شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
22 - كتاب السهو
(بسم الله الرحمن الرحيم).
1 - باب مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ إِذَا قَامَ مِنْ
رَكْعَتَىِ الْفَرِيضَةِ
(باب ما جاء في) حكم (السهو) الواقع في الصلاة (إذا قام)
المصلي (من ركعتي الفريضة) ولم يجلس عقبهما، وللكشميهني،
والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: من ركعتي الفرض ولفظ:
باب، ساقط في رواية أبي ذر.
1224 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ
بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّى لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ
فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ. فَلَمَّا قَضَى
صَلاَتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ
التَّسْلِيمِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ
سَلَّمَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، وسقط: ابن أنس، لأبي ذر (عن
ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) ولفظ
عبد الرحمن ساقط في رواية الهروي، وأبي الوقت، والأصيلي،
وابن عساكر.
وقال في الفتح: ثابتة في رواية كريمة، ساقطة في رواية
الباقين.
(عن عبد الله ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة
وألف قبل باء: ابن، لأنها اسم أمه أو أم أبيه (رضي الله
عنه أنه قال):
(صلّى لنا) أي: بنا، أو: لأجلنا (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركعتين من بعض الصلوات) في
الرواية
التالية: أنها الظهر (ثم قام) إلى الركعة الثالثة (فلم
يجلس) أي: ترك التشهد مع قعوده المشروع له، المستلزم تركه
ترك التشهد (فقام الناس معه) إلى الثالثة.
زاد الضحاك بن عثمان، عن الأعرج، عند ابن خزيمة: فسبحوا
به، فمضى في صلاته.
واستنبط منه: أن من سها عن التشهد الأول حتى قام إلى
الركعة ثم ذكر لا يرجع. فقد سبحوا به عليه الصلاة والسلام
فلم يرجع لتلبسه بالفرض، فلم يبطله للسنة. فلو عاد عامدًا
عالمًا بتحريمه بطلت صلاته لزيادته قعودًا عمدًا أو ناسيًا
أنه في الصلاة فلا تبطل. ويلزمه القيام عند تذكره أو
جاهلاً تحريمه، فكذا لا تبطل في الأصح. وأنه لو تخلف
المأموم عن انتصابه للتشهد بطلت صلاته إلا أن ينوي
مفارقته، فيعذر.
ولو عاد الإمام قبل قيام المأموم، حرم قعوده معه لوجوب
القيام عليه بانتصاب الإمام، ولو انتصب معه ثم عاد هو لم
تجز متابعته في العود
(2/363)
لأنه إما مخطئ به فلا يوافقه في الخطأ، أو
عامد فصلاته باطلة. بل يفارقه أو ينتظره حملاً على أنه عاد
ناسيًا.
وقيل: لا ينتظر، فلو عاد معه عالمًا بالتحريم بطلت صلاته،
أو ناسيًا أو جاهلاً لم تبطل.
(فلما قضى) عليه الصلاة والسلام (صلاته) فرغ منها. أي: ما
عدا تسليم التحليل بدليل قوله: (ونظرنا) أي: وانتظرنا
(تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين) للسهو ندبًا عند
الجمهور، وفرضًا عند الحنفية (وهو جالس) أي: أنشأ السجود
جالسًا، فالجملة حالية (ثم سلم) بعد ذلك وسلم الناس معه.
قال الزهري: وفعله قبل السلام هو آخر الأمرين من فعله عليه
الصلاة والسلام، ولأنه لمصلحة الصلاة. فكان قبل السلام،
كما لو نسي سجدة منها.
وأجابوا، عن سجوده بعده في خبر اليدين الآتي إن شاء الله
تعالى بحمله على أنه لم يكن عن قصد، وهو يرد على من ذهب
إلى أن جميعه بعد السلام كالحنفية، وفيه: أن سجود السهو،
وإن كثر السهو، سجدتان. فلو اقتصر على واحدة ساهيًا لم
يلزمه شيء أو عامدًا بطلت صلاته لتعمده الإتيان بسجدة
زائدة ليست مشروعة.
لكن جزم القفال في فتاويه: بأنها لا تبطل، وأنه يكبر لهما
كما يكبر في غيرهما من السجود، وأن المأموم يتابع الإمام
ويلحقه سهو إمامه. فإن سجد لزمه متابعته، فإن تركها عمدًا
بطلت صلاته، وإن لم يسجد إمامه فيسجد هو على النص.
1225 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ
بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ مِنِ
اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا.
فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ
سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) القطان (عن عبد الرحمن
الأعرج عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه أنه قال):
(إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام
من اثنتين) أي: من ركعتين (من الظهر لم يجلس بينهما) أي:
بين الاثنتين (فلما قضى صلاته) أي: فرغ منها حقيقة بأن سلم
منها. أو مجازًا، بأن فرغ من التشهد المختوم بالصلاة على
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآله (سجد
سجدتين) للسهو، وسجدهما الناس معه (ثم سلم بعد ذلك) أي:
بعد أن سجد السجدتين من غير تشهد بعدهما كسجود التلاوة.
وذهب الحنفية إلى أنه يتشهد واستدلوا بقوله: فلما قضى
صلاته، ونظرنا تسليمه، أن السلام ليس من الصلاة، حتى لو
أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم تمت صلاته.
2 - باب إِذَا صَلَّى خَمْسًا
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) المصلي الرباعية (خمسًا) أي
خمس ركعات فزاد ركعة.
1226 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ
خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ:
وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ
سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين، ابن عتيبة،
بالمثناة ثم الموحدة مصغرًا، الفقيه الكوفي (عن إبراهيم)
بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود
(رضي الله عنه):
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى
الظهر خمسًا. فقيل له) عليه الصلاة والسلام لما سلم (أزيد
في الصلاة)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري (فقال) عليه
الصلاة والسلام، وللأصيلي: قال (وما ذاك؟) أي: وما سؤالكم
عن الزيادة في الصلاة؟ (قال: صليت خمسًا فسجد) عليه الصلاة
والسلام بعد أن تكلم (سجدتين) للسهو (بعدما سلم) أي: بعد
سلام الصلاة لتعذر السجود قبله، لعدم علمه بالسهو.
