شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
41 - كتاب الحرث والمزارعة
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(كتاب الحرث) أي الزرع (والمزارعة) وهي المعاملة على الأرض
(4/169)
ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها
فإن كان من العامل فهي مخابرة وهما إن أفردتا عن المساقاة
باطلتان للنهي عن المزارعة في مسلم وعن المخابرة في
الصحيحين، ولأن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز
العمل عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي بخلاف الشجر فإنه
لا يمكن عقد الإجارة عليها فجوّزت المساقاة، واختار في
الروضة تبعًا لابن المنذر وابن خزيمة والخطابي صحتهما وحمل
أخبار النهي على ما إذا شرط لأحدهما زرع قطعة معينة وللآخر
أخرى وعلى الأوّل فيشترط تقديم المساقاة على المزارعة بأن
يقول: ساقيتك وزارعتك، فلو قال: زارعتك وساقيتك أو فصل
بينهما لم يصح لانتفاء التبعية فإن خابره تبعًا لم يصح كما
لو أفردها وفارقت المزارعة بأن المزارعة أشبه بالمساقاة
وورد الخبر بصحتها بخلاف المخابرة.
1 - باب فَضْلِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ إِذَا أُكِلَ
مِنْهُ. وَقَوْلِهِ الله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ
* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *
لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 63 - 65]
(باب فضل الزرع والغرس) قال في القاموس: زرع كمنع طرح
البذر كازدرع وأصله ازترع أبدلوها دالاً لتوافق الزاي
والله أنبت وغرس الشجر أثبته في الأرض كأغرسه والغرس
المغروس (إذا كل منه) قيد في فضيلة كل منهما ولأبي ذر كتاب
الحرث بفح الحاء وسكون الراء المهملتين آخره مثلثة وله عن
الحموي في الحرث وإسقاط كتاب، وله أيضًا عن الكشميهني كتاب
المزارعة مع تأخير البسملة فيها وسقط له قوله ما جاء في
الحرث والمزارعة، وقوله باب وما بعده ثابت عنده وحينئذٍ
فيكون قوله فضل الزرع مرفوعًا على ما لا يخفى، وهذا ما في
الفرع وأصله وفي فتح الباري، عن النسفيّ كالكشميهني باب
فضل الزرع والغرس إذا أكل منه بسم الله الرحمن الرحيم.
وزاد النسفيّ فقال: باب ما جاء في الحرث والمزارعة وفضل
الزرع، ومثله للأصيلي وكريمة إلا أنهما حذفا لفظ كتاب
المزارعة، وللمستملي: كتاب الحرث، وقدم الحموي البسملة
وقال في الحرث بدل كتاب الحرث.
(وقوله تعالى) بالجرّ عطفًا على السابق، ولأبي ذر وقول
الله تعالى بالرفع على الاستئناف: ({أفرأيتم ما تحرثون})
تبذرون حبه ({أأنتم تزرعونه}) تنبتونه ({أم نحن الزارعون})
المنبتون ({لو نشاء لجعلناه حطامًا}) [الواقعة: 16] هشيمًا
وإنما نسب سبحانه وتعالى الحرث إلينا والزرع إليه جلّ
جلاله، وإن كانت الأفعال كلها له سبحانه حرثًا وبذرًا وغير
ذلك لأن المراد بالزرع هنا الإنبات لا البذر وذلك خصائص
القدرة القديمة، ووجه الاستدلال بهذه الآية على إباحة
الحرث أن الله تعالى امتنّ علينا بإنبات ما نحرثه فدلّ على
أن الحرث جائز إذ لا يمتنّ بممنوع.
2320 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ ح.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ
غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ
أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ
صَدَقَةٌ».وقال لنا مسلمٌ حدثنا أبانُ حدثنا قتادة حدثنا
أنسٌ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 2320 - طرفه في: 6012].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا أبو عوانة)
الوضاح بن عبد الله اليشكري (ح) مهملة وينطق بها كذلك
علامة لتحويل السند قال المؤلّف بالسند:
(وحدّثني عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العيشي بعين
مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فشين معجمة منسوب إلى بني عائش
قال: (حدّثنا أبو عوانة عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) ولأبي
ذر: أنس بن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول
الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ما من مسلم يغرس غرسًا) بمعنى المغروس أي شجرًا (أو يزرع
زرعًا) مزروعًا وأو للتنويع لأن الزرع غير الغرس (فيأكل
منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) بالرفع اسم
كان والتعبير بالمسلم يخرج الكافر فيختص الثواب في الآخرة
بالمسلم دون الكافر لأن القرب إنما تصح من المسلم فإن تصدق
الكافر أو فعل شيئًا من وجوه البر لم يكن له أجر في
الآخرة. نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا كما
ثبت دليله، وأما من قال يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة
فيحتاج إلى دليل.
وفي حديث عائشة عند مسلم قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان
في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال:
"لا ينفعه إن لم يقل يومًا ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين"
يعني لم يكن مصدقًا بالبعث ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه
عمل. ونقل عياض الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم
ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، لكن بعضهم أشد
عذابًا من بعضهم بحسب جرائمهم.
وأما حديث أبي
(4/170)
أيوب الأنصاري عند أحمد مرفوعًا: ما من رجل
يغرس غرسًا وحديث ما من عبد فظاهرهما يتناول المسلم
والكافر لكن يحمل المطلق على المقيد والمراد بالمسلم الجنس
فتدخل المرأة المسلمة.
(وقال لنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي البصري قال
العيني كابن حجر: كذا بإثبات لنا للأصيلي وكريمة وأبي ذر
وفي رواية النسفيّ وآخرين وقال مسلم بدون لفظة لنا (حدّثنا
أبان) ابن يزيد العطار قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال:
(حدّثنا أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يسق متن هذا السند لأن غرضه منه
التصريح بالتحديث من قتادة عن أنس، وقد أخرجه مسلم عن عبد
بن حميد عن مسلم بن إبراهيم المذكور بلفظ: أن نبي الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نخلاً لأم مبشر
امرأة من الأنصار فقال: "من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر"؟
قالوا: مسلم بنحو حديثهم كذا عند مسلم فأحال به على ما
قبله، وقد بيّنه أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن مسلم
بن إبراهيم، وباقيه: لا يغرس مسلم غرسًا فيأكل منه إنسان
أو طير أو دابّة إلا كان له صدقة، وقد أخرج مسلم هذا
الحديث من طرق عن جابر قال في بعضها فيأكل منه سبع أو طائر
أو شيء إلا كان له فيه أجر، وفي أخرى: فيأكل منه إنسان ولا
دابّة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة. ومقتضاه
أن ثواب ذلك مستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً منه ولو
مات غارسه أو زارعه ولو انتقل ملكه إلى غيره.
قال ابن العربي: في سعة كرم الله أن يثيب على ما بعد
الحياة كما كان يثيب ذلك في الحياة وذلك في ستة: صدقة
جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو غرس، أو
زرع، أو رباط فللمرابط ثواب عمله إلى يوم القيامة انتهى.
ونقل الطيبي عن محيي السُّنّة أنه روى أن رجلاً مرّ بأبي
الدرداء وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهذه
لا تطعم إلا في كذا وكذا عامًا. قال: ما عليّ أن يكون لي
أجرها ويأكل منها غيري. قال: وذكر أبو الوفاء البغدادي أنه
مرّ أنو شروان على رجل يغرس شجر الزيتون فقال له: ليس هذا
أوان غرسك الزيتون وهو شجر بطيء الأثمار، فأجابه غرس من
قبلنا فأكلنا ونغرس ليأكل من بعدنا. فقال أنو شروان: زه أي
أحسنت، وكان إذا قال زه يعطي من قيلت له أربعة آلاف درهم
فقال: أيها الملك كيف تعجب من شجري وإبطاء ثمره فما أسرع
ما أثمر. فقال: زه فزيد أربعة آلاف درهم أخرى. فقال: كل
شجر يثمر في العام مرة وقد أثمرت شجرتي في ساعة
مرتين. فقال: زه فزيد مثلها فمضى أنو شروان فقال: إن وقفنا
عليه لم يكفه ما في خزائننا.
ثم إن حصول هذه الصدقة المذكورة يتناول حتى من غرسه لعياله
أو لنفقته لأن الإنسان يُثاب على ما سرق له وإن لم ينوِ
ثوابه ولا يختصّ حصول ذلك بمن يباشر الغراس أو الزراعة بل
يتناول من استأجر لعمل ذلك والصدقة حاصلة حتى فيما عجز عن
جمعه كالسنبل المعجوز عنه بالحصيدة فيأكل منه حيوان فإنه
مندرج تحت مدلول الحديث.
واستدلّ به على أن الزراعة أفضل المكاسب وقال به كثيرون،
وقيل الكسب باليد، وقيل التجارة، وقد يقال كسب اليد أفضل
من حيث الحلّ والزرع من حيث عموم الانتفاع، وحينئذٍ فينبغي
أن يختلف ذلك باختلاف الحال فحيث احتيج إلى الأقوات أكثر
تكون الزراعة أفضل للتوسعة على الناس، وحيث احتيج إلى
المتجر لانقطاع الطرق تكون التجارة أفضل، وحيث احتيج إلى
الصنائع تكون أفضل والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه المصنف أيضًا في الأدب والترمذي في
الأحكام.
2 - باب مَا يُحْذَرُ مِنْ عَوَاقِبِ الاِشْتِغَالِ
بِآلَةِ الزَّرْعِ، أَوْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ الَّذِي
أُمِرَ بِهِ
(باب) بيان (ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع) يحذر
بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه مخففًا، ولأبي ذر: يحذر
بالتشديد (أو مجاوزة الحد) قال الحافظ ابن حجر: كذا
للأصيلي وكريمة ولابن شبويه أو يجاوز بالمثناة التحتية بدل
الميم، ولأبي ذر والنسفيّ: جاوز الحد، وفي رواية بالفرع:
أو جاز الحد (الذي أمر به) سواء كان واجبًا أو مندوبًا.
2321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ -وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا
مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ- سَمِعْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ
يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلاَّ أُدْخِلَهُ الذُّلُّ»
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيٌّ بْنُ
عَجلانَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
عبد الله بن سالم الحمصي) أبو يوسف قال: (حدّثنا محمد بن
زياد الألهاني) بفتح الهمزة وسكون اللام بعدها هاء فألف
(4/171)
فنون فياء نسب أبو سفيان الحمصي (عن أبي
أمامة الباهلي) أنه (قال و) الحال أنه (رأى سكة) بكسر
السين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة الحديدة التي تحرث
بها الأرض (وشيئًا من آلة الحرث فقال: سمعت النبي) ولأبي
ذر: سمعت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(لا يدخل هذا بيت قوم) يعملون بها بأنفسهم (إلا أدخله
الذل) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول،
والذل رفع نائب عن الفاعل فلو كان لهم من يعمل لهم وأدخلت
الآلة المذكورة دراهم للحفظ فليس مرادًا أو هو على عمومه،
فإن الذل داخل شامل لكل من أدخل على نفسه ما يستلزم مطالبة
آخر له، ولا سيما إذا كان المطالب من ظلمة الولاة، ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي: إلا أدخله الله بفتح الهمزة
والخاء مبنيًّا للفاعل الذلّ مفعول للاسم الكريم، وله عن
الكشميهني: إلا دخله الذل بإسقاط الهمزة وحذف الجلالة
والذل رفع. وفي مستخرج أبي نعيم: إلا أدخلوا على أنفسهم
ذلاًّ لا يخرج عنهم إلى يوم القيامة أي لما يلزمهم من حقوق
الأرض التي يزرعونها ويطالبهم بها الولاة، بل ويأخذون منهم
الآن فوق ما عليهم بالضرب والحبس، بل ويجعلونهم كالعبيد أو
أسوأ من العبيد فإن مات أحد منهم أخذوا ولده عوضه بالغصب
والظلم، وربما أخذوا الكثير من ميراثه ويحرمون ورثته، بل
ربما أخذوا من ببلد الزراع فجعلوه زراعًا، وربما أخذوا
ماله كما شاهدنا فلا حول ولا قوة إلا بالله. وكان العمل في
الأراضي أول ما افتتحت على أهل الذمة فكان الصحابة يكرهون
تعاطي ذلك.
قال في فتح الباري: وقد أشار البخاري بالترجمة إلى الجمع
بين حديث أبي أمامة، والحديث السابق في فضل الزرع والغرس
وذلك بأحد أمرين: إما أن يحمل ما ورد من الذم على عاقبة
ذلك ومحله إذا اشتغل به فضيع بسببه ما أمر بحفظه، وإما أن
يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه.
(قال محمد) هو ابن زياد الراوي (واسم أبي أمامة) الباهلي
المذكور (صديّ بن عجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم
وبعد اللام ألف ونون وصدي بضم الصاد وفتح الدال المهملتين
آخره تحتية مشددة آخر من مات بالشام من الصحابة، وليس له
في البخاري سوى هذا الحديث وآخرين في الأطعمة والجهاد وهو
ثابت هنا في بعض النسخ وعليه شرح العيني وهو في هامش
اليونينية بإزاء قوله في السند: عن أبي أمامة من غير إشارة
لمحله مرقوم عليه علامة أبي ذر عن المستملي والكشميهني،
وفي بعض النسخ وعزاه في الفتح وتبعه العيني للمستملي قال
أبو عبد الله أي البخاري بدل قوله قال محمد.
وهذا الحديث من أفراد البخاري.
3 - باب اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلْحَرْثِ
(باب اقتناء الكلب) بالقاف أي اتخاذه (للحرث).
