شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد
مكة والمدينة
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة في نسخة
الضعاني، وهي لأبي ذر في اليونينية مما صحح عليه.
1 - باب فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ
(باب فضل الصلاة) مطلقًا، أو المكتوبة فقط (في مسجد مكة و)
مسجد (المدينة).
1188 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ
قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه-
أَرْبَعًا قَالَ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ
غَزْوَةً.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، ابن الحرث بن
سخبرة، بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة، الأزدي
النمري، بفتح النون والميم، الحوضي البصري المتوفى سنة خمس
وعشرين ومائتين، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الواسطي
(قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الملك) زاد أبو ذر، والأصيلي:
ابن عمير، بالتصغير، القبطي، قاضي الكوفة بعد الشعبي،
المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة، وله مائة سنة وثلاث سنين
(عن قزعة) بالقاف والزاي والعين المفتوحات، وقد تسكن
الزاى، ابن يحيى، ويقال: ابن الأسود البصري، مولى زياد
(قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري، (رضي
الله عنه، قال):
(أربعًا) هي الآتية قريبًا في باب: مسجد بيت المقدس.
كما قاله ابن رشيد، وهي: لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها
زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى، ولا
صلاة بعد صلاتين، بعد: الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر
حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.
(قال: سمعت من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-)، قال قزعة: (وكان) أبو سعيد (غزا مع النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثنتي عشرة غزوة).
كذا اقتصر المؤلّف على هذا القدر لقصد الإغماض، لينبّه غير
الحافظ على فائدة الحفظ، كما نبّه عليه ابن رشيد.
وفي هذا السند: التحديث والإخبار بالإفراد والسماع والقول،
وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابيّ، وأخرج حديثه
المؤلّف في: الصلاة ببيت المقدس، والحج، والصوم. ومسلم في:
المناسك، والترمذي في: الصلاة، والنسائي في: الصوم، وابن
ماجة فيه، وفي: الصلاة.
(ح) للتحويل من سند إلى آخر، كما مر.
1189 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى
ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ
الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَمَسْجِدِ الأَقْصَى».
قال المؤلّف (حدّثنا) ولأبي ذر، وابن عساكر: وحدّثنا (علي)
هو: ابن المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد) بكسر العين هو: ابن المسيب
(عن أبي هريرة، رضي الله عنه)، وليس هذان السندان للمتن
التالي، لأن حديث أبي سعيد اشتمل على أربعة أشياء، كما مر.
ومتن أبي هريرة هذا، اقتصر على شد الرحال فقط، حيث روى (عن
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(لا تشدّ الرحال) بضم المثناة الفوقية وفتح المعجمة.
والرحال بالمهملة، جمع: رحل للبعير، كالسرج للفرس. وهو
أصغر من القتب وشده كناية عن السفر، لأنه لازم له.
والتعبير بشدها خرج مخرج الغالب في ركوبها للمسافر، فلا
فرق بين ركوب الرواحل وغيرها، والمشي في هذا المعنى، ويدل
لذلك قوله في بعض طرقه: "إنما يسافر ... " أخرجه مسلم،
والنفي هنا بمعنى النهي، أي: لا تشدّ الرحال إلى مسجد
للصلاة فيه.
(إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام) بمكة بخفض دال
المسجد بدل من ثلاثة أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي:
المسجد الحرام والتاليان، عطف عليه.
والمراد هنا بالمسجد الحرام أرض الحرم كلها، قيل لعطاء،
فيما رواه الطيالسي: هذا الفضل في المسجد وحده
(2/343)
أو في الحرم، قال: بل في الحرم؛ لأنه كله
مسجد.
(ومسجد الرسول) محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بطيبة عبر به دون مسجدى، للتعظيم أو هو من
تصرف الرواة.
وروى أحمد بإسناد رواته الصحيح، من حديث أنس رفعه: "من
صلّى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة
من النار، وبراءة من العذاب، وبراءة من النفاق".
(ومسجد الأقصى): بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى
الصفة عند الكوفيين، والبصريون يؤولونه بإضمار المكان أي
و: مسجد المكان الأقصى. وسمي به لبعده عن مسجد مكة في
المسافة، أو لأنه لم يكن وراءه مسجد.