ولم يذكر في الحديث هل انتظره الصحابة أو اتبعوه في
الخامسة. والظاهر أنهم اتبعوه لتجويزهم الزيادة في الصلاة،
لأنه كان زمان توقع النسخ. أما غير الزمن النبوي فليس
للمأموم أن يتبع إمامه في الخامسة مع علمه بسهوه، لأن
الأحكام استقرت. فلو تبعه بطلت صلاته لعدم العذر، بخلاف من
سها كسهوه.
واستدلّ الحنفية بالحديث على أن سجود السهو كله بعد
السلام، وظاهر صنيع المصنف، يقتضي التفرقة بين ما إذا كان
السهو بالنقصان أو الزيادة، ففي النقصان: يسجد قبل السلام
كما في
الترجمة السابقة، وفي الزيادة يسجد بعده. وبذلك لما ذكر:
قال مالك، والمزني والشافعي، في القديم، وحمل في الجديد
السجود فيه على أنه تدارك للمتروك قبل السلام سهوًا، لما
في حديث أبي سعيد، عند مسلم الآمر بالسجود قبل السلام من
التعرض للزيادة ولفظه: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم
صلّى، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين
قبل أن يسلم.
وفي قول قديم ثان للشافعي
(2/364)
أيضًا: يتخير إن شاء سجد قبل السلام، وإن
شاء بعده لثبوت الأمرين عنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، كما مر. ورجحه البيهقي.
ونقل الماوردي وغيره، الإجماع على جوازه، وإنما الخلاف في
الأفضل. ولذا أطلق النووي، وتعقب: بأن إمام الحرمين نقل في
النهاية الخلاف في الاجزاء عن المذهب. واستبعد القول
بالجواز.
وذهب أحمد إلى أنه يستعمل كل حديث فيما يرد فيه، وما لم
يرد فيه شيء يسجد قبل السلام.
3 - باب إِذَا سَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ فِي ثَلاَثٍ
فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِثْلَ سُجُودِ الصَّلاَةِ أَوْ
أَطْوَلَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا سلم) المصلي (في ركعتين أو) سلم
(في ثلاث، فيسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول) منه ما
يكون الحكم، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: سجد، بغير فاء،
وهي أوجه. وفي بمعنى: من.
1227 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّى بِنَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ
-أَوِ الْعَصْرَ- فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ذُو
الْيَدَيْنِ: الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهَ أَنَقَصَتْ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَصْحَابِهِ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَجَدَ
سَجْدَتَيْنِ". قَالَ سَعْدٌ "وَرَأَيْتُ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ صَلَّى مِنَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ،
فَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ وَسَجَدَ
سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين (عن أبي سلمة)
بفتح اللام، عبد الله، أو إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال):
(صلّى بنا النبي) وللأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر -أو العصر-) بالشك، وسبق في باب
الإمامة الجزم بأنها الظهر، وكذا مسلم في رواية له. وفي
أخرى له أيضًا الجزم بالعصر.
والشك من أبي هريرة، كما تبين من رواية عون، عن محمد بن
سيرين، عند النسائي، ولفظه:
قال أبو هريرة، رضي الله عنه: صلّى النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إحدى صلاتي العشي. قال أبو هريرة:
لكني نسيت. فبين أبو هريرة أن الشك منه، وهو يعكر على ما
حكاه النووي عن المحققين أنهما قضيتان، بل يجمع بأن أبا
هريرة رواه كثيرًا على الشك، ومرة غلب على ظنه أنها الظهر،
فجزم بها ومرة أنها العصر فجزم بها. وفي قول أبي هريرة:
صلّى بنا تصريح بحضوره ذلك، ويؤيده ما في رواية مسلم وأحمد
وغيرهما، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة في هذا
الحديث، عن أبي هريرة: بينما أنا أصلي مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يرد على الطحاوي
حيث حمل قوله: صلّى بنا على المجاز. وأن المراد: صلّى
بالمسلمين، متمسكًا بما قاله الزهري.
ووهموه فيه، وهو أن القصة لذي الشمالين فقط المستشهد ببدر
قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين، فالصواب أن القصة
لذي اليدين فقط وهو غيره.
قال أبو عمرو: وقول من قال: إن ذا اليدين قتل يوم بدر غير
صحيح، ولسنا ندافعهم أن ذا الشمالين قتل ببدر، فقد ذكر ابن
إسحاق وغيره من أهل السير ذا الشمالين فيمن قتل ببدر، وأنه
خزاعي. وأما ذو اليدين الذي شهد سهو النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمي، واسمه الخرباق.
نعم، روى النسائي ما يدل على أنهما واحد، ولفظه فقال له ذو
الشمالين ابن عمرو أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما يقول ذو اليدين؟
فصرح بأن ذا الشمالين هو ذو اليدين.
لكن نص الشافعي في اختلاف الحديث فيما نقله في الفتح، وأبو
عبد الله الحاكم والبيهقي وغيرهم: أن ذا الشمالين غير ذي
اليدين.
وقال النووي في الخلاصة: إنه قول الحفاظ، وسائر العلماء
إلاّ الزهري، واتفقوا على تغليطه.
