شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
21 - أبواب العمل في الصلاة
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة في غير رواية
أبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر (أبواب) حكم (العمل
في الصلاة) كذا في نسخة الصاغاني، مع إثبات البسملة.
1 - باب اسْتِعَانَةِ الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ إِذَا كَانَ
مِنْ أَمْرِ الصَّلاَةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: يَسْتَعِينُ
الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ جَسَدِهِ بِمَا شَاءَ.
وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلاَةِ
وَرَفَعَهَا. وَوَضَعَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- كَفَّهُ
عَلَى رُصْغِهِ الأَيْسَرِ. إِلاَّ أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا
أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا.
(باب) حكم (استعانة اليد) أي: وضعها على شيء (في الصلاة
إذا كان) ذلك (من أمر الصلاة) احترز به عما يصدر عن قصد
العبث فإنه مكروه.
(وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: يستعين الرجل في صلاته من
جسده بما شاء) كيده إذا كان من أمر الصلاة، مثل: تحويله،
عليه السلام، ابن عباس إلى جهة يمينه في الصلاة الآتي في
الحديث التالي، وإذا جازت الاستعانة بها للصلاة فكذا بما
شاء من جسده قياسًا عليها.
(ووضع أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي التابعي
المتوفى سنة عشرين ومائة، وله من العمر ست وتسعون سنة
(قلنسوته) بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة،
بيده حال كونه (في الصلاة، ورفعها) بها كذا بالواو
وللنسفي، وأبي ذر والأصيلي: وفي رواية القابسي: أو رفعها
على الشك.
(ووضع علي) هو ابن أبي طالب (رضي الله عنه كفه) الأيمن
(على رصغه الأيسر) أي: في الصلاة والرصغ بالصاد، لغة في
الرسغ بالسين، وهي أفصح من الصاد، وهو المفصل بين الساعد
والكف (إلا أن يحك) أي: علي (جلدًا، أو يصلح ثوبًا) كذا
أخرجه في السفينة الجرائدية بتمامه، لكن قال: إذا قام إلى
الصلاة ضرب، بدل قوله: وضع. وزاد: فلا يزال كذلك حتى يركع.
وكذا أخرجه ابن أبي شيبة، من هذا الوجه، لكن بلفظ: إلا أن
يصلح ثوبه، أو يحك جسده.
وليس هذا الاستثناء من بقية ترجمة الباب، كما توهمه
الإسماعيلي وتبعه ابن رشيد، ونقله مغلطاي
(2/348)
في شرحه عن أولهما، ويدخل في الاستعانة
التعلق بالحبل، والاعتماد على العصا، ونحوهما.
1198 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ
عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-
أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
-رضي الله عنها-وَهْيَ خَالَتُهُ- قَالَ فَاضْطَجَعْتُ
عَلَى عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي
طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ
قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ؛ ثُمَّ
اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ
بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ
سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ
مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ،
ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
-رضي الله عنهما-: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ،
ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى
يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،
ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ،
ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ
فَصَلَّى الصُّبْحَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة
(ابن سليمان) بضم السين وفتح اللام، الوالبي (عن كريب)
مصغرًا (مولى ابن عباس أنه أخبره) أي أن كريبًا أخبر مخرمة
(عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما أنه بات) ليلة (عند
ميمونة) الهلالية (أم المؤمين، رضي الله عنها -وهي خالته-
قال فاضطجعت على) وفي نسخة: في (عرض الوسادة) بفتح العين
على المشهور (واضطجع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وأهله) زوجته ميمونة (في طولها) أي: طول
الوسادة (فنام رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، حتى انتصف الليل أو قبله) أي: قبل انتصافه
(بقليل أو بعده) أي: بعد انتصافه (بقليل، ثم استيقظ رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجلس، فمسح
النوم عن وجهه بيده) بالإفراد ولأبوي: ذر، والوقت،
والأصيلي، وابن عساكر: بيديه. أي: مسح بهما عينيه، من باب
إطلاق الحال، وهو النوم على المحل وهو العين إذ النوم لا
يمسح، (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام (العشر آيات) بإسقاط:
أل، ولأبوي: ذر، والوقت، والأصيلي: الآيات (خواتيم)
بالمثناة التحتية بعد الفوقية، ولهم ولابن عساكر: خواتم
بإسقاط التحتية (سورة آل عمران) {إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخر
السورة (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (إلى شن) بفتح
المعجمة قربة خلقة (معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه) بأن
أتى به وبمندوباته (ثم قام يصلّي).
(قال عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما: فقمت فصنعت مثل ما
صنع) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من
قراءة العشر الآيات والوضوء (ثم ذهبت، فقمت إلى جنبه، فوضع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده اليمنى
على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى) حال كونه (يفتلها) بكسر
المثناة أي: يدلكها (بيده) لينبهه من غفلة أدب الائتمام،
وهو القيام على يمين الإمام إذا كان الإمام وحده أو
ليؤنسه، لكون ذلك كان ليلاً.
وفي الرواية السابقة، في باب: التخفيف في الوضوء: فحولني
فجعلني عن يمينه.
وقد استنبط المؤلّف من هذا استعانة المصلي بما يتقوى به
على صلاته، فإنه إذا جاز للمصلي أن يستعين بيده في صلاته
فيما يختص بغيره فاستعانته بها في أمر نفسه ليتقوى بذلك
على صلاته، وينشط لها إذا احتاج أولى.
(فصلّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين، ثم ركعتين، ثم
ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين) الجملة: ثنتا
عشرة ركعة (ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلّى
ركعتين خفيفتين) سنة الصبح، ولم يتوضأ، لأن: عينيه تنامان
ولا ينام قلبه: فلا ينتقض وضوؤه (ثم خرج) عليه الصلاة
والسلام إلى المسجد (فصلّى الصبح) فيه.
ورواة هذا الحديث الخمسة: مدنيون، وفيه: التحديث والإخبار
والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في اثني عشر موضعًا.
2 - باب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْكَلاَمِ فِي
الصَّلاَةِ
(باب ما ينهى من الكلام) وللأصيلي: ما ينهى عنه من الكلام
(في الصلاة) وبه قال:
1199 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
فُضَيْلٍ قال حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-
قَالَ: "كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ
فَيَرُدُّ عَلَيْنَا. فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ
النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ
عَلَيْنَا وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً ".
[الحديث 1199 - طرفاه في: 1216].
(حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم، محمد بن عبد
الله، ونسبه لجده لشهرته به الهمذاني الكوفي (قال: حدّثنا
ابن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة، محمد الضبي الكوفي
(قال، حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن
يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود
(رضي الله عنه، أنه قال):
(كنا نسلم على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وهو في الصلاة، فيرد علينا) السلام وفي رواية
أبي وائل: ويأمر بحاجتنا (فلما رجعنا من عند النجاشي) بفتح
النون، وقيل بكسرها، ملك الحبشة إلى مكة من الهجرة الأولى،
أو: إلى المدينة من الهجرة الثانية، وكان النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حينئذ يتجهز لغزوة بدر.
(سلمنا عليه فلم يرد علينا) أي باللفظ.
فقد روى ابن أبي شيبة، من مرسل ابن سيرين: أن النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رد على ابن مسعود في
هذه القصة السلام، بالإشارة.
وزاد مسلم، في رواية ابن فضيل: قلنا: يا رسول الله، كنا
نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ... الحديث.
(وقال) عليه الصلاة والسلام، لما فرغ من الصلاة:
(إن في
(2/349)
الصلاة شغلاً) عظيمًا، لأنها مناجاة مع
الله تعالى تستدعي الاستغراق في خدمته، فلا يصلح فيها
الاشتغال بغيره، أو التنوين للتنويع أي: كقراءة القرآن،
والذكر والدعاء.
وزاد في رواية أبي وائل، أيضًا: إن الله يحدث من أمره ما
يشاء، وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة.
وزاد في رواية كلثوم الخزاعى: إلا بذكر الله.
وفي رواية أبي ذر، كما في الفرع، وعزاه في الفتح لأحمد عن
ابن فضيل: لشغلاً، بزيادة لام التأكيد.
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال (حدّثنا ابن نمير) محمد بن عبد الله قال: (حدّثنا
إسحاق بن منصور) زاد الهروي والأصيلي: السلولي، بفتح
المهملة وضم اللام الأولى نسبة إلى: سلول، قبيلة من هوازن،
قال: (حدّثنا هريم بن سفيان) بضم الهاء وفتح الراء، الجبلي
الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد
النخعي (عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله منه،
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) أي
نحو طريق محمد بن فضيل، عن الأعمش الخ.
ورجال الحديث من الطريقين كلهم كوفيون.
1200 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ
عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: قَالَ لِي
زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ "إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي
الصَّلاَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ
بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ} الآيَةَ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ".
[الحديث 1200 - طرفه في: 4534].
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان
التميمي الفراء، قال: (أخبرنا عيسى) زاد الهروي، والأصيلي،
وابن عساكر: هو ابن يونس (عن إسماعيل) بن أبي خالد بن سعد
الأحمسي
البجلي (عن الحارث بن شبيل) بضم الشين المعجمة وفتح
الموحدة آخره لام بعد المثناة التحتية الساكنة، الأحمسي
(عن أبي عمرو) بفتح العين، سعد بن أبي أياس (الشيباني)
بفتح المعجمة الكوفي (قال: قال لي زيد بن أرقم) بفتح
الهمزة والقاف، الأنصاري الخزرجي، وليس للشيباني عن ابن
أرقم غير هذا الحديث.
(إن كنا لنتكلم) بتخفيف النون بعد الهمزة المكسورة، ولام
التأكيد (في الصلاة على عهد النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته) وفي لفظ:
ويسلم بعضنا على بعض في الصلاة (حتى) أي: إلى أن (نزلت
{حافظوا}) أي: داوموا ({على الصلوات} اللآية) ولأبوي ذر
والوقت، (على الصلوات والصلاة الوسطى أي: العصر، وعليه
الأكثرون {وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أي
ساكنين لأن لفظ الراوي يشعر به، فحمله عليه أولى وأرجح،
لأن المشاهد للوحي والتنزيل يعلم سبب النزول.