2322 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا
هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ
كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ
قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ". قَالَ
ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِلاَّ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ». وَقَالَ
أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ
مَاشِيَةٍ». [الحديث 2322 - طرفه في: 3324].
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء أبو زيد
البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي
كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أمسك كلبًا فإنه ينقص كل يوم من) أجر (عمله قيراط).
وعند مسلم: فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان والحكم
للزائد لأنه حفظ ما لم يحفظه الآخر أو أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أوّلاً بنقص قيراط واحد، فسمعه
الراوي الأول ثم أخبر ثانيًا بنقص قيراطين زيادة في
التأكيد للتنفير عن ذلك فسمعه الثاني أو ينزل على حالين
فنقص القيراطين باعتبار كثرة الأضرار باتخاذها ونقص الواحد
باعتبار قلته.
وقد حكى الروياني في البحر اختلافًا في الأجر هل ينقص من
العمل الماضي أو المستقبل وفي محل نقصان القيراطين فقيل من
عمل النهار قيراط ومن عمل الليل آخر وقيل من الفرض قيراط
ومن النفل آخر، والقيراط هنا مقدار معلوم عند الله تعالى،
والمراد نقص جزء أو جزأين من أجزاء عمله، وهل إذا تعددت
الكلاب تتعدد القراريط؟ وسبب النقص امتناع الملائكة من
دخول بيته أو لما يلحق المارّين من الأذى أو ذلك عقوبة لهم
لاتخاذهم ما نهى عن اتخاذه أو لأن بعضها شياطين أو ولوغها
في الأواني عند غفلة صاحبها.
(إلا
(4/172)
كلب حرث أو ماشية) فيجوز وأو للتنويع لا
للترديد والأصح عند الشافعية إباحة اتخاذ الكلاب لحفظ
الدور والدروب قياسًا على المنصوص بما في معناه، واستدلّ
المالكية بجواز اتخاذها على طهارتها. فإن ملابستها مع
الاحتراز عن مسّ شيء منها أمر شاق والإذن في الشيء إذن في
مكملات مقصوده كما في المنع من لوازمه مناسبة للمنع منه.
وأجيب: بعموم الخبر الوارد في الأمر من غسل ما ولغ فيه
الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوّغه
الدليل.
(قال) ولأبي ذر. وقال (ابن سيرين) محمد مما تتبعه الحافظ
ابن حجر فلم يجده موصولاً (وأبو صالح) ذكوان الزيات مما
وصله أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه الترغيب (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلا كلب غنم أو) كلب (حرث أو) كلب (صيد) فزاد
أو صيد.
(وقال أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان بسكون اللام
الأشجعي مما وصله أبو الشيخ (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلب صيد
أو) كلب (ماشية) فأسقط كلب الحرث ولأبي ذر بالتقديم
والتأخير.
2323 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ
السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ -رَجُلاً مِنْ أَزْدِ
شَنُوءَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ
ضَرْعًا نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ.
قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِي وَرَبِّ
هَذَا الْمَسْجِدِ». [الحديث 2323 - طرفه في: 3325].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن يزيد بن خصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح
الصاد المهملة مصغرًا نسبه لجده واسم أبيه عبد الله (أن
السائب بن يزيد) من الزيادة كالسابق الكندي صحابي صغير حج
به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة
وهو آخر من مات بها من الصحابة (حدّثه أنه سمع سفيان بن
أبي زهير) بضم الزاي مصغرًا (رجلاً) بالنصب قال العيني
بتقدير أعني أو أخص، ولأبي ذر: رجل بالرفع خبر مبتدأ محذوف
أي هو رجل (من أزد شنوءة) بفتح الهمزة وسكون الزاي وشنوءة
بفتح الشين المعجمة وبعد النون المضمومة همزة مفتوحة (وكان
من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من اقتنى كلبًا) وهذا مطابق للترجمة مفسر لقوله في الحديث
السابق: من أمسك كلبًا (لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا)
كناية عن الماشية (نقص كل يوم من) ثواب (عمله قيراط) قال
السائب بن يزيد (قلت) لسفيان بن أبي زهير للتثبت في الحديث
(أنت سمعت هذا) الذي قلته (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: إي) سمعته منه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورب هذا المسجد) أقسم للتأكيد.
وفي هذا الحديث صحابي عن صحابي، وأخرجه مسلم في البيوع
والنسائي وابن ماجة في الصيد.
4 - باب اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ لِلْحِرَاثَةِ
(باب استعمال البقر للحراثة).
2324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ
إِلَيْهِ فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، خُلِقْتُ
لِلْحِرَاثَةِ. قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ. وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً فَتَبِعَهَا
الرَّاعِي، فَقَالَ الذِّئْبُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ
السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ قَالَ:
آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ أَبُو
سَلَمَةَ: مَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ". [الحديث
2324 - أطرافه في: 3471، 3663، 3690].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار)
بالموحدة والشين المعجمة المشددة المفتوحتين العبدي البصري
أبو بكر بندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين، ولأبي
ذر زيادة ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي
المدينة أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن الزهري
المدني أحد الأعلام يقال اسمه عبد الله ويقال إسماعيل وهو
عمّ سعد بن إبراهيم السابق (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
عن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(بينما) بالميم (رجل) لم يسم (راكب على بقرة) وجواب بينما
قوله (التفتت إليه) أي البقرة وزاد في المناقب في فضل أبي
بكر من طريق أبي اليمان فتكلمت (فقالت: لم أخلق لهذا) أي
للركوب بقرينة قوله راكب (خلقت للحراثة) وفي ذكر بني
إسرائيل من طريق عليّ عن سفيان بينا رجل يسوق بقرة إذ
ركبها فضربها فقالت: إنّا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث
فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم. (قال) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آمنت به) أي بنطق البقرة وفي
ذكر بني إسرائيل فإني أومن بهذا والفاء فيه جزاء شرط محذوف
أي فإذا كان الناس يستغربونه ويعجبون منه فإني لا أستغربه
وأؤمن به (أنا وأبو بكر وعمر).
فإن قلت: ما فائدة ذكر أنا وعطف ما بعده عليه وهلا عطف على
المستتر في أؤمن مستغنيًا عنه بالجار والمجرور؟ أجيب: بأنه
لو لم يذكر أنا لاحتمل أن يكون وأبو بكر عطفًا على محل أن
واسمها والخبر
(4/173)
محذوف فلا يدخل في معنى التأكيد، وتكون هذه
الجملة واردة على التبعية ولا كذلك في هذه الصورة قاله في
شرح المشكاة، واستدلّ بقولها: إنما خلقنا للحرث على أن
الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه،
ويحتمل أن يكون قولها: إنما خلقنا للحرث إشارة إلى تعظيم
ما خلقت له ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقًا
لأن جملة ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق.
قال ابن بطال: في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل
مستدلاً بقوله تعالى {لتركبوها} [النحل: 8] فإنه لو كان
ذلك دالاًّ على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر
لقوله في الحديث: إنما خلقنا للحرث، وقد اتفقوا على جواز
أكلها فدلّ على أن المراد بالعموم المستفاد من صيغة إنما
في قولها إنما خلقنا للحرث عموم مخصوص.
(وأخذ الذئب شاة) هو معطوف على الخبر الذي قبله بالإسناد
المذكور (فتبعها) أي الشاة (الراعى) لم يسم وإيراد المصنف
الحديث في ذكر بني إسرائيل فيه إشعار بأنه عنده ممن كان
قبل الإسلام نعم وقع كلام الذئب لأهبان بن أوس كما عند أبي
نعيم في الدلائل (فقال الذئب) ولأبي ذر: فقال له الذئب،
وفي ذكر بني إسرائيل وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب
منها بشاة
فطلبه حتى كأنه استنقذها منه فقال له الذئب هذا استنقذتها
مني. واستشكل هذا التركيب، وخرّجه ابن مالك في التوضيح على
ثلاثة أوجه.
أحدها: أن يكون منادى محذوفًا منه حرف النداء واعترضه
البدر الدماميني بأنه ممنوع أو قليل.
الثاني: أن يكون في موضع نصب على الظرفية مشارًا به إلى
اليوم أي هذا اليوم استنقذتها.
الثالث: في موضع نصب على المصدرية أي هذا الاستنقاذ
استنقذتها مني، وقد وهم الزركشي في التنقيح وتبعه البدر
الدماميني في المصابيح والبرماوي في اللامع الصبيح فذكروا
هذه الكلمة المستشكلة في رواية هذا الباب ناقلين ما ذكرته
عن ابن مالك في توجيهها، وليس لها ذكر في هذا الباب أصلاً
والله أعلم.
ولفظ رواية الحديث المذكور في المناقب: بينما راعٍ في غنمه
عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه
الذئب فقال: (من لها) أي للشاة (يوم السبع) بضم الموحدة
ويجوز فتحها وسكونها المفترس من الحيوان وجمعه أسبع وسباع
كما في القاموس (يوم لا راعي لها غيري) أي إذا أخذها السبع
لم تقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذٍ غيري أي إنك
تهرب منه وأكون أنا قريبًا منه أراعي ما يفضل لي منها، أو
أراد من لها عند الفتن حين تترك بلا راعٍ نهبة للسّباع
فجعل السبع لها راعيًا إذ هو منفرد بها، أو أراد يوم أكلي
لها يقال: سبع الذئب الغنم أي أكلها.
وقال ابن العربي: هو بالإسكان والضم تصحيف، وقال ابن
الجوزي: هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم، وقال في
القاموس: والسبع أي بسكون الموحدة الموضع الذي يكون فيه
الحشر أي من لها يوم القيامة، ويعكر على هذا قول الذئب لا
راعي لها غيري والذئب لا يكون راعيًا يوم القيامة أو يوم
السبع عيد لهم في الجاهلية كانوا يشتغلون فيه يلهوهم عن كل
شيء قال: وروي بضم الباء انتهى.
أي: يغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب منها وإنما قال ليس
لها راعٍ غيري مبالغة في تمكنه منها.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تعجب الناس
حيث قالوا سبحان الله ذئب يتكلم كما في ذكر بني إسرائيل
(آمنت به) أي بتكلم الذئب (أنا وأبو بكر وعمر).
(قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن الراوي بالسند المذكور (وما
هما) أي العمران (يومئذٍ في القوم) أي لم يكونا حاضرين:
فيحتمل أن يكون أهبان على تقدير أن يكون هو صاحب القصة لما
أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك. كان
العمران حاضرين فصدّقاه، ثم أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس بذلك وهما غائبان فلذا قال عليه
الصلاة والسلام: "فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر" وأطلق ذلك
لما اطّلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا
يتردّدان فيه كغيره من قواعد العقائد.
وقال التوربشتي: إنما أراد عليه الصلاة والسلام تخصيصهما
بالتصديق الذي بلغ عين اليقين وكوشف صاحبه بالحقيقة التي
ليس وراءها للتعجب
(4/174)
مجال انتهى.
ونطق البقرة والذئب جائز عقلاً أعني النطق اللفظي والنفسي
معًا غير أن النفسي يشترط فيه العقل وخلقه في البقرة
والذئب جائز، وكل جائز أخبر به صاحب المعجزة أنه واقع
علمنا عقلاً أنه واقع، ولا يحمل توقف المتوقفين على أنهم
شكوا في الصدق ولكن استبعدوه استبعادًا عاديًا ولم يعلموا
علمًا مكينًا أن خرق العادة في زمن النبوّات يكاد أن يكون
عادة فلا عجب إذًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المناقب وبني إسرائيل ومسلم في
الفضائل والترمذي في المناقب مقطعًا.
5 - باب إِذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ أَوْ
غَيْرِهِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) صاحب النخل لغيره (اكفني
مؤونة النخل) أي العمل فيه من السقي والقيام عليه بما
يتعلق به (أو) مؤونة (غيره) كالعنب، ولأبي ذر وغيره بإسقاط
الألف (وتشركني) بضم أوّله وكسر ثالثه مضارع أشرك ويجوز
فتحهما مضارع شرك وكلاهما في الفرع وأصله ويجوز الرفع خبر
مبتدأ محذوف أي وأنت تشركني والواو للحال والنصب بتقدير أن
بعد الواو (في الثمر) الذي يحصل من النخل أو الكرم جاز هذا
القول.
2325 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَتِ
الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا
النَّخِيلَ. قَالَ: لاَ. فَقَالُوا: تَكْفُونَا
الْمَئُونَةَ وَنُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ. قَالُوا:
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا". [الحديث 2325 - طرفاه في: 2719،
3782].
وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) هو أبو اليمان الحمصي
قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي اسم أبيه دينار
قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج)
عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال قالت الأنصار للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حين قدم المدينة: يا رسول الله (اقسم بيننا
وبين إخواننا) المهاجرين (النخيل) بكسر الخاء ثم تحتية
ساكنة، وللكشميهني: النخل بسكون الخاء والنخيل جمع نخل
كالعبيد جمع عبد وهو جمع نادر (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا) اقسم وإنما أبى ذلك لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم
فكره أن يخرج عنهم شيئًا من رقبة نخيلهم التي بما قوام
أمرهم شفقة عليهم فلما فهم الأنصار ذلك جمعوا بين
المصلحتين امتثال ما أمرهم به عليه الصلاة والسلام وتعجيل
مواساة إخوانهم المهاجرين (فقالوا) أي الأنصار للمهاجرين
أيها المهاجرون (تكفونا المؤونة) في النخل بتعهده بالسقي
والتربية (ونشرككم) بفتح أوله وثالثه. قال
ابن حجر: حسب والذي في الفرع وأصله بالوجهين كالسابق (في
الثمرة) أي ويكون المتحصل من الثمرة مشتركًا بيننا وبينكم
وهذه عين المساقاة لكن لم يبينوا مقدار الأنصباء التي وقعت
والمقرّر أن الشركة إذا أبهمت ولم يكن فيها جزء معلوم كانت
نصفين أو كان نصيب العامل في المساقاة معلومًا بالعرف
المنضبط فتركوا النص عليه اعتمادًا على ذلك العرف.
وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث بهذا السند بلفظ: اقسم بيننا
وبين إخواننا النخيل. قال لا فقال تكفوننا المؤونة ونشرككم
في الثمرة. قال البيضاوي: وهو خبر في معنى الأمر أي اكفونا
تعب القيام بتأبير النخل وسقيها وما يتوقف عليه صلاحها.
(قالوا) أي الأنصار والمهاجرون كلهم (سمعنا وأطعنا) أي
امتثلنا أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيما أشار إليه قاله العيني.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الشروط وكذا النسائي.
6 - باب قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ
وَقَالَ أَنَسٌ: أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ.
(باب) حكم (قطع الشجر والنخل) بسكون الخاء للحاجة والمصلحة
كإنكاء العدو. (وقال أنس) مما وصله في باب نبش قبور
الجاهلية في المساجد من كتاب الصلاة (أمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنخل فقطع) وفيه الجواز
للحاجة.
2326 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنه-: "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ
وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ
حَسَّانُ:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَىٍّ ... حَرِيقٌ
بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرٌ
[الحديث 2326 - أطرافه في: 3021، 4031، 4032، 4884].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال (حدّثنا
جويرية) بن أسماء (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن
عمر (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أنه حرق نخل بني النضير) بفتح النون وكسر
الضاد المعجمة قوم من اليهود (وقطع) شجرها (وهي البويرة)
بضم الموحدة وفتح الواو وسكون التحتية وبالراء موضع معروف
من بلد بني النضير (ولها) للبويرة (يقول حسان) بدون الصرف
على أنه من الحس بغير نون وبالصرف على أنه من الحسن بالنون
وهو ابن ثابت الخزرجي الأنصاري (وهان) بالواو ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: لهان باللام وللقابسي فيما ذكره العيني
هان فيكون فيه العضب
(4/175)
بالمعجمة وهو خرم مفاعلتن (على سراة بني
لؤي) بضم اللام وبعدها همزة مفتوحة فتحتية مشددة أكابر
قريش وسراة بفتح السين المهملة.
قال الجوهري جمع السريّ وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على
فعلة ولا يعرف غيره وجمع السراة سروات، وقد شدد السهيلي في
الروض الأنف النكير في هذه المسألة على النحاة وقال: لا
ينبغي أن يقال في سراة القوم أنه جمع سري لا على القياس
ولا على غير القياس، وإنما هو مثل كاهل القوم وسنامهم،
والعجب كيف خفي هذا على النحويين حتى قلد الخالف منهم
السالف وساق فيه كلامًا طويلاً حاصله أن السراة مفرد لا
جمع، واستدلّ عليه بما تقف عليه من كلامه (حريق بالبويرة
مستطير) أي منتشر، ولما أنشد حسان هذا أجابه سفيان بن
الحرث بقوله:
أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير
وفي ذلك نزلت: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة}
[الحشر: 5]. وإنما قال حسان ذلك لأن قريشًا هم الذين حملوا
كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة على نقض العهد بينه وبين
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى خرج
معهم إلى الخندق، وقيل إنما قطع النخل لأنها كانت تقابل
القوم فقطعت ليبرز مكانها فتكون مجالاً للحرب.
7 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
2327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ
قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ:
"كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا
نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى
لِسَيِّدِ الأَرْضِ، قَالَ فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ
وَتَسْلَمُ الأَرْضُ وَمِمَّا يُصَابُ الأَرْضُ وَيَسْلَمُ
ذَلِكَ، فَنُهِينَا. وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ
فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ".
وبه قال: (حدّثنا محمد) ولأبوي ذر والوقت: ابن مقاتل قال
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد)
الأنصاري (عن حنظلة بن قيس الأنصاري) الزرقي أنه (سمع رافع
بن خديج) بفتح الخاء المعجمة آخره جيم الأنصاري (قال: كنا
أكثر أهل المدينة مزدرعًا) هو مكان الزرع أو مصدر أي كنا
أكثر أهل المدينة زرعًا ونصبه على التمييز وأصله مزترعًا
فأبدلت التاء دالاً لأن مخرج التاء لا يوافق الزاي لشدتها
(كنا نكري الأرض) بضم النون من الإكراء (بالناحية منها
مسمى) القياس مسماة لأنه حال من الناحية ولكنه ذكره
باعتبار أن ناحية الشيء بعضه أو باعتبار الزرع (لسيد
الأرض) أي مالكها تنزيلاً لها منزلة العبد وأطلق السيد
عليه. (قال) رافع بن خديج (فمما) أي كثيرًا ما، ولأبي ذر
عن الكشميهني: فمهما (يصاب ذلك) البعض أي تقع عليه مصيبة
ويتلف ذلك (وتسلم الأرض) أي باقيها (ومما يصاب الأرض ويسلم
ذلك) البعض.
قال في المصابيح: الظاهر تخريج فمما على أنها بمعنى ربما
على ما ذهب إليه السيرافي وابنا طاهر وخروف والأعلم وخرجوا
عليه قول سيبويه واعلم أنهم مما يحذفون كذا انتهى.
ولأبي ذر: ومهما كالأول والأولى أولى لأن مهما تستعمل لأحد
معانٍ ثلاثة:
أحدها: تضمن معنى الشرط فيما لا يعقل غير الزمان.
والثاني: الزمان والشرط وأنكر الزمخشري ذلك.
والثالث: الاستفهام ولا يناسب مهما إلا بالتعسف.
(فنهينا) عن هذا الإكراء على هذا الوجه لأنه موجب لحرمان
أحد الطرفين فيؤدّي إلى الأكل بالباطل. (وأما الذهب
والورق) بكسر الراء وللأصيلي والفضة (فلم يكن يومئذ) يكري
بهما ولم يرد نفي وجودهما.
وهذا الباب بمنزلة الفصل من السابق لكن استشكل إدخال
الحديث فيه حتى قيل إنه وضع في غير موضعه من الناسخ.
وأجيب: بأن وجه دخوله من حيث إن من اكترى أرضًا لمدة فله
أن يزرع ويغرس فيها ما شاء فإذا تمّت المدة فلصاحب الأرض
طلبه بقلعهما فهو من إباحة قطع الشجر وهذا كافٍ في
المطابقة وفيه أن كراء الأرض بجزء مما يخرج منها منهي عنه
وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي.
وفي هذا الحديث رواية تابعي عن تابعي عن الصحابي، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في المزارعة والشروط ومسلم في البيوع وكذا
أبو داود، وأخرجه النسائي في المزارعة وابن ماجة في
الأحكام.
8 - باب الْمُزَارَعَةِ بِالشَّطْرِ وَنَحْوِهِ
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ:
مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلاَّ
يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَزَارَعَ
عَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ
وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ
وَابْنُ سِيرِينَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الأَسْوَدِ: كُنْتُ أُشَارِكُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
يَزِيدَ فِي الزَّرْعِ. وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى
إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ
الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ
لأَحَدِهِمَا فَيُنْفِقَانِ جَمِيعًا، فَمَا خَرَجَ فَهْوَ
بَيْنَهُمَا. وَرَأَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُجْتَنَى الْقُطْنُ عَلَى
النِّصْفِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ
وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: لاَ
بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ أَوِ
الرُّبُعِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ
تُكرَى الْمَاشِيَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى.
(باب المزارعة بالشطر) وهو النصف (ونحوه. وقال قيس بن
مسلم) هو ابن الجدلي الكوفي مما وصله عبد الرزاق (عن أبي
جعفر) محمد بن علي بن الحسين الباقر أنه (قال: ما بالمدينة
أهل بيت
(4/176)
هجرة) أي مهاجري (إلا يزرعون على الثلث
والربع) الواو بمعنى أو، وقوله في الفتح عاطفة على
الفعل لا على المجرور أي يزرعون على الثلث ويزرعون على
الربع، تعقبه في عمدة القاري بأنه لا يقال الحرف يعطف على
الفعل، وإنما الواو بمعنى أو فإذا أبقيناها على أصلها يكون
فيه حذف تقديره وإلاّ يزرعون على الربع ولا يضر تفرّد قيس
الكوفي بروايته هذا عن أبي جعفر المدني عن المدنيين
الراوين عنه فإن انفراد الثقة الحافظ غير مؤثر على أنه لم
ينفرد به فقد وافقه غيره في بعض معناه كما سيأتي إن شاء
الله تعالى قريبًا.
(وزارع علي) هو ابن أبي طالب فيما وصله ابن أبي شيبة من
طريق عمرو بن صليع عنه، (وسعد بن مالك) وهو سعد بن أبي
وقاص، (وعبد الله بن مسعود) فيما وصله عنهما ابن أبي شيبة
أيضًا من طريق موسى بن طلحة، (وعمر بن عبد العزيز) فيما
وصله أيضًا ابن أبي شيبة من طريق خالد الحذاء (والقاسم) بن
محمد فيما وصله عبد الرزاق، (وعروة بن الزبير) فيما وصله
ابن أبي شيبة أيضًا (وآل أبي بكر) الصديق (وآل عمر) بن
الخطاب (وآل علي) بن أبي طالب فيما وصله ابن أبي شيبة
أيضًا وآل الرجل أهل بيته (وابن سيرين) محمد فيما وصله
سعيد بن منصور.
(وقال عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي أبو بكر
الكوفي فيما وصله ابن أبي شيبة: (كنت أشارك عبد الرحمن بن
يزيد) بن قيس النخعي الكوفي وهو أخو الأسود بن يزيد وابن
أخي علقمة بن قيس (في الزرع) زاد ابن أبي شيبة فيه وأحمله
إلى علقمة والأسود فلو رأيا به بأسًا لنهياني عنه.
(وعامل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (الناس على إن جاء)
بكسر الهمزة (عمر بالبذر) بالذال المعجمة (من عنده فله
الشطر وإن جاؤوا بالبذر) من عندهم (فلهم كذا) وهذا وصله
ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد أن عمر
فذكر نحوه وهذا مرسل.
- وأخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن
عبد العزيز قال: لما استخلف عمر أجلى أهل نجران وأهل فدك
وتيماء وأهل خيبر واشترى عقرهم وأموالهم واستعمل يعلى بن
أمية فأعطى البياض يعني بياض الأرض على أن كان البذر
والبقر والحديد من عمر فلهم الثلث ولعمر الثلثان وإن كان
منهم فلهم الشطر، وأعطى النخل والعنب على أن له الثلثين
ولهم الثلث وهذا مرسل أيضًا فيتقوى أحدهما بالآخر، وكأن
المصنف أبهم المقدار بقوله فلهم كذا لما وقع فيه من
الاختلاف لأن غرضه منه أن عمر أجاز المعاملة بالجزء.
وفي إيراد البخاري هذا الأثر وغيره في هذه الترجمة ما
يقتضي أنه يرى أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد وهو وجه
عند الشافعية والآخر أنهما مختلفا المعنى، فالزارعة العمل
في الأرض ببعض ما يخرج منها والبذار من المالك والمخابرة
مثلها لكن البذر من العامل.
(وقال الحسن): البصري (لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما
فينفقان جميعًا) عليها (فما خرج) منها (فهو بينهما) وهذا
وصله سعيد بن منصور فيما قاله الحافظ ابن حجر قال العيني
لم أجده بعد
الكشف. (ورأى ذلك) الذي قاله الحسن (الزهري) محمد بن مسلم
بن شهاب قال ابن حجر: وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة نحوه
قال العيني لم أجده عندهما.
(وقال الحسن: لا بأس أن يجتنى القطن على النصف) بضم
التحتية وسكون الجيم وفتح الفوقية مبنيًّا للمفعول والقطن
رفع نائب عن الفاعل وهذا موصول فيما قاله الحافظ ابن حجر
عند عبد الرزاق ومثل القطن العصفر ولقاط الزيتون والحصاد
وغير ذلك مما هو مجهول فأجازه جماعة من التابعين وهو قول
أحمد قياسًا على القراض لأنه يعمل بالمال على جزء منه
معلوم لا يدرى مبلغه.
(وقال إبراهيم) النخعي مما وصله الأثرم (وابن سيرين) محمد
مما وصله ابن أبي شيبة (وعطاء) هو ابن أبي رباح (والحكم)
بن عتيبة فيما وصله عنهما ابن أبي شيبة كما قاله في الفتح
وقال في عمدة القاري: لم أجد ذلك عنده (والزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (وقتادة) فيما وصله عنه ابن أبي شيبة: (لا
بأس أن يعطي الثوب) أي الغزل للنسّاج ينسجه وإطلاق الثوب
عليه من
(4/177)
باب المجاز، ولأبي ذر عن الكشميهني
والمستملي: الثور (بالثلث أو الربع ونحوه) أي يكون الثلث
أو الربع ونحوه للنساج والباقي لمالك الغزل.
(وقال معمر): بفتح اليمين وسكون العين المهملة بينهما ابن
راشد مما وصله عبد الرزاق عنه، وفي نسخة باليونينية وفرعها
معتمر بالفوقية فلينظر (لا بأس أن تكون الماشية) ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر: تكرى الماشية (على الثلث أو
الربع إلى أجل مسمى) أي ثلث الكراء الحاصل منها أي بأن
يكريها لحمل طعام مثلاً إلى مدة معلومة على أن يكون ذلك
بينهما أثلاثًا أو أرباعًا، ورأيت بهامش اليونينية ما لفظه
وعند الحافظ أبي ذر على قوله إلى أجل مسمى علامة المستملي
والكشميهني وهو يدل على أنه عندهما دون الحموي وهو ثابت
على ما تراه في روايته في هذا الأصل، وكذا كل ما أشار إليه
في المواضع العلم عليها فاعلم ذلك وأمعن النظر فيه.
