شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
51 - كتاب الهبة
(بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الهبة).
1 - باب الهبة وفضلها والتحريض
عليها
(باب الهبة وفضلها والتحريض عليها) ولأبي ذر عن الكشميهني
وابن شبويه فيها بدل قوله عليها وأخّر النسفيّ البسملة.
والهبة بكسر الهاء مصدر من وهب يهب وأصلها وهب لأنها
معتلّة الفاء كالعدة أصلها وعد فلما حذفت الفاء عوّض عنها
الهاء، فقيل هبة وعدة ومعناها في اللغة إيصال الشيء للغير
بما ينفعه مالاً كان أو غير مال يقال وهبه له كودعه وهبًا
ووهبًا وهبة ولا تقل وهبكه، وحكاه أبو عمرو عن أعرابي
والموهبة العطية وهي في الشرع
(4/333)
تمليك بلا عوض في الحياة وأورد عليه ما لو
أهدي لغني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا
تمليك فيه وما لو وقف شيئًا فإنه تمليك بلا عوض وليس بهبة.
وأجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه بل تمليك لكن يمنع
من التصرف فيه بالبيع ونحوه كما علم من باب الأضحية، وعن
الثاني بأنه تمليك منفعة وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به
الأعيان وهي شاملة للهدية والصدقة، فأما الهدية فهي تمليك
ما يبعث غالبًا بلا عوض إلى المهدى إليه إكرامًا له فلا
رجوع فيها إذا كانت لأجنبي فإن كانت من الأب لولده فله
الرجوع فيها بشرط بقاء الموهوب في سلطنة المتهب، ومنها
الهدي المنقول إلى الحرم ولا يقع اسم الهدية على العقار
لامتناع نقله فلا يقال أهدى إليه دارًا ولا أرضًا بل على
المنقول كالثياب والعبيد.
واستشكل ذلك بأنهم صرّحوا في باب النذر بما يخالفه حيث
قالوا لو قال: لله عليّ أن أهدي هذا البيت أو الأرض أو
نحوهما مما ينقل صحّ وباعه ونقل ثمنه.
وأجيب: بأن الهدي وإن كان من الهدية لكنهم توسعوا فيه
بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم وبتعميمه في المنقول
وغيره ولهذا لو نذر الهدي انصرف إلى الحرم ولم يحمل على
الهدية إلى فقير، وأما الصدقة فهي تمليك ما يعطى بلا عوض
للمحتاج لثواب الآخرة، وأما الهبة فهي تمليك بلا عوض خالٍ
عما ذكر في الصدقة والهدية بإيجاب وقبول لفظًا بأن يقول
نحو وهبت لك هذا فيقول قبلت، ولا يشترطان في الهدية على
الصحيح بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك وكلٌّ من
الصدقة والهدية هبة ولا عكس فلو حلف لا يهب له فتصدّق عليه
أو أهدى له حنث والاسم عند الإطلاق ينصرف إلى الأخير
واستعمل المؤلّف المعنى الأعم فإنه أدخل فيها الهدايا.
2566 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا نِسَاءَ
الْمُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا
وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». [الحديث 2566 - طرفه في: 6017].
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) أبو الحسين الواسطي مولى
قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصدّيق قال: (حدّثنا ابن أبي
ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن الحرث بن أبي ذئب (عن
المقبري) سعيد (عن أبيه) كيسان بفتح الكاف وسقط قوله عن
أبيه في رواية الأصيلي وابن عساكر وكريمة.
قال في الفتح: وضبب عليه في رواية النسفيّ والصواب إثباته
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(يا نساء المسلمات) بضم الهمزة منادى مفرد معرّف بالإقبال
عليه والمسلمات صفة له فيرفع على اللفظ وينصب على المحل
ويجوز فتح الهمزة على أنه منادى مضاف، والمسلمات حينئذٍ
صفة لموصوف محذوف تقديره يا نساء الطوائف أو نساء النفوس
المسلمات فيخرج حينئذٍ عن إضافة الموصوف إلى الصفة، وأنكر
ابن عبد البر رواية الإضافة وردّه ابن السيد بأنها قد صحت
نقلاً وساعدتها اللغة فلا معنى للإنكار، وفي النسخة
المقروءة على الميدومي: يا نساء المؤمنات، ورواه الطبراني
من حديث عائشة بلفظ يا نساء المؤمنين (لا تحقرن جارة) هدية
مهداة (لجارتها) ولأبي ذر: لجارة (ولو) أنها تهدي (فرسن
شاة) بفاء مكسورة فراء ساكنة فسين مهملة مكسورة عظم قليل
اللحم وهو للبعير موضع الحافر من الفرس ويطلق على الشاة
مجازًا، وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير
وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي
لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله،
بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وإن كان قليلاً فهو خير من
العدم وإذا تواصل القليل صار كثيرًا وفي حديث عائشة
المذكور يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة فإنه يثبت
المودة ويذهب الضغائن.
وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا، وأخرجه الترمذي من طريق أبي
معشر عن سعيد عن أبي هريرة ولم يقل عن أبيه، وزاد في أوله
تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر الحديث. وقال:
غريب. وأبو معشر مضعف وقال الطرقي: أنه أخطأ فيه لم يقل عن
أبيه كذا قال وقد تابعه محمد بن عجلان عن سعيد أخرجه أبو
عوانة لكن من زاد فيه عن أبيه أحفظ وأضبط فروايتهم أولى
قاله الحافظ ابن حجر.
2567 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ:
"ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ
ثُمَّ الْهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ،
وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَارٌ. فَقُلْتُ: يَا
خَالَةُ، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ
التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ،
وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا".
[الحديث 2567 - طرفاه في: 6458، 6459].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز
(4/334)
بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو بن أويس
(الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون التحتية المدني
قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (ابن أبي حازم) هو عبد
العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (عن أبيه) أبي حازم
سلمة بن دينار (عن يزيد بن رومان) بضم الراء مولى آل
الزبير (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي
الله عنها- أنها قالت لعروة) بن الزبير: (ابن أختي) بوصل
الهمزة وتكسر في الابتداء وفتح النون على النداء وأداة
النداء محذوفة كذا في روايتنا بوصل الهمزة وهو الذي في
الفرع. وقال الزركشي بفتح الهمزة. قال ابن الدماميني:
فتكون الهمزة نفسها حرف نداء ولا كلام في ذلك مع ثبوت
الرواية اهـ.
وأم عروة هي أسماء بنت أبي بكر وفي رواية يحيى بن يحيى عن
عبد العزيز عند مسلم: والله يا ابن أختي (إن كنا لننظر إلى
الهلال) إن هذه مخففة من الثقيلة دخلت على الفعل الماضي
الناسخ واللام في لننظر فارقة بينها وبين النافية وهذا
مذهب البصريين، وأما الكوفيون فيرونها إن النافية ويجعلون
اللام بمعنى إلا (ثم الهلال ثم الهلال) بالجر عطفًا على
السابق (ثلاثة أهلّة) نكملها (في شهرين) باعتبار رؤية
الهلال في أوّل الشهر الأول، ثم رؤيته ثانيًا في أول الشهر
الثاني، ثم رؤيته في أوّل الشهر الثالث فالمدة ستون يومًا
والمرئي ثلاثة أهلة. وقوله: ثلاثة بالنصب بتقدير لننظر
وبالجر (وما أوقدت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (في أبيات
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نار)
بالرفع نائبًا عن الفاعل.
وعند المؤلّف في الرقاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه
بلفظ: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا، ولا منافاة
بينها وبين رواية يزيد بن رومان هذه، وعند ابن ماجه, من
طريق أبي سلمة عن عائشة -رضي الله عنها- بلفظ: لقد كان
يأتي على آل محمد الشهر وما نرى في بيت من بيوته الدخان
الحديث.
قال عروة (فقلت) أي لعائشة -رضي الله عنها- (يا خالة) بضم
التاء منادى مفرد ولأبي ذر: يا خالت بكسرها (ما كان
يعيشكم) بضم المثناة التحتية وكسر العين وسكون التحتية من
أعاشه الله عيشة، ولأبي ذر: يعيشكم بضم الياء الأولى وفتح
العين وتشديد الياء الثانية، وقول الحافظ ابن حجر رحمه
الله وفي بعض النسخ ما كان يغنيكم بسكون الغين المعجمة
بعدها نون مكسورة ثم تحتية، تعقبه العيني بأنه تصحف عليه
فجعله من الإغناء وليس هو إلا من القوت كذا قال: (قالت:
الأسودان) أي قالت عائشة كان يعيشنا (التمر والماء) من باب
التغليب كالعمرين والقمرين وإلاّ فالماء لا لون له، ولذلك
قالوا: الأبيضان اللبن والماء، وإنما أطلقت على التمر أسود
لأنه غالب تمر المدينة. وقول بعض الشرّاح تبعًا لصاحب
المحكم أن تفسير الأسودين بالتمر والماء مدرج تعقب بأن
الإدراج لا يثبت بالتوهم قاله في الفتح (إلا أنه قد كان
لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيران من
الأنصار) بكسر الجيم سعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن
حرام وأبو أيوب خالد بن زيد وسعد بن زرارة وغيرهم (كانت
لهم منائح) جمع منيحة بفتح الميم وكسر النون وسكون التحتية
آخره حاء مهملة أي غنم فيها لبن (وكانوا يمنحون) بفتح أوله
وثالثه مضارع منح أي يعطون (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ألبانهم) وبضم أوله وكسر ثالثه
مضارع أمنح، والذي في اليونينية يمنحون بفتح الياء والنون
وبفتح الياء وكسر النون أي يجعلونها له منحة أي عطية
(فيسقينا).
وهذا موضع الترجمة لأنهم كانوا يهدون إليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ألبان منائحهم وفي الهدية معنى
الهبة.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، ورواته كلهم مدنيون
ورواية الراوي عن خالته وثلاثة من التابعين على نسق واحد
أولهم أبو حازم، وأخرجه مسلم.
2 - باب الْقَلِيلِ مِنَ الْهِبَةِ
(باب القليل من الهبة).
2568 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ،
وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ
لَقَبِلْتُ». [الحديث 2568 - طرفه في: 5178].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة العبدي البصري
بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن أبي عدي واسمه
إبراهيم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن
(4/335)
مهران الأعمش (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لو دعيت إلى ذراع) بالذال المعجمة وهو الساعد وكان
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب أكله لأنه مبادي
الشاة وأبعد عن الأذى (أو كراع) بضم الكاف وبعد الراء ألف
ثم عين مهملة ما دون الركبة من الساق (لأجبت) الداعي (ولو
أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت) وهذا يدل على جواز القليل
من الهدية وأنه لا يردّ والهدية في معنى الهبة فتحصل
المطابقة بين الحديث والترجمة وإنما حضّ على قبول الهدية
وإن قلّت لما فيه من التآلف.
3 - باب مَنِ اسْتَوْهَبَ مِنْ أَصْحَابِهِ شَيْئًا
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا».
(باب من استوهب من أصحابه شيئًا) سواء كان عينًا أو منفعة
جاز بغير كراهة في ذلك إذا كان يعلم طيب أنفسهم، (وقال أبو
سعيد) الخدري في حديث الرقية بالفاتحة الموصول بتمامه في
كتاب الإجارة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): (اضربوا لي معكم سهمًا).
2569 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو
غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ
-رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَ لَهَا غُلاَمٌ نَجَّارٌ قَالَ
لَهَا: مُرِي عَبْدَكِ فَلْيَعْمَلْ لَنَا أَعْوَادَ
الْمِنْبَرِ، فَأَمَرَتْ عَبْدَهَا، فَذَهَبَ فَقَطَعَ
مِنَ الطَّرْفَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا. فَلَمَّا
قَضَاهُ أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ، قَالَ:
أَرْسِلِي بِهِ إِلَىَّ، فَجَاءُوا بِهِ، فَاحْتَمَلَهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَوَضَعَهُ حَيْثُ تَرَوْنَ".
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم
بن أبي مريم الجمحي المصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح
الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون محمد
بن مطرف الليثي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن
دينار (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي الأنصاري (-رضي الله
عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل
إلى امرأة من المهاجربن) هذا وهم من أبي غسان، والصواب
أنها من الأنصار. نعم يحتمل أن تكون أنصارية حالفت
مهاجريًّا أو تزوّجت به أو بالعكس واختلف في اسمها كما مرّ
في الجمعة قال في الفتح: وأغرب الكرماني هنا فزعم أن اسم
المرأة مينا وهو وهم وإنما قيل ذلك في اسم النجار اهـ.
(وكان لها غلام نجار) اسمه باقوم وقيل غير ذلك (قال لها):
(مري عبدك) ولأبي ذر فقال: مري بإسقاط لها وإثبات الفاء
قبل القاف (فليعمل لنا أعواد المنبر) أي ليفعل لنا فعلاً
في أعواد من نجر وتسوية وخرط يكون منها منبر (فأمرت عبدها)
بذلك (فذهب فقطع من الطرقاء) التي بالغابة (فصنع له) أي
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (منبرًا فلما
قضاه) أي صنعه وأحكمه (أرسلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) أي عبدها (قد قضاه) أي المنبر
(قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى
آخره لأبي ذر (أرسلي به) أي بالمنبر (إليّ) وهمزة أرسلي
مفتوحة (فجاؤوا به فاحتمله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فوضعه حيث ترون).
ومطابقته للترجمة لا تخفى، والحديث سبق في كتاب الجمعة.
2570 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ
السَّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ
يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنْزِلٍ فِي
طَرِيقِ مَكَّةَ - وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَازِلٌ أَمَامَنَا - وَالْقَوْمُ
مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا
حِمَارًا وَحْشِيًّا - وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي
- فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي
أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ
إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ،
وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ:
نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لاَ
وَاللَّهِ لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَىْءٍ. فَغَضِبْتُ،
فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ
عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ
مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ. ثُمَّ شَكُّوا فِي
أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا -وَخَبَأْتُ
الْعَضُدَ مَعِي- فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ: مَعَكُمْ مِنْهُ شَىْءٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ،
فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى نَفَّدَهَا
وَهْوَ مُحْرِمٌ". فَحَدَّثَنِي بِهِ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى أبو
القاسم القرشي العامري الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد
(محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري المدني (عن أبي
حازم) سلمة بن دينار (عن عبد الله بن أبي قتادة) الحرث
(السلمي) بفتح السين المهملة واللام الأنصاري الخزرجي (عن
أبيه) أبي قتادة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت يومًا
جالسًا مع رجال من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في منزل في طريق مكة ورسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نازل أمامنا والقوم محرمون
وأنا محرم) لأنه لم يقصد نسكًا وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسله إلى جهة ليكشف أمر عدو (فأبصروا
حمارًا وحشيًا وأنا مشغول أخصف نعلي) بخاء معجمة ثم صاد
مهملة مكسورة أي أخرزه قال تعالى: {وطفقا يخصفان}
[الأعراف: 22] أي يلزقان البعض بالبعض وكأن نعله كانت
انخرقت والواو في قوله ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي القوم وفي وأنا غير محرم وفي وأنا
مشغول كلها للحال (فلم يؤذنوني به) أي بالحمار (وأحبوا لو
أني أبصرته) وفي الحج فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم
يضحك إلى بعض (فالتفت) بالفاء وفي نسخة والتفت (فأبصرته
فقمت إلى الفرس) قال في المصابيح: اسمه الجرادة كما رواه
البخاري في الجهاد، (فأسرجته ثم ركبت) عليه (ونسيت السوط
والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح فقالوا: لا والله
لا نعينك عليه بشيء) أي لأنهم محرمون (فغضبت فنزلت
فأخذتهما) السوط والرمح (ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته)
جرحته حتى مات (ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه
(4/336)
ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حُرُم
فرحنا وخبأت العضد) من الحمار (معي فأدركنا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان تقدّم (فسألناه
عن ذلك فقال):
(معكم منه شيء): استفهام محذوف الأداة (فقلت: نعم فناولته
العضد فأكلها حتى نفدها) بتشديد الفاء وبالدال المهملة أي
أفناها، ولأبي ذر: نفدها بكسر الفاء مخففة لكن ردّه ابن
التين كما حكاه في الفتح (وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة
والسلام (محرم).
قال محمد بن جعفر الراوي عن أبي حازم فيما سبق (فحدّثني
به) بهذا الحديث (زيد بن أسلم) أبو أسامة أيضًا (عن عطاء
بن يسار) بالسين المهملة أبي محمد الهلالي مولى أم
المؤمنين ميمونة (عن أبي قتادة) المذكور في السند السابق
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند
المستملي والحموي.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: معكم منه شيء فإنه في
معنى الاستيهاب من الأصحاب، وزاد في الحج "كلوا وأطعموني"
قال في الفتح: ولعل المصنف أشار إلى هذه الزيادة، وإنما
طلب عليه الصلاة والسلام ذلك منهم ليؤنسهم به ويرفع عنهم
اللبس في توقفهم في جواز ذلك، وقد سبق هذا الحديث في الحج
في أبواب.
4 - باب مَنِ اسْتَسْقَى
وَقَالَ سَهْلٌ: "قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْقِنِي".
(باب من استسقى) أي طلب من غيره ماءّ أو لبنًا ليشربه أو
غير ذلك مما تطيب به نفس المطلوب منه يجوز له، (وقال سهل)
هو ابن سعد الأنصاري -رضي الله عنه- مما وصله المؤلّف في
النكاح (قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): (اسقني) يا سهل.
2571 - حَدَّثَني خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
طَوَالَةَ -اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه-
يَقُولُ: "أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَارِنَا هَذِهِ فَاسْتَسْقَى،
فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ
بِئْرِنَا هَذِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
يَسَارِهِ وَعُمَرُ تُجَاهَهُ وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ
يَمِينِهِ. فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو
بَكْرٍ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ:
الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ، أَلاَ فَيَمِّنُوا. قَالَ
أَنَسٌ: فَهْيَ سُنَّةٌ فَهْيَ سُنَّةٌ. ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ".
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء
القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) قال:
(حدّثني) بالإفراد (أبو طوالة) بضم الطاء المهملة وتخفيف
الواو الأنصاري قاضي المدينة وزاد في غير رواية أبي ذر
اسمه عبد الله بن عبد الرحمن (قال: سمعت أنسًا -رضي الله
عنه- يقول: أتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في دارنا هذه فاستسقى فحلبنا له شاة لنا) سقط
لفظ له لأبي ذر (ثم شبته) بكسر المعجمة وضمها أي خلطت
اللبن (من ماء بئرنا هذه فأعطيته) ذلك (وأبو بكر عن يساره
وعمر تجاهه) بفتح الهاء الأولى أي مقابله (وأعرابي) لم يسم
(عن يمينه) ووهم من قال: هو خالد بن
الوليد فشرب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما
فرغ قال عمر: هذا أبو بكر) أي اسقه (فأعطى) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الأعرابي فضله) وسقط لغير
أبي ذر فضله (ثم قال) عليه الصلاة والسلام:
(الأيمنون) مقدّمون (الأيمنون) مقدّمون أو هو مرفوع بفعل
محذوف تقديره يقدّم الأيمنون وهذا الثاني تأكيد للأيمنون
الأول (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه (فيمنوا)
أمر من اليمن وهو تأكيد بعد تأكيد (قال أنس: فهي) أي
البداءة بالأيمن (سُنّة فهي سنة ثلاث مرات) وزاد في رواية
أبوي ذر والوقت: فهي سُنّة وسقط لأبي ذر وحده قوله ثلاث
مرات، وإنما أعطى الأعرابي ولم يستأذنه ليتألفه بذلك لقرب
عهده بالإسلام وفيه جلوس القوم على قدر سبقهم.
وهذا الحديث أخرجه في الأشربة.
5 - باب قَبُولِ هَدِيَّةِ الصَّيْدِ.
وَقَبِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنْ أَبِي قَتَادَةَ عَضُدَ الصَّيْدِ
(باب) جواز (قبول هدية) صائد (الصيد وقبل النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أبي قتادة عضد الصيد) سبق
موصولاً قبل الباب السابق.
2572 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَنْفَجْنَا
أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ
فَلَغَبُوا، فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ
بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِهَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِوَرِكِهَا -أَوْ فَخِذَيْهَا قَالَ: فَخِذَيْهَا لاَ
شَكَّ فِيهِ- فَقَبِلَهُ. قُلْتُ: وَأَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ
وَأَكَلَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ". [الحديث
2572 - طرفاه في: 5489، 5535].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الازدي الواشحي بالمعجمة
ثم المهملة البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام
بن زيد بن أنس بن مالك) الأنصاري (عن أنس -رضي الله عنه-)
أنه (قال أنفجنا) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الفاء
وسكون الجيم أي أثرنا ونفرنا (أرنبًا) من موضعه (بمرّ
الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء والظاء المعجمة وهو على
مثال تثنية ظهر من العلم المضاف. والمضاف إليه فالإعراب
للأوّل وهو مرّ والثاني مجرورًا أبدًا بالإضافة موضع طريق
من مكة، والأرنب واحد الأرانب اسم جنس يطلق على الذكر
والأُنثى (فسعى القوم) نحوه ليصطادوه (فلغبوا) بفتح الغين
المعجمة، ولأبي ذر: فلغبوا بكسرها والأوّل أفصح، بل أنكر
بعضهم الكسر وللكشميهني: فتعبوا وهو معنى لغبوا أي أعيوا.
قال أنس: (فأدركتها) أي الأرنب (فأخذتها فأتيت
(4/337)
بها أبا طلحة) زوج أم أنس واسمها أم سليم
(فذبحها وبعث بها) وفي رواية أبي داود أنه بعث بها مع أنس
(إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط
لأبي ذر لفظ بها (بوركها) بفتح الواو وكسر الراء ويجوز كسر
الواو
وسكون الراء ما فوق الفخذ مع الإفراد فيهما (أو فخذيها)
بكسر الخاء وفتح الذال المعجمتين مثنى والشك من الراوي
(قال) شعبة: (فخذيها لا شك فيه) قال ابن بطال: وقول شعبة
فخذيها لا شك فيه دليل على أنه شك في الفخذين أولاً ثم
استيقن (فقبله) بفتح القاف وكسر الموحدة أي قبل المبعوث
إليه (قلت: وأكل منه) عليه الصلاة والسلام؟ (قال: وأكل منه
ثم قال بعد) أي بعد القول بالأكل (قبله) فشك في الأكل
واستيقن القبول فجزم به آخرًا.
وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في الذبائح، وأبو داود في
الأطعمة، والترمذي والنسائي وابن ماجه في الصيد.
6 - باب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ
(باب قبول الهدية) كذا ثبت في رواية أبي ذر وسقط لغيره
قال: في الفتح وهو الصواب.
