شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
26 - كتاب العمرة
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذر وثبتت
لغيره.
1 - باب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لَيْسَ أَحَدٌ
إِلاَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- إِنَّهَا
لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
(باب العمرة) بضم العين مع ضم الميم وإسكانها وبفتح العين
وإسكان الميم وهي في اللغة الزيارة وقيل القصد إلى مكان
عامر وفي الشرع قصد الكعبة للنسك بشروط مخصوصة (وجوب
العمرة وفضلها) ولأبوي ذر والوقت: باب وجوب العمرة وفضلها،
ولأبي ذر عن المستملي: أبواب العمرة وجوب العمرة وفضلها
وسقط عنده عن غيره أبواب العمرة، وللأصيلي وكريمة: باب
العمرة وفضلها حسب، وسقط لابن عساكر باب العمرة.
(وقال ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما): وصله ابن
حزيمة والدارقطني والحاكم (ليس أحد) من المكلفين (إلا
وعليه حجة وعمرة) واجبتان مع الاستطاعة.
(وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-) مما وصله إمامنا الشافعي
وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن
دينار، سمعت طاوسًا يقول: سمعت ابن عباس يقول: والله (إنها
لقرينتها في كتاب الله عز وجل {وأتموا الحج والعمرة لله}
[البقرة: 196] الضمير الأول في قوله إنها لقرينتها للعمرة
والثاني لفريضة الحج والأصل لقرينته أي لقرينة الحج لكن
قصد التشاكل فأخرج على هذا الوجه بالتأويل فوجوب العمرة من
عطفها على الحج الواجب، وأيضًا إذا كان الإتمام واجبًا
كان اللابتداء واجبًا، وأيضًا معنى ({أتموا}) أقيموا. وقال
الشافعي فيما قرأته في المعرفة للبيهقي: والذي هو أشبه
بظاهر القران وأولى بأهل العلم عند وأسأل الله التوفيق أن
تكون العمرة واجبة بأن الله تعالى قرنها مع الحج فقال:
({وأتموا الحج والعمرة لله}) وأن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر قبل أن يحج وأن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سن إحرامها
والخروج منها بطواف وسعي وحلاق وميقات، وفي الحج زيادة عمل
على العمرة، وظاهر القران أولى إذا لم تكن دلالة اهـ.
وقول الترمذي عن الشافعي أنه قال: العمرة سنة لا نعلم
أحدًا رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع لا يريد
به أنها ليست واجبة بدليل قوله: لا نعلم أحدًا رخص في
تركها لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص في تركها
قطعًا والسنة تطلق ويراد بها الطريقة قاله الزين العراقي.
ومذهب الحنابلة: الوجوب كالحج ذكره الأصحاب. قال الزركشي
منهم جزم به جمهور الأصحاب وعنه أنها سنّة، والمشهور عن
المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية. لنا: ما سبق
وحديث زيد بن ثابت عند الحكم والدارقطني قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحج والعمرة
فريضتان" لكن قال الحاكم: الصحيح عن زيد بن ثابت
(3/260)
من قوله اهـ.
وفيه إسماعيل بن مسلم ضعفوه، وأخرج الدارقطني عن عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله ما
الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول
الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وأن تحج وتعمر. قال
الدارقطني: إسناده صحيح.
وعن عائشة عند ابن ماجة والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة
قالت قلت يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم جهاد لا قتال
فيه الحج والعمرة".
وروى الترمذي وصححه أن أبا رزين لقيط بن عامر العقيلي أتى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا
رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا
الظعن؟ قال: "حج عن أبيك واعتمر" واحتج القائلون بالسنية
بحديث بني الإسلام على خمس فذكر الحج دون العمرة.
وأجابوا عن ثبوتها في حديث الدارقطني بأنها شاذة وبحديث
الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر عند الترمذي
وقال حسن صحيح قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا وإن
تعتمر فهو أفضل" لكن قال في شرح المهذّب: اتفق الحفاظ على
أنه حديث ضعيف ولا يغترّ بقول الترمذي فيه حسن صحيح.
وقال العلامة الكمال ابن الهمام في فتح القدير: إنه لا
ينزل عن كونه حسنًا والحسن حجة اتفاقًا وإن قال الدارقطني
الحجاج بن أرطأة لا يحتج به، فقد اتفقت الروايات عن
الترمذي على تحسين حديثه هذا، وقد رواه ابن جريج عن محمد
بن المنكدر عن جابر، وأخرجه الطبراني في الصغير والدارقطني
بطريق آخر عن جابر فيه يحيى بن أيوب وضعفه، وروى عبد
الباقي ابن قانع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحج جهاد والعمرة تطوّع"
وهو أيضًا حجة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-:
الحج فريضة والعمرة تطوّع وكفى بعبد الله قدوة. وتعدد طرق
حديث الترمذي الذي اتفقت الروايات على تحسينه برفعه إلى
درجة الصحيح كما أن تعدد طرق الضعيف ترفعه إلى الحسن فقام
ركن المعارضة والافتراض لا يثبت مع المعارضة لأن المعارضة
تمنعه من إثبات مقتضاه، ولا يخفى أن المراد من قول
الشافعي: الفرض الظني هو الوجوب عندنا، ومقتضى ما ذكرناه
أن لا يثبت مقتضى ما رويناه أيضًا للاشتراك في موجب
المعارضة فحاصل التقرير حينئذ تعارض مقتضيات الوجوب والنفل
فلا يثبت ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه
والتابعين وذلك يوجب السنية فقلنا بها اهـ.
وأجاب القائلون بالاستحباب أيضًا عن الآية بأنه لا يلزم من
الاقتران بالحج أن تكون العمرة واجبة فهذا الاستدلال ضعيف،
وبأن في قراءة الشعبي والعمرة لله بالرفع ففصل بهذه
القراءة عطف العمرة على الحج ليرتفع الإشكال.
1773 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
«الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا
بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ
إِلاَّ الْجَنَّةُ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح
الميم (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام مات
مقتولاً بقديد سنة ثلاثين ومائة، وحديثه هذا من غرائب
الصحيح لأنه تفرد به واحتاج الناس إليه فيه فرواه عنه مالك
والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي
عن أبي صالح فكان سهيلاً لم يسمعه من أبيه وتحقق بذلك تفرد
سمي به قاله ابن عبد البر فيما حكاه عنه في الفتح (عن أبي
صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(العمرة إلى العمرة) يحتمل كما قاله ابن التين أن "إلى"
بمعنى "مع" كقوله تعالى إلى أموالكم: {من أنصاري إلى الله}
[آل عمران: 52 والصف: 14] (كفارة لما بينهما)، من الذنوب
غير الكبائر، وظاهره أن العمرة الأولى هي المكفرة لأنها هي
التي وقع الخبر عنها أنها تكفر، ولكن الظاهر من جهة المعنى
أن العمرة الثانية هي التي تكفر ما قبلها إلى العمرة
السابقة فإن التكفير قبل وقوع الذنب حلاف الظاهر.
واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر مكفر
فماذا تكفر العمرة؟ وأجيب: بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها
وتكفير الاجتتاب عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه
الحيثية.
(والحج المبرور) الذي لا يخالطه إثم أو المتقبل الذي لا
رياء فيه ولا سمعة
(3/261)
ولا رفث ولا فسوق (ليس له جزاء إلا الجنة)
فلا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه. وفي
الترمذي من
حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تابعوا بين الحج والعمرة
فإنهما ينفيان الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب
والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة".
وهذا الحديث رواه مسلم والترمذي.
2 - باب مَنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ
(باب من اعتمر قبل الحج) هل يجزيه ذلك أم لا.
1774 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ "أَنَّ
عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ: لاَ
بَأْسَ. قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اعْتَمَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ
أَنْ يَحُجَّ". وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ
"سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ ... مِثْلَهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) هو ابن ثابت بن عثمان
المعروف بابن شبويه قاله الدارقطني، وقال الحاكم أبو عبد
الله هو أحمد بن محمد بن موسى المروزي يعرف بمردويه، ورجح
المزي وغيره هذا الثاني قال: (أخبرنا عبد الله) هو ابن
المبارك المروزي قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك المكي
(أن عكرمة بن خالد) هو ابن العاصي بن هشام المخزومي (سأل
ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن العمرة قبل الحج
فقال): ابن عمر (لا بأس) زاد أحمد وابن خزيمة فقالا: لا
بأس على أحد أن يعتمر قبل الحج.
(قال عكرمة) بن خالد بالإسناد السابق (قال ابن عمر):
(اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن
يحج) ولما كان قوله في الحديث السابق: أخبرنا ابن جريج أن
عكرمة بن خالد سأل ابن عمر يقتضي أن الإسناد مرسل لأن ابن
جريج لم يدرك زمان سؤال عكرمة لابن عمر استظهر المؤلّف
بالتعليق الذي سيذكره عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال فقال:
(وقال إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد تكلم فيه بلا قادح
مما وصله أحمد (عن أبي إسحاق) محمد صاحب المغازي قال:
(حدثني) بالإفراد (عكرمة بن خالد) المذكور (قال: سألت ابن
عمر مثله) ولفظ أحمد: قدمت المدينة في نفر من أهل مكة
فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: إنّا لم نحج قط أفنعتمر من
المدينة؟ قال: نعم وما يمنعكم من ذلك، فقد اعتمر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة كلها من المدينة
قبل حجه قال: "فاعتمرنا".
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ
"سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- مِثْلَهُ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدثني (عمرو بن علي)
بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي البصري
قال: (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل قال: (أخبرنا
ابن جريج) عبد الملك (قال عكرمة بن خالد): هو المخزومي
السابق (سألت ابن عمر -رضي الله عنهما- مثله).
وقول ابن بطال جواب ابن عمر بجواز الاعتمار قبل الحج يدل
على أن مذهبه أن فرض الحج كان قد نزل على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل اعتماره، وذلك يدل على أن
الحج على التراخي إذ لو كان وقته مضيقًا لوجب إذا أخره إلى
سنة أخرى أن يكون قضاء واللازم باطل، تعقبه ابن المنير بأن
القضاء خاص بما وقت بوقت معين مضيق كالصلاة والصيام وأما
ما ليس كذلك فلا يعدّ تأخيره قضاء سواء كان على الفور أو
على التراخي كما في الزكاة يؤخرها ما شاء الله بعد تمكنه
من أدائها على الفور فإن المؤخر على هذا الوجه يأثم ولا
يعد أداؤه له بعد ذلك قضاء بل هو أداء، ومن ذلك الإسلام
واجب على الكفار على الفور فلو تراخى عنه الكافر ما شاء
الله ثم أسلم لم يعد ذلك قضاء.
3 - باب كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
هذاأ باب) بالتنوين يذكر فيه (كم اعتمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟
1775 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ "دَخَلْتُ أَنَا
وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- جَالِسٌ إِلَى
حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي
الْمَسْجِدِ صَلاَةَ الضُّحَى. قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ
صَلاَتِهِمْ فَقَالَ: بِدْعَةٌ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَمِ
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَرْبَعًا، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ.
فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ". [الحديث 1775 - طرفه
في: 4253].
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني البلخي قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن
المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (قال: دخلت أنا
وعروة بن الزبير المسجد) المدني النبوي (فإذا عبد الله بن
عمر جالس) خبر عبد الله (إلى حجرة عائشة) -رضي الله عنها-.
وعند أحمد في رواية مفضل عن منصور فإذا ابن عمر مستند إلى
حجرة عائشة (وإذا أناس) بهمزة مضمومة، وفي الفتح: ناس
بحذفها للكشميهني وفي الفرع وأصله علامة ثبوتها لأبي الوقت
(يصلون في المسجد صلاة الضحى قال): مجاهد (فسألناه) أي ابن
عمر (عن صلاتهم) التي يصلونها في المسجد (فقال) أي ابن عمر
صلاتهم على هذه الصفة من الاجتماع لها في المسجد (بدعة. ثم
قال): عروة بن الزبير وقع التصريح بأنه عروة في مسلم في
رواية عن إسحاق بن راهويه عن جرير (له) أي لابن عمر (كم
اعتمر
(3/262)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قال) "أربع" بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي عمره
أربع، ولأبي ذر: أربعًا بالنصب أي اعتمر أربعًا قال ابن
مالك: الأكثر في جواب الاستفهام مطابقة
اللفظ والمعنى وقد يكتفى بالمعنى فمن الأول قوله تعالى:
{قال هي عصاي أتوكأ} [طه: 18] في جواب: {وما تلك بيمينك يا
موسى} [طه: 17] ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام:
أربعين يومًا جوابًا لقول السائل ما لبثه في الأرض فأضمر
يلبث ونصب به أربعين، ولو قصد تكميل المطابقة لقال أربعون
لأن الاسم المستفهم به في موضع الرفع، فظهر بهذا أن
الوجهين جائزان إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر قال: ويجوز
أن يكون أربع كتب بلا ألف على لغة ربيعة في الوقف بالسكون
على المنصوب النون اهـ.
