شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
24 - كتاب الزكاة
قال الحافظ ابن حجر البسملة ثابتة في الأصل.
1 - باب وجوب الزكاة
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43، 83، 100].
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: حَدَّثَنِي
أَبُو سُفْيَانَ -رضي الله عنه- فَذَكَرَ حَدِيثَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
"يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ
وَالْعَفَافِ".
(باب وجوب الزكاة) لفظ باب ثابت لأكثر الرواة ولبعضهم كتاب
وفي نسخة: كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة، وسقط ذلك لأبي ذر
فلم يذكر لفظ باب ولا كتاب.
والزكاة في اللغة هي التطهير والإصلاح والنماء والمدح
ومنه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]. وفي
الشرع: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص سمي بها
ذلك لأنها تطهر المال من الخبث وتقيه من الآفات والنفس من
رذيلة البخل وتثمر لها فضيلة الكرم ويستجلب بها البركة في
المال ومد المخرج عنه.
وهي أحد أركان الإسلام يكفر جاحدها ويقاتل الممتنعون من
أدائها وتؤخذ منهم وإن لم يقاتلوا قهرًا كما فعل أبو بكر
الصديق رضي الله عنه. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على
سابقه وبالرفع مبتدأ حذف خبره أي دليل على ما قلناه من
الوجوب. ({وأقيموا الصلاة}) الخمس بمواقيتها وحدودها
({وآتوا الزكاة}) أدّوا زكاة أموالكم المفروضة. (وقال ابن
عباس رضي الله عنهما) مما سبق موصولاً في قصة هرقل:
(حدّثني) بالإفراد (أبو سفيان) صخر بن حرب (رضي الله عنه
فذكر حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فقال: يأمرنا بالصلاة) التي هي أم العبادات البدنية
(والزكاة) التي هي أم العبادات المالية
(والصلة) للأرحام وكل ما أمر الله به أن يوصل بالبر
والإكرام والمراعاة ولو بالسلام (والعفاف) الكف عن المحارم
وخوارم المروءة.
1395 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ
مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا -رضي
الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى
شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ
فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ
صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ
أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ
افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ
مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ".
[الحديث 1395 - أطرافه في: 1458، 1496، 2448، 4347، 7371،
7372].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم
وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام النبيل البصري (عن زكريا
بن إسحاق) المكي رمي بالقدر، لكن وثقه ابن معين وأحمد وأبو
زرعة وأبو حاتم والنسائي وأبو داود وابن البرقي وابن سعد،
وله في البخاري عن عبد الله بن صيفي هذا الحديث فقط،
وأحاديث يسيرة عن عمرو بن دينار (عن يحيى بن عبد الله بن
صيفي) نسبة إلى الصيف (عن أبي معبد) نافد بالنون والفاء
والدال المهملة أو المعجمة مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي
الله عنهما
(3/2)
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، بعث معاذًا إلى اليمن) سنة عشر قبل حجة الوداع
كما عند المؤلّف في أواخر المغازي، وقيل: في أواخر سنة تسع
عند منصرفه من غزوة تبوك. رواه الواقدي وابن سعد في
الطبقات (فقال):
(ادعهم) أولاً (إلى) شيئين (شهادة أن لا إله إلا الله وأني
رسول الله فإن هم أطاعوا) أي: انقادوا (لذلك) أي الإتيان
بالشهادتين (فأعلمهم) بفتح الهمزة من الإعلام (أن الله)
بفتح الهمزة لأنها في محل نصب مفعول ثان للإعلام والضمير
مفعول أول (افترض) ولابن عساكر: قد افترض (عليهم خمس صلوات
في كل يوم وليلة) فخرج الوتر (فإن هم أطاعوا لذلك) بأن
أقرّوا بوجوبها أو بادروا إلى فعلها (فأعلمهم أن الله
افترض) ولأبي ذر: افترض (عليهم صدقة) أي زكاة (في أموالهم
تؤخذ) بضم أوله مبنيًا للمفعول (من) مال (أغنيائهم)
المكلفين وغيرهم. (وترد على فقرائهم) بالواو في وترد مع ضم
التاء مبنيًا للمفعول، وفي نسخة: وبدأ بالأهم فالأهم وذلك
من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع في أول الأمر
لنفرت نفوسهم من كثرتها واقتصر على الفقراء من غير ذكر
بقية الأصناف لمقابلة الأغنياء لأن الفقراء هم الأغلب،
والإضافة في قوله فقرائهم تفيد منع صرف الزكاة للكافر وفيه
نقل الزكاة عن بلد المال لأن الضمير في قوله فقرائهم يعود
على أهل اليمن، وعورض بأن الضمير إنما يرجع إلى فقراء
المسلمين وهم أعم من أن يكونوا فقراء أهل تلك البلد أو
غيرهم. وأجيب: بأن المراد فقراء أهل اليمن بقرينة السياق،
فلو نقلها عند وجوبها إلى بلد آخر مع وجود الأصناف أو
بعضهم لا يسقط الفرض.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
التوحيد والمظالم والمغازي، ومسلم في الإيمان، وأبو داود
في الزكاة وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة.
1396 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ
عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله
عنه "أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي
الْجَنَّةَ. قَالَ: مَالَهُ مَالَهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَبٌ مَالَهُ،
تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ
الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ".
وَقَالَ بَهْزٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي
أَيُّوبَ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَخْشَى
أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ، إِنَّمَا هُوَ
عَمْرٌو. [الحديث 1396 - طرفاه في: 5982، 5983].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن ابن عثمان) ولأبوي الوقت وذر: عن محمد بن
عثمان (بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو
ساكنة آخره موحدة (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي
(عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (رضي الله عنه أن
رجلاً) قيل هو أبو أيوب الراوي ولا مانع أن يبهم نفسه لغرض
له، وأما تسميته في حديث أبي هريرة الآتي قريبًا إن شاء
الله تعالى بأعرابي فيحمل على التعدد أو هو ابن المنتفق
كما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير وأبو مسلم
الكجي. وزعم الصريفيني أن ابن المنتفق هذا اسمه لقيط بن
صبرة وافد بني المنتفق (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخبرني بعمل يدخلني الجنة) برفع
الفعل المضارع والجملة المصدرية به في محل جر صفة لعمل،
واستشكل الجزم على جواب الأمر لأنه يصير قوله بعمل غير
موصوف والنكرة غير الموصوفة لا تفيد. كذا قاله المظهري في
شرح المصابيح.
وأجيب: بأن التنكير في عمل للتفخيم أو النوع أي: بعمل عظيم
أو معتبر في الشرع، أو يقال جزاء الشرط محذوف تقديره
أخبرني بعمل إن عملته يدخلني الجنة فالجملة الشرطية بأسرها
صفة لعمل.
(قال) القوم: (ماله ماله) وهو استفهام والتكرار للتأكيد
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أرب
ماله) بفتح الهمزة والراء وتنوين الموحدة مع الضم أي حاجة
جاءت وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي له ارب،
وما: زائدة للتقليل أي له حاجة يسيرة قاله الزركشي وغيره،
وتعقبه في المصابيح فقال: ليس مبتدأ محذوف الخبر بل مبتدأ
مذكور الخبر وساغ الابتداء به، وإن كان نكرة لأنه موصوف
بصفة يرشد إليها ما الزائدة والخبر هو قوله له: وأما قوله
أي له حاجة يسيرة وما للتقليل فليس كذلك بل ما الزائدة
منبهة على وصف لائق بالمحل، واللائق هنا أن يقدر عظيم لأنه
سأل عن عمل يدخله الجنة ولا أعظم من هذا الأمر على أنه
يمكن أن يكون له وجه.
وروي أرب بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الماضي كعلم أي:
احتاج فسأل لحاجته أو تفطن لما سأل عنه وعقل. يقال: ارب
إذا عقل فهو أريب، وقيل: تعجب من حرصه وحسن فطنته ومعناه
لله
دره، وقيل: هو دعاء عليه أي سقطت آرابه وهي أعضاؤه
(3/3)
كما قالوا تربت يمينه وليس على معنى الدعاء
بل على عادة العرب في استعمال هذه الألفاظ. وروي ارب بكسر
الراء مع التنوين مثل حذر أي حاذق فطن يسأل عما يعنيه أي
هو ارب فحذف المبتدأ ثم قال: ما له أي ما شأنه. قال في
الفتح: ولم أقف على صحة هذه الرواية. وروي أرب بفتح الجميع
رواه أبو ذر. قال القاضي عياض: ولا وجه له انتهى.
وقد وقعت في الأدب من طريق الكشميهني، كما قاله الحافظ ابن
حجر: (تعبد الله ولا تشرك به شيئًا) ولابن عساكر: تعبد
الله لا تشرك به شيئًا بإسقاط الواو (وتقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة وتصل الرحم) تحسن لقرابتك، وخص هذه الخصلة نظرًا
إلى حال السائل كأنه كان قطاعًا للرحم فأمره به لأنه المهم
بالنسبة إليه وعطف الصلاة وما بعدها على سابقها من عطف
الخاص على العام إذ العبادة تشمل ما بعدها، ودلالة هذا
الحديث على الوجوب فيها غموض.
وأجيب: بأن سؤاله عن العمل الذي يدخل الجنة يقتضي أن لا
يجاب بالنوافل قبل الفرائض فيحمل على الزكاة الواجبة، وبأن
الزكاة قرينة الصلاة المذكورة مقارنة للتوحيد، وبأنه وقف
دخول الجنة على أعمال من جملتها أداء الزكاة فيلزم أن من
لم يعملها لم يدخل الجنة ومن لم يدخل الجنة دخل النار وذلك
يقتضي الوجوب.
(وقال بهز): بفتح الموحدة وسكون الهاء آخره زاي ابن أسد
العمي البصري (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا محمد
بن عثمان وأبوه عثمان بن عبد الله) فبين شعبة أن ابن عثمان
اسمه محمد (أنهما سمعا موسى بن طلحة عن أبي أيوب) ولأبي
ذر: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهذا)
الحديث السابق. (قال أبو عبد الله): البخاري (أخشى أن يكون
محمد غير محفوظ إنما هو عمرو) أي ابن عثمان والحديث محفوظ
عنه ووهم شعبة وقد حدث به عن يحيى بن سعد القطان وإسحاق
الأزرق وأبو أسامة وأبو نعيم كلهم عن عمرو بن عثمان. كما
قاله الدارقطني وغيره.
وهذا الحديث رواته ما بين كوفي وواسطي ومدني، وأخرجه أيضًا
في الأدب، ومسلم في الإيمان، والنسائي في الصلاة والعلم.
1397 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ
أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
"أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا
عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ
لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ
الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ،
وَتَصُومُ رَمَضَانَ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ
سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا".
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو زُرْعَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) أبو يحيى
البغدادي عرف بصاعقة البزاز بمعجمتين (قال: حدّثنا عفان بن
مسلم) بتشديد الفاء الصفار الأنصاري البصري (قال: حدّثنا
وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان صاحب الكرابيسي
(عن يحيى بن سعيد بن حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد
المثناة التحتية التيمي تيم الرباب (عن أبي زرعة) هرم بفتح
الهاء وكسر الراء ابن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا) بفتح الهمزة من سكن
البادية وهل هو السائل في حديث أبي أيوب السابق أو غيره
سبق ما فيه ثم (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال):
(دلني) بضم الدال وتشديد اللام المفتوحة (على عمل إذا
عملته دخلت الجنة قال) عليه الصلاة والسلام: (تعبد الله)
وحده (لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي
الزكاة المفروضة) غاير بين القيدين كراهة تكرير اللفظ
الواحد أو احترز عن صدقة التطوّع لأنها زكاة لغوية أو عن
المعجلة قبل الحول فإنها زكاة لكنها ليست مفروضة (وتصوم
رمضان) ولم يذكر الحج اختصارًا أو نسيانًا من الراوي.
(قال) الأعرابي: (والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا)
المفروض أو لا أزيد على ما سمعت منك في تأديته لقومي فإنه
كان وافدهم. وزاد مسلم شيئًا أبدًا ولا أنقص منه، (فلما
ولى) أي: أدبر (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر
إلى هذا) الأعرابي أي: إن داوم على فعل ما أمرته به لقوله
في حديث أبي أيوب عند مسلم: "إن تمسك بما أمر به دخل
الجنة".
وفيه أن المبشر بالجنة أكثر من العشرة كما ورد النص في
الحسن والحسين وأمهما وأمهات المؤمنين، فتحمل بشارة العشرة
أنهم بشروا دفعة واحدة أو بلفظ بشره بالجنة أو أن العدد لا
ينفي الزائد، ولا يقال إن مفهوم الحديث كغيره مما يشبهه
يدل على ترك التطوعات أصلاً لأنا نقول: لعل أصحاب هذه
القصص كانوا حديثي عهد
(3/4)
بالإسلام فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في
تلك الحالة لئلا يثقل عليهم ذلك فيملوا فإذا انشرحت صدورهم
للفهم عنه والحرص على ثواب المندوبات سهلت عليهم، ولا يخفى
أن من داوم على ترك السنن كان نقصًا في دينه فإن تركها
تهاونًا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقًا لورود الوعيد عليه.
قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من رغب عن سنتي
فليس مني" قاله القرطبي.
وبه قال: (حدّثنا مسدد عن يحيى) القطان (عن أبي حيان) هو
يحيى بن سعيد بن حيان المذكور في الإسناد السابق ذكره
أولاً باسمه وهنا بكنيته (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو
زرعة) هرم (عن النبي في بهذا) الحديث السابق عن وهيب، لكن
يحيى القطان رواه عن أبي حيان مرسلاً، كما ترى لأن أبا
زرعة تابعي ولم يذكر أبا هريرة فخالف وهيبًا. وفي إخراج
المؤلّف له عقب حديث وهيب إشعار بأن العلة غير قادحة لأن
وهيبًا حافظ فقدم روايته لأن معه زيادة فيما رواه حكاه أبو
علي الجياني، وفيه إبطال للتردد الواقع في رواية الأصيلي
عن أبي أحمد الجرجاني هنا حيث قال: فيما حكاه أبو علي
الجياني عن يحيى بن سعيد بن حيان أو عن يحيى بن سعيد عن
أبي حيان وهو خطأ إنما هو
يحيى بن سعيد بن حيان كما لغيره من الرواة، لأن هذه
الرواية أفادت تصريح أبي حيان بسماعه له من أبي زرعة فزال
التردد.
1398 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ
الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا
الْحَىَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، وَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ
إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَىْءٍ
نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا.
قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ
أَرْبَعٍ. الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ -وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا-
وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ
تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ
الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ".
وَقَالَ سُلَيْمَانُ وَأَبُو النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادٍ
«الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال السلمي الأنماطي قال:
(حدّثنا حماد بن زيد) قال: (حدّثنا أبو جمرة) بالجيم وسكون
الميم وفتح الراء نصر بن عمران الضبعي (قال: سمعت ابن عباس
رضي الله عنهما يقول: قدم وفد عبد القيس) هو أبو قبيلة
وكانوا أربعة عشر رجلاً ويروى أربعون وجمع بأن لهم وفادتين
أو الأربعة عشر أشرافهم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: يا رسول الله إن هذا الحي)
نصب بأن وهو اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن
بعضهم يحيا ببعض، ولأبي ذر: إنّا هذا الحي بألف بعد النون
المشددة ونصب الحي على الاختصاص أي أعني هذا الحي، وعلى
هذا الوجه يكون خبر إن قوله (من ربيعة) بن نزار بن معد بن
عدنان وعلى الأولى خبر إن قوله (قد حالت بيننا وبينك كفار
مصر) غير منصرف وهو ابن نزار بن معد بن عدنان أيضًا (ولسنا
نخلص) نصل (إليك إلا في الشهر الحرام) جنس يشمل الأربعة
الحرم وسميت بذلك لحرمة القتال فيها: (فأمرنا بشيء نأخذه
عنك وندعو إليه من وراءنا) من قومنا أو من البلاد النائية
أو الأزمنة المستقبلة (قال) عليه الصلاة والسلام:
(آمركم) بمد الهمزة (بأربع، وأنهاكم عن أربع الإيمان
بالله) بالجر (وشهادة أن لا إله إلا الله -وعقد بيده
هكذا-) كما يعقد الذي يعدّ واحدة والواو في قوله: وشهادة
للعطف التفسيري لقوله الإيمان. وقال ابن بطال: هي مقحمة
كهي في فلان حسن وجميل أي حسن جميل (وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة) بخفض أقام وإيتاء في اليونينية وهذا موضع الترجمة
(وأن تؤدّوا خمُس ما غنمتم) وذكر لهم هذه لأنهم كانوا
مجاورين لكفار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم ولم يذكر في هذه
الرواية صيام رمضان كما ذكره في باب أداء الخمس من الإيمان
أما لغفلة الراوي أو اختصاره وليس ذلك من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يذكر الحج فيهما لشهرته
عندهم أو لكونه على التراخي أو غير ذلك مما سبق في باب
أداء الخمس من الإيمان. (وأنهاكم عن) الانتباذ في الآنية
المتخذة من (الدباء) بضم الدال وتشديد الموحدة القرع
اليابس (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بفتح الحاء المهملة
وسكون النون وفتح المثناة الفوقية
الجرار الخضر (و) في (النقير) بفتح النون وكسر القاف جذع
ينقر وسطه فيوعى فيه (و) في (المزفت) المطلي بالزفت لأنها
تسرع الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك، وهذا منسوخ
بما في مسلم: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية
فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا".
(وقال سليمان) بن حرب مما وصله المؤلّف في المغازي (وأبو
النعمان) محمد بن الفضل السدوسي مما وصله أيضًا في الخمس
(3/5)
(عن حماد) وهو ابن زيد (الإيمان بالله
شهادة أن لا إله إلا الله) بدون واو وهو أصوب والإيمان
بالجر بدل من قوله في السابق بأربع، وقوله شهادة بالجر على
البدلية أيضًا وبالرفع فيهما لأبي ذر مبتدأ وخبر.
1399 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ
نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-، وَكَفَرَ مَنْ
كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه:
كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ
وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ".
[الحديث 1399 - أطرافه في: 1457، 6924، 7284].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع) البهراني
الحمصي (قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة
والزاي الأموي مولاهم الحمصي واسم أبيه دينار (عن) ابن
شهاب (الزهري قال: حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد
الله بن عتبة بن مسعود) المدني (أن أبا هريرة رضي الله عنه
قال: لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وكان أبو بكر رضي الله عنه) خليفة بعده (وكفر
من كفر من العرب) بعض بعبادة الأوثان، وبعض بالرجوع إلى
اتباع مسيلمة وهم أهل اليمامة وغيرهم، واستمر بعض على
الإيمان إلا أنه منع الزكاة وتأول أنها خاصة بالزمن النبوي
لأنه تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}
[التوبة: 103] الآية. فغيره عليه الصلاة والسلام لا يطهرهم
ولا يصلّي عليهم فتكون صلاته سكنًا لهم. (فقال عمر) بن
الخطاب رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه (كيف تقاتل
الناس)؟ وفي حديث أنس: أتريد أن تقاتل العرب (وقد قال:
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أمرت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أمرني الله (أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وكأن عمر رضي الله عنه
لم يستحضر من هذا الحديث إلا هذا القدر الذي ذكره، وإلاَّ
فقد وقع في حديث ولده عبد الله زيادة وأن محمدًا رسول الله
ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. وفي رواية العلاء بن عبد
الرحمن: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بما جئت به
وهذا يعم الشريعة كلها. ومقتضاه أن من جحد شيئًا مما جاء
به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعي إليه فامتنع
ونصب القتال تجب مقاتلته وقتله إذا أصرّ (فمن قالها) أي
كلمة التوحيد مع لوازمها (فقد عصم مني ماله ونفسه) فلا
يجوز هدر دمه واستباحة ماله
بسبب من الأسباب (إلا بحقه) أي بحق الإسلام من قتل النفس
المحرمة أو ترك الصلاة أو منع الزكاة بتأويل باطل (وحسابه
على الله) فيما يسره فيثيب المؤمن ويعاقب المنافق، فاحتج
عمر رضي الله عنه بظاهر ما استحضره مما رواه من قبل أن
ينظر إلى قوله "إلاَّ بحقه" ويتأمل شرائطه.
1400 - "فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ
بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ
الْمَالِ. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا
يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا.
قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ
أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله
عنه- فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ". [الحديث 1400 - أطرافه
في: 1456، 6925، 7285].
(فقال) له أبو بكر رضي الله عنه: (والله لأقاتلن من فرق)
بتشديد الراء وقد تخفف (بين الصلاة والزكاة) أي: قال
أحدهما واجب دون الآخر أو منع من إعطاء الزكاة متأولاً كما
مر (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق البدن. أي:
فدخلت في قوله إلا بحقه فقد تضمنت عصمة دم ومال معلقة
باستيفاء شرائطها والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما
والآخر معدوم، فكما لا تتناول العصمة من لم يؤدّ حق الصلاة
كذلك لا تتناول العصمة من لم يؤد حق الزكاة، وإذا لم
تتناولهم العصمة بقوا في عموم قوله: "أمرت أن أقاتل الناس"
فوجب قتالهم حينئذ، وهذا من لطيف النظر أن يقلب المعترض
على المستدل دليله فيكون أحق به، ولذلك فعل أبو بكر فسلم
له عمر وقاسه على الممتنع من الصلاة لأنها كانت بالإجماع
من رأي الصحابة، فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه فاجتمع
في هذا الاحتجاج من عمر بالعموم ومن أبي بكر بالقياس فدلّ
على أن العموم يخص بالقياس، وفيه دلالة على أن العمرين لم
يسمعا من الحديث الصلاة والزكاة كما سمعه غيرهما أو لم
يستحضراه إذ لو كان ذلك لم يحتج عمر على أبي بكر، ولو سمعه
أبو بكر لردّ به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم
قوله: إلا بحقه، لكن يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا
الدليل النظري، ويحتمل كما قال الطيبي: أن يكون عمر ظن أن
المقاتلة إنما كانت لكفرهم لا لمنعهم الزكاة فاستشهد
بالحديث، وأجابه الصديق: بأني ما أقاتلهم لكفرهم بل لمنعهم
الزكاة (والله لو منعوني عناقًا) بفتح العين المهملة
الأنثى من المعز (كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها. قال عمر
رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد) سقط لفظة: "قد" في
رواية أبي ذر (شرح الله صدر أبي
(3/6)
بكر رضي الله عنه) لقتالهم (فعرفت أنه
الحق) بما ظهر من الدليل الذي أقامه الصديق نصًّا وإقامة
الحجة لا أنه قلده في ذلك لأن المجتهد لا يقلد مجتهد.
وذكر البغوي والطبري وابن شاهين والحاكم في الإكليل من
رواية حكيم بن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن فاطمة بنت
خشاف السلمية عن عبد الرحمن الظفري وكانت له صحبة قال: بعث
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رجل من
أشجع أن تؤخذ منه صدقته فأبى أن يعطيها فرده إليه الثانية
فأبى ثم ردّه إليه الثالثة وقال: إن أبى فاضرب عنقه اللفظ
للطبراني ومداره عندهم على الواقدي عن عبد الرحمن بن
عبد العزيز الإمامي عن حكيم، وذكره الواقدي في أوّل كتاب
الردة وقال في آخره قال عبد الرحمن بن عبد العزيز فقلت
لحكيم بن حكيم: ما أرى أبا بكر الصديق قاتل أهل الردة إلا
على هذا الحديث. قال: أجل. وخشاف: ضبطه ابن الأثير بفتح
المعجمة وتشديد الشين المعجمة وآخره فاء وفي الحديث: أن
حول النتاج حول الأمهات وإلا لم يجز أخذ العناق. وهذا مذهب
الشافعية، وبه قال أبو يوسف. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا تجب
الزكاة في المسألة المذكورة وحملا الحديث على المبالغة.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في استتابة المرتدين وفي
الاعتصام، ومسلم في الإيمان وكذا الترمذي، وأخرجه النسائي
أيضًا فيه وفي المحاربة.
2 - باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
(باب البيعة على إيتاء الزكاة) بفتح الموحدة ({فإن تابوا})
من الكفر ({وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم}) فهم
إخوانكم ({في الدين}) لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. وساق
المؤلّف هذه الآية الشريفة هنا تأكيدًا لحكم الترجمة أي:
فكما لا يدخل الكافر في التوبة من الكفر وينال أخوة
المؤمنين في الدين إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة كذلك
بيعة الإسلام لا تتم إلا بإيتاء الزكاة ومانعها ناقض للعهد
مبطل لبيعته، لأن كل ما تضمنته بيعته عليه الصلاة والسلام
فهو واجب.
1401 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: "قَالَ
جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ
الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ
مُسْلِمٍ".
وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم محمد
(قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن نمير (قال:
حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي
التابعي (عن قيس) هو ابن أبي حازم واسمه عوف البجلي
التابعي المخضرم (قال: قال جرير بن عبد الله) البجلي
الأحمسي (رضي الله عنه: بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المبايعة وهي عقد العهد (على إقام
الصلاة) بحذف التاء من إقامة لأن المضاف إليه عوض عنها
(وإيتاء الزكاة) أي إعطائها (والنصح لكل مسلم) وكافر
بإرشاده إلى الإسلام فالتخصيص للغالب، وقوله: والنصح بالجر
عطفًا على سابقه، والحديث سبق في آخر كتاب الإيمان.
3 - باب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا
جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا
كَنَزْتُمْ لأِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ
تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34 - 35].
(باب إثم مانع الزكاة، وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على
سابقه وبالرفع على الاستئناف ({والذين يكنزون الذهب والفضة
ولا ينفقونها}) الضمير للكنوز الدال عليها يكنزون أو
للأموال فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون
التموّل أو للفضة لأنها أقرب ويدل على أن حكم الذهب كذلك
بطريق الأولى ({في سبيل الله}) المراد به المعنى الأعم لا
خصوص أحد السهام الثمانية، وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى
هذه الآية ({فبشرهم بعذاب أليم}) [التوبة: 34] هو الكيّ
بهما ({يوم يحمى عليها في نار جهنم}) يوم توقد النار ذات
حمى وحر شديد على الكنوز، وأصله: تحمى بالنار فجعل الإحماء
للنار مبالغة، ثم طوى ذكر النار وأسند الفعل للجار
والمجرور تنبيهًا على المقصود وانتقل من صيغة التأنيث إلى
صيغة التذكير وإنما قال: عليها والمذكور شيئان لأن المراد
دنانير ودراهم كثيرة، كما قال عليّ رضي الله عنه: فيما
قاله الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى عن جعدة بن هبيرة
عنه: أربعة آلاف وما دونها نفقة وما فوقها كنز ({فتكوى بها
جباههم وجنوبهم وظهورهم}) لأنها مجوّفة فتسرع الحرارة
إليها أو الكي في الوجه أبشع وأشهر وفي الظهر والجنب أوجع
وآلم وقيل: لأن جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى
والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية. وقيل: لأن صاحب
الكنز إذا رأى الفقير قبض جبهته وولى ظهره
(3/7)
وأعرض عنه كشحه. وقيل: إنه لا يوضع دينار
على دينار ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل درهم في موضع على
حدة.
وروى ابن أبي حاتم مرفوعًا: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو
أبيض إلا جعل الله بكل صفيحة من نار تكوى بها قدمه إلى
ذقنه ({هذا ما كنزتم لأنفسكم})، أي يقال لهم ذلك
({فذوقوا}) وبال ({ما كنتم تكنزون}) [التوبة: 35] أي كنزكم
أو ما تكنزونه، فما: مصدرية أو موصولة. وأكثر السلف أن
الآية عامة في المسلمين وأهل الكتاب، وفي سياق المؤلّف لها
تلميح إلى تقوية ذلك خلافًا لمن ذهب إلى أنها خاصة بالكفار
والوعيد المذكور في كل ما لم تؤدّ زكاته. وفي حديث عمر:
أيما مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونًا في الأرض
وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على
وجه الأرض. وسياق هذه الآية بتمامها في غير رواية أبي ذر
وله: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل
الله} إلى قوله: {فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
1402 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَأْتِي
الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا
هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَأُهُ
بِأَخْفَافِهَا، وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا
عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا
حَقَّهَا تَطَأُهُ بِأَظْلاَفِهَا وَتَنْطَحُهُ
بِقُرُونِهَا. قَالَ: وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى
الْمَاءِ. قَالَ: وَلاَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا
يُعَارٌ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لاَ
أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ. وَلاَ يَأْتِي
بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ
فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ
شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ». [الحديث 1402 - أطرافه في:
2378، 3073، 9658].
وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان البهراني
الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي قال:
(حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن بن
هرمز الأعرج) سقط ابن هرمز في بعض النسخ (حدّثه أنه سمع
أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تأتي الإبل على صاحبها) يوم القيامة وعثر "بعلى" ليشعر
باستعلائها وتسلطها عليه (على خير ما كانت) عنده في القوّة
والسمن ليكون أثقل لوطئها وأشد لنكايتها فتكون زيادة في
عقوبته: وأيضًا فقد كان يودّ في الدنيا ذلك فيراها في
الآخرة أكمل (إذا هو لم يعط فيها حقها) أي زكاتها (تطأه)
بألف من غير واو في الفرع وكذا هو عند بعض النحويين لشذوذ
هذا الفعل من بين نظائره في التعدّي لأن الفعل إذا كان
فاؤه واوًا وكان على فعل مكسور العين كان غير متعد غير هذا
الحرف ووسع فلما شذا دون نظائرهما أعطيا هذا الحكم. وقيل:
إن أصله توطئ بكسر الاطاء فسقطت الواو لوقوعها بين ياء
وكسرة ثم فتحت الطاء لأجل الهمزة. نبه عليه صاحب العمدة
(بأخفافها) جمع خف وهو للإبل كالظلف للغنم والبقر، والحافر
للحمار والبغل والفرس، والقدم للآدمي. ولمسلم من طريق أبي
صالح عنه: ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان
يوم القيامة بطح لها بقاع
قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحدًا تطأه
بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مرت عليه أولاها ردّت عليه
أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين
العباد ويرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. (وتأتي
الغنم على صاحبها) يوم القيامة (على خير ما كانت) عنده في
القوّة والسمن (وإذا لم يعط فيها حقها) زكاتها وسقط لفظ هو
الثابت بعد إذا فيما سبق (تطأه بأظلافها) بالظاء المعجمة
(وتنطحه بقرونها) بفتح الطاء. ولأبي الوقت: تنطحه بكسرها
على الأشهر، بل قال الزين العراقي: إنه المشهور في الرواية
وفيه: إن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة
والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في
بعضها لأن الحق في جميع المال غير متميز. (قال: ومن حقها)
قال ابن بطال: يريد حق الكرم والمواساة وشرف الأخلاق لا
أنه فرض (أن تحلب على الماء) يوم ورودها كما زاده أبو نعيم
وغيره ليحضرها المساكين النازلون عليه أي الماء ومن لا لبن
له فيها فيعطي من ذلك اللبن ولأن فيه رفقًا بالماشية. قال
العلماء: وهذا منسوخ بآية الزكاة أو هو من الحق الزائد على
الواجب الذي لا عقاب بتركه بل على طريق المواساة وكرم
الأخلاق كما قاله ابن بطال فيما مرّ. واستدلّ به من يرى أن
في المال حقوقًا غير الزكاة وهو مذهب غير واحد من
التابعين.
وفي الترمذي عن فاطمة بنت قيس عنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إن في المال لحقًّا سوى الزكاة".
ورواه بعضهم تجلب بالجيم. وجزم ابن دحية بأنه تصحيف، وقد
وقع عند أبي داود من طريق أبي عمرو الغداني ما يفهم أن هذه
الجملة وهي: ومن حقها الخ .... مدرجة من قول أبي هريرة،
لكن في مسلم من حديث
(3/8)
أبي الزبير عن جابر هذا الحديث وفيه: فقلنا
يا رسول الله وما حقها؟ قال: "إطراق فحلها وإعارة دلوها
ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله". فبين
أنها مرفوعة كما نبه عليه في
الفتح، لكن قال الزين العراقي: الظاهر أنها أي هذه الزيادة
ليست متصلة كما بينه أبو الزبير في بعض طرق مسلم فذكر
الحديث دون الزيادة، ثم قال أبو الزبير: سمعت عبيد الله بن
عمير يقول هذا القول ثم سألت جابرًا فقال مثل قول عبيد بن
عمير، قال أبو الزبير: وسمعت عبيد بن عمير يقول: قال رجل
يا رسول الله ما حق الإبل: قال: "حلبها على الماء". قال
الزين العراقي: فقد تبين أن هذه الزيادة إنما سمعها أبو
الزبير من عبيد بن عمير مرسلة لا ذكر لجابر فيها انتهى.
لكن قد وقعت هذه الجملة وحدها عند المؤلّف مرفوعة من وجه
آخر عن أبي هريرة في الشرب في باب حلب الإبل على الماء
بلفظ: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا محمد بن فليح قال:
حدّثني أبي عن هلال بن عليّ عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن
أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من حق الإبل أن تحلب على الماء"
وهذا يقوّي قول الحافظ ابن حجر أنها مرفوعة.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (ولا يأتي) خبر بمعنى النهي
(أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار) بضم
المثناة التحتية والعين المهملة؛ أي صوت. قال ابن المنير:
ومن لطيف الكلام أن النهي الذي أوّلنا به النفي يحتاج إلى
تأويل أيضًا فإن القيامة ليست دار تكليف وليس المراد نهيهم
عن أن يأتوا بهذه الحالة إنما المراد لا تمنعوا الزكاة
فتأتوا كذلك، فالنهي في الحقيقة إنما باشر سبب الإتيان لا
نفس الإتيان. وللمستملي والكشميهني: ثغاء بضم المثلثة
وبغين معجمة ممدودة صياح الغنم أيضًا: (فيقول: يا محمد،
فأقول) له: (لا أملك لك شيئًا) أي للتخفيف عنك (قد بلغت)
إليك حكم الله (ولا يأتي) أحدكم يوم القيامة (ببعير) ذكر
الإبل وأنثاه (يحمله على رقبته له رغاء) براء مضمومة وغين
معجمة صوت الإبل (فيقول: يا محمد! فأقول) له: (لا أملك لك
شيئًا) ولأبي ذر: لك من الله شيئًا (قد بلغت) إليك حكم
الله تعالى.
1403 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ
يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي
شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا
كَنْزُكَ. ثُمَّ تَلاَ {لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ
يَبْخَلُونَ} الآيَةَ". [الحديث 1403 - أطرافه في: 4565،
4659، 6957].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
هاشم بن القاسم) بألف قبل الشين أبو النضر التميمي قال:
(حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه) عبد
الله (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(من آتاه) بمد الهمزة أي أعطاه (الله وإلاّ فلم يؤدّ زكاته
مُثّل له) بضم الميم مبنيًّا للمفعول أي
صوّر له (يوم القيامة) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن
عساكر: مثل له ماله يوم القيامة أي ماله الذي لم يؤدّ
زكاته (شجاعًا) بضم الشين المعجمة والنصب مفعول ثان لمثل
والضمير الذي فيه يرجع إلى قوله مالاً وقد نَاب عن المفعول
الأوّل، وقال الطيبي: شجاعًا نصب يجري مجرى المفعول الثاني
أي صوّر ماله شجاعًا. وقال ابن الأثير: ومثل يتعدّى إلى
مفعولين فإذا بني لما لم يسم فاعله يتعدى إلى واحد فلذا
قال: مثل له شجاعًا. وقال البدر الدماميني: شجاعًا منصوب
على الحال وهو الحية الذكر والذي يقوم على ذنبه ويواثب
الرجل والفارس وربما بلغ الفارس (أقرع) لا شعر له على رأسه
لكثرة سمه وطول عمره (له زبيبتان) بزاي معجمة مفتوحة
فموحدتين بينهما تحتية ساكنة أي زبدتان في شدقيه يقال:
تكلم فلان حتى زبب شدقاه أي خرج الزبد عليهما، أو هما
نابان يخرجان من فيه، وردّ بعدم وجود ذلك كذلك أو هما
النكتتان السوداوان فوق عينيه وهو أوحش ما يكون من الحيات
وأخبثه (يطوّقه) بفتح الواو والمشددة والضمير الذي فيه
مفعوله الأوّل والضمير البارز مفعوله الثاني وهو يرجع إلى
من في قوله "من آتاه الله مالاً" والضمير المستتر يرجع إلى
الشجاع أي يجعل طوقًا في عنقه (يوم القيامة ثم يأخذ)
الشجاع (بلهزمتيه) بكسر اللام والزاي بينهما هاء ساكنة
وبعد الميم فوقية تثنية لهز ولغير أبي ذر: بلهزميه بإسقاط
الفوقية وفسرهما بقوله (يعني شدقيه) بكسر الشين المعجمة أي
جانبي الفم
(3/9)
أو لأبي ذر: يعني بشدقيه بزيادة موحدة قبل
الشين (ثم يقول): الشجاع له (أنا مالك، أنا كنزك) يخاطبه
بذلك ليزداد غصة وتهكمًا عليه (ثم تلا) عليه الصلاة
والسلام: ({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}) [آل
عمران: 180] بالغيب في يحسبن أسنده إلى الذين وقدر مفعولاً
دل عليه يبخلون أي: لا يحسبن الباخلون بخلهم خيرًا لهم،
وحذف واو ولا وهي ثابتة في القرآن. ولأبي ذر: ولا تحسبن
بإثباتها وتحسبن بالخطاب وهي قراءة حمزة والمطوعي عن
الأعمش أسنده إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وقدر مضافًا أي لا تحسبن يا محمد بخل الذين
يبخلون هو خيرًا لهم فبخل وخيرًا مفعولاه.
وفي رواية الترمذي قرأ مصداقه سيطوقون ما بخلوا به يوم
القيامة وفيه دلالة على أن المراد بالتطويق حقيقته خلافًا
لمن قال إن معناه سيطوّقون الإثم. وفي تلاوة الرسول
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآية عقب ذلك دلالة
على أنها نزلت في مانعي الزكاة وعليه أكثر المفسرين. وهذا
الحديث جعله أبو العباس الطرقي والذي قبله حديثًا واحدًا.
ورواه مالك في موطئه عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح لكن
بوقفه على أبي هريرة، وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة
فرواه عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال ابن عبد البر: وهو عندي
خطأ بيّن في الإسناد لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن
ابن عمر ما رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة أصلاً. ورواية
مالك وعبد الرحمن بن عبد الله هي الصحيحة وهو مرفوع صحيح.
وقد أخرج حديث الباب المؤلّف أيضًا في التفسير، والنسائي
في الزكاة.
4 - باب مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ
فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»
هذا (باب) بالتنوين (ما أدّي زكاته فليس بكنز) هذا لفظ
حديث رواه مالك عن ابن عمر موقوفًا وأبو داود مرفوعًا لكن
بمعناه (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
في الحديث الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
(ليس فيما دون خمسة) بزيادة التاء وللأصيلي وأبي ذر خمس
(أواق) بغير ياء كقاض وجوار، ولأبي ذر: أواقي بإثباتها
كأثفية وأثافي ويجوز تخفيف الياء وتشديدها (صدقة) فليس
بكنز لأنه لا صدقة فيه فإذا زاد شيء عليها ولم تؤد زكاته
فهو كنز.
1404 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-. فَقَالَ
أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي قَوْلَ اللَّهِ {وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله
عنهما-: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا
فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ
الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ
طُهْرًا لِلأَمْوَالِ". [الحديث 1404 - طرفه في: 4661].
(وقال أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح الشين المعجمة وبموحدتين
بينهما تحتية ساكنة. وسعيد بكسر العين الحبطي بالحاء
المهملة والموحدة المفتوحتين وبالطاء المهملة نسبة إلى
الحبطات من بني تميم البصري من مشايخ المؤلّف وثقه أبو
حاتم الرازي وكتب عنه ابن المديني. وقال أبو الفتح الأزدي:
منكر الحديث غير مرضي لكن لا عبرة بقول الأزدي لأنه ضعيف
فكيف يعتمد في تضعيف الثقات؟ وتعليقه هذا وصله أبو داود في
كتاب الناسخ والمنسوخ عن محمد بن محمد بن يحيى الذهلي عن
أحمد بن شبيب، ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني: حدّثنا
أحمد بن شبيب بن سعيد قال: (حدّثنا أبي) شبيب (عن يونس) بن
يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن خالد بن أسلم) هو
أخو زيد بن أسلم (قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر) بن
الخطاب (رضي الله عنهما فقال) له (أعرابي أخبرني قول الله)
ولأبي ذر عن الكشميهني: عن قول الله ({والذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله}) [التوبة: 34] (قال ابن
عمر: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها) بإفراد الضمير والسابق
اثنان كينفقولها على تأويل الأموال، أو يرجع الضمير إلى
الفضة لأنها أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذهب، أو
اكتفى ببيان حكمها عن حكم الذهب (فويل له) أي حزن وهلاك
ومشقة وارتفاع ويل على الابتداء (إنما كان هذا قبل أن تنزل
الزكاة) قال ابن بطال يريد بما قبل نزول الزكاة قوله
تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] أي
ما فضل عن الكفاية فكانت الصدقة فرضًا بما فضل عن كفايته
(فلما أنزلت) أي الزكاة بعد الهجرة في السنة الثانية قبل
فرض رمضان كما أشار إليه النووي في باب:
السير من الروضة. وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان
في التاسعة وفيه نظر يطول استقصاؤه. نعم، بعث العمال لأجل
أخذ الصدقات كان في التاسعة وهو يستدعي سبق فرضية الزكاة
(جعلها الله طهرًا) أي مطهرة (للأموال) وطهرًا لمخرجيها عن
رذائل الأخلاق ونسخ حكم الكنز، لكن قال البرماوي: وإذا حمل
لا ينفقونها على لا يؤدّون زكاتها
(3/10)
فلا نسخ.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وأيلي ومدني وفيه رواية
الابن عن الأب وتابعي عن تابعي عن صحابي، والتصدير بالقول
والتحديث والعنعنة، وخالد من أفراده وليس له في الصحيح إلا
هذا الحديث، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، والنسائي في
الزكاة.
1405 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى
بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ
عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
سَعِيدٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ
صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ
صَدَقَةٌ». [الحديث 1405 - أطرافه في: 1447، 1459، 1484].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن يزيد) هو إسحاق بن إبراهيم بن
يزيد من الزيادة أبو النضر الأموي مولاهم الفراديسي الشامي
قال: (أخبرنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم
البصري ثم الدمشقي (قال:) عبد الرحمن (الأوزاعي) ولأبي ذر:
أخبرنا الأوزاعي قال: (أخبرني) بالإفراد (يحيى بن أبي
كثير) بالمثلثة. وقد تعقب المؤلّف الدارقطني وأبو مسعود
الدمشقي في هذا السند بأن إسحاق بن يزيد شيخ المؤلّف وهم
في نسب يحيى بن أبي كثير وإنما هو يحيى بن سعيد مع
الاختلاف على الأوزاعي فيه لأن عبد الوهاب بن نجدة رواه عن
سعيد عن الأوزاعي قال: حدّثني يحيى بن سعيد. ورواه الوليد
بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن اليمان عن يحيى بن
سعيد فاتفقا على أن يحيى هو ابن سعيد، وزاد الوليد بن مسلم
رجلاً بين الأوزاعي ويحيى بن سعيد، ورواه داود بن رشيد
وهشام بن خالد جميعًا عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن
يحيى غير منسوب. وأجاب الحافظ ابن حجر بأن سليمان بن عبد
الرحمن الدمشقي تابع إسحاق بن يزيد عن شعيب بن إسحاق كما
أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي من طريقه وهو يدل على أنه عند
شعيب على الوجهين لكن دلت رواية الوليد بن مسلم على أن
رواية الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بغير واسطة موهومة أو
مدلسة، وأما رواية إسحاق بن يزيد عن شعيب فصحيحة صريحة
لأنه قد صرح فيها بأن يحيى أخبره، فلهذا عدل المؤلّف إلى
هذا واقتصر على طريق يحيى بن أبي كثير (أن عمرو بن يحيى)
بفتح العين (ابن عمارة) بضمها المازني الأنصاري (أخبره عن
أبيه يحيى بن عمارة بن أبي الحسن) المازني المدني (أنه سمع
أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري (رضي الله عنه يقول: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ليس فيما دون خمس أواق) بغير ياء كجوار من الفضة (صدقة)
والأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء أربعون درهمًا بالنصوص
المشهورة والإجماع كما قاله النووي في شرح المهذّب. وروى
الدارقطني بسند فيه ضعف عن جابر برفعه. والوقية: أربعون
درهمًا. وعند أبي عمر من حديثه مرفوعًا أيضًا: الدينار
أربعة وعشرون قيراطًا قال: وهذا وإن لم يصح سنده ففي
الإجماع عليه ما يغني عن إسناده والاعتبار بوزن مكة
تحديدًا والمثقال لم يختلف في جاهلية ولا إسلام وهو اثنان
وسبعون شعيرة بالموحدة معتدلة بن تقشر وقطع من طرفيها ما
دق وطال، وأما الدراهم فكانت مختلفة الأوزان وكان التعامل
غالبًا في عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والصدر الأول بعده بالدرهم البغلي نسبة إلى البغل لأنه كان
عليها صورته وكان ثمانية دوانق، والدرهم الطبري نسبة إلى
طبرية قصبة الأردن بالشام وتسمى بنصيبين وهو أربعة دوانق
فجمعا وقسما درهمين كل واحد ستة دوانق، وقيل: إنه فعل زمن
بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر عليه. وروى ابن سعد في
الطبقات: أن عبد اللك بن مروان أول من أحدث ضربها ونقش
عليها سنة خمس وسبعين. وقال الماوردي: فعله عمر ومتى زيد
على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال
ثلاثة أعشاره كان درهمًا وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل
عشرة مثاقيل أربعة عشر درهمًا وسُبعان (وليس) ولأبى ذر:
ولا (فيما دون خمس ذود) من الإبل (صدقة) وذود بفتح الذال
المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة. قال ابن المنير:
أضاف خمس إلى ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر والمؤنث
وأضافه إلى الجمع لأنه على المفرد والجمع، وأما قول ابن
قتيبة: إنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره أنه
يقع على الجمع. انتهى. والأكثر على أن الذود من الثلاثة
إلى العشرة لا واحد له من لفظه، وأنكر ابن قتيبة أن يراد
بالذود الجمع، وقال: لا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن
يقال خمس ثوب، وغلطه العلماء في ذلك قال أبو حاتم
السجستاني: تركوا القياس
(3/11)
في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما
قالوا ثلاثمائة على غير قياس. قال القرطبي: وهذا صريح في
أن الذود واحد في لفظه والأشهر ما قاله المتقدمون أنه لا
يقصر على الواحد. وقال في القاموس: من ثلاثة أبعرة إلى
عشرة أو خمس عشرة أو عشرين أو ثلاثين أو ما بين الثنتين
إلى التسع ولا يكون إلا من الإناث وهو واحد وجمع أو جميع
لا واحد له أو واحد جمعه أذواد. (وليس فيما دون خمس) بغير
تاء، وللأربعة خمسة. (أوسق) من تمر أو حب (صدقة) والأوسق
بفتح الهمزة وضم السين جمع وسق بفتح الواو وكسرها وهو ستون
صاعًا. والصاع: أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي
فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي، ورطل بغداد على
الأظهر مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم.
1406 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا
حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: "مَرَرْتُ
بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ -رضي الله
عنه-، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟
قَالَ: كُنْتُ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا
وَمُعَاوِيَةُ فِي {الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
قَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ،
فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، فَكَانَ بَيْنِي
وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ -رضي الله
عنه-
يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَىَّ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمِ
الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُهَا، فَكَثُرَ عَلَىَّ النَّاسُ
حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ،
فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ
تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا. فَذَاكَ الَّذِي
أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَىَّ
حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ". [الحديث 1406 - طرفه
في: 4660].
وبه قال: (حدّثنا علي) غير منسوب، ولأبي ذر: علي بن أبي
هاشم واسم أبي هاشم عبيد الله الليثي البغدادي ويعرف عبيد
الله بالطبراخ بكسر الطاء المهملة وسكون الموحدة وآخره خاء
معجمة أنه (سمع هشيمًا) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن
بشير بضم الموحدة وفتح الشين ابن القاسم بن دينار قال:
(أخبرنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين أبو الهذيل
(عن زيد بن وهب) بفتح الواو أبو سليمان الهمداني الجهني
الكوفي التابعي الكبير أحد المخضرمين (قال: مررت بالربذة)
بفتح الراء الموحدة والذال المعجمة موضع على ثلاث مراحل من
المدينة به قبر أبي ذر (فإذا أنا بأبي ذر) جندب بن جنادة
(رضي الله عنه فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا)؟ وإنما سأله
زيد عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا
ذر، وقد بين أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان إنما كان
باختياره كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. (قال): أبو
ذر (كنت بالشأم) أي بدمشق (فاختلفت أنا ومعاوية) بن أبي
سفيان وكان إذ ذاك عامل عثمان على دمشق (في) من نزل قوله
تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ
وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]
(قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب) نظرًا إلى سياق الآية
فإنها نزلت في الأحبار والرهبان الذين لا يؤتون الزكاة،
قال أبو ذر: (فقلت نزلت فينا وفيهم) نظرًا إلى عموم الآية
(فكان بيني وبينه في ذلك) وفي نسخة في ذاك نزاع، بل قيل:
إنه كان كثير الاعتراض عليه والمنازعة له، وكان جيش معاوية
يميل إلى أبي ذر وكان لا يخاف في الله لومة لائم. (وكتب)
معاوية رضي الله عنه لما خشي أن يقع بين المسلمين خلاف
وفتنة (إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني) إما بسبب هذه
الواقعة الخاصة أو على العموم (فكتب إلي عثمان) رضي الله
عنه (أن أقدم المدينة) بفتح الدال أما فعل مضارع فهمزته
همزة قطع أو فعل أمر فتحذف في الوصل (فقدمتها، فكثر علي
الناس) أي يسألونه عن سبب خروجه من دمشق وعما جرى بينه
وبين معاوية (حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان
فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا). خشي عثمان على أهل
المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشأم (فذاك الذي أنزلني
هذا المنزل). بالنصب (ولو أمروا علي) عبدًا (حبشيًّا
لسمعت) قوله (وأطعت) أمره. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى من
طريق أبي حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "كيف تصنع إذ
أخرجت منه أي من المسجد النبوي" قال: آتي الشام. قال: "كيف
تصنع إذا أخرجت منها" قال: أعود إليه أي إلى المسجد. قال:
"كيف تصنع إذا خرجت منه؟ " قال: أضرب بسيفي. قال: "ألا
أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدًا تسمع وتطيع
وتنساق لهم حيث ساقوك".
وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، ومناسبته
للترجمة من جهة أن ما أدّي زكاته فليس بكنز ومفهوم الآية
كذلك، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وكذا النسائي.
1407 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي
الْعَلاَءِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ "جَلَسْتُ".
ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا
الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلاَءِ بْنُ
الشِّخِّيرِ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ
قَالَ: "جَلَسْتُ إِلَى مَلإٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ
رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ،
حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: بَشِّرِ
الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ
حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى
نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ
يَتَزَلْزَلُ. ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ.
وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا لاَ أَدْرِي
مَنْ هُوَ، فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أُرَى الْقَوْمَ إِلاَّ
قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ. قَالَ: إِنَّهُمْ لاَ
يَعْقِلُونَ شَيْئًا".
وبه قال (حدّثنا عياش) بالتحتية والشين المعجمة ابن الوليد
الرقام البصري (قال: حدّثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى
السامي بالمهملة (قال: حدّثنا الجريري) بضم الجيم
(3/12)
وفتح الراء الأولى سعيد بن أبي إياس (عن
أبي العلاء) بفتح العين والهمز ممدودًا يزيد من الزيادة
ابن الشخير المعافري (عن الأحنف بن قيس) بفتح الهمزة وسكون
الحاء المهملة آخره فاء (قال: جلست) قال المؤلّف: (ح).
(وحدّثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال:
(أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث (قال: حدّثنا أبي) عبد
الوارث قال: (حدّثنا) سعيد (الجريري) قال: (حدّثنا أبو
العلاء بن الشخير) بكسر الشين والخاء المعجمتين (أن الأحنف
بن قيس حدثهم) أردف المؤلّف هذا الإسناد بسابقه وإن كان
أنزل منه لتصريح عبد الصمد بتحديث أبي العلاء للجريري
والأحنف لأبي العلاء. (قال): أي الأحنف (جلست إلى ملأ) أي
جماعة (من قريش فجاء رجل خشن الشعر) بفتح الخاء وكسر الشين
المعجمتين من الخشونة. وللقابسي: حسن بالمهملتين والأول هو
الصحيح (والثياب والهيئة حتى قام) أي وقف (عليهم فسلم ثم
قال: بشر الكانزين) {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] ولا يؤدون زكاتها. (برضف) بفتح
الراء وسكون الضاد المعجمة آخره فاء حجارة محماة (يحمى
عليه) أي على الرضف. ولأبي ذر: والأصيلي: عليهم (في نار
جهنم) بعدم الصرف للعجمة والعلمية أو عربي والمانع العلمية
والتأنيث (ثم يوضع) الرضف (على حلمة ثدي أحدهم) بفتح لام
حلمة وهي ما نشز من الثدي وطال (حتى يخرج من نغض كتفه) بضم
النون وسكون الغين المعجمة آخره ضاد معجمة ويسمى الغضروف
وهو العظم الرقيق على طرف الكتف أو هو أعلاه، وأصل النغص
الحركة فسمي به الشاخص من الكنف لأنه يتحرك من الإنسان في
مشيه وتصرفه وكتفه بالإفراد، (ويوضع) الرضف (على نغص كتفه)
بالإفراد (حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل) أي يتحرك ويضطرب
الرضف (ثم ولّى) أدبر (فجلس إلى سارية) اسطوانة (وتبعته
وجلست إليه وأنا لا أدري من هو فقلت له: لا أرى) بضم
الهمزة أي لا أظن (القوم إلا قد كرهوا الذي قلت) لهم بفتح
التاء خطاب لأبي ذر (قال) أبو ذر: (إنهم لا يعلقون شيئًا)
فسره بجمعهم الدنيا كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
1408 - قَالَ لِي خَلِيلِي -قَالَ قُلْتُ: مَنْ خَلِيلُكَ؟
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ--:
يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا؟ قَالَ فَنَظَرْتُ
إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَأَنَا
أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا
أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ. وَإِنَّ
هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُونَ، إِنَّمَا يَجْمَعُونَ
الدُّنْيَا. لاَ وَاللَّهِ، لاَ أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا
وَلاَ أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ
عز وجل".
