حديث الباب، التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه
مسلم في الصلاة.
48 - باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ
الإِمَامُ الأَوَّلُ فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ
يَتَأَخَّرْ جَازَتْ صَلاَتُهُ. فِيهِ عَائِشَةُ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب من دخل) المحراب مثلاً (ليؤمّ الناس) نائبًا عن
الإمام الراتب، (فجاء الإمام) الأوّل الراتب (فتأخر
الأوّل) الذي أراد أن ينوب عن الراتب، فهو أول بالنسبة
لهذه الصلاة، وذاك أوّل لكونه راتبًا، فالقرينة صارفة
العينية إلى الغيرية على ما لا يخفى، وللأصيلي في نسخة:
فتأخر الآخر (أو لم يتأخر جازت صلاته).
أي في التأخر وعدمه ما روته (عائشة) رضي الله عنها (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فالأول، ما
رواه عنها عروة في الباب السابق، ولفظه: فلما رآه استأخر،
والثاني، ما رواه عبيد الله عنها في باب حدّ المريض،
ولفظه: فأراد أن يتأخر.
684 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ "أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَهَبَ إِلَى
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ،
فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ:
نَعَمْ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ فِي
الصَّلاَةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ،
فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ
فِي صَلاَتِهِ. فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ
الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِ امْكُثْ
مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدَيْهِ
فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ
اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ،
وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَبَا
بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ
أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ
التَّصْفِيقَ؟ مَنْ رَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ
فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ
إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ". [الحديث
684 - أطرافه في: 1291، 1204، 1218، 1234، 2690، 2693،
7190].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم بن دينار) بالحاء
المهملة والزاي، واسمه سلمة (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء
والعين (الساعدي) الأنصاري، رضي الله عنه (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذهب) في أناس من
أصحابه بعد أن صلّى الظهر (إلى بني عمرو بن عوف) بفتح
العين فيهما، ابن مالك من الأوس، والأوس أحد قبيلتي
الأنصار، وكانت منازلهم بقباء (ليصلح بينهم)، لأنهم
اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، (فحانت الصلاة) أي صلاة
العصر (فجاء المؤذن) بلال (إلى أبي بكر) بأمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حيث قال له كما عند
الطبراني، إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصلّ
بالناس، (فقال) له (أتصلي للناس) باللام، وللأصيلي: بالناس
في أوّل الوقت، أو تننتظر قليلاً ليأتي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فرجع عند أبي بكر المبادرة
لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة. (فأقيم).
بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: فأنا أقيم، أو بالنصب جواب
الاستفهام. (قال:) أبو بكر رضي الله عنه. (نعم) أقم الصلاة
إن شئت، (فصلّى أبو بكر) أي: دخل في الصلاة (فجاء رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) دخلوا
مع أبي بكر (في الصلاة) جملة حالية، (فتخلص) من شق الصفوف
(حتى وقف في الصف) الأوّل، وهو جائز للإمام، مكروه لغيره.
وفي رواية مسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف، وفي رواية
عبد العزيز: يمشي في الصفوف: (فصفق الناس) أي ضرب كل يده
بالأخرى حتى سمع لها صوت، لكن في رواية عبد العزيز: فأخذ
الناس في التصفيح، بالحاء المهملة. قال سهل: أتدرون ما
التصفيح؟ هو التصفيق، وهو يدل على ترادفهما عنده. (وكان
أبو بكر) رضي الله عنه (لا يلتفت في صلاته) لأنه اختلاس
يختلسه الشيطان من صلاة الرجل، رواه ابن خزيمة: (فلما أكثر
الناس التصفيق التفت) رضي الله عنه (فرأى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأشار إليه رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن امكث مكانك) أي
أشار إليه بالمكث (فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه)
بالتثنية (فحمد الله) تعالى بلسانه (على ما أمره به) ولأبي
ذر في نسخة وأبي الوقت: على ما أمر به (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك) أي من الوجاهة في
الدين، وليس في رواية الحميدي عن سفيان حيث قال: فرفع أبو
بكر رأسه إلى السماء شكرًا لله تعالى، ما يمنع ظاهر قوله:
(2/46)
فحمد الله من تلفظه بالحمد (ثم استأخر) أي
تأخر (أبو بكر) رضي الله عنه من غير استدبار للقِبلة ولا
انحراف عنها (حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى) بالناس.
واستنبط منه: أن الإمام الراتب إذا حضر بعد أن دخل نائبه
في الصلاة يتخير: بين أن يأتم به أو يؤم هو، ويصير النائب
مأمومًا، من غير أن يقطع الصلاة، ولا تبطل بشيء من ذلك
صلاة أحد
من المأمومين. والأصل عدم الخصوصية خلافًا للمالكية، وفيه
جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وإن المرء قد يكون في بعض
صلاته إمامًا وفي بعضها مأمومًا.
(فلما انصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
الصلاة (قال):
(يا أبا بكر ما منعك أن تثبت) في مكانك (إذ) أي حين
(أمرتك). (فقال أبو بكر) رضي الله عنه (ما كان لابن أبي
قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء،
عثمان بن عامر، أسلم في الفتح وتوفي سنة أربع عشرة في
خلافة عمر رضي الله عنه، وعبر بذلك دون أن يقول: ما كان لي
أو لأبي بكر، تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته (أن يصلّي
بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أي: قدامه إمامًا به.
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ما
لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابه) بالراء، وللأربعة:
نابه أي أصابه (شيء في صلاته فليسبح) أي فليقل: سبحان
الله، كما في رواية يعقوب بن أبي حازم (فإنه إذا سبح التفت
إليه) بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول (وإنما التصفيق
للنساء). زاد الحميدي والتسبيح للرجال.
وبهذا قال مالك، والشافعي وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور.
وقال أبو حنيفة ومحمد: متى أتى بالذكر جوابًا بطلت صلاته،
وإن قصد به الإعلام بأنه في الصلاة لم تبطل، فحملا التسبيح
المذكور على قصد الإعلام بأنه في الصلاة، من نابه، على
نائب مخصوص، وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة. والأصل عدم
هذا التخصيص لأنه عامّ لكونه في سياق الشرط، فيتناول كلاًّ
منهما. فالحمل على أحدهما من غير دليل لا يصار إليه، لا
سيما التي هي سبب الحديث، لم يكن القصد فيها إلاّ تنبيه
الصديق على حضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فأرشدهم صلوات الله عليه وسلامه إلى أنه كان حقهم عند هذا
النائب التسبيح، ولو خالف الرجل المشروع في حقه وصفق لم
تبطل صلاته، لأن الصحابة صفقوا في صلاتهم ولم يأمرهم النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإعادة، لكن ينبغي
أن يقيد بالقليل، فلو فعل ذلك ثلاث مرات متواليات بطلت
صلاته لأنه ليس مأذونًا فيه.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ما لي رأيتكم أكثرتم
التصفيق؟ مع كونه لم يأمرهم بالإعادة، فلأنهم لم يكونوا
علموا امتناعه: وقد لا يكون حينئذٍ ممتنعًا، أو أراد إكثار
التصفيق من مجموعهم، ولا يضرّ ذلك إذا كان كل واحد منهم لم
يفعله ثلاثًا.
واستنبط منه. أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء يفهم منه
إكرامه به لا يتحتم عليه ولا يكون تركه مخالفة للأمر، بل
أدبًا وتحريًا في فهم المقاصد. وبقية ما يستنبط منه يأتي
إن شاء الله تعالى في محاله.
ورواته الأربعة ما بين تنيسي ومدني، وفيه التحديث والإخبار
والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة في مواضع، وفي
الصلح والأحكام، ومسلم وأبو داود والنسائي.
49 - باب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ
فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
هذا (باب) بالتنوين (إذا استووا) أي الحاضرون للصلاة (في
القراءة فليؤمهم أكبرهم) سنًّا.
685 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ
عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: "قَدِمْنَا عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ
شَبَبَةٌ فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ
لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَحِيمًا فَقَالَ: لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى
بِلاَدِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا
صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ
كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ
أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء وسكون
الراء المهملتين آخره موحدة (قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو
ابن درهم، (عن أيوب) السختياني، (عن أبي قلابة) عبد الله
بن زيد الجرمي، (عن مالك بن الحويرث) بالحاء المهملة
المضمومة آخره مثلثة، مصغرًا (قال: قدمنا على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في نفر من قومي
(ونحن شببة) بفتح الشين المعجمة والموحدتين، جمع شاب زاد
في الأدب: متقاربون أي في السن. (فلبثنا عنده) عليه الصلاة
والسلام (نحوًا من عشرين ليلة) بأيامها (وكان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رحيمًا) زاد في رواية
ابن علية وعبد الوهاب: رفيقًا، فظن أنّا اشتقنا إلى
أهالينا، فسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه (فقال): (لو
رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم) دينهم
(2/47)
(مروهم) استئناف كأنه قيل: ماذا نعلمهم؟
فقال: مروهم (فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في
حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم
أكبركم) سنًا في الإسلام. أي عند تساويهم في شروط الإمامة،
وإلاَّ فالأفقه والأقرأ مقدّمان عليه، والأوّل على الثاني،
لأنه يحتاج في الصلاة إلى الأفقه لكثرة الوقائع بخلاف
الأقرأ، فإن ما يحتاج إليه من القراءة مضبوط. وقيل: الأقرأ
مقدّم عليه. حكاه في شرح المهذّب.
ويدل له ما في حديث مسلم: إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم،
وأحقهم بالإمامة أقرؤهم.
وأجيب بأنه في المستوين في غير القراءة. كالفقه، لأن
الصحابة كانوا يتفقهون مع القراءة، فلا يوجد قارئ إلاّ وهو
فقيه. فالحديث في تقديم الأقرأ من الفقهاء المستوين في
غيره.
50 - باب إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَومًا فَأَمَّهُمْ
هذا (باب) بالتنوين (إذا زار الإمام قومًا فأمّهم) في
الصلاة بإذنهم له.
686 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ
عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ:
"اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ
أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى
الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا
خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا".
وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي، نزيل البصرة
(قال: أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (عبد الله) بن المبارك
(قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم
بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح
الراء، الأنصاري (قال: سمعت عتبان بن مالك) بكسر العين
الأنصاري الأعمى (قال: استأذن النبي) وللكشميهني: استأذن
عليّ النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأذنت
له، فقال:) (أين تحب أن أصلي من بيتك).
(فأشرت له إلى المكان الذي أحب فقام) عليه الصلاة والسلام،
(وصففنا) بفتح الفاء الأولى وسكون الثانية جمع للمتكلم،
وفي رواية: وصفّنا بتشديد الفاء، أي فصفّنا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خلفه، ثم سلم وسلمنا) ولأبي
ذر، وابن عساكر: فسلمنا، بالفاء بدل الواو.
واستنبط منه أن مالك الدار أولى بالإمامة. وأن الإمام
الأعظم أو نائبه، في محل ولايته، أولى من المالك. وكذا
الأفقه.
وفي مسلم: لا يُؤمّن الرجل في سلطانه. وفي رواية لأبي
داود: في بيته ولا في سلطانه. فإن قلت إن الإمام الأعظم
سلطان على المالك فلا يحتاج إلى استئذانه، أجيب: بأن في
الاستئذان رعاية الجانبين.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصريّ ومروزي ومدني، وفيه
رواية تابعي عن تابعي، وصحابي عن صحابي، والتحديث
والإخبار.
إلى هنا سقطت الأبواب والتراجم، ومن هنا سقط الأبواب دون
التراجم من سماع كريمة، كذا في اليونينية.
51 - باب إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
وَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهْوَ
جَالِسٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ
يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ
الإِمَامَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ -فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإِمَامِ
رَكْعَتَيْنِ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ: يَسْجُدُ
لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي
الرَّكْعَةَ الأُولَى بِسُجُودِهَا. وَفِيمَنْ نَسِيَ
سَجْدَةً حَتَّى قَامَ: يَسْجُدُ.
هذا (باب) بالتنوين (إنما جعل الإمام ليؤتَم به) أي:
ليُقتدى به في أفعال الصلاة، بأن يتأخر ابتداء فعل المأموم
عن ابتداء فعل الإمام، ويتقدم ابتداء فعل المأموم على فراغ
الإمام، فلا يجوز له التقدّم عليه ولا التخلّف عنه.
نعم يدخل في عموم قوله: إنما جعل الإمام ليؤتم به، التخصيص
كما أشار إليه المؤلّف بقوله مصدرًا به الباب، مما وصله
فيما سبق عن عائشة رضي الله عنها: (وصلّى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه الذي
توفي فيه بالناس وهو جالس) أي والناس خلفه قيامًا، ولم
يأمرهم بالجلوس. فدلّ على دخول التخصيص في العموم السابق.
(وقال ابن مسعود) رضي الله عنه، مما وصله ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح بمعناه: (إذا رفع) المأموم رأسه من الركوع أو
السجود (قبل الإمام، يعود بقدر ما رفع ثم يتبع الإمام).
مذهب الشافعي: إذا تقدم المأموم بفعل، كركوع وسجود، إن كان
بركنين، وهو عامد عالم بالتحريم بطلت صلاته وإلا فلا.
(وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن المنذر في كتابه
الكبير، ورواه سعيد بن منصور عن هشيم. عن يونس عنه بمعناه،
(فيمن يركع مع الإمام ركعتين ولا يقدر على السجود) لزحام
ونحوه، والغالب كون ذلك يحصل في الجمعة؛ (يسجد للركعة
الآخرة) ولأبي ذر وابن عساكر: الأخيرة، (سجدتين، ثم يقضي
الركعة الأولى بسجودها) إنما لم يقل الثانية لاتصال الركوع
الثاني به، وهذا وجه عند الشافعية، والأصح أنه يحسب ركوعه
الأول لأنه أتى به وقت الاعتداد بالركوع، والثاني
للمتابعة، فركعته، ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية
الذي يأتي به، ويدرك بها الجمعة في الأصح. (و) قال الحسن
أيضًا، مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه (فيمن نسي سجدة حتى
قام: يسجد) أي يطرح
(2/48)
القيام الذي فعله على غير نظم الصلاة ويجعل
وجوده كالعدم.
687 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ:
"دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَلاَ تُحَدِّثِينِي
عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟
قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. قَالَ: ضَعُوا لِي
مَاءً فِي الْمِخْضَبِ. قَالَتْ: فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ
فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ
فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَصَلَّى
النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ. قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ.
قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ
فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى
النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ. فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ،
فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ
عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟
فَقُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ- وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ
يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِصَلاَةِ
الْعِشَاءِ الآخِرَةِ- فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ
يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا- يَا عُمَرُ صَلِّ
بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ
بِذَلِكَ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ. ثُمَّ
إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
-أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ- لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو
بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ
ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنْ لاَ
يَتَأَخَّرَ، قَالَ: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ،
فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ فَجَعَلَ
أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهْوَ يَأْتَمُّ بِصَلاَةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالنَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَاعِدٌ". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلاَ
أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ:
هَاتِ. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا. فَمَا أَنْكَرَ
مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ
الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ هُوَ عَلِيٌّ.
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده لشهرته به،
واسم أبيه عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي (قال: حدّثنا
زائدة) بن قدامة البكري الكوفي (عن موسى بن أبي عائشة)
الهمداني الكوفي (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن
عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية، ابن مسعود، أحد
الفقهاء السبعة، وسقط عند الأربعة: ابن عتبة (قال: دخلت
على عائشة) رضي الله عنها (فقلت) لها: (ألا) بالتخفيف
للعرض والاستفتاح (تحدّثيني عن مرض رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: بلى،) أحدّثك، (ثقل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم القاف،
اشتد مرضه، فحضرت الصلاة (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(أصلّى الناس)؟ (قلنا: لا. هم) ولأبي ذر: فقلنا: لا يا
رسول الله، وهم. ولأبي الوقت: فقلنا: لا هم (ينتظرونك
قال): (ضعوا لي ماء) ولأبي ذر عن المستملي والحموي: ضعوني،
أي أعطوني ماء. أو على نزع الخافض، أي: ضعوني في ماء (في
المخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين، ثم
موحدة: المركن، وهو الإحانة.
(قالت) عائشة (ففعلنا) ما أمر به (فاغتسل) وللمستملي:
ففعلنا فقعد فاغتسل (فذهب) وللكشميهني: ثم ذهب (لينوء)
بنون مضمومة ثم همزة، أي: لينهض بجهد ومشقة (فأغمي عليه)
واستنبط منه جواز الإغماء على الأنبياء لأنه مرض من
الأمراض بخلاف الجنون فإنه نقص، وقد كملهم الله تعالى
بالكمال التام.
(ثم أفاق فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أصلّى الناس)؟ (قلنا: لا). أي لم يصلوا، (هم ينتظرونك يا
رسول الله، قال): ولغير الأربعة: فقال: (ضعوا لي) وللحموي
والكشميهني: ضعوني (ماء في المخضب)، وفي رواية: في ماء في
المخضب (قالت) عائشة رضي الله عنها: (فقعد) عليه الصلاة
والسلام (فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال)
(أصلى الناس) (قلنا): ولغير الأربعة: فقلنا: (لا. هم
ينتظرونك يا رسول الله، فقال): وللأربعة: قال (ضعوا لي)
وللحموي والكشميهني: ضعوني (ماء في المخضب) (فقعد)
وللكشميهني؛ قعد (فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم
أفاق فقال): (أصلّى الناس)؟ (فقلنا) وللأربعة: قلنا (لا.
هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس
عكوف) مجتمعون (في المسجد ينتظرون النبي) ولأبي ذر: رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصلاة العشاء
الآخرة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الصلاة العشاء
الآخرة. كأن الراوي فسر الصلاة المسؤول عنها في قوله:
أصلّى الناس؟ أي الصلاة المسؤول عنها هي العشاء الآخرة، أو
المراد: ينتظرون الصلاة العشاء
الآخرة. (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى أبي بكر) رضي الله عنه (بأن يصلّي بالناس، فأتاه
الرسول فقال: إن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن
تصلي بالناس. فقال أبو بكر: وكان رجلاً رقيقًا) لعمر بن
الخطاب رضي الله عنه، تواضعًا منه: (يا عمر، صلِّ بالناس)
أو قال ذلك، لأنه فهم أن أمر الرسول في ذلك ليس للإيجاب أو
للعذر المذكور، (فقال له عمر: أنت أحق بذلك) مني، أي
لفضيلتك، أو لأمر الرسول إياك، (فصلّى أبو بكر تلك الأيام)
التي كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها
مريضًا، (ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وجد من نفسه خفة، فخرج) بالفاء للكشميهني وللباقين: وخرج
(بين رجلين، أحدهما العباس) والآخر علي بن أبي طالب رضي
الله عنهما، (لصلاة الظهر).
صرّح إمامنا الشافعي بأنه عليه الصلاة والسلام لم يصلِّ
بالناس في مرض موته إلاّ هذه الصلاة التي صلّى فيها قاعدًا
فقط، وفي ذلك ردّ على من زعم أنها الصبح، مستدلاً بقوله في
رواية ابن عباس، المروي في ابن ماجة، بإسناد حسن.
وأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
القراءة من حيث بلغ أبو بكر، ولا دلالة في ذلك، بل يحمل
على أنه عليه الصلاة والسلام، لما قرب من أبي بكر سمع منه
الآية التي كان انتهى إليها، لكونه كان يسمع القراءة فى
السرية أحيانًا، كالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، (وأبو بكر يصلّي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب
ليتأخر، فأومأ إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بأن لا يتأخر) ثم (قال) للعباس وللآخر:
(2/49)
(أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي
بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلّي وهو قائم) كذا للكشميهني
وللباقين: يأتم (بالصلاة النبي) وللأصيلي: بصلاة رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والناس) يصلون
(بصلاة أبي بكر) أي بتبليغه، (والنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاعد) وأبو بكر والناس قائمون. فهو
حجة واضحة لصحة إمامة القاعد المعذور للقائم.
وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه، ومحمد بن الحسن فيما
حكاه الطحاوي.
وقد أجاب الشافعي، عن الاستدلال، بحديث جابر عن الشعبي
مرفوعًا: لا يؤمنّ أحد بعدي جالسًا، فقال: قد علم من احتج
بهذا أن لا حجة له فيه، لأنه مرسل ومن رواية رجل يرغب أهل
العلم عن الرواية عنه أي جابر الجعفي. ودعوى النسخ لا دليل
عليها يحتج به.
(قال) ولأبوي ذر والوقت: وقال (عبيد الله) بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود (فدخلت على عبد الله بن عباس) رضي الله
عنهما (فقلت له) مستفهمًا للعرض عليه: (ألا أعرض عليك ما
حدّثتني) به (عائشة عن مرض النبي) ولأبي ذر وابن عساكر: عن
مرض رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال)
ابن عباس: (هات). بكسر آخره (فعرضت عليه حديثها) هذا (فما
أنكر منه شيئًا، غير أنه قال أسمّت لك الرجل الذي كان مع
العباس؟ قلت: لا، قال: هو علي) ولأبي ذر والأصيلي: علي بن
أبي طالب رضي الله عنه.
ورواة هذا الحديث خمسة، والثلاثة الأُول منهم كوفيون، وفيه
التحديث والعنعنة والقول.
وأخرجه مسلم والنسائي.
688 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا
قَالَتْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى
جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ
إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:
إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا
رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا
صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». [الحديث 688 -
أطرافه في: 1113، 1236، 5658].
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير
(عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (أنها قالت: صلّى
رسول الله) وللأصيلي صلّى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في بيته) أي مشربته التي في حجرة عائشة بمن حضر
عنده (وهو شاك) بتخفيف الكاف، وأصله شاكي، نحو قاض أصله
قاضي، استثقلت الضمة على الياء فحذفت وللأربعة: شاكي،
بإثبات الياء على الأصل، أي موجع من فك قدمه بسبب سقوطه عن
فرسه، (فصلّى) حال كونه (جالسًا، وصلّى وراءه قوم) حال
كونهم (قيامًا، فأشار إليهم) عليه الصلاة والسلام،
وللحموي: عليهم (أن أجلسوا، فلما انصرف) من الصلاة (قال)
(إنما جعل الإمام ليؤتم به) ليقتدى به ويتبع، ومن شأن
التابع أن يأتي بمثل فعل متبوعه ولا يسبقه ولا يساويه
(فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلّى جالسًا
فصلوا جلوسًا) زاد أبو ذر، وابن عساكر بعد قوله فارفعوا:
وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد،
بواو العطف. ولغير أبي ذر بحذفها.
واستدلّ أبو حنيفة بهذا على أن وظيفة الإمام التسميع،
والمأموم التحميد، وبه قال مالك وأحمد في رواية.
وقال الشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد: يأتي بهما لأنه قد
ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بينهما، كما سيأتي
قريبًا، والسكوت عنه هنا لا يقتضي ترك فعله، والمأموم
فيجمع بينهما أيضًا خلافًا للحنفية.
689 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ
شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ
وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا،
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ
لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا
قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ
فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا
صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى
جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَوْلُهُ: «إِذَا
صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». هُوَ فِي مَرَضِهِ
الْقَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى
بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، لَمْ
يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ
فَالآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن
أنس بن مالك) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب فرسًا، فصرع) بضم الصاد المهملة
وكسر الراء، أي: سقط (عنه) أي: عن الفرس (فجحش) بجيم
مضمومة ثم حاء مهملة مكسرة، أي: خدش (شقّه الأيمن) بأن قشر
جلده (فصلّى صلاة من الصلوات) المكتوبات وقيل من النوافل،
(وهو) عليه الصلاة والسلام (قاعد، فصلّينا وراءه قعودًا)
أي بعد أن كانوا قيامًا وأومأ لهم عليه الصلاة والسلام
بالقعود، (فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة،
(قال):
(إنما جعل الإمام ليؤتم) ليقتدى (به) في الأفعال الظاهرة،
ولذا يصلّي الفرض خلف النفل، والنفل خلف الفرض، حتى الظهر
خلف الصبح، والمغرب والصبح خلف الظهر في الأظهر. نعم إن
اختلف فعل الصلاتين كمكتوبة وكسوف أو جنازة فلا على
الصحيح، لتعذر المتابعة. هذا
(2/50)
مذهب الشافعي، وقال غيره: يتابعه في
الأفعال والنيّات مطلقًا (فإذا صلّى قائمًا فصلّوا قيامًا)
وسقط: هذا، في رواية عطاء (فإذا) بالفاء، ولأبي الوقت
والأصيلي وابن عساكر: وإذا (ركع فاركعوا، وإذا رفع
فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك
الحمد. وإذا صلّى قائمًا فصلوا قيامًا) وسقط من قوله: وإذا
صلّى إلخ. ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، (وإذا
صلّى جالسًا) أي في جميع الصلاة، لا أن المراد منه جلوس
التشهّد، وبين السجدتين إذ لو كان مرادًا لقال: وإذا جلس
فاجلسوا ليناسب قوله فإذا سجد فاسجدوا (فصلوا جلوسًا
أجمعون) بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا.
ولأبوي ذر والوقت: أجمعين، بالنصب على الحال، أي جلوسًا
مجتمعين.
قال البدر الدماميني أو تأكيد لجلوسًا وكلاهما لا يقول به
البصريون لأن ألفاظ التوكيد معارف، أو على التأكيد لضمير
مقدر منصوب، أي أعنيكم أجمعين.
(وقال أبو عبد الله) أي البخاري: (قال الحميدي) بضم الحاء،
عبد الله بن الزبير المكي: (قوله): (إذا صلى جالسًا فصلوا
جلوسًا) (هو في مرضه القديم، ثم صلّى بعد ذلك النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في مرض موته، حال
كونه (جالسًا، والناس خلفه قيامًا) بالنصب على الحال،
ولأبي ذر: قيام (لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر
فالآخر من فعل النبي) وللأصيلي: من فعل رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، أي فما كان قبله مرفوع
الحكم.
وفي رواية ابن عساكر سقط لفظ: قال أبو عبد الله. وزاد في
رواية: قال الحميدي.
هذا منسوخ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
صلّى في مرضه الذي مات فيه والناس خلفه قيام لم يأمرهم
بالقعود.
52 - باب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ؟
قَالَ أَنَسٌ: فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا.
هذا (باب متى يسجد من) أي الذي (خلف الإمام) إذا اعتدل أو
جلس بين السجدتين؟
(قال أنس) رضي الله عنه، ولأبوي ذر والوقت، وقال أنس، وزاد
أبو الوقت وذر وابن عساكر: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإذا) بالفاء، وللمستملي: وإذا (سجد
فاسجدوا).
وهذا التعليق، قال الحافظ ابن حجر: هو طرف من حديثه الماضي
في الباب الذي قبله، لكن في بعض طرقه دون بعض، وسيأتي إن
شاء الله تعالى في باب: إيجاب التكبير من رواية الليث، عن
الزهري، بلفظه انتهى.
وقد اعترضه العيني فقال: ليست هذه اللفظة في الحديث
الماضي، وإنما، هي في باب: إيجاب التكبير، وهذا عجيب منه
كيف اعترضه بعد قوله، لكن في بعض طرقه دون بعض فليتأمل.
690 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ
قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ
قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدًا،
ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثني)
بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، بفتح
العين فيهما وفتح السين وكسر الموحدة في الثالث، (قال:
حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن يزيد) بفتح المثناة التحتية
وكسر الزاي، الخطمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء (قال:
حدّثني) بالإفراد وللأصيلي: حدّثنا (البراء) وللأصيلي:
البراء بن عازب رضي الله عنهما، (وهو) أي: عبد الله بن
يزيد الخطمي (غير كذوب) في قوله: حدّثني البراء، فالضمير
لا يعود عليه لأن الصحابة عدول لا يحتاجون إلى تعديل، وهذا
قول يحيى بن معين، وهو مبني على قوله: إن عبد الله بن يزيد
غير صحابي، أو الضمير عائد
على البراء، ومثل هذا لا يوجب تهمة في الراوي، إنما يوجب
حقيقة الصدق له.
وقد قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا قول الخطابي، واعترض بعضهم
التنظير المذكور، فقال له: كأنه لم يلم بشيء من علم البيان
للفرق الواضح بين قوّلنا: فلان صدوق، وفلان غير كذوب. لأن
في الأول إثبات الصفة للموصوف، وفي الثاني نفي ضدّها عنه.
قال: والسر فيه أن نفي الضد كأنه وقع جوابًا لمن أثبته،
بخلاف إثبات الصفة. انتهى.
وفرق في فتح الباري بينهما بأنه يقع في الإثبات بالمطابقة،
وفي النفي بالالتزام، واستشكل صاحب المصابيح إيراد هذه
الصيغة في مقام التزكية لعدم دلالة اللفظ على انتفاء الكذب
مطلقًا. فإن
كذوبًا للمبالغة والكثرة، فلا يلزم من نفيها نفي أصل
الكذب، والثاني هو المطلوب. لكن قد يقال: يحتمل بمعونة
القرائن ومناسبة المقام أن المراد نفي مطلق الكذب لا نفي
الكثير منه.
(قال) أي البراء (كان
(2/51)
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إذا قال): (سمع الله لمن حمده) بكسر الميم (لم
يحن) بفتح
الياء وكسر النون وضمها. يقال: حنيت العود وحنوته، أي: لم
يقوس (أحد منّا ظهره، حتى يقع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (ساجدًا). وفي عين: يقع
الرفع والنصب، ولإسرائيل عن ابن إسحاق: حتى يقع جبهته على
الأرض (ثم نقع) بنون المتكلم مع غيره، والعين رفع فقط، حال
كوننا (سجودًا بعده) جمع ساجد، أي بحيث يتأخر ابتداء فعلهم
عن ابتداء فعله عليه الصلاة والسلام، ويتقدم ابتداء فعلهم
على فراغه عليه الصلاة والسلام من السجود، إذ أنه لا يجوز
التقدم على الإمام ولا التخلّف عنه.
ولا دلالة فيه على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه
الإمام، خلافًا لابن الجوزي.
ورواة هذا الحديث ستة، وفيه صحابي عن صحابي ابن صحابي،
كلاهما من الأنصار سكنا الكوفة، وفيه التحديث جميعًا
وإفرادًا، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلّف، وكذا مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا. [الحديث 690 - طرفاه في: 747،
811].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين، وفي رواية:
قال، أي: المؤلّف، وحدّثنا أبو نعيم (عن سفيان) الثوري (عن
أبي اسحاق) السبيعي (نحوه) أي الحديث (بهذا).
وقد سقط قوله حدّثنا أبو نعيم إليّ بهذا عند الأصيلي وابن
عساكر، وثبت جميع ذلك ما عدا بهذا عند أبي ذر، وكذا في
الفرع، وعزا الحافظ ابن حجر ثبوت الكل لرواية المستملي
وكريمة، والإسقاط للباقين.
53 - باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ
(باب إثم من رفع رأسه) من السجود، أو منه ومن الركوع (قبل
الإمام).
691 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ
-أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ
حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ
حِمَارٍ».
وبالسند قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) السلمي الأنماطي
البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد)
الجمحي المدني البصري السكن (سمعت) ولأبي ذر قال: سمعت
(أبا هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(أما يخشى أحدكم -أو ألا يخشى أحدكم-) فالشك من الراوي،
وأما وألا بهمزة الاستفهام التوبيخي، وتخفيف الميم واللام
قبلها واو ساكنة، حرفا استفتاح. ولأبي ذر عن الكشميهني:
أوَ لاَ بتحريك الواو، وفي الأخرى: وألا يخشى أحدكم (إذا
رفع رأسه) أي من السجود، فهو نص في السجود لحديث حفص بن
عمر، عن شعبة المروي في أبي داود: الذي يرفع رأسه والإمام
ساجد، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ونص على السجود
المنطوق فيه لمزيد مزية فيه، لأن المصلي أقرب ما يكون فيه
من ربه، ولأنه غاية الخضوع المطلوب، كذا قرره في الفتح،
وتعقبه صاحب العمدة بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري
برواية أبي داود، ولأن الحكم فيهما سواء. ولو كان الحكم
مقصورًا على الرفع من السجود، لكان لدعوى التخصيص وجه.
قال: وتخصيص السجدة بالذكر في رواية أبي داود، من باب:
سرابيل تقيكم الحرّ، ولم يعكس الأمر، لأن السجود أعظم.
(قبل) رفع (الإمام أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع
(رأس حمار) حقيقة بأن يمسخ إذ لا مانع من وقوع المسخ في
هذه الأمة، كما يشهد له حديث أبي مالك الأشعري في المعازف،
الآتي إن شاء الله تعالى في الأشربة، لأن فيه ذكره الخسف،
وفي آخره: ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. أو
تحول هيئته الحسية أو المعنوية، كالبلادة الموصوف بها
الحمار، فاستعير ذلك للجاهل، ورد بأن الوعيد بأمر مستقبل.
وهذه الصفة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله ذلك (أو يجعل الله
صورته صورة حمار) بالشك من الراوي، والنصب عطفًا على الفعل
السابق.
ولمسلم: أن يجعل الله وجهه وجه حمار. ولابن حبّان؛ أن يحول
الله رأسه رأس كلب.
والظاهر أن الاختلاف حصل من تعدّد الواقعة، أو هو من تصرف
الرواة.
ثم إن ظاهر الحديث يقتضي تحريم الفعل المذكور للتوعد عليه
بالمسخ، وبه جزم النووي في المجموع، لكن تجزئ الصلاة. وقال
ابن مسعود لرجل سبق إمامه: لا وحدك صليت، ولا بإمامك
اقتديت.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه الأئمة الستة.
54 - باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى
وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ
الْمُصْحَفِ وَوَلَدِ الْبَغِيِّ وَالأَعْرَابِيِّ
وَالْغُلاَمِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ، لِقَوْلِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ».
(باب) حكم (إمامة العبد والمولى) أي المعتق. ولابن عساكر:
والموالي بالجمع.
(وكانت عائشة) رضي الله عنها، وفي رواية: وكان عائشة، مما
(2/52)
وصله الشافعي وعبد الرزاق (يؤمها عبدها
ذكوان من المصحف) وهو يومئذ غلام لم يعتق، وهذا مذهب
الشافعي، وأبي يوسف ومحمد لأنه لم يقترن به ما يبطل
الصلاة.
وقال أبو حنيفة: يفسدها لأنه عمل كثير، نعم الحر أولى من
العبد.
(وولد البغي) بالجر عطفًا على المولى وفتح الموحدة وكسر
المعجمة وتشديد المثناة أي الزانية لأنه ليس عليه من وزرها
شيء، (والأعرابي) الذي يسكن البادية، وإلى صحة إمامته ذهب
الجمهور، خلافًا لمالك، لغلبة الجهل على سكان البادية،
(والغلام) المميز (الذي لم يحتلم) بالجر فيه على العطف
كسابقه، وهذا مذهب الشافعي.
وقال الحنفية: لا تصح إمامته للرجال في فرض ولا نفل. وتصح
لمثله.
وقال المالكية، لا تصح في فرض، وبغيره تصح، وإن لم تجز.
وقال المرداوي من الحنابلة: وتصح إمامة صبي لبالغ وغيره في
نفل وفي فرض بمثله فقط، (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث مسلم وأصحاب السنن: (يؤمهم
أقرؤهم لكتاب الله) قال المؤلّف: (ولا يمنع العبد من
الجماعة) ولابن عساكر: عن الجماعة أي من حضورها (بغير علة)
وللأصيلي: لغير علة، أي ضرورة لسيده، لأن حق الله تعالى
مقدم على حقه.
692 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ
الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ -مَوْضِعٌ
بِقُبَاءٍ- قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ
مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ
قُرْآنًا". [الحديث 692 - طرفه في: 7175].
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني
(قال: حدّثنا أنس بن عياض) بكسر العين المهملة (عن عبيد
الله) العمري، بضم العين فيهما (عن نافع) مولى ابن عمر،
(عن ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي عن عبد الله بن عمر (قال: لما قدم المهاجرون
الأولون) من مكة (العصبة) بفتح العين وإسكان الصاد
المهملتين بعدها موحدة، أو بضم العين منصوب على الظرفية
لقدم، هو (موضع) ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر: موضعًا،
بالنصب بدل أو بيان (بقباء، قبل مقدم رسول الله) ولأبوي ذر
والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
المدينة، (كان يؤمّهم سالم) بالرفع اسم كان (مولى أبي
حذيفة) هشام بن عتبة بن ربيعة قبل أن يعتق، وإنما قيل له
مولى أبي حذيفة لأنه لازمه بعد أن أعتق، فتبناه، فلما نهوا
عن ذلك، قيل له: مولاه (وكان) سالم (أكثرم) أي المهاجرين
الأولين (قرأنًا) بالنصب على التمييز، وهذا سبب تقديمهم له
مع كونهم أشرف منه.
ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة، كون إمامة سالم بهم قبل
عتقه، كما مر.
ورواته كلهم مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه
أبو داود في الصلاة.
693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ
اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ».
[الحديث 693 - طرفاه في: 696، 7142].
وبه قال: (حدّثنا) ولابن عساكر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة (قال: حدّثنا يحيى) بن
سعيد القطان (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج.
(قال: حدّثني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (أبو
التياح) بفتح المثناة الفوقية والتحتية آخره مهملة يزيد بن
حميد الضبعي (عن أنس) وللأصيلي، زيادة ابن مالك (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(اسمعوا وأطيعوا) فيما فيه طاعة الله (وإن استعمل) بضم
المثناة، مبنيًّا للمفعول، أي: وإن جعل عاملاً عليكم عبد
(حبشي كأن رأسه زبيبة) في شدة السواد، أو لقصر الشعر
وتفلفله.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب بأنه:
إذا أمر بطاعته أمر بالصلاة خلفه.
ورواته ما بين بصري وواسطي، وفيه التحديث والعنعنة والقول،
وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والأحكام، وابن ماجة في
الجهاد.
55 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ
خَلْفَهُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم الإمام) الصلاة بل قصرها
(وأتم من خلفه) من المقتدين به، لا يضرهم ذلك.
وهذا مذهب الشافعية كالمالكية، وبه قال أحمد، وعند
الحنفية: إن صلاة الإمام متضمنة صلاة المقتدين صحة
وفسادًا، ولابن عساكر: أتم من خلفه بغير واو.
694 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ
أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ
وَعَلَيْهِمْ».
وبالسند قال: (حدّثنا الفضل بن سهل) البغدادي المعروف
بالأعرج، المتوفى ببغداد يوم الاثنين لثلاث بقين من صفر
سنة خمس وخمسين ومائتين، قبل المؤلّف بسنة (قال: حدّثنا
الحسن بن موسى) بفتح الحاء (الأشيب) بفتح الهمزة وسكون
الشين المعجمة آخره موحدة بينهما مثناة تحتية مفتوحة،
الكوفي، سكن بغداد، وأصله من خراسان، قاضي حمص والموصل
وطبرستان، (قال: حدّثنا) بالجمع، وللأصيلي: حدّثني (عبد
الرحمن بن عبد الله بن دينار) مولى عبد الله بن عمر المدني
(عن زيد بن أسلم)
(2/53)
مولى عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار) بفتح
المثناة التحتية وتخفيف المهملة، مولى أم المؤمنين ميمونة
رضي الله عنها (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله
قال):
(يصلون) أي الأئمة (لكم) أي لأجلكم (فإن أصابوا) في
الأركان والشروط والسُّنن (فلكم) ثواب صلاتكم (ولهم) ثواب
صلاتهم، كما عند أحمد. أو المراد إن أصابوا الوقت، لحديث
ابن مسعود المروي في النسائي وغيره، بسند حسن، وفيه لعلكم
تدركون أقوامًا يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم،
فصلوا في بيوتكم في الوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم
واجعلوها سبحة. أو المراد ما هو أهم من ترك إصابة الوقت،
فلأحمد في هذا الحديث: فإن صلوا الصلاة لوقتها، وأتموا
الركوع والسجود، فهي لكم ولهم (وان أخطؤوا) ارتكبوا
الخطيئة في صلاتهم ككونهم محدثين (فلكم) ثوابها (وعليهم)
عقابها.
فخطأ الإمام في بعض غير مؤثر في صحة صلاة المأموم إذا
أصاب، فلو ظهر بعد الصلاة أن الإمام جنب، أو محدث، أو في
بدنه أو ثوبه نجاسة خفية، فلا تجب إعادة الصلاة على المؤتم
به، بخلاف النجاسة الظاهرة، لكن قطع صاحب التتمة والتهذيب،
وغيرهما بأن النجاسة كالحدث، ولم يفرقوا بين الخفية
وغيرها.
وظاهر قوله: أخطؤوا يدل على ما هو أعم مما ذكر، كالخطأ في
الأركان، وهو وجه عند الشافعية، بشرط أن يكون الإمام هو
الخليفة الأو نائبه، والأصح لا.
ومذهب الحنفية أن صلاة الإمام متضمنة صلاة المأموم صحة
وفسادًا، كما مرّ لحديث الحاكم وقال: صحيح عن سهل بن سعد:
الإمام ضامن، يعني: صلاتهم ضمن صلاته صحة وفسادًا.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بغدادي وكوفي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وتفرد بإخراجه البخاري.
56 - باب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ
وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ.
(باب) حكم (إمامة المفتون) الذي فتن بذهاب ماله وعقله،
فضلّ عن الحق (و) حكم إمامة (المبتدع) بدعة قبيحة تخالف
الكتاب والسُّنّة والجماعة.
(وقال الحسن) البصري، مما وصله سعيد بن منصور، (صل) خلف
المبتدع (وعليه بدعته).
695 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ لَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ
حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ
خِيَارٍ "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
-رضي الله عنه- وَهْوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ
عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا
إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ. فَقَالَ: الصَّلاَةُ
أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ
النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا
فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ".
(قال أبو عبد الله) أي المؤلّف، وللأصيلي: وقال محمد بن
إسماعيل، وسقط لابن عساكر وأبي الوقت (وقال لنا محمد بن
يوسف) الفريابي، مذاكرة، أو هو مما تحمله إجازة أو مناولة
عرضًا، وإنما يعبر المؤلّف بذلك للموقوف دون المرفوع
(حدّثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، قال: حدّثنا) ابن
شهاب (الزهري عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح
الميم، ابن عوف (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (بن
عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد المثناة
التحتية (بن خيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المثناة
التحتية وبالراء، ولأبي الوقت والهروي وابن عساكر: الخيار
المدني التابعى، أدرك الزمن النبوي لكنه لم يثبت له رؤية،
وتوفي زمن الوليد بن عبد الملك (أنه دخل على عثمان بن
عفان، رضي الله عنه، وهو محصور) أي محبوس في الدار،
والجملة حالية (فقال) له: (إنك إمام عامّة) بالإضافة، أي
إمام جماعة، (ونزل بك ما ترى) بالمثناة الفوقية، ولأبي ذر
ما نرى بالنون، أي من الحصار، وخروج الخوارج عليك (ويصلي
لنا) أي يؤمنا (إمام فتنة) أي: رئيسها عبد الرحمن بن عديس
البلوي، أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان، أو هو كنانة
بن بشر أحد رؤوسهم أيضًا، قال في فتح الباري: وهو المراد
هنا (ونتحرج) أي نتأثم بمتابعته، أي نخاف الوقوع في الإثم
(فقال) عثمان (الصلاة) مبتدأ خبره (أحسن ما يعمل الناس،
فإذا أحسن الناس فأحسن معهم) فلا يضرك كونه مفتونًا بفسق
وبجارحة أو اعتقاد، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه، واترك
ما افتتن به. وهذا مذهب الشافعية.
خلافًا للمالكية حيث قالوا: بدعم صحة الصلاة خلف الفاسق
بالجارحة، وقال ابن بزيزة منهم: المشهور إعادة من صلّى خلف
صاحب كبيرة، وأما الفاسق بالاعتقاد: كالحروري والقدري،
فيعيد من صلّى خلفه في الوقت على المشهور.
واستثنى الشافعية مما سبق منكري العلم بالجزئيات،
وبالمعدوم، ومن يصرح بالتجسيم، فلا يجوز الاقتداء بهم
كسائر الكفار، وتصح خلف مبتدع يقول بخلق القرآن أو بغيره
من البدع التي
(2/54)
لا يكفر بها صاحبها.
(وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم) من قول أو فعل أو اعتقاد.
ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث،
والعنعنة والقول.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: "لاَ نَرَى
أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ
لاَ بُدَّ مِنْهَا".
(وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد
الشامي الحمصي (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (لا نرى
أن يصلّى) بضم المثناة التحتية وفتح اللام (خلف المخنث)
بفتح النون، من يؤتى في دبره، وبكسرها من فيه تثن وتكسر
خلقة كالنساء، أي من يتشبّه بهنّ عمدًا، لأن الإمامة لأهل
الفضل، والمخنث مفتتن لتشبهه بالنساء، كإمام الفتنة
والمبتدع، فإن كلاًّ مفتون في طائفته، فكرهت إمامته، (إلاّ
من ضرورة لا بدّ منها)، كأن يكون صاحب شوكة، أو من جهته،
فلا تعطل الجماعة بسببه.
696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ أَنَّهُ
سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ: «اسْمَعْ
وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ».
وبه قال (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن أبان)
البلخي، مستملي وكيع (قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر، ابن
امرأة شعبة (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) يزيد بن
حميد (أنه سمع أنس بن مالك) يقول: (قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر): رضي الله عنه:
(اسمع وأطع ولو) كانت الطاعة أو الأمر (لحبشي كأن رأسه
زبيبة) وسواء كان ذلك الحبشي مبتدعًا أو مفتونًا.
فإن قلت ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب بأن
هذه الصفة لا تكون غالبًا إلاّ لمن هو في غاية في الجهل،
كالأعجمي، الحديث العهد بالإسلام، ولا يخلو من هذه صفته من
ارتكاب البدعة واقتحام الفتنة، ولو لم يكن إلاّ افتتانه
بنفسه حين تقدم لمامة، وليس من أهلها، لأن لها أهلاً من
الحسب والنسب والعلم.
57 - باب يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ بِحِذَائِهِ
سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (يقوم) المأموم (عن يمين الإمام
بحذائه) بكسر المهملة وذال معجمة ممدودة، أي بجنبه حال
كونه (سواء) مسويًّا، بحيث لا يتقدم ولا يتأخر، وللأصيلي:
يقوم بحذاء الإمام على يمينه، (إذا كانا اثنين) إمام
ومأموم، لكن يندب تخلف المأموم عن الإمام قليلاً، وتكره
المساواة كما قاله في المجموع.
697 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ
سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ
عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى
خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ
حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ -أَوْ قَالَ خَطِيطَهُ- ثُمَّ
خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ". [انظر الحديث 117 وأطرافه].
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي، بمعجمة ثم
مهملة، قاضي مكة، (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم)
بن عتيبة، بضم العين مصغرًا (قال: سمعت سعيد بن جبير، عن
ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت في بيت خالتي) أم
المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها، (فصلّى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشاء) في المسجد
(ثم جاء) إلى بيت ميمونة (فصلّى أربع ركعات) عقب دخوله،
(ثم نام، ثم قام) من نومه فتوضأ. فأحرم بالصلاة (فجئت فقمت
عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلّى خمس ركعات، ثم صلّى
ركعتين، ثم نام حتى سمعت غطيطه) بالغين المعجمة (أو قال)
الراوي: (خطيطه) بالخاء المعجمة، وهو بمعنى السابق، ثم
استيقظ عليه الصلاة والسلام (ثم خرج إلى الصلاة) أي الصبح
ولم يتوضأ، لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه، فهو من خصائصه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي الحديث أن الذكر يقف عن يمين الإمام بالغًا كان
المأموم أو صبيًّا، فإن حضر آخر في القيام أحرم عن يساره،
ثم يتقدم الإمام أو يتأخران، حيث أمكن التقدم والتأخر لسعة
المكان من الجانبين، وتأخرهما أفضل.
روى مسلم عن جابر، قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي حتى
أدارني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يساره، فأخذ
بأيدينا جميعًا حتى أقامنا خلفه.
58 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ
فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ
صَلاَتُهُمَا
هذا (باب) بالتنوين (إذا قام الرجل) المأموم، ولابن عساكر:
رجل (عن يسار الإمام) وثبت لفظه: عن، للأصيلي (فحوله
الإمام إلى يمينه) وفي نسخة: على يمينه، وفي أخرى: عن
يمينه (لم تفسد صلاتهما) أي المأموم والإمام، والجملة جواب
إذا، وللأصيلي: لم تفسد صلاته، أي صلاة الرجل.
وهذا مذهب الجمهور، وقال أحمد: من وقف عن يسار الإمام بطلت
صلاته، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقر
ابن عباس على ذلك.
698 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ
مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا تِلْكَ
اللَّيْلَةَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ
عَلَى يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ،
فَصَلَّى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى
نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ
الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
قَالَ عَمْرٌو فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا فَقَالَ:
حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ.
وبالسند قال (حدّثنا أحمد) أي ابن صالح، كما جزم به أبو
نعيم في المستخرج (قال: حدّثنا ابن وهب) عبد الله (قال:
حدّثنا عمرو) بفتح العين، ابن الحرث المصري (عن عبد ربه بن
سعيد) بكسر العين، أخي يحيى بن سعيد الأنصاري (عن مخرمة بن
سليمان، عن كريب) بضم الكاف (مولى ابن عباس عن ابن عباس
(2/55)
رضي الله عنهما قال: نمت) من النوم،
وللكشميهني والأصيلي: قال بت، من البيتوتة (عند) خالتي
(ميمونة) رضي الله عنها (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عندها تلك الليلة) بالنصب أي في ليلتها (فتوضأ)
الفاء فصيحة، أي نام عليه الصلاة والسلام (ثم قام) من نومه
فتوضأ، ثم قام
(يصلّي، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه)، هذا وجه
المطابقة بين الحديث والترجمة، (فصلّى ثلاث عشرة ركعة، ثم
نام حتى نفخ، وكان) عليه الصلاة والسلام (إذا نام نفخ، ثم
أتاه المؤذن فخرج) من بيته إلى المسجد (فصلّى) بالناس (ولم
يتوضأ) لأنه كان لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعًا لاستيقاظ
قلبه.
ولا يعارض هذا حديث نومه في الوادي حتى طلعت الشمس، لأن
رؤية الشمس والفجر بالعين لا بالقلب، كما مرّ في باب السمر
في العلم. ويأتي تمامه في التهجد.
(قال عمرو) بفتح العين، ابن الحرث بالإسناد المذكور إليه
(فحدثت به) أي بهذا الحديث (بكيرًا) هو ابن عبد الله الأشج
(فقال: حدّثني كريب) مولى ابن عباس، رضي الله عنهما
(بذلك).
وهذا الحديث من السباعيات، واستفاد عمرو بن الحرث برواية
بكير العلوّ برجل، وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق
واحد، والتحديث، والعنعنة، وتقدم التنبيه على من أخرجه في
باب القراءة بعد الحدث من كتاب الطهارة.
59 - باب إِذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ ثُمَّ
جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم ينو الإمام أن يؤم) أي
الإمامة، وسقط لابن عساكر: أن يؤم (ثم جاء) وللأصيلي: فجاء
(قوم فأمّهم) صحت، لأنه لا يشترط للإمام نيّة الإمامة في
صحة الاقتداء به، نعم، تستحب له لينال فضيلة الجماعة.
وقال القاضي حسين، فيمن صلّى منفردًا فاقتدى به جمع ولم
يعلم بهم: ينال فضيلة الجماعة، لأنهم نالوها بسببه.
وفرق أحمد بين النافلة والفريضة، فشرط النية في الفريضة
دون النافلة.
وقال الإمام أبو حنيفة: إذا نوى الإمامة جاز أن يصلّي خلفه
الرجال، وإن لم ينو بهم، ولا يجوز للنساء أن يصلّين خلفه
إلا أن ينوي بهنّ، لاحتمال فساد صلاته بمحاذاتهنّ إياه.
699 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي فَقَامَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي
مِنَ اللَّيْلِ فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ
يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ
يَمِينِهِ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا
إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري، عرف بابن علية
(عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن سعيد بن جببر عن
أبيه) سعيد بن جبير الأسدي، مولاهم، الكوفي المقتول بين
يدي الحجاج سنة خمس وتسعين (عن ابن عباس) رضي الله عنهما
(قال: بت عند خالتي) زاد أبو ذر والأصيلي وابن عساكر:
ميمونة (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يصلّي من الليل، فقمت) أي نهضت (أصلي معه) حال مقدرة
(فقمت) في الصلاة (عن يساره، فأخذ برأسي، فأقامني) ولابن
عساكر: وأقامني (عن يمينه).
ورواة هذا الحديث الستة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه النسائي في الصلاة.
60 - باب إِذَا طَوَّلَ الإِمَامُ وَكَانَ لِلرَّجُلِ
حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى
هذا (باب) بالتنوين (إذا طول الإمام) صلاته (وكان للرجل)
المأموم (حاجة فخرج) من الصلاة بالكلية، كما في رواية مسلم
حيث قال: فانحرف رجل فسلم (فصلّى) وحده صحت صلاته، ولابن
عساكر والحموي والمستملي: وصلّى بالواو.
700 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ
مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ
فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ". [الحديث 700 - أطرافه في: 701، 705،
711، 6106].
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم) وللأصيلي: مسلم بن إبراهيم
(قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين، ابن
دينار (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه (أن
معاذ بن جبل) رضي الله عنه، (كان يصلّي مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عشاء الآخرة، كما زاد مسلم
من رواية منصور عن عمرو، فلعلها التي كان يواظب فيها على
الصلاة مرتين (ثم يرجع فيؤم قومه).
وللمؤلّف في الأدب: فيصلّي بهم الصلاة المذكورة. وللشافعي:
فيصلّيها بقومه في بني سلمة.
وفي الحديث حجة للشافعي وأحمد: أنه تصح صلاة المفترض خلف
المتنفل، كما تصح صلاة المتنفل خلف المفترض، لأن معاذًا
كان قد سقط فرضه بصلاته مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فكانت صلاته بقومه نافلة وهم مفترضون، وقد وقع
التصريح بذلك في رواية الشافعي والبيهقي: وهي له تطوع ولهم
مكتوبة، العشاء.
قال الإمام في الأم: وهذه الزيادة صحيحة، وخالف في ذلك
مالك وأبو حنيفة فقالا: لا تصح.
(2/56)
701 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ
يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى
الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ
الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ "ثَلاَثَ مِرَارٍ" أَوْ
قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا، فَاتِنًا. وَأَمَرَهُ
بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو:
لاَ أَحْفَظُهُمَا".
(قال) أي المؤلّف ولغير أبوي ذر والوقت إسقاط قال
(وحدّثني) بواو العطف والإفراد، وسقطت واو: وحدّثني، لأبي
ذر والأصيلي (محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة (قال:
حدّثنا غندر) محمد بن جعفر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج
(عن عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت جابر بن عبد الله)
الأنصاري (قال: كان معاذ بن جبل يصلّي مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط ابن جبل لابن عساكر (ثم
يرجع) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فيؤم قومه) بني سلمة بتلك الصلاة، (فصلّى) بهم (العشاء)
ولأبي عوانة: المغرب، فحمل على تعدد الواقعة (فقرأ
بالبقرة) بالموحدة، وفي نسخة: فقرأ البقرة، أي ابتدأ
بقراءتها، ولمسلم: فافتتح سورة البقرة (فانصرف الرجل) هو
حزم، بالحاء المهملة والزاي المعجمة الساكنة ابن أُبي بن
كعب، كما رواه أبو داود وابن حبان، أو حرام، بالمهملة
والراء، ابن ملحان بكسر الميم وبالمهملة، خال أنس، قاله
ابن الأثير، أو هو مسلم، بفتح أوله وسكون اللام، ابن
الحرث، حكاه الخطيب. أو الألف واللام للجنس. أي واحد من
الرجال والمعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه.
والنسائي: فانصرف الرجل فصلّى في ناحية المسجد، وهو يحتمل
أن يكون قطع الصلاة أو القدوة.
قال في شرح المهذّب: له أن يقطع القدوة ويتم صلاته
منفردًا، وإن لم يخرج منها. قال: وفي هذه المسألة ثلاثة
أوجه.
أحدها: أن يجوز لعذر ولغير عذر.
والثاني: لا يجوز مطلقًا.
والثالث: يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذر
على الأصح انتهى.
وفي مسلم كما مر: فانحرف رجل فسلم ثم صلّى وحده، وهو ظاهر
في أنه قطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها. فيدل على جواز
قطع الصلاة وإبطالها العذر.
وقال الحنفية والمالكية، في المشهور عندهم: لا يجوز ذلك
لأن فيه إبطال عمل.
(فكأن معاذًا تناول منه) بسوء، فقال، كما لابن حبان
والمصنف في الأدب: إنه منافق.
وقوله: فكأن بهمزة ونون مشددة، وتناول بمثناة فوقية آخره
لام قبلها واو، وللأربعة: فكان معاذ ينال منه، بإسقاط همزة
كان وتخفيف النون، وينال بمثناة تحتية وإسقاط الواو، وهذه
تدل على كثرة ذلك منه بخلاف تلك: (فبلغ) ذلك (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللنسائي، فقال
معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر ذلك له، فأرسل إليه، فقال: ما
الذي حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله عملت على
ناضح لي بالنهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة فدخلت المسجد،
فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا، فانصرفت فصلّيت
في ناحية المسجد، (فقال) عليه الصلاة والسلام:
أنت (فتان) أنت (فتان). قال ذلك (ثلاث مرار)، ولابن عساكر
في نسخة، مرات، وفتان: بالرفع في الثلاث خبر مبتدأ محذوف،
أي أنت منفر عن الجماعة صادّ عنها، لأن التطويل كان سببًا
للخروج من الصلاة وترك الجماعة.
وفي الشعب للبيهقي بإسناد صحيح عن عمرو، لا تبغضوا الله
إلى عباده، يكون أحدكم إمامًا فيطول على القوم حتى يبغض
إليهم ما هم فيه.
ولابن عيينة: أفتان، فهمزة الاستفهام الإنكاري والتكرار
للتأكيد (أو قال فاتنًا، فاتنًا، فاتنًا) بالنصب في الثلاث
خبر تكون المقدرة، أو تكون فاتنًا. لكن في غير رواية
الأربعة: فاتن الأخيرة بالرفع بتقدير: أنت، والشك من
الراوي.
وقال البرماوي كالكرامي عن جابر: (وأمره) عليه الصلاة
والسلام أن يقرأ (بسورتين من أوسط المفصل) يؤم بهما قومه.
(قال عمرو) هو ابن دينار (لا أحفظهما) أي السورتين المأمور
بهما.
نعم في رواية سليم بن حبان عن عمرو: اقرأ {والشمس وضحاها}
و {سبح اسم ربك
الأعلى}، ونحوهما.
وللسراج: أما يكفيك أن تقرأ: بالسماء والطارق والشمس
وضحاها.
وفي مذهب وهب اقرأ: {سبح اسم ربك الأعلى} و {الشمس
وضحاها}.
ولأحمد بإسناد قوي (اقتربت الساعة) والسور التي مثل بهن من
قصار المفصل، فلعله أراد المعتدل. أي المناسب للحال منها،
وكان قول عمرو الأول وقع منه في حال تحديثه لشعبة ثم ذكره.
وأول المفصل من: الحجرات، أو من: القتال، أو من: الفتح، أو
من: ق، وطواله إلى سورة عم، وأوساطه إلى: الضحى، أو طواله
إلى: الصف، وأوساطه إلى:
(2/57)
الانشقاق. والقصار إلى آخره، كلها أقوال.
واستنبط من الحديث صحة اقتداء المفرض بالمتنفل لأن معاذًا
كان فرضه الأولى والثانية نفل لزيادة في الحديث عند
الشافعي، وعبد الرزاق، والدارقطني: هي له تطوع ولهم فريضة.
وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
وصرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه، فانتفت تهمة
تدليسه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافًا للحنفية
والمالكية.
واستنبط منه أيضًا تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين.
ورواة الحديث الأول أربعة، وهو مختصر، والظاهر أن قوله في
الحديث الثاني: فصلّى العشاء إلى آخره، داخل تحت الطريق
الأولى. وكان الحامل له على ذلك أنها لو دخلت على ذلك لما
طابقت الترجمة ظاهرًا، لكن لقائل أن يقول: مراد البخاري
بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق
الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة
التصريح بسماع عمرو بن جابر، وهذا الحديث أخرجه مسلم
والنسائي وابن ماجة.
61 - باب تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي الْقِيَامِ، وَإِتْمَامِ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
(باب) حكم (تخفيف الإمام في القيام، وإتمام) أي مع إتمام
(الركوع والسجود) وخص التخفيف بالقيام لأنه مظنة التطويل،
فهو تفسير لقوله في الحديث، الآتي إن شاء الله تعالى،
فليتجوز لأنه لا يأمر بالتجوّز المؤدي إلى إفساد الصلاة.
702 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ
قَيْسًا قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ: "أَنَّ
رَجُلاً قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي
لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ
مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوْعِظَةٍ
أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ
مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ
فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ
وَذَا الْحَاجَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده لشهرته به،
وأبوه عبد الله (قال: حدّثنا زهير) بضم الزاي، ابن معاوية
الجعفي، (قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (قال: سمعت
قيسًا) هو ابن حازم (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو مسعود)
عقبة بن عمرو البدري الأنصاري (أن رجلاً) لم يسمّ، وليس هو
حزم بن أُبي بن كعب (قال: والله يا رسول الله، إني لأتأخر
عن صلاة الغداة) لا أحضرها مع الجماعة (من أجل فلان، مما
يطيل بنا) أي من تطويله. من أجل، من: ابتدائية متعلقة
بأتأخر، والثانية مع ما في حيزها بدل منها، فما مصدرية.
وخص الغداة بالذكر لتطويل القراءة فيها غالبًا (فما رأيت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في موعظة)
حال كونه (أشد غضبًا) بالنصب على التمييز (منه يومئذٍ) أي
يوم أخبر بذلك، للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه، أو لإرادة
الاهتمام بما يلقيه عليه الصلاة والسلام لأصحابه، ليكونوا
من سماعه على بال، لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله، (ثم
قال) عليه
الصلاة والسلام: (إن منكم منفرين) بصيغة الجمع (فأيكم) أي:
أي واحد منكم، (ما صلّى بالناس) بزيادة ما لتأكيد التعميم،
وزيادتها مع أي الشرطية كثير، (فليتجوز) جواب الشرط، أي
فليخفف، بحيث لا يخل بشيء من الواجبات (فإن فيهم الضعيف،
والكبير، وذا الحاجة) تعليل للأمر المذكور، ومقتضاه أنه
متى لم يكن فيهم من يتصف بصفة من المذكورات، أو كانوا
محصورين ورضوا بالتطويل لم يضر التطويل لانتفاء العلة.
وقول ابن عبد البر إن العلة الموجبة للتخفيف عندي غير
مأمونة، لأن الإمام وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما
يحدث بهم من حادث، شغل، وعارض من حاجة، وآفة من حديث بول
أو غيره، تعقب بأن الاحتمال الذي لم يقم عليه دليل، لا
يترتب عليه حكم، فإذا انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل، لا
يؤمر إمامهم بالتخفيف لعارض لا دليل عليه.
وحديث أبي قتادة أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قال: إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول
فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز كراهة أن أشق على أمه يدل
على إرادته عليه الصلاة والسلام أولاً التطويل، فيدل على
الجواز، وإنما تركه لدليل قام على تضرر بعض المأمومين، وهو
بكاء الصبي الذي يشغل خاطر أمه.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي،
والتحديث والإخبار والسماع والقول.
62 - باب إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) المرء (لنفسه فليطول ما
شاء) نعم اختلف في التطويل حتى يخرج الوقت.
703 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا صَلَّى
أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ
الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ. وَإِذَا صَلَّى
أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان
(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله
عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(إذا صلى أحدكم) إمامًا (للناس) فرضًا أو نفلاً تشرع
الجماعة فيه،
(2/58)
غير الخسوف (فليخفف) استحبابًا مراعاة لحال
المأمومين (فإن فيهم) بالفاء، وللكشميهني: فإن منهم
(الضعيف) الخلقة (والسقيم) المريض (والكبير) السن.
وزاد مسلم، من وجه آخر عن أبي الزناد: والصغير، والطبراني:
والحامل والمرضع. وعنده أيضًا، من حديث عدي بن حاتم:
والعابر السبيل. وقوله في حديث أبي مسعود البدري السابق:
وذا الحاجة. يشمل الأوصاف المذكورات.
وقد ذهب جماعة كابن حزم، وأبي عمر بن عبد البر، وابن بطال،
إلى الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر، في قوله: فليخفف. وعبارة
ابن عبد البر في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة
الجماعة يلزمهم التخفيف، لأمره عليه الصلاة والسلام إياهم
بذلك، ولا يجوز لهم التطويل لأن في الأمر لهم بالتخفيف
نهيًا عن التطويل، والمراد بالتخفيف أن يكون بحيث لا يخل
بسننها ومقاصدها.
(وإذا صلّى أحدكم لنفسه، فليطول ما شاء) في القراءة
والركوع والسجود، ولو خرج الوقت كما صحّحه بعض الشافعية.
لكن إذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل، ومفسدة
إيقاع بعض الصلاة في غير الوقت، كانت مراعاة ترك المفسدة
أولى، ومحل الجواز لخروج الوقت، على تقدير صحته مقيدة بما
إذا أوقع ركعة في الوقت، كما ذكر الأسنوي أنه المتجه،
وقيدوا التطويل أيضًا بما إذا لم يخرج إلى سهو، فإن أدّى
إليه كره، ولا يكون إلاّ في الأركان التي تحتمل التطويل،
وهي القيام والركوع والسجود والتشهد، لا الاعتدال والجلوس
بين السجدتين.
63 - باب مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ
وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَىَّ.
(وقال أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة،
وللمستملي، أبو أسيد، بفتح الهمزة، مالك بن ربيعة الأنصاري
الساعدي المدني، لولده المنذر، مما وصله ابن أبي شيبة،
وكان يصلّي خلفه.
(طوّلت بنا يا بني) اسم ابنه النذر، كما رواه ابن أبي
شيبة.
(باب من شكًا إمامه إذا طوّل) عليهم في الصلاة.
704 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ
قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَتَأَخَّرُ
عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا
فُلاَنٌ فِيهَا.
فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ
أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ قَالَ: «يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ
أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ
الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ».