وهذا مثل ما سبق له قريبًا، وقد مرّ قول العلامة البدر
الدماميني أنه مقتض للنصب لا للرفع (إحداهن) أي العمرات
كانت (أفي) شهر (رجب) بالتنوين (فكرهنا أن نردّ عليه).
1776 - قَالَ وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا
أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا
يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟
قَالَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ
إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ
شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ". [الحديث
1776 - طرفاه في: 1777، 4254].
(قال وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- أي
حس مرور السواك على أسنانها (في الحجرة فقال عروة) بن
الزبير لعائشة: (يا أماه) بالألف بين الميم والهاء
المضمومة في الفرع وغيره، وقال الحافظ ابن حجر والبرماوي
كالكرماني بسكونها، ولأبوي ذرّ والوقت والأصيلي: يا أمه
بحذف الألف وسكون الهاء، وفي نسخة: يا أم المؤمنين وهذا
بالمعنى الأعم لأنها أم المؤمنين والسابق بالمعنى الأخص
لأنها خالته (ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن) عبد الله
بن عمر -رضي الله عنهما-؟ (قالت): عائشة -رضي الله عنها-:
(ما يقول) عبد الله؟ (قال) عروة (يقول) (إن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر أربع عمرات)
بسكون الميم وفتحها وضمها والتحريك لأبي ذر (إحداهن في)
شهر (رجب) (قالت) أي عائشة (يرحم الله أبا عبد الرحمن) بن
عمر -رضي الله عنهما- (ما اعتمر) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عمرة إلا وهو) أي ابن عمر (شاهده) أي
حاضر معه (وما اعتمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(في) شهر (رجب قط) قالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان
ولم تنكر عليه إلا قوله إحداهن في رجب، وزاد مسلم عن عطاء
عن عروة قال: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم سكت. قال
النووي: سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان
اشتبه عليه أو نسي أو شك اهـ.
وبهذا يجاب عما استشكل من تقديم قول عائشة النافي على قول
ابن عمر المثبت وهو خلاف القاعدة المقررة.
1777 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَجَبٍ".
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد قال:
(أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد
(عطاء) فو ابن أبي رباح (عن عروة بن الزبير) بن العوام
(قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-) أي عن قول ابن عمر أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر أربع
عمرات إحداهن في رجب (قالت): "ما اعتمر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رجب" زاد في الأولى قط.
1778 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ "سَأَلْتُ أَنَسًا -رضي الله
عنه-: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قَالَ أَرْبَعٌ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي
ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ،
وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ
حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ إِذْ
قَسَمَ غَنِيمَةَ -أُرَاهُ- حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟
قَالَ: وَاحِدَةً". [الحديث 1778 - أطرافه في: 1779، 1780،
3066، 4148].
وبه قال: (حدّثنا حسان بن حسان) غير مصروف البصري نزيل مكة
قال البخاري كان المقرئ يثني عليه، وقال أبو حاتم منكر
الحديث لكن روى عنه البخاري حديثين فقط أحدهما هذا، وأخرجه
أيضًا عن هدبة وأبي الوليد الطيالسي بمتابعته عن همام
والآخر في المغازي عن محمد بن طلحة عن حميد وله طرق أخر عن
حميد قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم بعد فتح الهاء ابن
يحيى بن دينار العوذي الشيباني البصري (عن قتادة) بن دعامة
قال: (سألت أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-. كم اعتمر
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال) (أربع).
بالرفع أي الذي اعتمره أربع (عمرة الحديبية) بتخفيف الياء
على الفصيح وعمرة رفع بدل من أربع، ولأبي ذر أربعًا بالنصب
أي اعتمر أربع عمر عمرة الحديبية بالنصب بدل من المنصوب
(من ذي القعدة) سنة ست (حيث صدّه المشركون) بالحديبية فنحر
الهدي بها وحلق هو وأصحابه ورجع إلى المدينة (وعمرة)
بالرفع عطفًا على المرفوع، ولأبي ذر: وعمرة بالنصب عطفًا
على المنصوب (من العام المقبل في ذي القعدة حين صالحهم)
يعني قريشًا وهي عمرة القضاء والقضية، وإنما سميت بهما
لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(3/263)
قاضى قريشًا فيها لا أنها وقعت قضاء عن
العمرة التي صدّ عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة،
وهذا مذهب الشافعية والمالكية. وقال الحنفية: هي قضاء
عنها.
قال في فتح القدير: وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها
بعمرة القضاء ظاهر في خلافه وتسمية بعضهم إياها عمرة
القضية لا ينفيه فإنه اتفق في الأولى مقاضاة النبي أهل مكة
على أن يأتي من العام القبل فيدخل مكة بعمرة ويقيم ثلاثًا
وهذا الأمر قضية تصح إضافة هذه العمرة إليها فإنها عمرة
كانت عن تلك القضية فهي قضاء عن تلك القضية فتصح إضافتها
إلى كل منهما فلا تستلزم الإضافة إلى القضية نفي القضاء
وإلإضافة إلى القضاء تفيد ثبوته فيثبت مفيد ثبوته بلا
معارض اهـ.
(وعمرة) بالرفع والنصب كما مرّ (الجعرانة). بكسر الجيم
وسكون العين المهملة وتخفيف الراء وبكسر العين وتشديد
الراء والأول ذهب إليه الأصمعي وصوبه الخطابي وهي ما بين
الطائف ومكة
(إذا) أي حين (قسم غنيمة) بالنصب معمول قسم من غير تنوين
لإضافته في الحقيقة إلى حنين (أراه) بضم الهمزة أي أظنه
وهو اعتراض بين المضاف وبين (حنين) المضاف إليه وكأن
الراوي طرأ عليه شك فأدخل لفظ أراه بينهما، وقد رواه مسلم
عن همام بغير شك وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال
وكانت في سنة ثمان في زمن غزوة الفتح ودخل عليه الصلاة
والسلام بهذه العمرة إلى مكة ليلاً وخرج منها ليلاً إلى
الجعرانة فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس خرج في بطن سرف
حتى جامع الطريق ومن ثم خفيت هذه العمرة على كثير من
الناس.
قال قتادة: (قلت): لأنس (كم حج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ (قال): حج (واحدة) وقد سقط من رواية حسان هذه
العمرة الرابعة، ولذا استظهر المؤلّف بطريق أبي الوليد
الثابت ذكرها فيه حيث قال وعمرة مع حجته.
1779 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ
"سَأَلْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- فَقَالَ "اعْتَمَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ
رَدُّوهُ، وَمِنَ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ،
وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ
حَجَّتِهِ".
فقال: بالسند السابق (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد
الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا همام) العوذي (عن قتادة) بن
دعامة (قال: سألت أنسًا -رضي الله عنه-) أي كم اعتمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال): (اعتمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث ردوه) أي
المشركون بالحديبية (و) اعتمر (من) العام (القابل عمر
الحديبية) وهي عمرة القضاء وهي وسابقتها من الحديبية أو
قوله والحديبية يتعلق بقوله حين ردوه (و) اعتمر (عمرة في
ذي القعدة) وهي عمرة الجعرانة (و) اعتمر (عمرة) وهي
الرابعة (مع حجته) وهذا بعينه هو الحديث الأول بمتنه وسنده
ولكن شيخه في الأول حسان وفي الثاني أبو الوليد، وأسقط في
الأول العمرة الرابعة وأثبتها في هذا كمسلم من طريق عبد
الصمد عن هشام لكن قال: الكرماني: إنها داخلة في الحديث
الأول ضمن الحج لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إما أن يكون متمتعًا أو قارنًا أو مفردًا، والمشهور عن
عائشة أنه كان مفردًا لكن ما ذكر هنا يشعر بأنه كان قارنًا
وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنًا مع أن حديثه
المذكور هنا يدل على أنه كان قارنًا لأنه لم ينقل أنه
اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته ولم يكن
متمتعًا لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي وقد كان أحرم
أولاً بالحج ثم أدخل عليه العمرة بالعقيق. ومن ثم اختلف في
عدد عمره فمن قال أربعًا فهذا وجهه، ومن قال ثلاثًا أسقط
الأخيرة لدخول أفعالها في الحج، ومن قال اعتمر عمرتين أسقط
عمرة الحديبية لكونهم صدّوا عنها، وأسقط الأخيرة لما ذكر
وأثبت عمرة القضية والجعرانة.
1780 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ
"اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إِلاَّ
الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتَهُ مِنَ
الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنَ
الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ،
وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا هدب) بضم الهاء وسكون المهملة وفتح
الموحدة بغير تنوين ابن خالد القيسي قال: (حدّثنا همام) أي
المذكور (قال): أي بالإسناد المذكور وهو عن قتادة عن أنس
(اعتمر) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(أربع عمر) كلهن (في ذي القعدة إلا التي اعتمر) وللحموي
والمستملي إلا الذي بصيغة المذكر أي إلا النسك الذي اعتمر
(مع حجته) في ذي الحجة ثم بين الأربعة المذكورة بقوله:
(عمرته) نصب باعتمر (من الحديبية) وهي الأولى (و) الثانية
(من العام المقبل)
(3/264)
وهي عمرة القضية (و) الثالثة (من الجعرانة
حيث قسم غنائم حنين) بالصرف (و) الرابعة (عمرة مع حجته) في
ذي الحجة كما مرّ. قال القابسي: هذا الاستثناء كلام زائد
وصوابه أربع عمر في ذي القعدة وعمرته من الحديبية إلى آخره
وقد عدها في آخر الحديث فكيف يستثنيها أولاً؟ قال عياض:
والرواية عندي هي الصواب وقد عدها بعد في الأربع فكأنه
قال: في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته.
1781 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا
شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ
"سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا:
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله
عنهما- يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ
أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ". [الحديث 1781 - أطرافه في:
1844، 2698، 2699، 2700، 3184، 4251].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن عثمان) بن حكيم بن دينار الأودي
قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بفتح اليمين واللام وشريح
بالشين المعجمة المضمومة والحاء المهملة قال: (حدّثنا
إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق الهمداني السبيعي
(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سألت
مسروقًا) يعني ابن الأجدع (وعطاء) هو ابن أبي رباح
(ومجاهدًا) هو ابن جبر أي كم اعتمر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا): (اعتمر رسول الله)
ولأبي الوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ذي القعدة) وسقط قوله في ذي القعدة في رواية أبوي ذر
والوقت (قبل أن يحج) حجة الوداع.
(وقال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- يقول):
(اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
ذي القعدة قبل أن يحج مرتين) لا يدل على نفي غيره لأن
مفهوم العدد لا اعتبار له، وقيل إن البراء لم يعدّ
الحديبية لكونها لم تتم والتي مع حجته لأنها دخلت في أفعال
الحج وكلهن أي الأربعة في القعدة في أربعة أعوام على ما هو
الحق كما ثبت عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- لم يعتمر
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا في ذي
القعدة، ولا ينافيه كون عمرته التي مع حجته في ذي الحجة
لأن مبدأها كان في ذي القعدة لأنهم خرجوا لخمس بقين من ذي
القعدة كما في الصحيح وكان إحرامه بها في وادي العقيق قبل
أن يدخل ذو الحجة وفعلها كان في ذي الحجة فصح طريقًا
الإثبات والنفي.
وأما ما رواه الدارقطني عن عائشة خرجت مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة رمضان فقد حكم
الحفاظ بغلط هذا الحديث إذ لا خلاف أن عمره لم تزد على
أربع، وقد عينها أنس وعدّها ونيس فيها
ذكر شيء منها في غير ذي القعدة سوى التي مع حجته ولو كانت
له عمرة في رجب وأخرى في رمضان لكانت ستًا ولو كانت أخرى
في شوال كما هو في سنن أبي داود عن عائشة أنه عليه الصلاة
والسلام اعتمر في شوال كانت سبعًا، والحق في ذلك أن ما
أمكن فيه الجمع وجب ارتكابه دفعًا للمعارضة وما لم يمكن
فيه حكم بمقتضى الأصح والأثبت وهذا أيضًا ممكن الجمع
بإرادة عمرة الجعرانة فإنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى
حنين في شوال والإحرام بها في القعدة فكان مجازًا للقرب
هذا إن صح وحفظ وإلاّ فالمعول عليه الثابت والله أعلم.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء ومجاهدًا فمكيان،
وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والسماع والقول.