2328 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا
يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ
يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ. ثَمَانُونَ وَسْقَ
تَمْرٍ. وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ، فَقَسَمَ عُمَرُ
خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ الْمَاءِ
وَالأَرْضِ، أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ؟ فَمِنْهُنَّ مَنِ
اخْتَارَ الأَرْضَ وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الْوَسْقَ،
وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتِ الأَرْضَ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا
أنس بن عياض) الليثي (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عمر
العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر -رضي
الله عنهما- أخبره عن النبي) ولأبي ذر: أن النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(عامل) أهل (خيبر بشطر) بنصف (ما يخرج منها من ثمر)
بالمثلثة إشارة إلى المساقاة (أو زرع) إشارة إلى المزارعة
(فكان يعطي أزواجه) -رضي الله عنهن- (مائة وسق) بفتح الواو
وكسرها كما في التاليين في الفرع وأصله الوسق ستون صاعًا
بصاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها
(ثمانون وسق تمر و) منها (عشرون وسق شعير) وسق نصب على
التمييز في الموضعين مضاف فيهما للاحقه، وللكشميهني ثمانين
وعشرين بالنصب فيهما. (فقسم) بالفاء ولأبي ذر وقسم (عمر
خيبر) كذا بإثبات خيبر في الفرع وغيره مما وقفت عليه من
الأصول وقول الحافظ ابن حجر قوله: وقسم عمر أي خيبر وصرّح
بذلك أحمد في روايته عن ابن نمير عن عبيد الله بن عمر
مقتضاه أن رواية البخاري بحذفه ليس إلا فلينظر (فخير أزواج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أن يقطع لهن)
بضم الياء وسكون القاف من الإقطاع (من الماء والأرض أو
يمضي لهن) أي يجري لهن قسمتهن على ما كان في حياة رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما كان من
التمر والشعير، (فمنهنّ من اختار الأرض، ومنهنّ من اختار
الوسق، وكانت عائشة) -رضي الله عنها- (اختارت الأرض).
وفي هذا الحديث جواز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذلك واستمراره في
عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر -رضي الله عنهما-، وبه قال
ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي، وصنف فيهما ابن خزيمة
جزءًا بيّن فيه علل الأحاديث الواردة بالنهي عنهما وجمع
بين أحاديث الباب، ثم تابعه الخطابي وقال: ضعف أحمد بن
حنبل حديث النهي وقال هو مضطرب، وقال الخطابي وأبطلها مالك
وأبو حنيفة والشافعي لأنهم لم يقفوا على علته قال
فالمزارعة جائزة وهي عمل المسلمين في جميع الأمصار لا يبطل
العمل بها أحد هذا كلام الخطابي، والمختار جواز المزارعة
والمخابرة وتأويل الأحاديث على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة
معينة ولآخر أخرى، والمعروف في المذهب إبطالهما فمتى أفردت
الأرض بمخابرة أو مزارعة بطل العقد، وإذا بطلتا فتكون
الغلة لصاحب البذر لأنها نماء ماله فإن كان البذر للعامل
فلصاحب الأرض عليه أجرتها أو المالك فللعامل عليه أجرة مثل
عمله وعمل ما يتعلق به من آلاته كالبقر إن حصل من الزرع
شيء أو لهما فعلى كلٍّ منهما أجرة مثل عمل الآخر بنفسه
وآلاته في حصته، لذلك فإن أراد أن يكون الزرع بينهما على
وجه مشروع بحيث لا يرجع أحدهما على الآخر بشيء فليستأجر
العامل من المالك نصف الأرض بنصف منافعه ومنافع آلاته ونصف
البذر إن كان منه، وإن كان البذر من المالك استأجر المالك
العامل بنصف البذر ليزرع له نصف الأرض ويعيره نصف الأرض
الآخر وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض
ليزرع له باقيه في باقيها وإن كان البذر
(4/178)
لهما آجره نصف الأرض بنصف منفعته ومنفعة
آلاته أو أعاره نصف الأرض وتبرع العامل بمنفعة بدنه وآلته
فيما يخص المالك أو أكراه نصفها بدينار مثلاً واكترى
العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلته بدينار وتقاصّا.
وفي الحديث أيضًا جواز المساقاة في النخل والكرم وجميع
الشجر الذي من شأنه أن يثمر كالخوخ والمشمش بجزء معلوم
يجعل للعامل من الثمرة، وبه قال الجمهور وخصّه الشافعي في
الجديد
بالنخل وكذا شجر العنب لأنه في معنى النخل بجامع وجوب
الزكاة وتأتي الخرص في ثمرتيهما فجوّزت المساقاة فيهما
سعيًا في تثميرهما رفقًا بالمالك والعامل والمساكين،
واختار النووي في تصحيحه صحتها على سائر الأشجار المثمرة
وهو القول القديم، واختاره السبكي فيها إن احتاجت إلى عمل
ومحل المنع أن تفرد بالمساقاة فإن ساقاه عليها تبعًا لنخل
أو عنب صحّت كالمزارعة وألحق المقل بالنخل. وقال أبو حنيفة
وزفر: لا تجوز المساقاة بحال لأنها إجارة بثمرة معدومة أو
مجهولة، وجوّزها أبو يوسف ومحمد وبه يفتي لأنها عقد على
عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة لأن المضارب يعمل
في المال بجزء من نمائه وهو معدوم ومجهول، وقد صح عقد
الإجارة مع أن المنافع معدومة وكذلك هنا وأيضًا فالقياس في
إبطال نص أو إجماع مردود.
9 - باب إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنِينَ فِي
الْمُزَارَعَةِ
(باب) بالتنوين (إذا لم يشترط) المالك للأرض (السنين)
المعلومة (في) عقد (المزارعة).
2329 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "عَامَلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ بِشَطْرِ
مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن
سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري قال: (حدّثني)
بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: عامل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أهل (خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر) بالمثلثة
(أو زرع) للتنويع ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث
التقييد بسنين معلومة وفيه جواز ذلك فللمالك أن يخرج
العامل متى أراد وقد أجاز ذلك من أجاز المخابرة والمزارعة.
10 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو بمنزلة الفصل من
السابق.
2330 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: "قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لَوْ
تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى
عَنْهُ. قَالَ: أَىْ عَمْرُو، إِنِّي أُعْطِيهِمْ
وَأُغْنِيهِمْ. وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي -يَعْنِي
ابْنَ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ
قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا". [الحديث 2330
- طرفاه في: 2342، 2634].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال عمرو) هو ابن دينار (قلت لطاوس: لو
تركت المخابرة) وهي كما مرّ العمل في الأرض ببعض ما يخرج
منها والبذر
من العامل وجواب لو محذوف تقديره لكان خيرًا أو لو للتمني
فلا تحتاج إلى جواب (فإنهم) أي رافع بن خديج وعمومته
والثابت بن الضحاك وجابر بن عبد الله ومن روى منهم والفاء
للتعليل (يزعمون أن النبي) أي يقولون أنه (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنه) أي عن الزرع على طريق
المخابرة (قال) طاوس (أي عمرو) يعني يا عمرو (إني) ولأبي
ذر: فإني (أعطيهم) بضم الهمزة من الإعطاء (وأغنيهم) بضم
الهمزة وسكون الغين المعجمة من الإغناء وفي رواية وأعينهم
بضم الهمزة وكسر العين المهملة وبعدها تحتية ساكنة من
الإعانة كذا للمستملي والحموي كما في فتح الباري، وتبعه في
عمدة القاري وكذا هي في الأصل المقروء على الميدومي، وصوّب
الحافظ ابن حجر الثانية، ولأبي ذر عن الكشميهني كما في
الفرع وأصله وأعينهم بضم الهمزة وسكون العين المهملة وكسر
النون بعدها تحتية ساكنة فلينظر.
(وإن أعلمهم) أي الذين يزعمون أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن ذلك (أخبرني يعني ابن عباس
-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم ينه عن) أي عن الزرع على طريق المخابرة ولا
يقال هذا يعارض النهي عنه لأن النهي كان فيما يشترطون فيه
شرطًا فاسدًا وعدمه فيما لم يكن كذلك أو المراد بالإثبات
نهي التنزيه وبالنفي نهي التحريم، (ولكن قال) عليه الصلاة
والسلام:
(أن) بفتح الهمزة وسكون النون (يمنح أحدكم أخاه خير له)
بفتح أول يمنح وآخره ولأبي ذر إن بكسر الهمزة وسكون النون
يمنح بفتح أوله وسكون آخره وقول الحافظ ابن حجر: إن الأولى
تعليلية والأخرى شرطية، تعقبه العيني فقال: ليس كذلك بل أن
بفتح الهمزة مصدرية ولام الابتداء مقدّرة قبلها والمصدر
المضاف إلى أحدكم مبتدأ خبره قوله خير له وقد جاء أن
بالفتح بمعنى أن بالكسر الشرطية
(4/179)
فحينئذ يمنح مجزوم به وجواب الشرط خير لكن
فيه حذف تقديره فهو خير له وقول الزركشي وفي يمنح فتح
النون وكسرها مع ضم أوله فإنه يقال منحته وأمنحته إذا
أعطيته لم أقف عليه في شيء من نسخ البخاري كذلك والله
أعلم.
وقد وقع في رواية الطحاوي: لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير
له (من أن يأخذ) أي من أخذه (عليه خرجًا معلومًا) أي أجرة
معلومة.
ومناسبة هذا الحديث للباب السابق من جهة أن فيه للعامل
جزءًا معلومًا وهنا لو ترك مالك الأرض هذا الجزء للعامل
كان خيرًا له من أن يأخذه منه وفيه جواز أخذ الأجرة لأن
الأولوية لا تنافي الجواز.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المزارعة والهبة، ومسلم، وأبو
داود في البيوع، والترمذي وابن ماجة في الأحكام، والنسائي
في المزارعة.
11 - باب الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ
(باب) حكم (المزارعة مع اليهود) أي وغيرهم من أهل الذمة.
2331 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى خَيْبَرَ
الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا
وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا".
وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) المروزي ولأبي ذر محمد
المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
قال: (أخبرنا عبيد الله) بالتصغير ابن عمر العمري (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى خيبر
اليهود على أن يعملوها) أي يتعاهدوا أشجارها بالسقي وإصلاح
مجاري الماء وتقليب الأرض بالمساحي وقلبها للحرث وتلقيح
الشجر وقطع المضر بالشجر من الحشيش ونحوه وغير ذلك
(ويزرعوها ولهم شطر) أي نصف (ما يخرج منها) زاد في الرواية
السابقة في باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة من ثمر أو
زرع.
واعلم أن اليهود استمروا على هذه المعاملة إلى صدر من
خلافة عمر -رضي الله عنه- فبلغه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجعه: لا يجتمع في جزيرة العرب
دينان فأجلاهم عنها، والذي ذهب إليه الأكثرون المنع من
كراء الأرض بجزء مما يخرج منها، وحمل بعضهم هذا الحديث على
أن المعاملة كانت مساقاة على النخل والبياض المتخلل بين
النخيل كان يسيرًا فتقع المزارعة تبعًا للمساقاة، وذهب
غيره إلى أن صورة هذه صورة المعاملة وليست لها حقيقتها فإن
الأرض كانت قد ملكت بالاغتنام والقوم صاروا عبيدًا
فالأموال كلها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
والذي جعل لهم منها بعض ماله لينتفعوا به لا على أنه حقيقة
المعاملة، وهذا يتوقف على إثبات أن أهل خيبر استرقوا فإنه
ليس بمجرد الاستيلاء يحصل الاسترقاق للبالغين قاله ابن
دقيق العيد.
وقد سبق ما في الحديث قريبًا ومراد البخاري بهذه الترجمة
الإعلام بأنه لا فرق في جواز هذه المعاملة بين المسلمين
وأهل الذمة.
12 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْمُزَارَعَةِ
(باب) بيان (ما يكره من الشروط في المزارعة).
2332 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى سَمِعَ حَنْظَلَةَ
الزُّرَقِيَّ عَنْ رَافِعٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا
أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلاً، وَكَانَ أَحَدُنَا
يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي
وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ
تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) أبو الفضل المروزي قال:
(أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري أنه
(سمع حنظلة) بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة بينهما نون
ساكنة ابن قيس (الزرقي عن رافع) هو ابن خديج بفتح الخاء
المعجمة وكسر الدال وبعد التحتية جيم (-رضي الله عنه-) أنه
(قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلاً) بفتح الحاء المهملة
وسكون القاف والنصب على التمييز أي زرعًا والمحاقلة بيع
الطعام في سنبله وقيل اشتراء الزرع بالحنطة، وقيل المزارعة
بالثلث وبالربع وغيرهما وقيل كراء الأرض بالحنطة، (وكان
أحدنا يكري أرضه فيقول) بالفاء ولأبي الوقت ويقول (هذه
القطعة) من الأرض (لي وهذه) القطعة منها (لك فربما أخرجت
ذه) بكسر الذال المعجمة وسكون الهاء وبكسرها كما في
اليونينية ويكون بالاختلاس والإشباع والأصل ذي فجيء بالهاء
للوقف أو لبيان اللفظ إشارة إلى القطعة من الأرض وهي من
الأسماء المبهمة التي يشار بها إلى المؤنث، (ولم تخرج ذه)
يعني ربما تخرج هذه القطعة المستثناة ولم تخرج سواها أو
بالعكس فيفوز صاحب هذه بكل ما حصل ويضيع حق الآخر بالكلية
(فنهاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن
ذلك لما فيه من حصول المخاطرة المنهي عنها.