وقد بطل بما مر من التقدير: بلا تشد الرحال إلى مسجد
للصلاة فيه، المعتضد بحديث أبي سعيد، المروي في مسند أحمد،
بإسناد حسن مرفوعًا: لا ينبغى للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد
تبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والأقصى ومسجدي.
هذا قول ابن تيمية. حيث منع من زيارة النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو من أبشع المسائل
المنقولة عنه.
وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه أنه كره اللفظ أدبًا، لا
أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القرب الموصلة
إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع. اهـ.
فشد الرحال للزيارة أو نحوها: كطلب علم ليس إلى المكان، بل
إلى من فيه، وقد التبس ذلك على بعضهم، كما قاله المحقق
التقي السبكي، فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة في غير
الثلاثة داخل في المنع، وهو خطأ، لأن الاستثناء كما مر
إنما يكون من جنس المستثنى منه، كما إذا قلت ما رأيت إلا
زيدًا كان تقديره: ما رأيت رجلاً واحدًا إلا زيدًا، لا، ما
رأيت شيئًا أو حيوانًا إلا زيدًا.
وقد استدلّ بالحديث على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد،
لزمه ذلك. وبه قال مالك، وأحمد والشافعي في البويطي،
واختاره، أبو إسحاق المروزي. وقال أبو حنيفة: لا يجب
مطلقًا. وقال الشافعي في الأم: يجب في المسجد الحرام لتعلق
النسك به، بخلاف المسجدين الآخرين. وهذا هو المنصوص
لأصحابه. واستدلّ به أيضًا على أن من نذر إتيان غير هذه
الثلاثة، لصلاة أو غيرها لا يلزمه، لأنه لا فضل لبعضها على
بعض، فتكفي صلاته في أي مسجد كان.
قال النووي: لا اختلاف فيه إلا ما روي عن الليث أنه قال:
يجب الوفاء به، وعن الحنابلة رواية: أنه يلزمه كفارة يمين،
ولا ينعقد نذره.
وعن المالكية رواية: أنه إن تعلقت به عبادة تختص به كرباط.
وإلاّ فلا.
وذكر عن محمد بن مسلمة، أنه يلزم في مسجد قباء لأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأتيه كل سبت.
فإن قلت: ما المطابقة بين الترجمة والحديث.
أجيب: بأنه من التعبير بالرحلة إلى المساجد، لأن المراد
بالرحلة إليها، قصد الصلاة فيها لأن لفظ: المساجد، يشعر
بالصلاة.
وفي هذا السند الثاني: التحديث والعنعنة والقول، ورواية
تابعي عن تابعي عن صحابي.
وأخرج حديثه هذا: مسلم وأبو داود في الحج، والنسائي في
الصلاة.
1190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ
مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) إمام الأئمة الأصبحي (عن زيد بن رباح) بفتح الراء
وتخفيف الموحدة وبالحاء المهملة المتوفى سنة إحدى وثلاثين
ومائة (وعبيد الله) بالتصغير والخفض، عطفًا على سابقه (ابن
أبي عبد الله الأغر) كلاهما (عن أبي عبد الله) سلمان
(الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء، المدني،
شيخ الزهري (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي)
ولأبوي: ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: أن رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: صلاة)، فرضًا
أو نفلاً (في مسجدي هذا خير) من جهة الثواب (من ألف صلاة)
تصلّى (فيما سواه) من المساجد (إلا المسجد الحرام) أي: فإن
الصلاة فيه خير من الصلاة في مسجده.
ويدل له حديث أحمد، وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد
الله بن الزبير، رفعه: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من
مائة صلاة في هذا.
وعند البزار، وقال: إسناده حسن، والطبراني، من حديث أبي
الدرداء، رفعه: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة،
والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس
بخمسمائة صلاة. وأوّله المالكية، ومن وافقهم، بأن الصلاة
في مسجدي تفضله بدون الألف.
قال ابن عبد البر: لفظ دون يشمل الواحد،
(2/344)
فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل
من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسع وتسعين صلاة.
وأوّله بعضهم على التساوي بين المسجدين ورجحه ابن بطال
معللاً: بأنه لو كان مسجد مكة فاضلاً أو مفضولاً لم يعلم
مقدار ذلك إلا بدليل، بخلاف المساواة.