وقال أبو عمرو: أما قول الزهري إنه ذو الشمالين فلم يتابع
عليه، وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابًا أوجب
عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته، خاصة ولم يعول عليه
فيه أحد، فليس قوله: إنه المقتول ببدر حجة، فقد تبين غلطه
في ذلك والله أعلم
(فسلم) عليه الصلاة والسلام في الركعتين (فقال ذو اليدين)
الخرباق السلمي: (الصلاة يا رسول الله) بالرفع مبتدأ خبره
(أنقصت) بهمزة الاستفهام وفتح النون، فيكون الفعل لازمًا،
وبضمها متعديًا (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، لأصحابه) الذين صلوا معه، رضي الله عنهم:
(أحق) بالرفع، مبتدأ دخلت عليه همزة الاستفهام، وقوله: (ما
يقول) أي: ذو اليدين؟ سادّ مسد الخبر أو: أحق، خبر، وتاليه
مبتدأ.
(قالوا: نعم) حق ما يقول (فصلّى) عليه الصلاة والسلام
(ركعتين أخريين) بمثناتين تحتيتين بعد الراء، ولأبي الوقت،
وابن عساكر: أخراوين، بألف ثم واو بعد الراء على خلاف
القياس (ثم سجد) عليه الصلاة والسلام (سجدتين) للسهو
كسجدتي الصلاة يجلس مفترشًا بينهما.
ويأتي بذكر السجود للصلاة فيهما، وعن بعضهم أنه يندب له أن
يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو.
قال النووي، كالرافعي:
(2/365)
وهو لائق بالحال.
قال الزركشي: إنما يتم إذا لم يتعمد ما يقتضي السجود، فإن
تعمد فليس بلائق، بل اللائق الاستغفار ثم يتورك ويسلم ولا
يستشهد بعد السجود، وإنما بنى عليه الصلاة والسلام على
الركعتين بعد أن تكلم لأنه كان ساهيًا، لظنه عليه الصلاة
والسلام أنه خارج الصلاة، والكلام سهوًا لا يقطعها، خلافًا
للحنفية. وأما كلام ذي اليدين والصحابة. فلأنهم لم يكونوا
على اليقين من البقاء في الصلاة لتجويزهم نسخ الصلاة من
الأربع إلى الركعتين.
وتعقب بأنهم تكلموا بعد قوله عليه الصلاة والسلام: لم
تقصر، أو: أن كلامهم كان خطابًا له، عليه الصلاة والسلام،
وهو غير مبطل عند قوم، أو: أنهم لم يقع منهم كلام، إنما
أشاروا إليه أي: نعم، كما في سنن أبي وإسناد صحيح بلفظ:
أومأوا!.
وبالإسناد السابق (قال سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم
المذكور، وهو مما أخرجه ابن أبي شيبة عن غندرعن شعبة.
(ورأيت عروة بن الزبير صلّى من المغرب ركعتين، فسلم)
عقبهما (وتكلم) ساهيًا (ثم صلّى ما بقي) منها (وسجد) رضي
الله عنه (سجدتين) للسهو (وقال: هكذا فعل النبي-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
فإن قلت: ليس في حديث الباب إلاّ التسليم في اثنتين، وليس
فيه التسليم في ثلاث، وحينئذ فلا مطابقة بينه وبين الترجمة
في الجزء الثاني.
أجيب: بأنه قد ورد التسليم في ثلاث، عند مسلم، من حديث
عمران بن الحصين فكأنه أشار إليه في الترجمة.
4 - باب مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي سَجْدَتَىِ السَّهْوِ
وَسَلَّمَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَلَمْ يَتَشَهَّدَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لاَ يَتَشَهَّدُ.
(باب من لم يتشهد في سجدتي السهو) أي: بعدهما (وسلم أنس)
هو: ابن مالك (والحسن) هو البصري عقب سجدتي السهو (ولم
يتشهدا) كما وصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما (وقال
قتادة: لا يتشهد) بحرف النفي. كما فى الفرع وغيره من
الأصول، وهو موافق لما رواه قتادة عن أنس والحسن، فاقتدى
بهما في ذلك.
لكن حمل الحافظ ابن حجر لفظ: لا، على الزيادة، لما في
رواية عبد الرزاق عن معمر عنه، قال: يتشهد في سجدتي السهو،
من غير ذكر: لا.
وتعقبه العيني: بأنه يجوز أن يكون عن قتادة روايتان، وبأنه
إذا قيل بزيادة: لا، فيما ذكره البخاري، فلقائل أن يقول:
لعلها سقطت فيما رواه عبد الرزاق. اهـ.
1228 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي
تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ
مِنِ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ
أَقُصِرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَ النَّاسُ:
نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ
سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ
أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ".
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: "قُلْتُ
لِمُحَمَّدٍ: فِي سَجْدَتَىِ السَّهْوِ تَشَهُّدٌ؟ قَالَ:
لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك بن أنس) الأصبحي (عن أيوب) وللأصيلي: أخبرنا مالك عن
أيوب (بن أبي تميمة السختياني) بفتح السين وكسر التاء (عن
محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه):
(أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انصرف
من اثنتين) أي: ركعتين (فقال له ذو اليدين) الخرباق، بكسر
الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة آخره قاف، وكان في
يديه طول (أقصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد (أم نسيت يا
رسول الله؟ فقال) ولأبي ذر: قال (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للناس المصلين معه:
(أصدق ذو اليدين) فيما قال؟ (فقال الناس: نعم) أي: صدق
(فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي:
اعتدل، لأنه كان مستندًا إلى الخشبة، كما يأتي إن شاء الله
تعالى، أو: أن فيه تعريضًا بأنه أحرم ثم جلس، ثم قام.
قال في المصابيح، وهو أحد القولين: وإلاّ فلا يتصور
استئناف القيام إلا بهذه الطريقة.
(فصلى) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(اثنتين) ركعتين (أخريين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد) ثم كبر
فرفع، ثم كبر فسجد، وكان سجوده فيهما (مثل سجوده) الذي
للصلاة (أو أطول) منه، (ثم رفع) من سجوده ولم يتشهد، ثم
سلم.