(قال لي خليلي: قال): الأحنف (قلت من) ولأبي ذر: ومن
(خليلك) زاد في نسخة يا أبا ذر (قال): أبو ذر: هو أي خليلي
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقوله:
(يا أبا ذر أتبصر أحدًا)؟ الجبل المشهور معمول قال لي
خليلي وحينئذ يستقيم الكلام ولا يقال فيه حذف خلافًا لابن
بطال والزركشي وغيرهما حيث قالوا: أسقط قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جواب السائل من خليلك، أو
قال النبي الثابتة جوابه وسقط قوله قال النبي يا أبا ذر،
أو الساقط كما قاله في فتح الباري قال فقط من قوله قال: يا
أبا ذر أتبصر؟ قال: وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولا
بد من إثباتها انتهى. (قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من
النهار) قال البرماوي كالكرماني والزركشي والعيني أي أي
شيء بقي منه وكأنهم جعلوها استفهامية. قال البدر
الدماميني: وليس المعنى عليه إنما المعنى فنظرت إلى الشمس
أتعرف القدر الذي بقي من النهار وأنظر الذي بقي منه فهي
موصولة (وأنا أرى) بضم الهمزة أي أظن (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرسلني في حاجة له.
قلت: نعم) جواب أتبصر أحدًا. (قال: ما أحب أن لي مثل أُحد
الجبل المشهور (ذهبًا) مثل اما اسم أن أو حال مقدمة على
الخبر وذهبًا تمييز (أنققه) لخاصة نفسي (كله) أي مثل كل
أحد ذهبًا (إلا ثلاثة دنانير) قال الكرماني: يحتمل أن هذا
المقدار كان دينًا أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة له
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا محمول على
الأولوية لأن جمع المال وإن كان مباحًا لكن الجامع مسؤول
عنه. وفي المحاسبة خطر فكان الترك أسلم، وما ورد من
الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه محمول على من وثق بأنه
يجمعه من الحلال الذي يأمن معه من خطر المحاسبة (وإن هؤلاء
لا يعقلون) هو من قول أبي ذر عطفًا على قوله لا يعقلون
شيئًا الأول وكرره للتأكيد وربط ما بعده به (إنما يجمعون
الدنيا) بيان لعدم عقلهم كما مرّ (لا والله) ولأبي ذر عن
الكشميهني: ولا الله (لا أسألهم دنيا) أي شيئًا من متاعها
بل
(3/13)
أقنع بالقليل وأرضى باليسير (ولا أستفتيهم
عن دين) اكتفاء بما سمعه من العلم من رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ألقى الله عز وجل) فيه
كثرة زهد أبي ذر، وقد كان مذهبه أنه يحرم على الإنسان
ادخار ما زاد على حاجته.
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواته
كلهم بصريون، وأخرجه مسلم في الزكاة أيضًا.
5 - باب إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ
(باب إنفاق المال في حقه).
1409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ
اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي
الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ
يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا».
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن البصري قال:
(حدّثنا يحيى) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد واسمه سعد
الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن حازم واسمه
عوف الأحمسي البجلي (عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: سمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا حسد) لا غبطة (إلا في اثنتين) بالتأنيث أي خصلتين
(رجل) بالجر بدل من اثنتين على حذف مضاف. ولأبي ذر: رجل
بالرفع على إضمار مبتدأ أي أحدهما رجل (آتاه) بالمد أي
أعطاه (الله مالاً فسلطه على هلكته) بفتح اللام وفيه
مبالغتان التعبير بالتسليط المقتضي للغلبة وبالهلكة
المشعرة بفناء الكل (في الحق) أخرج التبذير الذي هو صرف
المال فيما لا ينبغي (ورجل) بالجر، ولأبي ذر: ورجل بالرفع
(آتاه الله) أعطاه (حكمة) القرآن أو السنة كما قال الإمام
الشافعي في الرسالة (فهو يقضي بها ويعلمها).
فإن قلت: كل خير يتمنى مثله شرعًا فما وجه حصر التمني في
هاتين الخصلتين؟ أجاب ابن المنير الحصر هنا غير مراد إنما
المراد مقابلة ما في الطباع بضده لأن الطباع تحسد على جمع
المال وتذم ببذله فبين الشرع عكس الطبع فكأنه قال: لا حسد
إلا فيما تذمون عليه ولا مذمة إلا فيما تحسدون عليه، ووجه
المؤاخاة بين الخصلتين أن المال يزيد بالإنفاق ولا ينقص
لقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]
ولقوله عليه الصلاة والسلام: "ما نقص مال من صدقة" والعلم
يزيد أيضًا بالإنفاق منه وهو التعليم فتواخيا.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب الاغتباط.
6 - باب الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ
لِقَوْلِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ
تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} -إِلَى
قَوْلِهِ- {الْكَافِرِينَ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- {صَلْدًا}: لَيْسَ عَلَيْهِ شَىْءٌ وَقَالَ
عِكْرِمَةُ {وَابِلٌ}: مَطَرٌ شَدِيدٌ. وَ {الطَّلُّ}:
النَّدَى.
(باب الرياء في الصدقة لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا
لا تبطلوا} ثواب ({صدقاتكم بالمنّ والأذى} إلى قوله:
{الكافرين}) [البقرة: 264] ولأبوي ذر والوقت: إلى قوله:
{والله لا يهدي القوم الكافرين} (وقال ابن عباس رضي الله
عنهما) مما وصله ابن جرير ({صلدًا} ليس عليه شيء. وقال
عكرمة): مولى ابن عباس مما وصله عبد بن حميد ({وابل})
[البقرة: 265] (مطر شديد و {الطل}
الندى) شبه سبحانه وتعالى الذي يبطل صدقته بالمنّ والأذى
بالذي ينفق ماله رئاء الناس لأجل مدحتهم وشهرته بالصفات
الجميلة مظهرًا أنه يريد وجه الله، ولا ريب أن الذي يرائي
في صدقته أسوأ حالاً من المتصدّق بالمن لأنه معلوم أن
المشبه به أقوى حالاً من المشبه، ومن ثم قال تعالى: {وَلَا
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [البقرة: 264]
ثم ضرب مثل ذلك المرائي بالإنفاق بقوله: {فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} أي حجر أملس عليه تراب فأصابه مطر
كبير القطر فتركه صلدًا أملس نقيًّا من التراب كذلك أعمال
المرائين تضمحل عند الله فلا يجد المرائي بالإنفاق يوم
القيامة ثواب شيء من نفقته كما لا يحصل النبات من الأرض
الصلدة. والضمير في لا يقدرون للذي ينفق باعتبار المعنى
لأن المراد به الجنس أو الجمع. أي: ينتفعون بما فعلوا ولا
يجدون ثوابه. وفي قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم
الكافرين} تعريض بأن الرياء والمن والأذى على الإنفاق من
صفة الكفار فلا بد للمؤمن أن يجتنبها.
7 - باب لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ،
وَلاَ يَقْبَلُ إِلاَّ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ:
{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ
يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}
هذا (باب) بالتنوين (لا يقبل الله صدقة) ولأبي الوقت:
الصدقة (من غلول)، بضم الغين المعجمة في المغنم، وللحموي
والكشميهني: لا تقبل الصدقة من غلول بضم أول تقبل وفتح
ثالثه مبنيًا للمفعول وهو طرف من حديث الباب أخرجه مسلم.
(ولا يقبل إلا من كسب طيب). هذا للمستملي وحده وهو طرف من
حديث الباب (لقوله) تعالى: {ويربي الصدقات} زاد أبو ذر:
{قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم}
[البقرة: 263].
8 - باب الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ
لِقَوْلِهِ: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا
يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
(باب الصدقة من كسب طيب لقوله {ويربي الصدقات} يكثرها
وينميها. وقوله: ويربي بضم أوّله وسكون ثانيه وتخفيف
الموحدة كذا التلاوة. وفي نسخة: ويربي بفتح الراء وتشديد
(3/14)
الموحدة ({والله لا يحب}) لا يرتضي ({كل
كفار}) مصر على تحليل الحرام ({أثيم}) [البقرة: 276] فاجر
بارتكابه ({إن الذين آمنوا}) بالله ورسله وبما جاء منه
({وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة}) عطفهما
على الأعم لشرفهما على سائر الأعمال الصالحة ({لهم أجرهم
عند ربهم ولا خوف عليهم}) من آت ({ولا هم يحزنون})
[البقرة: 277]، على فائت. ولغير أبي ذر: {ويربي الصدقات
والله لا يحب كل كفار أثيم} إلى قوله: {ولا خوف عليهم ولا
هم يحزنون} قال ابن
بطال: لما كانت هذه الآية مشتملة على أن الربا يمحقه الله
لأنه حرام دل ذلك على أن الصدقة التي تتقبل لا تكون من جنس
الممحوق انتهى.
وقال الكرماني: لفظ الصدقات وإن كان أعم من أن يكون من
الكسب الطيب ومن غيره لكنه مقيد بالصدقات التي من الكسب
الطيب بقرينة سياق ولا تيمموا الخبيث، وبهذا تحصل المناسبة
بين قوله: لا تقبل الصدقة إلا من كسب طيب وهذه الآية.
والجواب عن قول ابن التين: إن تكثير أجر الصدقة ليس علة
لكون الصدقة من كسب طيب وكان الأبين أن يستدل بقوله تعالى:
{أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 276].
1410 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ
أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -هُوَ
ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ
كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ
الطَّيِّبَ- وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ،
ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي، أَحَدُكُمْ
فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ». تَابَعَهُ
سُلَيْمَانُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ. وَقَالَ وَرْقَاءُ عَنِ
ابْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ
أَبِي مَرْيَمَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَسُهَيْلٌ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث
1410 - طرفه في: 7430].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني (عبد الله بن منير)
بضم الميم وكسر النون أنه (سمع أبا النضر) بفتح النون
وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية قال: (حدّثنا عبد
الرحمن -هو ابن عبد الله بن دينار- عن أبيه) عبد الله (عن
أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من تصدق بعدل تمرة) بمثناة فوقية وسكون الميم العدل عند
الجمهور بفتح العين المثل وبالكسر الحمل بكسر الحاء أي
بقيمة تمرة (من كسب طيب) حلال (ولا يقبل الله إلا الطيب)
جملة معترضة بين الشرط والجزاء تأكيدًا لتقرير المطلوب في
النفقة (وإن الله) بالواو، ولأبي الوقت: فإن الله
(يتقبلها) بمثناة فوقية بعد التحتية (بيمينه) -قال
الخطابي: ذكر اليمين لأنها في العرف لما عز والأخرى لما
هان. وقال ابن اللبان: نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة
لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدءًا وإعادة،
وتلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة
دوائرها تكون رتبة التخصيص لما ظهر عنها، فنور الفضل
باليمين ونور العدل باليد الأخرى والله سبحانه وتعالى
متعالٍ عن الجارحة. وعند البزار من حديث عائشة: فيتلقاها
الرحمن بيده. (ثم يربيها لصاحبه) وللكشميهني لصاحبها
بمضاعفة الأجر أو المزيد في الكمية (كما يربي أحدكم فلوه)
بفتح الفاء وضم
اللام وفتح الواو المشددة المهر حين يفطم وهو حينئذ يحتاج
إلى تربية غير الأم، والذي في اليونينية:
فلوه بفتح الفاء وسكون اللام وفتح الواو (حتى تكون)
بالمثناة الفوقية أي حتى تكون التمرة (مثل الجبل) لتثقل في
ميزانه أو المراد الثواب. وفي رواية القاسم عند الترمذي:
حتى أن اللقمة لتصير مثل أُحد وضرب المثل بالمهر، لأنه
يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون
النتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا فإذا أحسن العناية به
انتهى إلى حد الكمال، وكذلك الصدقة فإن العبد إذا تصدق من
كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى
تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدّم
نسبة ما بين التمرة إلى الجبل قاله في الفتح.
(تابعه) أي تابع عبد الرحمن (سليمان) بن بلال (عن ابن
دينار) عبد الله وهذه المتابعة ذكرها المصنف في التوحيد
لكن بمخالفة يسيرة في اللفظ ووصلها أبو عوانة وغيره (وقال)
مما وقع له مذاكرة (ورقاء) بن عمر (عن ابن دينار) عبد الله
(عن سعيد بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-). وقد خالف ورقاء عبد الرحمن بن سليمان فجعل
شيخ ابن دينار فيه سعيد بن يسار بدل أبي صالح. قال الحافظ
ابن حجر: ولم أقف على رواية ورقاء هذه موصولة. وقال
العيني: وصلها البيهقي في سننه من رواية أبي النضر هاشم بن
القاسم حدّثنا ورقاء. وقال الزين العراقي: رويناه في الجزء
الرابع من
(3/15)
فوائد أبي بكر الشافعي قال: حدّثنا محمد
يعني ابن غالب حدّثنا عبد الصمد حدّثنا ورقاء. وقال الحافظ
ابن حجر في كتاب التوحيد من فتحه وقد ذكرت في الزكاة أني
لم أقف على رواية ورقاء هذه المعلقة ثم وجدتها بعد ذلك عند
كتابتي هنا فقد وصلها البيهقي.
(ورواه) أي الحديث المذكور (مسلم بن أبي مريم) السلمي
المدني مما وصله القاضي يوسف بن يعقوب في كتاب الزكاة
(وزيد بن أسلم وسهيل) مما وصله عنهما مسلم (عن أبي صالح عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله في
الترجمة ولا تقبل إلا من كسب طيب لقوله قول معروف أي كلام
حسن ورد جميل ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني عن
إنفاق كل منفق حليم لا يعجل العقوبة، باب فضل الصدقة من
كسب، أي مكسوب، والمراد ما هو أعم من تعاطي التكسب فيدخل
الميراث وذكر الكسب لأنه الغالب في تحصيل المال طيب حلال
لقوله تعالى: {ويربي الصدقات} وذكر بقية الآية والحديث كما
سبق، وعزا الحافظ ابن حجر الباب والترجمة للمستملي
والكشميهني، وعلى هذا فتخلو ترجمة لا تقبل صدقة من غلول من
حديث وتكون كالتي قبلها في الاقتصار على الآية، ولكن تزيد
عليها بالإشارة إلى لفظ الحديث الذي في الترجمة كما وقع
التنبيه عليه.
9 - باب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الرَّدِّ
(باب الصدقة قبل الرد) ممن يريد المتصدق أن يتصدق عليه
لاستغنائه بما تخرجه الأرض من كنوزها.
1411 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ
وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَإِنَّهُ
يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ
بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ
الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا،
فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ لِي بِهَا». [الحديث
1411 - طرفاه في: 1424، 7120].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا معبد بن خالد) بفتح الميم والموحدة
بينهما عين مهملة ساكنة الجدلي بالجيم والدال المهملة
المفتوحتين الكوفي القاص بالقاف والصاد المهملة المشددة
العابد (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة
ووهب بفتح الواو وسكون الهاء الخزاعي أخا عبد الله بن عمر
بن الخطاب لأمه رضي الله عنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل) فيه (بصدقته)
جملة يمشي في محل رفع على أنها صفة لزمان والعائد محذوف أي
فيه (فلا يجد من يقبلها. يقول الرجل): الذي يريد المتصدق
أن يعطيه الصدقة (لو جئت بها بالأمس) حيث كنت محتاجًا
إليها (لقبلتها. فأما اليوم فلا حاجة لي بها) وللمستملي
والحموي: فيها. وفي الحديث الحث على الصدقة والإسراع بها.
فإن قلت: إن الحديث خرج مخرج التهديد على تأخير الصدقة فما
وجه التهديد فيه مع أن الذي لا يجد من يقبل صدقته قد فعل
ما في وسعه كما فعل الواجد لمن قبل صدقته؟ والجواب: أن
التهديد مصروف لمن أخرها عن مستحقها ومطله بها حتى استغنى
ذلك الفقير المستحق فغنى الفقير لا يخلص ذمة الغني المماطل
في وقت الحاجة قاله ابن المنير.
وهذا الحديث من الرباعيات، ورواته عسقلاني وواسطي وكوفي،
وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الفتن، ومسلم في الزكاة.
1412 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ،
حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ،
وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ
عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) ذكوان (عن
عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
قال، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تقوم الساعة حنى يكثر فيكم المال فيفيض) بفتح المثناة
التحتية من فاض الإناء فيضًا إذا امتلأ منصوب عطفًا على
الفعل المنصوب (حتى يهم رب المال من يقبل صدقته) بضم الياء
وكسر الهاء من أهم والهم الحزن. رب نصب كذا في الفرع وغيره
وضبطه الأكثرون على وجهين يهم بفتح أوله
وضم الهاء من الهم بفتح الهاء وهو ما يشغل القلب من أمر
يهم به، ورب منصوب مفعول يهم، ومن يقبل صدقته في محل رفع
على الفاعلية وأسند الفعل إليه لأنه كان سببًا فيما حصل
لصاحب المال وبضم الياء وكسر الهاء من أهمه الأمر إذا
أقلقه. قال العيني: فعلى هذا أيضًا الإعراب مثل الأول أي
في نصب رب على المفعولية لأن كلاًّ من مفتوح الياء
ومضمومها متعد. يقال: همه الأمر وأهمه. وقال النووي: ضبطوه
بوجهين أشهرهما بضم أوّله وكسر الهاء ورب مفعول والفاعل من
يقبل، والمعنى أنه يقلق صاحب المال
(3/16)
ويحزنه أمر من يأخذ منه زكاة ماله لفقد
المحتاج لأخذ الزكاة لعموم الغنى لجميع الناس، والثاني
بفتح أوّله وضم الهاء من هم بمعنى قصد ورب فاعل ومن مفعول
أي يقصده فلا يجده انتهى. ففرقوا بينهما فجعلوا الأول
متعديًا من الإهمام ورب مفعولاً والثاني من الهم القصد ورب
فاعلاً. وتعقب الزركشي والبرماوي وغيرهما الثاني فقالوا:
هذا ليس بشيء إذ يصير
التقدير يقصد الرجل من يأخذ ماله فيستحيل وليس المعنى إلا
على الأول. وأجاب البدر الدماميني: بأنه لا استحالة أصلاً
فإنهم قالوا المعنى أنه يقصد من يأخذ ماله فلا يجده، وإذا
لم يجد الإنسان طلبته التي هو حريص عليها فلا شك أنه يحزن
ويقلق لفوات مقصوده فعاد هذا إلى المعنى الأول انتهى.
ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يهم رب المال من يقبله أي
المال صدقة (وحتى يعرضه) بفتح أوله (فيقول الذي يعرضه
عليه:) بنصب يقول عطفًا على الفعل المنصوب قبله (لا أرب
لي) بفتحات أي لا حاجة لي لاستغنائي عنه. قال الزركشي
والكرماني والبرماوي: كأنه سقط من الكتاب كلمة فيه أي بعد
قوله "لا أرب لي" قال العيني مشيرًا إلى الكرماني: السقط
كأنه كان في نسخته وهو موجود في النسخ انتهى.
والظاهر أن النسخ التي وقف عليها العيني ليست معتمدة فقد
راجعت أصولاً معتمدة فلم أجدها مع ما هو مفهوم كلام الحافظ
ابن حجر أو منطوقه في شرحه لهذا الموضع حيث قال قوله لا
أرب لي: زاد في الفتن به فلو كانت ثابتة في الرواية هنا
لما احتاج أن يقول زاد في الفتن به، بل قال البدر
الدماميني: إن رواة البخاري متفقون على رواية هذا الحديث
بدون هذه اللفظة والمعنى عليها في كلام المتكلم يقول: لا
أرب لي بحذف الجار والمجرور لقيام القرينة انتهى.
وقول البرماوي كالكرماني وغيرهما وقد وجد ذلك في زمن
الصحابة كان تعرض عليهم الصدقة فيأبون قبولها يشيرون به
إلى نحو حكيم بن حزام إذ دعاه الصديق -رضي الله عنه-
ليعطيه عطاء فأبى وعرض عليه عمر بن الخطاب قسمه من الفيء
فلم يقبله رواه الشيخان وغيرهما، ولكن هذا إنما كان لزهدهم
وإعراضهم عن الدنيا مع قلة المال وكثرة الاحتياج ولم يكن
لفيض المال وحينئذ فلا يستشهد به في هذا المقام.
1413 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ أَخْبَرَنَا
سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ
حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ قَالَ
سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ
"كُنْتُ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَجَاءَهُ رَجُلاَنِ: أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ،
وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا
قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكَ إِلاَّ
قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ
خَفِيرٍ. وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لاَ
تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لاَ
يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ. ثُمَّ لَيَقِفَنَّ
أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ،
ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالاً؟
فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى. ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: أَلَمْ
أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى.
فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ،
ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ
النَّارَ. فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ
بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ
طَيِّبَةٍ». [الحديث 1413 - أطرافه في: 1417، 3595، 6023،
6539، 6540، 6563، 7443، 7512].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
أبو عاصم النبيل) قال: (أخبرنا سعدان بن بشر) بكسر الموحدة
وسكون الشين المعجمة الجهني قال: (حدّثنا أبو مجاهد) سعد
الطائي قال: (حدّثنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء
المهملة وتشديد اللام (الطائي قال: سمعت عدي بن حاتم)
الطائي (رضي الله عنه) والده الجواد المشهور أسلم سنة تسع
أو عشر وتوفي بعد الستين وقد أسن، قيل: بلغ مائة وعشرين،
وقيل مائة وثمانين (يقول: كنت عند رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءه رجلان) قال الحافظ ابن
حجر: لم أعرفهما (أحدهما يشكو العيلة) بفتح العين أي الفقر
(والآخر يشكو قطع السبيل) أي الطريق من طائفة يترصدون في
المكامن لأخذ مال أو لقتل أو ارعاب مكابرة اعتمادًا على
الشوكة مع البعد عن الغوث، (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أما قطع السيل فإنه لا ويأتي عليك إلا قليل) بالرفع على
البدل (حتى تخرج العير) بكسر العين المهملة وسكون المثناة
التحتية الإبل تحمل الميرة (إلى مكة بغير خفير) بفتح الخاء
المعجمة وكسر الفاء المجير الذي يكون القوم في خفارته
وذمته (وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم
بصدقته لا يجد من يقبلها منه) لاستغنائه عنها (ثم ليقفن
أحدكم بين يدي الله) عز وجل (ليس بينه وبينه حجاب) هذا على
سبيل التمثيل وإلاّ فالباري سبحانه وتعالى لا يحيط به شيء
ولا يحجبه حجاب، وإنما يستر تعالى عن أبصارنا بما وضع فيها
من الحجب للعجز عن الإدراك في الدنيا فإذا كان يوم القيامة
كشفها عن أبصارنا وقوّاها حتى نراه معاينة كما نرى القمر
ليلة البدر (ولا ترجمان) بفتح التاء وضمها وضم الجيم
(يترجم له ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟) زاد أبو الوقت:
وولدًا (فليقولن: بلى.
(3/17)
ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن:
بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله
فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم) بسكون اللام، وزاد أبو
ذر عن الكشميهني: (النار)، وفي نسخة: (ولو بشق تمرة) بكسر
الشين المعجمة بنصفها (فإن لم يجد) شيئًا يتصدق به على
المحتاج (فبكلمة طيبة) يردّه بها ويطيب قلبه ليكون ذلك
سببًا لنجاته من النار.
وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والسماع والقول، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في علامات النبوة والنسائي في الزكاة.
1414 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ
أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-. عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى
النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ
مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لاَ يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا
مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ
أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّةِ
الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت: حدّثني (محمد بن
العلاء) بفتح العين والمد أبو كريب قال: (حدّثنا أبو
أسامة) حماد بن أسامة الليثى (عن بريد) بضم الموحدة وفتح
الراء بن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الباء وسكون
الراء عامر أو الحرث بن أبي موسى (عن) أبيه (أبي موسى) عبد
الله بن قيس الأشعري (-رضي الله- عنه عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ليأتين على الناس زمان) قيل هو زمان عيسى عليه الصلاة
والسلام (يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب) خصه بالذكر
مبالغة في عدم من يقبل الصدقة لأن الذهب أعز الأموال
وأشرفها فإذا لم يوجد من يأخذه فغيره بطريق الأولى والقصد
عدم حصول القبول مع اجتماع ثلاثة أشياء: طواف الرجل
بصدقته، وعرضها على من يأخذها، وكونها من ذهب (ثم لا يجد
أحدًا يأخذها منه ويرى الرجل) بضم المثناة التحتية وفتح
الراء مبنيًا للمفعول (الواحد) حال كونه (يتبعه أربعون
امرأة يلذن به) بضم اللام وسكون الذال المعجمة أي يلتجئن
إليه (من قلة الرجال) بسبب كثرة الحروب والقتال الواقع في
آخر الزمان لقوله عليه الصلاة والسلام: يكثر الهرج (وكثرة
النساء).
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون وأخرجه مسلم بسند البخاري.
10 - باب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ،
وَالْقَلِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
الآيَةَ -وَإِلَى قَوْلِهِ- {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}.
هذا (باب) بالتنوين (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، هذا لفظ
الحديث.
(والقليل من الصدقة) بجر القليل عطفًا على سابقه من عطف
العام على الخاص أي اتقوا النار ولو بالقليل من الصدقة
({ومثل الذين ينفقون أموالهم}) شامل للقليل والكثير
({ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم}) [البقرة: 265]
أي: وتثبيت بعض أنفسهم على الإيمان فإن المال شقيق الروح
فمن بذل ماله لوجه الله ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه
ثبتها كلها أو تصديقًا وتيقنًا من أصل أنفسهم أن الله
سيجزيهم على ذلك، وفيه تنبيه على ذلك، وفيه تنبيه على أن
حكمة الانفاق
للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال (الآية) أي إلى
آخرها. ومعناها: أن مثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل جنة خبر
المبتدأ الذي هو مثل الذين ينفقون كمثل بستان بموضع مرتفع
من الأرض فإن شجره يكون أحسن منظرًا وأزكى ثمرًا أصاب
الجنة مطر عظيم القطر فأعطت ثمرتها ضعفين بالنسبة إلى
غيرها من البساتين فإن لم يصبها وابل فطل أي فيصيبها مطر
صغير القطر أو فطل يكفيها لكرم منبتها وبرودة هوائها
لارتفاع مكانها يعني نفقاتهم زاكية عند الله وإن كانت
متفاوتة بحسب أحوالهم كما أن الجنة تثمر قل المطر أو كثر،
(إلى قوله) تعالى: ({ومن كل الثمرات} [الأعراف: 57] ولأبي
ذر: {ومثل الذين ينفقون أموالهم} إلى قوله: {فيها من كل
الثمرات} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15]
كأن البخاري أتبع الآية الأولى التي ضربت مثلاً بالربوة
بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل عملاً يفقده
أحوج ما كان إليه للإشارة إلى اجتناب الرياء في الصدقة،
ولأن قوله تعالى: {والله بما
تعملون بصير} [البقرة: 265] يشعر بالوعيد بعد الوعد فأوضحه
بذكر الآية الثانية، وكأن هذا هو السر في اقتصاره على
بعضها اختصارًا.
1415 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
اليَمَان عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ
كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَىْءٍ
كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَاءٍ. وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ
بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ
هَذَا. فَنَزَلَتِ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} الآيَةَ.
[الحديث 1415 - أطرافه في: 1416، 2273، 4668، 4669].
وبالسند قال: (حدّثنا عبيد الله بن سعيد) بتصغير عبد وكسر
عين سعيد بن يحيى اليشكري قال: (حدّثنا أبو النعمان الحكم
بن عبد الله) ولأبي ذر: هو الحكم بن عبد الله، ولابن
عساكر: الحكم هو ابن عبد الله (البصري) قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل)
بالهمز شقيق بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة
الأنصاري البدري مشهور بكنيته، وجزم
(3/18)
المؤلّف بأنه شهد بدرًا واستخلف مرة على
الكوفة وتوفي قبل سنة أربعين أو فيها، وصحح في الإصابة أنه
مات بعدها لأنه أدرك إمارة المغيرة على الكوفة. قال: وذلك
بعد سنة أربعين قطعًا (-رضي الله عنه- قال: لما نزلت آية
الصدقة) هي قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة:
103] (كنا نحامل)، بضم النون وبالحاء المهملة أي نحمل
الحمل على ظهورنا بالأجرة. قال الخطابي: يريد نتكلف الحمل
لنكسب ما نتصدق به، (فجاء رجل) هو عبد الرحمن بن عوف
(فتصدق بشيء كثير)، نصف ماله ثمانية آلاف أو أربعة آلاف
ذكره الواقدي، وقيل هو عاصم بن عدي وكان تصدق بمائة وسق
(فقالوا) أي المنافقون (مراءٍ، وجاء رجل) هو أبو عقيل بفتح
العين الأنصاري (فتصدق بصاع)، من تمر وكان قد آجر نفسه على
النزع من البئر بالحبل على صاعين فترك صاعًا له وجاء
بالآخر (فقالوا) أي المنافقون (إن الله لغني عن صاع هذا
فنزلت: {الذين يلمزون} يعيبون
({المطوعين}) أصله المتطوعين فأبدلت التاء طاء وأدغمت
التاء في الطاء ({من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون
إلا جهدهم} الآية) [التوبة: 79] أي: طاقتهم مصدر جهد في
الأمر إذا بالغ فيه فيسخرون منهم سخر الله منهم جازاهم على
سخريتهم ولهم عذاب أليم على كفرهم. وذكر الخطيب في المتفق
في ترجمة زيد بن أسلم من طريق مغازي الواقدي من اللامزين
معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة فوقية
مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن
تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والزكاة،
ومسلم والنسائي في الزكاة، وابن ماجة في الزهد.
1416 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبِي
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى
السُّوقِ فَتَحَامَلَ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ
لِبَعْضِهِمُ الْيَوْمَ لَمِائَةَ أَلْفٍ".
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن يحيى) البغدادي قال: (حدّثنا
أبي) يحيى بن سعيد بن أبان قال: (حدّثنا الأعمش) سلمان بن
مهران (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة (عن أبي مسعود الأنصاري
-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى
السوق فيحامل) بضم المثناة التحتية وكسر الميم وضم اللام
فعلاً مضارعًا، ولغير أبي ذر: فتحامل بفتح المثناة الفوقية
والميم واللام فعلاً ماضيًا أي تكلف الحمل بالأجرة ليكسب
ما يتصدق به (فيصيب المدّ) في مقابلة أجرته فيتصدق به (وإن
لبعضهم اليوم لمائة ألف) من الدراهم أو الدنانير أو
الأمداد فلا يتصدق، واسم إن قوله لمائة والجار والمجرور
خبرها فصل بينهما بالظرف وهو متعلق بالظرف المستقر الذي هو
الخبر أو بالعامل فيه على الخلاف. وحكى الزركشي رفع لمائة
وبيض لتوجيهه: ووجهه البرماوي بأن اسم أن ضمير الشأن
ولمائة مبتدأ خبره لبعضهم والجملة خبر إن أي نحو قوله: إن
من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، لكن قال البدر
الدماميني: يمنع منه اقتران المبتدأ بلام الابتداء وهي
مانعة من تقدم الخبر على المبتدأ المقرون بها ودعوى
زيادتها ضعيف جدًّا انتهى.
1417 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ
حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اتَّقُوا
النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي
(قال: سمعت عبد الله بن معقل) بفتح الميم وسكون العين
المهملة وكسر القاف أبا الوليد المزني (قال: سمعت عدي بن
حاتم) الطائي (-رضي الله- عنه قال: سمعت رسول الله) ولأبي
ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(اتقوا النار ولو) كان الاتقاء (بشق تمرة) واحدة فإنه يفيد
والشق بكسر الشين المعجمة أي نصفها أو جانبها فلا يحقر
الإنسان ما يتصدق به وإن كان يسيرًا فإنه يستر المتصدق به
من النار.
1418 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا
ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا
غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا،
فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ
مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْنَا،
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ
الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ".
[الحديث 1418 - طرفه في: 5995]
وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة
السجستاني المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك
المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب
(الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي بكر بن
حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة (عن عروة) بن
الزبير (عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة) قال
الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمها ولا ابنتيها (معها ابنتان)
كائنتان (لها) في موضع
(3/19)
رفع صفة لابنتان حال كونها (تسأل) عطاء
(فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة) واحدة (فأعطيتها إياها) لم
تردّها خائبة وهي تجد شيئًا امتثالاً لقوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: "لا يرجع سائل من عندك
ولو بشق تمرة". رواه البزار من حديث أبي هريرة (فقسمتها)
السائلة (بين ابنتيها ولم تأكل منها) شيئًا لما جعل الله
في قلوب الأمهات من الرحمة، (ثم قامت فخرجت فدخل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا فأخبرته) بسكون
الراء بشأن السائلة (فقال):
(من ابتلي) وفي رواية أبي ذر: فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ابتلى (من هذه البنات) الإشارة
إلى أمثال من ذكر الفاقة أو إلى جنس البنات مطلقًا (بشيء)
من أحوالهن أو من أنفسهن وسماه ابتلاء لموضع الكراهة لهن
(كن له سترًا) لم يقل أستارًا بالجمع لأن المراد الجنس
المتناول للقليل والكثير أي حجابًا (من النار) ومناسبة
الحديث للترجمة قال ابن المنير وتبعه كثير من الشراح من
جهة أم البنتين لأنها لما قسمت التمرة بينهما فقد تصدقت
على كل واحدة بشق تمرة. وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حقها كلامًا عامًّا تندرج فيه حيث
قال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترًا من النار"
لكن تعقبه في المصابيح بأن المؤلّف لم ليدخل تحت عهدة
الاستدلال بهذا الحديث بعينه على أن الصدقة بشق التمرة تقي
من النار حتى يتكلف له مثل هذا فإنه عقد الباب للأمر
باتقاء النار ولو بشق تمرة وللقليل من الصدقة وقد وفى
بالأمرين معًا. فحديث ابن معقل فيه اتقاء النار ولو بشق
تمرة، وحديث عائشة رضي الله عنها فيه الأصدقة بالشيء
القليل. كما أن في الأحاديث المتقدمة الإشارة إلى القليل
من الصدقة فأي حاجة بعد ذلك إلى التكلف، وليس في حديث
عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرض إلى
فعلته من قسم التمرة بين البنتين، وإنما فيه الأخبار بأن
الابتلاء بشيء من البنات سبب من الستر من النار على أن ما
قاله
محتمل، ويحتمل أيضًا أن يكون حديث عائشة مشوقًا للأمرين
معًا لقضية بالقليل وهو ما فعلته عائشة من التصدق بالتمرة
ولاتقاء النار ولو بشق تمرة وهو ما فعلته أم البنتين.
وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه
أيضًا في الأدب وكذا مسلم، وأخرجه أيضًا الترمذي في البر
وقال: حسن صحيح.
11 - باب أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ وَصَدَقَةُ
الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ
لِقَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون:
10] الآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا
مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ
لاَ بَيْعٌ فِيهِ} [البقرة: 254] الآيَةَ.
هذا (باب) بالتنوين (أي الصدقة) من الصدقات (أفضل) وأعظم
أجرًا (وصدقة الشحيح) صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص
(الصحيح) الذي لم يعتره مرض مخوف ينقطع عنده أمله من
الحياة (لقوله) تعالى: ({وأنفقوا مما رزقناكم}) من بعض
أموالكم ادخارًا للآخرة ({من قبل أن يأتي أحدكم الموت})
[المنافقون: 10] أي يرى دلائله وفي بعض الأصول إلى خاتمتها
بدل قوله الآية. (وقوله) تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا
أنفقوا مما رزقناكم}) ما وجب عليكم إنفاقه أو الانفاق في
سبيل الخير مطلقًا ({من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه})
[البقرة: 254] أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على
تحصيل ما فرّطتم إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقون أو
تفتدون به من العذاب ولا خلة حتى تعينكم عليه أخلاؤكم ولا
شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن حتى تتكلوا على شفعاء تشفع
لكم في حط ما في ذممكم، فمناسبة الآية للترجمة كما نبه
عليه ابن المنير من حيث إن الآية معناها التحذير من
التسويف بالانفاق استبعادًا لحلول الأجل واشتغالاً بطول
الأمل والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات
الأمنية. ووقع في رواية أبي ذر باب: فضل صدقة الشحيح
الصحيح فأسقط الجملة الأولى المسوقة بصيغة الاستفهام
المؤذن بالتردد ثم إنه في رواية أبي ذر قدم آية البقرة على
آية المنافقون فقال لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} إلى
{الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وَ {أَنْفِقُوا مِنْ مَا
رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ} [المنافقون: 10].
1419 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ
تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ
وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا
بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا
وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ". [الحديث 1419
- طرفه في: 2748].
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال:
(حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا عمارة بن
القعقاع) بضم العين وتخفيف
(3/20)
الميم والقعقاع بقافين مفتوحتين بينهما عين
ساكنة آخره عين مهملتين قال: (حدّثنا أبو زرعة) هرم قال:
(حدّثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل) قال الحافظ
ابن حجر: لم أقف على اسمه. قيل يحتمل أن يكون أبا ذر لأنه
ورد في مسند أحمد أنه سأل أي الصدقة أفضل وكذا عند
الطبراني، لكنه أجيب جهد من مقل أو سر إلى فقير (إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله
أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال): أعظم الصدقة:
(أن تصدق) بتخفيف الصاد وحذف إحدى التاءين أو بإبدال إحدى
التاءين صادًا وإدغامها في الصاد وهي في موضع رفع خبر
المبتدأ المحذوف (وأنت صحيح) جملة اسمية حالية (شحيح) حال
كونك (تخشى الفقر وتأمل الغنى) بضم الميم أي تطمع في الغنى
لمجاهدة النفس حينئذ على إخراج المال مع قيام المانع وهو
الشح إذ فيه دلالة على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة
(ولا تمهل) بالجزم على النهي أو بالنصب عطفًا على أن تصدق
أو بالرفع وهو الذي في اليونينية (حتى إذا بلغت) الروح أي
قاربت (الحلقوم) بضم الحاء المهملة مجرى النفس عند الغرغرة
(قلت: لفلان كذا ولفلان كذا)، كناية عن الموصى له والموصى
به فيهما (وقد كان لفلان) أي وصار ما أوصى به للوارث
فيبطله إن شاء إذا زاد على الثلث أو أوصى به لوارث آخر.
والمعنى تصدق في حال صحتك واختصاص المال بك وشح نفسك بأن
تقول لا تتلف مالك لئلا تصير فقيرًا لا في حال سقمك وسياق
موتك لأن المال حينئذ خرج منك وتعلق بغيرك.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوصايا، ومسلم والنسائي في
الزكاة.
- باب-
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه وهو
ساقط في رواية أبي ذر فالحديث عنده من الترجمة السابقة.
1420 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ بَعْضَ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قُلْنَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ
يَدًا. فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ
سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا. فَعَلِمْنَا بَعْدُ
أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ
أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ
الصَّدَقَةَ".
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن فراس)
بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره سين مهملة ابن يحيى الخارفي
بالخاء المعجمة والراء والفاء المكتب (عن الشعبي) عامر بن
شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها
أن بعض أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قلن) الضمير للبعض الغير العين، لكن عند ابن حبان من طريق
يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد عن عائشة قالت
فقلت: (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا
أسرع بك لحوقًا) نصب على التمييز أي يدركك بالموت. وأينا:
بضم التحتية المشددة بغير علامة التأنيث لقول سيبويه فيما
نقله عنه الزمخشري في سورة لقمان أنها مثل كل في أن لحاق
التاء لها غير فصيح وجملة أينا أسرع مبتدأ وخبر (قال):
عليه الصلاة والسلام:
(أطولكن) بالرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه السؤال أي أسرعكن
لحوقًا بي أطولكن (يدًا) نصب على التمييز وكان القياس أن
يقول طولاكن بوزن فعلى لأن في مثله يجوز الإفراد والمطابقة
لن أفعل التفضيل له (فأخذوا قصبة يذرعونها) بالذال المعجمة
أي يقدّرونها بذراع كل واحدة كي يعلمن أيهن أطول جارحة،
والضمير في قوله: فأخذوا ويذرعون راجع لمعنى الجمع لا لفظ
جماعة النساء وإلا لقال: فأخذن قصبة يذرعنها أو عدل إليه
تعظيمًا لشأنهن كقوله: وكانت من القانتين، وكقوله:
وإن شئت حرمت النساء سواكم
(فكانت سودة) بفتح السين بنت زمعة كما زاده ابن سعد
(أطولهن يدًا) من طريق المساحة (فعلمنا بعد) أي بعد أن
تقرر كون سودة أطولهن يدًا بالساحة (أنما) بفتح الهمزة
لكونه في موضع المفعول لعلمنا (كانت طول يدها الصدقة) اسم
كان وطول يدها خبر مقدم أي علمنا أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد باليد العضو وبالطول طولها بل
أراد العطاء وكثرته، فاليد هنا استعارة للصدقة والطول
ترشيح لها لأنه ملائم للمستعار منه (وكانت أسرعنا لحوقًا
به) عليه الصلاة والسلام، (وكانت تحب الصدقة) واستشكل هذا
بما ثبت من تقدم موت زينب وتأخر سودة بعدها. وأجاب ابن
رشيد: بأن عائشة لا تعني سودة بقولها فعلمنا بعد أي بعد أن
أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي
(3/21)
ولم تذكر سببًا للرجوع عن الحقيقة إلى
المجاز إلا الموت فتعين الحمل على المجاز انتهى.
وحينئذٍ فالضمير في وكانت في الموضعين عائد على الزوجة
التي عناها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله:
أطولكن يدًا وإن كانت لم تذكر إذ هو متعين لقيام الدليل
على أنها زينب بنت جحش كما في مسلم من طريق عائشة بنت طلحة
عن عائشة بلفظ: فكانت أطولنا يدًا زينب بنت جحش لأنها كانت
تعمل وتصدّق مع اتفاقهم على أنها أولهن موتًا، فتعين أن
تكون هي المرادة وهذا من إضمار ما لا يصلح غيره كقوله
تعالى: {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] وعلى هذا فلم تكن سودة
مرادة قطعًا وليس الضمير عائدًا عليها، لكن يعكر على هذا
ما وقع من التصريح بسودة عند المؤلّف في تاريخه الصغير عن
موسى بن إسماعيل بهذا السند بلفظ: فكانت سودة أسرعنا، وقول
بعضهم: إنه يجمع بين روايتي البخاري ومسلم بأن زينب لم تكن
حاضرة خطابه عليه الصلاة والسلام بذلك، فالأوّلية لسودة
باعتبار من حضر إذ ذاك معارض بما رواه ابن حبان من رواية
يحيى بن حماد أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اجتمعن عنده فلم يغادر منهن واحدة. وأجاب
الحافظ ابن حجر بأنه يمكن أن يكون تفسيره بسودة من أبي
عوانة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر لأن ابن عيينة عن فراس
قد خالفه في ذلك.
وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي والبيهقي في الدلائل
بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن
ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقًا ولا
عائشة ولفظه: فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدًا
في الخير والصدقة ويؤيده ما رواه الحاكم في المناقب من
مستدركه ولفظه قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا في بيت احدانا
بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نمد
أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب
بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطوّلنا فعرفنا حينئذٍ
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أراد
بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد تدبغ
وتخرز وتتصدق في سبيل الله. قال الحاكم على شرط مسلم وهي
رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر
زينب.
وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال: كانت زينب
أول نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لحوقًا به فهذه روايات يعضد بعضها بعضًا ويحصل من مجموعها
أن في رواية أبي عوانة وهمًا.
12 - باب صَدَقَةِ الْعَلاَنِيَةِ
وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا
وَعَلاَنِيَةً) إِلَى قَوْلِهِ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
[البقرة: 274].
(باب صدقة العلانية وقوله عز وجل) بالجر عطفًا على سابقه
{الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراًّ وعلانية} إلى
قوله: {ولا هم يحزنون} [البقرة: 274] أي يعمرون الأوقات
والأحوال بالخيرات.
وروى عبد الرزاق بسند فيه ضعف أنها نزلت في علي بن أبي
طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدًا وبالنهار
واحدًا وفي السر واحدًا وفي العلانية واحدًا. وأخرج ابن
أبي حاتم من حديث أبي أمامة أنها نزلت في الخيل التي
يربطونها في سبيل الله ولم يذكر حديثًا وكأنه لم ير فيه
شيئًا على شرطه، وسقطت هذه الترجمة للمستملي.
13 - باب صَدَقَةِ السِّرِّ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ
بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ
مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ». وَقَولِهِ: {إِن تُبْدُوا
الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا
وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:
271] الآية.
(باب صدقة السر. وقال أبو هريرة رضي الله عنه) مما وصله
المؤلّف من حديث في باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ورجل) الواو حكاية لعطفه على ما ذكر قبله في الحديث (تصدق
بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت) وللكشميهني ما
تنفق (يمينه) وهذا كما قاله ابن بطال مثال ضربه عليه
الصلاة والسلام في المبالغة في الاستتار بالصدقة لقرب
الشمال من اليمين، وإنما أراد أن لو قدر أن لا يعلم من
يكون على شماله من الناس نحو: {واسأل القرية} [يوسف: 82]
لأن الشمال لا توصف بالعلم فهو من مجاز الحذف وألطف منه ما
قاله ابن المنير أن يراد لو أمكن أن يخفي صدقته عن نفسه
لفعل فكيف لا يخفيها عن غيره؟ والإخفاء عن النفس يمكن
باعتبار وهو أن يتغافل المتصدق عن الصدقة ويتناساها حتى
ينساها وهذا ممدوح الكرام شرعًا وعرفًا.
(وقوله) عز وجل: ({إن تبدوا الصدقات فنعما هي}) فنعم شيئًا
إبداؤها ({وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء}) أي تعطوها مع
الإخفاء ({فهو خير لكم}) [البقرة: 271] فالإخفاء خير لكم
وهذا في التطوع ولمن لم يعرف بالمال فإن إبداء
(3/22)
الفرض لغيره أفضل لنفي التهم، ولغير أبي
ذر: وقال الله تعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير
لكم} ولم يذكر هنا حديثًا إلا المعلق فقط.
وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله تعالى: {إن تبدوا
الصدقات فنعما هي} [البقرة: 271] نزلت في أبي بكر وعمر رضي
الله عنهما. أما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما خلفت وراءك
لأهلك يا عمر؟ لما قال: خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر
فجاء بماله كله فكاد أن يخفيه من نفسه حتى دفعه إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما خلفت وراءك يا
أبا بكر؟ " فقال: عدة الله وعدة رسوله فبكى عمر وقال: بأبي
أنت يا أبا بكر والله ما سبقنا إلى باب خير قط إلا كنت
سابقنا.
14 - باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لاَ
يَعْلَمُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا تصدق) رجل (على) آخر (غني وهو) أي
والحال أنه (لا يعلم) أنه غني فصدقته مقبولة، وسقط لفظ باب
في رواية أبي ذر وقال عقب قوله في السابق {فهو خير لكم}
الآية وإذا تصدق بواو العطف.
1421 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ
لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ
فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا
يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَالَ:
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ.
فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَىْ زَانِيَةٍ،
فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى
زَانِيَةٍ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى
زَانِيَةٍ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ
بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَىْ غَنِيٍّ،
فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ،
وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ. فَأُتِيَ فَقِيلَ
لَهُ:
أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ
يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ
فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا
الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا
أَعْطَاهُ اللَّهُ».
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد)
ذكوان السمان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(قال رجل) من بني إسرائيل كما عند أحمد من طريق ابن لهيعة
عن الأعرج (لأتصدقن بصدقة) هو من باب الالتزام كالنذر
مثلاً والقسم فيه مقدر كأنه قال والله لأتصدقن، وزاد في
رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان بهذا الإسناد
الليلة وكررها في المواضع الثلاثة: وكذا مسلم من طريق موسى
بن عقبة، وبذلك تحصل المطابقة بين الحديث وترجمته بصدقة
السر على رواية أبي ذر، إذ لو كانت جهزًا لما خفي عليه حال
الغني لأنه في الغالب لا يخفى بخلاف الآخرين (فخرج بصدقته)
ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد سارق) وهو لا يعلم أنه
سارق (فأصبحوا) أي القوم الذين فيهم هذا المتصدق (يتحدثون)
في موضع نصب خبر أصبح (تصدق) أي الليلة (على سارق) بضم
التاء والصاد مبنيًا للمفعول اخبار بمعنى التعجب أو
الإنكار ولابن لهيعة على فلان السارق (فقال): المتصدق
(اللهم لك الحمد)، على تصدقي على سارق حيث كان ذلك بإرادتك
لا بإرادتي، فإن إرادتك كلها جميلة ولا يحمد على المكروه
سواك وقدّم على المبتدأ في قوله: لك الحمد للاختصاص
(لأتصدقن) الليلة (بصدقة) على مستحق (فخرج بصدقته) ليضعها
في يد مستحق (فوضعها في يد) امرأة (زانية فأصبحوا) أي بنو
إسرائيل (يتحدثون تصدق) مبنيًا للمفعول (الليلة على) امرأة
(زانية فقال): المتصدق: (اللهم لك الحمد) على تصدقي (على)
امرأة (زانية) حيث كان بإرادتك (لأتصدقن) الليلة (بصدقة
فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ فأصبحوا يتحدثون: تصدق)
الليلة (على غني فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية
وعلى غني) زاد الطبراني: فساءه ذلك (فأتي) في منامه (فقيل
له: أما صدقتك) زاد أبو أمية: فقد قبلت فأما (على سارق
فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن
زناها) بالقصر كذا في الفرع وغيره. وقال ابن التين: رويناه
بالمد، وعند أبي ذر بالقصر. قال الجوهري: بالقصر لأهل
الحجاز، قال تعالى: {ولا تقربوا الزنا} [الإسراء: 32]
والمد لأهل نجد. قال الفرزدق:
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح
مسكرا
(وأما الغني فلعله يعتبر، فينفق) بالرفع فيهما، ولأبي ذر:
أن يعتبر فينفق (مما أعطاه الله) وفيه: أن الصدقة كانت
عندهم مختصة بأهل الحاجات من أهل الخير، ولهذا تعجبوا من
الصدقة على هؤلاء وأن نيّة المتصدق إذا كانت صالحة قبلت
صدقته ولو لم تقع الموقع واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع
الموقع وهذا في صدقة التطوّع، أما الواجبة، فلا تجزئ على
غني وإن ظنه فقيرًا خلافًا لأبي حنيفة
(3/23)
ومحمد حيث قالا تسقط ولا تجب عليه الإعادة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الزكاة.
15 - باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ لاَ
يَشْعُرُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا تصدق) الشخص (على ابنه وهو لا
يشعر) أنه ابنه جاز لأنه يصير لعدم شعوره كالأجنبي.
فإن قلت: لمَ عبَّر هنا بنفي الشعور وفيما سبق بنفي العلم؟
أجيب: بأن المتصدق فيما سبق بذل وسعه في طلب إعطاء الفقير
فأخطأ اجتهاده فناسب أن ينفي عنه العلم وهنا باشر ذلك غيره
فناسب أن ينفي عن صاحب الصدقة الشعور قالة في فتح الباري.
1422 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ أَنَّ
مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ:
"بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَىَّ
فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ. وَكَانَ أَبِي
يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا،
فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ
فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا
إِيَّاكَ أَرَدْتُ. فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَكَ مَا
نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا
إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: (حدّثنا أبو
الجويرية) بضم الجيم مصغرًا حطان بكسر الحاء وتشديد الطاء
المهملتين آخره نون ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف
الفاء الأولى الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء (أن معن بن
يزيد) بفتح الميم وسكون العين المهملة آخره نون، ويزيد من
الزيادة السلمي بضم السين الصحابيّ (-رضي الله عنه- حدثه
قال: بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنا وأبي) يزيد الصحابي (وجدّي) الأخنس الصحابي ابن حبيب
السلمي (وخطب عليّ) عليه الصلاة والسلام من الخطبة بكسر
الخاء أي طلب من ولي المرأة أن يزوّجها مني (فانكحني) أي
طلب ليس النكاح فأجبته (وخاصمت إليه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال الزركشي والبرماوي: كأنه سقط هنا
من البخاري ما ثبت في غيره وهو فأفلجني بالجيم يعني حكم لي
أي أظفرني بمرادي. يقال: فلج الرجل على خصمه إذا ظفر به
(وكان أبي يزيد) بالرفع عطف بيان لأبي (أخرج دنانير يتصدق
بها فوضعها) أي الدنانير (عند رجل في المسجد) لم يعرف اسمه
الحافظ ابن حجر وأذن له أن يتصدق بها على المحتاج إليها
إذنًا مطلقًا (فجئت فأخذتها) من الرجل الذي أذن له في
التصدق بها باختيار منه لا بطريق الغصب (فأتيته بها) أي
أتيت أبي بالصدقة (فقال: والله ما إياك أردت) على الخصوص
بالصدقة بل أردت عموم الفقراء أي من غير حجر على الوكيل أن
يعطي الولد وقد كان الولد فقيرًا (فخاصمته) يعني أباه وهذه
المخاصمة تفسير لخاصمت الأول (إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: لك ما نويت) من أجر
الصدقة (يا يزيد) لأنك نويت الصدقة على محتاج وابنك محتاج
(ولك ما أخذت يا معن) لأنك أخذت محتاجًا إليها وإنما
أمضاها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه دخل في
عموم الفقراء المأذون للوكيل في الصرف إليهم وكانت صدقة
تطوّع.