4 - باب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ
(باب) فضل (عمرة) تفعل (في) شهر (رمضان).
1782 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يُخْبِرُنَا يَقُولُ "قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ -سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ
فَنَسِيتُ اسْمَهَا- مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟
قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ، فَرَكِبَهُ أَبُو فُلاَنٍ
وَابْنُهُ -لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا- وَتَرَكَ نَاضِحًا
نَنْضَحُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ
اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ
حَجَّةٌ". أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ. [الحديث 1782 - طرفه
في: 1863].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) بفتح السين المهملة بعد ضم
الميم والدال الأولى مشدّدة قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن
ابن جريج) عبد الملك (عن عطاء) هو ابن أبي رباح ولمسلم
أخبرني عطاء (قال: سمعت قال ابن عباس -رضي الله عنهما-)
حال كونه (يخبرنا) وحال كونه (يقول: قال رسول الله) ولأبي
الوقت قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(لامرأة من الأنصار) هي أم سنان كما عند المصنف وصحيح مسلم
في باب حج النساء (سماها ابن عباس) قال ابن جريج (فنسيت
اسمها) وليس الناسي عطاء لأنه سماها في حديثه المروي عند
المؤلّف من طريق حبيب العلم عنه في باب: حج النساء، لكن
يحتمل أن يكون عطاء كان ناسيًا لاسمها لما حدث به ابن جريج
وذاكرًا له لما حدث حبيبًا (ما منعك أن تحجين معنا)!
بإثبات نون تحجين على إهمال أن الناصبة وهو قليل، وبعضهم
ينقل أنها لغة لبعض العرب، ولأبي ذر وابن عساكر: أن تحجي
بحذفها على إعمال أن وهو المشهور (قالت): أي أم سنان (كان
لنا ناضح) بالنون والضاد المعجمة المكسورة
(3/265)
وبالحاء المهملة البعير الذي يستقى عليه
(فركبه أبو فلان وابنه لزوجها) أبي سنان (وابنها) سنان.
وفي النسائي والطبراني في قصة تشبه هذه اسمها أم معقل زينب
وزوجها أو معقل الهيثم ووقع مثله لأم طليق وأبي طليق عند
ابن أبي شيبة وابن السكن، وعند ابن
حبان في صحيحه قالت أم سليم: حج أبو طلحة وابنه وتركاني،
ونحوه عند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء والابن المذكور
الظاهر أنه أنس لأن أبا طلحة لم يكن له ابن كبير يحج فيكون
المراد بالابن أنسًا مجازًا، ويؤيد ذلك أن في حديث البخاري
أنها من الأنصار وليست أم معقل أنصارية، بل وفي سنن أبي
داود أن أبا معقل لم يحج معهم بل تأخر لمرضه فمات، وأما أم
سنان فهي أنصارية أيضًا، وبالجملة فيحتمل أنها وقائع
متعددة لمن ذكر هنا والضمير في قوله لزوجها وابنها للمرأة
المذكورة من الأنصار، ولمسلم ناضحان كانا لأبي فلان زوجها
حج هو وابنه على أحدهما.
(وترك ناضحًا ننضح عليه). بفتح الضاد في الفرع وغيره وضبطه
الحافظ ابن حجر والعيني بالكسر كالنووي في شرح مسلم (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(فإذا كان رمضان) بالرفع على أن كان تامة، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: فإذا كان في رمضان (اعتمري) وفي نسخة:
فاعتمري (فيه، فإن عمرة في رمضان حجة) (أو نحوًا مما قال)
وللمستملي: أو نحوًا من ذلك، وسقط في رواية ابن عساكر قوله
مما قال، وحجة بالرفع خبر إن أي كحجة في الفضل، ولمسلم فإن
عمرة فيه تعدل حجة ولعل هذا هو السبب في قول المؤلّف أو
نحوًا مما قال. وقال المظهري في قوله: تعدل حجة أي تقابل
وتماثل في الثواب لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت. وقال
الطيبي: هذا من باب المبالغة وإلحاق الناقص بالكامل
ترغيبًا وبعثًا عليه وإلا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحج،
قال ابن خزيمة رحمه الله: إن الشيء يشبه بالشيء ويجعل عدله
إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها لأن العمرة لا يقضى
بها فرض الحج ولا النذر اهـ.
وقول الزركشي كابن بطال: أن الحج الذي ندبها إليه تطوّعًا
لأن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة، ردّه ابن المنير فقال:
هو وهم من ابن بطال لأن حجة الوداع أول حج أقيم في
الإسلام، وقد تقدم أن حج أبي بكر كان إنذارًا ولم يكن فرض
الإسلام قال فعلى هذا يستحيل أن تكون المرأة كانت قامت
بوظيفة الحج بعد لأن أول حج لم تحضره هي ولم يأت زمان ثان
عند قوله عليه الصلاة والسلام لها ذلك، وما جاء الحج
الثاني إلا والرسول عليه الصلاة والسلام قد توفي فإنما
أراد عليه الصلاة والسلام أن يستحثها على استدراك ما فاتها
من البدر ولا سيما الحج معه عليه الصلاة والسلام لأن فيه
مزية على غيره اهـ.
وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: وما قاله غير مسلم إذ لا مانع
أن تكون حجت مع أبي بكر فسقط عنها الفرض بذلك بني على أن
الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على
مذهبه من القول بأن الحج على الفور.
وقال ابن التين: يحتمل أن يكون قوله حجة على بابه، ويحتمل
أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بهذه المرأة
اهـ.
وفي رواية أحمد بن منيع قال سعيد بن جبير: ولا نعلم هذا
إلا لهذه المرأة وحدها. وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب
العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص
القصد اهـ.
وقال غيره لما ثبت أن عمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كانت كلها في ذي القعدة تردّد لبعض أهل العلم
في أن أفضل أوقات العمرة أشهر الحج أو رمضان ففي رمضان ما
تقدم مما يدل على الأفضلية، لكن فعله عليه الصلاة والسلام
لما لم يقع إلا في أشهر الحج كان ظاهرًا أنه أفضل إذ لم
يكن الله سبحانه وتعالى يختار لنبيه إلا ما هو الأفضل، أو
أن رمضان أفضل لتنصيصه عليه الصلاة والسلام على ذلك فتركه
لاقترانه بأمر يخصه كاشتغاله بعبادات أخرى في رمضان تبتلاً
وأن لا يشق على أمته فإنه لو اعتمر فيه لخرجوا معه ولقد
كان بهم رؤوفًا رحيمًا، وقد أخبر في بعض العبادات أنه
تركها لئلا يشق على أمته مع محبته لذلك كالقيام في رمضان
بهم ومحبته لأنه يستقي بنفسه سقاة زمزم كيلا يغلبهم الناس
على سقايتهم، والطي يظهر أن العمرة في رمضان لغيره عليه
الصلاة والسلام أفضل، وأما في حقه هو
(3/266)
فلا فالأفضل ما صنعه لأن فعله لبيان جواز
ما كان أهل الجاهلية يمنعونه فأراد الرد عليهم بالقول
والفعل وهو لو كان مكروهًا لغيره لكنه في حقه أفضل والله
أعلم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج.
5 - باب الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا
(باب) مشروعية (العمرة ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون
الصاد المهملتين الموحدة أي ليلة المبيت بالمحصب وجميع
السنة وقت للعمرة إلا لحاج فيمتنع إحرامه بها قبل نفره أما
قبل تحلله فلامتناع إدخالها على الحج وأما بعده فلاشتغاله
بالرمي والمبيت فهو عاجز عن التشاغل بعملها. أما إحرامه
بها قبل نفره فصحيح إن كان وقت الرمي بعد النفر الأول
باقيًا لأنه بالنفر خرج من الحرج وصار كما لو مضى وقت
الرمي نقله القاضي أبو الطيب عن نص الأمّ. وقال في المجموع
لا خلاف فيه (وغيرها) بنصب الراء، ولأبي ذر وغيرها بكسرها.
1783 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَافِينَ
لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ لَنَا: مَنْ أَحَبَّ
مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ
أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ،
فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ.
قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ
أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ،
فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ؛ ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ
وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَلَمَّا كَانَ
لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ
إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ
عُمْرَتِي".
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدتني (محمد بن
سلام) وسقط ولأبوي ذر والوقت ابن سلام قال: (أخبرنا أبو
معاوية) محمد بن حازم الضرير البصري قال: (حدّثنا هشام عن
أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله
عنها-) أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع لخمس بقين من ذي
القعدة حال كوننا مكملين ذا القعدة (موافقين) مستقبلين
(لهلال ذي الحجة) قال الجوهري: وافى فلان أتى ووفى تم
والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق
لأنهم دخلوا في الرابع من ذي الحجة (فقال لنا) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسرف بعد الإحرام كما في
رواية عائشة أو بعد الطواف كما في رواية جابر، فيحتمل أنه
كرر أمرهم بذلك بعد الطواف لأن العزيمة إنما كانت في الآخر
حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة.
(من أحب منكم أن يهل بالحج) يدخله على العمرة (فليهل)،
بالحج إذا كان معه هدي فيصير قارنًا ثم لا يحل منهما
جميعًا حتى ينحر هديه (ومن أحب أن يهل) منكم (بعمرة)،
يدخلها على الحج (فليهل بعمرة) يفسخ بها حجه إذا لم يكن
معه هدي (فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة) وفي رواية
السرخسي: لأحللت بالحاء المهملة. (قالت) عائشة -رضي الله
عنها-: (فمنا) أي فكان منا (من أهلّ) من الميقات (بعمرة
ومنا من أهل بحج) مفرد أي ومنا من قرن (وكنت ممن أهل
بعمرة).
وروى القاسم عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا نرى إلا الحج، وفي رواية
لا نذكر إلا الحج، وفي رواية لبينا بالحج، وفي رواية أخرى
مهلين باحج وقد جمع ذلك مسلم في صحيحه وقد جمعوا بين ذلك
بأنها أحرمت أوّلاً بالحج كما صح عنها في رواية الأكثرين
وكما هو الأصح من فعله عليه الصلاة والسلام وأكثر أصحابه،
ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة فأخبر عروة
باعتمارها في آخر الأمر ولم يذكر أول أمرها.
(فأظلني) أي قرب مني (يوم عرفة) يقال: أظلني فلان وإنما
تقول ذلك لأن ظله كأنه وقع عنيك لقربه منك (وأنا حائض
فشكوت إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ترك
الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة بسبب الحيض (فقال):
(ارفضي عمرتك) أي اتركي عملها من الطواف والسعي وتقصير
الشعر لا أنها تدع العمرة نفسها وإنما أمرها بذلك لأنها
لما حاضت تعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها (وانقضي
رأسك) أي حلي ضفر شعره (وامتشطي) سرحيه بالمشط (وأهليّ
بالحج) فصارت مدخلة للحج -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- العمرة وقارنة (فلما كان ليلة الحصبة) بعد أن
طهرت يوم النحر (أرسل معي عبد الرحمن) أخي (إلى التنعيم
فأهللت) منه (بعمرة مكان عمرتي) بنصب مكان على الظرفية،
ويجوز الجر على البدل من عمرة والمراد مكان عمرتها التي
أرادت تأتي بها مفردة كما وقع لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن
من الصحابة الذي فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة
وتحللوا منها قبل يوم التروية أحرموا بالحج من مكة يوم
التروية فحصلت لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة
فإنها حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران فأرادت عمرة
منفردة كما
(3/267)
حصل لغيرها.
6 - باب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ
(باب عمرة التنعيم) تفعيل بفتح المثناة الفوقية وسكون
النون وكسر العين المهملة موضع على ثلاثة أميال أو أربعة
من مكة أقرب أطراف الحل إلى البيت سمي به لأن على يمينه
جبل نعيم وعلى يساره جبل ناعم والوادي اسمه نعمان قاله في
القاموس.
وقال المحب الطبري فيما قرأته في تحصيل المرام: هو أمام
أدنى الحل وليس بطرف الحل ومن فسره بذلك فقد تجوّز وأطلق
اسم الشيء على ما قرب منه اهـ.
وروى الأزرقي من طريق ابن جريج قال: رأيت عطاء يصف الموضع
الذي اعتمرت منه عائشة قال فأشار إلى الموضع الذي ابتنى
فيه محمد بن عليّ بن شافع المسجد الذي وراء الأكمة وهو
المسجد الخرب وهو أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة عند
الأربعة إلا أبا حنيفة.
1784 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-
أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ
وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ". قَالَ سُفْيَانُ
مَرَّةً: سَمِعْتُ عَمْرًا، كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو.