وهذا يهدم قاعدة المالكية ومن وافقهم، أنه إذا كان السهو
بالنقصان يسجد قبل السلام.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح المهملة وتسكين
الراء آخره موحدة، قال: (حدّثنا حماد) هو: ابن زيد (عن)
أبي بشر (سلمة بن علقمة) التميمي البصري (قال: قلت لمحمد)
بن سيرين
(في سجدتي السهو تشهد؟ قال) ولأبي الوقت: فقال: (ليس في
حديث أبي هريرة) تشهد، ومفهومه وروده في غير حديثه.
ويؤيده حديث عمران بن حصين، عند أبي داود وابن حبان
والحاكم: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
صلّى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم.
وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما، ووهموا أشعث
(2/366)
راويه لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن
سيرين.
5 - باب مَنْ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَتَىِ السَّهْوِ
(باب يكبر) الساهي في صلاته (في سجدتي السهو) ولغير
الأربعة: باب من يكبر.
1229 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى صَلاَتَىِ
الْعَشِيِّ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي
الْعَصْرَ- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ
إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ
عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي الله
عنهما- فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ
النَّاسِ، فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ وَرَجُلٌ
يَدْعُوهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟
فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ. قَالَ: بَلَى قَدْ
نَسِيتَ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ
كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ
فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ".
وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث بن سخبرة
الحوضي (قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري (عن محمد)
هو: ابن سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلّى
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إحدى صلاتي
العشي) بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء: الظهر أو
العصر (قال محمد) أي: ابن سيرين بالإسناد المذكور (وأكثر)
بالمثلثة أو الموحدة (ظني أنها العصر ركعتين) بنصب العصر
على المفعولية. ولأبي ذر: العصر، بالرفع.
وفي حديث عمران الجزم بأنها العصر، وفي رواية يحيى بن أبي
كثير، عن أبي سلمة، عند مسلم: الجزم بأنها الظهر. وكذا عند
البخاري في لفظ من رواية سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة.
وقد أجاب النووي عن هذا الاختلاف بما حكاه عن المحققين:
أنهما قضيتان لكن قال في شرح تقريب الأسانيد: والصواب أن
قصة أبي هريرة واحدة، وأن الشك من أبي هريرة.
ويوضح ذلك ما رواه النسائي من رواية ابن عون، عن محمد بن
سيرين قال: قال أبو هريرة:
صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى
صلاتي العشي ... قال أبو هريرة: ولكني نسيت. قال: فصلّى
بنا ركعتين ... فبين أبو هريرة في روايته هذه وإسنادها
صحيح، أن الشك منه. وإذا كان كذلك فلا
يقال: هما واقعتان. وأما قول ابن سيرين السابق، أكثر ظني
فهو شك آخر من ابن سيرين، وذلك أن أبا هريرة حدثه بها
معينة كما عينها لغيره، ويدل على أنه عينها له قول البخاري
في بعض طرقه، قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكني نسيت
أنا.
(ثم سلم) في حديث عمران بن حصين المروي في مسلم: أنه سلم
في ثلاث ركعات، وليس باختلاف، بل هما قضيتان، كما حكاه
النووي في الخلاصة عن المحققين (ثم قام إلى خشبة في مقدم
المسجد) بتشديد الدال المفتوحة، أي: في جهة القبلة. وفي
رواية ابن عون: فقام إلى خشبة معروضة أي موضوعة بالعرض
(فوضع يده عليها) أي: على الخشبة (وفيهم) أي: المصلين معه
(أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، فهابا أن يكلماه) أي: غلب
عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه. وفي رواية ابن
عون: فهاباه، بزيادة الضمير (وخرج سرعان الناس)، رفع على
الفاعلية وبالمهملات المفتوحات؛ أي: الذين يسارعون إلى
الشيء، ويقدمون عليه بسرعة.
وفي القاموس: وسرعان الناس، محركة أوائلهم الستبقون إلى
الأمر، ويسكن. وقال عياض: ضبطه الأصيلي في البخاري، سرعان
الناس بضم السين وإسكان الراء: ووجهه أنه جمع: سريع، كقفيز
وقفزان، وكثيب وكثبان (فقالوا: أقصرت الصلاة؟) بهمزة
الاستفهام وضم الصاد مبنيًّا للمفعول وفتحها على صيغة
المعلوم، وفي رواية ابن عون بحذف همزة الاستفهام (ورجل)
هناك (يدعوه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذو
اليدين) وللأربعة: ذا اليدين، بالنصب أي: يسميه ذا اليدين
(فقال) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما غلب
عليه من الحرص على تعلم العلم: (أنسيت أم) بالميم، ولأبي
الوقت: أو (قصرت)؟ أي: الصلاة بفتح القاف وضم الصاد.
وإنما سكت العمران ولم يسألاه لكونهما هاباه، كما مر، مع
علمهما أنه سيبين أمر ما وقع، ولعله كان بعد النهي عن
السؤال.
ولم ينفرد ذو اليدين بالسؤال، فعند أبي داود، والنسائي
بإسناد صحيح من حديث معاوية بن خديج أنه سأله عن ذلك طلحة
بن عبيد الله. ولكنه ذكر فيه أنه كان بقيت من الصلاة ركعة،
ويجوز أن تكون العصر فيوافق حديث عمران بن حصين، فيكون قد
سأله طلحة مع الخرباق أيضًا.
(فقال) عليه الصلاة والسلام (لم أنس) في اعتقادي، لا في
نفس الأمر (ولم تقصر) بضم أوله وفتح ثالثه، ولأبي ذر: ولم
تقصر، بفتح أوله وضم ثالثه.