وهذا الحديث من افراد البخاري رحمه الله.
16 - باب الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ
(باب) مشروعية (الصدقة باليمين).
1423 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ
ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ
اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ،
وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ
وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ
مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ،
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ
تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ
ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن
عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (خُبيب بن عبد الرحمن)
بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى مصغرًا أبو الحرث
الأنصاري خال عبيد الله السابق (عن حفص بن عاصم) هو ابن
عمر بن الخطاب وجدّ عبيد الله المذكور لأبيه (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(سبعة) أي من الأشخاص ليدخل النساء فيما يمكن أن يدخلن فيه
شرعًا فلا يدخلن في الإمامة العظمى ولا في ملازمة المسجد
لأن صلاتهن في بيتهن أفضل. نعم، يمكن أن يكن ذوات عيال
فيعدلن فيدخلن في الإمامة كغيرها مما سيذكر إن شاء الله
تعالى، وحينئذٍ فالتعبير بالرجال لا مفهوم له كمفهوم العدد
بالسبعة، فقد روى الاظلال لذي خصال أخر كثيرة غير هذه
أفردها شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي في جزء فبلغت مع
هذه السبعة اثنتين وتسعين بتقديم الفوقية على المهملة.
وقوله: سبعة مبتدأ خبره (يظلهم الله تعالى في ظله) إضافة
الظل إليه سبحانه وتعالى إضافة تشريف كناقة الله والله
تعالى منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام فالمراد ظل عرشه
كما في حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن، وقيل ظل
طوبى أو ظل الجنة وهذا يردّه قوله: (يوم لا ظل إلا ظله):
فإن المراد يوم القيامة، وظل طوبى أو الجنة إنما يكون بعد
الاستقرار فيها وهذا عام، والحديث
(3/24)
يدل على امتياز هؤلاء على غيرهم وذلك لا
يكون في غير القيامة حين تدنو الشمس من الخلق ويأخذهم
العرق ولا ظل ثم إلا للعرش وهذه السبعة أولهم: (إمام عدل)
بسكون الدال يقال رجل عدل ورجال عدل وامرأة عدل وهو الذي
يضع الشيء في محله والجامع للكمالات الثلاث الحكمة
والشجاعة والعفة التي هي أوساط القوى الثلاثة العقلية
والغضبية والشهوانية أو هو المطيع لأحكام الله والمراد به
كل من له نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام.
ولابن عساكر:
إمام عادل اسم فاعل من عدل فهو عادل (و) الثاني (شاب نشأ
في عبادة الله) لأن عبادته أشق لغلبة شهوته وكثرة الدواعي
له على طاعة الهوى.
وزاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر فيما أخرجه الجوزقي
حتى توفي على ذلك، وفي حديث سلمان أفنى شبابه ونشاطه في
عبادة الله (و) الثالث (رجل قلبه معلق في المساجد) أي بها
من شدة حبه لها وإن كان خارجًا عنها وهو كناية عن انتظاره
أوقات الصلاة فلا يصلّي صلاة ويخرج منه إلا وهو ينتظر وقت
صلاة أخرى حتى يصلّى فيه (و) الرابع (رجلان تحابا في الله)
لا لغرض دنيوي (اجتمعا عليه) أي على الحب في الله (وتفرّقا
عليه) فلم يقطعهما عارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى
فرقهما الموت (و) الخامس (رجل دعته) طلبته (امرأة ذات
منصب) بكسر الصاد أي صاحبة نسب شريف (وجمال) إلى نفسها
للزنا أو للتزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالاكتساب
لها، أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب
بما يليق بها والأول أظهر كما يدل عليه السياق (فقال):
بلسانه أو بقلبه ليزجر نفسه (إني أخاف الله و) السادس (رجل
تصدق بصدقة) تطوّعًا (فأخفاها حتى لا تعلم شماله) بنصب ميم
تعلم نحو سرت حتى تغيب الشمس ويجوز رفعها نحو: مرض زيد حتى
لا يرجونه علامة الرفع ثبوت النون وشماله بالرفع على
الفاعلية لقوله لا تعلم (ما تنفق يمينه) جملة في محل نصب
على المفعولية أي: لو قدّرت الشمال رجلاً متيقطًا لما علم
صدقة اليمين للمبالغة في الإخفاء وصوّر بعضهم إخفاء الصدقة
بأن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع له مثلاً
درهمًا فيما يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقة،
وأنبئت عن بعضهم أنه كان يطرح دراهمه في المسجد ليأخذها
المحتاج والله الموفق (و) السابع (رجل ذكر الله خاليًا) من
الناس أو من الالتفات إلى غير المذكور تعالى وإن كان في
ملأ (ففاضت) أي سألت (عيناه) أسند الفيض إلى العين مع أن
الفائض هو الدمع لا العين مبالغة لأنه يدل على أن العين
صارت دمعًا فياضًا، ثم إن فيضها كما قاله القرطبى يكون
بحسب حال الذاكر وما ينكشف له ففي أوصاف الجلال يكون
البكاء من خشية الله كما في رواية زيد بن حماد عند الجوزقي
بلفظ: ففاضت عيناه من خشية الله وفي أوصاف الجمال يكون
شوقًا إليه تعالى.
وفي جزء بِيبَى الهرثمية من طريق محمد بن سيرين عن أبي
هريرة زيادة خصلة ثامنة وهي: ورجل كان في سرية مع قوم
فلقوا العدوّ فانكشفوا فحمى آثارهم. وفي لفظ: أدبارهم حتى
نجوا ونجا أو استشهد.
وفي شعب البيهقى من طريق أبي صالح عن أبي هريرة تاسعة وهي:
ورجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبرهِ.
ولعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد لأبيه عن سلمان عاشرة
وحادية عشرة: ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة، ورجل إن
تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم. قال شيخنا: إن ثبت عن
سلمان كان له حكم الرفع فمثله لا يقال رأيًا.
وفي كامل ابن عدي عن أنس مرفوعًا ثانية عشرة: رجل تاجر
اشترى وباع فلم يقل إلا حقًا.
وفي مسلم عن أبي اليسر رفعه ثالثة عشرة ورابعة عشرة: من
أنظر معسرًا أو وضع له وسبقا في باب من جلس في المسجد من
كتاب الصلاة.
ولعبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن عثمان رفعه خامسة
عشرة: أو ترك لغارم.
وفي الأوسط عن شداد بن أوس عن أبيه سادسة
(3/25)
عشرة: من أنظر معسرًا أو تصدق عليه.
وفي الأوسط أيضًا عن جابر سابعة عشرة: أو أعان أخرق أي
الذي لا صناعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة.
وعند أحمد والحاكم في صحيحه وعبد وابن أبي شيبة عن سهل بن
حنيف ثامنة وتاسعة عشرة والعشرون: من أعان مجاهدًا في سبيل
الله، أو غارمًا في عسرته، أو مكاتبًا في رقبته.
وعند الضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب الحادية
والعشرون: من أظل رأس غاز.
وعند أبي القاسم التيمي في الترغيب له عن جابر بن عبد الله
الثانية والثالثة والرابعة والعشرون: الوضوء على المكاره،
والمشي إلى المساجد في الظلم، وإطعام الجائع. ومعنى الوضوء
على المكاره أن يكره الرجل نفسه على الوضوء كما في شدة
البرد.
وعند الطبراني عن جابر الخامسة والعشرون: من أطعم الجائع
حتى يشبع.
وعند الشيخ في الثواب عن عليّ رفعه السادسة والعشرون: أن
سيد التجار رجل لزم التجارة التي دل الله عز وجل عليها من
الإيمان بالله ورسله وجهاد في سبيله فمن لزم البيع والشراء
فلا يذم إذا اشترى ولا يحمد إذا باع وليصدق الحديث ويؤدّ
الأمانة ولا يتمن للمؤمنين الغلاء، فإذا كان كذلك كان كأحد
السبعة الذين في ظل العرش وسنده ضعيف.
وفي الأوسط عن أبي هريرة مرفوعًا السابعة والعشرون: أوحى
الله تعالى إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام يا خليلي حسن
خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار وإن كلمتي سبقت لمن
حسن خلقه أن أظله تحت عرشي وأسقيه من حظيرة قدسي وأدنيه من
جواري.
وفي الأوسط عن جابر مرفوعًا الثامنة والعشرون والتاسعة
والعشرون: من كفل يتيمًا أو أرملة.
وعند أحمد عن عائشة مرفوعًا الثلاثون والحادية والثانية
والثلاثون ولفظه: "أتدرون من السابق إلى ظل الله يوم
القيامة" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "الذين إذا أعطوا
الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم"
وفي سنده ابن لهيعة.
وعند ابن شاهين في الترغيب له عن أبي ذر رفعه الثالثة
والرابعة والثلاثون: وصلّ على الجنائز
لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله. وعند ابن شاهين عن
أبي بكر رفعه: الوالي العادل ظل الله فمن نصحه في نفسه وفي
عباد الله أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وعند أبي بكر بن لال وأبي الشيخ في الثواب عن أبي بكر رفعه
الخامسة والثلاثون: من أراد أن يظله الله بظله فلا يكن على
المؤمنين غليطًا وليكن بالمؤمنين رحيمًا.
وعند الدارقطني في الأفراد وابن شاهين في الترغيب عن أبي
بكر أيضًا السادسة والثلاثون: من يصبّر الثكلى، ولفظه عند
ابن السني: من عزى الثكلى.
وعند ابن أبي الدنيا السابعة والثامنة والثلاثون، ولفظه عن
فضيل بن عياض قال: بلغني أن موسى عليه الصلاة والسلام قال:
أي رب من تظل تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: يا موسى
الذين يعودون المرضى ويشيعون الهلكى.
وفي الفوائد الكنجروذيات تخريج أبي سعيد السكري عن عليّ بن
أبي طالب مرفوعًا التاسعة والثلاثون: شيعة عليّ ومحبوه وهو
حديث ضعيف.
وفي فوائد العيسوي الأربعون والحادية والثانية والأربعون
ولفظه عن أبي الدرداء عن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا
رب من يساكنك في حظيرة القدس ومن يستظل بظلك يوم لا ظل إلا
ظلك؟ قال: أولئك الذين لا ينظرون بأعينهم الزنا، ولا
يبتغون في أموالهم الربا، ولا يأخذون على أحكامهم الرشا.
ولأبي القاسم التيمي عن ابن عمر رفعه الثالثة والرابعة
والخامسة والأربعون: رجل لم تأخذه في الله لومة لائم، ورجل
لم يمدّ يده إلى ما لا يحل له، ورجل لم ينظر إلى ما حرم
عليه. وفيه عنبسة وهو متروك.
وفي جزء ابن الصقر عن ابن عباس السادسة والأربعون: من قرأ
إذا صلّى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى: {ويعلم ما
تكسبون} [الأنعام: 3] وهو ضعيف. قال ابن حجر: والمتهم به
إبراهيم بن إسحاق الصيني بكسر الصاد المهملة وبعد التحتية
الساكنة نون.
وعند أبي الشيخ والديلمي في مسنده عن أنس بن مالك السابعة
والثامنة والتاسعة والأربعون: واصل الرحم، وامرأة مات
زوجها وترك عليها أيتامًا صغارًا
(3/26)
فقالت: لا أتزوج على أيتامي حتى يموتوا أو
يغنيهم الله، وعبد صنع طعامًا فأطاب صنعه وأحسن نفقته ودعا
عليه اليتيم والمسكين فأطعمهم لوجه الله.
وفي المعجم الكبير عن أبي أمامة من طريق بشر بن نمير وهو
متروك مرفوعًا الخمسون والحادية والخمسون: رجل حيث توجه
علم أن الله معه، ورجل يحب الناس لجلال الله.
وعند الحرث بن أبي أسامة مما اتهم بوضعه ميسرة بن عبد ربه
عن ابن عباس وأبي هريرة الثانية والخمسون: المؤذن في ظل
رحمة الله حتى يفرغ يعني من أذانه.
وعند الديلمي بلا إسناد عن أنس الثالثة والرابعة والخامسة
والخمسون: من فرج عن مكروب من أمتي، وأحيا سنتي، وأكثر
الصلاة علي.
وفي مسند الديلمي عن علي مرفوعًا السادسة والسابعة
والثامنة والخمسون: حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه
وأصفيائه.
وعند أبي يعلى عن أنس رفعه التاسعة والخمسون: المريض.
وعند ابن شاهين عن عمر رفعه الستون: أهل الجوع في الدنيا.
وعند ابن أبي الدنيا في الأهوال عن مغيث بن سمي أحد
التابعين الحادية والستون: الصائمون؛ قال شيخنا: ومثله لا
يقال رأيًا.
وفي أمالي ابن ناصر عن أبي سعيد الخدري رفعه الثانية
والستون: من صام من رجب ثلاثة عشر يومًا. قال شيخنا: وهو
شديد الوهي.
وعند الحرث بن أسامة عن علي مرفوعًا الثالثة والستون: من
صلّى ركعتين بعد ركعتى المغرب قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب
وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، وهو منكر.
وللديلمي في مسنده عن أنس الرابعة والستون: أطفال
المؤمنين.
وفي المعجم الكبير عن ابن عمر أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال لذلك الرجل الذي مات ابنه: "أما
ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش؟
".
وعند أبي نعيم في الحلية عن وهب بن منبه عن موسى عليه
الصلاة والسلام الخامسة والسادسة والستون: من ذكر الله
بلسانه أو قلبه.
وفي شعب البيهقي عن موسى عليه الصلاة والسلام السابعة
والثامنة والتاسعة والستون: رجل لا يعق والديه ولا يمشي
بالنميمة ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله.
وفي الزهد للإمام أحمد عن عطاء بن يسار عن موسى عليه
الصلاة والسلام السبعون والحادية والثانية والثالثة
والرابعة والخامسة والسبعون: الطاهرة قلوبهم النقية قلوبهم
البرية أبدانهم الذين إذا ذكر الله ذكروا به وإذا ذكروا
ذكر الله بهم وينيبون إلى ذكره كما تنيب النسور إلى وكرها
ويغضبون لمحارمه إذا استحلت كما يغضب النمر ويكلفون بحبه
كما يكلف الصبي بحب الناس.
وفي الزهد لابن المبارك عن رجل من قريش عن موسى عليه
الصلاة والسلام السادسة والسابعة والسبعون: الذين يعمرون
مساجدي ويستغفروني بالأسحار.
ولأبي نعيم في الحلية عن إدريس عائذ الله عن موسى قال: يا
رب من في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: الذين أذكرهم
ويذكروني.
وللديلمي في مسنده عن أنس مرفوعًا يقول الله عز وجل: قربوا
أهل لا إله إلا الله من ظل عرشي فإني أحبهم، وفي حديث عنه
رفعه: الشهداء.
وعند أبي داود والحاكم وقال على شرط مسلم عن ابن عباس
مرفوعًا: شهداء أحد أرواحهم في أجواف طير خضر تأويل إلى
قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش.
وعند الدارمي وصححه ابن حبان عن عتبة بن عبد السلمي
مرفوعًا: من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي
العدو قاتلهم حتى قتل فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله
تحت ظل عرشه.
وعند الحسن بن محمد الخلال عن ابن عباس مرفوعًا: اللهم
اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلهم تحت ظلك فإنهم يعلمون
كتابك المنزل. وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد وقال: إن أبا
الطيب غير ثقة. قال شيخنا: بل قرأت بخط بعض الحفاظ أنه
موضوع.
وفي الحلية عن كعب الأحبار أوحى الله إلى موسى عليه الصلاة
والسلام في التوراة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا
الناس إلى طاعتي فله صحبتي في الدنيا وفي القبر وفي
القيامة ظلي.
وفي جزء من أمالي أبي جعفر بن البختري بسند ضعيف: أنا سيد
ولد آدم ولا فخر وفي ظل الرحمن عز وجل يوم القيامة
(3/27)
يوم لا ظل إلا ظله، ولا فخر، وسبق عن علي
مرفوعًا: حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع
أنبيائه وأصفيائه.
وفي مناقب علي عند أحمد عنه مرفوعًا أنه -رضي الله عنه-
يسير يوم القيامة بلواء الحمد وهو حامله والحسن عن يمينه
والحسين عن يساره حتى يثب بين النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلام في
ظل العرش.
وهذا الحديث سبق في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة من
صلاة الجماعة ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في
الرقاق.
1424 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ
سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ -رضي الله
عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَسَيَأْتِي
عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ
فَيَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ
لَقَبِلْتُهَا مِنْكَ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ
لِي فِيهَا».
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين
المهملة ابن عبيد الجوهري الهاشمي مولاهم البغدادي أحد
الحفاظ. قال يحيى بن معين: ما روي عن شعبة من البغداديين
أثبت منه.
وقال أبو حاتم: لم أر من المحدثين من يحدث بالحديث على لفظ
واحد لا يغيره سوى علي بن الجعد
ووثقه آخرون ورمي بالتشيع، وروى عنه البخاري من حديث شعبة
فقط أحاديث يسيرة وروى عنه أبو داود أيضًا قال: (أخبرنا
شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (معبد بن خالد)
الجدلي القاص بتشديد الصاد المهملة (قال: سمعت حارثة بن
وهب) بالحاء المهملة والمثلثة ووهب بفتح الواو وسكون الهاء
(الخزاعي) بالخاء والزاي المعجمتين نزل الكوفة وهو أخو
عبيد الله بن عمر لأمه (-رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(تصدقوا فسيأتي عليكم زمان) هو وقت ظهور أشراط الساعة أو
ظهور كنوز الأرض وقلة الناس وقصر آمالهم (يمشي الرجل) فيه
(بصدقته) زاد في باب الصدقة قبل الرد فلا يجد من يقبلها
(فيقول الرجل:) الذي يقصد المتصدق أن يدفع له صدقته (لو
جئت بها بالأمس) بكسر السين فإن قدرت اللام للتعريف فكسرة
إعراب اتفاقًا وإن اعتقدت زيادتها فكسرة بناء كذا قاله
البرماوي كالزركشي، وتعقبه في المصابيح فقال: لا شك أن
بناءه مع مقارنة اللام قليل وإنما يرتكب حيث يلجأ إليه إذا
قيل ذهب الأمس بما فيه بكسر السين وأما هنا فلا داعي إلى
دعوى الزيادة بوجه (لقبلتها منك) إذ كنت محتاجًا إليها
(فأما اليوم فلا حاجة لي فيها) قيل: ومطابقة هذا الحديث
للترجمة من جهة أنه اشترك مع الذي قبله في كون كل منهما
حاملاً لصدقته لأنه إذا كان حاملاً لها بنفسه كان أخفى لها
فكان لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ويحمل المطلق في هذا
على المقيد في ذاك أي المناولة باليمين فليتأمل.
وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب الصدقة قبل الرد.
17 - باب مَنْ أَمَرَ خَادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ
يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «هُوَ
أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ»
(باب من أمر خادمه) مملوكه أو غيره (بالصدقة) بأن يتصدق
عنه (ولم يناول) صدقته للفقير (بنفسه. وقال أبو موسى) عبد
الله بن قيس الأشعري مما يأتي موصولاً بتمامه إن شاء الله
تعالى في باب آخر إذا تصدق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو) أي الخادم (أحد المتصدقين) بفتح
القاف بلفظ التثنية كما في جميع روايات الصحيحين أي هو ورب
الصدقة في أصل الأجر سواء لا ترجيح لأحدهما على الآخر وإن
اختلف مقداره لهما، فلو أعطى المالك لخادمه مائة درهم
مثلاً ليدفعها لفقير على باب داره مثلاً فأجر المالك أكثر،
ولو أعطاه رغيفًا ليذهب به إلى فقير في مسافة بعيدة بحيث
يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرغيف فأجر الخادم
أكثر وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلاً فيكون مقدار الأجر
سواء. وقد جوز القرطبي كسر القاف من المتصدقين على الجمع
أي هو متصدق من المتصدقين.
1425 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا
غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا
أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا
كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ
بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا». [الحديث 1425 - أطرافه
في: 1437، 1439، 1440، 1441، 2065].
وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو ابن محمد أخو
أبي بكر بن أبي شيبة واسمه إبراهيم قال: (حدّثنا جرير) هو
ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن شقيق) هو
ابن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله
عنها- قالت، قال رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أنففت المرأة) على عيال زوجها وأضيافه ونحو ذلك (من
طعام) زوجها الذي في (بيتها) المتصرفة فيه إذا أذن لها في
ذلك بالصريح أو بالمفهوم من اطراد العرف وعلمت رضاه بذلك
حال كونها (غير مفسدة) له بأن لم تتجاوز العادة ولا يؤثر
نقصانه، وقيد بالطعام لأن الزوج يسمح به عادة
(3/28)
بخلاف الدراهم والدنانير فإن إنفاقها منها
بغير إذنه لا يجوز فلو اضطرب العرف أو شكت في رضاه أو كان
شحيحًا يشح بذلك وعلمت ذلك من حاله أو شكت فيه حرم عليها
التصدق من ماله إلا بصريح أمره، وليس في حديث الباب تصريح
بجواز التصدق بغير إذنه. نعم في حديث أبي هريرة عند مسلم:
وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له، لكن قال
النووي: معناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر العين
ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره إما
بالصريح أو بالمفهوم كما مرّ. قال النووي: وقال الخطابي هو
على العرف الجاري وهو إطلاق رب البيت لزوجته إطعام الضيف
والتصدق على السائل فندب الشارع ربة البيت لذلك ورغبها فيه
على وجه الإصلاح لا الفساد والإسراف. وفي حديث أبي أمامة
الباهلي عند الترمذي مرفوعًا وقال حسن "لا تنفق امرأة
شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل يا رسول الله ولا
الطعام؟ قال: "ذاك أفضل أموالنا". وفي حديث سعد بن أبي
وقاص عند أبي داود لما بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النساء قامت امرأة فقالت: يا رسول
الله إنا كل على آبائنا وأبنائنا قال أبو داود: وأرى فيه
وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: "الرطب تأكليه
وتهديه". قال أبو داود: الرطب أي بفتح الراء الخبز والبقل،
والرطب أي بضم الراء وتحصل من هذا أن الحكم يختلف باختلاف
عادة البلاد وحال الزوج من مسامحة وغيرها باختلاف حال
المنفق منه بين أن يكون يسيرًا يتسامح به، وبين أن يكون له
خطر في نفس الزوج يبخل بمثله، وبين أن يكون ذلك رطبًا يخشى
فساده إن تأخر وبين غيره (كان لها) أي للمرأة (أجرها بما
أنفقت)، غير مفسدة (ولزوجها أجره بما كسب)، أي بسبب كسبه
(وللخازن) الذي يكون بيده حفظ الطعام المتصدق منه (مثل
ذلك)، من الأجر (لا ينقص بعضهم أجر بعض) أي من أجر بعض
(شيئًا) نصب مفعول ينقص أو ينقص كيزيد يتعدى إلى مفعولين
الأول أجر والثاني شيئًا كـ {زادهم الله مرضًا} [البقرة:
10].
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وتابعي عن تابعي عن
صحابي، ورواته كلهم كوفيون وجرير رازي أصله من الكوفة،
وأخرجه أيضًا في الزكاة والبيوع، ومسلم في الزكاة وكذا أبو
داود والترمذي، وأخرجه النسائي في عشرة النساء، وابن ماجة
في التجارات.
18 - باب لاَ صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى
وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهْوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ
مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ، وَهُوَ رَدٌّ
عَلَيهِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا
أَتْلَفَهُ اللَّهُ". إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا
بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ
خَصَاصَةٌ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- حِينَ
تَصَدَّقَ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الأَنْصَارُ
الْمُهَاجِرِينَ. وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَلَيْسَ
لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ
الصَّدَقَةِ. وَقَالَ كَعْبٌ -رضي الله عنه-: "قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ
مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: أَمْسِكْ
عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ
فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ".
هذا (باب) بالتنوين (لا صدقة) كاملة (إلا عن ظهر غنى) أي
غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه قاله البغوي
والتنكير فيه للتفخيم.
ولفظ الترجمة حديث رواه أحمد من طريق عطاء عن أبي هريرة.
وذكره المصنف تعليقًا فى الوصايا (ومن تصدق وهو محتاج)
جملة اسمية حالية كالجملتين بعد وهما قوله (أو أهله محتاج
أو عليه دين) مستغرق (فالدين) جواب الشرط وفي الكلام حذف
أي فهو أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة (وهو) أي الشي
المتصدق به (رد عليه)، غير مقبول لأن قضاء الدين واجب
كنفقَة عياله والصدقة تطوع، ومقتضاه أن الدين المستغرق
مانع من صحة التبرع، لكن محله إذا حجر عليه الحاكم بالفلس.
وقد نقل فيه صاحب المغني وغيره الإجماع فيحمل إطلاق
المؤلّف عليه (ليس له أن يتلف أموال الناس) في الصدقة.
(قال) ولأبي ذر: وقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في حديث وصله المؤلّف فى الاستقراض:
(من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) فمن أخذ
دينًا وتصدق به ولا يجد ما يقضي به الدين فقد دخل في هذا
الوعيد. قال المؤلّف مستثنيًا من الترجمة أو ممن تصدق (إلا
أن يكون معروفًا بالصبر) فيتصدق مع عدم الغنى أو مع الحاجة
(فيؤثر) بالمثلثة يقدم غيره (على نفسه) بما معه (ولو كان
به خصاصة) حاجة (كفعل أبي بكر) الصديق (حين تصدق بماله).
كله فيما رواه أبو داود وغيره، (وكذلك آثر الأنصار
المهاجرين) حين قدموا عليهم المدينة وليس بأيديهم شيء حتى
إن من كان
(3/29)
عند امرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم،
وهذا التعليق طرف من حديث وصله المؤلّف في كتاب الهبة.
(ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث
المغيرة السابق بتمامه موصولاً في أواخر صفة الصلاة (عن
إضاعة ْالمال) استدلّ به المؤلّف على رد صدقة المديان وإذا
نهي الإنسان عن إضاعة مال نفسه فإضاعة مال غيره أولى
بالنهي، ولا يقال: إن الصدقة ليست إضاعة لأنها إذا عورضت
بحق الدين لم يبق فيها
ثواب فبطل كونها صدقة وبقيت إضاعة محضة (فليس له) للمديون
(أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة. وقال كعب) هو أحد
الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، ولأبي ذر: كعب بن مالك
(-رضي الله عنه- قلت يا رسول الله، إن من) تمام (توبتي أن
أنخلع من مالي صدقة) منتهية (إلى الله وإلى رسوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أمسك عليك بعض مالك فهو
خير لك قلت: فإني) بفاء قبل الهمزة، ولأبي الوقت: إني
(أمسك سهمي الذي بخيبر) وإنما منعه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من صرف كل ماله ولم يمنع الصديق لقوة
يقين الصديق وتوكله وشدة صبره بخلاف كعب.
1426 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ
ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». [الحديث 1426 -
أطرافه في: 1428، 5355، 5356].
وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان
المروزي قال (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن
يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد
بن المسيب أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خير الصدقة ما كان عن) ولأبي ذر: على (ظهر غنى) قال في
النهاية: أي ما كان عفوًا قد فضل عن غنى، وقيل: أراد ما
فضل عن العيال والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعًا للكلام
وتمكينًا كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال. (وابدأ
بمن يعول) بمن تجب عليك نفقته. يقال: عال الرجل أهله إذا
قاتهم أي قام بما يحتاجون إليه من القوت والكسوة وغيرهما.
وقوله: وابدأ قال الزركشي بالهمز وتركه.
1427 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَكِيمِ
بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا
خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ
تَعُولُ. وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ
يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ
يُغْنِهِ اللَّهُ».
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن حكيم بن حزام) بكسر
الحاء وبالزاي المعجمة، وحكيم بفتح الحاء وكسر الكاف
الأسدي المكي ولد بجوف الكعبة فيما حكاه الزبير بن بكار
وهو ابن أخي أم المؤمنين خديجة وعاش مائة وعشرين سنة شطرها
في الجاهلية وشطرها في الإسلام، وأعتق مائة رقبة وحج في
الإسلام ومعه مائة بدنة ووقف بعرفة بمائة رقبة في أعناقهم
أطواق الفضة منقوش فيها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأهدى
ألف شاة ومات بالمدينة سنة خمسين أو سنة أربع أو ثمان
وخمسين أو سنة ستين (-رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) السائلة
(وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول)
زاد النسائي من حديث طارق المحاربي أمك وأباك وأختك وأخاك
ثم أدناك أدناك. وروى النسائي أيضًا من حديث ابن عجلان عن
سعيد المقبري عن أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله عندي
دينار. قال "تصدق به على نفسك" قال: عندي آخر. قال "تصدق
به على زوجتك". قال: عندي آخر. قال: "تصدق به على ولدك"
قال: عندي آخر. قال: "تصدق به على خادمك" قال: عندي آخر.
قال: "أنت أبصر به". ورواه أبو داود والحاكم لكن بتقديم
الولد على الزوجة والذي أطبق عليه الأصحاب كما قاله في
الروضة تقديم الزوجة لأن نفقتها آكد لأنها لا تسقط بمضيّ
الزمان ولا بالإعسار ولأنها وجبت عوضًا عن التمكين. ومباحث
ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في النفقات بعون الله. (وخير
الصدقة عن ظهر غنى) كذا في اليونينية بإسقاط ما كان (ومن
يستعفف) يطلب العفة وهي الكف عن الحرام وسؤال الناس (يعفه
الله) بضم الياء وفتح الفاء مشددة مجزوم كالسابق شرط
وجزاؤه أي يصيره عفيفًا. ولأبي ذر: يعفه الله بضم الفاء
اتباعًا لضمة هاء الضمير وهو مجزوم كما مرّ (ومن يستغن
يغنه الله) مجزومان شرطًا وجزاء بحذف الياء منهما أي: من
يطلب من الله العفاف والغنى يعطه الله ذلك.
1428 - وَعَنْ وُهَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- بِهَذَا.
(وعن وهيب) عطف
(3/30)
على ما سبق أي حدّثنا موسى بن إسماعيل عن
وهيب (قال: أخبرنا هشام عن أبيه) عن عروة (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- بهذا) أي بحديث حكيم وإيراده له معطوفًا
على إسناده يدل على أنه رواه عن موسى بن إسماعيل بالطريقين
معًا فكأن هشامًا حدث به وهيبًا تارة عن أبيه عن حكيم بن
حزام، وتارة عن أبي هريرة أو حدث به عنهما مجموعًا ففرقه
وهيب أو الراوي عنه. ولأبي ذر: عن أبي هريرة عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا.
ثم أخذ المصنف يذكر ما يفسر المجمل في حديث حكيم في قوله
اليد العليا خير من اليد السفلى فقال بالسند السابق أوّل
هذا الكتاب.
1429 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ
وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ: الْيَدُ الْعُلْيَا
خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. فَالْيَدُ الْعُلْيَا
هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ".
(حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا
حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر
(عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يذكر متن هذا
السند. قال أبو داود قال الأكثر عن حماد بن زيد اليد
العليا هي المنفقة. وقال واحد عنه المتعففة يعني بعين
وفاءين، وكذا قال عبد الوارث عن أيوب. قال الحافظ ابن حجر:
الذي قال عن حماد المتعففة بالعين فهو مسدد كذا رويناه عنه
في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه، وأما رواية
عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة. وقد أخرجه أبو نعيم في
مستخرجه من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ واليد العليا
يد المعطي، وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة
فقد صحف انتهى (ح) للتحويل قال:
(وحدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن
نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وهو على المنبر)
جملة اسمية وقع حالاً (وذكر الصدقة) جملة فعلية حالية أي
كان يحض الغني عليها (والتعفف) أي ويحض الفقير عليه
(والمسالة) - كذا بالواو أي ويذم المسألة. ولمسلم عن قتيبة
عن مالك: والتعفف عن المسألة (اليد العليا خير من اليد
السفلى فاليد العليا هي المنفقة) اسم فاعل من أنفق ورواه
أبو داود وغيره المتعففة بالعين والفاءين كما مر. ورجحه
الخطابي قال: لأن السياق في ذكر المسألة والتعفف عنها.
وقال شارح المشكاة: وتحرير ترجيحه أن يقال إن قوله وهو
يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة كلام مجمل في معنى العفة
عن السؤال، وقوله: اليد العليا خير من اليد السفلى بيان له
وهو أيضًا مبهم، فينبغي أن يفسر بالعفة ليناسب المجمل
وتفسيره باليد المنفقة غير مناسب للمجمل لكن إنما يتم هذا
لو اقتصر على قوله اليد العليا هي المتعففة ولم يعقبه
بقوله: (و) اليد (السفلى هي السائلة) لدلالتهما على علو
المنفقة وسفالة السائلة ورذالتها وهي ما يستنكف منها فظهر
بهذا أن ما في البخاري ومسلم أرجح من إحدى روايتي أبي داود
نقلاً ودراية.
ويؤيد ذلك حديث حكيم عند الطبراني بإسناد صحيح مرفوعًا: يد
الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد المعطى ويد المعطى
أسفل الأيدي. وعند النسائي من حديث طارق المحاربي: قدمنا
المدينة فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطي العليا،
وهذا نص يرفع الخلاف ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك
كقول بعضهم فيما حكاه القاضي عياض: اليد العليا الآخذة
والسفلى المانعة أو العليا الآخذة والسفلى المنفقة، وقد
كان إذا أعطى الفقير العطية يجعلها في يد نفسه ويأمر
الفقير أن يتناولها لتكون يد الفقير هي العليا أدبًا مع
قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ
الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] قال: فلما أضيف الأخذ إلى
الله تعالى تواضع لله فوضع يده أسفل من يد الفقير الآخذ.
وقال ابن العربي: والتحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد
الآخذ فلا لأن يد الله هي المعطية ويد الله هي الآخذة
وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين اهـ.
وعورض بأن البحث إنما هو في يد الآدميين وأما يد الله عز
وجل، فباعتبار كونه مالك كل شيء نسبت يده إلى الإعطاء،
وباعتبار قبوله الصدقة ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ. وقد
روى إسحاق في مسند. أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله ما
اليد العليا؟ قال: التي تعطي ولا تأخذ، وهو صريح
(3/31)
في أن الآخذة ليست بعليا. ومحصل ما قيل في
ذلك أن أعلى الأيدي المنفقة والمتعففة عن الأخذ ثم الآخذة
بغير سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة. وكل هذه
التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث السابقة المصرحة
بالمراد فأولى ما فسر الحديث بالحديث، وقد ذكر أبو العباس
الداني
في أطراف الموطأ أن هذا التفسير المذكور في حديث ابن عمر
هذا مدرج فيه ولم يذكر لذلك مستندًا. نعم، في كتاب الصحابة
للعسكري بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر
بن مروان: إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى" ولا
أحسب السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية، فهذا
يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي
شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كنا نتحدث
أن اليد العليا هي المنفقة قاله في فتح الباري.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، ورواته ما بين بصري
ومدني، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائى فى الزكاة.
19 - باب الْمَنَّانِ بِمَا أَعْطَى، لِقَوْلِهِ
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى}
الآيَةَ
(باب) ذم (المنان بما أعطى) من الصدقة على من أعطاه
(لقوله) تعالى: ({الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا
يتبعون ما أنفقوا}) من الصدقات ({منًّا}) على من أعطوه
بذكر الإعطاء له وتعدد نعمه عليه ({ولا أذى}) [البقرة:
262] بأن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه فيحبط به ما أسلف
من الإحسان، فحظر الله تعالى المنّ بالصنيعة واختص به صفة
لنفسه إذ هو من العباد تكدير ومن الله تعالى إفضال وتذكير
لهم بنعمه {الآية} إلى آخرها أي إلى قوله: {لهم أجرهم عند
ربهم} أي ثوابهم على الله لا على أحد سواه {ولا خوف عليهم}
فيما يستقبلونه من أهوال القيامة {ولا هم يحزنون} على ما
فاتهم والآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف فإنه أتى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأربعة آلاف درهم
وعثمان فإنه جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها.
وسقط في رواية غير أبي ذر قوله: {منًّا ولا أذى} واقتصر
المؤلّف على الآية ولم يذكر حديثًا لكونه لم يجد في ذلك ما
هو على شرطه.
وفي مسلم من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: ثلاثة لا يكلمهم
الله يوم القيامة الذي لا يعطي شيئًا إلا منة والمنفق
سلعته بالحلف والمسبل إزاره. وهذه الترجمة ثبتت في رواية
الكشميهني كما قاله في الفتح، وأشار في اليونينية إلى
سقوطها في رواية أبي ذر والله الموفق والمعين.
20 - باب مَنْ أَحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ
يَوْمِهَا
(باب من أحب تعجيل الصدقة) فرضها ونفلها (من يومها خوفًا
من عروض الموانع).
1430 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ
الْحَارِثِ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: "صَلَّى بِنَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ
فَأَسْرَعَ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ
خَرَجَ، فَقُلْتُ -أَوْ قِيلَ- لَهُ فَقَالَ: كُنْتُ
خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَةِ
فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ، فَقَسَمْتُهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد (عن
عمر بن سعيد) بضم العين في الأوّل وكسرها في الثاني
النوفلي القرشي المكيّ (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح
اللام عبد الله (أن عقبة بن الحرث) أبا سروعة النوفلي
(-رضي الله عنه- حدثه قال: صلّى بنا النبي) ولأبوي ذر
والوقت: صلّى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
العصر فأسرع) وفي باب: من صلّى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم
فسلم بدل قوله هنا فأسرع (ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج
فقلت): ولأبي الوقت في غير اليونينية فقلنا (أو قيل له) عن
سبب سرعته (فقال) عليه الصلاة والسلام؛ "كنت خلفت في البيت
تبرًا" ذهبًا غير مضروب (من الصدقة فكرهت أن أبيته) بضم
الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية أي أتركه حتى
يدخل الليل (فقسمته) وهذا موضع الترجمة لأن كراهته تبييته
تدل على استحباب تعجيل الصدقة. قال الزين بن المنير ترجم
المصنف بالاستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة
لأن الكراهة صريحة في الخبر، واستحباب التعجيل مستنبط من
قرائن سياق الخبر حيث أسرع في الدخول والقسمة فجرى على
عادته في إيثار الأخفى على الأجلى.
21 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالشَّفَاعَةِ
فِيهَا
(باب) استحباب (التحريض على الصدقة) بأن يذكر ما فيها من
الأجر (و) ثواب (الشفاعة فيها).
1431 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
حَدَّثَنَا عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عِيدٍ
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ.
ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ -وَمَعَهُ بِلاَلٌ-
فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ،
فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي
الأزدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا
عديّ) هو ابن ثابت (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله
عنهما- قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم عيد) هو عيد الفطر كما صرح به في حديث باب
الخطبة بعد العيد (فصلّى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد)
بالبناء على الضم
(3/32)
فيهما لقطعهما عن الإضافة (ثم مال إلى
النساء -ومعه بلال- فوعظهنَّ) وذكرهنَّ الآخرة (وأمرهن أن
يتصدقن فجعلت المرأة تلقي القلب) بضم القاف وسكون اللام
آخره موحدة السوار أو من عظم (والخرص) بضم الخاء المعجمة
وسكون الراء آخره صاد مهملتين الحلقة.
والحديث سبق في صلاة العيدين.
1432 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ
بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ
طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا،
وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ". [الحديث 1432 -
أطرافه في: 6027، 6028، 7476].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا
عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة
بريد بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا (ابن عبد الله بن أو
بردة) بضم الموحدة عامر أو الحرث قال: (حدّثنا) جدي (أبو
بردة بن أو موسى عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس
الأشعري (-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جاءه السائل أو طلبت إليه
حاجة) بضم الطاء مبنيًّا للمفعول وحاجة رفع مفعول ناب عن
فاعله (قال):
(اشفعوا تؤجروا)، سواء قضيت الحاجة أم لا (ويقضي الله)
ولأبي الوقت: وليقض الله (على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء) وهذا من مكارم أخلاقه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليصلوا جناح السائل وطالب
الحاجة وهو تخلق بأخلاق الله تعالى حيث يقول لنبيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشفع تشفع وإذا أمر عيه
الصلاة والسلام بالشفاعة عنده مع علمه بأنه مستغن عنها لأن
عنده شافعًا من نفسه وباعثًا من جوده، فالشفاعة الحسنة عند
غيره ممن يحتاج إلى تحريك داعية إلى الخير متأكدة بطريق
الأولى.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب والتوحيد، ومسلم
وأبو داود في الأدب، والترمذي في العلم، والنسائي في
الزكاة.
1433 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا
عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ».
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) أبو الفضل المروزي قال:
(أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان
الكلابي أبو محمد الكوفيّ (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير
(عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن أسماء) بنت
أبي بكر الصديق (رضي الله) عنه و (عنها قالت: قال لي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا توكي) بضم
الفوقية وكسر الكاف يقال: أوكى ما فى سقائه إذا شده
بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة أي لا تربطي على
ما عندك وتمنعيه (فيوكى عليك) بفتح الكاف الأولى مبنيًّا
للمفعول ولمسلم فيوكي الله عليك وهو نصب لكونه جوابًا
للنهي مقرونًا بالفاء أي لا توكي مالك عن الصدقة خشية
نفاده فتنقطع عنك مادة الرزق.
1433 م - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
عَبْدَةَ وَقَالَ: «لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ
عَلَيْكِ» [الحديث 1433 - أطرافه في: 1434، 2590، 2591].
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة عن عبدة) بالإسناد
السابق (وقال: لا تحصي فيحصي الله عليك) بنصب فيحصي مع كسر
صاده جواب النهي كسابقه وكأن عبدة رواه عن هشام باللفظين
معًا
فحدث به تارة كذا وتارة كذا، والإحصاء معرفة قدر الشيء
وزنًا أو عددًا وهو من باب المقابلة وإحصاء الله هنا
المراد به قطع البركة أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه
في الآخرة.
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعية
عن صحابية ورواته كلهم مدنيون إلا عبدة فكوفي، وأخرجه
البخاري في الهبة ومسلم في الزكاة وكذا النسائي.
22 - باب الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ
(باب الصدقة فيما استطاع) المتصدق.
1434 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ
حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهَا
جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لاَ تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ
عَلَيْكِ. ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ».
وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن
جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال المؤلّف (ح وحدثني)
بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) المعروف بصاعقة البزار
بمعجمتين البغدادي (عن حجاج بن محمد) الأعور (عن ابن جريج
قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عباد
بن عبد الله بن الزبير) بن العوّام (أخبره عن أسماء بنت
أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أنها جاءت إلى النبي)
ولأبي ذر: جاءت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال) لها:
(لا توعي) بعين مهملة من أوعيت المتاع في الوعاء إذا جعلته
فيه ووعيت الشيء حفظته والمراد لازم الإيعاء وهو الإمساك
(فيوعي الله عليك) بضم التحتية وكسر العين والنصب جواب
النهي بالفاء، وإسناده إلى الله مجاز عن الإمساك. ولأبي ذر
عن الكشميهني: لا توكي فيوكي الله عليك بالكاف بدل العين
فيهما وليس النهي للتحريم (ارضخي): بهمزة مكسورة إذا لم
(3/33)
توصل فعل أمر من الرضخ بالضاد والخاء
المعجمتين وهو العطاء اليسير أي أنفقي من غير إجحاف (ما
استطعت) أي ما دمت مستطيعة قادرة على الرضخ.
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا
في الزكاة والهبة، ومسلم في الزكاة، والنسائي فيه وفي عشرة
النساء.
23 - باب الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ
هذا (باب) بالتنوين (الصدقة تكفر الخطيئة).
1435 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله
عنه- قَالَ: "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: أَيُّكُمْ
يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ
أَنَا أَحْفَظُهُ كَمَا قَالَ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ
لَجَرِيءٌ، فَكَيْفَ قَالَ؟ قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ
فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا
الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَعْرُوفُ -قَالَ
سُلَيْمَانُ: قَدْ كَانَ يَقُولُ الصَّلاَةُ
وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ
عَنِ الْمُنْكَرِ- قَالَ: لَيْسَ هَذِهِ أُرِيدُ،
وَلَكِنِّي أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ.
قَالَ: قُلْتُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بِهَا يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ بَأْسٌ، بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابٌ
مُغْلَقٌ. قَالَ: فَيُكْسَرُ الْبَابُ أَوْ يُفْتَحُ؟
قَالَ قُلْتُ: لاَ، بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: فَإِنَّهُ إِذَا
كُسِرَ لَمْ يُغْلَقْ أَبَدًا. قَالَ قُلْتُ: أَجَلْ.
فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ. فَقُلْنَا
لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ. قَالَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ
-رضي الله عنه-. قَالَ قُلْنَا: فَعَلِمَ عُمَرُ مَنْ
تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً.
وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ
بِالأَغَالِيطِ".
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير)
بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران
(عن أبي وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (عن حذيفة) بن اليمان
(-رضي الله عنه- قال: قال عمر -رضي الله عنه-: أيكم يحفظ
حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
الفتنة؟ قال) حذيفة: (قلت أنا أحفظه كما قال) عليه الصلاة
والسلام (قال) عمر: (إنك عليه لجريء) بفتح الجيم والمد خبر
إن واللام للتأكيد من الجراءة وهي الإقدام على الشيء. قال
ابن بطال: أي أنك كثير السؤال عن الفتنة في أيامه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنت اليوم جريء على ذكره
عالم به (فكيف قال)؟ حذيفة (قلت): هي (فتنة الرجل في أهله)
مما يعرض له معهن من سوء أو حزن أو غير ذلك مما لم يبلغ
كبيرة (وولده) بالاشتغال به من فرط المحبة عن كثير من
الخيرات (وجاره) بأن يتمنى مثل حاله إن كان متسعًا كل ذلك
(تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف، قال سليمان) بن مهران
الأعمش (قد كان) أبو وائل (يقول) في بعض الأحيان (الصلاة
والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر): بدل قوله
والمعروف (قال): عمر لحذيفة -رضي الله عنهما- (ليس هذه)
الفتنة (أريد ولكني أريد) الفتنة (التي تموج كموج البحر
قال): حذيفة (قلت ليس عليك بها) وللأربعة: منها، أي من
الفتنة (يا أمير المؤمنين بأس) بالرفع اسم ليس أي ليس عليك
منها شدة (بينك وبينها باب مغلق قال): عمر -رضي الله عنه-
(فيكسر) هذا (الباب أو) وللحموي والمستملي: أم (يفتح؟
قال): حذيفة (قلت لا بل يكسر، قال): عمر (فإنه) أي الباب
(إذا كسر لم يغلق أبدًا) أشار به عمر إلى أنه إذا قتل ظهرت
الفتن فلا تسكن إلى يوم القيامة وكان كما قال لأنه كان
سدًّا وبابًا دون الفتنة فلما قتل كثرت الفتنة وعلم عمر
أنه الباب (قال: قلت أجل) أي نعم (قال:) شقيق (فهبنا) بكسر
الهاء أي خفنا (أن نسأله) أي نسأل حذيفة وكان مهيبًا (من
الباب): أي من المراد بالباب (فقلنا لمسروق: سله) لأنه كان
أجرأ على سؤاله لكثرة علمه وعلوّ منزلته (قال: فسأله فقال)
الباب (عمر -رضي الله عنه-. قال) شقيق (قلنا: فعلم) أي
أفعلم (عمر من تعني؟ قال: نعم كما أن دون غد ليلة) اسم أن
ودون خبرها مقدم أي كما يعلم أن الليلة أقرب من الغد ثم
علل
ذلك بقوله (وذلك أني حدثته) أي عمر (حديثًا ليس بالأغاليط)
لا شبهة فيه. وقد سبق هذا الحديث في أوائل الصلاة في باب
الصلاة كفارة.
24 - باب مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ
(باب من تصدق في) حال (الشرك ثم أسلم) هل يعتد بذلك أم لا
ظاهر حديث الباب الأوّل.
1436 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ
كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ
صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا
مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ».
[الحديث 1436 - أطرافه في: 2220، 2538، 5992].
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال:
(حدّثنا هشام) هو ابن يوسف قاضي صنعاء قال: (حدّثنا معمر)
هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري عن عروة) بن الزبير (عن
حكيم بن حزام) بالزاي المعجمة (-رضي الله عنه- قال: قلت يا
رسول الله أرأيت) أي أخبرني عن حكم (أشياء كنت أتحنث)
بالمثلثة. وفي الأدب عند المؤلّف ويقال أيضًا عن أبي
اليمان أتحنت بالمثناة، لكن قال القاضي عياض: بالمثلثة أصح
رواية ومعنى أتحنث أي أتعبد (بها في الجاهلية) قبل الإسلام
(من صدقة أو عتاقة) بالألف قبل الواو وكان أعتق مائة رقبة
في الجاهلية وحمل على مائة بعير (وصلة رحم) بغير ألف قبل
الواو (فهل) لي (فيها من أجر؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أسلمت على) قبول (ما سلف) لك (من خير). ويؤيد ظاهر هذا
الحديث ما رواه الدارقطني في غرائب مالك من حديث أبي سعيد
مرفوعًا: إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة
كان زلفها ومحا عنه كل سيئة كان زلفها، وكان عمله
(3/34)
بعد ذلك الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة
ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها، لكن هذا لا
يتخرج على القواعد الأصولية لأن الكافر لا يصح منه في حال
كفره عبادة لأن شرطها النية وهي متعذرة منه، وإنما يكتب له
ذلك الخير بعد إسلامه تفضلاً من الله مستأنفًا من أو
المعنى أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادئ
عنوان الغايات، أو إنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعًا جميلة
فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام وقد مهدت لك تلك العادة
معونة على فعل الخير.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن
صحابي، وأخرجه أيضًا في البيوع والأدب والعتق، وأخرجه مسلم
في الإيمان.
25 - باب أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ
صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ
(باب أجر الخادم) هو شامل للمملوك والزوجة وغيرهما (إذا
تصدق بأمر صاحبه) حال كونه (غير مفسد) في صدقته.
1437 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا
غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلِزَوْجِهَا
بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ».
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن
مهران (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق (عن مسروق) هو ابن
الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا تصدّقت المرأة من طعام زوجها) بإذنه ولو إذنًا عامًا
حال كونها (غير مفسدة) بأن لا تتعدى إلى الكثرة المؤدّية
إلى النقص الظاهر وهذا القيد متفق عليه فالمراد إذا تصدقت
بشيء يسير (كان لها أجرها) بما تصدقت (ولزوجها) أجره (بما
كسب وللخازن) أجره (مثل ذلك). وفرق بعضهم بين المرأة
والخازن بأن لها حقًا في مال زوجها والنظر في بيتها فلها
التصدق بغير إذنه بخلاف الخازن فليس له ذلك إلا بإذن، وفيه
نظر لأنها إن استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن
تصدقت من غير حقها رجع الأمر كما كان، والحديث سبق قريبًا
والله المعين.
1438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَازِنُ
الْمُسْلِمُ الأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ -وَرُبَّمَا قَالَ
يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلاً مُوَفَّرًا طَيِّبٌ
بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ
بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ». [الحديث 1438 - طرفاه
في: 2260، 2319].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب
الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة
(عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا (عن)
جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة عامر (عن) أبيه (أبي موسى)
الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ) بضم أوّله وسكون ثانيه
وكسر ثالثه مخففًا آخره ذال معجمة مضارع أنفذ ويجوز فتح
النون وتشديد الفاء مضارع نفذ وهو إما من الإفعال أو من
التفعيل وهو الإمضاء. ولأبي الوقت في غير اليونينية: ينفق
بالقاف بدل المعجمة (وربما قال يعطي ما أمر به) من الصدقة
(كاملاً موفرًا طيب به نفسه) برفع طيب ونفسه مبتدأ وخبر
مقدم والجملة في موضع الحال، وللكشميهني: طيبًا بالنصب على
الحال به نفسه بالرفع فاعل بقوله طيبًا (فيدفعه إلى) الشخص
(الذي أمر له) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي الذي أمر
الآمر له (به) أي بالدفع (أحد المتصدقين) بفتح
القاف لكن أجره غير مضاعف له عشر حسنات بخلاف رب المال فهو
نحو قولهم في المبالغة: القلم أحد اللسانين، وأحد بالرفع
خبر المبتدأ الذي هو الخازن، وقيد الخازن بكونه مسلمًا لأن
الكافر لا نية له وبكونه أمينًا لأن الخائن غير مأجور ورتب
الأجر على إعطائه ما أمر به لئلا يكون خائنًا أيضًا، وأن
تكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر، والبخيل
كل البخيل من بخل بمال غيره وأن يعطي من أمر بالدفع إليه
لا لغيره.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوكالة والإجارة ومسلم في
الزكاة وكذا أبو داود والنسائي.
26 - باب أَجْرِ الْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ
أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ
(باب أجر المرأة إذا تصدَّقت) من مال زوجها (أو أطعمت)
شيئًا (من بيت زوجها) حال كونها (غير مفسدة) جاز لها ذلك
للإذن المفهوم من اطراد العرف فإن علم شحه أو شك فيه لم
يجز ولم يقيد هنا بالأمر كالسابق، فقيل: لأنه فرق بين
المرأة والخادم بأن المرأة لها ذلك بشرطه كما مرّ بخلاف
الخازن والخادم.
1439 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْنِي إِذَا تَصَدَّقَتِ
الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا ح.
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش)
كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن مسروق
(3/35)
عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني) بالمثناة التحتية
وبالفوقية أي عائشة حديث:
(إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها) إلى آخرَ الحديث الذي حول
الإسناد إليه بقوله (ح).
1440 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَطْعَمَتِ
الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ
لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ
ذَلِكَ، لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ».