وأجيب: بأن دليله قوله في حديث أحمد وابن حبان السابق:
وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا. وكأنه
لم يقف عليه، وهذا التضعيف يرجع إلى الثواب كما مر. ولا
يتعدى إلا جزاء بالاتفاق، كما نقله النووي وغيره.
وعليه يحمل قول أبي بكر النقاش المفسر في تفسيره: حسبت
الصلاة في المسجد الحرام، فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام
خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة. وهذا مع قطع النظر
عن التضعيف بالجماعة، فإنها تزيد سبعًا وعشرين درجة، كما
مر.
قال البدر بن الصاحب الأثاري: إن كل صلاة بالمسجد الحرام
فرادى بمائة صلاة، وكل صلاة فيه جماعة بألفي ألف صلاة
وسبعمائة ألف صلاة، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف
وخمسمائة ألف صلاة، وصلاة الرجل منفردًا في وطنه غير
المسجدين العظمين كل مائة سنة شمسية بمائة ألف وثمانين ألف
صلاة، وكل ألف سنة بالف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة،
فتلخص من هذا أن صلاة واحدة في المسجد الحرام جماعة، يفضل
ثوابها على ثواب من صلّى في بلده فرادى، حتى بلغ عمر نوح
بنحو الضعف. اهـ.
لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا؟ محل بحث. وهل يدخل في
التضعيف ما زيد في المسجد النبوي في زمن الخلفاء الراشدين
ومن بعدهم؟ أم لا:؟ إن غلبنا اسم الإشارة في قوله: مسجدي
هذا انحصر التضعيف فيه ولم يعم ما زيد فيه، لأن التضعيف
إنما ورد في مسجده وقد أكده يقوله: هذا. وقد صرح بذلك
النووي، بخلاف المسجد الحرام، فإنه يعم الحرم كله كما مر.
واستنبط منه تفضيل مكة على المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل
العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة، وهو
قول الجمهور.
وحكي عن مالك، وابن وهب، ومطرف، وابن حبيب، من أصحابه: لكن
المشهور عن مالك وأكثر أصحابه تفضيل المدينة. وقد رجع عن
هذا القول أكثر المنصفين من المالكية. واستثنى القاضي عياض
البقعة التي دفن فيها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فحكى الاتفاق على أنها أفضل بقاع الأرض. بل
قال ابن عقيل الحنبلي: إنها أفضل من العرش.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون، إلا شيخ المؤلّف فأصله من
دمشق وهو من أفراده، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة
والقول، وأخرجه مسلم في: المناسك، والترمذي وابن ماجة في:
الصلاة، النسائي في: الحج.
2 - باب مَسْجِدِ قُبَاءٍ
فضل (مسجد قباء) بضم القاف ممدودًا. وقد يقصر ويذكر على
أنه اسم موضع، فيصرف ويؤنث على أنه اسم بقعة. وبينه وبين
المدينة ثلاثة أميال، أو ميلان. وهو أولّ مسجد أسسه،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمسجد المؤسس على
التقوى في قول جماعة من السلف، منهم ابن عباس، وهو مسجد
بني عمرو بن عوف. وسمي باسم بئر هناك، وفي وسطه مبرك
ناقته، عليه الصلاة والسلام، وفي صحنه، مما يلي القبلة،
شبه محراب هو أوّل موضع ركع فيه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ثَمَّ.
1191 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ لاَ يُصَلِّي مِنَ
الضُّحَى إِلاَّ فِي يَوْمَيْنِ. يَوْمَ يَقْدَمُ
بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى فَيَطُوفُ
بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ
الْمَقَامِ، وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَإِنَّهُ
كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ
كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ.
قَالَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا
وَمَاشِيًا". [الحديث 1191 - أطرافه في: 1193، 1194،
7326].
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير، زاد الهروي،
هو الدورقي، نسبة إلى لبس القلانس الدورقية، قال: (حدّثنا
ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة
التحتية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وعلية أمه، قال:
(أخبرنا أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر:
(أن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، كان لا يصلّي من
الضحى) أي: في الضحى، أو: من جهة الضحى (إلا في يومين: يوم
يقدم بمكة) بجر يوم، بدلاً من يومين، أو بالرفع، خبر مبتدأ
محذوف. أي: أحدهما يوم. وللهروي والأصيلي: يوم، كاللاحق
بالنصب على الظرفية، ودال: يقدم مفتوحة. وقال العيني:
مضمومة، وبمكة، بموحدة، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن
عساكر: مكة بحذفها. (فإنه) أي ابن عمر (كان يقدمها) أي مكة
(ضحى) أي: في ضحوة النهار، (فيطوف بالبيت) الحرام (ثم
يصلّى ركعتين) سنة الطواف (خلف المقام ويوم) عطف على يوم
(2/345)
السابق فيعرب إعرابه (يأتي مسجد قباء، فإنه
كان يأتيه كل سبت. فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى
يصلّي فيه) ابتغاء الثواب.