وهذا صريح في نفي النسيان، وفي نفي القصر، وهو يفسر المراد
بقوله في رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم: كل ذلك
لم يكن، وهو أشمل من لو قيل: لم يكن كل ذلك. لأنه من باب
تقوي الحكم، فيفيد التأكيد في المسند والمسند إليه. بخلاف
الثاني إذ ليس فيه تأكيد أصلاً، فيصح أن يقال: لم يكن كل
ذلك، بل كان بعضه. ولا يصح أن يقال: كل ذلك لم يكن بل
بعضه. كما تقرر في البيان، وهذا القول
(2/367)
من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ردّ على ذي اليدين في موضع استعماله الهمزة،
وأم، وليس بجواب، لأن السؤال بالهمزة وأم عن تعيين أحد
المستويين، وجوابه تعيين أحدهما، يعني: كل ذلك لم يكن،
فكيف تسأل بالهمزة وأم. ولذلك بيّن السائل بقوله، في رواية
أبي سفيان: قد كان بعض ذلك.
وفي بعض هذه الرواية (قال: بلى قد نسيت) لأنه لما نفى
الأمرين وكان مقررًا عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه
في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا القصر، وفائدة
جواز السهو في مثل هذا بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله
لغيره.
(فصلّى ركعتين) بانيًا على ما سبق بعد أن تذكر أنه لم
يتمها، كما رواه أبو داود في بعض طرقه، قال: ولم يسجد
سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك، فلم يقلدهم في ذلك، إذا لم
يطل الفصل (ثم سلم، ثم كبر فسجد) للسهو (مثل سجوده أو
أطول) منه، (ثم رفع رأسه) من السجود (فكبر، ثم وضع رأسه
فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول) منه، (ثم رفع رأسه) من
السجود (وكبر).
وظاهره الاكتفاء بتكبيرة السجود، ولا يشترط تكبيرة
الإحرام، وهو قول الجمهور.
وحكى القرطبي: أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد
سجدتي السهو، قال: وما يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة
الإحرام.
ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد عن هشام بن
حسان، عن ابن سيرين في هذا الحديث، قال: فكبر ثم كبر وسجد
للسهو. وقال أبو داود: لم يقل أحد: فكبر ثم كبر إلا حماد
بن زيد، فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة. اهـ.
وقد اشتمل حديث الباب على فوائد كثيرة، واستدلّ به من قال
من أصحاب الشافعي ومالك أيضًا: إن الأفعال الكثيرة في
الصلاة التي ليست من جنسها، إذا وقعت على وجه السهو لا
تبطلها، لأنه خرج سرعان الناس، وفي بعض طرق الصحيح أنه،
عليه الصلاة والسلام، خرج إلى منزله، ثم رجع. وفي بعضها:
أتى جذعًا في قبلة المسجد واستند إليه وشبك بين أصابعه، ثم
رجع ورجع الناس، وبنى بهم. وهذه أفعال كثيرة.
لكن للقائل: بأن الكثير يبطل، أن يقول: هذه غير كثيرة، كما
قاله ابن الصلاح، وحكاه القرطبي عن أصحاب مالك.
والرجوع في الكثرة والقلة إلى العرف على الصحيح، والمذهب
الذي قطع به جمهور أصحاب الشافعي: أن الناسي في ذلك
كالعامد، فيبطلها الفعل الكثير ساهيًا.
ورواة الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة.
1230 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ حَلِيفِ بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ
وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ. فَلَمَّا أَتَمَّ
صَلاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَكَبَّرَ فِي كُلِّ
سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ،
وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ
الْجُلُوسِ".
تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي
التَّكْبِيرِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي، قال: (حدّثنا
ليث) هو: ابن سعد الإمام، وللأصيلي، وابن عساكر: الليث (عن
ابن شهاب) الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن عبد
الله ابن بحينة) بنت الحرث بن عبد الطلب، وهي: أم عبد
الله، أو أم أبيه، ويكتب ابن بحينة بألف قبل الباء، واسم
أبيه: مالك بن القشب، بكسر القاف وسكون المعجمة ثم موحدة،
جندب (الأسدي) بسكون السين، وأصله: الأزدي نسبة إلى أزد،
فأبدلت الزاي سينًا (حليف بني عبد المطلب) الصواب إسقاط
بني، لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف.
(أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام
في صلاة الظهر، وعليه جلوس) مع التشهد فيه، وقام الناس معه
إلى الثالثة (فلما أتم صلاته) ولم يسلم (سجد سجدتين) للسهو
(فكبر) بالفاء، وللأربعة: يكبر، بالمثناة التحتية المضمومة
وكسر الموحدة (في كل سجدة، وهو جالس قبل أن يسلم) جملة
حالية وسجدهما الناس معه) لأن سهو الإمام غير المحدث يلحق
المأموم، بخلاف ما إذا بأن إمامه محدثًا، فلا يلحقه سهوه،
ولا يتحمل هو عنه، إذ لا قدوة حقيقة حال السهو (مكان ما
نسي من الجلوس) المستلزم تركه ترك التشهد على ما لا يخفى.
(تابعه) أي: تابع الليث (ابن جريج) عبد العزيز بن عبد
الملك، مما وصله عبد الرزاق (عن ابن شهاب) الزهري (في
التكبير) في سجدتي السهو.
والحديث سبق قريبًا في باب: ما جاء في السهو إذا قام من
ركعتي الفريضة.
6 - باب إِذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى -ثَلاَثًا أَوْ
أَرْبَعًا- سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ
(باب) بالتنوين (إذا لم يدر) المصلي (كم صلّى -ثلاثًا أو
أربعًا، سجد سجدتين وهو جالس) أي: والحال أنه جالس.
1231 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا
نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ
ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ
الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ،
فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا
وَكَذَا -مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ! حَتَّى يَظَلَّ
الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى. فَإِذَا لَمْ يَدْرِ
أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى -ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا-
فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ".