وموضع الترجمة قوله هذه القطعة الخ ... ولا ريب أن هذا
يؤدّي إلى النزاع على ما لا يخفى.
وقد سبق هذا
(4/180)
الحديث قريبًا.
13 - باب إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ
إِذْنِهِمْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلاَحٌ لَهُمْ
هذا (باب) بالتنوين (إذا زرع) أحد (بمال قوم بغير إذنهم
وكان في ذلك) الزرع (صلاح لهم) لمن يكون الزرع.
2333 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ
يَمْشُونَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ
فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ
مِنَ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا
صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ
يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ. قَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ
إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي
صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا
رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَىَّ
أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ. وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ
ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ
فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ
أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ
أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ
وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَىَّ حَتَّى
طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي
فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً
نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ فَرَأَوُا
السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إِنَّهَا كَانَتْ
لِي بِنْتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ
الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ مِنْهَا فَأَبَتْ
حَتَّى أَتَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَغَيْتُ حَتَّى
جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا
قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ
تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ،
فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ
وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَرْجَةً، فَفَرَجَ. وَقَالَ
الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا
بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ:
أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَغِبَ عَنْهُ،
فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا
وَرَاعِيهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ.
فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرُعَاتِهَا
فَخُذْ. فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي.
فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَخُذْ.
فَأَخَذَهُ. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ
ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ.
فَفَرَجَ اللَّهُ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ عَنْ
نَافِعٍ "فَسَعَيْتُ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني (إبراهيم بن
المنذر) الحمامي قال (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة
وسكون الميم أنس بن عياض قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم
العين المهملة وسكون القاف (عن نافع عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(بينما) بالميم (ثلاثة نفر) لم يعرف اسمهم. زاد الطبراني
من حديث عقبة بن عامر من بني إسرائيل حال كونهم (يمشون)
وعند ابن حبان والبزار من حديث أبي هريرة والطبراني من
حديث عقبة بن عامر أنهم خرجوا يرتادون لأهليهم (أخذهم
المطر فأووا) بقصر الهمزة (إلى غار) كائن (في جبل فانحطت
على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم) وعند الطبراني
من حديث النعمان بن بشير إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من
خشية الله حتى سدّ فم الغار (فقال بعضهم لبعض: انظروا
أعمالاً عملتموها صالحة لله) بالنصب صفة لأعمالاً. ولأبي
ذر عن الكشميهني: خالصة لله (فادعوا الله لعله يفرّجها
عنكم) بضم المثناة التحتية وفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة
ولأبي ذر يفرجها بفتح التحتية وسكون الفاء وضم الراء ولأبي
الوقت يفرجها كذلك لكن بكسر الراء (قال أحدهم: اللهم إنه
كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية) بكسر الصاد جمع صبي
(صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم حلبت) غنمي (فبدأت
بوالديّ أسقيهما) بفتح الهمزة (قبل بنيّ) الصبية (وإني
استأخرت) بالخاء المعجمة وعند مسلم من طريق أبي ضمرة وإني
نأى بي ذات يوم الشجر أي أنه استطرد مع غنمه في الرعي إلى
أن بعد عن مكانه زيادة على العادة فلذلك استأخر (ذات يوم
فلم) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت: ولم (آت) بهمزة مفتوحة
ممدودة أي لم أجيء (حتى أمسيت) دخلت في المساء (فوجدتهما
ناما) وللكشميهني نائمين (فحلبت) الغنم (كما كنت أحلب فقمت
عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما) من نومهما فيشق ذلك عليهما
(وأكره أن أسقي الصبية) قبلهما (والصبية يتضاغون) بالضاد
والعين المعجمتين يتصايحون بالبكاء بسبب الجوع (عند قدميّ)
بفتح الميم وتشديد التحتية بلفظ التثنية (حتى طلع الفجر)
زاد من طريق سالم عن أبيه فاستيقظا فشربا غبوقهما (فإن كنت
تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك). استشكل هذا من حيث إن المؤمن
يعلم قطعًا أن الله تعالى يعلم ذلك. وأجيب: بأنه تردّد في
عمله ذلك هل له أعتبار عند الله أم لا؟ فكأنه قال: إن كان
عملي ذلك مقبولاً عندك (فافرج) بهمزة وصل مع ضم الراء،
ولأبي الوقت: فافرج بقطع الهمزة وكسر الراء (لنا فرجة)
بفتح الفاء وأصله، وقال في القاموس والفرجة مثلثة (نرى
منها السماء ففرج الله) بتخفيف الراء وتشدد أي كشف الله
(فرأوا السماء).
(وقال الآخر: اللهم إنها) أي القصة (كانت لي بنت عم
أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء) الكاف زائدة أو أراد
تشبيه محبته بأشدّ المحاب (فطلبت منها) ما يطلب الرجل من
المرأة وهو الوطء (فأبت حتى) ولأبي ذر عن الكشميهني: فأبت
عليّ حتى (أتيتها) بهمزة مقصورة ففوقية مفتوحة وبعد
التحتية الساكنة فوقية أخرى ولأبي ذر آتيها بمد الهمزة
وكسر الفوقية وأسقط الأخرى (بمائة دينار فبغيت) بالموحدة
وفتح الغين المعجمة وسكون التحتية أي نظرت وطلبت، ولأبي
الوقت: فتعبت بفوقية وعين مهملة مكسورة فموحدة ساكنة من
التعب (حتى جمعتها) وأعطيتها إياها وخلت بيني وبين نفسها
(فلما وقعت بين رجليها) لأطأها (قالت: يا عبد الله اتق
الله ولا تفتح الخاتم) أي الفرج (إلا بحقه) أي لا يحل لك
أن تطأني إلا بتزويج صحيح وبين في رواية سالم سبب إجابتها
بعد امتناعها فقال: فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة قحط
فجاءتني.
وفي حديث النعمان بن بشير عند الطبراني أنها ترددت إليه
ثلاث مرات تطلب إليه شيئًا من معروفه ويأبى عليها إلا أن
تمكّنه من نفسها فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها
فأذن لها وقال لها: أغني عيالك. قال: فرجعت
(4/181)
فناشدتني بالله فأبيت عليها فأسلمت إليّ
نفسها فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت: ما لك؟ فقالت:
أخاف الله ربّ العالمين. فقلت: خفتيه في الشدة ولم أخفه في
الرخاء (فقمت) أي وتركتها والذهب الذي أعطيتها (فإن كنت
تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك) وفي ذكر بني إسرائيل: فإن كنت
تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، وفي الطبراني عن عليّ: من
مخافتك وابتغاء مرضاتك (فافرج) بهمزة وصل وضم الراء (عنّا
فرجة) بفتح الفاء وتضم وتكسر لم يقل في هذه نرى منها
السماء (ففرج) حذف الفاعل للعلم به أي ففرج الله.
(وقال الثالث: اللهمّ إني استأجرت أجيرًا) واحدًا وفي
رواية سالم أجزاء (بفرق أرز) بفتح الفاء والراء بعدها قاف
وقد تسكن الراء قال في القاموس: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة
آصع أو يسع ستة عشر رطلاً والأرز فيه ست لغات فتح الألف
وضمها مع ضم الراء وتضم الألف مع سكون الراء وتخفيف الزاي
وتشديدها والرواية هنا بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد
الزاي، (فلما قضى عمله) الذي استأجرته عليه (قال) ولأبي ذر
فقال (أعطني) بهمزة قطع مفتوحة (حقي فعرضت عليه) أي حقه
(فرغب عنه) ولم يأخذه (فلم أزل أزرعه) بالجزم (حتى جمعت
منه بقرًا وراعيها) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: ورعاتها (فجاءني فقال اتق الله فقلت) ولأبي
الوقت قلت (اذهب إلى ذلك) بالتذكير باعتبار اللفظ
وللمستملي إلى تلك (البقر ورعاتها) بالجمع (فخذ) بإسقاط
ضمير المفعول (فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي) بالجزم على
الأمر (فقلت) ولأبي ذر فقال وهو من باب الالتفات (إني لا
أستهزئ بك فخذ) بإسقاط الضمير أيضًا (فأخذه فإن كنت تعلم
أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج) عنّا (ما بقي) من الصخرة
(ففرج الله) أي عنهم وخرجوا يمشون.
(قال أبو عبد الله) البخاري، (وقال ابن عقبة) ولأبي ذر
وقال إسماعيل بن عقبة وفي نسخة وقال إسماعيل بن إبراهيم بن
عقبة أي وفي روايته وفي الفرع وأصله كنسخة الصغاني، وقال
إسماعيل أي ابن أبي أويس. وقال ابن عقبة (عن نافع فسعيت)
بالسين والعين المهملتين بدل قوله في رواية عمه موسى بن
عقبة فبغيت، وهذا التعليق عن إسماعيل بن عقبة وصله المؤلّف
في باب إجابة دعاء من برّ والديه من كتاب الأدب.
وهذه الرواية عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة هي الصواب،
وأما ما وقع في نسخة أبي ذر وقال إسماعيل عن ابن عقبة عن
نافع فهو وهم لأن إسماعيل هو ابن إبراهيم بن عقبة ابن أخي
موسى بن عقبة نبّه عليه الجياني.
وأما موضع الترجمة من الحديث ففي قوله فعرضت عليه حقه فرغب
عنه الخ ... قال ابن المنير: لأنه قد عيّن له حقه ومكّنه
منه فبرئت ذمته بذلك فلما تركه وضع المستأجر يده عليه
وضعًا مستأنفًا ثم تصرف فيه بطريق الإصلاح لا بطريق
التضييع فاغتفر ذلك ولم يعدّ تعدّيًا يوجب المعصية ولذلك
توسل به إلى الله عز وجل وجعله من أفضل أعماله وأقرّ على
ذلك ووقعت الإجابة له به، ومع ذلك فلو هلك الفرق لكان
ضامنًا له إذ لم يؤذن له في التصرف فيه فمقصود الترجمة
إنما هو خلاص الزارع من المعصية بهذا القصد ولا يلزم من
ذلك رفع الضمان كذا نقله عنه في فتح الباري، وتبعه في عمدة
القاري وهو متعقب لما قاله ابن المنير أيضًا في باب: إذا
اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي من كتاب البيوع حيث قال
هناك فانظر في الفرق من الذرة هل ملكه الأجير أم لا؟
والظاهر أنه لم يملكه لأنه لم يستأجره بفرق معين وإنما
استأجره بفرق على الذمّة لما عرض عليه أن يقبضه امتنع فلم
يدخل في ملكه ولم يتعين له وإنما حقه في ذمة المستأجر
وجميع ما نتج إنما نتج على ملك المستأجر، وغاية ذلك أنه
أحسن القضاء فأعطاه حقه وزيادات كثيرة هذا كلامه وهو مخالف
لما قرره هنا قطعًا، ويحتمل أن يقال إن توسله بذلك إنما
كان لكونه أعطى الحق الذي عليه مضاعفًا لا بتصرفه كما أن
الجلوس بين رجلي المرأة كان معصية لكن التوسل لم يكن إلا
بترك الزنا والمسامحة بالمال ونحوه.
وهذا
(4/182)
الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في ذكر بني
إسرائيل، وقد أخرجه البزار والطبراني بإسناد حسن عن
النعمان بن بشير أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يذكر الرقيم قال: انطلق ثلاثة فكانوا في كهف
فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم، الحديث ففيه أن
الرقيم المذكور في قوله تعالى. {أم حسبت أن أصحاب الكهف
والرقيم} [الكهف: 9] هو الغار الذي أصاب فيه الثلاثة ما
أصابهم والله أعلم.
14 - باب أَوْقَافِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرْضِ الْخَرَاجِ
وَمُزَارَعَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِعُمَرَ: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لاَ يُبَاعُ، وَلَكِنْ
يُنْفَقُ ثَمَرُهُ. فَتَصَدَّقَ بِهِ»
(باب) بيان حكم (أوقاف أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) بيان (أرض الخراج و) بيان
(مزارعتهم ومعاملتهم) -رضي الله عنهم- (وقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث وصله المؤلّف في
الوصايا (لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- لما تصدق بمال له
على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان
نخلاً فقال عمر: يا رسول الله إني استفدت مالاً وهو عندي
نفيس فأردت أن أتصدّق به فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تصدق بأصله لا يباع) بسكون القاف
أمره أن يتصدّق به صدقة مؤبدة (ولكن ينفق ثمره) بضم
المثناة التحتية وفتح الفاء مبنيًّا للمفعول وثمره رفع
نائب عن الفاعل (فتصدق به) عمر -رضي الله عنه- والضمير
يرجع إلى المال وحكى الماوردي أنها أوّل صدقة تصدق بها في
الإسلام.
2334 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: لَوْلاَ
آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ
قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ". [الحديث
2334 - أطرافه في: 3125، 4235، 4236].