2573 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ -رضي الله
عنهم-: "أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَارًا وَحْشِيًّا -وَهْوَ
بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ- فَرَدَّ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: أَمَا إِنَّا لَمْ
نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس: (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ابن شهاب) الزهري
(عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود
عن عبد الله بن عباس عن الصعب) بالصاد والعين الساكنة
المهملتين (ابن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة (-رضي
الله عنهم- أنه) أي الصعب (أهدى لرسول الله حمارًا وحشيًّا
وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد اسم قرية
من الفرع من أعمال المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي
المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً (أو بودّان) بفتح الواو وتشديد
الدال المهملة آخره نون موضع أقرب إلى الجحفة من الأبواء
والشك من الراوي (فردّ عليه) بحذف الضمير المفعول (فلما
رأى) عليه الصلاة والسلام (ما في وجهه) أي وجه الصعب من
الكراهة لردّه هديته عليه (قال) عليه الصلاة والسلام
تطييبًا لقلبه:
(أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (إنّا لم نردّه) بتشديد
الدال على الإدغام وضمها وفتحها والوجهان في الفرع وأصله
هنا والصواب الأول كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به
ضمير المذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها ولم
يحفظ سيبويه في نحوه إلا ذلك وصرّح ابن الحاجب وغيره أنه
مذهب البصريين، وللكشميهني وحده: لم نردّده بفك الإدغام
فالدال الأولى مضمومة والثانية مجزومة (عليك) وللحموي
والمستملي إليك بالهمزة بدل العين لعلة من العلل (إلا أنا
حُرُم) أي محرمون، وإنما ردّه عليه لأنه ظن أنه صيد له.
ومباحث هذا الحديث سبقت في الحج، ومراد المؤلّف منه هنا
قوله لم نرده عليك إلا أنا حُرُم لأن مفهومه أنه لو لم يكن
محرمًا لقبله.
7 - باب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ
(باب قبول الهدية) قال الحافظ ابن حجر: كذا ثبت لأبي ذر
وهو تكرار بغير فائدة، وهذه الترجمة بالنسبه إلى ترجمة
قبول هدية الصيد من العام بعد الخاص ووقع عند النسفيّ باب
من قبل الهدية.
2574 - حَدَّثَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا
عَبْدَةُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ
بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ يَبْتَغُونَ بِهَا -أَوْ
يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ- مَرْضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2574 - أطرافه في:
2580، 2581، 3775].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن
موسى) الفرّاء الرازي الصغير قال: (حدّثنا عبدة) بفتح
العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان قال: (حدّثنا
هشام) هو ابن عروة بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله
عنها-) (أن الناس كانوا يتحرّون) أي يقصدون (بهداياهم يوم)
نوبة (عائشة) حين يكون عليه الصلاة والسلام عندها حال
كونهم (يبتغون) أي يطلبون (بها) أي بهداياهم (أو يبتغون
بذلك) أي بالتحرّي (مرضاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم مرضاة مصدر ميمي بمعنى
الرضا وعند أبي ذر مرضاه بكتب التاء هاء وفي الفرع وأصله
يبتغون في الموضعين بموحدة بعدها فوقية ثم غين معجمة من
الابتغاء فالشك إنما هو في بها أو بذلك وفي غيره يتبعون
بها بتقديم المثناة مشددة وكسر الموحدة وبالعين المهملة من
الاتباع أو يبتغون بذلك بالغين المعجمة من الابتغاء.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في عشرة
النساء.
2575 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"أَهْدَتْ أُمُّ حُفَيْدٍ -خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ- إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقِطًا
وَسَمْنًا وَأَضُبًّا، فَأَكَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الأَقِطِ وَالسَّمْنِ
وَتَرَكَ الأضَّبَّ تَقَذُّرًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ
عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-". [الحديث أطرافه في: 5489، 5402، 7358].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا
(4/338)
جعفر بن إياس) بكسر الهمزة وتخفيف الياء
كالسابق هو ابن أبي وحشية (قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن
عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (أهدت أم حفيد) بالحاء
المهملة المضمومة والفاء المفتوحة آخره مهملة مصغرًا
واسمها هزيلة تصغير هزلة بالزاي وهي أُخت أُم المؤمنين
ميمونة (خالة ابن عباس
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقطًا)
بفتح الهمزة وكسر القاف بعدها طاء مهملة لبنًا مجفّفًا
(وسمنًا وأضبًّا) بفتح الهمزة وضم الضاد المعجمة وتشديد
الموحدة جمع ضب بفتح الضاد وللحموي والمستملي: وضبًّا على
الإفراد دويبة لا تشرب الماء وتعيش سبعمائة سنة فصاعدًا
ويقال أنها تبول في كل أربعين يومًا قطرة ولا يسقط لها سن
(فأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن
الأقط والسمن وترك الضب) ولأبي ذر: وترك الأضب بلفظ الجمع
(تقدّرًا) بالقاف والذال المعجمة والنصب على التعليل أي
لأجل التقذّر أي كراهة (قال ابن عباس: فأكل) أي الضب (على
مائدة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو
كان حرامًا ما أكل على مائدة رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
قال الشافعي: حديث ابن عباس موافق حديث ابن عمر أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتنع من أكل الضب
لأنه عافه لا لأنه حرَّمه فأكل الضب حلال انتهى.
ومباحث الحديث تأتي في الأطعمة إن شاء الله تعالى ومطابقة
الحديث لما ترجم له في قوله: فأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الأقط والسمن لأن أكله دليل على
قبول الهدية.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأطعمة والاعتصام،
ومسلم في الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في
الصيد.
2576 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أُتِيَ
بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ: أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟
فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ
يَأْكُلْ. وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلَ مَعَهُمْ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن
المنذر) الحزامي بالحاء المهملة والزاي الأسدي، ولأبي ذر:
ابن منذر بدون الألف واللام قال: (حدّثنا معن) هو ابن عيسى
بن يحيى القزاز المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن
طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الخراساني أحد
الأئمة وثّقه ابن معين والجمهور وتكلم فيه بالإرجاء وقد
ذكر الحاكم أنه رجع عنه (عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي
مولى آل عثمان بن مظعون المدني سكن البصرة (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-) أنه (قال):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
أُتي بطعام) زاد أحمد وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن
محمد بن زياد من غير أهله (سأل عنه أهدية أم صدقة) بالرفع
فيهما على الخبر أي هذا ويجوز النصب بتقدير أجئتم به هدية
أم صدقة؟ (فإن قيل صدقة) بالرفع (قال لأصحابه: كُلُوا ولم
يأكل) لأنها حرام عليه (وإن قيل هدية) بالرفع (ضرب بيده)
أي شرع في الأكل مسرعًا (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر
(فأكل معهم) ومطابقته للترجمة في قوله: وإن قيل هدية إلخ
... لأن أكله معهم يدل على قبول الهدية.
2577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُتِيَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ، فَقِيلَ:
تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، قَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ،
وَلَنَا هَدِيَّةٌ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (محمد بن بشار)
بالموحدة والمعجمة ابن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار
قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر الهذلي البصري قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن
مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال):
(أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلحم)
فسأل عنه (فقيل تصدق) به (على بريرة. قال: هو لها صدقة
ولنا هدية) أي حيث أهدته بريرة لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير
التصرف فيها بالبيع وغيره كتصرف سائر الملاك في أملاكهم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الزهد ومسلم في الزكاة، وأخرجه
أيضًا أبو داود والنسائي.
2578 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنِ الْقَاسِمِ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ
تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، وَأَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا
وَلاَءَهَا، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا،
فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَأُهْدِيَ لَهَا
لَحْمٌ، فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: هَذَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ
لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ. وَخُيِّرَتْ. قَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ: زَوْجُهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ؟ قَالَ
شُعْبَةُ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ زَوْجِهَا،
قَالَ: لاَ أَدْرِي أَحُرٌّ أَمْ عَبْد".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) هو
العبدي السابق قال: (حدّثنا غندر) الهذلي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي
بكر الصديق التيمي الفقيه أبي محمد المدني الإمام ولد في
حياة عائشة -رضي الله عنها- (قال) أي شعبة (سمعته) أي
الحديث الآتي إن شاء الله تعالى (منه) أي من عبد الرحمن
(عن القاسم) أبيه (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها أرادت أن
تشتري بريرة) من أهلها (وأنهم اشترطوا) على عائشة (ولاءها
(4/339)
فذكر) بضم المعجمة مبنيًّا للمفعول أي ذكر
ما اشترطوه على عائشة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لعائشة:
(اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) ومباحث هذا سبقت
مرات.
(وأهدي) بضم الهمزة (لها) أي لبريرة (لحم) وفي نسخة وأهدت
لها لحمًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): (ما هذا؟ قلت تصدق) مبنيًّا للمفعول زاد في
نسخة به (على بريرة) ولأبي ذر بعد قوله لحم فقيل للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا تصدق به على
بريرة (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(هو لها صدقة ولنا هدية) ومفهومه أن
التحريم إنما هو على الصفة لا على العين وعلى الرواية
الأولى يكون السؤال والجواب من قوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والثانية أصوب.
(وخيرت بريرة) أي صارت مخيرة بين أن تفارق زوجها وأن تبقى
تحت نكاحه (قال عبد الرحمن) بن القاسم الراوي (زوجها) مغيث
(حرّ أو عبد. قال شعبة) بن الحجاج (سألت) وفي نسخة ثم سألت
(عبد الرحمن) بن القاسم (عن زوجها؟ قال: لا أدري أحرّ أم
عبد) بهمزة الاستفهام وبالميم بعد الهمزة الأخرى، ولأبي
ذر: حرّ أو عبد والمشهور وهو قول مالك والشافعي أنه عبد
وخالف أهل العراق فقالوا: إنه كان حرًّا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في العتق والزكاة بقصد الهدية
والنسائي في البيوع والفرائض والطلاق والشروط.
2579 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو
الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ
أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- فَقَالَ: عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: لاَ، إِلاَّ
شَىْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنَ الشَّاةِ
الَّتِي بُعِثْتَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ. قَالَ:
إِنَّهُ قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل
بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا خالد بن عبد الله) الطحان
الواسطي (عن خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة
(عن حفصة بنت سيرين عن أُم عطية) نسيبة الأنصارية أنها
(قالت: دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
عائشة -رضي الله عنها- فقال: لها):
(عندكم) ولأبي ذر: أعندكم بإثبات همزة الاستفهام (شيء)
(قالت) عائشة (لا) شيء (إلاّ شيء بعثت به أم عطية من الشاة
التي بعثت إليها من الصدقة) بفتح الموحدة وسكون المثلثة
وتاء الخطاب، ولأبي ذر بعثت بضم الموحدة مبنيًّا للمفعول
قال في الفتح: وهو الصواب (قال) عليه الصلاة والسلام
(إنها) أي الشاة وللحموي والمستملي إنه (قد بلغت محلها)
بفتح الميم وكسر الحاء المهملة يقع على الزمان والمكان أي
صارت حلالاً بانتقالها من الصدقة إلى الهدية.
وهذا الحديث قد مرّ في باب إذا تحوّلت الصدقة من كتاب
الزكاة.
8 - باب مَنْ أَهْدَى إِلَى صَاحِبِهِ، وَتَحَرَّى بَعْضَ
نِسَائِهِ دُونَ بَعْضٍ
(باب من أهدى) شيئًا (إلى صاحبه وتحرى) أي قصد (بعض نسائه
دون بعض).
2580 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّاسُ
يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمُ يَوْمِي. وَقَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ: إِنَّ صَوَاحِبِي اجْتَمَعْنَ، فَذَكَرَتْ لَهُ،
فَأَعْرَضَ عَنْهَا".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن هشام)
ولأبي ذر: عن هشام بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان الناس يتحرّون)
يقصدون (بهداياهم يومي) الذي يكون فيه عندي رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزاد الإسماعيلي عن
حماد بن زيد بهذا الإسناد فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة فقلن
لها خبّري رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أن يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان.
(وقالت أم سلمة) أم المؤمنين له عليه الصلاة والسلام (إن
صواحبي) تعني أمهات المؤمنين (اجتمعن) عندي (فذكرت له)
الذي قلن من أنه يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان (فأعرض)
عليه الصلاة والسلام (عنها) أي عن أم سلمة لم يلتفت لما
قالته وفي نسخة عنهن أي عن بقية أمهات المؤمنين.
وهذا الحديث أورده هنا مختصر أو أورده في فضائل عائشة
مطوّلاً وأخرجه الترمذي في المناقب.
2581 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي
عَنْ سلمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ
حِزْبَيْنِ: فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ
وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ
سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ
عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ
هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَّرَهَا، حَتَّى
إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ
الْهَدِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. فَكَلَّمَ
حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَلِّمُ
النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ
بُيُوتِ نِسَائِهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا
قُلْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا، فَسَأَلْنَهَا
فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا، فَقُلْنَ لَهَا:
فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ
إِلَيْهَا أَيْضًا، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا.
فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا. فَقُلْنَ
لَهَا: كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ فَدَارَ إِلَيْهَا
فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا: لاَ تُؤْذِينِي فِي
عَائِشَةَ: فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي
ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ. قَالَتْ: أَتُوبُ
إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ
إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَرْسَلْت إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تَقُولُ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ
فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ: يَا
بُنَيَّةُ، أَلاَ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ قَالَتْ: بَلَى.
فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ، فَقُلْنَ
ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ.
فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَأَتَتْهُ
فَأَغْلَظَتْ وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ
اللَّهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ،
فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهْيَ
قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا، حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَنْظُرُ إِلَى
عَائِشَةَ هَلْ تَكَلَّمُ، قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ
تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا. قَالَتْ:
فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ".
قَالَ الْبُخَارِيُّ: الْكَلاَمُ الأَخِيرُ قِصَّةُ
فَاطِمَةَ يُذْكَرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
رَجُلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ. وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ
عُرْوَةَ: "كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ
يَوْمَ عَائِشَةَ".
وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَجُلٍ مِنَ الْمَوَالِي
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: "قَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ
عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَاسْتَأْذَنَتْ فَاطِمَةُ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس (عن
سليمان) بن بلال (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي
الله عنها- أن نساء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كنّ حزبين) بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي
تثنية حزب أي طائفتين (فحزب فيه عائشة) بنت أبي بكر
(وحفصة) بنت عمر (وصفية) بنت حيي (وسودة) بنت زمعة،
(والحزب الآخر أُم سلمة) بنت أبي أمية (وسائر نساء رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زينب
(4/340)
بنت جحش وميمونة بنت الحرث وأم حبيبة بنت
أبي سفيان وجويرية بنت الحرث، (وكان المسلمون قد علموا حب
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة) بضم
الحاء (فإذا كانت عند أحدهم هدية يربد أن يهديها إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخّرها حتى إذا
كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت
عائشة) يوم نوبتها (بعث صاحب الهدية إلى) ولأبي ذر بها إلى
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت
عائشة، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكلم الناس) بجزم يكلم ويكسر
لالتقاء الساكنين وبالرفع (فيقول) تفسير ليكلم.
(من أراد أن يهدي) بضم الياء من أهدى (إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدية فليهده) بضم
الياء وتذكير الضمير أي الشيء المهدى وللحموي والمستملي
فليهدها أي الهدية إليه، وقال الحافظ ابن حجر:
فليهد في رواية الكشميهني بحذف الضمير انتهى. وهو الذي في
النسخة المقروءة على الميدومي (حيث كان) عليه الصلاة
والسلام (من نسائه) ولغير أبي ذر من بيوت نسائه (فكلمته أم
سلمة بما قلن) لها (فلم يقل لها) عليه الصلاة والسلام
(شيئًا فسألنها) عما أجابها (فقالت): أم سلمة (ما قال لي
شيئًا فقلن لها فكلميه) بالفاء، ولأبي ذر: كلميه (قالت) أي
عائشة وفي نسخة قال: (فكلمته) أي أم سلمة (حين دار إليها)
أي يوم نوبتها (أيضًا فلم يقل لها شيئًا فسألنها فقالت: ما
قال لي شيئًا. فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته
فقال: لها): (لا تؤذيني في عائشة) لفظة في للتعليل كقوله
تعالى: {فذلكن الذي لمتنني فيه} [يوسف: 32] (فإن الوحي لم
يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا
عائشة) (قالت) أي أم سلمة (فقلت) وفي نسخة قالت أي عائشة
فقالت أم سلمة (أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ثم
إنهن) أي أمهات المؤمنين الذين هم حزب أم سلمة (دعون)
بالواو وللكشميهني دعين بالياء أي طلبن (فاطمة بنت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسلت) أي
فاطمة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وهو عند عائشة (تقول) له عليه الصلاة والسلام
(إن نساءك) بتشديد النون وفي اليونينية ليس فيها غيره أن
بجزمة على النون مخففة (ينشدنك الله) بفتح الياء وضم
المعجمة أي يسألنك بالله وسقط لأبي ذر لفظ الجلالة وقال في
الفتح وللأصيلي: يناشدنك الله (العدل في بنت أبي بكر)
عائشة قال في الفتح: أي التسوية بينهن في كل شيء من المحبة
وغيرها. وقال الكرماني في محبة القلب فقط لأنه كان يساوي
بينهن في الأفعال المقدورة، وقد اتفق على أنه لا يلزمه
التسوية في المحبة لأنها ليست من مقدور البشر (فكلمته)
فاطمة -رضي الله عنها- في ذلك، وعند ابن سعد من مرسل عليّ
بن الحسين أن التي خاطبت فاطمة بذلك منهن زينب بنت جحش،
وإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألها
أرسلتك زينب؟ قالت: زينب وغيرها. قال: "أهي التي وليت ذلك"
قالت: نعم (فقال) (يا بنية ألا تحبين ما أحب) (قالت: بلى)
زاد مسلم قال (فأحبي هذه) أي عائشة (فرجعت) فاطمة (إليهن
فأخبرتهن) بالذي قاله (فقلن ارجعي إليه فأبت) فاطمة (أن
ترجع) إليه (فأرسلن زينب بنت جحش فأتته) عليه الصلاة
والسلام (فأغلظت) في كلامها (وقالت: إن نساءك ينشدنك الله
العدل في بنت ابن أبي قحافة) بضم القاف وبعد الحاء المهملة
ألف ففاء فهاء تأنيث هو والد أبي بكر الصديق واسمه عثمان
-رضي الله عنهما- (فرفعت) زينب (صوتها حتى تناولت عائشة)
أي منها (وهي قاعدة) جملة اسمية (فسبّتها) أي سبت زينب
عائشة -رضي الله عنها- (حتى أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لينظر إلى عائشة هل تكلم) بحذف إحدى
التاءين (قال) (فتكلمت عائشة تردّ على زينب حتى أسكتتها)
(قالت: فنظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى عائشة وقال): (إنها بنت أبي بكر). أي إنها شريفة عاقلة
عارفة كأبيها، وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أشار إلى أن أبا بكر كان عالمًا بمناقب مضر ومثالبها ولا
يستغرب من بنته تلقّي ذلك عنه.
ومن يشابه أبيه فما ظلم.
والولد سرّ أبيه.
قال المهلب في الحديث: إنه لا حرج على الرجل
(4/341)
في إيثار بعض نسائه بالتحف والطرف في
المآكل، واعترضه ابن المنير بأنه لا دلالة في الحديث على
ذلك وإنما الناس كانوا يفعلون ذلك والزوج وإن كان مخاطبًا
بالعدل بين نسائه فالمهدون الأجانب ليس أحدهم مخاطبًا
بذلك، فلهذا لم يتقدم عليه الصلاة والسلام إلى الناس بشيء
في ذلك، وأيضًا فليس من مكارم الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى
الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرّض لطلب الهدية، ولا يقال
إنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يقبل الهدية فيملكها
فيلزم التخصيص من قبله لأنّا نقول: المهدي لأجل عائشة كأنه
ملك الهدية بشرط تخصيص عائشة والتمليك يتبع فيه تحجير
المالك مع أن الذي يظهر أنه عليه الصلاة والسلام كان
يشركهن في ذلك، وإنما وقعت المنافسة لكون العطية تصل إليهن
من بيت عائشة ولا يلزم في ذلك تسوية.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون وفيه رواية الأخ عن أخيه
والابن عن أبيه، ولما تصرف الرواة في حديث الباب بالزيادة
والنقص حتى أن منهم من جعله ثلاثة أحاديث.
(قال البخاري: الكلام الأخير قصة فاطمة يذكر عن هشام بن
عروة عن رجل) لم يسمّ (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد
بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام عن عائشة ويغتفر جهالة
الراوي في الشواهد والمتابعات. (وقال أبو مروان) يحيى بن
أبي زكريا الغساني سكن واسطًا (عن هشام عن عروة كان الناس
يتحرون بهداياهم يوم عائشة) -رضي الله عنها-، (وعن هشام)
هو ابن عروة (عن رجل من قريش ورجل من الموالي) لم يسميا
(عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام) أنه
قال: (قالت عائشة: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فاستأذنت فاطمة) الحديث. قال الحافظ ابن حجر في
تعليق التعليق من المقدمة رواية هشام عن رجل، ورواية أبي
مروان عن هشام لم أجدهما.
9 - باب مَا لاَ يُرَدُّ مِنَ الْهَدِيَّةِ
(باب ما لا يردّ من الهدية).
2582 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ
الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَنَاوَلَنِي طِيبًا،
قَالَ: كَانَ أَنَسٌ -رضي الله عنه- لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ.
قَالَ: وَزَعَمَ أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ". [الحديث
2582 - طرفه في: 5929].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو بن الحجاج
المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال:
(حدّثنا عزرة بن ثابت) بفتح العين المهملة وسكون الزاي
وفتح الراء (الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (ثمامة بن عبد
الله) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن أنس قاضي البصرة (قال)
أي عزرة (دخلت عليه) أي على ثمامة (فناولني طيبًا قال: كان
أنس -رضي الله عنه- لا يردّ الطيب قال: وزعم) أي قال:
(أنس) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
لا يرد الطيب) لأنه ملازم لمناجاة الملائكة كذا قاله ابن
بطال، ومفهومه أنه من خصائصه وليس كذلك وقد اقتدى به أنس
فى ذلك والحكمة في ذلك ما في حديث أبي هريرة بإسناد صحيح
عند أبي داود والنسائي مرفوعًا: من عرض عليه طيب فلا يردّه
فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة". وعند الترمذي بإسناد حسن
من حديث ابن عمر مرفوعًا "ثلاثة لا تردّ الوسائد والدهن
واللبن" قال الترمذي: يعني بالدهن الطيب.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس والترمذي في
الاستئذان في باب ما جاء في كراهية ردّ الطيب وقال: حسن
صحيح والنسائي في الوليمة والزينة.
10 - باب مَنْ رَأَى الْهِبَةَ الْغَائِبَةَ جَائِزَة
(باب من رأى الهبة) أي التي توهب ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي من يرى ولأبي ذر أن الهبة (الغائبة جائزة) نصب
مفعول ثانٍ لرأى وبالرفع خبر أن على رواية أبي ذر.