وبالسند قال:
(2/368)
(حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء،
الزهراني، قال: (حدّثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي)
بفتح الدال والفوقية مع المدّ (عن يحيى بن أبي كثير)
بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة، رضي
الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إذا نودي بالصلاة، أدبر الشيطان وله) وللأصيلي، وابن
عساكر: له (ضراط حتى لا يسمع الأذان) أي: أدبر وله ضراط
إلى غاية لا يسمع فيها الأذان.
ويحتمل أن تكون: حتى، ليست لغاية الإبعاد في الإدبار، بل
غاية للزيادة في الضراط، أي: أنه يقصد بما يفعله من ذلك
تصميم أذنه عن سماع صوت المؤذن.
لكن يدل على أن المراد زيادة البعد ما في مسلم عن جابر
مرفوعًا: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة، ذهب حتى يكون
مكان الروحاء. قال سليمان، يعني الأعمش، فسألته عن
الروحاء، فقال: هي من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً.
قال الطيبي: وشبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان
بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه
ضراطًا تقبيحًا له.
(فإذا قضي الأذان) بضم القاف مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر:
قضى، بفتح القاف مبنيًّا للفاعل، والأذان نصب على
المفعولية، أي: فرغ منه (أقبل) الشيطان. (فإذا ثوب بها)
بضم المثلثة مبنيًا للمفعول، أي: أقيم (أدبر) الشيطان،
(فإذا قضي التثويب) أي: فرغ من الإقامة (أقبل) الشيطان
(حتى يخطر). قال القاضي عياض: بكسر الطاء، ضبطته عن
المتقنين، وهو الوجه، يعني: يوسوس. وأكثر الرواة على الضم،
ومعناه: السلوك والمرور أي: يدنو فيمر (بين المرء) الإنسان
(ونفسه) فيذهله عما هو فيه (يقول: اذكر كذا وكذا -ما لم
يكن يذكر- حتى يظل الرجل) بفتح الظاء أي: يصير (إن يدري)
بكسر الهمزة، وهي نافية أي: ما يدري (كم صلى).
قال المهلب: وإنما يهرب الشيطان من سماع الأذان، ويجيء عند
الصلاة، لاتفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد وإقامة
الشريعة، كما يفعل يوم عرفة لما روي من اتفاق الكل على
شهادة التوحيد، وتنزل الرحمة، فييأس أن يردّهم عما أعلنوا
به من ذلك، ويوقن بالخيبة بما تفضل الله به عليهم من ثواب
ذلك، لئلا يسمعه، ويذكر معصية الله ومصادمة أمره، فلا يملك
الحدث لما حصل له من الخوف. اهـ.
وقيل: لئلا يسمع الأذان، فيضطر إلى أن يشهد له يوم
القيامة، لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يسمع صوت المؤذن
جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة.
أو: هو إبقاء له على مخالفة أمر الله، واستمراره على
معصيته وعدم الانقياد إليه فإذا دعا داعي الله، فرّ منه
وأعرض عنه، فإذا حضرت الصلاة حضر مع المصلين غير مشارك لهم
في الصلاة، بل ساعيًا في إبطالها عليهم، وهذا أبلغ في
المعصية مما لو غاب عن الصلاة بالكلية، فصار حضوره عند
الصلاة من جنس هربه عند الأذان. قاله في شرح التقريب.
(فإذا لم يدر أحدكم كم صلّى -ثلاثًا أو أربعًا- فليسجد
سجدتين وهو جالس) أي: قبل التسليم بعد أن يأخذ بالأقل،
لحديث أبي سعيد الخدري، المروي في مسلم: فليطرح الشك وليبن
على ما استيقن فيحمل حديث أبي هريرة عليه فيأتي بركعة يتم
بها.
قيل: ولا معنى للسجود، والأظهر أن له معنى، وهو تردّده.
فإن كان المأتي به زائدًا فالزيادة تقتضيه، وإلا فالتردد
يضعف النية، ويحوج إلى الجبر، ولا يقلد غيره، وإن كثروا
وراقبوه، لقوله في حديث أبي سعيد المذكور: وليبن على
اليقين. ولأنه تردد في فعل نفسه، فلا يأخذ بقول غيره فيه،
كالحاكم إذا حكم ونسي حكمه، لا يأخذ بقول الشهود عليه.
7 - باب السَّهْوِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَسَجَدَ
ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ
وِتْرِهِ
(باب السهو في الفرض والتطوع) أي: هل هما سواء أو يفترق
حكمهما.
(وسجد ابن عباس، رضي الله عنهما) مما وصله ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح عن أبي العالية (سجدتين بعد وتره) وكان يراه
سنة، فدلّ ذلك على أن حكمه كالفرض.
1232 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ
يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ
يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي. قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(إن أحدكم إذا قام يصلّي) فرضًا أو نفلاً، فإن قلت: قوله
في الرواية السابقة
(2/369)
قبل هذه إذا نودي بالصلاة، قرينة في أن
المراد الفريضة، وكذا قوله: إذا ثوب؟
أجيب: بأن ذلك لا يمنع تناول النافلة، لأن الإتيان بها
حينئذ مطلوب، لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"بين كل أذانين صلاة".
(جاء الشيطان فلبس عليه) بتخفيف الموحدة المفتوحة على
الصحيح، أي: خلط عليه أمر صلاته (حتى لا يدري) أحدكم (كم
صلّى، فإذا وجد ذلك أحدكم، فليسجد سجدتين وهو جالس).
والجمهور على مشروعية سجود السهو في التطوّع إلا ابن سيرين
وقتادة، فإنهما قالا: لا سجود فيه.
8 - باب إِذَا كُلِّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ بِيَدِهِ
وَاسْتَمَعَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا كلم) بضم الكاف وكسر اللام
المشددة (وهو يصلّي فأشار بيده واستمع) أي المصلي لم تفسد
صلاته.