[الحديث 1784 - طرفه في: 2985].
وبالسند قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع
عمر بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وعمرو بفتح العين في
الموضعين والثاني هو الثقفي المكي (أن عبد الرحمن بن أبي
بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أخبره أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره أن يردف) أي بإرداف
(عائشة) أخته أي يركبها وراءه على ناقته (ويعتمرها) بضم
الياء من الإعمار "من التنعيم" إنما عين التنعيم لأنه أقرب
إلى الحل من غيره.
(قال: سفيان) بن عيينة (مرة سمعت عمرًا) هو ابن دينار (كم
سمعته من عمرو) أثبت السماع صريحًا بخلاف السابق فإنه
معنعن وإن كان معنعنه محمولاً على السماع، وزاد أبو داود
بعد قوله إلى التنعيم فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم
فإنها عمرة مقبلة، وزاد أحمد في رواية له وذك ليلة الصدر
بفتح الدال أي الرجوع من منى واستدلّ بالحديث على تعيين
الخروج إلى أدنى الحل لمريد العمرة فيلزمه الخروج من الحرم
ولو بقليل من أي جانب شاء للجمع فيها بين الحل وأحرم
كالجمع في الحج بينهما بوقوفه بعرفة، ولأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر عائشة بالخروج إلى الحل
للإحرام بالعمرة فلو لم يجب الخروج لأحرمت من مكانها لضيق
الوقت لأنه كان عند رحيل الحاج وأفضل بقاع الحل للإحرام
بالعمرة الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية ولو أحرم بها من
مكة وتمم أفعالها ولم يخرج إلى الحل قبل تلبسه بفرض منها
أجزأه ما أحرم به ولزمه الدم لأن الإساءة بترك الإحرام من
الميقات إنما تقتضي لزوم الدم لا عدم الإجزاء فإن عاد إلى
الحل قبل التلبس بفرض سقط عنه الدم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد ومسلم في الحج.
1785 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ
الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ
بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَطَلْحَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ
وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَذِنَ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا
عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا
وَيَحِلُّوا، إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا:
نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ.
فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي
الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ. وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ
فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ
تَطُفْ بِالْبَيْتِ. قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ
وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا
إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي
ذِي الْحَجَّةِ. وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ
جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا،
فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ: لاَ، بَلْ لِلأَبَدِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثنا عبد
الوهاب بن عبد المجيد) بن الصلب الثقفي البصري (عن حبيب
المعلم) البصري مولى معقل بن يسار اختلف في اسم أبيه فقيل
زائدة وقيل زيد وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وقال
النسائي ليس بالقوي له في البخاري هذا الحديث عن عطاء عن
ابن عباس عن جابر وعلق له المؤلّف في بدء الخلق آخر عن
عطاء عن جابر والأحاديث الثلاثة بمتابعة ابن جريج عن عطاء
وروى له الجماعة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح قال: (حدثني)
بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل وأصحابه
بالحج) برفع أصحابه، وفي نسخة اليونينية: وأصحابه بالنصب
مفعول معه (وليس مع أحد منهم هدي غير النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب غير على الاستثناء
(وطلحة) هو ابن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي المدني
أحد المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى
الإسلام واحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر وأحد
الستة أصحاب الشورى والواو للعطف أي لم يكن هدي إلا مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع طلحة فقط،
لكن هذا مخالف لما في مسلم وسنن أحمد وغيرهما من طريق عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن
الهدي كان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأبي بكر وعمر وذوي اليسار، وفي البخاري بعد بابين من طريق
أفلح عن القاسم بلفظ ورجال من أصحابه ذوي قوّة فيحمل على
أن كلاً منهما ذكر ما اطلع عليه
(3/268)
وشاهده (وكان عليّ) -رضي الله عنه- (قدم من
اليمن) إلى مكة (ومعه الهدي) جملة حالية، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي ومعه هدي بالتنكير (فقال): بعد أن سأله
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما أهللت
(أهللت بما أهل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) زاد في الشركة فأمره أن يقيم على إحرامه
وأشركه في الهدي وقد مر مبحث ذلك في باب التمتع والقران
(وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر
همزة أن وفتحها (أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة) الضمير للحج
وأنثه باعتبار الحجة (يطوفوا) زاد في رواية أبي الوقت:
بالبيت (ثم يقصروا) من شعر رؤوسهم (ويحلوا) من إحرامهم
والعطف بثم والواو على يطوفوا ويحلوا بفتح أوله وكسر ثانيه
من حل وزاد وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن
أحلهن لهم (إلا من معه الهدي) فلا يحل (فقالوا): أي
الصحابة (ننطلق إلى منى) بحذف همزة الاستفهام أي أننطلق
إلى منى (وذكر أحدنا يقطر) بالمنيّ وهو من باب المبالغة أي
أن الحل يفضي بنا إلى مجامعة النساء ثم نحرم بالحج عقب ذلك
فنخرج وذكر أحدنا لقربه من الواقعة يقطر منيًا وحالة الحج
تنافي الترفه وتناسب الشعث فكيف يكون ذلك، (فبلغ) ذلك الذي
قالوه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
زاد مسلم: قد علمتم أني أتقاكم لله عز وجل وأصدقكم
وأبرّكم.
(لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي وعلمت من أمري من
الأول ما علمته في الآخر (ما أهديت) وأحللت والأمر الذي
استدبره عليه الصلاة والسلام هو ما حصل لأصحابه من شقة
انفرادهم عنه بالفسخ حتى أنهم توقفوا وترددوا وراجعوه
(ولولا أن معي الهدي لأحللت) من إحرامي لأن من كان معه
الهدي لا يحل حتى ينحره ولا ينحر إلا يوم النحر فلا يصح له
فسخ الحج بعمرة وليس السبب في ذلك مجرّد سوق الهدي كما
يقوله أبو حنيفة وأحمد ولو في التأسف على فوات الأمر في
الدين، وأما حديث لو تفتح عمل الشيطان ففي حظوظ الدنيا.
(وأن عائشة -رضي الله عنها-) بفتح همزة أن (حاضت) بسرف قبل
دخولهم مكة (فنسكت المناسك) المتعلقة بالحج (كلها، غير
أنها لم تطف) للعمرة لمانع الحيض زاد في غير رواية أبي ذر
وابن عساكر: بالبيت أي ولم تسع بين الصفا والمروة وحذفه
لأن السعي لا بد له من تقدم طواف عليه فيلزم من نفيه نفيه
فاكتفى بنفي الطواف (قال: فلما طهرت) بعرفة كما في مسلم
وله صبيحة ليلة عرفة حين قدموا منى وله أنها طهرت في منى
وجمع بأنها رأت الطهر بعرفة ولم يتهيأ لها الاغتسال إلا في
منى وطهرت بضم الهاء وفتحها، (وطافت) بالبيت طواف الإفاضة
يوم النحر وسعت بين الصفا والمروة (قالت: يا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتنطلقون بعمرة)
منفردة عن حجة (وحجة) منفردة عن عمرة (وأنطلق بالحج)؟ من
غير عمرة منفردة (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما
(أن يخرج معها إلى التنعيم) لتعتمر منه تطييبًا لقلبها
(فاعتمرت) منه (بعد الحج في ذي الحجة) ليلة المحصب.
(وأن سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين المعجمة
بينهما عين مهملة ساكنة وسراقة بضم السين المهملة وتخفيف
الراء وبالقاف الكناني المدلجي (لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعقبة) ولغير أبي ذر وهو بالعقبة
(وهو يرميها) جملة حالة أي وهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يرمي جمرة العقبة (فقال): أي سراقة (ألكم هذه)
الفعلة وهي فسخ الحج إلى العمرة أو القران أو العمرة في
أشهر الحج (خاصة يا رسول الله) أي هل هي مخصوصة بكم في هذه
السنة أو لكم ولغيركم أبدًا؟ (قال): عليه الصلاة والسلام
مجيبًا له:
(لا بل للأبد). وفي رواية جعفر عند مسلم فقام سراقة فقال:
يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك أصابعه واحدة في
الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل للأبد أبدًا
ومعناه كما قال النووي عند الجمهور أن العمرة يجوز فعلها
في أشهر الحج إبطالاً لما كان عليه أهل الجاهلية، وقيل
معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة قال: وهو ضعيف. وتعقب بأن
سياق السؤال يقوّي هذا التأويل بل الظاهر أن السؤال
(3/269)
وقع عن الفسخ وهو مذهب الحنابلة، بل قال
المرداوي في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف وهو
شرح المقنع لشيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة: إن فسخ
القارن والمفرد حجهما إلى العمرة مستحب بشرطه نص عليه
وعليه الأصحاب قاطبة. وقال: وهو من مفردات المذهب لكن
المصنف أي ابن قدامة هنا ذكر الفسخ بعد الطواف والسعي وقطع
به الخرقي، وقدمه الزركشي وقال: هذا ظاهر الأحاديث، وعن
ابن عقيل الطواف بنية العمرة هو الفسخ وبه حصل رفض الإحرام
لا غير قال: فهذا تحقيق فسخ الحج وما ينفسخ به. وقال في
الكافي: يسن لهما إذا لم يكن معهما هدي أن يفسخا نيتهما
بالحج وينويا عمرة مفردة ويحلا من إحرامهما بطواف وسعي
وتقصير ليصيرا متمتعين. وقال في الانتصار: لو ادّعى مدّع
وجوب الفسخ لم يبعد، وقال الشيخ تقي الدين: يجب على من
اعتقد عدم مساغه أن يعتقده ولو ساق هديًا فهو على إحرامه
لا يصح فسخه الحج إلى العمرة على الصحيح عندهم وحيث صح
الفسخ لزم دم على الصحيح من مذهبهم نص عليه وعليه أكثر
الأصحاب اهـ.
وقال بعض الحنابلة: نحن نشهد الله أنا لو أحرمنا بحج
لرأينا فرضًا فسخه إلى عمرة تفاديًا من غضب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك أن في السنن عن
البراء بن عازب خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأصحابه فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال
اجعلوها عمرة فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج
فكيف نجعلها عمرة؟ قال "انظروا ما آمركم به فافعلوا"
فردّدوا عليه القول فغضب الحديث.
وقال سلمة بن شبيب لأحمد: كل أمرك عندي حسن إلا خلة واحدة
فقال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحج إلى العمرة. فقال: يا
سلمة كنت أرى لك عقلاً. عندي في ذلك أحد عشر حديثًا صحاح
عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتركها
لقولك.
وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف
والخلف هو مختص بهم تلك السنة لا يجوز بعدها ليخالفوا ما
كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج.
وفي حديث أبي ذر عند مسلم: كانت المتعة في الحج لأصحاب
محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة يعني فسخ
الحج إلى العمرة.
وعند النسائي عن الحرث بن بلال عن أبيه قال: يا رسول الله
فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: "لا بل لنا خاصة"
وهذا لا يعارضه حديث سراقة لأن سبب الأمر بالفسخ ما كان
إلا تقرير الشرع العمرة في أشهر الحج ما لم يكن مانع من
سوق الهدي، وذلك أنه كان مستعظمًا عندهم حتى كانوا يعدونها
في أشهر الحج من أفجر الفجور فكسر سورة ما استحكم في
نفوسهم من الجاهلية من إنكاره بحملهم على فعله بأنفسهم،
فلو لم يكن حديث بلال بن الحرث ثابتًا كما قال
الإمام أحمد حيث قال: لا يثبت عندي ولا يعرف هذا الرجل كان
حديث ابن عباس كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر
الفجور في الأرض الحديث صريحًا في كون سبب الأمر بالفسخ هو
قصد محو ما استقر في نفوسهم في الجاهلية بتقرير الشرع
بخلافه.
وقال ابن المنير: ترجم على أن العمرة من التنعيم ثم ذكر
حديث سراقة وليس فيه تعرض لميقات ولكن لأصل العمرة في أشهر
الحج. وأجاب بأن وجه ذكره في الترجمة الرد على من لعله
يزعم أن التنعيم كان خاصًا باعتمار عائشة حينئذٍ فقرر
بحديث سراقة أنه غير خاص وأنه عام أبدًا.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف في التمني، وأبو داود في الحج.
7 - باب الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ
(باب الاعتمار بعد الحج) في أشهره (بغير هدي) يلزم
المعتمر.