(حدّثنا عمر بن حفص، بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث قال: (حدّثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة -رضي
الله عنها- قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها) حاك كونها (غير مفسدة)
كان (لها أجرها) أي الصدقة. وللكشميهني: كان لها أجرها
(وله) أي الزوج (مثله وللخازن مثل ذلك، له) أي الزوج (بما
اكتسب ولها) أي الزوجة (بما أنفقت) ولابن عساكر: ولها مثل
ما أنفقت.
1441 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا
جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ
طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَلَهَا أَجْرُهَا،
وَلِلزَّوْجِ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ
ذَلِكَ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن يحيى) التيمي قال: (أخبرنا جرير)
هو ابن عبد الحميد (عن منصور عن شقيق عن مسروق عن عائشة
-رضي الله عنها- عن النبي قال):
(إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها) حال كونها (غير مفسدة
فلها أجرها) أي الصدقة (وللزوج) أجره (بما اكتسب وللخازن
مثل ذلك) الأجر بالشرط المذكور في حديث أبي موسى السابق
قريبًا. وظاهره يعطي التساوي المذكورين في الأجر، ويحتمل
أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر
الكاسب أوفر لكن يعكر عليه حديث أبي هريرة بلفظ: فلها نصف
أجره إذ هو يشعر بالتساوي، وهذا الحديث أورده المؤلّف من
ثلاثة طرق عن عائشة كلها تدور على شقيق عن مسروق عنها وفي
كل زيادة فائدة ليست في الآخر كما تراه، فلفظ الأعمش: إذا
أطعمت من بيت زوجها، ولفظ منصور: إذا أنفقت المرأة من طعام
بيتها فالله تعالى يرحم المؤلّف ما أكثر فرائد فوائده ولله
دره ما أحلى مكرره.
27 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى
وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى *
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا
(باب قول الله تعالى: ({فأما من أعطى}) ماله لوجه الله
({واتقى}) محارمه ({وصدق بالحسنى}) أي بالمجازاة وأيقن أن
الله سيخلفه أو بالكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد أو الجنة
({فسنيسره}) سنهيئه في الدنيا ({لليسرى}) للخلة التي توصله
إلى اليسر والراحة في الآخرة يعني للأعمال الصالحة المسببة
لدخول الجنة ({وأما من بخل}) بما أمر به من الإنفاق في
الخيرات ({واستغنى}) بالدنيا عن العقبى ({وكذب بالحسنى،
فسنيسره}) في الدنيا ({للعسرى}) [الليل: الآيات 5 - 10]
للخلة المؤدّية إلى الشدة في الآخرة وهي الأعمال السيئة
المسببة لدخول النار (اللهم أعط منفق مال خلفًا) بجر مال
على الإضافة. ولأبي الوقت من غير اليونينية. منفقًا مالاً
خلفًا بنصب مالاً مفعول منفق بدليل رواية الإضافة إذ
لولاها لاحتمل أن يكون مفعول أعط والأوّل أولى من جهة أخرى
وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن يكون
مفعول منفق، وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال
والثواب فكم من منفق مال قل أن يقع له الخلف المالي فيكون
خلفه الثواب المعدّ له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما
يقابل ذلك قاله في فتح الباري وهمزة أعط قطع والجملة عطف
على قول الله بحذف حرف العطف ذكره على سبيل البيان للحسنى،
فكأنه يشير إلى أن قول الله تعالى مبين بالحديث يعني تيسير
اليسرى له إعطاء الخلف له قاله الكرماني.
1442 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي
عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ
عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ
فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ
أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا،
وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدَّثني)
بالإفراد (أخي) أبو بكر اسمه عبد الحميد (عن سليمان) بن
بلال (عن معاوية بن أبي مزرّد) بضم الميم وفتح الزاي
المعجمة وكسر الراء المشددة آخره دال مهملتين واسمه عبد
الرحمن (عن) عمه (أبي الحباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين
بينهما ألف مخففًا سعيد بن يسار ضدّ اليمين (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(ما من يوم يصبح العباد فيه) ينزل فيه أحد (إلا ملكان) فما
بمعنى ليس ويوم اسمه ومن زائدة، ويصبح العباد صفة يوم،
وملكان مستثنى من محذوف هو خبر ما أي ليس يوم موصوف بهذا
الوصف ينزل فيه أحد إلا ملكان كما مر فحذف المستثنى منه
ودل عليه بوصف الملكين (ينزلان فيقول
(3/36)
أحدهما: اللهم أعط) بقطع همزة أعط (منفقًا)
ماله في طاعتك (خلفًا) بفتح اللام أي عوضًا كقوله تعالى:
وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وقوله: ابن آدم أنفق أنفق
عليك. (ويقول): الملك (الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا) زاد
ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن أبي الدرداء فأنزل الله
تعالى في ذلك {فأما من أعطى واتقى} إلى قوله: {العسرى}
وقوله: اللهم أعط ممسكًا تلفًا هو من قبيل المشاكلة لأن
التلف ليس بعطية وظاهره كما قال القرطبي: يعم الواجبات
والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق الدعاء
بالتلف: نعم، إذا غلب عليه البخل الذموم بحيث لا تطيب نفسه
بإخراج ما أمر به إذا أخرجه.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وأخرجه مسلم في الزكاة
والنساني في عشرة النساء، وكذا أخرجه من حديث أبي الدرداء
أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه، والبيهقي من طريق
الحاكم بلفظ: ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وكان بجنبتيها
ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين يا
أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر
وألهى ولا آبت الشمس إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء
يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين اللهم أعط منفقًا خلفًا
وأعط ممسكًا تلفًا، وأنزل الله في ذلك قرآنًا في قول
الملكين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم في سورة يونس:
{والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم} [يونس: 25] وأنزل الله في قولهما اللهم أعط منفقًا
خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا {والليل إذا يغشى والنهار إذا
تجلى} إلى قوله: {للعسرى} [الليل: 1 - 10] وقوله بجنبتيها
تثنية جنبة بفتح الجيم وسكون النون وهي الناحية.
28 - باب مَثَلِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ
(باب مثل المتصدق والبخيل).
1443 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا
ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ
كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ
حَدِيدٍ». ح.
وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ
كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ
مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا. فَأَمَّا
الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ -أَوْ
وَفَرَتْ- عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ
وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ. وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ
أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ
مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ».
تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي
الْجُبَّتَيْنِ. [الحديث 1443 - أطرافه في: 1444، 2917،
5299، 5797].
1444 - وَقَالَ حَنْظَلَةُ عَنْ طَاوُسٍ «جُنَّتَانِ».
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنِ ابْنِ
هُرْمُزٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«جُنَّتَانِ».
وبالسند قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا ابن
طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(مثل البخيل والمتصدق) وفي الرواية اللاحقة والمنفق (كمثل
رجلين عليهما جبتان من حديد) بضم الجيم وتشديد الموحدة ولم
يسق المؤلّف تمام هذا المتن في هذه الطريق. نعم أخرجه بهذا
الإسناد في الجهاد عن موسى بتمامه ولفظه مثل البخيل
والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان بالموحدة من حديد قد
اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما همّ المتصدق بصدقته
اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وكلما همّ البخيل بالصدقة
انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى
تراقيه فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع، أخرجه مسلم أيضًا في
الزكاة وكذا النسائي.
قال المؤلّف بالسند: (ح وحدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع
قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو
الزناد) بكسر الزاي وفتح النون عبد الله بن ذكوان (أن عبد
الرحمن) الأعرج (حدّثه أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه-
أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(مثل البخيل والمنفق) وفي السابقة والمتصدق (كمثل رجلين
عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الموحدة كالسابقة ومن رواه
هنا بالنون بدل الموحدة فقد صحف، نعم، قال في الفتح: اختلف
في رواية الأعرج هذه والأكثر أنها بالموحدة أيضًا، وفي
رواية حنظلة وابن هرمز عند المؤلّف بالنون كما يأتي قريبًا
إن شاء الله تعالى وهي بالموحدة ثوب مخصوص ولا مانع من
إطلاقه على الدرع (من حديد من ثديهما) بضم المثلثة وكسر
الدال المهملة وتشديد المثناة التحتية جمع ثدي (إلى
تراقيهما) بفتح أوله
وكسر القاف جمع ترقوة العظمين المشرفين في أعلى الصدر من
رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر، (فأما المنفق فلا ينفق)
شيئًا (إلا سبغت) بفتح السين المهملة والموحدة المخففة
والغين المعجمة أي امتدت وغطت (أو وفرت) بتخفيف الفاء من
الوفور والشك من الراوي أي كملت (على جلده حتى تخفي) بضم
المثناة الفوقية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء أي تستر
(بنائه) بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة أي أصابعه.
وللحميدي: حتى تجن
(3/37)
بضم أوله وكسر الجيم وتشديد النون من أجن
الشيء إذا ستره. وذكرها الخطابي في شرحه للبخاري كرواية
الحميدي (وتعفو أثره) بفتح الهمزة واالمثلثة وتعفو نصب
عطفًا على تخفي وكلاهما مسند إلى ضمير الجبة وعفا يستعمل
لازمًا ومتعديًا تقول: عفت الديار إذا درست وعفاها الريح
إذا طمسها ودرست وهو في الحديث متعد أي تمحو أثر مشيه
لسبوغها. يعني: أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر
الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه
فضرب المثل بدرع سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه.
والمراد أن الجواد إذا همّ بالصدقة انفسح لها صدره وطابت
بها نفسه فتوسعت بالإنفاق. (وأما البخيل فلا يريد أن ينفق
شيئًا إلا لزقت) بكسر الزاي أي التصقت (كل حلقة) بسكون
اللام (مكانها فهو يوسعها ولا تتسع) ولأبي الوقت: فلا تتسع
بالفاء بدل الواو وضرب المثل برجل أراد أن يلبس درعًا
يستجن به فحالت يداه بينها وبين أن تمر على سائر جسده
فاجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته. والمعنى: أن البخيل إذا
حدّث نفسه بالصدقة شحت نفسه وضاق صدره وانقبضت يداه.
(تابعه) أي تابع ابن طاوس (الحسن بن مسلم) هو ابن يناق في
روايته (عن طاوس في الجبتين) بالموحدة وهذه المتابعة
أخرجها المؤلّف في اللباس في باب جيب القميص. (وقال حنظلة)
بن أبي سفيان في روايته (عن طاوس جنتان) بالنون بدل
الموحدة وهذا ذكره المؤلّف أيضًا في اللباس معلقًا، ووصله
الإسماعيلي من طريق إسحاق الأزرقي عن حنظلة (وقال: الليث)
بن سعد: (حدّثني) بالإفراد (جعفر) هو ابن ربيعة (عن ابن
هرمز) عبد الرحمن (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(جنتان) بالنون أيضًا ورجحت هذه الرواية على السابقة لقوله
من حديد والجنة في الأصل الحصن وسميت بها الدرع لأنها تجن
صاحبها أي تحصنه.
29 - باب صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {غَنِيٌّ
حَمِيدٌ}
(باب صدقة الكسب والتجارة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
كَسَبْتُمْ} أي من التجارة الحلال كما أخرجه الطبراني وابن
أبي حاتم عن مجاهد {ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة:
267] أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والثمار
والمعادن فحذف المضاف لتقدم ذكره (إلى قوله غني حميد) أي
غني عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لانفاعكم وسقط في
رواية غير أو ذر: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} ولم يذكر فى
هذا الباب حديثًا على عادته فيما لم يجد على شرطه والله
أعلم.
30 - باب عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ
(باب) بالتنوين (على كل مسلم صدقة فمن لم يجد) ما يتصدق به
(فليعمل بالمعروف).
1445 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
صَدَقَةٌ. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ
وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ:
يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالُوا: فَإِنْ
لَمْ يَجِدْ. قَالَ: فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ،
وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ».
[الحديث 1445 - طرفه في: 6022].
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) القصاب قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن أبي بردة) بضم
الموحدة وسكون الراء (عن أبيه) أبي بردة عامر (عن جده) جد
سعيد أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب المتأكد ولا حق
في المال سوى الزكاة إلا على سبيل الندب ومكارم الأخلاق
كما قاله الجمهور (فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد) ما
يتصدق به (قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق قالوا: فإن لم
يجد قال: يعين ذا الحاجة الملهوف) بالنصب صفة لذا الحاجة
المنصوب على المفعولية والملهوف شامل للمظلوم والعاجز
(قالوا: فإن لم يجد) أي فإن لم يقدر (قال: فليعمل
بالمعروف). وعند المؤلّف في الأدب من وجه آخر عن شعبة
فليأمر بالخير أو بالمعروف. وزاد أبو داود الطيالسي في
مسنده عن شعبة: وينهى عن المنكر (وليمسك عن الشر فإنها)
بتأنيث الضمير باعتبار الخصلة التي هي الإمساك (له) أي
للممسك (صدقة) والحاصل أن الصدقة تكون بمال موجود أو
بمقدور التحصيل أو بغير مال وذلك إما فعل وهو الإعانة أو
ترك وهو الإمساك عن الشر، لكن قال ابن المنير: حصول ذلك
للممسك إنما يكون مع نيّة القربة به وفيه تنبيه
على أن الترك فعل، ولذا جعل الإمساك والكف صدقة ولا خلاف
أن الصدقة فعل فقد صدق على الترك أنه فعل.
ورواة
(3/38)
هذا الحديث كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري
وشعبة فواسطي، وفيه التحديث والعنعنة ورواية الابن عن أبيه
عن جدّه، وأخرجه مسلم والنسائي في الزكاة.
31 - باب قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ
وَالصَّدَقَةِ، وَمَنْ أَعْطَى شَاةً
(باب) بالتنوين (قدر كم يعطي) المزكي (من الزكاة) المفروضة
(و) كم يعطي المتصدق من
(الصدقة) المسنونة وهو من عطف العام على الخاص (و) حكم (من
أعطى شاة) في الزكاة ولأبي ذر أعطي بضم الهمزة مبنيًّا
للمفعول.
1446 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو
شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ
سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
"بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ،
فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- مِنْهَا،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ فَقُلْتُ: لاَ، إِلاَّ مَا أَرْسَلَتْ
بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ. فَقَالَ: هَاتِ،
فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". [الحديث 1446 - طرفاه في:
1494، 2579].
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي قال:
(حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط بفتح الحاء
المهملة والنون (عن خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة
والذال المعجمة المشددة ممدودًا (عن حفصة بنت سيرين) أم
الهذيل الأنصارية (عن أم عطية) نسيبة (-رضي الله عنها-)
أنها (قالت: بعث) بضم الموحدة وكسر العين مبنيًا للمفعول
(إلى نسيبة) أم عطية (الأنصارية) بضم النون وفتح السين
مصغرًا غير منصرف، وللمستملي: نسيبة بفتح النون وكسر السين
(بشاة) من الصدقة (فأرسلت) نسيبة (إلى عائشة -رضي الله
عنها-) وقد كان مقتضى الظاهر أن تقول بعث إلي بضمير
المتكلم المجرور، ولكنها عبرت عن نفسها بالظاهر حيث قالت
إلى نسيبة موضع المضمر الذي هو ضمير المتكلم المجرور أما
على سبيل الالتفات أو جردت من نفسها ذاتًا تسمى نسيبة
وليست أم عطية غير نسيبة بل هي هي ولخوف هذا التوهم زاد
ابن السكن هنا عن الفربري. قال أبو عبد الله أي البخاري
نسيبة هي أم عطية وفي نسخة وهي رواية أبي ذر بعث بفتحات
مبنيًا للفاعل إلى نسيبة بشاة فأرسلت أي نسيبة إلى عائشة
-رضي الله عنها-. ولمسلم عن أم عطية قالت: بعث إلي رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشاة من الصدقة
فبعثت إلى عائشة منها بشيء الحديث وهو يدل على أن الباعث
الرسول عليه الصلاة والسلام، ولغير أبي ذر: بعثت بفتحات
وسكون تاء التأنيث إليّ بتشديد المثناة نسيبة بالرفع على
الفاعلية بشاة فأرسلت بسكون اللام إلى عائشة -رضي الله
عنها- (منها) أي من الشاة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):.-
(عندكم شيء) ولمسلم: هل عندكم شيء؟ قالت عائشة: (فقلت)
ولأبي ذر: فقالت (لا) شيء عندنا (إلا ما أرسلت به) أم عطية
(نسيبة من تلك الشاة) وللمستملي والحموي من ذلك الشاة.
(فقال): عليه الصلاة والسلام (هاتِ) بكسر التاء حذفت الياء
منه تخفيفًا (قد بلغت محلها) بكسر الحاء أي وصلت إلى
الموضع الذي تحل فيه بصيرورتها ملكًا للمتصدق بها عليهم
فصحت منها هديتها، وإنما قال ذلك لأنه كان يحرم عليه أكل
الصدقة.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن لها جزأين: أحدهما مقدار
كم يعطي ويطابقه إرسال نسيبة إلى عائشة من تلك الشاة التي
أرسلها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
الصدقة، والجزء الثاني ومن أعطى شاة ومطابقته من جهة إرسال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليها بشاة
كاملة قاله صاحب عمدة القاري. وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الزكاة والهبة ومسلم في الزكاة.
32 - باب زَكَاةِ الْوَرِقِ
(باب زكاة الورِق) بفتح الواو وكسر الراء الفضة.
1447 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى
الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ
خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي عَمْرٌو سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
-رضي الله عنه- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا.
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون
الميم (المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة (قال: سمعت أبا
سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ليس فيما دون خمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو آخره
مهملة (صدقة من الإبل) بيان للذود (وليس فيما دون خمس
أواق) بالتنوين كجوار من الورق مضروبًا أو غير مضروب
(صدقة) والأوقية أربعون درهمًا بالاتفاق كما مرّ، والجملة
مائتا درهم وذلك أربعمائة نصف معاملة مصر الآن ولا شيء في
المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابًا، والاعتبار بوزن مكة
تحديدًا حتى لو نقص بعض حبة أو في بعض الموازين دون بعض لم
تجب والقدر المخرج منها الذي هو ربع العشر خمسة دراهم وهي
عشرة أنصاف. وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى. وأما الذهب
ففي عشرين مثقالاً منه ربع العشر لحديث أبي داود بإسناد
صحيح أْو حسن عن عليّ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: ليس في أقل من عشرين دينارًا شيء وفي عشرين
نصف دينار فنصاب
(3/39)
الذهب أربعمائة قيراط وسبعة وخمسون قيراطًا
وسبع قيراط ووزنه ثلاث حبات وثلاثة أرباع خمس حبة أو ثمن
حبة وخمس ثمن حبة وهي من الشعير المتوسط الذي لم يقشر بل
قطع من طرفي الحبة منه ما دق وطال، وإنما كان القيراط ما
ذكر لأنه ثلاثة أثمان الدانق الذيَ هو سدس درهم وهو ثمان
شعيرات وخمسا شعيرة على الأرجح اضربهما في ستة يحصل خمسون
شعيرة وخمسا شعيرة وذلك هو الدرهم الإسلامي الذي هو ستة
عشر قيراطًا زد عليه ثلاثة أسباعه من الحب وهي إحدى وعشرون
حبة وثلاثة أخماس حبة فيكون الدينار الشرعي الذي هو مثقال
اثنتين وسبعين حبة ويكون النصاب ألفًا وأربعمائة حبة
وأربعين حبة، وإنما زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه من الحب
لأن المثقال درهم وثلاثة أسباعه، ومنهم من ضبط الدرهم
والدينار بحب الخردل البري فقال: المثقال ستة آلاف حبة
والدرهم أربعة آلاف ومائتان لأن الدرهم سبعة أعشار المثقال
كما تقرر، ونقل بعضهم عن المحققين أن ضبطه بالخردل المذكور
أجود لقلة التفاوت فيه، وعلى هذا الضبط فالنصاب مائة ألف
خردلة وعشرون ألف والدانق سبعمائة خردلة والقيراط
مائتا خردلة واثنتان وستون خردلة ونصف خردلة فيكون النصاب
بالدراهم ثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع درهم لأن كل
عشرة دراهم سبعة مثاقيل وذلك اثنان وعشرون قيراطًا وستة
أسباع قيراط فإذا ضربت ذلك في عشرين عدد المثاقيل الذي هو
النصاب تبلغ ما ذكر أولاً من القراريط، فإذا أردت معرفة
قدر النصاب الشرعي بدنانير مصر الآن التي كل واحد منها
درهم وثمن وهو ثمانية عشر قيراطًا فاضربها في خمسة وعشرين
أشرفيًا تبلغ أربعمائة وخمسين قيراطًا يفضل مما تقدم سبعة
قراريط وسُبع قيراط انسبهما لثمانية عشر يكونا سبعيها
وتسعيها، فيكون النصاب خمسة وعشرين أشرفيًا وسبعي أشرفي
وتسعة وهما من الفضة تسعة أنصاف وخمسة أسداس نصف فضة ونصف
سدسه وثلث سبع نصف سدس، وهذه الكسور بالفلوس أحد عشر
درهمًا وثلث سبع درهم، وقدر الزكاة من كامل النصاب خمسة
أثمان أشرفي كامل وخمسة أسباع ثمن تسعة وذلك بالفضة خمسة
عشر نصفًا وخمسة أسداس نصف قضة وثلاثة أسباع نصف سدسه وثلث
سبع نصف سدسه وذلك عشرة دراهم فلوسًا وثلاثة أسباع درهم
وثلث سبعه وحينئذ فزكاة النصاب خمسة أثمان أشرفي وربع عشره
وهو من الفضة ستة عشر نصفًا وربع نصف فضة. كذا حرره الشيخ
شمس الدين محمد ابن شيخنا الحافظ فخر الدين الديمي وصوّبه
غير واحد من الأئمة.
(ليس فيما دون خمسة أوسق) ألف وستمائة رطل بالبغدادي من
الثمار والحبوب (صدقة).
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا عبد
الوهاب) بن عبد المجيد (قال: حدَّثني) بالإفراد، ولابن
عساكر: حدّثنا (يحيى ابن سعيد) بكسر العين الأنصاري (قال:
أخبرني) بالإفراد (عمرو) أنه (سمع أباه) يحيى (عن أبي
سعيد) الخدري (-رضي الله عنه-) أنه قال: (سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث وفائدة
إيراده لهذه الطريق التصريح بسماع عمرو بن يحيى من أبيه
بخلاف الأولى فإنه بالعنعنة.
33 - باب الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ -رضي الله عنه- لأَهْلِ
الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ
لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ،
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَأَمَّا خَالِدٌ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ».
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» فَلَمْ يَسْتَثْنِ
صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا. فَجَعَلَتِ
الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا. وَلَمْ
يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنَ الْعُرُوضِ.
(باب) جواز أخذ (العرض) بفتح العين وسكون الراء وبالضاد
المعجمة خلاف الدنانير والدراهم (في الزكاة. وقال طاوس) هو
ذكوان مما رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج (قال معاذ) هو
ابن جبل (-رضي الله عنه- لأهلِ اليمن: ائتوني بعرض) بفتح
العين المهملة وسكون الراء بعدها ضاد معجمه (ثياب)
بالتنوين بدل من عرض أو عطف بيان وجوز بعضهم إضافة عرض
للاحقه كشجر أراك فالإضافة بيانية والعرض ما عدا النقدين
(خميص) بفتح الخاء المعجمة وآخره صاد مهملة بيان لسابقه أي
خميصة وذكره على إرادة الثوب. وقال الكرماني: كساء أسود
مربع له علمان، والمشهور خميس بالسين قال أبو عبيد هو ما
طوله خمسة أذرع (أو لبيس) بفتح اللام وكسر الموحدة المخففة
فعيل بمعنى ملبوس (في الصدقة مكان الشعير والذرة)، بضم
الذال المعجمة وتخفيف
(3/40)
الراء هو (أهون) أسهل (عليكم)، عبر بعلى
دون اللام لإرادة تسلط السهولة عليهم (وخير) أي أرفق
(لأصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالمدينة) لأن مؤنة النقل ثقيلة فرأى الأخف في ذلك خيرًا
من الأثقل وهو موافق لمذهب الحنفية في جواز دفع القيم في
الزكاة وإن كان المؤلّف كثير المخالفة لهم لكن قاده إليه
الدليل كما قاله ابن رشيد، وهذا التعليق وإن كان صحيحًا
إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع نعم إيراد
المؤلّف له في معرض الاحتجاج يقتضي قوّته عنده. وقد حكى
البيهقي عن بعضهم أنه قال فيه عن الجزية بدل الصدقة فإن
ثبت ذلك فقد سقط الاحتجاج به لكن المشهور الأول أي رواية
الصدقة وقد أجيب بأن معاذًا كان يقبض منهم الزكاة بأعيانها
غير مقوّمة فإذا قبضها عاوض عنها حينئذ من شاء بما شاء من
العروض، ولعله كان يبيع صدقة زيد من عمرو حتى يخلص من
كراهة بيع الصدقة لصاحبها وقيل: لا حجه في هذا على أخذ
القيمة في الزكاة مطلقًا لأنه لحاجة علمها بالمدينة رأى
المصلحة في ذلك واستدلّ به على نقل الزكاة. وأجيب: بأن
الذي صدر من معاذ كان على سبيل الاجتهاد فلا حجة فيه،
وعورض بأن معاذًا كان أعلم الناس بالحلال والحرام وقد بين
له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أرسله
إلى اليمن ما كان يصنع.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث
أبي هريرة الآتي موصولاً إن شاء الله تعالى في باب قول
الله تعالى: وفي الرقاب (وأما خالد) هو ابن الوليد (احتبس)
أي وقف ولأبوي ذر والوقت: فقد احتبس (أدراعه) جمع درع وهي
الزردية (وأعتده) بضم المثناة الفوقية جمع عتد بفتحتين،
ولأبي ذر: وأعتده بكسر التاء، ولمسلم: أعتاده جمع عتاد
بفتح العين، لكن نقل ابن الأثير عن الدارقطني أن أحمد صوّب
الأولى وأن علي بن حفص أخطأ في قوله أعتاده وصحف. وقال
بعضهم: إن أحمد إنما حكى عن علي بن حفص وأعتده بالمثناة
وأن الصواب وأعبده بالموحدة لكن لا وهم مع صحة الرواية
والذي يظهر أن الصحيح رواية اعتده بالمثناة الفوقية وهو
المعد من السلاح والدواب للحرب (في سبيل الله) قال النووي
إنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًّا أنها للتجارة فقال
لهم لا زكاة علي فقالوا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إن خالدًا منع فقال إنكم تظلمونه إنه حبسها
ووقفها في سبيل الله قبل الحول فلا زكاة فيها وفيه دليل
على وقف المنقول خلافًا لبعض الكوفيين انتهى. وقال البدر
الدماميني ولا أدري كيف ينتهض حديث وقف خالد لأدراعه
وأعتده دليلاً للبخاري على أخذ العرض في الزكاة ووجهه غيره
من حيث إن أدراعه وأعتده من العرض ولولا أنه وقفهما
لأعطاهما في الزكاة أو لما صح منه صرفهما في سببيل الله
فدخلا في أحد مصاريف الزكاة الثمانية فلم يبق عليه شيء
واستشكله ابن دقيق العيد بأنه إذا حبس تعين مصرفه من حيث
التحبيس، فلا يكون مصرفًا من حيث الزكاة ثم تخلص من ذلك
باحتمال أن يكون المراد بالتحبيس الإرصاد لذلك لا الوقف
فيزول الإشكال.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما
وصله المؤلّف في العيدين من حديث ابن عباس -رضي الله
عنهما-: (تصدقن) أي أدّين صدقاتكن (ولو من حليكن) بضم
الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية. قال البخاري:
(فلم يستثن) عليه الصلاة والسلام (صدقة الفرض من غيرها)
ولأبي ذر: صدقة العرض بالعين المهملة بدل الفاء (فجعلت
المرأة تلقي خرصها) بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبالصاد
المهملة حلقتها التي في أذنها (وسخابها) بكسر السين
المهملة قلادتها قال البخاري: (ولم يخص) عليه الصلاة
والسلام (الذهب والفضة من العروض) وموضع الدلالة منه قوله
وسخابها لأن السخاب ليس من ذهب ولا فضة بل من مسك وقرنفل
ونحوهما، فدلّ على أخذ القيمة في الزكاة، لكن قوله: ولو من
حليكن يدل على أنها لم تكن صدقة محدودة على حد الزكاة فلا
حجة فيه والصدقة إذا أطلقت حملت على التطوع عرفًا.
1448 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ
أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي
الله عنه- كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَنْ بَلَغَتْ
صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ
بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ
الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا
وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ
وَلَيْسَ مَعَهُ شَىْءٌ». [الحديث 1448 - أطرافه في: 1450،
1451، 1453، 1454، 1455، 2487، 3106، 5878، 6955].
وبالسند
(3/41)
قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) قال:
(حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (قال: حدّثني)
باللإفراد عمي (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد
الله بن أنس قاضي البصرة (أن) جدّه (أنسًا) هو ابن مالك
(-رضي الله عنه- حدثه أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه-
كتب له) الفريضة التي تؤخذ في زكاة الحيوان (التي أمر الله
رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها، وثبت لفظ
التي للكشميهني (ومن بلغت صدقته بنت مخاض) بأن كان عنده من
الإبل خمس وعشرون إلى خمس وثلاثين وبنت المخاض بفتح الميم
وبالخاء والضاد المعجمتين الأنثى من الإبل وهي التي تم لها
عام سميت به لأن أمها آن لها أن تلحق بالمخاض وهو وجع
الولادة وإن لم تحمل وبنت بالنصب على المفعولية وفي نسخة
بإضافة صدقة إلى بنت (وليست عنده) أي: والحال أن بنت
المخاض ليست موجودة عنده (و) الحال أن الموجود (عنده بنت
لبون) أنثى وهي التي آن لأمها أن تلد فتصير لبونًا (فإنها
تقبل منه) أي من المالك من الزكاة (ويعطيه المصدق) بضم
الميم وتخفيف المهملة وكسر الدال كمحدث آخذ الصدقة وهو
الساعي الذي يأخذ الزكاة (عشرين درهمًا) فضة من النقرة
الخالصة وهي المراد بالدراهم الشرعية حيث أطلقت، (أو
شاتين) بصفة الشاة المخرجة عن خمس من الإبل (فإن لم يكن
عنده) أي المالك (بنت مخاض على وجهها) المفروض (وعنده ابن
لبون) ذكر (فإنه يقبل منه) وإن كان أقل قيمة منها ولا يكلف
تحصيلها (وليس معه شيء) وهذا طرف من حديث الصدقات، ويأتي
إن شاء الله تعالى معظمه في باب زكاة الغنم ودلالته على
الترجمة من جهة قبول ما هو أنفس مما يجب على المتصدق
وإعطاؤه التفاوت من جنس غير الجنس الواجب وكذا العكس.
وأجيب: بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى ما بين السنين في
القيمة فكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في
الأمكنة والأزمنة، فلما قدّر الشارع التفاوت بمقدار معين
لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في مثل ذلك، قاله في
فتح الباري.
ورواة هذا الحديث بصريون وفيه التحديث، وأخرجه المؤلّف في
مواضع قال المزي في الأطراف ستة في الزكاة أي هنا، وباب لا
يجمع بين متفرق، وباب ما كان من خليطين، وباب من بلغت عنده
صدقة بنت مخاض، وباب زكاة الغنم، وباب لا تؤخذ في الصدقة
هرمة وفي الخمس والشركة واللباس وترك الحيل. وقال صاحب
التلويح في عشرة مواضع بإسناد واحد مقطعًا من حديث ثمامة
عن أنس، وأخرجه أبو داود في الزكاة وكذا النسائي وابن
ماجة.
1449 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَصَلَّى
قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ
النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ وَمَعَهُ بِلاَلٌ نَاشِرَ
ثَوْبِهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ،
فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي" وَأَشَارَ أَيُّوبُ إِلَى
أُذُنِهِ وَإِلَى حَلْقِهِ.
وبه قال: (حدّثنا مؤمل) بضم الميم الأولى وفتح الثانية
مشدّدة بلفظ المفعول ابن هشام البصري قال: (حدّثنا
إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن عطاء بن أبي
رباح قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أشهد على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصلّى) بفتح اللامين
والأولى جواب قسم محذوف بتضمنه لفظ أشهد أي والله لقد صلّى
صلاة العيد (قبل الخطبة فرأى) عليه الصلاة والسلام (أنه لم
يسمع النساء) خطبته لبعدهن (فأتاهن) أي فجاء إليهن (ومعه
بلال) حال كونه (ناشر ثوبه) بالإضافة، ولأبي ذر: ناشر ثوبه
بغير إضافة مع الرفع (فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت
المرأة تلقي وأشار أيوب) السختياني بيده (إلى أذنه وإلى
حلقه) يريد ما فيهما من حلق وقرط وقلادة.
ومطابقته للترجمة قيل من جهة أمره عليه الصلاة والسلام
النساء بدفع الزكاة فدفعن الحلق والقلائد، وهو يدل على
جواز أخذ العرض في الزكاة وجوابه ما مرّ في هذا الباب
قريبًا.
34 - باب لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ
بَيْنَ مُجْتَمِعٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِثْلُهُ
هذا (باب) بالتنوين (لا يجمع بين متفرق) بتقديم المثناة
الفوقية على الفاء وتشديد الراء.
وللحموي والمستملي: مفترق بتأخيرها (ولا يفرق بين مجتمع)
بكسر الميم الثانية (ويذكر عن سالم) هو ابن عبد الله بن
عمر مما وصله أحمد وأبو يعلى والترمذي وغيرهم (عن ابن عمر
-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
(3/42)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل لفظ
الترجمة.
1450 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي
ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ
بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ».
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال:
حدَّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (قال:
حدَّثني) بالإفراد عمي (ثمامة أن) جده (أنسًا -رضي الله
عنه- حدَّثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له) الفريضة
(التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ولا يجمع) بضم أوّله وفتح ثالثه أي لا يجمع المالك
والمصدق (بين متفرق) تقديم التاء على الفاء (ولا يفرق) بضم
أوّله وفتح ثالثه مشدّدًا (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية
(خشية) المالك كثرة (الصدقة) فيقل ماله أو خشية المصدق
قلتها فأمر كل واحد منهما أن لا يحدث في المال شيئًا من
الجمع والتفريق وخشية نصب على أنه مفعول لأجله، وقد تنازع
فيه الفعلان يجمع ويفرق. وقال في المصابيح: ويحتمل أن يقدر
لا يفعل شيئًا من ذلك خشية الصدقة فيحصل المراد من غير
تنازع وهذا التأويل السابق قاله الشافعي. وقال مالك في
الموطأ: معناه أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون
شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم
فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان
فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقانها حتى لا يكون على كل
واحد إلا شاة واحدة فصرف الخطاب للمالك. وقال أبو حنيفة:
معنى لا يجمع بين متفرق أن يكون بين رجلين أربعون شاة فإذا
جمعاها فشاة وإذا فرقاها فلا شيء ولا يفرق بين مجتمع أن
يكون لرجل مائة وعشرون شاة فإذا فرقها المصدق أربعين
أربعين فثلاث شياه. وقال أبو يوسف: معنى الأول أن يكون
للرجل ثمانون شاة فإذا جاء المصدق قال: هي بيني وبين إخوتي
لكل واحد عشرون فلا زكاة أو يكون له أربعون ولإخوته أربعون
فيقول كلها لي فشاة.
35 - باب مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا
يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ
طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ: إِذَا عَلِمَ الْخَلِيطَانِ
أَمْوَالَهُمَا فَلاَ يُجْمَعُ مَالُهُمَا وَقَالَ
سُفْيَانُ: لاَ يَجِبُ حَتَّى يَتِمَّ لِهَذَا أَرْبَعُونَ
شَاةً وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً
هذا (باب) بالتنوين (ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية. وقال طاوس) هو ابن كيسان اليماني (وعطاء:)
هو ابن أبي رياح مما وصله أبو عبيد في كتاب الأموال (إذا
علم الخليطان) بكسر لام علم مخففة ولأبي الوقت من غير
اليونينية: علم الخليطان بفتحها مشددة (أموالهما فلا يجمع
مالهما) في الصدقة فلو كان لكل واحد منهما عشرون شاة مميزة
فلا زكاة. (وقال سفيان) الثوري (لا تجب) في الخليطين زكاة
(حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربعون شاة) فيجب على كل
واحد شاة وهذا مذهب أبي حنيفة وحاصله: أنه لا يجب على أحد
الشريكين فيما يملك إلا مثل الذي كان يجب عليه لو لم تكن
خلطة فلم يعتبروا خلطة الجوار، واعتبرها الشافعي كخلطة
الشيوع لكن تختص خلطة الجوار باتحاد المشرع والسرح والمرعى
والمراح بضم الميم وموضع الحلب، بفتح اللام والراعي
والفحل.
1451 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ
أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه-
كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا كَانَ مِنْ
خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا
بِالسَّوِيَّةِ».
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثني)
بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى الأنصاري وثقه العجلي
والترمذي واختلف فيه قول الدارقطني: وقال ابن معين وأبو
زرعة وأبو حاتم: صالح. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال
الساجي: فيه ضعف ولم يكن من أهل الحديث وروى مناكير. وقال
العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه انتهى.
نعم، تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة فرواه عن ثمامة أنه
أعطاه كتابًا، وزعم أن أبا بكر كتبه الحديث رواه أبو داود
ورواه أحمد في مسنده فانتفى كونه لم يتابع عليه. وبالجملة:
فلم يحتج به البخاري إلا في روايته عن عمه ثمامة، وأخرج له
من روايته عن ثابت عن أنس حديثًا توبع فيه عنده، وأخرج له
أيضًا في اللباس عن مسلم بن إبراهيم عن عبد الله بن دينار
في النهي عن القزع بمتابعة نافع وغيره عن ابن عمر وروى له
الترمذي وابن ماجة (قال: حدَّثني) بالإفراد أيضًا (ثمامة
أن أنسًا حدثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له) فريضة
الصدقة (التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما
بالسوية) يريد أن المصدق إذا أخذ من أحد الخليطين ما وجب
أو بعضه من مال أحدهما فإنه يرجع المخالط الذي أخذ منه
الواجب
(3/43)
أو بعضه بقدر حصة الذي خالطه من مجموع
المالين مثلاً في المثلي كالثمار والحبوب وقيمة في المقوم
كالإبل والبقر والغنم، فلو كان
لكل منهما عشرون شاة رجع الخليط على خليطه بقيمة نصف شاة
لا بنصت شاة لأنها غير مثلية، ولو كان لأحدهما مائة وللآخر
خمسون فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين من صاحب المائة رجع
بثلث قيمتهما، أو من صاحب الخمسين رجع بثلثي قيمتهما، أو
من كل واحد شاة رجع صاحب المائة بثلث قيمة شاته وصاحب
الخمسين بثلثي قيمة شاته.
36 - باب زَكَاةِ الإِبِلِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو
ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب زكاة الإبل ذكره) أي حكم زكاة الإبل (أبو بكر) الصديق
(وأبو ذر وأبو هريرة رضي الله عنهم عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وحديث كل منهم يأتي إن شاء
الله تعالى في الزكاة، وحديث أبي ذر في النذور أيضًا.
1452 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ
حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ
أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: وَيْحَكَ،
إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ
تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاعْمَلْ
مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ
مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا". [الحديث 1452 - أطرافه في: 2633،
3923، 6165].
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا الوليد بن مسلم) بسكون السين وكسر اللام القرشي
قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، (قال:
حدَّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن
عطاء بن يزيد) من الزيادة الليثي (عن أبي سعيد الخدري -رضي
الله عنه- أن إعرابيًا سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الهجرة) أي أن يبايعه على الإقامة
بالمدينة ولم يكن من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل
الفتح (فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(ويحك) كلمة رحمة وتوجع لمن وقع في هلكة لا يستحقها (إن
شأنها) أي القيام بحق الهجرة (شديد) لا يستطيع القيام بها
إلا القليل ولعلها كانت متعذرة على السائل شاقة عليه فلم
يجبه إليها (فهل لك من إبل تؤدي صدقتها)؟ زكاتها (قال:
نعم) لي إبل أؤدّي زكاتها (قال فاعمل من وراء البحار)
بموحدة ومهملة أي من وراء القرى والدن وكأنه قال: إذا كنت
تؤدي فرض الله عليك في نفسك ومالك فلا تبال أن تقيم في
بيتك ولو كنت في أبعد مكان (فإن الله لن يترك) بكسر
المثناة الفوقية أي لن ينقصك (من) ثواب (عملك شيئًا)
وللحموي والمستملي: لم يترك بلم الجازمة بدل لن الناصبة،
وفي بعض النسخ لم يترك بسكون المثناة الفوقية من الترك.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهجرة والأدب والهبة ومسلم في
المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في البيعة والسير.
37 - باب مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ
وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ
(باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض) برفع صدقة فاعل بلغت من
غير تنوين لإضافته إلى بنت مخاض، ولأبي ذر: صدقة بالتنوين
بنت مخاض نصب مفعول بلغت (وليست عنده).
1453 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ
أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي
الله عنه- كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي
أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ
صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ
وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ
وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ
أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ
صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ
وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ
الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا
أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ
الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلاَّ بِنْتُ لَبُونٍ
فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِي
شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ بَلَغَتْ
صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا
تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ
عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ
صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ
بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ
وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ».
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدَّثني)
بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (قال: حدّثني) بالإفراد
أيضًا (ثمامة) بضم المثلثة (أن أنسًا -رضي الله عنه- حدثه
أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له فريضة الصدقة التي أمر
الله رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بها (من
بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة) بفتح الجيم والذال
المعجمة التي لها أربع ستين وطعنت في الخامسة (وليست عنده
جذعة) الواو للحال (وعنده حقة) بكسر الحاء المهملة وفتح
القاف المشدّدة التي لها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة وخبر
المبتدأ الذي هو من بلغت قوله: (فإنها تقبل منه الحقة
ويجعل معها شاتين) بصفة الشاة المخرجة عن خمس من الإبل
يدفعهما للمصدق (إن استيسرتا له) أي وجدتا في ماشيته (أو
عشرين درهمًا) فضة من النقرة، وكل منهما أصل في نفسه لا
بدل لأنه قد خير فيهما وكان ذلك معلومًا لا يجري مجرى
تعديل القيمة لاختلاف ذلك في الأزمنة والأمكنة فهو تعويض
قدره الشارع كالصاع في المصراة (ومن بلغت عنده صدقة الحقة
وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة
ويعطيه المصدق) بتخفيف الصاد أي الساعي (عشرين درهمًا أو
شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون)
أنثى (فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي) المصدق بالتشديد وهو
المالك (شاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت صدقته بنت لبون)
بنصب بنت على المفعولية وهي
(3/44)
التي لها سنتان وطعنت في الثالثة (وعنده
حقه فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق) بالتخفيف وهو
الساعي (عشرين درهمًا أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت لبون)
نصب (وليست عنده وعنده بنت مخاض) وهي التي لها سنة وطعنت
في الثانية (فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي) أي المالك
(معها) المصدق (عشرين درهمًا أو
شاتين) فيه أن جبر كل مرتبة بشاتين أو عشرين درهمًا، وجواز
النزول والصعود من الواجب عند فقده إلى سن آخر يليه
والخيار في الشاتين والدراهم لدافعها سواء كان مالكًا أو
ساعيًا، وفي الصعود والنزول للمالك في الأصح.
وهذا الحديث طرف من حديث أنس وليس فيه ما ترجم له. نعم،
أورده في باب العرض في الزكاة كما مرّ قريبًا من بلغت
صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه
ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم تكن عنده بنت
مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه تقبل منه وليس معه شيء
وحذفه هنا، فقيل: جرى في ذلك على عادته في تشحيذ الأذهان
بخلو حديث الباب عن موضع الترجمة، كما رواه اكتفاء بذكر
أصل الحديث في موضع آخر ليبحث الطالب عنه. وقيل غير ذلك
مما عزي لابن رشيد وابن المنير وفيما ذكر كفاية في
الاعتذار عنه والله الموفق والمعين.
38 - باب زَكَاةِ الْغَنَمِ
(باب زكاة الغنم).
1454 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ
حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ
أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله
عنه- كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى
الْبَحْرَيْنِ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا
رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ
يُعْطِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا
دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا
بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ
فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا
وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ
لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ
إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ،
فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ
وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ -يَعْنِي
سِتًّا وَسَبْعِينَ- إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا
لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى
عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا
الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ
فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ
خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ
أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ
أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ
الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي
سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ شَاةٌ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ
عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثٌ،
فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ
شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً
مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا
صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الرِّقَةِ
رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ تِسْعِينَ
وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ
رَبُّهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري
قال: حدَّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله (قال: حدّثني)
بالإفراد أيضًا (ثمامة بن عبد الله بن أنس أن) جده (أنسًا)
-رضي الله عنه- (حدّثه أن أبا بكر) الصديق (رضي الله عنه
كتب له) أي لأنس (هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين) عاملاً
عليها وهو اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة قاعدتها
هجر (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة) أي نسخة فريضة
(الصدقة التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- المسلمين) بفرض الله (والتي أمر الله بها) بحرف
العطف. ولأبي داود: التي بدونه على أن الجملة بدل من
الجملة الأولى، ولغير أبي ذر: به (رسوله،) عليه الصلاة
والسلام أي بتبليغها وأضيف الفرض إليه لأنه دعا إليه وحمل
الناس عليه أو معنى فرض قدر لأن الإيجاب بنص القرآن على
سبيل الإجمال وبيّن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مجمله بتقدير الأنواع والأجناس (فمن سئلها) بضم السين أي
فمن سئل الزكاة (من المسلمين) حال كونها (على وجهها
فليعطها) على الكيفية المذكورة في الحديث من غير تعدّ
بدليل قوله: (ومن سئل فوقها) أي زائدًا على الفريضة
المعينة في السن أو العدد (فلا يعط) الزائد على الواجب
وقيل لا يعط شيئًا من الزكاة لهذا المصدق لأنه خان بطلبه
فوق الزائد فإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته، وحينئذٍ يتولى
إخراجه أو يعطيه لساع آخر ثم شرع في بيان كيفية الفريضة
وكيفية أخذها وبدأ بزكاة الإبل لأنها غالب أموالهم فقال:
(في أربع وعشرين من الإبل) زكاة (فمما دونها) أي فما دون
أربع وعشرين (من الغنم) يتعلق بالمبتدأ المقدر (من كل خمس)
خبر المبتدأ الذي هو (شاة) وكلمة من للتعليل أي لأجل كل
خمس من الإبل. وسقط في رواية ابن السكن كلمة من الداخلة
على الغنم وصوّبه بعضهم، وقال القاضي عياض: كل صواب فمن
أثبتها فمعناه زكاتها من الغنم ومن للبيان لا للتبعيض وعلى
إسقاطها فالغنم مبتدأ خبره في أربع وعشرين، وإنما قدم
الخبر لأن المراد بيان النصب إذ الزكاة إنما تجب بعد
النصاب فكان تقديمه أهم لأنه السابق في التسبب (إذا) وفي
نسخة: فإذا (بلغت) إبله (خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين
ففيها بنت مخاض أنثى) قيد بالأنثى للتأكيد كما يقال: رأيت
بعيني وسمعت بأذني (فإذا بلغت) إبله (ستًّا وثلاثين إلى
خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى) آن لأمها أن تلد (فإذا
بلغت) إبله (ستًّا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة
الجمل)، بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة صفة لحقة استحقت أن
يغشاها الفحل، (فإذا بلغت) إبله (واحدة وستين إلى خمس
وسبعين ففيها جذعة) بفتح الجيم
(3/45)
والذال المعجمة سميت بذلك لأنها أجذعت مقدم
أسنانها أي أسقطته وهي غاية أسنان الزكاة، (فإذا بلغت)
إبله (يعني ستًّا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون)
بزيادة يعني وكأن العدد حذف من الأصل اكتفاء بدلالة الكلام
عليه فذكره بعض رواته وأتى بلفظ يعني لينبه على أنه مزيد
أو شك أحد رواته فيه، (فإذا بلغت) إبله (إحدى وتسعين إلى
عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت) إبله
(على عشرين ومائة) واحدة فصاعدًا (ففي كل أربعين بنت لبون
وفي كل خمسين حقة). فواجب مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة،
وواجب مائة وأربعين بنت لبون وحقتان وهكذا. (ومن لم يكن
معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها)،
أن يتبرع ويتطوّع (فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة و)
فرض عليه الصلاة والسلام (في صدقة الغنم في سائمتها)
أي راعيتها لا المعلوفة وفي سائمتها كما قاله في شرح
المشكاة بدل من الغنم بإعادة الجار المبدل في حكم الطرح
فلا يجب في مطلق الغنم شيء وهذا أقوى في الدلالة من أن لو
قيل ابتداء في سائمة الغنم أو في الغنم السائمة، لأن البدل
على المقصود بالمنطوق ودلالة غيره عليه بالمفهوم وفي تكرار
الجار إشارة إلى أن للسوم في هذا الجنس مدخلاً قومًا
واصلاً يقاس عليه بخلاف جنسي الإبل والبقر انتهى.
(إذا كانت) غنم الرجل وللكشميهني: إذا بلغت (أربعين إلى
عشرين ومائة) فزكاتها (شاة) جذعة ضأن لها سنة ودخلت في
الثانية، وقيل ستة أشهر أو ثنية معز لها سنتان ودخلت في
الثالثة وقيل سنة وشاة ورفع خبر مبتدأ مضمر أو مبتدأ وفي
صدقة الغنم خبره (فإذا زادت) غنمه (على عشرين ومائة) واحدة
فصاعدًا (إلى مائتين) فزكاتها (شاتان) مرفوع على الخبرية
أو الابتدائية كما مرّ، (فإذا زادت) غنمه (على مائتين) ولو
واحدة (إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث) وللكشميهني ثلاث شياه
(فإذا زادت) غنمه (على ثلاثمائة) مائة أخرى لا دونها (ففي
كل مائة شاة) ففي أربعمائة أربع شياه وفي خمسمائة خمس وفي
ستمائة ست وهكذا (فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة) نصب خبر
كان (من أربعين شاة واحدة) صفة شاة الذي هو تمييز أربعين
كذا أعربه في التنقيح، وتعقبه في المصابيح بأنه لا فائدة
في هذا الوصف مع كون الشاة تمييزًا وإنما واحدة منصوب على
أنه مفعول بناقصة أي إذا كان عند الرجل سائمة تنقص واحدة
من أربعين فلا زكاة عليه فيها، وبطريق الأولى إذا نقصت
زائدًا على ذلك ويحتمل أن يكون شاة مفعولاً بناقصة وواحدة
وصف لها والتمييز محذوف للدلالة عليه انتهى.
(فليس فيها) أي الناقصة عن الأربعين (صدقة إلا أن يشاء
ربها) أن يتطوع (وفي) مائتي درهم من (الرقة) بكسر الراء
وتخفيف القاف الورق والهاء عوض عن الواو ونحو العدة والوعد
الفضة المضروبة وغيرها (ربع العشر) خمسة دراهم وما زاد على
المائتين فبحسابه فيجب ربع عشره. وقال أبو حنيفة لها وقص
فلا شيء على ما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ أربعين درهمًا
فضة ففيه حينئذٍ درهم واحد وكذا في كل أربعين (فإن لم تكن)
أي الرقة (إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء) لعدم النصاب
والتعبير بالتسعين يوهم إذا زادت على المائة والتسعين قبل
بلوغ المائتين أن فيها زكاة وليس كذلك، وإنما ذكر التسعين
لأنه آخر عقد قبل المائة والحساب إذا جاوز الآحاد كان
تركيبه بالعقود كالعشرات والمئين والألوف فذكر التسعين
ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن المائتين ولو بعض حبة
لحديث الشيخين ليس فيما دون خمس، أواق من الورق صدقة (إلا
أن يشاء ربها). وهذا كقوله في حديث الأعرابي في الإيمان
إلا أن تطوع.
39 - باب لاَ تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ
ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ، إِلاَّ مَا شَاءَ
الْمُصَدِّقُ
هذا (باب) بالتنوين (لاّ يؤخذ في الصدقة) المفروضة (هرمة)
بفتح الهاء وكسر الراء (ولا ذات
عوار) بفتح العين (ولا تيس إلا ما شاء المصدق) بتخفيف
الصاد المهملة وتشديدها والتشديد مكشوط في اليونينية.
1455 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ
أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي
الله عنه- كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلاَ يُخْرَجُ فِي
الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ،
إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ».
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدَّثني أبي)
عبد الله بن المثنى (قال: حدَّثني) بالإفراد فيهما
(3/46)
(ثمامة) بن عبد الله (أن أنسًا) جده (-رضي
الله عنه- حدثه أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- كتب له
التي) وللكشميهني: الصدقة التي (أمر الله رسوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بها (ولا يخرج في الصدقة)
المفروضة (هرمة) الكبيرة التي سقطت أسنانها (ولا ذات عوار)
بفتح العين وألف بعد الواو أي معيبة بما ترد به في البيع
وهو شامل للمريض وغيره وبالضم العور في العين إلا من مثلها
من الهرمات وذات العوار، وتكفي مريضة متوسطة ومعيبة من
الوسط، وكذا لا تؤخذ صغيرة لم تبلغ سن الإجزاء. (ولا تيس)
وهو فحل الغنم أو مخصوص بالعز لقوله تعالى: {وَلَا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]
(إلا ما شاء المصدق) بتخفيف الصاد وكسر الدال كمحدث آخذ
الصدقات الذي هو وكيل الفقراء في قبض الزكوات بأن يؤدي
اجتهاده إلى أن ذلك خير لهم وحينئذٍ،
فالاستثناء راجع لما ذكر من الهرم والعوار والمذكورة. نعم،
يؤخذ ابن اللبون أو الحق عن خمس وعشرين من الإبل عند فقد
بنت المخاض والذكر من الشياه فيما دون خمس وعشرين من الإبل
والتبيع في ثلاثين من البقر للنص على الجواز فيها إلا في
الحق فللقياس، وخرج بعيب البيع عيب الأضحية ولو انقسمت
الماشية إلى صحاح ومراض أو إلى سليمة ومعيبة أخذ صحيحة
بالقسط ففي أربعين شاة نصفها صحاح ونصفها مراض وقيمة كل
صحيحة ديناران وكل مريضة دينار تؤخذ صحيحة بقيمة نصف صحيحة
ونصف مريضة وهو دينار ونصف، وكذا لو كان نصفها سليمًا
ونصفها معيبًا كما ذكر ثم إن الأكثرين كما قاله ابن حجر
على تشديد صاد المصدق أي المتصدق فأبدلت التاء صادًا
وأدغمت في الصاد.