2583 , 2584 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ الْمِسْوَرَ
بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما وَمَرْوَانَ أَخْبَرَاهُ:
"أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ قَامَ فِي النَّاسِ
فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاءُونَا
تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ
سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ
ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى
حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا
يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا. فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا
لَكَ".
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم
العين في ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي بفتح الهمزة
وسكون التحتية الأموي مولاهم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري أنه (قال: ذكر عروة) بن الزبير (أن المسور بن مخرمة
-رضي الله عنهما- ومروان) بن الحكم (أخبراه أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين جاءه وفد هوازن)
زاد في الوكالة مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم
(قام في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال):
(أما بعد فإن إخوانكم جاؤونا) حال كونهم (تائبين وإني رأيت
أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن
(4/342)
يطيب ذلك) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد
الياء أي من أحب أن يطيب نفسه بدفع السبي إلى هوازن
(فليفعل) جواب من المتضمنة معنى الشرط (ومن أحب) أي منكم
(أن يكون على حظه) أي نصيبه من السبي (حتى نعطيه إياه) أي
عوضه (من أوّل ما يفيء الله عليها) بضم الياء وكسر الفاء
من أفاء أي يرجع إلينا من أموال الكفار وجواب الشرط فليفعل
وحذف هنا في هذه الطريق (فقال الناس: طيبنا لك) زاد في
العتق ذلك وقد سبق فيه إن هذه الرواية مرسلة لأن مروان لا
صحبة له، والمسور لم يحضر القصة، ومراد المؤلّف منه هنا
قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وإني رأيت أن
أردّ إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل" مع
قولهم طيبنا لك ففيه أنهم وهبوا ما غنموه من السبي قبل أن
يقسم وذلك في معنى الغائب وتركهم إياه في معنى الهبة كذا
قرره في فتح الباري، وفيه من التعسّف ما لا يخفى وإطلاق
الترك على الهبة بعيد.
وزعم ابن بطال أن فيه دليلاً على أن للسُّلطان أن يرفع
أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحة واستئلاف، وتعقبه ابن
المنير بأنه لا دليل فيه على ذلك بل في نفس الحديث أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفعل ذلك إلا بعد
تطييب نفوس المالكين، ولا يسوغ للسلطان نقل أملاك الناس
وكل أحد أحقّ بماله، وتعقبه ابن الدماميني من المالكية
فقال: لنا في المذهب صورة ينقل فيها السلطان ملك الإنسان
عنه جبرًا كدار
ملاصقة للجامع الذي احتيج إلى توسعته وغير ذلك لكنه لا
ينقل إلا بالثمن قال: وهو مراد على عموم كلامه.
وهذا الحديث قطعة من حديث سبق في العتق.
11 - باب الْمُكَافَأَةِ فِي الْهِبَةِ
(باب المكافاة في الهبة) بالهمزة وقد يترك مفاعلة بمعنى
المقابلة وللكشميهني الهدية بالدال المهملة بدل الهبة
بالموحدة.
2585 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ
وَيُثِيبُ عَلَيْهَا". لَمْ يَذْكُرْ وَكِيعٌ وَمُحَاضِرٌ:
"عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عيسى بن
يونس) بن إسحاق السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء (عن
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت) (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقبل الهدية ويثيب عليها) أي يعطي الذي يهدي له
بدلها. واستدلّ به بعض المالكية على وجوب الثواب على
الهدية إذا أطلق وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني
بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى، ووجه الدلالة منه مواظبته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك، ومذهب
الشافعية لا يجب بمطلق الهبة والهدية إذ لا يقتضيه اللفظ
ولا العادة ولو وقع ذلك من الأدنى إلى الأعلى كما في
إعارته له إلحاقًا للأعيان بالمنافع فإن أثابه المتهب على
ذلك فهبة مبتدأة، وإذا قيدها المتعاقدان بثواب معلوم لا
مجهول صحّ العقد بيعًا نظرًا للمعنى فإنه معاوضة مال بمال
معلوم كالبيع بخلاف ما إذا قيّداها بمجهول لا يصح لتعذره
بيعًا وهبة. نعم المكافأة على الهدية والهبة مستحبة اقتداء
به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وأشار المؤلّف بقوله: (لم يذكر وكيع) هو ابن الجراح فيما
وصله ابن ابي شيبة (ومحاضر) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة
ابن المورع بتشديد الراء المكسورة وبالعين المهملة الكوفي
(عن هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) إلى أن عيسى بن يونس
تفرد بوصل هذا الحديث عن هشام، وقد قال الترمذي والبزار لا
نعرفه موصولاً إلاّ من حديث عيسى بن يونس وهو عند الناس
مرسل. قال ابن حجر: ورواية محاضر لم أقف عليها.
ومطابقة الحديث للترجمة متجهة إذا أريد بلفظ الهبة معناها
الأعم، والحديث أخرجه أبو داود في البيوع والترمذي في
البر.
12 - باب الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ
وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ
حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَيُعْطِيَ الآخَرُ مِثْلَهُ،
وَلاَ يُشْهَدُ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اعْدِلُوا بَيْنَ
أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ».
وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ؟ وَمَا
يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ
يَتَعَدَّى؟
"وَاشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ
عُمَرَ وَقَالَ: اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ".
(باب) حكم (الهبة للولد) من الوالد (وإذا أعطى) الوالد
(بعض ولده شيئًا لم يجز) له ذلك (حتى يعدل بينهم ويعطي
الآخرين مثله) وللحموي والمستملي ويعطى بضم أوّله وفتح
ثالثه الآخر بالإفراد والرفع نائبًا عن الفاعل (ولا يشهد
عليه) مبني للمفعول والضمير في عليه للأب أي لا يسع الشهود
أن يشهدوا على الأب إذا فضل بعض بنيه على بعض.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما
وصله في الباب اللاحق من حديث النعمان (اعدلوا بين أولادكم
في العطية) هبة أو هدية أو صدقة وسقط
(4/343)
لفظ في العطية في الباب اللاحق، (وهل
للوالد أن يرجع في عطيته) التي أعطاها لولده نعم له ذلك
وكذا سائر الأصول من الجهتين ولو مع اختلاف الدين من دون
حكم الحاكم سواء أقبضها الولد أم لا غنيًّا كان أو فقيرًا
صغيرًا أو كبيرًا لحديث الترمذي والحاكم وصححاه لا يحل
لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما
يعطي لولده، والوالد يشمل كل الأصول إن حمل اللفظ على
حقيقته ومجازه وإلاّ لحق به بقية الأصول بجامع أن لكل
ولادة كما في النفقة (و) حكم (ما يأكل) الوالد (من مال
ولده بالمعروف) إذا احتاج (ولا يتعدى)، لكن قال ابن
المنير: وفي انتزاعه من حديث الباب خفاء وفي حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده عند الحاكم مرفوعًا "إن أطيب ما أكل
الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من مال أولادكم".
(واشترى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما
وصله المؤلّف في كتاب البيوع في حديث طويل (من عمر) ابن
الخطاب (بعيرًا ثم أعطاه) (ابن عمر وقال) عليه الصلاة
والسلام (اصنع به ما شئت) فيه تأكيد للتسوية بين الأولاد
في الهبة لأنه عليه الصلاة والسلام لو سأل عمر أن يهبه
لابن عمر لم يكن عدلاً بين بني عمر، فلذلك اشتراه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم وهبه له وفيه دليل على أن
الأجنبي يجوز له أن يخص بالهبة بعض ولد صديقه دون بعض ولا
يعدّ ذلك جورًا.
2586 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ: "أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا. فَقَالَ:
أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ:
فَارْجِعْهُ". [الحديث 2576 - طرفاه في: 2587، 2650].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن حميد بن عبد
الرحمن) بضم الحاء المهملة ابن عوف (ومحمد بن النعمان بن
بشير) بفتح المؤكدة وكسر المعجمة ابن سعد بن ثعلبة بن
الجلاس بضم الجيم وتخفيف اللام آخره سين مهملة التابعي
(أنهما حدّثاه عن النعمان بن بشير أن أباه) بشير بن سعد بن
ثعلبة (أتى به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: إني نحلت) بفتح النون والحاء المهملة
وسكون اللام أي أعطيت (ابني هذا) النعمان (غلانًا) لم يسم
(فقال) عليه الصلاة والسلام:
(أكل ولدك نحلت) أي أعطيت (مثله): وهمزة أكل للاستفهام على
طريق الاستخبار وكل منصوب بقوله نحلت، ولمسلم من رواية أبي
حيان فقال: أكلهم وهبت لهم مثل هذا (قال: لا) وفي الموطآت
للدارقطني من رواية ابن القاسم قال: لا والله يا رسول الله
(قال) (فارجعه) بهمزة وصل ولمسلم من طريق إبراهيم بن سعد
عن ابن شهاب قال: فاردده وتمسك به من أوجب التسوية في عطية
الأولاد، وبه صرح البخاري وهو مذهب طاوس والثوري، وحمل
الجمهور الأمر على الندب والنهي على التنزيه فيكره للوالد
وإن علا أن يهب لأحد ولديه أكثر من الآخر ولو ذكرًا لئلا
يفضي ذلك إلى العقوق، وفارق الإرث بأن الوارث راضٍ بما فرض
الله له بخلاف هذا، وبأن الذكر والأُنثى إنما يختلفان في
الميراث بالعصوبة أما بالرحم المجردة فهما سواء كالأخوة
والأخوات من الأم، والهبة للأولاد أمر بها صلة للرحم. نعم
إن تفاوتوا حاجة قال ابن الرفعة: فليس من التفضيل والتخصيص
المحذور السابق وإذا ارتكب التفضيل المكروه فالأولى أن
يعطي الآخرين ما يحصل به العدل ولو رجع جاز بل حكي في
البحر استحبابه. قال الأسنوي: ويتجه أن يكون محل جوازه أو
استحبابه في الزائد وعن أحمد تصح التسوية، ويجب أن يرجع
عنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته
أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين، وقال أبو يوسف: تجب
التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار.
وفي هذا الحديث رواية الابن عن أبيه ورواته كلهم مدنيون
إلاّ شيخ المؤلّف، وأخرجه أيضًا في الهبة والشهادات، ومسلم
في الفرائض، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وابن
ماجه في الأحكام والله الموفق.
13 - باب الإِشْهَادِ فِي الْهِبَةِ
(باب الإشهاد في الهبة).
2587 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: "سَمِعْتُ
النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- وَهُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً،
فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى
تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي
مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي
أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ
سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ.
قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".
وبه قال: (حدّثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عبيد الله الثقفي
قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن
حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن
السلمي (عن عامر) الشعبي أنه (قال: سمعت النعمان بن بشير
(4/344)
-رضي الله عنهما- وهو على المنبر) بالكوفة
كما عن ابن حبان والطبراني (ويقول: أعطاني أبي) بشير بن
سعد بن ثعلبة بن جلاس بضم الجيم وتخفيف اللام وضبطه
الدارقطني بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الأنصاري
الخزرجي (عطية) كانت العطية غلامًا سألت أم النعمان أباه
أن يعطيه إياه من ماله كما في مسلم (فقالت عمرة): بفتح
العين وسكون الميم (بنت رواحة) بفتح الراء وبالحاء المهملة
الأنصارية أم النعمان لأبيه (لا أرضى حتى تشهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنك أعطيته ذلك على
سبيل الهبة وغرضها بذلك تثبيت العطية (فأتى) بشير (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني أعطيت
ابني) النعمان (من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك
يا رسول الله) على ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام:
(أعطيت سائر ولدك مثل هذا)؟ الذي أعطيته النعمان (قال: لا)
وعند ابن حبان والطبراني عن الشعبي: لا أشهد على جور،
وتمسك به الإمام أحمد في وجوب العدل في عطية الأولاد أن
تفضيل أحدهم حرام وظلم.
وأجيب: بأن الجور هو الميل عن الاعتدال والمكروه أيضًا
جور، وقد زاد مسلم: أشهد على هذا غيري وهو إذن بالإشهاد
على ذلك، وحينئذ فامتناعه عليه الصلاة والسلام من الشهادة
على وجه التنزّه. واستضعف هذا ابن دقيق العيد بأن الصيغة
وإن كان ظاهرها الإذن بهذا إلا أنها مُشعِرة بالتنفير
الشديد عن ذلك الفعل حيث امتنع عليه الصلاة والسلام من
مباشرة هذه الشهادة معلّلاً بإنها جور فتخرج الصيغة عن
ظاهر الإذن بهذه القرائن وقد استعملوا مثل هذا اللفظ في
مقصود التنفير.
(قال): (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) (قال: فرجع)
بشير من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فردّ عطيته) التي أعطاها للنعمان. وفي الحديث كراهة تحمل
الشهادة فيما ليس بمباح وإن الإشهاد في الهبة مشروع وليس
بواجب: وأن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة وتظهر فائدتها
إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه أو يؤدّيها عند بعض
نوّابه. وقول ابن المنير: إن فيه إشارة إلى سوء عاقبة
الحرص والتنطع لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده ما
رجع فيه لما اشتد حرصها في تثبيت ذلك
أفضى إلى بطلانه، تعقبه في المصابيح بأن إبطالها ارتفع به
جور وقع في القضية فليس ذلك من سوء العاقبة في شيء.
14 - باب هِبَةِ الرَّجُلِ لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ
لِزَوْجِهَا
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: جَائِزَةٌ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ: لاَ يَرْجِعَانِ. وَاسْتَأْذَنَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ
فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. وَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي
قَيْئِهِ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ -فِيمَنْ قَالَ
لاِمْرَأَتِهِ- هَبِي لِي بَعْضَ صَدَاقِكِ أَوْ كُلَّهُ.
ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى طَلَّقَهَا
فَرَجَعَتْ فِيهِ قَالَ: يَرُدُّ إِلَيْهَا إِنْ كَانَ
خَلَبَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ
لَيْسَ فِي شَىْءٍ مِنْ أَمْرِهِ خَدِيعَةٌ جَازَ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: 4].
(باب) حكم (هبة الرجل لامرأته و) حكم هبة (المرأة لزوجها.
قال إبراهيم) بن يزيد النخعي فيما وصله عبد الرزاق:
(جائزة) أي الهبة من الرجل لامرأته ومنها له. (وقال عمر بن
عبد العزبز) فيما وصله عبد الرزاق: (لا يرجعان) أي الزوج
فيما وهبه لزوجته ولا هي فيما وهبته له. (واستأذن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما هو موصول في هذا
الباب (نساءه في أن يُمرّض في بيت عائشة).
ووجه مطابقته للترجمة من حيث أن أمهات المُؤمنين وهبن له
عليه الصلاة والسلام ما استحققن من الأيام ولم يكن لهن في
ذلك رجوع فيما مضى وإن كان لهن الرجوع في المستقبل.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما
يأتي إن شاء الله تعالى آخر الباب موصولاً (العائد في
هبته) زوجًا كان أو غيره (كالكلب يعود في قيئه) (وقال
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله عبد الله بن وهب
عن يونس بن يزيد عنه (فيمن قال لامرأته: هبي لي) أمر من
وهب يهب وأصله أو هبي حذفت واوه تبعًا لفعله لأن أصل يهب
يوهب فلما حذفت الواو استغنى عن الهمزة فحذفت فصار هبي على
وزن علي (بعض صداقك أو) قال هبي لي (كله) فوهبته (ثم لم
يمكث إلا يسيرًا حتى طلّقها فرجعت فيه. قال) الزهري (يرد)
الزوج (إليها) ما وهبته (إن كان خلبها) بفتح الخاء المعجمة
واللام والموحدة أي خدعها (وإن كانت أعطته) وهبته ذلك (عن
طيب نفس) منها (ليس في شيء من أمره خديعة) لها (جاز) ذلك
ولا يجب رده إليها. (قال الله تعالى) في سورة النساء:
{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} {فإن طبن لكم عن شيء منه
نفسًا} [النساء: 4] قال البيضاوي الضمير للصداق حملاً على
المعنى أو يجري
(4/345)
مجرى اسم الإشارة. قال الزمخشري: كأنه قيل
عن شيء من ذلك وقيل للإيتاء ونفسًا تمييز لبيان الجنس ولذا
وحّد، والمعنى: فإن وهبن لكم من الصداق شيئًا عن طيب نفس،
لكن جعل العمدة طيب النفس للمبالغة وعدّاه بعن لتضمنه معنى
التجافي والتجاوز وقال منه بعثًا لهنّ عن تقليل الموهوب،
وزاد أبو ذر في روايته فكلوه أي فخذوه وأنفقوا هنيئًا أي
حلالاً بلا تبعة وإلى التفصيل المذكور بين أن يكون خدعها
فلها أن ترجع وإلاّ فلا ذهب المالكية إن أقامت البيّنة
على ذلك وقيل يقبل قولها في ذلك مطلقًا وإلى عدم الوجوب من
الجانبين مطلقًا ذهب الجمهور وقال
الشافعي: لا يردّ الزوج شيئًا إذا خالعها ولو كان مضرًّا
بها لقوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما
افتدت به} [البقرة: 229].
2588 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
"قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لَمَّا ثَقُلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ
يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ
رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ
الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ. فَقَالَ عُبَيْدُ
اللَّهِ: فَذَكَرْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ
عَائِشَةُ، فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ
الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ هُوَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن
موسى) الفرّاء الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا هشام)
هو ابن يوسف الصنعاني اليماني (عن معمر) هو ابن راشد (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد
(عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عتبة بن
مسعود (قالت: عائشة -رضي الله عنها-):
(لما ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
وجعه (فاشتد وجعه) وكان في بيت ميمونة -رضي الله عنها-
(استأذن أزواجه أن يمرّض) بضم أوله وفتح الميم وتشديد
الراء (في بيتي) وكان المخاطب لأمهات المؤمنين في ذلك
فاطمة كما عند ابن سعد بإسناد صحيح (فأذن) بتشديد النون
(له) عليه الصلاة والسلام أن يمرض في بيت عائشة (فخرج)
عليه الصلاة والسلام (بين رجلين تخطّ رجلاه الأرض) بضم
الخاء المعجمة ورجلاه فاعل أي يؤثر برجليه في الأرض كأنه
يخط خطًْا (وكان بين العباس وبين رجل آخر فقال عبيد الله)
بن عبد الله (فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة) -رضي الله
عنها- (فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسمّ عائشة؟
قلت: لا) أدري. (قال: هو علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه-.
وهذا الحديث قد سبق في كتاب الطهارة وغيرها ويأتي إن شاء
الله تعالى وبقية مباحثه في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخر المغازي.
2589 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي
هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي
قَيْئِهِ». [الحديث 2589 - أطرافه في: 2621، 2622، 6975].
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا ابن خالد بن عجلان
البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس
(عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(العائد) زوجًا أو غيره (في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في
قيئه) وزاد أبو داود قال: ولا نعلم القيء إلا حرامًا،
واحتجّ به الشافعي وأحمد على أنه ليس للواهب أن يرجع فيما
وهبه إلا الذي ينحله الأب لابنه وعند مالك له أن يرجع في
الأجنبي الذي قصد منه الثواب ولم يثبه وبه قال أحمد في
رواية، وقال أبو حنيفة: للواهب الرجوع في هبته من الأجنبي
ما دامت قائمة ولم يعوّض منها.
وأجاب عن الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام جعل العائد في
هبته كالعائد في قيئه فالتشبيه من حيث أنه ظاهر القبح
مروءة وخلقًا لا شرعًا والكلب غير متعبد بالحرام والحلال
فيكون العائد في هبته عائدًا في أمر قذر كالقذر الذي يعود
فيه الكلب فلا يثبت بذلك منع الرجوع في الهبة ولكنه يوصف
بالقبح.
15 - باب هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا،
وَعِتْقُهَا إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَهْوَ جَائِزٌ
إِذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً فَإِذَا كَانَتْ سَفِيهَةً
لَمْ يَجُزْ قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ
أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 5]
(باب) حكم (هبة المرأة لغير زوجها و) حكم (عتقها) جاريتها
وفي نسخة بالفرع وأصله وعتقها بالرفع على الاستئناف (إذا
كان لها زوج) ليست إذا للشرط بل هي للظرف لأن الكلام فيما
إذا كان لها زوج وقت الهبة والعتق أما إذا لم يكن لها زوج
فلا نزاع في جوازه (فهو) أي ما ذكر من الهبة والعتق (جائز
إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز. قال الله
تعالى).
ولأبي ذر وقال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}
[النساء: 5] وهذا مذهب الجمهور وعن مالك لا يجوز لها أن
تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث قياسًا
على الوصية.
2590 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي مَالٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ
عَلَىَّ الزُّبَيْرُ، فَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: تَصَدَّقِي،
وَلاَ تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) بضم
(4/346)
الميم وفتح اللام عبد الله بن عبيد الله
(عن عباد بن عبد الله) بتشديد الموحدة بعد العين المفتوحة
ابن الزبير بن العوّام (عن) جدّتها لأبيه (أسماء) بنت أبي
بكر الصديق (-رضي الله عنها-) وعن أبيها أنها (قالت: قلت
يا رسول الله ما لي مال إلاّ ما أدخل عليّ) بتشديد الياء
زوجي (الزبير) بن العوّام وصيره ملكًا لها (فأتصدق) بحذف
أداة الاستفهام وللمستملي كما في الفتح أفاتصدق بإثباتها
(قال) عليه الصلاة والسلام:
(تصدقي ولا توعي) بضم أوله وكسر العين من الإيعاء (فيوعى
عليك) بفتح العين أي لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة
فتجازي بمثل ذلك.
وقد روى أيوب هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة بغير
واسطة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وصرح أيوب
عن ابن أبي مليكة بتحديث عائشة له بذلك فيحمل على أنه سمعه
من عباد عنها ثم حدّثته به.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله تصدقي فإنه يدل على أن
المرأة التي لها زوج لها أن تتصدق بغير إذن زوجها والمراد
من الهبة في الترجمة معناها اللغوي وهو يتناول الصدقة وقد
تقدم الحديث في أوانل كتاب الزكاة.
2591 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنْفِقِي، وَلاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ
اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلاَ تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ
عَلَيْكِ».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن سعيد اليشكري
السرخسي قال: (حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح
الميم قال: (حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن) بنت عمه
(فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوّام (عن) جدّتهما
لأبيهما (أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لها:
(أنفقي) بهمزة قطع وكسر الفاء (ولا تحصي) بضم أوله وكسر
الصاد من الإحصاء (فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله
عليك) بنصب المضارع الواقع بعد الفاء في جواب النهي فيهما
والإحصاء مجاز عن التضييق لأن العود مستلزم له ويحتمل أن
يكون من الحصر الذي هو بمعنى المنع وقال الخطابي: لا توعي
أي لا تخبئي الشيء في الوعاء أي أن مادة الرزق متصلة
باتصال النفقة منقطعة بانقطاعها فلا تمنعي فضلها فتحرمي
مادتها وكذلك لا تحصي فإنها إنما تحصى للتبقية والذخر
فيحصى عليك بقطع البركة ومنع الزيادة وقد يكون مرجع
الإحصاء إلى المحاسبة عليه والمناقشة في الآخرة.