وقال أهل التفسير: خاشعين ذليلين بين يديه، وحينئذ فالكلام
مناف للخشوع إلا ما كان من أمر الصلاة، وللأصيلي: والصلاة
الوسطى. الآية.
(فأمرنا بالسكوت) بضم الهمزة أي: عما كنا نفعله من ذلك،
وزاد مسلم، ونهينا عن الكلام، وليس المراد مطلقًا، فإن
الصلاة ليس فيها حالة سكوت حقيقية.
واستدلّ بهذه الآية على أن الأمر بشيء ليس نهيًا عن ضده،
إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله: ونهينا عن الكلام.
وأجيب: بأن دلالته على ذلك دلالة التزام، ومن ثم وقع
الخلاف، فلعله ذكر لكونه أصرح.
وقال ابن دقيق العيد قوله: ونهينا عن الكلام، يقتضي أن كل
شيء يسمى كلامًا فهو منهي عنه، حملاً للفظ على عمومه،
ويحتمل أن تكون اللام للعهد الراجع إلى قوله: يكلم الرجل
منا صاحبه بحاجته، وظاهر هذا أن نسخ الكلام في الصلاة وقع
في المدينة لأن الآية مدنية باتفاق.
فتعين أن المراد بقوله: فلما رجعنا من عند النجاشي في
الهجرة الثانية، ولم يكونوا يجمعون بمكة إلا نادرًا.
والذي تقرر: أن الصلاة تبطل بالنطق عمدًا من غير: القرآن،
والذكر، والدعاء بحرفين أفهما، أو لا نحو: قم وعن، أو حرف
مفهم نحو: ق، من الوقاية. وكذا مدة بعد حرف، لأنها ألف، أو
واو، أو: ياء لحديث مسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء
من كلام الناس".
والكلام يقع على المفهم وغيره الذي هو حرفان، وتخصيصه
بالمفهم اصطلاح النحاة، واختلف في الناسي ومن سبق لسانه،
فلا يبطلها قليل كلامهما، عند الشافعية، والمالكية، وأحمد
والجمهور، خلافًا للحنفية مطلقًا.
لنا حديث ذي اليدين، وكذا الجاهل للتحريم إن قرب عهده
بالإسلام بخلاف بعيد العهد به، لتقصيره بترك التعلم، وهذا
بخلاف الكثير، فإنه مبطل. ويعذر في التنحنح، وإن ظهر به
حرفان للغلبة، وتعذر قراءة الفاتحة لا الجهر، لأنه سنة لا
ضرورة إلى التنحنح له، ولو أكره على الكلام بطلت لندرة
الإكراه، ولا تبطل بالذكر والدعاء العاري عن المخاطبة، فلو
خاطب كقوله
(2/350)
لعاطس: رحمك الله، بطلت بخلاف: رحمه الله،
بالهاء. ولو تكلم بنظم القرآن قاصدًا التفهيم: كيا يحيى خذ
الكتاب، مفهمًا به من يستأذن في أخذ شيء أن يأخذه، إن قصد
معه القراءة لم تبطل، فإن قصد التفهيم فقط بطلت. وإن لم
يقصد شيئًا ففي التحقيق الجزم بالبطلان.
وقوله: إن كنا لنتكلم، حكمه حكم المرفوع. وكذا قوله:
أمرنا، لقوله فيه: على عهد النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى ولو لم يقيد بذلك لكان ذكر نزول
الآية كافيًا في كونه مرفوعًا.
ورواة هذا الحديث الستة كوفيون إلا شيخ المؤلّف فرازي،
وفيه، التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في: التفسير، وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو
داود، وأخرجه الترمذي فيها وفي: التفسير.
3 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ فِي
الصَّلاَةِ لِلرِّجَالِ
(باب ما يجوز من التسبيح والحمد في) أثناء (الصلاة للرجال)
إذا نابهم فيها شيء، كتنبيه إمام على سهو، وإذن لمستاذن في
الدخول، وإنذار أعمى أن يقع في بئر ونحوها. وقيد بالرجل
ليخرج النساء.
وأتى بالحمد بعد التسبيح تنبيهًا على أن الحمد يقوم مقام
التسبيح، لأن الغرض التنبيه على عروض أمر لا مجرد التسبيح
والتحميد.
1201 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْلِحُ
بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَحَانَتِ الصَّلاَةُ،
فَجَاءَ بِلاَلٌ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنهما- فَقَالَ:
حُبِسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَتَؤُمُّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتُمْ.
فَأَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ
-رضي الله عنه- فَصَلَّى، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ
يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ،
فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ -قَالَ سَهْلٌ: هَلْ
تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ- وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لاَ يَلْتَفِتُ فِي
صَلاَتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا الْتَفَتَ، فَإِذَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
الصَّفِّ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ: مَكَانَكَ. فَرَفَعَ أَبُو
بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ رَجَعَ
الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم، واللام،
ابن قعنب، قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم) بالمهملة
والزاي، واسمه سلمة (عن أبيه) سلمة بن دينار (عن سهل) بفتح
المهملة وإسكان الهاء (رضي الله عنه) زاد الأصلي، والهروي:
ابن سعد، بسكون العين (قال):
(خرج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) حال
كونه (يصلح بين بني عمرو بن عوف) بسكون الميم، زاد الأصيلي
والهروي أيضًا: ابن الحرث (وحانت الصلاة) أي: حضرت (فجاء
بلال) المؤذن (أبا بكر) الصدّيق (رضي الله عنهما، فقال:
حبس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: تأخر
في بني عمرو (فتؤم الناس) بحذف همزة الاستفهام (قال) أبو
بكر: (نعم) أؤمهم (إن شئتم) فيه: أنه لا يؤم جماعة إلا
برضاهم، وإن كان أفضلهم.
(فأقام بلال الصلاة، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فصلّى)
أي: فشرع في الصلاة بالناس (فجاء النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بني عمرو، حال كونه (يمشي في
الصفوف) حال كونه (يشقها شقًّا، حتى قام في الصف الأول،
فأخذ الناس بالتصفيح) بالموحدة والحاء المهملة، ولابن
عساكر: "فى التصفيح" وهو مأخوذ من صفحتي الكف وضرب إحداهما
على الأخرى.
(قال سهل) أي: ابن سعد المذكور، ولأبوي ذر والوقت، مما صح
عند اليونيني: فقال سهل (هل تدرون ما التصفيح؟) أي: تفسيره
(هو التصفيق) بالقاف بدل الحاء. وهذا يؤيد قول الخطابي،
وأبي علي القالي، والجوهري، وغيرهم: إنهما المعنى واحد.
وفي الإكمال، للقاضي عياض حكاية قول: إنه بالحاء الضرب
بظاهر إحدى اليدين على الأخرى، وبالقاف بباطنها على باطن
الأخرى، فبطل دعوى ابن حزم نفي الخلاف في أنهما: بمعنى
واحد.
وقيل: بالحاء الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه، وبالقاف
بجميعها للهو واللعب.
(وكان أبو بكر، رضي الله عنه، لا يلتفت في صلاته، فلما
أكثروا) من التصفيح (التفت فإذا النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الصف، فأشار) عليه السلام (إليه)
رضي الله عنه: (مكانك) أي: الزمه ولا تتغير عما أنت فيه.
(فرفع أبو بكر) رضي الله عنه (يديه) بالتثنية للدعاء (فحمد
الله) تعالى، حيث رفع الرسول عليه الصلاة والسلام مرتبته
بتفويض الإمامة إليه (ثم رجع القهقرى وراءه، وتقدم)
بالواو، ولابن عساكر: فتقدم (النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى) بالناس.
فإن قلت: ما وجه مطابقة الحديث للترجمة، فإنه ذكر فيها لفظ
التسبيح، وليس هو فيه؟
أجيب: من حيث أنه ذكر هذا الحديث بتمامه في باب: من دخل
ليؤم الناس، فجاء الإمام الأول، لأن فيه قوله عليه الصلاة
والسلام: "من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح
التفت إليه وإنما التصفيق للنساء". فاكتفي به، لأن الحديث
واحد.
ولا يقال: علم التسبيح من الحمد بالقياس عليه، لأنا نقول:
حمد أبي بكر إنما كان على تأهيل الرسول له للإمامة، كما
مر.
وقد صرح بذلك، في رواية باب: من دخل ليؤم الناس، ولفظه:
فحمد الله على ما أمره به رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من ذلك.
فإن قلت:
(2/351)
لِمَ لا يكون المراد من الترجمة جواز
التسبيح والحمد مطلقًا في الجملة من غير تقييد بتنبيه،
وتحصل المطابقة بين الترجمة وما ساقه من الحديث، ويكون
التسبيح مقيسًا على الحمد، والحديث مخصصًا لعموم قوله في
الترجمة السابقة، حيث قال: باب ما ينهى من الكلام في
الصلاة؟
فالجواب: لعلهم إنما حملوا هذه الترجمة على ما ذكر لقوله
بعد، باب: التصفيق للنساء، إذ مقابله التسبيح، وهما كما
وقع التصريح به من الشارع عليه الصلاة والسلام لمن نابه
شيء في صلاته.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في سبعة مواضع، وترجم في كل
منها بما يناسبه.
4 - باب مَنْ سَمَّى قَوْمًا أَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ
عَلَى غَيْرِهِ مُوَاجَهَةً وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ
(باب) حكم (من سمى قومًا) في الصلاة (أو سلم في الصلاة على
غيره مواجهة) بفتح الجيم والنصب على المصدرية (وهو) أي
والحال أن السلم (لا يعلم) حكم ذلك إبطالاً وصحة. هل يكون
حكمه حكم العامد، أو حكم الناسي؟
وقد ثبتت لفظة: مواجهة، للحموي والكشميهني، وعزاها في
الفتح لكريمة، وسقطت لأبي الوقت، والأصيلي وابن عساكر،
وحكى ابن رشيد إسقاط هاء غيره، وإضافة: مواجهة، عن رواية
أبي ذر، عن الحموي. وللكرماني حكاية رواية أخرى، وهي على
غير مواجهة بلفظ اسم الفاعل المضاف إلى الضمير، وإضافة
الغير إليه.
1202 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: "كُنَّا نَقُولُ: التَّحِيَّةُ فِي الصَّلاَةِ
وَنُسَمِّي وَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ.
فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ
وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،
السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ
عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ
وَالأَرْضِ".
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عيسى) بسكون الميم الضبعي بضم
المعجمة قال: (حدّثنا أبو عبد الصمد) زاد الهروي: العمي،
بفتح العين المهملة وتشديد الميم، هو (عبد العزيز بن عبد
الصمد)
البصري، وذكره بكنيته، ثم باسمه، قال: (حدّثنا حصين بن عبد
الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (عن أبي وائل)
شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال):
(كنا نقول التحية) بالإفراد، والرفع، مبتدأ خبره (في
الصلاة) ويروى: التحية، بالنصب مفعول نقول.
واستشكل من حيث أن مقول القول لا بد أن يكون جملة، وقوله:
التحية مفرد.
وأجيب: بأنه في حكم الجملة، لأنه عبارة عن قولهم: السلام
على فلان، كقولهم: قلت قصة، وقلت خبرًا.
(ونسمي) أي: نقول السلام على جبريل وميكائيل، كما في حديث:
باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد (ويسلم بعضنا على بعض)
في حديث باب: ما ينهى من الكلام، السابق قريبًا: كنا نسلم
على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو في
الصلاة فيرد علينا، وهو في الصلاة ... الحديث.
وكان ابن مسعود قد هاجر إلى الحبشة، وعهده وعهد أصحابه أن
الكلام في الصلاة جائز، فوقع النسخ في غيبتهم ولم يبلغهم،
فلما قدموا فعلوا العادة في أول صلاة صلوها معه، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما سلم نهاهم في المستقبل،
وعذرهم لغيبتهم وجهلهم بالحكم، فلم يلزمهم الإعادة. مع أن
إمكان العلم كان يتأتى في حقهم بأن يسألوا قبل الصلاة:
أحدث أمر أم لا؟
وبهذا إيجاب عن استشكال المطابقة بين الحديث والترجمة.
وقال في المصابيح: إنه الجواب الصحيح.
(فسمعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أي: ما ذكر من تسميتهم وتسليمهم (فقال):
(قولوا التحيات) أي: أنواع التعظيم (لله) المتفضل بها
(والصلوات): الدعاء، أو الخمس المعروفة وغيرها، أو الرحمة
(والطيبات) ما طاب من الكلام وحسن، ومعناه أن التحيات وما
بعدها مستحقة لله تعالى، لا تصلح حقيقتها لغيره، (السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين) أي: السلام الذي وجه إلى الأنبياء
المتقدمة، موجه إليك أيها النبي، والسلام الذي وجه إلى
الأمم السابقة من الصلحاء علينا وعلى إخواننا. فالتعريف
للعهد التقريري، قاله الطيبي، وقيل غير ذلك.
وقوله: وعلى عباد الله الصالحين، بعد قوله: السلام علينا،
من ذكر الخاص بعد العام.
(أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله).
أمرهم بإفراد السلام عليه بالذكر، لشرفه ومزيد حقه عليهم،
وتخصيص أنفسهم. فإن الاعتمام بها أهم، ثم اتبعه بشهادة
التوحيد لله، والرسالة لنبيه عليه الصلاة والسلام، لأنه
منبع الخيرات وأساس الكمالات.
ثم قال: (فإنكم إِنْ فعلتم ذلك) أي قلتم ما ذكر (فقد سلمتم
على كل عبد لله صالح) بالجر، صفة لعبد، وما بينهما اعتراض
(في السماء والأرض) من ملك أو مؤمن.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه: التحديث
والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف
(2/352)
من أفراده وأخرجه ابن ماجة في الصلاة.
5 - باب التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ
(باب التصفيق للنساء) بإضافة باب لتاليه، ولغير أبي ذر:
بالتنوين أي: هذا باب يذكر فيه التصفيق للنساء.
1203 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «التَّسْبِيحُ
لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة،
رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(التسبيح) بأن يقول من نابه شيء في صلاته، كتنبيه إمامه،
وإنذاره أعمى: "سبحان الله" لا يكون إلاّ (للرجال،
والتصفيق) بالصاد والقاف، لا يكون إلا اللنساء) إذا نابهن
شيء في صلاتهن.
وهذا مذهب الجمهور للأمر به في رواية حماد بن زيد، عن أبي
حازم في الأحكام بلفظ: فليسبح الرجال ولتصفق النساء.
خلافًا لمالك حيث قال: التسبيح للرجال والنساء جميعًا.
وأما قوله: والتصفيق للنساء، أي: من شأنهن في غير الصلاة،
وهو على جهة الذم له، ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل، ولا
امرأة، ورواية حماد السابقة تعارض ذلك، إذ هي نص فيه، وكأن
منع المرأة من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها مطلقًا لما
يخشى من الافتتان. ومن ثم منعت من الأذان مطلقًا، ومن
الإقامة للرجال، ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن
النساء.
وهذا الحديث أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة،
في: الصلاة.
1204 - حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ
وَالتَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى) قال ابن حجر: هو ابن جعفر أي:
البلخي، وجوز الكرماني أن يكون يحيى بن موسى الختي، بفتح
الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية، لأنهما رويا عن
وكيع في
الجامع فيما قاله الكلاباذي، قال: (أخبرنا) ولأبوي ذر،
والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: حدّثنا (وكيع عن سفيان)
الثوري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي، سلمة بن
دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين (رضي الله عنه،
قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(التسبيح للرجال والتصفيح) بالحاء المهملة، ولأبوي ذر،
والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: والتصفيق بالقاف، بأن تضرب
بطن اليمنى على ظهر اليسرى (للنساء). فلو ضربت على بطنها،
على وجه اللعب، بطلت صلاتها، وإن كان قليلاً لمنافاة اللعب
للصلاة. ولو صفق الرجل جاهلاً بذلك، فليس عليه إعادة
صلاته، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر من صفق جاهلاً
بالإعادة، لأنه عمل يسير لا يفسد الصلاة. كما تقرر. ويأتي
في كلام المصنف باب من صفق من الرجال جاهلاً في صلاته لم
تفسد صلاته.
6 - باب مَنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صَلاَتِهِ أَوْ
تَقَدَّمَ بِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ
سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
(باب من رجع القهقري) بفتح القافين بينهما هاء ساكنة،
وبفتح الراء أي: مشى إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة
مشيه (في صلاته) ولأبي ذر، مما صح عند اليونيني: في الصلاة
(أو تقدم بأمر) أي: لأجل أمر (ينزل به).
(رواه) أي: كل واحد من رجوع المصلي القهقرى، وتقدمه لأمر
ينزل به، (سهل بن سعد) المذكور آنفًا (عن النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه المؤلّف في:
الصلاة على المنبر والسطوح، من أوائل كتاب الصلاة، بلفظ:
"فاستقبل القبلة، وكبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع فركع
الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض،
ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع
القهقرى حتى سجد بالأرض" الحديث.
1205 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ قَالَ يُونُسُ قَالَ الزُّهْرِيُّ
أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ "أَنَّ الْمُسْلِمِينَ
بَيْنَا هُمْ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَأَبُو
بَكْرٍ -رضي الله عنه- يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجَأَهُمُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ
كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ
يَضْحَكُ. فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَلَى
عَقِبَيْهِ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى
الصَّلاَةِ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي
صَلاَتِهِمْ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَأَوْهُ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ
أَنْ أَتِمُّوا. ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى
السِّتْرَ. وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ".
وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون
المعجمة، المروزي، قال: (أخبرنا
عبد الله) بن المبارك، قال: (قال يونس) بن يزيد (قال
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: (أخبرني) بالإفراد (أنس بن
مالك) رضي الله عنه.
(إن المسلمين بينا هم في) صلاة (الفجر يوم الاثنين، وأبو
بكر رضي الله عنه يصلّي بهم، ففجأهم) بفتح الجيم، ولأبي
ذر: مما صح عند اليونيني: ففجئهم، بكسرها وصوبه وقال ابن
التين: كذا وقع في الأصل بالألف، وحقه أن يكتب بالياء، لأن
عينه مكسورة: كوطئهم أي: فجأهم (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد كشف ستر حجرة عائشة رضي الله
عنها)، كذا في أصل الحافظ شرف الدين الدمياطي بخطه، وهو
الذي في اليونينية، وقال القطب الحلبي الحافظ: في سماعنا
إسقاط لفظة حجرة (فنظر) عليه الصلاة والسلام (إليهم وهم
(2/353)
صفوف فتبسم يضحك فنكص) بالصاد المهملة،
وللحموي والمستملي: فنكس، بالسين المهملة أي: رجع بحيث لم
يستدبر القبلة، أي: رجع (أبو بكر رضي الله عنه) إلى وراء
(على عقبيه) بالتثنية (وظن أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يريد أن يخرج إلى الصلاة وهمّ
المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم) بأن يخرجوا منها حال كون
ذلك (فرحًا) أي: فرحين (بالنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، حين رأوه، فأشار بيده أن: أتموا) صلاتكم أي:
أشار بالإتمام فأن مصدرية (ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر،
وتوفي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك اليوم)
ولأبي الوقت في غير اليونينية في ذلك اليوم.
7 - باب إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا فِي الصَّلاَةِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا دعت الأم ولدها) وهو (في الصلاة)
لا يجيبها، فإن أجابها بطلت صلاته على الأصح فيهما. وقيل:
تجب وتبطل صلاته، وقيل: تجب ولا تبطل. كذا في البحر
للروياني.
وقيل: إن كانت فرضًا وضاق وقتها لا يجيب، وإلاّ فيجيب.
وقد روي في الوجوب حديث مرسل، رواه ابن أبي شيبة عن حفص بن
غياث، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن المنكدر، عنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا دعتك أمك في الصلاة
فأجبها، وإن دعاك أبوك فلا تجبه، وأول على إجابتها
بالتسبيح.
وقال ابن حبيب: إن كان في نافلة فليخفف ويسلم ويجبها.