وتقدير الحديث حينئذٍ ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار أصلاً
ولا يؤخذ التيس إلا برضا المالك لكونه محتاجًا إليه ففي
أخذه بغير رضاه إضرار به وحينئذ فالاستثناء مختص بالتيس
واستدلّ به للمالكية في تكليف المالك سليمًا وهو مذهب
المدونة، وعن ابن عبد الحكم لا يؤخذ من المعيبة إلا أن يرى
الساعي أخذ المعيبة لا الصغيرة.
40 - باب أَخْذِ الْعَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ
(باب أخذ العناق في الصدقة) بفتح العين الأنثى من ولد
المعز إذا أتى عليها حول ودخلت في الثاني والجمع أعنق
وعنوق.
1456 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
"قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: وَاللَّهِ لَوْ
مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري ح)
للتحويل.
(وقال الليث) بن سعد مما وصله الذهلي في الزهريات عن أبي
صالح عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن
خالد) الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله
بن عبد الله) بتصغير الأول (ابن عتبة بن مسعود أن أبا
هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو بكر) الصديق (-رضي الله
عنه-) في حديث قصته مع عمر بن الخطاب في قتال مانعي الزكاة
السابق في أولِ الزكاة. (والله لو منعوني عناقًا كانوا
يؤدونها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها) فيه دلالة على أن العناق
مأخوذة في الصدقة وهو مذهب البخاري كالشافعي وأبي يوسف وهو
موضع الترجمة.
1457 - "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: فَمَا هُوَ إِلاَّ
أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ
-رضي الله عنه- بِالْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ
الْحَقُّ".
(قال عمر -رضي الله عنه-: فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح
صدر أبي بكر -رضي الله عنه- بالقتال فعرفت أنه الحق) أي
بما ظهر له من الدليل والمستثنى منه غير مذكور أي ليس
الأمر شيئًا من الأشياء إلا علمي أن أبا بكر محق، وصورة
إخراج الصغير أن يمضي على أربعين ملكها من صغار المعز حول
أو تنتج ماشيته ثم تموت فإن حول نتاجها يبنى على حولها
وكذا صغار الغنم. وقال مالك في المدونة: وإذا كانت الغنم
سخالاً أو البقر عجاجيل أو الإبل فصلانًا كلها كلف ربها أن
يشتري ما يجزئ منها، ففي الغنم جذعة أو ثنية، وفي الإبل
والبقر ما في الكبار منها، وبه قال زفر. وقال أبو حنيفة
ومحمد: لا شيء في الفصلان والعجاجيل ولا في صغار الغنم لا
منها ولا من غيرها لقول عمر: اعدد السخلة عليهم ولا
تأخذها، وإنما خرج قول الصديق على المبالغة بدليل الرواية
الأخرى: لو منعوني عقالاً. والعقال لا زكاة فيه فالعقال
تنبيهًا بالأدنى على الأعلى، وربما قدر المستحيل لأجل
الملازمة نحو: {لَوْ كَانَ
(3/47)
فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ
لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وكأن الصديق قال: من منع
حقًّا ولو عقالاً أو عناقًا يعني قليلاً أو كثيرًا فقتالنا
له متعين وهؤلاء منعوا فقتالهم متعين.
41 - باب لاَ تُؤْخَذُ كَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي
الصَّدَقَةِ
هذا (باب) بالتنوين (لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة)
أي نفائس أموالهم من أي صنف كان.
1458 - حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَعَثَ
مُعَاذًا -رضي الله عنه- عَلَى الْيَمَنِ قَالَ: إِنَّكَ
تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ
مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا
عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ
فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ
وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا الصَّلاَةَ
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً
تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى
فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ،
وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أمية بن بسطام) بكسر الموحدة مصروفًا
العيشي بفتح العين وسكون المثناة التحتية وكسر المعجمة
قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء قال:
(حدّثنا روح بن القاسم) بفتح الراء (عن إسماعيل بن أمية)
الأموي المكي (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد)
بفتح الميم نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة (عن ابن
عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما بعث معاذًا) واليًا (على) أهل
الجند من (اليمن) سنة عشر قبل حجة الوداع يعلمهم القرآن
وشرائع الإسلام ويقضي بينهم ويقبض الصدقات من عمال أهل
اليمن. وللكشميهني: إلى اليمن (قال):
(إنك تقدم) بفتح الدال مضارع قدم بكسرها (على قوم أهل
كتاب) التوراة والإنجيل وقاله تنبيهًا له على الاهتمام بهم
لأنهم أهل علم فليست مخاطبتهم كمخاطبة جهال المشركين وعبدة
الأوثان (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله) بنصب أول
على أنه خبر كان ورفع عبادة على أنه اسمها أي معرفة الله.
وفي رواية الفضل بن العلاء إلى أن يوحدوا الله قال الله
تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ويؤيده قوله: (فإذا عرفوا
الله) بالتوحيد ونفي الألوهية عن غيره وفيه دليل على أن
أهل الكتاب لا يعرفون الله (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم
خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا الصلاة فأخبرهم أن
الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم وترد على فقرائهم)
يحتمل عود الضمير على أهل البلد فلا يجوز نقل الزكاة وأن
يعود عليهم بوصف إسلامهم، (فإذا أطاعوا بها فخذ) بالفاء
ولأبي ذر، وابن عساكر: خذ (منهم) زكاة أموالهم (وتوق) أي
احذر (كرائم أموال الناس) جمع كريمة وهي العزيزة عند رب
المال إما باعتبار كونها أكولة أي مسمنة للأكل أو ربي بضم
الراء وتشديد الموحدة أي قريبة العهد بولادة. وقال
الأزهري: إلى خمسة عشر يومًا من ولادتها لأن الزكاة
لمواساة الفقراء فلا يناسب الاجحاف بمال الأغنياء إلا إن
رضوا بذلك.
42 - باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (ليس فيما دون خمس ذود) من الإبل
(صدقة) مفروضة وأنكر ابن قتيبة أن يقال خمس ذود كما لا
يقال خمس ثوب وكأنه يرى أن الذود يطلق على الواحد، وغلط في
ذلك لشيوع هذا اللفظ في الحديث الصحيح وسماعه من العرب كما
صرح به أهل اللغة. نعم، القياس
في تمييز ثلاثة إلى عشرة أن يكون جمع تكسير جمع قلة فمجيئه
اسم جمع كما في هذا الحديث قليل، والذود يقع على الذكر
والمؤنث والجمع والمفرد فلذا أضاف خمس إليه.
1459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ
خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ»
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
المازني) نسبه إلى جده ونسب جده إلى جده كما وقع في رواية
مالك، والمعروف أنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد
الله بن أبي صعصعة. ورواه البيهقي في معرفة السنن والأخبار
عن الشافعي قال: أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي صعصعة فنسب محمدًا لأبيه وعبد الرحمن لجده
(عن أبيه) عبد الله. ونقل البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي
أن محمد بن أبي صعصعة هذا سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس
انتهى.
وقد رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة عن الوليد
بن كثير عن محمد هذا عن عمرو بن يحيى وعباد بن تميم كلاهما
عن أبي سعيد، ورواه البيهقي في معرفة السنن عن الشافعي عن
مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه (عن أبي سعيد الخدري -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس
أواق) كجوار (من الورق) بكسر الراء الفضة (صدقة وليس فيما
دون خمس ذود من الإبل صدقة) وهذا موضع الترجمة والحديث
دليل على سقوط الزكاة
(3/48)
فيما دون هذه المقادير من هذه الأعيان
المذكورة خلافًا لأبي حنيفة في زكاة الحرث، وتعلق الزكاة
فى كل قليل وكثير منه واستدلّ له بقوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح
أو دالية نصف العشر وهذا عام في القليل والكثير. وأجيب:
بأن المقصود من الحديث بيان قدر المخرج لا بيان المخرج منه
قاله ابن دقيق العيد.
43 - باب زَكَاةِ الْبَقَرِ. وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللَّهَ رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ لَهَا
خُوَارٌ» وَيُقَالَ جُؤَارٌ. {تَجْأَرُونَ}: تَرْفَعُونَ
أَصْوَاتَكُمْ كَمَا تَجْأَرُ الْبَقَرَةُ
(باب) إيجاب (زكاة البقرة) اسم جنس واحده بقرة وباقورة
للذكر والأنثى (وقال أبو حميد): عبد الرحمن الساعدي -رضي
الله عنه- مما وصله في ترك الحيل (قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لأعرفن) أي لأرينكم غدًا (ما جاء الله رجل) رفع فاعل جاء
والله نصب بجاء وما مصدرية أي لأعرفن مجيء رجل الله (ببقرة
لها خوار) بخاء معجمة مضمومة وتخفيف الواو صوت، ولأبي ذر
عن الكشميهني: لا أعرفن بزيادة همزة قبل العين فلا نفي أي
لا ينبغي أن تكونوا على هذه الحالة فأعرفكم بها يوم
القيامة وأراكم عليها قال البخاري: (ويقال: جؤار). بضم
الجيم مهموزًا بدل خوار بالخاء المعجمة. وقال تعالى:
({تجأرون} أي ترفعون أصواتكم}) [النحل: 153] ولأبي الوقت:
أصواتهم (كما تجأر البقرة) رواه ابن أبي حاتم عن السدي
وذكر هذه الآية على عادته عند وقوفه على غريب يقع مثله في
القرآن أن يذكر تفسيره تكثيرًا للفائدة.
1460 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ
بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ:
"انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ -أَوْ
وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ- مَا
مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ
لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ أُتِيَ بِهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ
بِأَخْفَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا
جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى
يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ". رَوَاهُ بُكَيْرٌ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث
1460 - طرفه في: 6638].
وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا
أبي) حفص قال: (حدَّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن
المعرور بن سويد) بفتح الميم وسكون العين المهملة وبتكرير
الراء وسويد بضم السين مصغرًا (عن أبي ذر -رضي الله عنه-
قال: انتهيت إلى النبي) ولأبي ذر: انتهيت إليه يعني النبي
(قال: و) الله (الذي نفسي بيده أو) قال (والذي لا إله غيره
أو كما حلف) لم يضبط أبو ذر اللفظ الذي حلف به عليه الصلاة
والسلام، وقول الحافظ ابن حجر في الفتح: إن الضمير في قوله
انتهيت إليه يعود على أبي ذر وهو الحالف، وإن قوله انتهيت
إليه مقول المعرور غير ظاهر ولعله سبق قلم، ويؤيد ذلك ما
سبق رواية مسلم عن المعرور عن أبي ذر: انتهيت إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في ظل
الكعبة فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة" الحديث.
ورواية الترمذي عن المعرور عن أبي ذر قال: جئت إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في ظل
الكعبة قال فرآني مقبلاً فقال "هم الأخسرون ورب الكعبة
الحديث" وفيه ثم قال: والذي نفسي بيده (ما من رجل تكون له
إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها) أي زكاتها (إلا أتي بها)
بضم الهمزة (يوم القيامة) حال كونها (أعظم ما تكون
وأسمنه)، عطف على المنصوب السابق (تطؤه) ذوات الأخفاف منها
(بأخفافها) جمع خف (وتنطحه) بكسر الطاء وتفتح ذوات القرون
(بقرونها) فالضمير في كل قسم عائد على بعض الجملة لا على
الكل، والخف للإبل والقرن للبقر والظلق للغنم والبقر. وفي
حديث أبي هريرة السابق في باب إثم مانع الزكاة وتأتي الغنم
على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه
بأظلافها وتنطحه بقرونها الحديث، والتقدير بذوات الأخفاف
وذوات القرون الذي ذكرته لابن المنير وبه يجاب
عما استشكله من أنه قيل في الإبل والبقر تطؤه بأخفافها وهو
أحسن من قول بعضهم في رواية بأظلافها، وهو يدل على أن كل
واحد منهما يوضع موضع الآخر. وأجاب القاضي عياض بأنه لما
اجتمعا غلب أحدهما على الآخر، وردّ بقوله وتنطحه بقرونها
لأنه لا إشكال أن الإبل لا قرون لها ولا شيء يقوم مقام
القرون والتغليب إنما يكون إذا وجد شيئان متقاربان (كلما
جازت) بالجيم والزاي أي مرت (أخراها ردّت عليه أولاها) بضم
راء ردّت مبنيًا للمفعول والضمير في عليه للرجل أي فهو
معاقب بذلك (حتى يقضي بين الناس) إلى أن يفرغ الحساب (رواه
بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج مما وصله مسلم (عن أبي
صالح) ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ومراد المؤلّف بهذا
موافقة
(3/49)
هذه الرواية لحديث أبي ذر في ذكر البقر لا
أن الحديثين مستويان في جميع ما وردا فيه قاله في الفتح.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الحديث يتضمن الوعيد
فيمن لم يؤدّ زكاة البقر فيدل على وجوب زكاتها ولم يذكر
المؤلّف شيئًا مما يتعلق بنصابها لكونه لم يقع له شيء على
شرطه.
وروى الترمذي وحسنه وصححه الحاكم عن معاذ: بعثني النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى اليمن وأمرني أن
آخذ من أربعين بقرة مسنة ومن كل ثلاثين بقرة تبيعًا. وروى
الحاكم أيضًا من حديث عمرو بن حزم عن كتاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي كل أربعين باقورة بقرة،
وقد حكم بعضهم بتصحيح حديث معاذ واتصاله وفيه نظر لأن
مسروقًا لم يلق معاذًا وإنما حسنه الترمذي لشواهده والتبيع
ما له سنة كاملة وسمي به لأنه يتبع أمه وتجزئ عنه تبيعة بل
أولى للأنوثة، والسنة هي الثنية أي ذات سنين وسميت بذلك
لتكامل أسنانها ويجزئ عنها تبيعان لإجزائهما عن ستين.
44 - باب الزَّكَاةِ عَلَى الأَقَارِبِ وَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَهُ أَجْرَانِ:
أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَالصَّدَقَةِ»
(باب الزكاة على الأقارب. وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(له أجران: أجر القرابة والصدقة) وصله فيما يأتي قريبًا إن
شاء الله تعالى في حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود في
باب الزكاة على الزوج، لكنه قال فيه لها بتأنيث الضمير،
وسقط لأبي ذر لفظة: أجر.
1461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
-رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ
الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ
أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ
مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا
وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَسٌ:
فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ
أَبُو طَلْحَةَ إلى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي
إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو
بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ
سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي
الأَقْرَبِينَ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي
أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ". تَابَعَهُ رَوْحٌ. وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ
"رَايِحٌ". [الحديث 1461 - أطرافه في: 2318، 2752، 2758،
2769، 4554، 4555، 5611].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان أبو
طلحة) زيد الأنصاري -رضي الله عنه- (أكثر الأنصار بالمدينة
مالاً من نخل)، بنصب أكثر خبر كان ومالاً تمييز أي من حيث
المال والجار للبيان، (وكان أحب أمواله إليه) بنصب أحب خبر
كان (بيرحا) برفع الراء اسمها أو أحب اسمها وبير خبرها،
لكن قال الزركشي وغيره: إن الأوّل أحسن لأن المحدّث عنه
البير فينبغي أن يكون هو الاسم، وقد اختلف في بيرحا هل هو
بكسر الموحدة أو بفتحها وهل بعدها همزة ساكنة أو مثناة
تحتية، وهل الراء مضمومة أو مفتوحة، وهل هو معرب أم لا،
وهل حا ممدود أو مقصور منصرف أو غير منصرف، وهل هو اسم
قبيلة أو امرأة أو بئر أو بستان أو أرض؟ فنقل في فتح
الباري وتبعه العيني عن نهاية ابن الأثير فتح الموحدة
وكسرها وفتح الراء وضمها مع المد والقصر قال: فهذه ثمان
لغات انتهى.
والذي رأيته في النهاية بيرحا بفتح الباء وكسرها وبفتح
الراء وضمها والمدّ فيهما وبفتحهما والقصر هذا نصه بحروفه
في غير ما نسخة ونقله عنه الطيبي كذلك بلفظه، وعلى هذا
فتكون خمسة. وقال عياض: رويناه بفتح الباء والراء وبفتح
الراء وضمها مع كسر الباء، وقد حكى القاضي عياض عن
المغاربة كما نقله عنه في المصابيح ضم الراء في الرفع
وفتحها في النصب وجرها في الجر مع الإضافة أبدًا إلى حال
ونسبه لخط الأصيلي، لكن قال بعضهم: من رفع الراء وألزمها
حكم الإعراب فقد أخطأ، وجزم التيمي بأن المراد به في
الحديث البستان معللاً بأن بساتين المدينة تدعى بآبارها أي
البستان الذي فيه بيرحا. وقال عياض: حائط سمي به وليس اسم
بئر، وقال الصغاني: بيرحا فيعلى من البراح اسم أرض كانت
لأبي طلحة بالمدينة وأهل الحديث يصحفون ويقولون بئرحا
ويحسبون أنها بئر من آبار المدينة ونحوه في القاموس. وقال
في اللامع: ولا تنافي بين ذلك فإن الأرض أو البستان تسمى
باسم البئر التي فيه كما سبق، والذي لخصته من كلامهم في
هذه الكلمة أن بيرحا بكسر الموحدة وضم الراء اسم كان
وبفتحها خبرها مع الهمزة الساكنة بعد الموحدة وإبدالها ياء
ومدّ حاء مصروفًا وغير مصروف لأن تأنيثه معنوي كهند ومقصور
فهي اثنا عشر، وبيرحا بفتح الموحدة وسكون التحتية من غير
همزة وفتح الراء وضمها خبر كان أو اسمها ومدّ حاء مصروفًا
وغير
مصروف ومقصور فهي ستة اثنان منها مع القصر على أنه اسم
مقصور لا تركيب فيه فيعرب كسائر المقصور، وصوّب الصغاني
والزمخشري والمجد الشيرازي منها فتح الموحدة والراء على
سائرها من الممدود والقصور بل قال الباجي: إنها المصححة
على أبي ذر وغيره.
(وكانت) أي بيرحا (مستقبلة المسجد) النبوي أي مقابلته
قريبة منه، (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
(3/50)
يدخلها ويشرب من ماء فيها) أي في بيرحا
(طيب) بالجر صفة للمجرور السابق (قال أنس -رضي الله عنه-.
فلما أنزلت هذه الآية: {لن تنالوا البرّ} أي لن تبلغوا
حقيقة البر الذي هو كمال الخير: أو لن تنالوا بر الله الذي
هو الرحمة والرضا والجنة ({حتى تنفقوا مما تحبون}) [آل
عمران: 92] أي من بعض ما تحبون من المال أو مما يعمه وغيره
كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في طاعة الله والمهجة
في سبيل الله. (قام أبو طلحة) -رضي الله عنه- (إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول
الله إن الله تبارك وتعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى
تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي بيرحا) رفع خبر إن
(وإنها صدقة لله أرجو برها) أي خيرها (وذخرها) بضم الذال
المعجمة أي أقدمها فادّخرها لأجدها (عند الله فضعها يا
رسول الله حيث أراك الله) فوّض تعيين مصرفها إليه عليه
الصلاة والسلام، لكن ليس فيه تصريح بأن أبا طلحة جعلها
حبسًا (قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(بخ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة كهل وبل غير مكررة هنا.
قال في القاموس قل في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة وبخ
منوّنة وبخ منوّنة مضمومة، وتكرر بخ بخ للمبالغة الأول
منوّن والثاني مسكن، ويقال بخ بخ مسكنين وبخ بخ منوّنين
وبخ بخ مشدّدين كلمة تقال عند الرضا والإعجاب بالشيء أو
الفخر والمدح انتهى. فمن نوّنه شبهه بأسماء الأصوات كصه
ومه (ذلك مال رابح ذلك مال رابح)، بالموحدة فيهما أي ذو
ربح كلابن وتامر أي يربح صاحبه في الآخرة أو مال مربوح
فاعل بمعنى مفعول: (وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في
الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله) برفع لام أفعل
مستقبلاً (فقسمها) أي بيرحا (أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)
من عطف الخاص على العام وهذا يدل على أن إنفاق أحبّ
الأموال على أقرب الأقارب أفضل وأن الآية تعم الإنفاق
الواجب والمستحب قاله البيضاوي، لكن استشكل وجه دلالة
الحديث على الترجمة لأنها للزكاة على الأقارب وهذا ليس
زكاة.
وأجيب: بأنه أثبت للزكاة حكم الصدقة بالقياس عليها قاله
الكرماني فليتأمل. وقال ابن المنير: إن صدقة التطوّع على
الأقارب لما لم ينقص أجرها بوقوعها موقع الصدقة والصلة
معًا كانت صدقة الواجب كذلك لكن لا يلزم من جواز صدقة
التطوّع على من يلزم المرء نفقته أن تكون الصدقة الواجبة
كذلك.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الوصايا والوكالة
والأشربة والتفسير، ومسلم في الزكاة، والنسائي في التفسير.
(تابعه) أي تابع عبد الله بن يوسف (روح) بفتح الراء وسكون
الواو مهملة ابن عبادة البصري عن مالك في قوله رابح
بالموحدة فيما وصله المؤلّف في كتاب البيوع. (وقال يحيى بن
يحيى) النيسابوري مما وصله في الوصايا (وإسماعيل) بن أبي
أويس مما وصله فى التفسير كلاهما (عن مالك: رايح) بالمثناة
التحتية بدل الموحدة اسم فاعل من الرواح نقيض الغدوّ أي:
إنه قريب الفائدة يصل نفعه إلى صاحبه كل رواح لا يحتاج أن
يتكلف فيه إلى مشقة وسير أو يروح بالأجر ويغدو به واكتفى
بالرواح عن الغدو لعلم السامع أو من شأنه الرواح وهو
الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو أولى.
1462 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ
عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَضْحًى أَوْ
فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ
النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا
النَّاسُ، تَصَدَّقُوا. فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي
رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ
ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ،
وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ. مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ
عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ
مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ. ثُمَّ
انْصَرَفَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ جَاءَتْ
زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ
عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ زَيْنَبُ.
فَقَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ فَقِيلَ: امْرَأَةُ ابْنِ
مَسْعُودٍ. قَالَ: نَعَمِ، ائْذَنُوا لَهَا، فَأُذِنَ
لَهَا. قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ
الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي
فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَزَعَمَ ابْنُ
مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ
بِهِ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ
وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ".
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم
بن أبي مريم الجمحي قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي
كثير الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد) أبو أسامة
العدوي، ولأبي ذر: هو ابن أسلم (عن عياض بن عبد الله) بن
سعد القرشي العامري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري
-رضي الله عنه-) قال: (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) عيد (أضحى) بفتح الهمزة وتنوين
الحاء (أو) عيد (فطر إلى المصلّى ثم انصرف فوعظ الناس
وأمرهم بالصدقة فقال):
(أيها الناس تصدّقوا فمرّ على النساء فقال يا معشر النساء
تصدقن فإني رأيتكن) وللحموي والمستملي: أريتكن بهمزة
مضمومة قبل الراء وأرى يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل والتاء هي
المفعول
(3/51)
الأول وهي في محل رفع نائب عن الفاعل
والكاف والنون في موضع نصب المفعول الثاني والثالث قوله:
(أكثر أهل النار فقلن وبم) استفهام حذفت منه الألف (ذلك)
باسم الإشارة للمتوسط، وللكشميهني: ذاك بألف بدل اللام (يا
رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن) الشتم (وتكفرن العشير) الزوج
أي تسترن إحسان الأزواج إليكن وتجحدنه (ما رأيت من ناقصات
عقل ودين أذهب للب الرجل) أي لعقله، وللكشميهني: بلب
بالموحدة بدل اللام (الحازم) بالحاء المهملة والزاي الضابط
لأمره (من إحداكن يا معشر النساء) يعني: إنهن إذا أردن
شيئًا غالبن الرجال عليه حتى يفعلوه سواء كان صوابًا أو
خطأ (ثم انصرف) عليه الصلاة والسلام، (فلما صار إلى منزله
جاءت زينب) بنت معاوية أو بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب
الثقفية، ويقال لها أيضًا رايطة وقع ذلك في صحيح ابن حبان،
نحو هذه القصة، ويقال هما ثنتان عند الأكثر وممن جزم به
ابن سعد. وقال الكلاباذي: رإيطة هي المعروفة بزينب وبه جزم
الطحاوي فقال رايطة هي زينب (امرأة ابن مسعود) عبد الله
(تستأذن عليه فقيل: يا رسول الله) القائل بلال (هذه زينب.
فقال) عليه الصلاة والسلام: (أي الزيانب؟) أي أيّ زينب
منهن فعرف باللام مع كونه علمًا لما نكر حتى جمع (فقيل:
امرأة ابن مسعود قال: نعم ائذنوا لها فأذن لها) بضم الهمزة
وكسر الذال فلما دخلت (قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم
بالصدقة وكان عندي حلي) بضم المهملة وكسر اللام (لي فأردت
أن أتصدق به فزعم ابن مسعود
أنّه وولده) بالنصب عطفًا على الضمير (أحق من تصدقت به
عليهم) وهذا يحتمل أن يكون من مسند أبي سعيد بأن كان
حاضرًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند
المراجعة، ويحتمل أن يكون حمله عن زينب صاحبة القصة (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق ابن مسعود
زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم).
ووجه مطابقته للترجمة شمول الصدقة للفرض والنفل وإن كان
السياق قد يرجح النفل لكن القياس يقتضي عمومه قاله
البرماوي كغيره واحتج به على جواز دفع زكاة المرأة لزوجها
الفقير وهو مذهب الشافعية وأحمد في رواية، ومنعه أبو حنيفة
ومالك وأحمد في رواية، وأجابوا عن الحديث بأن قوله في
الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في باب الزكاة على الزوج
والأيتام في الحجر ولو من حليكن يدل على التطوّع وبه جزم
النووي، واحتجوا أيضًا بظاهر قوله: زوجك وولدك أحق من
تصدقت به عليهم لأنه يدل على أنها صدقة تطوّع لأن الولد لا
يعطى من الزكاة الواجبة إجماعًا.
وأجيب: بأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من يلزم
المعطي نفقته والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه.
وأجيب: بأن الإضافة للتربية لا للولادة فكأنه ولده من
غيرها وتعليل منعها من إعطاء الزوج بعود ما تعطيه له إليها
في النفقة فكأنها لم تخرج عنها معارض بوقوع ذلك في التطوع
أيضًا ويلزم منه إبطاله فتأمل.
والحديث يأتي قريبًا في باب الزكاة على الزوج والأيتام في
الحجر إن شاء الله تعالى.
45 - باب لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (ليس على المسلم في) عين (فرسه) الشامل
للذكر والأنثى وجمعه الخيل من غير لفظه (صدقة) خلافًا لأبي
حنيفة في إناثها أو ذكورها وإناثها حيث أوجب في كل فرس
دينارًا أو ربع عشر قيمتها على التخيير.
1463 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ
بْنَ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ عَلَى
الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ». [الحديث
1463 - طرفه في: 1464].
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت
سليمان بن يسار) بفتح المثناة والمهملة المخففة (عن عراك
بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ليس على المسلم في فرسه وغلامه) أي عبده (صدقة) والمراد
بالفرس اسم الجنس، وإلا فالواحدة لا خلاف أنه لا زكاة
فيها. نعم: إذا كانت الخيل للتجارة فتجب فيها الزكاة
بالإجماع فيخص به عموم هذا الحديث، وخص المسلم وإن كان
الصحيح عند الأصوليين والفقهاء تكليف الكافر بالفروع لأنه
ما دام كافرًا
(3/52)
فلا يجب عليه الإخراج حتى يسلم فإذا أسلم
سقطت لأن الإسلام يجبّ ما قبله.
46 - باب لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (ليس على المسلم في عبده صدقة) إلا
صدقة الفطر وزكاة التجارة في قيمته إن كان للتجارة.
1464 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ
بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بْنُ عِرَاكِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ
وَلاَ فَرَسِهِ».
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى بن سعيد) القطان (عن خثيم بن عراك) بخاء معجمة مضمومة
ومثلثة مفتوحة مصغرًا (قال: حدَّثني) بالإفراد (أبي) عراك
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
وبه قال المؤلّف أيضًا (ح، وحدّثنا سليمان بن حرب) قال:
(حدّثنا وهيب بن خالد) بضم الواو وفتح الهاء تصغير وهب
قال: (حدّثنا خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(قال: ليس على المسلم صدقة في) عين (عبده) زاد مسلم إلا
صدقة الفطر (ولا) في عين (فرسه) ولأبي ذر: ولا في فرسه،
واحترز بالتقييد بالعين فيهما عن وجوبها في قيمتهما إذا
كانا للتجارة كما مرّ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة وكذا أبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة.
47 - باب الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَتَامَى
(باب الصدقة على اليتامى) عبر بالصدقة لشمولها الفرض
والنفل والصدقة على اليتيم تذهب قساوة القلب كما روي.
1465 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا
هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ
حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسَ
ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ
فَقَالَ: إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي
مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا
وَزِينَتِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيلَ لَهُ: مَا
شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَلاَ يُكَلِّمُكَ؟ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ
يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَ فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ
فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ -وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ-
فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ،
وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ
يُلِمُّ، إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى
إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ
الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ. وَإِنَّ هَذَا
الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ
مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ
السَّبِيلِ -أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ
حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ
شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد
المعجمة المخففة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى)
بن أبي كثير (عن هلال بن أبي ميمونة) هو هلال بن علي بن
أسامة المدني من صغار التابعين قال: (حدّثنا عطاء بن يسار)
بتخفيف السين المهملة (أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله
عنه- يحدث أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جلس ذات يوم) أي قطعة من الزمان فذات يوم صفة للقطعة
المقدرة ولم يتصرف لأن إضافتما من قبيل إضافة المسمى إلى
الاسم وليس له تمكن في الظرفية الزمانية لأنه ليس من أسماء
الزمان (على المنبر وجلسنا حوله فقال):
(إني) وللمستملي والكشمهني: إن (مما أخاف عليكم من بعدي ما
يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) حسنها وبهجتها الفانية
كمال الغنائم وغيرها (فقال رجل:) لم أعرف اسمه (يا رسول
الله أو يأتي الخير بالشر) بفتح الواو والهمزة للاستفهام
أي أتصير نعمة الله التي هي زهرة الدنيا عقوبة ووبالاً؟
(فسكت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
انتظارًا للوحي (فقيل له) أي للسائل: (ما شأنك! تكلم رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يكلمك؟)
ظنوا أنه عليه الصلاة والسلام أنكر مسألته. قال أبو سعيد:
(فرأينا) بفتح الراء ثم الهمزة من الرؤية، وللحموي
والمستملي: فرئينا بضم الراء ثم كسر الهمزة، وللكشميهني:
فأرينا بتقديم الهمزة المضمومة على الراء المكسورة أي
فظننا (أنه ينزل عليه) الوحي بضم أوّله وفتح الزاي مبنيًّا
للمفعول. (قال:) أبو سعيد (فمسح) عليه الصلاة والسلام (عنه
الرحضاء) بضم الراء وفتح الحاء
المهملة والضاد المعجمة والمد العرق الكثير (فقال: أين
السائل؟ وكأنه) عليه الصلاة والسلام (حمده) أي السائل
فهموا أوّلاً من سكوته عند سؤاله إنكاره، ومن قوله عليه
الصلاة والسلام أين السائل حمده لما رأوا فيه من البشرى
لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سرّ استنار وجهه (فقال:)
عليه الصلاة والسلام: (إنه لا يأتي الخير بالشر) أي ما قدر
الله أن يكون خيرًا يكون خيرًا وما قدّر أن يكون شرًّا
يكون شرًّا، وإن الذي أخاف عليكم تضييعكم نعمة الله وصرفكم
إياها في غير ما أمر الله فلا يتعلق ذلك بنفس النعمة (و)
اضرب لكم مثلين: أحدهما مثل المفرط في جمع الدنيا هو (إن
مما ينبت الربيع) بضم المثناة التحتية من الإنبات والربيع
رفع فاعل وهو الجدول الذي يستسقى به ما (يقتل) قتلاً حبطًا
(أو يلم) بضم أوله وكسر اللام أي يقرب من القتل؟ وسقط في
البخاري هنا لفظه ما قبل يقتل وحبطًا بعدها فيقتل صفة
لمفعول محذوف أي شيئًا أو نباتًا وحبطًا بفتح الحاء
المهملة
والموحدة نصب على التمييز وهو داء يصيب البعير من أحرار
العشب أو من كلأ طيب يكثر منه فينتفخ فيهلك أو يقارب
الهلاك، وكذلك الذي يكثر
(3/53)
من جمع الدنيا لا سيما من غير حلها ويمنع
ذا الحق حقه يهلك في الآخرة بدخوله النار وفي الدنيا بأذى
الناس له وحسدهم إياه وغير ذلك من أنواع الأذى، وإسناد
الإنبات للربيع مجاز على رأي الشيخ عبد القاهر الجرجاني إذ
السند إليه ملابس للفعل وليس فاعلاً حقيقيًا له إذ الفاعل
هو الله تعالى، والسكاكي يرى أن الإسناد ليس مجازيًا وأن
المجاز في الربع فجعله استعارة بالكناية على أن المراد به
الفاعل الحقيقي بقرينة نسبة الإسناد إليه (إلا) بالتشديد
(آكلة الخضراء)، بفتح الخاء وسكون الضاد المعجمتين وألف
ممدودة بعد الراء، وللكشميهني والمستملي: الخضر بكسر الضاد
والراء من غير ألف، وآكلة بمد الهمزة والاستثناء مفرغ،
والأصل مما ينبت الربع ما يقتل آكله إلا آكل الخضراء وقال
الطيبي: الأظهر أنه منقطع لوقوعه في الكلام المثبت وهو غير
جائز عند الزمخشري إلا بالتأويل، ويجوز أن يكون متصلاً لكن
يجب التأويل في المستثنى، والمعنى أن من جملة ما ينبت
الربيع شيئًا يقتل آكله إلا الخضر منه إذا اقتصد فيه آكله
وتحرى دفع ما يؤديه إلى الهلاك. وفي بعض النسخ: ألا بتخفيف
اللام وفتح الهمزة على أنها استفتاحية كأنه قال: ألا
انظروا آكلة الخضراء واعتبروا شأنها (أكلت) وفي بعض النسخ:
فإنها أكلت أي فإن آكلة الخضراء أكلت (حتى إذا امتدّت
خاصرتاها) أي جنباها أي امتلأت شبعًا وعظم جنباها ثم أقلعت
عنه سريعًا (استقبلت عين الشمس) تستمرئ بذلك ما أكلت
وتجترّه (فثلطت) بفتح المثلثة واللام أي ألقت السرقين
سهلاً رقيقًا (وبالت) فيزول عنها الحبط، وإنما تحبط
الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول فتنتفخ
بطونها فيعرض لها المرض فتهلك (ورتعت). اتسعت في المرعى.
وهذا مثل المقتصد في جمع الدنيا المؤدّي حقها الناجي من
وبالها كما نجت آكلة الخضر الذي ليس من أحرار البقول
وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم
ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول
ويبسها حيث لا تجد سواها فلا ترى الماشية تكثر من أكلها
ولا تسمرئها وقيل الربيع قد ينبت أحرار العشب والكلأ فهي
كلها خير في نفسها، وإنما يأتي الشر من قبل آكل مستلذ مفرط
منهمك فيها بحيث تنتفخ أضلاعه منه وتمتلئ خاصرتاه ولا يقلع
عنه فيهلكه سريعًا، فهذا مثل للكافر ومن ثم
أكد القتل بالحبط أي يقتل قتلاً حبطًا، والكافر هو الذي
تحبط أعماله أو من قبل آكل كذلك فيشرفه إلى الهلاك، وهذا
مثال للمؤمن الظالم لنفسه المنهمك في المعاصي أو من آكل
مسرف حتى تنتفخ خاصرتاه ولكنه يتوخى إزالة ذلك ويتحيل في
دفع مضرته حتى يهضم ما أكل، وهذا مثال المقتصد أو من آكل
غير مفرط ولا مسرف يأكل منها ما يسدّ جوعه ولا يسرف فيه
حتى يحتاج إلى دفعه، وهذا مثال السابق الزاهد في الدنيا
الراغب في الآخرة لكن هذا ليس صريحًا في الحديث لكنه ربما
يفهم منه. (وإن هذا المال) زهرة الدنيا (خضرة) من حيث
المنظر (حلوة)، من حيث الذوق وخضرة بفتح الخاء وكسر الضاد
المعجمتين آخره تاء تأنيث وأنث مع أن المال مذكر باعتبار
أنه زهرة الدنيا أو باعتبار البقلة أي: إن هذا المال
كالبقلة الخضرة أو الفاكهة فالتأنيث وقع على التشبيه أو أن
التاء للمبالغة كراوية وعلامة، وخص الأخضر لأنه أحسن
الألوان، ولما ذكر لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ما يخاف عليهم من فتنة المال أخذ يعرفهم دواء
داء تلك الفتنة بقوله: (فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه
المسكين واليتيم وابن السبيل- أو كما قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) - شك من يحيى. وفي الجهاد من
طريق فليح بلفظ: فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين
وابن السبيل، (وإنه من يأخذه) أي المال (بغير حقه) بأن
يجمعه من الحرام أو من غير احتياج إليه ولم يخرج منه حقه
الواجب فيه فهو (كالذي يأكل ولا يشبع)، لأنه كلما نال منه
شيئًا ازدادت رغبته واستقل ما عنده ونظر إلى ما فوقه
(ويكون) ماله (شهيدًا عليه يوم القيامة) بأن ينطق الله
الصامت منه بما فعل به أو يمثل مثاله أو يشهد عليه
(3/54)
الموكلون بكتب الكسب والإنفاق.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في الرقاق ومسلم في الزكاة وكذا النسائي.
48 - باب الزَّكَاةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالأَيْتَامِ فِي
الْحَجْرِ. قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر). بفتح الحاء
وكسرها (قاله) أي ما ذكره في الترجمة (أبو سعيد) الخدري
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) كما سبق موصولاً في باب الزكاة على الأقارب.
1466 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما-. قَالَ فَذَكَرْتُهُ
لإِبْرَاهِيمَ فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ
امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ سَوَاءً قَالَتْ:
"كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ
مِنْ حُلِيِّكُنَّ. وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا. فَقَالَتْ
لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ
عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حَجْرِي مِنَ
الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَانْطَلَقْتُ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ
حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي. فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ
فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي
وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي. وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ
بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنْ هُمَا؟ قَالَ
زَيْنَبُ: قَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ
عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: نَعَمْ، ولَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ
الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص
بن غياث بن طلق قال: (حدَّثنا الأعمش) سليمان بن مهران
(قال: حدَّثني) بالإفراد (شقيق) أبو وائل (عن عمرو بن
الحرث) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي ضرار بكسر الضاد
المعجمة الخزاعي له صحبة وهو أخو جويرية بنت الحرث أم
المؤمنين (عن زينب) بنت معاوية أو بنت عبد الله بن معاوية
بن عتاب الثقفية وتسمى أيضًا برايطة (امرأة عبد الله) بن
مسعود (-رضي الله عنهما-، قال:) الأعمش: (فذكرته) أي
الحديث (لإبراهيم) بن يزيد النخعي (فحدَّثني) بالإفراد
(إبراهيم) النخعي (عن أبي عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة
عامر بن عبد الله بن مسعود (عن عمرو بن الحرث عن زينب
امرأة عبد الله) بن مسعود (بمثله) أي بمثل هذا الحديث
(سواء قالت: كنت في المسجد) النبوي (فرأيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:) يا معشر النساء.
(تصدقن ولو من حليكن). بضم الحاء وكسر اللام وتشديد
المثناة التحتية جمعًا كذا في الفرع وأصله، ويجوز فتح
الحاء وسكون اللام مفردًا (وكانت زينب تنفق على) زوجها
(عبد الله) بن مسعود (وأيتام في حجرها). لم يعرف الحافظ
ابن حجر اسمهم (فقالت:) ولغير أبي ذر، وابن عساكر. قال:
فقالت: (لعبد الله) زوجها (سل رسول الله-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيجزئ) بضم الياء وآخره همزة، وفي بعض
الأصول وهو الذي في اليونينية: أيجزي بفتح الياء أي هل
يكفي (عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي) بياء الإضافة ولأبي
ذر على أيتام (في حجري من الصدقة) الواجبة أو أعلم. (فقال)
ابن مسعود (سلي أنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-). قالت زينب: (فانطلقت إلى النبي) ولأبي ذر:
إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجدت
امرأة من الأنصار) هي زينب امرأة أبي مسعود يعني عقبة بن
عمرو الأنصاري كما عند ابن الأثير في أسد الغابة، وفي
رواية الطيالسي: فإذا امرأة من الأنصار يقال لها زينب (على
الباب حاجتها مثل حاجتي فمرّ علينا بلال) المؤذن (فقلنا)
له: (سل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبجزئ)
بضم الياء أو فتحها (عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في
حجري). بإفراد الضمير فيها، وكان الظاهر أن يقال عنا وننفق
وكذا باقيها.
وأجاب الكرماني: بأن المراد كل واحدة منا أو اكتفت في
الحكاية بحال نفسها، لكن قال البرماوي فيه نظر، وفي رواية
النسائي على أزواجنا وأيتام في حجورنا، وللطيالسي: أنهم
بنو أخيها وبنو أختها، وللنسائي أيضًا من طريق علقمة
لإحداهما فضل مال وفي حجرها بنو أخ لها أيتام وللأخرى فضل
مال وزوج خفيف ذات اليد أي فقير.
(وقلنا) أي السائلتان. وللحموي والمستملي والكشميهني:
فقلنا بالفاء بدل الواو لبلال (لا تخبر بنا) بجزم الراء أي
لا تعين اسمنا بل قل تسألك امرأتان (فدخل) بلال على رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فسأله) عن ذلك
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (من هما؟) المرأتان (قال)
بلال معينًا لإحداهما لوجوبه عليه بطلب الرسول عليه الصلاة
والسلام هي (زينب. قال:) عليه الصلاة والسلام (أي
الزيانب)؟ أيَ أيّ
زينب منهن فعرف باللام مع كونه علمًا لما نكر حتى جمع
(قال) بلال: زينب (امرأة عبد الله) بن مسعود ولم يذكر بلال
في الجواب معها زينب امرأة أبي مسعود الأنصاري اكتفاء باسم
من هي أكبر وأعظم. (قال:) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر،
والوقت: فقال (نعم). يجزي عنها (ولها أجران: أجر القرابة)
أي صلة الرحم (وأجر الصدقة) أي ثوابها. قال المازري:
الأظهر حمله على الصدقة الواجبة لسؤالها عن الإجزاء، وهذا
اللفظ إنما يستعمل في
(3/55)
الواجبة انتهى. وعليه يدل تبويب البخاري
لكن ما ذكره من أن الإجزاء إنما يستعمل في الواجب إن أراد
قولاً واحدًا فليس كذلك لأن الأصوليين اختلفوا في المسألة،
فذهب قوم إلى أن الإجزاء يعم الواجب والمندوب وخصه آخرون
بالواجب ومنعوه في المندوب، واعتمده المازري ونصره القرافي
والأصفهاني واستبعده الشيخ تقي الدين السبكي وقال: إن كلام
الفقهاء يقتضي أن المندوب يوصف بالإجزاء كالفرض، وقد
تعقب القاضي عياض المازري بأن قوله: ولو من حليكن، وقوله
فيما ورد في بعض الروايات عند الطحاوي وغيره أنها كانت
امرأة صنعاء اليدين فكانت تنفق عليه وعلى ولده يدلان على
أنها صدقة تطوّع وبه جزم النووي وغيره. وتأوّلوا قوله:
أتجزئ عني أي في الوقاية من النار كأنها خافت أن صدقتها
على زوجها لا تحصل لها المراد.
وقد سبق الحديث في باب الزكاة على الأقارب وفيه أنها شافهت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسؤال
وشافهها وهاهنا لم تقع مشافهة فقيل: تحمل الأولى على
المجاز وإنما هي على لسان بلال: والظاهر أنهما قضيتان:
إحداهما في سؤالها عن تصدّقها بحليها على زوجها وولده،
والأخرى في سؤالها عن النفقة.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواته كلهم
كوفيون إلا عمرو بن الحرث، وفيه رواية صحاب عن صحابية
وتابعي عن تابعي عن صحابيّ، وفي الطريق الثانية أربعة من
التابعين وهم: الأعمش وشقيق وإبراهيم وأبو عبيدة، وأخرجه
مسلم في الزكاة، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجة في
الزكاة.
1467 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي
أَبِي سَلَمَةَ؟ إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ. فَقَالَ:
أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ
عَلَيْهِمْ". [الحديث 1467 - طرفه في: 5369].
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن
أبي شيبة بفتح المعجمة واسمه إبراهيم وعثمان أخو أبي بكر
بن أبي شيبة قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة
ابن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام
(عن زينب) برة بفتح الموحدة وتشديد الراء (ابنة) ولأبي ذر:
بنت (أم سلمة) بفتح السين واللام أم المؤمنين وهي بنت أبي
سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم المخزومية ربيبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ولدت بأرض الحبشة وحفظت عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وروت عنه وعن
أزواجه. وذكرها العجلي في ثقات التابعين قال في الإصابة:
كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وذكرها ابن سعد فيمن لم يرو
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا وروى
عن أزواجه (قالت:) أي زينب، ولأبي ذر: عن أم سلمة وهو
الصواب كما لا يخفى، وأم سلمة هي أم المؤمنين هند قالت
(قلت يا رسول الله ألي) بفتح الياء أي هل لي (أجر أن أنفق
على بني أبي سلمة)؟ ابن عبد الأسد، وكان تزوّجها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده ولها من أبي
سلمة سلمة وعمر ومحمد وزينب ودرة (إنما هم بني) منه بفتح
الموحدة وكسر النون وتشديد الياء وأصله بنون، فلما أضيف
إلى ياء المتكلم سقطت نون الجمع فصار بنوي فاجتمعت الواو
والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الواو بعد قلبها ياء
في الياء فصار بني بضم النون وتشديد الياء ثم أبدل من ضمة
النون كسرة لأجل الياء فصار بني (فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(أنفقي عليهم)، بفتح الهمزة وكسر الفاء (فلك أجر ما أنففت
عليهم) بإضافة أجر لتاليه فما موصولة، وجوّز بعضهم التنوين
فتكون ما ظرفية قال في فتح الباري: وليس في الحديث تصريح
بأن الذي كانت تنفقه عليهم من الزكاة فكان القدر المشترك
من الحديث حصول الإنفاق على الأيتام انتهى.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواته ما بين
كوفي ومدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي هشام وأبوه وصحابية
عن صحابية زينب وأمها.
49 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ
وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-:
يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ
جَازَ، وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ وَالَّذِي لَمْ
يَحُجَّ ثُمَّ تَلاَ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآيَةَ، فِي أَيِّهَا
أَعْطَيْتَ أَجْزَأَتْ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ
أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي
لاَسٍ: "حَمَلَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ"
(باب قول الله تعالى: {وفي الرقاب والغارمين}) أي: وللصرف
في فك الرقاب
بأن يعاون المكاتب الذي ليس له ما يفي بالنجوم بشيء من
الزكاة على أداء النجوم، وقيل بأن تباع الرقاب فتعتق، وبه
قال مالك في المشهور، وإليه مال البخاري وابن المنذر واحتج
له بأن شراء الرقيق ليعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد
يعان ولا يعتق ولأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والزكاة
لا تصرف للعبد، والأول مذهب الشافعي، والليث والكوفيين
وأكثر أهل العلم. ورواه ابن وهب عن مالك
(3/56)
وقال المرداوي من الحنابلة في مقنعه:
وللمكاتب الأخذ أي من الزكاة قبل حلول نجم ويجزئ أن يشتري
منها رقبة لا تعتق عليه فيعتقها ولا يجزئ عتق عبده ومكاتبه
عنها، وهو موافق لما رواه
ابن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال بسند صحيح عن الزهري
أنه كتب لعمر بن عبد العزيز أن سهم الرقاب يجعل نصفين: نصف
لكل مكاتب يدعي الإسلام ونصف يشتري به رقاب من صلّى وصام
وعدل من اللام إلى في قوله: {وفي الرقاب} للدلالة على أن
الاستحقاق للجهة لا للرقاب، وقيل للإيذان بأنهم أحق بها
({وفي سبيل الله}) [التوبة: 60] أي وللصرف في الجهاد
بالإنفاق على المتطوّعة به ولو كانوا أغنياء لقوله عليه
الصلاة والسلام: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في
سبيل الله" وخصه أبو حنيفة بالمحتاج، وعن أحمد الحج من
سبيل الله.
(ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) مما وصله أبو عبيد في كتاب الأموال عن مجاهد عنه:
(يعتق) الرجل بضم التحتية وكسر الفوقية (من زكاة ماله)
الرقبة (ويعطي) منها (في الحج) المفروض للفقير، وبه قال
أحمد محتجًّا بقول ابن عباس هذا مع عدم ما يدفعه، ثم رجع
عنه كما في رواية الميموني لاضطرابه لكونه اختلف في إسناده
على الأعمش، ومن ثم لم يجزم به المؤلّف بل أورده بصيغة
التمريض لكن جزم المرداوي بصحته في العتق والحج وعلى قوله
الفتوى عند الحنابلة.
(وقال الحسن): البصري (إن اشترى أباه من الزكاة جاز) هذا
بمفرده وصله ابن أبي شيبة بلفظ: سئل الحسن عن رجل اشترى
أباه من الزكاة فأعتقه، قال: اشترى خير الرقاب (ويعطي في
المجاهدين) في سبيل الله (والذي لم يحج) إذا كان فقيرًا
(ثم تلا) الحسن قوله تعالى: ({إنما الصدقات للفقراء})
[التوبة: 60] ومفهوم تلاوته للآية أنه يرى أن اللام في
للفقراء لبيان المصرف لا للتمليك فلو صرف الزكاة في صنف
واحد كفى (وفي أيها) أي أيّ مصرف من المصارف الثمانية
(أعطيت أجزأت) بسكون الهمزة وفتح التاء، ولأبي ذر: أجزأت
بفتح الهمزة وسكون التاء، وفي بعض النسخ أجزت بغير همزة مع
تسكين التاء أي قضت عنه، وفي بعضها أجرت بضم الهمزة وسكون
الراء من الأجر.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): مما
يأتي موصولاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى: (إن خالدا
احتبس أدراعه في سبيل الله) بفتح الراء وألف بعدها، ولأبي
ذر: أدرعه بضمها من غير ألف (ويذكر) بصيغة التمريض (عن أبي
لاس) بسين مهملة منوّنة بعد ألف مسبوقة بلام، ولأبي الوقت
زيادة: الخزاعى. قال في فتح الباري؛ وتبعه العيني: اختلف
في اسمه فقيل عبد الله، وقيل زياد بن عنمة بمهملة ونون
مفتوحتين وكذا قال في الإصابة، وقال في المقدمة يقال اسمه
عبد الله بن عنمة ولا يصح، وقال في تقريب التهذيب والصواب
أنه غيره انتهى.
ولأبي لاس هذا صحبة وحديثان. هذا أحدهما وقد وصله ابن
خزيمة والحاكم (حملنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على إبل الصدقة للحج) ولفظ أحمد على إبل من إبل
الصدقة ضعاف للحج فقلنا يا رسول الله ما نرى أن تحمل هذه
فقال: "إنما يحمل الله" الحديث ورجاله ثقات إلا أن فيه
عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته، وأورده
المؤلّف بصيغة التمريض.
1468 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا
فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ
فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ
أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا
الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْيَ
عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا".
تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ "هِيَ عَلَيْهِ
وَمِثْلُهَا مَعَهَا".
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ عَنِ الأَعْرَجِ
بِمِثْلِهِ.
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدَّثنا أبو الزناد)
عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- قال: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصدقة)، الواجبة أو صدقة التطوّع،
ورجحه بعضهم تحسينًا للظن بالصحابة إذ لا يظن بهم منع
الواجب، وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل
الله فما بقي له مال يحتمل المواساة، وتعقب بأنهم ما منعوه
جحدًا ولا عنادًا، أما ابن جميل فقد قيل إنه كان منافقًا
ثم تاب بعد كما حكاه المهلب. قيل وفيه نزلت {وما نقموا}
الآية إلى قوله: {فإن يتوبوا يك خيرًا لهم} [التوبة: 74]
فقال استتابني الله، فتاب وصلح حاله والمشهور نزولها في
غيره، وأما خالد فكان متأوّلاً بإجزاء ما حبسه عن الزكاة
فالظاهر أنها الصدقة
(3/57)
الواجبة لتعريف الصدقة باللام العهدية.
وقال النووي: إنه الصحيح المشهور ويؤيده ما في رواية مسلم
من طريق ورقاء عن أبي الزناد بعث رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر ساعيًا على الصدقة فهو
مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوّع لا تبعث عليها
السعاة. ولأبي ذر: بصدقة (فقيل): القائل عمر -رضي الله
عنه- لأنه المرسل (منع ابن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم.