وبالسند قال (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا
سفيان) الثوري، (عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي
حازم) بالمهملة والزاي، (عن ابن مسعود) عقبة بن عمرو،
بالواو، البدري (قال: قال رجل) للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا رسول الله، إني لأتأخر عن
الصلاة) جماعة (في الفجر، مما يطيل بنا فلان) معاذ، أو
أُبي بن كعب (فيها) ويدل للثاني حديث أبي يعلى الموصلي أن
أُبيًّا صلّى بأهل قباء، فاستفتح بسورة البقرة (فغضب رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غضبًا (ما
رأيته غضب في موضع) وللأصيلي وابن عساكر في نسخة: في موعظة
(كان أشد غضبًا منه يومئذ، ثم قال:):
(يا أيها الناس إن منكم منفرين) وللأصيلي: لمنفرين، بلام
التأكيد (فمن أمّ الناس فلْيتجوّز) أي: فليخفف في صلاته
بهم (فإن خلفه) مقتديًا به (الضعيف والكبير وذا الحاجة) أي
صاحبها.
قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية،
فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم، طويلاً
بالنسبة لعادة آخرين. قال: وقول الفقهاء: لا يزيد الإمام
في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات، لا يخالف ما ورد عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه كان يزيد
على ذلك، لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك
تطويلاً.
705 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ
دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
الأَنْصَارِيَّ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ!
وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ - فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي،
فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ
بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ -أَوِ النِّسَاءِ- فَانْطَلَقَ
الرَّجُلُ، وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ،
فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ
أَنْتَ -أَوْ فَاتِنٌ- (ثَلاَثَ مِرَارٍ)، فَلَوْلاَ
صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ
الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ». أَحْسِبُ
هَذَا فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ
مَسْرُوقٍ وَمِسْعَرٌ وَالشَّيْبَانِيُّ.
قَالَ عَمْرٌو وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ وَأَبُو
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: "قَرَأَ مُعَاذٌ فِي الْعِشَاءِ
بِالْبَقَرَةِ". وَتَابَعَهُ الأَعْمَشُ عَنْ مُحَارِبٍ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة (قال:
حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا محارب بن دثار) بكسر
الدال وبالمثلثة (قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري)
رضي الله عنه (قال: أقبل رجل بناضحين) بالنون والضاد
المعجمة والحاء المهملة، تثنية ناضح، وهو البعير الذي يسقى
عليه النخل والزرع (وقد جنح الليل) بجيم ونون وحاء مهملة
مفتوحات، أقبل بظلمته (فوافق معاذًا يصلّي) العشاء (فترك
ناضحه) بتخفيف الراء بعد المثناة الفوقية والإفراد، ولأبي
ذر في نسخة، والأصيلي: فبرك ناضحيه بالتشديد بعد الموحدة
والتثنية، (وأقبل إلى معاذ، فقرأ) معاذ في صلاته (بسورة
البقرة أو النساء) شك محارب، كما في رواية أبي داود
الطيالسي (فانطلق الرجل، وبلغه)
أي الرجل (أن معاذًا نال منه) ذكره بسوء، فقال: إنه منافق،
(فأتى) الرجل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فشكا إليه معاذًا) أي أخبر بسوء فعله (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لمعاذ، بعد أن أرسل إليه
وحضر عنده:
(يا معاذ أفتان أنت) صفة واقعة بعد
(2/59)
الاستفهام، رافعة للظاهر، فيجوز أن يكون
مبتدأ، وأنت ساد مسد الخبر، ويجوز أن يكون أنت مبتدأ تقدم
خبره، (أو) قال (أفاتن) بالهمزة، والشك من الراوي، ولابن
عساكر: فاتن. زاد في رواية لأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر
في نسخة: أنت (-ثلاث مرار-) ولأبي ذر والأصيلي: مرات
بالتاء بعد الراء (فلولا) فهلاً (صليت {بسبح اسم ربك
الأعلى} و {الشمس وضحاها} و {الليل إذا يغشى}) أي ونحوها
من قصار المفصل، كما في بعض الروايات (فإنه يصلّي وراءك
الكبير والضعيف وذو الحاجة).
قال شعبة (أحسب في الحديث) وللكشميهني: أحسب هذا، في قوله
فإنه يصلّي في الحديث، ولابن عساكر: وأحسب في هذا، وفي
الحديث (تابعه) ولغير الأربعة: قال أبو عبد الله، أي
البخاري وتابعه، أي تابع شعبة (سعيد بن مسروق) والد سفيان
الثوري، فيما وصله أبو عوانة (و) تابعه أيضًا (مسعر) بكسر
الميم وسكون المهملة، ابن كدام الكوفي، فيما وصله السراج
(و) تابعه أيضًا (الشيباني) أبو إسحاق سليمان بن أبي
سليمان فيروز الكوفي، فيما وصله البزار متابعة منهم لشعبة
في أصل الحديث، لا في جميع ألفاظه.
(قال عمرو) بفتح العين، ابن دينار، فيما تقدم عنه قبل
بابين (وعبيد الله) بضم العين (بن مقسم) بكسر الميم
المدني، فيما وصله ابن خزيمة (وأبو الزبير) بضم الزاي،
محمد بن مسلم المكي، مولى حكيم بن حزام، ثلاثتهم (عن جابر
قرأ معاذ في) صلاة (العشاء بالبقرة) خاصة ولم يذكروا
النساء، (وتابعه) أي وتابع شعبة (الأعمش) سليمان بن مهران
(عن محارب) أي ابن دثار مما وصله النسائي، ولم يعين
السورة.
64 - باب الإِيجَازِ فِي الصَّلاَةِ وَإِكْمَالِهَا
(باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها) أي مع إكمال أركانها،
ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: بالتنوين من غير ترجمة،
ولغير المستملي وكريمة إسقاط الباب والترجمة معًا.
706 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُوجِزُ الصَّلاَةَ وَيُكْمِلُهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن
عمرو المقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (قال:
حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) وللأصيلي: أنس بن
مالك (قال: كان النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-يوجز الصلاة) من الإيجاز ضد الإطناب (ويكملها)
من غير نقص، بل يأتي بأقل ما يمكن من الأركان والأبعاض.
ورواة هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث، والعنعنة، والقول،
وأخرجه مسلم، وابن ماجة.
65 - باب مَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ بُكَاءِ
الصَّبِيِّ
(باب من أخفّ الصلاة عند بكاء الصبي).
707 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ
فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي
صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ».
تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ
وَبَقِيَّةُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. [الحديث 707 - طرفه في:
868].
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) زاد الأصيلي: هو
الفراء، أي الرازي الملقب بالصغير (قال: أخبرنا) وللأصيلي
والهروي: حدّثنا (الوليد)، ولابن عساكر: الوليد بن مسلم
(قال: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن يحيي بن
أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري
السلمي (عن أبيه أبي قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري رضي
الله عنه، وسقط للأصيلي وابن عساكر: أبي قتادة، (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوّل) أي التطويل (فيها)
والجملة حالية (فأسمع بكاء الصبي) بالمد، أي صوته الذي
يكون معه (فأتجوّز) أي فأخفف (في صلاتي كراهية أن أشق على
أمه) أي المشقّة عليها، وكراهية نصب على التعليل، مضاف إلى
أن المصدرية.
روى ابن أبي شيبة، عن ابن سابط، أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ فى الركعة الأولى بسورة
نحو ستين آية، فسمع بكاء الصبي، فقرأ في الثانية بثلاث
آيات.
ورواة حديث الباب الستة ما بين رازي ودمشقي ويماني ومدني،
وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا أبو داود
والنسائي في الصلاة.
(تابعه) أي تابع الوليد بن مسلم (بشر بن بكر) بكسر الموحدة
وسكون المعجمة، في الأول وبفتح الموحدة في الثاني، مما
ذكره المؤلّف في باب: خروج النساء إلى المساجد، (و) تابعه
أيضًا (ابن المبارك) عبد الله، فيما وصله النسائي (و)
تابعه أيضًا (بقية) بن الوليد الكلاعي بتخفيف اللام وفتح
الكاف، الحضرمي، سكن حمص الثلاثة (عن الأوزاعي).
708 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
يَقُولُ: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ
صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ
الصَّبِيِّ، فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ
أُمُّهُ".
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء
المعجمة، البجلي الكوفى (قال: حدّثنا سليمان بن بلال)
التيمي،
(2/60)
(قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت وابن
عساكر: حدّثني (شريك بن عبد الله) بن أبي نمر القرشي (قال:
سمعت أنس بن مالك)، وسقط ابن مالك لابن عساكر (يقول: ما
صليت وراء إمام قطّ أخفّ صلاة) بالنصب على التمييز، فأخف
صفة لإمام (ولا أتم) عطف على سابقه (من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإن كان) إن هي المخففة من
الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وكان خبرها، أي: إنه كان
(ليسمع بكاء الصبي فيخفف) الصلاة، يقرأ بالسورة القصيرة،
ويشهد له حديث ابن أبي شيبة السابق قريبًا (مخافة أن تفتن)
بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول، ومخافة نصب على
التعليل مضاف إلى أن المصدرية أي تلتهي (أمه) عن صلاتها
لاشتغال قلبها ببكائه.
زاد عبد الرزاق، من مرسل عطاء: أو تتركه فيضيع، ولأبي ذر:
أن يفتن بفتح المثناة التحتية وكسر ثالثه، مبنيًّا للفاعل،
أمه بالنصب على المفعولية.
ورواة هذا الحديث الأربعة مدنيون إلا شيخ المؤلّف فإنه
كوفي، وفيه التحديث بالجمع والإفراد، والسماع والقول،
وأخرجه مسلم.
709 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي لأَدْخُلُ فِي
الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ
بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا
أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ».
[الحديث 709 - طرفه في: 710].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني (قال:
حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء (قال: حدّثنا
سعيد) أي ابن أبي عروبة (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة،
ولابن عساكر: عن قتادة (أن أنس بن مالك) رضي الله عنه
(حدّثه) وللأصيلي، وابن عساكر: حدّث، بإسقاط الضمير (أن
النبي) ولهما ولأبوي ذر والوقت، أن نبي الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها) جملة حالية
(فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز) أي أخفف (في صلاتي مما أعلم)
ما صدرية أو موصولة، والعائد محذوف (من شدة وجد أمه) أي:
حزنها (من بكائه) وهذا من كرائم عادته ومحاسن أخلاقه في
خشيته من إدخال المشقّة على نفوس أمته، وكان بالمؤمنين
رحيمًا.
ورواة هذا الحديث بصريون، وأخرجه مسلم وابن ماجة في
الصلاة.
710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي
لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ فَأُرِيدُ إِطَالَتَهَا،
فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا
أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ».
وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ
حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة
المشدّدة، الملقب ببندار (قال: حدّثنا) بالجمع، وللأصيلي:
حدّثني (ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم، وأبو عدي كنيته،
البصري (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة، عن أنس بن
مالك) رضي الله عنه، وسقط لابن عساكر: ابن مالك (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي،
فأتجوّز مما) وللكشميهني لما (أعلم من شدة وجد أمه من
بكائه). واللام للتعليل، وذكر الأم هنا خرج مخرج الغالب
وإلاّ فمن كان في معناها يلحق بها.
وفي الحديث أن مَن قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا
يجب عليه الوفاء به، خلافًا لأشهب حيث ذهب إلى أن من تطوّع
قائمًا فليس له أن يتمّه جالسًا. قاله في فتح الباري.
ورواة هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث والعنعنة.
(وقال موسى) بن إسماعيل التبوذكي فيما وصله السراج (حدّثنا
أبان) بن يزيد العطار (قال: حدّثنا قتادة قال: حدّثنا أن
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مثله) وسقط
لفظ: مثله لابن عساكر والأصيلي. وفائدة هذا بيان سماع
قتادة له من أنس.
66 - باب إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) الرجل مع الإمام (ثم أمّ
قومًا) مجزئ ذلك.
711 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو
النُّعْمَانِ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: "كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ
فَيُصَلِّي بِهِمْ".
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (وأبو
النعمان) محمد بن الفضل السدوسي البصري الملقب بعارم بعين
وراء مهملتين (قالا: حدّثنا حماد بن زيد، عن أيوب)
السختياني، (عن عمرو بن دينار، عن جابر) وللأصيلي زيادة:
ابن عبد الله (قال: كان معاذ) هو ابن جبل، رضي الله عنه
(يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم
يأتي قومه) بني سلمة (فيصلّي بهم) تلك الصلاة التي صلاها
مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
واستدلّ به الشافعية على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، لأن
فرض معاذ هو الأول، كما مرّ.
وهذا قول أحمد، واختاره ابن المنذر وجماعة من السلف،
خلافًا للحنفية والمالكية.
67 - باب مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ
(باب من أسمع الناس تكبير الإمام).
712 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- قَالَتْ: "لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ
بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا
بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ. قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ
أَسِيفٌ، إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلاَ يَقْدِرُ
عَلَى الْقِرَاءَةِ. قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ. فَقُلْتُ: مِثْلَهُ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ
-أَوِ الرَّابِعَةِ-: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ،
مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ. فَصَلَّى. وَخَرَجَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهَادَى
بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ
بِرِجْلَيْهِ الأَرْضَ. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ
ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ صَلِّ،
فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- وَقَعَدَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
جَنْبِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ".
تَابَعَهُ مُحَاضِرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد، (قال: حدّثنا
عبد الله بن داود) بن عامر الهمداني الخريبي بالخاء
المعجمة وبالراء والموحدة مصغرًا
(2/61)
(قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (من
إبراهيم من الأسود) بن يزيد النخعي (من عائشة رضي الله
عنها قالت: لما مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مرضه الذي مات فيه، أتاه بلال يؤذنه) بضم الياء
وسكون الواو، أي يعلمه، وللأصيلي: أتاه بلال يؤذنه
(بالصلاة، فقال) عليه الصلاة والسلام:
(مروا أبو بكر فليصل) أمر مجزوم بحذف حرف العلة، زاد أبو
ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، بالناس.
قالت عائشة: (قلت: إن أبا بكر رجل أسيف) شديد الحزن، رقيق
القلب، سريع البكاء (إن يقم مقامك يبكي) من شدة الحزن،
ويبكي بإثبات الياء. قال ابن مالك: من قبيل إجراء المعتل
مجرى الصحيح، والاكتفاء بحذف الحركة، ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي: يبكِ بحذف الياء، (فلا يقدر على القراءة) من
غلبة البكاء.
(قال) وللأربعة فقال: (مروا أبا بكر فليصل)، زاد ابن
عساكر: بالناس، ولغير الثلاثة: فليصلّي، بإثبات الياء
كيبكي.
قالت عائشة: (فقلت) بالفاء، وللأصيلي قلت (مثله) تعني أن
أبا بكر رجل أسيف إلخ (فقال) عليه الصلاة والسلام (في
الثالثة -أو الرابعة-) شك من الراوي:
(إنكن صواحب يوسف) عليه الصلاة والسلام، المشار إليهنّ في
سورته، أي مثلهن في إظهار خلاف ما تبطنّ، وقد مرّ ما في
ذلك (مروا أبا بكر فليصل)، بالناس، ولغير الثلاثة:
فليصلّي،
بإثبات الياء كما سبق قريبًا. فأمروه (فصلّى) بالناس (وخرج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في أثناء صلاة
أبي بكر
(يهادى) بضم التحتية وفتح الدال المهملة، أي يمشي (بين
رجلين) العباس وعلي، أو عليّ والفضل، قاله الخطيب، وصحح
النووي أنهما قضيتان، فخروجه من بيت ميمونة لعائشة بين
الفضل وعليّ (كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض) لعدم قدرته
على رفعهما عنها (فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر) من مكانه
(فأشار إليه) عليه الصلاة والسلام (أن صلِّ، فتأخر أبو بكر
رضي الله عنه، وقعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى جنبه)، أي جنب أبي بكر (وأبو بكر يسمع
الناس التكبير) وهذه مفسرة عند الجمهور للمراد بقوله في
الرواية السابقة، فكان أبو بكر يصلّي بصلاته عليه الصلاة
والسلام، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، وهو المراد من
الترجمة. والواو في قوله وأبو بكر للحال.
(تابعه) أي تابع عبد الله بن داود (محاضر) بميم مضمومة
وحاء مهملة وضاد معجمة مكسورة فراء، الهمداني الكوفي
المتوفى سنة ست ومائتين (عن الأعمش) سليمان بن مهران على
ذلك.
68 - باب الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ، وَيَأْتَمُّ
النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ
وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «ائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ
بَعْدَكُمْ».
(باب الرجل) بإضافة باب للاحقه وبتنوينه فيرفع الرجل (يأتم
بالإمام ويأتم الناس بالمأموم).
(ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه مما أخرجه مسلم في صحيحه من
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وكذا أصحاب السُّنن.
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال
مخاطبًا لأهل الصف الأوّل: (ائتموا بي وليأتم بكم من
بعدكم) من سائر الصفوف، أي يستدلوا بأفعالكم على أفعالي،
وليس المراد أن المأموم يقتدي به غيره.
713 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
"لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ
فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ
أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ
يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. فَقَالَ:
مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ
لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ
أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ
النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. قَالَ: إِنَّكُنَّ
لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ
يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ
وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ
رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى
دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ
ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ،
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي
قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالنَّاسُ
مُقْتَدُونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه".
وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني (قتيبة) وفي غير
رواية أبي ذر وابن عساكر: قتيبة بن سعيد (قال: حدّثنا أبو
معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين الضرير (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم، عن الأسود) بن يزيد
النخعي، وسقط إبراهيم بين الأعمش والأسود من رواية أبي زيد
المروزي، وهو وهم فيما قاله الجياني (عن عائشة) رضي الله
عنها (قالت: لما ثقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في مرضه الذي توفي فيه (جاء بلال) المؤذن
(يؤذنه) بسكون الواو: يعلمه (بالصلاة فقال): (مروا أبا بكر
أن يصلّي) ولأبي ذر وابن عساكر فيصلّي (بالناس).
قالت عائشة: (فقلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف)
بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ثم فاء بعد المثناة
التحتية الساكنة، شديد الحزن (وأنه متى ما يقم مقامك) في
الإمامة وإثبات ما بعد متى ويقم مجزوم بحذف الواو بمتى
الشرطية، لأبي ذر عن الكشميهني، وفي رواية الحموي
والمستملي: متى يقوم بإثباتها، ووجهه ابن مالك بأنها أهملت
حملاً على إذا، كما جزم بإذا حملاً على متى في قوله: إذا
أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعًا
(2/62)
وثلاثين (لا يسمع الناس) بضم الياء وإسكان
السين، من الإسماع، ولأبي ذر: لم يسمع الناس (فلو أمرت
عمر) بن الخطاب رضي الله عنه، إن كانت لو شرطية فالجواب
محذوف أو للتمني فلا جواب، (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(مروا أبا بكر يصلّي) بحذف أن، ولأبوي ذر والوقت: أن يصلّي
بالناس.
قالت عائشة: (فقلت لحفصة: قولي له وإن أبا بكر رجل أسيف،
وإنه متى يقم مقامك) في الإمامة ولغير الكشميهني: يقوم
بالواو، كما مرّ وللكشميهني: متى ما يقم. فما زائدة
للتوكيد، قال ابن مالك إنها شرطية وجوابها (لا يسمع الناس)
ولأبي ذر: لم يسمع الناس (فلو أمرت عمر قال): عليه الصلاة
والسلام، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر فقال:
(إنكن لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر أن يصلّي بالناس)
ولابن عساكر بحذف أن من: أن يصلّي.
(فلما دخل) أبو بكر (في الصلاة) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: فلما داخل في الصلاة، بألف بعد الدال، أسكن
الخاء مكسورة في اليونينية (وجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين
رجلاه يخطان) بالمثناة التحتية، ولأبوي ذر والوقت: تخطان،
بالمثناة الفوقية (في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو
بكر حسّه ذهب أبو بكر يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن اثبت مكانك، فتأخر أبو
بكر (فجاء) وللأصيلي: فجاءه (رسول الله) وللأصيلي وابن
عساكر والهروي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حتى جلس عن يسار أبي بكر) لكونه كان جههّ حجرته
فهو أخف عليه (فكان أبو بكر يصلّي قائمًا، وكان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي قاعدًا، يقتدي
أبو بكر بصلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، والناس مقتدون) بالميم على صيغة الجمع لاسم
الفاعل، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: يقتدون
بصيغة المضارع، أي مستدلون أو يستدلون (بصلاة أبي بكر رضي
الله عنه) على صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
69 - باب هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ
النَّاسِ
هذا (باب) بالتنوين (هل يأخذ الإمام إذا شك) في صلاته
(بقول الناس) قال الشافعية لا يأخذ بقولهم، وقال الحنفية:
نعم.
714 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ
السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ
لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟
فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ
أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ
مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك
بن أنس) الإمام، وسقط لفظ ابن أنس في رواية ابن عساكر (عن
أيوب بن أبي تميمة السختياني) بفتح السين والتاء، وفي
اليونينية بكسر التاء (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة)
رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- انصرف من اثنتين) ركعتين من صلاة الظهر (فقال
ذو اليدين) اسمه الخرياق بكسر الخاء المعجمة وبعد الراء
الساكنة موحدة آخره قاف، مستفهمًا له عن سبب تغيير وضع
الصلاة ونقص ركعاتها (أقصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد،
على أنه قاصر، وبضم القاف وكسر الصاد مبنيًّا للمفعول، وهي
الرواية المشهورة (أم نسيت يا رسول الله) حصر في الأمرين،
لأن السبب إما من الله وهو القصر، أو من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو النسيان (فقال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للحاضرين:
(أصدق ذو اليدين) في النقص الذي هو سبب السؤال المأخوذ من
مفهوم الاستفهام.
(فقال الناس: نعم) صدق (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى اثنتين) ركعتين (أخريين) بضم
الهمزة وسكون الخاء المعجمة ومثناة مفتوحة وأخرى ساكنة
تحتيتين (ثم سلم، ثم كبر فسجد) للسهو (مثل سجوده) السابق
في صلاته (أو أطول) منه.
فظاهره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجع إلى
قولهم لكن حمله إمامنا الشافعي رحمه الله على أنه تذكر،
ويؤيده ما عند أبي داود، من طريق الأوزاعي، عن سعيد وعبيد
الله، عن أبي هريرة في هذه القصة قال: ولم يسجد سجدتي
السهو حتى يقنه الله تعالى ذلك.
وقال مالك ومن تبعه: يرجع إلى قول المأمومين، واستدلوا له
برجوعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خبر
أصحابه حين صدقوا ذا اليدين، لكن عندهم خلاف في اشتراط
العدد بناء على أنه يسلك به مسلك الشهادة أو الرواية.
715 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ
رَكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ. فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
(قال:
(2/63)
حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعيد بن
إبراهيم) بسكون العين، ابن عبد الرحمن بن عوف (عن) عمّه
(أبي سلمة) وللأصيلي زيادة: ابن عبد الرحمن (عن أبي هريرة)
رضي الله عنه (قال: صلّى النبي) وللأصيلي: رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر ركعتين، فقيل)
له (صليت) وللمستملي: قد صليت (ركعتين، فصلّى) عليه الصلاة
والسلام (ركعتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين) فيه تبيين للمراد
بقوله في السابق: فسجد مثل سجوده، فافهم.
70 - باب إِذَا بَكَى الإِمَامُ فِي الصَّلاَةِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نَشِيجَ
عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}.
هذا (باب) بالتنوين (إذا بكى الإمام في الصلاة) هل تفسد أم
لا.
(وقال عبد الله بن شداد) بفتح المعجمة وتشديد الدال ابن
الهاد التابعي الكبير، له رؤية ولأبيه صحبة، مما وصله سعيد
بن منصور: (سمعت (نشيج) بفتح النون وكسر الشين آخره جيم،
أي بكاء (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه من خشية الله من غير
انتحاب ولا ظهور حرفين ولا حرف مفهم (وأنا في أخر الصفوف،
يقرأ) ولأبي ذر عن الحموي: فقرأ {إنما أشكو بثي وحزني إلى
الله} زاد الأصيلي الآية.
716 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ
بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي مَرَضِهِ:
مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ
عَائِشَةُ: قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي
مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ فَمُرْ
عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ:
قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ
لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ
فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
مَهْ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا
أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. قَالَتْ حَفْصَةُ
لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا".
بالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس الأصبحي المدني
(قال: حدّثنا) وللأصيلي: حدّثني (مالك بن أنس) إمام دار
الهجرة، خال ابن أبي أويس (عن هشام بن عروة، عن أبيه)
عروة بن الزبير (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه)
الذي توفي فيه:
(مروا أبا بكر يصلّي بالناس) بالياء بعد اللام، وللأصيلي:
فليصل، مجزوم بحذفها جواب الأمر، وعلى الرواية الأولى
مرفوع استئنافًا أو أجرى المعتل مجرى الصحيح.
(قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع
الناس من البكاء) إذ ذاك عادته إذا قرأ القرآن، لا سيما
إذا قام في مقام الرسول وفقده منه (فمُر عمر) بن الخطاب
(فليصل)، ولأبي ذر: يصلّي، لإثبات الياء، وزاد: بالناس.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (مروا أبا بكر فليصل للناس)
ولأبي الوقت: بالناس بالموحدة بدل اللام.
(فقالت عائشة لحفصة) ولأبي ذر: وابن عساكر: فقالت عائشة:
فقلت لحفصة (قولي له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(إن أبا بكر إذا) ولأبي ذر: إن أبا بكر رجل أسيف إذا (قام
في مقامك) ولأبي ذر: إذا قام مقامك (لم يسمع الناس من
البكاء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في البكاء بفي،
بالفاء بدل من الميم، أي لأجل البكاء، أو هو حال. أي
كائنًا في البكاء، أو هو من باب إقامة بعض حروف الجر مقام
بعض، (فمر عمر فليصل للناس، ففعلت حفصة) القول المذكور
الذي قالته لها عائشة.
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مه) لمة زجر (إنكن لأنتنّ صواحب يوسف) تظهرن خلاف ما
تبطنّ
كهنّ (مروا أبا بكر فليصل للناس).
(قالت) وللأربعة: فقالت، (حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك
خيرًا) وسقط لفظ: لعائشة لغير أبي ذر، ومباحث الحديث مرت.
71 - باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الإِقَامَةِ
وَبَعْدَهَا
(باب تسوية الصفوف عند الإقامة) للصلاة (وبعدها) قبل
الشروع في الصلاة.
717 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي
الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ
يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ
لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك)
الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاح (قال: أخبرني)
ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد فيهما (عمرو بن مرة) بفتح العين
في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني، الجهني الكوفي
الأعمى (قال: سمعت سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم
وسكون العين (قال: سمعت النعمان بن بشير) بفتح الموحدة
وكسر المعجمة (يقول، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
والله (لتسون) بضم التاء وفتح السين وضم الواو المشددة
وتشديد النون المؤكدة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
لتسوون بواوين والنون للجمع (صفوفكم) باعتدال القائمين بها
على سمت واحد، أو بسد الخلل فيها (أو ليخالفن الله) بالرفع
على الفاعلية وفتح اللام الأولى المؤكدة وكسر الثانية وفتح
الفاء، أي: ليوقعن الله المخالفة (بين وجوهكم) بتحويلها عن
مواضعها إن لم تقيموا الصفوف جزاءً وفاقًا.
ولأحمد من حديث أبي أمامة: لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه.
أو المراد وقوع العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب، واختلاف
الظاهر سبب لاختلاف الباطن.
وفي
(2/64)
رواية أبي ذر وغيره بلفظ: أو ليخالفن الله
بين قلوبكم، أو المراد: تفترقون فيأخذ كل واحد وجهًا غير
الذي يأخذه صاحبه، لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للكبر
المفسد للقلب الداعي للقطيعة، وعزى هذا الأخير للقرطبي.
واحتج ابن حزم للقول بوجوب التسوية بالوعيد المذكور، لأنه
يقتضيه.
لكن قوله في الحديث الآخر: فإن تسوية الصفوف من تمام
الصلاة، يصرفه إلى السُّنَّة، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة
ومالك، فيكون الوعيد للتغليظ والتشديد.
718 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ
ظَهْرِي». [الحديث 718 - طرفاه في: 719، 725].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن
عمرو المنقري المقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد
البصري (عن عبد العزيز) ولأبي ذر زيادة: ابن صهيب (عن أنس)
وللأصيلي زيادة: ابن مالك، رضي الله عنه (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(أقيموا الصفوف) أي عدّلوها (فإني أراكم) بقوة إبصار يدرك
بها، ولا يلزم رؤيتنا ذلك أو يريد: إني أبصركم بعيني
المعهودة وأنتم (خلف ظهري) كما أبصركم وأنتم بين يدي،
والفاء للسببية.
72 - باب إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ
تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ
(باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف).
719 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
الطَّوِيلُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: "أُقِيمَتِ
الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَجْهِهِ فَقَالَ:
أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ
مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي".
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن أبي رجاء) بفتح الراء وتخفيف
الجيم والمد، عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي (قال: حدّثنا
معاوية بن عمرو) بإسكان الميم، ابن المهلب الأزفي الكوفي
الأصل، وهو من قدماء شيوخ المؤلّف، لكنه روي له هنا
بواسطة، ولعله لم يسمعه منه (قال: حدّثنا زائدة بن قدامة)
بضم القاف (قال: حدّثنا حميد الطويل) بضم الحاء (قال:
حدّثنا أنس) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أنس بن
مالك رضي الله عنه (قال: أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجهه، فقال):
(أقيمو) سووا (صفوفكم) أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي
(وتراصوا) بضم الصاد المهملة المشدّدة أي تضاموا وتلاصقوا
حتى يتصل ما بينكم (فإني أراكم) رؤية حقيقية (من وراء
ظهري) أي من خلفه، بخلق حاسة باصرة فيه كما يشعر به
التعبير بمن، فمبدأ الرؤية ومنشؤها من خلفه بخلاف الرواية
السابقة العارية عن من: فإنها تحتمل ذلك، وتحتمل أن ذلك
بالعين المعهودة كما مرّ.
وقيل أنه كان له بين كتفيه عينان كسمّ الخياط يبصر بهما
ولا يحجبهما الثياب، وزاد الأصيلي بعد قوله؛ من وراء ظهري:
الحديث.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين هروي وبغدادي وكوفي وبصري،
وفيه التحديث والقول.
73 - باب الصَّفِّ الأَوَّلِ
(باب الصف الأول) وهو الذي يلي الإمام، قال النووي: وهو
الصحيح المختار وعليه المحققون.
720 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الشُّهَدَاءُ: الْغَرِقُ، وَالْمَطْعُونُ،
وَالْمَبْطُونُ، وَالْهَدِمُ».
وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن
مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم
وتشديد المثناة التحتية، القرشي المدني، مولى أبي بكر بن
عبد الرحمن (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي
الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(الشهداء: الغرق) بفتح الغين وكسر الراء، بمعنى الغريق
(والمبطون) صاحب الإسهال (والمطعون والهدم) بكسر الدال
الذي يموت تحت الهدم، وتسكن أي ذو الهدم الذي يموت بفعل
الهادم، ونسب إلى الفعل مجازًا.
721 - وَقَالَ: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ
لاَسْتَبَقُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ
وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَوْ
يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ
لاَسْتَهَمُوا».
(وقال) عليه الصلاة والسلام: (ولو) بالواو، وللهروى
والأصيلي: لو (يعلمون ما في التهجير) التبكير (لاستبقوا)
زاد الهروي: إليه (ولو يعلمون ما في) صلاة (العتمة و) صلاة
(الصبح) من الثواب (لأتوهما ولو) إتيانًا (حبوًا) زحفًا
على الاست (ولو يعلمون ما في الصف المقدم) الأول من الفضل،
وللأصيلي وابن عساكر: الأول (لاستهموا) لاقترعوا عليه لما
فيه من الفضيلة، كالسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام،
واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه،
والصف المقدم يتناول الصف الثاني بالنسبة للثالث فإنه مقدم
عليه، وكذا الثالث بالنسبة للرابع، وهلم جرَّا. فرواية
الصف الأول رافعة لذلك، معينة للمراد.
ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في فضل التهجير، وتقدمت
مباحثه في باب الاستهام في الأذان.
74 - باب إِقَامَةِ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ
هذا (باب) بالتنوين (إقامة الصف من) حسن
(2/65)
(تمام) إقامة (الصلاة) وثبت قوله تمام لأبي
الوقت.
722 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ
قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ،
فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا،
وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا
رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا،
وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ،
وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ
الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ». [الحديث 722 - طرفه في:
734].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال:
حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني اليماني (قال: أخبرنا
معمر) هو ابن راشد البصري (عن همام) وللأصيلي زيادة: ابن
منبّه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع
فاركعوا) عقبه (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا
لك الحمد) بغير واو، ولأبي ذر والأصيلي: ربنا ولك الحمد،
أي بعد أن تقولوا سمع الله لمن حمده (وإذا سجد فاسجدوا)
عقب سجوده (وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا) جمع جالس
(أجمعون) بالرفع تأكيد لفاعل صلوا، ولأبي ذر في نسخة:
أجمعين، بالنصب تأكيد لجلوسًا، وهذا منسوخ بما في مرض موته
من صلاته جالسًا وهم قيام كما مر (وأقيموا الصف) أي عدلوه
(في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة) الزائد على
تمامها، فليس بفرض بل زائد عليه.
فالأمر للاستحباب بدليل تعليله بقوله: فإن إقامة الصف إلخ.
فإن قلت: ما ترجم به غير ما في الحديث، أجيب: بأنه أراد أن
يبين المراد بالحسن هنا، وأنه لا يعني به الظاهر المرئي من
الترتيب، بل المقصود به الحسن الحكمي.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بخاري وبصري ويماني، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة.
723 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَوُّوا
صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ
الصَّلاَةِ».
وبه) قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (قال:
حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي
البصري (عن أنس) رضي الله عنه، وللأصيلي زيادة: ابن مالك
(عن النبي) ولابن عساكر قال: قال رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(سوّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف) بالجمع (من إقامة
الصلاة) أي: من تمامها كما عند الإسماعيلي والبيهقي،
واستدلّ به على سنية التسوية.
75 - باب إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ
(باب إثم من لم يتم الصفوف) عند القيام إلى الصلاة،
وللأصيلي: من لم يتم مشددة مفتوحة، وجوز البدر الدماميني
كسرها على الأصل، قال: ولا سيما قبها كسر يمكن أن يراعى في
الإتباع.
724 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ
عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ
الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّهُ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ
يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلاَّ
أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ".
وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ
يَسَارٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
الْمَدِينَةَ ... بِهَذَا.
وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) بضم الميم والذال
معجمة، المروزي نزيل البصرة (قال: أخبرنا) ولابن عساكر
والأصيلي: حدّثنا (الفضل بن موسى) المروزي (قال: أخبرنا
سعيد بن عبيد) بكسر العين في الأول، وضمها وفتح الموحدة في
الثاني، (الطائي) الكوفي (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة
وفتح الشين المعجمة في الأول، وبالمثناة التحتية وتخفيف
السين المهملة بعد المثناة التحتية في الثاني (الأنصاري،
عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط لفظ: ابن مالك عند ابن
عساكر (أنه قدم المدينة) من البصرة (فقيل له: ما أنكرت)
أي: أي شيء أنكرت (منا منذ) ولغير المستملي والكشميهني: ما
أنكرت منذ (يوم عهدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وجوّز البرماوي كالزركشي في ميم يوم
التثليث، ولكن قال في مصابيح الجامع: إن ظاهره أن الثلاثة
حركات إعراب وليس كذلك، فإن الفتح هنا حركة بناء قطعًا
(قال) أنس: (ما أنكرت شيئًا إلاّ أنكم لا تقيمون الصفوف).
فإن قلت: الإنكار قد يقع على ترك السُّنّة، فلا يدلّ على
حصول الإثم، فكيف المطابقة بين الترجمة والحديث؟
أجيب باحتمال أن يكون المؤلّف أخذ الوجوب من صيغة الأمر في
قوله: سووا، ومن عموم قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي، ومن
ورود الوعيد على تركه، فترجح عنده بهذه القرائن، أن إنكار
أنس إنما وقع على ترك الواجب.
نعم مع القول بوجوب التسوية، صلاة من لم يسوّ صحيحة،
ويؤيده أن أنسًا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بالإعادة،
والجمهور على أنها سنّة، وليس الإنكار للزوم الشرعي بل
للتغليظ والتحريض على الإتمام.
(وقال عقبة بن عبيد) بضم العين فيهما وسكون القاف وفتح
الموحدة في عقبة، وهو الرحال بفتح الراء والحاء المشدّدة
المهملتين، وهو أخو سعيد بن عبيد السابق، وليس لعقبة هذا
في البخاري إلاّ هذا التعليق الموصول عند أحمد في مسنده عن
يحيى القطان، عن عقبة بن عبيد (عن بشير بن يسار) بضم
(2/66)
الموحدة وفتح المعجمة (قدم علينا أنس بن
مالك المدينة. بهذا) أي المذكور، والفرق بين الطريقين أنه
أراد بالثاني بيان سماع بشير بن يسار له من أنس، وسقط لابن
عساكر وأبي ذر: ابن مالك.
76 - باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ
بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: رَأَيْتُ الرَّجُلَ
مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ.
(باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف).
(وقال النعمان بن بشير) هو ابن سعيد بن ثعلبة الأنصاري
الخزرجي المدني الصحابي ابن الصحابي، سكن الشام ثم ولي
إمرة الكوفة: (رأيت الرجل منّا يلزق كعبه بكعب صاحبه) وهذا
طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة.
725 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقِيمُوا
صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي.
وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ
صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ".
وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) الحراني، سكن مصر،
ولابن عساكر: عمرو هو ابن خالد (قال: حدّثنا زهير) بضم
الزاي وفتح الهاء، ابن معاوية (عن حميد) الطويل (عن أنس)
وللأصيلي زيادة: ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري).
قال أنس: (وكان أحدنا) في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (يلزق) بالزاي (منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه
بقدمه) المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف، وسد خلله.
وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كحديث
ابن عمر المروي عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة والحاكم،
ولفظه: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا
تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع
صفًّا قطعه الله عز وجل.
77 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ
وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ
صَلاَتُهُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا قام الرجل) المأموم (عن يسار
الإمام، وحوله الإمام خلفه) بالنصب على الظرفية، أي في
خلفه، أو بنزع الخافض، أي من خلفه (إلى يمينه، تمت صلاته)
أي المأموم أو الإمام، قال البرماوي كالكرماني والإمام:
وإن كان أقرب إلاّ أن الفاعل وإن تأخر لفظًا فمقدم رتبة
فتساويا انتهى.
وتعقب بأنه إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله
من بين يديه لئلا يصير كالمارّ بين يديه انتهى.
وقد تقدّم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو عشرين بابًا، لكن
ليس هناك لفظ: خلفه، وقال هناك: لم تفسد صلاتهما، وهو يدل
على جواز رجوع الضمير هنا إليهما.
726 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ
يَسَارِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي فَجَعَلَنِي
عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى وَرَقَدَ، فَجَاءَهُ
الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بضم القاف في الأول
وكسر العين في الآخر، وسقط ابن سعيد لأبي ذر (قال: حدّثنا
داود) بن عبد الرحمن العطار، المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة
(عن عمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم، (عن كريب،
مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله
عنهما، قال: صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذات ليلة) أي في ليلة، وذات مقحمة. قال جار
الله، وهو من
إضافة المسمى إلى اسمه (فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برأسي من ورائي
فجعلني عن يمينه) فيه أن الفعل القليل غير مبطل، ودلالة
الترجمة فيه من قوله عن يساره إلى هنا (فصلّى) عليه الصلاة
والسلام (ورقد، فجاءه المؤذن) ولابن عساكر: فجاء بحذف ضمير
المفعول (فقام وصلّى) بالواو، وللكشميهني: فصلّى، بالفاء
وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي
والمستملي: يصلّي بالمثناة التحتية، بلفظ المضارع (ولم
يتوضأ) لأن نومه لا ينقض وضوءه لأن عينه تنام ولا ينام
قلبه، وبقية مباحث الحديث تقدمت في باب السمر في العلم
وتخفيف الوضوء.
78 - باب الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا
هذا (باب) بالتنوين (المرأة وحدها تكون صفًّا).
قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ
صَفًّا} [النبأ: 38] المفسر: بأن الروح وهو ملك يكون وحده
صفًا والملائكة صفًا آخر، أو المراد: أنها وقفت وحدها غير
مختلطة بالرجال تكون في حكم الصف.
727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا
خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأُمِّي -أُمُّ سُلَيْمٍ- خَلْفَنَا".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) السند الجعفي
(قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسحاق) بن عبد الله بن
أبي طلحة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: صلّيت أنا
ويتيم) هو ضميرة بن أبي ضميرة، بضم الضاد المعجمة، الصحابي
ابن الصحابي، وأتى بالضمير المرفوع ليصح العطف عليه، ولم
يشترطه الكوفيون. (في بيتنا، خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمي أم سليم) بضم السين عطف بيان،
واسمها سهلة أو رميثة أو الرميصاء، زوجة أبي طلحة؛ تصلي
(خلفنا).
استنبط منه: أن المرأة لا تصف مع الرجال
(2/67)
لما يخشى من الافتتان بها، فلو خالفت أجزأت
صلاتها عند الجمهور.
نعم عند الحنفية تفسد صلاة الرجل دونها. ولو صلّى الرجل
وحده دون الصف صحت صلاته عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة رضي
الله عنهم، ولكن يكره عند الشافعية، فليدخل الصف إن وجد
سعة، وإلاّ فليجر شخصًا منه بعد الإحرام، وليساعده المجرور
فيقف معه صفًّا.
روى البيهقي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
لرجل صلّى خلف الصف: أيها الرجل المصلي هلاّ دخلت الصف، أو
جررت رجلاً من الصف فيصلّي معك، أعد صلاتك، وضعفه. والأمر
بالإعادة للاستحباب، ويؤخذ من الكراهة فوات فضيلة الجماعة.
79 - باب مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالإِمَامِ
(باب ميمنة المسجد والإمام) سقط الباب للأصيلي.
728 - حَدَّثَنَا مُوسَى قال: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ
يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قُمْتُ لَيْلَةً
أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ بِيَدِي -أَوْ بِعَضُدِي-
حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ
وَرَائِي".
(حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا ثابت بن
يزيد) بالمثلثة في الأول، ويزيد من الزيادة، الأحول البصري
(قال: حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول البصري (عن
الشعبي) بن عامر، شراحيل الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله
عنهما (قال: قمت ليلة أصلي عن يسار النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأخذ بيدي أو) قال (بعضدي) شك من
الراوي، أو من ابن عباس (حتى أقامني عن يمينه، وقال بيده)
أي أشار بها تحول (من ورائي) أو المراد من وراء ابن عباس،
ولأبي ذر عن الكشميهني: من ورائه، قال العيني كابن حجر:
وهذا أوجه. والضمير للرسول عليه الصلاة والسلام.
ومطابقته للترجمة من جهة الإمام، ولأبي داود بإسناد حسن عن
عائشة مرفوعًا: إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف،
ولا يعارضه قوله عليه الصلاة والسلام، في حديث ابن عمر
المروي عند ابن ماجة، لما تعطلت مسيرة المسجد: من عمر
ميسرة المسجد، كتب له كفلان من الأجر، لأن ما ورد لمعنى
عارض يزول بزواله، لا سيما والحديث في إسناده مقال.
ورواة حديث الباب ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وفيه من يلقب بالأحول عن الأحول، وساقه
المؤلّف هنا مختصرًا.
80 - باب إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ
حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ نَهَرٌ.
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ -وَإِنْ
كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ- إِذَا سَمِعَ
تَكْبِيرَ الإِمَامِ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا كان بين الإمام وبين القوم)
المقتدين به (حائط أو سترة) لا يضر ذلك. وهذا مذهب
المالكية، نعم إذا جمعهما مسجد، وعلم بصلاة الإمام بسماع
تكبيرة أو بتبليغ، جاز عند الشافعية لإجماع الأمة على ذلك،
كما سيأتي قريبًا.
(وقال الحسن) البصري: (لا بأس أن تصلي وبينك وبينه) أي
الإمام (نهر) سواء كان محوجًا إلى سباحة أم لا، وهذا هو
الصحيح عند الشافعية، ولابن عساكر: نهير بضم النون وفتح
الهاء مصغرًا،
وهو يدل على أن المراد الصغير، وهو الذى يمكن العبور من
أحد طرفيه إلى الآخر من غير سباحة، وهذا لا يضرّ جزمًا.
وهذا التعليق قال ابن حجر: لم أره موصولاً بلفظه، وروى
سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه، في الرجل يصلّي خلف
الإمام، وهو فوق سطح، يأتم به: لا بأس بذلك.
(وقال أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم آخره زاي معجمة،
اسمه لاحق بالحاء المهملة والقاف، ابن حميد بضم الحاء، ابن
سعيد البصري الأعور التابعي المتوفى سنة مائة أو إحدى
ومائة، مما وصله ابن أبي شيبة: (يأتم) المصلي (بالإمام وإن
كان بينهما طريق) مطروق، وهذا هو الصحيح عند الشافعية،
فغير المطروق من باب أولى (أو) كان بينهما (جدار) وجمعهما
مسجد (إذا سمع تكبير الإمام) أو مبلغ عنه لإجماع الأمة على
ذلك، ورحبة المسجد ملحقة به.
وحكم المساجد المتلاصقة المتنافذة كمسجد الأصح وإن صلّى به
خارج المسجد واتصلت به الصفوف جازت صلاته، لأن ذلك يعدّ
جماعة وإن انقطعت ولم يكن دونه حائل جازت إذا لم يزد ما
بينهما على ثلاثمائة ذراع تقريبًا.
وإن كانا في بناءين: كصحن وصفة أو بيت، فطريقان:
أصحهما: إن كان بناء المأموم يمينًا أو شمالاً وجب اتصال
صف من أحد البناءين بالآخر، لأن اختلاف البناء يوجب كونهما
متفرقين. فلا بد من رابطة يحصل بها الاتصال، ولا تضر فرجة
لا تسع واقفًا، وإن كان بناء المأموم خلف بناء الإمام،
فالصحيح صحة القدوة بشرط أن لا يكون بين الصفين أكثر من
ثلاثة أذرع تقريبًا.
والطريق الثاني، وصححها النووي تبعًا لمعظم العراقيين، لا
يشترط إلا القرب كالفضاء، فيصح ما لم يزد بينه وبين آخر صف
على ثلاثمائة
(2/68)
ذراع إن لم يكن حائل.
فإن كان بينهما حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة، كالحائط،
لم تصح باتفاق الطريقين، لأن الحائط معدّ للفصل بين
الأماكن، وإن منع الاستطراق دون المشاهدة بأن يكون بينهما
شباك، فالأصح في أصل الروضة البطلان.
729 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي
حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى
النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ،
فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ لَيْلَةَ
الثَّانِيَةِ فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ
بِصَلاَتِهِ، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ
ثَلاَثَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ
النَّاسُ، فَقَالَ: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ
عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللَّيْلِ. [الحديث 729 - أطرافه في:
730، 924، 1129، 2011، 2012، 5861].
وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني (محمد)
ولابن عساكر محمد بن سلام، وبه قال أبو نعيم، وهو السلمي
البيكندي بكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الكاف
وسكون النون، واختلف في لام أبيه، والراجح التخفيف. قال:
(أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (عبدة) بفتح العين وسكون
الموحدة، ابن سليمان الكوفي (عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن
عمرة) بفتح العين وسكون الميم، بنت عبد الرحمن الأنصارية
(عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل في حجرته
وجدار الحجرة قصير) وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي
نعيم:
في حجرة من حجر أزواجه، وهو يوضح أن المراد حجرة بيته لا
التي كان احتجزها في المسجد بالحصير، ويدل له ذكر جدار
الحجرة، لكن يحتمل أن تكون هي المراد، ويكون ذلك تعدد منه
عليه الصلاة والسلام (فرأى الناس شخص النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من غير تمييز منهم لذاته
المقدسة، لأنه كان ليلاً، فلم يبصروا إلا شخصه (فقام أناس)
بهمزة مضمومة. وللأربعة: فقام ناس (يصلون بصلاته) عليه
الصلاة والسلام، ملتبسين بها أو مقتدين بها وهو داخل
الحجرة وهم خارجها، وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى،
وفيه جواز الائتمام بمن لم ينوِ الإمامة، (فأصبحوا) دخلوا
في الصباح وهي تامّة (فتحدثوا بذلك، فقام ليلة) الغداة
(الثانية) وللأصيلي: فقام الليلة الثانية، من باب إضافة
الموصوف إلى صفته (فقام معه) عليه الصلاة والسلام (أناس)
بالهمزة، وللأصيلي: ناس (يصلون بصلاته، صنعوا ذلك) أي
الاقتداء به عليه الصلاة والسلام (ليلتين أو ثلاثة)
وللأربعة: أو ثلاثًا (حتى إذا كان) الوقت أو الزمان (بعد
ذلك، جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فلم يخرج) إلى الموضع المعهود الذي صلّى فيه تلك الصلاة
الليلتين أو الثلاث، (فلما أصبح ذكر ذلك الناس) لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولمعمر عن الزهري عن
عروة عن عائشة، عند عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر بن
الخطاب رضي الله عنه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(إني خشيت أن تكتب) أي تفرض (عليكم صلاة الليل) أي من طريق
الأمر بالاقتداء به عليه الصلاة والسلام، لأنه كان يجب
عليه التهجد، لا من جهة إنشاء فرض آخر زائد على الخمسة،
ولا يعارضه قوله في ليلة الإسراء: لا يبدل القول لديّ، فإن
ذاك المراد به في التنقيص كما دل عليه السياق.
81 - باب صَلاَةِ اللَّيْلِ
(باب صلاة الليل) كذا في رواية المستملي وحده، ولا وجه
لذكره هنا لأن الأبواب هنا في الصفوف وإقامتها، وصلاة
الليل بخصوصها أفرد لها المؤلّف كتابًا مفردًا في هذا
الكتاب.
730 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفُدَيْكٍ قَالَ: "حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ
وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ، فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ
فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدّثنا ابن
أبي فديك) بضم الفاء وفتح الدال المهملة وسكون التحتية
وبالكاف. ولأبي ذر: ابن أبي الفديك بالألف واللام، واسمه
محمد بن إسماعيل بن أبي مسلم بن أبي فديك، واسم أبي فديك
دينار الديلمي المدني (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) بكسر
الذال المعجمة وسكون الهمزة آخره موحدة، محمد بن عبد
الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب هشام المدني (عن
المقبري) بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة وكسرها، وقد
تفتح نسبة لمجاورتهن المقبرة، سعيد بن أبي سعيد (عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة رضي الله عنها، أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان له حصير
يبسطه بالنهار) وللأصيلي: يبتسطه، بمثناة فوقية بعد
الموحدة وكسر السين (ويحتجزه بالليل) بالراء المهملة أي
يتخذه كالحجرة فيصلّي فيها، ولأبي ذر عن الكشميهني:
ويحتجزه، بالزاي، أي يجعله حاجزًا بينه وبين غيره (فثاب)
بمثلثة واحدة بينهما ألف أي رجع. ولأبي الوقت وابن عساكر
وأبي ذر عن الحموي والكشميهني: فثار بالراء بدل الموحدة،
أي ارتفع أو قام (إليه الناس فصلوا) وللأربعة
(2/69)
بدل قوله فصلوا فصفوا (وراءه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون وشيخ المؤلّف من أفراده،
وفيه تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والعنعنة، والقول
وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس، ومسلم في الصلاة، وكذا
الترمذي والنسائي وابن ماجة.
731 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ حُجْرَةً
-قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ -فِي
رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى
بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَلَمَّا عَلِمَ
بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:
قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ،
فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ
أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ،
إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ".
قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى
سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث
731 - طرفاه في: 6113، 7290].
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) بتشديد الميم، ابن
نصر (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًاً، ابن خالد (قال:
حدّثنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأزدي (عن سالم أبي
النضر) بسكون الضاد المعجمة، ابن أبي أمية (عن بسر بن
سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة في الأول، وكسر العين في
الثاني، (عن زيد بن ثايت) الأنصاري كاتب الوحي رضي الله
عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-اتخذ حجرة) بالراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: حجزة
بالزاي، أي شيئًا حاجزًا يعني مانعًا بينه وبين الناس
(وقال) بسر: (حسبت) أي ظننت (أنه قال: من حصير في رمضان
فصلّى فيها ليالي، فصلّى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم
بهم جعل) أي طفق (يقعد، فخرج إليهم فقال):
(قد عرفت) ولابن عساكر: علمت (الذي رأيت من صنيعكم) بفتح
الصاد وكسر النون، ولأبي ذر عن الكشميهني: من صنعكم، بضم
الصاد وسكون النون، أي حرصكم على إقامة صلاة التراويح، تحى
رفعتم أصواتكم وصحتم، بل حصب بعضهم الباب لظنهم نومه عليه
الصلاة والسلام (فصلوا أيها الناس في بيوتكم) أي النوافل
التي لم تشرع فيها الجماعة (فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في
بيته) ولو كان المسجد فاضلاً (إلا) الصلوات الخمس
(المكتوبة) وما شرع في جماعة: كالعيد والتراويح، فإن فعلها
في المسجد أفضل منها في البيت ولو كان مفضولاً، وكذا تحية
المسجد فإنها لا تشرع في البيت.
ورواة هذا الحديث ثلاثة مدنيون وعبد الأعلى أصله من البصرة
وسكن بغداد.
وفيه التحديث والعنعنة.
وأخرجه أيضًا في الاعتصام، وفي الأدب، ومسلم في الصلاة،
وكذا أبو داود والترمذي والنسائي.
(قال عفان) بن مسلم بن عبد الله الباهلي الصفار، البصري،
المتوفى بعد المائتين (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء،
ابن خالد (قال: حدّثنا موسى) بن عقبة (قال: سمعت أبا
النضر) بن أبي أمية (عن بسر) هو ابن سعيد (عن زيد) أي ابن
ثابت (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وفائدة هذا الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي
النضر، وسقط ذلك كله من رواية غير كريمة، وكذا لم يذكر ذلك
الإسماعيلي ولا أبو نعيم.
ولما فرغ المؤلّف رحمه الله من بيان أحكام الجماعة
والإمامة وتسوية الصفوف، شرع في بيان صفة الصلاة وما يتعلق
بذلك فقال:
82 - باب إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ
(باب إيجاب التكبير) للإحرام (وافتتاح الصلاة) أي مع
الشروع في الصلاة، ومجيء الواو بمعنى مع شائع ذائع، وأطلق
الإيجاب والمراد: الوجوب تجوزًا لأن الإيجاب خطاب الشارع،
والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا. ويتعين على
القادر: الله أكبر لأنه عليه الصلاة والسلام كان يستفتح
الصلاة به. رواه ابن ماجة وغيره.
وفي البخاري: صلوا كما رأيتموني أصلّي. فلا يقوم مقامه
تسبيح ولا تهليل لأنه محل اتباع، وهذا قول الشافعية
والمالكية والحنابلة فلا يكفي: الله الكبير، ولا الرحمن
أكبر، لكن عند الشافعية لا تضر زيادة ولا تمنع الاسم:
كالله الجليل أكبر في الأصح، ومن عجز عن التكبير ترجم عنه
بأي لغة شاء، ولا يعدل عنه إلى غيره من الأذكار.
وقال الحنفية: ينعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم، خلافًا لأبي
يوسف فإنه يقتصر على المعروف والمنكر من التكبير، فيقول:
الله أكبر، الله أكبر، الله كبير الله الكبير.
وهل تكبيرة الإحرام ركن أو شرط؟ قال بالأول الشافعية
والمالكية والحنابلة، وقال الحنفية بالثاني.
732 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ فَرَسًا
فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ -قَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-
فَصَلَّى لَنَا يَوْمَئِذٍ صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ
وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، ثُمَّ
قَالَ لَمَّا سَلَّمَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ
لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا
قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ
فَارْفَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَالَ
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا
وَلَكَ الْحَمْدُ».
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع البهراني
الحمصي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي الحمصي.
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد
(أنس بن مالك الأنصاري) رضي الله عنه (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب فرسًا) في ذي
الحجة سنة خمس من هجرته، وأتى الغابة فسقط عنها (فجحش) بضم
الجيم وكسر الحاء المهملة ثم شين معجمة، أي خدش (شقه
الأيمن، قال
(2/70)
أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (رضي الله عنه،
فصلّى لنا يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه
قعودًا، ثم قال) عليه الصلاة والسلام (لما سلم):
(إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلّى قائمًا فصلوا
قيامًا) زاد في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلّى
جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون، وهو منسوخ بصلاتهم خلفه
قيامًا وهو قاعد في مرض موته (وإذا ركع فاركعوا) وفي
الرواية التالية لهذه: فإذا كبّر فكبّروا وإذا ركع
فاركعوا. فالتكبير هنا مقدّر، إذ الركوع يستدعي سبق
التكبير بلا ريب، فالمقدر كالملفوظ، والأمر للوجوب. وتعينت
تكبيرة الإحرام دون غيرها بقوله: وافتتاح الصلاة المفسر
بمع الشروع فيها، كما مر. وفي حديث أبي حميد: كان عليه
الصلاة والسلام إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه
ثم قال: الله أكبر.
أخرجه ابن ماجة، وصحّحه ابنا خزيمة وحبّان. وحينئذ فحصلت
المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث الجزء الأول منها،
وهو إيجاب التكبير. والجزء الثاني بطريق اللزوم، لأن
التكبير أول الصلاة لا يكون إلا عند الشروع فيها. (وإذا
رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن
حمده) أي أجاب دعاء الحامدين (فقولوا: ربنا ولك الحمد) أي
بعد قولكم: سمع الله لمن حمده، فقد ثبت الجمع بيهما من
فعله عليه الصلاة والسلام.
وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، فسمع الله لمن حمده
للارتفاع، وربنا ولك الحمد للاعتدال. وسقط لغير أبي ذر عن
المستملي: وإذا سجد فاسجدوا.
ورواة هذا الحديث حمصيان ومدنيان، وفيه التحديث بالجمع،
والإخبار بالجمع والإفراد والعنعنة، وهذا الحديث والتالي
له حديث واحد عن الزهري عن ثابت، لكنه من طريقين: شعيب
والليث. فاختصر شعيب، لكنه صرح الزهري فيها بإخبار أنس،
وأتمه الليث.
733 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ،
فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا،
ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: إِنَّمَا الإِمَامُ -أَوْ
إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ- لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا
كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا
رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا
سَجَدَ فَاسْجُدُوا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) ولغير أبوي الوقت وذر وابن عساكر:
ابن سعيد، (قال: حدّثنا ليث) بالمثلثة هو ابن سعد،
وللأربعة: الليث بلام التعريف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، (أنه قال: خرّ)
بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء، أي سقط (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فرس، فجحش) بتقديم
الجيم على الحاء وآخره معجمة أي خدش، وهو قشر جلد العضو،
وفي رواية: فجحش ساقه (فصلّى لنا قاعدًا فصلينا معه) وفي
رواية: فصلينا وراءه (قعودًا، ثم انصرف) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: فلما انصرف (فقال):
(إنما الإمام -أو وإنما جعل الإمام- ليؤتم به) يحتمل أن
يكون جعل بمعنى: سمي فيتعدى إلى مفعولين: أحدهما الإمام
القائم مقام الفاعل، والثاني محذوف أي: إنما جعل الإمام
إمامًا ويحتمل أن يكون بمعنى صار أي: إنما صير الإمام
إمامًا، ويحتمل أن يكون فاعله ضمير الله، أي: جعل الله
الإمام، أو ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. واللام في ليؤتم به لام كي، والفعل منصوب
بإضمار أن، والشك في زيادة لفظ جعل من الراوي (فإذا كبر
فكبروا).
الأمر للوجوب، وهو موضع الترجمة ومراده الرد على القائل من
السلف إنه يجوز الدخول في الصلاة بغير لفظ بل بالنية فقط،
وعلى القائل: إنه يجوز الدخول فيها بكل لفظ يدل على
التعظيم، كما مر عن أبي حنيفة ووجوبه على المأموم ظاهر من
الحديث، وأما الإمام فمسكوت عنه. ويمكن أن يقال: في السياق
إشارة إلى الإيجاب لتعبير بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه،
والأمر شامل لكل التكبيرات. إلا أن الدليل من خارج أخرج
غير تكبيرة الإحرام من الوجوب إلى السنية: كربنا ولك
الحمد.
واستدلّ به على أن أفعال المأموم تكون متأخرة عن أفعال
الإمام، فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام من التكبير، ويركع
بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه، وكذا سائر
الأفعال. فلو قارنه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، أو
في غيرها كره. وفاتته فضيلة الجماعة.
واستدلال ابن بطال وابن دقيق العيد بذلك، بأنه رتب فعله
على فعل الإمام، بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب، تعقبه
الولي العراقي بأن الفاء المقتضية للتعقيب هي العاطفة، أما
الواقعة في جواب الشرط فإنما هي للربط.
قال والظاهر أنها لا دلالة لها على التعقيب، على أن في
دلالتها على التعقيب
(2/71)
مذهبين حكاهما أبو حيان في شرح التسهيل،
ولعل أصلهما أن الشرط مع الجزاء أو متقدم عليه، وهذا يدل
على أن التعقيب، إن قلنا به، فليس من الفاء، وإنما هو من
ضرورة تقدم الشرط على الجزاء، والله أعلم انتهى.
(وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا) مفعول فارفعوا محذوف
كمفعول فاركعوا، (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا:
ربنا لك الحمد) بغير واو، وفي السابقة بإثباتها، وهما سواء
كما قال أصحابنا، نعم في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي
وابن عساكر: ولك الحمد، بالواو، وهو يتعلق بما قبله أي:
سمع الله لمن حمده، يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك
الحمد على هدايتنا. (وإذا سجد فاسجدوا).
734 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا جُعِلَ
الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا،
وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى
جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) هو عبد الرحمن بن
هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال النبي) ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر) تكبيرة الإحرام أو
غيرها (فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن
حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) بالواو أي بعد أن تقولوا:
سمع الله لمن حمده، كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام.
وإن كان ظاهر الحديث أن المأموم لا يزيد على: ربنا ولك
الحمد، لكن ليس فيه حصر (وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى
جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون) بالرفع توكيد للضمير في
فصلوا، أو للضمير المستكن في الحال. وهو جلوسًا.
وقيل روي: أجمعين بالنصب على الحال من ضمير جلوسًا لا
مؤكدًا لجلوسًا لأنه نكرة فلا يؤكد. وردّ كونه حالاً بأن
المعنى ليس عليه، وأنه لم يجيء في أجمعين إلا التأكيد في
المشهور. لكن أجاز ابن درستويه حالية: أجمعين، وعليه يتخرج
رواية النصب إن ثبتت، والأصح على تقدير ثبوتها أنها على
بابها للتوكيد، لكن توكيدًا لضمير منصوب مقدّر كأنه قال:
أعنيكم أجمعين. ولا يخفى ما فيه من البعد اهـ.
قلت ثبت فيما سبق في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من
رواية أبوي الوقت وذر: أجمعين بالنصب مع ما فيه. وهذا
الحكم منسوخ بما ثبت في مرض موته.
يستفاد من ذلك وجوب متابعة الإمام. فيكبر للإحرام بعد فراغ
الإمام منه، فإن شرع فيه قبل فراغه لم تنعقد، لأن الإمام
لا يدخل في الصلاة إلاّ بالفراغ من التكبير، فالاقتداء به
في أثنائه اقتداء بمن ليس في صلاة، بخلاف الركوع والسجود
ونحوهما، فيركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو
سبقه فقد أساء ولا تبطل، وكذا في السجود يسلم بعد سلامه،
فإن سلم قبله بطلت إلا أن ينوي المفارقة، أو معه فلا تبطل،
لأنه تحلل، فلا حاجة فيه للمتابعة بخلاف لسبق، فإنه منافٍ
للاقتداء.
83 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى
مَعَ الاِفْتِتَاحِ سَوَاءً
(باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح) بالتكبير
أو بالصلاة، وهما متلازمان حال كون رفع اليدين مع الافتتاح
(سواء).
735 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ، وَإِذَا
كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ
الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ،
وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ". [الحديث 735
- أطرافه في: 736، 738، 739].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن
عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يرفع يديه)
استحبابًا (حذو منكبيه) بالحاء المهملة والذال المعجمة، أي
إزاءهما ندبًا لا فرضًا، خلافًا لأحمد بن سيار المروزي
فيما نقله القفال في فتاويه، وممن قال بالوجوب أيضًا
الأوزاعي والحميدي شيخ المؤلّف، وابن خزيمة من أصحابنا،
والمراد بحذو منكبيه، كما قاله النووي في شرح مسلم وغيره؛
أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتى
أُذنيه، وراحتاه منكبيه (إذا افتتح الصلاة) أي: يرفعهما مع
ابتداء التكبير، ويكون انتهاؤه مع انتهائه كما هو الأصح
عند الشافعية، ورجحه المالكية، وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم
يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وقبل أن يركع.
وقال صاحب الهداية من الحنفية: الأصح يرفع ثم يكبر، لأن
الرفع صفة نفي الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثبات ذلك
له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة.
(وإذا كبر للركوع) رفعهما أيضًا (إذا رفع رأسه) أي أراد
رفعها (من الركوع، رفعهما كذلك)
(2/72)
أي حذو منكبيه (أيضًا) جواب لقوله: وإذا
رفع رأسه (وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان
لا يفعل ذلك) أي رفع يديه (في) ابتداء (السجود) ولا في
الرفع منه.
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وقال الحنفية لا يرفع إلا في
تكبيرة الإحرام، وهو رواية ابن القاسم عن مالك. قال ابن
دقيق العيد وهو المشهور عند أصحاب مالك، والمعمول به عند
المتأخرين منهم. وأجابوا عن هذا الحديث بأنه منسوخ.
وقال أبو العباس القرطبي: مشهور مذهب مالك أن الرفع في
المواطن الثلاثة هو آخر أقواله وأصحها، والحكمة في الرفع
أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، كالأعمى يعلم بسماع
التكبير، أو إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، أو
ليستقبل بجميع بدنه.
وقال الشافعي هو تعظيم لله واتباع لسُنّة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه النسائي في
الصلاة.
84 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا
رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ
(باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع) أي إذا أراد التكبير
للافتتاح وإذا أراد الركوع (و) رفعهما (إذا رفع) رأسه من
الركوع.