1206 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «نَادَتِ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهْوَ
فِي صَوْمَعَةٍ قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ
أُمِّي وَصَلاَتِي. قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ
اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي. قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ،
قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي. قَالَتِ: اللَّهُمَّ
لاَ يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ
الْمَيَامِيسِ. وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ
رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ، فَوَلَدَتْ، فَقِيلَ لَهَا:
مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ
مِنْ صَوْمَعَتِهِ. قَالَ
جُرَيْجٌ: أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا
لِي؟ قَالَ: يَا بَابُوسُ. مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: رَاعِي
الْغَنَمِ». [الحديث 1206 - أطرافه في: 2482، 3436، 3466].
(وقال الليث) بن سعد المصري، مما وصله الإسماعيلي من طريق
عاصم بن علي، شيخ المؤلّف عنه مطولاً قال: (حدّثني)
بالإفراد (جعفر) ولأبي ذر: مما صح في اليونيني: ابن ربيعة
أي: ابن شرحبيل بن حسنة المصري (عن عبد الرحمن بن هرمز)
الأعرج المدني (قال: قال أبو هريرة، رضي الله عنه، قال
رسول الله) وللأصيلي: قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(نادت امرأة ابنها) جريجًا (وهو) أي: والحال أنه (في
صومعة) بفتح الصاد المهملة بوزن: فوعلة، من صمعت إذا دققت
لأنها دقيقة الرأس.
ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: في صومعته،
بزيادة مثناة فوقية قبل الهاء، وكان في صلاته، قيل: ولم
يكن في الصلاة ممنوعًا في شريعته (قالت: يا جريج) بضم
الجيم وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ثم الجيم (قال)
جريج، ولأبي ذر، والأصيلي: فقال: (اللهم) قد اجتمع حق
إجابة (أمي و) حق إتمام (صلاتي) فوفقني لأفضلهما، ثم
(قالت) ثانيًا: (يا جريج! قال: اللهم) قد اجتمع حق إجابة
(أمي و) حق إتمام (صلاتي) ثم (قالت) في الثالثة: (يا جريج!
قال: اللهم) قد اجتمع حق إجابة (أمي و) حق إتمام (صلاتي)
وعدم إجابتها لها مع ترديد ندائها له يفهم ظاهره أن الكلام
عنده يقطع الصلاة.
ولما لم يجبها في الثالثة، وآثر استمراره في صلاته
ومناجاته على إجابتها، واختار التزام مراعاة حق الله على
حقها (قالت) داعية عليه بلفظ النفي (اللهم لا يموت جريج
حتى ينظر في وجه) بالإفراد، ولأبي ذر: في وجوه (المياميس)
بميمين، الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة بعد كل منهما
مثناة، الثانية ساكنة، جمع: مومسة، بكسر الميم، وهي:
الزانية. وغلط ابن الجوزي إثبات المثناة الأخيرة وصوّب
حذفها. وخرّج على إشباع الكسرة.
وقد كان من كرامة الله تعالى لجريج أن ألهم الله أمه
الاقتصاد في الدعوة، فلم تقل: اللهم
امتحنه، إنما قالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المياميس.
فلم تقتض الدعوة إلاّ كدرًا يسيرًا، بل أعقبت سرورًا
كثيرًا.
(وكانت تأوي إلى صومعته) امرأة (راعية ترعى الغنم) الضأن،
فوقع عليها رجل (فولدت) منه غلامًا (فقيل لها ممن هذا
الولد؟ قالت من جريج) صاحب الصومعة (نزل من صومعته)
وأحبلني هذا الولد.
(قال جريج) لما بلغه ذلك: (أين هذه) المرأة (التي تزعم أن
ولدها لي) ثم (قال) ولابن عساكر: فقال: (يا بابوس) بفتح
الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى مضمومة وبعد الواو الساكنة
سين مهملة بوزن: فاعول، هو الصغير، أو: اسم للرضيع، أو
لذلك الولد بعينه. (من أبوك) أي: خلقت من ماء من؟ فأنطق
الله الغلام آية له، و (قال: راعي الغنم) وسماه: أبًا
مجازًا أو: يكون في شرعهم أنه يلحقه.
واعلم: أنه لا تعارض عند جريج حق الصلاة، وحق الصلاة لأمه،
رجح حق الصلاة، وهو الحق، لكن
(2/354)
حق الصلة المرجوح لم يذهب هدرًا. ولذا
أجيبت فيه الدعوة اعتبارًا لكونه ترك الصلة، وحسنت عاقبته
وظهرت كرامته اعتبارًا بحق الصلاة. ولم يكن ذلك تناقضًا،
بل هو من جنس قوله عليه الصلاة والسلام "واحتجبي منه يا
سودة" اعتبارًا للشبه الرجوح.
وقول ابن بطال: إن سبب دعائها عليه لإباحة الكلام إذ ذاك،
معارض بقول جريج المشهود له بالكرامة: أمي وصلاتي، إذ
ظاهره عدم إباحته كما مر، وهو مصيب في ذلك ولا يقال: إن
كان جريج مصيبًا في نظره، وأوخذ بإجابة الدعوة فيه لزم
التكليف بما لا يطاق، لأن الحق أن المؤاخذة هنا ليست
عقوبة، وإنما هي تنبيه على عظم حق الأم، وإن كان مرجوحًا،
قال ابن المنير، فيما نقله في المصابيح.
ورواة هذا الحديث ما بين: مصري ومدني، وفيه: التحديث بصيغة
الإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في باب
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]. وفي: ذكر
بني إسرائيل، ومسلم في باب: بر الوالدين.
8 - باب مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلاَةِ
(باب مسح الحصى) أو التراب أو غيرهما مما يصلّى عليه،
ولأبي ذر، مما صح عند اليونيني: الحصاة (في الصلاة).
1207 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قال حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ
حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي
التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ: إِنْ كُنْتَ فَاعِلاً
فَوَاحِدَةً".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
شيبان) بفتح المعجمة، ابن عبد الرحمن (عن يحيى) بن أبي
كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثني)
بالإفراد (معيقيب) بضم الميم وفتح المهملة وسكون المثناة
التحتية وكسر القاف بعدها مثناة تحتانية ساكنة ثم موحدة،
ابن أبي فاطمة الدوسي المدني، رضي الله عنه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال في)
شأن (الرجل) حال كونه (يسوي التراب، حيث) أي: في المكان
الذي (يسجد) فيه (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إن كنت فاعلاً) أي: مسويًا التراب (فواحدة) بالنصب،
بتقدير فامسح واحدة. أو: الفعل
واحدة، أو: فليكن واحدة، أو: بالرفع مبتدأ وحذف خبره أي:
فواحدة تكفيك، أو: خبر مبتدأ محذوف أي: المشروع فعلة واحدة
أي: لئلا يلزم العمل الكثير المبطل، أو عدم المحافظة على
الخشوع، أو لئلا يجعل بينه وبين الرحمة التي تواجهه
حائلاً. وأبيح له المرة لئلا يتأذى به في سجوده.
وفي حديث أبي ذر، عند أصحاب السنن مرفوعًا: "إذا قام أحدكم
إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى" وقوله: إذا
قام، أراد به الدخول في الصلاة ليوافق حديث الباب، فلا
يكون منهيًا عن المسح قبل الدخول فيها، بل الأولى أن يفعل
ذلك حتى لا يشتغل باله وهو في الصلاة به، والتعبير بالرجل،
خرج مخرج الغالب وإلاّ فالحكم جار في جميع المكلفين.
وحكاية النووي الاتفاق على كراهة مسح الحصى وغيره في
الصلاة، معارضة بما في المعالم للخطابي عن مالك، أنه لم في
به بأسًا، وكان يفعله، ولعله لم يبلغه الخبر.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: كوفي وبصري ومدني، وفيه
التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة. وليس لمعيقيب في هذا
الكتاب غير هذا الحديث، وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو
داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
9 - باب بَسْطِ الثَّوْبِ فِي الصَّلاَةِ لِلسُّجُودِ
(باب) جواز (بسط الثوب) على الأرض (في الصلاة للسجود)
عليه، لأنه عمل يسير.
1208 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا
غَالِبٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ
يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ
فَسَجَدَ عَلَيْهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر)
بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن المفضل بالضاد المعجمة
المشددة المفتوحة، قال: (حدّثنا غالب) بالمعجمة وكسر
اللام، ولأبي ذر: غالب القطان (عن بكر بن عبد الله) بفتح
الموحدة وإسكان الكاف المزني البصري (عن أنس بن مالك، رضي
الله عنه، قال):
(كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض)
من شدة الحر (بسط ثوبه) المنفصل عنه أو المتصل به، غير
المتحرك بحركته عمدًا (فسجد عليه).
وإنما لم تبطل الصلاة بذلك، مع أنه من غير جنسها لقلته. إذ
كل عمل قليل: كالخطوتين أو الضربتين غير مبطل، بخلاف
الكثير. كالثلاث المتواليات.
نعم، يستثنى من القليل الأكل، فتبطل به لإشعاره بالإعراض
عنها، إلا أن يكون ناسيًا أو جاهلاً تحريمه، فلا تبطل به.
وأما الكثير فتبطل به مع النسيان أو جهل التحريم في الأصح.
وقد
(2/355)
سبق الحديث في باب: السجود على الثوب في
شدة الحر في أوائل كتاب الصلاة.
10 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْعَمَلِ فِي الصَّلاَةِ
(باب ما يجوز من العمل في الصلاة) غير ما تقدم.
1209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كُنْتُ
أَمُدُّ رِجْلِي فِي قِبْلَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ
غَمَزَنِي فَرَفَعْتُهَا، فَإِذَا قَامَ مَدَدْتُهَا".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي
الحارثي قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة، ابن أنس الأصبحي
(عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية المدني (عن أبي سلمة) بن
عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عائشة رضي الله عنها
قالت):
(كنت أمدّ رجلي) بكسر اللام (في قبلة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يصلّي، فإذا سجد غمزني)
يحتمل أن يكون من غير مماسة، بل بحائل من ثوب ونحوه
(فرفعتها، فإذا قام مددتها) ولأبي الوقت، والأصيلي، عن
الكشميهني: أمد رجلي، ورفعتهما، ومددتهما بالتثنية في
الثلاثة.
ومطابقة الترجمة للحديث من حيث أن الغمز عمل يسير لا تبطل
به الصلاة.