قال ابن منده: لم يعرف اسمه ومنهم من سماه حميدًا، وقيل
عبد الله. وذكره الذهبي فيمن عرف بأبيه ولم يسم (وخالد بن
الوليد وعباس بن عبد المطلب) بالرفع في عباس عطفًا على
وخالد المعطوف على ابن جميل المرفوع على الفاعلية. زاد في
رواية أبي عبيد: أن يعطوا وهو مقدّر هنا لأن منع يستدعي
مفعولاً. وقوله: أن يعطوا في محل نصب على المفعولية وكلمة
أن مصدرية أي منع هؤلاء الإعطاء، (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيان لوجه الامتناع ومن ثم
عبر بالفاء:
(ما ينقم ابن جميل) بكسر القاف مضارع نقم بالفتح أي ما
يكره وينكر (إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله)، من
فضله بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم
ببركته عليه الصلاة والسلام والاستثناء مفرغ، فمحل أن
وصلتها نصب على المفعول به أو على أنه مفعول لأجله
والمفعول به حينئذٍ محذوف. ومعنى الحديث كما قاله غير واحد
أنه ليس ثم شيء ينقم ابن جميل فلا، موجب للمنع، وهذا مما
تقصد العرب في مثله تأكيد النفي والمبالغة فيه بإثبات شيء
وذلك الشيء لا يقتضي
إثباته فهو منتف أبدًا، ويسمى مثل ذلك عند البيانيين تأكيد
المدح بما يشبه الذم وبالعكس، فمن الأوّل نحو قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب
ومن الثاني هذا الحديث وشبهه أي: ما ينبغي لابن جميل أن
ينقم شيئًْا إلا هذا وهذا لا يوجب له أن ينقم شيئًا فليس
ثم شيء ينقمه، فينبغي أن يعطي مما أعطاه الله ولا يكفر
بأنعمه.
(وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا)، عبر بالظاهر دون أن يقول
تظلمونه بالضمير على الأصل تفخيمًا لشأنه وتعظيمًا لأمره
نحو: {وما أدراك ما الحاقة} [الحاقة: 3] والمعنى تظلمونه
بطلبكم منه زكاة ما عنده فإنه (قد احتبس) أي وقف قبل الحول
(أدراعه) جمع درع بكسر الدال وهو الزردية (وأعتده) التي
كانت للتجارة على المجاهدين (في سبيل الله)، فلا زكاة عليه
فيها، وتاء أعتده مضمومة جمع عتد بفتحتين ما يعدّه الرجل
من السلاح والدواب وآلات الحرب، ولأبي ذر: وأعتده بكسرها.
قيل، ورواه بعض رواة البخاري: وأعبده بالموحدة جمع عبد
حكاه عياض وهو موافق لرواية واحتبس رقيقه، ويحتمل أنه عليه
الصلاة والسلام لم يقبل قول من أخبره بمنع خالد حملاً على
أنه لم يصرّح بالمنع وإنما نقله عنه بناء على ما فهمه،
ويكون قوله عليه الصلاة والسلام: تظلمون خالدًا أي بنسبتكم
إياه إلى المنع وهو لم يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوّع
بوقف خيله وسلاحه، أو يكون عليه الصلاة والسلام احتسب له
ما فعله من ذلك من الزكاة لأنه في سبيل الله وذلك من مصار
الزكاة لكن يلزم منه إعطاء الزكاة لصنف واحد وهو قول مالك
وغيره خلافًا للشافعي في وجوب قسمتها على الأصناف
الثمانية. وقد سبق استدلال البخاري به على إخراج العروض في
الزكاة، واستشكله ابن دقيق العيد: بأنه إذا حبس على جهة
معينة تعين صرفه إليها واستحقه أهل تلك الصفة مضافًا إلى
جهة الحبس فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه فكيف يمكن
ذلك مع تعين ما حبسه لصرفه؟ وإن كان طلب منه زكاة المال
الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية فكيف يحاسب بما
وجب عليه في ذلك وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته؛ ثم
انفصل عن ذلك باحتمال أن يكون المراد بالتحبيس الإرصاد
لذلك لا الوقف فيزول الإشكال، لكن هذا الإشكال إنما يتأتى
على القول بأن المراد بالصدقة
(3/58)
المفروضة، أما على القول بأن المراد
التطوّع فلا إشكال كما لا يخفى.
(وأما العباس بن عبد المطلب فعمّ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللحموي والكشميهني: عم بغير
فاء وفي وصفه بأنه عمه تنبيه على تفخيمه واستحقاق إكرامه،
ودخول اللام على عباس مع كونه علمًا للمح الصفة (فهي) أي
الصدقة المطلوبة منه (عليه صدقة) ثابتة سيتصدق بها (ومثلها
معها) أي ويضيف إليها مثلها كرمًا منه فيكون النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألزمه بتضعيف صدقته ليكون ذلك
أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذب عنه، أو المعنى أن
أمواله كالصدقة عليه لأنه استدان في مفاداة نفسه وعقيل
فصار من
الغارمين الذين لا تلزمهم الزكاة. وهذا التأويل على تقدير
ثبوت لفظة صدقة، واستبعدها البيهقي لأن العباس من بني هاشم
فتحرم عليهم الصدقة. أي: وظاهر هذا الحديث أنها صدقة عليه
ومثلها معها فكأنه أخذها منه وأعطاها له، وحمل غيره على أن
ذلك كان قبل تحريم الصدقة على آله عليه الصلاة والسلام.
وفي رواية مسلم من طريق ورقاء: وأما العباس فهي عليّ
ومثلها ثم قال: يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟ فلم
يقل فيه صدقة بل فيه دلالة على أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التزم بإخراج ذلك عنه لقوله: فهي عليّ
ويرجحه قوله: إن عم الرجل صنو أبيه أي مثله ففي هذه اللفظة
إشعار بما ذكرنا فإن كون صنو الأب يناسب أن يحمل عنه أي هي
عليّ إحسانًا إليه وبرًّا به هي عندي فرض لأني استلفت منه
صدقة عامين. وقد ورد ذلك صريحًا في حديث عليّ عند الترمذي
لكن في إسناده مقال، وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني
بإسناد فيه ضعف: بعث النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-عمر ساعيًا فأتى العباس فأغلظ له فأخبر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن العباس قد
استلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل.
وعن الحكم بن عقبة (تابعه) أي تابع شعيبًا (ابن أبي
الزناد) عبد الرحمن (عن أبيه) أبي الزناد عبد الله بن
ذكوان على ثبوت لفظ الصدقة وهذا وصله أحمد وغيره وذلك يرد
على الخطابي حيث قال: إن لفظ الصدقة لم يتابع عليها شعيب
بن أبي حمزة كما ترى، وكذا تابعه موسى بن عقبة فيما رواه
النسائي.
(وقال ابن إسحاق): محمد إمام المغازي فيما وصله الدارقطني
(عن أدب الزناد) عبد الله بن ذكوان (هي عليه ومثلها معها)
من غير ذكر الصدقة.
(وقال ابن جريج): عبد الملك (حدثت) بضم الحاء مبنيًا
للمفعول (عن الأعرج) عبد الرحمن (بمثله) ولأبي ذر، وابن
عساكر: مثله رواية ابن إسحاق بدون لفظ الصدقة وهي أولى لأن
العباس لا تحل له الصدقة كما مرّ، ورواية ابن جريج هذه
وصلها عبد الرزاق في مصنفه لكنه خالف الناس في ابن جميل
فجعل مكانه أبا جهم بن حذيفة.
50 - باب الاِسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ
(باب الاستعفاف عن المسألة) في غير المصالح الدينية.
1469 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
-رضي الله عنه- "أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى
نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ
خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ
يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ،
وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ
أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ".
[الحديث 1469 - طرفه في: 6470].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عطاء بن
يزيد الليثي) بالمثلثة ويزيد من الزيادة (عن أبي سعيد
الخدري -رضي الله عنه- أن ناسًا من الأنصار). قال الحافظ
ابن حجر: لم أعرف اسمهم لكن في حديث النسائي ما يدل على أن
أبا سعيد المذكور منهم (سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم) زاد أبو
ذر: ثم سألوه فأعطاهم (حتى نفد) بكسر الفاء وبالدال
المهملة أي فرغ وفني (ما عنده فقال):
(ما يكون عندي من خير) ما موصولة متضمنة معنى الشرط وجوابه
(فلن أدخره عنكم) بتشديد الدال المهملة أي لن أجعله ذخيرة
لغيركم أو لن أحبسه وأخبأه وأمنعكم إياه (ومن يستعفف)
بفاءين، وللحموي والمستملي: ومن يستعف بفاء واحدة مشددة أي
ومن طلب العفة عن السؤال (يعفه الله) بنصب الفاء أي يرزقه
الله العفة أي الكف عن الحرام، ولأبي ذر: يعفه الله برفع
الفاء (ومن يستغن) يظهر الغنى (يغنه الله ومن يتصبر) يعالج
الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا. قال
في شرح المشكاة قوله يعفه الله يريد أن من طلب من نفسه
العفة عن السؤال ولم يظهر الاستغناء يعفه الله أي يصيره
عفيفًا ومن ترقى من هذه المرتبة إلى ما هو أعلى من
(3/59)
إظهار الاستغناء عن الخلق لكن إن أعطي
شيئًا لم يردّه يملأ الله قلبه غنى ومن فاز بالقدح المعلى
وتصبر وإن أعطي لم يقبل فهو هو إذ الصبر جامع لمكارم
الأخلاق. (يصبره الله) يرزقه الله الصبر (وما أُعطيَ أحد)
بضم الهمزة مبنيًا للمفعول وأحد رفع نائب عن الفاعل (عطاء)
نصب مفعول ثان لأعطي (خيرًا) صفة عطاء (وأوسع) عطف على
خيرًا (من الصبر) لأنه جامع لكارم الأخلاق أعطاهم -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحاجتهم ثم نبههم على موضع
الفضيلة.
1470 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَنْ يَأْخُذَ
أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ
أَوْ مَنَعَهُ». [الحديث 1470 - أطرافه في: 1480، 2074،
2374].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن
الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(و) الله (الذي نفسي بيده) إنما حلف لتقوية الأمر وتأكيده
(لأن يأخذ) بلام التأكيد (أحدكم حبله) وفي رواية أحبله
بالجمع (فيحتطب) بتاء الافتعال. وفي مسلم فيحطب بغير تاء
أي فإن يحتطب أي يجمع الحطب (على ظهره) فهو (خير له) وليست
خير هنا من أفعل التفضيل بل هي كقوله تعالى: {أصحاب الجنة
يومئذٍ خير مستقرًّا} [الفرقان: 24] (من أن يأتي رجلاً)
أعطاه الله من فضله
(فيسأله، أعطاه) فحمله ثقل المنة مع ذل السؤال (أو منعه)
فاكتسب الذل والخيبة والحرمان أعاذنا الله من كل سوء.
1471 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا
هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
-رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ
فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ
فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ
مَنَعُوهُ». [الحديث 1471 - طرفاه في: 2075، 3373].
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن
أبيه) عروة (عن الزبير) أبيه (ابن العوّام -رضي الله عنه-
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لأن يأخذ أحدكم حبله) بالإفراد أيضًا واللام في لأن
ابتدائية أو جواب قسم محذوف (فيأتي بحزمة الحطب) بالتعريف
وحزمة بضم المهملة وسكون الزاي، ولأبي ذر: بحزمة حطب (على
ظهره فيبيعها فيكفّ) بنصب الفعلين (الله) أي فيمنع الله
(بها وجهه)، من أن يريق ماءه بالسؤال قاله المظهري، ومن
فوائد الاكتساب الاستغناء والتصديق كما في مسلم فيتصدق به
ويستغني عن الناس فهو (خير له من أن يسأل الناس) أي من
سؤال الناس ولو كان الاكتساب بعمل شاق كالاحتطاب، وقد روي
عن عمر فيما ذكره ابن عبد البر مكسبة فيها بعض الدناءة خير
من مسألة الناس (أعطوه) ما سأل (أو منعوه). وفي الحديث
فضيلة الاكتساب بعمل اليد وقد ذكر بعضهم أنه أفضل المكاسب.
وقال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصناعة.
قال: ومذهب الشافعي أن التجارة أطيب والأشبه عندي أن
الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل.
قال النووي في شرح المهذّب في صحيح البخاري، عن المقدام بن
معد يكرب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده"
الحديث. فالصواب ما نص عليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عمل اليد، فإن كان زراعًا فهو
أطيب المكاسب وأفضلها لأنه عمل يده ولأن فيه توكلاً كما
ذكره الماوردي ولأن فيه نفعًا عامًّا للمسلمين والدواب،
ولأنه لا بد في العادة أن يؤكل منه بغير عوض فيحصل له أجره
وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل له غلمانه وأجزاؤه
فاكتسابه بالزراعة أفضل لما ذكرنا.
وقال في الروضة، بعد حديث المقدام هذا: فهذا صريح في ترجيح
الزراعة والصنعة لكونهما من عمل يده، ولكن الزراعة أفضلهما
لعموم النفع بها للآدمي وغيره وعموم الحاجة إليها والله
أعلم. وغاية ما في هذا الحديث تفضيل الاحتطاب على السؤال
وليس فيه أنه أفضل المكاسب فلعله ذكره لتيسره لا سيما في
بلاد الحجاز لكثرة ذلك فيها.
1472 - وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ
بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ
سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ، إِنَّ
هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ
بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ
بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي
يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ. الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ
الْيَدِ السُّفْلَى. قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ
أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا.
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدْعُو حَكِيمًا
إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ. ثُمَّ
إِنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى
أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي
أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ
أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ
فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ
أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ". [الحديث
1472 - أطرافه في: 2750، 3143، 6441].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة
عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله)
بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن) ابن
شهاب (الزهري عن عروة بن الزبير) بن العوام (وسعيد بن
المسيب أن حكيم بن حزام) بفتح الحاء المهملة في الأول
وكسرها في الثاني وتخفيف الزاي المعجمة (-رضي الله عنه-
قال: سألت رسول الله
(3/60)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير
الإعطاء ثلاثًا (ثم قال):
(يا حكيم، إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه وحرص
النفوس عليه كالفاكهة التي هي (خضرة) في النظر (حلوة)، في
الذوق وكل منهما يرغب فيه على انفراده فكيف إذا اجتمعا.
وقال في التنقيح: تأنيث الخبر تنبيه على أن المبتدأ مؤنث،
والتقدير: أن صورة هذا المال أو يكون التأنيث للمعنى لأنه
اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة الروضة الخضراء أو
الشجرة الناعمة والحلوة المستحلاة الطعم. قال في المصابيح:
إذا كان قوله خضرة صفة للروضة أو المراد بها نفس الروضة
الخضرة لم يكن ثم إشكال البتة، وذلك أن توافق المبتدأ
والخبر في التأنيث إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشتقة غير
سببية نحو هند حسنة أو في حكمها كالمنسوب أما في الجوامد
فيجوز نحو هذه الدار مكان طيب وزيد نسمة عجيبة انتهى.
(فمن أخذه) أي المال وللحموي: فمن أخذ (بسخاوة نفس) من غير
حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه، ومن أخذه
بإشراف نفس) أي مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها
إليه (لم يبارك له) أي الآخذ (فيه) أي في المعطى (وكان) أي
الآخذ (كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب سقم
من غلبة خلط سوداوي أو آفة، ويسمى جوع الكلب كلما ازداد
أكلاً ازداد جوعًا فلا يجد شبعًا ولا ينجع فيه الطعام.
وقال في شرح المشكاة: لما وصف المال بما تميل إليه النفس
الإنسانية بجبلتها رتب عليه بالفاء أمرين: أحدهما: تركه مع
ما هي مجبولة عليه من الحرص والشره والميل إلى الشهوات
وإليه أشار
بقوله: ومن أخذه بإشراف نفس. وثانيهما: كفها عن الرغبة فيه
إلى ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله: بسخاوة نفس،
فكنى في الحديث بالسخاوة عن كف النفس عن الحرص والشره كما
كنى في الآية بتوقي النفس من الشح والحرص المجبولة عليه من
السخاء لأن من توقى من الشح يكون سخيًا مفلحًا في الدارين
{ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [التغابن: 16] وسقط
من اليونينية كما نبه عليه بحاشية فرعها لفظة: وكان. فإما
أن يكون سهوًا أو الرواية كذلك (اليد العليا) المنفقة (خير
من اليد السفلى) السائلة (فقال حكيم: فقلت يا رسول الله
والذي بعثك بالحق لا أرزأ) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح
الزاي وضم الهمزة أي لا أنقص (أحدًا بعدك) أي بعد سؤالك أو
لا أرزأ غيرك (شيئًا) من ماله أي لا آخذ من أحد شيئًا
بعدك. وفي رواية إسحاق قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت
أيدي العرب (حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر) الصديق (-رضي
الله عنه- يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى) أي يمتنع (أن
يقبله منه) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما يريد
ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه (ثم إن عمر)
بن الخطاب (-رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى) أي امتنع (أن
يقبل منه شيئًا، فقال عمر) لمن حضره مبالغة في براءة سيرته
العادلة من الحيف والتخصيص والحرمان بغير مستند: (إني
أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من
هذا الفيء فيأبى أن يأخذه) فيه أنه لا يستحق من بيت المال
شيئًا إلا بإعطاء الإمام، ولا يجبر احد على الأخذ وإنما
أشهد عمر على حكيم لما مرّ (فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس
بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى
توفي) لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز إذ
مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس سراقة ومن حام حول
الحمى يوشك أن يقع فيه.
قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير
ضرورة واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على
وجهين: أصحهما أنها حرام لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع
الكراهة بثلاثة شروط أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا
يؤذي المسؤول فإن فقد واحد من هذه الشروط فحرام بالاتفاق
انتهى.
وقد مثل القاضي أبو بكر بن العربي للواجب بالمريدين في
ابتداء أمرهم ونازعه العراقي بأنه
(3/61)
لا يطلق على سؤال المريدين في ابتدائهم اسم
الوجوب، وإنما جرت عادة الشيوخ في تهذيب أخلاق المبتدئين
بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك إصلاحهم، فأما الوجوب
الشرعي فلا. وفي حديث ابن الفراسي مما رواه أبو داود
والنسائي أنه قال: يا رسول الله أسأل؟ فقال: لا وإن كنت
سائلاً لا بدّ فاسأل الصالحين أي من أرباب الأموال الذين
لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق من
غيره، فإذا عرفوا بالسؤال المحتاج أعطوه مما عليهم من حقوق
الله أو المراد من يتبرك بدعائهم وترجى إجابتهم، وحيث جاز
السؤال فيجتنب فيه الإلحاح والسؤال بوجه الله لحديث المعجم
الكبير عن أبي موسى بإسناد حسن عنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "ملعون من سأل بوجه الله
وملعون من سئل بوجه الله" فمنع سائله ما لم يسأل هجرًا.
وفي حديث الباب التحديث والإخبار والعنعنة وثلاثة من
التابعين، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الوصايا وفي الخمس
والرقاق، ومسلم في الزكاة، والترمذي في الزهد، والنسائي في
الزكاة.
51 - باب مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ
مَسْأَلَةٍ وَلاَ إِشْرَافِ نَفْسٍ {وَفِي أَمْوَالِهِمْ
حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19]
(باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس)
فليقبله ({وفي أموالهم}) أي المتقين المذكورين قبل هذه
الآية ({حق للسائل والمحروم}) [الذاريات: 19] المتعفف الذي
لا يسأل.
رواه الطبري من طريق ابن شهاب، وفي رواية المستملي تقديم
الآية وسقطت للأكثر كذا قاله في الفتح، والذي في الفرع
وأصله باب: من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف
نفس وفي هامشها لأبي ذر عن المستملي باب بالتنوين: {وَفِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
1473 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِينِي الْعَطَاءَ
فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي،
فَقَالَ: خِذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ
شَىْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ،
وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ". [الحديث 1473 -
طرفاه في: 7163، 7164].
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح
الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن
يزيد الأيلي (عن) ابن شهاب (الزهري عن سالم أن) أباه (عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال سمعت) أبي (عمر) بن
الخطاب -رضي الله عنه- (يقول: كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطيني العطاء) أي بسبب
العمالة كما في مسلم لا من الصدقات فليست من جهة الفقر
(فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني) عبر بأفقر ليفيد نكتة
حسنة وهى كون الفقير هو الذي يملك شيئًا ما لأنه إنما
يتحقق فقير وأفقر إذا كان الفقير له شيء يقل ويكثر، أما لو
كان الفقير هو الذي لا شيء له البتة كان الفقراء كلهم سواء
ليس فيهم أفقر قاله صاحب المصابيح (فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(خذه) أي بالشرط المذكور بعد، وزاد في رواية شعيب عن
الزهري في الأحكام: فتموّله وتصدق به أي أقبله وأدخله في
ملكك ومالك، وهو يدل على أنه ليس من أموال الصدقات لأن
الفقير لا ينبغي أن يأخذ من الصدقات ما يتخذه مالاً (إذا
جاءك من هذا المال شيء) أي من جنس المال (وأنت غير مشرف)
بسكون الشين المعجمة بعد الميم المضمومة، والجملة حالية أي
غير طامع، والإشراف أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا
(ولا سائل)، أي ولا طالب له وجواب الشرط في قوله إذا جاءك
قوله (فخذه) وأطلق الأخذ أولاً وعلقه ثانيًا بالشرط فحمل
المطلق على المقيد وهو مقيد أيضًا بكونه حلالاً، فلو شك
فيه فالاحتياط الرد وهو الورع. نعم يجوز أخذه عملاً بالأصل
وقد
رهن الشارع عليه الصلاة والسلام درعه عند يهودي مع علمه
بقوله تعالى في اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وكذلك أخذ منهم
الجزية مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخنزير والخمر
والمعاملة الفاسدة. وقيل: يجب أن يقبل من السلطان دون غيره
لحديث سمرة المروي في السنن: إلا أن يسأل ذا سلطان (وما
لا) يكون على هذه الصفة بأن لم يجيء إليك ومالت نفسك إليه
(فلا تتبعه نفسك) في الطلب واتركه. وأخرجه المؤلّف أيضًا
ومسلم في الزكاة وكذا النسائي.
52 - باب مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا
(باب من سأل الناس تكثرًا) نصب على المصدر أي سؤال تكثر أي
مستكثر المال بسؤاله لا يريد به سدّ الخلة قاله في
التنقيح، أو نصب على الحال إما بأن يجعل المصدر نفسه حالاً
على جهة المبالغة نحو: زيد عدل أو بأن يقدر مضاف أي ذا
تكثر، ويجوز أن يكون منصوبًا على المصدر التأكيدي لا
النوعي أي يتكثر تكثرًا، والجملة الفعلية حال أيضًا قاله
في المصابيح، وجواب الشرط محذوف أي من سأل لأجل التكثر فهو
مذموم.
(3/62)
1474 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ
النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي
وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ».
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث)
بن سعد الإمام (عن عبيد الله بن أبي جعفر) بضم العين وفتح
الموحدة مصغرًا واسم أبي جعفر يسار (قال: سمعت حمزة بن عبد
الله بن عمر) بالحاء المهملة والزاي وعمر بضم العين وفتح
الميم (قال: سمعت) أبي (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي
الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ما يزال الرجل يسأل الناس) أي تكثرًا وهو غني. (حتى يأتي
يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) بل كله عظم ومزعة بضم
الميم وسكون الزاي وفتح العين المهملة. وزاد في القاموس
كسر الميم. وحكى ابن التين فتح الميم والزاي القطعة من
اللحم أو النتفة منه وخص الوجه لمشاكلة العقوبة في موضع
الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال أو أنه يأتي
ساقط القدر والجاه، وقد يؤيده حديث مسعود بن عمرو عند
الطبراني والبزار مرفوعًا: لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى
يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه.
وقال التوربشتي قد عرفنا الله تعالى أن الصور في الدار
الآخرة تختلف باختلاف المعاني قال الله تعالى: {يَوْمَ
تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]
فالذي يبذل وجهه لغير الله في الدنيا من غير بأس وضرورة بل
للتوسع والتكثر يصيبه شين في وجهه بإذهاب اللحم عنه ليظهر
للناس عنه صورة المعنى الذي خفي عليهم منه انتهى.
ولفظ الناس يعم المسلم وغيره فيؤخذ منه جواز سؤال غير
المسلم، وكان بعض الصالحين إذا احتاج يسأل ذميًا لئلا
يعاقب المسلم بسببه لو رده قاله ابن أبي جمرة. وظاهر قوله:
ما يزال الرجل يسأل إلى آخره الوعيد لمن سأل سؤالاً
كثيرًا، والمؤلف فهم أنه وعيد لمن سأل تكثرًا، والفرق
بينهما ظاهر فقد يسأل الرجل دائمًا وليس متكثرًا لدوام
افتقاره واحتياجه، لكن القواعد تبين أن المتوعد هو السائل
عن غنى وكثرة لأن سؤال الحاجة مباح وربما ارتفع عن هذه
الدرجة، وعلى هذا أنزل البخاري الحديث قاله في المصابيح
وسبقه إليه ابن المنير في الحاشية.
1475 - وَقَالَ "إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ.
فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ
بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-". وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنِي
اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ
«فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى
يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ. فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ
اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ
كُلُّهُمْ».
وَقَالَ مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ النُّعْمَانِ
بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي
الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْأَلَةِ. [الحديث 1475 - طرفه في:
4718].
(وقال) عليه الصلاة والسلام (إن الشمس تدنو) أي تقرب (يوم
القيامة) فيسخن الناس من دنوها فيعرقون (حتى يبلغ العرق
نصف الأذن).
فإن قلت: ما وجه اتصال قوله إن الشمس الخ بما سبق؟ أجيب:
بأن الشمس إذا دنت يكون أذاها لمن لا لحم له في وجهه أكثر
وأشد من غيره.
(فبينا هم كذلك) أصله بين فزيدت الألف بإشباع فتحة النون
وهو ظرف بمعنى المفاجأة ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى وهو
هنا قوله: (استغاثوا بآدم ثم) استغاثوا (بموسى، ثم)
استغاثوا (بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
فيه اختصار إذ يستغاث أيضًا بغير من ذكر من الأنبياء كما
لا يخفى.
(وزاد عبد الله) بن صالح كاتب الليث، أو عبد الله بن وهب
فيما ذكره ابن شاهين فيما وصله البزار والطبراني في الأوسط
وابن منده في الإيمان له: (حدّثني) بالإفراد (الليث) ابن
سعد (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (ابن أبي جعفر) عبيد
الله بتصغير عبد (فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ
بحلقة الباب) بسكون لام حلقة والمراد حلقة باب الجنة،
(فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا) هو مقام الشفاعة
العظمى (يحمده أهل الجمع) أي أهل المحشر (كلهم).
وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي.
(وقال معلى) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام
منوّنًا عند أبي ذر بن أسد مما وصله البيهقي: (حدّثنا
وهيب) تصغير وهب (عن النعمان بن راشد عن عبد الله بن مسلم
أخي) محمد بن
مسلم بن شهاب (الزهري عن حمزة) بن عبد الله بن عمر أنه
(سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسألة) أي في الجزء الأول من
الحديث دون الزيادة وآخره: مزعة لحم.
53 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ يَسْأَلُونَ
النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] وَكَمِ الْغِنَى،
وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَلاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ» {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ
أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} -إِلَى قَوُلِهِ-
{فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273].
(باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة:
273] أي إلحاحًا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه من قولهم
لحفني من فضل لحافه أي أعطاني من فضل ما عنده، ومعناه أنهم
لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا، وقيل: هو نفي
للسؤال والإلحاح كقوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره
فمراده لا منار ولا اهتداء به ولا ريب أن نفي السؤال
والإلحاح
(3/63)
أدخل في التعفف (وكم الغنى)، أي مقداره
المانع للرجل من السؤال، وليس في الباب ما فيه تصريح
بالقدر إما لكونه لم يجد ما هو على شرطه أو اكتفاء بما
يستفاد من قوله في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى، ولا
يجد أي الرجل غنى يغنيه.
وعن سهل ابن الحنظلية مرفوعًا: من سأل وعنده ما يغنيه
فإنما يستكثر من النار. قال النفيلي أحد رواته، قالوا: وما
الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه
ويعشيه رواه أبو داود وعند ابن خزيمة أن يكون له شبع يوم
وليلة أو ليلة ويوم. قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل
حديث سهل، فقيل: من وجد غداء يومه وعشاءه لم تحل له
المسألة على ظاهر الحديث، وقيل: إنما هو فيمن وجد غداء
وعشاء على دائم الأوقات فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته
المدة الطويلة حرمت عليه المسألة. وقيل: إنه منسوخ
بالأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهمًا أو
قيمتها، أو بملك أوقية أو قيمتها. وعورض بأن ادعاء النسخ
مشترك بينهما لعدم العلم بسبق أحدهما على الآخر.
(وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر قول
أي في حديث أبي هريرة الآتي في هذا الباب إن شاء الله
تعالى (ولا يجد) أي الرجل (غنى يغنيه) بكسر غين غنى والقصر
ضد الفقر زاد أبو ذر: لقول الله تعالى: ({للفقراء}) متعلق
بمحذوف أي اعمدوا للفقراء أو اجعلوا ما تنفقون للفقراء أو
صدقاتكم للفقراء ({الذين أحصروا في سبيل الله}) أحصرهم
الجهاد {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ}
[البقرة: 273] أي ذهابًا فيها للتجارة والكسب، وقيل: هم
أهل الصفة كانوا نحوًا من أربعمائة من فقراء المهاجرين
يسكنون صفة المسجد يستغرقون أوقاتهم في التعلم والعبادة،
وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووصفهم
بعدم استطاعة الضرب في الأرض يدل على عدم الغنى، إذ من
استطاع ضربًا فيها فهو واجد لنوع من الغنى. (إلى قوله:
{فإن الله به عليم}) ترغيب في الإنفاق خصوصًا على هؤلاء.
وسقط قوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} في
غير رواية أبي ذر.
1476 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ
الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأُكْلَةُ
وَالأُكْلَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ
لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لاَ يَسْأَلُ النَّاسَ
إِلْحَافًا». [الحديث 1476 - طرفاه في: 1479، 4539].
وبالسند قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي
البصري الأنماطي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:
أخبرني) بالإفراد (محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة -رضي
الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(ليس المسكين) بكسر الميم وقد تفتح أي الكامل في المسكنة
(الذي ترده الأكلة والأكلتان)، عند طوافه على الناس للسؤال
لأنه قادر على تحصيل قوته. وربما يقع له زيادة عليه، وليس
المراد نفي المسكنة عن الطواف بل نفي كمالها لأنهم أجمعوا
على أن السائل الطوّاف المحتاج مسكين وهمزة الأكلة
والأكلتان مضمومة أي اللقمة واللقمتان كما صرح به في
الرواية الأخرى تقول: أكلت أكلة واحدة أي لقمة وأما بالفتح
فالأكل مرة واحدة حتى يشبع (ولكن المسكين) الكامل بتخفيف
نون لكن، فالمسكين مرفوع وبتشديدها فالمسكين منصوب
والأخيرة لأبي ذر (الذي ليس له غنى) بكسر الغين مقصور أي
يسار، وزاد الأعرج يغنيه وهي صفة له وهو قدر زائد على
اليسار إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث
لا يحتاج إلى شيء آخر، واللفظ محتمل لأن يكون المراد نفي
أصل اليسار ولأن يكون المراد نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه
مع وجود أصل اليسار وعلى الاحتمال الثاني
ففيه: إن المسكين هو الذي يقدر على مال أو كسب يقع موقعًا
من حاجته ولا يكفيه كثمانية من عشرة وهو حينئذ أحسن حالاً
من الفقير فإنه الذي لا مال له أصلاً أو يملك ما لا يقع
موقعًا من كفايته كثلاثة من عشرة واحتجوا بقوله تعالى:
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79]
فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة لكنها لا تقوم بجميع حاجتهم
(ويستحيي)، بياءين أو بياء واحدة زاد همام أن يسأل الناس،
وزاد الأعرج ولا يفطن له (أو لا يسأل الناس إلحافًا) نصب
على الحال أي ملحفًا أو صفة مصدر محذوف أي سؤال الإلحاف أو
عامله محذوف أي ولا يلحف إلحافًا.
1477 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ
الْحَذَّاءُ عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ
حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:
"كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
أَنِ اكْتُبْ
إِلَىَّ بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ،
وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ".
وبه قال: (حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم)
(3/64)
الدورقي قال: (حدّثنا إسماعيل بن علية) هو
إسماعيل بن إبراهيم وعلية بضم العين وفتح اللام وتشديد
المثناة التحتية اسم أمه قال: (حدّثنا خالد الحذاء) بفتح
الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة ممدود البصري (عن ابن
أشوع) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الواو آخره
عين مهملة غير منصرف، واسمه سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني
قاضي الكوفة ونسب لجده وثقه ابن معين والنسائي والعجلي
وإسحاق بن راهويه، ورماه الجوزجاني بالتشيع لكن احتج به
الشيخان والترمذي. له عنده حديثان أحدهما متابعة، ولأبي ذر
عن الكشميهني: ابن الأشوع (عن الشعبي) بفتح المعجمة عامر
بن شراحيل (قال: حدَّثني) بالإفراد (كاتب المغيرة بن شعبة)
ومولاه وراد بفتح الواو وتشديد الراء بالدال المهملة آخره
(قال: كتب معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- (إلى
المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (أن اكتب إلي بشيء سمعته
من رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: من النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه سمعت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن الله كره لكم ثلاثًا قيل وقال) يجوز أن يكونا ماضيين
وأن يكونا مصدرين وكتبا بغير ألف على لغة ربيعة، والمراد
المقاولة بلا ضرورة وقصد ثواب فإنها تقسي القلوب، أو
المراد ذكر الأقوال الواقعة في الدين كأن يقول قال الحكماء
كذا. وقال أهل السنة: كذا من غير بيان ما هو الأقوى ويقلد
من سمعه من غير أن يحتاط. وقال في المحكم: القول في الخير
والقيل والقال في الشر خاصة. وقال في المصابيح: قيل وما
بعدها بدل من ثلاثًا.
فإن قلت: كره لا يتسلط على قيل وقال ضرورة أن كلاًّ منهما
فعل ماض فلا يصح وقوعه: مفعولاً به، فكيف صح البدل بالنسبة
إليهما؟ قلت: لا نسلم أن واحدًا منهما فعل بل كل منهما اسم
مسماه الفعل الذي هو قيل أو قال، وإنما فتح آخره على
الحكاية وذلك مثل قولك: ضرب فعل ماض ولهذا أخبر عنه
والإخبار عنه باعتبار مسماه وهو ضرب الذي يدل على الحدث
والزمان، وغاية الأمر أن هذا لفظ مسماه لفظ ولا نكير فيه
كأسماء السور حروف المعجم قال: وقول ابن مالك إن الإسناد
اللفظي يكون في الكلم الثلاث، والذي يختص به الاسم هو
الإسناد المعنوي ضعيف اهـ.
(و) كره الله لكم (إضاعة المال) بإنفاقه في المعاصي
والإسراف فيه كدفعه لغير رشيد أو تركه من غير حافظ أو
يتركه حتى يفسد أو يموّه أوانيه بالذهب أو يذهب سقف بيته
أو غير ذلك. وللحموي والمستملي: وإضاعة الأموال (وكثرة
السؤال) للناس في أخذ أموالهم صدقة لهذا موضع الترجمة،
ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات التي تعبدنا
بظاهرها أو عما لا حاجة للسائل به لكن حمله على المعنى
الأعم أولى.
1478 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
"أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ
فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ رَجُلاً لَمْ يُعْطِهِ -وَهُوَ
أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ- فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَارَرْتُهُ
فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي
لأُرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. قَالَ
فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ،
وَاللَّهِ إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ: أَوْ
مُسْلِمًا. قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا
أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ
عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا.
قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. يَعْنِي فَقَالَ إِنِّي لأُعْطِي
الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ خَشْيَةَ
أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ". وَعَنْ
أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ
أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ هَذَا فَقَالَ
فِي حَدِيثِهِ "فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي
وَكَتِفِي ثُمَّ قَالَ: أَقْبِلْ أَىْ سَعْدُ، إِنِّي
لأُعْطِي الرَّجُلَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
{فَكُبْكِبُوا}: قُلِبُوا. {مُكِبًّا}: أَكَبَّ الرَّجُلُ
إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ،
فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قُلْتَ: كَبَّهُ اللَّهُ
لِوَجْهِهِ، وَكَبَبْتُهُ أَنَا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن غرير) بضم الغين المعجمة وفتح
الراء الأولى مصغرًا ابن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف القرشي المدني (الزهري) قال: (حدّثنا يعقوب بن
إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد (عن صالح بن كيسان) بفتح
الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني)
بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي
وقاص -رضي الله عنه- (قال: أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رهطًا) هو دون العشرة من الرجال ليس
فيهم امرأة وحذف مفعول أعطى الثاني ليعم (وأنا جالس فيهم)،
في الرهط والجملة حالية (قال: فترك رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم) أي من الرهط ولأبي ذر
فيهم (رجلاً) هو جعيل بن سراقة فيما ذكره الواقدي الضمري
أو الغفاري أو الثعلبي فيما ذكره أبو موسى.
وروى ابن إسحاق في مغازيه عن محمد بن إبراهيم التيمي قال
قيل يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة
مائة. وتركت جعيلاً. قال: والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة
خير من طلائع الأرض مثل عيينة والأقرع ولكني أتألفهما وأكل
جعيلاً إلى إيمانه. وهذا مرسل حسن لكن له شاهد
(3/65)
موصول.
روى الروياني وابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق بكر بن
سوادة عن أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر: أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: كيف ترى
جعيلاً؟ قلت: مسكينًا كشكله من الناس. قال: وكيف ترى
فلانًا؟ قلت سيدًا من السادات. قال: فجعيل خير من ملء
الأرض مثل هذا. قال: قلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به
ما تصنع؟ قال: إنه رأس قومه فأتألفهم. وإسناده صحيح،
وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي ذر، لكن لم يسم جعيلاً.
وأخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد فأبهم جعيلاً وأبا ذر؛
قاله في الإصابة.
(لم يعطه وهو أعجبهم) أي أفضل الرهط وأصلحهم (إلي) أي في
اعتقادي. قال في المصابيح: أضاف أفعل التفضيل إلى ضمير
الرهط المعطين وأوقعه على الرجل الذي لم يعط وأفعل التفضيل
إذا قصدت به الزيادة على من أضيف إليه كما قاله ابن الحاجب
اشترط أن يكون منهم، وقد بينا أنه ليس من الرهط ضرورة كونه
لم يعط فيمتنع كما يمتنع يوسف أحسن إخوته مع إرادة هذا
المعنى والمخلص من ذلك أعجب الرهط الحاضرين الذين منهم
المعطى والمتروك.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المقصود بأفعل التفضيل زيادة
مطلقة والإضافة للتخصيص والتوضيح فينتفي المحذور فيجوز
التركيب كما أجازوا يوسف أحسن إخوته بهذا الاعتبار. قلت:
المراد بالزيادة المطلقة أن يقصد تفضيله على كل ما سواه
مطلقًا لا على المضاف إليه وحده وظاهر أن هذا المعنى غير
مراد هنا انتهى.
قال سعد: (فقمت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فساررته فقلت: ما لك عن فلان) أي أي شيء حصل لك
أعرضت به عن فلان فلا تعطيه (والله إني لأراه مؤمنًا) بضم
الهمزة أي لأظنه وفي غير الفرع بفتح الهمزة أي أعلمه. قال
النووي: ولا يضم على معنى أظنه لأنه قال: غلبني ما أعلم
ولأنه راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
مرارًا فلو لم يكن جازمًا لما كرر المراجعة وتعقب بأن ما
أعلم معناه ما أظن كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ
مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] والمراجعة لا تدل على الجزم
لأن الظن يلزم اتباعه اتفافًا وحلف على غلبة ظنه. (قال)
عليه الصلاة والسلام: (أو مسلمًا) بإسكان الواو على
الإضراب عن قوله والحكم بالظاهر كأنه قال: بل مسلمًا ولا
تقطع بإيمانه فإن الباطن لا يطلع عليه إلا الله فالأولى أن
يعبر بالإسلام وليس حكمًا بعدم إيمانه بل نهي عن الحكم
بالقطع به. (قال) سعد: (فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم غلبني ما
أعلم فيه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان والله إني
لأراه) أظنه (مؤمنًا قال) عليه الصلاة والسلام: (أو
مسلمًا) كذا لأبي ذر في حاشية الفرع وفيه: والله إني لأراه
مؤمنًا أو قال مسلمًا. (قال: فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم
غلبني ما أعلم فيه) ولأبي ذر: منه بالميم والنون بدل الفاء
والياء (فقلت يا رسول الله: ما لك عن فلان والله إني
لأراه) أظنه (مؤمنًا. قال) عليه الصلاة والسلام: (أو
مسلمًا) كذا لأبي ذر في حاشية الفرع وفيه: والله إني لأراه
مؤمنًا أو قال مسلمًا (يعني فقال) وهاتان الكلمتان ساقطتان
عند أبي ذر (إني لأعطي الرجل) مفعوله الثاني محذوف أي
الشيء (وغيره أحب إلي منه) مبتدأ وخبره في موضع الحال
(خشية) نصب مفعول له لقوله لأعطي أي لأجل خشية (أن يكب)
بضم أوّله وفتح الكاف (في النار على وجهه).
وهذا الحديث سبق في باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة
من كتب الإيمان (وعن أبيه) عطفًا على السابق أي قال يعقوب
بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم (عن صالح) هو ابن كيسان (عن
إسماعيل بن محمد أنه قال: سمعت أبي) محمد بن سعد بن أبي
وقاص (يحدث هذا) الحديث، ولأبي ذر: بهذا فهو مرسل لأنه لم
يذكر سعدًا، لكن قال الكرماني إن الإشارة في قوله هذا إلى
قول سعد فهو متصل (فقال: في) جملة (حديثه فضرب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده فجمع بين عنقي
وكتفي) فجمع بالفاء
والفعل الماضي كذا في اليونينية، وفي بعض الأصول بجمع
بالباء الجارة وضم الجيم وسكون الميم أي ضرب بيده حال
كونها مجموعة وبين اسم لا ظرف. كقوله تعالى:
(3/66)
{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام:
94] على قراءة الرفع.
(ثم قال:) عليه الصلاة والسلام (أقبل) بكسر الموحدة فعل
أمر من الإقبال، ولأبي ذر والأصيلى أقبل بفتح الموحدة فعل
أمر من القبول فهمزته همزة وصل تكسر في الابتداء كأنه لما
قال له ذلك تولى ليذهب فأمره بالإقبال ليبين له وجه
الإعطاء والمنع (أي سعد) منادى مفرد مبني على الضم وأي
نداء (إني لأعطي الرجل) الحديث (قال أبو عبد الله:)
البخاري جريًا على عادته في إيراد تفسير اللفظة الغريبة
إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن ({فكبكبوا}) في سورة
الشعراء أي (قلبوا) بضم القاف وكسر اللام وضم الموحدة،
ولأبي ذر: فكبوا بضم الكاف من الكب وهو الإلقاء على الوجه،
وقوله تعالى في سورة الملك ({مكبًّا}) بكسر الكاف لأبي ذر
يقال: (أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد) أي
لازمًا (فإذا وقع الفعل) أي إذا كان متعديًا (قلت: كبه
الله لوجهه، وكببته أنا) يريد أن أكب لازم وكب متعد وهو
غريب أن يكون القاصر بالهمزة والمتعدي بحذفها.
1479 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ
تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ
وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ
يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ
فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ
النَّاسَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس
المدني ابن أخت الإمام مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك)
الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد
الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ليس المسكين) الكامل (الذي يطوف على الناس) ليسألهم صدقة
عليه (ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان) بالمثناة
الفوقية فيهما (ولكن المسكين) الكامل في المسكنة (الذي لا
يجد غنى يغنيه) أي شيئًا يقع موقعًا من حاجته (ولا يفطن
به) بضم الياء وفتح الطاء أي لا يعلم بحاله، ولأبي ذر: له
باللام بدل الموحدة (فيتصدق عليه) بضم الياء مبنيًّا
للمفعول (ولا يقوم فيسأل الناس) برفع المضارع الواقع بعد
الفاء في الموضعين عطفًا على المنفي المرفوع فينسحب النفي
عليه. أي: لا يفطن له فلا يتصدق عليه ولا يقوم فلا يسأل
الناس وبالنصب فيهما بأن مضمرة وجوبًا لوقوعه في جواب
النفي بعد الفاء وقد يستدل بقوله: ولا يقوم فيسأل الناس
على أحد محملي قوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ
إِلْحَافًا} [البقرة: 273] أن معناه نفي السؤال أصلاً، وقد
يقال لفظة يقوم تدل على التأكيد في السؤال فليس فيه نفي
أصل السؤال والتأكيد هو الإلحاف.
1480 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ
أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ -أَحْسِبُهُ قَالَ
إِلَى الْجَبَلِ- فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ
وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ
أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ ابْنَ
عُمَرَ.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين آخره
مثلثة قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان
بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو-) يذهب قال أبو هريرة:
(أحسبه) أي أظنه (قال إلى الجبل) - موضع الحطب (فيحتطب
فيبيع فيأكل ويتصدق) بواو العطف ليدل على أنه يجمع بين
البيع والصدقة وبالفاء في الأولين لأن الاحتطاب يكون عقب
الغدو إلى الجبل، والبيع يكون عقب الاحتطاب (خير له من أن
يسأل الناس) أعطوه أو منعوه وفيه الاكتساب بالمباحات
كالحطب والحشيش النابتين في موات.
(قال: أبو عبد الله) البخاري (صالح بن كيسان أكبر) سنًا
(من الزهري وهو قد أدرك ابن عمر) بن الخطاب يعني أدرك
السماع منه، وأما الزهري فاختلف في لقيه له، والصحيح أنه
لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه، وعند أبي ذر: تقديم
قال أبو عبد الله الخ. على قوله حدثنا إسماعيل.
54 - باب خَرْصِ التَّمْرِ
(باب) مشروعية (خرص التمر) بالمثناة وسكون الميم ولأبي ذر
الثمر بالمثلثة وفتح الميم، والخرص بفتح الخاء المعجمة وقد
تكسر وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو حزر ما على النخل من
الرطب تمرًا ليحصى على مالكه ويعرف مقدار عشره فيثبت على
مالكه ويخلى بينه وبين التمر، فإذا جاء وقت الجداد أخذ
العشر والخرص سنة عند الشافعية. وفي قول جزم به الماوردي
أنه واجب وأنكره الحنفية. وفائدة الخرص التوسعة على أرباب
الثمار في التناول منها وإيثار الأهل والجيران والفقراء
لأن في منعهم منها تضييقًا
(3/67)
لا يخفى وخرج بالتمر الحب لاستتاره ولأنه
يؤكل غالبًا رطبًا بخلاف التمر.
1481 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ
السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:
"غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ
الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَصْحَابِهِ: اخْرُصُوا، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةَ أَوْسُقٍ،
فَقَالَ لَهَا: أَحْصِي مَا
يَخْرُجُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ:
أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ،
فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ
فَلْيَعْقِلْهُ. فَعَقَلْنَاهَا، وَهَبَّتْ رِيحٌ
شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّئٍ.
وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ
بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ. فَلَمَّا أَتَى
وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ: كَمْ جَاءَ
حَدِيقَتُكِ؟ قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي
مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ
أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ. فَلَمَّا -قَالَ
ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا- أَشْرَفَ عَلَى
الْمَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ. فَلَمَّا رَأَى
أُحُدًا قَالَ: هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ.
أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ قَالُوا:
بَلَى. قَالَ: دُورُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي
عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ أَوْ
دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَفِي كُلِّ
دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِي - خَيْرًا". [الحديث 1481 -
أطرافه في: 1872، 3161، 3791، 4422].
وبالسند قال: (حدّثنا سهل بن بكار) بفتح الموحدة وتشديد
الكاف أبو بشر الدارمي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو
مصغرًا ابن خالد (عن عمرو بن يحيى) بسكون الميم المازني
(عن عباس) بتشديد الموحدة آخره سين مهملة ابن سهل (الساعدي
عن أبي حميد) المنذر أو عبد الرحمن (الساعدي) -رضي الله
عنه- (قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- غزوة تبوك) غير منصرف وكانت في رجب سنة تسع،
(فلما جاء وادي القرى) بضم القاف مدينة قديمة بين المدينة
والشام (إذا امرأة) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمها (في
حديقة لها)، مبتدأ وخبر، قال ابن مالك في التوضيح: لا
يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق بل إذا لم تحصل
فائدة نحو: رجل يتكلم إذ لا تخلو الدنيا من رجل متكلم، فلو
اقترن بالنكرة قرينة تحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها
ومن تلك القرائن الاعتماد على إذا الفجائية نحو: انطلقت
فإذا سبع في الطريق والحديقة بفتح الحاء المهملة والقاف.
قال ابن سيده: هي من الرياض كل أرض استدارت وقيل البستان
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
لأصحابه):
(اخرصوا) بضم الراء. زاد سليمان بن بلال عند مسلم فخرصنا.
قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم من خرص منهم، (وخرص
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة أوسق
فقال لها: أحصي) بفتح الهمزة من الإحصاء وهو العد احفظي
قدر (ما يخرج منها) كيلاً (فلما أتينا تبوك قال) عليه
الصلاة والسلام: (أما) بتخفيف الميم (إنها) بكسر الهمزة إن
جعلت أما بمعنى حقًا وبفتحها إن جعلت استفتاحية (ستهب
الليلة) زاد سليمان: عليكم (ريح شديدة فلا يقومن أحد)،
منكم (ومن كان معه بعير فليعقله) أي يشده بالعقال وهو
الحبل (فعقلناها) ولغير أبي ذر: ففعلنا من الفعل (وهبت ريح
شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيئ). بتشديد الياء بعدها
همزة، وفي رواية الكشميهني: جبلي بالتثنية واسم أحدهما أجأ
بفتح الهمزة والجيم ثم همزة على وزن فعل وقد لا يهمز فيكون
بوزن عصا واسم الآخر سلمى.
(وأهدى) يوحنا بضم المثناة التحتية وفتح الحاء المهملة
وتشديد النون ابن روبة واسم أمه
العلماء بفتح العين وسكون اللام وبالمدّ (ملك أيلة) بفتح
الهمزة وسكون المثناة التحتية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة
بساحل البحر (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بغلة بيضاء) واسمها كما جزم به النووي دلدل وقال: لكن ظاهر
اللفظ هنا أهداها للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك وكانت سنة تسع من الهجرة، وقد
كانت هذه البغلة عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قبل ذلك وحضر عليها غزوة حنين كما هو مشهور في
الحديث، وكانت حنين عقب فتح مكة سنة ثمان. قال القاضي: ولم
يرو أنه كان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة
غيرها فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك، وقد عطف
الإهداء على المجيء بالواو وهي لا تقتضي الترتيب انتهى
كلام النووي.
وتعقبه الجلال البلقيني بأن البغلة التي كان عليها يوم
حنين غير هذه، ففي مسلم أنه كان عليه الصلاة والسلام على
بغلة بيضاء أهداها له فروة الجذامي وهذا يدل على المغايرة.
قال وفيما قاله القاضي من التوحيد نظر فقد قيل: إنه كان له
من البغال دلدل وفضة والتي أهداها ابن العلماء والأيلية
وبغلة أهداها له كسرى وأخرى من دومة الجندل وأخرى من عند
النجاشي كذا في السيرة لمغلطاي قال: وقد وهم في تفريقه بين
بغلة ابن العلماء والأيلية فإن ابن العلماء هو صاحب أيلة،
ونقص ذكر البغلة التي أهداها له فروة الجذامي.
(وكساه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(بردًا) الضمير المنصوب عائد على ملك أيلة وهو المكسو،
(وكتب) عليه الصلاة والسلام (له) أي لملك أيلة (ببحرهم) أي
ببلدهم، والمراد أهل بحرهم لأنهم كانوا سكانًا بساحل
البحر، والمعنى أنه أقره عليهم بما التزمه من الجزية، ولفظ
الكتاب كما ذكره ابن إسحاق بعد البسملة هذه أمنة من الله،
ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة أساقفتهم
(3/68)
وسائرهم في البر والبحر لهم ذمة النبي ومن
كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم
حدثًا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وأنه طيب لمن أخذه من
الناس وأنه لا يحل أن يمنعوه ماء يردونه من برّ وبحر. وهذا
كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(فلما أتى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وادي
القرى) المدينة السابق ذكرها قريبًا (قال للمرأة) صاحبة
الحديقة المذكورة قبل: (كم جاءت) وفي نسخة: جاء بإسقاط تاء
التأنيث وجاء هنا بمعنى كان أي كم كان (حديقتك) أي ثمرها،
ولمسلم: فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها (قالت: عشرة
أوسق) بنصب عشرة على نزع الخافض أي بمقدار عشرة أوسق أو
على الحال. وتعقبه في المصابيح بأنه ليس المعنى على أن ثمر
الحديقة جاء في حال كونه عشرة أوسق بل لا معنى له أصلاً
انتهى.
(خرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مصدر
منصوب بدل من عشرة أو عطف بيان لها، ولأبي ذر: خرص بالرفع
خبر مبتدأ محذوف أي هي خرص ويجوز رفع عشرة، وخرص على تقدير
الحاصل عشرة أوسق وهي خرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا قاله الكرماني والبرماوي وابن حجر
والعيني والزركشي، وتعقبه الدماميني بأنه مناف لتقديره
أولاً جاءت بمقدار عشرة أوسق. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني متعجل إلى المدينة
فمن أراد منكم أن يتعجل) إليها (معي فليتعجل) وفي تعليق
سليمان بن بلال الآتي قريبًا الوصول عند أبي علي بن خزيمة
أقبلنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حتى إذا دنا من المدينة أخذ طرق غراب لأنها أقرب إلى
المدينة وترك الأخرى. قال في الفتح: ففيه بيان قوله إني
متعجل إلى المدينة أي إني سالك الطريق القريبة فمن أراد
فليأت معي يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش.