736 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ
عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما
قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ
يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ
ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
فِي السُّجُودِ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي، جاور بمكة
وتوفي سنة ست وعشرين ومائتين (قال: أخبرنا) ولأبي ذر:
حدّثنا (عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد
الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني)
بالإفراد (سالم بن عبد الله) ولابن عساكر زيادة: ابن عمر
(عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، ولأبي ذر:
عن أبيه أنه (قال: رأيت رسول الله) وللأصيلي: النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام في الصلاة)
أي شرع فيها (رفع يديه حتى يكونا) بمثناة تحتية، ولأبي ذر:
تكونا بالفوقية، (حذو منكبيه) بالتثنية (وكان يفعل ذلك) أي
يرفع يديه (حين يكبر للركوع) أي عند ابتداء الركوع،
كإحرامه حذو منكبيه مع ابتداء التكبير (ويفعل ذلك) أيضًا
(إذا رفع رأسه من الركوع) إذا أراد الرفع منه أيضًا
(ويقول):
(سمع الله لمن حمده) (ولا يفعل ذلك) أي الرفع (في السجود)
أي: لا في الهويّ إليه، ولا في الرفع منه.
وروى يحيى القطان، من مالك عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا،
هذا الحديث وفيه: ولا يرفع بعد ذلك.
أخرجه الدارقطني في غرائب مالك بإسناد حسن، وظاهره يشمل
النفي عمّا عدا هذه المواضع الثلاثة.
وقد روى رفع اليدين في الحديث خمسون من الصحابة، منهم
العشرة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي ومدني وإيلي، وفيه
التحديث بالجمع والإخبار بالجمع والإفراد، والعنعنة
والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة، وكذا النسائى.
زاد ابن عساكر هنا: قال محمد، أي البخاري، قال علي بن عبد
الله المديني: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند
تكبيرة الإحرام وغيرها، مما ذكر لحديث الزهري عن سالم، عن
أبيه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
737 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ
أَبِي قِلاَبَةَ: "أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ
الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ،
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا
رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ،
وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صَنَعَ هَكَذَا".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق الواسطي) هو ابن شاهين (قال:
حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان (عن خالد)
الحذاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حدّثنا خالد (عن
أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد الجرمي (أنه) أي
أن أبا قلابة (رأى مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة
وفتح الواو آخره مثلثة، الليثي (إذا صلّى) أي شرع في
الصلاة (كبر) للإحرام (ورفع يديه) حتى يكونا حذو منكبيه،
ولمسلم: ثم رفع يديه (وإذا أراد أن يركع رفع يديه) مع
التكبير (وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه).
وهذا مذهب الشافعي وأحمد خلافًا لأبي حنيفة ومالك في أشهر
الروايات عنه.
واستدلّ الحنفية برواية مجاهد: أنه صلّى خلف ابن عمر فلم
يره يفعل ذلك، وأجيب بالطعن في إسناده، لأن أبا بكر بن
عياش ساء حفظه بآخره وعلى تقدير صحته، فقد أثبت ذلك سالم
ونافع وغيرهما. والمثبت مقدم على النافي، وأيضًا فإن ابن
عمر لم يكن يراه واجبًا ففعله تارة، وتركه أخرى. وروي عن
بعض الحنفية بطلان الصلاة.
وأما الرفع في تكبيرة الإحرام فعليه الإجماع، وإنما قال:
أراد في الركوع لأنه فيه عند إرادته بخلاف رفعهما في رفع
الرأس منه، فإنه عند نفس الرفع
(2/73)
لا عند إرادته، وكذا في: إذا صلّى كبّر
التكبير عند فعل الصلاة.
قال أبو قلابة (وحدّث) مالك بن الحويرث (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع هكذا) أي مثل ما
صنع مالك بن الحويرث، والواو للحال لا للعطف على رأي لأن
المحدث مالك والرائي أبو قلابة.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة.
85 - باب إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ "رَفَعَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ".
هذا (باب) بالتنوين (إلى أين يرفع) المصلي (يديه) عند
افتتاح الصلاة وغيره.
(وقال) وحذف الواو الأصيلي وابن عساكر (أبو حميد) بضم
الحاء عبد الرحمن بن سعد الساعدي الأنصاري، مما هو موصول
عنده في باب: سُنّة الجلوس في التشهد (في أصحابه) أي: حال
كونه بين أصحابه من الصحابة رضي الله عنهم: (رفع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يديه (حذو
منكبيه) ولابن عساكر: إلى حذو منكبيه.
738 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي
الصَّلاَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى
يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ
لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ:
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ
يَسْجُدُ وَلاَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب (قال: أخبرنا) بالجمع وللأربعة: أخبرني (سالم بن عبد
الله أن) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله
عنهما، قال: رأيت النبي) ولابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افتتح التكبير في الصلاة،
فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلها حذو منكبيه) بفتح الميم
وكسر الكاف، تثنية منكب، وهو مجمع عظم العضد والكتف، أي:
إزاء منكبيه.
وبهذا أخذ الشافعي والجمهور، خلافًا للحنفية حيث أخذوا
بحديث مالك بن الحويرث عند مسلم ولفظه: كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي
منكبيه بحيث يحاذي أطراف أصابعه فروع أُذنيه.
وقد جمع الشافعي بينهما فقال: يرفع يديه حذو منكبيه بحيث
يحاذي أطراف أصابعه فروع أُذنيه، أي أعلى أُذنيه، وإبهاماه
شحمتي أُذنيه، وراحتاه منكبيه.
(وإذا كبّر للركوع فعل مثله) أي مثل المذكور من رفع اليدين
حذو المنكبين (وإذا قال): (سمع الله من حمده) (فعل مثله)
من الرفع حذو المنكبين أيضًا (وقال): (ربنا ولك الحمد)،
(ولا يفعل ذلك) الرفع المذكور (حين يسجد، ولا حين يرفع
رأسه من السجود) ولابن عساكر والأصيلي: ولا حين يرفع من
السجود فحذف لفظ رأسه.
86 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ
الرَّكْعَتَيْنِ
(باب رفع) المصلي (اليدين إذا قام من الركعتين) بعد
التشهد.
739 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ
نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي
الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ
رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ
الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ. وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ
عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-". رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ ابْنُ
طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ
مُخْتَصَرًا.
وبالسند قال: (حدّثنا عياش) بفتح العين المهملة وتشديد
المثناة التحتية آخره معجمة، ابن الوليد الرقام البصري
(قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي، بالسين
المهملة، البصري (قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح
الموحدة، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن
نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله
عنهما، كان إذا دخل) أي أراد الدخول (في الصلاة) ولابن
عساكر: دخل الصلاة (كبّر ورفع يديه) حذو منكبه (وإذا ركع)
كبّر و (رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه)
حذو منكبيه أيضًا (وإذا قام من الركعتين) بعد التشهد (رفع
يديه) كذلك، (ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله) ولأبي ذر:
إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أضافه
إليه.
وكذا رفعه عبد الوهاب الثقفي، ومعتمر، عن عبيد الله، عن
الزهري، عن سالم عن ابن عمر، كما أخرجه المؤلّف في جزء:
رفع اليدين له، وفيه الزيادة. وقد توبع نافع على ذلك عن
ابن عمر.
وهو فيما رواه أبو داود، وصححه المؤلّف في الجزء المذكور
من طريق محارب بن دثار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:
كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام من
الركعتين كبر ورفع يديه، وله شواهد؛ منها: حديث أبي حميد
الساعدي. وحديث علي بن أبي طالب، أخرجهما أبو داود وصححهما
ابنا خزيمة وحبان.
وقال المؤلّف في جزء: الرفع ما زاده ابن عمر وعلي وأبو
حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين:
صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة، فاختلفوا فيها، وإنما زاد
بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم. اهـ.
وقال ابن خزيمة: هو سُنّة وإن لم يذكره الشافعي، والإسناد
صحيح، وقد قال: قولوا باليمنة ودعوا قولي انتهى.
وتعقب بأن وصية الشافعي يعمل بها إذا عرف أن الحديث لم
يطلع عليه الشافعي، أما
(2/74)
إذا عرف أنه اطلع عليه ورده، أو تأوّله
بوجه من الوجوه، فلا والأمر هنا محتمل.
وصحح النووي تصحيح الرفع، وعبارة النووي خلافًا للأكثرين،
وقد قال أبو داود: إن الحديث رواه الثقفي عن عبيد الله فلم
يرفعه وهو الصحيح، وكذا رواه موقوفًا الليث وابن جريج
ومالك.
ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني وشيخ المؤلّف من
أفراده، وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه أبو داود.
(ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر، عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله المؤلّف
في جزء: رفع اليدين عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعًا
بلفظ: إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع رفع رأسه من الركوع.
(ورواه ابن طهمان) إبراهيم (عن أيوب، وموسى بن عقبة
مختصرًا) وصله البيهقي من طريق عمر بن عبد الله بن رزين،
عن إبراهيم بن طهمان، عن أيوب وموسى بن عقبة، عن نافع، عن
ابن عمر أنه: كان يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع،
وإذا استوى قائمًا من ركوعه، حذو منكبيه، ويقول: كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل ذلك.
وقال الدارقطني: ورواه ابن صخر، عن موسى بن عقبة، عن نافع،
عن ابن عمر موقوفًا.
87 - باب وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى
(ياب وضع) المصلي يده (اليمنى على) اليد (اليسرى) أي في
حال القيام. وزاد الأصيلي والهروي: في الصلاة، وسقط الباب
للأصيلي.
740 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ
الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي
الصَّلاَةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ
يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-". قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ" وَلَمْ
يَقُلْ "يَنْمِي".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
مالك) إمام دار الهجرة (عن أبي حازم) بالحاء المهملة، ابن
دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي
الأنصاري (قال: كان الناس يؤمرون)، الآمر لهم النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن) أي: بأن (يضع
الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) أي يضع يده
اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ من الساعد. كما في حديث
واثلة المروي عند أو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة.
والحكمة في ذلك أن القائم بين يدي الملك الجبار يتأدب بوضع
يده على يده، أو هو أمنع للعبث، وأقرب إلى الخشوع.
والرسغ المفصل بين الساعد والكف، والسُّنّة أن يجعلهما تحت
صدره. الحديث عند ابن خزيمة: أنه وضعهما تحت صدره. لأن
القلب موضع النية، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل
يديه عليه.
وقال في عوارف المعارف: إن الله تعالى بلطيف حكمته جعل
الآدمي محل نظره، ومورد وحيه، ونخبة ما في أرضه وسمائه،
روحانيًّا جسمانيًّا، أرضيًا سماويًّا، منتصب القامة،
مرتفع الهيئة، فنصفه الأعلى من حدّ الفؤاد مستودع أسرار
السماوات، ونصفه التحتاني مستودع أسرار الأرض، فمحل نفسه
ومركزها النصف الأسفل، ومحل روحه الروحاني، والقلب النصف
الأعلى، فجواذب الروح مع جواذب النفى يتطاردان ويتجاذبان
ويتحاربان، وباعتبار تطاردهما وتغالبهما لمة الملك ولمة
الشيطان، ووقت الصلاة يكثر التطارد لوجوب التجاذب بين
الإيمان والطبع، فيكاشف المصلي الذي صار قلبه سماويًّا
مترددًا بين الفناء والبقاء بجواذب النفس، متصاعدًا من
مركزها،
وللجوارح وتصرفها وحركتها مع معاني الباطن ارتباط وموازنة،
فبوضع اليمنى على الشمال حصر النفس ومنع من صعود جواذبها،
وأثر ذلك يظهر برفع الوسوسة، وزوال حديث النفس في الصلاة.
وروى ابن القاسم، عن مالك، الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه،
وعن الحنفية: يضع يديه تحت سرّته إشارة إلى ستر العورة بين
يدي الله تعالى، وكان الأصل أن يقول: يضعون فوضع المظهر
موضع المضمر.
(قال أبو حازم) الأعرج: (لا أعلمه) ولابن عساكر: ولا
أعلمه، أي الأمر (إلاّ) أن سهلاً (ينمي ذلك) بفتح أوله،
أي: يسنده ويرفعه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. قال إسماعيل) هو ابن أبي أويس، لا إسماعيل بن
إسحاق القاضي، ولابن عساكر: قال محمد: قال إسماعيل، ويعني
بمحمد المؤلّف (ينمي ذلك) بضم الياء وفتح الميم، بالبناء
للمفعول (ولم يقل) أبو حازم: (ينمي) بفتح أوله وكسر الميم،
كرواية القعنبي.
ولما فرغ من الكلام في وضع اليمنى على اليسرى، وهي صفة
السائل الذليل، وأنه أقرب إلى الخشوع، شرع يذكر الخشوع،
حثًّا للمصلّي على ملازمته
(2/75)
فقال.
88 - باب الْخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ
(باب الخشوع في الصلاة).
الصلاة صلة العبد بربه، فمن تحقّق بالصلة في الصلاة لمعت
له طوالع التجلي، فيخشع. وقد شهد القرآن بفلاح مُصلِّ خاشع
قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1،
2]. أي: خائفون من الله، متذللون له، يلزمون أبصارهم
مساجدهم.
وعلامة ذلك أن لا يلتفت الصلي يمينًا ولا شمالاً. ولا
يجاوز بصره موضع سجوده.
صلّى بعضهم في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع
الناس عليها ولم يشعر هو بها.
والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة، وفقد الخشوع ينفيه، وقد
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
وظاهر الأمر الوجوب، فالغفلة ضد، فمن غفل في جميع صلاته
كيف يكون مقيمًا للصلاة لذكره تعالى، فافهم واعمل، فليقبل
العبد على ربه، ويستحضر بين يدي من هو واقف.
كان مكتوبًا في محراب داود عليه الصلاة والسلام، أيها
المصلي، من أنت ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت، ومن تناجي؟ ومن
يسمع كلامك، ومن ينظر إليك؟
وقال الخراز: ليكن إقبالك على الصلاة كإقبالك على الله يوم
القيامة، ووقوفك بين يديه وهو مقبل عليك وأنت تناجيه.
741 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي
هَاهُنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ رُكُوعُكُمْ
وَلاَ خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي».
وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن أبي
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(هل ترون) بفتح التاء، والاستفهام إنكاري أي أتظنون
(قبلتي) أي مقابلتي ومواجهتي (هاهنا) فقط؟ (والله ما)،
ولأبي ذر عن الحموي: لا (يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم)
تشبيه لهم على التلبس بالخشوع في الصلاة، لأنه إنما قال
لهم ذلك لما رآهم يلتفتون غير ساكنين، وذلك ينافي كمال
الصلاة. فيكون مستحبًّا لا واجبًا، إذ لم يأمرهم هنا
بالإعادة.
وقد حكى النووي الإجماع على عدم وجوبه، قال في شرح التقريب
وفيه نظر، فقد روينا في كتاب الزهد لابن المبارك، عن عمار
بن ياسر، قال: لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه، وفي
كلام غير واحد من العلماء ما يقتضي وجوبه انتهى.
والخشوع: الخوف أو السكون، أو هو معنى يقوم بالنفس يظهر
عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة.
وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن سعيد بن السيب، أنه رأى رجلاً
يلعب بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت
جوارحه.
وقد تتحرك اليد مع وجود الخشوع، ففي سنن البيهقي، عن عمرو
بن حريث، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ربما مسّ لحيته وهو يصلّي. وهذا موضع الترجمة.
(وإني لأراكم) بفتح الهمزة، أي: أبصركم (وراء ظهري) ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي. من وراء ظهري، أي ببصره العهود
إبصارًا انخرقت له فيه العادة أو بغيره كما مرّ.
742 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي
لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي -وَرُبَّمَا قَالَ- مِنْ بَعْدِ
ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة
(قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا
شعبة) بن الحجاج، ولابن عساكر: عن شعبة (قال: سمعت قتادة)
بن دعامة يقول (عن أنس بن مالك) وسقط لفظ: ابن مالك عند
ابن عساكر: (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قال):
(أقيموا) أي أكملوا (الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم)
بفتح اللام المؤكدة والهمزة (من بعدي) أي: من خلفي (-وربما
قال: من بعد ظهري-) (إذا ركعتم وسجدتم) ولأبي ذرّ: وإذا
سجدتم.
وأغرب الداودي حيث فسر البعدية هنا بما بعد وفاته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني: إن أعمال أمته تعرض
عليه، ولا يخفى بعده لأن سياق الحديث يأباه.
89 - باب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
(باب ما يقول) وللمستملي وابن عساكر؛ ما يقرأ (بعد
التكبير).
743 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانُوا يَفْتَتِحُونَ
الصَّلاَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي (قال:
حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس)
وللأصيلي: عن أنس بن مالك (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبا بكر، وعمر) رضي الله عنهما
(كانوا يفتتحون الصلاة) أي قراءتها، فلا دلالة فيه على
دعاء الافتتاح (بالحمد لله ربّ العالمين) بضم الدال
(2/76)
على الحكاية، لا يقال: إنه صريح في الدلالة
على ترك البسملة أولها، لأن المراد الافتتاح بالفاتحة، فلا
تعرض لكون البسملة منها أو لا.
ولمسلم لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، وهو
محمول على نفي سماعها، فيحتمل إسرارهم بها. ويؤيده رواية
النسائي وابن حبّان: فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن
الرحيم.
فنفي القراءة محمول على نفي السماع، ونفي السماع على نفي
الجهر، ويؤيده رواية ابن خزيمة: كانوا يسرون ببسم الله
الرحمن الرحيم.
وقد قامت الأدلة والبراهين للشافعي على إثباتها، ومن ذلك،
حديث أم سلمة المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة، أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ بسم الله
الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة، وعدّها آية.
وفي سنن البيهقي عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم أن
الفاتحة هي السبع المثاني، وهي سبع آيات، وأن البسملة هي
السابعة.
عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم
الله الرحمن الرحيم، إنها أُم القرآن وأُم الكتاب والسبع
المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. قال
الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات.
وأحاديث الجهر بها كثيرة عن جماعة من الصحابة، نحو العشرين
صحابيًّا كأبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس،
وأبي هريرة، وأُم سلمة.
744 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ
الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ
هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي
وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا
كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ،
اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ
وَالْبَرَدِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال:
حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري (قال: حدّثنا
عمارة بن القعقاع (قال: حدّثنا أبو زرعة) هرم، أو عبد
الرحمن، أو عمرو، أو جرير بن عمرو البجلي، (قال: حدّثنا
أبو هريرة قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يسكت) بفتح
أوله (بين التكبير وبين القراءة إسكاتة) بكسر الهمزة بوزن
إفعالة، وهو من المصادر الشاذة إذ القياس سكوتًا، وهو
منصوب مفعولاً مطلقًا، أي سكوتًا يقتضي كلامًا بعده.
(قال) أبو زرعة (أحسبه) أي أظن أبا هريرة (قال: هنية) بضم
الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية من غير همز -كذا
عند الأكثر أي: يسيرًا وللكشميهني والأصيلي: هنيهة بهاء
بعد المثناة الساكنة. وفي نسخة: هنيئة بهمزة مفتوحة بعد
المثناة الساكنة، قال عياض والقرطبي: وأكثر رواة مسلم
قالوه بالهمز، لكن قال النووي: إنه خطأ، قال: وأصله هنوة،
فلما صغرت صارت هنيوة، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما
بالسكون، فقلبت الواو ثم أدغمت. وتعقب بأنه لا يمنع ذلك
إجازة الهمزة، فلقد تقلب الواو همزة.
(فقلت بأبي وأمي) أي أنت مفدى أو أفديك بهما (يا رسول الله
إسكاتك) بكسر الهمزة وسكون السين والرفع، قال في الفتح:
وهو الذي في رواية الأكثرين، وأعربه مبتدأ، لكنه لم يذكر
خبره، أو هو منصوب على ما قاله المظهري، أي أسألك إسكاتك،
أو في إسكاتك وللمستملي والسرخسي: أسكاتك؟ بفتح الهمزة وضم
السين على الاستفهام، ولهما في نسخة أسكوتك؟ (بين التكبير
والقراءة) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر:
وبين القراءة (ما تقول) فيه؟ (قال) عليه الصلاة والسلام:
(أقول) فيه (اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت) أي
كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) هذا من المجاز لأن حقيقة
المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، أي: امح ما حصل من
خطاياي، خل بيني وبين ما يخاف من وقوعه حتى لا يبقى لها
مني اقتراب بالكلية.
وهذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل
المبالغة في إظهار العبودية، وقيل: إنه على سبيل التعليم
لأمته، وعورض بكونه: لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود
الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وأعاد لفظ: بين هنا
ولم يقل: وبين المغرب لأن العطف على الضمير المخفوض يعاد
معه العامل بخلاف الظاهر، كذا قرره الكرماني، لكن يرد عليه
قوله: بين التكبير وبين القراءة.
(اللهمَّ نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)
أي الوسخ وقاف نقني بالتشديد في الموضعين. وهذا مجاز عن
إزالة الذنوب ومحو أثرها. وشبه بالثوب الأبيض لأن الدنس
فيه أظهر من غيره من الألوان (اللهمّ اغسل خطاياي بالماء
والثلج) بالمثلثة وسكون اللام، وفي اليونينية بفتحها
(والبرد) بفتح الراء.
وذكر الأخيرين بعد الأول للتأكيد
(2/77)
أو لأنهما ماءان لم تمسّهما الأيدي ولم
يمتهنهما الاستعمال قاله الخطابي.
واستدلّ بالحديث على مشروعية دعاء الافتتاح بعد التحرم
بالفرض أو النفل خلافًا للمشهور عن مالك.
وفي مسلم حديث عليّ: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول
المسلمين. زاد ابن حبان: لكن قيده بصلاة الليل.
وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ: إذا صلّى
المكتوبة، واعتمده الشافعي في الأم.
وفي الترمذي وصحيح ابن حبّان من حديث أبي سعيد: الافتتاح
بسبحانك اللهمّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله
غيرك.
ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه
والتسبيح، وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية، ويسنّ
الإسرار في السرية والجهرية.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث
والقول، وأخرجه ابن ماجة.
90 - باب
وزاد الأصيلي هنا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، وسقط من
رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر.
ووجه مناسبة الحديث الآتي للسابق في قوله: حتى قلت: أي رب
وأنا معهم. لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة
واستعطاف، فيجمعه مع السابق جواز دعاء الله تعالى ومناجاته
بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن لبعض
الحنفية. قاله ابن رشيد فيما نقله في فتح الباري.
745 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى
صَلاَةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ
رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ
الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ
رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ،
ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ
الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ
رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ
الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ،
ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ
انْصَرَفَ فَقَالَ: قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى
لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ
قِطَافِهَا. وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَىْ
رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ
أَنَّهُ قَالَ- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ
هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لاَ
أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ -قَالَ
نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- مِنْ خَشِيشِ أَوْ
خُشَاشِ الأَرْضِ. [الحديث 745 - طرفه في: 2364].
وبالسند قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم
الجمحي، مولاهم البصري (قال: أخبرنا نافع بن عمر) بن عبد
الله بن جميل الجمحي القرشى، المتوفى سنة تسع وستين ومائة
(قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الرحمن واسم
أبي مليكة، بضم الميم وفتح اللام، زهير بن عبد الله التيمي
الأول المكي (عن أسماء بنت أبي بكر) وللأصيلي زيادة:
الصديق رضي الله تعال عنهما. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى صلاة الكسوف) بالكاف. أي صلاة
كسوف الشمس (فقام) عليه الصلاة والسلام (فأطال القيام ثم
ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال
الركوع، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال
السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع
فأطال القيام) وللأصيلي قال: فأطال القيام (ثم ركع فأطال
الركوع، ثم رفع فسجد) وللأصيلي: ثم سجد (فأطال السجود، ثم
رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف. فقال):
(قد دنت) أي: قربت (مني الجنة حتى لو اجترأت عليها) أي على
الجنة (لجئتكم بقطاف من قطافها). بكسر القاف فيهما أي
بعنقود من عناقيدها، أو اسم لكل ما يقطف. قال العيني وأكثر
المحدثين يروونه بفتح القاف وإنما هو بالكسر. واجترأت من
الجرأءة، وإنما قال ذلك لأنه لأنه لم يكن مأذونًا له من
عند الله بأخذه. (ودنت مني النار حتى قلت: أي ربّ أوَ أنا
معهم) بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة، كذا لأبوي الوقت
وذر وللأصيلي، ونسبه في الفتح للأكثرين، قال. ولكريمة،
وأنا معهم بحذف الهمزة، وهي مقدرة وثبت قوله: رب، ولأبي ذر
عن الحموي. (فإذا امرأة) قال نافع بن عمر: (حسبت أنه) أي
ابن أبي مليكة (قال): (تخدشها) بفتح المثناة الفوقية وكسر
الدال ثم شين معجمة، أي تقشر جلدها (هرة) بالرفع، فاعل
لتخدشها (قلت ما شأن هذه) المرأة؟ (قالوا: حبستها حتى ماتت
جوعًا لا أطعمتها) أي: لا أطعمت الهرة، ولأبي ذر والأصيلي
وابن عساكر: لا هي أطعمتها بالضمير الراجع للمرأة (ولا
أرسلتها) وللأصيلي وابن عساكر ولا هي أرسلتها (تأكل) -
(قال نافع) الجمحي: (حسبت أنه) أي ابن أبي مليكة وللأصيلي
حسبته (قال): (من خشيش) بفتح الخاء المعجمة لا بالمهملة
وكسر الشين المعجمة، أي حشرات الأرض (أو) قال: (خشاش)،
مثلت الأول. وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني زيادة: الأرض.
وفي الحديث أن تعذيب الحيوانات غير جائز، وأن من ظلم منها
شيئًا يسلط على ظالمه يوم القيامة.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين مصري ومكّي، وفيه
(2/78)
تابعي عن صحابية، والتحديث بالجمع والإفراد
والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الشرب،
والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
91 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ: «فَرَأَيْتُ
جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ
رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ».
(باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة).
(قالت عائشة) رضي الله عنها، مما هو طرف حديث وصلة المؤلّف
في باب: إذا انفلتت الدابة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة الكسوف) (فرأيت) بالفاء قبل
الراء، ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر: رأيت (جهنم يحطم)
بكسر الطاء، أي يأكل (بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت).
746 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ
بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "قُلْنَا
لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟
قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟
قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ". [الحديث 746 - أطرافه
في: 760، 761، 777].
وبالسند قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال:
حدّثنا عبد الواحد) وللأصيلي عبد الواحد بن زياد، بكسر
الزاي وتخفيف المثناة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن
مهران، (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم (بن عمير) تصغير
عمر التيمي الكوفي، (عن أبي معمر) بفتح الميمين، عبد الله
بن سخبرة الأزدي (قال: قلنا لخباب) بفتح المعجمة، وتشديد
الموحدة الأولى، ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وتشديد
المثناة الفوقية (أكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (الظهر و) صلاة (العصر)؟ أي غير
الفاتحة؟ إذ لا شك في قراءتها (قال: نعم. قلنا) ولأبي ذر:
فقلنا، بفاء العطف (بم) بحذف الألف تخفيفًا، (كنتم تعرفون
ذاك)؟ أي قراءته، ولابن عساكر والأصيلي: ذلك (قال) أي
خباب، (باضطراب لحيته) بكسر اللام أي بتحريكها.
ويستفاد منه ما ترجم له، وهو رفع البصر إلى الإمام، ويدل
للمالكية حيث قالوا: ينظر إلى الإمام وليس عليه أن ينظر
إلى موضع سجوده.
ومذهب الشافعية يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده لأنه أقرب
إلى الخشوع.
ورجال هذا الحديث ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا
أبو داود والنسائي وابن ماجة.
747 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ: "حَدَّثَنَا
الْبَرَاءُ وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا
إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا
قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ".
وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال، لا حجاج بن محمد،
لأن المؤلّف لم يسمع منه (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج
(قال: أنبأنا) أي أخبرنا، وهو يطلق في الإجازة، بخلاف
أخبرنا، فلا يكون إلاّ مع التقييد بأن يقول أخبرنا إجازة
(أبو اسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت عبد الله
بن يزيد) من الزيادة، الأنصاري الخطمي الصحابي، وكان
أميرًا على الكوفة، حال كونه (يخطب، قال: حدّثنا)
وللأصيلي: أخبرنا (البراء) بن عازب، (وكان غير كذوب، أنهم
كانوا إذا صلوا مع رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: مع
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرفع رأسه)
الشريف (من الركوع، قاموا قيامًا) نصب على المصدرية،
والجملة جواب إذا (حتى يرونه) بإثبات النون بعد الواو،
ولأبي ذر والأصيلي: حتى يره، حال كونه (قد سجد).
ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإنباء والسماع
والقول، ورواية صحابي عن صحابي.
748 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
"خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى، قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي
مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ. قَالَ: إِنِّي
أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا
وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ
الدُّنْيَا».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة (عن
زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والسين
المهملة المخففة (عن عبد الله بن عباس) رضي عنهما، (قال:
خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة (على عهد رسول الله) ولأبي
ذر والأصيلي وابن عساكر: على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فيه دليل لمن يقول: إن الخسوف يطلق
على كسوف الشمس، لكن أكثر على استعماله في القمر، والكاف
في الشمس، (فصلى) عليه الصلاة والسلام صلاة الخسوف
المذكورة في الباب السابق (قالوا) ولأبي ذر: فقالوا: (يا
رسول الله! رأيناك تناول) أصله تتناول بمثناتين فوقيتين،
فحذفت إحداهما تخفيفًا، وللأصيلي وابن عساكر: تناولت
(شيئًا في مقامك) بفتح الميم الأولى (ثم رأيناك تكعكعت) أي
تأخرت ورجعت وراءك (قال): ولأبوي ذر والوقت: فقال: (إني
أريت) بهمزة مضمومة ثم راء مكسورة وللكشميهني رأيت (الجنة)
من غير حائل (فتناولت) أي أردت أن آخذ (منها عنقودًا) بضم
العين، وعلى هذا التأويل لا تضادّ بينه وبين قوله: (ولو
أخذته) أي العنقود (لأكلتم)
(2/79)
بميم الجمع وللكشميهني: لأكلت (منه ما بقيت
الدنيا) أي مدة بقاء الدنيا إلى انتهائها، لأن طعام الجنة
لا يفنى.
فإن قلت: لِمَ لم يأخذ العنقود؟ أجيب بأنه من طعام الجنة
الذي لا يفنى، ولا يجوز أن يؤكل في الدنيا إلاّ ما يفنى
لأن الله تعالى أوجدها للفناء، فلا يكون فيها شيء مما
يبقى. اهـ.
واختصر هنا الجواب عن تأخره، وذكر في باقي الروايات: إنه
لدنوّ نار جهنم.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: رأيناك تكعكعت، لأن رؤية
تكعكعه عليه الصلاة والسلام تدلّ على أنهم كانوا يراقبونه
عليه الصلاة والسلام.
749 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ
عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّى لَنَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ
رَقَا الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ
الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ -مُنْذُ
صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ- الْجَنَّةَ وَالنَّارَ
مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ
أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. ثَلاَثًا".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف
النون، وبعد الألف نون ثانية، العوفي الباهلي الأعمى،
المتوفى سنة ثلاثة وعشرين ومائتين، (قال: حدّثنا فليح) بضم
الفاء وفتح اللام، ابن سليمان بن أبي الغيرة الأسلمي
المدني، وقيل اسمه عبد الملك (قال: حدّثنا هلال بن علي) بن
أسامة العامري المدني وقد نسب إلى جده (عن أنس بن مالك)
رضي الله عنه، وسقط لابن عساكر لفظ ابن مالك (قال: صلّى
لنا) باللام. وفي نسخة: بنا (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم رقى) بالألف المقصورة، ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي: رقي: بكسر القاف وفتح الياء، أي صعد
(المنبر، فأشار بيديه) بالتثنية، وللأربعة: بيده (قبل)
بكسر القاف وفتح الموحدة، أي جهة، (قبلة المسجد، ثم قال):
(لقد رأيت الآن) اسم للوقت الذي أنت فيه، وهو ظرف غير
متمكن، وقد وقع معرفة واللام فيه ليست معرّفة لأنه ليس له
ما يشاركه حتى يميز، ولا يشكل عليه أن رأى للماضي، فكيف
يجتمع مع الحال لدخول قد، فإنها تقرّبه للحال (منذ) زمان
(صلّيت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين) أي: مصوّرتين (في
قبلة هذا الجدار) حقيقة أو عرض على مثالهما، وضرب له ذلك
في الصلاة، كأنهما في عرض الحائط (فلم أر) منظرًا (كاليوم)
أي مثل نظر اليوم (في) أحوال (الخير والشر). قال ذلك
(ثلاثًا).
وقوله: صليت لكم بالماضي قطعًا واستشكل اجتماعه مع الآن،
وأجيب بأنه إما أن يكون كما قال ابن الحاجب: كل مخبر أو
منشئ فقصده الحاضر، فمثل صليت يكون للماضي الملاصق للحاضر،
وإما أنه أريد بالآن ما يقال عرفًا أنه الزمان الحاضر، لا
اللحظة الحاضرة الغير المنقسمة.
ووجه مطابقة الحديث للترجمة أن فيه رفع البصر إلى الإمام.
ورواته أربعة، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في الصلاة والرقاق، والله أعلم.
92 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي
الصَّلاَةِ
(باب) كراهية (رفع البصر إلى) جهة (السماء في الصلاة) لأن
فيه نوع إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة.
750 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ
يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي
صَلاَتِهِمْ؟ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى
قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ
أَبْصَارُهُمْ».
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال:
أخبرنا)، وللأربعة: حدّثنا (يحيى بن سعيد) القطان (قال:
حدثنا ابن أبي عروبة) بفتح العين المهملة وتخفيف الراء
المضمومة وفتح الموحدة، سعيد بن مهران (قال: حدّثنا قتادة)
بن دعامة (أن أنس بن مالك حدّثهم) بميم الجمع، ولأبي ذر:
حدّثه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي بعدما صلّى بأصحابه، وأقبل عليهم بوجهه
الكريم كما عند ابن ماجة.
(ما بال أقوام) أبهم خوف كسر قلب من يعنيه، لأن النصيحة في
الملأ فضيحة. وبال: بضم اللام، أي: ما حالهم وشأنهم
(يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) زاد مسلم، من حديث
أبي هريرة: عند الدعاء، فإن حمل المطلق على هذا المقيد
اقتضى اختصاص الكراهية بالدعاء الواقع في الصلاة.
قاله في الفتح وتعقبه العيني فقال: ليس الأمر كذلك، بل
المطلق يجري على المقيد، والمقيد على تقييده، والحكم عام
في الكراهة، سواء كان رفع بصره في الصلاة عند الدعاء، أو
بدون الدعاء، لما رواه الواحدي في باب النزول من حديث أبي
هريرة: أن فلانًا كان إذا صلّى رفع رأسه إلى السماء،
فنزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
[المؤمنون: 2] ورفع البصر مطلقًا ينافي الخشوع الذي أصله
السكون، (فاشتد قوله) عليه الصلاة والسلام (في ذلك) أي في
رفع البصر، إلى السماء في الصلاة، (حتى قال):
والله، (لينتهُنَّ) بفتح أوله وضم الهاء، لتدل على واو
الضمير المحذوفة، لأن أصله: لينتهوننّ، وللمستملي والحموي:
لينتهين بضم أوله وفتح المثناة الفوقية والهاء
(2/80)
والمثناة التحتية آخره نون توكيد ثقيلة
فيهما، مبنيًّا للفاعل في الأولى، وللمفعول في الثاني (عن
ذلك) أي: عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة (أو) قال عليه
الصلاة والسلام (لتخطفن) بضم المثناة الفوقية، وسكون الخاء
المعجمة وفتح الطاء والفاء، مبنيًّا للمفعول أي: لتعمين
(أبصارهم).
وكلمة: أو، للتخيير تهديدًا، وهو خبر بمعنى الأمر، أي:
ليكوننّ منكم الانتهاء عن رفع البصر أو تخطف الأبصار عند
الرفع من الله، وهو كقوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ
يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أي يكون أحد الأمرين.
وفيه النهي الوكيد والوعيد الشديد، وحملوه على الكراهة دون
الحرمة للإجماع على عدمها، وأما رفع البصر إلى السماء في
غير الصلاة في دعاء ونحوه، فجوّزه أكثرون، لأن السماء قبلة
الداعين، كالكعبة قبلة المصلين، وكرهه آخرون.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالجمع
والإفراد والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة في
الصلاة.
93 - باب الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ
(باب) كراهية (الالتفات في الصلاة) لأنه ينافي الخشوع
المأمور به أو ينقصه.
751 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سَأَلْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلاَسٌ
يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ".
[الحديث 751 - طرفه في: 3291].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا أبو
الأحوص) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو
وبالصاد المهملة سلام بتشديد اللام، ابن سليم، بضم السين،
الحافظ الكوفي (قال: حدّثنا أشعث بن سليم) بضم السين وفتح
اللام، وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة ثم مثلثة (عن
أبيه) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، أبو الشعثاء (عن
مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة) رضي الله
عنها (قالت: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن الالتفات) بالرأس يمينًا وشمالاً (في الصلاة
فقال) عليه الصلاة والسلام:
(هو اختلاس) أي اختطاف بسرعة (يختلسه الشيطان) بإبراز
الضمير المنصوب، وهو رواية الكشميهني، وللأكثر: يختلس
الشيطان (من صلاة العبد) فيه الحض على إحضار المصلي قلبه
لمناجاة ربه.
ولما كان الالتفات فيه ذهاب الخشوع، استعير لذهابه اختلاس
الشيطان، تصويرًا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي
مستغرق في مناجاة ربه، والله مقبل عليه، والشيطان مراصد له
ينتظر فوات ذلك، فإذا التفت المصلي، اغتنم الشيطان الفرصة
فيختلسها منه. قاله الطيبي في شرح المشكاة.
والجمهور على كراهة الالتفات فيها للتنزيه. وقال المتولي:
حرام إلاّ لضرورة، وهو قول الظاهرية.
ومن أحاديث النهي عنه، حديث أنس عند الترمذي مرفوعًا، وقال
حسن: يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في
الصلاة هلكة، فإن كان ولا بدّ ففي التطوع لا في الفريضة.
وحديث أبي داود والنسائي عنه، وصحّحه الحاكم: لا يزال الله
مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه
انصرف عنه.
وللبزار من حديث جابر بسند فيه الفضل بن عيسى: إذا قام
الرجل في الصلاة أقبل الله عليه بوجهه، فإذا التفت، قال:
يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير مني؟ أقبل إليَّ.
فإذا التفت الثانية قال مثل ذلك، فإذا التفت الثالثة صرف
الله وجهه عنه.
ولابن حبان في الضعفاء، عن أنس مرفوعًا: المصلي يتناثر على
رأسه الخير من عنان السماء إلى مفرق رأسه. وملك ينادي: لو
يعلم العبد من يناجي ما التفت.
والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو
كله.
فإن قلت: لِمَ شرع سجود السهو للمشكوك فيه دون الالتفات،
وغيره مما ينقص الخشوع؟ أجيب: بأن السهو لا يؤاخذ به
المكلف، فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد فيجتنبه.
ورواة هذا الحديث الستة كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري،
وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
صفة إبليس اللعين، وأبو داود، والنسائي، في: الصلاة.
752 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى
فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَقَالَ: شَغَلَتْنِي
أَعْلاَمُ هَذِهِ، اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ
وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا سفيان) بن
عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن
الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى في خميصة) بفتح الخاء
المعجمة وكسر الميم وفتح الصاد المهملة، كساء أسود مربع
(لها أعلام، فقال) عليه الصلاة والسلام:
(شغلتني) بمثناة فوقية بعد اللام، وللحموي والسرخسي: شغلني
(أعلام
(2/81)
هذه) الخميصة (اذهبوا بها) ولأبي ذر: به
(إلى الجحيم) بفتح الجيم وسكون الهاء، وللكشميهني: جهيم
بالتصغير (وائتوني بأنبجانية) بفتح الهمزة وكسر الموحدة
وتشديد المثناة التحتية. وفي نسخة: بأنبجانية، بضمير أبي
جهم.
ووجه مطابقته لترجمة من جهة أن أعلام الخميصة إذا لحظها
وهي على عاتقه، كان قريبًا من الالتفات، ولذلك خلعها، وعلل
بأن أعلامها شغلته، ولا يكون إلاَّ بوقوع بصره عليها، وفي
وقوع بصره عليها التفات.
وسبق الحديث بمبحثه في باب: إذا صلّى في ثوب له أعلام.
94 - باب هَلْ يَلْتَفِتُ لأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ، أَوْ
يَرَى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ
وَقَالَ سَهْلٌ: الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-
فَرَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين (هل يلتفت) الصلي في صلاته (لأمر ينزل
به) كخوف سقوط حائط، أو قصد سبع أو حيّة (أو يرى شيئًا)
قدامه، أو من جهة يمينه أو يساره، سواء كان في القبلة أم
لا (أو) يرى (بصاقًا) ونحوه (في القبلة) وجواب هل محذوف أي
....
(وقال سهل) هو ابن سعد بسكون العين ابن مالك الأنصاري،
الصحابي ابن الصحابي ابن الصحابي، مما وصله المؤلّف من
حديث في باب: من دخل ليؤمّ الناس: (التفت أبو بكر) الصديق
(رضي الله عنه فرأى النبي) وفي نسخة فرأى: رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فلم يأمره عليه
الصلاة والسلام بالإعادة، بل أشار إليه أن يتمادى على
إمامته، لأن التفاته كان لحاجة.
753 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
قَالَ: "رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهْوَ
يُصَلِّي بَيْنَ يَدَىِ النَّاسِ فَحَتَّهَا، ثُمَّ قَالَ
حِينَ انْصَرَفَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي
الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلاَ
يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَة".
رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ
نَافِعٍ.
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (قتيبة بن
سعيد) ولأبي ذر وابن عساكر إسقاط ابن سعيد (قال: حدّثنا
ليث) هو ابن سعد إمام الصريين، ولأبوي ذر والوقت وابن
عساكر: الليث بلام التعريف (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن
عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أنه قال: رأى) ولأبي ذر:
أرى: ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: أنه قال: رأى
(النبي) ولأبي ذر وابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخامة) وفي باب: حك البزاق باليد من
المسجد: رأى بصاقًا (في قبلة المسجد) المدني (وهو يصلّي
بين يدي الناس، فحتها) بمثناة فوقية، أي فحكّها وأزالها
وهو داخل الصلاة، كما هو ظاهر هذا الحديث، ولم يبطل ذلك
الصلاة لكونه فعلاً قليلاً. وفي رواية مالك السابقة غير
مقيد بحال الصلاة، (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (حين
انصرف) من الصلاة:
(إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله قبل وجهه) بكسر
القاف وفتح الموحدة أي يطلع عليه كأنه مقابل لوجهه (فلا
يتنخمن) أي: لا يرمين (أحد) النخامة، وللأصيلي: أحدكم
(قبل) أي تلقاء
(وجهه في الصلاة) (رواه) أي الحديث المذكور (موسى بن عقبة)
الأسدي المديني، مما وصله مسلم من طريقه (و) رواه أيضًا
(ابن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو آخره دال مهملة،
عبد العزيز واسم أبيه ميمون؛ مولى المهلب، أي ابن أبي صفرة
العتكي (عن نافع) مما وصله أحمد عن عبد الرزاق عنه. وفيه:
أن الحك كان بعد الفراغ من الصلاة.
754 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: "بَيْنَمَا
الْمُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ
إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ
إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ،
وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى عَقِبَيْهِ
لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ، فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ
الْخُرُوجَ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي
صَلاَتِهِمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ،
فَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ
الْيَوْمِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة المخزومي
المصري (حدّثنا ليث بن سعد) إمام مصر، وللأربعة: الليث
بالتعريف (عن عقيل) بضم العين، ابن خالد الأيلي (عن ابن
شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) كذا في
رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي لفظ: ابن مالك لغيرهم (قال:
بينما) بالميم (المسلمون في صلاة الفجر)، وأبو بكر يؤمهم
في مرض موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم
يفجأهم) هو العامل في بينما (إلاّ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (قد كشف ستر حجرة
عائشة، فنظر إليهم) عليه الصلاة والسلام (وهم صفوف) جملة
اسمية حالية (فتبسم يضحك) حال مؤكدة، (ونكص) أي رجع (أبو
بكر رضي الله عنه على عقبيه ليصل له الصف) نصب بنزع
الخافض، أي إلى الصف، وسقط لفظ: له، في رواية ابن عساكر
(فظن) أي نكص بسبب ظنه (أنّه يريد الخروج) إلى المسجد،
(وهمّ المسلمون) أي قصدوا (أن يفتتنوا) أي يقعوا في الفتنة
(في) فساد (صلاتهم) وذهابها فرحًا بصحة رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسرورًا برؤيته (فأشار
إليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أتموا)
ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: أن أتموا (صلاتكم، فأرخى)
بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: وأرخى (الستر،
(2/82)
وتوفي) عليه الصلاة والسلام (من آخر ذلك
اليوم).
فيه أنهم التفتوا حين كشف الستر، ويدل له قول أنس: فأشار،
ولولا التفاتهم لما رأوا إشارته.
95 - باب وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ
فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ،
وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ
(باب وجوب القراءة) أي الفاتحة اللإمام والمأموم في
الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت)
أي يسر، والياء في الفعلين مضمومة على البناء للمفعول،
وهذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفية، حيث قالوا: لا تجب على
المأموم، لأن قراءة الإمام قراءة له.
755 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "شَكَا أَهْلُ
الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه-
فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا،
فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ
هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي
كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَخْرِمُ عَنْهَا،
أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ
وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ
يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً -أَوْ
رِجَالاً- إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ
الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ
عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا. حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا
لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ
أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ:
أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ
يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ،
وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ. قَالَ سَعْدٌ: أَمَا
وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ
عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً
فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ
بِالْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ
كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ
حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ
لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ".
[الحديث 755 - طرفاه في: 758، 770].
وبالسند قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري التبوذكي
(قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح المهملة، الوضاح، بتشديد
الضاد المعجمة بعد الواو المفتوحة آخره مهملة بعد الألف،
ابن عبد الله اليشكري، بالمعجمة بعد المثناة التحتية،
الواسطي، المتوفى سنة خمس أو ست وسبعين ومائة (قال: حدّثنا
عبد الملك بن عمير) بضم العين المهملة مصغرًا، ابن سويد
الكوفي، يقال له: الفرسي بفتح الفاء والراء ثم مهملة، نسبة
إلى فرس له سابق (عن جابر بن سمرة، بضم الميم، ابن جنادة
العامري السوائي، الصحابي ابن الصحابي، وهو ابن أخت سعد بن
أبي وقاص (قال: شكا أهل الكوفة سعدًا) هو ابن أبي وقاص،
واسم أبي وقاص: مالك بن أهيب، لما كان أميرًا عليهم (إلى
عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) أي شكاه بعضهم، فهو من باب
إطلاق الكل على البعض.
ويدل لذلك ما في صحيح أبي عوانة من رواية زائدة، عن عبد
الملك: جعل ناس من أهل الكوفة، وسمي منهم عند سيف
والطبراني: الجراح بن سنان، وقبيصة، وأربد الأسديون، وذكر
العسكري في الأوائل منهم: الأشعث بن قيس، وعند عبد الرزاق
عن معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة، قال: كنت جالسًا
عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي وقاص حتى
قالوا: إنه لا يحسن الصلاة، (فعزله) عمر رضي الله تعالى
عنه (واستعمل عليهم) في الصلاة (عمارًا) هو ابن ياسر،
(فشكوا) منه في كل شيء (حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلّي،
فأرسل إليه) عمر رضي الله عنه، فوصل إليه الرسول فجاء إلى
عمر (فقال) له: (يا أبا إسحاق) وهي كنية سعد، (إن هؤلاء)
أي أهل الكوفة (يزعمون أنك لا تحسن تصلي. قال: أبو إسحاق)
وسقط: أبو إسحاق، وللأربعة (أما) هم فقالوا وأما (أنا،
والله) جواب القسم محذوف، يدل عليه قوله: (فإني) وللأصيلي:
إني (كنت أصلي بهم صلاة رسول الله) أي صلاة مثل صلاته
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما أخرم) بفتح
الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء، أي ما أنقص (عنها) أي عن
صلاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه المطابقة
لقوله في الترجمة: وما يجهر فيها وما يخافت (أصلي صلاة
العشاء) صلاة بالإفراد، وفي الباب اللاحق: صلاتي العشي
بالتثنية، والعشي بكسر الشين وتشديد الياء وعينها، إما
لكونهم شكوه فيها، أو لأنها في وقت الراحة، فغيرها من باب
أولى. والأول أظهر لأنه يأتي مثله في الظهر والعصر، لأنهما
وقت الاشتغال بالقائلة والمعاش، (فأركد) بضم الكاف، أي
أطول القيام حتى تنقضي القراءة (في) الركعتين (الأوليين،
وأخف) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة، وللكشميهني: وأحذف،
بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة، أي أحذف التطويل (في)
الركعتين (الأخريين) وليس المراد حذف أصل القراءة فكأنه
قال: أحدف الركود، والركود يدل على القراءة عادة.
وهذا يدل لقوله في الترجمة: وجوب القراءة للإمام، ولا
دلالة فيه لوجوب قراءة المأموم، ولا خلاف في وجوب قراءة
الفاتحة، وإنما الخلاف في أنها فرض. فإن أراد من القراءة
غير الفاتحة فالركود لا يدل على الوجوب، وحينئذ فالإشكال
في المطابقة باقٍ.
(قال) عمر رضي الله عنه (ذاك) بغير لام، أي: ما تقول،
مبتدأ خبره (الظن بك)، ولأبي ذر عن الكشميهني: ذلك الظن بك
(يا أبا إسحاق، فأرسل) عمر رضي الله عنه (معه) أي مع سعد
(رجلاً) هو محمد بن مسلمة بن خالد الأنصاري، فيما ذكره
الطبري (أو رجالاً إلى الكوفة) جمع رجل، فيحتمل أن يكونوا
محمد بن مسلمة المذكور، ومليح بن عوف السلمي، وعبد الله بن
أرقم، والشك من الراوي. وهذا يقتضي أنه أعاده
(2/83)
إلى الكوفة ليحصل الكشف عنه بحضرته، ليكون
أبعد من التهمة، (فسأل) بالفاء (عنه) أي عن سعد، وللأربعة:
يسأل عنه (أهل الكوفة) كيف حاله بينهم؟ (ولم) بالواو،
وللأصيلي وابن عساكر: فلم (يدع) أي: فلم يترك الرجل المرسل
(مسجدًا) من مساجد الكوفة (إلاّ سأل عنه) أي عن سعد (و)
الحال أن أهل الكوفة (يثنون عليه معروفًا) أي خيرًا (حتى
دخل مسجدًا لبني عبس) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة
آخره مهملة، قبيلة كبيرة من قي، زاد سيف في روايته، فقال
محمد بن مسلمة: أنشد الله رجلاً يعلم حقًا إلاّ قال. (فقام
رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى) بضم الياء وسكون
الكاف وفتح النون (أبا سعدة) بفتح السين وسكون العين
المهملتين (قال) وللأصيلي: فقال: (أما) بتشديد الميم أي:
أما غيري فأثنى عليه، وأما نحن (إذ) أي حين (نشدتنا) بفتح
الشين، أي سألتنا بالله (فإن سعدًا كان لا يسير) وللأصيلي:
فإن سعدًا لا يسير (بالسرية) بفتح السين المهملة وكسر
الراء المخففة، القطعة من الجيش والباء للمصاحبة، أي لا
يخرج بنفسه معها، فنفى عنه الشجاعة التي هي كمال القوة
الغضبية، وفي رواية جرير وسفيان: لا ينفر في السرية (ولا
يقسم بالسوية) فنفى عنه العفّة التي هي كمال القوة
الشهوانية، (ولا يعدل في القضية) أي الحكومة والقضاء، وفي
رواية سيف: ولا يعدل في الرعية، فنفى عنه الحكمة التي هي
كمال القوة العقلية، وفيه سلب للعدل عنه بالكلية، وهو قدح
في الدين.
(وقال سعد: أما والله) بتخفيف الميم حرف استفتاح (لأدعون)
عليك (بثلاث) من الدعوات، واللام كالنون الثقيلة للتوكيد:
(اللهمّ إن كان عبدك هذا كاذبًا) أي فيما نسبني إليه (قام
رياء وسمعة) ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه ليذكر
به، وعلق الدعاء بشرط كذبه، أو كون الحامل له على ذلك
الغرض الدنيوي، فراعى الإنصاف والعدل رضي الله عنه (فأطل
عمره) في اليونينية بسكون الميم أي: عمره بحيث يرد إلى
أسفل سافلين، ويصير إلى أرذل العمر، ويضعف قواه وينتكس في
الخلق، فهو دعاء عليه لا له. (وأطل فقره) وفي نسخة: وأقلل
رزقه، وفي رواية جرير: وشدد فقره، وفي رواية سيف: وأكثر
عياله. وهذه الحالة بئست الحالة، وهي طول العمر مع الفقر
وكثرة العيال، نسأل الله العفو والعافية. (وعرضه بالفتن)
بالموحدة، وفي نسخة: للفتن، أي اجعله عرضة لها.
وإنما ساغ لسعد أن يدعو على أخيه المسلم بهذه الدعوات لأنه
ظلمه بالافتراء عليه. فإن قلت: إن الدعاء بمثل هذا يستلزم
تمنّي المسلم وقوع المسلم في المعاصي، أجيب: بأن ذلك جائز
من حيث كون ذلك يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته، كتمني
الشهادة المشروع، وإن كان حاصله تمني قتل الكافر للمسلم
وهو معصية، ووهن في الدين. لكن الغرض من تمني إلشهادة
ثوابها لا نفسها، وقد وجد ذلك في دعوات الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام، كقول نوح: {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ
إِلَّا ضَلَالاً} [نوح: 24]. وإنما ثلث عليه الدعوة لأنه
ثلث في نفي الفضائل عنه، لا سيما الثلاث التي هي أصول
الفضائل كما مرّ، والثلاث تتعلق بالنفس والمال والدين،
فقابلها بمثلها. فبالنفس، طول العمر، وبالمال: الفقر،
وبالدين: الوقوع في الفتن.
(قال) عبد الملك بن عمير، كما بينه جرير في روايته (وكان)
بالواو، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي: فكان (بعد) أي فكان
أبو سعدة بعد ذلك (إذا سئل) عن حال نفسه، وفي رواية ابن
عيينة: إذا قيل له: كيف أنت؟ (يقول): أنا (شيخ كبير) صفة
الخبر المقدر مبتدؤه بأنا (مفتون، أصابتني دعوة سعد) أفرد
الدعوة وهي ثلاثة على إرادة الجنس، وفي رواية ابن عيينة:
ولا تكون فتنة إلاّ وهو فيها، فإن قلت: لِمَ لَمْ يذكر
الدعوة الأخرى، وهي الفقر، أجيب، بأنها داخلة في قوله:
أصابتني. لكن وقع التصريح بذلك عند الطبراني، ولفظه: قال
عبد الملك، فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا سألوه
قال: كبير فقير مفتون.
(قال عبد الملك) بن عمير: (فأنا) بالفاء، ولأبي الوقت:
وأنا (رأيته بعد، قد سقط حاجباه) أي شعرهما (على عينيه من
الكبر) بكسر الكاف وفتح الموحدة، (وإنه) أي أبا سعدة
(ليتعرض
(2/84)
للجواري في الطريق) بالإفراد، لأبي ذر
والأصيلي وابن عساكر ولغيرهم: في الطرق (يغمزهن) أي يعصر
أعضاءهن بأصابعه. وفيه إشارة إلى الفتنة والفقر، إذ لو كان
غنيًّا لما احتاج إلى ذلك. وفي رواية سيف: فعمي واجتمع
عنده عشر بنات. وكان إذا سمع بحسّ المرأة تشبث بها، فإذا
أنكر عليه، قال: دعوة المبارك سعد، الحديث.
وكان سعد معروفًاً بإجابة الدعوة، لأنه عليه الصلاة
والسلام دعا له فقال: اللهمَّ استجب لسعد إذا دعاك. رواه
الترمذي وابن حبّان والحاكم.
وفي الحديث أن من سعى به من الولاة يسأل عنه في موضع عمله
أهل الفضل، وأن الإمام يعزل من شكي وإن كذب عليه إذا رآه
مصلحة.
قال مالك: قد عزل عمر سعدًا وهو أعدل ممن يأتي بعده إلى
يوم القيامة.
والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا مسلم وأبو
داود والنسائي.
756 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ
مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، (قال: حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن
محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة، ابن سراقة
الخزرجي الأنصاري (عن عبادة بن الصامت) بضم العين وتخفيف
الموحدة، رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا صلاة لمن لم يقرأ) فيها (بفاتحة الكتاب) أي في كل ركعة
منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا، سواء أسرّ الإمام أو جهر.
قال المازري: اختلف الأصوليون في مثل هذا اللفظ، يعني
قوله: لا صلاة إلخ.
فقيل: إنه مجمل لأنه حقيقة في نفي الذات، والذات واقعة،
والواقع لا يرتفع، فينصرف لنفي الحكم، وهو متردد بين نفي
الكمال ونفي الصحة، وليس أحدهما أولى فيلزم الإجمال، وهو
خطأ، لأن العرب لم تضعه لنفي الذات، وإنما تورده للمبالغة،
ثم تذكر الذات ليحصل ما أرادت من المبالغة.
وقيل: هو عامّ مخصوص عامّ في نفي الذات وأحكامها، ثم خصّ
بإخراج الذات لأن الرسول لا يكذب.
وقيل: هو عامّ غير مخصوص لأن العرب لم تضعه لنفي الذات، بل
لنفي كل أحكامها، وأحكامها في مسألتنا الكمال والصحة، وهو
عامّ فيهما.
وردّه المحققون بأن العموم إنما يحسن إذا لم يكن في تنافٍ،
وهو هنا لازم، لأن نفي الكمال يصح معه الإجزاء، ونفي الصحة
لا يصح معه الإجزاء، وصار المحققون إلى الوقف، وأنه تردد
بين نفي الكمال والإجزاء، فإجماله من هذا الوجه لا مما
قاله الأوّلون. وعلى هذا المذهب يتخرّج قوله: لا صلاة.
وتعقبه الأبي فقال: ما رد به الأول لا يرفع الإجمال لأنه
وإن سلم أنه لنفي الحكم فالأحكام متعددة، وليس أحدهما أولى
كما تقدم. وإنما الجواب ما قيل من أنه لا يمتنع نفي الذات،
أي الحقيقة الشرعية، لأن الصلاة في عرف الشرع اسم للصلاة
الصحيحة، فإذا فقد شرط صحتها انتفت، فلا بد من تعلق النفي
بالمسمى الشرعي، ثم لو سلم عوده إلى الحكم فلا يلزم
الإجمال لأنه في نفي الصحة أظهر، لأن مثل هذا اللفظ يستعمل
عرفًا لنفي الفائدة، كقولهم: لا علم إلاّ ما نفع، ونفي
الصحة أظهر في بيان نفي الفائدة. وأيضًا اللفظ يشعر بالنفي
العامّ، ونفي الصحة أقرب إلى العموم من نفي الكمال، لأن
الفاسد لا اعتبار له بوجه. ومن قال إنه عامّ مخصوص،
فالمخصص عنده الحس، لأن الصلاة قد وقعت كقوله تعالى:
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:
25]. فإن الحس يشهد بأنها لم تدمر الجبال انتهى.
وقال في فتح القدير: قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب، هو مشترك الدلالة، لأن النفي لا يرد إلا على النسب
لا على نفي نفس المفرد، والخبر الذي هو متعلق الجار محذوف،
فيمكن تقديره صحيحة، فيوافق رأي الشافعي، أو كاملة
فيخالفه. وفيه نظر، لأن متعلق المجرور الواقع خبرًا
استقرار عام، فالحاصل: لا صلاة كائنة، وعدم الوجود شرعًا
هو عدم الصحة. هذا هو الأصل بخلاف: لا صلاة لجار المسجد
إلخ، ولا صلاة للعبد الآبق. فإن قيام الدليل على الصحة
أوجب كون المراد كونًا خاصًّا أي كاملة. فعلى هذا يكون من
حذف الخبر لا من وقوع الجار والمجرور خبرًا.
ثم إن الشافعية يثبتون ركنية الفاتحة لا على معنى الوجوب.
عند الحنفية، فإنهم لا يقولون بوجوبها قطعًا بل ظنًّا، غير
أنهم لا يخصّون الفرضية والركنية بالقطعي، فلهم أن يقولوا
بموجب الوجه المذكور: وإن جوّزنًا الزيادة بخبر الواحد
لكنها ليست بلازمة هنا، فإنا إنما قلنا
(2/85)
بركنيتها وافتراضها بالمعنى الذي سميتموه
وجوبًا، فلا زيادة.
واختلف المالكية هل تجب الفاتحة في كل ركعة أو الحل؟
والقولان في المدونة. وشهر ابن شاس الرواية الأولى. قال
القاضي عبد الوهاب وهو المشهور من المذهب، والذي رجع إليه،
هي الرواية الثانية. قال القرافي: وهو ظاهر المذهب قاله
بهرام.
وحديث الباب لا دلالة فيه على وجوبها في كل ركعة، بل
مفهومه الدلالة على الصحة بقراءتها في ركعة واحدة منها لأن
فعلها في ركعة واحدة يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك
الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة.
نعم يدل للقائلين بوجوبها في كل ركعة وهم الجمهور قوله
عليه الصلاة والسلام: وافعل ذلك في صلاتك كلها بعد أن أمره
بالقراءة، وقوله في حديث أحمد وابن حبان. ثم افعل ذلك في
كل ركعة.
ولم يفرضها الحنفية لإطلاق قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} [المزمل: 20]. فتجوز الصلاة
بأي قراءة كانت.
قالوا والزيادة على النص تكون نسخًا لإطلاقه، وذا غير
جائز، ولا يجوز أن يجعل بيانًا للآية، لأنه لا إجمال فيها،
إذ المجمل ما يتعذر العمل به قبل البيان، والآية ليست كذلك
وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث، فيكون واجبًا إثم تاركه،
وتجزئ الصلاة بدونه.
والفرض آية قصيرة عند أبي حنيفة كمدهامتان، وقال صاحباه
آية طويلة أو ثلاث آيات، وتتعين ركعتان لفرض القراءة لقوله
عليه الصلاة والسلام، القراءة في الأوليين قراءة في
الأخريين، وتسن في الأخريين الفاتحة خاصة، وإن سبّح فيهما
أو سكت جاز لعدم فرضية القراءة فيهما.
لنا قوله عليه الصلاة والسلام: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها
بفاتحة الكتاب، رواه الإسماعيلي بسند حديث الباب من طريق
العباس بن الوليد النرسي، أحد شيوخ البخاري، وقوله عليه
الصلاة والسلام: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، رواه
ابن خزيمة.
واستدلّ من أسقطها عن المأموم مطلقًا كالحنفية بحديث: من
صلّى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة.
قال في الفتح وهو حديث ضعيف عند الحفاظ.
واستدلّ من أسقطها عنه في الجهرية، كالمالكية بحديث: فإذا
قرأ فأنصتوا. رواه مسلم، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين
الأمرين، فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام،
ويقرأ إذا سكت. وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في
الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا
ينصت إذا قرأ الإمام.
وقد ثبت الإذن بقراءة الفاتحة للمأموم في الجهرية بغير
قيد، فيما رواه المؤلّف في جزء القراءة، والترمذي وابن
حبان عن عبادة قال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال:
لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه
لا صلاة إلاّ بها.
ورواة حديث الباب ما بين بصري ومكّي، وفيه التحديث
والعنعنة والقول أخرجه مسلم في الصلاة أيضًا، وكذا أبو
داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
757 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ
فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ
فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى،
ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ
لَمْ تُصَلِّ (ثَلاَثًا). فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ،
فَعَلِّمْنِي: فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ
فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ
الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى
تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ
كُلِّهَا". [الحديث 757 - أطرافه 793، 6251، 6252، 6667].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد
المعجمة (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله)
بضم العين ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد،
وللأصيلي: حدَّثنا (سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما
(عن أبيه) أبي سعيد المقبري.
قال الدارقطني: خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في
هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه، ويحيى حافظ، فيشبه
أن يكون عبيد الله حدّث به على الوجهين.
قال الحافظ ابن حجر: ولكلٍّ من الروايتين وجه يرجح، فأما
رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى
فللكثرة، ولأن سعيدًا لم يوصف بالتدليس، وقد ثبت سماعه من
أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين، فأخرج البخاري
طريق يحيى هنا في باب: وجوب القراءة. وأخرج في: الاستئذان
طريق عبيد الله بن نمير، وفي: الإيمان والنذور طريق أبي
أسامة، كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه.
وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دخل
المسجد، فدخل رجل) هو خلاد بن رافع، جدّ علي بن يحيى بن
خلاد، (فصلّى) زاد في رواية داود
(2/86)
بن قيس عند النسائي: ركعتين (فسلم) وفي
رواية: ثم جاء فسلم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فرد) عليه الصلاة والسلام السلام (وقال) ولأبي
ذر، وابن عساكر: فقال:
(ارجع فصل)، ولابن عساكر: وصل (فإنك لم تصل) نفي للصحة
لأنها أقرب لنفي الحقيقة من نفي الكمال، فهو أولى المجازين
كما مر.
فإن قلت: التعبير بلم دون لما فيه لبس لأن لم محتملة
لاستمرار النفي نحو: {لم يلد ولم يولد} [الإخلاص: 3 - 4].
وانقطاعه نحو: {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:
1]. لأن المعنى أنه كان بعد ذلك شيئًا بخلاف لما، فإن
منفيها مستمر النفي إلى الحال وهو المراد هنا.
أجيب: بأنه لما دلت المشاهدة على أن عدم اعتداله كان،
واتصل بالحال، كان ذلك قرينة على أن لم وقعت موقع لما، فلا
لبس.
وفي رواية ابن عجلان: فقال: أعد صلاتك (فرجع يصلّي) بياء
المضارعة، على أن الجملة حال منتظرة مقدرة، ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر: فصلّى بالفاء (كما صلى) أولاً
(ثم جاء فسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(ارجع فصل فإنك لم تصل). (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (فقال)
بزيادة فاء، ولابن عساكر: قال: (والذي بعثك بالحق ما أحسن
غيره، فعلمني) واستشكل كونه عليه الصلاة والسلام تركه ثلاث
مرات يصلّي صلاة فاسدة.