1786 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ
أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- قَالَتْ
"خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ
أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلاَ
أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَمِنْهُمْ
مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ أَهَلَّ
بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ
قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ
عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي،
وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا كَانَتْ
لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ
إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ
بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا
وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ
هَدْيٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ صَوْمٌ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثنا
يحيى) القطان قال: (حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد
(أبي) عروة بن الزبير (قال أخبرتني عائشة -رضي الله عنها-
قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع حالة كوننا (موافين لهلال ذي
الحجة) أي قرب طلوعه فقد مرّ أنها قالت: خرجنا لخمس بقين
من ذي القعدة والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال
وهم في الطريق (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وهم بسرف أو بعد الطواف كما مرّ قريبًا:
(من أحب) منكم ممن لم يكن معه هدي
(3/270)
(أن يهل بعمرة) يدخلها على الحج (فيهل ومن
أحب) منكم ممن معه هدي (أن يهل بحجة) يدخلها على العمرة
(فليهل ولولا أني) وفي رواية أنني بزيادة نون ثانية (أهديت
لأهللت بعمرة) قال في فتح الباري، وتبعه العيني، وفي رواية
السرخسي لأحللت بالحاء المهملة أي بحج. (فمنهم) أي من
الصحابة (من) كان (أهل) من الميقات (بعمرة ومنهم من أهل
بحجة) ومنهم من قرن. قالت عائشة -رضي الله عنها-: (وكنت
ممن أهل بعمرة) الذي رواه
الأكثرون عنها أنها أحرمت أولاً بالحج فتحمل رواية عروة
على آخر أمرها (فحضت) بسرف (قبل أن أدخل مكة فأدركني) أي
قرب مني (يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم التروية كما في مسلم،
ولأبي ذر: فشكوت ذلك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) (دعي عمرتك) أي أعمالها
(وانقضي رأسك) بحل ضفائر شعره (وامتشطي) سرحيه بالمشط
(وأهلي) يوم التروية (بالحج) قالت (ففعلت) ما أمرني به
عليه الصلاة والسلام.
(فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم
فأردفها) فيه التفات لأن الأصل أن يقال فأردفني أي أركبها
خلفه على الراحلة (فأهلت بعمرة) من التنعيم (مكان عمرتها)
التي أرادت أن تكون منفردة عن حجتها (فقضى الله حجها
وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم) وهذا
الكلام مدرج من قول هشام كما مرّ في الحيض ولعله نفى ذلك
بحسب علمه ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر وحال عائشة
لا يخلو من أمرين: إما أن تكون قارنة، أو متمتعة وعليهما
فلا بدّ من الهدي وقد ثبت أنها روت أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحى عن نسائه بالبقر وفي مسلم أنه
أهدى عنها، فيحتمل أن يكون قوله لم يكن في ذلك هدي أي لم
تتكلف له بل قام به عنها وحمله ابن خزيمة على أنه ليس في
تركها لعمل العمرة الأولى وإدراجها لها في الحج ولا في
عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضًا شيء. قال في فتح
الباري: وهو حسن والله أعلم.
8 - باب أَجْرِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ
(باب أجر العمرة) بالإضافة ولأبي ذر: باب بالتنوين أجر
العمرة (على قدر النصب) بفتح النون والمهملة التعب.
1787 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ
الأَسْوَدِ، قَالاَ "قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ
وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا: انْتَظِرِي، فَإِذَا
طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ
ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ
نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يزيد بن زريع)
العبسي البصري قال: (حدّثنا ابن عون) هو عبد الله بن عون
بن أرطبان البصري (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق
-رضي الله عنهم- (وعن ابن عون) المذكور (عن إبراهيم عن
الأسود) النخعيين (قالا): أي القاسم والأسود (قالت عائشة
-رضي الله عنها-: يا رسول الله يصدر الناس) أي يرجعون
(بنسكين) حجة منفردة عن عمرة وعمرة منفردة عن حجة (وأصدر)
وأرجع أنا (بنسك) بحجة غير منفردة لأنها أولاً كانت قارنة
(فقيل لها): أي قال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(انتظري فإذا طهرت) من الحيض بضم الهاء وفتحها (فاخرجي إلى
التنعيم) أي مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (فأهلي) أي
بعمرة منه (ثم ائتيا بمكان كذا) أي بالأبطح وهو المحصب
(ولكنها) عمرتك (على قدر نفقتك أو نصبك) تعبك لا في إنفاق
المال في الطاعات من الفضل وقمع النفس عن شهواتها من
المشقّة وقد وعد الله الصابرين أن يوفيهم أجرهم بغير حساب،
لكن قال الشيخ عز الدّين بن عبد السلام. إن هذا ليس بمطرد
فقد يكون بعض العبادات أخف من بعض وهي أكثر فضلاً بالنسبة
إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان
غيرها، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين بالمسجد الحرام
بالنسبة لصلاة ركعات في غيره.
وأجيب: بأن الذي ذكره لا يمنع الاطراد لأن كثرة الحاصلة
فيما ذكره ليست من ذاتها وإنما هي بحسب ما يعرض لها من
الأمور المذكورة وأو في قوله أو نصبك إما للشك، ووقع في
رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن منيع عن إسماعيل ما يؤيد
ذلك ولفظه: على قدر نصبك أو تعبك، وفي رواية له على قدر
نفقتك أو نصبك -أو كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- وإما للتنويع في كلامه عليه الصلاة
(3/271)
والسلام، ووقع عند الدارقطني والحاكم ما
يؤيده ولفظه: إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك بواو
العطف، وقد استدلّ بظاهر هذا الحديث على أن الاعتمار لمن
كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرًا من جهة الحل
البعيدة وهذا ليس بشيء لأن الجعرانة والحديبية مسافتهما
إلى مكة واحدة ستة فراسخ والتنعيم مسافته إليها فرسخ واحد
فهو أقرب إليها منهما، وقد قال الشافعي: أفضل بقاع الحل
للاعتمار الجعرانة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أحرم منها، ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة قال:
وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره
كان أحب إلي اهـ.
9 - باب الْمُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ
ثُمَّ خَرَجَ هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ؟
(باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف
الوداع)؟.
1788 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ
بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي
أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا سَرِفَ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَصْحَابِهِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ
أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ
مَعَهُ هَدْيٌ فَلاَ. وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً.
فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟
قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَصْحَابِكَ مَا قُلْتَ،
فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ:
لاَ أُصَلِّي. قَالَ: فَلاَ يَضُرَّكِ، أَنْتِ مِنْ
بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ،
فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَرْزُقَكِهَا: قَالَتْ: فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ
مِنًى فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ
الرَّحْمَنِ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ
فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ
طَوَافِكُمَا، أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا. فَأَتَيْنَا فِي
جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: فَرَغْتُمَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ
النَّاسُ، وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاَةِ
الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضيل بن دكين قال:
(حدّثنا أفلح بن حميد) بالفاء الأنصاري المدني البخاري
يقال له ابن صفيرًا (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن
عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا) حال كوننا (مهلين)
ولأبي ذر: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مهلين (بالحج في أشهر الحج وحرم الحج) بضم
الحاء والراء الحالات والأماكن والأوقات التي للحج (فنزلنا
سرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء وحذف
الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: بسرف، ولابن عساكر: فنزلنا
منزلاً (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأصحابه):
(من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها) أي حجته (عمرة فليفعل
ومن كان معه هدي فلا) يفسخ الحج إلى العمرة وفي غير هذه
الرواية أن قوله عليه الصلاة والسلام لهم ذلك كان بعد
دخوله مكة فيحتمل التعدد والعزيمة وقعت أخيرًا كما مرّ
قريبًا (وكان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ورجال) بالجر عطفًا على المجرور (من أصحابه ذوي
قوة الهدي) بالرفع اسم كان (فلم تكن لهم عمرة) مستقلة
لأنهم كانوا قارنين وعمرة بالنصب خبر كان (فدخل على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم التروية كما في
مسلم (وأنا أبكي) جملة حالية (فقال: (ما يبكيك)؟ قلت سمعتك
تقول لأصحابك ما قلت فمنعت العمرة) بضم الميم مبنيًا
للمفعول والعمرة نصب بنزع الخافض أي من العمرة (قال: (وما
شأنك)؟ قلت: لا أصلي) لمانع الحيض وهو من ألطف الكنايات
(قال): (فلا يضرك) بضم المعجمة وتشديد الراء أو بكسر الضاد
وسكون الراء ولم يضبط ذلك في اليونينية ولا فرعها (أنت من
بنات آدم كتب عليك) بضم كاف كتب مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر:
كتب الله عليك (ما كتب عليهن) من الحيض وغيره (فكوني في
حجتك) بتاء التأنيث، ولأبي الوقت: في حجك. وعزاها في الفتح
لأبي ذر (عسى الله أن يرزقكها) أي العمرة (قالت: فكنت) في
حجي كما أمرني عليه الصلاة والسلام (حتى نفرنا من منى
فنزلنا المحصب) وهو الأبطح أي بعد أن طهرت من الحيض وطافت
للإفاضة (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد
الرحمن) بن أبي بكر الصديق (فقال اخرج بأختك الحرم) أي من
الحرم فنصبه على نزع الخافض. قال في الفتح وللكشميهني: من
الحرم قال وهو أوضح والمراد الإخراج من أرض الحرم إلى الحل
(فلتهل بعمرة) من التنعيم (ثم أفرغا من طوافكما) فارجعا
فإني (أنتظركما هاهنا) يعني المحصب قالت عائشة (فأتينا) أي
بعد أن فرغنا من الاعتمار وتحللنا (في جوف الليل) إلى
المحصب، وللإسماعيلي من آخر الليل وهو أوفق ببقية
الروايات، وهذا لا تخالفه الرواية السابقة فلقيته مصعدًا
وأنا منهبطة أو العكس لأنه كان خرج بعد ذهابها ليطوف
للوداع فلقيها وهو صادر بعد الطواف وهي راحلة لطواف
عمرتهما، ثم لقيته بعد ذلك وهو بمنزله بالمحصب. ويحتمل أن
لقاءه لها كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه
كره أن يقتدي الناس بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على
ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها، فيحتمل أن يكون لقاؤه
لها في هذا الرحيل وأنه المكان الذي عينه لها في رواية
الأسود حيث قال لها: موعدك مكان كذا وكذا قال في الفتح
وهذا تأويل حسن.
(فقال): عليه الصلاة والسلام (فرغتما) من
(3/272)
عمرتكما؟ قالت (قلت: نعم). فرغنا (فنادى
بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ومن طاف بالبيت قبل صلاة
الصبح) طواف الوداع وهذا من عطف الخاص على العام لأن الناس
أعم من الطائفين ومن الذين لا طواف وداع عليهم كالحائض أو
هو صفة للناس، ويجوز توسط العاطف بين الصفة والموصوف
لتأكيد لصوقها بالموصوف نحو: {إذ يقول المنافقون والذين في
قلوبهم مرض} [الأنفال: 49] قال: سيبويه: هو مثل مررت بزيد
وصاحبك إذا أردت بصاحبك زيد، وقال الزمخشري في قوله تعالى:
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ
مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] جملة واقعة صفة لقرية والقياس أن لا
تتوسط الواو بينهما كما في قوله: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ
قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ} [الشعراء: 208] وإنما
توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال:
جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب. اهـ.
وتعقبه أبو حيان فقال: وافقه على ذلك أبو البقاء قال: وهذا
الذي قاله الزمخشري وتبعه فيه أبو البقاء لا نعلم أحدًا
قاله من النحويين وهو مبني على أن ما بعد إلا يجوز أن يكون
صفة وهم قد منعوا ذلك. قال الأخفش: لا يفصل بين الصفة
والموصوف بالإثم قال: ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره
إلا رجل راكب وفيه قبح لجعل الصفة كالاسم، وقال أبو علي
الفارسي تقول: ما مررت بأحد إلا قائمًا قائمًا حال من أحد
ولا يجوز إلا قائم لأن إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف.
وقال ابن مالك: وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري من قوله في
نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه أن الجملة بعد إلا صفة
لأحد إنه مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي فلا يلتفت إليه اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا كله مبني على صحة هذا السياق
والذي يغلب عندي أنه وقع فيه تحريف، والصواب فارتحل الناس
ثم طاف بالبيت الخ.
وكذا وقع عند أبي داود من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح
بلفظ فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل فأمر بالبيت قبل صلاة
الصبح فطاف به حتى خرج ثم انصرف متوجهًا إلى المدينة،
ولمسلم: فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمرّ بالبيت فطاف به
قبل صلاة الصبح، فيحتمل أنه أعاد الوداع لما رجع من
الأبطح.