1210 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً
قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَىَّ
يَقْطَعَ الصَّلاَةَ عَلَىَّ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ
مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ
إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ،
فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -
{رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ
بَعْدِي} فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا". ثُمَّ قَالَ
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ فَذَعَتُّهُ بِالذَّالِ أَيْ
خَنَقْتُهُ. وَفَدَعَّتُّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ {يَوْمَ
يُدَعُّونَ} أَىْ يُدْفَعُونَ. وَالصَّوَابُ فَدَعَتُّهُ،
إِلاَّ أَنَّهُ كَذَا قَالَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ
وَالتَّاءِ.
وبه قال: (حدّثنا محمود) هو: ابن غيلان، قال: (حدّثنا
شبابة) بمعجمة وموحدتين، الأولى
مخففة بينهما ألف، ابن سوار المدائني الخراساني الأصل،
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) بكسر
الزاي وتخفيف المثناة التحتية، الجمحي، أبي الحرث المدني،
نزيل البصرة (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صلّى صلاة قال) ولأبوي
ذر، والوقت، فقال:
(إن الشيطان عرض لي) في صفة هرّ.
وفي رواية شعبة السابقة، من وجه آخر في باب: ربط الغريم في
المسجد، إن عفريتًا من الجن تفلت علّي، فظاهره أن المراد
بالشيطان في هذه الراوية غير إبليس كبير الشياطين.
(فشد) بالشين المعجمة أي: حمل (عليّ) حال كونه (يقطع
الصلاة علّي) ولغير الحموي، والمستملي: ليقطع بلام
التعليل.
فإن قلت: قد ثبت أن الشيطان يفر من ظل عمر، وأنه يسلك في
غير فجه، ففراره من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أولى، فكيف شدّ عليه، عليه الصلاة والسلام،
وأراد قطع صلاته، عليه الصلاة والسلام.
أجيب: بأنه ليس المراد حقيقة الفرار، بل بيان قوة عمر، رضي
الله عنه، وصلابته على قهر الشيطان. وقد وقع التصريح بأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قهره وطرده ما قال.
(فأمكنني الله منه) لكونه شخصًا في صورة يمكن أخذه معها،
وهي صورة الهر، (فذعته) بالذال المعجمة والعين المهملة
المفتوحتين والمثناة الفوقية المشددة، فعل ماض للمتكلم
وحده، والفاء عاطفة أي: غمزته غمزًا شديدًا. وعند ابن أبي
شيبة: بالدال المهملة، أي: دفعته دفعًا شديدًا (ولقد هممت
أن أوثقه) أي: قصدت ربطه (إلى سارية) من سواري المسجد (حتى
تصبحوا فتنظروا إليه) وللحموي والمستملي: أو تنظروا إليه،
بالشك (فذكرت قول) أخي (سليمان عليه السلام {رَبِّ اغْفِرْ
لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ
بَعْدِي} [ص: 35] (فرده الله) حال كونه (خاسئًا) مطرودًا
مبعدًا متحيرًا.
زاد في رواية كريمة عن الكشميهني هنا: (ثم قال النضر بن
شميل: فذعته، بالذال) المعجمة وتخفيفها (أي: خنقته و) أما
(فدعته) بالدال والعين المشددة المهملتين مع تشديد المثناة
فـ (من قول الله تعالى {يَوْمَ يُدَعُّونَ) إِلَى نَارِ
جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13]. (أي يدفعون والصواب فدعته)
بالمهملة وتخفيف العين (إلا أنه) يعني شعبة (كذا قال
بتشديد العين والتاء).
وهذه الزيادة ساقطة عند أبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن
عساكر.
ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: فدعته على معنى: دفعته من
حيث كونه عملاً يسيرًا.
واستنبط منه: أن العمل اليسير غير مبطل للصلاة كما مر.
11 - باب إِذَا انْفَلَتَتِ الدَّابَّةُ فِي الصَّلاَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنْ أُخِذَ ثَوْبُهُ يَتْبَعُ
السَّارِقَ وَيَدَعُ الصَّلاَةَ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا انفلتت الدابة) وصاحبها (في
الصلاة) ماذا يفعل؟ (وقال قتادة) مما وصله عبد الرزاق عن
عمر عنه بمعناه: (إن أخذ ثوبه) بضم الهمزة أي: المصلي
(يتبع السارق ويدع الصلاة) أي: يتركها. والعين مضمومة أو
مكسورة.
وزاد عبد الرزاق: فيرى صبيًّا على بئر فيتخوف أن يسقط
فيها، قال: ينصرف له أي: وجوبًا.
ومذهب الشافعية: أن من أخذ ماله ظلمًا وهو في الصلاة يصلّي
صلاة شدة الخوف. وكذا في كل مباح: كهرب من حريق وسيل، وسبع
لا معدل عنه، وغريم له عند إعساره وخوف حبسه بأن لم يصدقه
غريمه، وهو المدائن في إعساره، وهو عاجز عن بينة الإعسار.
1211 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
حَدَّثَنَا الأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: "كُنَّا
بِالأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ، فَبَيْنَا أَنَا
عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، وَإِذَا
لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ
تُنَازِعُهُ، وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا -قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ
أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ- فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ
الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا
الشَّيْخِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ قَالَ: إِنِّي
سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّ
غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَثَمَانَ، وَشَهِدْتُ
تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي أَنْ كُنْتُ أَنْ أُرَاجِعَ مَعَ
دَابَّتِي أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ
إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقَّ عَلَىَّ". [الحديث 1211 -
طرفه في: 6127].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن
(2/356)
أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج
(قال: حدّثنا الأزرق بن قيس) بفتح الهمزة وسكون الزاي،
الحارثي البصري (قال):
(كنا بالأهواز) بفتح الهمزة وسكون الهاء وبالزاي، سبع كور
بين البصرة وفارس، لكل كورة منها اسم، ويجمعها: الأهواز.
ولا ينفرد واحد منها بهوز، قاله صاحب العين، وغيره. (نقاتل
الحرورية) بمهملات، أي: الخوارج لأنهم اجتمعوا بحروراء،
قرية من قرى الكوفة وبها كان التحكيم، وكان الذي يقاتلهم
إذ ذاك هو المهلب بن أبي صفرة. كما في رواية عمرو بن
مرزوق، عن شعبة، عند الإسماعيلي (فبينا أنا) مبتدأ خبره
(على جرف نهر) بضم الجيم والراء بعدها فاء، وقد تسكن
الراء. مكان أكله السيل، وللكشميهني: حرف نهر، بالحاء
المهملة المفتوحة وسكون الراء، أي: جانبه، واسم النهر:
دجيل، بالجيم مصغرًا (إذا رجل) وللمستملي، والحموي، وعزاها
العيني كابن حجر للكشميهني، بدل المستملي: إذ جاء رجل
(يصلّي) العصر (وإذا لجام دابته) فرسه (بيده، فجعلت الدابة
تنازعه، وجعل يتبعها).
قد أجمعوا على أن المشي الكثير المتوالي في الصلاة
المكتوبة يبطلها، فيحمل حديث أبي برزة على القليل، وفي
رواية عمرو بن مرزوق ما يؤيد ذلك فإنه قال: فأخذها، ثم رجع
القهقرى. فإن في رجوعه القهقرى ما يشعر بأن مشيه إلى قصدها
ما كان كثيرًا، فهو عمل يسير، ومشي قليل، ليس فيه استدبار
القبلة؛ فلا يضر.
(قال شعبة) بن الحجاج (هو) أي: الرجل المصلي المتنازع (أبو
برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) نزيل البصرة (فجعل رجل)
مجهول (من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ) يدعو عليه
ويسبه، وفي رواية حماد: انظروا إلى هذا الشيخ، ترك صلاته
من أجل فرس.
وزاد عمرو بن مرزوق في آخره قال: فقلت للرجل: ما أرى الله
إلا مخزيك، شتمت رجلاً من
أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما
انصرف الشيخ) أبو برزة من صلاته (قال إني سمعت قولكم) الذي
قلتموه آنفًا، (وإني غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ست غزوات، أو سبع غزوات، أو ثمان)
بغير ياء ولا تنوين، وللحموي والمستملي: ثماني، بياء
مفتوحة من غير تنوين.
وخرجه ابن مالك في شرح التسهيل على أن الأصل ثماني غزوات،
فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله وحسن الحذف دلالة
المتقدم، أو أن الإضافة غير مقصودة، وترك تنوينه لمشابهة
جواري لفظًا وهو ظاهر معنى لدلالته على جمع، أو يكون في
اللفظ ثمانيًا بالنصب والتنوين، إلا أنه كتب على اللغة
الربيعية، فإنهم يقفون على المنون المنصوب بالسكون، فلا
يحتاج الكاتب على لغتهم إلى ألف. اهـ.
وتعقب الأخير في المصابيح: بأن التخريج إنما هو لقوله؛
ثماني، بلا تنوين. وقد صرح هو بذلك في التوضيح، فلا وجه
حينئذ للوجه الثالث، وللكشميهني: أو ثمانيًا.
وفي رواية عمرو بن مرزوق الجزم بسبع غزوات من غير شك.
(وشهدت تيسيره) أي: تسهيله على أمته في الصلاة وغيرها،
وأشار به إلى الرد على من شدد عليه في أن يترك دابته تذهب،
ولا يقطع صلاته، ولا يجوز أن يفعله أبو برزة من رأيه دون
أن يشاهده من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(وإني) بكسر الهمزة وتشديد النون والياء اسمها (إن كنت)
بكسر الهمزة، شرطية، والتاء اسم كان (أن أراجع) بضم الهمزة
وفتح الراء ثم ألف، وللحموي، والمستملي، والأصيلي، وابن
عساكر: أرجع، بفتح الهمزة وسكون الراء (مع دابتي) وأن بفتح
الهمزة مصدرّية بتقدير لام العلة قبلها، أي: إن كنت لأن
أراجع، وخبر كان (أحب إليَّ من أن أدعها) أي: أتركها (ترجع
إلى مألفها) بفتح اللام الذي ألفته واعتادته.