2592 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ
عَنْ يَزِيدَ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ: "أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ -رضي الله
عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ
تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ
عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي؟ قَالَ: أَوَفَعَلْتِ؟
قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّكِ لَوْ
أَعْطَيْتِيهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ".
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ
عَنْ كُرَيْبٍ: "إِنَّ مَيْمُونَةَ أَعْتَقَتْ ... ".
[الحديث 2592 - أطرافه في: 2594].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير المخزومى (عن الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي
حبيب (عن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله
الأشجّ (عن كريب مولى ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن
ميمونة بنت الحرث) أم المؤمنن الهلالية (-رضي الله عنها-
أخبرته أنها أعتقت وليدة) أي أمة وللنسائي أنها كانت لها
جارية سوداء قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمها، (ولم
تستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما
كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت) أي أعلمت (يا
رسول الله أني أعتقت وليدتي قال): عليه الصلاة والسلام:
(أوفعلت)؟ بفتح الواو والهمزة للاستفهام أي أوفعلت العتق
(قالت نعم) فعلته (قال) (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم
(إنك) بكسر الهمزة في الفرع وأصله على أن أما استفتاحية
بمعنى ألا وفي بعض الأصول أنك بفتح الهمزة على أن أما
بمعنى حقًّا (لو أعطيتها) أي الوليدة (أخوالك) من بني
هلال. قال العيني: ووقع في رواية الأصيلي أخواتك بالتاء
بدل اللام قال عياض: ولعله أصح من رواية أخوالك بدليل
رواية مالك في الموطأ فلو أعطيتها أختيك ولا تعارض، فيحتمل
أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك كله. (كان) إعطاؤك لهم
(أعظم لأجرك) من عتقها. ومفهومه أن الهبة لذوي الرحم أفضل
من العتق كما قاله ابن بطال، وليس ذلك على إطلاقه بل يختلف
باختلاف الأحوال، وقد وقع في رواية النسائي بيان وجه
الأفضلية في إعطاء الأخوال وهو احتياجهم إلى من يخدمهم
ولفظه: أفلا فديت بها بنت أختك من رعاية الغنم، على أنه
ليس في حديث الباب نص على أن صلة الرحم أفضل من العتق
لأنها واقعة عين.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟
(4/347)
أجيب: بأنها أعتقت قبل أن تستأمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت رشيدة فلم
يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى فلو كان لا
ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله قال في الفتح.
وفي هذا الحديث ثلاثة من التابعين على نسق واحد ونصف رجاله
الأول مصريون والأُخر مدنيون، وأخرجه مسلم في الزكاة
والنسائي في العتق.
(وقال بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بضم
الميم وفتح الضاد المعجمة ابن محمد بن حكيم المصري مما
وصله المؤلّف في الأدب المفرد وبرّ الوالدين له (عن عمرو)
بفتح العين ابن الحرث (عن بكير) المذكور (عن كربب) مولى
ابن عباس (أن ميمونة أعتقت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
أعتقته بضمير النصب الراجع لكريب. قال في الفتح: وهو غلط
فاحش، وفي هذا التعليق موافقة عمرو بن الحرث ليزيد بن أبي
حبيب على قوله عن كريب قال: وقد خالفهما محمد بن إسحاق
فرواه عن بكير فقال: عن سليمان بن يسار بدل كريب أخرجه أبو
داود والنسائي
من طريقه قال الدارقطني: ورواية يزيد وعمرو أصح ورواية بكر
بن مضر له عن عمرو عن بكير عن كريب أن ميمونة صورتها صورة
الإرسال لكونه ذكر قصة ما أدركها، لكن قد رواه ابن وهب عن
عمرو بن الحرث فقال: فيه عن كريب عن ميمونة أخرجه مسلم
والنسائي من طريقه.
2593 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ
نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا
مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ
يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ
زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2593 - أطرافه في: 2637،
2661، 2688، 2879، 4025، 4141، 4690، 4749، 4750، 4757،
5212، 6662، 6679، 7369، 7370، 7500، 7545].
وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد
الموحدة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن
مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهنّ) أي أيّ امرأة منهن
(خرج سهمها) الذي باسمها (خرج) عليه الصلاة والسلام (بها
معه) في صحبته (وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها
غير أن سودة بنت زمعة) أم المؤمنين (وهبت يومها وليلتها
لعائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تبتغى) تطلب (بدلك رضا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله وهبت لعائشة إذ لو قلنا أن
الهبة كانت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم تقع المطابقة قاله الكرماني. وقال ابن بطال:
إن هذا الحديث ليس من هذا الباب لأن للسفيهة أن تهب يومها
لضرّتها وإنما السفه في إفساد مال الخاصّة.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشهادات وأبو داود في النكاح
والنسائي في النكاح في عِشرة النساء.
16 - باب بِمَنْ يُبْدَأُ بِالْهَدِيَّةِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (بمن يبدأ بالهدية) قال في
الفتح: أي عند التعارض في أصل الاستحقاق.
2594 - حَدَّثَنَا وَقَالَ بَكْرٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ
بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: "أنَّ
مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا، فَقَالَ لَهَا:
وَلَوْ وَصَلْتِ بَعْضَ أَخْوَالِكِ كَانَ أَعْظَمَ
لأَجْرِكِ".
(وقال بكر) هو ابن مضر (عن عمرو) هو ابن الحرث مما وصله
المؤلّف في الأدب المفرد وبرّ الوالدين له (عن بكير) بضم
الموحدة وفح الكاف ابن عبد الله الأشج (عن كريب) زاد في
رواية غير أبي ذر مولى ابن عباس (أن ميمونة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعتقت وليدة) أمة
(لها) لم تسم (فقال لها) أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما ثبت في الرواية السابقة، بل ثبت
في النسخة المقروءة على الميدومي كنسخ غيرها.
(ولو) بالواو في اليونينية وفي نسخة لو (وصلت بعض أخوالك)
من بني هلال (كان أعظم لأجرك) من عتقها. وفي حديث سليمان
بن عامر الضبي عند الترمذي والنسائي وصححه ابنا خزيمة
وحبان مرفوعًا "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم
صدقة صلة" والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما سبق
تقريره قريبًا.
2595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي
عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
-رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ- عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ:
إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار)
بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة العبدي البصري الملقب
ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب
(الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون (عن طلحة بن عبد
الله) بن عثمان (رجل من بني تميم بن مرة) بضم الميم وتشديد
الراء (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قلت يا رسول
الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال):
(إلى أقربهما منك
(4/348)
بابًا) نصب على التمييز وأقربهما أي
أشدّهما قربًا قيل الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت
جاره من هدية وغيرها فيتشوّق لها بخلاف الأبعد.
17 - باب مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ لِعِلَّة
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "كَانَتِ
الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدِيَّةً، وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ".
(باب من لم يقبل الهدية لعلّة) أي لأجل علة كهدية المستقرض
إلى المقرض. (وقال عمر بن عبد العزيز): فيما وصله ابن سعد
وأبو نعيم في الحلية (كانت الهدية في زمن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدية واليوم رشوة)
بتثليث الراء ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه.
2596 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ -وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-يُخْبِر: ُ" أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَارَ وَحْشٍ
وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ
فَرَدَّهُ، قَالَ صَعْبٌ: فَلَمَّا عَرَفَ فِي وَجْهِي
رَدَّهُ هَدِيَّتِي قَالَ: لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ،
وَلَكِنَّا حُرُمٌ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه
(قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بضم العين
في الأول (ابن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس -رضي
الله عنهما- أخبره أنه سمع الصعب بن جثامة الليثي، وكان من
أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عاش إلى
خلافة عثمان على الأصح (يخبر أنه أهدى لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمار وحش وهو بالأبواء) بفتح
الهمزة وسكون الموحدة قرية من الفرع من عمل المدينة (أو
بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة قرية جامعة قريبة
من الجحفة والشك من الراوي (وهو محرم) جملة حالية (فردّه)
أي فردّ عليه الصلاة والسلام الحمال على الصعب (قال) ولأبي
ذر: فقال (صعب: فلما عرف) عليه الصلاة والسلام (في وجهي
ردّه) مصدر مفعول عرف أي عرف أثر التغيّر في وجهي من كراهة
ردّه (هديتي قال):
(ليس بنا) أي بسببنا وجهتنا (ردّ عليك ولكنّا حُرُم) أي
وإنما سبب الردّ كوننا محرمين.
وهذا الحديث سبق في باب: إذا أهدى المحرم حمارًا وحشيًّا
من كتاب الحج.
2597 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي
الله عنه- قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ
ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ
قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. قَالَ: فَهَلاَّ
جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ -أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ-
فَيَنْظُرَ أيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ،
إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا
خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ -ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ،
حَتَّى رَأَيْنَا غُفْرَةَ إِبْطَيْهِ- اللَّهُمَّ هَلْ
بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. ثَلاَثًا».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن
أبي حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عبد الرحمن بن
المنذر (الساعدي) الأنصاري (-رضي الله عنه-) قال: استعمل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من
الأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي آخره دال مهملة (يقال له
ابن الأتبية على الصدقة) بسكون اللام وضم الهمزة وفتح
الفوقية وكسر الموحدة وتشديد التحتية وفيه أربعة أقوال سبق
التنبيه عليها في كتاب الزكاة قال الكرماني: والأصح أنه
باللام وسكون الفوقية وأنها نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة
واسمه عبد الله، (فلما قدم) المدينة وفرغ من عمله حاسبه
عليه الصلاة والسلام (قال) أي ابن الأتبية: (هذا لكم وهذا
أهدي لي قال) عليه الصلاة والسلام:
(فهلاّ جلس في بيت أبيه أو) قال (بيت أمه فنظر يهدى) بحذف
همزة الاستفهام ولأبي ذر:
أيهدى (له) وللحموي والمستملي إليه (أم لا) بنصب الفعل
المضارع المقترن بالفاء في جواب التحضيض المتقدم وهو: هلاّ
جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، والظاهر أن النظر هنا بصري
والجملة الواقعة بعده مقترنة بالاستفهام في محل نصب وهو
معلق عن العمل. وقد صرّح الزمخشري بتعليق النظر البصري
لأنه من طريق العلم، وتوقف فيه ابن هشام في مغنيه مرة،
وقال به أخرى حكاه في المصابيح، وهذا موضع الترجمة لأنه
عليه الصلاة والسلام عاب على ابن الأتبية قبوله الهدية
التي أهديت له لكونه كان عاملاً وفيه أنه يحرم على العمال
قبول هدايا رعاياهم على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.
(والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه) أي من مال الصدقة
(شيئًا إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه (يحمله على رقبته
إن كان) المأخوذ (بعيرًا) أي يحمله على رقبته بحذف جواب
الشرط لدلالة المذكور عليه (له رغاء) بضم الراء وبالغين
المعجمة ممدودًا صفة للبعير يقال رغا البعير إذا صوّت (أو)
كان المأخوذ (بقرة) يحملها على رقبته (لها خوار) بضم الخاء
المعجمة صفة للبقرة وهو صوتها (أو) كان المأخوذ (شاة)
يحملها على رقبته (تيعر) بفتح المثناة الفوقية وسكون
التحتية وفتح العين المهملة آخره راء صفة لشاة أي تصوّت،
(ثم رفع) عليه الصلاة والسلام (بيده) وفي نسخة يده (حتى
رأينا عفرة إبطيه)
(4/349)
بضم العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء
آخره تأنيث أي بياضهما المشوب بالسمرة، ولأبي ذر: عفر
بإسقاط هاء التأنيث (اللهم هل بلغت هل بلغت ثلاثًا) أي قد
بلغت أو استفهام تقريري والتقرير للتأكيد ليسمع من لا سمع
وليبلغ الشاهد الغائب، وفيه أن هدايا العمال تجعل في بيت
المال وأن العامل لا يملكها إلا أن يطيبها له الإمام كما
في قصة معاذ أنه عليه الصلاة والسلام طيّب له الهدية
فأنفذها له أبو بكر -رضي الله عنه- بعد رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وقد سبق حديث الباب في الزكاة، وأخرجه أيضًا في الأحكام
والنذور وترك الحيل ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج.
18 - باب إِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ وَعَدَ ثُمَّ مَاتَ
قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ
وَقَالَ عَبِيدَةُ: إِنْ مَاتا وَكَانَتْ فُصِلَتِ
الْهَدِيَّةُ وَالْمُهْدَى لَهُ حَىٌّ فَهْيَ
لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فُصِلَتْ فَهْيَ
لِوَرَثَةِ الَّذِي أَهْدَى. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيُّهُمَا
مَاتَ قَبْلُ فَهْيَ لِوَرَثَةِ الْمُهْدَى لَهُ إِذَا
قَبَضَهَا الرَّسُولُ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) الرجل (هبة) لاخر (أو وعد)
آخر وزاد الكشميهني عدة (ثم مات) الذي وهب أو الذي وعد أو
الذي وهب له أو الذي وعد له (قبل أن تصل) الهبة أو الذي
وعده به (إليه) إلى الموهوب له أو الموعود لم ينفسخ عقد
الهبة لأنه يؤول إلى اللزوم كالبيع بخلاف نحو الشركة
والوكالة ومثل الموت الجنون والإغماء، لكن لا يقبضان إلا
بعد الإفاقة قاله البغوي.
وقام وارث الواهب في الإقباض والإذن، ووارث المتهب في
القبض مقام المورث، فإن رجع الواهب أو وارثه في الإذن في
القبض أو مات هو أو المتهب بطل الإذن، ولو مات المهدي أو
المهدى إليه قبل القبض فليس للرسول إيصال الهدية إلى
المهدى إليه أو وارثه إلا بإذن جديد كما هو مفهوم مما مرّ.
(وقال عبيدة): بفتح العين المهملة وكسر الموحدة ابن عمرو
السلماني بفتح السين وسكون اللام مما لم أعرف من وصله (إن
مات) أي المهدي وفي نسخة: إن ماتا أي المهدي والمُهدى
(وكانت فصلت الهدية) بالفاء المضمومة والصاد المهملة
المكسورة، وفي نسخة: فصلت بفتحهما وهما من الفصل والمراد
القبض، وفي نسخة: وصلت بالواو بدل الفاء فالفصل بالنظر إلى
المهدي والوصل بالنظر إلى المُهدى إليه إذ حقيقة الإقباض
لا بدّ لها من فصل الموهوب عن الواهب ووصله إلى المتهب
قاله الكرماني (والمهدى له حيّ) حال القبض ثم مات (فهي) أي
الهدية (لورثته وإن لم تكن) أي الهدية (فصلت فهي لورثة
الذي أهدى) بفتح الهمزة والدال.
قال في فتح الباري وتفصيله بين أن تكون انفصلت أم لا مصير
منه إلى أنّ قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه، وذهب
الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه إلا بأن
يقبضها أو وكيله انتهى.
ومفهومه أن المراد بقوله فصلت أي من المهدي إلى الرسول لا
قبض المهدى إليه لها وهو خلاف ما قاله الكرماني.
(وقال الحسن) البصري -رحمه الله- مما لم أعرفه موصولاً
(أيهما) أي أيّ واحد من المهدي والمهدى إليه (مات قبل) أي
قبل الآخر (فهي) أي الهدية (لورثة المهدى له إذا قبضها
الرسول) فإن لم يقبضها فهي للمهدي أو لورثته.
2598 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْتُ
جَابِرًا -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ لِي النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ جَاءَ مَالُ
الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا (ثَلاَثًا)، فَلَمْ
يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا
فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ
فَلْيَأْتِنَا. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَدَنِي فَحَثَى
لِي ثَلاَثًا".
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن المنكدر) محمد قال:
(سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-
قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو جاء مال البحرين) من الجزية (أعطيتك هكذا ثلاثًا فلم
يقدم) مال البحرين (حتى توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أرسله العلاء بن الحضرمي (فأرسل)
والذي في الفرع فأمر (أبو بكر) -رضي الله عنه-
(مناديًا) يحتمل أن يكون بلالاً (فنادى من كان له عند
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدة) وعده بها
(أو دين) كقرض أو نحوه (فليأتنا) نوفه ذلك قال جابر
(فأتيته) -رضي الله عنه- (فقلت) له: (إن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدني) عدة (فحثى لي) بالحاء
المهملة والمثلثة (ثلاثًا) أي ثلاث حثيات من حثى يحثي
ويحثو لغتان والحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ
الكفّين، وذكر أبو عبيد أنهما بمعنى وكانت كل حثية
خمسمائة. وقول الإسماعيلي أن ما قاله النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لجابر ليس هبة وإنما هي عدة
على وصف لكن لما كان وعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لا يجوز أن يتخلف نزلوا وعده منزله الضمان
(4/350)
في الصحة فرقًا بينه وبين غيره من الأمّة
ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي، فلا مطابقة بين الحديث
والترجمة إلا على هذا التأويل فيه نظر وبيانه كما في
المصابيح: أن الترجمة لشيئين. أحدهما: إذا وهب ثم مات قبل
وصولها فساق لهذا ما ذكره عن عبيدة والحسن. ثانيهما: إذا
وعد ثم مات قبل وصولها، وساق له حديث- جاير وهو قوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو جاء مال البحرين
أعطيتك هكذا ثلاثًا" وهذا وعد بلا ريب فلم يقع للمؤلّف
-رحمه الله- إخلال بما وقع في الترجمة على ما لا يخفى وليس
فعل الصدّيق واجبًا عليه ولم يكن لازمًا للرسول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما فعله اقتداء بطريقة
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كان أوفى
الناس بعهده وأصدقهم لوعده.
وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب
الخمس وغيره.
19 - باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعَبْدُ وَالْمَتَاعُ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ،
فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كبف يقبض العبد) الموهوب
(والمتاع) الموهوب ويقبض مبني للمفعول والعبد نائب عن
الفاعل (وقال ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- مما
وصله المؤلّف في كتاب البيوع في باب: إذا اشترى شيئًا
فوهبه من ساعته (كنت على بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف
جمل (صعب فاشتراه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) من عمر بن الخطاب لا من ابنه (وقال: هو لك يا
عبد الله) فاكتفى في القبض بكونه في يده ولم يحتج إلى قبض
آخر لأجل الهبة.
2599 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ
بْنِ مَخْرَمَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَسَمَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةً
وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ
مَخْرَمَةُ: يَا بُنَىَّ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي،
قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ
قَبَاءٌ مِنْهَا فَقَالَ: خَبَأْنَا هَذَا لَكَ. قَالَ:
فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَضِيَ مَخْرَمَةُ". [الحديث
2599 - أطرافه في: 2657، 3127، 5800، 5862، 6132].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور بن
مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة ومخرمة بفتح الميم
وسكون الخاء
المعجمة ابن نوفل الزهري (-رضي الله عنهما- أنه قال: قسم
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية)
بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الموحدة جمع قباء بفتح القاف
ممدودًا جنس من الثياب ضيقة من لباس العجم معروف (ولم يعطِ
مخرمة منها) أي من الأقبية (شيئًا) أي في حال تلك القسمة
(فقال مخرمة) للمسور: (يا بنيّ انطلق بنا إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية حاتم في
الشهادات عسى أن يعطينا منها شيئًا الحديث. قال المسور:
(فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه) عليه الصلاة والسلام (لي)
زاد في رواية تأتي إن شاء الله تعالى فأعظمت ذلك فقال: يا
بني إنه ليس بجبار (قال: فدعوته له فخرج) عليه الصلاة
والسلام (إليه وعليه قباء منها) أي من الأقبية والجملة
حالية (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(أخبأنا هذا) القباء (لك) (قال) المسور (فنظر إليه) إلى
القباء مخرمة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (رضي مخرمة)
استفهام أي هل رضي، ويحتمل كما قال ابن التين: أن يكون من
قول مخرمة.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن نقل المتاع إلى الموهوب
له قبض، واختلف هل من شرط صحة الهبة القبض أم لا؟ فالجمهور
وهو قول الشافعي الجديد والكوفيون أنها لا تملك إلا بالقبض
لقول أبي بكر الصديق لعائشة -رضي الله عنهما- في مرضه فيما
نحلها في صحته من عشرين وسقًا وددت أنك حزته أو قبضته
وإنما هو اليوم مال الوارث ولأنه عقد إرفاق كالقرض فلا
يملك إلا بالقبض، وفي القديم تصح بنفس العقد وهو مشهور
مذهب المالكية وقالوا: تبطل إن لم يقبضها الموهوب له حتى
وهبها الواهب لغيره وقبضها الثاني وهو قول أشهب ومحمد، وعن
أبي القاسم مثله، وهو قول الغير في المدوّنة ولابن القاسم
أنها للأوّل. قال محمد: وليس بشيء والحائز أولى، وقال
المرداوي من الحنابلة: وتصح بعقد وتملك به أيضًا ولو
بمعاطاة بفعل فتجهيز بنته بجهاز إلى الزوج تمليك وهو كبيع
في تراخي قبوله وتقديمه وغيرهما وتلزم بقبض كمبيع بإذن
واهب إلا ما كان في يد متهبه فيلزم بعقد ولا يحتاج إلى مضي
مدّة يتأتى قبضه فيها، وعنه أي عن أحمد يلزم في غير مكيل
وموزون ومعدود ومدروع بمجرد الهبة ولا يصح قبض إلا بإذن
واهب. اهـ.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس والشهادات والخمس
والأدب ومسلم في الزكاة وأبو داود في اللباس والترمذي في
الاستئذان.
20 - باب إِذَا وَهَبَ هِبَةً فَقَبَضَهَا الآخَرُ وَلَمْ
يَقُلْ قَبِلْتُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) رجل (هبة فقبضها الآخر)
الموهوب له (ولم يقل
(4/351)
قبلت) جازت، واشترط الشافعية الإيجاب
والقبول فيها كسائر التمليكات بخلاف صحة الإبراء
والعتق والطلاق بلا قبول لأنها إسقاط، ويستثنى من
اعتبار ذلك الهبة الضمنية كان قال لغيره: أعتق عبدك
عني ففعل فإنه يدخل في ملكه هبة ويعتق عنه ولا يشترط
القبول ولا يشترط الإيجاب والقبول في
الهدية والصدقة ولو في غير المطعوم، بل يكفي البعث من
المملك والقبض من التملك كما جرى عليه الناس في
الإعصار، ولهذا كانوا يبعثونهما على أيدي الصبيان
الذين لا تصح عقولهم.
فإن قيل: كان هذا إباحة لا هدية أجيب: بأنه لو كان
إباحة ما تصرفوا فيه تصرف الملاك ومعلوم أنه ليس كذلك.