(ثم خرج) عليه الصلاة والسلام (موجهًا إلى المدينة) بضم
الميم وفتح الواو وتشديد الجيم المكسورة كما في الفرع
وغيره، ولابن عساكر: متوجهًا بزيادة تاء كما في اليونينية
أيضًا فالأولى من التوجيه وهو الاستقبال تلقاء وجهه
والثانية من التوجه من باب التفعل. وموضع الترجمة فلتهل
بعمرة الخ من حيث كونه اكتفى فيه بطواف العمرة عن طواف
الوداع.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في الحج وكذا
النسائي.
10 - باب يَفْعَلُ فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي
الْحَجِّ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه أن الرجل (يفعل في العمرة) من
التروك (ما يفعل في الحج) أو يفعل فيها بعض ما يفعل فيه،
وللحموي وللكشميهني: بالعمرة، وللحموي والمستملي: بالحج
بالموحدة فيما بدل في.
1789 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ
حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ
يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ
رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ
وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ -أَوْ قَالَ صُفْرَةٍ-
فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَوَدِدْتُ
أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ
عُمَرُ: تَعَالَ، أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ
أَنْزَلَ اللَّهُ الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَرَفَعَ
طَرَفَ الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ
-وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ الْبَكْرِ- فَلَمَّا
سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ
الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ
الْخَلُوقِ عَنْكَ وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي
عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا همام) هو ابن يحيى البصري قال: (حدّثنا عطاء) هو
ابن أبي رباح (قال: حدثني) بالإفراد (صفوان بن يعلى بن
أمية) المكي زاد في غير رواية أبي ذر (يعني عن أبيه) يعلى
بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش وهو يعلى
ابن منية بضم الميم وسكون النون بعدها مثناة تحتية مفتوحة
وهي أمه صحابي مشهور (أن رجلاً) قيل هو عطاء ابن منية أخو
يعلى الراوي (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هو بالجعرانة) بسكون العين (وعليه جبة وعليه
أثر الخلوق) بفتح الخاء المعجمة وتخفيف اللام المضمومة ضرب
من الطيب (أو قال صفرة) بالجر عطفًا على المضاف إليه
وبالرفع عطفًا على المضاف والشك من الراوي (فقال: كيف
تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل الله) عز وجل (على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي قوله تعالى:
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:
196] كما رواه الطبراني في الأوسط والإتمام يتناول الهيئات
والصفات (فستر) عليه الصلاة والسلام (بثوب ووددت) بواو
العطف وكسر الدال الأولى وفي بعض الأصول بإسقاط الواو (أني
قد رأيت النبي
(3/273)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد
أنزل عليه الوحي) بضم همزة أنزل مبنيًّا للمفعول والوحي
بالرفع نائب الفاعل (فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-
(تعال أيسرك) بهمزة الاستفهام المفتوحة وفتح الياء التحتية
وضم السين المهملة (أن تنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أنزل الله عليه الوحي)؟ بنصب
الوحي على المفعولية، والجملة في موضع الحال، ولغير أبي
ذر: إليه الوحي بالرفع نائب عن الفاعل وأنزل بضم الهمزة
مبنيًا للمفعول وإليه بالهمزة بدل عليه بالعين والذي في
اليونينية أنزل بفتح الهمزة الله الوحي، ولأبي الوقت: أنزل
بفتح الهمزة أيضًا الله عليه الوحي فزاد لفظة عليه. (قلت:
نعم)، يسرني (فرفع طرف الثوب) عن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظرت إليه) زاده الله شرفًا
لديه (له غطيط) -بفتح الغين المعجمة نخير وصوت فيه بحوحة
(وأحسبه): أي أظنه (قال: كغطيط البكر) - بفتح الموحدة
وسكون الكاف الفتيّ
من الإبل (فلما سرّي) بضم السين المهملة وتشديد الراء
المكسورة وتخفيفها أي كشف (عنه) عليه الصلاة والسلام
(قال): (أين السائل عن العمرة؟ اخلع عنك الجبة، واغسل أثر
الخلوق) الطيب (عنك وأنق الصفرة)، بهمزة قطع مفتوحة وسكون
النون من الإنقاء، ولأبي ذر عن المستملي: واتق بهمزة وصل
ومثناة فوقية مشددة من الاتقاء أي احذر الصفرة (واصنع في
عمرتك كما تصنع في حجك) أي كصنعك في حجك من اجتناب
المحرمات ومن أعمال الحج إلا الوقوف فلا وقوف فيها ولا رمي
وأركانها أربعة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو
التقصير، وهو موضع الترجمة وسبق الحديث في باب: غسل الخلوق
في أوائل أبواب الحج.
1790 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ "قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَنَا
يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ- أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَلاَ
أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلاَّ، لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ
كَانَتْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ
بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي
الأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ
مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ
يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ
الإِسْلاَمُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. زَادَ
سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ "مَا أَتَمَّ
اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلاَ عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ".
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) إمام الأئمة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن
الزبير (أنه قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها- زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا يومئذ حديث
السن) لم يكن لي فقه ولا علم بالسنن مما يتأول به نص
الكتاب والسنة (أرأيت قول الله تعالى: ((إن الصفا والمروة
من شعائر الله}) جمع شعيرة وهي العلامة أي من أعلام مناسكه
({فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما})
[البقرة: 158] (فلا أرى) بضم الهمزة أي فلا أظن ولأبي ذر:
أرى بفتحها (على أحد شيئًا أن لا يطوّف بهما) بتشديد الطاء
والواو المفتوحتين، ولأبي ذر عن الكشميهني بينهما (فقالت):
ولابن عساكر قالت: (عائشة كلا) ليس الأمر كذلك (لو كانت)
ولأبي ذر عن الكشميهني: كان: (كما تقول) من عدم وجوب السعي
(كانت فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما إنما أنزلت هذه
الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة) بفتح الميم وتخفيف
النون اسم صنم (وكانت مناة حذو) أي محاذية (قديد)، بضم
القاف موضع بين مكة والمدينة (وكانوا) أي الأنصار (يتحرجون
أن يطوفوا بين الصفا والمروة) يتحرزون من الإثم الذي في
الطواف باعتقادهم أو يتحرزون عنه لأجل الطواف أو يتكلفون
الحرج في الطواف ويرونه فيه (فلما جاء الإسلام سألوا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك
فأنزل الله تعالى: ({إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن
حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}) [البقرة:
158] (زاد سفيان) أي ابن عيينة كما قال الكرماني: وقال
غيره الثوري مما وصله الطبري (وأبو معاوية) محمد بن خازم
بالخاء والزاي المعجمتين الضرير مما وصله مسلم كلاهما (عن
هشام) هو ابن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-: (ما
أتم الله حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة)
والله أعلم.
11 - باب مَتَى يَحِلُّ الْمُعْتَمِرُ؟
وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "أَمَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا،
ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا".
هذا (باب) بالتنوين (متى يحل المعتمر؟) من إحرامه (وقال
عطاء) مما وصله المؤلّف في باب: تقضي الحائض المناسك كلها
إلا الطواف بالبيت (عن جابر -رضي الله عنه- أمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه) الذين كانوا
معه في حجة الوداع (أن يجعلوها) أي الحجة (عمرة ويطوفوا)
بضم الطاء وسكون الواو بالبيت وبين الصفا والمروة (ثم
يقصروا) من شعر رؤوسهم (ويحلوا) بفتح أوله وكسر ثانيه.
1791 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى قَالَ "اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا
دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ، وَأَتَى الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ. فَقَالَ لَهُ
صَاحِبٌ لِي: أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ لاَ".
وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه (عن
(3/274)
جرير) بن عبد المجيد (عن إسماعيل) بن أبي
خالد الأحمسي البجلي الكوفي (عن عبد الله بن أبي أوفى)
علقمة أنه (قال): (اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضاء (واعتمرنا معه فلما دخل
مكة طاف) بالبيت (وطفنا) بالواو، ولأبي الوقت: فطفنا (معه
وأتى الصفا والمروة) فسعى بينهما (وأتيناها) بإفراد الضمير
أي أتينا بقعة الصفا والمروة، ولأبي ذر عن الكشميهني:
وأتيناهما بالتثنية أي الصفا والمروة (معه وكنا نستره من
أهل مكة) المشركين مخافة (أن يرميه أحد) منهم. وفي عمرة
القضية سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوه قال
إسماعيل بن أبي خالد (فقال له): أي لعبد الله بن أبي أوفى
(صاحب لي) لم يسم (أكان) عليه الصلاة والسلام (دخل الكعبة
قال): ابن أبي أوفى: (لا) لم يدخلها في تلك العمرة (قال):
أي الصاحب المذكور لابن أبي أوفى.
1792 - قَالَ فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ قَالَ
«بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ
قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ». [الحديث 1792 -
طرفه في: 3819].
(فحدّثنا) بلفظ الأمر (ما قال) عليه الصلاة والسلام
(لخديجة) بنت خويلد زوجته عليه الصلاة والسلام (قال):
(بشروا خديجة ببيت من الجنة) ولأبي ذر "في" بدل "من" (من
قصب) بفتح القاف والصاد المهملة بعدها موحدة.
ووقع في حديث عند الطبراني في الأوسط تفسيره من طريق ابن
أبي أوفى بلفظ: يعني من قصب اللؤلؤ، وعنده في الكبير من
حديث أبي هريرة ببيت من لؤلؤة مجوّفة، وعنده في الأوسط في
حديث فاطمة قالت: قلت يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال:
"في بيت من قصب" قلت أمن هذا القصب؟ قال: "لا من القصب
المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت".
فإن قلت: ما النكتة في قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ؟ أجيب:
بأن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق لمبادرتها
إلى الإيمان دون غيرها.
فإن قلت: لم قال ببيت ولم يقل بقصر والقصر أعلى وأشرف؟
أجيب: بأنها لما كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت
في الإسلام منفردة به فلم يكن على وجه الأرض في أوّل يوم
بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت إسلام
إلا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها غيرها وجزاء الفعل
يذكر غالبًا بلفظه وإن كان أشرف منه قصدًا للمشاكلة
ومقابلة اللفظ باللفظ، فلهذا جاء الحديث بلفظ البيت دون
ذكر القصر.
(لا صخب فيه) بفتح المهملة والمعجمة والموحدة أي لا صياح
إذ ما من بيت في الدنيا يجتمع فيه أهله إلا وفيه صياح
وجلبة (ولا نصب) بفتح النون والمهملة والموحدة ولا تعب لأن
قصور الجنة ليس فيها شيء من ذلك.
قال السهيلي: مناسبة نفي هاتين الصفتين أنه عليه الصلاة
والسلام لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة طوعًا فلم تحوجه
إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك، بل أزالت عنه كل
نصب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب أن يكون
منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لذلك.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج وفي المغازي،
وكذا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
1793 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ "سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي
عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ،
أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا،
وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ".
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير القرشي
الأسدي المكي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن
دينار قال: سألنا ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رجل طاف
بالبيت) سقط قوله بالبيت في رواية أبوي ذر والوقت (في
عمرة) ولأبي ذر: في عمرته (ولم يطف بين الصفا والمروة،
أيأتي امرأته)؟ أي: أيجامعها والهمزة للاستفهام (فقال) ابن
عمر:
(قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطاف
بالبيت سبعًا وصلّى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا
والمروة سبعًا، وَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] بكسر الهمزة
وضمها وفيه الرد على من قال إنه يحل من جميع ما حرم عليه
بمجرد الطواف وهو مروى عن ابن عباس.
1794 - قَالَ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنهما- فَقَالَ "لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى
يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ".
(قال): عمرو بن دينار (وسألنا جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما) أي عما سألنا عنه ابن عمر (فقال): (لا يقربنها)
بنون التوكيد بجماع ولا بمقدماته (حتى يطوف بين الصفا
والمروة) أي يسعى بينهما وإطلاق الطواف على السعي إما
للمشاكلة وإما لكونه نوعًا من الطواف.
1795 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى
الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ "قَدِمْتُ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالْبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ فَقَالَ: أَحَجَجْتَ؟
قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ لَبَّيْكَ
بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ. فَطُفْتُ
بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ
امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ
بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ. حَتَّى كَانَ فِي
خِلاَفَةِ عُمَرَ فَقَالَ: إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ
اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ
أَخَذْنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدثني (محمد بن
بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة الملقب ببندار العبدي
البصري قال: (حدّثنا
(3/275)
غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون منصرف
محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قيس
بن مسلم) بضم الميم وسكون السين الجدلي بفتح الجيم الكوفي
(عن طارق بن شهاب) الأحمسي الكوفي (عن أبي موسى الأشعري
-رضي الله عنه- قال: قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبطحاء) بطحاء مكة (وهو منيخ)
راحلته بضم الميم وكسر النون وسكون التحتية آخره خاء معجمة
وهو كناية عن النزول بالبطحاء (فقال): عليه الصلاة
والسلام:
(أحججت)؟ أي هل أحرمت بالحج أو نويته؟ (قلت: نعم قال: بما
أهللت؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (قال): (أحسنت)، زاد في باب: من أحرم
في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هل
معك من هدي؟ قلت: لا: قال: طف بالبيت وبالصف والمروة ثم
أحل من أحرمك بفتح الهمزة وكسر الحاء وهذا موضع الترجمة
فإنه يقتضي تأخره عن السعي.