وأجاب التوربشتي بأن الرجل لما رجع ولم يستكشف الحال من
مورد الوحي، كأنه اغترّ بما عنده من العدم، فسكت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تعليمه زجرًا له
وتأديبًا وإرشادًا إلى استكشاف ما استبهم عليه، فلما طلب
كشف الحال من مورده أرشده إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وللأصيلي وابن عساكر، قال:
(إذا قمت إلى الصلاة فكبر) أي تكبيرة الإحرام (ثم اقرأ ما)
وللكشميهني: بما (تيسر معك من القرآن) وفي حديث أبي داود،
في قصة المسيء صلاته، من رواية رفاعة بن رافع، رفعه: إذا
قمت وتوجهت، فكبر، ثم اقرأ بأُم القرآن وما شاء الله أن
تقرأ، ولأحمد وابن حبان: ثم اقرأ بأُم القرآن ثم اقرأ بما
شئت، (ثم اركع حتى تطمئن) حال كونك (راكعًا ثم ارفع حتى
تعتدل) حال كونك (قائمًا) وفي رواية ابن ماجة حتى تطمئن
قائمًا (ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا، ثم ارفع حتى
تطمئن) حال كونك (جالسًا) فيه دليل على إيجاب الاعتدال
والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في الركوع والسجود، فهو
حجة على أبي حنيفة رحمه الله في قوله، وليس عنه جواب صحيح.
(وافعل ذلك) المذكور من: التكبير، وقراءة ما تيسر، وهو
الفاتحة، أو ما تيسر من غيرها بعد قراءتها، والركوع،
والسجود، والجلوس (في صلاتك كلها) فرضًا ونفلاً.
وإنما لم يذكر له عليه الصلاة والسلام بقية الواجبات في
الصلاة: كالنيّة، والقعود في التشهّد الأخير، لأنه كان
معلومًا عنده، أو لعل الراوي اختصر ذلك.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في الصلاة والاستئذان، ومسلم وأبو داود في الصلاة،
وكذا النسائي والترمذي وابن ماجة.
96 - باب القراءَةِ في الظُّهرِ
(باب القراءة في) صلاة (الظهر).
758 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: "كُنْتُ
أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَتَىِ الْعَشِيِّ لاَ أَخْرِمُ
عَنْهَا: أَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي
الأُخْرَيَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: ذَلِكَ
الظَّنُّ بِكَ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
البصري (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري الواسطي
(عن عبد الملك بن عمير) الكوفي (عن جابر بن سمرة) بفتح
السين وضم الميم العامري، الصحابي ابن الصحابي: (قال: قال
سعد) لعمر بن الخطاب: (كنت)
ولابن عساكر: قد كنت (أصلي بهم صلاة رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلاتي العشي) تثنية صلاة.
والعشي بفتح العين وكسر الشين المعجمة، أي الظهر والعصر،
وهو وجه مطابقة الترجمة، ولابن عساكر: العشاء (لا أخرم) أي
لا أنقص (عنها) أي عن صلاته عليه الصلاة والسلام (كنت
أركد) أي أطول القيام (في) الركعتي (الأوليين وأحذف في)
الركعتي (الأخريين).
وليس المراد الترك بالكلية لأن الحذف من الشيء نقصه،
وللمستملي والحموي: وأخف، بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة،
وهو يقوي أن المراد في الترجمة ما بعد الفاتحة، لأن الحذف
لا يتصور فيها. واستفيد منه عدم سنية سورة بعد الفاتحة في
الثالثة والرابعة
(2/87)
وهذا هو الأظهر عند الشافعية.
قال الجلال المحلي: ومقابل الأظهر دليله الاتباع في حديث
مسلم، وهو في الظهر والعصر، ويقاس عليهما غيرهما، والسورة
على الثاني أقصر، كما اشتمل عليه الحديث. ثم في ترجيحهم
الأول تقديم النافي على دليل الثاني المثبت، عكس الراجح في
الأصول لما قام في ذلك عندهم انتهى.
وذلك لأن دليل النافي لقراءة السورة في الأخريين مقدم على
حديث إثباتها المذكور لكونه في رواية مسلم والأول من
روايتهما معًا.
(فقال) ولأبي ذر والأصيلي: قال (عمر) رضي الله عنه: (ذلك)
باللام، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ذاك (الظن
بك).
وهذا الحديث مر في الباب السابق، وهو هنا محذوف في رواية
غير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، ثابت في روايتهم
كما في الفرع وأصله، ولم يذكره في فتح الباري هنا.
759 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى
وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآيَةَ
أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى
مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ".
[الحديث 759 - أطرافه في: 762، 776، 778، 779].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
شيبان) بن عبد الرحمن (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله
بن أبي قتادة، عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي رضي الله
عنه (قال: كان النبي) ولأبي ذر: كان رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الركعتين الأوليين)
بمثناتين تحتيتين وضم الهمزة تثنية الأولى (من صلاة الظهر
بفاتحة الكتاب وسورتين) في كل ركعة سورة (يطول في) قراءة
الركعة (الأولى ويقصر في) قراءة الركعة (الثانية) لأن
النشاط في الأولى يكون أكثر، فناسب التخفيف في الثانية
حذرًا من الملل.
واستدلّ به على استحباب تطويل الأولى على الثانية، وجمع
بينه وبين حديث سعد السابق حيث قال: أركد في الأوليين، بأن
المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول.
واستفيد من هذا أفضلية قراءة سورة كاملة ولو قصرت، على
قراءة قدرها من طويلة. قال النووي وزاد البغوي: ولو قصرت
السورة عن المقروء.
(ويسمع الآية أحيانًا) أي في أحيان، جمع حين، وهو يدل على
تكرار ذلك منه. وللنسائي من حديث البراء: فنسمع منه الآية
من سورة لقمان، والذاريات، ولابن خزيمة {سبّح اسم ربك
الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}.
فإن قلت: العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلاّ
بسماع كلها، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية.
أجيب: باحتمال أن يكون مأخوذًا من سماع بعضها مع قيام
القرينة على قراءة باقيها، أو أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخبرهم عقب الصلاة دائمًا أو
غالبًا بقراءة السورتين. وهو بعيد جدًّا، قاله ابن دقيق
العيد رحمه الله.
(وكان) عليه الصلاة والسلام (يقرأ في) صلاة (العصر بفاتحة
الكتاب وسورتين) في كل ركعة سورة واحدة (وكان يطوّل) في
قراءة غير الفاتحة (في) الركعة (الأولى) منها، أي ويقصر
الثانية، (وكان يطول في) قراءة الركعة (الأولى من صلاة
الصبح، وبقصر في الثانية) ويقاس المغرب والعشاء عليها.
والسُّنّة عند الشافعية أن يقرأ في الصبح والظهر من طوال
المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساطه، وفي المغرب من قصاره
لأن الظهر وقت القيلولة، فطول ليدرك المتأخر، والعصر وقت
إتمام الأعمال فخفف، وأما المغرب فإنها تأتي عند إعياء
الناس من العمل وحاجتهم إلى العشاء، لا سيما الصوام.
ومحل سنية الطوال والأوساط إذا كان المصلي منفردًا، فإن
كان إمامًا وكان المأمومون محصورين، وآثروا التطويل، استحب
وإن لم يكونوا محصورين أو كانوا ولكن لم يؤثروا التطويل
فلا يسن. هكذا جزم به النووي في شرح المهذّب، فقال: هذا
الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل وأوساطه هو فيما إذا
آثر المأمومون المحصورون ذلك. وإلاّ خفف.
وجزم به أيضًا في التحقيق، وشرح مسلم، وقال الحنابلة: في
الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من
أوساطه.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا، وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
760 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي
عُمَارَةُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "سَأَلْنَا
خَبَّابًا أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قُلْنَا: بِأَىِّ شَىْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ:
قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ".
وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين، وللأصيلي حذف
لفظ: ابن حفص (قال: حدّثني أبي) حفص بن غياث (قال: حدّثنا
الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (عمارة)
بن عمير بضم العين فيهما (عن أبي معمر) بميمين مفتوحتين،
عبد الله
(2/88)
بن سخبرة الأسدي الكوفي (قال: سألنا
خبابًا) بفتح الخاء وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت،
بالمثناة الفوقية بعد الراء، رضي الله عنه (أكان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الظهر
والعصر؟ قال: نعم) كان يقرأ فيهما (قلنا) بنون الجمع،
وللحموي والمستملي: قلت (بأي شيء كنتم تعرفون؟ قال) ولأبي
ذر: تعرفون ذلك؟ قال: (باضطراب لحيته) بكسر اللام ومثناة
فوقية بعد التحتية، وللأصيلي لحييه بفتح اللام ومثناتين
تحتيتين.
فإن قلت إن اضطراب لحيته الشريفة المستدل به على قراءته
يحصل مثله أيضًا بالذكر والدعاء أيضًا، فما وجه تعيين
القراءة دونهما؟
أجيب بأنها تعينت بقرينة: والظاهر أنهم نظروه بالجهرية لأن
ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء، وإذا
انضم إلى ذلك قول أبي قتادة: كان يسمعنا الآية أحيانًا قوي
الاستدلال.
97 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ
(باب القراءة في) صلاة (العصر).
761 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "قُلْتُ لِخَبَّابِ
بْنِ الأَرَتِّ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ بِأَىِّ شَىْءٍ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ
لِحْيَتِهِ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي، بكسر
الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الكاف وسكون النون
(قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران
(عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (قال:
قلت) وللكشميهني والأصيلي: قلنا (لخباب بن الأرت) بفتح
الهمزة والراء وتشديد المثناة الفوقة (أكان النبي-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة الاستفهام على سبيل
الاستخبار (يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم) كان يقرأ
فيهما (قال: قلت: بأي شيء كنتم تعلمون) أي تعرفون، لأنه
متعدٍّ لمفعول (قراءته) عليه الصلاة والسلام؟ (قال): أي
خباب (باضطراب لحيته) الكريمة، وفي اليونينية رقم على
قوله: قال نعم، علامة السقوط لابن عساكر.
762 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا
الآيَةَ أَحْيَانًا".
وبه قال: (حدّثنا المكي) بالتعريف، ولأبي ذر والأصيلي: مكي
(بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد التيمي الحنظلي البلخي (عن
هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد
الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي (قال:
كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في
الركعتين) الأوليين (من الظهر والعصر) أي من كلٍّ منهما
(بفاتحة الكتاب وسورة سورة) بالخفض عطفًا على سابقه،
وبالتكرير لأنه موزع على الركعات، يعني يقرأ في كل ركعة من
ركعتيهما سورة بعد الفاتحة، (ويسمعنا الآية أحيانًا).
98 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ
(باب القراءة في) صلاة (المغرب).
763 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أُمَّ
الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلاَتِ
عُرْفًا} فَقَالَتْ: يَا بُنَىَّ، وَاللَّهِ لَقَدْ
ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا
لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ".
[الحديث 763 - طرفه في: 4429].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أبي الأصبحي (عن ابن شهاب) الزهري (عن
عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس
رضي الله عنهما أنه قال: إن) أمه (أم الفضل) لبابة بنت
الحرث، زوج العباس، أخت ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سمعته وهو) أي ابن عباس (يقرأ
{والمرسلات عرفًا}) والجملة حالية، وفيه التفات من الحاضر
إلى الغائب، لأن القياس أن يقول: سمعتني وأنا أقرأ
{والمرسلات عرفًا} (فقالت: يا بني) بضم الموحدة مصغرًا
(والله لقد) ولأبي ذر والأصيلي: يا بني لقد (ذكرتني)
بتشديد الكاف شيئًا نسيته (بقراءتك) وفي نسخة: بقرآنك بضم
القاف وبالنون (هذه السورة) منصوب بقوله: بقراءة عند
البصريين، أو بذكرتني عند الكوفيين، (إنها) أي السورة
(لآخر ما سمعت) بحذف ضمير المفعول، ولابن عساكر: ما سمعته
(من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال
كونه (يقرأ بها في) صلاة (المغرب) أي في بيته كما رواه
النسائي.
وأمّا ما في حديث عائشة أنها الظهر، فكانت في المسجد.
وأجيب عن قول أم الفضل عند الترمذي: خرج إلينا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عاصب رأسه،
بالحمل على أنه خرج إليهم من المكان الذي كان راقدًا فيه
إلى الحاضرين في البيت، فصلّى بهم فيه.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي، ومسلم في
الصلاة، وكذا أبو داود وابن ماجة.
764 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: "قَالَ لِي زَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ
بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِطُولى الطُّولَيَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (أبو عاصم)
النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك (عن ابن أبي مليكة) بضم
الميم وفتح اللام زهير بن عبد الله المكي الأحول (عن عروة
بن الزبير) بن العوّام (عن مروان بن الحكم) المدني الأموي
(قال:
(2/89)
قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب
بقصار) بتنوين العوض عن المضاف إليه، أي بقصار المفصل،
وللكشميهني: بقصار المفصل، ولأبي ذر: يعني المفصل، وهو
استفهام على سبيل الإنكار، وكان مروان حينئذٍ أميرًا على
المدينة من قبل معاوية، وللنسائي بقصار السور (وقد سمعت)
بضم التاء، وفي بعضها بفتحها (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بطولى الطوليين؟) أي بأطول
السورتين الطويلتين، وطولى تأنيث أطول، والطوليين بمثناتين
تحتيتين تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر، وعزاها في الفرع
لأبي الوقت والأصيلي، وفي رواية كريمة: بطول الطوليين، بضم
الطاء وسكون الواو وباللام فقط.
ووجهه البرماوي كالكرماني بأنه أطلق المصدر، وأراد الوصف.
أي كان يقرأ بمقدار طول الطوليين اللتين هما البقرة
والنساء أو الأعراف.
وتعقبه في فتح الباري بأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر
السورتين، وليس هو المراد، ولم يقع تفسير السورتين في
رواية البخاري.
وفي رواية أبي الأسود، عن عروة، عن زيد بن ثابت، عند
النسائي بأطول الطوليين: المص، ولأبي داود: فقلت وما طولى
الطوليين؟ قال: الأعراف. لكن بيَّن النسائي في رواية له أن
التفسير من قول عروة، وزاد أبو داود قال: يعني ابن جريح،
وسألت أنا اين أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه: المائدة
والأعراف، وعند الجوزقي مثله، إلاّ أنه قال: الأنعام بدل
المائدة، وعند الطبراني وأبي نعيم في مستخرجه بدل الأنعام،
يونس.
وفي تفسير الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ فيها: الأنعام، ولم
يرد البقرة. وإلا لقال: طولى الطول. فدلّ على أنه أراد
الأطول من بعد البقرة وذلك هو الأعراف، وتعقب بأن النساء
هي الأطول بعدها.
وأجيب بأن عدد آيات الأعراف أكثر من عدد النساء وغيرها من
السبع بعد البقرة، وإن كان كلمات النساء تزيد على كلمات
الأعراف.
وقد جنح ابن المنير إلى أن تسمية الأعراف والأنعام
بالطوليين، إنما هو لعرف فيهما، لا أنهما أطول من غيرهما،
وجمع ابن المنير بين الآثار المختلفة في إطالة القراءة في
المغرب وتخفيفها، بأن تحمل الإطالة على الندرة تنبيهًا على
المشروعية، ويحمل التخفيف على العادة تنبيهًا على الأولى،
قال: ولذلك قال في الإطالة: سمعته يقرأ، وفي التخفيف كان
يقرأ انتهى.
وتعقبه في فتح الباري بأنه غفل عمّا في رواية البيهقي من
طريق أبي عاصم شيخ المؤلّف فيه بلفظ: لقد كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ، ومثله في رواية
حجاج بن محمد عن ابن جريج عند الإسماعيلي.
واستنبط من الحديث امتداد وقت المغرب إلى غيبوبة الشفق
الأحمر، واستشكل بأنه إذا قرأ الأعراف يدخل وقت العشاء قبل
الفراغ.
وأجيب بجوابين.
أحدهما: أنه لا يمتنع إذا أوقع ركعة في الوقت، وتعقب بأن
إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع، ولو أجزأت فلا يحمل ما
ثبت عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك.
الثاني: أنه يحتمل أنه أراد بالسورة بعضها. وليس الحديث
نصًّا في أنه أتم السورة كذا.
قاله البرماوي والأبي، وفيه نظر، لأنه لو كان قرأ بشيء
منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان لإنكار زيد
معنى.
وروى حديث زيد هشام بن عروة عن أبيه، عنه كما عند ابن
خزيمة، أنه قال لمروان: إنك تخفف القراءة في الركعتين من
المغرب، فوالله لقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين
جميعًا.
وما ذكره البرماوي من اشتراط إيقاع الركعة في الوقت هو
الذي عليه الأسنوي والأذرعي وابن المقري.
وتعقب بإطلاق الشيخين الرافعي والنووي، كغيرهما عدم
العصيان، ولم يقيداه بما إذا أتى بركعة في الوقت.
وكذا أجاب البغوي في فتاويه بالإطلاق، وجعل التقييد
بالإتيان بركعة احتمالاً، فليعتمد الإطلاق. وظاهر كلام
الخادم اعتماده، انتهى.
والمستحب القراءة في المغرب بقصار المفصل، وهو مذهب أبي
حنيفة، وصاحبيه، ومالك، وأحمد، وإسحاق. ويؤيده حديث رافع
السابق، في المواقيت: إنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب.
فإنه يدل على تخفيف القراءة فيها.
وعند ابن ماجة بسند صحيح، عن ابن عمر: كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في المغرب {قل
يا أيها الكافرون}
(2/90)
و {قل هو الله أحد} وكان الحسن يقرأ فيها
بـ {إذا زلزلت} {والعاديات} ولا يدعهما.
ورواة حديث الباب الستة ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي في
الصلاة.
99 - باب الْجَهْرِ فِي الْمَغْرِبِ
(باب) حكم (الجهر) بالقراءة (في) صلاة (الغرب).
765 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
"سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ". [الحديث
765 - أطرافه في: 3050، 4023، 4854].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي المصري (قال:
أخبرنا مالك) الإمام إمام الأئمة الأصبحي (عن ابن شهاب)
الزهري (عن محمد بن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين،
وقد وقع التصريح بالتحديث من طريق سفيان عن الزهري (عن
أبيه) جبير بن مطعم بن عدي (قال: سمعت رسول الله) ولأبي
ذر: سمعت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ)
ولابن عساكر: يقرأ (في) صلاة (المغرب بالطور) أي بسورة
الطور كلها.
وقول ابن الجوزي يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله
تعالى: {عينًا يشرب بها عباد الله} يعني فيكون المراد أنه
عليه الصلاة والسلام، قرأ بعض سورة الطور.
واستدلال الطحاوي لذلك بما رواه من طريق هشيم، عن الزهري،
في حديث جبير بقوله فسمعته يقول: {إن عذاب ربك لواقع} قال:
فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هي هذه الآية خاصة،
معارض بما عند المؤلّف في التفسير، حيث قال: سمعته يقرأ في
المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء
أم هم الخالقون} الآيات إلى قوله {المسيطرون} كاد قلبي
يطير.
وفي رواية أسامة، ومحمد بن عمرو وسمعته يقرأ {والطور وكتاب
مسطور} وزاد ابن سعد في رواية: فاستمعت قراءته حتى خرجت من
المسجد، على أن رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة، وقد
كان سماع جبير لقراءته عليه الصلاة والسلام لما جاء في
أسارى بدر كما عند المؤلّف في الجهاد، وكان ذلك أوّل ما
وقر الإسلام في قلبه، كما في المغازي عند المصنف أيضًا.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة والقول والسماع، وأخرجه أيضًا في الجهاد
والتفسير، ومسلم وأبو داود في الصلاة، وكذا النسائي فيها
وفي التفسير، وابن ماجة فيه.
100 - باب الْجَهْرِ فِي الْعِشَاءِ
(باب الجهر) بالقراءة (في) صلاة (العشاء).
766 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ
قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ
فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ،
فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَزَالُ
أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ". [الحديث 766 - أطرافه
في: 768، 1074، 1078].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا
معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان (عن بكر) بسكون الكاف، ابن
عبد الله المزني (عن أبي رافع) بالفاء والعين المهملة،
نفيع الصائغ (قال: صلّيت مع أبي هريرة) رضي الله عنه
(العتمة) أي صلاة العشاء (فقرأ) فيها بعد الفاتحة ({إذا
السماء انشقت}) [الانشقاق: 1] (فسجد) أي عند محل السجود
منها سجدة (فقلت له) أي: سألته عن حكم السجدة (قال: سجدت)
زاد في الرواية الآتية في الباب التالي لهذا: بها، وفي
رواية هناك بدل بها: فيها (خلف أبي القاسم) رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الصلاة (فلا
أزال أسجد بها) أي بالسجدة، أو الباء ظرفية، أي فيها يعني
السورة {إذا السماء انشقت} (حتى ألقاه) أي حتى موت.
فإن قلت: قوله فلا أزال أسجد بها، أعم من أن يكون داخل
الصلاة، أو خارجها فلا حجة فيه على الإمام مالك، حيث قال:
لا سجدة فيها. وحيث كره في المشهور عنه السجدة في الفريضة،
لأنه ليس مرفوعًا.
أجيب بأن المكابرة في رفعه مكابرة في المحسوس، إذ كونه
مرفوعًا غير خافٍ، ويدل له أيضًا ما أخرجه ابن خزيمة من
رواية أبي الأشعث عن معتمر بهذا الإسناد: صليت خلف أبي
القاسم فسجد بها، وما أخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن
هارون، عن سليمان التيمي، بلفظ: صليت مع أبي القاسم فسجد
فيها. فهو حجة على مالك رحمه الله مطلقًا.
ورواة هذا الحديث الستة أربعة منهم بصريون، وأبو رافع
مدني، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، والتحديث
والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في سجود القرآن،
ومسلم وأبو داود والنسائي في الصلاة.
767 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي
سَفَرٍ، فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى
الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ". [الحديث 767
- أطرافه في: 769، 4952، 7546].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
(قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) هو ابن ثابت
الأنصاري (قال: سمعت البراء) بن عازب رضي الله عنه (أن
النبى) وللأصيلي: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان في سفر، فقرأ في) صلاة (العشاء، في إحدى
الركعتين) في رواية النسائي في الركعة الأولى ({بالتين
والزيتون}) وفي الرواية الآتية:
(2/91)
والتين، على الحكاية، وإنما قرأ عليه
الصلاة والسلام في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرًا،
والسفر يطلب فيه التخفيف لأنه مظنة المشقة، وحينئذٍ فيحمل
حديث أبي هريرة السابق على الحضر، فلذا قرأ فيها بأوساط
المفصل.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والقول والسماع، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في التفسير، والتوحيد، والخمسة في الصلاة.
101 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِالسَّجْدَةِ
هذا (باب القراءة في) صلاة (العشاء بالسجدة) أي بالسورة
التي فيها سجدة التلاوة.
768 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ بَكْرٍ
عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي
هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ:
سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى
أَلْقَاهُ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر في نسخة: حدّثني، بالإفراد
(مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) تصغير زرع
(قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر: حدّثنا (التيمي) سليمان بن طرخان (عن بكر) بسكون
الكاف، ابن عبد الله المزني (عن أبي رافع) نفيع الصائغ
(قال: صليت مع أبي هريرة) رضي الله عنه (العتمة فقرأ) فيها
بسورة ({إذا السماء انشقت} فسجد، فقلت) له: (ما هذه)
السجدة؟ (قال: سجدت بها) ولأبوي ذر والوقت: فيها (خلف أبي
القاسم، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في
الصلاة (فلا أزال أسجد بها) وفي رواية لأبوى ذر والوقت
وابن عساكر: فيها (حتى ألقاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وهو كناية عن الموت.
102 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ
هذا (باب القراءة في) صلاة (العشاء).
769 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا
مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ
الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ:
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فِي الْعِشَاءِ، وَمَا
سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ
قِرَاءَةً".
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي،
المتوفى بمكة قريبًا من سنة ثلاث عشرة ومائتين، (قال:
حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة، ابن كدام الكوفي
(قال: حدّثنا عدي بن ثابت) بالمثلثة، ونسبه هنا لأبيه
بخلاف الرواية السابقة (سمع) ولأبي الوقت: أنه سمع (البراء
رضي الله عنه، قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقرأ) ({والتين}) بالواو على الحكاية، وفي
رواية لأبي ذر: بالتين ({والزيتون} في) صلاة (العشاء)
ولأبي ذر في نسخة: يقرأ في العشاء (بالتين والزيتون) (وما
سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه أو) أحسن (قراءة) منه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شك الراوي.
وإنما كرر هذا الحديث لتضمنه ما ترجم له، ولاختلاف بعض
الرواة فيه، ولما فيه من زيادة قوله: وما سمعت أحدًا، إلخ
...
شيخ البخاري فيه من أفراده، وتأتي بقية مباحثه في آخر
التوحيد، إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته.
103 - باب يُطَوِّلُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَيَحْذِفُ فِي
الأُخْرَيَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (يطوّل) المصلي (في) الركعتين
(الأوليين) من العشاء، (ويحذف) يترك القراءة (في) الركعتين
(الأخريين) منها.
770 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ:
لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى الصَّلاَةِ.
قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الأُولَيَيْنِ
وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلاَ آلُو مَا
اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ صَدَقْتَ، ذَاكَ
الظَّنُّ بِكَ، أَوْ ظَنِّي بِكَ".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن أبي عون)، وللأصيلي زيادة: محمد بن عبد الله
الثقفي (قال: سمعت جابر بن سمرة، قال: قال عمر) بن الخطاب
(لسعد) أي، ابن أبي وقاص: (لقد) باللام، ولأبي الوقت
والأصيلي: قد (شكوك في كل شيء حتى الصلاة) بالجرّ في الفرع
وأصله.
قال الزركشي: لأن حتى جارّة، وتعقبه البدر الدماميني بأن
الجارّة تكون بمعنى إلى وليست هنا كذلك، وإنما هي عاطفة.
وللأصيلي: حتى في الصلاة بإعادة حرف الجر، وضبطها العيني
بالرفع
على أن حتى هنا غاية لا قبلها بزيادة، كما في قولهم: مات
الناس حتى الأنبياء والمعنى: حتى الصلاة شكوك فيها، فيكون
ارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف.
(قال) سعد: (أما أنا فأمد) بضم الميم أي أطوّل القراءة
(في) الركعتين (الأوليين، وأحذف) القراءة (في) الركعتين
(الأخريين ولا آلو) بمدّ الهمزة وضم اللام، أي لا أقصر (ما
اقتديت به من صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. قال) عمر: (صدقت، ذاك الظن بك، أو) قال: (ظني
بك) شك الراوي.
وهذا الحديث قد سبق في باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم
مطوّلاً، وأخرجه هنا لغرض الترجمة مع ما بينهما من الزيادة
والنقص، واختلاف رواة الإسناد.
104 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالطُّورِ.
(باب القراءة في) صلاة (الفجر).
(وقالت أم سلمة) مما وصله المؤلّف في الحج: طفت وراء
الناس، (قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالطور) لكن ليس فيه تعيين صلاة الصبح.
(2/92)
نعم، روى المؤلّف الحديث من طريق يحيى بن
أبي زكريا الغساني، عن هشام بن عروة عن أبيه، أن أم سلمة
شكت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني
أشتكي الحديث، وفيه فقال: إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي.
وأما حديث ابن خزيمة وهو يقرأ في العشاء فشاذ.
771 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلاَمَةَ قَالَ: "دَخَلْتُ
أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ،
فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ: كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي
الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ
وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ
وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي
الْمَغْرِبِ. وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى
ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا
وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَيُصَلِّي الصُّبْحَ
فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ. وَكَانَ
يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا
بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس: (قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (قال: حدّثنا سيار بن سلامة) زاد الأصيلي: هو ابن
المنهال (قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة) بفتح الموحدة،
نضلة بن عبيد (الأسلمي، فسألناه عن وقت الصلوات)
المكتوبات، ولأبي ذر والأصيلي: عن وقت الصلاة، بالإفراد
(فقال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يصلّي الظهر حين تزول الشمس و) يصلّي (العصر، ويرجع الرجل
إلى أقصى) آخر (المدينة والشمس حيّة) أي باقٍ حرّها لم
تتغير، قال أبو النهال: (ونسيت ما قال) أبو برزة (في
المغرب، ولا يبالي) عليه الصلاة والسلام (بتأخير العشاء
إلى ثلث الليل) عطف على قوله:
يصلّي، كقوله (ولا يحب النوم قبلها، ولا الحديث بعدها)، أي
العشاء، (ويصلّي الصبح فينصرف) وللأصيلي وأبي ذر: وينصرف
(الرجل فيعرف جليسه) أي مجالسه (وكان يقرأ في الركعتين)
اللتين هما الصبح (أو) في (إحداهما ما بين الستين إلى
المائة) من آيات القرآن.
قال الحافظ ابن حجر: وهذه الزيادة تفرد بها شعبة عن أبي
المنهال، والشك فيها منه، وقدّرها في رواية الطبراني
بالحاقة ونحوها.
وفي رواية لمسلم أنه عليه الصلاة والسلام: قرأ فيها
بالصافات، وللحاكم: بالواقعة، وللسراج بسند صحيح: بأقصر
سورتين في القرآن. وهذا الاختلاف وغيره بحسب اختلاف
الأحوال.
وقد أشار البرماوي، كالكرماني، إلى أن القياس أن يقول: ما
بين الستين والمائة، لأن لفظة بين تقتضي الدخول على متعدد،
ويحتمل أن يكون التقدير: ويقرأ ما بين الستين وفوقها، فحذف
لفظ: فوقها لدلالة الكلام عديه.
772 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "فِي كُلِّ صَلاَةٍ
يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا
أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ. وَإِنْ لَمْ تَزِدْ
عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ
خَيْرٌ".
وبه قال:
(2/93)
(حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
إسماعيل بن إبراهيم) بن علية (قال: أخبرنا ابن جريج) بضم
الجيم الأولى، عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو
ابن أبي رباح (أنّه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: في
كل صلاة يقرأ) القرآن وجوبًا، سواء كان سرًا أو جهرًا،
ويقرأ بالبناء للمفعول.
وللأصيلي وابن عساكر: نقرأ بالنون المفتوحة مبنيًّا
للفاعل، أي نحن نقرأ، كذا هو موقوف، لكن روي مرفوعًا عند
مسلم من رواية أبي أسامة عن حبيب بن الشهيد، بلفظ: لا صلاة
إلا بقراءة. إلا أن الدارقطني أنكره على مسلم وقال: إن
المحفوظ عن أبي أسامة وقفه كما رواه أصحاب ابن جريج.
وكذا رواه أحمد عن يحيى القطان وأبي عبيد الحداد، كلاهما
عن حبيب المذكور، موقوفًا.
وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن ابن جريج،
كرواية الجماعة، لكن زاد في آخره: وسمعته يقول: لا صلاة
إلاّ بفاتحة الكتاب، فظاهره أن ضمير سمعته للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيكون مرفوعًا بخلاف رواية
الجماعة.
نعم، قوله: (فما أسمَعَنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم)
يشعر بأن جميع ما ذكر متلقى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيكون للجميع حكم الرفع. وسقط لفظ
عنكم للأربعة، وزاد مسلم في روايته عن أبي خيثمة وغيره من
إسماعيل: فقال له الرجل: وإن لم أزد؟ قال: (وإن لم تزد
على أم القرآن أجزأت) من الإجزاء. وهو الأداء الكافي،
لسقوط التعبد. وللقابسي: جزت بغير همز ومفهومه أن الصلاة
بغير الفاتحة لا تجزئ، فهو حجة على الحنفية. (وإن زدت)
عليها (فهو خير) لك.
ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإخبار والسماع
والقول، وأخرجه مسلم، وقد تكلم يحيى بن معين في حديث
إسماعيل بن علية عن ابن جريج خاصة، لكن تابعه عليه جماعة،
فقوي والله المعين.
105 - باب الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ.
(باب الجهر بقراءة صلاة الفجر) ولأبي ذر: صلاة الصبح.
(وقالت أم سلمة) مما وصله المؤلّف في الحج: (طفت) بالكعبة
(وراء الناس، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يصلّي) أي الصبح (ويقرأ بالطور) وللأصيلي وابن عساكر:
يقرأ، بغير واو.
773 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "انْطَلَقَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ
عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ
خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ،
فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا
لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ
السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا:
مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ
شَىْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ
وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْصَرَفَ
أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ
بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ
يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا
سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا
وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ
السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ
وَقَالُوا: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا
عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ
نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ
أُوحِيَ إِلَىَّ} وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ
الْجِنِّ". [الحديث 773 - طرفه في: 4921].
وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا أبو
عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة
الساكنة، ولأبي ذر والأصيلي: هو جعفر بن أبي وحشية، كذا في
الفرع، واسم أبي وحشية إياس (عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس) وللأصيلي، عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما،
قال: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
قبل الهجرة بثلاث سنين (في طائفة) ما فوق الواحد (من
أصحابه) حال كونهم (عامدين) أي قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم
المهملة وتخفيف الكاف آخره
معجمة، بالصرف وعدمه كما في الفرع وأصله، قال السفاقسي: هو
من إضافة الشيء إلى نفسه، لأن عكاظ اسم سوق للعرب بناحية
مكة، قال في المصابيح: لعل العلم هو مجموع قولنا: سوق
عكاظ، كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا: عكاظ فعلى
الحذف، كقولهم: رمضان (وقد حيل) أي حجز (بين الشياطين وبين
خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب) بضم الهاء جمع شهب، وهو
شعلة نار ساطعة ككوكب ينقض (فرجعت الشياطين إلى قومهم،
فقالوا: ما لكم؟، فقالوا) بالفاء، ولغير أبي ذر: قالوا:
(حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب قالوا) أي
الشياطين: (ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث،
فاضربوا) أي سيروا (مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما،
فالنصب على الظرفية (فانظروا) وللأصيلي وابن عساكر:
وانظروا (ما هذا الذي) بإثبات اسم الإشارة، ولابن عساكر:
ما الذي (حال بينكم وبين خبر السماء) ولغير ابن عساكر:
حيل، لكنه في اليونينية ضبب عليها وشطب (فانصرف أولئك)
الشياطين (الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر التاء، مكة.
وكانوا من جنّ نصيبين (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وهو بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة،
غير منصرف للعلمية، والتأنيث موضع على ليلة من مكة، حال
كونهم (عامدين إلى سوق عكاظ، وهو) عليه الصلاة والسلام
(يصلّي صلاة الفجر) الصبح (فلما سمعوا القرآن استمعوا له)
أي قصدوه وأصغوا إليه، وهو ظاهر في الجهر المترجم له
(فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء،
فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، وقالوا) بالواو، وفي رواية
قالوا: وهو العامل في ظرف المكان ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر: فقالوا: بالفاء، وحينئذٍ فالعامل في
الظرف: رجعوا، مقدّرًا يفسره المذكور ({يا قومنا إنّا
سمعنا قرآنًا عجبًا}) بديعًا مباينًا لسائر الكتب من حسن
نظمه، وصحة معانيه، وهو مصدر وصف به للمبالغة ({يهدي إلى
الرشد}) يدعو إلى الصواب ({فآمنا به}) أي بالقرآن ({ولن
نشرك بربنا أحدا}) [الجن: 201] فأنزل الله تعالى على نبيه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({قل أوحي إليّ})
زاد الأصيلي: {أنه استمع نفر من الجن} (وإنما أوحي إليه
قول الجن).
وأراد بقول الجن الذي قصه ومفهومه: أنّ الحيلولة بين
الشياطين وخبر السماء حدثت بعد نبوّة نبينا محمد -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولذلك أنكرته الشياطين،
وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت
الكهانة فاشية في العرب، حتى قطع بينهم وبين خبر السماء،
فكان رميها من دلائل النبوّة.
لكن في مسلم ما يعارض ذلك، فمن ثمة وقع الاختلاف، فقيل: لم
تزل الشهب منذ كانت الدنيا، وقيل: كانت قليلة فغلظ أمرها
وكثرت بعد البعث.
وذكر المفسرون أن حراسة السماء والرمي بالشهب كان موجودًا،
لكن عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض، أو إرسال
رسول إليهم، وقيل كانت الشهب مرئية معلومة، ولكن رمي
الشياطين بها وإحراقهم لم يكن إلا بعد النبوّة.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
التفسير، ومسلم في الصلاة، والترمذي والنسائي في التفسير،
وهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس لم يرفعه ولا هو مدرك
للقصة.
774 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا أُمِرَ، وَسَكَتَ
فِيمَا أُمِرَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) بن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل)
بن علية (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن
عباس (عن ابن عباس) رضي الله
(2/94)
عنهما (قال: قرأ) أي: جهر (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما أُمِرَ)، أي أسرَّ (فيما
أمر) بضم الهمزة فيهما، والآمر الله تعالى. لا يقال معنى
سكت: ترك القراءة، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يزال
إمامًا، فلا بدّ من القراءة سرًّا أو جهرًا ({وما كان ربك
نسيًّا}) حيث لم ينزل في بيان أفعال الصلاة قرآنًا يتلى،
وإنما وكّل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الذي شرع لنا الاقتداء به، وأوجب
علينا اتباعه في أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب
({ولقد}) ولغير أبوي الوقت وذر الأصيلي وابن عساكر: لقد
({كان لكم في رسول الله أُسوة}) بضم الهمزة وكسرها، أي:
قدوة ({حسنة}) فتجهروا فيما جهر، وتسروا فيما أسر. ورواة
هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وهو من أفراده. 106 - باب الْجَمْعِ
بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ
وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ، وَبِسُورَةٍ قَبْلَ
سُورَةٍ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُؤْمِنُونَ فِي
الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ
أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ".
وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِمِائَةٍ
وَعِشْرِينَ آيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ
بِسُورَةٍ مِنَ الْمَثَانِي.
وَقَرَأَ الأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُولَى وَفِي
الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ
صَلَّى مَعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- الصُّبْحَ بِهِمَا.
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ
الأَنْفَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ
الْمُفَصَّلِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ -فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً
فِي رَكْعَتَيْنِ، أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي
رَكْعَتَيْنِ-: كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ.
(باب) حكم (الجمع بين السورتين في الركعة) الواحدة من
الصلاة، ولابن عساكر وأبي ذر: في ركعة (و) حكم (القراءة
بالخواتيم) بالمثناة التحتية بعد الفوقية، ولأبي ذر
والأصيلي: بالخواتم، أي أواخر السور، (و) القراءة (بسورة).
بموحدة، أوّله، ولابن عساكر: وسورة (قبل سورة) مخالفًا
ترتيب المصحف العثماني (و) القراءة (بأوّل سورة).
(ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (عن عبد الله بن
السائب) بن أبي السائب، مما وصله مسلم من طريق ابن جريج:
(قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
{المؤمنون}) بالواو على الحكاية، ولأبي ذر: المؤمنين
وللأصيلي {قد أفلح المؤمنون} (في) صلاة (الصبح) بمكة. (حتى
إذا جاء ذكر موسى وهارون) أيّ قوله تعالى: {ثم أرسلنا موسى
وأخاه هارون} (أو ذكر عيسى) أي {وجعلنا ابن مريم وأمه آية}
(أخذته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سعلة) بفتح
السين وقد تضم، ولابن ماجة: فلما بلغ ذكر عيسى وأمه أخذته
سعلة، أو قال: شهقة وفي رواية: شرقة (فركع).
قيل فيه جواز قطع القراءة، وجواز القراءة ببعض السورة، وهو
يردّ على مالك حيث كره ذلك.
وأجيب: بأن الذي كرهه مالك هو أن يقتصر على بعض السورة
مختارًا، والمستدل به هنا ظاهر في أنه كان للضرورة، فلا
يرد عليه. نعم، الكراهية لا تثبت إلا بدليل، وأدلة الجواز
كثيرة، منها حديث زيد بن ثابت: أنه في قرأ الأعراف في
الركعتين، ولم يذكر ضرورة.
(وقرأ عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (في الركعة الأولى) من
الصبح (بمائة وعشرين آية من البقرة، وفي) الركعة (الثانية
بسورة من المثاني) وهو ما يبلغ مائة آية، أو لم يبلغها، أو
ما عدا السبع الطوال إلى المفصل، سمي مثاني لأنها ثنت
السبع، أو لكونها قصرت عن المئين وزادت على المفصل، أو
ولأن المئتين جعلت مبادي والتي تليها مثاني، ثم الفصل.
وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة لكن بلفظ: يقرأ في الصبح
بمائة من البقرة، ويتبعها بسورة من المثاني.
(وقرأ الأحنف) بالمهملة، ابن قيس بن معد يكرب الكندي
الصحابي، رضي الله عنه، في صلاة الصبح (بالكهف في) الركعة
(الأولى، وفي الثانية بيوسف أو يونس) شك الراوي (وذكر)
الأحنف (أنه صلّى مع عمر رضي الله عنه) أي وراءه (الصبح)
فقرأ (بهما) أي بالكهف في الأولى، وبإحدى السورتين في
الثانية.
وهذا مكروه عند الحنفية، لأن رعاية ترتيب المصحف العثماني
مستحبة، وقيل مكروه في الفرائض دون النوافل.
وهذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج، وقال في الثانية
يونس ولم يشك.
(وقرأ ابن مسعود) عبد الله، فيما وصله عبد الرزاق (بأربعين
آية من الأنفال) في الركعة الأولى، ولفظ سعيد بن منصور، من
وجه آخر: فافتتح الأنفال حتى بلغ {ونعم النصير} وهو رأس
الأربعين آية، (وفي) الركعة (الثانية بسورة من المفصل) من
سورة القتال، أو الفتح، أو الحجرات، أو ق، إلى آخر القرآن.
(وقال قتادة) مما وصله عبد الرزاق (فيمن يقرأ سورة واحدة)
ولأبي ذر: بسورة واحدة يفرّقها (في ركعتين) وللأصيلي: في
الركعتين، (أو يردّد) أي يكرر (سورة واحدة في ركعتين) بأن
يقرأ في الثانية بعين السورة التي قرأها في الأولى،
فالتكرير أخف من قسم السورة في ركعتين، قاله ابن المنير.
قال في فتح الباري: وسبب
(2/95)
الكراهة فيما يظهر أن السورة يرتبط بعضها
ببعض، فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة،
فإنه إن انقطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة، وإن وقف
في تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى. اهـ.
واستنبط جواز جميع ما ذكره في الترجمة من قول قتادة: (كل)
أي كل ذلك (كتاب الله) عز وجل. فعلى أي وجه يقرأ لا كراهة
فيه.
ويؤيد الصورة الأولى من قول قتادة قراءته عليه الصلاة
والسلام في المغرب: بآل عمران، فرّقها في ركعتين رواه
النسائي.
والثاني حديث معاذ بن عبد الله الجهني: أن رجلاً من جهينة
أخبره، أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
يقرأ في الصبح {إذا زلزلت} في الركعتين كلتيهما، فلا أدري
أنسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أم
قرأ ذلك
عمدًا. ولم يذكر المؤلّف في الترجمة ترديد السورة.
774 م - وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ
أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا
افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ
مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً
أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ
تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا
تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ
تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ
بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ
أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ
كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ
أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ
-فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ
مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ
أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ
السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي
أُحِبُّهَا. فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ
الْجَنَّةَ» ".
(وقال عبيد الله) بضم العين مصغرًا، ابن عمر بن حفص بن
عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، مما وصله الترمذي والبزار
عن المؤلّف، عن إسماعيل بن أبي أويس، عنه (عن ثابت)
البناني (عن أنس) ولأبي ذر والأصيلي كما في الفرع وأصله
زيادة: ابن مالك: (كان رجل من الأنصار) اسمه كلثوم بضم
الكاف، ابن هدم، بكسر الهاء وسكون الدال، (يؤمهم في مسجد
قباء، وكان) بالواو، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر: فكان (كلما افتتح سورة) ولأبي ذر والأصيلي: بسورة،
بموحدة في الأوّل (يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به)
بالضم مبنيًا للمفعول، أي: في الصلوات التي يقرأ فيها
جهرًا، ولابن عساكر: مما يقرأ بها وجواب كلما قوله:
(افتتح) بعد الفاتحة (بـ {قل هو الله أحد} حتى يفرغ منها)
أي: إذا أراد الافتتاح وإلاّ فهو إذا افتتح سورة لا يكون
مفتتحًا بغيرها، (ثم يقرأ سورة) ولأبي ذر: بسورة (أخرى
معها) أي مع {قل هو الله أحد} (وكان يصنع ذلك) الذي ذكر من
الافتتاح بالإخلاص، ثم بسورة معها (في كل ركعة، فكلمة
أصحابه) لأن فعله ذلك بخلاف ما يعهدونه، (فقالوا) بالفاء،
ولأبوي ذر والوقت: وقالوا: (إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا
ترى أنها تجزئك) بضم أوّله مع الهمز، كما في الفرع وأصله،
من الإجزاء. ويروى: تجزيك بفتحة من جزى، أي لا ترى أنها
تكفيك، (حتى تقرأ بأخرى) ولأبي ذر والأصيلي: بالأخرى (فإما
أن تقرأ بها) ولغير أبي ذر: فإما تقرأ بها (وإما أن تدعها)
تتركها (وتقرأ بأخرى) غير {قل هو الله أحد} (فقال) الرجل
(ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم
تركتكم. وكانوا يرون أنه) وللأصيلي: يرونه (من أفضلهم،
وكرهوا أن يؤمهم غيره) لكونه من أفضلهم، أو لكونه عليه
الصلاة والسلام هو الذي قرره (فلما أتاهم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبروه) هذا (الخبر) المذكور،
فأل للعهد (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (يا فلان! ما
يمنعك أن تفعل ما يأمرك به) أي الذي يقوله لك (أصحابك) من
قراءة سورة الإخلاص فقط، أو غيرها فقط، وليس هذا أمرًا على
الأصطلاح، لأن الأمر هو قول القائل لغيره، افعل كذا. على
سبيل الاستعلاء، فالعاري عنه يسمى التماسًا، وإنما جعله
أمرًا هنا لأنه لازم التخيير المذكور، وكأنهم قالوا له:
الفعل كذا أو كذا. (وما يحملك) أي وما الباعث لك (على
لزوم) قراءة (هذه السورة) {قل هو الله أحد}.
(في كل ركعة) سأله عن أمرين.
(فقال) الرجل مجيبًا عن الثاني منهما (إني أحبها) أي
أقرأها لمحبتي إياها إذ لا يصح أن يكون جوابًا عن الأول
لأن محبتها لا تمنع أن يقرأ بها فقط وهم إنما خيّروه بينها
فقط أو غيرها فقط لكنه مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو
إقامة السُّنّة المعهودة من الصلاة بقراءة سوة أخرى
فالمانع مركب من المحبة وعهد الصلاة.
(فقال) له عليه الصلاة والسلام: (حبك إياها) أي سورة
الإخلاص، والحب مصدر مضاف لفاعله، وارتفاعه بالابتداء
والخبر قوله (أدخلك الجنة) لأنها صفة الرحمن تعالى، فحبها
يدل على حسن اعتقاده في الدين، وعبر بالماضي، وإن كان دخول
الجنة مستقبلاً، لتحقّق الوقوع.
وفيه جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدة، وهو مذهب أبي
حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وروي عن عثمان
(2/96)
وابن عمر وحذيفة وغيرهم.
775 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ
قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ:
قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ:
هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ. لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ
الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ. فَذَكَرَ عِشْرِينَ
سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ من آل حاميم فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ. [الحديث 775 - طرفاه في: 4996، 5043].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن عمرو بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء، ابن أبي
عبد الله الكوفي الأعمى، وفي رواية لأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا عمرو بن مرة (قال: سمعت أبا
وائل) بالهمز، شقيق بن سلمة (قال: جاء رجل) هو نهيك بفتح
النون وكسر الهاء، ابن سنان، بكسر السين المهملة، البجلي
(إلى ابن مسعود فقال) له: (قرأت المفصل) كله (الليلة في
ركعة) واحدة (فقال) له ابن مسعود منكرًا عليه عدم التدبّر،
وترك الترتيل لا جواز الفعل: (هذا) بفتح الهاء وتشديد
المعجمة، أي أتهذّ هذًّا (كهذِّ الشعر) أي سردًا وإفراطًا
في السرعة، لأن هذه الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر،
(لقد عرفت النظائر) أي السور المتماثلة في المعاني،
كالمواعظ والحكم والقصص، لا المماثلة في عدد الآي، أو هي
المرادة كما سيأتي من ذكرهن المقتضى اعتبارهن لإرادة
التقارب في المقدار، (التي كان النبي) ولأبي ذر والأصيلي:
كان رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرن
بينهنّ) بفتح أوله وضم الراء، ويجوز كسرها.
(فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة) وهي:
الرحمن، والنجم في ركعة، واقتربت، والحاقة في ركعة،
والذاريات، والطور في ركعة، والواقعة، ون في ركعة، وسأل،
والنازعات في ركعة، وعمّ، والمرسلات في ركعة، وإذا الشمس
كورت، والدخان في ركعة، رواه أبو داود. وهذا على تأليف
مصحف ابن مسعود.
وهو يؤيد قول القاضي أبي بكر الباقلاني: إن تأليف السور
كان عن اجتهاد من الصحابة، لأن تأليف عبد الله مغاير
لتأليف مصحف عثمان، واستشكل عدّ الدخان من المفصل، وأجيب
بأن ذكرها معهن فيه تجوّز.
وفي الحديث ما ترجم له، وهو الجمع بين السورتين، لأنه إذا
جمع بين سورتين جاز الجمع بين ثلاثة فصاعدًا لعدم الفرق.
وسقط لفظ: كل من قوله: سورتين في ركعة، لابن عساكر وأبي
الوقت.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وواسطي وعسقلاني،
وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في
الصلاة.
107 - باب يَقْرَأُ فِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ
هذا (باب) بالتنوين (يقرأ) المصلي (في) الركعتين الأوليين
بأم الكتاب، وسورتين، وفي (الأخريين) من الرباعية، وثالثة
المغرب، (بفاتحة الكتاب) من غير زيادة.
776 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي
الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ
وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ
بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ
فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ،
وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال:
حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد
الله بن أبي قتادة، عن أبيه، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ في) صلاة (الظهر في)
الركعتين (الأوليين بأُم الكتاب وسورتين) في كل ركعة منهما
بسورة، (وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية)
بضم أوله: من الإسماع (ويطوِّل في الركعة الأولى ما لا
يطول في الركعة الثانية) كذا لكريمة من التطويل، وما: نكرة
موصوفة، أي تطويلاً لا يطيله في الثانية، أو مصدرية: أي
غير إطالته في الثانية. فتكون هي مع ما في حيزها صفة لمصدر
محذوف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ما لا يطيل،
بالياء ولأبي ذر عن المستملي والحموي: بما لا، بالموحدة
كذا في الفرع وأصله، (وهكذا) يقرأ في الأوليين بأم الكتاب
وسورتين، وفي الأخريين بها فقط، ويطول في الأولى (في) صلاة
(العصر، وهكذا) يطيل في الركعة الأولى (في) صلاة (الصبح)
فالتشبيه في تطويل المقروء بعد الفاتحة في الأولى فقط،
بخلاف التشبيه بالعصر فإنه أعم.
وفي الحديث حجة للقول بوجوب الفاتحة، ويؤيده التعبير:
بكان، المشعر بالاستمرار مع قوله عليه الصلاة والسلام:
صلوا كما رأيتموني أصلي.
وهذا الحديث قد سبق في باب القراءة في الظهر.
108 - باب مَنْ خَافَتَ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ
(باب من خافت) أي أسرّ (القراءة) ولأبي ذر والكشميهني
بالقراءة (في) صلاة (الظهر و) صلاة (العصر).
777 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ: "قُلْتُ لِخَبَّابٍ:
أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قَالَ:
بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين، وهو ساقط
للأربعة: (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمارة بن
(2/97)
عمير) بضم العين فيهما إلاّ أن الثاني مصغر
(عن أبي معمر) بفتح الميمين وسكون العين بينهما، عبد الله
بن سخبرة (قلت) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر:
قال: قلنا (لخباب) هو ابن الأرت (أكان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (الظهر و) صلاة
(العصر) غير الفاتحة؟ إذ لا شك في قراءتها (قال) خباب:
(نعم) كان يقرأ فيهما. (قلنا) له: (من أين علمت) ذلك؟
(قال: باضطراب لحيته) الكريمة، أي بحركتها.
واستدلّ به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لا بدّ فيه من
إسماع المرء نفسه، وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان
بالشفتين بخلاف ما لو أطبق شفتيه وحرك لسانه، فإنه لا
تضطرب بذلك لحيته، فلا يسمع نفسه. اهـ.
قاله في الفتح وفيه نظر لا يخفى.
109 - باب إِذَا أَسْمَعَ الإِمَامُ الآيَةَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أسمع الإمام) المأمومين (الآية)
في الصلاة السرية لا يضرّه ذلك، وللكشميهني: سمع بتشديد
الميم بغير همز من التسميع، والرواية الأولى من الإسماع.
778 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ
الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ
الْعَصْرِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ
يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا)
ولأبوي ذر والوقت حدّثني (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو
(قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير، قال: حدّثني)
بالإفراد أيضًا (عبد الله بن أبي قتادة) ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي: عن عبد الله بن أبي قتادة (عن أبيه) أبي قتادة
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ
بأم الكتاب وسورة معها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر
و) صلاة (العصر ويسمعنا الآية) من السورة (أحيانًا) ...
(وكان يطيل) ولأبي ذر: يطول أي السورة (في الركعة الأولى)
وهذا الباب إلخ ثابت للحموي، وللكشميهني. . . (1)
110 - باب يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى
هذا (باب) بالتنوين (يطول) المصلي (في الركعة الأولى)
بالسورة في جميع الصلوات.
779 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ
الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَفْعَلُ
ذَلِكَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد
الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان يطوّل في الركعة الأولى
من صلاة الظهر، ويقصر في) الركعة (الثانية. ويفعل ذلك في
صلاة الصبح) وكذا في بقية الصلوات.
لكن قال البيهقي: يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدًا، وإلا
فيسوي بين الأوليين.
ونحوه قول عطاء: إني لأحب أن يطوّل الإمام الأولى من كل
صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن
أجعل الأوليين سواء.
وعن أبي حنيفة: يطوّل الأولى من الصبح خاصة دائمًا، وذكر
في حكمة اختصاصها بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة، وفي
ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب. والسُّنَّة تطول
قراءة الأولى على الثانية مطلقًا.
111 - باب جَهْرِ الإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ
وَقَالَ عَطَاءٌ: آمِينَ دُعَاءٌ. أَمَّنَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ
لَلَجَّةً.
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإِمَامَ: لاَ
تَفُتْنِي بِآمِينَ.
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ،
وَيَحُضُّهُمْ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا.
(باب جهر الإمام بالتأمين) عقب قراءة الفاتحة في الصلاة
الجهرية.
والتأمين مصدر أمّن بالتشديد، أي قال: آمين وهو بالمد
والتخفيف مبني على الفتح لاجتماع ساكنين، نحو كيف. وإنما
لو يكسر لثقل الكسرة بعد الياء، ومعناه عند الجمهور: اللهم
استجب.
وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى، رواه عبد الرزاق عن أبي
هريرة بإسناد ضعيف.
وأنكره جماعة منهم النووي، وعبارته في تهذيبه: هذا لا يصح
لأنه ليس في أسماء الله تعالى اسم مبني ولا غير معرب،
وأسماء الله تعالى لا تثبت إلا بالقرآن أو السُّنَّة. وقد
عدم الطريقان.
وما حكي من تشديد ميمها فخطأ.
(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق: (آمين
دعاء) يقتضي أن يقوله الإمام، لأنه فى مقام الداعي، بخلاف
قول المانع. إنه جواب مختص بالمأموم، ويؤيد ذلك قول عطاء:
(أمن ابن الزبير) عبد الله على إثر أم القرآن (و) أمن (من
وراءه) من المقتدين بصلاته (حتى إن للمسجد) أي لأهل المسجد
(للجة) بلامين، الأولى لام الابتداء الواقعة في اسم إن
المكسورة بعد حتى، واللام الثانية من نفس الكلمة، والجيم
مشدّدة، هي الصوت المرتفع. ويروى: لجلبة، بفتح الجيم
واللام الموحدة، وهي الأصوات المختلفة.
وفي اليونينية مما صحح عليه من غير رقم: لزجة، بالزاي
المنقوطة، وفي غيرها بالراء بدل اللام، وعزاها في الفتح
لرواية البيهقى.
ومناسبة قول عطاء هذا للترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء،
فاقتضى ذلك أن يقوله الإمام لأنه في مقام الداعي، بخلاف
قول المانع إنها
_________
(1) هكذا في الأصل.
(2/98)
جواب الدعاء فتختص بالمأموم، وجوابه أن
التأمين بمثابة التلخيص بعد البسط، فالداعي يفصل والمؤمن
يجمل، وموقعها بعد القائل: اللَّهمّ استجب لنا ما دعوناك
به، من الهداية إلى {الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت
عليهم} ولا تجعلنا من {المغضوب عليهم} تلخيص، ذلك تحت
قوله: آمين.
فإن قالها الإمام فكأنه دعا مرتين مفصلاً ثم مجملاً، وإن
قالها المأموم فكأنه اقتدى بالإمام، حيث دعا بدعاء الفاتحة
فدعا بها هو مجملاً.
(وكان أبو هريرة) رضي الله عنه (ينادي الإمام) هو العلاء
بن الحضرمي، كما عند عبد الرزاق (لا تفتني) بضم الفاء
وسكون المثناة الفوقية، من الفوات، ولابن عساكر: لا تسبقني
(بآمين) من السبق.
وعند البيهقي: كان أبو هريرة يؤذن لمروان، فاشترط أبو
هريرة أن لا يسبقه (بالضالين) حتى يعلم أنه دخل في الصف،
وكأنه كان يشتغل بالإمامة، وتعديل الصفوف، وكان مروان
يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة، فكان أبو
هريرة، ينهاه عن ذلك.
(وقال نافع) مولى ابن عمر، مما وصله عبد الرزاق، عن ابن
جريج، عنه قال: (كان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه إذا
ختم أم القرآن (لا يدعه) أي التأمين، (ويحضّهم) بالضاد
المعجمة على قوله عقبها، قال نافع: (وسمعت منه) أي من ابن
عمر (في ذلك) أي التأمين (خيرًا) بسكون المثناة التحتية،
أي فضلاً وثوارًا، وللحموي والمستملي وابن عساكر: خبرًا
بفتح الموحدة أي حديثًا مرفوعًا.
780 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا،
فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ
الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ "وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: آمِينَ» ". [الحديث
780 - طرفه في: 6402].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا)
وللأصيلي حدّثنا (مالك) أي ابن أنس الأصبحي (عن ابن شهاب)
الزهري (عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبده الرحمن
أنهما أخبراه، عن أبي هريرة، أن النبي) ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(إذا أمَّن الإمام) أي إذا أراد الإمام التأمين أي أن
يقول: آمين بعد قراءة الفاتحة (فأمّنوا) فقولوا: آمين
مقارنين له، كما قاله الجمهور، وعلّله إمام الحرمين، بأن
التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه،
وظاهر قوله: إذا أمَّن الإمام فأمنوا، أن المأموم إنما
يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك، وبه قال بعض الشافعية،
وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف.
وادّعى النووي الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في الأم على
أن المأموم يؤمن، ولو ترك الإمام عمدًا أو سهوًا واستدلّ
به على مشروعية التأمين للإمام، قيل: وفيه نظر لكونها قضية
شرطية.
وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع.
وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه، وهي رواية ابن القاسم
فقال: لا يؤمن الإمام في الجهرية، وفي رواية عنه: لا يؤمن
مطلقًا. وأوّلوا قوله: إذا أمَّن الإمام بدعاء الفاتحة من
قوله: اهدنا إلخ، وحينئذٍ فلا يؤمن الإمام لأنه داعٍ.
قال القاضي أبو الطيب: هذا غلط، بل الداعي أولى
بالاستيجاب، بل استبعد ابن العربي تأويلهم لغةً وشرعًا،
وقال: الإمام أحد الداعين وأولهم وأولاهم. اهـ.
وقد ورد التصريح بأن الإمام يقولها في رواية معمر عن ابن
شهاب، عند أبي داود والنسائي، ولفظه: إذا قال الإمام {ولا
الضالين} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: وإن الإمام
يقول آمين.
(فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من
ذنبه) زاد الجرجاني في أماليه، عن أبي العباس الأصم، عن
بحر بن نصر، عن ابن وهب عن يونس: وما تأخر: لكن قال الحافظ
ابن حجر: إنها زيادة شاذة، وظاهره يشمل الصغائر والكبائر،
لكن قد ثبت أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما. ما
اجتنبت الكبائر، فإذا كانت الفرائض لا تكفّر الكبائر فكيف
تكفّرها سنّة التأمين إذا وافقت التأمين؟
وأجيب بأن المكفّر ليس التأمين الذي هو فعل المؤمّن، بل
وفاق الملائكة، وليس ذلك إلى صنعه، بل فضل من الله تعالى،
وعلامة على سعادة من وافق. قاله التاج بن السبكي في
الأشباه
والنظائر: والحق أنه عامّ خصّ منه ما يتعلق بحقوق الناس،
فلا تغفر بالتأمين للأدلة فيه، لكنه شامل للكبائر كما
تقدم، إلا أن يدعي خروجها بدليل آخر.
وفي كلام ابن المنير ما يشير إلى أن المقتضي للمغفرة هو
موافقة المأموم لوظيفة التأمين، وإيقاعه في محله على ما
ينبغي، كما هو شأن الملائكة، فذكر موافقتهم ليس لأنه سبب
للمغفرة
(2/99)
بل للتنبيه على المسبب، وهو مماثلتهم في
الإقبال والجدّ، وفعل التأمين على أكمل وجه. اهـ.
وهو معارض بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: إذا
قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين، ووافقت
إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه. فدلّ على أن
المراد الموافقة في القول والزمان، لا في الإخلاص والخشوع
وغيرهما مما ذكر. وهل المراد بالملائكة الحفظة أو الذين
يتعاقبون منهم؟ أو الأولى حمله على الأعم، لأن اللام
للاستغراق، فيقولها الحاضر منهم ومن فوقهم إلى الملأ
الأعلى، والظاهر الأخير.
وبالسند المتصل برواية مالك (قال: ابن شهاب) الزهري: (وكان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول:)
(آمين) بيّن بهذا أن المراد بقوله في الحديث: إذا أمّن
حقيقة التأمين، لا ما أوّل به، وهو وإن كان مرسلاً فقد
اعتضد بصنيع أبي هريرة رواية.
وإذا قلنا بالراجح وهو مذهب الشافعي وأحمد: إن الإمام
يؤمّن فيجهر به فى الجهرية، كما ترجم به المصنف وفاقًا
للجمهور.
فإن قلت من أين يؤخذ الجهر من الحديث؟
أجيب بأنه لو لم يكن التأمين مسموعًا للمأموم لم يعلم به،
وقد علّق تأمينه بتأمينه.
وقد أخرج السراج هذا الحديث بلفظ: فكان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قال: {ولا الضالين} جهر
بالتأمين.
ولابن حبان من رواية الزبيدي، في حديث الباب عن ابن شهاب:
فإذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين.
وزاد أبو داود من حديث أبي هريرة: حتى يسمع من يليه من
الصف.
وفي حديث وائل بن حجر عند أبي داود: صليت خلف النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجهر: بآمين.
وقال الحنفية والكوفيون ومالك في رواية عنه بالإسرار: لأنه
دعاء، وسبيله الإخفاء لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا
وخفيةً} وحملوا ما روي من جهره عليه الصلاة والسلام به على
التعليم، والمستحب الاقتصار على التأمين عقب الفاتحة من
غير زيادة عليه اتباعًا للحديث.
وأما ما رواه البيهقي من حديث وائل بن حجر: أنه سمع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال: {غير
المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: رب اغفر لي آمين. فإن في
إسناده أبا بكر النهشلي وهو ضعيف.
قال إمامنا الشافعي في الأم: فإن قال آمين رب العالمين كان
حسنًا، ونقله النووي في زوائد الروضة.
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم،
وأبو داود، والترمذي في الصلاة.
112 - باب فَضْلِ التَّأْمِينِ
(باب فضل التأمين).
781 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ، وَقَالَتِ
الْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ، فَوَافَقَتْ
إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن
الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه،
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(إذا قال أحدكم آمين)، عقب قراءة الفاتحة، خارج الصلاة أو
فيها، إمامًا أو مأمومًا، كما أفهمه إطلاقه هنا، أو هو
مخصوص بالصلاة، لحديث مسلم: إذا قال أحدكم في صلاته، حملاً
للمطلق على المقيد، لكن في حديث أبي هريرة عند أحمد ما يدل
على الإطلاق ولفظه: إذا أمّن القارئ فأمّنوا، وحينئذٍ
فيجري المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، إلا أن يراد
بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة، فيبقى التخصيص على حاله
(وقالت الملائكة في السماء آمين، فوافقت إحداهما الأخرى)
أي وافقت كلمة تأمين أحدكم كلمة تأمين الملائكة في السماء،
وهو يقوّي أن المراد بالملائكة لا يختص بالحفظة، كما مر
(غفر له) أي للقائل منكم (ما تقدم من ذنبه) أي ذنبه
المتقدم كله، فمن بيانية لا
تبعيضية.
وهذا الحديث أخرجه النسائي، في: الصلاة. وفي: الملائكة.
113 - باب جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ
(باب جهر المأموم بالتأمين) وراء الإمام، وللمستملي
والحموي: باب جهر الإمام بآمين، والأوّل هو الصواب، لئلا
يلزم التكرار.
782 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ
الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ
الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ
قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ». تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَنُعَيْمٌ
الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. [الحديث
782 - طرفه في: 4475].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
الإمام (عن سمي) بضم المهملة وفتح الميم وتشديد المثناة
التحتية (مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحرث (عن أبي
صالح) ذكوان، وللأصيلي في روايته زيادة: السمان (عن أبي
هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إذا قال الإمام {غير المغضوب
عليهم ولا الضالين} وأراد قول: آمين (فقولوا: آمين)
(2/100)
موافقين له في قولها (فإنه من وافق قوله
قول الملائكة) بالتأمين (غفر له ما تقدم من ذنبه).
فإن قلت ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟.