1233 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ
بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ "أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
أَزْهَرَ -رضي الله عنهم- أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ
مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ
صَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا
أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا. وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى
عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ
النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْهُمَا. فَقَالَ
كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ
سَلَمَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ
بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ
مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ -رضي الله عنها-: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ
رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ
دَخَلَ عَلَىَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ
مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ
فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ قُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ
أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى
عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ
بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ. فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ،
فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ. فَلَمَّا
انْصَرَفَ قَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ
عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ
أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ
الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا
هَاتَانِ". [الحديث 1233 - طرفه في: 4370].
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أي: ابن يحيى الجعفي
(قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني)
بالإفراد (عمرو) هو: ابن الحرث (عن بكير) هو: ابن عبد الله
بن الأشج (عن كريب) مولى ابن عباس، بضم الموحدة في الأوّل
والكاف في الثاني مصغرين.
(أن ابن عباس، والمسور بن مخرمة) بكسر الميم في الأول،
وفتحها في الثاني، هو: الزهري الصحابيّ (وعبد الرحمن بن
أزهر) على وزن: أفعل، القرشي الزهري الصحابيّ، عم عبد
الرحمن بن عوف، (رضي الله عنهم، أرسلوه) بالهاء وفي نسخة:
أرسلوا، أي: كريبًا (إلى عائشة، رضي الله عنها، فقالوا:
اقرأ عليها السلام منا جميعًا، وسلها) أصله: اسألها (عن
الركعتين) أي: عن صلاتهما (بعد صلاة العصر، وقل لها):
(إنا أخبرنا) بضم الهمزة على صيغة المجهول، قيل: المخبر
عبد الله بن الزبير (أنك) وللأصيلي: عنك أنك (تُصلّينَهما)
بنون قبل الهاء مع التثنية أي: الركعتين، ولابن عساكر في
نسخة، وأبوي ذر، والوقت: تصليهما، بحذفها، ولأبي ذر أيضًا،
وابن عساكر: تصليها، بحذفها على الإفراد أي: الصلاة (وقد
بلغنا).
فيه إشارة إلى أنهم لم يسمعوا ذلك منه، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد سمى ابن عباس الواسطة، كما سبق
في المواقيت، حيث قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي
عمر.
(أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهى
عنها) أي: عن الصلاة، ولأبي ذر عن الكشميهني: عنه، أي: عن
الفعل.
(و) بالإسناد السابق (قال ابن عباس) رضي الله عنهما: (وكنت
أضرب الناس مع عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (عنها) أي: عن
الصلاة، أي: لأجلها، وللأصيلي: عنهما. بالتثنية، أي: عن
الركعتين، وللكشميهني: عنه، أي: عن الفعل.
وروى ابن أبي شيبة، من طريق الزهري، عن السائب، هو: ابن
يزيد، قال: رأيت عمر، رضي الله عنه، يضرب المنكدر على
الصلاة بعد العصر، ولأبي الوقت في نسخة: عليها.
(فقال) وللأربعة: قال (كريب) بالإسناد السابق.
(فدخلت على عائشة رضي الله عنها، فبلغتها ما أرسلوني) به
(فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني
إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة) رضي الله عنها
(فقالت أم سلمة، رضي الله عنها: سمعت النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ينهى عنها) أي: عن الصلاة
(ثم رأيته يصلّيهما) أي: الركعتين (حين صلّى العصر، ثم دخل
علي) فصلاهما حينئذ بعد الدخول (وعندي نسوة من بني حرام)
بفتح المهملتين (من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية) قال
الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها، ويحتمل أن تكون بنتها
زينب، لكن في رواية المصنف في المغازي: فأرسلت إليه الخادم
(فقلت: قومي بجنبه قولي) ولأبي الوقت، والأصيلي: فقولي
(له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله، سمعتك تنهى عن هاتين)
ولأبي الوقت في غير اليونينية: عن هاتين الركعتين اللتين
بعد العصر (وأراك تصليهما! فإن أشار بيده، فاستأخري عنه؛
ففعلت الجارية) ما أمرت به من القيام والقول (فأشار) عليه
الصلاة والسلام (بيده، فاستأخرت عنه. فلما انصرف قال):
(يا بنت أبي أمية) هو: والد أم سلمة، واسمه سهيل، أو:
حذيفة بن المغيرة المخزومي، ولأبي ذر: يا ابنة أبي أمية
(سألت عن الركعتين) اللتين (بعد العصر، وإنه أتاني ناس)
ولأبي الوقت، في غير اليونينية: أناس (من عبد القيس) زاد
في المغازي: بالإسلام من قومهم، وعند الطحاوي من وجه آخر:
فجاءني مال، (فشغلوني
(2/370)
عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان)
الركعتان اللتان كنت أصليهما بعد الظهر، فشغلت عنهما
فصليتهما الآن.
وقد كان من عادته، عليه الصلاة والسلام، أنه إذا فعل شيئًا
من الطاعات لم يقطعه أبدًا.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ففعلت الجارية، فكلمته
مثل ما قالت لها أم سلمة، فأشار النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده.
ورواته ما بين: كوفي ومصري ومدني وفيه أربعة من الصحابة
رجلان وامرأتان، والتحديث والإخبار، والعنعنة والقول،
والإرسال والبلاغ، وأخرجه أيضًا في: المغازي، ومسلم في
الصلاة، وكذا أبو داود.
9 - باب الإِشَارَةِ فِي الصَّلاَةِ قَالَهُ كُرَيْبٌ عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب) حكم (الإشارة) الواقعة (في الصلاة) من المصلي (قاله،
كريب، عن أم سلمة، رضي الله عنها، عن النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما مر في الحديث السابق.