روى النسائي حديث سهل بن حنيف مرفوعًا: "من خرج حتى يأتي
قباء فيصلّي فيه، كان له عدل عمرة".
وعند الترمذي، من حديث أسيد بن حضير، رفعه: "الصلاة في
مسجد قباء كعمرة".
وعند ابن أبي شيبة، في أخبار المدينة بإسناد صحيح، عن سعد
بن أبي وقاص قال: لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين، أحب إلي
من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا
إليه أكباد الإبل.
وفيه: فضل مسجد قباء والصلاة فيه، لكن لم يثبت فيه تضعيف
كالمساجد الثلاثة.
(قال) نافع (وكان) ابن عمر (يحدث: أن رسول الله، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يزوره) أي مسجد قباء،
أي: يوم السبت. كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في
الباب اللاحق، حال كونه (راكبًا وماشيًا).
1192 - قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ "إِنَّمَا أَصْنَعُ كَمَا
رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ، وَلاَ أَمْنَعُ أَحَدًا
أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَىِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ
نَهَارٍ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ
وَلاَ غُرُوبَهَا".
(قال وكان) أي: ابن عمر، ولأبي ذر" وماشيًا". وكان (يقول)
أي: لنافع (إنما أصنع كما رأيت أصحاب يصنعون، ولا أمنع
أحدًا أن يصلّي) بفتح الهمزة أي: لا أمنع أحدًا الصلاة،
وللهروي والأصيلي. وأبي الوقت: إن صلّى بكسر الهمزة، وفي
نسخة: أن يصلّي (في أي ساعة شاء من ليل أو نهار، غير أن لا
تتحروا) أي: لا تقصدوا (طلوع الشمس ولا غروبها) فتصلوا في
وقتيهما.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: بصري ومدني وكوفي، وفيه:
التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا
في: الصلاة، ومسلم في: الحج وأبو داود.
3 - باب مَنْ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ
(باب من أتى مسجد قباء كل سبت).
1193 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا
وَرَاكِبًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنهما-
يَفْعَلُهُ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (موسى بن إسماعيل)
المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف، التبوذكي
بفتح المثناة الفوقية وضم الموحدة وفتح المعجمة (قال:
حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بفتح القاف وسكون
المهملة مخففًا، البصري (عن عبد الله بن دينار) العدوي
المدني، مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله
عنهما، قال):
(كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يأتي
مسجد قباء كل سبت) حال كونه (ماشيًا) تارة (وراكعًا) أخرى.
وأطلق في السابقة إتيانه عليه الصلاة والسلام مسجد قباء من
غير تقييد بيوم، وقيده هنا، فيحمل المطلق على هذا المقيد،
لأنه قيد في السابقة في الموقوف، بخلاف المرفوع. وخص السبت
لأجل مواصلته لأهل قباء وتفقد حال من تأخر منهم عن حضور
الجمعة معه في مسجده بالمدينة.
(وكان عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وللأصيلي والهروي:
وكان ابن عمر رضي الله عنهما (يفعله) أي الإتيان يوم السبت
كما مر.
4 - باب إِتْيَانِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا
(باب إتيان مسجد قباء راكبًا وماشيًا).
1194 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي قُبَاءً
رَاكِبًا وَمَاشِيًا" زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ "حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ فَيُصَلِّي فِيهِ
رَكْعَتَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال حدّثنا يحيى)
زاد الأصيلي: ابن سعيد، أي: القطان (عن عبيد الله)
بالتصغير، ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع)
مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما
قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتي
قباء) وللهروي، والأصيلي، وابن عساكر: مسجد قباء (راكبًا)
تارة (وماشيًا) أخرى بحسب ما يتيسر. والواو، بمعنى: أو.