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبد
الرحمن) بن مهدي البصري (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم)
العدوي مولى عمر المدني الثقة العالم وكان يرسل (عن أبيه)
أسلم العدوي مولى عمر مخضرم أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب
(-رضي الله عنه-: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية) بفتح
الفاء وسكون الحاء مبنيًّا للفاعل وقرية نصب على المفعولية
كذا في الفرع وأصله وفي بعض الأصول فتحت بضم الفاء مبنيًّا
للمفعول قرية رفع نائب عن الفاعل (إلا قسمتها بين أهلها)
الغانمين (كما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خيبر) لكن النظر لآخر المسلمين يقتضي أن لا
أقسمها بل أجعلها وقفًا على المسلمين ومذهب الشافعية في
الأرض المفتوحة عنوة أنه يلزم قسمتها إلا أن يرضى بوقفيتها
من غنمها وعن مالك تصير وقفًا بنفس الفتح وعن أبي حنيفة
يتخير الإمام بين قسمتها ووقفيتها.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والجهاد وأبو داود في
الخراج.
15 - باب مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا
وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- فِي أَرْضِ
الْخَرَابِ بِالْكُوفَةِ.
وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهْيَ
لَهُ. وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ: وَلَيْسَ لِعِرْقٍ
ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب من أحيا أرضًا مواتًا) غير معمورة في الإسلام أو عمرت
جاهلية ولا هي حريم لمعمور بالزرع أو الغرس أو السقي أو
البناء فهي له وسميت مواتًا تشبيهًا لها بالميتة لغير
المنتفع بها ولا
يشترط في نفي العمارة التحقق بل يكفي عدم تحققها بأن لا
يرى أثرها ولا دليل عليها من أصول شجر ونهر وجدر وأوتاد
ونحوها.
(ورأى ذلك) أي إحياء الموات (عليّ) هو ابن أبي طالب (-رضي
الله عنه- في أرض الخراب بالكوفة) قال في الفتح: كذا وقع
للأكثر، وفي رواية النسفيّ في أرض بالكوفة مواتًا والذي في
اليونينية في أرض الخراب بالكوفة موات لكنه رقم على قوله
في أرض علامة السقوط من غير عزو لأحد وعلى موات علامة
السقوط أيضًا لأبي ذر وفي نسخة مقروءة على الميدومي
بالخراب موات بالكوفة لكنه رقم على موات علامة السقوط من
غير عزو لأحد.
(وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما وصله مالك في
الموطأ (من أحيا أرضًا ميتة) بتشديد الياء (فهي له) بمجرد
الإحياء سواء أذن له الإمام أم لا اكتفاء بإذن الشارع عليه
الصلاة والسلام وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد نعم
يستحب استئذانه خروجًا من خلاف أبي حنيفة حيث قال ليس له
أن يحيي مواتًا مطلقًا إلا بإذنه.
(ويروى عن عمر) بضم العين أي ابن الخطاب (وابن عوف) عمرو
بن يزيد المزني الصحابي وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري
البدري والواو في قوله وابن عوف عاطفة، وفي بعض النسخ
المعتمدة وهي التي في الفرع وأصله عن عمرو بن عوف بفتح
العين وسكون الميم وبالواو وإسقاط ألف ابن، وصحح هذه
الكرماني وقال الحافظ ابن حجر: إن الأولى تصحيف، ويؤيده
قول الترمذي في باب: ذكر من أحيا أرض الموات.
وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني جد كثير وسمرة وقول
الكرماني وابن
(4/183)
عوف أي عبد الرحمن ليس بصحيح كما قاله
العيني وغيره (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي مثل حديث عمر هذا وهذا وصله ابن أبي شيبة
في مسنده.
(وقال) أي عمرو بن عوف زاد على قوله من أحيا أرضًا ميتة
قوله (في غير حق مسلم) فإن كانت فيه حرم التعرض لها
بالإحياء وغيره إلا بإذن شرعي لحديث الصحيحين: من أخذ
شبرًا من أرض ظلمًا فإنه يطوّقه من سبع أرضين ولو كان
بالأرض أثر عمارة جاهلية لم يعرف مالكها، فللمسلم تملكها
بالإحياء وإن لم تكن مواتًا كالركاز، ولحديث عاديّ الأرض
لله ولرسوله ثم هي لكم مني أي أيها المسلمون رواه الشافعي
-رضي الله عنه- ولو كان بها أثر عمارة إسلامية فأمرها إلى
الإمام في حفظها أو بيعها وحفظ ثمنها إلى ظهور مالكها من
مسلم أو ذمي كسائر الأموال الضائعة وإن أحيا ذمي أرضًا
ميتة بدارنا ولو بإذن الإمام نزعت منه فلا يملكها لما فيه
من الاستعلاء ولحديث الشافعي السابق ولا أجرة عليه لأن
الأرض ليست ملك أحد وقال الحنفية والحنابلة: إذا أحيا مسلم
أو ذمي أرضًا لا ينتفع بها وهي بعيدة إذا صاح من أقصى
العامر لا يسمع بها صوته ملكها (وليس
لعرق) بكسر العين وسكون الراء والتنوين (ظالم) نعت له أي
من غرس غرسًا في أرض غيره بغير إذنه فليس له (فيه حق) أي
في الإبقاء فيها.
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات واختار الإمامان
الشافعي ومالك تنوين عرق وعبارة الشافعي العرق الظالم كل
ما احتفر أو بني أو غرس ظلمًا في حق امرئ تعين خروجه منه،
وقال مالك: كل ما احتفر أو غرس أو أخذ بغير حق، وقال
الأزهري قال أبو عبيد العرق الظالم أن يجيء الرجل إلى أرض
قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسًا وقال القاضي عياض
أصله في الغرس يغرسه في الأرض غير ربها ليستوجبها به وكذلك
ما أشبهه من بناء أو استنباط أو استخراج معدن سميت عروقًا
لشبهها في الإحياء بعرق الغرس انتهى.
وقال في النهاية: وهو على حذف مضاف أي ليس لذي عرق ظالم
فجعل العرق نفسه ظالمًا والحق لصاحبه أو يكون الظالم من
صفة صاحب العرق، وقال ابن شعبان في الزاهي: العروق أربعة.
عرقان ظاهران وعرقان باطنان، فالظاهران البناء والغراس
والباطنان الآبار والعيون، وفي بعض الأصول وليس لعرق ظالم
بترك التنوين فقط على الإضافة وحينئذٍ فيكون الظالم صاحب
العرق وهو الغارس وسمي ظالمًا لأنه تصرف في ملك الغير بلا
استحقاق.
وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه فقال: حدّثنا أبو عامر
العقدي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف حدّثني أبي أن
أباه حدّثه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول: "من أحيا أرضًا مواتًا من غير أن تكون حق
مسلم فهي له وليس لعرق ظالم حق" وكثير هذا ضعيف وليس لجدّه
عمرو بن عوف في البخاري سوى هذا الحديث، وله شاهد قويّ
أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد.
(ويروى فيه) أي في هذا الباب (عن جابر) هو ابن عبد الله
الأنصاري -رضي الله عنه- مما أخرجه الترمذي، من وجه آخر عن
هشام وصححه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولفظه "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" وإنما عبر
بلفظ يروى المفيد للتمريض لأنه اختلف فيه على هشام.
2335 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ
أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهْوَ أَحَقُّ». قَالَ
عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ -رضي الله عنه- فِي
خِلاَفَتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وهو
يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري ونسبه إلى جده
لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عبيد
الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي جعفر) يسار الأموي القرشي
المصري (عن محمد بن عبد الرحمن) أبي
الأسود يتيم عروة بن الزبير (عن عروة) بن الزبير بن
العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال):
(من أعمر أرضًا) بفتح الهمزة والميم من الثلاثي المزيد قال
عياض كذا رواه أصحاب البخاري والصواب من عمر من الثلاثي
قال الله تعالى: {وعمروها أكثر مما عمروها} [الروم: 9] إلا
أن يريد أنه جعل فيها عمارًا وقال ابن بطال: ويمكن أن يكون
أصله من اعتمر أرضًا اتخذها وسقطت التاء من الأصل. قال في
المصابيح: وهذا رد لاتفاق الرواة بمجرد احتمال يجوز أن
يكون وأن لا يكون وأكثر ما يعتمد هو وغيره على مثل هذا
وأنا لا أرضى
(4/184)
لأحد أن يقع فيه انتهى.
وأجيب: بأن صاحب العين ذكر أنه يقال أعمرت الأرض أي وجدتها
عامرة ويقال أعمر الله بك منزلك وعمر الله بك منزلك وعورض
بأن الجوهري بعد أن ذكر عمر الله بك منزلك وعمر بك ذكر أنه
يقال أعمر الرجل منزله بالألف. وقال الزركشي ضم الهمزة
أجود من الفتح. قال في المصابيح: يفتقر ذلك إلى ثبوت رواية
فيه وظاهر كلام القاضي أن جميع رواة البخاري على الفتح
انتهى.
وقد ثبت في الفرع وأصله عن أبي ذر أعمر بضم الهمزة وسكون
العين وكسر الميم أي أعمره غيره وكأن المراد بالغير الإمام
والمعنى من أعمر أرضًا (ليست لأحد) بالإحياء (فهو أحق)
وحذف متعلق أحق للعلم به وعند الإسماعيلى فهو أحق بها أي
من غيره.
(قال عروة) بن الزبير بن العوّام بالإسناد المذكور إليه:
(قضى به) أي بالحكم المذكور (عمر) بن الخطاب (-رضي الله
عنه- في خلافته) وهذا مرسل لأن عروة ولد في خلافة عمر قاله
خليفة وما سبق أول الباب عن عمر هو من قوله وهذا من فعله.
قال البيضاوي: مفهوم هذا الحديث أن مجرد التحجّر والإعلام
لا يملك به بل لا بدّ من العمارة وهي تختلف باختلاف
المقاصد انتهى.
فمن شرع في الإحياء لموات من حفر أساس وجمع تراب ونحوهما
ولم يتمه أو نصب عليه علامة للإحياء كغرز خشبة فهو متحجر
لا مالك لأن سبب الملك الإحياء ولم يوجد ولو تحجر فوق
كفايته أو ما يعجز عن إحيائه فلغيره إحياء الزائد فإن تحجر
ولم يعمر بلا عذر أمره الإمام بالإحياء أو يرفع يده عنه
لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فيمنع من ذلك وأمهله مدة
قريبة يستعد فيها للعمارة بحسب ما يراه فإن مضت مدة المهلة
ولم يعمر بطل حقه ولو بادر أجنبي فأحيا متحجر الآخر ملكه
وإن لم يأذن له الإمام. وقال الحنفية: من حجر أرضًا ولم
يعمرها ثلاث سنين دفعت إلى غيره لقول عمر -رضي الله عنه-
ليس لمتحجر بعد ثلاث سنين حق ولو أحياها غيره قبل انقضاء
هذه المدة ملكها لأن الأول كان مستحقًا لها من جهة التعلق
لا من جهة التملك كما في السوم على سوم غيره.
وهذا الحديث من أفراد المصنف ونصف إسناده الأول مصريون
بالميم والثاني مدنيون.
16 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.
2336 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله
عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُرِيَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي
الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ
بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. فَقَالَ مُوسَى: وَقَدْ أَنَاخَ
بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ
يُنِيخُ بِهِ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ أَسْفَلُ
مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا إسماعيل بن
جعفر) الأنصاري المؤدب المديني (عن موسى بن عقبة) الأسدي
المديني (عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله
عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُري)
بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي في المنام (وهو في معرّسه)
بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المفتوحة
وبالسين المهملة موضع التعريس وهو نزول المسافر آخر الليل
للاستراحة وكان نزوله عليه الصلاة والسلام (بذي الحليفة)
وللكشميهني: من ذي الحليفة (في بطن الوادي) أي وادي العقيق
(فقيل له: إنك ببطحاء مباركة، فقال موسى) بن عقبة (وقد
أناخ بنا سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (بالمناخ) بضم
الميم آخره خاء معجمة أي المبرك (الذي كان عبد الله) أبوه
(ينيخ) أي يبرك (به) راحلته حال كونه (يتحرى) بالحاء
المهملة وتشديد الراء يقصد (معرّس) بفتح الراء المشددة
مكان تعريس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو) أي المكان (أسفل) بالرفع (من المسجد الذي)
كان إذ ذاك (ببطن الوادي بينه) أي بين المعرس (وبين الطريق
وسط من ذلك) بفتح السين أي متوسط بين بطن الوادي وبين
الطريق.
وقد استشكل دخول هذا الحديث هنا. وأجيب: بأنه أشار به إلى
أن ذا الحليفة لا يملك بالإحياء لما في ذلك من منع الناس
النزول به وأن الموات يجوز الانتفاع به وأنه غير مملوك
لأحد وهذا كافٍ في وجه دخوله.
2337 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ
قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّيْلَةَ
أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي وَهْوَ بِالْعَقِيقِ أَنْ صَلِّ
فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي
حَجَّةٍ».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال:
(أخبرنا شعيب بن إسحاق) الدمشقي (عن الأوزاعي) عبد الرحمن
بن عمرو أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى) بن أبي كثير
(عن عكرمة)
مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن عمر) بن
الخطاب (-رضي الله عنه-
(4/185)
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الليلة) بالنصب (أتاني آتٍ من ربي) هو جبريل عليه السلام
(وهو بالعقيق أن صلّ) بفتح الهمزة (في هذا الوادي المبارك)
أي وادي العقيق (وقل) هذه (عُمرة في حجة) وللحموي
والمستملي وقال بلفظ الماضي عمرة بالنصب.
وهذان الحديثان قد سبقا في الحج.
17 - باب إِذَا قَالَ رَبُّ الأَرْضِ أُقِرُّكَ مَا
أَقَرَّكَ اللَّهُ -وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلاً مَعْلُومًا-
فَهُمَا عَلَى تَرَاضِيهِمَا
هذا (باب) بالتنوين (إذا قال رب الأرض) مالكها للمزارع
(أقرّك) بضم الهمزة (ما أقرك الله) أي مدّة إقرار الله
إياك (و) الحال أن رب الأرض (لم يذكر أجلاً معلومًا) أي
مدة معلومة (فهما) أي رب الأرض والمزارع (على تراضيهما) أي
الذي تراضيا عليه.