1234 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
كَانَ بَيْنَهُمْ شَىْءٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ
فِي أُنَاسٍ مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَانَتِ الصَّلاَةُ،
فَجَاءَ بِلاَلٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه-
فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ
الصَّلاَةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ:
نَعَمْ إِنْ شِئْتَ. فَأَقَامَ بِلاَلٌ، وَتَقَدَّمَ أَبُو
بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ،
فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
-رضي الله عنه- لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمَّا
أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَشَارَ إِلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ -رضي
الله عنه- يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَرَجَعَ
الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ،
فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ
عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا
لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَىْءٌ فِي الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ
فِي التَّصْفِيقِ؟ إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ،
مَنْ نَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ
اللَّهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ
سُبْحَانَ اللَّهِ إِلاَّ الْتَفَتَ. يَا أَبَا بَكْرٍ،
مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ
إِلَيْكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: مَا كَانَ
يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ
يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-".
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي، مولاهم،
البغلاني البلخي، قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن
محمد بن عبد الله القاري، بتشديد الياء، المدني، نزيل
الإسكندرية (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي، سلمة بن
دينار (عن سهل بن سعد الساعدي) الأنصاري (رضي الله عنه).
(أن رسول الله، بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء)
وهو: أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخرج رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلح بينهم في أناس
معه، فحبس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وحانت الصلاة) صلاة العصر، (فجاء بلال) المؤذن لما حضرت
العصر (إلى أبي بكر رضي الله عنه).
وكان عليه الصلاة والسلام قال لبلال: إن حضرت صلاة العصر
ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس.
(فقال: يا أبا بكر! إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟
قال) أبو بكر: (نعم) أؤمهم (إن شئت).
(فأقام بلال) الصلاة (وتقدم أبو بكر، رضي الله عنه، فكبر
للناس) أي: تكبيرة الإحرام لأجل الناس (وجاء رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يمشي في الصفوف حتى
قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيق) شرعوا فيه، وهذا موضع
الترجمة، لأن التصفيق يكون باليد وحركتها به كحركتها
بالإشارة (وكان أبو بكر، رضي الله عنه، لا يلتفت في صلاته)
لعلمه بالنهي عنه. (فلما أكثر الناس) التصفيق (التفت) أبو
بكر (فإذا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فأشار إليه رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يأمره أن يصلّي) بالناس (فرفع أبو
بكر، رضي الله عنه، يديه، فحمد الله) بلفظه صريحًا، أو:
رفع رأسه إلى السماء شكرًا لله تعالى (ورجع القهقرى وراءه
حتى قام في الصف) وفهم الصديق أن الأمر للتكريم لا
للإيجاب، وإلا لم تجز له المخالفة (فتقدم رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى للناس)
وللكشميهني: بالناس، بالموحدة بدل اللام (فلما فرغ أقبل
على الناس، فقال):
(يا أيها الناس) وللأربعة: وقال أيها الناس (ما لكم حين
نابكم شيء في الصلاة أخذتم) شرعتم (في التصفيق؟ إنما
التصفيق للنساء من نابه شيء في صلاته) وفي نسخة: في الصلاة
(فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان
الله إلا التفت. يا أبا بكر! ما منعك أن تصلي للناس حين
أشرت إليك؟ فقال أبو بكر، رضي الله عنه: ما كان ينبغي لابن
أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء
اسمه عثمان بن عامر، ولم يقل: ما لي، ولا: ما لأبي بكر؟
تحقيرًا لنفسه (أن يصلّي بين يدي رسول الله، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن الإمامة محل رياسة وموضع
فضيلة.
1235 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي
ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ
فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ "دَخَلْتُ عَلَى
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَهِيَ تُصَلِّي قَائِمَةً
وَالنَّاسُ قِيَامٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟
فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ:
آيَةٌ؟ فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا أَىْ نَعَمْ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي، الكوفي، نزيل
مصر، قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال:
(حدّثنا) سفيان (الثوري) بالمثلثة (عن هشام) هو، ابن عروة
بن الزبير (عن فاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن أسماء) بنت
أبي بكر الصديق (قالت):
(دخلت على عائشة) بنت الصديق (رضي الله عنها، وهي تصلي)
حال كونها (قائمة والناس قيام، فقلت: ما شأن الناس؟) جملة
اسمية من مبتدأ وخبر، وقعت مقول القول (فأشارت برأسها إلى
السماء، فقلت) ولأبي ذر: قلت: (آية؟) بحذف
(2/371)
همزة الاستفهام، خبر مبتدأ محذوف، أي هي علامة لعذاب الناس
(فقالت) ولأبي ذر: فأشارت (برأسها، أي: نعم) تفسير لقولها
فأشارت.
وهو قطعة من حديث سبق في باب: من أجاب الفتيا بإشارة اليد
والرأس من باب العلم.
1236 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّهَا قَالَتْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ -وَهُوَ شَاكٍ-
جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ
إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:
إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا
رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) وللأصيلي إسماعيل بن أبي أويس
(قال حدَّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن هشام) هو: ابن
عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها،
زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنها قالت
صلّى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في
بيته -وهو شاك-) بتخفيف الكاف، وأصله: شاكي نحو: قاض،
استثقلت الضمة على الياء، فحذفت. وهو من الشكاية وهي
المرض، أي: شاك عن مزاجه لانحرافه عن الصحة، وللأصيلي وابن
عساكر، وأبي الوقت: شاكي بإثبات الياء (جالسًا) نصب على
الحال (وصلّى وراءه قوم) حال كونهم (قيامًا، فأشار إليهم)
بيده (أن اجلسوا، فلما انصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من الصلاة (قال):
(إنما جعل الإمام ليؤتم به) أي: يقتدى به ويتبع، ومن شأن
التابع أن لا يسبق متبوعه، ولا يتقدم في موقفه (فإذا ركع
فاركعوا، وإذا رفع) رأسه (فارفعوا) رؤوسكم. والفاء فيهما
للتعقيب.
وسبق الحديث في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به. |