قال ابن بكار شيخ المؤلّف (فلما) بالفاء وتشديد الميم قال
المؤلّف: (قال ابن بكار كلمة) مقول ابن بكار، ولأبي ذر:
كلمة بالرفع خبره مبتدأ محذوف (معناها) ولأبي ذر: معناه
(أشرف على المدينة قال:) عليه الصلاة والسلام: (هذه طابة)
غير منصرفة (فلما رأى أُحدًا قال: جبيل) بضم الجيم وفتح
الموحدة مصغرًا، وللأربعة: جبل (يحبنا ونحبه) حقيقة ولا
ينكر وصف الجماد أنه يحب الرسول كما حنت الأسطوانة على
مفارقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمع
القوم حنينها حتى سكنها، وكما أخبر أن حجرًا كان يسلم عليه
قبل الوحي فلا ينكر أن يكون جبل أُحد وجميع أجزاء المدينة
تحبه وتحن إلى لقائه حال مفارقته إياها. وقال الخطابي:
أراد به أهل المدينة وسكانها كقوله تعالى: {واسأل القرية}
أي أهلها فيكون على حذف مضاف وأهل المدينة الأنصار، ثم قال
عليه السلام لمن كان معه من أصحابه: (ألا أخبركم بخير دور
الأنصار؟) ألا للتنبيه ودور جمع دار يريد بها القبائل
الذين يسكنون الدور وهي المحال. (قالوا: بلى) أخبرنا (قال)
عليه الصلاة والسلام: خيرهم (دور بني النجار)، بفتح النون
والجيم المشددة تيم بن ثعلبة وسمي بالنجار فيما قيل لأنه
اختتن بقدوم (ثم دور بني عبد الأشهل) بفتح الهمزة وسكون
الشين المعجمة وفتح الهاء بعدها لام (ثم دور بني ساعدة)
بكسر العين المهملة (أو دور بني الحارث بن الخزرج) بفتح
الخاء وسكون الزاي المعجمتين وفتح الراء بعدها جيم. (وفي
كل دور الأنصار يعني خيرًا) أي كأن لفظ خير محدوف من كلام
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مراد،
ولأبوي ذر والوقت: خير بالرفع.
1482 - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ حَدَّثَنِي
عَمْرٌو «ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ ثُمَّ بَنِي
سَاعِدَةَ».
وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ». قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ: كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهْوَ
حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ
يَقُلْ حَدِيقَةٌ.
(وقال سليمان بن بلال) القرشي التيمي (حدَّثني) بالإفراد
(عمرو) يعني ابن يحيى المازني بالسند المذكور وهو موصول في
فضائل الأنصار (ثم دار بني الحارث ثم) دار (بني ساعدة)
فقدم بني الحارث على بني ساعدة. (وقال سليمان) بن بلال
المذكور أيضًا مما وصله أبو علي بن خزيمة في فوائده: (عن
سعد بن سعيد) بسكون العين في الأول الأنصاري أخي يحيى بن
سعيد، (عن عمارة بن غزية) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي
وتشديد التحتية وعمارة بضم العين وتخفيف الميم المازني
الأنصاري
(3/69)
(عن عباس) بالموحدة آخره سين مهملة (عن
أبيه) سهل بن سعد وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة
(-رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(أُحد جبل يحبنا ونحبه) فخالف عمارة بن غزية عمرو بن يحيى
في إسناد الحديث فقال: عمرو عن عباس عن أبي حميد كما سبق
أولاً. وقال عمارة عن عباس عن أبيه فيحتمل كما قاله في
الفتح أن يسلك طريق الجمع بأن يكن عباس أخذ القدر المذكور
وهو أُحد جبل يحبنا ونحبه عن أبيه وعن أبي حميد معًا أو
حمُل الحديث عنهما معًا أو كله عن أبي حميد ومعظمه عن
أبيه، وكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، ولذلك كان
لا يجمعهما.
(وقال أبو عبد الله) أي البخاري وفي نسخة. وقال أبو عبيد
بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا وعليها شرح الحافظ ابن حجر
وقال كغيره: إنه القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب
الغريب مفسرًا لما سبق من قوله الحديقة (كل بستان عليه
حائط فهو حديقة وما لم يكن عليه حائط لم يقل) فيه (حديقة).
وقال في القاموس: الحديقة الروضة ذات الشجر أو القطعة من
النخل، وفي هذا الحديث مشروعية الخرص، واختلف هل يختص
بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطبًا
وجافًا، فقال بالأول شريح القاضي وبعض أهل الظاهر،
وبالثاني الجمهور وإلى الثالث نحا البخاري، وهل يكفي خارص
واحد أهل للشهادات عارف بالخرص أو لا بد من اثنين قولان
للشافعي والجمهور على الأول حديث أبي داود بإسناد حسن أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يبعث عبد الله بن
رواحة إلى خيبر خارصًا.
وفي حديث الباب التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في الحج والمغازي وفي فضل الأنصار ببعضه ومسلم في
فضل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحج وأبو
داود في الخراج.
55 - باب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ
وَبِالْمَاءِ الْجَارِي وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا
(باب) أخذ (العشر فيما يسقى من ماء السماء) وهو المطر
(وبالماء الجاري) كماء العيون والآبار، ولفظ سنن أبي داود:
فيما سقت السماء والأنهار والعيون، ولأبي ذر: والماء
بإسقاط الموحدة (ولم ير عمر بن عبد العزيز) رحمه الله (في
العسل شيئًا) من الزكاة وهذا وصله مالك في الموطأ عن عبد
الله بن أبي بكر بن حزم قال: جاء كتاب من عمر بن عبد
العزيز إلى أبي وهو بمنى: أن لا يأخذ من الخيل ولا من
العسل صدقة، وحديث إن في العسل العشر ضعفه الشافعي.
1483 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ
بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فِيمَا
سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا
الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ
لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ، يَعْنِي حَدِيثَ
ابْنِ عُمَرَ "وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ"
وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ. وَالزِّيَادَةُ
مَقْبُولَةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ
إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ، كَمَا رَوَى الْفَضْلُ
بْنُ عَبَّاسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ". وَقَالَ
بِلاَلٌ "قَدْ صَلَّى" فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ
قَوْلُ الْفَضْلِ.
وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم
بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي بالولاء قال: (حدّثنا
عبد الله بن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء القرشي المصري
(قال: أخبرني) بالإفراد (يونس بن يزيد) الأيلي (عن الزهري)
ولأبي ذر: عن ابن شهاب الزهري (عن سالم بن عبد الله عن
أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(فيما سقت السماء) من باب ذكر المحل وإرادة الحال أي المطر
(والعيون أو كان عثريًا) بفتح العين المهملة والمثلثة
المخففة وكسر الراء وتشديد التحتية ما يسقى بالسيل الجاري
في حفر وتسمى الحفرة عاثوراء لتعثر المار بها إذا لم
يعلمها قاله الأزهري، وهو المسمى بالبعلي في الرواية
الأخرى (العشر) مبتدأ خبره فيما سقت السماء أي العشر واجب
فيما سقت السماء (وما سقي بالنضح) بفتح النون وسكون
المعجمة بعدها مهملة ما سقي من الآبار بالغرب أو بالسانية
فواجبه (نصف العشر) والفرق ثقل المؤنة هنا وخفتها في
الأول، والناضح: اسم لما يسقى عليه من بعير أو بقرة
ونحوهما.
(قال: أبو عبد الله) أي البخاري (هذا) أي حديث الباب
(تفسير) الحديث (الأول) وهو حديث أبي سعيد السابق في باب:
ما أدي زكاته فليس بكنز، واللاحق لهذا الباب ولفظه: ليس
فيما دون خمسة أوسق صدقة (لأنه لم يوقت) بكسر القاف، ولأبي
ذر: يوقت بفتحها (في) الحديث (الأول) يريد لم يحدد بالعشر
أو نصفه وكان الأصل أن يقول لأنه لم يوقت فيه، لكنه عبّر
بالظاهر موضع المضمر (يعني) أي البخاري بقوله هذا (حديث
ابن عمر فيما سقت السماء العشر)
(3/70)
جملة معترضة من كلام الراوي بين قوله لأنه
لم يوقت في الأول وبين قوله: (وبين في هذا) أي في حديث ابن
عمر ما يجب فيه العشر أو نصفه، (ووقت) أي حدد به هذا ما
ظهر لي من شرح هذا القول، والذي مشى عليه الكرماني وغيره
من الشراح ممن علمته أن مراده أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث
ابن عمر والزيادة والتوقيت تعيين النصاب، وفي هذا نظر لا
يخفى لأنه يصير المعنى.
قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول يعني حديث أبي سعيد
السابق لأنه لم يوقت في الأول الذي هو حديث أبي سعيد وهو
خلاف المدعى فليتأمل. نعم، حديث ابن عمر هذا بعمومه ظاهر
في عدم اشتراط النصاب، فحديث أبي سعيد مقيد لإطلاقه، كما
أن حديث ابن عمر مقيد لإطلاق حديث أبي سعيد فكل منهما مفسر
للآخر بما فيه من الزيادة (والزيادة) من الثقة (مقبولة،
والمفسر) بفتح السين (يقضي على المبهم) بفتح الهاء أي
الخاص يقضي على العام بالتخصيص لأن قوله: ليس فيما دون
خمسة أوسق صدقة يشمل ما يسقى بمؤنة وغير مؤنة. وقوله فيما
سقت السماء خاص (إذا رواه
أهل الثبت) بسكون الموحدة في فرع اليونينية. وقال الحافظ
ابن حجر كالكرماني وغيره بفتحها وإذا رواه متعلق بقوله
مقبولة. وقال التيمي والإسماعيلي: إن هذا القول في نسخة
الفربري إنما هو عقب حديث أبي سعيد في الباب التالي لهذا
الباب وإن وقوعه هنا غلط من الناسخ، ويشكل عليه ثبوته في
الأصول المعتمدة في كل من البابين عقب حديث ابن عمر، وفي
رواية عن أبي ذر وابن عساكر عقب حديث أبي سعيد: وإن اختلف
بعض اللفظ فيهما على أن نسبة الغلط للناسخ إنما تتأتى على
تقدير إرادة المؤلّف أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث ابن عمر،
وقد مرّ ما في ذلك. أما على ما ذكرته من أن حديث الباب
مفسر لحديث أبي سعيد فلا، وحينئذٍ فالمصير إلى ما ذكرته
أولى من العكس على ما لا يخفى، وفي رواية غير أبي ذر قال
أبو عبد الله هذا الأول لأنه لم يوقت في الأول فأسقط لفظ
تفسير، لكن في اليونينية ضبب على لفظة الأول الأولى وكتب
في الهامش صوابه أولى أو المفسر للأولى بفتح الهمزة وسكون
الواو من الأولوية والمفسر بكسر السين. قلت: ومعناه حديث
الباب أولى من حديث أبي سعيد السابق لما فيه من زيادة
التمييز بين ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة أو هو المفسر لحديث
أبي سعيد حيث بين فيه كما مرّ، وهو يؤيد ما شرحته فليتأمل.
(كما روى الفضل بن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله أحمد
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل في
الكعبة) يوم فتح مكة. (وقال بلال) المؤذن فيما وصله
المؤلّف في الحج (قد صلّى) فيها يومئذٍ (فأخذ بقول بلال)
بضم الهمزة مبنيًا للمفعول لما معه من الزيادة (وترك قول
الفضل) بضم تاء ترك مبنيًا للمفعول كأخذ وليس قول بلال
منافيًا لقول الفضل لم يصل بل مراده أنه لم يره لاشتغاله
بالدعاء ونحوه في ناحية من نواحي البيت غير التي صلّى فيها
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
56 - باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (ليس فيما دون خمسة أوسق) من المقتات
في حال الاختيار وهو من الثمار الرطب والعنب ومن الحب
الحنطة والشعير والسلت والأرز والعدس والحمص والباقلاء
والدخن والذرة واللوبيا والماش والجلبان ونحوها (صدقة)
والوسق ستون صاعًا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث
بالبغدادي، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي
والأصح اعتبار الكيل لا الوزن إذا اختلفا، وإنما قدّر
بالوزن استظهارًا. قال القمولي: وقدر النصاب بأردب مصر ستة
أرادب وربع بجعل القدحين صاعًا كزكاة الفطر وكفارة اليمين.
وقال السبكي: خمسة أرادب ونصف وثلث فقد اعتبرت القدح
المصري بالمد الذي حررته فوسع مدّين وسبعًا تقريبًا،
فالصاع قدحان إلا سبعي مد وكل خمسة عشر مدًا سبعة أقداح
وكل خمسة عشر صاعًا ويبة ونصف وربع فثلاثون صاعًا ثلاث
ويبات ونصف وثلاثمائة صاع خمسة وثلاثون ويبة وهي خمسة
أرادب ونصف وثلث، فالنصاب، على قوله خمسمائة وستون قدحًا
وعلى قول القمولي ستمائة.
1484 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى
حَدَّثَنَا مَالِكٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ،
وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الإِبِلِ الذَّوْدِ
صَدَقَةٌ، وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ
الْوَرِقِ صَدَقَةٌ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ
إِذَا قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
صَدَقَةٌ». وَيُؤْخَذُ أَبَدًا فِي الْعِلْمِ بِمَا زَادَ
أَهْلُ الثَّبَتِ أَوْ بَيَّنُوا.
وبالسند
(3/71)
قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال:
(حدّثنا يحيى) القطان قال: (حدّثنا مالك) الإمام (قال:
حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
صعصعة عن أبيه) عبد الله (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ليس فيما أقل) ما: زائدة وأقل مجرور بفي بالفتحة لأنه لا
ينصرف بدليل قوله بعد ولا في أقل، وقيده بعضهم فيما حكاه
في التنقيح بالرفع قال في اللامع والمصابيح واللفظ له
فتكون موصولة حذف صدر صلتها وهو المبتدأ الذي أقل خبره أي
فيما هو أقل وجاز الحذف هنا لطول صلة ذلك بمتعلق الخبر (من
خمسة أوسق صدقة) بفتح الهمزة وضم السين جمع وسق وتقدم
الكلام فيه (ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة ولا
في أقل من خمس أواق) بغير ياء كجوار، ولأبي ذر: خمسة أواقي
بتاء التأنيث في خمس وأواقي بالياء المشددة (من الورق) أي
الفضة (صدقة) أي زكاة.
(قال: أبو عبد الله): البخاري (هذا) الحديث (تفسير) حديث
ابن عمر (الأول) المذكور في الباب السابق (إذا) بألف بعد
الذال كذا في الفرع وأصله: والنسخة المقروءة على الميدومي
وجميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة إذا بألف بعد
المعجمة ولعلها سبق قلم، وإلا فالمراد إذ التعليلية ولا
وقفت على أن إذا ترد بمعنى إذ التعليلية بعد الفحص التام،
نعم يحتمل أن تكون ظرفية أي حين (قال) في حديث أبي سعيد
(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) لكونه لم يبين في حديث ابن
عمر قدر النصاب (ويؤخذ أبدًا في العلم بما زاد أهل الثبت
أو بينوا) وسقط من قوله: قال أبو عبد الله إلى آخر قوله:
أو بينوا في رواية أبي ذر وابن عساكر.
57 - باب أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ
النَّخْل وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ
الصَّدَقَةِ؟
(باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل) بكسر الصاد المهملة
أي الجذاذ والقطاف عند أوان إدراكه (و) باب (هل يترك
الصبي) بضم الياء من يترك مبنيًا للمفعول أي: هل يترك ولي
الصبي الصبي (فيمس تمر الصدقة)؟ بنصب فيمس جواب الاستفهام،
والذي في اليونينية فيمس بالرفع ولم يجزم بالحكم لاحتمال
أن يكون النهي خاصًّا بمن لا يحل له تناول الصدقة.
1485 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
الأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُؤْتَى بِالتَّمْرِ
عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ
وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ، حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا
مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -رضي الله
عنهما- يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ
أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، فَنَظَرَ
إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ فَقَالَ: أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لاَ يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ". [الحديث 1485 -
طرفاه في: 1491، 3072].
وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي) بفتح
السين المهملة المعروف بابن التل بفتح المثناة الفوقية
وتشديد اللام. قال النسائي وأبو حاتم صدوق ووثقه الدارقطني
وغيره، وقال ابن حبان: في حديثه إذا حدّث بعض المناكير،
وضعف يعقوب الفسوي أباه محمدًا وقال العقيلي لا يتابع،
وقال ابن عدي لم أر بحديثه بأسًا، لكن الذي رواه البخاري
عن عمر عن أبيه حديثان: أحدهما هذا وهو عنده بمتابعة شعبة
عن محمد بن زياد يعني في باب: ما يذكر في الصدقة للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والحديث الثاني في
المناقب عن حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن عائشة: ما غرت
على امرأة وهو عنده بمتابعة حميد بن عبد الرحمن والليث
وغيرهما عن هشام.
وروى له أبو داود والنسائي قال: (حدّثنا أبي) محمد بن
الحسن قال: (حدّثنا إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء وسكون
الهاء (عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفف الياء (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله يؤتى بالتمر عند
صرام النخل)، أي قطع التمر عنه (فيجيء هذا بتمره وهذا من
تمره)، من بيانية وعبر في الأولى بتمره بالموحدة. قال
الكرماني: لأن في الأول ذكر المجيء به، وفي الثاني المجيء
منه وهما متلازمان وإن تغايرًا مفهومًا (حتى يصير عنده
كوفًا من تمر) بفتح الكاف، ولأبي ذر: بضمها وسكون والواو
والنصب خبر يصير واسمها ضمير عائد إلى التمر أي حتى يصير
التمر عنده كوفًا وهو ما اجتمع كالعرمة، ولأبي ذر: كوم
بالرفع اسم يصير على أنها تامة فلا تحتاج إلى خبر، وقال في
المصابيح: الخبر عنده ومن في قوله من تمر للبيان (فجعل
الحسن والحسين) ابنا فاطمة (رضي الله عنهما) وعنها (يلعبان
بذلك التمر، فأخذ أحدهما) وهو الحسن بفتح الخاء (تمرة
فجعله) أي المأخوذ، وللكشميهني: فجعلها أي التمرة (في فيه
فنظر إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخرجها من
فيه، فقال) عليه الصلاة والسلام: (أما علمت) بهمزة
الاستفهام، وفي
(3/72)
بعض النسخ: ما علمت بحذفها. قال ابن مالك:
وقد كثر حذف الهمزة إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم
إلا بتقديرها، وذكر مثلاً قال في المصابيح: وقد وقع في
كلام سيبويه ما يقتضي أن حذفها من الضرائر وذلك أنه قال
وزعم الخليل أن قول الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خيالا
كقوله أنها لا بل أم شاء، ويجوز في الشعر أن يريد بكذبتك
الاستفهام وحذفت الألف هذا
كلامه. وقال ابن أم قاسم في الجنى الداني المختار اطراد
حذفها إذا كان بعدها أم المتصلة لكثرته نظمًا ونثرًا انتهى
(أن آل محمد) هم بنو هاشم وبنو المطلب عند الشافعي، وعند
أبي حنيفة ومالك بنو هاشم فقط، وقيل قريش كلها. زاد أبو
ذر: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يأكلون
الصدقة) بالتعريف، ولأبي ذر: صدقة وظاهره يعم الفرض
والنفل، لكن السياق يخصها بالفرض لأن الذي يحرم على آله
إنما هو الواجب. وفي الحديث: أن الطفل يجنب الحرام كالكبير
ويعرّف لأي شيء نهي عنه لينشأ على العلم فيأتي عليه وقت
التكليف وهو على علم من الشريعة.
58 - باب مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ
أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ
أَوِ الصَّدَقَةُ فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ
بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَقَوْلُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا» فَلَمْ
يَحْظُرِ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلاَحِ عَلَى أَحَدٍ،
وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ
لَمْ تَجِبْ
(باب من باع ثماره أو) باع (نخله) التي عليها الثمار (أو)
باع (أرضه) التي عليها الزرع (أو) باع (زرعه و) الحال أنه
(قد وجب فيه العشر أو الصدقة) أي الزكاة وهو تعميم بعد
تخصيص وفيه إشارة إلى الردّ على من جعل في الثمار العشر
مطلقًا من غير اعتبار نصاب (فأدّى الزكاة من غيره) أي من
غير ما ذكر (أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة) أي جاز بيعه
فيها، فجواب الشرط محذوف وإنما جوزوا ذلك لأنه إذا باع بعد
وجوب الزكاة فقد فعل أمرًا جائزًا فتعلقت الزكاة بذمته فله
أن يعطيها من غيره، (و) باب (قول النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): مما سيأتي إن شاء الله تعالى
موصولاً قريبًا: (لا تبيعوا الثمرة) بدون النخل (حتى يبدو)
يظهر (صلاحها) قال البخاري (فلم يحظر البيع) بالظاء
المعجمة أي لم يمنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- البيع (بعد) بدوّ (الصلاح على أحد، ولم يخص)
عليه الصلاة والسلام (من وجب عليه الزكاة ممن لم تجب) عليه
لعموم قوله: حتى يبدو صلاحها وهو وقت الزكاة ولم يقيد
الجواز بتزكيتها من عينها بل عمم وأطلق في سياق البيان
وهذا أحد القولين في هذه المسألة. والقول الثاني وهو مذهب
الشافعي لا يجوز لأنه باع ما يملك وما لا يملك وهو نصيب
المساكين فتفسد الصفقة، وهذا إذا لم يضمن الخارص المالك
التمر فلو ضمنه بصريح اللفظ كأن يقول: ضمنتك نصيب
المستحقين من الرطب بكذا تمرًا وقبل المالك ذلك التضمين
جاز له التصرف بالبيع والأكل وغيرهما، إذ بالتضمين انتقل
الحق إلى ذمته ولا يكفي الخرص بل لا بدّ من تصريح الخارص
بتضمين المالك، فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول لم
يمدّ تصرف المالك في الكل بل فيما عدا الواجب شائعًا لبقاء
حق المستحقين في العين ولا يجوز له أكل شيء منه.
1486 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قال سَمِعْتُ
ابْنَ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ
صَلاَحُهَا". وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَحِهَا قَالَ:
"حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ". [الحديث 1486 - أطرافه في:
2183، 2194، 2199، 2247، 2249].
وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن دينار قال:
سمعت ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) يقول (نهى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع الثمرة
حتى يبدو) بالواو من غير همز يظهر (صلاحها وكان) أي ابن
عمر كما في مسلم (إذا سئل عن صلاحها قال):
(حتى تذهب عاهته) أي آفته والتذكير باعتبار الثمر، ولأبي
ذر عن الكشميهني: عاهتها أي الثمرة أي فتصير على الصفة
المطلوبة كظهور النضج ومبادئ الحلاوة بأن يتلوّن ويلين أو
يتلون بحمرة أو صفرة أو سواد أو نحوه فإنه حينئذ يأمن من
العاهة وقبل ذلك ربما يتلف لضعفه فلم يبق شيء في مقابلة
الثمن فيكون من أكل أموال الناس بالباطل، لكن يخص من عموم
ذلك ما إذا شرط القطع فإنه جائز إجماعًا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع، وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة وهو من رباعيات البخاري.
1487 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ
حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا". [الحديث 1487 - أطرافه في:
2189، 2196، 2381].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثني)
بالإفراد (الليث) بن سعد
(3/73)
الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (خالد
بن يزيد) من الزيادة (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء
والموحدة آخره مهملة (عن جابر بن عبد الله -رضي الله
عنهما-) قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن بيع الثمار حتى يبدو) يظهر (صلاحها).
1488 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ
بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. قَالَ حَتَّى
تَحْمَارَّ". [الحديث 1488 - أطرافه في: 2195، 2197، 2198،
2208].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي (عن مالك) هو ابن
أنس الإمام (عن حميد) الطويل (عن أنس بن مالك -رضي الله
عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نهى عن بيع الثمار حتى تزهي) بضم أوله وكسر الهاء (قال:
حتى تحمار) بفتح المثناة الفوقية وسكون المهملة وبعد الميم
ألف ثم راء مشدّدة. قال في القاموس: زهى النخل طال كأزهى
والبسر تلوّن كأزهى وزهي. وقال غيره: زهي النخل ظهرت ثمرته
وأزهى احمر أو اصفر. وقال الأصمعي: لا يقال أزهى بل زهي.
وقال الجوهري: وأزهى لغة
حكاها أبو زيد ولم يعرفها الأصمعي. وقال ابن الأثير: منهم
من أنكر يزهى ومنهم من أنكر يزهو. وقال الكرماني: الحديث
الصحيح يبطل قول من أنكر الإزهاء وقوله تحمار أي أو تصفر
أو تسود فهو للتمثيل.
59 - باب هَلْ يَشْتَرِي صَدَقَتَهُ؟ وَلاَ بَأْسَ أَنْ
يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ غَيْرُهُ لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا نَهَى
الْمُتَصَدِّقَ خَاصَّةً عَنِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَنْهَ
غَيْرَهُ
هذا (باب) بالتنوين (هل يشتري) الرجل (صدقته) فيه خلاف
(ولا بأس أن يشتري صدقته غيره) ولأبي ذر: صدقة غيره (لأن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما نهى
المتصدق خاصة عن الشراء ولم ينه غيره) هذا يوضحه حديث
بريرة: هو لها صدقة ولنا هدية لأنه إذا كان هذا جائزًا مع
خلوّه من العوض فبالعوض أولى بالجواز.
1489 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ
يُحَدِّثُ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ
بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ،
فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْمَرَهُ
فَقَالَ: لاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ. فَبِذَلِكَ كَانَ
ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لاَ يَتْرُكُ أَنْ
يَبْتَاعَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِهِ إِلاَّ جَعَلَهُ
صَدَقَةً". [الحديث 1489 - أطرافه في: 2775، 2971، 3002].
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله
بن بكير المصري. قال ابن عدي: هو أثبت الناس في الليث،
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال مسلمة: تكلم في سماعه عن
مالك وضعفه النسائي مطلقًا. وقال البخاري في تاريخه الصغير
ما روى يحيى بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني
انتقيته، وهذا الحديث يدل على أنه ينتقي حديث شيوخه، ولهذا
ما أخرج له عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة. ومعظم
ما أخرج له عن الليث قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل)
بضم العين وفتح القاف مصغرًا هو ابن خالد (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري (عن سالم أن) أباه (عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما-، كان يحدث: (أن) أباه (عمر بن الخطاب
تصدق بفرس) أي حمل عليه رجلاً في الغزو، والمعنى أنه ملكه
له ليغزو عليه (في سبيل الله) وليس المراد أنه وقفه بدليل
قوله: (فوجده) أي أصابه حال كونه (يباع)، بضم الياء مبنيًا
للمفعول إذ لو وقفه لما صح أن يبتاعه (فأراد أن يشتريه):
بإثبات ضمير المفعول، ولأبي ذر عن الكشميهني: أن يشتري (ثم
أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأمره)
أي استشاره (فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(لا تعد) أي لا ترجع (في صدقتك) واقطع طمعك منها ولا ترغب
فيها (فبذلك) أي فبسبب ذلك (كان ابن عمر) عبد الله (-رضي
الله عنهما- لا يترك أن يبتاع شيئًا تصدّق به إلا جعله
صدقة) أي
إذا اتفق له أن يشتري شيئًا مما تصدق به لا يتركه في ملكه
حتى يتصدق به ثانيًا، فكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة
إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة.
وقال الكرماني وتبعه البرماوي والعيني: الترك بمعنى
التخلية وكلمة من مقدرة أي لا يخلو الشخص من أن يبتاعه في
حال الصدقة أو لغرض من أغراض الصدقة اهـ.
وهذه رواية أبي ذر كما قاله في فتح الباري وغيره، ولغير
أبي ذر: بحذف حرف النفي.
1490 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله
عنه- يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ
أَنْ أَشْتَرِيَهُ -وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ
بِرُخْصٍ- فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِ، وَلاَ تَعُدْ فِي
صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ
الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ".
[الحديث 1490 - أطرافه في: 2623، 2636، 2970، 3003].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك بن أنس) الإمام، وسقط لأبي ذر ابن أنس (عن زيد بن
أسلم) العدوي المدني (عن أبيه) أسلم المخضرم مولى عمر
المتوفى سنة ستين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة (قال: سمعت
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول حملت) رجلاً (على فرس
في سبيل الله)، أي جعلته حمولة من لم تكن له حمولة من
المجاهدين ملكه إياه، وكان اسم الفرس فيما ذكره ابن سعد في
الطبقات الورد وكان لتميم الداري فأهداه للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاه لعمر ولم يعرف الحافظ
ابن حجر اسم الرجل (فأضاعه) الرجل (الذي
(3/74)
كان عنده)، بترك القيام عليه بالخدمة
والعلف والسقي وإرساله للرعي حتى صار كالشيء الهالك،
(فأردت أن أشتريه فظننت) وفي نسخة: وظننت بالواو بدل
الفاء: (أنّه يبيعه برخص فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال):
(لا تشتر) بحذف ضمير المفعول، ولأبي ذر، وابن عساكر: لا
تشتره بإثباته، ولابن عساكر: لا تشتريه بإشباع كسرة الراء
والياء، وظاهر النهي التحريم لكن الجمهور على أنه للتنزيه
فيكره لمن تصدق بشيء أو أخرجه فى زكاة أو كفارة أو نذر أو
نحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه
أو يتملكه باختياره منه، فأما إذا ورثه منه كراهة فيه.
وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة.
وحكى الحافظ العراقي في شرح الترمذي كراهة شرائه من ثالث
انتقل إليه من المتصدق به عليه عن بعضهم لرجوعه فيما تركه
لله، كما حرم على المهاجرين سكنى مكة بعد هجرتهم منها لله
تعالى، وأشار عليه الصلاة والسلام إلى العلة في نهيه عن
الابتياع بقوله:
(ولا تعد في صدقتك) أي لا تعد في صدقتك بطريق الابتياع ولا
غيره فهو من عطف العام على الخاص (وإن أعطاكه بدرهم) متعلق
بقوله: لا تشتره أي لا ترغب فيه البتة ولا تنظر إلى رخصه
ولكن انظر إلى أنه صدقتك، وقد أورد ابن المنير هنا سؤالاً
وهو أن الاغياء في النهي عادته أن يكون بالأخف أو الأدنى.
كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]
ولا خفاء أن إعطاءه إياه بدرهم أقرب إلى الرجوع في الصدقة
مما إذا باعه بقيمته وكلام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الحجة في الفصاحة.
وأجاب: بأن المراد لا تغلب الدنيا على الآخرة وإن وفرها
معطيها فإذا زهد فيها وهي موفرة فلأن يزهد فيها وهي مقترة
أحرى وأولى وهذا على وفق القاعدة اهـ.
(فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه) الفاء للتعليل أي
كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره
إلى نفسه بوجه من الوجوه. وفي رواية للشيخين كالكلب يعود
في قيئه فشبه بأخس الحيوان في أخس أحواله تصويرًا للتهجين
وتنفيرًا منه. قال في المصابيح: وفي ذلك دليل على المنع من
الرجوع في الصدقة لما اشتمل عليه من التنفير التشديد من
حيث شبه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء والرجوع في
الصدقة برجوع الكلب في قيئه اهـ.
وجزم بعضهم بالحرمة قال: لا نعلم القيء إلا حرامًا والصحيح
أنه للتنزيه لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم إذ لا تكليف
عليه فالمراد التنفير من العود بتشبيهه بهذا المستقذر.
60 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب ما يذكر) من الحرمة (في الصدقة) مطلقًا الفرض
والتطوّع (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهل
تحريم الصدقة عليه من خصائصه دون الأنبياء أو الحكم شامل
لهم أيضًا؟ ولأبي ذر زيادة: وآله أي تحرم عليهم الصدقة
أيضًا لأنها مطهرة كما قال تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بها} [التوبة: 103] ولمسلم: إن هذه الصدقات
إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وآل
محمد منزهون عن أوساخ الناس وصيانة لمنصبه الشريف لأنها
تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه لقوله عليه الصلاة
والسلام: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وأبدل بها
الفيء الذي يؤخذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز
الآخذ وذل المأخوذ منه. وتعقب ابن المنير التعليل بأنها
مذلة بأن مقتضاه تحريم الهبة عليهم ولا قائل به ولأن
الواهب أيضًا له اليد العليا. وقد جاء في بعض الطرق: اليد
العليا هي المعطية ولم يقل المتصدقة فتدخل الهبات، والأصح
عند أصحابنا أن المحرم على الآل الفرض دون التطوّع لقول
جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة
والمدينة فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرّم علينا
الصدقة المفروضة. رواه الشافعي والبيهقي وهو الصحيح عند
الحنابلة، وبه قال الحنفية وأصبغ عن ابن القاسم في
العتبية.
1491 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه-
قَالَ: "أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما-
تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كِخٍ، كِخٍ، لِيَطْرَحَهَا. ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ
أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ"؟
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد) الجمحي مولاهم (قال:
سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه-، قال: أخذ الحسن بن علي
-رضي الله عنهما- تمرة من تمر الصدقة
(3/75)
فجعلها في فيه) زاد أبو مسلم الكجي فلم
يفطن له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى
قام ولعابه يسيل فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- شدقه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(كخ، كخ، ليطرحها). بفتح الكاف وكسرها وبسكون الخاء مثقلاً
ومخففًا وبكسرها منوّنة وغير منونة فهي ست لغات، ورواية
أبي ذر: كخ كخ بكسر الكاف وسكون الخاء مخففة. قال ابن مالك
في التسهيل: إنها من أسماء الأفعال وفي التحفة إنها من
أسماء الأصوات، وبه قطع ابن هشام في حواشيه على التسهيل،
وقيل: هي عربية، وقيل عجمية. وزعم الداودي أنها معربة،
وأوردها البخاري في باب: من تكلم بالفارسية في آخر الجهاد
والثانية تأكيد للأولى وهي كلمة تقال عند زجر الصبي عن
تناول شيء وعند التقذر من شيء. (ثم قال) عليه الصلاة
والسلام له: (أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة) لحرمتها علينا
لما ذكر.
61 - باب الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب الصدقة على موالي أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عتقائهن.
1492 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبِّاسٍ
-رضي الله عنهما- قَالَ: "وَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةً مَيِّتَةً
أُعْطِيَتْهَا مَوْلاَةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ،
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟ قَالُوا: إِنَّهَا
مَيْتَةٌ. قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا". [الحديث
1492 - أطرافه في: 2221، 5531، 5532].
وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة
وفتح الفاء قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن
يزيد (عن ابن شهاب) الزهري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد
الله بن عبد الله) بتصغير عبد الأول ابن عتبة بن مسعود أحد
الفقهاء السبعة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وجد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة ميتة
أعطيتها مولاة) لم تسم هذه المولاة وهمزة أعطيتها مضمومة
مبنيًّا لما لم يسم فاعله ومولاة رفع نائب عن الفاعل أي
عتيقة (لميمونة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (من الصدقة)،
متعلق بأعطيت أو صفة لشاة، وهذا موضع الترجمة لأن مولاة
ميمونة أعطيت صدقة فلم ينكر عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فدلّ على أن موالي أزواجه عليه
الصلاة والسلام تحل لهم الصدقة كهن لأنهن لسن من جملة
الآل. ونقل ابن بطال الاتفاق عليه لكن فيه نظر فقد روى
الخلال فيما ذكره ابن قدامة من طريق ابن
أبي مليكة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إنّا آل محمد لا
تحل لنا الصدقة. قال ابن قدامة: وهذا يدل على تحريمها
وإسناده حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة نعم هي حرام على مواليه
صلوات الله وسلامه عليه وموالي آله وهم بنو هاشم وبنو
المطلب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما سئل
عن ذلك قال: إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم من
أنفسهم. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وإنما لم يترجم
المؤلّف لأزواجه لأنه لم يثبت عنده في ذلك شيء (قال) ولأبي
ذر: فقال؟ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هلا انتفعتم بجلدها؟ قالوا: إنها ميتة قال: إنما حرم
أكلها) أي اللحم حرام لا الجلد.
1493 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ
تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، وَأَرَادَ مَوَالِيهَا
أَنْ يَشْتَرِطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اشْتَرِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
قَالَتْ: وَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ، فَقُلْتُ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ
عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا
هَدِيَّةٌ".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا الحكم) بفتحتين ابن عتيبة (عن
إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله
عنها- أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق) بفتح الموحدة وكسر
الراء الأولى (وأراد مواليها) ساداتها بنو هلال أو أهل بيت
من الأنصار (أن يشترطوا) على عائشة (ولاءها) أن يكون لهم
وواو ولاءها مفتوحة مع المد مأخوذة من الولي بفتح الواو
وسكون اللام وهو القرب، والمراد به هنا وصف حكمي ينشأ عنه
ثبوت حق الإرث من العتيق الذي لا وارث له من جهة نسب أو
زوجية أو الفاضل عن ذلك وحق العقل عنه إذا جنى والتزويج
للأنثى بشروط ذلك كله وانتفاء مانعه، فلذلك قال الشافعي:
إن المسلم إذا أعتق النصراني وبالعكس حق الولاء ثابت ولا
إرث لاختلاف الدينين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا
يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" ووجود مانع الإرث لا
يلزم منه عدم المقتضى بدليل الأب القاتل أو الرقيق أو
مخالف في الدين فإن عدم إرثه لا يقدح في أبوته فلم يخرج عن
كونه أباه فكذا هنا لا يخرج عن كونه مولاه هذا تقرير
الشافعي في الأم وغيرها من كتبه فتأمله فإنه نفيس جدًّا،
وقد كانت العرب تبيع هذا الحق وتهبه فنهى الشرع عنه لأن
الولاء كالنسب ولحمة كلحمة النسب فلا يقبل الزوال
(3/76)
بالإزالة والمولى يطلق على المعتق من أعلى
وعلى العتيق أيضًا لكن من أسفل وهل ذلك حقيقة فيهما أو في
الأعلى أو في الأسفل؟ أقوال مشهورة. وذكر ابن الأثير في
النهاية أن اسم المولى يقع على معان كثيرة وذكر منها ستة
عشر معنى وهي: الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق
والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد
والصهر والعبد والمنعم عليه والمعتق. قال: وأكثرها قد جاء
في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه
وكل من ولي أمرًا وقام به فهو مولاه ووليه، وتختلف مصادر
هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب
والنصرة والعتق والولاية بالكسر في الإمارة والولاء في
العتق والموالاة من والى القوم (فذكرت عائشة) -رضي الله
عنها- (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حذف
المفعول أي ذلك (فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(اشتريها)، منهم على ما يقصدون من اشتراط كون الولاء لهم،
واستشكل هذا لأن المقرر أنه لو شرط مع العتق الولاء لم يصح
البيع لمخالفته نص الشارع أن الولاء لمن أعتق. وأجيب: بأن
الشرط لم يقع في العقد وبأنه خاص بقصة عائشة هذه لمصلحة
قطع عادتهم كما خص فسخ الحج إلى العمرة بالصحابة لمصلحة
بيان جوازها في أشهره (فإنما الولاء لمن أعتق) أي فلا
تبالي سواء شرطيته أم لا فإنه شرط باطل وكلمة "إنما" هنا
للحصر لأنها لو لم تكن للحصر لما لزم من إثبات الولاء لمن
أعتق نفيه عمن لم يعتق، لكن هذه الكلمة ذكرت في الحديث
لبيان نفيه عمن لم يعتق فدل على أن مقتضاها الحصر قاله ابن
دقيق العيد.
(قالت:) عائشة -رضي الله عنها- (وأتي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول
النبي رفع نائب عن الفاعل (بلحم، فقلت: هذا ما) ولأبي
الوقت: مما (تصدق به) بضم أوله وثانيه (على بريرة، فقال)
عليه الصلاة والسلام: (هو) أي اللحم المتصدق به على بربرة
(لها صدقة ولنا هدية). قال ابن مالك: يجوز في صدقة الرفع
على أنه خبر هو ولها صفة قدّمت فصارت حالاً كقوله:
والصالحات عليها مغلقًا باب
فلو قصد بقاء الوصفية لقيل والصالحات عليها باب مغلق، وكذا
الحديث لو قصدت فيه الوصفية بلها لقيل هو صدقة لها ويجوز
النصب فيها على الحال والخبر لها اهـ.
والصدقة منحة لثواب الآخرة والهدية تمليك الغير شيئًا
تقربًا إليه إكرامًا له ففي الصدقة نوع ذل للآخذ فلذلك
حرمت الصدقة عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون
الهدية، وقيل لأن الهدية يثاب عليها في الدنيا فتزول المنة
والصدقة يراد بها ثواب الآخرة فتبقى المنة ولا ينبغي لنبي
أن يمن عليه غير الله. وقال البيضاوي: إذا تصدق على
المحتاج بشيء ملكه وصار له كسائر ما يملكه فله أن يهدي به
غيره كما له أن يهدي سائر أمواله بلا فرق. وهذا موضع
الترجمة لأن بريرة من جملة موليات عائشة وتصدق عليها.
وهذا الحديث قد سبق في باب ذكر البيع والشراء على المنبر
في المسجد، وقد أخرجه البخاري أيضًا في كتاب الكفارت وفي
الطلاق والفرائض، والنسائي في الزكاة والطلاق.
62 - باب إِذَا تَحَوَّلَتِ الصَّدَقَةُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا تحولت الصدقة) أي عن كونها صدقة
بأن دخلت في ملك المتصدق عليه يجوز تناول الهاشمي لها،
ولأبي ذر: إذا حولت بضم الحاء وحذف التاء مبنيًا للمفعول.
1494 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ
بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ فَقَالَتْ: لاَ،
إِلاَّ شَىْءٌ بَعَثَتْ بِهِ إِلَيْنَا نُسَيْبَةُ مِنَ
الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ بِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ.
فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا ويزيد
من الزيادة قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن حفصة بنت سيرين)
أخت محمد بن سيرين سيدة التابعيات (عن أم عطية) نسيبة
(الأنصارية -رضي الله عنها-) أنها (قالت: دخل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة -رضي الله
عنها- فقال):
(هل عندكم شيء) من الطعام؟ (فقالت: لا) شيء من الطعام
عندنا (إلا شيء بعثت به إلينا) أم عطية (نسيبة) بضم النون
وفتح السين المهملة والموحدة بينهما تحتية ساكنة، والجملة
من فعل وفاعل صفة لشيء وكلمة "من" في قوله (من الشاة)
للبيان والدلالة على التبعيض (التي بعثت بها) أتت لها (من
الصدقة. فقال) عليه الصلاة والسلام (إنها) أي الصدقة (قد
بلغت محلها) بكسر الحاء أي وصلت إلى الموضع الذي تحل وذلك
أنه لما تصدق بها على نسيبة صارت ملكًا لها فصح لها
(3/77)
التصرف البيع وغيره، فلما أهدتها له عليه
الصلاة والسلام انتقلت عن حكم الصدقة فجاز له القبول
والأكل.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة ورواته كلهم بصريون، وفيه
رواية التابعية عن الصحابية، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الزكاة والهبة ومسلم في الزكاة.
1495 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِلَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى
بَرِيرَةَ فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا
هَدِيَّةٌ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ
عَنْ قَتَادَةَ سَمِعَ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1495 - طرفه في:
2577].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) المعروف بخت بمعجمة مفوحة
فمثناة فوقية مشددة قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح
الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة الكوفي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك
(-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أتي بلحم تصدق به على بريرة فقال):
(هو) أي اللحم (عليها صدقة وهو لنا هدية) قدم لفظ عليها
على المبتدأ لإفادة الاختصاص أي لا علينا لزوال وصف الصدقة
وحكمها لكونها صارت ملكًا لبريرة ثم صارت هدية فالتحريم
ليس لعين اللحم كما لا يخفى.
(وقال أبو داود) الطيالسي مما أخرجه في مسنده: (أنبأنا)
خصها المتأخرون بالإجازة (شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن
دعامة أنه (سمع أنسًا -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ساق السند دون المتن لتصريح
قتادة فيه بالسماع لأنه مدلس فزال توهم تدليسه في السند
السابق حيث عنعن فيه.
63 - باب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ،
وَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا
(باب أخذ الصدقة) المفروضة (من الأغنياء وترد) بالرفع كما
في الفرع وغيره مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة. وقال
العيني بالنصب بتقدير أن فيكون في حكم المصدر ويكون
التقدير: وأن تردّ وهو الذي في اليونينية فقط أي والرد (في
الفقراء حيث كانوا) ظاهره أن المؤلّف يختار جواز نقل
الزكاة من بلد المال قاله ابن المنير وهو مذهب الحنفية
والأصح عند الشافعية والمالكية عدم الجواز. نعم، لو نقل
أجرأ عند المالكية لكن لو نقل لدون أهل بلد الوجوب في
الحاجة لم يجزه وهو المشهور عندهم ولم يجز النقل عند
الشافعية إلا عند فقد المستحقين.
1496 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ
مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ
إِلَى الْيَمَنِ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ
كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ
يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ
بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ
عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ،
فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ
أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ. فَإِنْ
هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ
أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ
لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد) ولأبي ذر محمد بن مقاتل
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا
زكريا بن إسحاق) المكي (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) بفتح
الصاد المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الفاء (عن أبي
معبد) نافد بالنون والفاء والدال المهملة أو المعجمة (مولى
ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال:) وفي
رواية إسماعيل بن أمية عند المؤلّف في التوحيد عن يحيى أنه
سمع أبا معبد يقول، سمعت ابن عباس يقول: (قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) ولمسلم عن أبي بكر
بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيع،
وقال فيه عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعلى هذا يكون
الحديث من مسند معاذ لكنه في جميع الطرق من مسند ابن عباس
كما عند المؤلّف وليس حضور ابن عباس لذلك ببعيد لأنه كان
في أواخر حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وهو إذ ذاك مع أبويه بالمدينة قاله الحافظ ابن حجر (لمعاذ
بن جبل حين بعثه إلى اليمن) واليًا كما عند العسكري أو
قاضيًا كما عند ابن عبد البر.
(إنك ستأتي قومًا أهل كتاب)، بنصب أهل بدلاً من قوم لا صفة
وهذا كالتوطئة للوصية لتقوى همته عليها لكون أهل الكتاب
أهل علم في الجملة، ولذا خصهم بالذكر تفضيلاً لهم على
غيرهم من عبدة الأوثان، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أهل
الكتاب بالتعريف (فإذا جئتهم) عبر بإذا دون إن تفاؤلاً
بالوصول إليهم (فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله
وأن محمدًا رسول الله) بدأ بهما لأنهما أصل الدين الذي لا
يصح شيء غيرهما إلا بهما، واستدلّ به على أنه لا يكفي في
الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله حتى يضيف
الشهادة لمحمد بالرسالة وهو قول الجمهور، (فإن هم أطاعوا)
أي شهدوا وانقادوا (لك بذلك) وعدى أطاع باللام وإن كان
يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقاد، ولابن خزيمة: فإن هم
أجابوا لذلك (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في
كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك) بأن أقروا بوجوب
(3/78)
الخمس عليهم وفعلوها (فأخبرهم أن الله قد
فرض عليهم صدقة) في أموالهم (تؤخذ من أغنيائهم) يأخذها
الإمام أو نائبه (فترد على فقرائهم) خصهم بالذكر وإن كان
مستحق الزكاة أصنافًا أخر لمقابلة الأغنياء ولأن الفقراء
هم الأغلب، والضمير في فقرائهم يعود على أهل اليمن فلا
يجوز النقل لغير فقراء أهل بلد الزكاة كما سبق أول الزكاة،
(فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم) أي نفائس (أموالهم)
بنصب كرائم بفعل مضمر لا يجوز إظهاره للقرينة الدالة عليه.
وقال ابن قتيبة: لا يجوز حذف واو وكرائم اهـ.
وعلل بأنها حرف عطف فيختل الكلام بالحذف.
(واتق دعوة المظلوم)، أي تجنب جميع أنواع الظلم لئلا يدعو
عليك المظلوم وإنما ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم للإشارة
إلى أن أخذها ظلم (فإنه ليس بينه) أي المظنوم، ولأبي ذر عن
الكشميهني والأصيلي: فإنها ليس بينها أي دعوة المظلوم
(وبين الله حجاب) وإن كان المظلوم عاصيًا لحديث أحمد عن
أبي هريرة بإسناد حسن مرفوعًا: دعوة المظلوم مستجابة وإن
كان فاجرًا ففجوره على نفسه وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه.
فإن قلت: إن بعث معاذ كان بعد فرض الصوم والحج فلم لم
يذكرهما؟ أجيب: بأنه اختصار من بعض الرواة، وقيل: إن
اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولذا كررا في القرآن
فمن ثم لم يذكرهما في هذا الحديث.
وقال الإمام البلقيني: إذا كان الكلام في بيان الأركان لم
يخل الشارع منها بشيء كحديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس
فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفي بالأركان الثلاثة
الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج
لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآَتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: 5] في، موضعين من براءة مع
أن نزولها بعد فرض الصوم والحج قطعًا، والحكمة في ذلك أن
الأركان الخمسة: اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة،
وماليّ وهو الزكاة فاقتصر
في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين
عليها، فإن الصوم بدني محض والحج بدني ومالي.
وهذا الحديث قد مرّ في أول باب وجوب الزكاة.
64 - باب صَلاَةِ الإِمَامِ وَدُعَائِهِ لِصَاحِبِ
الصَّدَقَةِ، وَقَوْلِهِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ
عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]
(باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة) كأن يقول: آجرك
الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت ونحو ذلك، والمراد من
الصلاة معناها اللغوي وهو الدعاء، وعطف الدعاء على الصلاة
ليبين أن لفظ الصلاة ليس بحتم بل غيره من الدعاء ينزل
منزلته قاله ابن المنير، ويؤيده ما في حديث وائل بن حجر
عند النسائي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
في رجل بعث بناقة حسناء في الزكاة: "اللهم بارك فيه وفي
إبله" (وقوله) تعالى بالجر عطفًا على المجرور السابق: ({خذ
من أموالهم صدقة تطهرهم}) من الذنوب ({وتزكيهم بها}) وتنمي
بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين ({وصل عليهم}) أي
ادع لهم. رواه ابن أبي حاتم وغيره بإسناد صحيح عن السدي
({إن صلواتك}) وفي بعض الأصول إن صلاتك بالإفراد كقراءة
حمزة والكسائي وحفص ({سكن لهم}) [التوبة: 2 - 3] تسكن
إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم وجمعها لتعدد المدعو لهم،
ولأبي ذر: (تطهرهم) إلى قوله: {سكن لهم}.
1497 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى
قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ. فَأَتَاهُ أَبِي
بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي
أَوْفَى". [الحديث 1497 - أطرافه في: 4166، 6332، 6359].
وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم
ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله بن طارق
الكوفي التابعي الصغير (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح
الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء مقصورًا اسمه علقمة بن خالد
بن الحرث الأسلمي وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة
سبع وثمانين، وفي المغازي عند المؤلّف سمعت ابن أبي أوفى
-رضي الله عنهما- (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتاه قوم بصدقتهم) أي بزكاة
أموالهم (قال):
(اللهم صل على فلان) أي اغفر له وارحمه، ولغير أبي ذر: على
آل فلان يريد أبا أوفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء
كما قال عليه الصلاة والسلام عن أبي موسى الأشعري: "لقد
أوتي مزمارًا من مزامير آل داود" يريد داود نفسه (فأتاه
أبي) أبو أوفى (بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى)
امتثالاً لقوله تعالى: {وصل عليها} وهذا من خصائصه
(3/79)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ
يكره لنا كراهة تنزيه على
الصحيح الذي عليه الأكثرون كما قاله النووي إفراد الصلاة
على غير الأنبياء لأنه صار شعارًا لهم إذا ذكروا فلا يلحق
غيرهم، فلا يقال أبو بكر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وإن كان المعنى صحيحًا كما لا يقال قال محمد عز
وجل وإن كان عزيرًا جليلاً لأن هذا من شعار ذكر الله
تعالى.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في
المغازي والدعوات، ومسلم في الزكاة، وكذا أبو داود
والنسائي وابن ماجة.
65 - باب مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: لَيْسَ
الْعَنْبَرُ بِرِكَازٍ، هُوَ شَىْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ
الْخُمُسُ: فَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ، لَيْسَ فِي
الَّذِي يُصَابُ فِي الْمَاءِ.
(باب) حكم (ما يستخرج من البحر) بسهولة كالموجود بساحله أو
بصعوبة كالمستخرج بالغوص عليه ونحو ذلك هل تجب فيه زكاة أم
لا؟ (وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-): مما وصله الشافعي
ورواه البيهقي من طريقه (ليس العنبر بركاز)، بفتح العين
والموحدة بينهما نون ساكنة نوع من الطيب. قال في القاموس:
روث دابة بحرية أو نبع عين فيه اهـ.
وقيل: هو زبد البحر أو نبات في قعره يأكله بعض دوابه ثم
يقذفه رجيعًا، لكن قال ابن سينا: وما يحكى أنه روث دوابه
أو قيئها أو من زبد البحر بعيد، وقيل هو نبت في البحر
بمنزلة الحشيش في البر، وقيل إنه شجر ينبت في البحر فينكسر
فيلقيه الموج إلى الساحل. وقال الشافعي في كتاب السلم من
الأم: أخبرني عدد ممن أثق بخبرهم أنه نبات يخلقه الله
تعالى في جنبات البحر (هو شيء دسره البحر) بفتح المهملات
أي دفعه ورمى به إلى الساحل.
(وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة (في العنبر
واللؤلؤ) وهو قطر الربيع يقع في الصدق (الخمس) قال البخاري
رادًا على قوله هذا: (فإنما) كذا في اليونينية، وفي غيرها:
وإنما (جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الحديث الذي سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى موصولاً (في
الركاز) الذي هو من دفين الجاهلية في الأرض (الخمس، ليس في
الذي يصاب في الماء) لأن الذي يستخرج من البحر لا يسمى في
لغة العرب ركازًا.