2600 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ،
فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي
رَمَضَانَ. قَالَ: أتَجِدُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَتَسْتَطِيعُ
أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ
-وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ- فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ:
اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ. قَالَ: عَلَى
أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ
بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا. ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ
فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) أبو عبد الله البصري
البناني قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال:
(حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم
(عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء رجل) سلمة بن صخر
أو سلمان بن صخر أو أعرابي (إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) فعلت ما هو
سبب لهلاكي (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(وما ذاك) ولأحمد: وما الذي أهلكك؟ (قال: وقعت بأهلي)
أي وطئت امرأتي (في رمضان) نهارًا (قال) عليه الصلاة
والسلام: (تجد) ولأبي ذر: أتجد (رقبة) المراد الوجود
الشرعي ليدخل فيه القدرة بالشراء ونحوه ويخرج عنه مالك
الرقبة المحتاج إليها بطريق شرعي (قال) الرجل: (لا)
أجد رقبة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فهل تستطبع أن
تصوم شهرين متتابعين)؟ (قال) الرجل: (لا) أستطيع ذلك
(قال) عليه الصلاة والسلام: (فتستطيع أن تطعم ستين
مسكينًا) (قال) الرجل (لا) أستطيع (قال: فجاء رجل من
الأنصار) قال في مقدمة فتح الباري: لم يسمِّ وإن صحّ
أن المحترق سلمة بن صخر فالرجل هو فروة بن عمرو
البياضي (بعرق) بفتح العين والراء المهملتين قال أبو
هريرة أو الزهري أو غيره (والعرق المكتل) بكسر الميم
وسكون الكاف وفتح المثناة الفوقية وهو الزنبيل (فيه
تمر) زاد ابن أبي حفصة عند أحمد فيه خمسة عشر صاعًا.
وعند ابن خزيمة من حديث عائشة فأتى بعرق فيه عشرون
صاعًا. وعند مسدد من مرسل عطاء فأمر له ببعضه وهو يجمع
بين الروايات فمن قال: عشرون أراد أصل ما كان فيه ومن
قال: خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة (قال) عليه
الصلاة والسلام (اذهب بهذا) العرق (فتصدق به) بالجزم
على الأمر (فقال) الرجل أتصدق به (على) ناس
(أحوج منّا يا رسول الله و) الله (الذي بعثك بالحق ما
بين لابتيها) بغير همزة أي حرّتي المدينة المكتنفتين
بها (أهل بيت أحوج منّا. قال) عليه الصلاة والسلام،
ولأبوي ذر والوقت: ثم قال: (اذهب فأطعمه أهلك) من
تلزمك نفقته أو زوجتك وكان من مال الصدقة والكفارة
باقية في ذمته كما سبق تقريره في الصيام قال في الفتح:
والغرض منه هنا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أعطى الرجل التمر فقبضه ولم يقل قبلت ثم
قال: اذهب فأطعمه أهلك ولمن اشترط القبول أن يجيب عن
هذا بأنها واقعة عين فلا حجة فيها ولم يصرّح فيها بذكر
القبول ولا بنفيه.
21 - باب إِذَا وَهَبَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ
قَالَ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ: هُوَ جَائِزٌ.
وَوَهَبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِمَا
السَّلاَمُ - لِرَجُلٍ دَيْنَهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ
لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيُعْطِهِ أَوْ
لِيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ». فَقَالَ جَابِرٌ: "قُتِلَ
أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُرَمَاءَهُ أَنْ
يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي، وَيُحَلِّلُوا أَبِي".
هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) رجل (دينًا) له (على
رجل) لآخر أو لمن هو عليه (قال شعبة) بن الحجاج فيما
وصله ابن أبي شيبة: (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة (هو)
أي فعل هبة الدين لمن هو عليه (جائز ووهب الحسن بن
علي) أي ابن أبي طالب (عليهما السلام لرجل) له عليه
دين (دينه) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على من وصله
ولم يسم الرجل.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فيما وصله مسدد في مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي
هريرة مرفوعًا (من كان له) أي لأحد (عليه حق فليعطه)
إياه (أو ليتحلله منه). بالجزم على الأمر والضمير في
منه لصاحب الحق. قال الحافظ ابن حجر: وجه الدلالة منه
لجواز هبة الدين أنه من سوّى بين أن يعطيه إياه أو
يحلله منه ولم يشترط في التحليل قبضًا (فقال) بالفاء
وفي نسخة وقال: بالواو (جابر: قتل أبي) هو عبد الله
(4/352)
الأنصاري وكان قتل بأُحُد (وعليه دين) رقم
في الفرع على قوله وعليه دين علامة السقوط. (فسأل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غرماءه أن
يقبلوا تمر حائطي) أي بستاني (ويحللوا أبي) وهذا
التعليق سبق موصولاً في القرض وساقه هنا بأتم منه كما
قال:
2601 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ. وَقَالَ اللَّيْثُ
حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ:
"أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا
فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَكَلَّمْتُهُ، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ
حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي فَأَبَوْا، فَلَمْ
يُعْطِهِمْ وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ، وَلَكِنْ قَالَ:
سَأَغْدُو عَلَيْكَ -إِنْ شَاءَ اللهُ-. فَغَدَا
عَلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ
وَدَعَا فِي ثَمَرِهِ بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا،
فَقَضَيْتُهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَبَقِيَ لَنَا مِنْ
ثَمَرِهَا بَقِيَّةٌ. ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ جَالِسٌ
فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِعُمَرَ: اسْمَعْ -وَهْوَ جَالِسٌ- يَا عُمَرُ.
فَقَالَ: أَلاَّ يَكُونُ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ
رَسُولُ اللَّهِ؟ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَرَسُولُ
اللَّهِ".
(حدثنا عبدان) هو عبد الله بن جبلة بفتح الجيم
والموحدة العتكي بفتح المهملة والمثناة الفوقيه
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال:
(أخبرنا يونس) بن زيد الأيلي.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في
الزهريات (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن
شهاب) الزهري (أنه قال: حدّثني) بالإفراد (ابن كعب بن
مالك أن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-) قال
الكرماني: ابن كعب يحتمل أن يكون عبد الرحمن أو عبد
الله لأن الزهري يروي عنهما جميعًا لكن الظاهر أنه عبد
الله لأنه يروي عن جابر (أخبره أن أباه) عبد الله (قتل
يوم) وقعة (أُحُد شهيدًا) وكان عليه دين ثلاثين وسقًا
لرجل من اليهود (فاشتد الغرماء) عليّ (في) طلب (حقوقهم
فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فكلمته) أي ليشفع لي زاد في علامات النبوّة من وجه آخر
فقلت إن أبي ترك عليه دينًا وليس عندي إلا ما يخرج
نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه (فسألهم) النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يقبلوا ثمر
حائطي) بفتح المثلثة والميم أي في دينهم (ويحللوا أبي)
أي يجعلوه في حِلٍّ بإبرائهم ذمته (فأبوا) أي امتنعوا
(فلم يعطهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ثمر نخل (حائطي ولم يكسره) بفتح أوّله
وكسر ثالثه أي لم يكسر الثمر من النخل (لهم) أي لم
يعين ولم يقسم عليهم قاله الكرماني (ولكن قال): عليه
الصلاة والسلام: (سأغدوا عليك) زاد أبو ذر إن شاء الله
تعالى قال جابر: (فغدا علينا) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حين أصبح) ولغبر أبي ذر حتى أصبح
والأول أوجه وضبب على الأخير في الفرع (فطاف في النخل
ودعا) بالواو ولأبوي ذر والوقت فدعا (في ثمره بالبركة)
وعند أحمد عن جابر من وجه آخر فجاء هو وأبو بكر وعمر
فاستقرأ النخل يقوم تحت كل نخلة لا أدري ما يقول حتى
مرّ على آخرها (فجددتها) بالجيم والدالين المهملتين أي
قطعتها (فقضيتهم حقهم) الذي لهم وفي اليونينية وفرعها
حقوقهم (وبقي لنا من ثمرها) بالمثلثة المفتوحة، ولأبي
الوقت: من تمرها بالمثناة الفوقية وسكون الميم أي تمر
النخل (بقية) وفي علامات النبوّة وبقي مثل ما أعطاهم،
(ثم جئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو جالس) جملة حالية (فأخبرته بذلك) الذي
وقع من قضاء الحقوق وبقاء الزيادة وظهور بركة دعائه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر) بن الخطاب:
(اسمع) ما يقول جابر (وهو) أي عمر (جالس يا عمر فقال)
عمر (ألا يكون) بالرفع وفي بعض الأصول بالنصب (قد
علمنا أنك رسول الله والله إنك لرسول الله) بفتح
الهمزة وتشديد اللام من ألا وأصلها أن المخففة ضمت
إليها لا النافية أي هذا إنما يحتاج إليه من لا يعلم
أنك رسول الله فكذبك في الخبر فيحتاج إلى الاستدلال،
وأما من علم أنك رسول الله فلا يحتاج إلى ذلك ولأبي ذر
عن الكشميهني ألا بتخفيف اللام كما في فروع عدة
لليونينية وأصول معتمدة ووجه بأن الهمزة للاستفهام
التقريري، وإذا تقرر هذا فلينظر في قول الحافظ ابن حجر
في علامات النبوّة ألا يكون بفتح الهمزة وتشديد اللام
في الروايات كلها. وزعم بعض المتأخرين أن الرواية فيه
بتخفيف اللام وأن الهمزة للاستفهام التقريري فأنكر عمر
عدم علمه بالرسالة فأنتج إنكاره
ثبوت علمه بها. قال الحافظ ابن حجر: وهو كلام موجه إلا
أن الرواية إنما هي بالتشديد وكذا ضبطها عياض وغيره
انتهى. وقال الكرماني: ومقصوده -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تأكيد علم عمر -رضي الله عنه-
وتقويته وضم حجة أخرى إلى الحجج السابقة. وقال في
الفتح: النكتة في اختصاصه بإعلامه بذلك أنه كان
معتنيًا بقضية جابر مهتمًّا بشأنه مساعدًا له على وفاء
دين أبيه.
ومطابقة الحديث للترجمة تؤخذ كما قاله في عمدة القاري
من معنى الحديث، ولكنه
(4/353)
بالتكلف وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سأل غرماء أبي جابر أن يقبضوا ثمر حائطه
ويحللوه من بقية دينه ولو قبلوا ذلك كان إبراء لذمة
أبي جابر من بقية الدين وهو في الحقيقة لو وقع كان هبة
للدين ممن هو عليه وهو معنى الترجمة، وقد اختلف فيما
إذا وهب دينًا له على رجل لآخر فقال المالكية يصح إذا
أشهد له بذلك وجمع بينه وبين غريمه وقال الشافعي:
بالبطلان لاشتراطهم القبض.
22 - باب هِبَةِ الْوَاحِدِ لِلْجَمَاعَةِ
وَقَالَتْ أَسْمَاءُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
وَابْنِ أَبِي عَتِيقٍ: وَرِثْتُ عَنْ أُخْتِي
عَائِشَةَ بِالْغَابَةِ، وَقَدْ أَعْطَانِي بِهِ
مُعَاوِيَةُ مِائَةَ أَلْفٍ، فَهُوَ لَكُمَا.
(باب هبة الواحد) الشيء الواحد (للجماعة) مشاعًا جائز
وإن كان لا ينقسم كعبد لأن الهبة عقد تمليك والمشاع
قبل للملك فتجوز هبته كبيعه، وقال الحنفية: تجوز فيما
لا ينقسم كالحمام والرحى لا فيما ينقسم إلا بعد القسمة
كما لا تجوز هبة سهم في دار لأن القبض في الهبة منصوص
عليه مطلقًا فينصرف إلى الكامل والقبض في المشاع ليس
بكامل لأنه في حيزّه من وجه وفي حيّز شريكه من وجه،
وتمامه إنما يحصل بالقسمة بخلاف المشاع فيما لم يقسم
لأن القبض الكامل فيه غير متصوّر فاكتفى بالقاصر قاله
ابن فرشتاه في شرح المجمع، وقبض المشاع يحصل بقبض
الجميع منقولاً كان أو غيره فإن كان منقولاً ومنع من
القبض الشريك فيه ووكله الموهوب له في القبض له جاز
فيقبضه له الشريك، فإن امتنع الموهوب له من توكيل
الشريك فيقبض له الحاكم ويكون في يده لهما أما إذا لم
يمتنع الشريك من القبض بأن رضي بتسليم نصيبه أيضًا إلى
الموهوب له فقبض الجميع فيحصل الملك ويكون نصيبه تحت
يد الموهوب له وديعة.
(وقالت أسماء) بنت أبي بكر الصدّيق (للقاسم بن محمد)
هو ابن أخي أسماء (وابن أبي عتيق) هو أبو بكر عبد الله
بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن
أخي أسماء (ورثت) وفي بعض الأصول الذي ورثت (عن أختي
عائشة) زاد أبو ذر عن الكشميهني مالاً (وبالغابة)
بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة موضع بالعوالي قريب
من المدينة به أموال أهلها (وقد أعطاني به معاوية) بن
أبي سفيان (مائة ألف) أي وما بعته منه (فهو لكما) خطاب
للقاسم وعبد الله بن أبي عتيق وقد كانت عائشة لما ماتت
ورثتها أختاها أسماء وأم كلثوم وأولاد أخيها عبد
الرحمن ولم يرثها
أولاد أخيها محمد لأنهُ لم يكن شقيقها، فكأن أسماء
قصدت جبر خاطر القاسم بذلك وأشركت معه عبد الله لأنه
لم يكن وارثًا لوجود أبيه قاله في الفتح، والجمع يطلق
على الاثنين فتحصل المطابقة بينه وبين الترجمة ولم أرَ
هذا التعليق موصولاً.
2602 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
-رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ،
وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ
الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: إِنْ أَذِنْتَ لِي
أَعْطَيْتُ هَؤُلاَءِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ
بِنَصِيبِي مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدًا.
فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي
القرشي المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن
أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد)
الساعدي الأنصاري له ولأبيه صحبة (-رضي الله عنه-) وعن
أبيه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتيَ
بشراب) لبن ممزوج بماء (فشرب) عليه الصلاة والسلام منه
(وعن يمينه غلام) هو ابن عباس (وعن يساره الأشياخ)
منهم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- (فقال) عليه
الصلاة والسلام (للغلام) ابن عباس (إن أذنت لي أعطيت
هؤلاء) الأشياخ القدح (فقال) الغلام (ما كنت لأُوثر
بنصيبي منك يا رسول الله أحدًا فتله) بالمثناة الفوقية
وتشديد اللام أي رمى به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (في يده) أي يد الغلام. قال الإسماعيلي:
ليس في هذا الحديث هبة لا للواحد ولا للجماعة وإنما هو
شراب أُتي به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثم سقي على وجه الإباحة والإرفاق كما لو
قدّم للضيف طعامًا يأكله وليس قوله للغلام: أتأذن لي
على جهة أنه حق له بالهبة لكن الحق من جهة السُّنّة في
الابتدائية وللأشياخ حق السن وأجاب في فتح الباري: بأن
الحق كما قال ابن بطال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سأل الغلام أن يهب نصيبه الأشياخ وكان
نصيبه منه مشاعًا غير متميز فدلّ على صحة هبة المشاع.
ويؤخذ من الحديث تقديم الصغير على الكبير والمفضول على
الفاضل إذا جلس على يمين الرئيس فيكون مخصوصًا من عموم
حديث ابن عباس عند أبي يعلى بسند قوي قال: كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(4/354)
وَسَلَّمَ- إذا سقي قال: ابدؤوا بالأكبر
ويكون الأيمن ما امتاز بمجرد الجلوس في الجهة اليمنى
بل الخصوص كونها يمين الرئيس والفضل إنما فاض عليه من
الأفضل قال الزركشي: ويؤخذ منه أنه إذا تعارضت الفضيلة
المتعلقة بالمكان والمتعلقة بالذات تقدم المتعلقة
بالذات وإلاَّ لم يستأذنه. قال في المصابيح: وقع في
النظائر والأشباه لابن السبكي أنه بحث مرة مع أبيه
الشيخ تقي الدين السبكي في صلاة الظهر بمنى يوم النحر
إذا جعلنا منى خارجة عن حدود المحرم أتكون أفضل من
صلاتها في المسجد لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صلاّها بمنى والاقتداء به أفضل أو في
المسجد لأجل المضاعفة فقال بل في منى وإن لم تحصل بها
المضاعفة فإن في الاقتداء بأفعال الرسول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخير ما يربو على
المضاعفة.
وهذا الحديث قد سبق في المظالم ويأتي إن شاء الله
تعالى في الأشربة.
23 - باب الْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ وَغَيْرِ
الْمَقْبُوضَةِ، وَالْمَقْسُومَةِ وَغَيْرِ
الْمَقْسُومَةِ
وَقَدْ وَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ لِهَوَازِنَ مَا غَنِمُوا
مِنْهُمْ، وَهْوَ غَيْرُ مَقْسُومٍ.
(باب الهبة المقبوضة) السابق حكمها (وغير المقبوضة)
علم من حكم المقبوضة (والمقسومة وغير المقسومة) أما
المقسومة فحكمها ظاهر وأما غير المقسومة فهو المقصود
بهذه الترجمة وهي مسألة هبة المشاع السابق تقريرها
أوّل الباب السابق، (وقد وهب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- مما
وصله بأتمّ منه في الباب التالي (لهوازن ما غنموا
منهم) قال: المؤلّف تفقهًا (وهو) أي الذي غنموه (غير
مقسوم) وفي الفرع وأصله علامة السقوط على قوله لهوازن
وإثباتها بعد قوله غير مقسوم لأبي ذر ويبقى النظر في
قوله منهم على هذه الرواية فليتأمل.
واستدلّ المؤلّف بهذا التعليق على صحة هبة المشاع
وتعقب بأن غير المقسوم يلزم منه أن يكون غير مقبوض فلا
يتم له الاستدلال. وأجيب بأن قبضهم إياه وقع تقديريًّا
باعتبار حيازتهم له على الشيوع.
2603 - وَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ
مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "أَتَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
الْمَسْجِدِ فَقَضَانِي وَزَادَنِي".
وبه قال: (حدّثنا ثابت بن محمد) أبو إسماعيل العابد
الشيباني الكوفي وسقط ابن محمد لأبي ذر ولغير أبي ذر،
ونسبه الحافظ ابن حجر لأبي زيد المروزي وقال ثابت
بصورة التعليق وهو موصول عند الإسماعيلي وغيره وبالأول
جزم أبو نعيم في المستخرج وفاقًا للأكثر قال: (حدّثنا
مسعر) بكسر الميم ابن كدام (عن محارب) بكسر الراء ابن
دثار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله
عنه-) عن أبيه أنه (قال): (أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) المدني (فقضاني) أي
على يد بلال ثمن الجمل الذي كان اشتراه مني بأوقية
بطريق تبوك أو ذات الرقاع بعد أن أعيا ودعا له حتى سار
سيرًا ليس يسير مثله (وزادني) أي قيراطًا.
وهذا الحديث قد سبق بأتم من هذا في باب شراء الدواب
والحمير من كتاب البيوع، وساقه هنا من طريق أخرى فقال
بالسند إليه:
2604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-
يَقُولُ: "بِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعِيرًا فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا
أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: ائْتِ الْمَسْجِدَ
فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. فَوَزَنَ".
قَالَ شُعْبَةُ: أُرَاهُ "فَوَزَنَ لِي فَأَرْجَحَ،
فَمَا زَالَ مِنْهَا شَىْءٌ حَتَّى أَصَابَهَا أَهْلُ
الشَّأْمِ يَوْمَ الْحَرَّةِ".
(حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة
المشهور ببندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو
محمد بن جعفر الهذلي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن محارب) هو ابن دثار أنه قال: (سمعت جابر بن
عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: بعت من
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيرًا في
سفر فلما أتينا المدينة قال) عليه الصلاة والسلام:
(ائت المسجد فصل) فيه (ركعتين) وفي رواية وهب بن كيسان
في البيوع قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- المدينة قبلي وقدمت بالغداة فجئت إلى
المسجد فوجدته فقال: "الآن قدمت"؟ قلت: نعم قال: فدع
الجمل وادخل فصلِّ ركعتين (فوزن) أي ثمن الجمل.
(وقال شعبة) بن الحجاج (أراه) بضم الهمزة أظنه قال
(فوزن لي فأرجح) وهو على سبيل المجاز لأن ذلك إنما كان
بواسطة بلال كما في مسلم ولفظه: فلما قدمت المدينة قال
لبلال أعطه أوقية من ذهب وزده. قال: فأعطاني أوقية
وزادني قيراطًا فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فما زال منها)
وللكشميهني: فما زال معي منها (شيء حتى أصابها أهل
الشام يوم) وقعة (الحرّة) أي التي كانت حوالي المدينة
عند حرّتها بين عسكر الشام من جهة يزيد بن معاوية وبين
أهل المدينة سنة ثلاث وستين.
2605 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه-
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِشَرَابٍ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ
وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ:
أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ
الْغُلاَمُ: لاَ وَاللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي
مِنْكَ أَحَدًا. فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي أبو رجاء
البغلاني بفتح الموحدة وسكون
(4/355)
المعجمة (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن أبي
حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني القاصّ (عن سهل بن
سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بشراب) لبن شيب
بماء (وعن يمينه غلام) ابن عباس (وعن يساره أشياخ)
منهم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- (فقال) عليه
الصلاة والسلام (للغلام): (أتاذن لي أن أعطي هؤلاء)
الأشياخ القدح؟ (فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي
منك) زاد في رواية الباب السابق يا رسول الله (أحدًا
فتله) أي رمى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالقدح (في يده) أي في يد ابن عباس.
2606 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
جَبَلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ
سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ لِرَجُلٍ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دَيْنٌ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ:
دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً.
وَقَالَ: اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهَا
إِيَّاهُ، فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجِدُ سِنًّا إِلاَّ
سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ. قَالَ:
فَاشْتَرُوهَا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ
خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة) بفتح
الجيم والموحدة واللام الملقب عبدان قال:
أخبرني) بالإفراد (أبي) هو عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن
الحجاج (عن سلمة) بن كهيل أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن
عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: كان لرجل) أعرابي لم يسم (على رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين) بغير كان اقترضه
عليه الصلاة والسلام منه (فهمّ به أصحابه) أي عزموا أن
يؤذوه بالقول أو الفعل، لكنهم تركوا ذلك أدبًا مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك أغلظ
في المطالبة على عادة الأعرابي في الجفاء والغلظة في
الطلب (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً) أي صولة في الطلب (وقال)
عليه الصلاة والسلام (اشتروا له سنًّا) مثل سنَّ بعيره
(فأعطوها إياه) بهمزة قطع في فأعطوها وفي مسلم أن
المخاطب بذلك أبو رافع مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا: إنّا لا نجد سنًّا إلا
سنًّا هي أفضل من سنّه) في الثمن والحسن والسنّ (قال)
عليه الصلاة والسلام (فاشتروها) بهمزة وصل (فأعطوها
إياه فإن من خيركم أحسنكم قضاءً) بنصب أحسنكم اسم إن
وخبرها والجار والمجرور، وفي بعض النسخ فإن من خيركم
أحسنكم بالرفع على حذف اسم إن أي إن من خيركم أناسًا
أحسنكم، ولأبي ذر: فإن خيركم بإسقاط حرف الجر والنصب،
وأحسنكم بالرفع اسم إن وخبرها، وفي بعض الأصول: فإن من
خيركم أو خيركم على الشك أي أو إن خيركم أحسنكم بالرفع
خبر إن على ما لا يخفى، وفي النسخة المقروءة على
الميدومي: فإن من أخيركم أو خيركم بالجر عطفًا على
السابق وزيادة همزة في الأولى وسكون الخاء على هذا
فالشك في إثبات الهمزة وحذفها أحسنكم بالنصب اسم إن
لكن الألف مزيدة وجزمة الحاء وفتحة نون أحسنكم على كشط
بغير خط كاتب الأصل ومداده كما هو الظاهر وفي الفرع
علامة السقوط لهذا الحديث إسنادًا ومتنًا لأبي ذر.