قال أبو موسى: (فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة
من قيس) لم تسم (ففلت رأسي) بفتح الفاءين واللام المخففة
بوزن رمت أي فتشته واستخرجت القمل منه (ثم أهللت بالحج)
يوم التروية (فكنت أفتي به) أي الناس (حتى كان في خلافة
عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- زاد مسلم فقال له رجل: يا
أبا موسى -أو يا أبا عبد الله بن قيس- رويدك بعض فتباك
فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، فقال:
يا أيها الناس من كنا أفتيناه فتيًا فليتئد فإن أمير
المؤمنين قادم عليكم فائتموا به قال: فقدم عمر فذكرت له
ذلك (فقال: إن أخذنا بكتاب الله فإنّه يأمرنا بالتمام)
لأفعالهما بعد الشروع فيهما (وإن أخذنا بقول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه لم يحل) من إحرامه (حتى
يبلغ الهدي محله) بكسر الحاء المهملة وهو نحره يوم النحر
بمنى، وللكشميهني: فإنه يأمر بإسقاط ضمير المفعول حتى بلغ
بلفظ الماضي والذي أنكره عمر المتعة التي هي الاعتمار في
شهر الحج ثم الحج من عامه كما قاله النووي قال: ثم انعقد
الإجماع على جوازه من غير كراهة.
1796 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ
حَدَّثَهُ "أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ
كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ
يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ
أَزْوَادُنَا. فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ
وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا
الْبَيْتَ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ".
وبه قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب قال الحافظ ابن حجر: وفي
رواية كريمة حدّثنا أحمد بن عيسى، وفي رواية أبي ذر:
حدّثنا أحمد بن صالح والأول هو التستري المصري الأصل
والثاني هو ابن الطبري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله
قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين هو ابن الحرث (عن أبي
الأسود) محمد بن عبد الرحمن المشهور بيتيم عروة بن الزبير
(أن عبد الله) بن كيسان (مولى أسماء بنت أبي بكر) الصديق
-رضي الله عنهما- (حدثه أنه كان يسمع أسماء تقول كلما مرّت
بالحجون) بفتح الحاء وضم الجيم المخففة وسكون الواو وآخره
نون.
قال التقي الفاسي في تاريخ البلد الحرام: هو جبل بالمعلى
مقبرة آهل مكة على يسار الداخل إلى مكة ويمين الخارج منها
إلى منى على مقتضى ما ذكر الأزرقي والفاكهي في تعريفه
لأنهما ذكراه في شق معلى مكة اليماني وهو الجهة التي
ذكرناها، وإذا كان كذلك فهو يخالف ما يقوله الناس من أن
الحجون الثنية التي يهبط منها إلى مقبرة المعلى، وكلام
المحب الطبري يوافق ما يقوله الناس وكنت قلدته في ذلك ثم
ظهر لي أن ما قاله الأزرقي والفاكهي أولى لأنهما بذلك
أدرى، وقد وافقهما على ذلك إسحاق الخزاعي راوي تاريخ
الأزرقي، ولعل الحجون على مقتضى قول الأزرقي والفاكهي
والخزاعي الجبل الذي يقال فيه قبر ابن عمر أو الجبل
المقابل له الذي بينهما الشعب المعروف بشعب الجرّارين اهـ.
ومقول قول أسماء (صلّى الله على محمد) ولأبي ذر: على رسوله
محمد (لقد نزلنا معه هاهنا ونحن يومئذ خفاف) بكسر الخاء
المعجمة جمع خفيف ولمسلم خفاف الحقائب جمع حقيبة بفتح
المهملة وبالقاف والموحدة ما احتقب الراكب خلفه من حوائجه
في موضع الرديف (قليل ظهرنا) أي مراكبنا (قليلة أزوادنا
فاعتمرت أنا وأختي عائشة) أي بعد أن فسخنا الحج إلى العمرة
(والزبير) بن العوام (وفلان وفلان) قال الحافظ ابن حجر: لم
أقف على تعيينهما وكأنها سمت
(3/276)
بعض من عرفته ممن لم يسق الهدي (فلما مسحنا
البيت) أي مسحنا بركنه وكنت بذلك عن الطواف إذ هو من لوازم
المسح عليه عادة والمراد غير عائشة لأنها كانت حائضًا
(أحللنا) أي بعد السعي وحذف اختصارًا فلا حجة فيه لمن لم
يوجب السعي لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع. وقد
جاء من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه وسعوا فيحمل ما أجمل
على ما بين ولم يذكر الحلق ولا التقصير فاستدلّ به
على أنه استباحة محظور.
وأجيب: بأن عدم ذكره هنا لا يلزم منه ترك فعله فإن القصة
واحدة، وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث وهذا كقوله:
لما زنى فلان رجم، والتقدير لما أحصن وزنى رجم.
فإن قلت في مسلم وكان مع الزبير هدي فلم يحل وهو مغاير لا
هنا لذكرها الزبير مع من أحل. أجاب النووي: بأن إحرام
الزبير بالعمرة وتحلله منها كان في غير حجة الوداع (ثم
أهللنا من العشي بالحج). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج
أيضًا.
12 - باب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ
الْعُمْرَةِ أَوِ الْغَزْوِ؟
باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو.
1797 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَفَلَ
مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى
كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ
يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ
لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَىْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ،
سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللَّهُ
وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ
وَحْدَهُ". [الحديث 1797 - أطرافه في: 2995، 3084، 4116،
6385].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع)
مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) (أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا
قفل) رجع (من
غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى (على كل شرف) بفتحتين
مكان عال (من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)
قال القرطبي في تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه
التفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع
الأماكن (آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع
آيب أي راجع وزنه، ومعناه أي راجعون إلى الله. وليس المراد
الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة
مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة الخصوصة والاتصاف بالأوصاف
المذكور (تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا
إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة
قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل
التواضع أو تعليمًا لأمته (عابدون ساجدون لربنا حامدون)
كلها رفع بتقدير نحن والجار والمجرور متعلق بساجدون أو
بسائر الصفات على طريق التنازع (صدق الله وعده) فيما وعد
به من إظهار دينه بقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ
مَغَانِمَ كَثِيرَةً} [الفتح: 20] وقوله تعالى: {وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}
[النور: 55] الآية، وهذا في الغزو ومناسبته للحج قوله
تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ آَمِنِينَ} [الفتح: 27] (ونصر عبده) محمدًا
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهزم الأحزاب) يوم
الأحزاب أو أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن (وحده) من
غير فعل أحد من الآدميين، ويحتمل أن يكون خبرًا بمعنى
الدعاء أي اللهم أهزم الأحزاب والأول أظهر، وظاهر قوله من
غزو أو حج أو عمرة اختصاصه بها والذي عليه الجمهور أنه
يشرع في كل سفر طاعة كطلب علم، وقيل يتعدى إلى المباح لأن
المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه ما يحصل له الثواب،
وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكب المعصية أحوج
إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة
لا يمنع المسافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله
تعالى وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت
المخصوص فخصه قوم به كما يختص الذكر المأثور عقب الأذان
والصلاة اهـ.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدعوات، ومسلم في
الحج، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير.
13 - باب اسْتِقْبَالِ الْحَاجِّ الْقَادِمِينَ،
وَالثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
(باب استقبال الحاج القادمين) إلى مكة بكسر الميم وفتح
النون بصيغة الجمع صفة للحاج لإطلاقه على المفرد والجمع
مجازًا واتساعًا كقوله تعالى: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ}
[المؤمنون: 67] قال في الكشاف مما قرأته فيه: والسامر نحو
الحاضر في الإطلاق على الجمع واستقبال مصدر مضاف إلى
مفعوله، ولأبي ذر: القادمين بفتح الميم بصيغة التثنية
(والثلاثة) بالجر كما في بعض الأصول عطفًا على استقبال أي
واستقبال الثلاثة، وفي اليونينية
(3/277)
والثلاثة بالنصب أي واستقبال الحاج الثلاثة
حال كونهم (على الدابة) والاستقبال يكون من الطرفين لأن من
استقبلك فقد استقبلته، ولابن عساكر:
باب استقبال الحاج الغلامين بإضافة الاستقبال إلى الحاج
والغلامين مفعوله أو استقبال مضاف إلى الغلامين والحاج نصب
على المفعولية كقراءة ابن عامر بالفصل بين المضافين
بالمفعول في قوله تعالى في سورة الأنعام {قتل} برفع اللام
على ما لم يسم فاعله {أولادهم} بالنصب على المفعول بالمصدر
{شركائهم} [الأنعام: 137] بالخفض على إضافة المصدر إليه
المذكور توجيهه في كتاب القراءات الأربع عشرة مما جمعته
والثلاثة بالنصب عطف على الغلامين لكن لا أعرف نصب الحاج
في رواية.
1798 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "لَمَّا
قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَكَّةَ اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ
خَلْفَهُ". [الحديث 1798 - طرفاه في: 5965، 5966].
وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين
واللام المشددة العمي أخو بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا
يزيد بن زريع) بضم الزاي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن
عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال):
(لما قدم النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) في الفتح (استقبله أغيلمة بني
عبد المطلب) بضم الهمزة من أغيلمة وفتح الغين المعجمة.
قال في الصحاح: الغلام معروف وتصغيره غليم والجمع غلمة
وغلمان واستغنوا بغلمة عن أغلمة وتصغير الغلمة أغيلمة على
غير مكبره كأنهم صغروا أغلمة وإن كانوا لم يقولوه كما
قالوا أصيبيه في تصغير صبية وبعضهم يقول غليمة على القياس.
وقال في القاموس: الغلام الطارّ الشارب والكهل ضد أو من
حين يولد إلى أن يشب جمعه أغلمة وغلمة وغلمان وهي غلامة
اهـ.
ومراده صبيان بني عبد المطلب وإضافتهم إليه لكونهم من
ذريته (فحمل) عليه الصلاة والسلام (واحدًا) منهم (بين
يديه) هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب
(وآخر خلفه) هو قثم بن العباس بن عبد المطلب كذا قاله ابن
حجر، لكن لا أعلم هل خرج عبد الله بن جعفر من المدينة إلى
مكة بعد أن دخلها مع أبيه من الحبشة حتى استقبل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدومه مكة في
الفتح فلينظر. وقول الحافظ ابن حجر: وكون الترجمة لتلقي
القادم من الحج والحديث دال على تلقي القادم للحج ليس
بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعنى، تعقبه العيني فقال:
لا نسلم أن كون الترجمة لتلقي القادم من الحج بل هي لتلقي
القادم للحج، والحديث يطابقه وهذا القائل ذهل وظن أن
الترجمة وضعت لتلقي القادم من الحج وليس كذلك وذلك لأنه لو
علم أن لفظ الاستقبال في الترجمة مصدر مضاف إلى مفعوله
والفاعل ذكره مطوي لما احتاج إلى قوله وكون الترجمة إلى
آخره اهـ.
ولعله أخذه من كلام ابن المنير حيث تعقب ابن بطال لما قال
في الحديث: من الفقه جواز تلقي القادمين من الحج لأنه عليه
الصلاة والسلام لم ينكر ذلك بل سرته لحمله لهما بين يديه
وخلفه فقال
هذا ليس تلقيًا للقادم من الحج ولكنه تلقي القادم للحج
قال: وتلك العادة إلى الآن يتلقي المجاورون وأهل مكة
القادمين من الركبان اهـ.
نعم يؤخذ منه بطريق القياس تلقي القادمين من الحج بل ومن
في معناهم كمن قدم من جهاد أو سفر تأنيسًا لهم وتطييبًا
لقلوبهم.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قدم من سفر تلقى بصبيان
أهل بيته، وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه
ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة
على دابة.
وفي المسند وصحيح الحاكم عن عائشة قالت: أقبلنا من مكة في
حج أو عمرة فتلقانا غلمان من الأنصار كانوا يتلقون أهاليهم
إذا قدموا.