2338 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا
فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى أَخْبَرَنَا
نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله
عنهما- أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ
الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ
إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ
ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ
إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ
نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى
ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ
عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ".
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بكسر الميم ابن سليمان
أبو الأشعث العجلي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان)
بضم أوّلهما النميري قال: (حدّثنا موسى) بن عقبة قال:
(أخبرنا نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-)
أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وقال عبد الرزاق) بن همام الحميري فيما وصله
الإمام أحمد ومسلم: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد
العزيز (قال: حدّثني) بالإفراد (موسى بن عقبة عن نافع عن
ابن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أجلى) بالجيم
أي أخرج (اليهود والنصارى من أرض الحجاز) لأنه لم يكن لهم
عهد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
بقائهم في الحجاز دائمًا بل كان موقوفًا على مشيئته
والحجاز كما قاله الواقدي من المدينة إلى تبوك ومن المدينة
إلى طريق الكوفة، وقال غيره: مكة والمدينة واليمامة
ومخالفيها. وقال ابن عمر مما هو موصول له: (وكان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما ظهر) أي غلب (على
خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين
ظهر) أي غلب عليه الصلاة والسلام (عليها لله ولرسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمسلمين) كانت خيبر
فتح بعضها صلحًا وبعضها عنوة فالذي فتح عنوة كان جميعه لله
ولرسوله وللمسلمين والذي فتح صلحًا كان لليهود ثم صار
للمسلمين بعقد الصلح (وأراد) عليه الصلاة والسلام (إخراج
اليهود منها) أي من خيبر (فسألت اليهود رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقرّهم بها) بضم الياء وكسر
القاف ونصب الراء ليسكنهم بخيبر (أن) أي بأن (يكفّوا
عملها) أي بكفاية عمل نخلها ومراعيها والقيام بتعهدها
وعمارتها فأن مصدرية (ولهم نصف الثمر) الحاصل من الأشجار
(فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(نقرّكم بها على ذلك) الذي ذكرتموه من كفاية العمل ونصف
الثمرة لكم (ما شئنا) استدلّ به الظاهرية على جواز
المساقاة مدة مجهولة. وأجاب عنه الجمهور بأن المراد أن
المساقاة ليست عقدًا مستمرًا كالبيع بل بعد انقضاء مدّتها
إن شئنا عقدنا عقدًا آخر وإن شئنا أخرجناكم (فقروا بها)
بفتح القاف وتشديد الراء أي سكنوا بخيبر (حتى أجلاهم)
أخرجهم (عمر) -رضي الله عنه- منها (إلى تيماء) بفتح
الفوقية وسكون الياء التحتية ممدودًا قرية من أمهات القرى
على البحر من بلاد طيئ (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء
وسكون الياء التحتية وبالحاء المهملة ممدودًا قرية من
الشام سميت بأريحاء بن الملك بن أرفخشذ بن سام بن نوح،
وإنما أجلاهم عمر لأنه عليه الصلاة والسلام عهد عند موته
أن يخرجوا من جزيرة العرب.
ومطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله نقرّكم بها على ذلك ما
شئنا.
وهذا الحديث أخرجه موصولاً من طريق فضيل ومعلقًا من طريق
ابن جريح وساقه على لفظ الرواية المعلقة، وسيأتي إن شاء
الله تعالى لفظ رواية فضيل في كتاب الخمس.
18 - باب مَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا
فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّمَرَةِ
(باب ما كان أصحاب النبي) ولأبي ذر: من أصحاب النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يواسي بعضهم بعضًا
في الزراعة والثمرة) ولأبي ذر والثمر.
2339 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي
النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ سَمِعْتُ
رَافِعَ بْنَ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ
بْنِ رَافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ: "لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَمْرٍ
كَانَ بِنَا رَافِقًا. قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْوَ حَقٌّ. قَالَ:
دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟
قُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ وَعَلَى الأَوْسُقِ
مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ. قَالَ: لا تَفْعَلُوا،
ازْرَعُوهَا، أَوْ أَزْرِعُوهَا، أَوْ أَمْسِكُوهَا. قَالَ
رَافِعٌ: قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً". [الحديث 2339 - طرفاه
في: 2346، 4012].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي
المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال:
(أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن أبي النجاشي)
بفتح النون وتخفيف الجيم وكسر الشين المعجمة عطاء بن صهيب
التابعي (مولى رافع بن خديج) أنه قال: (سمعت رافع بن خديج
بن رافع) الأنصاري
(4/186)
(عن عمه ظهير بن رافع) بضم الظاء المعجمة
مصغرًا (قال ظهير: لقد نهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أمر كان بنا رافقًا) أي ذا رفق
وانتصابه على أنه خبر كان واسمها الضمير الذي في كان قال
رافع (قلت) لظهير (ما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو حق) لأنه ما ينطق عن الهوى (قال:
دعاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
فلما أتيته (قال):
(ما تصنعون بمحاقلكم)؟ بفتح الميم والحاء المهملة
بمزارعكم. قال ظهير: (قلت نؤاجرها على الربع) بضم الراء
والموحدة وتسكن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: على الربيع
بضم الراء وفتح الموحدة وسكون التحتية تصغير الربع، وفي
رواية على الربيع بفتح الراء وكسر الموحدة وهو النهر
الصغير أي على الزرع الذي هو عليه، والمعنى أنهم كانوا
يكرون الأرض ويشترطون لأنفسهم ما ينبت على النهر (وعلى
الأوسق من التمر والشعير) والواو بمعنى أو (قال) عليه
الصلاة والسلام: (لا تفعلوا) وهذه صيغة النهي المذكور أول
الحديث حيث قال لقد نهانا (ازرعوها) أنتم بهمزة وصل تكسر
وبفتح الراء (أو أزرعوها) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء أي
أعطوها لغيركم يزرعها بغير أجرة (أو أمسكوها) بهمزة قطع
مفتوحة وكسر السين أي اتركوها معطلة وأو للتخيير لا للشك.
(قال رافع: قلت سمعًا وطاعة) نصب بتقدير أسمع كلامك سمعًا
وأطيعك طاعة ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره أي كلامك
وأمرك سمع أي مسموع وفيه مبالغة وكذلك طاعة يعنى مطاع أو
أنت مطاع فيما تأمر به.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع والنسائي في المزارعة
وابن ماجة في الأحكام.
2340 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى
أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: "كَانُوا يَزْرَعُونَهَا
بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ كَانَتْ لَهُ
أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ". [الحديث 2340 - طرفه في:
2632].
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن موسى) أبو محمد
العبسي الكوفي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن (عن
عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري
(رضي الله عنه) والظاهر أن الأوزاعي كان يرويه عن أبي
النجاشي عطاء وعن عطاء بن أبي رباح كل واحد منهما بسنده
أنه (قال: كانوا) أي الصحابة في عصر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يزرعونها) أي الأرض وسقط لغير أبي ذر
النون قبل الهاء من يزرعونها (بالثلث والربع والنصف) بما
يخرج منها والواو في الموضعين بمعنى أو (فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها) بفتح النون أي
يجعلها منيحة أي عطية وهذه مفسرة لقوله في الحديث السابق:
أو ازرعوها. ولمسلم: من كانت له أرض فليزرعها فإن عجز عنها
فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها (فإن لم يفعل فليمسك
أرضه).
2341 - وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ:
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ
لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ
أَرْضَهُ».
(قال الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة (ابن نافع أبو توبة)
بفتح الفوقية والموحدة بينهما واو ساكنة الحافظ الثقة وكان
يعدّ من الإبدال وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر
في الطلاق وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين فيما وصله مسلم:
(حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام (عن يحيى) بن أبي
كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه) المسلم (فإن
أبى) قبولها (فليمسك أرضه) وزاد في هذه أخاه كرواية جابر
في باب فضل المنيحة.
2342 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
عَمْرٍو قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِطَاوُسٍ فَقَالَ يُزْرِعُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "إِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْهَ عَنْهُ،
وَلَكِنْ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا".
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وفتح
الصاد المهملة ابن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري
(عن عمرو) هو ابن دينار أنه (قال ذكرته) أي حديث رافع بن
خديج المذكور آنفًا (لطاوس فقال) طاوس: (يزرع) بضم أوله
وكسر ثالثه من الإزراع أي يزرع غيره بالكراء (قال ابن عباس
-رضي الله عنهما-) تعليل من جهة طاوس لقوله يزرع (إن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينه عنه) أي لم
يحرّمه وصرّح بذلك الترمذي ولفظه عن ابن عباس أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحرّم المزارعة
(ولكن قال):
(أن يمنح) بفتح الهمزة ونصب يمنح ولأبي ذر أن يمنح بكسر
الهمزة على أن إن شرطية ويمنح مجزوم بها أي يعطي (أحدكم
أخاه) المسلم أرضه ليزرعها (خير له من أن يأخذ) أي من أخذه
(شيئًا معلومًا)
(4/187)
لأنهم كانوا يتنازعون في كراء الأرض حتى
أفضى بهم إلى التقاتل بسبب كون الخراج واجبًا لأحدهما على
صاحبه فرأى أن المنحة خير لهم من المزارعة التي توقع بينهم
مثل ذلك. وفي الطحاوي التصريح بعلة النهي ولفظه عن زيد بن
ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم
منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد اقتتلا فقال: إن
كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله لا تكروا
المزارع. قال الطحاوي: فهذا زيد بن ثابت يخبر أن
قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تكروا
المزارع النهي الذي قد سمعه رافع لم يكن من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على وجه التحريم وإنما كان
لكراهية وقوع الشر بينهم.
وهذا الحديث قد سبق في باب إذا لم يشترط السنين في
المزارعة.
2343 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي
بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ
مُعَاوِيَةَ". [الحديث 2343 - طرفه في: 2345].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة فمهملة
قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن
نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يكري) بضم أوّله من
أكرى أرضه يكريها (مزارعه) بفتح الميم (على عهد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعمر
وعثمان) أيام خلافتهم (وصدرًا من إمارة معاوية) بكسر
الهمزة ولم يقل خلافته لأنه أي ابن عمر كان لا يبايع لمن
لم يجتمع عليه الناس ومعاوية لم يجتمع عليه الناس، ولذا لم
يبايع لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما ولم
يذكر علي بن أبي طالب فيحتمل أن يكون لأنه لم يزرع في
أيامه.
2344 - ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى
عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى
رَافِعٍ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَهَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ
عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِمَا عَلَى الأَرْبِعَاءِ وَبِشَىْءٍ مِنَ التِّبْنِ".
(ثم حدّث) بضم الحاء المهملة وتشديد الدال المكسورة ابن
عمر (عن رافع بن خديج) وللكشميهني: ثم حدّث رافع بن خديج
بفتح أول حدث وحذف عن (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نهى عن كراء المزارع فذهب ابن عمر) -رضي الله
عنهما- (إلى رافع) قال نافع (فذهبت معه) أي مع ابن عمر
(فسأله) أي فسأل ابن عمر رافعًا (فقال) رافع (نهى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كراء المزارع فقال
ابن عمر: قد علمت) يا رافع (أنّا كنّا نكري مزارعنا على
عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما)
ينبت (على الأربعاء) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الموحدة
ممدودًا جمع ربيع وهو النهر الصغير (وبشيء من التبن)
بالموحدة الساكنة وحاصل حديث ابن عمر هذا أنه ينكر على
رافع إطلاقه في النهي عن كراء الأراضي، ويقول الذي نهى عنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي كانوا يدخلون
فيه الشرط الفاسد وهو أنهم يشترطون ما على الأربعاء وطائفة
من التبن وهو مجهول، وقد يسلم هذا ويصيب غيره آفة أو
بالعكس فتقع المزارعة ويبقى المزارع أو رب الأرض بلا شيء.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن رافع بن خديج لما روى
النهي عن كراء المزارع يلزم منه عادة أن أصحاب الأرض إنما
يزرعون بأنفسهم أو يمنحون بها لمن يزرع من غير بدل فتحصل
فيه المواساة.
2345 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي
سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ
الأَرْضَ تُكْرَى. ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ
يَكُونَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ،
فَتَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ونسبه لجدّه
لشهرته واسم أبيه عبد الله المخزومي قال: (حدّثنا الليث)
بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن
ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد
(سالم أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال:
كنت أعلم في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن الأرض تكرى) بضم أوّله وفتح الراء (ثم خشي
عبد الله) بن عمر (أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن يعلمه) ولأبي ذر:
علمه أي حكم بما هو ناسخ لما كان يعلمه من جواز الكراء
(فترك كراء الأرض).
وهذا الحديث ساقه هنا مختصرًا، وقد أخرجه مسلم وأبو داود
والنسائي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه مطوّلاً وأوّله أن
عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج ينهى عن
كراء الأرض فلقيه فقال: يا ابن خديج ما هذا؟ قال: سمعت
عميّ وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن كراء الأرض فقال عبد
الله قد كنت أعلم فذكره، وقد احتج بهذا من كره إجارة الأرض
بجزء مما يخرج منها وقد مرّ قريبًا.
19 - باب كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ
صَانِعُونَ أَنْ تَسْتَأْجِرُوا الأَرْضَ الْبَيْضَاءَ
مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ.