وهذا الحديث قد مضى في الاستقراض.
24 - باب إِذَا وَهَبَ جَمَاعَةٌ لِقَوْمٍ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب جماعة لقوم) شيئًا وزاد
أبو ذر عن الكشميهني أو وهب رجل جماعة جاز وهذه
الزيادة لا فائدة فيها لتقدمها قبل.
2607 و 2608 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ
وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ،
فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ
وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَعِي مَنْ تَرَوْنَ،
وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ،
فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا
السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ
اسْتَأْنَيْتُ -وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ
لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ- فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ
إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ
سَبْيَنَا. فَقَامَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى
عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ
هَؤُلاَءِ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ
أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ
مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ
أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ
إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا
فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّا لاَ
نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِيهِ مِمَّنْ لَمْ
يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا
عُرَفَاؤُهُمْ-. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ
أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا".
وَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ.
هَذَا آخِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. يَعْنِي فَهَذَا
الَّذِي بَلَغَنَا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح
الكاف نسبة إلى جده لشهرته به واسم أبيه عبد الله
المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد
الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن
عقيل بفتح العين وكسر القاف الأيلي الأموي مولاهم (عن
ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (أن
مروان بن الحكم) الأموي (والمسور بن مخرمة) الزهري
وروايتهما هذه مرسلة لأن الأول لا صحبة له والآخر إنما
قدم مع أبيه صغيرًا بعد الفتح وكانت هذه القصة الآتية
بعده (أخبراه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال): وفي الوكالة: قام بالميم بدل اللام
(حين جاءه وفد هوازن) القبيلة المعروفة حال كونهم
(مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم)
عليه الصلاة والسلام:
(معي من ترون) من العسكر (وأحب الحديث إليّ أصدقه) رفع
خبر وأحب (فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى الطائفتين إما
السبي وإما المال وقد كنت استأنيت) بالهمزة الساكنة
محذوفة في الفرع وأصله أي: انتظرتكم (وكان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم) ليحضروا
(بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة (حين
(4/356)
قفل) رجع (من الطائف) إلى الجعرانة فقسم
الغنائم بها لما أبطؤوا (فلما تبيّن لهم أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رادٍّ إليهم إلا
إحدى الطائفتين) السبي أو المال (قالوا: فإنّا نختار
سبينا) وفي مغازي ابن عقبة: ولا نتكلم في شاة ولا بعير
(فقام) عليه الصلاة والسلام (في المسلمين فأثنى على
الله بما هو أهله ثم قال): (أما بعد فإن إخوانكم
هؤلاء) وفد هوازن (جاؤونا) حال كونهم (تائبين وإني
رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك)
بفتح الطاء وتشديد التحتية المكسورة وفي الوكالة بذلك
بزيادة الموحدة لم يطيب بدفع السبي إلى هوازن نفسه
(فليفعل) ذلك (ومن أحب أن يكون) وفي الوكالة: ومن أحب
منكم أن يكون (على حظه) نصيبه من السبي (حتى نعطيه
إياه) أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا) بضم حرف
المضارعة من أفاء يفيء (فليفعل) جواب من المتضمنة معنى
الشرط كالسابق ومن ثم دخلت الفاء فيهما. (فقال الناس
طيبنا) بتشديد المثناة التحتية أي جعلناه طيبًا من جهة
كونهم رضوا به وطابت أنفسهم به (يا رسول الله لهم) أي
لهوازن (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (إنّا لا ندري
من أذن منكم فيه ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع) بالنصب
في الفرع وأصله وغيرهما بأن مقدرة بعد حتى وقال:
كالكرماني: قالوا هو بالرفع أجود انتهى. ولم يبين وجه
أجوديته وفي الوكالة: حتى يرفعوا بالواو وعلى لغة
أكلوني البراغيث (إلينا عرفاؤكم أمركم) (فرجع
الناس فكلمهم عرفاؤهم) في ذلك فطابت نفوسهم به (ثم
رجعوا) أي العرفاء (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم طيبوا) أي ذلك وفي
الوكالة قد طيبوا (وأذنوا) له عليه الصلاة والسلام أن
يرد سبيهم إليهم (وهذا) ولأبي ذر فهذا (الذي بلغنا من)
خبر (سبي هوازن).
قال البخاري: (هذا آخر قول الزهري يعني فهدا الذي
بلغنا) وسقط قوله: وهذا الذي بلغنا إلخ في نسخة ورقم
عليه في الفرع وأصله علامة السقوط كذلك، وفي نسخة
ثابتة بهامشها قال أبو عبد الله أي البخاري قوله فهذا
الذي بلغنا من قول الزهري.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الغانمين وهم جماعة
وهبوا بعض الغنيمة لمن غنموها منهم وهم قوم هوازن،
وأما الدلالة لزيادة الكشميهني فمن جهة أنه كان للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهم معين وهو سهم
الصفي فوهبه لهم أو من جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استوهب من الغانمين سهامهم
فوهبوها له فوهبها هو لهم قاله في فتح الباري.
وهذا الحديث قد سبق في باب: إذا وهب شيئًا الوكيل أو
شفيع قوم جاز من كتاب الوكالة، ويأتي إن شاء الله
تعالى بعون الله في غزوة حنين من المغازي.
25 - باب مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ
جُلَسَاؤُهُ فَهْوَ أَحَقُّ
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جُلَسَاءَهُ
شُرَكَاءُ. وَلَمْ يَصِحَّ.
هذا (باب) بالتنوين (من أهدى له هدية) بضم الهمزة
مبنيًّا للمفعول وهدية بالرفع نائبًا عن الفاعل (وعنده
جلساؤه) جمع جليس والجملة حالية وجواب من (فهو أحق) أي
بالهدية من جلسائه (ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه بصيغة
التمريض (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما روي
مرفوعًا موصولاً عند عبد بن حميد بإسناد فيه مندل بن
علي وهو ضعيف وموقوفًا وهو أصلح من المرفوع (أن جلساءه
شركاء) فيما يهدى له ندبًا وشركاء بحذف الضمير قال:
البخاري (ولم يصح) هذا عن ابن عباس أو لا يصح في هذا
الباب شيء.
2609 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه-: "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَخَذَ سِنًّا، فَجَاءَه
صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ؛ فَقَالُوا لَهُ: فَقَالَ:
إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً، ثُمَّ قَضَاهُ
أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ وَقَالَ: أَفْضَلُكُمْ
أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً".
وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي المجاور
بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال:
(أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سلمة بن كهيل) مصغرًا
الحضرمي الكوفي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أخذ سنًّا) معينًا من الابل
من رجل قرضًا (فجاءه صاحبه يتقاضاه) أي يطلب من النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقضيه جمله
وأغلظ بالتشديد في
الطلب (فقالوا) أي الصحابة (له) وفي الاستقراض وغيره
فهم به أصحابه وسقط لغير أبي ذر فقالوا له: (فقال)
عليه الصلاة والسلام:
(إن لصاحب الحق مقالا ثم قضاه أفضل من سنّه وقال) عليه
الصلاة
(4/357)
والسلام (أفضلكم) في المعاملة (أحسنكم
قضاء).
ووجه المطابقة أنه عليه الصلاة والسلام وهبه الفضل بين
السنين فامتاز به دون الحاضرين بناء على أن الزيادة في
الثمن تبرعًا حكمها حكم الهبة إلا الثمن أو فيها شائبة
الهبة والثمن فنزل المؤلّف الأمر على ذلك.
2610 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو: "عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
سَفَرٍ، فَكَانَ عَلَى بَكْرٍ لِعُمَرَ صَعْبٍ،
فَكَانَ يَتَقَدَّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَقُولُ أَبُوهُ: يَا عَبْدَ
اللَّهِ لاَ يَتَقَدَّمِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِعْنِيهِ،
فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ لَكَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ لَكَ
يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو)
بفتح العين ابن دينار (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-
أنه كان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في سفر) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينه انتهى، (فكان)
ولأبوي ذر والوقت: وكان بالواو بدل الفاء (على بكر)
بفتح الموحدة وسكون الكاف ولد الناقة أوّل ما يركب
(صعب) صفة لبكر أي نفور لكونه لم يذلل وكان (لعمر)
أبيه والذي في الفرع وأصله تقديم لعمر على قوله صعب
(فكان) البكر (يتقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيقول أبوه) عمر بن الخطاب (يا عبد الله لا
يتقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد
فقال له) أي لعمر (النيي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(بعنيه) أي الجمل (فقال) ولأبوي ذر والوقت: قال بإسقاط
الفاء (عمر: هو لك) يا رسول الله (فاشتراه) عليه
الصلاة والسلام من عمر (ثم قال) عليه الصلاة والسلام
لابنه (هو لك يا عبد الله فاصنع به ما شئت) من أنواع
التصرفات.
ووجه المناسبة بين الحديث والترجمة فالذي يظهر كما
قاله في فتح الباري أن البخاري أراد إلحاق المشاع في
ذلك بغير المشاع وإلحاق الكثير بالقليل لعدم الفارق.
وقال ابن بطال: هبته لابن عمر مع الناس فلم يستحق أحد
منهم فيه شركة هذا ما رأيته في وجه المناسبة لهم والله
أعلم فليتأمل.
والحديث قد مرّ في باب إذا اشترى شيئًا فوهبه من ساعته
قبل أن يتفرقا.
26 - باب إِذَا وَهَبَ بَعِيرًا لِرَجُلٍ وَهْوَ
رَاكِبُهُ، فَهُوَ جَائِزٌ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) رجل (بعيرًا لرجل وهو)
أي والحال أن الموهوب له (راكبه) والذي في الفرع راكب
بحذف الهاء أي البعير الموهوب (فهو جائز).
2611 - وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، وَكُنْتُ
عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ،
فَابْتَاعَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ".
(وقال الحميدي) عبد الله أبو بكر المكي مما وصله
الإسماعيلي (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا
عمرو) هو ابن دينار (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في سفر وكنت على بكر صعب) لعمر -رضي الله
عنه- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لعمر):
(بعنيه فابتاعه) بسكون الموحدة وبالمثناة الفوقية عليه
الصلاة والسلام منه ولأبي ذر فباعه أي عمر له عليه
الصلاة والسلام (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هو لك) أي هبة (يا عبد الله).
27 - باب هَدِيَّةِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهَا
(باب) جواز (هدية ما يكره لبسها) أنّث باعتبار الحلّة
وفي نسخة بالفرع وأصله، ونسبها الحافظ ابن حجر للنسفي
لبسه بالتذكير والكراهة هنا أعم من التنزيه والتحريم.
2612 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَى عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ
الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ
اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَلِلْوَفْدِ. قَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لاَ
خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ. ثُمَّ جَاءَتْ حُلَلٌ،
فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ:
أَكَسَوْتَنِيهَا وَقُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا
قُلْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا
لِتَلْبَسَهَا. فَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ
مُشْرِكًا".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن
عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال:
رأى عمر بن الخطاب حلّة سيراء) بكسر السين المهملة
وفتح المثناة التحتية وبالراء ممدودًا قال الخليل ليس
في الكلام فعلاء بكسر أوّله مع المد سوى سيراء وحولاء
وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد وعنباء لغة في
العنب وقوله حلة بالتنوين في الفرع وأصله وغيرهما على
الصفة. وقال عياض: ضبطناه على متقني شيوخنا حلّة سيراء
على الإضافة وهو أيضًا في اليونينية، وقال النووي: إنه
قول المحققين ومتقني العربية وأنه من إضافة الشيء
لصفته كما قالوا ثوب خزّ قال مالك: والسيراء هو الوشي
من الحرير، وقال
الأصمعي: ثياب فيها خطوط من حرير أو قزّ وإنما قيل لها
سيراء لتسيير الخطوط فيها، وقيل الحرير الصافي والمعنى
رأى حلّة حرير تباع (عند باب المسجد) وفي رواية جرير
بن حازم عن نافع عند مسلم رأى عمر عطاردًا التميمي
يقيم حقة بالسوق وكان رجلاً يغشى الملوك ويصيب منهم
(فقال: يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة
وللوفد) زاد في اللباس إذا أتوك (قال) عليه الصلاة
والسلام:
(إنما يلبسها) أي حلة الحرير (من لا خَلاق) أي لا حظّ
(له) منه أي
(4/358)
من الحرير (في الآخرة) (ثم جاءت) رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حُلَل) أي سيراء
منها (فأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عمر منها حلّة) زاد في رواية جرير بن حازم
وبعث إلى أسامة بحلّة، وأعطى علي بن أبي طالب حلّة،
ولأبي ذر: فأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- منها حلّة لعمر (وقال) بالواو أي عمر،
ولأبي ذر: فقال (أكسوتنيها) بهمزة الاستفهام وفي رواية
جرير بن حازم فجاء عمر بحلّته يحملها فقال بعثت إليّ
بهذه (وقلت في حلّة عطارد) هو ابن حاجب بن زرارة بن
عدس بمهملات الدارمي وكان من جملة وفد بني تميم أصحاب
الحجرات وقد أسلم وحسن إسلامه (ما قلت) أي مما يدل على
التحريم (فقال) عليه الصلاة والسلام (إني لم أكسكها
لتلبسها) وفي اللباس فقال: إنما بعثت إليك لتبيعها أو
تكسوها (فكسا) بحذف الضمير المنصوب، ولأبي ذر
والأصيلي: فكساها (عمر أخًا له) من أمه أو من الرضاع
وسماه ابن بشكوال في المبهمات نقلاً عن ابن الحذاء
عثمان بن حكيم. قال الدمياطي: وهو السلمي أخو خولة بنت
حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص قال: وهو أخو زيد بن
الخطاب لأمه فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب.
وأجيب: باحتمال أن يكون عمر ارتضع من أم أخيه زيد
فيكون عثمان هذا أخًا لعمر لأمه من الرضاع وقوله له في
محل نصب صفة لأخًا أي أخًا كائنًا له وكذا قوله (بمكة
مشركًا) صفة بعد صفة قبل إسلامه.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وسبق الحديث في الجمعة،
ويأتي إن شاء الله تعالى في اللباس بعون الله وقوّته.
2613 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَبُو
جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ
عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ،
فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا
سِتْرًا مَوْشِيًّا، فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟
فَأَتَاهَا عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ:
لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ. قَالَ: نُرْسِلُ
بِهِ إِلَى فُلاَنٍ، أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ".
وبه قال (حدّثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي الحسين
الحافظ (أبو جعفر) الكوفي نزيل فيد بفتح الفاء وسكون
التحتية آخره دال مهملة بلد بين بغداد ومكة. وقال
الحافظ ابن حجر: يحتمل عندي أن يكون هو أبا جعفر
القومسي الحافظ المشهور، فقد أخرج عنه البخاري حديثًا
غير هذا في المغازي، وإنما جوّزت ذلك لأن المشهور في
كنية الفيدي أبو عبد الله بخلاف القومسي فكنيته أبو
جعفر بلا خلاف وبالأول جزم الكلاباذي قال: (حدّثنا ابن
فضيل) محمد (عن أبيه) فضيل بن غزوان (عن نافع عن ابن
عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت فاطمة بنته) -رضي
الله عنها- وسقط قوله بنته في كثير من النسخ (فلم يدخل
عليها) زاد في رواية ابن نمير عن فضيل عن أبي داود
وابن حبان قال: وقلّما كان يدخل إلا بإذنها، (وجاء
علي) زوجها -رضي الله عنهما- زاد ابن نمير فرآها مهتمة
(فذكرت له ذلك) الذي وقع منه عليه الصلاة والسلام من
عدم دخوله عليها (فذكره) في (للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن نمير فقال: يا
رسول الله اشتد عليها أنك جئت فلم تدخل عليها (قال)
عليه الصلاة والسلام:
(إني رأيت على بابها سترًا موشيًا) بفتح الميم وسكون
الواو وكسر المعجمة وبعدها تحتية أي مخططًا بألوان شتى
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لي وللدنيا) (فأتاها
عليّ) -رضي الله عنه- (فذكر ذلك) الذي قاله عليه
الصلاة والسلام (لها، فقالت ليأمرني) بالجزم على الأمر
(فيه) أي في الستر (بما شاء، قال): عليه الصلاة
والسلام لما بلغه قولها ليأمرني فيه بما شاء (ترسل به)
أي بالستر الموشى وترسل بضم اللام أي فاطمة، ولأبي ذر:
ترسلي بحذف النون على لغة. وقال في المصابيح: فيه شاهد
على حذف لام الأمر وبقاء عملها مثل قوله:
محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا
ويحتمل وهو الأولى أن يخرج على حذف أن الناصبة وبقاء
عملها أي آمرك أن ترسلي به (إلى فلان أهل بيت) بالهاء
والجر بدل من سابقه، وفي نسخة آل بهمزة ممدودة وإسقاط
الهاء (بهم حاجة) وليس ستر الباب حرامًا لكنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره لابنته ما كره لنفسه
من تعجيل الطيبات. قال الكرماني: أو لأن فيه صورًا
ونقوشًا.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في اللباس.
2614 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ
عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَهْدَى إِلَىَّ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ
الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ
نِسَائِي". [الحديث 2614 - طرفاه في: 5366، 5840].
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي
الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:
(4/359)
أخبرني) بالإفراد (عبد الملك بن ميسرة) ضدّ
الميمنة الهلالي الكوفي وفي اليونينية ابن ميسرة بخفض
ابن والظاهر أنه سبق قلم (قال: سمعت زيد بن وهب)
الجهني أبا سليمان الكوفي المخضرم (عن عليّ) هو ابن
أبي طالب (رضي الله عنه) أنه (قال): (أهدى) بفتح
الهمزة والدال (إليّ) بتشديد التحتية (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلّة سيراء) نوع من
البرود يخالطه حرير وحلة بالتنوين ولغير أبي ذر حلة
سيراء بإسقاط التنوين للإضافة (فلبستها فرأيت الغضب في
وجهه) زاد
مسلم في رواية أبي صالح فقال: إني لم أبعث بها إليك
لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشفها خمرًا بين النساء
(فشققتها بين نسائي) أي قطعتها ففرّقتها عليهن خمرًا
بضم الخاء المعجمة وبالميم جمع خمار بكسر أوّله مع
التخفيف ما تغطي به المرأة رأسها والمراد بقوله نسائي
ما فسره في رواية أبي صالح حيث قال: بين الفواطم.
قال ابن قتيبة: المراد بالفواطم فاطمة بنت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفاطمة بنت أسد
بن هاشم والدة عليّ ولا أعرف الثالثة، وذكر أبو منصور
الأزهري أنها فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقد أخرج
الطحاوي وابن أبي الدنيا في كتاب الهدايا وعبد الغني
بن سعيد في المبهمات وابن عبد البرّ كلهم من طريق يزيد
بن أبي زياد عن أبي فاختة عن هبيرة بن يريم بتحتية ثم
راء بوزن عظيم عن عليّ في نحو هذه القصة قال: فشققت
منها أربعة أخمرة فذكر الثلاثة المذكورات قال: ونسي
يزيد الرابعة. وقال عياض: لعلها فاطمة امرأة عقيل بن
أبي طالب وهي بنت شيبة بن ربيعة، وقيل بنت عتبة بن
ربيعة، وقيل بنت الوليد بن عتبة.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فرأيت الغضب في وجهه
فإنه دالٌّ على أنه كره له لبسها مع كونه أهداها له،
وهذه الحلّة كان أهداها عليه الصلاة والسلام أكيدر
دومة كما في مسلم.
وقد أخرج المؤلّف حديث الباب أيضًا في النفقات واللباس
ومسلم في اللباس والنسائي في الزينة.
28 - باب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ -
عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِسَارَةَ، فَدَخَلَ قَرْيَةً
فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ: أَعْطُوهَا
آجَرَ». وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ.
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: "أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ
بِبَحْرِهِمْ".
(باب) جواز (قبول الهدية من المشركن، وقال أبو هريرة)
مما وصله في أحاديث الأنبياء (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هاجر إبراهيم) الخليل
(عليه السلام بسارة) زوجته وكانت من أجمل النساء (فدخل
قرية) قيل هى مصر (فيها ملك أو) قال (جبار) هو عمرو بن
امرئ القيس بن سبأ وكان على مصر ذكره السهيلي، وهو قول
ابن هشام في التيجان، وقيل اسمه صادوق حكاه ابن قتيبة
وأنه كان على الأردن، وقيل غير ذلك فقيل له: إن هاهنا
رجلاً معه امرأة من أحسن النساء فأرسل إليها فلما دخلت
عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا
أضرّك فدعت فأطلق (فقال: أعطوها آجر) بهمزة بدل الهاء
والجيم مفتوحة، وفي نسخة هاجر أي هبة لها لتخدمها لأنه
أعظمها أن تخدم نفسها. ويأتي الحديث: إن شاء الله
تعالى تامًّا في أحاديث الأنبياء.
(وأهديت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بخيبر (شاة فيها سم) وهذا التعليق ذكره في هذا الباب
موصولاً. (وقال أبو حميد) عبد الرحمن الساعدي الأنصاري
مما وصله في باب: خرص التمر من الزكاة (أهدى) يوحنا بن
روبة واسم أمه العلماء بفتح العين وسكون اللام ممدودًا
(ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون التحتية بلد معروف بساحل
البحر في طريق المصريين إلى مكة وهي الآن خراب (للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة بيضاء
وكساه) بالواو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فكساه (بردًا وكتب) أي أمر عليه
الصلاة والسلام أن يكتب (له) وفي نسخة لأبي ذر
والأصيلي: إليه (ببحرهم) أي ببلدهم أي أهل بحرهم
والمعنى أنه أقرّه عليهم بما التزمه من الجزية، وقد
سبق لفظ الكتاب في الزكاة ومناسبة هذا للترجمة غير
خفية.