وذكر ابن رجب في لطائفه عن أبي معاوية الضرير عن حجاج عن
الحكم قال، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لو يعلم
المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى
يقبلوا رواحلهم لأنهم وفد الله في جميع الناس.
وفي حديث الباب التحديث والعنعنة والقول.
ورواته الثلاثة الأول بصريون، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
اللباس والنسائي في الحج.
14 - باب الْقُدُومِ بِالْغَدَاةِ
(باب) استحباب (القدوم) أي قدوم المسافر إلى منزله
(بالغداة).
1799 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا
خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ،
وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ
الْوَادِي، وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ".
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن الحجاج) بفتح الحاء المهملة
وتشديد
(3/278)
الجيم الذهلي الشيباني قال: (حدّثنا أنس بن
عياض) المدني (عن عبيد الله) بتصغير عبد بن عمر العمري (عن
نافع عن) عبد الله (بن عمر -رضي الله عنهما-) (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج) من
المدينة (إلى مكة يصلّي في مسجد الشجرة) التي بمسجد ذي
الحليفة (وإذا رجع) من مكة (صلّى بذي الحليفة ببطن الوادي
وبات) بها (حتى يصبح) ثم يتوجه إلى المدينة لئلا يفجأ
الناس أهاليهم ليلاً. وهذا الحديث مرّ في باب: خروج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق الشجرة وليس
الدخول بالغداة متعينًا ولذا قال المؤلّف:
15 - باب الدُّخُولِ بِالْعَشِيِّ
(باب الدخول) أي المسافر على أهله (بالعشي) والمراد به هنا
من وقت الزوال إلى الغروب.
1800 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ "كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ
يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لاَ يَدْخُلُ إِلاَّ غُدْوَةً
أَوْ عَشِيَّةً".
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال:
(حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة
وسكون الواو وكسر المعجمة البصري (عن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي
الله عنه- قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لا يطرق أهله) بضم الراء من الطروق أي لا
يأتيهم ليلاً إذا رجع من سفره ولا يكون الطروق إلا ليلاً
قيل أن أصل الطروق من الطرق وهو الدق وسمي الآتي بالليل
طارقًا لحاجته إلى دق الباب (كان لا يدخل إلا غدوة أو
عشية) لكراهته لطروق أهله والله أعلم.
16 - باب لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ
هذا (باب) بالتنوين (لا يطرق) المسافر (أهله إذا بلغ
المدينة) أي البلد التي يريد دخولها وللحموي: إذا دخل
المدينة أي أراد دخولها.
1801 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-
قَالَ "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلاً".
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي البصري
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محارب) هو ابن دثار
السدوسي الكوفي (عن جابر -رضي الله عنه- قال): (نهى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطرق) المسافر
(أهله ليلاً) كراهة أن يهجم منها على ما يقبح عند اطلاعه
عليه فيكون سببًا إلى بغضها وفراقها، فنبه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما تدوم به الألفة وتتأكد به
المحبة فينبغي أن يجتنب مباشرة أهله فى حال البذاذة وغير
النظافة وأن لا يتعرض لرؤية عورة يكرهها منها وكلمة (أن)
في قوله أن يطرق مصدرية، وليلاً نصب على الظرفية وأتى به
للتأكيد أو على لغة، من قال أن طرق يستعمل بالنهار أيضًا
حكاه ابن فارس.
17 - باب مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلَغَ
الْمَدِينَةَ
(باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة) قال في المحكم: أسرع
يتعدى بنفسه ويتعدى بالباء وهو يردّ على من خطأ المؤلّف
حيث لم يعدّه بالباء.
1802 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ
الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً
حَرَّكَهَا". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: زَادَ
الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ "حَرَّكَهَا مِنْ
حُبِّهَا".
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ
حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ "جُدُرَاتٍ". تَابَعَهُ
الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ [الحديث 1802 - طرفه في: 1886].
وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم
بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي قال: (أخبرنا محمد بن
جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (قال: أخبرني) بالإفراد
(حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- يقول) (كان
رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة)
بفتح الدال والراء والجيم أي طرقها المرتفعة، ولأبي ذر عن
المستملي: دوحات المدينة بواو ساكنة بعدها مهملة بدل الراء
والجيم أي شجرها العظام (أوضع ناقته) بفتح الهمزة والضاد
المعجمة والعين المهملة أي حملها على السير السريع (وإن
كانت) أي المركوبة (دابة) وهي أعم من الناقة (حركها) جواب
أن.
(قال: أبو عبد الله) المؤلّف (زاد الحرث بن عمير) مصغرًا
البصري مما وصله الإمام أحمد (عن حميد) الطويل أي عن أنس
(حركها من حبها) الجار والمجرور يتعلق بقوله حركها أي حرك
دابته بسبب حبه المدينة.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا إسماعيل) بن
جعفر بن أبي كثير المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس) أنه
(قال: جدرات) بضم الجيم والدال بغير تنوين كما في الفرع
وغيره أي جدرات المدينة جمع جدر بضمتين جمع جدار وفي بعض
النسخ جدرات بالتنوين. وقال القاضي عياض مما رأيته في
المطالع؛ جدرات أشبه من دوحات ودرجات. وقال الحافظ ابن
حجر: وهي أي جدرات رواية الترمذي من طريق إسماعيل بن جعفر
أيضًا، وقد رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: جدران
بسكون الدال وآخره نون جمع جدار.
(تابعه) أي تابع إسماعيل (الحرث بن
(3/279)
عمير) في قوله جدرات.
18 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأْتُوا الْبُيُوتَ
مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]
(باب) بيان سبب نزول (قول الله تعالى) ({وأتوا البيوت من
أبوابها}) [البقرة: 189].
1803 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي
الله عنه- يَقُولُ "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا،
كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ
يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ
مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ
بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {وَلَيْسَ
الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
أَبْوَابِهَا} ". [الحديث 1803 - طرفه في: 4512].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (قال: سمعت البراء) بن
عازب (-رضي الله عنه- يقول: نزلت هذه الآية فينا كانت
الأنصار إذا حجوا فجاؤوا) المدينة (لم يدخلوا من قبل أبواب
بيوتهم ولكن من ظهورها) بكسر قاف قبل وفتح الموحدة، وقد
روى ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما عن جابر قال: كانت قريش
تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت
الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من الأبواب الحديث. ورواه
عبد بن حميد من مرسل قتادة كما قال البراء، وكذا أخرجه
الطبري من مرسل الربيع بن أنس نحوه وهذا صريح في أن سائر
العرب كانوا يفعلون ذلك كالأنصار إلا قريبًا.
(فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه) بكسر القاف وفتح
الموحدة والرجل هو قطبة بضم القاف وسكون المهملة وفتح
الموحدة ابن عامر بن حديدة بمهملات بوزن كبيرة الأنصاري
الخزرجي كما سمي في رواية جابر السابقة عند ابن خزيمة
والحاكم في صحيحيهما، وقيل هو رفاعة بن تابوت والأول أولى،
ويؤيده أن في مرسل الزهري عند الطبري: فدخل رجل من الأنصار
من بني سلمة وقطبة من بني سلمة بخلاف رفاعة، وقد وقع في
حديث ابن عباس عند ابن جرير أن القصة وقعت أوّل ما قدم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة وفي
إسناده ضعف، وفي مرسل الزهري أنه وقع في عمرة الحديبية،
وفي مرسل السدّي عند الطبري في حجة الوداع قال في الفتح:
وكأنه أخذه من قوله: كانوا إذا حجوا، لكن وقع في رواية
الطبري كانوا إذا أحرموا وهذا يتناولهما أي الحج والعمرة
والأقرب ما قال الزهري. وقد بين الزهري السبب في صنيعهم
ذلك فقال: كان ناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل
بينهم وبين السماء شيء فكان الرجل إذا أهلّ فبدت له حاجة
في بيته لم يدخل من الباب من أجل السقف أن يحول بينه وبين
السماء.
(فكأنّه عيّر بذلك) بضم العين المهملة مبنيًّا للمفعول أي
بدخوله من قبل بابه وكانوا يعدّون إتيان البيوت من ظهورها
برًا (فنزلت) أي الأية وهي قوله تعالى: ({وليس البر بأن
تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر}) برّ ({من اتقى}) أي
المحارم والشهوات ({وأتوا البيوت من أبوابها}) [البقرة:
189] واتركوا سنة الجاهلية فليس في العدول برّ.
19 - باب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ
هذا (باب) بالتنوين (السفر قطعة) جزء (من العذاب).
1804 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ:
يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ
فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ».
[الحديث 1804 - طرفاه في: 3001، 5429].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي
المدني قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة (عن سمي) بضم السين
المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مصغرًا القرشي المخزومي
(عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(السفر قطعة) جزء (من العذاب) بسبب الألم الناشئ عن
المشقّة فيه لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف
(يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه) بنصب الأربعة لأن منع
يتعدى لمفعولين. الأول أحدكم، والثاني طعامه وشرابه عطف
عليه ونومه إما على الأول أو على الثاني على الخلاف،
والجملة استئنافية وهي في الحقيقة جواب عما يقال لم كان
السفر قطعة من العذاب فقال: لأنه يمنع أحدكم وليس المراد
بالمنع في المذكورات منع حقيقتها بل منع كمالها أي لذة
طعامه الخ.
وفي حديث أبي سعيد المقبري السفر قطعة من العذاب لأن الرجل
يشتغل فيه عن صلاته وصيامه، وللطبراني: لا يهنأ أحدكم نومه
ولا طعامه ولا شرابه أو المراد يمنعه ذلك في الوقت الذي
يريده لاشتغاله بالمسير ولما جلس إمام الحرمين موضع أبيه
سئل لم كان السفر قطعة من العذاب، فأجاب على الفور لأن فيه
فراق الأحباب ولا يعارض ما ذكر حديث ابن عباس وابن عمر
-رضي الله عنهم- مرفوعًا: سافروا تغنموا وفي رواية:
ترزقوا، ويروى: سافروا تصحوا لأنه لا يلزم من الصحة بالسفر
لما فيه من الرياضة والغنيمة والرزق أن
(3/280)
لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة.
(فإذا قضى) المسافر (نهمته) بفتح النون وإسكان الهاء أي
رغبته وشهوته وحاجته (فليعجل) الرجوع (إلى أهله) زاد في
حديث عائشة عند الحاكم فإنه أعظم لأجره. قال ابن عبد البر:
وزاد فيه بعض الضعفاء عن مالك وليتخذ لأهله هدية وإن لم
يجد إلا حجرًا يعني حجر الزناد قال: وهي زيادة منكرة.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد وفي الأطعمة
ومسلم في المغازي والنسائي في السير.
20 - باب الْمُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ
يُعَجِّلُ إِلَى أَهْلِهِ
(باب المسافر إذا جدّ به السير) قال ابن الأثير إذا اهتم
به وأسرع فيه، يقال جدّ يجد ويجدّ بالضم والكسر وجد به
الأمر وأجد وجد فيه وأجد إذا اجتهد وجواب إذا قوله (يعجل
إلى أهله) بضم الياء وفتح العين وتشديد الجيم، وفي نسخة:
تعجل بفتح المثناة الفوقية والجيم، وللكشميهني والنسفيّ
كما في الفتح: ويعجل بالواو وجواب إذًا حينئذٍ محذوف أي
ماذا يصنع.
1805 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي
زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "كُنْتُ مَعَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- بِطَرِيقِ
مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ
شِدَّةُ وَجَعٍ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ، حَتَّى كَانَ
بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ
وَالْعَتَمَةَ -جَمَعَ بَيْنَهُمَا- ثُمَّ قَالَ: إِنِّي
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ
بَيْنَهُمَا".
وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي قال:
(أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (قال:
أخبرني) بالإفراد (زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني
كان يرسل (عن أبيه) أسلم وهو مخضرم مات سنة ثمانين وهو ابن
أربع عشرة ومائة سنة (قال: كنت مع عبد الله بن عمر -رضي
الله عنهما- بطريق مكة فبلغه عن) زوجته (صفية بنت أبي
عبيد) الثقفي والد المختار الكذاب الخارجي، وكان يزعم أن
جبريل عليه الصلاة والسلام يأتيه بالوحي (شدة وجع فأسرع
السير) فيه تعدى أسرع إلى المفعول بنفسه فيرد على من اعترض
على المؤلّف في قوله السابق باب: من أسرع ناقته بأنه إنما
يتعدى بحرف الجر (حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل) عن
دابته (فصلّى المغرب والعتمة جمع بينهما ثم قال): أي ابن
عمر (إني رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إذا جد به السير أخر المغرب) إلى وقت العشاء (وجمع بينهما)
جمع تأخير والجملة حالية أو استئنافية. |