وهذه الجملة الشرطية سدت مسد خبر إن في إني، وفي بعض
الأصول بفتح همزة أن كنت، على المصدرية، ولام العلة
محذوفة، والضمير المرفوع في: كنت، اسمها، وأن أرجع، بفتح
الهمزة بتأويل مصدر مرفوع بالابتداء خبره: أحب إليَّ،
والجملة اسمية خبر كان. وعلى هذا فخبر إن في إني، محذوف
لدلالة الحال عليه، أي: وإني إن فعلت ما رأيتموه من اتباع
الفرس لأجل كون رجوعها أحب إليّ من تركها. (فيشق عليّ)
بنصب
(2/357)
القاف عطفًا على المنصوب في قوله: أحب
إليَّ من أن أدعها، وبالرفع على معنى: فذلك يشق عليَّ، لأن
منزله كان بعيدًا، فلو تركها وصلّى، لم يأت أهله اٍلى
الليل، لبعد المسافة.
1212 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-
"خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ
رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ
اسْتَفْتَحَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى
قَضَاهَا وَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ،
ثُمَّ
قَالَ: "إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ.
لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَىْءٍ
وُعِدْتُهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ
قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ
أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ
بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ،
وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَىٍّ وَهُوَ الَّذِي
سَيَّبَ السَّوَائِبَ".
وبه قال (حدّثنا محمد بن مقاتل) بضم الميم وكسر المثناة
الفوقية، المجاور بمكة، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري عن
عروة) بن الزبير (قال: قالت عائشة رضي الله عنها):
(خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (فقام النبي) ولأبي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر: فقام رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقرأ سورة طويلة، ثم ركع
فأطال) الركوع (ثم رفع رأسه) من الركوع (ثم استفتح بسورة)
بباء الجر، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: سورة (أخرى، ثم
ركع حتى) وللكشميهني، والأصيلي، وابن عساكر: حين (قضاها)
أي: فرغ من الركعة (وسجد، ثم فعل ذلك) المذكور من القيامين
والركوعين (في) الركعة (الثانية، ثم قال):
(إنهما) أي: الشمس والقمر (آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم
ذلك) أي: الخسوف الذي دل عليه، قوله: خسفت (فصلوا حتى يفرج
عنكم) بضم المثناة التحتية والجيم، مبنيًّا للمفعول من:
الإفراج (لقد رأيت في مقامي هذا) بفتح الميم (كل شيء
وعدته) بضم الواو وكسر العين، مبنيًّا للمفعول جملة في محل
خفض صفة لشيء (حتى لقد رأيت) وللكشميهني، والحموي: رأيته،
بإثبات الضمير، ولمسلم: لقد رأيتني.
قال ابن حجر: وهو أوجه، وقال الزركشي: قيل وهو الصواب،
وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم انحصار الصواب فيه، بل
الأول صواب أيضًا وعليه فالضمير المنصوب محذوف لدلالة ما
تقدم عليه. والمعنى: أبصرت ما أبصرت حال كوني: (أريد أن
آخذ قطفًا) بكسر القاف، ما يقطف، أي: يقطع ويجتنى، كالذبح،
بمعنى: المذبوح. والمراد به: عنقود من العنب، أي: أريد
أخذه (من الجنة حين رأيتموني جعلت) أي: طلّقت (أتقدم. ولقد
رأيت جهنم يحطم) بكسر الطاء (بعضها بعضًا، حين رأيتموني
تأخرت).
لم يقل: جعلت أتأخر، كما قال: جعلت أتقدم. لأن التقدم كاد
أن يقع بخلاف التأخر فإنه وقع. قاله الكرماني.
واعترضه الحافظ أبو الفضل: بأنه وقع التصريح بوقوع التقدم
والتأخر جميعًا في حديث جابر عند مسلم.
وأجاب العيني: بأنه لا يرد على الكرماني ما قاله، لأن جعلت
في قوله هنا بمعنى: طفقت،
الذي وضع للدلالة على الشروع، وقد بنى الكرماني السؤال
والجواب عليه، وأيضًا، لا يلزم أن يكون حديث عائشة مثل
حديث جابر من كل الوجوه، وإن كان الأصل متحدًا.
(ورأيت فيها) أي جهنم (عمرو بن لحي) بفتح العين وسكون
الميم، وبضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة
التحتية، مصغرًا (وهو الذي سيب) أي: سمى النوق التي تسمى
(السوائب) جمع سائبة وهي ناقة لا تركب ولا تحبس عن كلأ
وماء لنذر صاحبها إن حصل ما أراد من شفاء المريض أو غيره
أنها سائبة.
فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة بين الترجمة والحديث.
أجيب: من التقدم والتأخر المذكورين، وحملا على اليسير دون
الكثير المبطل. فافهم. وسبق الحديث في باب الكسوف.
12 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخِ فِي
الصَّلاَةِ وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو:
نَفَخَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ
(باب ما يجوز من البصاق) بالصاد، ويجوز إبدالها زايًا (و)
ما يجوز من (النفخ في الصلاة).
(ويذكر) بضم المثناة التحتية، وفتح الكاف مما وصله أحمد،
وصححه ابنا خزيمة وحبان من حديث عطاء بن السائب عن أبيه
(عن عبد الله بن عمرو) أي: ابن العاصي، في حديث قال فيه
(نفخ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سجوده
في كسوف) ولابن عساكر في الكسوف.
وهو محمول على أنه لم يظهر فيه حرفان، فلو ظهرا أفهما أو
لم يفهما، بطلت الصلاة إن كان عامدًا عالمًا بالتحريم:
وعورض بما ثبت في حديث ابن عمرو، عند أبي داود، فإن فيه:
ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف. فصرح بظهور الحرفين.
وهذه الزيادة من رواية حماد بن سلمة عن عطاء، وقد سمع منه
قبل الاختلاط في قول يحيى بن معين وأبي داود والطحاوي
وغيرهم.
وأجاب الخطابي: بأن أف لا تكون كلامًا حتى تشدّد الفاء،
قال: والنافخ في نفخه
(2/358)
لا يخرج الفاء صادقة من مخرجها، وتعقبه ابن
الصلاح بأنه لا يستقيم على قول الشافعية: إن الحرفين كلام
مبطل أفهما أو لم يفهما. وعبر المصنف بلفظ: يذكر المقتضى
للتمريض، لأن عطاء بن السائب مختلف في الاحتجاج به، وقد
اختلط في آخر عمره.
لكن أورده ابن خزيمة من رواية سفيان الثوري عنه، وهو ممن
سمع منه قبل اختلاطه، وأبوه وثقه العجلي، وابن حبان وليس
هو من شرطه.
1213 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ
الْمَسْجِدِ، فَتَغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قِبَلَ أَحَدِكُمْ، فَإِذَا كَانَ
فِي صَلاَتِهِ فَلاَ يَبْزُقَنَّ -أَوْ قَالَ- لاَ
يَتَنَخَّمَنَّ -ثُمَّ نَزَلَ فَحَتَّهَا بِيَدِهِ".
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "إِذَا بَزَقَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَبْزُقْ عَلَى يَسَارِهِ".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي، بمعجمة
ثم مهملة، البصري قال: (حدّثنا حماد) بن زيد بن درهم
الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن
عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما):
(أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رأى
نخامة في) جدار (قبلة المسجد) النبوي المدني (فتغيظ على
أهل المسجد، وقال):
(إن الله) أي: القصد منه تعالى، أو: ثوابه عز وجل، أو:
عظمته تعالى (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي: مواجهة
(أحدكم، فإذا) ولأبوي: ذر، والوقت، وابن عساكر والأصيلي:
إذا (كان في صلاته فلا يبزقن) بضم الزاي ونون التوكيد
الثقيلة (-أو قال: لا يتنخمن-) بالميم بعد الخاء، من
النخامة، بضم النون. لما يخرج من الصدر، وفي رواية
الأربعة: فلا يتنخعن، بالعين وهو بمعنى الميم، وقيل:
بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس (ثم نزل فحتها).
بالمثناة الفوقية، وللكشميهني: فحكها، بالكاف، أي:
اللنخامة (بيده).
سبق في رواية باب: حك المخاط بالحصى، فتناول حصاة فحكها.
(وقال ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما).
(إذا بزق أحدكم فليبزق) بالزاي، فيهما (على) وللكشميهني:
عن (يساره)، لا عن يمينه.
وهذا الموقوف، قد روي مرفوعًا من حديث أنس.
1214 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ
أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ
فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ
يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ
تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى».
وبه قال (حدّثنا محمد) هو: ابن بشار بالموحدة والمعجمة
المشددة، العبدي. بالموحدة، البصري قال: (حدثنا غندر) بضم
الغين المعجمة، محمد بن جعفر البصري، قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج بن الورد العتكي الواسطي، ثم البصري (قال: سمعت
قتادة) بن دعامة (عن أنس) زاد أبوا: ذر، والوقت، والأصيلي:
ابن مالك (رضي الله عنه، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا كان) المؤمن (في الصلاة) ولأبوي: ذر، والوقت: إذا قام
أحدكم في الصلاة (فإنه) أي: المصلي (يناجي ربه) من جهة
مساررته بالقرآن، والذكر. والبارئ، سبحانه وتعالى، يناجيه
من جهة لازم ذلك، وهو إرادة الخير، فهو من باب المجاز. فإن
القرينة صارفة له عن إرادة الحقيقة، إذ لا كلام محسوس، إلا
من جهة العبد (فلا يبزقن) المصلي (بين يديه) في جهة القبلة
المعظمة (ولا عن يمينه) فإن عليه كاتب الحسنات (ولكن) يبزق
(عن شماله، تحت قدمه اليسرى)، أي: في غير المسجد، أما فيه:
فلا يبزقن إلا في ثوبه.
وهذا محمول على عدم النطق فيه بحرفين، كما في النفخ، أو
التنخم، أو البكاء، أو الضحك، أو الأنين، أو التأوّه، أو
التنحنح.
وكره مالك النفخ فيها، وقال: لا يقطعها كما يقطعها الكلام،
وهو قول أبي يوسف، وأشهب، وأحمد، وإسحاق.
وفي المدونة النفخ بمنزلة الكلام، فيقطعها.
وعن أبي حنيفة ومحمد، إن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام،
وإلاّ فلا.
وقال الحنفية: إن كان البكاء من خشية الله، لا تبطل به
الصلاة مطلقًا.