(باب) جواز (كراء الأرض بالذهب والفضة. وقال
(4/188)
ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله
الثوري في جامعه بإسناد صحيح (إن أمثل) أفضل (ما أنتم
صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء) زاد الثوري ليس فيها
شجر (من السنة إلى السنة).
2346، 2347 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
قَالَ: "حَدَّثَنِي عَمَّاىَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ
الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعَاءِ
أَوْ شَىْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
ذَلِكَ. فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ
وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ
بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ". وَقَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ
الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو
الْفَهْمِ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ،
لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ. [الحديث 2347 - طرفه في:
4013].
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فرّوخ قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن) واسمه فروخ مولى المنكدر بن عبد الله (عن حنظلة بن
قيس) بالحاء
المهملة والظاء المعجمة الزرقي الأنصاري (عن رافع بن خديج)
أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عماي) أحدهما ظهير بن رافع
المذكور قريبًا وسمى الآخر بعض من صنف في المبهمات مظهرًا
بميم مضمومة وظاء معجمة مفتوحة وهاء مشددة مكسورة وراء كما
ضبطه عبد الغني وابن ماكولا. وقال الكلاباذي: لم أقف على
اسمه، وقيل اسمه مهير بوزن أخيه ظهير مصغرًا فعند أبي علي
بن أبي السكن من طريق سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم
عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج أن بعض عمومته قال
سعيد: زعم قتادة أن اسمه مهير فذكر الحديث. قال في الفتح:
فهذا أولى أن يعتمد (أنهم) أي الصحابة (كانوا يكرون الأرض
على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما
ينبت) فيها (على الأربعاء) جمع ربيع وهو النهر الصغير (أو
شيء) ولأبي ذر: أو بشيء بموحدة كالثلث أو الربع (يستثنيه
صاحب الأرض) من المزروع لأجله (فنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) لما فيه من الجهل قال حنظلة
بن قيس: (فقلت لرافع فكيف هي) أي كيف حكمها (بالدينار
والدرهم؟ فقال رافع) بطريق الاجتهاد (ليس بها بأس بالدينار
والدرهم) أو علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن
جواز الكراء بالدينار والدرهم غير داخل في النهي عن كراء
الأرض بجزء مما يخرج منها. وقد أخرج أبو داود والنسائي
بإسناد صحيح من طريق سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال:
نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
المحاقلة والمزابنة وقال: إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض ورجل
منح أرضًا ورجل اكترى أرضًا بذهب أو فضة وهو يرجح أن ما
قاله رافع مرفوع، لكن بيّن النسائي من وجه آخر أن المرفوع
منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرجة من كلام
سعيد بن المسيب.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما هو موصول بالسند المذكور
ولأبي ذر قال أبو عبد الله أي البخاري من هاهنا قال الليث:
أراه بضم الهمزة أي أظن شيخي ربيعة المذكور: (وكان الذي
نهي) بضم النون وكسر الهاء (عن) ولأبوي ذر والوقت: من (ذلك
ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه) وفي
رواية النسفيّ وابن شبويه ذو الفهم بالحلال والحرام لم
يجزه بالإفراد فيهما (لما فيه من المخاطرة) وهي الإشراف
على الهلاك وهذا موافق ما عليه الجمهور من حمل النهي عن
كراء الأرض على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن
كرائها مطلقًا بالذهب والفضة، وقد سقطت هذه المقالة
المذكورة عن الليث جميعها عند النسفيّ وابن شبويه فيما
قاله الحافظ ابن حجر فتكون مدرجة عندهما في نفس الحديث،
ولم يذكر النسائي ولا الإسماعيلي في روايتهما لهذا الحديث
من طريق الليث هذه الزيادة. قال التوربشتي: لم يظهر لي هل
هذه الزيادة من الرواة أم من قول البخاري.
وقال البيضاوي: الظاهر من السياق أنها من كلام رافع انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: وقد تبيّن برواية أكثر الطرق في
البخاري أنها من كلام الليث.
وفي هذا الحديث رواية تابعي عن تابعي وهما ربيعة وحنظلة
ورواية صحابي عن صحابيين.
20 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
2348 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا
فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ
حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ -وَعِنْدَهُ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ- أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ
لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي
أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. قَالَ فَبَذَرَ، فَبَادَرَ
الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ،
فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. فَيَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ
يُشْبِعُكَ شَىْءٌ. فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لاَ
تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا،
فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا
بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2348 - طرفه في: 7519].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف
النون وبعد الألف نون أخرى قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء
وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ابن سليمان
قال: (حدّثنا هلال) هو ابن علي المعروف بابن أسامة.
قال المؤلّف بالسند (ح).
(حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن محمد)
المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس
العقدي
(4/189)
قال: (حدّثنا فليح) هو ابن سليمان (عن هلال
بن علي عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يومًا يحدّث) أصحابه (وعنده رجل
من أهل البادية) لم يسم والواو للحال.
(أن رجلاً من أهل الجنة) بفتح همزة أن لأنه في موضع
المفعول (استأذن ربه) عز وجل أي يستأذن ربه فأخبر عن الأمر
المحقق الآتي بلفظ الماضي (في) أن يباشر (الزرع) يعني سأله
تعالى أن يزرع (فقال) ربه تعالى: (له ألست) وفي رواية محمد
بن سنان: أو لست بزيادة واو استفهام تقريري يعني أو لست
كائنًا (فيما شئت) من المشتهيات (قال بلى) الأمر كذلك
(ولكني) بالياء بعد النون ولأبي ذر ولكن (أحب أن أزرع)
فأذن له (قال فبذر) بالذال المعجمة أي ألقى البذر على أرض
الجنة (فبادر) بالدال المهملة وفي رواية محمد بن سنان
فأسرع فبادر (الطرف) بفتح الطاء وسكون الراء نصب على
المفعولية لقوله (نباته واستواؤه واستحصاده) من الحصد وهو
قلع الزرع (فكان أمثال الجبال) يعني أنه لما بذر لم يكن
بين ذلك وبين استواء الزرع ونجاز أمره كله من الحصد
والتذرية والجمع إلا كلمح البصر وكان كل حبة منه مثل الجبل
وفيه أن الله تعالى أغنى أهل الجنة فيها عن تعب الدنيا
ونصبها (فيقول الله تعالى دونك) بالنصب على الإغراء أي خذه
(يا ابن آدم فإنه) أي فإن الشأن (لا يشبعك شيء فقال
الأعرابي) أي ذلك الرجل الذي من أهل البادية (والله لا
تجده إلا قرشيًا أو أنصاريًّا فإنهم)
أي قريشًا والأنصار (أصحاب زرع وأما نحن) أي أهل البادية
(فلسنا بأصحاب زرع فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
فإن قلت: ما وجه إدخال هذا الحديث هنا؟ أجاب ابن المنير
للتنبيه على أن أحاديث المنع من الكراء إنما جاءت على
الندب لا على الإيجاب لأن العادة فيما يحرص عليه ابن آدم
أشد الحرص أن لا يمنع من الاستمتاع به وبقاء حرص هذا
الحريص من أهل الجنة على الزرع وطلب الانتفاع به حتى في
الجنة دليل على أنه مات على ذلك لأن المرء يموت على ما عاش
عليه ويبعث على ما مات عليه، فدل ذلك على آخر عهدهم من
الدنيا جواز الانتفاع بالأرض واستثمارها ولو كان كراؤها
محرمًا عليه لفطم نفسه عن الحرص عليها حتى لا يثبت هذا
القدر في ذهنه هذا الثبوت انتهى.
وهذا الحديث هو لفظ الإسناد الثاني ومتن السند الأول يأتي
في التوحيد إن شاء الله تعالى.
21 - باب مَا جَاءَ فِي الْغَرْسِ
(باب ما جاء في الغرس).
2349 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
-رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّا كُنَّا نَفْرَحُ
بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ
مِنْ أُصُولِ سِلْقٍ لَنَا كُنَّا نَغْرِسُهُ فِي
أَرْبِعَائِنَا فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ
فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ -لاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنَّهُ
قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ- فَإِذَا
صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ
إِلَيْنَا، فَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ
أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلاَ نَقِيلُ
إِلاَّ بَعْدَ الْجُمُعَةَ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا يعقوب)
القاريّ بغير همز نسبة إلى قارة حيّ من العرب، ولأبي ذر:
يعقوب بن عبد الرحمن وأصله مدني سكن الإسكندرية (عن أبي
حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد)
الأنصاري الساعدي (-رضي الله عنه- أنه قال: إنّا كنّا
نفرح) ولأبوي ذر والوقت عن الكشميهني: إن بسكون النون كنا
لنفرح (بيوم الجمعة كانت لنا عجوز) لم تسم (تأخذ من أصول
سلق لنا) بكسر السين المهملة (كنا نغرسه في أربعائنا)
نهرنا الصغير أو ساقيتنا الصغيرة (فتجعله في قدر لها فتجعل
فيه حبات من شعير) قال يعقوب: (لا أعلم إلا أنه قال ليس
فيه شحم ولا ودك) بفتح الواو والدال المهملة دسم اللحم
(فإذا صلينا الجمعة زرناها) أي العجوز (فقربته إلينا) زاد
في الجمعة فنلعقه (فكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك) الذي
تصنعه العجوز (وما كنا نتغدى ولا نقيل) من القيلولة (إلا
بعد) صلاة (الجمعة) وموضع الترجمة من الحديث قوله كنا
نغرسه في أربعائنا، وقد سبق في باب قول الله عز وجل: {فإذا
قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [لجمعة: 10] في آخر كتاب
الجمعة.
2350 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
"يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ،
وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا
لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ مِثْلَ
أَحَادِيثِهِ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ
إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ
أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ،
وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا: لَنْ يَبْسُطَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ -حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي
هَذِهِ- ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ
مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ
عَلَىَّ ثَوْبٌ غَيْرَهَا حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ ثُمَّ
جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ
بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى
يَوْمِي هَذَا. وَاللَّهِ لَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ
اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا {إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ} - إِلَى - {الرَّحِيمُ}.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري قال:
(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف الزهري القرشي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: يقولون إن أبا هريرة يكثر
(4/190)
الحديث) أي روايته، وفي كتاب العلم قال: إن الناس يقولون
أكثر أبو هريرة وسقط قوله هنا الحديث عند أبي ذر (والله
الموعد) بفتح الميم وكسر العين المهملة بينهما واو ساكنة
وهو مصدر ميمي أو ظرف زمان أو مكان وعلى كل تقدير لا يصح
أن يخبر به عن الله تعالى فلا بد من إضمار وتقديره في كونه
مصدرًا والله الواعد وإطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة
يعني الواعد في فعله للخير والشر، والوعد يستعمل في الخير
والشر يقال: وعدته خيرًا ووعدته شرًّا فإذا أسقط الخير
والشر يقال في الخير الوعد والعدة وفي الشر الإيعاد
والوعيد وتقديره في كونه ظرف زمان وعند الله الموعد يوم
القيامة وتقديره في كونه ظرف مكان وعند الله الموعد في
الحشر والمعنى على كل تقدير فالله تعالى يحاسبني إن تعمدت
كذبًا ويحاسب من ظن بي السوء، (ويقولون) أي الناس (ما
للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه) أي أبي هريرة
(وإن إخوتي من المهاجرين) كلمة من بيانية (كان يشغلهم)
بفتح الغين المعجمة (الصفق بالأسواق) كناية عن التبايع
(وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم) في الزراعة
والغراسة وهذا موضع الترجمة (وكنت امرأً مسكينًا) أي من
مساكين الصفة (ألزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على ملء بطني) بكسر الميم (فأحضر) مجلس النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حين يغيبون) أي
الأنصار والمهاجرون (وأعي) أي أحفظ (حين ينسون وقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا) من الأيام:
(لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه)
بالنصب عطفًا على قوله لن يبسط أي يجمع الثوب (إلى صدره
فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا) والمعنى أن البسط المذكور
والنسيان لا يجتمعان لأن البسط الذي بعده الجمع المتعقب
للنسيان منفي فعند وجود البسط ينعدم النسيان وبالعكس
(فبسطت نمرة) بفتح النون وكسر الميم بردة من صوف يلبسها
الأعراب والمراد
بسط بعضها لئلا يلزم كشف عورته (ليس عليّ ثوب غيرها) أي
غير النمرة (حتى قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مقالته ثم جمعتها إلى صدري فو) الله (الذي
بعثه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الثقلين
(بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا) ولمسلم من
رواية يونس فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدّثني به وهو
يدل على العموم لأن تنكير شيئًا بعد النفي يدل على العموم
لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه فدلّ على العموم في عدم
النسيان لكل شيء من الحديث وغيره لا أنه خاص بتلك المقالة
كما يعطيه ظاهر قوله من مقالته تلك، ويعضد العموم ما في
حديث أبي هريرة أنه شكا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ينسى ففعل ما فعل ليزول عنه
النسيان ويحتمل أن يكون وقعت له قضيتان فالقضية التي رواها
الزهري مختصّة بتلك المقالة والأخرى عامّة.
(والله لولا آيتان) موجودتان (في) وفي نسخة: من (كتاب الله
ما حدّثتكم) فيه حذف اللام من جواب لولا وهو جائز والأصل
لما حدثتكم شيئًا أبدًا {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من
البينات} [البقرة: 159] (إلى قوله: {الرحيم}) [البقرة:
160] ولأبي ذر {من البينات والهدى} إلى {الرحيم} وفي هذا
وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة
الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعد ما بيّنه الله تعالى
لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين.
وقد مضى هذا الحديث في باب حفظ العلم في كتاب العلم أخصر
من هذا والله الموفق والمعين. |