أجيب بأن في الحديث الأمر بقول: آمين، والقول إذا وقع به
الخطاب مطلقًا حمل على الجهر، ومتى ما أريد به الإسرار أو
حديث بالنفس قيد بذلك، ويؤيد ذلك ما مر عن عطاء، أن من خلف
ابق الزبير كانوا يؤمنون جهرًا، وعن عطاء أيضًا: أدركت
مائتين من الصحابة في هذا المسجد، إذا قال الإمام: ولا
الضالين، سمعت لهم رجّة بآمين. رواه البيهقي.
ورواة حديث الباب كلهم مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة،
وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
(تابعه) أي تابع سميًّا (محمد بن عمرو) بفتح العين ابن
علقمة الليثي، مما وصله الدارمي وأحمد والبيهقي (عن أبي
سلمة، عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(و) تابع سميًّا فيما وصله النسائي (نعيم الجمر، عن أبي
هريرة رضي الله عنه) أيضًا.
114 - باب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ
هذا (باب) بالتنوين (إذا ركع) المصلي (دون الصف) أي قبل
وصوله إلى الصف جاز مع الكراهة، لكن استنبط بعضهم من قوله
في حديث الباب: لا تعد. أن ذلك كان جائزًا، ثم ورد النهي
عنه بقوله: لا تعد. فحرّم.
هذه طريقة المؤلّف في جواز القراءة خلف الإمام. قيل: وكان
اللائق ذكر هذه الترجمة في أبواب الإمامة.
وأجيب بأن المناسبة بينها وبين السابق، من حيث أن الركوع
يكون بعد القراءة.
783 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنِ الأَعْلَمِ -وَهْوَ زِيَادٌ-
عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: "أَنَّهُ انْتَهَى
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهْوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى
الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا،
وَلاَ تَعُدْ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال:
حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى (عن
الأعلم) بوزن الأفضل، وقيل له ذلك لأنه كان مشقوق الشفة
السفلى أو العليا، (وهو زياد) بكسر الزاي وتخفيف المثناة
ابن حسان بن قرّة الباهلي، من صغار التابعين (عن الحسن)
البصري (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة، وسكون الكاف، نفيع بن
الحرث بن كلدة وكان من فضلاء الصحابة بالبصرة، وفي رواية
سعد بن أبي عروبة عند أبي داود والنسائي عن الأعلم، قال:
حدّثني الحسن أن أبا بكرة حدّثه (أنه انتهى إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي: والحال أنه
عليه الصلاة والسلام (راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف)
وعند الأصيلي، ضرب على: إلى، (فذكر ذلك) الذي فعله من
الركوع دون الصف (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فقال) عليه الصلاة والسلام له:
(زادك الله حرصًا) على الخير، (ولا تعد) إلى الركوع دون
الصف منفردًا فإنه مكروه لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا
أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من
الصف".
والنهي محمول على التنزيه، ولو كان للتحريم لأمر أبا بكرة
بالإعادة، وإنما نهاه عن العود إرشادًا إلى الأفضل.
وذهب إلى التحريم أحمد وإسحاق وابن خزيمة من الشافعية،
لحديث وابصة عند أصحاب السُّنن، وصححه أحمد وابن خزيمة: أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً
يصلّي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة. زاد ابن خزيمة
في رواية له: لا صلاة لمنفرد خلف الصف.
وأجاب الجمهور بأن المراد: لا صلاة كاملة، لأن من سنة
الصلاة مع الإمام اتصال الصفوف وسدّ الفُرَج.
وقد روى البيهقي من طريق مغيرة عن إبراهيم، فيمن صلّى خلف
الصف وحده، فقال: صلاته تمامه.
أو المراد: لا تعد إلى أن تسعى إلى الصلاة سعيًا بحيث يضيق
عليك النفس، لحديث الطبراني: أنه دخل المسجد وقد أقيمت
الصلاة، فانطلق يسعى، وللطحاوي: وقد حفزه النفس.
أو المراد: لا تعد تمشي وأنت راكع إلى الصف، لرواية حماد
عند الطبراني: فلما انصرف عليه الصلاة والسلام، قال: أيكم
دخل الصف وهو راكع؟ ولأبي داود: أيكم الذي ركع دون الصف ثم
مشى إلى الصف؟ فقال أبو بكرة: أنا. وهذا، وإن لم يفسد
الصلاة لكونه خطوة أو خطوتين، لكنه مثل بنفسه في مشيه
راكعًا، لأنها كمشية البهائم.
فإن قلت أو الكلام يفهم تصويب الفعل، وآخره تخطئته.
أجاب ابن المنير، مما نقله عنه في المصابيح، وأقره: بأنه
صوّب من فعله الجهة العامة، وهي الحرص على إدراك فضيلة
الجماعة، فدعا له بالزيادة منه، وردّ عليه الحرص الخاص،
حتى ركع منفردًا. فنهاه عنه، فينصرف حرصه بعد إجابة الدعوة
فيه إلى
(2/101)
البادرة إلى المسجد أوّل الوقت. اهـ.
قال في فتح الباري: وهو مبنيّ على أن النهي إنما وقع عن
التأخر وليس كذلك.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه رواية تابعي عن تابعي،
عن صحابي، والتحديث والقول والعنعنة، وما فيه من عنعنة
الحسن، وأنه لم يسمع من أبي بكرة، وإنما يروي عن الأحنف
عنه مردود بحديث أبي داود المصرح فيه بالتحديث كما مر
وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة.
115 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ.
(باب إتمام التكبير في الركوع) بمدّه من الانتقال من
القيام إلى الركوع، حتى يقع راؤه، أي راء الله أكبر فيه،
أو المراد تبيين حروفه من غير مدّ وفيه، أو إتمام عدد
تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع.
وأما حديث ابن أبزى عند أبي داود، قال: صلّيت خلف النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يتم التكبير فقال
أبو داود الطيالسي، فيما رواه المؤلّف في تاريخه. إنه
عندنا حديث باطل.
وقال البزار: تفرّد به الحسن بن عمران، وهو مجهول، وعلى
تقدير صحته فلعله فعله لبيان الجواز، أو مراده أنه لم يتم
الجهر به أو لم يمده.
(قال) أي: ذلك، ولأبوي ذر والوقت: وقال. وفي رواية لأبي
الوقت أيضًا. والأصيلي وابن عساكر كما في الفرع وأصله:
قال: أي. إتمام التكبير (ابن عباس، عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالمعنى، كما سيأتي لفظه، إن
شاء الله تعالى، في حديثه الوصول في آخر الباب التالي لهذا
حيث قال عكرمة، لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر
ثنتين وعشرين تكبيرة: إنها صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيستلزم ذلك أنه نقل عنه عليه الصلاة
والسلام إتمام التكبير، ومن لازمه التكبير في الركوع، وهو
يبعد الاحتمال الأوّل كما قاله في فتح الباري.
(و) يدخل (فيه) أي في الباب (مالك بن الحويرث) أي حديثه
الآتي، إن شاء الله تعالى، في باب: المكث بين السجدتين،
وفيه: فقام ثم ركع فكبّر.
784 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي
الْعَلاَءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
قَالَ: "صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- بِالْبَصْرَةِ
فَقَالَ: ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا
نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ
كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ". [الحديث 784 - طرفاه
في: 786، 826].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين (الواسطي قال: حدّثنا)
ولأبى ذرّ والأصيلي: أخبرنا (خالد) هو ابن عبد الله الطحان
(عن الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى، سعيد بن إياس
(عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير (عن) أخيه
(مطرّف) بن عبد الله (عن عمران بن حصين، قال): إنه (صلّى
مع علي) وهو ابن أبي طالب (رضي الله عنه بالبصرة) بعد وقعة
الجمل، (فقال) أي عمران: (ذكرنا) بتشديد الكاف وفتح الراء،
من التذكير (هذا الرجل) هو عليّ، جملة من فعل ومفعول وفاعل
(صلاة كنا نصليها مع رسول الله)، وللأصيلي: مع النبي،
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر أنه كان يكبر
كلما رفع وكلما وضع) ليحصل تجدّد العهد في أثناء الصلاة
بالتكبير الذي هو شعار النّيَّة التي كان ينبغي استصحابها
إلى آخر الصلاة، وهذا مفهومه العموم في جميع الانتقالات،
لكنه مخصوص بحديث: سمع الله لمن حمده، عند الاعتدال. وفيه
مشروعية التكبير في كل خفض ورفع لكل مصلٍّ، فالجمهور على
ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام.
وذهب أحمد إلى وجوب جميع التكبيرات، وقد قال الشافعية: لو
ترك التكبير عمدًا أو سهوًا حتى ركع أو سجد لم يأت به
لفوات محله، ولا سجود.
وقال المالكية: يجب السجود بترك ثلاث تكبيرات من أثنائها،
لأنه ذكر مقصود فى الصلاة، ثم إن في قوله: ذكرنا إشارة إلى
أن التكبير الذي ذكره قد كان ترك.
ويدل له حديث أبي موسى الأشعري عند أحمد والطحاوي بإسناد
صحيح، قال ذكرنا عليّ صلاة كنّا نصليها مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسيناها أو تركناها
عمدًا، الحديث.
وأوّل من تركه عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته، وفي
الطبراني معاوية وعن أبي عبيد زياد، وكأن زيادًا تركه بترك
معاوية، ومعاوية بترك عثمان، لكن يحتمل أن يراد بترك عثمان
ترك الجهر به. ولذلك حمل بعض العلماء فعل الأخيرين عليه.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ووسطي، وفيه رواية الأخ عن
الأخ، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من
أفراده.
785 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي
بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا
انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلاَةً بِرَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث
785 - أطرافه في: 789، 795، 803].
وبه قال، (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) هو ابن أنس (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن
عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أنه كان يصلّي
بهم) إمامًا، وللكشميهني لهم، باللام بدل
(2/102)
الموحدة، (فيكبر كلما خفض و) كلما (رفع،
فإذا انصرف) من الصلاة (قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في تكبيرات
الانتقالات والإتيان بها.
116 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ
(باب إتمام التكبير في السجود) بأن يبتدئ به من انتقال
القيام إلى السجود حتى يقع راؤه فيه، كما مرّ في الركوع،
مع بقية الاحتمالات فيه.
786 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ
حُصَيْنٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ
كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي
عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا
صَلاَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ- لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
(قال: حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن غيلان بن جرير) بفتح
الغين المعجمة والجيم (عن مطرف بن عبد الله) بن الشخير
(قال: صليت خلف علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنا وعمران
بن حصين، فكان) عليّ (إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه) من
السجود (كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر) خصّ ذكر السجود
والرفع والنهوض من الركعتين هنا، وعمّم في رواية أبي
العلاء إشعارًا بأن هذه المواضع الثلاثة هي التي كان يترك
التكبير فيها حتى تذكرها عمران بصلاة عليّ، (فلما قضى
الصلاة) أي فرغ منها (أخذ بيدي) بالإفراد (عمران بن حصين،
فقال: قد) وللكشميهني والأصيلي: لقد (ذكرني هذا) أي علي
(صلاة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأنه كان
يكبر في جميع انتقالاته (أو قال: لقد صلّى بنا صلاة محمد
عليه الصلاة والسلام) شك من حماد أو غيره من الرواة.
787 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
"رَأَيْتُ رَجُلاً عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ
خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ.
فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوَ
لَيْسَ تِلْكَ صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أُمَّ لَكَ"؟ [الحديث 787 - طرفه
في: 788].
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما وآخر
الثاني نون، ابن أوس (قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح
المعجمة، ابن بشير السلميّ الواسطي، كالذي قبله (عن أبي
بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، حفص بن أبي وحشية
الواسطي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (قال: رأيت رجلاً) هو
أبو هريرة، كما في الأوسط للطبراني (عند المقام) بمكة، حال
كونه (يكبر) في صلاة الظهر كما في مستخرج أبي نعيم، ولابن
عساكر: فكبر بالفاء على صيغة الماضي (في كل
خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع، فأخبرت ابن عباس رضي الله
عنهما، قال): ولأبي ذر وابن عساكر: فقال مستفهمًا، بالهمزة
استفهام إنكار، للإنكار المذكور، ومقتضاه الإثبات، لأن نفي
النفي إثبات، (أو ليس تلك صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا أم لك)؟ كلمة ذم تقولها العرب عند
الزجر ذمّه حيث جهل هذه السُنّة.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وثلاثة من رواته
واسطيون على التوالي.
117 - باب التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ
(باب التكبير إذا قام من السجود).
788 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ
قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ، فَكَبَّرَ
ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَقُلْتُ لاِبْنِ
عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ،
سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ مُوسَى: "حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، (قال:
أخبرنا) ولأبي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا
(همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة) مولى
ابن عباس (قال: صليت خلف شيخ) هو أبو هريرة (بمكة) عند
المقام، الظهر (فكبر) فيها (ثنتين وعشرين تكبيرة) لأن في
كل ركعة خمس تكبيرات، فيحصل في كل رباعية عشرون تكبيرة سوى
تكبيرة الإحرام. وتكبيرة القيام من التشهد الأوّل، وفي
الثلاثية سبع عشرة، وفي الثنائية إحدى عشرة وفي الخمس أربع
وتسعون تكبيرة، وسقط لفظ تكبيرة لغير أبي ذر والأصيلي، قال
عكرمة: (فقلت لابن عباس) رضي الله عنهما: (إنّه) أي الشيخ
(أحمق) أي قليل العقل، (فقال) ولابن عساكر: قال: (ثكلتك)
بالمثلثة المفتوحة والكاف المكسورة، أي فقدتك (أمك) هذا
الذي فعله الشيخ من التكبير المعدود (سنة أبي القاسم
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويجوز نصب سنة
بتقدير فعل.
واستحق عكرمة الدعاء عند ابن عباس بما ذكر، لكونه نسب أبا
هريرة إلى الحمق الذي هو غاية الجهل وهو بريء من ذلك.
(وقال) وفي رواية. قال (موسى) بن إسماعيل التبوذكي، الراوي
أوّلاً عن همام: (حدّثنا أبا) بن يزيد القطان (قال: حدّثنا
قتادة، قال: حدّثنا عكرمة) فهو متصل عنده عن أبان وهمام
كلاهما عن قتادة، وإنما أفردهما لكونه على شرطه في الأصول
بخلاف أبان، فإنه على شرطه في المتابعات مع زيادة فائدة
تصريح قتادة بالتحديث عن عكرمة.
789 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ
يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ
سَمِعَ اللَّهُ لَمِنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ
مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا
لَكَ الْحَمْدُ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ
اللَّيْثِ: وَلَكَ الْحَمْدُ- ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ
يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ
يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ
رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا
حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ
الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف،
نسبة لجدّه لشهرته به، وإلا فأبوه عبد الله المخزومي
البصري، (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري، (عن عقيل) بضم
العين وفتح
(2/103)
القاف، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن بن
الحرث) القرشي المدني، أحد الفقهاء السبعة (أنه سمع أبا
هريرة) رضي الله عنه (يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم)
تكبيرة الإحرام، (ثم يكبر حين يركع) يبدأ به حين يشرع في
الانتقال إلى الركوع ويمدّه حتى يصل إلى حدّ الركوع، وكذا
في السجود والقيام، (ثم يقول):
(سمع الله لمن حمده) (حين يرفع صلبه من الركعة) ولأبي ذر:
من الركوع، (ثم يقول وهو قائم):
(ربنا لك الحمد) كذا بإسقاط الواو لأبي ذر عن الحموي
والمستملي، جملة حالية.
وفيه تصريح بأن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وهو قول
الشافعي، وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد وفاقًا للجمهور، لأن
صلاته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الموصوفة
محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من
أحواله.
وخالف ذلك أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، في رواية عنه، لحديث:
إذا قال سمع الله لمن حمده: فقولوا: ربنا لك الحمد. وهذه
قسمة منافية للشركة، كقوله عليه الصلاة والسلام: البيّنة
على المدّعي، واليمين على من أنكر.
وأجابوا عن حديث الباب بأنه محمول على انفراده عليه الصلاة
والسلام في صلاة النفل، توفيقًا بين الحديثين، والمنفرد
يجمع بينهما في الأصح، وسيأتي البحث في ذلك في باب: ما
يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء الله
تعالى.
(قال عبد الله) ولأبي ذر: (ابن صالح)، كاتب الليث، في
روايته (عن الليث): (ولك الحمد) بزيادة الواو الساقطة في
رواية يحيى، وإنما لم يورد الحديث عنهما معًا، وهما شيخاه،
لأن يحيى من شرطه في الأصول، وابن صالح في المتابعات.
وقد قال العلماء إن رواية الواو أرجح، وهي زائدة. وقال
الأصمعي: سألت أبا عمرو عنها فقال زائدًا، تقول العرب:
بعني هذا، فيقول المخاطب: نعم، وهو لك بدرهم. فالواو
زائدة، وقيل عاطفة، أي: ربنا حمدناك، ولك الحمد، وسقط لابن
عساكر قول: قال عبد الله: ولك الحمد.
(ثم يكبر حين يهوي) بفتح أوّله وكسر ثالثه، أي حين يسقط
ساجدًا (ثم يكبر حين يرفع رأسه) من السجود (ثم يكبر حين
يسجد) الثانية (ثم يكبر حين يرفع رأسه) منها. (ثم يفعل ذلك
في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين) أي
الركعتين الأوليين (بعد الجلوس) للتشهد الأوّل.
وهذا الحديث مفسر لما سبق من قوله: كان يكبر في كل خفض
ورفع.
ورواته ستة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع
والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه مسلم وأبو
داود والنسائي.
118 - باب وَضْعِ الأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي
الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: أَمْكَنَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ
مِنْ رُكْبَتَيْهِ.
(باب وضع الأكف على الركب في) حال (الركوع).
(وقال أبو حميد) بضم الحاء، عبد الرحمن الساعدي الأنصاري
المدني، في حديثه في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام: الآتي
إن شاء الله تعالى في باب الجلوس في التشهد وكان (في) نفر
من (أصحابه) عليه الصلاة والسلام: (أمكن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه من ركبتيه) أي في
الركوع.
790 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ
بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: "صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي
فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّىَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ
فَخِذَىَّ، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ
فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا
عَلَى الرُّكَبِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي يعفور)
بمثناة تحتية مفتوحة فعين مهملة ساكنة ففاء مضمومة فواو
ساكنة فراء، اسمه: وقدان، بواو مفتوحة فقاف ساكنة فدال
مهملة وبعد الألف نون، العبدي الكوفي، وهو الأكبر كما جزم
به الحافظ ابن حجر، كالمزني وقال النووي إنه الأصغر أي عبد
الرحمن بن عبيد بن النسطاس، وتعقب بأن الأصغر ليس مذكورًا
في الآخذين عن مصعب ولا في أشياخ شعبة، (قال: سمعت مصعب بن
سعد) هو ابن أبي وقاص المدني، المتوفى سنة ثلاث ومائة، حال
كونه (يقول: صليت إلى جنب أبي) سعد أحد العشرة (فطبقت بين
كفّي) أي بأن جمع بين أصابعهما (ثم وضعتهما بين فخذي،
فنهاني أبي) عن ذلك (وقال: كنا نفعله) أي التطبيق (فنهينا
عنه) بضم النون، في كتاب
الفتوح لسيف عن مسروق، أنه سأل عائشة عن التطبيق فأجابته
بما محصله، أنه من صنيع اليهود، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهى عنه لذلك،
(2/104)
وكان عليه الصلاة والسلام يعجبه موافقة أهل
الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم.
وفي حديث ابن عمر عند ابن المنذر بإسناد قوي، قال: إنما
فعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرة،
يعني: التطبيق، فقد ثبت نسخ التطبيق، وأنه كان متقدّمًا.
قال الترمذي التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بينهم في
ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا
يطبقون اهـ.
قيل: ولعل ابن مسعود لم يبلغه النسخ، واستبعد لأنه كان
كثير الملازمة للرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه كان صاحب
نعله، يلبسه إياها إذا قام وإذا جلس أدخلها في ذراعه، فكيف
يخفى عليه أمر وضع يديه على ركبتيه، أو لم يبلغه النسخ؟.
وروى عبد الرزاق عن علقمة والأسود قالا: صلّينا مع عبد
الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا، فلما انصرف
قال: ذاك شيء كنا نفعله فترك.
(وأمرنا) بضم الهمزة، مبنيًّا للمفعول، كنون نهينا.
والفاعل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه
الذي يأمر وينهى، فله حكم الرفع (أن نضع أيدينا) من إطلاق
الكل على الجزء، أي: أكفّنا (على الركب) شبّه القابض عليها
مع تفريق أصابعهما للقبلة حالة الوضع.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والسماع والقول، وتابعي عن تابعي عن
صحابي، والابن عن الأب، وأخرجه: مسلم وأبو داود والنسائي
والترمذي وابن ماجة.
119 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم) المصلي (الركوع) يعيد
صلاته ويتم بميم مشددة مفتوحة.
791 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ
وَهْبٍ قَالَ: "رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ
الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ
مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ
اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، الحوضي (قال:
حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (قال:
سمعت زيد بن وهب) الجهني الكوفي (قال: رأى حذيفة) بن
اليمان، رضي الله عنه (رجلاً) لم يعرف اسمه، لكن عند ابن
خزيمة، أنه كندي، (لا يتم الركوع والسجود) في رواية عبد
الرزاق، فجعل ينقر ولا يتم ركوعه (قال) حذيفة للرجل، ولأبي
ذر:
فقال: (ما صليت) نفي للحقيقة، كقوله عليه الصلاة والسلام
للمسيء صلاته: فإنك لم تصلّ.
واستدلّ به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، وهو
مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف وأحمد، أو نفي للكمال كقوله:
لا وضوء لمن لم يسم الله، وإليه ذهب أبو حنيفة ومحمد، لأن
الطمأنينة في الركوع والسجود عندهما ليست فرضًا، بل واجبة.
(ولو مت) على هذه الحالة، (مت على غير الفطرة التي فطر
الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد
الكشميهني، وابن عساكر: عليها، أي على الدين.
وبخه على سوء فعله ليرتدع.
وليس المراد أن تركه لذلك مخرج له من دين الإسلام، فهو
كحديث: من ترك الصلاة فقد كفر، أي يؤدّيه التهاون بها إلى
جحدها، فيكفر.
أو المراد بالفطرة السُّنّة، فهو كحديث: خمس من الفطرة،
ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ سنة محمد.
وميم متّ مضمومة، ويجوز كسرها على لغة من يقول: مات يمات،
كخاف يخاف، والأصل: موت بكسر العين، كخوف، فجاء مضارعه
على: يفعل بفتح العين. فعلى هذه اللغة يلزم أن يقال في
الماضي المسند إلى التاء مت بالكسر ليس إلا، وهو: أنا
نقلنا حركة الواو إلى الفاء بعد سلب حركتها، دلالة على
بنية الكلمة في الأصل.
وهذا الحديث فيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه
النسائي في الصلاة.
120 - باب اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَكَعَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ
هَصَرَ ظَهْرَهُ.
(باب استواء الظهر في) حالة (الركوع) من غير ميل رأس
المصلي عن بدنه إلى جهة فوق أو أسفل.
(وقال أبو حميد) الساعدي، في الحديث المنبّه عليه في باب:
وضع الأكف على المركب في الركوع، (في) حضور (أصحابه) رضي
الله عنهم: (ركع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) فوضع يديه على ركبتيه، (ثم هصر) بفتح الهاء
والصاد المهملة، أي أمال (ظهره) للركوع في استواء من رقبته
ومتن ظهره من غير تقويس، وللكشميهني: ثم حنى ظهره بالحاء
المهملة والنون الخفيفة، وهما بمعنى.
121 - باب حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالاِعْتِدَالِ
فِيهِ، وَالاِطْمَأْنِينَةِ
وللكشميهني للأربعة هنا: (باب حدّ إتمام الركوع والاعتدال
فيه) أي في الركوع (والإطمأنينة) بكسر الهمزة وسكون الطاء
وبعد الألف نون مكسورة ثم مثناة تحتية ثم نون مفتوحة ثم
هاء، وللكشميهني: بضم الطاء. وهي أكثر في الاستعمال، وليس
عند غير
(2/105)
الكشميهني، هنا باب.
وإنما الجميع مذكور في ترجمة واحدة إلا أنهم جعلوا التعليق
السابق عن أبي حميد في أثنائها لاختصاصه بالجملة الأولى،
فصار: باستواء الظهر في الركوع.
وقال أبو حميد في أصحابه: ركع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم هصر ظهره، وحدّ إتمام الركوع
والاعتدال فيه
والطمأنينة.
792 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنِ
ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: "كَانَ
رُكُوعُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ مِنَ
الرُّكُوعِ -مَا خَلاَ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ- قَرِيبًا
مِنَ السَّوَاءِ". [الحديث 792 - طرفاه في: 801، 820].
وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بموحدة فدال مفتوحتين في
الأوّل، وميم مضمومة فحاء مهملة فموحدة مشدّدة مفتوحتين في
الثاني (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني)
بالإفراد، ولأبي ذر: أخبرنا، وللأصيلي: حدّثنا (الحكم) بن
عتبة الكوفي (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن الأنصاري الكوفي
(عن البراء) ولأبي ذر والأصيلي زيادة ابن عازب (قال: كان
ركوع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) اسم كان
(وسجوده) عطف عليه (وبين السجدتين) عطف على ركوع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقدير المضاف، أي
زمان ركوعه وسجوده وبين السجدتين، أي: الجلوس بينهما (إذا
رفع) أي اعتدل (من الركوع)، ولأبي ذر: وإذا رفع رأسه من
الركوع، أي: وقت رأسه من الركوع، وإذًا هنا لمجرد الزمان
منسلخًا عن الاستقبال، (ما خلا) بمعنى: إلا (القيام) الذي
هو للقراءة (و) إلا (القعود) الذي هو للتشهد (قريبًا من
السواء) بفتح السين والمدّ من المساواة.
والاستثناء هنا من المعنى، كأن معناه: كان أفعال صلاته
كلها قريبة من السواء، ما خلا القيام والقعود، فإنه كان
يطوّلهما. وفيه إشعار بالتفاوت والزيادة على أصل حقيقة
الركوع والسجود وبين السجدتين، والرفع من الركوع.
وهذه الزيادة لا بدّ أن تكون على القدر الذي لا بدّ منه،
وهو الطمأنينة، وهذا موضع المطابقة بين الحديث والترجمة.
وأما قول البدر الدماميني في المصابيح: إن قوله: قريبًا من
السواء لا يطابق الترجمة، لأن الاستواء المذكور فيها هي
الهيئة المعلومة السالمة من الحنوة والحدبة، والمذكور في
الحديث، إنما هو تساوي الركوع والسجود والجلوس بين
السجدتين في الزمان، إطالةً وتخفيفًا، فقد سبقه إليه
العلاّمة ناصر الدين بن المنير.
وأجيب: بأن دلالة الحديث، إنما هي على قوله في الترجمة
وحدّ إتمام الركوع والاعتدال فيه. وكان المعترض لم يتأمل
ما بعد حديث أبي حميد من بقية الترجمة.
وأما مطابقة الحديث لقوله: حدّ إتمام الركوع، فمن جهة أنه
دل على تسوية الركوع والسجود، والاعتدال والجلوس بين
السجدتين، وقد ثبت في بعض طرقه، عند مسلم: تطويل الاعتدال،
فيؤخذ منه إطالة الجميع والله أعلم.
وقد جزم بعضهم بأن المراد القيام بالاعتدال، وبالقعود
الجلوس بين السجدتين، وردّه ابن القيم في حاشيته على
السُّنن، فقال هذا سوء فهم من قائله لأنه قد ذكرهما
بعينهما، فكيف يستثنيهما؟ وهل يحسن قول القائل: جاء زيد
وعمرو وبكر وخالد إلا زيدًا وعمرًا؟ فإنه متى أراد نفي
المجيء عنهما كان متناقضًا. انتهى.
وتعقب بأن المراد بذكرها إدخالها في الطمأنينة، وباستثناء
بعضها، إخراج المستثنى من المساواة. وقد وقع هذا الحديث في
باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع بغير استثناء، وإذا
جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد
بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وبالقعود، القعود للتشهد
كما سبق.
وقد اختلف هل الاعتدال ركن طويل أم قصير، وحديث أنس الآتي
في باب الطمأنينة، إن شاء الله تعالى، أصرح من حديث الباب
في أنه طويل، لكن المرجح عند الشافعية أنه قصير تبطل
الصلاة بتطويله، ويأتي البحث في ذلك، إن شاء الله تعالى،
في باب الطمأنينة.
ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون إلا بدل بن المحبر فبصري،
وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من
أفراده، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في الصلاة، وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
122 - باب أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الَّذِي لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ بِالإِعَادَةِ
(باب: أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي
لا يتم ركوعه بالإعادة) للصلاة، وفي نسخة باب بالتنوين أمر
بفتحات.
793 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى،
ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَقَالَ: ارْجِعْ
فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ
فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ
تُصَلِّ (ثَلاَثًا) فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي. قَالَ:
إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ
مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى
تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا،
ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ
ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: أخبرني)
بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت الأصيلي وابن عساكر: حدّثنا
(يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين، ابن
(2/106)
عمر العمري (قال: حدّثنا) وللأربعة: حدّثني
(سعيد المقبري، عن أبيه) كيسان الليثي الخندعي، ويحيى كما
قال الدارقطني: حافظ عمدة، لا تقدح مخالفته جميع أصحاب
عبيد الله في حديثه هذا، حيث رووه كلهم عنه، عن سعيد، من
غير ذكر أبيه، وحينئذ فالحديث صحيح لا علة فيه، ولا يغتر
بذكر الدارقطني له في الاستدراكات، (عن أبي هريرة)، رضي
الله عنه، وللكشميهني: أن أبا هريرة قال: (إن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل المسجد) ولأبي ذر
عن المستملي والحموي، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: دخل المسجد (فدخل) بالفاء، ولأبي ذر: ودخل
(رجل) هو خلاد بن رافع الزرقي، جدّ علي بن يحيى بن عبد
الله بن خالد، (فصلّى) ركعتين، كما للنسائي، وهل كانتا
نفلاً أو فرضًا؟ الظاهر الأول والأقرب أنهما ركعتا تحية
المسجد، (ثم جاء فسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فردّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عليه السلام فقال) له:
وعليك السلام، (ارجع فصل، فإنك لم تصل) نفي للصحة لأنها
أقرب لنفي الحقيقة من نفي الكمال، فهي أولى المجازين،
وأيضًا فلما تعذرت الحقيقة وهي نفي الذات، وجب صرف النفي
إلى سائر صفاتها، (فصلّى، ثم جاء فسلم على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في رواية أبي أسامة: فجاء
فسلم، وهي أولى، لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخٍ
(فقال) له عليه الصلاة والسلام بعد قوله: وعليك السلام
(ارجع فصل فإنك لم تصل -ثلاثًا-) أي: ثلاث مرات، قال
البرماوي: وهو متعلق بصلى وقال، وسلم وجاء، فهو من تنازع
أربعة أفعال، وإنما لم يعلمه أوّلاً لأن التعليم بعد تكرار
الخطأ أثبت من التعليم ابتداء، وقيل تأديبًا له، إذ لم
يسأل، واكتفى بعلم نفسه، ولذا لما سأل وقال: لا أحسن،
علمه. وليس فيه تأخير البيان، لأنه كان في الوقت سعة إن
كانت صلاة فرض.
(فقال: والذي بعثك بالحق، فما) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي
وابن عساكر: ما (أحسن غيره، فعلمني. قال) عليه الصلاة
والسلام، ولأبي الوقت فقال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبّر)
تكبيرة الإحرام (ثم اقرأ ما) وللأصيلي: بما (تيسر معك من
القرآن)، أي الفاتحة، لأنها ميسرة لكل أحد، وعند أبي داود
ثم اقر بأم القرآن، أو بما شاء الله، ولأحمد وابن حبان:
ثمّ اقرأ بأم القرآن، ثمّ اقرأ بما شئت، (ثم اركع حتى
تطمئن) حال كونك (راكعًا. ثم ارفع حتى تعتدل) حال كونك
(قائمًا) في رواية ابن نمير عند ابن ماجة، بإسناد على شرط
الشيخين: حتى تطمئن قائمًا. فالظاهر أن إمام الحرمين لم
يقف على هذه الرواية، حيث قال: وفي إيجاب الطمأنينة في
الرفع من الركوع شيء، لأنها لم تذكر في حديث: المسيء
صلاته. (ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا، ثم ارفع حتى
تطمئن) حال كونك (جالسًا ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك
(ساجدًا، ثم الفعل ذلك) المذكور من كل واحد من التكبير
للإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والسجود، والجلوس (في)
كل ركعة واحدة من (صلاتك كلها) فرضًا ونفلاً.
ولم يذكر له بقية الواجبات في الصلاة لكونه كان معلومًا
عنده.
فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة بين الترجمة والحديث فإنه
لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلّى المذكور؟.
أجيب: بأنه ورد في حديث رفاعة بن رافع، عند ابن أبي شيبة،
في هذه القصة: دخل رجل فصلّى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا
سجودها، فالظاهر أن المؤلّف أشار بالترجمة إلى ذلك، وأجاب
ابن المنير بأنه عليه الصلاة والسلام، لما قال له: اركع
حتى تطمئن راكعًا إلى آخر ما ذكر له من الأركان، اقتضى ذلك
تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها، فكل من لم يتم
ركوعه أو سجوده، أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة. اهـ.
وهذا الحديث قد سبق في باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم.
123 - باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ
(باب الدعاء في الركوع).
794 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ
فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". [الحديث
794 - أطرافه في: 817، 4293، 4967، 4968].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، الحوضي (قال:
حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر السلمي
(عن أبي الضحى) بضم الضاد المعجمة وفتح الحاء المهملة
مقصورًا، مسلم بن صبيح، بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة
آخره مهملة، الكوفي العطار التابعي، المتوفى في زمن خلافة
عمر بن عبد العزيز، (عن مسروق) هو ابن الأجدع
(2/107)
الهمداني الكوفي (عن عائشة رضي الله عنها
قالت: كان النبي) وللأصيلي: كان رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. يقول، في رجوعه وسجوده)
امتثالاً لما أمره الله به في قوله تعالى {فسبح بحمد ربك
واستغفره} على أحسن الوجوه وأفضل الحالات في فرض الصلاة
ونفلها.
(سبحانك اللهمّ) بالنصب بفعل محذوف لزومًا، أي: أسبح
سبحانك اللهم (ربنا و) سبحت (بحمدك) فمتعلق الباء محذوف،
أي بتوفيقك وهدايتك لا بحولي وقوتي، ففيه شكر الله تعالى
على هذه النعمة، والاعتراف بها. والواو فيه للحال، أو لعطف
الجملة على الجملة، سواء قلنا إضافة الحمد إلى الفاعل.
والمراد من الحمد لازمه مجازًا، وهو ما يوجب الحمد من
التوفيق والهداية، أو إلى المفعول، ويكون معناه: وسبحت
ملتبسًا بحمدي لك.
(اللهم) أي يا الله (اغفر لي) ... فيه دلالة الحديث على
الترجمة قيل: وإنما نص فيها على الدعاء دون التسبيح، وإن
كان الحديث شاملاً لهما لقصد الإشارة إلى الرد على من كره
الدعاء في الركوع، كمالك رحمه الله.
وأما التسبيح فمتفق عليه، فاهتم هنا بالتنصيص على الدعاء
لذلك، واحتج المخالف بحديث ابن عباس عند مسلم، مرفوعًا:
فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في
الدعاء فقمن أن يستجاب لكم.
وأجيب بأنه: لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما
لا يمتنع التعظيم في السجود، وإنما سأل عليه الصلاة
والسلام المغفرة مع كمال عصمته لبيان الافتقار إلى الله
تعالى والإذعان له، وإظهارًا للعبودية، أو كان عن ترك
الأولى أو لإرادة تعليم أمته.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي وكوفي، وشيخ المؤلّف
فيه من أفراده، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه
المؤلف: في المغازي. والتفسير، ومسلم وأبو داود والنسائي
وابن ماجة: في الصلاة.
124 - باب مَا يَقُولُ الإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا
رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ
795 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَكَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ، وَإِذَا قَامَ
مِنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ".
(باب ما يقول الإمام ومن خلفه) من المقتدين به (إذا رفع
رأسه من الركوع). وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال:
حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن، واسم جدّه أبي
ذئب هشام (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
قال):
(سمع الله لمن حمده)) في حال انتقاله من الركوع إلى
الاعتدال، (قال) في حال اعتداله: (اللهم ربنا) أي: يا
الله، يا ربنا. ففيه تكرار النداء. وفي بعض الروايات قال:
ربنا (ولك الحمد) بإثبات الواو.
ونص أحمد، فيما رواه عنه الأثرم، على ثبوتها في عدة
أحاديث، وفي بعض الروايات: ربنا لك الحمد، بحذفها.
قال النووي: لا ترجيح لأحدهما على الآخر.
وقال ابن دقيق العيد: كأن إثباتها دالّ على معنى زائد،
لأنه يكون التقدير مثلاً: ربنا استجب ولك الحمد. فيشتمل
على معنى الدعاء ومعنى الخبر.
قال في الفتح: وهذا بناء منه على أن الواو عاطفة. وقد قيل:
إنها واو الحال، قاله ابن الأثير، وضعف ما عداه.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة الإمام واضحة من هذا، أما
من جهة المأموم فبالقياس عليه أو اكتفاءً بالحديث الذي
قدمه، وهو: إنما جعل الإمام ليؤتم به. أو بضم حديث: صلوا
كما رأيتموني أصلي، إلى حديث الباب.
وفي حديث أبي هريرة: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: سمع الله لمن حمده.
قال من وراءه: سمع الله لمن حمده.
لكن قال الدارقطني: المحفوظ في ذلك فليقل من وراءه: ربنا
لك الحمد.
(وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا ركع
وإذا رفع رأسه) أي من السجود لا من الركوع (يكبر) عبر
بالجملة
الفعلية المضارعية، لأن المضارع يفيد الاستمرار، أي كان
تكبيره ممدودًا من أول الركوع والرفع إلى آخرهما بخلاف
التكبير للقيام، فإنه لا يستمر. ولهذا قال مالك: لا يكبر
للقيام من الركعتين حتى يستوي قائمًا. (وإذا قام من
السجدتين قال):
وفي الأولى: بالفعلية. فغاير بينهما للتفنن في الأكم أو
لإرادة التعميم، لأن التكبير بتناول التعريف ونحوه: قال
البرماوي، كالكرماني.
وأما قوله في الفتح، الذي يظهر أنه من تصرف الرواة: فقال
العيني: إن الذي قاله الكرماني أولى من نسبة الرواة إلى
التصرف في الألفاظ التي نقلت عن الصحابة.
125 - باب فَضْلِ "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ".
(باب فضل اللهم ربنا لك الحمد) وللأصيلي: ولك الحمد
بالواو، وعزاها في فتح الباري للكشميهني، ولفظ: باب، ساقط
في
(2/108)
رواية أبي ذر والأصيلي.
796 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ
الإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا:
اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ
وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». [الحديث 796 - طرفه في: 3228].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) إمام الأئمة (عن سمي) بضم المهملة وفتح الميم، مولى
أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث (عن أبي صالح) ذكوان
السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك
الحمد) وللأصيلي: ولك الحمد، بالواو. وقال النووي: فيكون
متعلقًا بما قبله، أي: سمع الله لمن حمده. ربنا استجب
دعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا.
وفيه رد على أن ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين
اللهم والواو في ذلك.
واستدلّ بهذا الحديث المالكية والحنفية على أن الإمام لا
يقول ربنا لك الحمد، وعلى أن المأموم لا يقول: سمع الله
لمن حمده. لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية، وأنه عليه
الصلاة والسلام قسم التسميع والتحميد، فجعل التسميع الذي
هو طلب التحميد للإمام، والتحميد الذي هو طلب الإجابة
للمأموم.
ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى
الأشعري عند مسلم: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا:
ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم. ولا دليل لهم في ذلك، لأنه
ليس فى حديث الباب ما يدل على النفي، بل فيه أن قول
المأموم: ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام: سمع الله لمن
حمده. ولا يمتنع أن يكون الإمام طالبًا ومجيبًا، فهو
كمسألة التأمين السابقة.
وقد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع
بينهما، وقد قال عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني
أصلّى، فيجمع بينهما الإمام والمنفرد عند الشافعية
والحنابلة وأبي يوسف ومحمد والجمهور. والأحاديث الصحيحة
تشهد لذلك، وزاد الشافعية: أن المأموم يجمع بينهما أيضًا.
(فإنه من وافق قوله قول الملائكة) أي: فمن وافق حمده حمد
الملائكة، (غفر له ما تقدم من ذنبه).
وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين، وظاهره أن الموافقة في
الحمد في الصلاة لا مطلقًا.
126 - باب
(باب) بالتنون من غير ترجمة، كذا للجميع. قاله الحافظ ابن
حجر، وعزاه البرماوي لبعض النسخ بعد أن قال: باب القنوت.
ولفظ: باب ساقط كالترجمة عند الأصيلي، والراجح إثباته كما
أن الراجح حذفه من الذي قبله، لأن الأحاديث المذكورة فيه
لا دلالة له فيها على فضل: اللهم ربنا لك الحمد إلا بتكلف
فالأولى أن يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله.
797 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "لأُقَرِّبَنَّ صَلاَةَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَكَانَ
أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ
الآخِرَةِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ، وَصَلاَةِ الْعِشَاءِ
وَصَلاَةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ. فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ
الْكُفَّارَ. [الحديث 797 - أطرافه في: 804، 1006، 2932،
3381، 4560، 4598، 6200، 6393، 6940].
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد
المعجمة البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن
أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن، ولمسلم من طريق
معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يحيى، حدّثني أبو سلمة (عن أبي
هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: لأقربن) لكم (صلاة النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التقريب مع نون
التوكيد الثقيلة، أي لأقربكم إلى صلاته، أو لأقرب صلاته
إليكم وللطحاوي لأرينكم (فكان) بالفاء التفسيرية، ولابن
عساكر: وكان (أبو هريرة رضي الله عنه يقنت في الركعة
الأخرى) بضم الهمزة وسكون الخاء وفتح الراء، ولأبي ذر عن
الكشميهني: في الركعة الآخرة (من) ثلاث صلوات: (صلاة
الظهر، وصلاة العشاء، وصلاة الصبح، بعدما يقول: سمع الله
لمن حمده) فيه القنوت بعد الركوع في الاعتدال وقال مالك:
يقنت قبله دائمًا (فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار) الغير
المعينين، أما المعين فلا يجوز لعنه حيًّا كان أو ميتًا
إلا من علمنا بالنصوص موته على الكفر: كأبي لهب.
وظاهر سياق الحديث أنه مرفوع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس موقوفًا على أبي هريرة، لقوله
لأقربن لكم صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. ثم فسره بقوله: فكان أبو هريرة إلى آخره.
وقيل المرفوع منه وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات
المذكورة ويدل له ما في رواية شيبان عن يحيى عند المؤلّف
في تفسيره سورة النساء، من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء لكن
لا ينفي هذا كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قنت
في غير العشاء. فالظاهر أن جميعه مرفوع.
ورواة الحديث ما بين بصري ودستوائي ويماني ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف فيه من أفراده،
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الصلاة.
798 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ
عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
"كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ". [الحديث
798 - طرفه في: 1004].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو جد أبيه، نسب
إليه لشهرته به، واسم أبيه: محمد بن حميد البصري، المتوفى
سنة ثلاث
(2/109)
وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا إسماعيل) بن
علية بضم العين وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية (عن
خالد الحذاء) سقط: الحذاء لابن عساكر (عن أبي قلابة) بكسر
القاف، عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي (عن أنس)، وللأصيلي
زيادة: ابن مالك (رضي الله عنه، قال: كان القنوت) في أول
الأمر، أي: في الزمن النبوي، فله حكم الرفع (في) صلاة
(المغرب) وصلاة (الفجر) ثم ترك في غير صلاة الفجر، وبقية
مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الوتر.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وشيخ المؤلّف فيه من
أفراده، وفيه التحديث والعنعنة والقول.
799 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلاَّدٍ الزُّرَقِيِّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ
قَالَ: "كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ:
أَنَا. قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا
يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ» ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
إمام دار الهجرة (عن نعيم بن عبد الله المجمر) بضم الميم
الأولى، وكسر الثانية والخفض، صفة لنعيم وأبيه (عن علي بن
يحيى بن خلاد الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء الأنصاري
المدني، المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة، وفي رواية ابن
خزيمة: إن علي بن يحيى حدّثه (عن أبيه) يحيى بن خلاد الذي
حنكه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن
رفاعة بن رافع) بكسر الراء وتخفيف الفاء وبعد الألف عين
مهملة في الأول، وبالراء المفتوحة وبالفاء في الآخر
(الزرقي) أيضًا أنه (قال: كنا يومًا) من الأيام (نصلي)
ولأبي ذر: كنا نصلي يومًا (وراء النبي) وللأصيلي: وراء
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المغرب
(فلما رفع رأسه) أي: فلما شرع في رفع رأسه (من الركعة
قال):
(سمع الله لمن حمده) وأتمه في الاعتدال. (قال رجل) هو
رفاعة بن رافع: قال في المصابيح: وهل هو راوي الحديث أو
غيره يحتاج إلى تحرير. اهـ.
قلت جزم الحافظ ابن حجر بأنه راوي الحديث، وكذا قال ابن
بشكوال، وهو في الترمذي. وإنما كنى عن نفسه لقصد إخفاء
عمله.
ونقل البرماوي عن ابن مندة أنه جعله غير راوي الحديث. وأن
الحاكم جعله معاذ بن رفاعة، فوهم في ذلك.
ولأبوي ذر والوقت: فقال رجل: (ربنا) وللكشميهني: فقال رجل
من ورائه: ربنا (ولك الحمد) بالواو (حمدًا) منصوب بفعل
مضمر دل عليه قوله: لك الحمد (كثيرًا طيبًا) خالصًا عن
الرياء والسمعة (مباركًا) أي كثير الخير (فيه) زاد في
رواية رفاعة بن يحيى: كما يحب ربنا ويرضى وفيه من حسن
التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد.
(فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(من المتكلم)؟ بهذه الكلمات زاد رفاعة بن يحيي: في الصلاة،
فلم يتكلم أحد. ثم قالها الثانية، فلم يتكلم أحد، ثم قالها
الثالثة (قال) رفاعة بن رافع (أنا) المتكلم بذلك، أرجو
الخير.
فإن قلت: لِمَ أخر رفاعة إجابة الرسول -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى كرر سؤاله ثلاثًا مع وجوب إجابته
عليه، بل وعلى غيره ممن سمع، فإنه عليه الصلاة والسلام
عمّم السؤال، حيث قال: من المتكلم؟.
أجيب: بأنه لما لم يعين واحدًا بعينه، لم تتعين المبادرة
بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه، وكأنهم انتظروا
بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء
ظنًّا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه.
ويدل له ما في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى،
عند ابن نافع، قال رفاعة: فوددت أني خرجت من مالي، وأني لم
أشهد مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تلك الصلاة. الحديث.
وكأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم
أنه لم يقل بأسًا، ويدل لذلك حديث مالك بن ربيعة عند أبي
داود قال: من القائل الكلمة؟ فلم يقل بأسًا؟ (قال) عليه
الصلاة والسلام:
(رأيت بضعة) بتاء التأنيث، وللحموي والمستملي: بضعًا
(وثلاثين ملكًا) أي على عدد حروف الكلمات: أربعة وثلاثين،
لأن البضع بكسر الباء وتفتح ما بين الثلاث والتسع، ولا
يختص بما دون العشرين خلافًا للجوهري، والحديث يرد عليه،
فأنزل الله تعالى بعدد حروف الكلمات ملائكة في مقابلة كل
حرف ملكًا تعظيمًا لهذه الكلمات، وأما ما وقع في حديث أن
عند مسلم، فالموافقة فيه كما أفاده في الفتح بالنظر لعدد
الكلمات على اصطلاح النحاة، ولفظه: لقد رأيت اثني عشر
ملكًا (يبتدرونها) أي: يسارعون إلى الكلمات المذكورة
(أيهم) بالرفع مبتدأ خبره (يكتبها أول) بالبناء على الضم
لنية
(2/110)
الإضافة ويجوز أن يكون معربًا بالنصب على
الحال وهو غير منصرف، والوجهان في فرع اليونينية كهي.
قال في المصابيح وأي استفهامية تتعلق بمحذوف دل عليه:
يبتدرونها، والتقدير يبتدرونها ليعلموا أيهم يكتبها أول،
أو ينظرون أيهم يكتبها. ولا يصح أن يكون متعلقًا:
بيبتدرون، لأنه ليس من الأفعال التي تعلق بالاستفهام، ولا
مما يحكى به.
فإن قلت: والنظر أيضًا ليس من الأفعال القلبية والتعليق من
خواصها، فكيف ساغ لك تقديره؟
وأجاب بأن في كلام ابن الحاجب وغيره من المحققين ما يقتضي
أن التعليق لا يخص أفعال القلوب المتعدية إلى اثنين، بل
يخص كل قلبي، وإن تعدى إلى واحد: كعرف، والنظر هاهنا يحمل
على نظر البصيرة، فيصح تعليقه: واقتصر الزركشي حيث جعلها
استفهامية على أن المعلق هو: يبتدرون، وإن لم يكن قلبيًّا،
وهذا مذهب مرغوب عنه. اهـ.
ويجوز نصب: أيّهم، بتقدير ينظرون، والمعنى أن كل واحد منهم
يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر ويصعد بها إلى حضرة الله
تعالى لعظم قدرها.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه رواية الأكابر عن
الأصاغر، لأن نعيمًا أكبر سنًّا من علي بن يحيى. وأقدم
سمعًا منه، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي.
127 - باب الإِطْمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ
الرُّكُوعِ
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ
كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ.
(باب الإطمأنينة) بكسر الهمزة قبل الطاء الساكنة، وفي
بعضها بضم الهمزة، وللكشميهني: الطمأنينة، بضم الطاء بغير
الهمز (حين يرفع) المصلي (رأسه من الركوع).
(وقال أبو حميد) الساعدي، ما يأتي موصولاً، إن شاء الله
تعالى، في باب: سنة الجلوس للتشهد؛ (رفع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه). من الركوع (واستوى)
بالواو، ولأبي ذر: فاستوى، أي: قائمًا (حتى يعود كل فقار
مكانه) بفتح الفاء والقاف الخفية، خرزات الصلب: وهي
مفاصله، والواحدة فقارة.
وقد حصلت المطابقة بين هذا التعليق والترجمة بقوله: واستوى
أي قائمًا. نعم: في رواية كريمة: واستوى جالسًا، وحينئذ
فلا مطابقة. لكن المحفوظ سقوطها.
وعزاه في الفرع وأصله للأصيلي وأبي ذر فقط، وعلى تقدير
ثبوتها فيحتمل أنه عبر عن السكون بالجلوس، فيكون من باب:
ذكر الملزوم وإرادة اللازم.
800 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: "كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ
لَنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَكَانَ يُصَلِّي، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ".
[الحديث 800 - طرفه في: 821].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
(قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ثابت) البناني (قال: كان
أنس) ولأبي ذر والأصيلي: كان أنس بن مالك رضي إلله عنه
(ينعت) بفتح العين، أي يصف (لنا صلاة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكان يصلّي، فإذا) بالفاء،
ولغير أبي ذر والأصيلي، وإذا (رفع رأسه من الركوع قام حتى
نقول) بالنصب، أي: إلى أن نقول (قد نسي) وجوب الهوي إلى
السجود، أو أنه في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت من طول
قيامه، وهذا صريح في الدلالة على أن الاعتدال ركن طويل، بل
هو نص فيه، فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف، وهو قولهم:
لم يسنّ فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود، ووجه ضعفه
أنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد.
وقد اختار النووي جواز تطويل الركن القصير خلافًا للمرجح
في المذهب، واستدلّ لذلك بحديث حذيفة عند مسلم: أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ في ركعة بالبقرة
وغيرها، ثم ركع نحوًا مما قرأ؛ ثم قام بعد أن قال: ربنا لك
الحمد، قيامًا طويلاً قريبًا مما ركع.
قال النووي: الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز
الإطالة بالذكر.
801 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ
الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ "كَانَ رُكُوعُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ
وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الحكم عن ابن أبي ليلى، عن البراء) بن عازب
(رضي الله عنه، قال: كان ركوع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) اسم كان وتاليه عطف عليه. وهو قوله:
(وسجوده، وإذا رفع) أي اعتدل (من الركوع)، ولكريمة: وإذا
رفع رأسه من الركوع (و) جلوسه (بين السجدتين قريبًا من
السواء) بالفتح والمدّ وسابقه نصب خبر كان.
والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب.
قال بعضهم: وليس المراد أنه كان يركع بقدر قيامه، وكذا
السجود والاعتدال، بل المراد أن صلاته كانت معتدلة، فكان
إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان، وإذا أخفها أخف بقية
الأركان، فقد ثبت أنه قرأ في الصبح: بالصافّات، وثبت في
السُّنن
(2/111)
عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر
تسبيحات، فيحمل على أنه إذا قرأ بدون الصافات اقتصر على
دون العشر، وأقله كما ورد في السُّنن أيضًا ثلاث تسبيحات.
اهـ من الفتح.
ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي في باب: استواء
الظهر، وهو قوله: ما خلا القيام والقعود.
802 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ قَالَ: "كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ
يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ:
فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ
الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَتَ هُنَيَّةً.
قَالَ فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي
بُرَيْدٍ، وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا، ثُمَّ
نَهَضَ".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (قال: حدّثنا
حماد بن زيد) بن درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة)
عبد الله بن زيد (قال: كان) وللكشميهني: قال قام (مالك بن
الحويرث) الليثي (يرينا) بضم أوله من الإراءة (كيف كان
صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذاك) أي
الفعل (في غير وقت صلاة) لأجل التعليم، ولأبي ذر والأصيلي:
في غير وقت الصلاة بالتعريف (فقام فأمكن القيام) أي مكن
بالتشديد (ثم ركع فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه فانصبّ) بهمزة
وصل وتشديد الموحدة، كأنه كنى عن رجوع أعضائه من الانحناء
إلى القيام بالانصباب، والذي في اليونينية بتخفيف الموحدة،
ولابن عساكر والأصيلي وأبوي الوقت وذر، عن الكشميهني:
فأنصت، بهمزة قطع آخره مثناة فوقية بدل الموحدة من
الإنصات: أي سكت (هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد
المثناة التحتية، قليلاً. فلم يكبر للهوي في الحال،
وللإسماعيلي: فأنتصب قائمًا، وهو أوضع في المراد كما لا
يخفى.
(قال أبو قلابة: فصلّى بنا) مالك (صلاة شيخنا) أي كصلاة
شيخنا (هذا) عمرو بن سلمة بكسر اللام الجرمي (أبي بريد)
بضم الموحدة وفتح الراء المهملة، وصوّبه أبو ذر كما في
الفرع وأصله، وكذا ضبطه مسلم في كتاب الكنى وللحموي
والمستملي: أبي يزيد، بالمثناة التحتية والزاي المعجمة،
غير منصرف، وجزم به الجياني.
وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد: لم أسمعه من أحد إلا
بالزاي، لكن مسلم أعلم في أسماء المحدثين.
قال أبو قلابة (وكان أبو بريد) أو أبو يزيد (إذا رفع رأسه
من السجدة الآخرة استوى) حال كونه (قاعدًا) للاستراحة (ثم
نهض) أي قام.
وهذا الحديث قد سبق في باب: من صلّى بالناس وهو لا يريد
إلا أن يعلمهم، مع اختلاف في المتن والإسناد، ومطابقته
للترجمة في قوله: ثم رفع رأسه فانصب هنية.
128 - باب يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ
قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ.
هذا (باب) بالتنوين (يهوي) بفتح أوله وضمه وكسر ثالثه أي
ينحط أو يهبط المصلي. (بالتكبير حين يسجد).
(وقال نافع) مولى ابن عمر، مما وصله ابن خزيمة والطحاوي
وغيرهما، من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن
عمر، عن نافع، قال: (كان ابن عمر) بن الخطاب إذا سجد (يضع
يديه) أي كفيه (قبل) أن يضع (ركبتيه) هذا مذهب مالك، قال:
لأنه أحسن في خشوع الصلاة ووقارها، واستدلّ به بحديث أبي
هريرة المروي في السنن بلفظ: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما
يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه، وعورض بحديث عن أبي
هريرة أيضًا، أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف.
ومذهب الثلاثة وفاقًا للجمهور: يضع ركبتيه قبل يديه، لأن
الركبتين أقرب للأرض. واستدل له بحديث وائل بن حجر المروي
في السُّنن، وقال الترمذي: حديث حسن، ولفظه قال: رأيت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سجد وضع
ركبتيه قبل يديه.
قال الخطابي وهو أثبت من حديث تقديم اليدين، وأرفق
بالمصلي، وأحسن في الشكل، ورأي العين.
وقال الدارقطني: قال ابن أبي داود: وضع الركبتين قبل
اليدين تفرد به شريك القاضي عن عاصم بن كليب، وشريك ليس
بالقوي فيما ينفرد به.
وقال البيهقي: هذا الحديث يعدّ في إفراد شريك هكذا ذكره
البخاري وغيره من حفّاظ المتقدمين، وفي المعرفة، قال همام:
وحدّثنا شقيق، يعني أبا الليث، عن عاصم بن كليب، عن أبيه،
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرسلاً، وهو
المحفوظ.
وعن أبي هريرة، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير،
وليضع يديه
قبل ركبتيه. رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد، ولم يضعفه
أبو داود.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين
فأمرنا بالركبتين قبل اليدين، رواه ابن خزيمة في صحيحه،
وادعى أنه ناسخ لتقديم اليدين، قال في المجموع: ولذا
اعتمده أصحابنا، ولكن لا حجة فيه لأنه ضعيف ظاهر الضعف،
بين البيهقي وغيره ضعفه، وهو من رواية يحيى
(2/112)
بن سلمة بن كهيل، وهو ضعيف باتفاق الحفاظ،
ولذا قال النووي: لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر من
حيث السُّنّة.
لكن قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: من أحاديث
الأحكام، حديث أبي هريرة: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك
البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه، أقوى من حديث وائل: رأيت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سجد،
وضع ركبتيه قبل يديه. لأن لحديث أبي هريرة شاهدًا من حديث
ابن عمر، صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقًا موقوفًا
اهـ.
ومراده بذلك قوله هنا، وقال نافع إلخ، فإن قلت: ما وجه
مطابقة هذا الأثر للترجمة؟ أجيب: من جهة اشتمالها عليه
لأنها في الهوي بالتكبير إلى السجود، فالهوي فعل، والتكبير
قول. فكما أن أبي هريرة الآتي، إن شاء الله تعالى في هذا
الباب يدل على القول، كذلك أثر ابن عمر هذا يدل على الفعل،
والحاصل أن للهوي إلى السجود صفتين: صفة قولية، وأخرى
فعلية. فأثر ابن عمر أشار إلى الصفة الفعلية، وحديث أبي
هريرة إليهما معًا.
803 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ مِنَ
الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ
فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ
يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،
ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ
يَسْجُدَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي
سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ
السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ
يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ ثُمَّ
يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الْجُلُوسِ فِي
الاِثْنَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلاَةِ، ثُمَّ
يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
إِنِّي لأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِنْ كَانَتْ هَذِهِ
لَصَلاَتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: حدّثنا)
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أخبرنا (شعيب) أي ابن أبي
حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد (أبو
بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وأبو سلمة بن عبد
الرحمن، أن أبا هريرة) رضي الله عنه: (كان يكبر) أي حين
استخلفه مروان على المدينة، كما عند النسائي (في كل صلاة
من المكتوبة وغيرها من رمضان وغيره) وسقط وغيره في بعضها
(فيكبر حين يقول) للإحرام (ثم يكبر حين يركع) أي: حين يشرع
في الانتقال إلى الركوع، ويحده حتى يصل إلى حد الراكعين،
ثم يشرع في تسبيح الركوع، (ثم يقول: سمع الله لمن حمده) في
الرفع، من الركوع، ويمدّه حتى ينتصب قائمًا (ثم يقول: ربنا
ولك الحمد) بالواو في الاعتدال (قبل أن يسجد، ثم يقول:
الله أكبر، حين يهوي ساجدًا) بفتح المثناة التحتية وسكون
الهاء وكسر الواو، ولأبي ذر يهوي بضمها، أي يبتدئ به من
حين الشروع في الهوي بعد الاعتدال، حتى يضع جبهته على
الأرض، ثم يشرع في تسبيح السجود (ثم يكبر حين يرفع رأسه من
السجود) حتى يجلس، ثم يشرع في دعاء الجلوس (ثم يكبر حين
يسجد) الثانية (ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر
حين يقوم من الجلوس في) الركعتين (الاثنتين) يشرع فيه من
حين ابتداء القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول، (ويفعل
ذلك) المذكور من التكبير وغيره (في كل ركعة حتى يفرغ من
الصلاة، ثم يقول حين ينصرف) منها: (والذي نفسي بيده إني
لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، إن كانت) بكسر همزة إن المخففة من الثقيلة،
واسمها ضمير الشأن، واسم ْكان قوله (هذه) أي الصلاة التي
صليتها (لصلاته) عليه الصلاة والسلام، خبر كان واللام
للتأكيد، (حتى فارق الدنيا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
804 - قَالاَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-:
"وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ-
يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ
فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ
وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ
اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ
سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ
مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ".
(قالا) أي: أبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو سلمة بن عبد
الرحمن المذكوران بالإسناد السابق إليهما: (وقال: أبو
هريرة رضي الله عنه: وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين يرفع رأسه) من الركوع (يقول) (سمع
الله لمن حمده) وفي الاعتدال: (ربنا ولك الحمد) بالواو
فيجمع بينهما (يدعو) خبر آخر لكان، أو عطف بدون حرف العطف
اختصارًا، وهو جائز معروف في اللغة، وقال العيني: الأوجه
أن
يكون حالاً من ضمير يقول أي يقول حال كونه يدعو (لرجال) من
المسلمين، واللام تتعلق بيدعو (فيسميهم بأسمائهم).
استدلّ به وبما يأتي علي أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما
يدعى لهم وعليهم لا تفسد الصلاة. (فيقول) عليه الصلاة
والسلام:
(اللهم أنج الوليد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي، أخا
خالد بن الوليد، وهمزة أنج قطع مفتوحة مجزوم بالطلب، وكسر
لالتقاء الساكنين (و) أنج (سلمة بن هشام) بفتح اللام، أخا
أبي جهل بن هشام (و) أنج (عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل
لأمه، وعياش بفتح العين وتشديد المثناة التحتية، وكل هؤلاء
الذين دعا لهم عليه الصلاة والسلام نجوا من أسر الكفار
ببركة دعائه عليه الصلاة والسلام (و) أنج (المستضعفين
(2/113)
من المؤمنين) من باب عطف العام على الخاص.
ثم يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم اشدد)
بهمزة وصل، وقول العيني: بضم الهمزة محمول على الابتداء
بها (وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء وفتح الهمزة، من
الوطء. وهو شدة الاعتماد على الرجل، والمراد اشدد بأسك أو
عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر) فالمراد القبيلة، ومضر
بميم مضمومة وضاد معجمة غير منصرف، وهو ابن نزار بن معد بن
عدنان (واجعلها) قال الزركشي: الضمير للوطأة أو للأيام وإن
لم يسبق له ذكر لما دل عليه المفعول الثاني الذي هو سنين.
قال في المصابيح: ولا مانع من أن يجعل عائدًا على السنين
لا إلى الأيام التي دلّت عليها سنين، وقد نصوا على جواز
عود الضمير على المتأخر لفظًا ورتبةً إذا كان مخبرًا عنه
بخبر يفسره، مثل {إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن} من هذا
القبيل. انتهى.
أي واجعل السنين (عليهم سنين) جمع سنة، والمراد بها هنا
زمن القحط (كسني يوسف) الصديق عليه السلام السبع الشداد في
القحط، وامتداد زمان المحنة والبلاء، وبلوغ غاية الجهد
والضراء، وأسقط نون سنين للإضافة جريًا على اللغة الغالبة
فيه. وهي إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم، لكنه شاذ لكونه
غير عاقل، ولتغيير مفرده بكسر أوّله. ولهذا أعربه بعضهم
بحركات على النون، كالمفرد كقوله:
دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بنا شيبًا وشيَّبننا
مُردا
وليس قوله: سنين عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر
كما في الفرع وأصله.
(وأهل المشرق يومئذٍ من مضر مخالفون له) عليه الصلاة
والسلام.
ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة، وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة.
805 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "سَقَطَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
فَرَسٍ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ فَرَسٍ- فَجُحِشَ
شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ،
فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا
وَقَعَدْنَا. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: صَلَّيْنَا
قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: إِنَّمَا
جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ
فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ
فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا
سَجَدَ فَاسْجُدُوا. قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا جَاءَ بِهِ
مَعْمَرٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لَقَدْ حَفِظَ. كَذَا
قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَكَ الْحَمْدُ، حَفِظْتُ مِنْ
شِقِّهِ الأَيْمَنِ. فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَنَا عِنْدَهُ:
فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَيْمَنُ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني البصري (قال:
حدّثنا سفيان) بن عيينة (غير مرة) تأكيد لروايته (عن) ابن
شهاب (الزهري، قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول:
سقط رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فرس
وربما قال سفيان) بن عيينة: (من) بدل عن، وللأصيلي: وربما
قال من (فرس) فأسقط لفظ سفيان، (فجحش) بضم الجيم وكسر
الحاء آخره شين معجمة، أي خدش (شقه الأيمن، فدخلنا عليه)
حال كوننا (نعوده، فحضرت الصلاة، فصلّى بنا) عليه الصلاة
والسلام حال كونه (قاعدًا، وقعدنا) بالواو، وللأصيلي:
فقعدنا.
(وقال سفيان) بن عيينة (مرة: صلينا قعودًا) مصدر أو جمع
قاعدًا (فلما قضى) عليه الصلاة والسلام (الصلاة) أي فرغ
منها، (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع
فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده،
فقولوا: ربنا ولك الحمد) بالواو، أي بعد قوله: سمع الله
لمن حمده (وإذا سجد فاسجدوا).
(كذا) ولغير أبي ذر والأصيلي: قال سفيان، أي لعلي المديني
مستفهمًا له بهمزة مقدرة قبل قوله: كذا (جاء به معمر) بفتح
الميمين، ابن راشد البصري، قال عليّ: (قلت: نعم) جاء به
معمر.