1498 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ
رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ
يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ،
فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ
خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ
فَرَمَى بِهَا
فِي الْبَحْرِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ
أَسْلَفَهُ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ
حَطَبًا -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ- فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ
الْمَالَ». [الحديث 1498 - أطرافه في: 2063، 2291، 2404،
2430، 2734، 6261].
(وقال الليث) بن سعد مما وصله المؤلّف في البيوع (حدّثني)
بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل المصري (عن عبد الرحمن
بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي)
ولأبي ذر: عن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
(أن رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل بأن) ولأبي
ذر: أن (يسلفه) بضم أوله من أسلف (ألف دينارًا) زاد في باب
الكفالة في القرض والدّيون فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم.
قال: كفى بالله شهيدًا. قال: فائتني بالكفيل قال كفى بالله
كفيلاً. قال: صدقت (فدفعها إليه) وزاد أيضًا فيه إلى أجل
مسمى (فخرج في البحر فلم يجد مركبًا) بفتح الكاف أي سفينة
يركب عليها ويجيء إلى صاحبه أو يبعث فيها قضاء دينه (فأخذ
خشبة فنقرها) قوّرها (فأدخل فيها ألف دينار) زاد أيضًا في
الكفالة وصحيفة منه إلى صاحبه (فرمى بها): أي بالخشبة (في
البحر) بقصد أن الله تعالى يوصلها لرب المال (فخرج الرجل
الذي كان أسلفه) الألف دينار (فإذا بالخشبة) أي: فإذا هو
مفاجأ بالخشبة (فأخذها لأهله حطبًا) نصب على أن أخذ من
أفعال المقاربة فتعمل عمل كان أو بفعل مقدر أي يستعملها
استعمال الحطب في الوقود (فذكر الحديث) بتمامه، ويأتي إن
شاء الله تعالى في باب الكفالة في القرض (فلما نشرها) أي
قطع الخشبة بالمنشار (وجد المال) الذي كان أسلفه.
وموضع الترجمة قوله: فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطبًا
وأدنى الملابسة في التطابق كاف. وقال ابن المنير: موضع
الاستشهاد إنما هو أخذ الخشبة على أنها حطب فدلّ على إباحة
مثل ذلك مما يلفظه البحر إما مما ينشأ فيه كالعنبر أو مما
سبق فيه ملك وعطب وانقطع ملك صاحبه منه على اختلاف بين
العلماء في تمليك هذا مطلقًا أو مفصلاً وإذا جاز تملك
الخشبة وقد تقدم عليها ملك متملك فنحو العنبر الذي لم
يتقدم عليه ملك أولى.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الكفالة والاستقراض واللقطة
والشروط والاستئذان والنسائي في اللقطة، وتأتي بقية مباحثه
إن شاء الله تعالى في محاله بعون الله
(3/80)
وقوته.
66 - باب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ: الرِّكَازُ دِفْنُ
الْجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ،
وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَعْدِنِ
جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ. وَأَخَذَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ
مِائَتَيْنِ خَمْسَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَ مِنْ
رِكَازٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا
كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَإِنْ
وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا،
وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ
دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، لأَنَّهُ يُقَالُ: أَرْكَزَ
الْمَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ. قِيلَ لَهُ: قَدْ
يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَىْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا
كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ. ثُمَّ نَاقَضَ
وَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلاَ يُؤَدِّيَ
الْخُمُسَ.
هذا (باب) بالتنوين (في الركاز الخمس)، بالرفع مبتدأ مؤخر،
والركاز: بكسر الراء وتخفيف الكاف آخره زاي هو من دفين
الجاهلية كأنه ركز في الأرض ركزًا أي غرز وإنما كان فيه
الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه. (وقال مالك): هو ابن أنس
إمام دار الهجرة مما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (وابن
إدريس) هو الشافعي الإمام الأعظم صاحب المذهب كما جزم به
أبو زيد المروزي أحد الرواة عن الفربري، وتابعه البيهقي
وجمهور الأئمة وعبارة البيهقي كما رأيته في كتابه معرفة
السنن والآثار قد حكى محمد بن إسماعيل البخاري مذهب مالك
والشافعي في الركاز والمعدن في كتاب الزكاة من الجامع،
وقال مالك وابن إدريس يعني الشافعي، وقيل المراد بابن
إدريس عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي: (الركاز دفن
الجاهلية) بكسر الدال وسكون الفاء أي الشيء المدفون كذبح
بمعنى مذبوح وبالفتح المصدر ولا يراد هنا كذا قاله ابن حجر
كالزركشي. وتعقبه في المصابيح بأنه
يصح الفتح على أن يكون مصدرًا أريد به المفعول مثل الدرهم
ضرب الأمير وهذا الثوب نسج اليمن (في قليله وكثيره الخمس)
بضمتين وقد تسكن الميم وهذا قوم أبي حنيفة ومالك وأحمد وبه
قال إمامنا الشافعي في القديم، وشرط في الجديد النصاب فلا
تجب الزكاة فيما دونه إلا إذا كان في ملكه من جنس النقد
الموجود، (وليس المعدن) بكسر الدال أي المكان من الأرض
يخرج منه شيء من الجواهر والأجساد كالذهب والفضة والحديد
والنحاس والرصاص والكبريت وغير ذلك مأخوذ من عدن بالمكان
إذا أقام به يعدن بالكسر عدونًا سمي بذلك لعدون ما أنبته
الله فيه قاله الأزهري. وقال في القاموس: والمعدن كمجلس
منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائمًا أو
لإنبات الله عز وجل إياه فيه (بركاز): لأنه لا يدخل تحت
اسم الركاز ولا له حكمه، (وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) كما وصله في آخر الباب من حديث أبي
هريرة (في المعدن جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة آخره راء
يعني إذا حفر معدنًا في ملكه أو في موات فوقع فيه شخص ومات
أو استأجره لعمل في المعدن فهلك لا يضمنه بل دمه هدر، وليس
المراد أنه لا زكاة فيه (وفي الركاز) دفن الجاهلية
(الخمس)، ففرق بينهما وجعل لكل منهما حكمًا ولو كانا بمعنى
واحد بينهما فلما فرق بينهما دل على التغاير. (وأخذ عمر بن
عبد العزيز من المعادن) وهي المستخرجة من موضع خلقها (من
كل مائتين) من الدراهم (خمسة) منها وهي ربع العشر، وفي قول
الخمس كالركاز بجامع الخفاء في الأرض. وهذا التعليق وصله
أبو عبيد في كتاب الأموال.
(وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه (مما
كان من ركاز) دفن الجاهلية (في أرض الحرب ففيه الخمس وما
كان في أرض السلم) بكسر السين وسكون اللام أي الصلح، ولأبي
الوقت: وما كان من أرض السلم (ففيه الزكاة). المعهودة وهي
ربع العشر. قال ابن المنذر: لا أعرف أحدًا فرق هذه التفرقة
غير الحسن (وإن وجدت اللقطة) بضم الواو مبنيًا للمفعول
واللقطة بضم اللام المشددة وفتح القاف وسكونها وهذا من قول
الحسن، ولأبي الوقت: وجدت لقطة (في أرض العدوّ فعرّفها)
لاحتمال أن تكون للمسلمين وفي الفرع كأصله وإن وجدت بفتح
الواو مبنيًّا للفاعل اللقطة مفعول (وإن كانت من العدوّ)
أي من ماله فلا حاجة إلى تعريفها لأنها صارت ملكه (ففيها
الخمس. وقال بعض الناس) هو الإمام أبو حنيفة وهذا أوّل
موضع ذكره فيه المؤلّف بهذه الصيغة، ويحتمل أن يكون أراد
أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك (المعدن ركاز
مثل دفن الجاهلية)، بكسر الدال وفتحها على ما مر فيجب فيه
أيضًا الخمس. قال الزهري وأبو عبيد: الركاز المال المدفون
والمعدن جميعًا (لأنه يقال:) مما سمع من العرب (أركز
المعدن) بفتح الهمزة فعل ماض مبني للفاعل والضمير في لأنه
للشأن واللام للتعليل (إذا خرج منه شيء) بفتح الخاء
المعجمة بغير همزة
(3/81)
قبلها، ولأبي ذر: أخرج بهمزة مضمومة (قيل
له:) أي لبعض الناس (قد يقال لمن وهب له شيء) بضم الواو
وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول شيء رفع نائب عن الفاعل (أو
ربح ربحًا كثيرًا أو كثر ثمره أركزت). بتاء الخطاب أي:
فيلزم أن يقال لكل واحد من الموهوب والربح والثمر ركاز،
ويقال لصاحبه أركزت ويجب فيه الخمس لكن الإجماع على خلافه
وإنه ليس فيه الأربع العشر فالحكم مختلف وإن اتفقت
التسمية، واعترضه بعضهم بأنه لم ينقل عن بعض الناس ولا عن
العرب أنهم قالوا: أركز المعدن وإنما قالوا أركز الرجل
فإذا لم يكن هذا صحيحًا فكيف يتوجه الإلزام بقول القائل قد
يقال لمن وهب الخ. ومعنى أركز الرجل صار له ركاز من قطع
الذهب ولا يلزم منه أنه إذا وهب له شيء أن يقال له أركزت
بالخطاب، وكذا إذا ربح ربحًا كثيرًا أو أكثر ثمره ولو علم
المعترض أن معنى أفعل هنا ما هو لما اعترض ولا أفحش فيه،
ومعنى أفعل هنا للصيرورة يعني لصيرورة الشيء منسوبًا إلى
ما اشتق منه الفعل كأغدّ البعير أي صار ذا غدّة ومعنى أركز
الرجل صار له ركاز من قطع الذهب كما مر ولا يقال إلا بهذا
القيد لا مطلقًا (ثم ناقض) أي بعض الناس لأنه قال المعدن
ركاز ففيه الخمس (وقال:) ثانيًا (لا بأس أن يكتمه) عن
الساعي (فلا يؤدي الخمس) في الزكاة وهو عنده شامل للمعدن.
وقد اعترض ابن بطال المؤلّف في هذه المناقضة بأن الذي أجاز
أبو حنيفة كتمانه إنما هو إذا كان محتاجًا إليه بمعنى أنه
يتأول أن له حقًا في بيت المال ونصيبًا في الفيء فأجاز له
أن يأخذ الخمس لنفسه عوضًا عن ذلك لا أنه أسقط الخمس عن
المعدن بعدما أوجبه فيه.
1499 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ،
وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ».
[الحديث 1499 - أطرافه في: 2355، 6912، 6913].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب)
الزهري (عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن)
بفتح لام سلمة كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(العجماء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم والمد أي
البهيمة لأنها لا تتكلم (جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة
أي هدر غير مضمون، ولمسلم جرحها جبار ولا بد في رواية
البخاري من تقدير إذ لا معنى لكون العجماء نفسها هدرًا،
وقد دلت رواية مسلم على أن ذلك المقدر هو الجرح فوجب
المصير له لكن الحكم غير مختص به بل هو مثال نبه به على
غيره، ولو لم تكن رواية أخرى على تعيين ذلك المقدّر لم يكن
لرواية البخاري عموم في جميع المقدرات التي يستقيم الكلام
بتقدير واحد منها هذا هو الصحيح في الأصول أن المقتضي لا
عموم له، والمراد أنها إذا انفلتت وصدمت إنسانًا فأتلفته
أو أتلفت مالاً غرم على مالكها أما إذا كان معها فعليه
ضمان ما أتلفته سواء أتلفته ليلاً أو نهارًا وسواء كان
سائقها أو راكبها أو قائدها وسواء كان مالكها أو أجيره أو
مستأجرًا أو مستعيرًا أو غاصبًا وسواء أتلفت بيدها أو
رجلها أو عضها أو ذنبها. وقال مالك: القائد والراكب
والسائق كلهم ضامنون لما
أصابت الدابة إلا أن ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء
ترمح له. وقال الحنفية: إن الراكب والقائد لا يضمنان ما
نفحت الدابة برجلها أو ذنبها إلا إن أوقفها في الطريق
واختلفوا في السائق فقال القدوري وآخرون: إنه ضامن لما
أصابت بيدها ورجلها لأن النفحة بمرأى عينه فأمكنه الاحتراز
عنها، وقال أكثرهم: لا يضمن النفحة أيضًا وإن كان يراها إذ
ليس على رجلها ما يمنعها به فلا يمكنه التحرز عنه بخلاف
الكدم لإمكان كبحها بلجامها، وصححه صاحب الهداية وكذا قال
الحنابلة: إن الراكب لا يضمن ما تتلفه البهيمة برجلها
(والبئر) يحفرها الرجل في ملكه أو في موات فيسقط فيها رجل
أو تنهار على من استأجره لحفرها فيهلك (جبار) لا ضمان أما
إذا حفرها في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف
فيها إنسان وجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال
الحافر، وإن تلف بها غير الآدمي وجب ضمانه في مال الحافر
(والمعدن) إذا حفره في ملكه أو في موات أيضًا لاستخراج
(3/82)
ما فيه فوقع فيه إنسان أو انهار على حافره
(جبار) لا ضمان فيه أيضًا (وفي الركاز) دفن الجاهلية
(الخمس) في عطف الركاز على المعدن دلالة على تغايرهما
وأن الخمس في الركاز لا في المعدن، واتفق الأئمة
الأربعة وجمهور العلماء على أنه سواء كان في دار
الإسلام أو في دار الحرب خلافًا للحسن حيث فرق كما مر
وشرطه النصاب والنقدان لا الحول، ومذهب أحمد أنه لا
فرق بين النقدين فيه وغيرهما كالنحاس والحديد والجواهر
لظاهر هذا الحديث وهو مذهب الحنفية أيضًا، لكنهم
أوجبوا الخمس وجعلوه فيئًا والحنابلة أوجبوا ربع العشر
وجعلوه زكاة، وعن مالك روايتان كالقولين وحكي كل منهما
عن ابن القاسم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحدود، والنسائي في
الزكاة، وأورده البخاري في الأحكام.
67 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا} [التوبة: 60] وَمُحَاسَبَةِ
الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الإِمَامِ
(باب قول الله تعالى {والعاملين عليها} [التوبة: 60]
أي على الصدقات وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لقبضها
(ومحاسبة المصدقين مع الإمام).
1500 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي
الله عنه- قَالَ: "اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ
الأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى
ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان
قال: (حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة
قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير
(عن أبي حميد) عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي -رضي
الله عنه- قال):
(استعمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رجلاً من الأسد) بفتح الهمزة وسكون السين
ويقال الأزد بالزاي (على صدقات بني سليم) بضم السين
وفتح اللام (يدعى ابن اللتبية) بضم اللام وسكون
المثناة الفوقية وفي بعض الأصول بفتحها، وحكاه المنذري
وقيل بفتح اللام والمثناة حكاه في الفتح اسمه عبد الله
وكان من بني لتب حيّ من الأزد وقيل اللتبية أمه، (فلما
جاء) من عمله (حاسبه) عليه الصلاة والسلام لما وجد معه
من جنس مال الصدقة وادعى أنه أهدي إليه كما يظهر من
مجموع طرق الحديث، ويأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى
في الأحكام وترك الحيل، وأخرجه مسلم في المغازي وأبو
داود في الخراج.
68 - باب اسْتِعْمَالِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ
وَأَلْبَانِهَا لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ
(باب) جواز (استعمال إبل الصدقة و) شرب (ألبانها
لأبناء السبيل) دون غيرهم خلافًا للشافعي حيث قال: يجب
استيعاب الأصناف الثمانية.
1501 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
شُعْبَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه- "أَنَّ نَاسًا مِنْدَ. فَأَرْسَ عُرَيْنَةَ
اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ
أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا. فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ
وَاسْتَاقُوا الذَّوْلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُتِيَ بِهِمْ
فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ
أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ
الْحِجَارَةَ". تَابَعَهُ أَبُو قِلاَبَةَ وَحُمَيْدٌ
وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ.
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال:
(حدّثني) بالإفراد (يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج
قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله
عنه-):
(أن ناسًا) ثمانية (من عرينة) بضم العين وفتح الراء
المهملتين وسكون المثناة التحتية وفتح النون قبيلة،
وعند المؤلّف في المغازي من عكل وعرينة بواو العطف
وسبق في باب أبوال الإبل من الطهارة بلفظ: من عكل أو
عرينة بالشك. (اجتووا المدينة) بسكون الجيم وفتح
الفوقية والواو الأولى من باب الافتعال أي كرهوا
المقام بها لما فيها من الوخم أو أصابهم الجوى وهو داء
الجوف إذا تطاول، (فرخص لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأتوا إبل الصدقة) وكانت خمس
عشرة كما عند ابن سعد (فيشربوا من ألبانها وأبوالها)
تمسك به من قال: إن بول ما أكل طاهر ودفع بأن الدواء
يبيح ما كان حرامًا وهذا موضع الترجمة.
قال ابن بطال والحجة يعني للمؤلّف للترجمة بحديث الباب
قاطعة لأنه عليه الصلاة والسلام أفرد أبناء السبيل
بإبل الصدقة وألبانها دون غيرهم انتهى. وعورض باحتمال
أن يكون ما أباح لهم من الانتفاع إلا بما هو قدر حصتهم
على أنه ليس في الخبر أيضًا أنه ملكهم رقابها وإنما
فيه أنه أباح لهم شرب ألبان الإبل للتداوي.
واستنبط منه المؤلّف جواز استعمالها في بقية المنافع
إذ لا فرق، وأما تمليك رقابها فلم يقع وغاية ما يفهم
من حديث الباب أن للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون
الرقبة صنفًا دون صنف بحسب الاحتياج على أنه ليس في
الخبر أيضًا تصريح بأنه لم يصرف من ذلك شيئًا لغير
العرينيين فليست الدلالة منه لذلك ظاهرة أصلاً قاله في
فتح الباري.
(فقتلوا) أي فلما شربوا منهما وصحوا قتلوا (الراعي)
يسارًا النوبي (واستاقوا الذود) سوقًا عنيفًا. وفي
نسخة واستاقوا الإبل (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سرية عشرين نفسًا وكان أميرهم
كرز بن جابر أو سعيد بن سعيد فأدركوهم في ذلك اليوم
(فأتي بهم) بضم الهمزة (فقطع) بتشديد الطاء. وفي نسخة
(3/83)
بتخفيفها أي فأمر فقطع (أيديهم) جمع يد
فإما أن يراد أقل الجميع وهو اثنان لأن لكل منهم يدين،
وإما أن يريد التوزيع عليهم، بأن تقطع من كل واحد منهم
يد واحدة والجمع في مقابلة الجمع يفيد التوزيع
(وأرجلهم) من خلاف (وسمر أعينهم) بفتح السين والميم
مخففة أي كحلها بمسامير محمية لأنهم فعلوا ذلك
بالراعي، ولأبي ذر، وسمر بتشديد الميم والأول أشهر
وأوجه كما نبه عليه المنذري، (وتركهم بالحرّة) بفتح
الحاء وتشديد الراء المهملتين أرض ذات حجارة سود
(يعضون الحجارة) بفتح الياء والعين المهملة.
(تابعه) أي تابع قتادة (أبو قلابة) بكسر القاف عبد
الله بن زيد الجرمي فيما وصله المؤلّف في كتاب الطهارة
(وحميد) الطويل فيما وصله النسائي وأبو داود وابن ماجة
وابن خزيمة (وثابت) البناني فيما وصله المؤلّف في كتاب
الطب (عن أنس) -رضي الله عنه-.
69 - باب وَسْمِ الإِمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ
بِيَدِهِ
(باب وسم الإمام إبل الصدقة) بالكي ونحوه (بيده).
1502 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو
الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَدَوْتُ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ،
فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ
الصَّدَقَةِ". [الحديث 1502 - طرفاه في: 5542، 5824].
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي
بالحاء المهملة والزاي القرشي الأسدي قال: (حدّثنا
الوليد) بن مسلم القرشي قال: (حدّثنا أبو عمرو) عبد
الرحمن (الأوزاعي) قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن
عبد الله بن أبي طلحة) اسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن
أخي أنس بن مالك قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس بن
مالك -رضي الله عنه- قال):
(غدوت) أي رحت أول النهار (إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعبد الله بن أبي طلحة)
هو أخو أنس لأمه وهو صحابي. وقال النووي: تابعي. قال
البرماوي كالكرماني هو سهو (ليحنكه) تبركًا به وبريقه
ويده ودعائه وهو أن يمضع التمرة ويجعلها في فم الصبي
ويحك بها في حنكه بسبابته حتى تتحلل في حنكه (فوافيته)
أي أتيته في مربد الغنم (في يده الميسم) بكسر الميم
وفتح السين المهملة حديدة يكوى بها (يسم) يعلّم (إبل
الصدقة) لتتميز عن الأموال المملوكة وليردها من أخذها
ومن التقطها وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها
مثلاً لئلا يعود في صدقته فهو مخصوص من عموم النهي عن
تعذيب الحيوان، وقد نقل ابن الصباغ من الشافعية إجماع
الصحابة على أنه يستحب أن يكتب في ماشية الزكاة زكاة
أو صدقة، وسيأتي في الذبائح إن شاء الله تعالى عن أنس
أنه رآه يسم غنمًا في آذانها ولا يسم في الوجه للنهي
عنه.
وفي هذا الحديث التحديث بالإفراد والجمع والقول،
وأخرجه مسلم في اللباس.
70 - باب فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَرَأَى أَبُو
الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ
الْفِطْرِ فَرِيضَةً
(باب فرض صدقة الفطر). أي من رمضان فأضيفت الصدقة
للفطر لكونها تجب بالفطر منه أو مأخوذة من الفطرة التي
هي الخلقة المرادة بقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وهذا
قاله ابن قتيبة، والمعنى أنها وجبت على الخلقة تزكية
للنفس أي تطهيرًا لها وتنمية لعملها، ويقال للمخرج في
زكاة الفطر فطرة بضم الفاء كما في الكفاية وهو غريب،
والذي في
شرح المهذّب وغيره كسر الفاء لا غير قال: وهي مولدة لا
عربية ولا معرّبة بل اصطلاحية للفقهاء انتهى. فتكون
حقيقة شرعية على المختار كالصلاة ويقال لها صدقة الفطر
وزكاة رمضان وزكاة الصوم وصدقة الرؤوس وزكاة الأبدان،
ولأبي ذر عن المستملي: أبواب صدقة الفطر باب فرض صدقة
الفطر وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في شهر
رمضان قبل العيد بيومين.
(ورأى أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي بالمثناة
التحتية (وعطاء) هو ابن أبي رباح (وابن سيرين) محمد
فيما وصله عنه، وعن الأول ابن أبي شيبة من طريق عاصم
الأحول وعبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء (صدقة الفطر
فريضة) وهو مذهب الشافعية والجمهور، ونقل ابن المنذر
وغيره الإجماع على ذلك لكنه معارض بأن الحنفية يقولون
بالوجوب دون الفرض وهو مقتضى قاعدتهم في أن الواجب ما
ثبت بدليل ظني، وقال المرداوي من الحنابلة في تنقيحه:
وهي واجبة وتسمى أيضًا فرضًا نصًّا، ونقل المالكية عن
أشهب أنها سنة مؤكدة، قال بهرام: وروي ذلك عن مالك وهو
قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية وحملوا
فرض في الحديث على التقدير كقولهم: فرض
(3/84)
القاضي نفقة اليتيم وهو ضعيف مخالف للظاهر،
وقال إبراهيم بن علية وأبو بكر بن كيسان الأصم نسخ
وجوبها، واستدل لهما بحديث النسائي عن قيس بن سعد بن
عبادة قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت
الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله، لكن في إسناده
راوٍ مجهول وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ
لأن الزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد
عليه غير أن محل سائر الزكوات الأموال ومحل زكاة الفطر
الرقاب كما نبه عليه الخطابي.
1503 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
السَّكَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ
بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ
وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ
تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ".
[الحديث 1305 - أطرافه في: 1504، 1507، 1509، 1511،
1512].
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن محمد بن السكن) بفتح
السين والكاف آخره نون البزار بالزاي المعجمة ثم الراء
المهملة القرشي قال: (حدّثنا محمد بن جهضم) بفتح الجيم
والضاد المعجمة بينهما هاء ساكنة آخره ميم ابن عبد
الله الثقفي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري
(عن عمر بن نافع) بضم العين وفتح الميم (عن أبيه) نافع
مولى عبد الله بن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-،
قال):
(فرض) أي أوجب (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وما أوجبه فبأمر الله وما كان ينطق عن
الهوى (زكاة الفطر) من صوم رمضان ووقت وجوبها غروب
الشمس ليلة العيد لكونه أضافها إلى الفطر وذلك وقت
الفطر، وهذا قول الشافعي في الجديد وأحمد بن حنبل
وإحدى الروايتين عن مالك. وقال أبو
حنيفة: طلوع الفجر يوم العيد وهو قول الشافعي في
القديم (صاعًا من تمر) بنصب صاعًا على التمييز أو هو
مفعول ثان وهو خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي وهو مذهب
مالك والشافعي وأحمد وعلماء الحجاز، وهو مائة وثلاثون
درهمًا على الأصح عند الرافعي، ومائة وثمانية وعشرون
درهمًا وأربعة أسباع درهم على الأصح عند النووي.
فالصاع على الأول ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهمًا
وثلث درهم، وعلى الثاني ستمائة درهم وخمسة وثمانون
درهمًا وخمسة أسباع درهم والأصل الكيل وإنما قدر
بالوزن استظهارًا. قال في الروضة: وقد يشكل ضبط الصاع
بالأرطال فإن الصاع المخرج به في زمن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكيال معروف ويختلف قدره
وزنًا باختلاف جنس ما يخرج كالذرة والحمص وغيرهما،
والصواب ما قاله الدارمي إن الاعتماد على الكيل بصاع
معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن لم يجده لزمه إخراج
قدر يتيقن أنه لا ينقص عنه وعلى هذا فالتقدير بخمسة
أرطال وثلث تقريب، وقال جماعة من العلماء: الصاع أربع
حفنات بكفي رجل معتدل الكفّين حكاه النووي في الروضة،
وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه ثمانية أرطال بالرطل
المذكور، وكان أبو يوسف يقول كقولهما ثم رجع إلى قول
الجمهور لما تناظر مع مالك بالمدينة فأراه الصيعان
التي توارثها أهل المدينة عن أسلافهم من زمن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أو صاعًا من
شعير) ظاهره أنه يخرج من أيهما شاء صاعًا ولا يجزئ
غيرهما، وبذلك قال ابن حزم لكن ورد في روايات أخرى ذكر
أجناس أخر تأتي إن شاء الله تعالى (على العبد والحر)
وظاهره أن العبد يخرج عن نفسه وهو قول داود الظاهري
منفردًا به، ويرده قوله عليه الصلاة والسلام: ليس على
المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر وذلك يقتضي أنها
ليست عليه بل على سيده. وقال القاضي البيضاوي: وجعل
وجوب زكاة الفطر على السيد
كالوجوب على العبد مجازًا إذ ليس هو أهلاً لأن يكلف
بالواجبات المالية، ويؤيد ذلك عطف الصغير عليه (والذكر
والأنثى) والخنثى (والصغير) أي: وإن كان يتيمًا خلافًا
بن الحسن وزفر (والكبير من المسلمين) دون الكفار لأنها
طهرة والكفار ليسوا من أهلها. نعم لا زكاة على أربعة
من لا يفضل عن منزله وخادم يحتاج إليهما ويليقان به
وعن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد ويومه ما
يخرجه فيها وامرأة غنية لها زوج معسر وهي في طاعته فلا
يلزمها إخراج فطرتها بخلاف ما إذا لم تكن في طاعته
وبخلاف الأمة فإن فطرتها تلزم سيدها، والفرق تسليم
الحرة نفسها بخلاف الأمة بدليل أن لسيدها أن يسافر بها
ويستخدمها والمكاتب لا تجب فطرته عليه لضعف ملكه
(3/85)
ولا على سيده لأنه معه كالأجنبي والمغصوب
أو الآبق لتعطيل فائدتهما على السيد، لكن الأصح وجوب
الإخراج عليه عنهما تبعًا لنفقتهما وعن منقطع الخبر
إذا لم تمض مدة لا يعيش في مثلها لأن الأصل بقاؤه
حيًّا فإن مضت مدة لا يعيش في مثلها لم تجب فطرته،
ويستثنى أيضًا عبد بيت المال والعبد الموقوف فلا تجب
فطرتهما إذ ليس لهما مالك معين يلزم بها، (وأمر) عليه
الصلاة والسلام (بها) أي بالفطرة (أن تؤدى قبل خروج
الناس إلى الصلاة) أي صلاة العيد.
تنبيه
قوله: "من المسلمين" ذكر غير واحد أن مالكًا تفرد بها
من بين الثقات وفيه نظر، فقد رواها
جماعة ممن يعتمد على حفظهم منهم: عمر بن نافع، والضحاك
بن عثمان، وكثير بن فرقد، والمعلى بن إسماعيل، ويونس
بن يزيد، وابن أبي ليلى، وعبد الله بن عمر العمري
وأخوه عبيد الله بن عمر، وأيوب السختياني على اختلاف
عنهما في زيادتها، فأما رواية عمر بن نافع فأخرجها
البخاري في صحيحه، وأما رواية الضحاك بن عثمان فأخرجها
مسلم في صحيحه، وأما رواية كثير بن فرقد فرواها
الدارقطني في سننه والحاكم، وأما رواية المعلى بن
إسماعيل فرواها ابن حبان في صحيحه، وأما رواية يونس بن
يزيد فرواها الطحاوي في بيان المشكل، وأما رواية ابن
أبي ليلى وعبد الله بن عمر العمري وأخيه عبيد الله
التي فيها بزيادة قوله من المسلمين فرواها الدارقطني
في السنن، وأما رواية أيوب السختياني فذكرها
الدارقطني، وهذه الزيادة تدل على اشتراط الإسلام في
وجوب زكاة الفطر، ومقتضى ذلك أنه لا تجب على الكافر
زكاة الفطر لا عن نفسه ولا عن غيره فأما عن نفسه فمتفق
عليه وأما عن غيره من عبد وقريب فمختلف فيه. وللشافعية
وجهان مبنيان على أنها تجب على المؤدي ابتداء أو على
المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي والأصح الوجوب بناء على
الأصح وهو وجوبها على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي
وهو المحكي عن أحمد، أما عكسه وهو إخراج المسلم عن
قريبه وعبده الكافرين فلا تجب عند مالك والشافعي وأحمد
وقال أبو حنيفة بالوجوب.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو
داود والنسائي والترمذي وقال: حديث صحيح.
71 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ
وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
(باب) وجوب (صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين)
اختلف هل تجب على العبد ابتداء ثم يتحملها السيد عنه
أو تجب على السيد ابتداء؟ وجهان للشافعية وإلى الأول
نحا البخاري، قاله في الفتح. وقال ابن بطال: إنه يقول
بمذهب أهل الظاهر أنها تلزم العبد في نفسه وعلى سيده
تمكينه من اكتساب ذلك وإخراجه عن نفسه. وتعقبه في
المصابيح بأن البخاري لم يرد هذا وإنما أراد التنبيه
على اشتراط الإسلام فيمن تؤدى عنه زكاة الفطر لا غير،
ولذا لم يترجم ترجمة أخرى على اشتراط الإسلام، وعبّر
"بعلى" دون "عن" ليطابق لفظ الحديث، وقد سقط لفظ
"المسلمين" لابن عساكر.
1504 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ
صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى
كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ
الْمُسْلِمِينَ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع عن ابن عمر) بن
الخطاب (-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرض زكاة الفطر) من صوم
رمضان (صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو
عبد) قال القاضي أبو الطيب وغيره:
"على" بمعنى "عن" لأن العبد لا يطالب بأدائها. وأجيب:
بأنه لا يلزم من فرض شيء على شخص مطالبته به بدليل
الفطرة المتحملة عن غير من لزمته، والدية الواجبة بقتل
الخطأ أو شبهه (ذكر أو أنثى) أخذ بظاهره أبو حنيفة
فأوجب زكاة الفطرة على الأنثى سواء كان لها زوج أم لا.
وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن المتزوجة تجب فطرتها
على زوجها بالقياس على النفقة، واستأنسوا بحديث ابن
عمر أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بزكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر
والعبد ممن تمونون رواه الدارقطني والبيهقي وقال:
إسناده غير قوي. قال في المجموع: والحاصل أن هذه
اللفظة ممن تمونون ليست بثابتة (من المسلمين) فلا تجب
على المسلم فطرة عبده الكافر، قال في شرح المشكاة: من
المسلمين حال من العبد وما عطف عليه وتنزيلها على
المعاني المذكورة على ما يقتضيه علم البيان أن
المذكورات جاءت مزدوجة على التضاد للاستيعاب
(3/86)
لا للتخصيص لئلا يلزم التداخل فيكون المعنى
فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
على جميع الناس من المسلمين، أما كونها فيم وجبت وعلى
من وجبت فيعلم من نصوص أخرى. وقال في المصابيح: هو نص
ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات
المتعاطفات بأو فيندفع قول الطحاوي بأنه خطاب متوجه
معناه إلى السادة يقصد بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى
إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر.
72 - باب صَدَقَةُ الفطرِ صاعٌ
(باب صدقة الفطر صاع من شعير) برفع صاع خبر مبتدأ
محذوف أي هي صاع، ولغير أبي ذر باب صاع من شعير وفي
بعض الأصول صاعًا بالنصب خبر كان محذوفة أو حكاية عما
في الحديث.
1505 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
"كُنَّا نُطْعِمُ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ".
[الحديث 1505 - أطرافه في: 1506، 1508، 1510].
وبالسند قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة،
ولأبي ذر: قبيصة بن عقبة بضم العين وسكون القاف
العامري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن زيد بن أسلم)
مولى عمر بن الخطاب (عن عياض بن عبد الله) العامري (عن
أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- قال):.
(كنا نطعم الصدقة) أي زكاة الفطر فأل للعهد (صاعًا من
شعير) من بيانية، والحديث أخرجه الستّة وله حكم الرفع
على الصحيح كما قطع به الحاكم والجمهور لأن الظاهر أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اطلع على ذلك
وأقره ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي.
73 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ
(باب صدقة الفطر) هي (صاع من طعام) ولغير أبي ذر:
صاعًا بالنصب خبر كان كما مرّ.
1506 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي
سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كُنَّا
نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ
صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن زيد بن أسلم عن
عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح) بسكون عين سعد
وراء سرح (العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله
عنه- يقول):
(كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام) هو البر لقوله:
(أو صاعًا من شعير) قال التوربشتي: والبر أعلى ما
كانوا يقتاتونه في الحضر والسفر فلولا أنه أراد
بالطعام البر لذكره عند التفصيل، وحكى المنذري في
حواشي السنن عن بعضهم اتفاق العلماء على أنه المراد
هنا. وقال بعضهم: كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة
عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه
سوق القمح، وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب
استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أقرب. وتعقبه
ابن المنذر بما في حديث أبي سعيد الآتي إن شاء الله
تعالى في باب: صاع من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت
السمراء لأنه يدل على أنها لم تكن قوتًا لهم قبل هذا
ثم قال: ولا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعتمد عليه، ولم
يكن البرّ يومئذٍ بالمدينة إلا الشيء اليسير منه فكيف
يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودًا؟.
وأما ما أخرجه ابن خزيمة والحاكم في صحيحهما من طريق
إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم عن
عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد وذكروا عنده صدقة
رمضان فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاع تمر أو صاع
حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط. فقال له رجل من القوم:
أو مدّين من قمح، فقال: لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها
ولا أعمل بها. فقال ابن خزيمة بعد أن ذكره ذكر الحنطة
في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم. وقوله:
فقال رجل الخ. دال على أن ذكر الحنطة في أوّل القصة
خطأ إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها
على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صاعًا لما كان الرجل يقول له أو مدّين من
قمح وقد أشار أبو داود إلى رواية ابن إسحاق هذه وقال:
إن ذكر الحنطة فيها غير محفوظ (أو صاعًا من تمر أو
صاعًا من أقط) وهو لبن جامد فيه زبدة فإن أفسد الملح
جوهره لم يجز وإن ظهر عليه ولم يفسده وجب بلوغ خالصه
صاعًا (أو صاعًا من زبيب).
74 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
(باب صدقة الفطر صاعًا) وفي نسخة صاع (من تمر).
1507 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ:
"أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي
الله عنه-: فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ
حِنْطَةٍ".
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد
الله بن يونس التميمي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد
الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله قال):
ولأبي ذر: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال:
(أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزكاة
الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير قال عبد الله) بن
عمر -رضي الله عنهما- (فجعل الناس) أي معاوية ومن معه
كما صرح به
(3/87)
في الرواية الأخرى (عدله) قال في القاموس:
العدل أي بالفتح المثل والنظير كالعدل أي بالكسر،
والعديل الجمع أعدال وعدلاء والكيل اهـ.
وقال الأخفش بالكسر المثل وبالفتح مصدر، وقال الفراء
بالفتح ما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر المثل، وقال
غيره بالعكس (مدّين) تثنية مدّ وهو ربع الصاع (من
حنطة) وظاهره أنه فعل ذلك بالاجتهاد بناء على أن قيم
ما عدا الحنطة متساوية، وكانت الحنطة إذ ذاك غالية
الثمن لكن يلزم عليه أن تعتبر القيمة في كل زمان
فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان
إخراج آصع من الحنطة، ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى
جعفر الفريابي في كتاب صدقة الفطر أن ابن عباس لما كان
أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها
صاع من تمر إلى أن قال: أو نصف صاع من بر. قال: فلما
جاء عليّ ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعًا من كل
فدلّ على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك قاله في فتح
الباري، لكن في حديث ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
"زكاة الفطر صاع من بر أو قمح عن كل اثنين" رواه أبو
داود أي مجزئ عنهما وهذا نص صريح ولا اجتهاد مع النص
وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- كما مرّ، لكن حديث
ثعلبة فيه النعمان بن راشد لا يحتج به وقال البخاري
فيه يتهم كثيرًا وقال أحمد ليس حديثه بصحيح.
وبقية مباحث هذا الحديث تأتي قريبًا إن شاء الله
تعالى.
75 - باب صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ
(باب صاع من زبيب) في صدقة الفطر مجزئ.
1508 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ
يَزِيدَ الْعَدَنِيَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا
نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا
مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ
السَّمْرَاءُ قَالَ أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ
مُدَّيْنِ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم
وكسر النون الزاهد المروزي أنه (سمع يزيد العدني) بفتح
العين والدال المهملتين، ولأبي ذر: يزيد بن أبي حكيم
بفتح الحاء وكسر الكاف العدني (قال: حدّثنا سفيان)
الثوري (عن زيد بن أسلم قال: حدّثني) بالإفراد (عياض
بن عبد الله بن أبي سرح) بسكون الراء بعد السين
المهملة المفتوحة آخره حاء مهملة (عن أبي سعيد الخدري
-رضي الله عنه- قال):
(كنا نعطيها) أي زكاة الفطر (في زمان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذا له حكم الرفع
لإضافته إلى زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر أو صاعًا
من شعير أو صاعًا من زبيب فلما جاء معاوية) بن أبي
سفيان وزاد مسلم في روايته فلم نزل نخرجه حتى قدم
معاوية حاجًّا أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر، وزاد
ابن خزيمة وهو يومئذٍ خليفة (وجاءت السمراء) أي كثرت
الحنطة الشامية ورخصت (قال: أرى) بضم الهمزة أي أظن
ولأبي ذر: أرى (مدًّا) واحدًا (من هذا) الحب أو القمح
(يعدل مدّين) من سائر الحبوب وبهذا ونحوه تمسك أبو
حنيفة -رحمه الله تعالى- وأجيب بأنه قال في أول الحديث
صاعًا من طعام وهو في الحجاز الحنطة فهو صريح في أن
الواجب منها صاع، وقد عدّد الأقوات فذكر أفضلها قوتًا
عندهم وهو البر لا سيما وعطفت بأو الفاصلة فالنظر إلى
ذواتها لا قيمتها ومعاوية إنما صرح بأنه رأيه فلا يكون
حجة على غيره اهـ.
لكن نازع ابن المنذر في كون المراد بالطعام الحنطة كما
مرّ قريبًا وقد زاد مسلم قال أبو سعيد: أما أنا فلا
أزال أخرجه أبدًا ما عشت، وله من طريق ابن عجلان عن
عياض فأنكر ذلك أبو سعيد وقال: لا أخرج إلا ما كنت
أخرج في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ولابن خزيمة والحاكم والدارقطني فقال له
رجل: مدّين من قمح. فقال: لا تلك قيمة معاوية لا
أقبلها ولا أعمل بها، فدلّ على أنه لم يوافق على ذلك
وحينئذٍ فليس في المسألة إجماع سكوتي. قال النووي:
وكيف يكون ذلك وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول
صحبة وأعلم بأحوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
76 - باب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ
(باب) استحباب إخراج (الصدقة) أي صدقة الفطر (قبل)
خروج الناس إلى صلاة (العيد) وقد صرح بذلك الفقهاء من
المذاهب الأربعة بل زاد الحنابلة فقالوا بكراهة
تأخيرها عن الصلاة.
1509 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ
مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ
إِلَى الصَّلاَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا
حفص بن ميسرة) ضد الميمنة الصنعاني. نزيل الشأم قال:
(حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر:
(3/88)
حدّثني (موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر)
بن الخطاب (-رضي الله عنهما-):
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر
بزكاة الفطر) أن تخرج (قبل خروج الناس إلى الصلاة) أي
قبل صلاة العيد وبعد صلاة الفجر عن عمرو بن دينار عن
عكرمة فيما قاله ابن عيينة في تفسيره يقدم الرجل زكاته
يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: {قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ
فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15] والأمر هنا للندب فيجوز
تأخيرها إلى غروب شمس يوم العيد. نعم يحرم تأخير
أدائها عنه بلا عذر كغيبة ماله أو الآخذ لأن القصد
إغناء الفقراء عن الطلب فيه. وفي حديث ابن عمر عند
سعيد بن منصور: أغنوهم يعني المساكين عن طواف هذا
اليوم ويلزم قضاؤها على الفور والتعبير بالصلاة جرى
على الغالب من فعلها أوّل النهار، فإن أخرت أي الصلاة
استحب الأداء قبلها أوّل النهار للتوسعة على
المستحقين.
1510 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا
أَبُو عُمَرَ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
-رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ -وَقَالَ أَبُو
سَعِيدٍ- وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ
وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ".
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بضم الميم وفتح الضاد
المعجمة المخففة قال: (حدّثنا أبو عمر) بضم العين
ولأبي ذر أبو عمر حفص بن ميسرة (عن زيد) ولأبي ذر زيد
بن أسلم (عن عياض بن عبد الله بن سعد) بسكون العين ابن
أبي سرح (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال):
(كنا نخرج في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم الفطر) صادق بجميعه فلذا حمل الإمام
الشافعي التقييد في الحديث السابق بقبل صلاة العيد على
الاستحباب (صاعًا من طعام وقال أبو سعيد) الخدري
مفسرًا ما أجمله في قوله من طعام: (وكان طعامنا
الشعير) بالنصب خبر كان، وفي رواية غير أبي ذر: طعامنا
الشعير بنصب طعام ورفع الشعير اسم كان مؤخرًا (والزبيب
والأقط والتمر) عطف على الشعير زاد الطحاوي من طريق
أخرى عن عياض فلا نخرج غيره، وهو يؤيد تغليط ابن
المنذر لمن قال إن قوله صاعًا من طعام حجة لمن قال
صاعًا من حنطة كما سبق تقريره، وحمل البرماوي
كالكرماني الطعام هنا على اللغوي الشامل لكل مطعوم
قال: ولا ينافي تخصيص الطعام فيما سبق بالبر لأنه قد
عطف عليه الشعير فدلّ على التغاير وهذا كالوعد فإنه
عام في الخير والشر، وإذا عطف عليه الوعيد خص بالخير
وليس هو من عطف الخاص على العام نحو: فاكهة ونخل
وملائكته وجبريل فإن ذلك إنما هو فيما إذا كان الخاص
أشرف وهنا بالعكس اهـ. فليتأمل مع ما سبق عن ابن
المنذر وغيره.
77 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ
وَالْمَمْلُوكِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الْمَمْلُوكِينَ
لِلتِّجَارَةِ: يُزَكَّى فِي التِّجَارَةِ، وَيُزَكَّى
فِي الْفِطْرِ
(باب) وجوب (صدقة الفطر على الحرّ والمملوك) سبق قبل
خمسة أبواب باب صدقة الفطر على
العبد وغيره لكنه قيدها في رواية غير ابن عساكر
بالمسلمين وأسقط ذلك هنا. قال الزين المنير: غرضه من
الترجمة الأولى أن الصدقة لا تخرج عن كافر ولذا قيدها
بقوله من المسلمين، وغرضه من هذه تمييز من تجب عليه أو
عنه بعد وجود الشرط المذكور وهو الإسلام ولذا استغنى
عن ذكره هنا فيها.
(قال: الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (في المملوكين)
بكسر الكاف حال كونهم (للتجارة: يزكي) بفتح الكاف
مبنيًا للمفعول أو بكسرها مبنيًا للفاعل أي يؤدي
الزكاة (في التجارة)، زكاة قيمتهم آخر الحول (ويزكي)
بفتح الكاف أو بكسرها كما مرّ أيضًا (في) زكاة (الفطر)
زكاة أبدانهم وهذا قول الجمهور. وقال الحنفية: لا يلزم
السيد زكاة الفطر عن عبيد التجارة إذ لا يلزم في مال
واحد زكاتان. قال الحافظ ابن حجر: وهذا التعليق وصله
ابن المنذر ولم أقف على إسناده وذكر بعضه أبو عبيد في
كتاب الأموال.
1511 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"فَرَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صَدَقَةَ الْفِطْرِ -أَوْ قَالَ:
رَمَضَانَ- عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالْحُرِّ
وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ
بُرٍّ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُعْطِي
التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ
التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ
يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ
كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- يُعْطِيهَا الَّذِينَ
يَقْبَلُونَهَا. وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ
بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضلَ
السدوسيّ البصري الملقب بعارم بالعين والراء المهملتين
قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الجهضمي قال:
(حدّثنا أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) بن
الخطاب (-رضي الله عنهما- قال: فرض النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صدقة الفطر -أو قال-:)
صدقة (رمضان) شك الراوي في المقول منهما وكلاهما صحيح
لتعليق الصدقة بهما، وفي رواية في الصحيحين الجمع
بينهما وهي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- زكاة الفطر من رمضان (على الذكر والأنثى
والحر والمملوك) قنا كان أو مدبرًا أو أم ولد أو معلق
العتق
(3/89)
بصفة ولو آبقًا ومغصوبًا ومؤجرًا ومرهونًا
يؤدّيها السيد عنه (صاعًا من تمر وصاعًا من شعير)، أما
المكاتب فلا فطرة عليه لضعف ملكه ولا على سيده عنه
لنزوله منه منزلة الأجنبي، وأما المبعض فقال الشافعي:
يخرج هو من الصاع بقدر حريته وسيده بقدر رقه وهو إحدى
الروايتين عن أحمد، والمشهور عند المالكية أن على
المالك بقدر نصيبه ولا شيء على العبد، وقال أبو حنيفة:
لا شيء فيه عليه ولا على السيد (فعدل الناس به) أي
بصاع التمر أي جعلوا مثله (نصف صاع من برّ)، ولما كان
الكلام متضمنًا ترك المعدول عنه أدخل الباء عليه لأنها
تدخل على المتروك ففي الباء معنى البدلية، والمراد
بالناس معاوية ومن معه كما مرّ لا جميع الناس حتى يكون
إجماعًا كما نقل عن أبي حنيفة أنه استدلّ به وقد مر ما
فيه، (فكان ابن عمر يعطي التمر)
وفي رواية مالك في الموطأ عن نافع: كان ابن عمر لا
يخرج إلا التمر في زكاة الفطر إلا مرة واحدة فإنه أخرج
شعيرًا (فأعوز) بفتح الهمزة والواو بينهما عين مهملة
ساكنة آخره زاي أي احتاج، ولأبي ذر: فأعوز بضم الهمزة
وكسر الواو (أهل المدينة من التمر) فلم يجدوه (فأعطى
شعيرًا) وهو يدل على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة
الفطر، ومذهب الشافعية أن الواجب جنس القوت المعشر
وكذا الأقط لحديث أبي سعيد السابق وفي معناه اللبن
والجبن فيجزئ كل من الثلاثة لمن هو قوته ولا يجزئ
المخيض والمصل والسمن والجبن المنزوع الزبد لانتفاء
الاقتيات بها ولا المملح من الأقط الذي أفسد كثرة
الملح جوهره، ويجب من غالب قوت بلده فأوفى قوله في
الحديث صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير ليست للتخيير بل
لبيان الأنواع التي يخرج منها وذكرًا لأنهما الغالب في
قوت أهل المدينة، وجاءت أحاديث أخرى بأجناس أخرى فعند
الحاكم: أو صاعًا من قمح، ولأبي داود والنسائي: أو
سلت، وللمؤلّف وغيره كما سبق: أو زبيب أو أقط وكلها
محمولة على أنها غالب أقوات المخاطبين بها ويجزئ
الأعلى عن الأدنى ولا عكس، والاعتبار بزيادة الاقتيات
في الأصح فالبرّ خير من التمر والأرز، والشعير خير من
التمر لأنه أبلغ في الاقتيات، والتمر خير من الزبيب.
وقال الحنفية: يتخير بين البرّ والدقيق والسويق
والزبيب والتمر، والدقيق أولى من البرّ، والدراهم أولى
من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف. وقال المالكية: من
أغلب قوت المزكي أو قوت البلد الذي هو فيه من معشر وهو
القمح والشعير والأرز والذرة والدخن والتمر والزبيب
والأقط غير العلس إلا أن يقتات غير المعشر والأقط
كالتين والقطاني والسويق واللحم واللبن فإنه يخرج منه
على المشهور.
قال نافع: (فكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يعطي)
زكاة الفطر (عن الصغير والكبير حتى إن كان يعطي)
الفطرة (عن بني) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد
التحتية أي الذين رزقهم وهو في الرق أو بعد أن أعتق
على سبيل التبرع أو كان يرى وجوبها على جميع من يمونه
ولو لم تكن نفقته واجبة عليه، وهمزة إن مكسورة ومفتوحة
فقال الكرماني: شرط المكسورة اللام في الخبر أي نحو:
{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143] والمفتوحة
قد ونحوه وأجاب بأنهما مقدّرتان أو تجعل أن مصدرية
وكان زائدة اهـ.
وتعقبه العينى فقال: هذا تعسف والأوجه أن يقال: إن أن
مخففة من الثقيلة وأصله حتى أنه كان أي حتى أن ابن عمر
كان يعطي. وأجاب في المصابيح عن اللام بأنه إذا دل على
قصد الإثبات جاز تركها كقوله:
إن كنت قاضي نحبي يوم بينكم ... لو لم تمنوا بوعد يوم
توديع
إذ المعنى فيه لا يستقيم إلا على إرادة الإثبات،
والدليل في الحديث موجود لأنه قال: وكان ابن عمر يعطى
عن الصغير والكبير وغياه بقوله: حتى إن كان يعطي عن
بني ولا تأتي الغاية مع
قصد النفي أصلاً انتهى. لكن ثبت في رواية أبي ذر كما
في اليونينية: ليعطي باللام ولم يضبط الهمزة إلا
بالكسر وصحح عليها.
قال نافع: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها) أي
زكاة الفطر (الذين يقبلونها) أي
(3/90)
الذين تجتمع عندهم ويتولون تفرقتها صبيحة العيد لأنه
السنة قاله ابن بطال أو الذين يدّعون الفقر من غير أن
يتجسس، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يقبلون بإسقاط
ضمير المفعول (وكانوا) أي الناس (يعطون) بضم أوّله
وثالثه أي صدقة الفطر (قبل) يوم (الفطر بيوم أو يومين)
فيه جواز تقديمها قبل يوم العيد فله تعجيلها من أوّل
رمضان ليلاً والصحيح منعه قبل رمضان لأنه تقديم على
السبب.
78 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ
(باب) وجوب (صدقة الفطر على الصغير والكبير).
1512 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةَ
الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ
تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ
وَالْمَمْلُوكِ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري (قال:
حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-،
قال):
(فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صدقة الفطر صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر على) ولي
(الصغير) الذي لم يحتلم إن كان له مال أو على من تلزمه
نفقته، وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور خلافًا لمحمد
بن الحسن حيث قال: على الأب مطلقًا (والكبير والحر
والمملوك).
تنبيه
لا فطرة على جنين خلافًا لابن حزم حيث قال بوجوبها
مستدلاً بقوله: أو صاعًا من التمر على الصغير قال: لأن
الجنين في بطن أمه يقع عليه اسم صغير فإذا أكمل مائة
وعشرين يومًا في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة
العيد وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر، واستدلّ بما رواه
بكر بن عبد الله المزني وقتادة أن عثمان -رضي الله
عنه- كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى عن
الحمل في بطن أمه، وعورض بأن ما ذكر عن عثمان لا حجة
فيه لأنه منقطع فإن بكرًا وقتادة روايتهما عن عثمان
مرسلة. وأما قوله: على الصغير والكبير فلم يفهم عاقل
منه إلا الموجودين في الدنيا وأما المعدوم فلا نعلم
أحد أوجب عليه والله أعلم.
وهذا آخر كتاب الزكاة والله أسأل بوجهه الكريم وبنبيه
العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم أن يمن عليّ بإكماله
وتحريره على ما يحبه تعالى ويرضاه وينفعني به
والمسلمين في عافية بلا محنة. استودع الله تعالى ذلك
فإنه لا تخيب ودائعه وكذا جميع مآربي، وصلّى الله على
سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كبيرًا.
ولما فرغ المؤلّف من الزكاة عقبها بالحج لما بينهما من
المناسبة لأن كلاًّ منهما عبادة مالية فقال:
|