2615 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله
عنه- قَالَ: "أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ
يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا،
فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ
أَحْسَنُ مِنْ هَذَا". [الحديث 2615 - طرفاه في: 2616،
3248].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا يونس بن محمد) المؤدب
البغدادي قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة
وسكون التحتية ابن عبد الرحمن النحوي (عن قتادة) بن
دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس) هو ابن مالك (-رضي الله
عنه-) أنه (قال): (أهدي للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبّة سندس) بضم همزة أهدي وكسر
(4/360)
ثالثه وجبّة رفع نائب عن الفاعل والسندس
مارق من الديباج وهو ما ثخن وغلظ من ثياب الحرير
(وكان) عليه الصلاة والسلام (ينهى عن) استعمال
(الحرير) والجملة حالية (فعجب الناس منها فقال -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في اللباس أتعجبون
من هذا قلنا نعم قال:
(و) الله (الذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ)
الأوسي (في الجنة أحسن من هذا) الثوب قيل: وإنما خصّ
المناديل بالذكر لكونها تمتهن فيكون ما فوقها أعلى
منها بطريق الأولى.
2616 - وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ:
"إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
(وقال سعيد) هو ابن أبي عروبة فيما وصله أحمد عن روح
عنه (عن قتاة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن
أكيدر) بضم الهمزة وكسر الدال مصغرًا ابن عبد الملك بن
عبد الجن بالجيم والنون، وكان نصرانيًّا أسره خالد بن
الوليد لما أرسله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في سرية، وقتل أخاه وقدم به إلى المدينة
فصالحه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
الجزية وأطلقه وكان صاحب (دومة أهدى إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ودومة بضم الدال المهملة
والمحدثون يفتحونها وسكون الواو وهي دومة الجندل مدينة
بقرب تبوك بها نخل وزرع على عشر مراحل من المدينة
وثمان من دمشق، والجندل الحجارة. والدومة: مستدار
الشيء ومجتمعه
كأنها سميت به لأن مكانتها مجتمع الأحجار ومستدارها،
ومراد المؤلّف من هذا التعليق بيان الذي أهدى ليطابق
الترجمة.
2617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ
يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ
مِنْهَا، فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لاَ.
فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد
الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي
البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد)
بن أنس بن مالك الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله
عنه- أن يهودية) اسمها زينب واختلف في إسلامها (أتت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في خيبر
(بشاة مسمومة) وأكثرت من السمّ في الذراع لما قيل لها
إنه عليه الصلاة والسلام يحبها (فأكل منها) وأكل معه
بشر بن البراء ثم قال: لأصحابه أمسكوا فإنها مسمومة
(فجيء بها) أي باليهودية فاعترفت (فقيل: ألا نقتلها؟
قال) عليه الصلاة والسلام:
(لا) لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم مات بشر فقتلها به
قصاصًا. قال أنس (فما زلت أعرفها) أي تلك الأكلة (في
لهوات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بفتح اللام والهاء والواو جمع لهاة وهي اللحمة المعلقة
في أصل الحنك، وقيل: هي ما بين منقطع اللسان إلى منقطع
أصل الفم ومراد أنس -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان يعتريه المرض من تلك أكلة أحيانًا،
ويحتمل أنه كان يعرف ذلك في اللهوات بتغيّر لونها أو
بنتو فيها أو تحفير قاله القرطبي فيما نقله عنه في فتح
الباري.
2618 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا
الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثَلاَثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ مَعَ أَحَدٍ
مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ
طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ
مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ أَوْ قَالَ: أَمْ
هِبَةً؟ قَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ
شَاةً، فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَودِ الْبَطْنِ أَنْ
يُشْوَى. وَإيْمُ اللَّهِ مَا فِي الثَّلاَثِينَ
وَالْمِائَةِ إِلاَّ وقَدْ حَزَّ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ حُزَّةً مِنْ
سَوَاهدِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهَا
إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَ لَهُ،
فَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلُوا
أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا، فَفَضَلَتِ الْقَصْعَتَانِ
فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
قال: (حدّثنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي
البصري (عن أبيه) سليمان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن
مل بلام مشددة والميم مثلثة النهدي بفتح النون وسكون
الهاء مشهور بكنيته مخضرم عاش مائة وثلاثين سنة أو
أكثر (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله
عنهما-) أنه (قال: كنّا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثين ومائة فقال) له (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو
نحوه) بالرفع عطفًا على صاع والضمير للصاع (فعجن ثم
جاء رجل مشرك) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه
ولا على اسم صاحب الصاع (مشعان) بضم الميم وسكون الشين
المعجمة وبعدها عين مهملة آخره نون مشددة (طويل) زاد
المستملي جدًّا فوق الطول ويحتمل أن يكون تفسيرًا
للمشعان وقال: القزاز المشعان الجافي الثائر الرأس،
وقال غيره: طويل شعر الرأس جدًّا البعيد العهد بالدهن
الشعث، وقال القاضي: ثائر الرأس متفرقه: (بغنم يسوقها
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له
(بيعًا) نصب بفعل مقدّر أي أتبيع بيعًا أو الحال أي
أتدفعها بائعًا (أم عطية) (أو قال): عليه الصلاة
والسلام (أم هبة) عطف على المنصوب السابق والشك من
الراوي (قال) المشرك (لا) ليس هبة (بل) هو (بيع) أي
مبيع وأطلق عليه بيعًا باعتبار ما يؤول إليه (فاشترى)
عليه الصلاة والسلام (منه) أي من المشرك (شاة)
وللكشميهني
(4/361)
بمنها أي من الغنم شاة (فصنعت) أي ذبحت
(وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بسواد البطن) منها وهو كبدها أو كل ما في بطنها من كبد
وغيرها لكن الأول أبلغ في المعجزة (أن يشوى وإيم الله)
بوصل الهمزة قسم (ما في الثلاثين والمائة) الذين كانوا
معه عليه الصلاة والسلام (إلا وقد حزّ النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء المهملة أي
قطع (له حزة) بضم الحاء المهملة أي قطعة (من سواد
بطنها وإن كان شاهدًا أعطاها إياه) قال: الحافظ ابن
حجر أي أعطاه إياها فهو من القلب، وقال العيني: أي
أعطى الحزة الشاهد أي الحاضر ولا حاجة إلى دعوى القلب
بل العبارتان سواء في الاستعمال (وإن كان غائبًا خبأ
له) منها (فجعل منها) أي من الشاة (قصعتين فأكلوا
أجمعون) تأكيد للضمير الذي في أكلوا أي أكلوا من
القصعتين مجتمعتين عليهما فيكون فيه معجزة أخرى
لكونهما وسعتا أيدي القوم كلهم أو المراد أنهم أكلوا
منها في الجمعة من الاجتماع والافتراق (وشبعنا ففضلت
القصعتان فحملناه) أي الطعام الذي فضل، وفي رواية
المصنف في الأطعمة وفضل في القصعتين ولغير أبي ذر:
فحملنا بإسقاط ضمير المفعول (على البعير أو كما قال):
شك من الراوي، وفي هذا الحديث معجزة تكثير سواد البطن
حتى وسع هذا العدد وتكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم
أجمعين وفضلت منهم فضلة حملوها لعدم حاجة أحد إليها.
وهذا الحديث مضى مختصرًا في البيع، ويأتي في الأطعمة
إن شاء الله تعالى.
29 - باب الْهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَْ} [الممتحنة: 8].
(باب الهدية للمشركين وقول الله تعالى) بالجر عطفًا
على الهدية في سورة الممتحنة ({لا ينهاكم الله عن})
الاحسان إلى الكفرة ({الذين لم يقاتلوكم في الدين})
قال ابن كثير: كالنساء والضعفة منهم ({ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبرّوهم}) أي تحسنوا إليهم وتصلوهم
({وتقسطوا إليهم}) [الممتحنة: 8] قال السمرقندي:
تعدلوا معهم بوفاء عهدهم زاد أبو ذر إن الله يحب
المقسطين أي العادلين.
2619 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "رَأَى عُمَرُ حُلَّةً عَلَى رَجُلٍ
تُبَاعُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ
تَلْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ
الْوَفْدُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لاَ
خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا
بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ،
فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ
فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا
لِتَلْبَسَهَا، تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا.
فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ".
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون
المعجمة أبو الهيثم البجلي القطواني بفتح القاف والطاء
الكوفي خالد: (حدّثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم
أبو محمد المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن
دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن
عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأى عمر)
أبوه (حلة) زاد في رواية نافع السابقة سيراء (على رجل)
هو عطارد بن حاجب (تباع) أي عند باب المسجد كما في
رواية نافع (فقال) عمر (للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتع) اشتر (هذه الحلة تلبسها يوم
الجمعة) بجزم تلبسها في الفرع وأصله (وإذا جاءك الوفد
فقال): عليه الصلاة والسلام:
(إنما يلبس هذه) أي الحلة ولغير أبي بذر هذا أي الحرير
(من لا خلاق) أي لا حظ (له) منه (في الآخرة) (فأتي
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها
بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة فقال عمر) له عليه
الصلاة والسلام (كيف ألبسها وقد قلت فيها) وفي رواية
نافع وقد قلت في حلّة عطارد (ما قلت. قال): عليه
الصلاة والسلام ولأبوي ذر والوقت فقال: (إني لم أكسكها
لتلبسها تبيعها أو تكسوها) بالرفع (فأرسل بها) أي
بالحلة (عمر إلى أخ له) من الرضاعة اسمه عثمان بن حكيم
(من أهل مكة) زاد نافع مشركًا (قبل أن يسلم) لم يقل
نافع قبل أن يسلم.
2620 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-
قَالَتْ: "قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ
فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي
قَدِمَتْ وَهْيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ:
نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ". [الحديث 2620 - أطرافه في:
3183، 5978، 5979].
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا
واسمه عبد الله الهباري بفتح الهاء وتشديد الموحدة
قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي (عن
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن أسماء
بنت أبي بكر) الصدّيق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت)
ولأبوي ذر والوقت، قلت يا رسول الله (قدمت عليّ أمي)
قتيلة بالقاف والفوقية مصغرًا بنت عبد العزى بن سعد
زاد الليث عن هشام في الأدب مع ابنها واسمه كما ذكره
الزبير الحرث بن مدركة. قال الحافظ ابن حجر: ولم أرَ
له ذكرًا في الصحابة فكأنه مات مشركًا، وفي رواية ابن
سعد وأبي داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن
(4/362)
الزبير قدمت قتيلة بنت عبد العزى على
ابنتها أسماء بنت أبي بكر في الهدنة وكان أبو بكر
طلّقها في الجاهلية بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء
أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها (وهي مشركة) جملة
حالية (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في زمنه (فاستفتيت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) وفي رواية حاتم بن
إسماعيل في الجزية فقلت يا رسول الله (إن أمي قدمت وهي
راغبة) في شيء تأخذه أو عن ديني أو في القرب مني
ومجاورتي والتودّد إليّ لأنها ابتدأت أسماء بالهدية،
ورغبت منها في المكافأة لا الإسلام لأنه لم يقع في شيء
من الروايات ما يدل على إسلامها ولو حمل قوله راغبة أي
في الإسلام لم يستلزم إسلامها فلذا لم يصب من ذكرها في
الصحابة، وأما قول الزركشي ورُوِيَ راغمة بالميم أي
كارهة للإسلام ساخطة له فيوهم أنه رواية في البخاري
وليس كذلك بل هي رواية عيسى بن يونس عن هشام عند أبي
داود والإسماعيلي (أفأصل أمي قال): عليه الصلاة
والسلام:
(نعم صلّى أمك) زاد في الأدب عن الحميدي عن ابن عيينة
قال ابن عيينة: فأنزل الله فيها {لا ينهاكم الله عن
الذين لم يقاتلوكم في الدين} [الممتحنة: 8].
30 - باب لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي
هِبَتِهِِ
هذا (باب) بالتنوين (لا يحل لأحد أن يرجع في هبته)
التي وهبها (و) لا في (صدقته) التي تصدق بها.
2621 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالاَ: حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي
هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي
بالفاء أبو عمرو البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي
(وشعبة) بن الحجاج (قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن
سعيد بن المسيب) بفتح التحتية (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): (العائد في هبته كالعائد في قيئه) زاد
أبو داود في آخره قال: همام قال: قتادة ولا أعلم القيء
إلا حرامًا.
2622 - وحَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ،
الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ
فِي قَيْئِهِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني بالإفراد وواو
العطف (عبد الرحمن بن المبارك) ليس أخا عبد الله بن
المبارك المشهور بل هو العيشي بتحتية ومعجمة البصري
قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح
المثناة وتشديد النون قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة
كيسان السختياني البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن
ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس لنا) وفي
رواية: منّا.
(مثل السوء) بفتح السين ومثل بفتح الميم والمثلثة
(الذي يعود في هبته) أي العائد في هبته
(كالكلب يرجع في قيئه) زاد مسلم من رواية أبي جعفر
محمد بن علي الباقر عنه فيأكله وله في رواية
بكير إنما مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل
الكلب يقيء ثم يأكل قيأه، والمعنى
كما قال البيضاوي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن
نتّصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخسّ الحيوانات
في أحوالها. قال في الفتح: ولعل هذا أبلغ في الزجر عن
ذلك وأدلّ على التحريم مما لو قال: مثلاً
لا تعودوا في الهبة. قال النووي: هذا المثل ظاهر في
تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما
وهو محمول على هبة الأجنبي لا ما وهب لولده وولد ولده
كما صرّح به في حديث النعمان، وهذا
مذهب الشافعي ومالك، وقال الحنفية: يكره الرجوع فيها
لحديث الباب ولا يحرم لأن فعل الكلب
يوصف بالقبح لا بالحرمة فيجوز الرجوع فيما يهبه لأجنبي
بتراضيهما أو بحكم حاكم لقوله عليه
الصلاة والسلام: "الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها" أي
ما لم يعوض عنها.
2623 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ
سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-
يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ
أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ
بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِهِ
وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ
الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي
قَيْئِهِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي
المكي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن
أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه (قال: سمعت عمر بن
الخطاب- رضي الله عنه- يقول، حملت على فرس) أي تصدقت
به ووهبته بأن يقاتل عليه (في سبيل الله) واسمه الورد
وكان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه
له تميم الداري فأعطاه عمر (فأضاعه الذي كان عنده)
بتقصيره في خدمته ومؤونته قال: عمر (فأردت أن أشتريه
منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(لا تشتره) نهي للتنزيه (وإن أعطاكه بدرهم واحد) قال
في الفتح: ويستفاد منه أنه لو وجده مثلاً يباع بأغلى
من ثمنه ولم يتناوله النهي (فإن العائد في صدقته
كالكلب يعود في قيئه) الفاء في فإن العائد للتعليل أي
(4/363)
كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن
يتصدّق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه.
31 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من
السابق.
2624 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ:
"أَنَّ بَنِي صُهَيْبٍ مَوْلَى بْنِ جُدْعَانَ
ادَّعَوْا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى
ذَلِكَ صُهَيْبًا، فَقَالَ مَرْوَانُ مَنْ يَشْهَدُ
لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ.
فَدَعَاهُ، فَشَهِدَ لأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُهَيْبًا بَيْتَيْنِ
وَحُجْرَةً، فَقَضَى مَرْوَانُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم
بن موسى) الفرّاء الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا
هشام بن يوسف) الصنعاني اليمني قاضيها (أن ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني)
بالإفراد (عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بضم
الميم وفتح اللام وتصغير عبد الثاني المكي (أن بني
صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء ابن سنان الرومي لأن
الروم سبوه صغيرًا وبنوه هم حمزة وحبيب وسعد وصالح
وصيفي وعباد وعثمان ومحمد (مولى ابن جدعان) بضم الجيم
وسكون المهملة عبد الله بن عمرو بن جدعان كان اشتراه
بمكة من رجل من كلب وأعتقه، وقيل بل هرب من الروم فقدم
مكة فحالف فيها ابن جدعان وللكشميهني في نسخة والحموي:
بني جدعان (ادعوا) أي بنو صهيب عند مروان (بيتين)
تثنية بيت (وحجرة) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم
الموضع المنفرد في الدار (أنّ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى ذلك) الذي ادعوه من
البيتين والحجرة أباهم (صهيبًا فقال مروان: من يشهد
لكما على ذلك) الذي ادّعيتماه وعبر بالتثنية وفي
البقية بالجمع فيحمل على أن الذي تولى الدعوى منهم
اثنان برضا الباقين فخاطبهما مروان بالتثنية لأن
الحاكم لا يخاطب إلاّ المدّعي وعند الإسماعيلي، فقال
مروان: من يشهد لكم بصيغة الجمع (قالوا) كلهم يشهد
بذلك (ابن عمر) عبد الله (فدعاه) مروان (فشهد لأعطى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح
لام لأعطى. قال الكرماني: كأنه جعل للشهادة حكم القسم
أو يقدر قسم أي والله لأعطى عليه الصلاة والسلام
(صهيبًا بيتين وحجرة) وهي التي ادّعى بها (فقضى مروان
بشهادته لهم) أي بشهادة ابن عمر وحده لبني صهيب
بالبيتين والحجرة.
فإن قيل: كيف قضى شهادته وحده؟ أجاب ابن بطال: بأنه
إنما قضى لهم بشهادته ويمينهم،
وتعقب بأنه لم يذكر ذلك في الحديث، بل عبّر عن الخبر
بالشهادة والخبر يؤكد بالقسم كثيرًا وإن كان السامع
غير منكر ولو كانت شهادة حقيقة لاحتاج إلى شاهد آخر
ولا يخفى ما في هذا فليتأمل.
والقاعدة المستمرة تنفي الحكم بشهادة الواحد فلا بدّ
من اثنين أو شاهد ويمين فالحمل على هذا أولى من حمله
على الخبر وكون الشهادة غير حقيقية، وهذا الحديث تفرّد
به البخاري.
(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذر في
اليونينية قال ابن حجر: وثبتت للأصيلي وكريمة قبل
الباب.
32 - باب مَا قِيلَ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى
أعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهْيَ عُمْرَى: جَعَلْتُهَا
لَهُ. {اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] جَعَلَكُمْ
عُمَّارًا.
(باب ما قيل) أي ورد (في العمرى) بضم العين المهملة
وسكون الميم مع القصر مأخوذة من العمر (والرقبى)
بوزنها مأخوذة من الرقوب لأن كلاًّ منهما يرقب موت
صاحبه وكانا عقدين في الجاهلية وتفسير العمري أن يقول
الرجل لغير (أعمرته الدار فهي عمرى) أي (جعلتها له)
ملكًا مدة عمره وتكون هبة ولو زاد فإن متّ فهي لورثته
فهبة أيضًا طوّل فيها العبارة (استعمركم فيها) أي
(جعلكم عمارًا) هذا تفسير أبي عبيدة في المجاز وقال
غيره استعمركم أطال أعماركم أو أذن لكم في عمارتها
واستخراج قوتكم منها.
2625 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَضَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعُمْرَى
أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي
كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر
-رضي الله عنه-) أنه (قال: قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعمرى أنها) أي حكم في العمرى
بأنها (لمن وهبت له) بضم الواو مبنيًّا للمفعول زاد
مسلم في رواية الزهري عن أبي سلمة لا ترجع إلى الذي
أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، وله من طريق
الليث عن الزهري فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر
ولعقبه فلو قال: إن متّ عاد إليّ أو إلى ورثتي إن متّ
صحّت الهبة ولغا الشرط لأنه فاسد ولإطلاق الحديث.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الفرائض وأبو داود في
البيوع والترمذي وابن ماجة في الأحكام والنسائي في
العمرى.
2626 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي
النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«الْعُمْرَى جَائِزَةٌ».
وقال عطاءٌ: حدّثني جابرٌ عنِ النبى-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مثلَه.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن
(4/364)
عمر) الحوضي قال: (حدّثنا همام) هو ابن
يحيى الشيباني البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة
(قال: حدّثني) بالإفراد (النضر بن أنس) الأنصاري (عن
بشير بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ونهيك بفتح
النون وكسر الهاء السلولي (عن أبي هريرة- رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(العمرى جائزة) أي للمعمر بفتح الميم ولورثته من بعده
لا حق للمعمر فيها.
(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح بالإسناد السابق الموصول
إلى قتادة (حدّثني) بالإفراد (جابر) هو ابن عبد الله
الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نحوه) أي نحو حديث أبي هريرة -رضي الله
عنه-، ورواه مسلم عن قتادة عن عطاء بلفظ العمرى ميراث
لأهلها، ولعله المراد بقوله نحوه لكن في رواية أبي ذر
بلفظ مثله بدل نحوه قال النووي، قال أصحابنا: للعمرى
ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يقول أعمرتك هذه الدار فإذا متّ فهي لورثتك
أو لعقبك فتصح بلا خلاف ويملك رقبة الدار وهي هبة فإذا
مات فالدار لورثته، وإلاّ فلبيت المال ولا تعود إلى
الواهب بحال.
ثانيها: أن يقتصر على قوله جعلتها لك عمرى ولا يتعرّض
لما سواه ففي صحته قولان للشافعي أصحهما وهو الجديد
صحته.
ثالثها: أن يزيد عليه بأن يقول فإن متّ عادت إليّ
ولورثتي إن متّ ولغا الشرط. وقال أحمد:
تصحّ العمرى المطلقة دون المؤقتة، وقال مالك العمرى في
جميع الأحوال تمليك لمنافع الدار مثلاً ولا تملك فيها
رقبتها بحال، ومذهب أبي حنيفة كالشافعية ولم يذكر
المؤلّف في الرقبى المذكورة في جملة الترجمة شيئًا
فلعله يرى اتحادهما في المعنى كالجمهور، وقد روى
النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفًا: العمرى
والرقبى سواء وقد منعها مالك وأبو حنيفة ومحمد خلافًا
للجمهور ووافقهم أبو يوسف.
وللنسائي من طريق إسرائيل عن عبد الكريم عن عطاء قال:
نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
العمرى والرقبى. قلت: وما الرقبى؟ قال: "يقول الرجل
للرجل هي لك حياتك فإن فعلتم فهو جائز" أخرجه مرسلاً.
وأخرجه من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت
عن ابن عمر مرفوعًا "لا عمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئًا
أو أرقبه فهو له حياته ومماته" ورجاله ثقات. لكن اختلف
في سماع حبيب له من ابن عمر فصرّح به النسائي في طريق
ونفاه في طريق أخرى.
وأجيب: بأن معناه لا عمرى بالشروط الفاسدة على ما
كانوا يفعلونه في الجاهلية من الرجوع أي فليس لهم
العمرى المعروفة عندهم المقتضية للرجوع فأحاديث النهي
محمولة على الإرشاد.