كذا قال الحافظ ابن حجر، كأن مستند عليّ في ذلك رواية عبد
الرزاق عن معمر، فإنه من مشايخه بخلاف معمر فإنه لم يدركه،
وإنما يروي عنه بواسطة وكلام الكرماني يوهم خلاف ذلك.
انتهى.
قلت: بل صرّح به البرماوي حيث قال: فابن المديني كما يرويه
عن سفيان، عن الزهري، يرويه عن معمر عن الزهري.
وما قاله الحافظ يردّه.
(قال) سفيان: والله (لقد حفظ) معمر عن الزهري حفظًا صحيحًا
متقنًا. (كذا قال الزهري) أي: كما قال معمر: (ولك الحمد)
بالواو وفيه إشارة إلى أن بعض أصحاب الزهري لم يذكر الواو.
وأراد سفيان بهذا الاستفهام تقرير روايته برواية معمر له،
وفيه تحسين حفظه.
قال سفيان بن عيينة (حفظت) ولابن عساكر: وحفظت أي: من
الزهري أنه قال: فجحش (من شقه الأيمن، فلما خرجنا من عند)
ابن شهاب (الزهري، قال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
(أنا عنده) أي عند الزهري: فقال: (فجحش ساقه الأيمن) بلفظ:
الساق بدل الشق، فهو عطف على مقدّر، أو جملة حالية من فاعل
قال مقدّرًا. أي: قال الزهري وأنا عنده: ويحتمل أن يكون
هذا مقول سفيان لا مقول ابن
(2/114)
جريج والضمير حينئذٍ راجع للزهري. قاله
البرماوي كالكرماني.
قال في فتح الباري: وهذا أقرب إلى الصواب، ومقول ابن جريج
هو: فجحش إلخ ...
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومكي ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والسماع، وسبق في
باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، والله أعلم.
129 - باب فَضْلِ السُّجُودِ
806 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا "أَنَّ النَّاسَ
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ
لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِي
الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ:
فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ
شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ
الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى
هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ
اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا
مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ
رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ:
أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا،
فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ
جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ
بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ
الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ
سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ
شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ
السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ
شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ
عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ
بِأَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا
أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا
مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ،
وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ
عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ
فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ
تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ،
فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا،
فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ
كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ. ثُمَّ
يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ،
وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ -وَهْوَ
آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ- مُقْبِلٌ
بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ
وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا
وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ
فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟
فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي اللَّهَ مَا
يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ
وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى
الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ
بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ
أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ
غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ
أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ
أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ:
لاَ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ. فَيُعْطِي
رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ
إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى
زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ
فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ:
يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ:
وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! أَلَيْسَ قَدْ
أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ
غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ
تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ
الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى. حَتَّى
إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: مِن كَذَا وَكَذَا -أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ
رَبُّهُ- حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ
أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنهما-: - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ
أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلاَّ قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ
أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ذَلِكَ لَكَ
وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» ". [الحديث 806 - طرفاه في: 6573،
7437].
(باب فضل السجود). وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن
نافع (قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب
(الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب، وعطاء بن
يزيد الليثي أن أبا هريرة) رضي الله عنه (أخبرهما أن الناس
قالوا: يا رسول الله، هل نرى) أي نبصر (ربنا يوم القيامة؟
قال) عليه الصلاة والسلام:
(هل تمارون) بضم التاء والراء، من المماراة، وهي: المجادلة
وللأصيلي: تمارون، بفتح التاء والراء، وأصله. تتمارون حذفت
إحدى التاءين. أي هل تشكون (في) رؤية (القمر ليلة البدر
ليس دونه سحاب)؟ (قالوا: لا يا رسول الله. قال): (فهل
تمارون) بضم التاء والراء أو بفتحهما (في الشمس) ولأبي ذر
والأصيلي: في رؤية الشمس (ليس دونها سحاب) (قالوا: لا.
قال): وللأصيلي: قالوا: لا يا رسول الله. قال. (فإنكم
ترونه) تعالى (كذلك) بلا مرية ظاهرًا جليًّا ينكشف تعالى
لعباده بحيث تكون نسبة ذلك الانكشاف إلى ذاته المخصوصة،
كنسبة الإبصار إلى هذه المبصرات المادّية،
لكنه يكون مجرّدًا عن ارتسام صورة المرئي، وعن اتصال
الشعاع بالمرئي، وعن المحاذاة، والجهة، والمكان لأنها وإن
كانت أمورًا رزمة للرؤية عادة، فالعقل يجوّز ذلك بدونها،
(ويحشر الناس يوم القيامة فيقول): الله تعالى، أو: فيقول
القائل (من كان يعبد شيئًا فليتبع) بتشديد المثناة الفوقية
وكسر الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: فليتبعه، بضمير المفعول
مع التشديد والكسر، أو التخفيف مع الفتح، وهو الذي في
اليونينية لا غير (فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع
القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت) جمع طاغوت، الشيطان أو
الصنم، أو كل رأس في الضلال أو كل ما عبد من دون الله،
وصدّ عن عبادة الله، أو الساحر، أو الكاهن، أو مردة أهل
الكتاب، فعلوت من الطغيان، قلب عينه ولامه (وتبقى هذه
الأمة) المحمدية (فيها منافقوها) يستترون بها كما كانوا في
الدنيا، واتبعوهم لما انكشفت لهما الحقيقة لعلهم ينتفعون
بذلك، حتى {ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره
من قبله العذاب} (فيأتيهم الله عز وجل) أي يظهر لهم في غير
صورته، أي: في غير صفته التي يعرفونها من الصفات التي
تبعدهم بها عن الدنيا امتحانًا منه، ليقع التمييز بينهم
وبين غيرهم ممن يعبد غيره تعالى، (فيقول: أنا ربكم)
فيستعيذون بالله منه لم يظهر لهم بالصفات التي يعرفونها بل
بما استأثر بعلمه تعالى، لأن معهم منافقين لا يستحقون
الرؤية، وهم من ربهم محجوبون، (فيقولون: هذا مكاننا)
بالرفع خبر المبتدأ الذي هو اسم الإشارة (حتى يأتينا) يظهر
لنا (ربنا، فإذا جاء) ظهر (ربنا عرفناه، فيأتيهم الله) عز
وجل، أي: يظهر متجليًّا بصفاته المعروفة عندهم، وقد تميز
المؤمن من المنافق (فيقول: أنا ربكم) فإذا رأوا ذلك عرفوه
به تعالى (فيقولون: أنت ربنا). ويحتمل أن يكون الأوّل قول
المنافقين، والثاني قول المؤمنين.
وقيل: الآتي في الأوّل ملك، ورجحه عياض أي: يأتيهم ملك
الله، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وعورض بأن
الملك معصوم، فكيف يقول: أنا ربكم.
وأجيب: بأنّا لا نسلم عصمته من هذه الصغيرة، وردّ بأنه
يلزم منه أن يكون قول فرعون: أنا ربكم من الصغائر، فالصواب
ما سبق.
(فيدعوهم) ربهم، (فيضرب) بالفاء وضم الياء وفتح الراء
مبنيًّا للمفعول، ولأبوي ذر والوقت وذر والأصيلي وابن
عساكر: ويضرب (الصراط بين ظهراني جهنم) بفتح الظاء وسكون
الهاء وفتح النون، أي ظهري، فزيدت الألف والنون للمبالغة،
أي على وسط جهنم (فأكون أوّل من يجوز) بالواو، وفي بعض
النسخ: يجيز، بالياء مع ضم أوّله، وهي لغة في: جاز. يقال:
جاز بمعنى، أي: يقطع مسافة الصراط. (من الرسل) عليهم
الصلاة والسلام
(2/115)
(بأمته، ولا يتكلم) لشدّة الهول (يومئذ) أي
حال الإجازة على الصراط (أحد إلا الرسل، وكلام الرسل
يومئذ) على الصراط: (اللهم سلّم سلّم) شفقة منهم على الخلق
ورحمة (وفي جهنم كلاليب) جمع كلوب، بفتح الكاف وضم اللام
(مثل شوك السعدان) بفتح أوّله، نبت له شوك من جيد مراعي
الإبل، يضرب به المثل فيقال: مرعى ولا كالسعدان. (هل رأيتم
شوك السعدان؟ قالوا: نعم) رأيناه (قال: فإنها) أي الكلاليب
(مثل شوك
السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله) تعالى،
(تخطف) بفتح الطاء في الأفصح، وقد تكسر، وللكشميهني:
فتختطف بالفاء في أوّله وفوقية بعد الخاء وكسر الطاء، أي
تأخذ (الناس) بسرعة (بأعمالهم) أي بسبب أعمالهم السيئة، أو
على حسب أعمالهم، أو بقدرها (فمنهم من يوبق) بموحدة،
مبنيًّا للمفعول، أي: يهلك (بعمله) وقال الطبري: يوثق
بالمثلثة، من الوثاق، (ومنهم من يخردل) بخاء معجمة ودال
مهمة، وعن عبيد بالذال المعجمة، أي يقطع صغارًا كالخردل،
والمعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي إلى النار،
وللأصيلي: بالجيم، من الجردلة، بمعنى: الإشراف على الهلاك
(ثم ينجو، حتى إذا أراد الله) عز وجل (رحمة من أراد من أهل
النار) أي الداخلين فيها وهم المؤمنون الخلص، إذ الكافر لا
ينجو منها أبدًا، (أمر الله الملائكة أن يخرجوا) منها (من
كان يعبد الله) وحده، (فيخرجونهم) منها، (ويعرفونهم بآثار
السجود، وحرم الله) عز وجل (على النار أن تأكل أثر السجود)
أي موضع أثره، وهي الأعضاء السبعة، أو الجهة خاصة لحديث،
إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم،
رواه مسلم: وهذا موضع الترجمة.
واستشهد له ابن بطال بحديث: أقرب ما يكون العبد إذا سجد،
وهو واضح. وقال الله تعالى {واسجد واقترب} [العلق: 19].
وقال بعضهم: إن الله تعالى يباهي بالساجدين من عبيده
ملائكته المقرّبين. يقول لهم: يا ملائكتي أنا قربتكم
ابتداءً، وجعلتكم من خواص ملائكتي، وهذا عبدي جعلت بينه
وبين القربة حجبًا كثيرة، وموانع عظيمة مِن أغراض نفسية،
وشهوات حسيّة، وتدبير أهل ومال وأهوال، فقطع كل ذلك وجاهد
حتى سجد واقترب، فكان من المقربين. قال: ولعن الله إبليس
لإبائه عن السجود لعنة أبلسه بها وآيسه من رحمته إلى يوم
القيامة. اهـ.
وعورض بأن السجود الذي أمر به إبليس لا تعلم هيئته ولا
تقتضي اللعنة اختصاص السجود بالهيئة العرفية، وأيضًا
فإبليس إنما استوجب اللعنة بكفره حيث جحد ما نص الله عليه
من فضل آدم، فجنح إلى قياس فاسد يعارض به النص، ويكذبه،
ولعنه الله.
قاله ابن المنير:
(فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار) أي: فكل
أعضاء ابن آدم تأكلها النار (إلا أثر السجود) أي: مواضع
أثره (فيخرجون من النار قد امتحشوا) بالمثناة الفوقية
والمهملة المفتوحتين والشين المعجمة، بالبناء للفاعل، وفي
بعض النسخ: امتحشوا، بضم المثناة وكسر الحاء، بالبناء
للمفعول. أي: احترقوا واسودّوا. (فيصب عليهم) بضم المثناة
مبنيًّا للمفعول، والنائب عن الفاعل قوله: (ماء الحياة)
الذي من شرب منه أو صب عليه لم يمت أبدًا، (فينبتون كما
تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة. بزور الصحراء مما ليس
بقوت (في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم، ما
جاء به من طين ونحوه. شبه به لأنه أسرع في الإنبات (ثم
يفرغ الله من القضاء بين العباد)، الإسناد فيه
مجازي، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، فالمراد إتمام
الحكم بين العباد بالثواب والعقاب، (ويبقى رجل بين الجنة
والنار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة) حال كونه (مقبلاً
بوجهه قبل النار) بكسر القاف وفتح الموحدة: أي: جهتها.
ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: مقبل بالرفع، خبر مبتدأ
محذوف، أي: هو مقبل (فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار)
وللحموي والمستملي: من النار (قد) ولأبي ذر: فقد (قشبني)
بقاف فشين معجمة مخففة فموحدة مفتوحات، والذي في اللغة
بتشديدة الشين، أي سمني وأهلكني (ريحها)، وكل مسموم قشيب،
أي: صار
(2/116)
ريحها كالسم في أنفي (وأحرقني ذكاؤها) بفتح
الذال المعجمة والمد، وهو الذي في فرع اليونينية.
قال النووي، وهو الذي وقع في جميع الروايات، أي: أحرقني
لهبها واشتعالها وشدة وهجها، ولأبي ذر، مما في هامش الفرع،
وصحح عليه: ذكاها بالفتح والقصر. قال النووي: وهو الأشهر
في اللغة، وذكر جماعة أنهما لغتان. اهـ.
وعورض بأن ذكا النار مقصور يكتب بالألف، لأنه من الواو من
قولهم: ذكت النار تذكو ذكوًا، فأما ذكاء بالمدّ فلم يأت
عنهم في النار، وإنما جاء في الفهم.
(فيقول) الله تعالى: (هل عسيت) بفتح السين وكسرها، وهي لغة
مع تاء الفاعل مطلقًا، ومع نا، ومع نون الإناث، نحو: عسينا
وعسين، وهي لغة الحجاز، لكن قول الفراء: لست أستحبها لأنها
شاذة يأبى كونها حجازية.
وأجيب بأن المراد بكونها شاذة أي: قليلة بالنسبة إلى
الفتح، وإن ثبتت فعند أقلهم جمعًا بين القولين.
(إن فعل ذلك) الصرف الذي يدل عليه قوله الآتي، إن شاء الله
تعالى: الصرف وجهي عن النار. والهمزة من أن مكسورة حرف
شرط، وفعل بضم الفاء وكسر العين، مبنيًّا للمفعول، (بك أن
تسأل) بفتح همزة أن الخفيفة، وتاليها نصب بها (غير ذلك)
بالنصب بتسأل. (فيقول) الرجل: (لا، و) حق (عزتك) لا أسأل
غيره، (فيعطي الله) أي الرجل (ما يشاء) بياء المضارعة،
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ما شاء، (من عهد) يمين
(وميثاق، فيصرف الله) تعالى (وجهه عن النار، فإذا أقبل به
على الجنة رأى بهجتها) أي: حسنها ونضارتها، وهذه الجملة
بدل من جملة: أقبل على الجنة (سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم
قال: يا رب قدّمني عند باب الجنة. فيقول الله) عز وجل.
(له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق) اسم ليس ضمير الشأن،
ولأبي ذر والأصيلي: والمواثيق (أن لا تسأل غير الذي كنت
سألت؟ فيقول: يا رب) أعطيت العهود، لكن كرمك يطمعني (لا
أكون أشقى خلقك). قال الكرماني: أي لا أكون كافرًا،
وللكشميهني: لا أكونن.
وقال السفاقسي: المعنى: إن أنت أبقيتني على هذه الحالة ولا
تدخلني الجنة، لأكونن أشقى خلقك الذين دخلوها. والألف
زائدة في: لا أكون.
(فيقول) الله: (فما عسيت) بكسر السين وفتحها. (إن أعطيت
ذلك): التقديم إلى باب الجنة (أن لا تسأل غيره). بكسر همزة
إن الأولى: شرطية، وفتح الثانية: مصدرية وضم همزة أعطيت،
ولا زائدة كهي في {لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 129] أو
أصلية.
وما في قوله: فما عسيت نافية، ونفي النفي إثبات، أي: عسيت
أن تسأل غيره. وأن لا تسأل خبر عسى وذلك: مفعول ثان
لأعطيت، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أن تسأل،
بإسقاط لا. فما استفهامية، وإنما قال الله تعالى ذلك، وهو
عالم كان وما يكون، إظهارًا لا عهد من بني آدم من نقض
العهد، وأنهم أحق بأن لهم ذلك، فمعنى عسى راجع للمخاطب لا
إلى الله تعالى.
(فيقول) الرجل (لا و) حق (عزتك لا أسأل) ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر: لا أسالك، (غير ذلك فيعطي) الرجل
(ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه) الله (إلى باب الجنة،
فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها) بفاء العطف على بلغ، كقوله
(وما فيها من النضرة) بالضاد المعجمة الساكنة، أي البهجة
(والسرور) تحير، (فيسكت ما شاء الله أن يسكت)، بالفاء
التفسيرية، وأن مصدرية أي: ما شاء الله سكوته حياءً من
ربه، وهو تعالى يحب سؤاله لأنه يحب صوته، فيباسطه بقوله:
لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره؟ وهذه حالة المقصر، فكيف حالة
المطيع.
وليس نقض هذا العبد عهده جهلاً منه، ولا قلة مبالاة، بل
علمًا منه أن نقض هذا العهد أولى من الوفاء، لأن سؤاله ربه
أولى من إبرار قسمه.
قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على يمين فرأى غيرها
خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير. وجواب
إذا محذوف وتقديره نحو: تحير كما مر.
(فيقول: يا رب أدخلني الجنة. فيقول الله) عز وجل: (ويحك)
نصب بفعل محذوف، وهي كلمة رحمة، كما أن ويلك كلمة عذاب (يا
ابن آدم ما أغدرك!) صيغة تعجب من الغدر، وهو ترك الوفاء
(أليس قد أعطيت العهد والميثاق) بفتح
(2/117)
الهمزة والطاء مبنيًّا للفاعل وللكشميهني
العهود والمواثيق (أن لا تسأل غير الذي أعطيت)؟ بضم الهمزة
مبنيًّا للمفعول (فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك. فيضحك
الله عز وجل منه) أي من فعل هذا الرجل، وليس في رواية
الأصيلي لفظ: منه. والمراد من الضحك هنا لازمه، وهو كتاب
الرضا وإرادة الخير كسائر الإسنادات في مثله مما يستحيل
على الباري تعالى، فإن المراد لوازمها (ثم يأذن له) الله
تعالى (في دخول الجنة. فليقول له: تمنّ، فيتمنى. حتى إذا
انقطع) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: انقطعت (أمنيته قال
الله عز وجل)
له: (زاد من كذا وكذا) أي: من أمانيك التي كانت لك قبل أن
أذكرك بها، ولابن عساكر: تمنّ، بدل: زد (أقبل يذكره ربه عز
وجل) الأماني بدل من قوله: قال الله عز وجل زد (حتى إذا
انتهت به الأماني) بتشديد الياء، جمع أمنية (قال الله
تعالى) له: (لك ذلك) الذي سألته من الأماني (ومثله معه)
جملة حالية من المبتدأ والخبر.
(قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال
الله) عز
وجل (لك ذلك وعشرة أمثاله) أي: أمثال ما سألت. (قال أبو
هريرة: لم أحفظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلاّ قوله): (لك ذلك ومثله معه) وللحموي
والمستملي: لم أحفظه بضمير المفعول. (قال أبو سعيد الخدري:
إني سمعته يقول): (ذلك لك) وللكشميهني لك ذلك (وعشرة
أمثاله).
ولا تنافي بين الروايتين، فإن الظاهر أن هذا كان أوّلاً،
ثم تكرم الله فأخبر به عليه الصلاة والسلام ولم يسمعه أبو
هريرة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني، وفيه ثلاثة من
التابعين، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في صفة الجنة ومسلم في الإيمان.
130 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
هذا (باب) بالتنوين (يبدي) بضم المثناة التحتية وسكون
الموحدة، أي يظهر الرجل المصلي (ضبعيه) بفتح الضاد المعجمة
وسكون الموحدة، تثنية ضبع، أي وسط عضديه أو اللحمتين تحت
إبطيه (ويجافي) أي: يباعد بطنه عن فخذيه (في السجود) وخرج
بالرجل المرأة والخنثى فلا يجافيان بل يضمان بعضهما إلى
بعض، لأنه أستر لها وأحوط له.
807 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ:
"أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى
يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". وَقَالَ اللَّيْثُ:
حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ.
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) ولأبي ذر:
يحيى بن عبد الله بن بكير (قال: حدّثني) بالإفراد.
وللأصيلي: حدّثنا (بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف
في الأوّل، وضم الميم وفتح المعجمة غير منصرف في الثاني
(عن جعفر) هو ابن ربيعة (عن ابن هرمز) عبد الرحمن الأعرج
(عن عبد الله بن مالك ابن بحينة) صفة لعبد الله لأنها أمه
لا لمالك، فيكتب ابن بالألف وتنوين مالك: (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا صلّى فرج بين
يديه) بتشديد الراء، أي نحَّى كل يد عن الجنب الذي يليها
(حتى يبدو بياض إبطيه) لأنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين
الجبهة والأنف من الأرض، مع مغايرته لهيئة الكسلان.
وفي حديث ميمونة المروي في مسلم: كان -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجافي يديه فلو أن بهيمة أرادت أن
تمرّ لمرّت.
وفي حديث عائشة مما روي في مسلمًا أيضًا: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى أن يفترش الرجل
ذراعيه
افتراش السبع.
وفي حديت البراء عند مسلم أيضًا، رفعه: إذا سجدت فضع كفّيك
وارفع مرفقيك، وظاهرهما الوجوب.
وقول الحافظ ابن حجر أن حديث أبي هريرة عند أبي داود: شكا
أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له مشقة
السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب، أي بوضع
المرفقين على الركبتين، كما فسره ابن عجلان أحد رواته،
وترجم له أبو داود بالرخصة في ترك التفريج يدل على
الاستحباب فيه نظر، لأن ظاهره الرخصة مع وجود العذر، وهو
المشقّة عليهم.
لكن في مصنف ابن أبي شيبة، عن ابن عون قال: قلت لمحمد:
الرجل يسجد إذا اعتمد بمرفقيه على ركبتيه؟ قال: ما أعلم به
بأسًا، وكان ابن عمر يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد، وسأله
رجل: أأضع مرفقيّ على فخذي إذا سجدت؟ فقال: اسجد كيف تيسر
عليك.
وقال الشافعي في الأم: يسن للرجل أن يجافي مرفقيه عن جنبيه
ويرفع بطنه عن فخذيه.
(وقال الليث) بن سعد: (حدّثني جعفر بن
(2/118)
ربيعة، نحوه) وصله مسلم بلفظ: كان إذا سجد
فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه.
131 - باب يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ
الْقِبْلَةَ. قَالَهُ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذا (باب) بالتنوين (يستقبل) المصلي حال سجوده (بأطراف
رجليه القبلة)، وللأصيلي وأبي ذر: باب يستقبل القبلة
بأطراف رجليه، بأن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما،
وعقبيه مرتفعتين، فيستقبل بظهور قدميه القبلة، ومن ثم ندب
ضم الأصابع في السجود لأنها لو تفرقت انحرفت رؤوس بعضها عن
القبلة، (قاله) أي الاستقبال المذكور (أبو حميد)، ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: الساعدي، (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وهذا الباب والذي قبله ثبتا في الفرع كأصله وفي كثير من
الأصول، وسقطا في بعضهما.
قال الكرماني: لأنهما ذكرا مرة قبل باب: فضل استقبال
القبلة، وتعقب بأنه لم يذكر هناك إلا قوله: باب يبدي ضبعيه
ويجافي جنبيه في السجود.
وأما الباب الثاني فلم يذكر هناك ترجمة، فلهذا كان الصواب
إثباتهما.
132 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم) الصلي (السجود) ولأبي ذر
سجوده.
808 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
عَنْ حُذَيْفَةَ "رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ
وَلاَ سُجُودَهُ. فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ
حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ. قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ:
وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) البصري الخاركي، نسبة إلى
خارك، بالخاء المعجمة والراء، من سواحل البصرة (قال:
حدّثنا مهدي) الأزدي، وللأصيلي: مهدي بن ميمون، (عن واصل)
الأحدب (عن أبي وائل) بالهمز: شقيق بن سلمة، (عن حذيفة) بن
اليمان رضي الله عنه (أنه رأى رجلاً) حال كونه (لا يتم
ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته) أي أدّاها (قال له
حذيفة: ما صليت) نفى الصلاة عنه لأن الكل ينتفي بانتفاء
الجزء، فانتفاء إتمام الركوع والسجود مستلزم لانتفائهما
المستلزم لانتفاء الصلاة. (قال) أبو وائل: (وأحسبه) بالواو
أي حذيفة ولأبي ذر: فأحسبه (قال: ولو) بواو قبل اللام،
ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: لو (مت)، وللحموي
والمستملي: لمت (على غير سُنة محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طريقته.
133 - باب السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ
(باب السجود على سبعة أعظم).
809 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ "أُمِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلاَ
يَكُفَّ شَعَرًا، وَلاَ ثَوْبًا: الْجَبْهَةِ،
وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ".
[الحديث 809 - أطرافه في: 810، 812، 815، 816].
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر
الموحدة وبالصاد المهملة، ابن عقبة بن عامر الكوفي (قال:
حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن دينار عن طاوس) هو ابن
كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أمر النبي) بضم
الهمزة مبنيًا للمفعول، أي أمر الله النبي، وهو يقتضي
الوجوب، وعرف ابن عباس هذا بإخباره عليه الصلاة والسلام له
أو لغيره، ولابن عساكر أنه قال: أمر النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسجد على سبعة أعضاء)، عبر
في الترجمة بسبعة أعظم، فسمى كل واحد عظمًا باعتبار
الجملة. وإن اشتمل كل واحد على عظام، ويجوز أن يكون من باب
تسمية الجملة باسم بعضها، نعم. وقع في رواية الأصيلي هنا:
على سبعة أعظم (ولا يكف) أي ولا يضم ولا يجمع (شعرًا)
لرأسه (ولا ثوبًا) بيديه عند الركوع والسجود في الصلاة،
وهذا ظاهر الحديث وإليه مال الداودي.
وردّه القاضي عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور، فإنهم كرهوا
ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو خارجها، والنهي هنا
محمول على التنزيه، والحكمة فيه أن الشعر والثوب يسجد معه،
أو أنه إذا رفع شعره أو ثوبه عن مباشرة الأرض أشبه
المتكبر.
وقوله: يكف بضم الكاف والفعل منصوب عطفًا على المنصوب
السابق، وهو أن يسجد، أي أمره الله أن يسجد، وأن لا يكفه
وهذا هو الذي في الفرع، ويجوز رفعه على أن الجملة مستأنفة،
وهي معترضة بين المجمل، وهو قوله: سبعة أعضاء، والفسر وهو
قوله: (الجبهة) بالكسر عطف بيان لقوله: سبعة أعضاء، وكذا
ما بعدها عطف عليها، وهو قوله: (واليدين) أي، وباطن
الكفّين (والركبيتن و) أطراف أصابع (الرجلين). فلو أخلّ
المصلي بواحد من هذه السبعة بطلت صلاته.
نعم، في السجود على اليدين والركبتين والرجلين قولان عند
الشافعية، صحح الرافعي الاستحباب فلا يجب، لأنه لو وجب
وضعها لوجب الإيماء بها عند العجز عن وضعها، كالجبهة ولا
يجب الإيماء، فلا يجب وضعها. واستدلّ له بعضهم بحديث
المسيء صلاته حيث قال فيه: ويمكن جبهته.
وأجيب بأن غايته أنه مفهوم لقب، والمنطوق مقدم عليه، وليس
هو
(2/119)
من باب تخصيص العموم. وصحح النووي الوجوب
لحديث الباب وهو مذهب أحمد وإسحاق، ويكفي وضع جزء من كل
واحد منها.
والاعتبار في اليدين بباطن الكفّين سواء الأصابع والراحة،
وفي الرجلين ببطون الأصابع، ولا يجب كشف شيء منها إلا
الجبهة.
نعم: يسن كشف اليدين والقدمين لأن في سترهما منافاة
للتواضع، ويكره كشف الركبتين لما يحذر من كشف العورة، فإن
قلت: ما الحكمة في عدم وجوب كشف القدمين؟
أجيب: بأن الشارع وقت المسح على الخف بمدة يقع فيها الصلاة
بالخف، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض
الطهارة، فتبطل الصلاة. وعورض بأن المخالف له أن يقول يخص
لابس الخف لأجل الرخصة.
810 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُمِرْنَا أَنْ
نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلاَ نَكُفَّ ثَوْبًا
وَلاَ شَعَرًا».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (قال: حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) هو ابن دينار (عن طاوس) هو ابن
كيسان (عن ابن عباس) أيضًا، رضي الله عنهما (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال)
(أمرنا) بضم الهمزة أي: أنا وأمتي (أن نسجد على سبعة أعظم)
أي أعضاء كما في الرواية الأخرى (ولا نكف ثوبًا ولا شعرًا)
بنصب نكف ورفعها كما مرّ.
811 - حَدَّثَنَا آدَمُ قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
الْخَطْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ
-وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا
قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ
مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا) ولأبي
ذر: حدّثني، بالإفراد، وللأصيلي: أخبرنا، بالجمع (إسرائيل)
بن يونس (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله بفتح العين
فيهما، الكوفي (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح الخاء
المعجمة وسكون الطاء المهملة وكسر الميم، وسقط لفظ: الخطمي
في رواية أبي ذر والأصيلي (قال: حدّثنا البراء بن عازب،
وهو غير كذوب قال: كنا نصلي خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإذا قال): (سمع الله لمن حمده لم
يحن) بفتح الياء وكسر النون وضمها أي لم يقوّس (أحد منا)
ولابن عساكر: أحدنا (ظَهره حتى يضع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبهته) الشريفة (على الأرض).
هذا موضع الترجمة، وخص الجبهة بالذكر لأنها أدخل في الوجوب
من بقية الأعضاء السبعة ولذا لم يختلف في وجوب السجود بها.
واختلف في غيرها من بقية الأعضاء وليس فيه ما ينفي الزيادة
في غيره، أو أن العادة وضع الجبهة إنما هو بالاستعانة
بالستة الأعضاء الأخرى غالبًا.
134 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ
(باب السجود على الأنف).
وسقط للاّصيلي الباب والترجمة.
812 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى
الْجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ-
وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ
الْقَدَمَيْنِ. وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ».
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي البصري، ولابن عساكر:
العلى بزيادة أل (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء
ابن خالد الباهلي البصري (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه)
طاوس (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أمرت) بضم الهمزة (أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة)
أي: أسجد على الجبهة، حال كون السجود على سبعة أعظم، فلفظ
على الثانية متعلق بمحذوف كما مرّ، والأولى متعلقة بأمرت.
(وأشار) عليه الصلاة والسلام (بيده على أنفه) كأنه ضمن
أشار معنى: أمرّ بتشديد الراء، فلذا عدّاه بعلى دون: إلى.
ووقع في بعض الأصول من رواية كريمة هنا بلفظ: إلى بدل: على
وعند النسائي من طريق سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس قال:
ووضع يده على جبهته، وأمرّها على أنفه، وقال: هذا واحد أي
أنهم كالعضو الواحد، لأن عظم الجبهة هو الذي منه عظم
الأنف، والألزم أن تكون الأعضاء ثمانية وعورض بأنه يلزم
منه أن يكتفي بالسجود على الأنف، كما يكتفي بالسجود على
بعض الجبهة.
وأجيب: بأن الحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة
وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد، فذاك في التسمية
والعبارة لا في الحكم الذي دلّ عليه الأمر وعند أبي حنيفة
يجزئ أن يسجد عليه دون جبهته، وعند الشافعية والمالكية
والأكثرين: يجزئ على بعض الجبهة. ويستحب على الأنف.
قال الخطابي: لأنه إنما ذكر بالإشارة فكان مندوبًا،
والجبهة هي الواقعة في صريح اللفظ فلو ترك السجود على
الأنف جاز ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز.
وقال أبو حنيفة، وابن القاسم: له أن يقتصر على أيّهما شاء.
وقال الحنابلة وابن حبيب: يجب عليهما الظاهر، الحديث.
وأجيب: بأن ظاهره أنهما في حكم عضو واحد كما مرّ، وقوله:
وأشار بيده إلى آخره جملة معترضة بين المعطوف عليه، وهو:
الجبهة، والمعطوف وهو قوله:
(واليدين)
(2/120)
أي باطن الكفّين (والركبتين وأطراف) أصابع
(القدمين، ولا نكفت الثياب و) لا (الشعر) بفتح النون وسكون
الكاف وكسر الفاء آخره مثناة فوقية والنصب، وهو بمعنى:
الكف في السابقة، ومنه {ألم نجعل الأرض كفاتًا} [المرسلات:
25] أي كافتة. اسم لما يكفت، أي: يضم ويجمع.
135 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالسُّجُودِ عَلَى
الطِّينِ
(باب السجود على الأنف) حال كونه (في الطين) كذا للأصيلي
وابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والكشميهني، زاد
المستملي: والسجود على الطين، والأول أحسن لئلا يلزم
التكرار.
813 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ
يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقُلْتُ أَلاَ تَخْرُجُ بِنَا
إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثْ؟ فَخَرَجَ. فَقَالَ: "قُلْتُ
حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قَالَ:
اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا
مَعَهُ، فَأَتَاهُ
جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ.
فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ،
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ
أَمَامَكَ. قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ
فَقَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَرْجِعْ فَإِنِّي
أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا،
وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ،
وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ.
وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرَى
فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ
فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ
وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ
رُؤْيَاهُ".
وبه قال (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا
همام) هو: ابن يحيى (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة)
بن عبد الرحمن بن عوف (قال: انطلقت إلى أبي سعيد) سعد بن
مالك (الخدري) رضي الله عنه (فقلت،: ألا تخرج بنا إلى
النخل) وللأصيلي: ألا تخرج إلى النخل، حال كوننا (نتحدث)
بالجزم، في الفرع ولأبي ذر نتحدث، بالرفع (فخرج، فقال):
ولأبي ذر والأصيلي: قال (قلت) وللأصيلي، وأبي الوقت فقلت:
(حدّثني ما سمعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في ليلة القدر، قال: اعتكف رسول الله) وللأصيلي
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشر الأُول)
بضم الهمزة وتخفيف الواو، بإضافة العشر لتاليه، وللأصيلي
وابن عساكر وأبي ذر وأبي الوقت: العشر الأُول، وفي بعض
النسخ كما في المصابيح: اعتكف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأوّل، بغير موصوف، والهمزة مفتوحة
(من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل) عليه الصلاة
والسلام (فقال: إن الذي تطلب) هو (أمامك) بفتح الميم
الثانية أي قدامك. (فاعتكف العشر الأوسط) كذا في أكثر
الروايات، والمراد بالعشر: الليالي، وكان من حقها أن توصف
بلفظ التأنيث، ووصفت بالمذكر على إرادة الوقت، أو الزمان،
أو التقدير الثلث، كأنه قال:
ليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر (فاعتكفنا)
بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: واعتكفنا
(معه فأتاه جبريل) عليه الصلاة والسلام (فقال) له: (إن
الذي تطلب) هو (أمامك قام) كذا لأبي ذر، وللأصيلي: فقام،
وفي رواية: ثم قام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه (خطيبًا صبيحة عشرين) نصب على
الظرفية، أي في صبيحة عشرين (من رمضان، فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(من اعتكف مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أي معي، فهو من باب الالتفات من التكلم للغيبة، (فليرجع)
إلى الاعتكاف (فإني أُريت) بهمزة مضمومة قبل الراء على
البناء لغير معين من الرؤيا، أي أعلمت، أو من الرؤية.
وللحموي والمستملي: فإني رأيت، أي: أبصرت (ليلة القدر)
وإنما رأى علامتها، وهي السجود في الماء والطين (وإني
نسيتها) بضم النون وتشديد السين المهملة المكسورة، وفي بعض
النسخ: أنسيتها، بهمزة مضمومة. ففي الروايتين أنه نسيها
بواسطة، ولأبي ذر: نسيتها بفتح النون وتخفيف السين: أي
نسيتها من غير واسطة، والمراد أنه نسي علم تعيينها في تلك
السنة (وأنها في
العشر الأواخر في وتر) جمع آخره، قال في المصابيح وهذا
جارٍ على القياس، قال ابن الحاجب: ولا يقال هنا جمع لأخرى
لعدم دلالتها على التأخير الوجودي، وهو مراد وفيه بحث.
اهـ. (وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء).
(وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماءِ شيئًا) من
السحاب (فجاءت قزعة) بفتح القاف والزاي المعجمة والعين
المهملة وقد تسكن الزاي، قطعة من سحاب رقيقة (فأمطرنا) بضم
الهمزة وكسر الطاء (فصلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى رأيت أثر الطين والماء) ولابن
عساكر: أثر الماء والطين (على جبهة رسول الله) وللأصيلي:
على جبهة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأرنبته) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح النون والموحدة،
طرف أنفه. وحمله الجمهور على الأثر الخفيف، لكن يعكر عليه
قوله في بعض طرقه: ووجهه ممتلئ طينًا وماءً.
وأجاب النووي بأن الامتلاء المذكور لا يستلزم ستر جميع
الجبهة، وقول الخطابي فيه دلالة على وجوب السجود على
الجبهة والأنف، ولولا ذلك لصانهما عن لثق الطين.
تعقبه ابن المنير بأن الفعل
(2/121)
لا يدل على الوجوب، فلعله أخذنا بالأكمل
وأخذه من قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي معارض بأن المندوب
في أفعال الصلاة أكثر من الواجب، فعارض الغالب ذلك الأصل.
اهـ.
وكان ما ذكر من أثر الطين والماء (تصديق رؤياه) عليه
الصلاة والسلام وتأويلها. وضبطه البرماوي والعيني
كالكرماني بالرفع بتقدير: هو. وفي الفرع وأصله، بالنصب
فقط.
وزاد في رواية ابن عساكر: قال أبو عبد الله، أي المؤلّف،
كان الحميدي، أي شيخه، يحتج بهذا الحديث، يقول: لا يمسح
المساجد جبهته من أَثر الأرض.
وأخرج المؤلّف الحديث في الصلاة والصوم والاعتكاف، ومسلم
في الصوم، وأبو داود في الصلاة، والنسائي في الاعتكاف،
وابن ماجة في الصوم.
136 - باب عَقْدِ الثِّيَابِ وَشَدِّهَا وَمَنْ ضَمَّ
إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِذَا خَافَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ
(باب عقد الثياب وشدها) عند الصلاة. (ومن ضم إليه ثوبه) من
المصلين (إذا خاف) وللأصيلي: مخافة (أن تنكشف عورته) أي
خوف انكشاف عورته وهو في الصلاة، وهذا يومئ إلى أن النهي
الوارد عن كفّ الثياب في الصلاة محمول على حالة غير
الاضطرار.
814 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ
بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ
عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ،
فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى
يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (قال: أخبرنا
سفيان) الثوري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة، سلمة بن
دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (قال: كان الناس يصلون مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم عاقدو)
بالرفع خبر المبتدأ مضاف إلى (أزرهم) بضم الهمزة والزاي:
وبسكونها في اليونينية وكسر الراء، جمع إزار. وسقطت نون
عاقدون للإضافة. وللحموي والمستملي: عاقدي بالياء نصبًا
على الحال. أي وهم مؤتزرون حال كونهم عاقدي أزرهم، فسدّ
مسدَّ الخبر، أو خبر كان محذوفة، أي: هم كانوا عاقدي أزرهم
(من الصغر) أي من أجل صغر أزرهم (على رقابهم، فقيل للنساء:
لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا) أي جالسين
نهاهنّ أن يرفعن رؤوسهن قبل الرجال خوف أن يقع بصرهنّ على
عوراتهم.
137 - باب لاَ يَكُفُّ شَعَرًا
هذا (باب) بالتنوين (لاّ يكف) بضم الفاء، كذا في فرع
اليونينية، كهي وهو الذي ضبطه الحافظ ابن حجر في روايته،
قال: وهو الراجح، ويجوز الفتح.
وقال الدماميني والبرماوي: بفتح الفاء عند المحدثين وضمها
عند المحققين من النحاة، وكذا لا يكف ثوبه في الصلاة أي في
الترجمة الآتية.
والمعنى: لا يضم المصلي (شعرًا) من رأسه في صلاته.
815 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ -وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أُمِرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلاَ يَكُفَّ ثَوْبَهُ
وَلاَ شَعَرَهُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
(قال: حدّثنا حماد وهو ابن زيد) وللأصيلي وابن عساكر: حماد
بن زيد، ولأبي ذر هو ابن زيد (عن عمرو بن دينار، عن طاوس،
عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: أمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الميم (أن
يسجد على سبعة أعظم): الجبهة واليدين والركبتين وأطراف
القدمين، (ولا يكف ثوبه ولا شعره) الذي في رأسه.
ومناسبة هذه الترجمة لأحكام السجود من جهة أن الشعر يسجد
مع الرأس إذا لم يكف أو يلف، وجاء في حكمة النهي عن ذلك أن
غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة، كما سنن أبي
داود بإسناد جيد مرفوعًا.
138 - باب لاَ يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلاَةِ
816 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُمِرْتُ
أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، لاَ أَكُفُّ شَعَرًا وَلاَ
ثَوْبًا».
هذا (باب) بالتنوين (لا يكف) بالضم أو النصب المصلي، (ثوبه
في الصلاة).
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، وسقط لفظ:
إسماعيل عند ابن عساكر (قال: حدّثنا أبو عوانة) الواضح
اليشكري (عن عمرو) هو ابن دينار (عن طاوس عن ابن عباس رضي
الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(أُمرت) بضم الهمزة (أن أسجد على سبعة) ولابن عساكر: أعظم
(لا أكف شعرًا) من رأسي (ولا ثوبًا).
139 - باب التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ
(باب التسبيح والدعاء في السجود).
817 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُسْلِمٍ
عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا
قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ
وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا
وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. يَتَأَوَّلُ
الْقُرْآنَ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى)
القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (منصور)
ولأبي ذر والأصيلي: منصور بن المعتمر (عن مسلم) زاد
الأصيلي: هو ابن صبيح، أي بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة
آخره مهملة أبي الضحى، بضم الضاد المعجمة والقصر (عن
مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر أن يقول في
ركوعه وسجوده:
(سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي).
(يتأول القرآن) أي يفعل ما أمر به فيه، أي في قوله تعالى:
(2/122)
{فسبح بحمد ربك واستغفره} [النصر: 3] أي
سبح بنفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو
التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى
الله تعالى. فعلى هذا يكفي في امتثال الأمر الاقتصار على
الحمد أو المراد فسبح ملتبسًا بالحمد. فلا يمتثل حتى
يجمعهما وهو الظاهر.
وفي رواية الأعمش عن أبي الضحى كما في التفسير عند
المؤلّف: ما صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صلاة بعد أن نزلت عليه {إذا جاء نصر الله
والفتح} إلا يقول فيها، الحديث. وهو يقتضي مواظبته عليه
الصلاة والسلام على ذلك.
واستدلّ به على جواز الدعاء في الركوع والسجود والتسبيح في
السجود، ولا يعارضه قوله، عليه الصلاة والسلام، المروي في
مسلم وأبي داود والنسائي أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما
السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء. لكن يحتمل أن يكون أمر في
السجود بتكثير الدعاء لإشارة قوله: فاجتهدوا فيه في
الدعاء.
والذي وقع في الركوع من قوله: اللهم اغفر لي، ليس بكثير،
فلا يعارض ما أمر به في السجود، وفيه تقديم الثناء على
الدعاء.
140 - باب الْمُكْثِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
(باب المكث بين السجدتين) ولأبي ذر عن الحموي بين السجود.
818 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ "أَنَّ
مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لأَصْحَابِهِ: أَلاَ
أُنَبِّئُكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ حِينِ
صَلاَةٍ- فَقَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ فَقَامَ هُنَيَّةً، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ هُنَيَّةً -فَصَلَّى صَلاَةَ عَمْرِو بْنِ
سَلِمَةَ شَيْخِنَا هَذَا- قَالَ أَيُّوبُ: كَانَ يَفْعَلُ
شَيْئًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ، كَانَ يَقْعُدُ فِي
الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) السدوسي (قال: حدّثنا حماد)
ولأبي ذر والأصيلي: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن
أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (أن مالك بن الحويرث)
بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة (قال لأصحابه:
ألا أنبئكم صلاة رسول الله) وللأصيلي: صلاة النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
الإنباء يتعدى بنفسه، قال تعالى {من أنبأك هذا} وبالباء
قال تعالى: {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم} [آل عمران: 15]
(قال) أبو قلابة (وذاك) أي الإنباء الذي دل عليه: أنبئكم
(في غير حين صلاة) من الصلوات المفروضة.
(فقام) أي: مالك، فأحرم بالصلاة (ثم ركع فكبر ثم رفع رأسه)
من الركوع (فقام هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد
المثناة التحتية أي قليلاً (ثم سجد، ثم رفع رأسه هنية) هذا
موضع الترجمة، لأنه يقتضي الجلوس بين السجدتين قدر
الاعتدال.
قال أبو قلابة: (فصلّى صلاة عمرو بن سلمة) بكسر اللام
(شيخنا هذا) بالجر عطف بيان لعمرو والمجرور بالإضافة، أي:
كصلاته.
(قال أيوب) السختياني بالسند المسوق إليه: (كان) أي الشيخ
المذكور (يفعل شيئًا لم أرهم يفعلونه، كان يقعد) أي يجلس
آخر (الثالثة و) (الرابعة) ذا في الفرع، والرابعة بغير
ألف، وعزاها ابن التين لأبي ذر، وقال وأراه غير صحيح. اهـ.
ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي مما في الفرع وأصله
أو الرابعة، بالشك من الراوي أيّهما قال: والمتردّد فيه
واحد، لأن المراد بدء الرابعة، لأن الذي بعدها جلوس التشهد
وذلك انتهاء الثالث.
وفيه استحباب جلسة الاستراحة، وبه قال الشافعي وإن خالفه
الأكثر.
819 - قَالَ: "فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: «لَوْ
رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ، صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي
حِينِ كَذَا، صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا،
فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ،
وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».
(قال) ابن الحويرث: أسلمنا أو أرسلنا قومنا (فأتينا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قأقمنا عنده) زاد في
رواية ابن عساكر: شهرًا (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(لو) أي إذا، أو إن (رجعتم إلى أهليكم) بسكون الهاء.
ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: أهاليكم بفتح الهاء
ثم ألف بعدها (صلوا صلاة كذا، في حين كذا، صلوا) وللأصيلي
وابن عساكر: وصلوا، لزيادة واو قبل الصاد (صلاة كذا في حين
كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم).
820 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنِ الْحَكَمِ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ
الْبَرَاءِ قَالَ: "كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) المعروف بصاعقة
(قال: حدّثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري) بضم
الزاي وفتح الموحدة وبالراء بعد المثناة التحتية (قال:
حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة، ابن كدام (عن
الحكم) بفتح الحاء والكاف، ابن عتيبة الكوفي (عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء) بن عازب أنه (قال كان سجود
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اسم كان وتاليه
معطوف عليه، وهو قوله: (وركوعه وقعوده بين السجدتين) أي:
كان زمان سجوده وركوعه وجلوسه بين السجدتين (قريبًا من
السواء) بالمدّ أي المساواة.
قال الخطابي: هذا أكمل صفة صلاة الجماعة، وأما الرجل وحده
فله أن يطيل في الركوع والسجود أضعاف ما يطيل بين السجدتين
وبين الركوع والسجدة.
821 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: "إِنِّي لاَ آلُو أَنْ أُصَلِّيَ
بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِنَا -قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ
أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ
أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ- كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ
الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ،
وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ
نَسِيَ".
وبه
(2/123)
قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (قال:
حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن ثابت) البناني (عن
أنس) رضي الله عنه، ولأبي ذر والأصيلي زيادة: ابن مالك
(قال: إني لا آلو) بمدّ الهمزة وضم اللام، أي: لا أقصر (أن
أصلي بكم كما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصلّي بنا قال ثابت: كان أنس) ولأبي ذر
والأصيلي: كان أنس بن مالك (يصنع شيئًا في صلاته لم أركم
تصنعونه) في صلاتكم (كان إذا رفع رأسه من الركوع قام)
فيمكث معتدلاً (حتى يقول القائل: قد نسي) بفتح النون (و)
يمكث جالسًا (بين السجدتين، حتى يقول القائل: قد نسي) أي
من طول قيامه.
قال في فتح الباري: وفيه إشعار بأن من خاطبهم ثابت كانوا
لا يطيلون بين السجدتين، ولكن السُّنّة إذا ثبتت لا يبالي
من تمسك بها مخالفة من خالفها.
141 - باب لاَ يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: سَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ
مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا.
هذا (باب) بالتنوين (لا يفترش) بالرفع في الفرع كأصله على
النفي، وهو بمعنى النهي، ويجوز الجزم على النهي، أي: لا
يبسط المصلي (ذراعيه) أي ساعديه على الأرض، ويتكئ عليهما
(في السجود وقال أبو حميد) الساعدي، في حديثه الآتي
مطوّلاً إن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أبواب: (سجد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ووضع يديه) على
الأرض حال كونه (غير مفترش) بأن وضع كفّيه على الأرض وأقل
ساعديه غير واضعهما على الأرض (ولا قابضهما) بأن ضمهما
إليه غير مجافيهما عن جنبيه، وتسميه الفقهاء بالتخوية.
822 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ
يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ».
وبالسند السابق أوّل الكتاب قال المؤلّف: (حدّثنا محمد بن
بشار) بموحدة مفتوحة فمعجمة مشددة ويقال له بندار (قال:
حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (قال: حدّثنا) ولأبي
ذر: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة
(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، صرّح في الترمذي بسماع
قتادة له من أنس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قال):
(اعتدلوا) أي: توسطوا بين الافتراش والقبض (في السجود، ولا
يبسط)، بمثناة تحتية فموحدة ساكنة من غير نون ولا مثناة
فوقية (أحدكم ذراعيه) فينبسط (انبساط الكلب) بنون ساكنة
فموحدة مكسورة. كذا في رواية ابن عساكر في الكلمتين.
وللأكثرين: ولا ينبسط بنون ساكنة بعد المثناة التحتية
فموحدة مفتوحة، من باب: ينفعل، انبساط الكلب، بتسكين النون
وكسر الموحدة، كرواية ابن عساكر. وللحموي: ولا يبتسط
بموحدة ساكنة بعد المثناة التحتية، فمثناة فوقية مفتوحة من
غير نون، من باب: يفتعل، ابتساط الكلب، بموحدة ساكنة
فمثناة مكسورة من غير نون.
والحكمة فيه أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة من
الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى، فإن المنبسط يشبه الكسالى،
ويشعر حاله بالتهاون، لكن لو تركه صحّت صلاته. نعم، يكون
مسيئًا مرتكبًا لنهي التنزيه والله أعلم.
والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
142 - باب مَنِ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ
صَلاَتِهِ ثُمَّ نَهَضَ
(باب من استوى قاعدًا) للاستراحة (في وتر) أي في الركعة
الأولى أو الثالثة (من صلاته، ثم نهض) قائمًا.
823 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ
الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيُّ "أَنَّهُ رَأَى
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي،
فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ لَمْ يَنْهَضْ
حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصباح) بفتح المهملة وتشديد
الموحدة، الدولابي (قال: أخبرنا هشيم) بضم الهاء وفتح
الشين المعجمة، ابن بشير، بفتح الموحدة (قال: أخبرنا خالد
الحذاء، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (قال: أخبرنا) وفي
رواية لأبي ذر: أخبرني (مالك بن الحويرث الليثي، أنه رأى
النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي، فإذا كان
في وتر من صلاته لم ينهض) إلى القيام (حتى يستوي قاعدًا)
للاستراحة.
وبذلك أخذ الشافعي، وطائفة من أهل الحديث، ولم يستحبها
الأئمة الثلاثة كالأكثر.
واحتج الطحاوي له بخلو حديث أبي حميد عنها، فإنه ساقه
بلفظ: قام ولم يتورك، وكذا أخرجه أبو داود.
وأجابوا عن حديث ابن الحويرث: بأنه، عليه الصلاة والسلام،
كانت به علّة فقعد لأجلها، لا أن ذلك من سُنّة الصلاة، ولو
كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص.
وأجيب: بأن الأصل عدم العلة، وأما الترك فلبيان الجواز على
أنه لم تتفق الرواة عن أبي حميد على نفيها، بل أخرج أبو
داود أيضًا من وجه آخر عنه إثباتها، وبأنها جلسة خفيفة
جدًّا، فاستغنى فيها
(2/124)
بالتكبير المشروع للقيام.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بغدادي، وهو شيخ المؤلّف،
وما بين واسطي وبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة
والقول، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الصلاة.
143 - باب كَيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ إِذَا قَامَ
مِنَ الرَّكْعَةِ
هذا (باب) بالتنوين (كيف يعتمد) المصلي (على الأرض إذا قام
من الركعة) أي: أي ركعة كانت، وللمستملي والكشميهني: من
الركعتين، أي: الأولى والثالثة.
824 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ:
"جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَصَلَّى بِنَا فِي
مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا
أُرِيدُ الصَّلاَةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ
كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي. قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لأَبِي
قِلاَبَةَ وَكَيْفَ كَانَتْ صَلاَتُهُ؟ قَالَ: مِثْلَ
صَلاَةِ شَيْخِنَا هَذَا -يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ-
قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ
التَّكْبِيرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ
الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ
قَامَ".
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي (قال: حدّثنا) ولابن
عساكر: أخبرنا (وهيب) بضم الواو، مصغرًا، ابن خالد (عن
أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي
(قال: جاءنا مالك بن الحويرث، فصلّى بنا في مسجدنا هذا،
فقال) ولابن عساكر: قال: (إني لأصلي بكم، وما أريد الصلاة،
ولكن) بغير نون الوقاية، وللأصيلي وأبي ذر والحموي
والمستملي: ولكنني، بإثباتها، ولابن عساكر: لكن بحذف الواو
والياء، (أريد أن أريكم كيف رأيت النبي) ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر: رأيت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي).
(قال أيوب) السختياني: (فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته؟
قال): كانت (مثل صلاة شيخنا هذا، يعني عمرو بن سلمة). بكسر
اللام (قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يتم التكبير) أي يكبر عند
كل انتقال غير الاعتدال، ولا ينقص من تكبيرات الانتقالات
شيئًا، أو كان يمدّه من أوّل الانتقال إلى آخره (وإذا)
بالواو، ويروى: فإذا (رفع رأسه عن السجدة الثانية)
وللمستملي والكشميهني: في، بدل عن، ولأبى ذر في بعض نسخه
من السجدة (جلس واعتمد على الأرض) بباطن كفّيه، كما يعتمد
الشيخ العاجن إذا عجن الخمير (ثم قام).
144 - باب يُكَبِّرُ وَهْوَ يَنْهَضُ
مِنَ السَّجْدَتَيْنِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ
فِي نَهْضَتِهِ
هذا (باب) بالتنوين (يكبر) المصلي (وهو ينهض من السجدتين)
أي: عند ابتداء القيام من التشهد الأوّل إلى الركعة
الثالثة كغيره.
فالمراد بالسجدتين: الركعتان الأوليان، لأن السجدة تطلق
على الركعة من باب إطلاق الجزء على الكل.
(وكان ابن الزبير) عبد الله، مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد
صحيح (يكبر في) أوّل (نهضته) من السجدتين.
825 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ
قَالَ: "صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ، فَجَهَرَ
بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ
وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنَ
الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) أبو زكريا الواحظي الحمصي،
(قال: حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام، واسمه
عبد الملك، وفليح لقبه، فغلب على اسمه وشهر به (عن سعيد بن
الحرث) بكسر العين، ابن المعلى الأنصاري المدني (قال: صلّى
لنا أبو سعيد) سعد بن مالك الخدري. رضي الله عنه، بالمدينة
لما غاب أبو هريرة، وكان يصلّي بالناس في إمارة مروان على
المدينة، وكان مروان وغيره من بني أمية يسرّون بالتكبير
(فجهر) أبو سعيد (بالتكبير) زاد الإسماعيلي: حين افتتح
وحين ركع وحين سجد، (حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين
رفع) زاد الأصيلي: رأسه (وحين قام من الركعتين) زاد
الإسماعيلي: فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك،
فقام عند المنبر فقال: إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم
أو لم تختلف، (وقال هكذا رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يصلّي.
قال في الفتح: والذي يظهر أن الاختلاف بينهم كان في الجهر
بالتكبير والإسرار به، وفيه أن التكبير للقيام يكون
مقارنًا للفعل، وهو مذهب الجمهور، خلافًا لمالك، حيث قال:
يكبر بعد الاستواء، وكأن شبهه بأوّل الصلاة من حيث أنها
فرضت ركعتين، ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد
كافتتاح المزيد عليه. كذا قاله بعض أتباعه. لكن كان ينبغي
أن يستحب رفع اليدين، حينئذٍ، لتكمل المناسبة، ولا قائل به
منهم. اهـ.
ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدنيين، وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وتفرد به المؤلّف عن أصحاب الكتب الستة.
826 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ
أَنَا وَعِمْرَانُ صَلاَةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ -رضي الله عنه- فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ،
وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ
الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ
عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا
صَلاَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ- لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (قال: حدّثنا
حماد بن زيد، قال: حدّثنا غيلان بن جرير) بفتح الغين
المعجمة وسكون المثناة التحتية في الأوّل، وفتح الجيم في
الثاني، (عن مطرف) هو ابن عبد الله بن الشخير العامرى
(قال: صليت أنا وعمران) ابن حصين (صلاة) من الصلوات (خلف
علي بن أبي طالب) رضي الله عنه بالبصرة (فكان
(2/125)
إذا سجد كبر، وإذا رفع) رأسه من السجود
(كبر، إذا نهض من الركعتين) الأوليين بعد التشهد (كبر) عند
ابتداء القيام وهذا موضع الترجمة.
(فلما سلم) أي: عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، (أخذ
عمران) بن حصين (بيدي) بكسر الدال (فقال: لقد صلّى بنا
هذا) يعني علي بن أبي طالب (صلاة محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مثل صلاته، (أو قال: لقد ذكرني)
بتشديد الكاف (هذا صلاة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) شك مطرف.
145 - باب سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ وَكَانَتْ
أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ
الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً
(باب سنة الجلوس) أي هيئته (في التشهد) كالافتراش مثلاً أو
مراده نفس الجلوس، على أن يكون المقصود بالسُّنَّة الطريقة
الشاملة للواجب والمندوب.
(وكانت أم الدرداء)، مما وصله المؤلّف في تاريخه الصغير من
طريق مكحول، (تجلس في صلاتها جلسة الرجل) بكسر الجيم، لأن
المراد الهيئة، أي كما يجلس الرجل، بأن تنصب الرجل اليمنى،
وتفرش اليسرى، قال مكحول (وكانت) أي: أم الدرداء (فقيهة).
وكذا وصله ابن أبي شيبة لكنه لم يقل: كانت فقيهة، فجزم
مغلطاي وابن الملقن بأنه من قول البخاري، كأنهما لم يقفا
على رواية تاريخ المؤلّف، وجزم الحافظ ابن حجر بأنه من
كلام مكحول لرواية التاريخ، ومسند الفريايي، فإنه أخرجه
فيه كذلك تمامًا، وبأن أم الدرداء، هذه هي الصغرى، هجيمة
التابعية، لا الكبرى: خيرة بنت أبي حدرد الصحابية، لأن
مكحولاً لم يدرك الكبرى، وإنما أدرك الصغرى، وأما استدلال
العيني على أنها الكبرى بقوله: وكانت فقيهة، فليس بشيء كما
لا يخفى.
827 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
"أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ،
فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ،
فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ: إِنَّمَا
سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى
وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى، فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ
ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَىَّ لاَ تَحْمِلاَنِي".
وبالسند السابق إلى المصنف قال: (حدّثنا عبد الله بن
مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن عبد الرحمن
بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عبد الله بن عبد
الله أنه أخبره) صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم أخذه عن
عبد الله، فيحمل ما رواه الإسماعيلي عن مالك عن عبد الرحمن
بن القاسم عن أبيه عن عبد الله، على أن عبد الرحمن أخذه عن
أبيه عن عبد الله، ثم أخذه عنه بغير واسطة، (أنه كان يرى)
أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، يتربع
في الصلاة، إذا جلس) للتشهد. (ففعلته) أي التربع (وأنا
يومئذٍ حديث السن، فنهاني) عنه (عبد الله بن عمر) بن
الخطاب (وقال) بالواو، ولأبي ذر في نسخة له، وهي رواية أبي
الوقت قال بإسقاطها، ولابن عساكر: فقال: (إنما سُنّة
الصلاة) أي: التي سنّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أن تنصب رجلك اليمني) أي لا تلصقها بالأرض
(وتثني) بفتح أوّله أي تعطف رجلك (اليسرى).
وفي رواية يحيى بن سعيد عند مالك في موطئه: أن القاسم بن
محمد أراهم الجلوس في التشهد، فنصب رجله اليمنى وثنى
اليسرى وجلس على وركه اليسرى، ولم يجلس على قدمه، فبيّن في
رواية القاسم الإجمال الذي في رواية ابنه، لأنه لم يبيّن
ما يصنع بعد أن يثني اليسرى، هل يجلس فوقها أو يتورك.
قال عبد الله: (فقلت: إنك تفعل ذلك) أي التربع. (فقال: إن
رجليّ) بتشديد الياء، تثنية رجل، ولأبي الوقت وابن عساكر:
إن رجلاي بالألف على إجراء المثنى مجرى المقصور كقوله:
إن أباها أو أباها.
أو أن: أن بمعنى نعم، ثم استأنف فقال: رجلاي (لا تحملاني)
بتخفيف النون، ولأبي ذر، لا تحملاني بتشديدها.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي.
828 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَطَاءٍ. وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَطَاءٍ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَذَكَرْنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيُّ: "أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ
مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ
رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ
ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى
يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ
يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا،
وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ
الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ
عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا
جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ
الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى
مَقْعَدَتِهِ" وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي
حَبِيبٍ، وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ،
وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنَ ابْنِ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو
صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ "كُلُّ فَقَارٍ". وَقَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ:
حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُحَمَّدَ
بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ "كُلُّ فَقَارٍ".
وبه قال: (حدّثنا، يحيى بن بكير) المصري (قال: حدّثنا
الليث) بن سعد المصري أيضًا (عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي
المصري (عن سعيد) الليثي المدني، زاد أبو ذر. هو ابن أبي
هلال (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين، وكذا الحاءين
المهملتين وسكون اللام الأولى الديلي المدني (عن محمد بن
عمرو بن عطاء) بفتح العين قبل الميم الساكنة القرشي
العامري المدني.
(وحدّثنا) بالواو، وفي بعض الأصول قبله: ح للتحويل إلى سند
آخر، ولابن عساكر قال: حدّثني، بحذف الواو والإفراد، أي:
قال يحيى بن بكير: حدّثني أو حدّثنا (الليث) بن سعد (عن
يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري (ويزيد بن محمد) القرشي
كلاهما (عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن
(2/126)
محمد بن عمرو بن عطاء أنه) أي ابن عطاء
(كان جالسًا مع نفر) كذا لكريمة بلفظ مع، ولغيرها، وعزاه
في الفرع لأبي ذر والأصيلي: في نفر، اسم جمع يقع على
الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، وفي سنن أبي داود
وصحيح ابن خزيمة أنهم كانوا عشرة (من أصحاب النبي) ولأبي
الوقت: من أصحاب رسول الله، أي: حال كونهم من أصحابه
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منهم أبو قتادة بن
ربعي، وأبو أسيد الساعدي، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة،
وأبو هريرة رضي الله عنهم، (فذكرنا صلاة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو حميد) عبد الرحمن
أو المنذر (الساعدي) الأنصاري، رضي الله عنه: (أنا كنت
أحفظكم لصلاة رسول الله) وللأصيلي: لصلاة النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
زاد في رواية أبي داود: قالوا فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا
له تبعًا، ولا أقدمنا له صحبة، وللطحاوي. قالوا: من أين؟
قال: رقبت ذلك منه حتى حفظت صلاته.
(رأيته) عليه الصلاة والسلام (إذا كبر جعل يديه حذاء
منكبيه) ولأبي ذر، حذو منكبيه، زاد ابن إسحاق: ثم قرأ بعض
القرآن (وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره)
بالصاد المهملة، أي أماله في استواء من رقبته، ومتن ظهره
من غير تقويس، (فإذا رفع رأسه استوى) قائمًا معتدلاً (حتى
يعود كل فقار مكانه) بفتح الفاء والقاف جمع فقارة، واستعمل
الفقار للواحد تجوّزًا، وفي المطالع، ونسب للأصيلي كسر
الفاء.
وحكي عن الأصيلي أيضًا: كل قفار، بتقديم القاف، وهو تصحيف
لأنه جمع قفر وهو المفازة، ولا معنى له هنا.
والفقار بتقديم الفاء ما انتضد من عظام الصلب من لدن
الكاهل إلى العجب، قاله في المحكم: وهو ما بين كل مفصلين.
وقال صاعد: وهن أربع وعشرون، سبع في العنق، وخمس في الصلب،
واثنتا عشرة في أطراف الأضلاع وقال الأصمعي: خمس وعشرون.
وفي رواية الأصيلي: حتى يعود كل فقار إلى مكانه (فإذا سجد
وضع يديه) حال كونه (غير مفترش) ساعديه، وغير حامل بطنه
على شيء من فخذيه (ولا قابضهما) أي: ولا قابض يديه. وهو أن
يضمهما إليه. وفي رواية فليح بن سليمان: ونحى يديه عن
جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه، (واستقبل بأطراف أصابع رجليه
القبلة، فإذا جلس في الركعتين) الأوليين للتشهد (جلس على
رجله اليسرى ونصب اليمنى) وهذا هو الافتراش. (وإذا جلس في
الركعة الآخرة) للتشهد الآخر (قدّم رجله اليسرى ونصب
الأخرى وقعد على مقعدته)، وهذا هو التورك، وفيه دليل
للشافعية في: أن جلوس التشهد الأخير مغاير لغيره.
وحديث ابن عمر المطلق محمول على هذا الحديث المقيد، نعم.
في حديث عبد الله بن دينار المروي في الموطأ التصريح بأن
جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير.
وعند الحنفية يفترش في الكل، وعند المالكية يتورك في الكل،
والمشهور وعن أحمد اختصاص التورك بالصلاة التي فيها
تشهدان.
فإن قلت: ما الحكمة في أخذ الشافعية بالتغاير في الجلوس
الأوّل والثاني؟
أجيب: لأنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول
تعقبه الحركة بخلاف الثاني، ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر
ما سبق به.