واستدلّ به ابن حبيب، من المالكية، كما نقله العيني: على
أن المدني إذا نذر الصلاة في مسجد قباء لزمه ذلك، وحكاه عن
ابن عباس.
(زاد ابن نمير) بضم النون وفتح الميم، عبد الله، مما وصله
مسلم، وأبو يعلى: فقال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (عن
نافع) أي عن ابن عمر.
(فيصلّي فيه) أي: في مسجد قباء (ركعتين) ادعى الطحاوي أن
هذه الزيادة مدرجة قالها أحد الرواة من عنده، لعلمه أنه
عليه السلام كان من عادته أنه لا يجلس حتى يصلّي.
واستدلّ به على أن صلاة النهار. كصلاة الليل، ركعتين.
وعورض بحديث سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن
جدّه رفعه، "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم غدا إلى مسجد قباء،
لا يريد غيره، ولا يحمله على الغدوّ إلا الصلاة في مسجد
قباء، فصلّى فيه أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بأم القرآن،
كان له أجر المعتمر إلى بيت الله". رواه الطبراني، لكن فيه
يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو ضعيف.
ولما ذكر المؤلّف
(2/346)
فضل الصلاة في المسجد الشريف النبوي
المدني، شرع ينبه على أن بعض بقاعه أفضل من بعض فقال:
5 - باب فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ
(باب فضل ما بين القبر) الشريف (والمنبر) المنيف.
1195 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا
بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ
الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر) الأنصاري (عن عباد
بن تميم) بفتح العين وتشديد الموحدة، ابن زيد بن عاصم
الأنصاري (عن) عمه (عبد الله بن زيد المازني) بكسر الزاي
بعدها نون، الأنصاري (رضي الله عنه، أن رسول الله، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(ما بين بيتي ومنبري) الموصول: مبتدأ خبره قوله: (روضة من
رياض الجنة) منقولة منها كالحجر الأسود، أو: تنقل بعينها
إليها كالجذع حنَّ إليه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، أو: توصل الملازم للطاعات فيها إليها. فهو
مجاز باعتبار المآل، كقوله: الجنة تحت ظلال السيوف، أي:
الجهاد مآله الجنة. فهذه البقعة المقدسة روضة من رياض
الجنة الآن وتعود إليها. ويكون للعامل فيها روضة بالجنة.
والمراد بالبيت: قبره أو مسكنه، ولا تفاوت بينهما، لأن
قبره في حجرته، وهي بيته.
ويأتي مزيد لذلك في أواخر فضل المدينة إن شاء الله بعونه
وقوّته.
ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف وهو من أفراده.
وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه مسلم في: المناسك،
والنسائي: فيه وفي الصلاة.
1196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي
وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ،
وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». [الحديث 1196 - أطرافه في:
1888، 6588، 7335].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد
القطان (عن عبيد الله) بالتصغير، زاد الأصيلي والهروي: ابن
عمر، أي: العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (خبيب بن عبد
الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة وسكون المثناة
التحتية آخره موحدة (عن حفص بن عاصم) أي: ابن عمر بن
الخطاب، (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي) ولأبي ذر،
مما صح عند اليونينية أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، لم يثبت خبر عن
بقعة أنها من الجنة بخصوصها إلا هذه البقعة المقدّسة.
(ومنبري) هذا بعينه (على حوضي) نهر الكوثر الكائن داخل
الجنة، لا حوضه الذي خارجها بجانبها، المستمد من الكوثر،
يعيده الله فيضعه عليه، أو: أن له هناك منبرًا على حوضه
يدعو الناس عليه إليه.
وعند النسائي: ومنبري على ترعة من ترع الجنة.
ووقع في رواية أبي ذر الهروي سقوط: ومنبري على حوضي.
ورواة الحديث مدنيون إلا شيخه فبصري من أفراده، وفيه:
التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا
في أواخر: الحج وفي: الحوض والاعتصام، ومسلم في: الحج.
6 - باب مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
(باب) فضل (مسجد بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وكسر
الدال، وبفتح القاف بعد
ضم الميم مع تشديد الدال. والقدس: بغير ميم مع ضم القاف
وسكون الدال وبضمها، وله عدة أسماء تقرب من العشرين منها
إيلياء بالمد والقصر وبحذف الياء الأولى.