13 - باب مَنْ صَفَّقَ جَاهِلاً مِنَ الرِّجَالِ فِي
صَلاَتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ فِيهِ سَهْلُ بْنُ
سَعْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب) حكم (من صفق) حال كونه (جاهلاً من الرجال) لتنبيه
إمام أو غيره (في صلاته، لم تفسد صلاته) لأنه عليه الصلاة
والسلام لم يأمر الناس بإعادة الصلاة لما فعلوه فيها في
قصة إمامة الصديق.
وقيد بالجاهل ليخرج العامد وبالرجال ليخرج النساء.
(فيه) أي: فيما ترجم له (سهل بن سعد، رضي الله عنه) وسقط
عند الأصيلي: سهل بن سعد (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حيث قال، لما أخذ الناس في التصفيح
لتنبيه الصديق على مكانه، عليه الصلاة والسلام: التسبيح
للرجال والتصفيق للنساء، كما مر. ولم يأمرهم بالإعادة
لجهلهم بالحكم.
14 - باب إِذَا قِيلَ لِلْمُصَلِّي: تَقَدَّمْ أَوِ
انْتَظِرْ فَانْتَظَرَ -فَلاَ بَأْسَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا قيل للمصلي: تقدم أو انتظر،
فانتظر، فلا بأس).
1215 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ
عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ،
فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ: لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى
يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة، العبدي البصري،
قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة
والزاي، سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بإسكان الهاء
والعين
(2/359)
الساعدي (رضي الله عنه، قال):
(كان الناس يصلون مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وهم عاقدو) بالواو ولأبي الوقت: عاقدي، أي:
وهم كانوا عاقدي (أزرهم) بضمتين، جمع إزار، وهو: الملحفة.
وفي الفرع أزرهم، بسكون الزاي (من الصغر) أي: من صغر أزرهم
(على رقابهم) فكان أحدكم يعقد إزاره على رقبته، وكان هذا
في أول الإسلام حين قلة ذات اليد (فقيل للنساء)، إذ كن
متأخرات عن صف الرجال قبل أن يدخلن في الصلاة، ليدخلن فيها
على علم، أو وهن فيها، كما يقتضيه التعبير بفاء العطف في
قوله: فقيل للنساء: (لا ترفعن رؤوسكن) من السجود (حتى
يستوي الرجال) حال كونهم (جلوسًا) لما عرف من ضيق أزر
الرجال، لئلا تقع أعينهن على عوراتهم.
واستنبط منه التنبيه على جواز إصغاء المصلي في الصلاة إلى
الخطاب الخفيف وتفهمه، وهو مبني على أنه: قيل لهن ذلك داخل
الصلاة، لكن جزم الإسماعيلي بأنه خارجها. وحينئذ فلا معنى
لقول المؤلّف في الترجمة للمصلي، ولا وجه لجزمه.
بل، الأمر محتمل لأن يكون القول خارج الصلاة وداخلها،
ويكون القائل في غير الصلاة، فلا يتعين أحد الاحتمالين إلا
بدليل.
نعم، مقتضى التعبير بالفاء في قوله: فقيل للنساء، يعين
وقوعه وهن داخلها، كما مر. لكن وقع عند المؤلّف في باب:
إذا كان الثوب ضيقًا، بدون التعبير بالفاء، ولفظه: وقال،
وفسر القائل به: عليه الصلاة والسلام، وللكشميهني: ويقال،
وهو أعم من أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أو غيره.
15 - باب لاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ فِي الصَّلاَةِ
هذا (باب) بالتنوين (لاّ يرد) المصلي (السلام) باللفظ على
المسلم (في الصلاة) لأنه خطاب آدمي.
1216 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قال
حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
"كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ
عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ
يَرُدَّ عَلَىَّ وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) الكوفي الحافظ،
أخو عثمان (قال: حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد
المعجمة، محمد، واسم جده: غزوان (عن الأعمش) سليمان بن
مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن
عبد الله) بن مسعود، رضي الله عنه (قال):
(كنت أسلم على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وهو في الصلاة فيرد عليّ) السلام (فلما رجعنا)
من عند النجاشي، ملك الحبشة إلى المدينة (سلمت عليه) وهو
في الصلاة (فلم يرد عليّ) السلام باللفظ (وقال) عليه
الصلاة والسلام لما فرغ من الصلاة وللمستملي: قال:
(إن في الصلاة شغلاً) لا يمكن معه الاشتغال بغيرها،
وللكشميهني، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: لشغلاً،
بزيادة لام التأكيد.
1217 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ
لَهُ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا،
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ،
فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَقُلْتُ
فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ عَلَىَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ
عَلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ
عَلَىَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ الْمَرَّةِ
الأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَىَّ
فَقَالَ: إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي
كُنْتُ أُصَلِّي. وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا
إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين،
بينهما، عبد الله بن عمرو التميمي المقعد المنقري، بكسر
الميم وسكون النون وفتح القاف (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن
سعيد التنوري، بفتح المثناة وتشديد النون، البصري، قال:
(حدّثنا كثير بن شنظير) بكسر المعجمة وسكون النون بعدها
ظاء معجمة مكسورة، وهو لغة السيئ الخلق، علم عليه (عن عطاء
بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة آخره مهملة (عن جابر بن
عبد الله عنهما، قال):
(بعثني رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
في حاجة له) في غزوة بني المصطلق: (فانطلقت، ثم رجعت وقد
قضيتها، فأتيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فسلمت عليه، فلم يرد عليّ) السلام باللفظ
(فوقع في قلبي) سقط من الحزن (ما الله أعلم به) مما لا
أقدر قدره، ولا يدخل تحت العبارة، و: ما، فاعل بقوله: وقع،
والجلالة الشريفة، مبتدأ أو خبره التالي (ففلت في نفسي:
لعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجد)
بفتح الواو والجيم، أي: غضب (علي أني) وللكشميهني: أن
(أبطأت عليه، ثم سلمت عليه، فلم يرد علي) السلام باللفظ
(فوقع في قلبي) من الحزن (أشد من) الذي وقع فيه في (المرة
الأولى).
في رواية مسلم، من طريق الزبير عن جابر: فقال لي بيده
هكذا.
وفي رواية أخرى: فأشار إلي. فيحمل قوله في رواية البخاري،
فلم يرد علي، أي باللفظ،
كما مر. وكأن جابرًا لم يعرف أولاً أن المراد بالإشارة
الرد عليه، فلذلك قال: فوقع في قلبي ما الله أعلم به.
(ثم سلمت عليه فرد علي) السلام بعد أن فرغ من صلاته باللفظ
(فقال) في رواية: وقال: (إنما منعني أن أرد عليك) السلام
إلا (أني كنت أصلي).
(وكان) عليه الصلاة السلام يصلّي نفلاً وهو راكب
(2/360)
(على راحلته) حال كونه (متوجهًا إلى غير
القبلة) مستقبلاً صوب سفره.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه مسلم في: الصلاة.
16 - باب رَفْعِ الأَيْدِي فِي الصَّلاَةِ لأَمْرٍ
يَنْزِلُ بِهِ
(باب رفع الأيد في الصلاة لأمر ينزل به) أي: بالمصلي.
1218 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: "بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَىْءٌ، فَخَرَجَ
يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،
فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ بِلاَلٌ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ،
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتِ الصَّلاَةُ، فَهَلْ
لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ.
فَأَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ
-رضي الله عنه- فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي فِي
الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ،
فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ -قَالَ سَهْلٌ:
التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ- قَالَ وَكَانَ أَبُو
بَكْرٍ -رضي الله عنه- لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ،
فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَشَارَ
إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو
بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ. ثُمَّ
رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ،
وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَصَلَّى لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ
عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا
لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَىْءٌ فِي الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ
بِالتَّصْفِيحِ، إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ. مَنْ
نَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ
اللَّهِ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله
عنه- فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ
تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ
يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل، بفتح الجيم،
الثقفي البغلاني، بفتح الموحدة وإسكان المعجمة، قال:
(حدّثنا عبد العزيز) بن أبي حازم سلمة (عن أبي حازم) سلمة
بن دينار المدني الأعرج (عن سهل بن سعد) بإسكان الهاء
والعين، ابن مالك بن خالد الأنصاري الساعدي (رضي الله عنه،
قال):
(بلغ رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن
بني عمرو بن عوف) بسكون الميم (بقباء كان بينهم شيء) من
خصومة، (فخرج) عليه الصلاة والسلام (يصلح بينهم في أناس من
أصحابه، فحبس) بضم الحاء أي: تعوّق هناك (رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحانت الصلاة) أي:
حضرت، والواو للحال (فجاء بلال إلى أبي بكر، رضي الله
عنهما، فقال: يا أبا بكر! إن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك)
رغبة في (أن تؤم الناس؟ قال) أبو بكر: (نعم) أؤمهم (إن
شئت) أي: يا بلال، وللحموي: إن شئتم.
(فأقام بلال الصلاة) لأن المؤذن هو الذي يقيم الصلاة، كما
أنه هو الذي يقدّم للصلاة لأنه خادم الإمامة (وتقدم أبو
بكر، رضي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكبر
للناس) شارعًا في الصلاة، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر:
وكبر الناس (وجاء رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه (يمشي في الصفوف، يشقها شقًّا، حنى
قام في الصف) وللحموي، والمستملي: قام في الصف (فأخذ الناس
في التصفيح) بالحاء.
(قال سهل) في تفسيره: (التصفيح) بالحاء المهملة (هو
التصفيق) بالقاف.
(قال) سهل (وكان أبو بكر، رضي الله عنه، لا يلتفت في
صلاته، فلما أكثر الناس) التصفيح (التفت، فإذا رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأشار إليه يأمره أن
يصلي) بالناس (فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده) بالإفراد،
وللكشميهني: والأصيلي: يديه (فحمد الله) تعالى على ما أنعم
عليه به من تفويض الرسول إليه أمر الإمامة، لما فيه من
مزيد رفعة درجته.
وهذا موضع الترجمة، واستنبط منه: أن رفع اليدين للدعاء
ونحوه، في الصلاة لا يبطلها، ولو كان في غير موضعه، ولذا
أقر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أبا بكر
عليه.
(ثم رجع) أبو بكر (القهقرى وراءه حتى قام في الصف) لما
تأدب الصديق هذا التأدب معه، عليه الصلاة والسلام، أورثه
مقامه، والإمامة بعده، فكان ذلك التأخر إلى خلفه. وقد أومأ
إليه أن أثبت مكانك سعيًا بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى
قدام تنقطع فيها أعناق المطي.