ورواة هذا الحديث ما بين مصريين بالميم ومدنيين، وفيه
إرداف الرواية النازلة بالعالية، ويزيد ابن محمد من أفراد
المؤلّف، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة.
قال المؤلّف مفيدًا: إن العنعنة الواقعة في هذا الحديث
بمنزلة السماع.
(وسمع الليث) بن سعد (يزيد بن أبي حبيب) وسقط للأصيلي واو:
وسمع، (ويزيد بن محمد بن عمرو بن حلحلة) وللأصيلي: ويزيد
بن محمد، محمد (1) بن حلحلة، ولأبي ذر: ويزيد محمدًا
وللأصيلي أيضًا: ويزيد سمع من محمد بن حلحلة. (وابن حلحلة)
سمع (من ابن عطاء) وقد سقط ذلك أعني من قوله: سمع إلى آخر
قوله ابن عطاء، عند ابن عساكر.
(وقال) بواو العطف، ولغير أبي ذر وابن عساكر: قال (أبو
صالح) كاتب الليث، وليس هو: أبو صالح عبد الغفار البكري،
مما وصله الطبراني، (عن الليث) بإسناده الثاني السابق، عن
يزيد بن
أبي حبيب، ويزيد بن محمد:
_________
(1) كذا في الأصل "يزيد بن محمد محمد" بتكرير "محمد".
(2/127)
(كل فقار) بغير إضافة إلى ضمير وتقديم
الفاء على القاف، كما فى الفرع، وقال الحافظ ابن حجر: ضبط
في روايتنا بتقديم القاف على الفاء، وكذا للأصيلي. اهـ.
وقد قالوا: إنها تصحيف كما مر، وعند الباقين كرواية يحيى
بن بكير يعني بتقديم الفاء، لكن ذكر صاحب المطالع أنهم
كسروا الفاء.
(وقال ابن المبارك) عبد الله، مما وصله الفريابي في صفة
الصلاة له، والجوزقيّ في جمعه، وإبراهيم الحربي في غريبه:
(عن يحيى بن أيوب، قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي
حبيب أن محمد بن عمرو حدّثه)، ولأبي ذر: أن محمد بن عمرو
بن حلحلة حدّثه: (كل فقار) بتقديم الفاء من غير ضمير
أيضًا، وللكشميهني وحده: كل فقاره، بهاء الضمير كما في
الفرع. أي: حتى يعود جميع عظام ظهره أو فقاره، بهاء
التأنيث، أي: حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها.
146 - باب مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَاجِبًا
لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ
(باب من لم ير التشهد الأوّل) في الجلسة الأولى من
الرباعية والثلاثية (واجبًا).
والتشهد: تفعل من تشهد، سمي بذلك لاشتماله على النطق
بشهادة الحق، تغليبًا له على بقية أذكاره لشرفها، وهو من
باب إطلاق اسم البعض على الكل.
وقد استدلّ المؤلّف لما ترجم له بقوله: (لأن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام من الركعتين ولم يرجع)
إلى التشهد، ولو كان واجبًا لرجع إليه لما سبحوا به، كما
سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا.
829 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ -وَقَالَ مَرَّةً: مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ
الْحَارِثِ- أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ وَهْوَ
مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ،
فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ!
فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ
وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهْوَ جَالِسٌ،
فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ
سَلَّمَ". [الحديث 829 - أطرافه في: 830، 1224، 1225،
1230، 6670].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة، دينار
(عن) ابن شهاب محمد بن مسلم (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد
(عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (مولى بني عبد المطلب) نسبه
لجد مواليه الأعلى (- قال) الزهري (مرة، مولى ربيعة بن
الحرث-) بن عبد المطلب، فنسبه لمولاه الحقيقي، فلا منافاة
بينهما: (إن عبد الله بن بحينة) بضم الموحدة وفتح المهملة،
اسم أمه، (وهو) أي ابن بحينة (من أزد شنوأة) بفتح
الهمزة وسكون الزاي بعدها دال مهملة في الأولى، وفتح الشين
وضم النون وفتح الهمزة في الثانية، بوزن فعولة، قبيلة
مشهورة (وهو) أي ابن بحينة أيضًا (حليف لبني عبد مناف)
بالحاء المهملة، لأن جدّه حالف المطلب بن عبد المناف (وكان
من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو
مقول التابعي الراوي عنه، (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى بهم الظهر، فقام في الركعتين
الأوليين) إلى الثالثة حال كونه (لم يجلس) للتشهد، ولابن
عساكر، ولم يجلس، بالواو. وفي مسلم، بالفاء (فقام الناس
معه) زاد الضحاك بن عثمان، عن الأعرج فيما رواه ابن خزيمة:
فسبحوا به، فمضى (حتى إذا قضى الصلاة) أي فرغ منها (وانتظر
الناس تسليمه، كبر وهو جالس) جملة حالية (فسجد سجدتين)
للسهو بعد التشهد (قبل أن يسلم، ثم سلم) فيه ندبية التشهد
الأول، لأنه لو كان واجبًا لرجع وتداركه.
وهذا مذهب الجمهور، خلافًا لأحمد حيث قال: يجب، لأنه عليه
الصلاة والسلام فعله وداوم عليه، وجبره بالسجود حين نسيه،
وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. وتعقب: بأن جبره
بالسجود، دليل عليه لا له، لأن الواجب لا يجبر بذلك،
كالركوع وغيره.
وممّن قال بالوجوب أيضًا: إسحاق، وهو قول للشافعي، ورواية
عند الحنفية.
وفي الحديث مباحث تأتي إن شاء الله تعالى في السهو.
ورواته ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار
والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والسهو والنذور،
ومسلم والنسائي وابن ماجة في الصلاة والله المعين.
147 - باب التَّشَهُّدِ فِي الأُولَى
(باب) مشروعية (التشهد في) الجلسة (الأولى) من الثلاثية
والرباعية.
830 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ
بُحَيْنَةَ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ، فَقَامَ
وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ. فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ
سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين، وسقط في
رواية ابن عساكر لفظ: ابن سعيد (قال: حدّثنا) وللأصيلي:
أخبرنا (بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف، وفي بعضها: بكر بن
مضر (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل المصري (عن الأعرج) عبد
الرحمن بن هرمز (عن عبد الله بن مالك ابن بحينة) بتنوين
مالك، وكتابة ابن بعده بألف، وإعرابه إعراب عبد الله، لأن
بحينة اسم أمه (قال: صلّى بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر، فقام وعليه جلوس) للتشهد
الأوّل، (فلما كان في آخر
(2/128)
صلاته سجد سجدتين) للسهو (وهو جالس) قبل أن
يسلم وبعد أن تشهد.
قيل وفيه إشعار بالوجوب حيث قال: فقام وعليه جلوس، وفيه
نظر.
148 - باب التَّشَهُّدِ فِي الآخِرَةِ
(باب) وجوب (التشهد في) الجلسة (الآخرة).
831 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَا:
السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ
عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ. فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ
وَالطَّيِّبَاتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ -فَإِنَّكُمْ إِذَا
قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ". [الحديث 831 - أطرافه في: 835، 1202، 6230،
6265، 6328، 7381].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق بن سلمة) هو أبو وائل
(قال: قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (كنّا إذا
صلَّينا خلف النبيّ) ولأبي ذر والأصيلي: خلف رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في رواية أبي داود
عن مسدد: إذا جلسنا، (قلنا): السلام على الله من عباده،
(السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان) زاد
في رواية عبدِ الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجة: يعنون
الملائكة.
والأظهر كما قاله أبو عبد الله الأبّي، أن هذا كان
استحسانًا منهم، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يسمعه إلاّ
حين أنكره عليهم.
قال: ووجه الإنكار عدم استقامة المعنى، لأنه عكس ما يجب أن
يقال، كما يأتي قريبًا إن شاء الله.
وقوله: كنا، ليس من قبيل المرفوع، حتى يكون منسوخًا بقوله:
إن الله هو السلام لأن النسخ إنما يكون فيما يصح معناه،
وليس تكرر ذلك منهم مظنة سماعه له منهم، لأنه في التشهد،
والتشهد سرّ.
(فالتفت إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال): ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام كلمهم في
أثناء الصلاة، لكن في رواية حفص بن غياث، أنه بعد الفراغ
من الصلاة ولفظه: فلما انصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة، قال:
(إن الله هو السلام) أي أنه اسم من أسمائه تعالى، ومعناه
السالم من سمات الحدوث، أو المسلم عباده من المهالك، أو
المسلم عباده في الجنة أو أن كل سلام ورحمة له ومنه وهو
مالكهما ومعطيهما، فكيف يدعى له بهما وهو المدعو؟ وقال ابن
الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق
لحاجتهم إلى السلامة، وغناه سبحانه عنها، (فإذا صلّى
أحدكم) قال ابن رشيد: أي أتمّ صلاته، لكن تعذر الحمل على
الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز
كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه الأقرب إلى
الحقيقة. وقال العيني: أي إذا أتم صلاته بالجلوس في آخرها،
فليقل وفي رواية حفص بن غياث فإذا جلس أحدكم في الصلاة
(فليقل) بصيغة الأمر المقتضية للوجوب، وفي حديث ابن مسعود
عند الدارقطني بإسناد صحيح: وكنا لا ندري ما نقول قبل أن
يفرض علينا التشهد (التحيات لله) جمع تحية وهو السلام أو
البقاء، أو الملك، أو السلامة من الآفات، أو العظمة أي
أنواع التعظيم له، وجمع لأن الملوك كان كل واحد منهم يحييه
أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل: جميعها لله وهو المستحق لها
حقيقة، (والصلوات) أي الخمس واجبة لله، لا يجوز أن يقصد
بها غيره، أو هو إخبار عن قصد إخلاصنا له تعالى، أو
العبادات كلها، أو الرحمة، لأنه المتفضل بها (والطيبات)
التي يصلح أن يثني على الله بها دون ما لا يليق به، أو ذكر
الله أو الأقوال الصالحة. أو التحيات: العبادات القولية،
والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية.
وأتى بالصلوات والطيبات منسوقًا بالواو لعطفه على التحيات،
أو أن الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوف عليها،
فالأولى عطف الجملة على الجملة والثانية عطف المفرد على
الجملة، قاله البيضاوي.
وقال ابن مالك: إذا جعلت التحيات مبتدأ، أو لم تكن صفة
لموصوف محذوف، كان قولك: والصلوات، مبتدأ، لئلا يعطف نعت
على منعوته، فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل
جملة مستقلة بفائدتها. وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط
الواو.
وقال العيني: كل واحد من الصلوات والطيبات مبتدأ حذف خبره،
أي الصلوات لله، والطيبات لله، فالجملتان معطوفتان على
الأولى وهي: التحيات لله ..
(السلام) أي: السلامة من المكاره، أو السلام الذي وجه إلى
الرسل والأنبياء، أو الذي سلمه الله عليك ليلة المعراج
(عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته). فأل للعهد
التقريري، أو المراد حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد عمّن
يصدر، وعلى من ينزل، فتكون أل للجنس أو هي للعهد الخارجي
إشارة إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ
الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]. وأصل سلام عليك:
(2/129)
سلمت سلامًا، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر
مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على
ثبوت المعنى واستقراره. وإنما قال: عليك، فعدل عن الغيبة
إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه إتباع لفظ
الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه
بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه. (السلام) الذي وجه إلى
الأمم السالفة من الصلحاء (علينا) يريد به المصلي نفسه
والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة (وعلى عباد الله
الصالحين) القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد،
وهو عموم بعد خصوص.
وجوّز النووي، رحمه الله، حذف اللام من السلام في
الموضعين، قال: والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات
الصحيحين. اهـ.
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه: لم يقع في شيء من طرق حديث
ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن
عباس، وهو من أفراد مسلم.
(فإنكم إذا قلتموها) أي قوله: وعلى عباد الله الصالحين
(أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض) جملة اعتراض بين
قوله: الصالحين وتاليها الآتي، فائدة الإتيان بها الاهتمام
بها لكونه أنكر عليهم عدّ الملائكة واحدًا واحدًا، ولا
يمكن استيفاؤهم.
وفيه أن الجمع المحلى بالألف واللام للعموم، وأن له صيغًا،
وهذه منها. قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في
لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسُّنّة. اهـ
وفيه خلاف عند أهل الأصول.
(أشهد أن لا إله إلاّ الله) زاد ابن أبي شيبة: وحده لا
شريك له. وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي
موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ (وأشهد
أن محمدًا عبده ورسوله) بالإضافة إلى الضمير.
وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السُّنن: وأشهد أن
محمدًا رسول الله بالإضافة إلى الظاهر وهو الذي رجّحه
الشيخان الرافعي والنووي، وأن الإضافة للضمير لا تكفي. لكن
المختار أنه يجوز: ورسوله. لما ثبت في مسلم، رواه البخاري
هنا.
وحديث التشهد روي عن جماعة من الصحابة منهم:
ابن مسعود رضي الله عنه، رواه المؤلّف والباقون، ولفظ
مسلم: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
التشهد، كفى بين كفيه، كما يعلمنا السورة من القرآن، فقال:
"إذا قعد أحدكم فليقل: إلخ. وزاد في غير الترمذي وابن
ماجة: "وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"،
واختاره أبو حنيفة وأحمد والجمهور لأنه أصح ما في الباب،
واتفق عليه الشيخان قال النووي: إنه أشدها صحة باتفاق
المحدثين، وروي من نيف وعشرين طريقًا وثبتت فيه الواو بين
الجملتين، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه،
فتكون كل جملة ثناء مستقلاً بخلاف غيرها من الروايات،
فإنها ساقطة وسقوطها يصيرها صفة لما قبلها، ولأن السلام
فيه معرّف وفي غيره منكر، والمعرّف أعمّ.
ومنهم ابن عباس عند الجماعة إلا البخاري ولفظه: كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد
كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات
المباركات، الصلوات الطيبات لله. السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدًا رسول الله". واختاره الإمام الشافعي، رحمه الله،
لزيادة لفظ: المباركات فيه. وهي موافقة
لقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً
طَيِّبَةً} [النور: 61].
وأجيب: بأن الزيادة مختلف فيها، وحديث ابن مسعود متفق
عليه.
ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه الطحاوي عن عبد
الرحمن بن عبد القاري، أنه سمع عمر بن الخطاب يعلم الناس
التشهد على المنبر، وهو يقول: "التحيات لله، الزاكيات لله،
الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا
الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". واختاره ابن مالك.
لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد، فدلّ على
تفضيله وتعقب بأنه موقوف، فلا يلحق بالمرفوع.
وأجيب بأن ابن مردويه رواه في كتاب التشهد مرفوعًا.
ومنهم ابن عمر، عند أبي داود والطبراني في الكبير.
ومنهم عائشة عند البيهقي.
ومنهم جابر بن عبد الله عند النسائي، وابن ماجة، والترمذي
في العلل، ولفظه كان
(2/130)
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن:
"بسم الله، وبالله، التحيات لله ... إلخ".
وصححه الحاكم، لكن ضعفه البخاري والترمذي والنسائي
والبيهقي، كما قاله النووي في الخلاصة.
ومنهم أبو سعيد الخدري عند الطحاوي.
ومنهم أبو موسى الأشعري عند مسلم، وأبي داود، والنسائي.
ومنهم سلمان الفارسي عند البزار.
ومذهب الشافعي أن التشهد الأول سنة، والثاني واجب، وقال
أبو حنيفة ومالك: سنتان.
وقال أحمد: الأول واجب يجبر تركه بالسجود، والثاني ركن
تبطل الصلاة بتركه.
ورواة حديث الباب ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا
مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
149 - باب الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ
(باب الدعاء) بعد التشهد (قبل السلام) وللأصيلي: قبل
التسليم.
832 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ
بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ
فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ
فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ. اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ.
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ
الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ
حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ». [الحديث 832 -
أطرافه في: 833، 2397، 6368، 6375، 6376، 6377، 7129].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا
شعيب) أي ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرنا
عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله: زوج النبي إلخ. ولأبي ذر
وابن عساكر: أنها (أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو في) آخر (الصلاة) بعد التشهد
قبل السلام، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعًا: إذا
تشهد أحدكم فليقل: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر،
وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) بفتح الميم وكسر السين
مخففة.
وقيده بالدجال ليمتاز عن عيسى ابن مريم عليه السلام،
والدجل الخلط. وسمي به لكثرة خلطه الباطل بالحق، أو من
دجل: كذب والدجال: الكذاب. وبالمسيح، لأن إحدى عينيه
ممسوحة، فعيل بمعنى مفعول، أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها
في أيام معدودة، فهو بمعنى فاعل، أو لأن الخير مسح منه فهو
مسيح الضلال.
(وأعوذ بك من فتنة المحيا) ما يعرض للإنسان مدة حياته من
الافتتان، أي: الابتلاء بالدنيا والشهوات والجهالات،
(وفتنة الممات) ما يفتتن به عند الموت في أمر الخاتمة،
أعاذنا الله من ذلك، أضيفت إليه لقربها منه. أو فتنة
القبر، ولا تكرار مع قوله أولاً عذاب القبر، لأن العذاب
مرتب على الفتنة، والسبب غير المسبب. (اللهم إني أعوذ بك
من المأثم) أي ما يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه،
وضعًا للمصدر موضع الاسم (و) أعوذ بك من (المغرم) أي
الدَّين، فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه.
فأما دين احتاجه وهو قادر على أدائه فلا استعاذة منه،
والأول حق الله، والثاني حق العباد.
(فقال له) أي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(قائل) في رواية النسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل
عائشة، ولفظها: فقلت: يا رسول الله (ما أكثر) بفتح الراء
على التعجب (ما تستعيذ من المغرم)؟ في محل نصب به، أي: ما
أكثر استعاذتك من المغرم (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(إن الرجل إذا غرم) بكسر الراء، وجواب قوله: (حدث فكذب)
بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه ولم يقم به، فيصير كاذبًا.
وذال كذب مخففة وهو عطف على حدث. (ووعد فأخلف). كأن قال
لصاحب الدين: أوفيك دينك في يوم كذا، ولم يوف، فيصير
مخلفًا لوعده. والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين.
وللحموي والمستملي: وإذا وعد أخلف. وهذا الدعاء صدر منه
عليه الصلاة والسلام على سبيل التعليم لأمته، وإلاّ فهو
عليه الصلاة والسلام معصوم من ذلك، أو أنه سلك به طريق
التواضع، وإظهار العبودية، وإلزام خوف الله تعالى،
والافتقار إليه ولا يمنع تكرار الطلب مع تحقّق الإجابة لأن
ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات.
وزاد أبو ذر عن المستملي، هنا: قال محمد بن يوسف بن مطر
الفربري: يحكى عن المؤلّف أنه قال: سمعت خلف بن عامر
الهمذاني يقول في المسيح، بفتح الميم وتخفيف السين،
والمسيح مشدد مع كسر الميم ليس بينهما فرق، وهما واحد في
اللفظ، أحدهما عيسى ابن مريم عليه السلام، والآخر الدجال
لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين، لكن إذا أريد الدجال قيد
به كما مر.
وقال أبو داود في السُّنن: المسيح مثقل. هو الدجال، ومخفف:
عيسى عليه السلام، وحكي عن بعضهم أن الدجال مسيخ بالخاء
المعجمة، لكن نسب إلى التصحيف.
وفي الحديث: التحديث بالجمع والإخبار ورواية تابعي عن
(2/131)
تابعي عن صحابية ورواته ما بين حمصي ومدني،
وأخرجه المؤلّف في الاستقراض، ومسلم في الصلاة وكذا أبو
داود والنسائي.
833 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ
أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ".
(و) بالسند السابق إلى شعيب (عن الزهري) محمد بن مسلم
(قال: أخبرني) بالإفراد (عن عروة أن عائشة) ولأبي ذر
والأصيلي: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة (رضي الله عنها
قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يستعيذ في) آخر (صلاته من فتنة الدجال).
ساقه هنا مختصرًا، وفي السابق مطولاً، ليفيد أن الزهري
رواه كذلك مع زيادة ذكر السماع عن عائشة رضي الله عنها.
فإن قلت: كيف استعاذ من فتنة الدجال مع تحقق عدم إدراكه.
أجيب: بأن فائدته تعليم أمته، لأن ينتشر خبره بين الأمة
جيلاً بعد جيل بأنه: كذاب، مبطل، ساعٍ على وجه الأرض
بالفساد، حتى لا يلتبس كفره عند خروجه من يدركه.
834 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
"عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ
قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي
صَلاَتِي. قَالَ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ
أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ،
وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
[الحديث 834 - طرفاه في: 6326، 7388].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين (قال: حدّثنا
الليث) بن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير) مرثد
بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة، آخره دال مهملة ابن
عبد الله اليزني (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي (عن
أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علمني دعاء أدعو به في صلاتي)
أي: في آخرها بعد التشهد الأخير: قبل السلام.
وقال الفاكهاني: الأولى أن يدعو به في السجود وبعد التشهد،
لأن قوله: في صلاتي يعم جميعها.
وتعقب بأنه: لا دليل له على دعوى الأولوية، بل الدليل
الصريح عامّ في أنه بعد التشهد قبل السلام، (قال) له عليه
الصلاة والسلام:
(قل: اللهم إني ظلمت نفسي) بارتكاب ما يوجب العقوبة (ظلمًا
كثيرًا) بالمثلثة، ولأبي ذر في نسخة: كبيرًا بالموحدة،
وسقط لأبي ذر لفظ: نفسي "ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت".
إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة. "فاغفر لي مغفرة"
عظيمة لا يدرك كنهها "من عندك" تتفضل بها علي، لا تسبب لي
فيها بعمل ولا غيره، "وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
في هاتين الصفتين مقابلة حسنة، فالغفور مقابل لقوله: اغفر
لي. والرحيم مقابل لقوله: ارحمني.
قال في الكواكب: وهذا الدعاء من جوامع الكلم إذ فيه
الاعتراف بغاية التقصير، وهو كونه ظالمًا ظلمًا كثيرًا
وطلب غاية الإنعام التي هي المغفرة والرحمة، فالأول عبارة
عن الزحزحة عن النار، والثاني إدخال الجنة. وهذا هو الفوز
العظيم، اللهم اجعلنا من الفائزين بكرمك يا أكرم الأكرمين.
ورواة هذا الحديث سوى طرفيه مصريون، وفيه تابعي عن تابعي،
وصحابي عن صحابي، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في: الدعوات، وكذا مسلم والترمذي وابن ماجة،
وأخرجه النسائي في الصلاة، وزاد أبو ذر في نسخة عنه هنا:
بسم الله الرحمن الرحيم، وهي ساقطة عند الكل.
150 - باب مَا يُتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ
التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
(باب ما يتخير) بضم أوّله للمفعول (من الدعاء بعد) فراغه
من (التشهد) قبل السلام (وليس بواجب).
835 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: "كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلاَةِ قُلْنَا:
السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ
عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ
عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ
قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ
وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ! فَإِنَّكُمْ إِذَا
قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ -أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ. ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ
أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى)
القطان (عن الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني)
بالإفراد (شفيق) هو أبو وائل (عن عبد الله) بن مسعود وضي
الله
عنه (قال: كنا إذا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده،
السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام) أي فكيف
يدعى له به. وهو مالكه، وإليه يعود، لأنّه المرجوع إليه
بالمسائل عن المعاني المذكورة. وسقط لفظ: في الصلاة، لابن
عساكر (ولكن قولوا: التحيات لله) وللأصيلي وابن عساكر:
ولكن التحيات له (والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته) بكاف الخطاب في قوله عليك. وكان
السياق يقتضي أن يقول: السلام على النبي فينتقل من تحية
الله إلى تحية النبي، وأجيب عنه بما مرّ قريبًا.
وقال الطيبي: إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت
بالتحيات، أذن لهم بالدخول في حرم الحي الذي لا يموت،
فقرّت أعينهم بالمناجاة، فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي
الرحمة
(2/132)
وبركة متابعته، فالتفتوا، فإذا الحبيب في
حرم الحبيب حاضر، فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، وهذا على طريقة أهل العرفان.
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى: وقد ورد في بعض طرق
ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمانه عليه الصلاة
والسلام، فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فبلفظ الغيبة.
ففي الاستئذان من صحيح البخاري، من طريق أبي معمر عن ابن
مسعود، بعد أن ساق حديث التشهد، قال: وهو بين ظهرانينا،
فلما قبض قلنا: السلام، يعني على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا في البخاري وأخرجه أبو عوانة في
صحيحه، والسراج، والجوزقيّ، وأبو نعيم الأصبهاني، والبيهقي
من طرق متعددة إلى أبي نعيم، شيخ البخاري، فيه بلفظ: فلما
قبض قلنا: السلام على النبي، بحذف لفظ: يعني. قال السبكي
في شرح المنهاج، بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة
وحده: إن صح هذا عن الصحابة دلّ على أن الخطاب في السلام
بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير واجب،
فيقال السلام على النبي. اهـ.
قال في فتح الباري: قد صح بلا ريب، وقد وجدت له متابعًا
قويًا. قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء أن
الصحابة كانوا يقولون، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا:
السلام على النبي، وهذا إسناد صحيح.
(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم،
أصاب) ولابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني: إذا
قلتم ذلك أصاب (كل عبد) صالح (في السماء أو) قال (بين
السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله. ثم يتخير)، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر: ثم ليتخير (من الدعاء أعجبه إليه فيدعو). زاد مسدد
في رواية أبي داود: فيدعو به، وللنسائي فليدع به. وهذا
موضع الترجمة.
وهو مع الترجمة يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي
قبله لا يجب، وإن كان ورد بصيغة الأمر. ثم إن المنفي في
قوله في الترجمة: وليس بواجب، يحتمل أن يكون الدعاء. أي:
لا يجب دعاء مخصوص. وإن كان التخيير مأمورًا به، ويحتمل أن
يكون المنفي التخيير، ويحمل الأمر الوارد به على الندب،
ويحتاج إلى دليل.
قال ابن رشيد: ليس التخيير في آحاد الشيء بدالٍّ على عدم
وجوبه، فقد يكون أصل الشيء واجبًا ويقع التخيير في وصفه.
وقال ابن المنير: ثم ليتخير، وإن كان بصيغة الأمر لكنها
كثيرًا ما ترد للندب. اهـ.
ثم إن قوله: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه، شامل لكل دعاء
مأثور وغيره مما يتعلق بالآخرة، كقوله: اللهم أدخلني
الجنة. أو الدنيا، مما يشبه كرم الناس كقوله: اللهم ارزقني
زوجة جميلة ودراهم جزيلة، وبذلك أخذ الشافعية والمالكية ما
لم يكن إثمًا.
وقصره الحنفية على ما يناسب المأثور فقط، مما لا يشبه كلام
الناس، محتجين بقوله عليه الصلاة والسلام: "إن صلاتنا هذه
لا يصلح فيها شيء من كلام الناس". ولنا قوله، عليه الصلاة
والسلام: "سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم، والملح
لقدوركم".
نعم استثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا، قال في
الفتح: فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلاّ فلا شك أن
الدعاء بالأمور المحرمة مطلقًا لا يجوز. اهـ.
وهذا الاستثناء ذكره أبو عبد الله الأبي وعبارته: واستثنى
بعض الشافعية من مصالح الدنيا ما فيه سوء أدب، كقوله:
اللهم أعطني امرأة جميلة، هنها كذا، ثم يذكر أوصاف
أعضائها. اهـ.
وقال ابن المنير: الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة، خطر،
وذلك أنه قد تلتبس عليه الدنيا الجائزة بالمحظورة، فيدعو
بالمحظورة، فيكون عاصيًا متكلمًا في الصلاة، فتبطل صلاته،
وهو لا يشعر، ألا ترى أن العامّة، يلتبس عليها الحق
بالباطل، فلو حكم حاكم على عامي بحق فظنه باطلاً، فدعا على
الحاكم باطلاً بطلت صلاته، وتمييز الحظوظ الجائزة من
المحرمة عسر جدًّا، فالصواب أن لا يدعو بدنياه إلاّ على
تثبت من الجواز. اهـ.
151 - باب مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ
حَتَّى صَلَّى
قَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ: رأيتُ الحُمَيديَّ يحتجُّ بهذا
الحديثِ أن لا يمسَحَ الجبهةَ في الصلاةِ.
(باب من لم يمسح جبهته وأنفه) من الماء والطين وهو في
الصلاة (حتى صلّى).
(قال أبو عبد الله) البخاري (رأيت الحميدي) عبد الله بن
الزبير المكي (يحتج بهذا الحديث) الآتي: (أن لا يمسح)
المصلي (الجبهة) والأنف وهو (في الصلاة).
وفي اليونينية، بهامشها، وهذا ثابت عند الأربعة هنا، وهو
في الأصول
(2/133)
ثابت.
836 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى
رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال حدّثنا هشام)
الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (قال سألت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه أي
عن ليلة القدر (فقال رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر
الطين في جبهته) بعد المسح أو ترك المسح ناسيًا أو عامدًا
لتصديق رؤياه ليراه الناس فيستدلوا على عين تلك الليلة
ويحتمل أن يكون لم يشعر به أو تركه عمدًا لبيان الجواز أو
لأن ترك المسح أولى لأن المسح عمل وإن كان قليلاً ومن ثم
وكّل المؤلّف الأمر فيه إلى نظر المجتهد هل يوافق الحميدي
المستدل أو يخالفه أشار إليه ابن المنير.
152 - باب التَّسْلِيمِ
(باب التسليم) في آخر الصلاة.
837 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ
هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ -رضي الله
عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ
يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ
يَقُومَ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى -وَاللَّهُ
أَعْلَمُ- أَنَّ مُكْثَهُ لِكَىْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ
قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ.
[الحديث 837 - طرفاه في: 849، 850].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا
إبراهيم بن سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف (قال: حدّثنا) ابن شهاب (الزهري عن هند بنت الحرث)
التابعية (أن أم سلمة) أم المؤمنين (رضي الله عنها، قالت:
كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
سلم) من الصلاة (قام النساء حين يقضي) ولابن عساكر: حتى
يقضي أي يتم (تسليمه) ويفرغ منه (ومكث يسيرًا قبل أن يقوم،
قال ابن شهاب) الزهري: (فأرى) بضم الهمزة أي أظن (والله
أعلم أن مكثه) عليه الصلاة والسلام يسيرًا كان (لكي ينفذ
النساء) بفتح المثناة التحتية وضم الفاء آخره ذال معجمة،
أي: يخرجن (قبل أن يدركهن) بنون النسوة، ولأبي ذر في نسخة:
قبل أن يدركهم (من انصرف من القوم) المصلين.
وموضع الترجمة قوله: كان إذا سلم. ويمكن أن يستنبط الفرضية
من التعبير بلفظ: كان، المشعر بتحقق مواظبته عليه الصلاة
والسلام، وهو مذهب الجمهور، فلا يصح التحلل من الصلاة، إلا
به، لأنه ركن.
وفي حديث علي بن أبي طالب، عند أبي داود، بسند حسن
مرفوعًا: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها
التسليم. وهو يحصل بالأولى، أما الثانية فسُنّة.
وقال الحنفية، يجب الخروج من الصلاة به، ولا نفرضه، لقوله
عليه الصلاة والسلام: "إذا قعد الإمام في آخر صلاته، ثم
أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته".
قالوا وما استدلّ به الشافعية لا يدل على الفرضية، لأنه
خبر الواحد بل يدل على الوجوب، وقد قلنا به: اهـ. وهذا
جارٍ على قاعدتهم.
وقال المرداوي من الحنابلة في مقنعه: يسلم مرتبًا معرّفًا
وجوبًا مبتدئًا عن يمينه جهرًا مسرًّا به عن يساره. اهـ.
ولم يذكر في هذا الحديث التسليمتين، لكن رواهما مسلم من
حديث ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، بل ذكرهما الطحاوي من
حديث ثلاثة عشر صحابيًّا، وزاد غيره سبعة، وبذلك أخذ
الإمام الشافعي، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال المالكية: السلام واحدة، واستدلّ له بحديث عائشة
المروي في السُّنن: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، كان يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم. يرفع
بها صوته حتى يوقظنا بها.
وأجيب: بأنه حديث معلول، كما ذكره العقيلي، وابن عبد البر،
وبأنه في قيام الليل. والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما
شهدوا في الفرض والنفل، وحديث عائشة ليس صريحًا في
الاقتصار على تسليمة واحدة، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة
يوقظهم بها، ولم تنفِ الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتها
عنها مقدمًا على رواية من حفظها وضَبَطَها وهم أكثر عددًا،
وأحاديثهم أصح.
فرع من المجموع، قال الشافعي والأصحاب: إذا اقتصر الإمام
على تسليمة، سنّ للمأموم تسليمتان، لأنه خرج عن المتابعة
بالأولى، بخلاف التشهد الأوّل، لو تركه الإمام لزم المأموم
تركه، لأن المتابعة واجبة عليه قبل السلام.
153 - باب يُسَلِّمُ حِينَ يُسَلِّمُ الإِمَامُ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَسْتَحِبُّ إِذَا
سَلَّمَ الإِمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ مَنْ خَلْفَهُ.
هذا (باب) بالتنوين (يسلم) المأموم (حين يسلم الإمام) وهذه
الترجمة لفظ حديث الباب، ومقتضاه مقارنة سلام المأموم
لسلام الإمام، وهو جائز كبقية الأركان، إلا تكبيرة
الإحرام، لأنه لا يصير في صلاة حتى يفرغ منها. فلا يربط
صلاته بمن ليس في صلاة.
وكأن المؤلّف أشار إلى أنه يندب أن لا يتأخر المأموم في
سلامه بعد الإمام متشاغلاً بدعاء وغيره.
واستدلّ له بقوله: (وكان ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله
عنهما) مما وصله ابن أبي شيبة عنه لكن بمعناه (يستحب إذا
سلم الإمام) من
(2/134)
صلاته (أن يسلم من خلفه) من المقتدين،
ونبّه العيني على أنّ: إذا، ليست شرطية، بل لمجرّد
الظرفية.
838 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ
عِتْبَانَ قَالَ: "صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَلَّمْنَا حِينَ
سَلَّمَ".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا حبّان بن موسى) بكسر
الحاء المهملة، المروزي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
(قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا
معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة، ابن راشد البصري
(عن) ابن شهاب (الزهري) محمد بن مسلم (عن محمود بن الربيع)
الأنصاري الصحابي، ولأبوي ذر والوقت: عن محمود، هو ابن
الربيع. وسقط قوله: ابن الربيع، عند ابن عساكر (عن عتبان)
بكسر العين وسكون المثناة الفوقية، الأنصاري الأعمى،
ولأبوي ذر والوقت والأصيلي زيادة: ابن مالك أنه (قال:
صلّينا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فسلمنا حين سلم) أي معه بحيث كان ابتداء سلامهم بعد ابتداء
سلامه، وقبل فراغه منه.
وجوّز الزين بن المنير أن يكون المراد أن ابتداءهم بعد
إتمامه، والحديث قد سبق مطوّلاً.
154 - باب مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلاَمِ عَلَى
الإِمَامِ، وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ
(باب من لم يردّ السلام) من المأمومين (على الإمام)
بتسليمة ثالثة بين التسليمتين (واكتفى بتسليمة الصلاة) وهو
التسليمتان، خلافًا لمن استحب ذلك من المالكية.
839 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ
أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ
فِي دَارِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
الأزدي المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال:
أخبرنا عمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع، وزعم) المراد به
هنا: الخبر المحقق، لأنه اللائق بالمقام، لأن محمودًا موثق
عند الزهري، فقوله عنده محقق (أنه عقل) بفتح القاف، أي:
فهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعقل
مجة) نصب بعقل (مجها من دلو) جملة في محل نصب على أنها صفة
لمجة، ومِنْ: بيانية (كان) أي الدلو (في دارهم). ولأبوي ذر
والوقت: كانت، أي: من بئر كانت في دارهم.
840 - قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ
الأَنْصَارِيَّ -ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ- قَالَ:
"كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ
بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ
قَوْمِي، فََلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي
بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا. فَقَالَ:
أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَغَدَا عَلَىَّ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو
بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ
فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى
قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟
فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ
يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ
سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ".
(قال: سمعت عتبان بن مالك الأنصاري -ثم أحد بني سالم-)
بنصب أحد عطفًا على الأنصاري المنصوب، صفة لعتبان المنصوب
بسمعت.
وجوّز الكرماني أن يكون أحد عطفًا على عتبان، يعني: سمعت
عتبان وسمعت أحد بني سالم أيضًا، فيكون السماع من اثنين.
ثم فسر المبهم: بالحصين بن محمد الأنصاري.
وتعقبه الحافظ ابن حجر: بأن الأصل عدم التقدير في إدخال
سمعت بين: ثم واحد. وبأنه يلزم منه أن يكون الحصين بن محمد
هو صاحب القصة المذكورة، أو أنها تعدّدت له ولعتبان، وليس
كذلك. فإن الحصين المذكور لا صحبة له. اهـ.
وتعقبه العيني بأن الملازمة ممنوعة، لأن كون الحصين غير
صحابي لا يقتضي الملازمة التي ذكرها، لأنه يحتمل أن يكون
الحصين سمع ذلك من صحابي آخر، والراوي طوى ذكره اكتفاء
بذكر عتبان. اهـ. فليتأمل.
(قال) أي عتبان: (كنت أصلي لقومي بني سالم، فأتيت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت) له: (إني
أنكرت بصري، وأن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي) بحاء
مهملة مضمومة، أي: تكون حائلة تصدّني عن الوصول إلى مسجد
قومي، (فلوددت) أي فوالله لوددت (أنك جئت فصليت في بيتي
مكانًا أتخذه) بالرفع والجزم، لوقوعه جواب التمنّي
المستفاد من وددت، وفي غير رواية أبي ذر والأصيلي وابن
عساكر: حتى أتخذه (مسجدًا. فقال) عليه الصلاة والسلام:
(أفعل) ذلك (إن شاء الله) تعالى.
قال عتبان: (فغدا عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. وأبو بكر) الصدّيق رضي الله عنه (معه، بعدما
اشتد
النهار) أي: ارتفعت الشمس (فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول لبيتي (فأذنت له) فدخل
(فلم يجلس
حتى قال):
(أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فأشار إليه من المكان الذي أحب
أن يصلّي فيه) فيه التفات، إذ ظاهر السياق يقتضي أن يقول:
فأشرت. أو الذي أشار هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، إلى المكان الذي هو محبوب لعتبان أن يصلّي
فيه.
قال العيني: وفيه إظهار معجزة له عليه الصلاة والسلام، حيث
أشار إلى المكان الذي كان مراد عتبان صلاته عليه الصلاة
والسلام فيه. اهـ.
ويحتمل أن تكون مِن للتبعيض، ولا ينافي ما في الرواية
فأشرت لاحتمال أن كلاًّ منهما أشار معًا، أو متقدّمًا
(2/135)
أو متأخرًا.
(فقام) عليه الصلاة والسلام (فصففنا) بالفاء فصاد مهملة ثم
فاءين. وللأصيلي: وصففنا (خلفه، ثم سلم، وسلمنا حين سلم).
هذا موضع الترجمة، وظاهره أنهم سلموا نظير سلامه.
وسلامه: إما واحدة وهي التي يتحلّل بها من الصلاة، وإما هي
وأخرى معها، فيحتاج من استحب تسليمة ثالثة على الإمام بين
التسليمتين إلى دليل خاص.
قال التيمي، فيما نقله البرماوي: كان مشيخة مسجد المهاجرين
يسلمون واحدة. ولا يردون على الإمام، ومسجد الأنصار
تسليمتين.
وقال مالك: يسلم المأموم عن يمينه، ثم يرد على الإمام. ومن
قال بتسليمتين من أهل الكوفة يجعلون التسليمة الثانية
ردًّا على الإمام. اهـ.
وقال شيخ المالكية خليل، في مختصره: وردّ مقتدٍ على إمامه،
ثم يساوره، وبه أحد، وجهر بتسليمة التحليل فقط.
قال شارحه: أما سلام التحليل فيستوي فيه الإمام والمأموم
والفذ، ويسنّ للمأموم أن يزيد عليه تسليمتين إن كان على
يساره أحد، أولاهما يردها على إمامه، والثانية على مَن على
يساره، ومن السنن الجهر بتسليمة التحليل فقط، قال مالك
رحمه الله، ويخفي تسليمة الرد.
155 - باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ
(باب الذكر بعد) الفراغ من (الصلاة) المكتوبة.
841 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- أَخْبَرَهُ: "أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ
-حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ- كَانَ
عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا
انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ". [الحديث 841 -
طرفه في: 842].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن
نصر (قال: حدَّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا (عبد الرزاق) بن
همام (قال: أخبرنا ابن جريج) بضم الجيم أوّله وفتح الراء،
عبد الملك بن عبد العزيز، (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو)
بفتح العين، ابن دينار (إن أبا معبد) بفتح الميم وسكون
العين وفتح الموحدة آخره دال مهملة، اسمه نافذ (مولى ابن
عباس، أخبره أن ابن
عباس، رضي الله عنهما، أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين
ينصرف الناس من) الصلاة (المكتوبة كان على عهد النبي)
ولأبي ذر في نسخة، وأبي الوقت: على رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: على زمانه، فله حكم
الرفع.
وحمل الشافعي، رحمه الله، فيما حكاه النووي، رحمه الله،
هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتًا يسيرًا لأجل تعليم صفة
الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام
والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم.
(و) بالإسناد السابق كما عند مسلم، عن إسحاق بن منصور، عن
عبد الرزاق به (قال ابن عباس) رضي الله عنهما، وسقط: واو
"وقال" للأصيلي: (كنت أعلم) أي أظن (إذا انصرفوا بذلك) أي:
أتعلم وقت انصرافهم برفع الصوت (إذا سمعته) أي الذكر.
وظاهره أن ابن عباس لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض
الأوقات لصغره، أو كان حاضرًا لكنه في آخر الصفوف، فكان لا
يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير.
قال الشيخ تقي الدين: ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير
الصوت يسمع من بعد. اهـ.
وسقط للأصيلي قوله: وقال ابن عباس، رضي الله عنهما.
842 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٍو قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالتَّكْبِيرِ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، وسقط لفظ: ابن
عبد الله عند الأصيلي، (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال:
حدّثنا عمرو) بفتح العين، ابن دينار، كذا للأبوين وابن
عساكر والأصيلي، بثبوت عمرو، وسقط في بعض النسخ، ولا بدّ
من ثبوته، وللأصيلي: عن عمرو، بدل: حدّثنا (قال: أخبرني)
بالإفراد (أبو معبد) مولى ابن عباس (عن ابن عباس، رضي الله
عنهما، قال: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتكبير) أي بعد الصلاة وفي السابقة
بالذكر، وهو أعمّ من التكبير، والتكبير أخص. أو هذا مفسر
للسابق.
(قال عليّ): هو ابن المديني، وفي رواية المستملي
والكشميهني: وقال، بالواو، وللأصيلي: حدّثنا عليّ، بدل:
قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار
(قال: كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس)، رضي الله عنهما،
التفضيل فيه باعتبار إفراد الخبر، وإلاّ فنفس الصدق لا
يتفاوت. (قال عليّ: واسمه نافذ) بالنون وكسر الفاء آخره
معجمة.
وزاد مسلم: قال عمرو، يعني: ابن دينار ذكرت ذلك لأبي معبد
فأنكره، وقال: لم أحدّثك بهذا. قال عمرو: وقد أخبرنيه قبل
ذلك، وهذه مسألة معروفة عند أهل علم الحديث، وهي إنكار
الأصل تحديث الفرع، وصورتها أن يروي ثقة عن ثقة حديثًا،
فيكذبه المروي عنه.
(2/136)
وفي ذلك تفصيل، لأنه إما أن يجزم بتكذيبه
له أم لا. وإذا جزم، فتارة يصرّح بالتكذيب، وتارة لم يصرّح
به، فإن لم يجزم بتكذيبه كان قال: لا أذكره، فاتفقوا على
قبوله، لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه، وإن جزم وصرّح
بتكذيبه، فاتفقوا على ردّه، لأن جزم الفرع بكون الأصل
حدّثه يستلزم تكذيبه للأصل في دعواه أنه كذب عليه، وليس
قبول قول أحدهما أولى من الآخر، وإن جزم ولم يصرّح
بالتكذيب، كقول معبد: لم أحدّثك بهذا، فسوى ابن الصلاح،
تبعًا للخطيب، بينهما أيضًا، وهو الذي مشى عليه الحافظ ابن
حجر رحمه الله في شرح النخبة.
لكن قال في فتح الباري: إن الراجح عند الحدّثين القبول،
وتمسك بصنيع مسلم حيث أخرج حديث عمرو بن دينار هذا مع قول
أبي معبد لعمرو: لم أحدثك به. فإن دل على أن مسلمًا كان
يرى صحة الحديث، ولو أنكره راويه. إذا كان الناقل عنه ثقة،
ويعضده تصحيح البخاري أيضًا، وكأنهم حملوا الشيخ على
النسيان.
ويؤيده قول الشافعي، رحمه الله، في هذا الحديث بعينه، كأنه
نسي بعد أن حدّثه، لكن إلحاق هذه الألفاظ بالصورة الثانية
أظهر، ولعل تصحيح هذا الحديث بخصوصه لمرجحٍ اقتضاه تحسينًا
للظن بالشيخين، لاسيما وقد قيل، كما أشار إليه الإمام فخر
الدين في المحصول: إن الردّ إنما هو عند التساوي، فلو رجح
أحدهما عمل به.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الحديث من أمثلة هذا، مع أنه قد
حكي عن الجمهور من الفقهاء في هذه الصورة القبول، وعن بعض
الحنفية، ورواية عن أحمد: الرد قياسًا على الشاهد،
وبالجملة فظاهر صنيع ابن حجر اتفاق المحدّثين على الردّ
على صورة التصريح بالكذب، وقصر الخلاف على هذه، وفيه نظر.
فإن الخلاف موجود، فمن متوقفٍ، ومن قائل بالقبول مطلقًا،
وهو اختيار ابن السبكي تبعًا لأبي المظفر بن السمعاني،
وقال به أبو الحسين بن القطان وإن كان الآمدي والهندي حكيا
الاتفاق على الردّ من غير تفصيل وهو مما يساعد ظاهر صنيع
الحافظ ابن حجر في الصورة الثانية وينازع في الثالثة.
ويجاب بأن الاتفاق في الثانية والخلاف في الثالثة إنما هو
بالنظر للمحدثين خاصة وهذه الجملة من قوله قال علي إلى
آخرها ثابتة في أوّل الحديث اللاحق عند الأصيلي وفي آخره
عند الثلاثة الأبوين وابن عساكر.
843 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَىٍّ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: "ذَهَبَ أَهْلُ
الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ
وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ مَا نُصَلِّي،
وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ
أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ،
وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ. قَالَ: أَلاَ
أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ
أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ
بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ
ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ: تُسَبِّحُونَ
وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ
ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا: فَقَالَ
بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ
ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا
وَثَلاَثِينَ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ
سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ
حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا
وَثَلاَثِينَ". [الحديث 843 - طرفه في: 6329].
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن
عليّ بن عطاء بن مقدّم المقدّمي البصري (قال: حدّثنا
معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان البصري، ولابن عساكر:
المعتمر (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص بن عاصم
بن عمر بن الخطاب المدني، (عن سميّ) بضم السين المهملة
وفتح الميم، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن (عن أبي صالح)
ذكوان السمان (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: جاء
الفقراء) فيهم أبو ذر كما عند أبي داود، وأبو الدرداء كما
عند النسائي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فقالوا: ذهب أهل الدثور) بضم الدال المهملة
والمثلثة، جمع: دثر، بفتح الدال وسكون المثلثة (من
الأموال) بيان للدثور وتأكيد له، لأن الدثور يجيء بمعنى
المال الكثير،
وبمعنى الكثير من كل شيء (بالدرجات العلا) في الجنة، أو
المراد: علوّ القدر عنده تعالى (وبالنعيم المقيم) الدائم
المستحق بالصدقة، (يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم)، زاد
في حديث أبي الدرداء، عند النسائي في: اليوم والليلة:
ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث ابن عمر: وصدّقوا
تصديقنا، وآمنوا إيماننا (ولهم فضل الأموال) بالإضافة،
ولأبي ذر عن الكشميهني: ولهم فضل من أموال، وللأصيلي: فضل
الأموال (يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون) في رواية
ابن عجلان عن سميّ عند مسلم: ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون
ولا نعتق.
(قال) عليه الصلاة والسلام، وللأصيلي وأبي ذر: فقال:
(ألا أحدّثكم بما) أي بشيء (إن أخذتم أدركتم) بذلك الشيء،
وضبب في اليونينية على قوله: أحدثكم، ولأبي ذر في نسخة،
والأصيلي: ألا أحدثكم بأمرٍِ إن أخذتم به أدركتم (من
سبقكم) من أهل الأموال في الدرجات العلا، والجملة في موضع
نصب مفعول أدركتم، وسقط قوله: بماء في أكثر الرويات. وكذا
قوله: به، وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى، وسقط
(2/137)
أيضًا قوله: من سبقكم، في رواية الأصيلي.
والسبقية المذكورة رجح ابن دقيق العيد أن تكون معنوية،
وجوّز غيره أن تكون حسية، قال الحافظ: والأوّل أولى. اهـ.
(ولم يدرككم أحد بعدكم) لا من أصحاب الأموال ولا من غيرهم،
(وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه) بفتح النون مع الإفراد،
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بين ظهرانيهم، أي: من أنتم
بينهم (إلا مَن عمل) من الأغنياء (مثله) فلستم خيرًا.
لأن هذا هو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه، وانتقاء خيرية
المخاطبين بالنسبة إلى من عمر مثل عملهم صادق بمساواتهم
لهم في الخيرية، وبها يجُاب عن استشكال ثبوت الأفضلية في
خير مع التساوي في العمل الفهوم من قوله: أدركتم، وهو أحسن
من التأويل: بإلا مَن عمل مثله. وزاد: بغيره من فعل البر،
أشار إليه البدر الدماميني، لكن لا يمتنع أن يفوق الذكر مع
سهولته الأعمال الشاقّة الصعبة من الجهاد، ونحوه، وإن ورد:
أفضل العبادات أحمزها، لأن في الإخلاص في الذكر من
المشقّة، ولا سيما الحمد في حال الفقر، ما يصير به أعظم
الأعمال. وأيضًا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقّة،
في كل حال، فإن ثواب كلمة الشهادتين مع سهولتها، أكثر من
العبادات الشاقة.
وإذا قلنا إن الاستثناء يعود على كل من السابق والمدرك،
كما هو قاعدة الشافعي، رحمه الله، في أن الاستثناء المتعقب
للجمل عائد على كلها، يلزم قطعًا أن يكون الأغنياء أفضل:
إذ معناه: إن أخذتم أدركتم إلا مَن عمل مثله فإنكم لا
تدركون.
(تسبّحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة) أي مكتوبة. وعند
المصنف في الدعوات: دبر كل صلاة، ورواية: خلف، مفسرة
لرواية: دبر، وللفريابي من حديث أبي ذر: إثر كل صلاة، أي:
تقولون كل واحد من الثلاثة (ثلاثًا وثلاثين) فالمجموع لكل
فرد فرد، والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف، وهو: خلف، و:
في ثلاثًا وثلاثين، وهو مفعول مطلق، وقيل المراد المجموع
للجميع.
فإذا وزع كان لكل واحد من الثلاثة أحد عشر، ويبدأ بالتسبيح
لأنه يتضمن نفي النقائص عنه تعالى، ثم ثنى بالتحميد لأنه
يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات
الكمال، ثم ثلث بالكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص. وإثبات
الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر.
وقد وقع في رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد،
ومثله لأبي داود من حديث أم حكيم، وله في حديث أبي هريرة:
يكبر ويحمد ويسبح، وهذا الاختلاف يدل على أن لا ترتيب فيه،
ويستأنس له بقوله في حديث: "الباقيات الصالحات لا يضرك
بأيّهنّ بدأت". لكن ترتيب حديث الباب الموافق لأكثر
الأحاديث أولى لما مر.
قال سميّ: (فاختلفنا بيننا) أي: أنا وبعض أهلي، هل كل واحد
ثلاثًا وثلاثين أو المجموع (فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا
وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين)، قال
سميّ: (فرجعت إليه) أي، أبي صالح.
والقائل أربعًا وثلاثين بعض أهل سميّ، أو القائل،
فاختلفنا، أبو هريرة.
والضمير في: فرجعت له، وفي إليه، للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلاف بين الصحابة وهم القائلون:
أربعًا وثلاثين، كما هو ظاهر الحديث، لكن الأول أقرب
لوروده في مسلم، ولفظه: قال سميّ:
فحدثت بعض أهلي هذا الحديث. فقال: وهمت. فذكر كلامه، قال:
فرجعت إلى أبي صالح، إلا أن مسلمًا لم يوصل هذه الزيادة.
(فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أبو
صالح (تقول):
(سبحان الله والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون) العدد
(منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين). وهل العدد للجميع أو
المجموع؟.
ورواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، ورجحه بعضهم
للإتيان فيه بواو العطف.
والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله
على كل حركة لذلك، سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا
يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث، ثم إن الأفضل الإتيان
بهذا الذكر متتابعًا في الوقت الذي عين فيه، وهل إذا زيد
على العدد المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المترتب
عليه أم لا؟
قال بعضهم: لا يحصل، لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية، وإن
خفيت علينا، لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكم، فربما يفوت
بمجاوزة ذلك العدد
(2/138)
والمعتمد الحصول لأنه قد أتى بالمقدار الذي
رتب على الإتيان به ذلك الثواب، فلا تكون الزيادة مزيلة له
بعد حصوله بذلك العدد، أشار إليه الحافظ زين الدين
العراقي.
وقد اختلفت الروايات في عدد هذه الأذكار الثلاثة.
ففي حديث أبي هريرة، ثلاثًا وثلاثين، كما مرّ. وعند
النسائي من حديث زيد بن ثابت خمسًا وعشرين، ويزيدون فيها:
لا إله إلاّ الله خمسًا وعشرين وعند البزار من حديث ابن
عمر: إحدى عشرة، وعند الترمذي والنسائي من حديث أن: عشرًا،
وفي حديث أن في بعض طرقه: ستًا، وفي بعض طرقه أيضًا مرة
واحدة.
وعند الطبراني، في الكبير، من حديث زميل الجهني، قال: كان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى
الصبح قال: وهو ثان رجليه: "سبحان الله وبحمده، وأستغفر
الله إنه كان توّابًا" سبعين مرة، ثم يقول: "سبعين
بسبعمائة". الحديث.
وعند النسائي، في اليوم والليلة، من حديث أبى هريرة
مرفوعًا: "من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبّر مائة
وحمد مائة، غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر".
وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون صدر في أوقات متعددة، أو هو
وارد على سبيل التخيير، أو بختلف باختلاف الأحوال.
وقد زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سميّ، قال أبو صالح:
فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما
فعلنا، فقالوا مثله.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:
54].
قال المهلب: في حديث أبي هريرة: "فضل الغني" نصًّا لا
تأويلاً إذا استوت أعمالهم المفروضة، فللغني حينئذ من فضل
عمل البر ما لا سبيل للفقير إليه، وتعقبه ابن المنير بأن
الفضل المذكور فيه خارج عن محل الخلاف، إذ لا يختلفون في
أن الفقير لم يبلغ فضل الصدقة، وكيف يختلفون فيه وهو لم
يفعل الصدقة، وإنما الخلاف إذا قابلنا مزية الفقير بثواب
الصبر على مصيبة شظف العيش، ورضاه بذلك، بمزية الغني بثواب
الصدقات، أيهما أكثر ثوابًا اهـ.
ويأتي إن شاء الله تعالى مباحث هذه المسألة في: كتاب
الأطعمة.
ورواة حديث الباب ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم أيضًا: في الصلاة، والنسائي:
في اليوم والليلة.
844 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ
عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:
"أَمْلَى عَلَىَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ -فِي كِتَابٍ
إِلَى مُعَاوِيَةَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ
صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ
لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهْوَ
عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا
أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ
يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ".
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهَذَا وَعَنِ
الْحَكَمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ
وَرَّادٍ بِهَذَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْجَدُّ غِنًى. [الحديث 844 - أطرافه
في: 1477، 2408، 5975، 6330، 6473، 6615، 7292].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا
سفيان) الثوري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح
الميم (عن وراد) بفتح الواو وتشديد الراء آخره دال مهملة
(كاتب المغيرة) بالإضافة، ولأبي ذر: كاتب للمغيرة (بن شعبة
قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة) سقط: ابن شعبة في رواية
أبي ذر والأصيلي، (-في كتاب إلى معاوية-) وكان المغيرة إذ
ذاك أميرًا على الكوفة من قبل معاوية، وكان السبب في ذلك
أن معاوية كتب إليه اكتب إليّ بحديث سمعته من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكتب إليه (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول في دبر كل
صلاة) بضم الدال والموحدة وقد تسكن، أي: عقب كل صلاة
(مكتوبة).
(لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية للا، أو على البدلية
من الضمير المستتر في الخبر المقدّر، أو من اسم: لا،
باعتبار محله قبل دخولها، أو أن إلا بمعنى: غير، أي: لا
إله إلاّ الله في الوجود، لأنّا لو حملنا: إلا، على
الاستثناء لم تكن الكلمة توحيدًا محضًا.
وعورض: بأنه على تأويل: إلاّ، بغير، يصير المعنى نفي: إله،
مغاير له، ولا يلزم من نفي مغاير الشيء إثباته هنا، فيعود
الإشكال.
وأجيب بأن إثبات: الإله كان متفقًا عليه بين العقلاء، إلاّ
أنهم كانوا يثبتون الشركاء والأنداد، فكان المقصود بهذه
الكلمة نفي ذلك، وإثبات الإله من لوازم المعقول، سلمنا: أن
لا إله إلا الله، دلّت على نفي سائر الآلهة، وعلى إثبات
الإلهية لله تعالى، إلاّ أنها بوضع الشرع، لا بمفهوم أصل
اللغة. اهـ.
وقد يجوز النصب على الاستثناء أو الصفة لاسم: لا إذا كانت
بمعنى غير، لكن المسموع الرفع.
قال البيضاوي في آية {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا
اللَّهُ} [الأنبياء: 22] أي غير الله وصف: بإلاَّ، لما
تعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على
ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه.
والمراد ملازمته لكونها مطلقًا أو معه، حملاً لها على غير،
كما استثنى: بغير، حملاً لها عليها. ولا يجوز الرفع على
البدل لأنه متفرع على الاستثناء، ومشروط بأن يكون في كلام
(2/139)
غير موجب.
وقد أشبعنا القول في مباحث ذلك في أوّل كتاب الإيمان عند
قوله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله".
ثم اعلم أنه: لا خلاف أن في قولك: قام القوم إلا زيدًا،
مخرجًا، ومخرجًا منه، وأن المخرج ما بعد إلا، والمخرج منه
ما قبلها. ولكن قبل إلاّ شيئان: القيام والحكم به.
والقاعدة أن ما خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر.
واختلفوا هل زيد مخرج من القيام أو من الحكم به؟ والذي
عليه محققو النحاة والفقهاء: أنه مخرج من القيام، فيدخل في
عدم القيام، فهو غير قائم، وقيل: مخرج من الحكم بالقيام
فيدخل في عدم الحكم، فهو غير محكوم عليه، وهو قول قوم من
الكوفيين، ووافقهم الحنفية.
فعندنا: أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي.
وعندهم: أن المستثنى غير محكوم عليه بشيء ومن حجج الجمهور
الاتفاق على حصول التوحيد بقوّلنا: لا إله إلا الله. وذلك
إنما يتمشى على قوّلنا: أن المستثنى محكوم عليه، لا على
قولهم: إنه مسكوت عنه. فافهمه.
قاله ابن هشام:
(وحده) بالنصب على الحال أي: لا إله منفردًا وحده (لا شريك
له) عقلاً ونقلاً.
أما أوّلاً: فلأن وجود إلهين محُال، إذ لو فرضنا وجودهما
لكان كلٍّ منهما قادرًا على كل المقدورات، فلو فرضنا أن
أحدهما أراد تحريك زيد والآخر تسكينه، فإما أن يقع
المرادان، وهو محال
لاستحالة الجمع بين الضدين، أو لا يقع واحد منهما، وهو
محال لأن المانع من وجود مراد كل واحد منهما حصول مراد
الآخر ولا يمتنع وجود مراد هذا إلاّ عند وجود مراد الآخر
وبالعكس، فلو امتنعا معًا لوجدا معًا وذلك محال، لوجهين:
الأول: أنه لما كان كل واحد منهما قادرًا على ما لا نهاية
له امتنع كون أحدهما أقدر من الآخر، بل يستويان في القدرة،
فيستحيل أن يصير مراد أحدهما أولى بالوقوع من الآخر، إذ
يلزم ترجيح أحد المتساوين من غير مرجح، وهذا محال.
الثاني: أنه إن وقع مراد أحدهما دون الآخر، فالذي يحصل
مراد إله قادر، والذي لا يحصل مراده عاجز، فلا يكون إله
قادر، والذي لا يحصل مراده عاجز، فلا يكون إلهًا.
وأما ثانيًا: فلقوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:
163] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] {لَا
تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ}
[النحل: 51] {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ} [الحديد: 3].
والأوّل: هو الفرد السابق وذلك يقتضي أن لا شريك له وهو
تأكيد لقوله: وحده، لأن المتّصف بالوحدانية لا شريك له.
(له الملك) بضم الميم أي: أصناف المخلوقات، (وله الحمد)
زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة: يحيي ويميت، وهو حي
لا يموت، بيده الخير (وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع
لما أعطيت) أي الذي أعطيت (ولا معطي لما منعت) أي: الذي
منعته.
وزاد في مسند عبد بن حميد من رواية معمر؛ عن عبد الملك بن
عمير، بهذا الإسناد: "ولا رادّ لما قضيت".
وقد أجاز البغداديون، كما نبّه عليه صاحب المصابيح، ترك
تنوين الاسم المطوّل، فأجازوا: لا طالع جبلاً، أجروه في
ذلك مجرى المضاف، كما أجرى مجراه في الإعراب.
قال ابن هشام: وعلى ذلك يتخرج الحديث، وتبعه الزركشي في
تعليق العمدة، قال الدماميني: بل يتخرج الحديث على قول
البصريين أيضًا، بأن يجعل مانع اسم: لا، مفردًّا مبنيًّا
معها، إما لتركيبه معها تركيب خمسة عشر، وإما لتضمنه معنى
من الاستغراقية، على الخلاف المعروف في المسألة. والخبر
محذوف، أي: لا مانع مانع لما أعطيت، واللام للتقوية. فلك
أن تقول: تتعلق، ولك أن تقول: لا تتعلق.
وكذا القول في: ولا معطي لما منعت، وجوز الحذف ذكر مثل
المحذوف، وحسنه دفع التكرار، فظهر بذلك أن التنوين على رأي
البصريين ممتنع، ولعل السرّ في العدول عن تنوينه إرادة
التنصيص على الاستغراق، ومع التنوين يكون الاستغراق ظاهرًا
لا نصًّا.
فإن قلت: إذا نون الاسم كان مطولاً، ولا، عاملة، وقد تقرر
أنها عند العمل ناصّة على الاستغراق.
قلت: خص بعضهم الاستغراق بحالة البناء من جهة تضمن معنى:
من الاستغراقية، ولو سلّم ما قلته لم يعين عملها في هذا
الاسم المنصوب حتى يكون النص على الاستغراق حاصلاً،
لاحتمال أن يكون منصوبًا بفعل محذوف، أي لا نجد ولا نرى
مانعًا ولا معطيًا، فعدل إلى البناء لسلامته من هذا
الاحتمال. اهـ.
(ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم
(2/140)
فيهما أي: لا ينفع ذا الغنى عندك غناه،
إنما ينفعه العمل الصالح. فمن، في: ملك بمعنى البدل، كقوله
تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ
الْآَخِرَةِ} [التوبة: 38] أي: بدل الآخرة.
(وقال شعبة) مما وصله السراج في سنده، والطبراني: في
الدعاء، وابن حبّان (عن عبد الملك) في رواية أبي ذر،
والأصيلي زيادة: ابن عمير (بهذا) الحديث السابق، أي: رواه
عنه كما رواه سفيان عنه (و) قال شعبة، أيضًا (عن الحكم) بن
عتيبة، مما وصله السراج والطبراني وابن حبان، وثبتت واو:
وعن الحكم لابن عساكر (عن القاسم بن مخيمرة) بضم الميم
وفتح المعجمة وسكون المثناة وكسر الميم بعدها مفتوحة، (عن
وراد بهذا) الحديث أيضًا، ولفظه كلفظ عبد الملك بن عمير،
إلا أنهم قالوا فيه: كان إذا قضى صلاته وسلم قال: إلخ
(وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن أبي حاتم، من طريق أبي
رجاء، وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي، كلاهما عن
الحسن، أنه قال في قوله تعالى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ
رَبِّنَا} [الجن: 3] (جدُّ غنى) بالرفع بلا تنوين على سبيل
الحكاية، مبتدأ خبره غنى، أي: الجد تفسيره غنى، ولكريمة:
الجد غنى، وسقط هذا الأثر في رواية الأصيلي وابن عساكر،
وتعليق الحكم مؤخر عن تعليق الحسن في رواية أبي ذر، ومقدّم
عليه في رواية كريمة، وهو الأصوب. لأن قوله: عن الحكم،
معطوف على قوله: عن عبد الملك، وقوله: قال الحسن: جد غنى،
معترض بين المعطوف والمعطوف عليه.
ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون إلا محمد بن يوسف، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الاعتصام، والرقاق، والقدر والدعوات، ومسلم وأبو داود
والنسائي في: الصلاة.
156 - باب يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ
هذا (باب) بالتنوين (يستقبل الإمام الناس) بوجهه (إذا سلم)
من الصلاة.
845 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: "كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ". [الحديث
845 - أطرافه في: 1143، 1386، 2085، 2791، 3236، 3354،
4674، 6096، 7047].
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثني موسى بن إسماعيل)
التبوذكي، (قال: حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة
والزاي (قال: حدّثنا أبو رجاء) بتخفيف الجيم ممدودًا،
عمران بن تميم العطاردي (عن سمرة بن جندب) بضم الميم وضم
الدال المهملة وفتحها، رضي الله عنه (قال: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلى صلاة) أي فرغ
منها (أقبل علينا بوجهه) الشريف.