1197 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ
قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله
عنه- يُحَدِّثُ بِأَرْبَعٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي
قَالَ: لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلاَّ
مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. وَلاَ صَوْمَ فِي
يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى. وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ
صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،
وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. وَلاَ تُشَدُّ
الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ
الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي،
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير
(قال: سمعت قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحة
(مولى زياد) بالزاي وتخفيف المثناة التحتية (قال):
(سمعت أبا سعيد الخدري، رضي الله عنه، يحدث بأربع عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كلها حكم (فأعجبنني)
الأربع، وهي بسكون الموحدة بصيغة الجمع للمؤنث (وآنقنني)
بهمزة ممدودة ثم نون مفتوحة ثم قاف ساكنة بعدها نونان، أي:
أفرحنني وأسررنني.
إحداها (قال لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها).
ولأبوي ذر والوقت: إلا ومعها بالواو (أو: ذو محرم) وهو من
النساء من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها،
فاحترز بقوله: على التأبيد، من: أخت المرأة. وبقوله: بسبب
مباح، من: أم الموطوءة بشبهة، لأن وطء الشبهة لا يوصف
بالإباحة وبحرمتها من الملاعنة، فإن تحريمها ليس لحرمتها
بل عقوبة وتغليظًا.
(و) الثانية (لا صوم في يومين) يوم عيد (الفطر) ليحصل
الفصل بين الصوم والفطر (والأضحى) لأن فيه دعوة الله التي
دعا عباده إليها من تضييفه وإكرامه لأهل مِنًى وغيرهم لما
شرع لهم من ذبح النسك
(2/347)
والأكل منها، والإجماع على تحريم صومهما، لكن مذهب أبي
حنيفة: لو نذر صوم يوم النحر أفطر وقضى يومًا مكانه.
(و) الثالثة (لا صلاة بعد صلاتين بعد) صلاة (الصبح حتى
تطلع الشمس وبعد) صلاة (العصر حتى تغرب) الشمس.
(و) الرابعة (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)
الاستثناء مفرّغ والتقدير: لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه
منع السفر إلى كل موضع غيرها، كزيارة صالح أو قريب أو
صاحب، أو طلب علم أو تجارة، أو نزعة. لأن المستثنى منه في
المفرغ يقدر بأعم العام. لكن المراد بالعموم هنا الموضع
المخصوص، وهو المسجد كما تقدم تقديره: (مسجد الحرام) بمكة
(ومسجد) المكان (الأقصى) الأبعد عن المسجد الحرام في
المسافة، أو عن الأقذار والخبث، وهو: مسجد بيت المقدس.
وقد روى ابن ماجة حديث أنس مرفوعًا: "وصلاة في المسجد
الأقصى بخمسين ألف صلاة".
وعند الطبراني عن أبي الدرداء، رفعه أيضًا: "والصلاة في
بيت المقدس بخمسمائة صلاة".
وعند النسائي وابن ماجة، عن ابن عمر: أن سليمان بن داود،
لما فرغ من بناء بيت المقدس، سأل الله تعالى: أن لا يأتي
هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه
كيوم ولدته أمه. الحديث.
(ومسجدي) بطيبة. واختصاص هذه الثلاثة بالأفضلية لأن الأول
فيه: حج الناس وقبلتهم أحياء وأمواتًا، والثاني: قبلة
الأمم السالفة، والثالث: أسس على التقوى وبناه خير البرية،
زاده الله شرفًا.
والأفضلية بينهم بالترتيب المذكور في الحديث الأول، من
الباب الأول، واختلف في: شد الرحال إلى غيرها، كالذهاب إلى
زيارة الصالحين أحياء وأمواتًا، وإلى المواضع الفاضلة
للصلاة فيها، والتبرك بها.
فقال أبو محمد الجويني: يحرم عملاً بظاهر هذا الحديث؛
واختاره القاضي حسين، وقال به القاضي عياض وطائفة.
والصحيح عند إمام الحرمين، وغيره من الشافعية، الجواز،
وخصوا النهي بمن نذر الصلاة في غير الثلاثة، وأما قصد
غيرها لغير ذلك، كالزيارة فلا يدخل في النهي.
وخص بعضهم النهي فيما حكاه الخطابي بالاعتكاف في غير
الثلاثة، لكن قال في الفتح: ولم أر عليه دليلاً.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه:
التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف في:
الصوم. |