(وتقدم رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فصلّى) بالفاء، ولأبي ذر: وصلّى (للناس، فلما فرغ) من
صلاته (أقبل على الناس) بوجهه الكريم (فقال):
(يا أيها الناس: ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة) ولأبي
ذر، والأصيلي، وابن عساكر: حين نابكم في الصلاة (أخذتم
بالتصفيح، وإنما التصفيح للنساء. من نابه) من الرجال (شيء)
أي: من نزل به أمر من الأمور (في صلاته، فليقل: سبحان
الله).
(ثم التفت) عليه السلام (إلى أبي بكر، رضي الله عنه،
فقال):
(يا أبا بكر! ما منعك أن تصلي للناس حين) ولأبي ذر أن تصلي
حين (أشرت إليك) ولأبي ذر،
عن المستملي، والحموي: حيث أشرت عليك. (قال أبو بكر) رضي
الله عنه: (ما كان ينبغي لابن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف
الحاء المهملة، واسمه عثمان، أسلم يوم الفتح، وتوفي في
الحرم سنة أربع عشرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة، وكانت وفاة
ولده الصديق قبله، فورث منه السدس، فرده على ولد أبي بكر،
وإنما لم يقل الصديق: ما كان لي، أو: ما كان لأبي بكر،
تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته (أن يصلّي بين يدي) أي:
قدام (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
17 - باب الْخَصْرِ فِي الصَّلاَةِ
(باب) حكم (الخصر في الصلاة) بفتح الخاء المعجمة وسكون
الصاد المهملة، من الخاصرة، وهو وضع اليد عليها في
المشهور، أو: من المخصرة، وهي: العصا، أي: يأخذها بيده
يتوكأ، أو: من الاختصار. ضد التطويل، أي: يختصر السورة، أو
يخفف الصلاة، فيحذف الطمأنينة.
1219 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- قَالَ: "نُهِيَ عَنِ الْخَصْرِ فِي الصَّلاَةِ".
وَقَالَ هِشَامٌ وَأَبُو هِلاَلٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1219 - طرفه في: 1220].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان)
(2/361)
محمد بن الفضل السدوسي، قال: (حدّثنا حماد)
أي: ابن زيد (عن أيوب) هو: السختياني (عن محمد) هو: ابن
سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال):
(نهي) بضم النون مبنيًا للمفعول، أي: نهي النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما في رواية هشام الآتية
قريبًا إن شاء الله تعالى.
ووقع في رواية أبي ذر عن الحموي، والمستملي: نهى مبنيًّا
للفاعل، ولم يسمه.
(عن الخصر في الصلاة) لأن إبليس أهبط مختصرًا. رواه ابن
أبي شيبة، أو: أن اليهود تكثر من فعله فنهى عنه كراهة
التشبه بهم، أخرجه المؤلّف في بني إسرائيل أو: لأنه راحة
أهل النار، رواه ابن أبي شيبة.
والنهي محمول على الكراهة عند ابن عمر، وابن عباس وعائشة.
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، ومالك.
وذهب إلى التحريم أهل الظاهر.
(وقال هشام) هو: ابن حسان القردوسي، بضم القاف، مما وصله
المؤلّف هنا (و) قال (أبو هلال) محمد بن سليم الراسبي، مما
وصله الدارقطني في الأفراد، من طريق عمرو بن مرزوق، عنه
(عن ابن سيرين) محمد (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن
النبي) وللأصيلي، وابن عساكر. وأبي الوقت، وفي بعض الأصول
نهى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وبهذا
الطريق صار الحديث مرفوعًا.
1220 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا
يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نُهِيَ أَنْ
يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا".
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عليّ) بسكون الميم، الصيرفي
الفلاس، قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان، قال: (حدّثنا
هشام) القردوسي قال (حدّثنا محمد) هو: ابن سيرين (عن أبي
هريرة رضي الله عنه، قال):
(نهي) بضم النون، مبنيًّا للمفعول، وللكشميهني: نهى النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يصلّي الرجل
مختصرًا) وللكشميهني: مختصرًا، بتشديد الصاد.
18 - باب تَفَكُّرِ الرَّجُلِ الشَّىْءَ فِي الصَّلاَةِ
وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنِّي لأُجَهِّزُ جَيْشِي
وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ
هذا (باب) بالتنوين (يفكر الرجل) وكذا كل مكلف (الشيء) بضم
المثناة التحتية وسكون الفاء وكسر الكاف مخففة، والشيء:
نصب على المفعولية، ولابن عساكر، وأبي ذر: تفكر الرجل،
بفتح المثناة الفوقية والفاء وضم الكاف المشددة، ولابن
عساكر: شيئًا، وللأصيلي: في الشيء (في الصلاة).
(وقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) مما رواه ابن أبي
شيبة بإسناد صحيح عن حفص بن عاصم، عن أبي عثمان النهدي عنه
(إني لأجهز جيشي) لأجل الجهاد (وأنا في الصلاة).
وروى ابن أبي شيبة أيضًا من طريق عروة بن الزبير، قال عمر
رضي الله عنه: إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة.
وروى صالح بن أحمد بن حنبل، في كتاب المسائل، عن أبيه، عن
طريق همام بن الحرث قال: إن عمر، رضي الله عنه، صلّى
المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف، قالوا: يا أمير المؤمنين إنك
لم تقرأ. فقال: إني حدثت نفسي وأنا في الصلاة بعير جهزتها
من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة.
وهذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة لا لكونه كان
مستغرقًا في الفكرة.
1221 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا
رَوْحٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
الْحَارِثِ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى
بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ
الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ:
ذَكَرْتُ -وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ- تِبْرًا عِنْدَنَا
فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ -أَوْ يَبِيتَ- عِنْدَنَا
فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج، قال: (حدّثنا
روح) بفتح الراء بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي
البصري، قال: (حدّثنا عمر) بضم العين (هو: ابن سعيد) بكسر
العين المكي (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد
الله، ومليكة: بضم الميم وفتح اللام مصغرًا (عن عقبة بن
الحارث) بضم العين وسكون القاف (رضي الله عنه، قال):
(صليت مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
العصر، فلما سلم قام سريعًا دخل على بعض نسائه) رضي الله
عنهن (ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته،
فقال):
(ذكرت) أي: تفكّرت (-وأنا في الصلاة- تبرًا عندنا) من تبر
الصدقة، وهو ما كان من الذهب غير مضروب (فكرهت أن يمسي أو)
قال: (يبيت عندنا) خوفًا من حبس صدقة المسلمين (فأمرت
بقسمته).
فإن قلت: ما موضع الترجمة؟
أجيب: من قوله: ذكرت وأنا في الصلاة تبرًا، لأنه تفكّر في
أمر التبر وهو في الصلاة، ولم يعدها.
1222 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُذِّنَ
بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى
لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ
أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ، فَإِذَا سَكَتَ
أَقْبَلَ، فَلاَ يَزَالُ بِالْمَرْءِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ
مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لاَ يَدْرِي كَمْ
صَلَّى». قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ
وَهُوَ قَاعِدٌ، وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) أبوه عبد الله ونسبه إلى
جده لشهرته به، المخزومي، مولاهم، المصري المتوفى سنة إحدى
وثلاثين ومائتين، (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن
جعفر) هو ابن ربيعة المصري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز
(قال: قال) لي (أبو هريرة) في رواية الإسماعيلي: عن أبي
هريرة (رضي الله عنه،
(2/362)
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أذن بالصلاة) بضم الهمزة وكسر الذال (أدبر الشيطان)
حال كونه (له ضراط) حقيقة أو مجازًا عن شغله نفسه بالتصويت
(حتى لا يسمع التأذين، فإذا سكت المؤذن) بعد الفراغ من
التأذين (أقبل) الشيطان (فإذا ثوب) بضم المثلثة وكسر
الواو، أي: أقيمت الصلاة (أدبر) الشيطان (فإذا سكت) بعد
الفراغ من الإقامة (أقبل) الشيطان (فلا يزال بالمرء)
المصلي (يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر حتى لا يدري) وهو في
الصلاة (كم صلى) أثلاثًا أم أربعًا.
(قال أبو سلمة بن عبد الرحمن) مما هو طرف من حديث يأتي في
السهو، وليس هو من رواية جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة (وإذا
فعل أحدكم ذلك) أي: ما ذكر من كونه لا يدري وهو في
صلاته كم صلّى (فليسجد) ندبًا (سجدتين) للتردد في زيادتها
(وهو قاعد) بعد أن يأخذ باليقين ويطرح المشكوك فيه، ويأتي
بالباقي ولا يرجع في فعلها إلى ظنه، ولا إلى قول غيره وإن
كان جميعًا كثيرًا.
(وسمعه أبو سلمة) بن عبد الرحمن (من أبي هريرة رضي الله
عنه):
1223 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ
أَبُو هُرَيْرَةَ. فَلَقِيتُ رَجُلاً فَقُلْتُ: بِمَا
قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لاَ
أَدْرِي. فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورَةَ كَذَا
وَكَذَا".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد المعروف بالزمن
العنزي، بفتح النون والزاي، البصري، قال: (حدّثنا عثمان بن
عمر) بن فارس العبدي (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر،
والأصيلي: أخبرنا (ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن
سعيد المقبري قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه):
(يقول الناس: أكثر أبو هريرة) في الرواية عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلقيت رجلاً) لم يسم (فقلت:
بما) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها، وهو
قليل. ولأبي ذر: بم (قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، البارحة) نصب على الظرفية، أقرب ليلة
مضت (في العتمة) في صلاة العشاء (فقال: لا أدري) ما قرأ.
(فقلت: لم) بغير همزة (تشهدها) شهودًا تامًا وكأنه اشتغل
بغير أمر الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت. (قال) الرجل:
(بلى) شهدتها. قال أبو هريرة: (قلت: لكن أنا أدري، قرأ
سورة كذا وكذا). كأن أبا هريرة شغل فكره بأفعال الصلاة حتى
ضبطها وأتقنها.
ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة والقول، وهو من أفراده. والله أعلم. |