ابن المنير: استدبار الإمام للمأمومين إنما هو لحق
الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ
يرفع الخيلاء والترفّع على المأمومين. اهـ.
وقيل: الحكمة فيه تعريف الداخل بأن الصلاة انقضت، إذ لو
استمر على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلاً.
846 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
"صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ -عَلَى
إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ- فَلَمَّا
انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: هَلْ
تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي
مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا
بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي
وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ
كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ
بِالْكَوْكَبِ". [الحديث 846 - أطرافه في: 1038، 4147،
7503].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي، وللأصيلي:
قال عبد الله بن مسلمة (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن صالح
بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود)
بتصغير العبد في الأوّل، وضم العين وإسكان المثناة الفوقية
في الثالث (عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: صلّى لنا) أي
لأجلنا (رسول الله) وللأصيلي وأبي ذر: صلّى لنا النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الصبح
بالحديبية) بحاء مضمومة ودال مفتوحة مهملة مخففة الياء عند
بعض المحققين، وهو الذي في الفرع، مشددة عند أكثر
المحدثين.
موضع على نحو مرحلة من مكة، سمي ببئر هناك، وبه كانت بيعة
الرضوان تحت الشجرة سنة ست من الهجرة.
(على أثر سماءٍ كانت) بضمير التأنيث، عائد إلى سماء، وإثر
بكسر الهمزة وإسكان المثلثة في الفرع، ويجوز فتحهما، أي:
على أثر مطر كانت (من الليلة) ولأبي ذر من الليل (فلما
انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (أقبل على الناس)
بوجهه الشريف (فقال) لهم:
(هل تدرون ماذا قال ربكم) استفهام على سبيل التنبيه.
(قالوا: الله ورسوله أعلم) بما قال.
(قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) الكفر الحقيقي، لأنه
قابله بالإيمان حقيقة.
لأنه أعتقد ما يفضي إلى الكفر، وهو اعتقاد أن الفعل
للكوكب. وأما من اعتقد أن الله هو خالقه ومخترعه، وهذا
ميقات له وعلامة بالعادة، فلا يكفر. أو المراد كفر النعمة
لإضافة الغيث إلى الكوكب. قال الزركشي: والإضافة في عبادي
للتغليب وليست للتشريف، كهي في قوله: {إِنَّ عِبَادِي
لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] لأن الكافر
ليس من أهله.
وتعقبه في المصابيح فقال: التغليب على
(2/141)
خلاف الأصل، ولِمَ لا يجوز أن تكون الإضافة
لمجرد الملك.
(فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر
بالكوكب) بالتنوين، وللأربعة: مؤمن، بغير تنوين. وثبت
قوله: لأبي ذر وسقطت لغيره، وسقطت واو: وكافر، لابن عساكر
وأبي ذر: (وأما من قال: بنوء كذا وكذا) بفتح النون وسكون
الواو في آخر همزة، أي: بكوكب كذا وكذا، سمى نجوم منازل
القمر أنواء، وسمي نوءًا لأنه ينوء طالعًا عند مغيب مقابله
بناحية المغرب.
وقال ابن الصلاح: النوء ليس نفس الكوكب، بل مصدر ناء النجم
إذا سقط وقيل: نهض وطلع، وبيانه أن ثمانية وعشرين نجمًا
معروفة المطالع في أزمنة السنة وهي المعروفة بمنازل القمر،
يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة نجم منها في المغرب مع طلوع
مقابله في المشرق، فكانوا ينسبون المطر للغارب، وقال
الأصمعي: للطالع، فتسمية النجم نوءًا تسمية للفاعل
بالمصدر.
وللكشميهني: مطرنا بنوء كذا وكذا، (فذلك كافر بي ومؤمن
بالكوكب). وسقطت الواو لأبوي ذر والوقت وابن عساكر، وقد
أجاز العلماء أن يقال: مطرنا في نوء كذا.
847 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ سَمِعَ يَزِيدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أَخَّرَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاَةَ
ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ
عَلَيْنَا، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ
فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا،
وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ
الصَّلاَةَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله) أي ابن منير، كما في رواية أبي
ذر وابن عساكر، بصيغة اسم الفاعل من أثار، وللأصيلي وأبي
الوقت: أبي المنير بالألف واللام، لأن الاسم إذا كان في
الأصل صفة يجوز فيه الوجهان، أنه (سمع يزيد) زاد الأصيلي
وأبو ذر: ابن هارون (قال: أخبرنا حميد) بضم الحاء وفتح
الميم (عن أنس) وللأصيلي زيادة: ابن مالك (قال: أخر رسول
الله) ولأبى ذر والأصيلي:
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة ذات
ليلة) من باب إضافة المسمى إلى اسمه، أو لفظة: ذات، مقحمة
(إلى شطر الليل) الأول (ثم خرج علينا، فلما صلّى) أي فرغ
من الصلاة (أقبل علينا بوجهه) الشريف (فقال):
(إن الناس) الغير الحاضرين في المسجد (قد صلوا ورقدوا،
وإنكم لن) بالنون (تزالوا في) ثواب (صلاة ما انتظرتم
الصلاة) أي: مدة انتظارها.
157 - باب مُكْثِ الإِمَامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ
السَّلاَمِ
(باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام) من الصلاة.
848 - وَقَالَ لَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ
يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ
الْفَرِيضَةَ، وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ، وَيُذْكَرُ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: لاَ يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِي
مَكَانِهِ. وَلَمْ يَصِحَّ".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (وقال لنا آدم) بن أبي إياس.
وعادة المؤلّف أن يستعمل هذا اللفظ في المذاكرة، وهي أحطّ
رتبة، وعلى ذلك مشى الكرماني، وتبعه البرماوي والعيني، قال
في الفتح: وليس بمطّرد، فقد وجدت كثيرًا مما قال فيه ذلك
قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة التحديث، وإنما عبّر بذلك
ليغاير بينه وبين المرفوع كما عرفته بالاستقرار من صنيعه،
وتعقبه العيني بأنه: لا يلزم من كونه وجده ... إلخ. أن
يكون المؤلّف أسند هذا الأثر في تصنيف آخر بصيغة التحديث.
اهـ.
(حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (عن أيوب)
السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: كان ابن عمر) بن
الخطاب (يصلّي) النفل (في مكانه الذي صلّى فيه الفريضة)،
ولأبي ذر عن الحموي فريضة.
ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر، عن أيوب، عن نافع، قال:
كان ابن عمر يصلّي سبحته مكانه.
(وفعله) أي: صلاة النفل في موضع الفرض، (القاسم) بن محمد
بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم، وهذا وصله ابن أبي
شيبة.
(ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول، مما وصله أبو داود،
وابن ماجة لكن بمعناه، (عن أبي هريرة رفعه) بفتحات في
الفرع، أي: إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وفي غير الفرع: رفعه، بفتح فسكون فضم، مصدر
مضاف للفاعل، مرفوع نائبًا عن الفاعل في يذكر، ومفعوله
جملة (لا يتطوع الإمام) بضم العين أو مجزوم بلا، وكسر
لالتقاء الساكنين (في مكانه) الذي صلّى فيه الفريضة.
(ولم يصح). ولابن عساكر: ولا يصح هذا التعليق لضعف إسناده
واضطرابه، تفرد به ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف واختلف عليه
فيه.
وفي الباب عن المغيرة بن شعبة مرفوعًا أيضًا مما رواه أبو
داود بإسناد منقطع بلفظ: لا يصلّى الإمام في الموضع الذي
صلّى فيه حتى يتحوّل عن مكانه.
ولابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي، قال: من السُّنّة أن لا
يتطوّع الإمام حتى يتحوّل عن مكانه.
وكأن المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة
على الداخل.
849 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ
هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا. قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِكَىْ
يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنَ النِّسَاءِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) أي هشام بن عبد الملك
(2/142)
كما في رواية أبوي الوقت وذر (قال: حدّثنا
إبراهيم بن سعد) بسكون العين (قال: حدّثنا) ابن شهاب
(الزهري عن هند بنت الحرث) بالمثلثة، التابعية، بالصرف
وعدمه في هند لكون علم أنثى على ثلاثة أحرف، ساكن في الوسط
ليس أعجميًّا، ولا منقولاً من مذكر لمؤنث، لكن المنع أولى،
(عن أم سلمة) رضي الله عنها، (أن النبي كان إذا سلم) من
الصلاة (يمكث في مكانه) الذي صلّى فيه (يسيرًا).
(قال ابن شهاب) الزهري بالإسناد المذكور: (فنرى) بضم النون
أي فنظن (والله أعلم) أن مكثه عليه الصلاة والسلام في
مكانه كان (لكي ينفذ) بفتح أوّله وضم ثالثه والذال معجمة،
أي: يخرج (من ينصرف من النساء) قبل أن يدركهن من ينصرف من
الرجال، ومقتضى هذا أن المأمومين إذا كانوا رجالاً فقط أنه
لا يستحب هذا المكث.
850 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ
بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ
أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي
هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةُ عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا- قَالَتْ:
"كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ
بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَتْنِي
هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ
أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي
هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ
أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الْحَارِثِ
الْقُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ -وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ
بْنِ الْمِقْدَادِ وَهْوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ-
وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْقُرَشِيَّةُ. وَقَالَ
ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ
الْفِرَاسِيَّةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ امْرَأَةٍ
مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
(وقال ابن أبي مريم) مما وصله في الزهريات: (أخبرنا نافع
بن يزيد، قال: أخبرني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي: حدّثني (جعفر بن ربيعة، أن ابن شهاب) الزهري
(كتب إليه، قال: حدّثتني هند بنت) ولأبوي ذر والوقت ابنة
(الحرث الفراسية) بكسر الفاء وتخفيف الراء وكسر السين
المهملة وتشديد المثناة التحتية، نسبة إلى بني فراس، بطن
من كنانة (عن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وكانت من صواحباتها) هو من جمع الجمع المكسر
جمع سلامة وهو مسموع في هذه اللفظة (قالت: كان) النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يسلم، فينصرف النساء
فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). أفادت هذه الرواية الإشارة إلى أقل
مقدار كان يمكثه عليه الصلاة والسلام.
(وقال ابن وهب) عبد الله، مما وصله النسائي عن محمد بن
سلمة عنه (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري:
(أخبرتني هند الفراسية) وفي رواية: القرشية، بالقاف والشين
المعجمة من غير ألف.
(وقال عثمان بن عمر) مما سيأتي موصولاً، إن شاء الله تعالى
بعد أربعة أبواب. (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب
(الزهري، حدّثتني هند الفراسية) ولأبوي ذر والوقت،
والأصيلي، وابن عساكر: القرشية، بالقاف والشين المعجمة.
(وقال) محمد بن الوليد (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة،
مما وصله الطبراني في مسند الشاميين، من طريق عبد الله بن
سالم، عنه: (أخبرني) بالإفراد: ابن شهاب (الزهري أن هند
بنت الحرث) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: أن هندًا (القرشية)
بالقاف والشين المعجمة من غير ألف، نسبة لقريش، ومراد
المؤلّف بذلك التنبيه على أنه اختلف في نسبة هند، ولا
مغايرة بين النسبتين، لأن كنانة جماع قرشي (أخبرته وكانت
تحت معبد ابن المقداد) بفتح الميم وسكون العين وفتح
الموحدة في الأوّل، وكسر الميم في الثاني، ابن الأسود
الكندي المدني الصحابي (وهو) أي معبد (حليف بني زهرة) بحاء
مهملة مفتوحة (وكانت) هند (تدخل على أزواج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ورضي عنهن.
(وقال شعيب) هو ابن حمزة، مما وصله في الزهريات (عن
الزهري) أنه قال: (حدّثتني هند القرشية) بالقاف والشين
المعجمة.
(وقال ابن أبي عتيق) بفتح العين، هو محمد بن عبد الله بن
أبي عتيق، مما وصله في الزهريات أيضًا (عن الزهري، عن هند
الفراسية) بالفاء والسين المهملة.
(وقال الليث) بن سعد (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد)
بكسر العين، الأنصاري، أنه (حدّثه عن ابن شهاب) ولأبوي ذر
والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: حدّثه ابن شهاب، (عن
امرأة)، وللكشميهني: أن امرأة (من قريش) هي هند بنت الحرث
المذكورة (حدّثته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وهذا غير موصول لأن هندًا تابعية.
وفي قوله: امرأة من قريش، الرد على من زعم أن قوله:
القرشية بالقاف والشين المعجمة، تصحيف من الفراسية بالفاء
والسين المهملة.
قال في الفتح: واستنبط من مجموع الأدلة أن للإمام أحوالاً،
لأن الصلاة إما أن تكون مما يتنفل بعدها أو لا. فإن كان
الأوّل، فاختلف: هل يتشاغل قبل التنفل بالذكر المأثور ثم
يتنفل؟ وبذلك أخذ الأكثرون لحديث معاوية. وعند الحنفية:
(2/143)
يكره له المكث قاعدًا يشتغل بالدعاء،
والصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
والتسبيح قبل أن يصلّي السُّنّة. لأن القيام إلى السُّنّة
بعد أداء الفريضة أفضل من الدعاء والتسبيح والصلاة، ولأن
الصلاة مشتقة من المواصلة، وبكثرة الصلاة يصل العبد إلى
مقصوده هـ. من المحيط.
وأما الصلاة التي لا يتنفل بعدها: كالعصر، فيتشاغل الإمام
ومن معه بالذكر المأثور، ولا يتعين له مكان، بل إن شاؤوا
انصرفوا وذكروا، وإن شاؤوا مكثوا وذكروا.
وعلى الثاني: إن كان للإمام عادة أن يعلمهم أو يعظهم
فيستحب أن يقبل عليهم جميعًا، وإن كان لا يزيد على الذكر
المأثور، فهل يقبل عليهم جميعًا أو ينتقل فيجعل يمينه من
قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو؟ جزم بالثاني
أكثر الشافعية.
ويحتمل أنه إن قصر زمن ذلك يستمر مستقبلاً للقبلة من أجل
أنها أليق بالدعاء. ويحمل الأوّل على ما لو أطال الذكر
والدعاء. اهـ. والله الموفق.
158 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً
فَتَخَطَّاهُمْ
(باب من صلّى بالناس فذكر حاجة فتخاطهم) بعد أن سلم وترك
المكث.
851 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ
قَالَ: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ،
ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى
بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ
سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ
عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ
تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي،
فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". [الحديث 851 - أطرافه في: 1221،
1430، 6275].
وبالسند إلى المؤلّف، قال: (حدّثنا محمد بن عبيد) بضم
العين، العلاف، ولابن عساكر: ابن ميمون (قال: حدّثنا عيسى
بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، كان يغزو سنة ويحج أخرى
توفي سنة سبع وثمانين ومائة، (عن عمر بن سعيد) بضم العين
وفتح الميم في الأوّل. وكسر العين في الثاني، ابن أبي حسن
النوفلي المكي (قال: أخبرني ابن أبي مليكة) بضم الميم (عن
عقبة) بن الحرث النوفلي، أبي سروعة، بكسر السين وفتحها
(قال: صلّيت وراء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالمدينة، العصر، فسلم ثم
قام) كذا للكشميهني، وفي رواية الحموي والمستملي: فسلم
فقام، حال كونه (مسرعًا؛ فتخطى) بغير همز، أي تجاوز (رقاب
الناس إلى بعض حجر نسائه).
فيه أن للإمام أن ينصرف متى شاء، وأن التخطي لما لا غنى
عنه مباح، وأن من وجب عليه فرض فالأفضل مبادرته إليه.
(ففزع الناس) بكسر الزاي: أي خافوا (من سرعته) وكانت هذه
عادتهم، إذا رأوا منه عليه الصلاة والسلام، غير ما
يعهدونه، خشية أن ينزل فيهم شيء فيسوءهم، (فخرج) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحجرة (عليهم) ولابن
عساكر، إليهم (فرأى أنهم عجبوا) وللكشميهني: أنهم قد عجبوا
(من سرعته، فقال) عليه الصلاة والسلام:
(ذكرت) بفتح الذال والكاف، أو بالضم والكسر، وأنا في
الصلاة (شيئًا من تبر) بكسر المثناة شيئًا من ذهب أو فضة
غير مضوغ، أو من ذهب فقط. وفي رواية أبي عاصم: تبرًا من
الصدقة (عندنا، فكرهت أن يحبسني) أي: يشغلني التفكّر فيه
عن التوجه والإقبال على الله تعالى (فأمرت بقسمته) بكسر
القاف والمثناة الفوقية بعد الميم، ولأبي ذر وابن عساكر:
بقسمة القاف من غير مثناة، وفي رواية أبي عاصم: فقسمته.
ويؤخذ منه أن عروض الذكر في الصلاة في أجنبي عنها من وجوه
الخير، وإنشاء العزم في أثنائها على الأمور المحمودة، لا
يفسدها، ولا يقدح في كمالها.
واستنبط منه ابن بطال: أن تأخر الصدقة يحبس صاحبها يوم
القيامة في الموقف.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومكّي، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ البخاري من أفراده، وأخرجه
أيضًا في الصلاة والزكاة والاستئذان، والنسائي في الصلاة.
159 - باب الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ
وَالشِّمَالِ
وَكَانَ أَنَسٌ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ
يَسَارِهِ، وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى -أَوْ مَنْ
يَعْمِدُ- الاِنْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ.
(باب الانفتال) لاستقبال المأمومين (والانصراف) لحاجته (عن
اليمين والشمال) أي عن يمين المصلي وعن شماله، فالألف
واللام عوض عن المضاف إليه.
(وكان أنس) ولأبي ذر: أنس بن مالك، مما وصله مسدد في مسنده
الكبير، من طريق سعيد عن قتادة، قال: كان أنس (ينفتل) أي
ينصرف (عن يمينه وعن يساره، ويعيب على من يتوخى) بالخاء
المعجمة المشددة، أي يقصد ويتحرى (-أو من يعمد- الانفتال
عن يمينه) بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم،
شك من الراوي. وفي رواية أبي ذر: أو من تعمد، بفتح المثناة
الفوقية
والعين والميم المشدّدة، ولابن عساكر والأصيلي: أو يعمد،
بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم مع إسقاط:
من.
فإن قلت: هذا يخالف ما في مسلم من طريق إسماعيل بن عبد
الرحمن
(2/144)
السدي، قال: أنسًا كيف أنصرف إذا صليت، عن
يميني أو عن يساري؟
قال: أمّا أنا، فأكثر ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينصرف عن يمينه.
أجيب بأن أنسًا إنما عاب من يعتقد تحتّم ذلك ووجوبه، وأما
إذا استوى الأمران، فجهة اليمين أولى، لأنه عليه الصلاة
والسلام: كان أكثر انصرافه لجهة اليمين، كما سيأتي في
الحديث الآتي، إن شاء الله تعالى، ويجب التيامن في شأنه
كله.
852 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ
عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "لاَ
يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلاَتِهِ
يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاَّ
عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ
يَسَارِهِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (قال:
حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج، (عن سليمان)
بن مهران الأعمش (عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما، (عن
الأسود) بن يزيد النخعي (قال: قال عبد الله) بن مسعود، رضي
الله عنه: (لا يجعل) وللكشميهني: لا يجعلن، بنون التوكيد،
(أحدكم للشيطان شيئًا) ولمسلم: جزءًا (من صلاته يرى) بفتح
أوّله، أي: يعتقد، ويجوز الضم أي: يظن (أن حقًّا عليه أن
لا ينصرف إلاّ عن يمينه) بيان لما قبله، وهو الجعل أو
استئناف بياني. كأنه قيل: كيف يجعل للشيطان شيئًا من
صلاته؟ فقال: يرى أن حقًّا عليه إلى آخره.
وقوله: أن لا ينصرف، في موضع رفع خبر أن، واستشكل بأنه
معرفة، إذ تقديره عدم الانصراف، فكيف يكون اسمها نكرة وهو
معرفة؟
وأجيب: بأن النكرة المخصوصة كالمعرفة، أو من باب القلب،
أي: يرى أن عدم الانصراف حق عليه. قاله البرماوي تبعًا
للكرماني.
وتعقبه العيني فقال: هذا تعسف، والظاهر أن المعنى: يرى
واجبًا عليه عدم الانصراف إلا عن يمينه والله (لقد رأيت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا) حال
كونه (ينصرف عن يساره).
واستنبط ابن المنير منه: أن المندوب ربما انقلب مكروهًا
إذا خيف على الناس أن يرفعوه عن رتبته، لأن التيامن مستحب.
لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقد وجوبه، أشار إلى كراهته.
قال أبو عبيدة لن انصرف عن يساره: هذا أصاب السُّنّة، يريد
والله أعلم، حيث لم يلزم التيامن على أنه سُنّة مؤكدة أو
واجب، وإلا فما يظن أن التياسر سُنّة حتى يكون التيامن
بدعة، إنما البدعة في رفع التيامن عن رتبته. قاله في
المصابيح.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وواسطي وبصري، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة، وثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم، وأبو
داود، والنسائي، وابن ماجة: في الصلاة. والله أعلم.
160 - باب مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النَّىِّء وَالْبَصَلِ
وَالْكُرَّاثِ
وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ الْبَصَلَ مِنَ الْجُوعِ أَوْ
غَيْرِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا».
(باب ما جاء في) أكل (الثوم النيء) بنون مكسورة فمثناة
تحتية فهمزة ممدودة، وقد تدغم، وهو مجرور، صفة لسابقه
المضموم المثلثة، أي غير النضيج (و) ما جاء في أكل (البصل
والكراث) بضم الكاف وتشديد الراء آخره مثلثة.
(وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجرّ
لام القول عطفًا على المجرور السابق، ومقول قوله عليه
الصلاة والسلام (من أكل الثوم أو البصل) أي: النيء (من
الجوع، أو غيره) كالأكل للتشهّي، والتأدّم بالخبز (فلا
يقربن مسجدنا) بنون التأكيد المشددة.
وليس هذا لفظ حديث، بل هو من تفقه المصنف، وتجويزه لذكر
الحديث بالمعنى.
والتقييد: بالجوع أو غيره، مأخوذ من كلام الصحابي في بعض
طرق حديث جابر، المروي في مسلم، ولفظه: نهى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أكل البصل
والكراث، فغلبتنا الحاجة، فأكلنا منه ... الحديث. والحاجة
تشمل الجوع وغيره.
وأصرح منه ما في حديث أبي سعيد: ثم بعد أن فتحت خيبر
فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع ... الحديث.
853 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ:
مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي الثُّومَ-
فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا". [الحديث 853 - أطرافه في:
4215، 4217، 4218، 5521، 5522].
وبالسند إلى البخاري رحمه الله قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن
مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله)
بضم العين، ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع)
مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال، في غزوة
خيبر) سنة سبع من الهجرة:
(من أكل من هذه الشجرة) (يعني الثوم) يحتمل أن يكون
القائل: يعني، هو عبيد الله العمري، كما قاله الحافظ ابن
حجر رحمه الله (فلا يقربن مسجدنا) بنون التأكيد المشددة
أي: المكان الذي أعدّه ليصلّي فيه مدة إقامته بخيبر، أو
المراد بالمسجد: الجنس، والإضافة إلى المسلمين
(2/145)
ويدل له رواية أحمد عن يحيى القطان فيه
بلفظ: فلا يقربن المساجد: وحكم رحبة المسجد حكمه لأنها
منه، ولذا كان عليه الصلاة والسلام إذا وجد ريحها في
المسجد أمر بإخراج مَن وجدت منه إلى البقيع، كما ثبت في
مسلم عن عمر رضي الله عنه، ويلحق بالثوم كل ذي ريح كريه.
وألحق بعضهم به من بفيه بخر، أو لجرحه رائحة، وكالمجذوم
والأبرص، وأصحاب الصنائع الكريهة: كالسماك، وتاجر الكتان،
والغزل.
وعورض بأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع،
بخلاف: الأبخر والمجذوم، فكيف يلحق المضطر بالمختار. اهـ.
وزاد مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله: حتى ذهب ريحها.
وسمى الثوم بالشجرة، والشجرة ما كان على ساق له وما لا ساق
له يسمى نجمًا. كما أن اسم كلٍّ منهما قد يطلق على الآخر،
ونطق أفصح الفصحاء من أقوى الدلائل.
854 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ أَكَلَ مِنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلاَ يَغْشَانَا
فِي مَسَاجِدِنَا». قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا
أُرَاهُ يَعْنِي إِلاَّ نِيئَهُ. وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ
يَزِيدَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: إِلاَّ نَتْنَهُ. [الحديث
854 - أطرافه في: 855، 5452، 7359].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أي: ابن اليمان الجعفي
المسندي المتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا أبو
عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل، شيخ المؤلّف، وربما روى عنه
بواسطة كما هنا (قال: أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال:
أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (قال: سمعت جابر
بن عبد الله) الأنصاري (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من كل من هذه الشجرة) (يريد الثوم) يحتمل أن يكون الذي
فسر هو ابن جريج كما قاله الحافظ ابن حجر، رحمه الله
تعالى. (فلا يغشانا) بألف بعد الشين المعجمة إجراء للمعتل
مجرى الصحيح، كقوله:
إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق
أو الألف من إشباع فتحية يغشنا، أو خبر بمعنى النهي، أي:
فلا يأتنا (في مساجدنا) وللحموي والمستملي: مسجدنا،
بالإفراد.
قال عطاء (قلت) لجابر: (ما يعني به) أي: بالثوم أنضيجًا أم
نيًّا؟ (قال) جابر: (ما أراه) بضم الهمزة أي: ما أظنه عليه
الصلاة والسلام (يعني) أي يقصد (إلا نيئه) بكسر النون مع
الهمزة والمد، كما في الفرع وأصله وجزم الكرماني بأن
السائل عطاء. والمسؤول جابر، وتبعه البرماوي، والعيني.
وقال الحافظ ابن حجر: أظن السائل ابن جريج والمسؤول عطاء.
وفي مصنف عبد الرزاق ما يرشد إلى ذلك. اهـ.
ومقتضى قوله: إلا نيئه، أنه لا يكره المطبوخ. وفي حديث
عليّ، المروي عند أبي داود، قال: نهى عن أكل الثوم إلا
مطبوخًا. وفي حديث معاوية بن قرة، عن أبيه أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن هاتين الشجرتين، وقال:
"من أكلهما فلا يقربن مسجدنا". وقال: "إن كنتم لا بدّ
آكليهما فأميتوهما طبخًا".
(وقال مخلد بن يزيد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ويزيد
من الزيادة، والحراني المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائة، يروي
(عن ابن جريج) عبد الملك: (إلا نتنه) بفتح النون وسكون
المثناة الفوقية بعدها نون أخرى. أي: قال بدل نيئه، نتنه.
وهو الرائحة الكريهة.
ونقل ابن التين عن مالك أنه قال: الفجل إن كان يظهر ريحه
فهو كالثوم، وقيده القاضي عياض بالجشاء: ونص في الطبراني
الصغير، في حديث أبي الزبير عن جابر: على الفجل، لكن في
إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف.
وقد وقع حديث جابر هذا مقدمًا على سابقه في بعض الأصول،
وعلى أولهما في فرع اليونينية، كهي، علامة التقديم
والتأخير، ورمز أبي ذر وعليه شرح العيني.
ورواة حديث جابر هذا ما بين بخاري وبصري ومكّي وشيخ
المؤلّف المسندي من أفراده، وفيه التحديث والإخبار والسماع
والقول، وأخرجه مسلم والنسائي: في الصلاة، والترمذي في
الأطعمة.
855 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ زَعَمَ
عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ
قَالَ- فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي
بَيْتِهِ. وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ
فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا
مِنَ الْبُقُولِ قَالَ: قَرِّبُوهَا -إِلَى بَعْضِ
أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ- فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ
أَكْلَهَا قَالَ: كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ
تُنَاجِي".
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنُ وَهْبٍ "أُتِيَ
بِبَدْرٍ" قَالَ ابنُ وَهبٍ: يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ
خُضَرَاتٌ.
وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ
قِصَّةَ الْقِدْرِ، فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ
الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير،
بضم العين المهملة وفتح الفاء، المصري (قال: حدّثنا ابن
وهب) عبد الله المصري أيضًا (عن يونس) بن يزيد (عن ابن
شهاب)
الزهري (زعم عطاء) هو ابن أبي رباح أي: قال: لأن المراد
بالزعم هنا القول المحقق وللأصيلي: عن عطاء (أن جابر بن
عبد الله) الأنصاري (زعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (من أكل ثومًا أو بصلاً
فليعتزلنا) (أو قال: فليعتزل)
(2/146)
ولابن عساكر أو فليعتزل (مسجدنا) شك من
الزهري - (وليقعد) بواو العطف، ولأبي ذر: أو ليقعد (في
بيته). بالشك. وهو أخص من الاعتزال لأنه أعمّ من أن يكون
في البيت أو غيره.
وبه قال المؤلّف (و) حدّثنا سعيد بن عفير بإسناده (أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: لما
قَدِمَ المدينة من مكة، ونزل في بيت أبي أيوب الأنصاري
(أتي) من عند أبي أيوب (بقدر) بضم الهمزة وكسر القاف، ما
يطبخ فيه الطعام (فيه خضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد
المعجمتين، ولأبي ذر، وعزاها القاضي عياض وابن قرقول
للأصيلي: خضرات، بضم الخاء وفتح الضاد، جمع خضرة (من بقول)
أي مطبوخة، (فوجد لها ريحًا) لأن الرائحة لم تمت منها
بالطبخ، فكأنها نيئة (فسأل، فأخبر) بضم الهمزة مبنيًّا
للمفعول، أي أُخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بما فيها) أي القدر (من البقول فقال) وفي
رواية قال:
(قربوها) أي القدر أو الخضرات أو البقول مشيرًا (إلى بعض
أصحابه كان معه)، هو أبو أيوب الأنصاري.
استدلّ في فتح الباري لكونه أبا أيوب بحديث مسلم، في قصة
نزوله عليه الصلاة والسلام عليه، قال: وكان يقدم للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا، فإذا جيء به
إليه، أي بعد أن يأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- منه، سأل عن موضع أصابع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصنع ذلك مرة، فقيل له: لم يأكل،
وكان الطعام فيه ثوم، فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال:
"لا، ولكن أكرهه" اهـ.
أو هو وغيره حديث أم أيوب المروي عند ابني خزيمة وحبان.
قالت: نزل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فتكلفنا له طعامًا فيه بعض البقول ... الحديث.
وفيه: قال: كلوا، فإني لست كأحد منكم، فهذا أمر بالأكل
للجماعة.
(فلما رآه) أي فلما رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أبا أيوب أو غيره (كره أكلها قال) ولأبي ذر
والأصيلي فقال:
(كل فإني أناجي مَن لا تناجي) أي من الملائكة. وعند ابني
خزيمة وحبان، من وجه آخر: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو
كراث، فلم ير فيه أثر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فأبى أن يأكل. فقال له: ما منعك أن تأكل؟
فقال: لم أر أثر يدك قال: أستحيي من ملائكة الله، وليس
بمحرم. وعندهما أيضًا: إني أخاف أن أُوذي صاحبيّ.
ورواة هذا الحديث ما بين مصري بالميم ومكّي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه البخاري في الاعتصام، ومسلم في
الصلاة، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الوليمة.
(وقال أحمد بن صالح) المصري، شيخ المؤلّف من أفراده، يروي
(عن ابن وهب) عبد الله: (أتي) بضم الهمزة (ببدر) بفتح
الموحدة وسكون الدال آخره راء، فخالف سعيد ابن عفير شيخه
المذكور في لفظة قدر بالقاف فقط، وشاركه في سائر الحديث عن
ابن وهب بإسناده المذكور.
وقد رواه المؤلّف في الاعتصام: (قال ابن وهب) في تفسير
بدر: (يعني طبقًا) شبّهه بالبدر، وهو القمر عند كماله
لاستدارته (فيه خضرات) أي من بقول، وظاهره أن البقول كانت
فيه نيئة، لكن لا مانع من كونها كانت مطبوخة.
وقد رجح جماعة من الشرّاح رواية أحمد بن صالح هذه، لكن ابن
وهب فسر البدر بالطبق، فدل على أنه حدث به كذلك. والذي
يظهر أن رواية القدر أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم
أيوب جميعًا، فإن فيه التصريح بالطعام.
(ولم يذكر الليث) بن سعد فيما وصله الذهلي في الزهريات
(وأبو صفوان) عبد الله بن سعيد الأموي، فيما وصله المؤلّف:
في الأطعمة، عن علي بن المديني عنه، (عن يونس) بن يزيد عن
عطاء عن جابر (قصة القدر) بل اقتصر على الحديث الأوّل.
قال المؤلّف أو شيخه: سعيد بن عفير، أو ابن وهب، وبالأوّل
جزم ابن حجر رحمه الله. (فلا أدري هو من قول الزهري)
مدرجًا (أو) هو مروي (في الحديث) المذكور.
وفي متن الفرع كأصله بعد قوله: وقال أحمد بن صالح، بعد
حديث يونس، عن ابن شهاب، وهو يثبت قول يونس: هذا لفظه،
وعليه علامة السقوط عند أبوي ذر والوقت، والأصيلي وابن
عساكر، وبالهامش مكتوب: ظع. عن ابن شهاب ثبتت، وبالهامش
أيضًا بقية قوله: وقال أحمد بن صالح إلى آخر قوله: أو في
الحديث خرج له من آخر قوله ابن صالح. وقال تلو ذلك: هذا
(2/147)
المكتوب جميعه في هامش اليونينية في هذا
الموضع وليس عليه رقم. اهـ.
وقد ثبت أيضًا في الفرع: كهو، قوله: وقال أحمد بن صالح إلى
آخر قوله: أو في الحديث في الهامش بعد قوله: وقال مخلد بن
يزيد عن ابن جريج، إلا نتنه. وقال في آخره: هذا مكتوب في
اليونينية في المتن في هذا الوضع، ومكتوب إلى جانبه: يؤخر
إلى بعد قوله: من لا تناجي عند: هـ. ص. ش. ظ. صحـ.
وسيأتي بعد مكتوبًا في هذه النسخة على ما ذكر: أنه عند
أصحاب هذه العلامات فليعلم. اهـ.
856 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ
أَنَسًا: مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ
أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبْنَا -أَوْ-
لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا». [الحديث 856 - طرفه في: 5451].
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله،
المقعد البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيد العنبري
البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري (قال: سأل
رجل)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم أعرف اسمه (أنسًا)
ولأبي ذر والأصيلي: أنس بن مالك: (ما سمعت نبي الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في الثوم) بفتح
تاء سمعت على الخطاب، وما استفهامية، ولأبي ذر: يذكر،
وللأصيلي وأبي الوقت: يقول في الثوم؟ (فقال) أنس (قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أكل من هذه الشجرة) أي الثوم (فلا يقربنا) بفتح الراء
والموحدة وبنون التأكيد المشددة (ولا يصلّين معنا) عطف
عليه بنون التأكيد المشددة أيضًا، وعين معنا تسكن وتفتح،
أي: مصاحبًا لنا. وليس فيه تقييد النهي بالمسجد.
فيستدل بعمومه على إلحاق حكم الجامع بالمساجد، كمصلي
العيد، والجنائز، ومكان الوليمة.
لكن قد علّل المنع في الحديث بترك أدّى الملائكة، وترك
أدّى المسلمين. فإن كان كلٌّ منهما جزء علة اختص النهي
بالمساجد، وما في معناها وهذا هو الأظهر. وإلاَّ فيعمّ
النهي كل مجمع. كالأسواق، ويؤيد هذا البحث قوله في حديث
أبي سعيد عند مسلم: "من أكل من هذه الشجرة شيئًا فلا
يقربنا في المسجد".
قال ابن العربي ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها،
ومن ثم رد على الماوردي حيث قال: لو أن جماعة مسجد أكلوا
كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه، بخلاف ما إذا أكل
بعضهم، لأن المنع لم يختص بهم، بل بهم وبالملائكة. وعلى
هذا يتناول المنع من تناول شيئًا من ذلك. ودخل المسجد
مطلقًا، وإن كان وحده، قاله في فتح الباري.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة
والسؤال والقول، وأخرجه البخاري أيضًا في الأطعمة، ومسلم
في الصلاة.
161 - باب وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، وَمَتَى يَجِبُ
عَلَيْهِمُ الْغَسْلُ وَالطُّهُورُ؟ وَحُضُورِهِمِ
الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ
(باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور) بضم
الطاء، وهو من عطف العامّ على الخاص، وضم غين الغسل لأبي
ذر.
(وحضورهم الجماعة) بجر حضور عطفًا على وضوء، ونصب جماعة
بالمصدر المضاف إلى فاعله (والعيدين) عطف عليه (والجنائز)
كذلك (وصفوفهم) بالجر عطفًا على وضوء.
فإن قلت: وصفوفهم، يلزم منه أن تكون للصبيان صفوف تخصّهم،
وليس في الباب ما يدل له.
أجيب: بأن المراد بصفوفهم: وقوفهم في الصف مع غيرهم.
857 - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي
غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ
سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيَّ قَالَ: "سَمِعْتُ
الشَّعْبِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ.
فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ". [الحديث 857 - أطرافه في: 1247، 1319،
1321، 1322، 1326، 1336، 1340].
وبالسند إلى المؤلّف قال رحمه الله تعالى: (حدّثنا ابن
المثنى) ولأبي ذر: حدّثنا محمد بن المثنى أي ابن عبد الله
الأنصاري البصري (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأربعة: حدّثنا
(غندر) محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج
(قال: سمعت سلمان) بن أبي سليمان. فيروز (الشيباني قال:
سمعت) عامرًا (الشعبي قال: أخبرني) بالإفراد (من مرّ) من
الصحابة ممّن لم يسم، وجهالة الصحابي غير قادحة في الإسناد
(مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قبر
منبوذ) بفتح الميم وسكون النون وضم الموحدة آخره معجمة مع
التنوين، نعتًا لسابقه، أي: قبر منفرد في ناحية عن القبور،
ولأبي ذر: قبر منبوذ بإضافة قبر إلى منبوذ أي: قبر لقيط،
أي: قبر ولد مطروح. (فأمهم) عليه الصلاة والسلام في الصلاة
عليه (وصفوا عليه) أي على القبر، والصاد مفتوحة والفاء
مضمومة، ولأبي ذر عن الكشميهني: وصفوا خلفه.
قال الشيباني: (فقلت): (يا أبا عمرو) بفتح العين (من
حدّثك) بهذا؟ (فقال) وللأربعة: قال، أي حدّثني (ابن عباس)
رضي الله عنهما.
والغرض منه أن ابن عباس حضر صلاة الجماعة، ولم يكن إذ ذاك
بالغًا. فهو مطابق للجزء
الثالث. وللجزء السادس في قوله: وصفوفهم. وكذا في الأول
لأنه لم يكن يصلّي إلاّ بوضوء.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي
(2/148)
وكوفي، وفيه تابعى عن تابعي، والتحديث
والإخبار والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في:
الجنائز، وكذا مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجة.
858 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ
سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ
عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». [الحديث 858 - أطرافه في: 879،
880، 895، 2665].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني البصري (قال:
حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (صفوان بن
سليم) بضم السين المهملة، المقول فيه: إن جبهته تعبت من
كثرة السجود، (عن عطاء بن يسار) الهلالي، مولى أم المؤمنين
ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(الغسل يوم الجمعة واجب) أي كالواجب في التوكيد (عن كل
محتلم) أي بالغ.
فوقت إيجاب الغسل على الصبي بلوغه، وهو مطابق للجزء من
الترجمة، وهو قوله: ومتى يجب عليه الغسل.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا: في الصلاة، وفي
الشهادات، وكذا مسلم، وأخرجه أبو داود في الطهارة،
والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
859 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي
كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَنَامَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا
كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ
مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو
وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا- ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ
فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ
فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ
يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ
اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ. فَأَتَاهُ الْمُنَادِي
يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ
فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ
نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ
قَلْبُهُ. قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ
يَقُولُ: "إِنَّ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ" ثُمَّ
قَرَأَ: "إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، وسقط ابن عبد
الله في رواية أبي ذر (قال: أخبرنا) وللأربعة: هـ ظ ص ش:
حدّثنا (سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو: ابن دينار (قال:
أخبرني) بالإفراد (كريب) بضم الكاف وفتح الراء، مولى ابن
عباس (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: بتّ عند خالتي)
أم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها (ليلة، فنام النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما كان في بعض
الليل، قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فتوضأ من شن) بفتح المعجمة: قربة خلقة (معلق)
بالتذكير على معنى الجلد أو السقاء، (وضوءًا خفيفًا يخففه
عمرو) أي ابن دينار (ويقلله جدًّا). من باب الكمّ، بخلاف:
يخففه فإنه من باب الكيف، وهذا هو الفارق، وهو مدرج من ابن
عيينة (كم قام) عليه الصلاة والسلام (يصلّي، فقمت فتوضأت
نحوًا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فحوّلني فجعلني عن
يمينه، ثم صلّى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ فأتاه
المنادي) ولأبي ذر عن الكشميهني في نسخة: فأتاه المؤذن
(يأذنه) بكسر الذال، ولأبي ذر: يأذنه، بفتحها مع الأول
وسكون الهمز فيهما، وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت في
نسخة: يؤذنه، بضم أوّله وسكون الهمزة، بلفظ المضارع من غير
فاء، أي: يعلمه. وللكشميهني: فآذنه، بفاء فهمزة مفتوحة
ممدودة فذال مفتوحة، أي: أعلمه (بالصلاة، فقام معه) أي مع
المؤذن أو مع الإيذان (إلى الصلاة، فصلّى ولم يتوضأ).
قال سفيان: (قلنا) ولابن عساكر: فقلنا: (لعمرو) هو ابن
دينار: (إن ناسًا يقولون: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنام عينه ولا ينام قلبه).
(قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير) بضم العين فيهما (يقول: إن
رؤيا الأنبياء وحي) وسقط لفظ: إن، عند الأربعة (ثم قرأ
{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}
[الصافات: 102]) يستدل بها لما ذكر، لأنها لو لم تكن وحيًا
لما جاز لإبراهيم عليه الصلاة والسلام الإقدام على ذبح
ولده فإن ذلك حرام.
ومطابقته للجزء الأول من الترجمة من قوله: فتوضأت نحوًا
مما يتوضأ. وكان إذ ذاك صغيرًا، وصلّى معه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأقره على ذلك بأن حوّله فجعله عن
يمينه.
ولم يبيّن المؤلّف رحمه الله في الترجمة ما حكم وضوء الصبي
هل هو واجب أو مندوب؟ لأنه لو قال: مندوب، لاقتضى صحة
الصلاة بغير وضوء، ولو قال: واجب، لاقتضى أن الصبي يعاقب
على تركه، فسكت عن ذلك ليسلم من الاعتراض.
وأما حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جدّه
مرفوعًا: "علّموا الصبي الصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن
عشر". فهو وإن اقتضى تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة على
الوضوء، فلم يقل بظاهره إلا بعض أهل العلم. قالوا: تجب
الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها. وهذه صفة الوجوب.
وبه قال أحمد، رحمه الله، في رواية: وحكى البندنيجي أن
الشافعي رحمه الله أومأ إليه.
وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلاّ بالبلوغ. وقالوا:
الأمر بضربه للتدريب.
860 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ
دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ
فَقَالَ: قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ. فَقُمْتُ إِلَى
حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِثَ،
فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْيَتِيمُ مَعِي
وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى بِنَا
رَكْعَتَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، (أن
(2/149)
جدّتها مليكة) بضم الميم وفتح اللام وسكون
المثناة التحتية، والضمير في جدته عائد إلى إسحاق، لأنها
أم أنس (دعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لطعام صنعته، فأكل منه) عليه الصلاة والسلام
(فقال) وفي نسخة: ثم قال:
(قوموا فلأصلي بكم) بلام مكسورة وفتح الياء، على أنها لام
كي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، إما على زيادة الفاء
على رأي الأخفش، واللام متعلقة بقوموا. أو أن: أن والفعل،
في تأويل المصدر واللام، ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف، أي
قوموا فقيامكم لصلاتي بكم.
ويجوز تسكين الياء على أن اللام لام كي، وأسكنت الياء
تخفيفًا، وهي لغة مشهورة. ومنه قراءة الحسن {وذروا ما بقي
من الربا}.
ويحتمل أن تكون لام الأمر، وثبتت الياء في الجزم إجراء
للمعتل مجرى الصحيح، كقراءة قنبل: {إنه من يتقي ويصبر}.
(فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث، فنضحته بماء،
فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
واليتيم معي) برفع اليتيم عطفًا على الضمير المرفوع المتصل
بلا فصل، واسمه: ضميرة، بضم الضاد المعجمة وسكون المثناة
التحتية وبالراء، ابن سعد الحميري (والعجوز) أم سليم (من
ورائنا) بكسر ميم: مِن على الأشهر على أنها حجارة، وجوّز
الفتح على أنها موصولة. (فصلّى بنا) عليه الصلاة والسلام
(ركعتين).
مطابقته للجزء الأخير من الترجمة في قوله: واليتيم معي، أي
في الصف. لأن اليتيم دالّ على الصبي إذ لا يتم بعد
الاحتلام.
861 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى
حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ
الاِحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى
غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ
الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ،
وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ
أَحَدٌ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة) بضم العين في الأول والثالث، وسكون المثناة الفوقية،
(عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: أقبلت) حال كوني
(راكبًا على حمار أتان) بفتح الهمزة والمثناة الفوقية، أي
أنثى الحمير، ولا يقال: أتانة، بخلاف: حمارة، وهو بالجر،
بدل من حمار (وأنا يومئذٍ قد ناهزت) بالزاي، أي: قاربت
(الاحتلام) أي: البلوغ. فليس المراد: خصوص الحلم وهو الذي
يراه النائم من الماء، (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي بالناس بمنى) بالصرف والياء، في
الفرع. قال النووي رحمه الله: والأجود صرفه وكتابته بالألف
لا بالياء. (إلى جدار) سترة بالكلية (فمررت بين يدي بعض
الصف) الواحد أو المراد الجنس، أي بعض الصفوف (فنزلت
وأرسلت الأتان ترتع) بضم العين أي: تسرع المشي، أو تأكل
(ودخلت في الصف، فلم ينكر) بكسر الكاف (ذلك) الفعل (عليّ
أحد) لا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا
أحد من أصحابه الحاضرين. ولأبي ذر: عليّ ذلك أحد.
ومطابقته للترجمة في الجزء الأول منها في الوضوء، والثالث
في حضور الصبيان الجماعة، والسادس في قوله: وصفوفهم. فإن
ابن عباس كان في ذلك الوقت صغيرًا وحضر الجماعة، ودخل في
صفهم، وصلّى معهم ولم يكن صلّى إلاّ بوضوء.
862 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَعْتَمَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ".
وَقَالَ عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْعِشَاءِ
حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: قَدْ نَامَ النِّسَاءُ
وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِ الأَرْضِ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهال (الزهري) ولغير أبي
ذر عن المستملي: عن ابن شهاب الزهري (قال: أخبرني)
بالإفراد (عروة بن الزبير: أن عائشة) رضي الله عنها (قالت:
أعتم النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(وقال عياش) بالمثناة التحتية والشين المعجمة: (حدّثنا عبد
الأعلى قال: حدّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا (معمر) هو ابن
راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة
رضي الله عنها، قالت: أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: أخّر حتى اشتدت عتمة الليل، أي:
ظلمته (في العشاء، حتى) أي: إلى أن (ناداه عمر) بن الخطاب،
ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى نادى عمر: (قد نام النساء
والصبيان) أي الحاضرون للصلاة مع الجماعة، (فخرج رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليهم من الحجرة
(فقال):
(إنه ليس أحد من أهل الأرض يصلّي هذه الصلاة) العشاء
(غيركم) بالرفع والنصب، كقوله: ما جاءني أحد غير زيد. (ولم
يكن أحد يومئذ يصلي غير أهل المدينة) بنصب غير، ولأبي ذر
وابن عساكر: غير، بالرفع وتوجيهها كالسابقة. ولابن عساكر:
ولم يكن يومئذ فأسقط، لفظ أحد.
ومطابقته للترجمة ظاهرة
(2/150)
من قوله: قد نام النساء والصبيان الحاضرون.
863 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- قَالَ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ
-يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ- أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ
دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى
النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ
أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُهْوِي
بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ،
ثُمَّ أَتَى هُوَ وَبِلاَلٌ الْبَيْتَ".
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم،
ابن بحر البصرى الصيرفي (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال:
حدّثنا سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد، وفي بعضها:
حدّثنا (عبد الرحمن بن عابس) بألف بعد العين المهملة ثم
موحدة مكسورة فسين مهملة (سمعت) وللأصيلي: قال سمعت (ابن
عباس رضي الله عنهما، قال) وللأربعة: وقال (له رجل) لم
يسم، أو هو الراوي: (شهدت الخروج) إلى مصلّى العيد (مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ بالخطاب
في شهدت
والاستفهام مقدر، أي: أحضرت خروج النساء معه عليه الصلاة
والسلام؟ (قال: نعم) شهدته (ولولا مكاني منه) أي: ولولا
قربي منه عليه الصلاة والسلام (ما شهدته) قال الراوي:
(يعني من صغره أتى) عليه الصلاة والسلام (العلم) بفتح
العين واللام، الراية أو العلامة أو المنار (الذي عند دار
كثير بن الصلت) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام آخره مثناة
فوقية، ابن معد يكرب الكندي (ثم خطب، ثم أتى النساء
فوعظهنّ وذكرهنّ) بتشديد الكاف، من التذكير (وأمرهن أن
يتصدقن) لأنهن أكثر أهل النار، أو: أن الوقت كان وقت حاجة،
والمواساة والصدقة كانت يومئذ أفضل وجوه البر (فجعلت
المرأة تهوي) بضم أوله من الرباعي، وبفتحها من الثلاثي أي:
تومئ (بيدها إلى حلقها) بفتح الحاء واللام وبكسر الحاء
أيضًا، الخاتم لا فصّ له، أو القرط، وللأصيلي: إلى حلقها
بسكون اللام مع فتح الحاء، أي المحل الذي تعلق فيه (تلقي)
من الإلقاء أي: ترمي (في ثوب بلال) الخاتم والقرط (ثم أتى)
عليه الصلاة والسلام (هو وبلال البيت) ولأبي الوقت: إلى
البيت.
ومطابقته للجزء الأول من الترجمة في قوله: ما شهدته يعني
من صغره.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والسماع
والقول، وأخرجه البخاري أيضًا في العيدين والاعتصام، وأبو
داود والنسائي في الصلاة.
والحديث الأول يأتي: في كتاب الجنائز، والثاني في الجمعة،
والثالث في الوتر، والرابع ( ... ) (1).
162 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ
بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ
(باب) حكم (خروج النساء) الشواب وغيرهنّ (إلى المساجد)
للصلاة (بالليل والغلس) بفتح الغين المعجمة واللام، بقية
ظلمة الليل، والجار والمجرور متعلق بالخروج.
864 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
"أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِالْعَتَمَةِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ
النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا
أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. وَلاَ يُصَلَّى
يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ
الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى
ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن
نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب
(الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير، عن عائشة
رضي الله عنها، قالت: أعمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعتمة) بفتحات، أي: أبطأ بصلاة
العشاء وأخّرها (حتى ناداه عمر) بن الخطاب رضي الله عنه:
(نام النساء والصبيان) الحاضرون في المسجد، (فخرج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(ما ينتظرها) أي صلاة العشاء (أحد غيركم) بالنصب والرفع
(من أهل الأرض) (ولا يصلّى) بالمثناة التحتية المضمومة
وفتح الصاد واللام، ولأبي ذر والأصيلي: ولا تصلّى بمثناة
فوقية أي العشاء (يومئذ إلاّ بالمدينة، وكانوا يصلون
العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول)
بالجر، صفة لثلث لا الليل.
واستشكل إضافة: بين، إلى غير متعدد، وكان مقتضى الظاهر أن
يقال: فيما بين أن يغيب الشفق وثلث الليل، بالواو ولا
بإلى.
وأجيب: بأن المضاف إليه الدال على التعدّد محذوف والتقدير:
فيما بين أزمنة الغيبوبة إلى الثلث الأول.
ومطابقة الترجمة للحديث في قوله: نام النساء. وقيده:
بالليل لينبّه على أن حكم النهار خلاف ( ... ) (2).
المطلق في نحو قوله في حديث: لا تمنعوا إماء الله مساجد
الله. على المقيد هنا بالليل، وبنى المؤلّف الترجمة عليه.
وهل شهودهنّ للجماعة مندوب أو مباح فقط؟ قال محمد بن جرير
الطبري إطلاق الخروج لهن إلى المساجد إباحة لا ندب ولا
فرض، وفرق بعضهم بين الشابة والعجوز وفيه إباحة خروج
النساء لمصالحهنّ، لكن فرق بعض المالكية وغيرهم بين الشابة
وغيرها.
وأجيب بأنها إذا كانت مستترة غير متزينة ولا متعطرة حصل
الأمن عليها، ولا سيما إذا كان ذلك بالليل.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: أكره للنساء شهود الجمعة، وأرخص
للعجوز أن تشهد العشاء والفجر، وأما غيرهما من الصلوات
فلا.
وقال أبو يوسف رحمه الله: لا بأس أن
_________
(1) هكذا في الأصل.
(2) هكذا في الأصل.
(2/151)
تخرج العجائز في الكل، وأكره للشابة.
865 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ
نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا
لَهُنَّ».
تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. [الحديث 865 - أطرافه في: 873، 899، 900،
5238].
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا،
العبسي الكوفي (عن حنظلة) بن
أبي سفيان الأسود الجمحي، من مكة (عن سالم بن عبد الله) بن
عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد) للعبادة (فأذنوا
لهن) أي: إذا أمنت المفسدة منهنّ وعليهنّ، وذلك هو الأغلب
في ذلك الزمان، بخلاف زماننا هذا الكثير الفساد والمفسدين.
وهل الأمر للأزواج أمر ندب أو وجوب؟ حمله البيهقي على
الندب لحديث: "وصلاتكن في دوركن أفضل من صلاتكن في مسجد
الجماعة"، وقيده بالليل لكونه: "أستر لكن". لم يذكر أكثر
الرواة عن حنظلة قوله: بالليل، وكذا رواه بقيد الليل مسلم
وغيره، والزيادة من الثقة مقبولة.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومكّي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة.
(تابعه) أي تابع عبيد الله بن موسى (شعبة) بن الحجاح فيما
وصله أحمد في مسنده (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مجاهد
عن ابن عمر) بن الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
163 - باب انْتِظَارِ النَّاسِ قِيَامَ الإِمَامِ
الْعَالِمِ
زاد في رواية كريمة هنا: باب انتظار الناس قيام الإمام
العالم، وليس ذلك بمعتمد، إذ لا تعلق لذلك بهذا الموضع.
وقد تقدم ذلك في الإمامة بمعناه، وهو ثابت في الفرع لكن
عليه علامة السقوط عند الأربعة: ظ ص ش.
866 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ
الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا "أَنَّ
النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ
الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ صَلَّى مِنَ
الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ
الرِّجَالُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا
عثمان بن عمر) بضم العين، ابن فارس البصري (قال: أخبرنا
يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدّثتني هند بنت
الحرث) بالمثلثة (أن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها أن النساء في عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنّ إذا سلمن من)
الصلاة (المكتوبة قمن، وثبت) عطف على: فمن، أي: كن إذا
سلمن ثبت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
في مكانه بعد قيامهنّ (و) ثبت أيضًا (من صلّى) معه عليه
الصلاة والسلام (من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام الرجال).
مطابقته للترجمة من حيث أن النساء كن يخرجن إلى المساجد،
وهو أعم من أن يكون بالليل أو بالنهار.
867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ ح.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ
النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ
مِنَ الْغَلَسِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك ح)
للتحويل من سند إلى آخر.
(وحدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك)
الإمام (عن يحيى بن سعيد) بكسر العين (عن عمرة بنت عبد
الرحمن) بفتح العين وسكون الميم (عن عائشة) رضي الله عنها
(قالت: إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بكسر الهمزة وتخفيف الوزن، وهي المخففة من
الثقيلة (ليصلّي الصبح) بفتح اللام الأولى، وهي الفارقة
عند البصريين بين النافية والمخففة، والكوفيون يجعلونها
بمعنى: إلا، وإن: نافية (فينصرف النساء) حال كونهن
(متلفعات) بكسر الفاء المشددة وبالعين المهملة المفتوحة،
والفاع ما يغطي الوجه ويلتحف به، أي: متلحفات (بمروطهنّ)
بضم الميم جمع مرط بكسرها، وهو كساه من صوف أو خز يؤتزر به
(ما يعرفن من الغلس) أنساء هنّ أم رجال.
ومطابقته للترجمة من حيث خروج النساء إلى المساجد بالليل.
868 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ
أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ
فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ
عَلَى أُمِّهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مسكين) بكسر الميم وسكون المهملة
وكسر الكاف، وزاد الأصيلي: يعني ابن نميل بنون مضمومة وميم
مفتوحة اليماني نزيل بغداد (قال: حدّثنا بشر) بكسر الموحدة
وسكون المعجمة، التنيسي البجلي، دمشقي الأصل، ولأبي ذر:
بشر بن بكر (قال: أخبرنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا
(الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدَّثني) بالإفراد
(يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة
الأنصاري عن أبيه) أبي قتادة رضي الله عنه (قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء
الصبي، فأتجوّز) أي: فأخفف (في صلاتي كراهية) بالنصب على
التعليل أي: لأجل، ولأبي ذر، عن الكشميهني: مخافة (أن أشق
على أمه).
فيه دلالة على حضور النساء إلى المساجد مع النبي
(2/152)
وهو موضع الترجمة.
869 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَوْ
أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا
مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ لِعَمْرَةَ:
أَوَ مُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن يحيى بن سعيد)
الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بفتح العين وإسكان
الميم، ابن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، توفيت قبل
المائة أو بعدها (عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لو أدرك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أحدث
النساء) من حسن الزينة بالحلي والحلل، أو التطيب وغير ذلك،
مما يحرك الداعية للشهوة (لمنعهن) ولأبوي ذر والوقت وابن
عساكر في نسخة: المسجد، بالإفراد، وللأصيلي: المساجد (كما
منعت نساء بني إسرائيل) من ذلك بمقتضى شريعتهم؛ أو كما
منعهن بعد الإباحة.
وموضع: ما أحدث، نصب مفعول أدرك.
قال يحيى بن سعيد: (قلت لعمرة) بنت عبد الرحمن (أو) نساء
بني إسرائيل (منعن) بضم الميم وكسر النون، أي: من المساجد؟
(قالت) عمرة: (نعم) منعن منها.
والظاهر أنها تلقت ذلك عن عائشة رضي الله عنها، أو عن
غيرها.
وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفًا بلفظ: قالت
عائشة: كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشرفن
للرجال في المساجد، فحرم الله عليهن المساجد، وسلطت عليهن
الحيضة. رواه عبد الرزاق بسند صحيح. وهذا، وإن كان موقوفًا
فحكمه الرفع، لأنه لا يقال بالرأي.
واستدلّ بعضهم لمنع النساء مطلقًا، بقول عائشة رضي الله
عنها هذا.
وأجيب: بأنه لا يترتب عليه تغير الحكم لأنها علقته على شرط
لم يوجد بناء على ظن ظنته، فقالت: لو رأى لمنع، فيقال
عليه: لم ير، ولم يمنع، واستمر الحكم حتى إن عائشة لم تصرح
بالمنع، وإن كان كلامها يُشعِر بأنها كانت ترى المنع.
وأيضًا، فقد علم الله تعالى ما سيحدثن، فما أوحى إلى نبيه
عليه الصلاة والسلام بمنعهنّ، ولو كان ما أحدثن يستلزم
منعهن من المساجد لكان منعهنّ من غيرها الأسواق أولى.
وأيضًا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن
تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى
منه الفساد فيجتنب، لإشارته عليه الصلاة والسلام إلى ذلك
بمنع التطيب والزينة.
نعم، صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد. ففي حديث
ابن عمر، المروي في أبي داود، وصححه ابن خزيمة: "لا تمنعوا
نساءكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهن".
واستنبط من قول عائشة هذا أنه يحدث للناس فتاوى بقدر ما
أحدثوا، كما قاله إمام الأئمة مالك، وليس هذا من التمسك
بالمصالح المرسلة المباينة للشرع كما توهمه بعضهم، وإنما
مراده كمراد عائشة، أي: يحدثون أمرًا تقتضي أصول الشريعة
فيه غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر، ولا غرو في تبعية
الأحكام للأحوال. اهـ.
164 - باب صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ
(باب صلاة النساء خلف) صفوف (الرجال).
870 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ
بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي
تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا
قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ: نَرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-
أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَىْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ
أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف
والزاي والعين المهملة المفتوحات، المؤذن المكي (قال:
حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين، الزهري المدني (عن)
ابن شهاب (الزهري، عن هند بنت الحرث) الفراسية (عن أم
سلمة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سلم) من الصلاة (قام النساء حين
يقضي تسليمه، ويمكث هو) عليه الصلاة والسلام (في مقامه
يسيرًا) بفتح الميم، اسم مكان القيام (قبل أن يقوم).
(قال) الزهري (نرى) بفتح النون، ولأبي ذر: نرى، بضمها، أي
نظن (والله أعلم- أن ذلك) الفعل (كان لكي ينصرف النساء قبل
أن يدركهن الرجال) ولأبي ذر: قبل أن يدركهن أحد من الرجال.
لكن في هامش الفرع وأصله ضبب على ابن عساكر على: من.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن صف النساء، لو كان أمام
الرجال أو بعضهم، للزم من انصرافهنّ قبلهم أن يتخطينهم،
وذلك منهي عنه.
871 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ
خَلْفَهُ. وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
ابن عيينة) ولأبي ذر: سفيان بن عيينة (عن إسحاق) ولأبي ذر:
والأصيلي وابن عساكر: عن إسحاق بن عبد الله (عن أنس)، رضي
الله عنه وللأصيلي زيادة: ابن مالك (قال: صلّى النبى
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت أم سليم)
ولأبي ذر، في نسخة في بيت أم سلمة (فقمت ويتيم خلفه) هو
ضميره، وهو مرفوع عطفًا على الضمير المرفوع
(2/153)
المتصل بلا
تأكيد وهو مذهب الكوفيين. أما البصريون فيوجبون في مثله
النصب مفعولاً معه، (وأم سليم خلفنا).
هذا موضع الترجمة، فإنها صلّت خلف الرجال وهم أنس ومن معه.
وفي هامش فرع اليونينية: هنا ما نصه: وهذا الباب في الأصل
مخرج في الحاشية، مصحح عليه، ثم ذكره بعد ببابين. اهـ.
165 - باب سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ
وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي الْمَسْجِدِ
(باب سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلة مقامهن في المسجد)
خوفًا من أن يعرفن بسبب انتشار الضوء إذا مكثن، وميم
مقامهن بالفتح وبضمها مصدر ميمي من: أقام، أي: قلة
إقامتهن.
وقيده بالصبح لأن طول التأخر فيه يفضي إلى الإسفار، فناسب
الإسراع بخلاف العشاء فإنه يفضي إلى زيادة الظلمة فلا يضر
المكث.
872 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ
فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لاَ يُعْرَفْنَ
مِنَ الْغَلَسِ، أَوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) الختيّ
(قال: حدّثنا سعيد بن منصور) هو شيخ المصنف، روى عنه هنا
بالواسطة، (قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام، ابن
سليمان المدني (عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه) القاسم
بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، (عن عائشة) رضي
الله عنها (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان يصلّي الصبح بغلس، فينصرفن نساء المؤمنين)
بإثبات الإناث على لغة يتعاقبون فيكم ملائكة.
وقيل في نسخة، كما ذكره الكرماني: نساء المؤمنات، أي: نساء
الأنفس المؤمنات، أو النساء بمعنى الفاضلات، أي: فاضلات
المؤمنات، لأنه لما كانت صورة اللفظ أنه من إضافة الشيء
إلى نفسه، وهي ممنوعة عند الجميع، احتيج إلى التأويل،
والتأويل بالتقدير المذكور يرجع إلى أن إضافة الموصوف إلى
الصفة: كمسجد الجامع وجانب الغربي. وفيه بين البصريين
والكوفيين خلاف.
(لا يعرفن من الغلس) بضم أوله وفتح ثالثه وإثبات نون
الإناث كذلك (أو) قالت: (لا يعرفن بعضهنّ بعضًا) بفتح أول
يعرف وكسر ثالثه، بالإفراد على الأصل. ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: لا يعرفن، بفتح أوله وكسر ثالثه ونون الإناث
على اللغة المذكورة، وهي لغة بني الحرث.
166 - باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا
بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ
(باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد) لأجل
العبادة.
873 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا اسْتَأْذَنَتِ
امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْنَعْهَا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يزيد بن
زريع) بتقديم الزاي على الراء، مصغرًا، البصري (عن معمر)
هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سالم بن عبد الله
عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا استأذنت امرأة أحدكم) في أن تخرج إلى المسجد، أو ما
في معناه، كشهود العيد، وعيادة المريض (فلا يمنعها) بالجزم
والرفع. وليس في الحديث التقييد بالمسجد، إنما هو مطلق
يشمل مواضع العبادة وغيرها.
نعم، أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه بذكر: المسجد، وكذا
أحمد عن عبد الأعلى عن معمر، ومقتضاه أن جواز خروج المرأة
يحتاج إلى إذن زوجها، لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن قاله
النووي.
وتعقبه الشيخ تقي الدين: بأنه إذا أخذ من المفهوم، فهو
مفهوم لقب، وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال: إن منع الرجال
نساءهم أمر مقرر. اهـ.
166 م - باب صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ
874 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "صَلَّى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ
وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا".
875 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدَ
بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي
تَسْلِيمَهُ، وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا
قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَتْ نُرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-
أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَىْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ
أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ".
وزاد في فرع اليونينية، كهي، هنا باب صلاة النساء خلف
الرجال، وهو ثابت فيه قبل ببابين، فكرره فيه ونبّه على
سقوط الأخير في الهامش بإزائه عند أبي ذر، وهو ساقط في
جميع الأصول التي وقفت عليها لكونه لا فائدة في تكريره.
نعم، فيه: حين يقضي تسليمه وهو يمكث، وفي السابق: حين يقضي
تسليمه ويمكث، هو، وفيه أيضًا: قالت، بتاء التأنيث، ولابن
عساكر: قال: بالتذكير. وفي الأول: قال، فقط وفي الأخير،
قدّم حديث أبي نعيم على حديث يحيى بن قزعة. |