33 - باب مَنِ اسْتَعَارَ مِنَ النَّاسِ الْفَرَسَ
(باب من استعار من الناس الفرس) زاد أبو ذر والدابة،
وزاد الكشميهني وغيرها قال الحافظ ابن حجر: وثبت مثله
لابن شبويه لكن قال وغيرهما بالتثنية وعند بعض الشرّاح
قبل الباب كتاب العارية ولم أره لغيره والعارية بتشديد
الياء وقد تخفّف وفيها لغة ثالثة عارة بوزن غارة وهي
اسم لما بعار مأخوذ من عار إذا ذهب وجاء، ومنه قيل
للغلام الخفيف عيار لكثرة ذهابه ومجيئه، وقيل من
التعاور وهو التناوب. وقال الجوهري: كأنها منسوبة إلى
العار لأن طلبها عار وعيب وحقيقتها شرعًا إباحة
الانتفاع بما يحلّ الانتفاع به مع بقاء عينه والأصل
فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {ويمنعون الماعون}
[الماعون: 7] فسّره جمهور المفسرين بما يستعيره
الجيران بعضهم من بعض.
2627 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "كَانَ
فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا مِنْ
أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ فَرَكِبَه،
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ شَىْءٍ،
وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا". [الحديث 2627 - أطرافه
في: 2820، 2857، 2862، 2866، 2867، 2908، 2968، 2969،
3040، 6033، 6212].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت أنسًا)
هو ابن مالك -رضي الله عنه- (يقول: كان فزع) بفتح
الفاء والزاي خوف من العدوّ (بالمدينة فاستعار النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا من أبي
طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس (يقال له المندوب) زاد في
الجهاد من طريق سعيد عن قتادة كان يقطف أو كان فيه
قطاف بالشك أي بطيء المشي. وقال ابن الأثير: المندوب
أي المطلوب وهو من الندب الرهن الذي يجعل في السباق،
وقيل سمي به لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح، وقال
عياض: يحتمل أنه لقب أو اسم بعير كسائر الأسماء (فركب)
عليه الصلاة
(4/365)
والسلام زاد في رواية جرير بن حازم عن محمد
عن أنس في الجهاد، ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون
خلفه (فلما رجع قال):
(ما رأينا من شيء) يوجب الفزع (وإن وجدناه) أي الفرس
(لبحرًا) أي واسع الجري ومنه سمي البحر بحرًا لسعته،
وتبحر فلان في العلم إذا اتسع فيه، وقيل شبّهه بالبحر
لأن جريه لا ينفذ كما لا ينفذ ماء البحر. قال الخطابي:
وإن هنا نافية واللام بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا
بحرًا، وعليه اقتصر الزركشي قال في التوضيح: وهو قصور
وهذا إنما هو مذهب كوفي ومذهب البصريين أن إن مخففة من
الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية انتهى، وقد
سبقه إليه ابن التين.
قال الحافظ ابن حجر: وفي رواية المستملي وإن وجدنا
بحذف الضمير، وفي رواية حماد عن ثابت عن أنس في الجهاد
أيضًا استقبلهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على فرس عري ما عليه سرج وفي عنقه سيف.
وأخرجه الإسماعيلي عن حماد وفي أوّله فزع أهل المدينة
ليلة فتلقاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد سبقهم إلى الصوب ___ وهو على فرس بغير
سرج واستدلّ به على مشروعية العارية وكانت كما قاله
الروياني واجبة أول الإسلام للآية السابقة، ثم نسخ
وجوبها فصارت مستحبة أي أصالة فقد تجب كإعارة الثوب
لدفع حرّ أو برد وإعارة الخيل لإنقاذ غريق والسكين
لذبح حيوان محترم يخشى موته وقد تحرم كإعارة الصيد من
المحرم والأمة من الأجنبي، وقد تكره كإعارة العبد
المسلم من كافر، ويشترط في المعير أن يملك المنفعة
فتصحّ الإعارة من المستأجر لا من المستعير لأنه غير
مالك لها، وإنما أبيح له الانتفاع لكن للمستعير
استيفاء المنفعة بنفسه وبوكيله كأن يركب الدابة
المستعارة وكيله في حاجته أو زوجته أو خادمه لأن
الانتفاع راجع إليه بواسطة المباشر وحكم العارية إذا
تلفت في يد المستعير بآفة سماوية أو أتلفها هو أو غيره
ولو بلا تقصير الضمان لحديث أبي داود وغيره العارية
مضمونة ولأنها مال يجب ردّه لمالكه فيضمن عند تلفه
كالمأخوذ بجهة السوم، فإن تلفت باستعمال ماذون فيه
كاللبس والركوب المعتادين لم يضمن لحصول التلف بسبب
مأذون فيه.
34 - باب الاِسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ
الْبِنَاءِ
(باب الاستعارة للعروس) نعت يستوي فيه الذكر والأُنثى
ما داما في أعراسهما (عند البناء) أي الزفاف، وقال ابن
الأثير: الدخول بالزوجة، وقيل له بناء لأنهم كانوا
يبنون لمن يتزوّج قبّة ليدخل بها فيها ثم أطلق ذلك على
التزويج.
2628 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَعَلَيْهَا
دِرْعُ قِطْرٍ ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَتِ:
ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا
فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ.
وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ
إِلاَّ أَرْسَلَتْ إِلَىَّ تَسْتَعِيرُه".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة وسكون
التحتية وبعد الميم المفتوحة نون المخزومي المكّي قال:
(حدّثني) بالإفراد (أبي) أيمن الحبشي (قال: دخلت على
عائشة -رضي الله عنها- وعليها درع قطر) بكسر الدال
وسكون الراء قميص المرأة وقطر بكسر القاف وسكون الطاء
ثم راء مع إضافة درع لقطر ضرب من برود اليمن غليظ فيه
بعض الخشونة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قطن بضم
القاف وآخره نون والجملة حالية (ثمن خمسة دراهم) برفع
ثمن وجر خمسة في الفرع وأصله وغيرهما من الأصول
المعتمدة التي وقفت عليها. وقال في الفتح: ثمن بالنصب
بنزع الخافض وخمسة بالجر على الإضافة أو ثمن خمسة
بالرفع فيهما على حذف الضمير أي ثمنه خمسة دراهم ويروى
ثمن بضم المثلثة وتشديد الميم المكسورة على صيغة
المجهول من الماضي وخمسة بالنصب بنزع الخافض أي قوّم
بخمسة دراهم قال: ووقع في رواية ابن شبويه وحده خمسة
الدراهم.
(قالت ارفع بصرك إلى جاريتي) قال الحافظ ابن حجر: لم
أعرف اسمها (انظر إليها) بلفظ الأمر (فإنها تزهى) بضم
أوّله وفتح ثالثه تتكبر (أن تلبسه في البيت) يقال: زهى
الرجل إذا تكبر وأعجب بنفسه وهو من الأفعال التي لم
ترد إلا مبنية لما لم يسم فاعله وإن كان بمعنى الفاعل
مثل عني بالأمر ونتجت الناقة، لكن قال في الفتح: إنه
رآه في رواية أبي ذر تزهى بفتح أوّله، وقد حكاها ابن
دريد لكن قال الأصمعي: لا يقال بالفتح (وقد كان لي
منهن) أي من الدروع (درع على عهد رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في زمنه
(4/366)
وأيامه (فما كانت امرأة تقين) بضم حرف
المضارعة وفتح القاف وتشديد التحتية آخره نون مبنيًّا
للمفعول أي تزين. قال صاحب الأفعال: قان الشيء قيانة
أصلحه وقيل تجلى على زوجها (بالمدينة إلا أرسلت إليّ
تستعيره) أي ذلك الدرع لأنهم كانوا إذ ذاك في حال ضيق
فكان الشيء الخسيس عندهم نفيسًا.
وهذا الحديث تفرّد به البخاري وفيه من الفوائد ما لا
يخفى فتأمله.
35 - باب فَضْلِ الْمَنِيحَةِ
(باب فضل المنيحة) بفتح الميم والحاء المهملة بينهما
نون مكسورة فمثناة تحتية ساكنة الناقة. أو الشاة
تعطيها غيرك يحتلبها ثم يردّها عليك والمنحة بالكسر
العطية وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر ففضل مرفوع
حينئذٍِ.
2629 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ
مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ
وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ».
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: "نِعْمَ
الصَّدَقَةُ ... ". [الحديث 2629 - طرفه في: 5608].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن
بكير ونسبه لجد لشهرته به المخزومي قال: (حدّثنا مالك)
الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن
الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(نعم المنيحة) الناقة (اللقحة) بكسر اللام وسكون القاف
والرفع صفة لسابقها الملقوحة وهي ذات اللبن القريبة
العهد بالولادة (الصفي) بفتح الصاد وكسر الفاء صفة
ثانية لكثيرة اللبن واستعمله بغير هاء. قال الكرماني:
لأنه إما فعيل أو فعول يستوي فيه المذكر والمؤنث
وتعقبه العيني بأن قوله إما فعيل غير صحيح لأنه من
معتل اللام والواوي دون اليائي. وقال في المصابيح:
والأشهر استعمالها بغير هاء. قال العيني: ويروى أيضًا
الصفية (منحة) نصب على التمييز قال ابن مالك في
التوضيح: فيه وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهرًا وقد
منعه سيبويه إلا مع إضمار الفاعل نحو {بئس للظالمين
بدلاً} [الكهف: 50] وجوّزه المبرد وهو الصحيح انتهى.
وقال في المصابيح: يحتمل أن يقال إن فاعل نعم في
الحديث مضمر والمنيحة الموصوفة بما ذكر هي المخصوص
بالمدح ومنحة تمييز تأخر عن المخصوص فلا شاهد فيه على
ما قال ولا يرد على سيبويه حيئنذٍ.
(والشاة الصفي) صفة وموصوف عطف على ما قبله (تغدو
بإناء وتروح بإناء) أي تحلب إناء بالغداة وإناء بالعشي
أو تغدو بأجر حلبها في الغدو والرواح والمنحة من باب
الصلاة لا من باب الصدقات.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي
(وإسماعيل) بن أبي أويس (عن مالك) أنه (قال) في روايته
للحديث السابق (نعم الصدقة) أي اللقحة الصفي منحة قال:
في الفتح وهذا هو المشهور عن مالك وكذا رواه شعيب عن
أبي الزناد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الأشربة أي
بلفظ الصدقة.
2630 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ
الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ،
وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالْعَقَارِ،
فَقَاسَمَهُمُ الأَنْصَارُ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ
ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُوهُمُ
الْعَمَلَ وَالْمَؤونَةَ. وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمُّ
أَنَسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ كَانَتْ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عِذَاقًا، فَأَعْطَاهُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلاَتَهُ أُمَّ
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ
فَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا فَرَغَ
مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ فَانْصَرَفَ إِلَى
الْمَدِينَةِ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الأَنْصَارِ
مَنَائِحَهُمُ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَرَدَّ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُمِّهِ
عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ أَيْمَنَ
مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ".
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ
يُونُسَ بِهَذَا وَقَالَ: "مَكَانَهُنَّ مِنْ
خَالِصِه". [الحديث 2630 - أطرافه 3128، 4030، 4120].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثنا يونس)
بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك
-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما قدم المهاجرون المدينة
من مكة وليس بأيديهم يعني شيئًا) وسقط لأبي ذر: يعني
شيئًا (وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار) بالخفض عطفًا
على السابق وجواب لما قوله (فقاسمهم الأنصار على أن
يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤونة)
في الزراعة والمنفي في حديث أبي هريرة السابق في
المزارعة حيث قالوا: قسم بيننا وبين إخواننا النخل
قال: لا مقاسمة الأصول، والمراد هنا مقاسمة الثمار،
(وكانت أمه أم أنس) بدل من أمه والضمير فيه يعود على
أنس واسمها
سهلة وهي (أم سليم) بضم السين مصغرًا بدل من المرفوع
السابق أيضًا و (كانت أم عبد الله بن أبي طلحة) أيضًا
فهو أخو أنس لأمه. قال في الفتح: والذي يظهر أن قائل
ذلك الزهري عن أنس لكن بقية السياق تقتضي أنه من رواية
الزهري عن أنس فيكون من باب التجريد كأنه ينتزع من
نفسه شخصًا فيخاطبه (فكانت أعطت) أي وهبت (أم أنس رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عذاقًا)
بكسر العين المهملة وتخفيف الذال المعجمة جمع عذق بفتح
العين وسكون الذال النخلة نفسها أو إذا كان حملها
موجودًا والمراد ثمرها ولأبي ذر عذاقًا بفتح العين
(فأعطاهن) أي النخلات (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أم أيمن)
(4/367)
بركة (مولاته) وحاضنته (أم أسامة بن زيد)
مولاه عليه الصلاة والسلام وهو أخو أيمن بن عبيد
الحبشي لأمه.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في
المناقب.
(قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (فأخبرني)
بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فرغ من قتل)
وللأصيلي من قتال (أهل خيبر فانصرف إلى المدينة ردّ
المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من
ثمارهم) لاستغنائهم بغنيمة خيبر (فردّ النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أمه) هي أم أنس أم
سليم (عذاقها) بكسر العين ولأبي ذر عذاقها بفتحها أي
الذي كانت أعطته وأعطاه هو لأم أيمن (وأعطى) بالواو
ولأبي ذر فأعطى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أم أيمن) مولاته (مكانهن) أي بدلهن (من
حائطه) أي بستانه.
(وقال أحمد بن شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة
الأولى البصري: (أخبرنا أبي) شبيب بن سعيد الحبطي بفتح
الحاء المهملة والموحدة البصري (عن يونس) بن يزيد
الأيلي (بهذا) الحديث متنًا وإسنادًا (وقال: مكانهنّ)
فوافق ابن وهب إلا في قوله من حائطه فقال (من خالصه)
أي خالص ماله وفي مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس
أن الرجل كان يجعل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- النخلات من أرضه حتى فتحت عليه قريظة
والنضير فجعل بعد ذلك يردّ عليه ما كان أعطاه. قال
أنس: وإن أهلي أمروني أن آتي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله ما كان أهله أعطوه أو
بعضه، وكان نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد أعطاه أم أيمن فأتيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطانيهن فجاءت أم أيمن
فجعلت الثوب في عنقي وقالت: والله لا أعطيكهن وقد
أعطانيهن فقال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "يا أم أيمن اتركيه ولك كذا وكذا" وتقول
كلاّ والله الذي لا إله إلا هو فجعل يقول كذا وكذا حتى
أعطاها عشرة أمثاله أو قريبًا من عشرة أمثاله، وإنما
فعلت ذلك لأنها ظنت أنها هبة مؤبدة وتمليك الأصل
الرقبة، فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
استطابة قلبها في استرداد ذلك فما زال يزيدها في العوض
حتى رضيت تبرعًا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وإكرامًا لها من حق الحضانة زاده الله
شرفًا وتكريمًا.
2631 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ
عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- يَقُول:
ُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَرْبَعُونَ
خَصْلَةً -أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ- مَا مِنْ
عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ
ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ
أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ».
قَالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ
الْعَنْزِ -مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ
الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
وَنَحْوِهِ- فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ
عَشْرَةَ خَصْلَةً.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
عيسى بن يونس) الهمداني قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد
الرحمن (عن حسان بن عطية) الشامي (عن أبي كبشة) بفتح
الكاف وسكون الموحدة وفتح الشين المعجمة (السلولي)
بفتح السين المهملة وضم اللام الأولى أنه (قال: سمعت
عبد الله بن عمرو) هو ابن العاص (-رضي الله عنهما-
يقول قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أربعون خصلة) مبتدأ ولأحمد أربعون حسنة بدل خصلة
وقوله (أعلاهن) مبتدأ ثانٍ خبره (منيحة العنز) الأُنثى
من المعز والجملة خبر المبتدأ الأول (ما من عامل يعمل
بخصلة منها) أي من الأربعين (رجاء ثوابها) بنصب رجاء
على التعليل وكذا قوله (وتصديق موعودها إلا أدخله
الله) عز وجل (بها الجنة) (قال حسان) هو ابن عطية راوي
الحديث بالسند السابق (فعددنا ما دون منيحة العنز من
ردّ السلام وتشميت العاطس وإماطة الأذى عن الطريق
ونحوه) مما وردت به الأحاديث (فما استطعنا أن نبلغ خمس
عشرة خصلة) قال ابن بطال: ما أبهمها عليه الصلاة
والسلام إلا لمعنى هو أنفع من ذكرها وذلك والله أعلم
خشية أن يكون التعيين والترغيب فيها مزهدًا في غيرها
من أبواب الخير، وقول حسان: فما استطعنا ليس بمانع أن
يوجد غيرها ثم عدد خصالاً كثيرة، تعقبه ابن المنير في
بعضها فقال: التعداد سهل، ولكن الشرط صعب وهو أن يكون
كل ما عدّده من الخصال دون منيحة العنز ولا يتحقق فيما
عدّده ابن بطال بل هو منعكس، وذلك أن من جملة ما عدّده
نصرة المظلوم والذبّ عنه ولو بالنفس وهذا أفضل من
منيحة العنز والأحسن في هذا أن لا يعدّ لأن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبهمه وما أبهمه
الرسول كيف يتعلق الأمل ببيانه من غيره مع أن الحكمة
في إبهامه أن لا يحتقر شيء من وجوه البرّ وإن قلّ.
وهذا
(4/368)
الحديث أخرجه أبو داود في الزكاة.
2632 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ
جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَتْ لِرِجَالٍ
مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ، فَقَالُوا: نُؤَاجِرُهَا
بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ
كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ
لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ
أَرْضَهُ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي بكسر الموحدة
قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني)
بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح ولأبي ذر عن عطاء (عن
جابر) هو ابن
عبد الله (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: كانت
لرجال منّا فضول أرضين) بفتح الراء (فقالوا نؤاجرها
بالثلث والربع والنصف) بما يخرج منها والواو في
الموضعين بمعنى أو (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها) بفتح الياء
والنون والجزم على الأمر فيهما أي يعطها (أخاه) المسلم
(فإن أبى) امتنع (فليمسك أرضه) وسقط لفظ أخاه في هذا
الحديث في باب: ما كان أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة
والثمرة والغرض منه هنا قوله أو ليمنحها أخاه.
2633 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي
عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ قَالَ:
"جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ،
فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا
شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ،
فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ
شَيْئًا".
(وقال محمد بن يوسف) البيكندي مما وصله الإسماعيلي
وأبو نعيم قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال:
(حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال:
(حدّثني) بالإفراد أيضًا (عطاء بن يزيد) من الزيادة
الليثي قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو سعيد)
الخدري -رضي الله عنه- (قال: جاء أعرابي إلى النبي)
ولأبي ذر: إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فسأله عن الهجرة) أي أن يبايعه على الإقامة
بالمدينة ولم يكن من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة
قبل الفتح (فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(ويحك) كلمة ترحم وتوجع لمن وقع في هلكة لا يستحقها
(إن الهجرة شأنها) أي القيام بحقها (شديد) لا يستطيع
القيام به إلا القليل (فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال)
عليه الصلاة والسلام له (فتعطي صدقتها) المفروضة؟
(قال: نعم قال) عليه الصلاة والسلام (فهل تمنح) بفتح
النون وكسرها له في الفرع كالصحاح (منها شيئًا قال:
نعم) وهذا موضع الترجمة فإن فيه إثبات فضيلة المنيحة
(قال): عليه الصلاة والسلام (فتحلبها يوم وردها) بكسر
الواو وفي اليونينية بفتحها ولعله سبق قلم وفي النسخة
المقروءة على الميدومي ورودها أي يوم نوبة شربها لأن
الحلب يومئذ أوفق للناقة وأرفق للمحتاجين (قال: نعم
قال) عليه الصلاة والسلام له (فاعمل من وراء البحار)
بموحدة ومهملة أي من وراء القرى والمدن، ولأبي ذر عن
المستملي والكشميهني: من وراء التجار المثناة الفوقية
وبالجيم بدل الموحدة والحاء (فإن الله لن يترك) بفتح
المثناة التحتية وكسر الفوقية أي لن ينقصك (من) ثواب
(عملك شيئًا).
وهذا الحديث سبق في الزكاة في باب زكاة الإبل.
2634 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَمْرٍو
عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَعْلَمُهُمْ بِذَاكَ
-يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-- "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَرَجَ إِلَى أَرْضٍ تَهْتَزُّ زَرْعًا، فَقَالَ:
لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: اكْتَرَاهَا فُلاَنٌ.
فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ مَنَحَهَا إِيَّاهُ كَانَ
خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا
مَعْلُومًا".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي البصري
قال: (حدّثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد البصري
قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عمرو) بفتح العين
ابن دينار المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني أنه
(قال: حدّثني) بالإفراد (أعلمهم بذاك) ولأبي ذر: بذلك
باللام وفي المزارعة قاله عمرو: قلت لطاوس لو تركت
المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنها.
قال: أي عمرو وإني أعطيهم وأغنيهم وإن أعلمهم أخبرني
(يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى أرض تهتز زرعًا)
أي تتحرك بالنبات وترتاح لأجل الزرع (فقال) عليه
الصلاة والسلام:
(لمن هذه) الأرض (فقالوا اكتراها فلان فقال) عليه
الصلاة والسلام (أما) بالتخفيف (أنه لو منحها) أي
أعطاها المالك (إياه) أي فلانًا المكتري على سبيل
المنحة (كان خيرًا له من أن يأخذ) أي من أخذه (عليها
أجرًا معلومًا) لأنها أكثر ثوابًا وسبق هذا الحديث في
المزارعة.
36 - باب إِذَا قَالَ أَخْدَمْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ
عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ فَهْوَ جَائِزٌ
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هَذِهِ عَارِيَّةٌ. وَإِنْ
قَالَ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ فَهذهِ هِبَةٌ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) رجل لآخر (أخدمتك هذه
الجارية على ما يتعارف الناس) أي على عرفهم في صدور
هذا القول منهم أو على عرفهم في كون الإخدام هبة أو
عارية (فهو جائز) جواب إذا (وقال بعض الناس) قال:
الكرماني: قيل أراد به الحنفية (وهذه) الصفة المذكورة
بقوله إذا قال: أخدمتك هذه الجارية مثلاً فهي (عارية)
قال الحنفية: لأنه صريح في إعارة الاستخدام (وإن قال
كسوتك هذا الثوب فهو) ولأبي ذر: فهذه (هبة) قال الله
تعالى
(4/369)
{فكفارته إطعام عشرة مساكين} (إلى قوله)
{أو كسوتهم} [المائدة: 89] ولم تختلف الأمة أن ذلك
تمليك للطعام والكسوة فلو قال: كسوتك هذا الثوب مدة
معينة فله شرطه قاله ابن بطال وقال ابن المنير: الكسوة
للتمليك بلا شك لأن ظاهرها الأصلي لا يراد إذ أصلها
لمباشرة الإلباس لكنّا نعلم أن الغني إذا قال للفقير
كسوتك هذا الثوب لا يعني أنني باشرت إلباسك إياه فإذا
تعذّر حمله على الوضع حمل على العرف وهو العطية.
وقال الكرماني قوله: وإن قال كسوتك إلخ يحتمل أن يكون
من تتمة قول الحنفية ومقصود المؤلّف منه أنهم تحكموا
حيث قالوا ذلك عارية وهذا هبة، ويحتمل أن يكون عطفًا
على الترجمة.
2635 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَأَعْطَوْهَا
آجَرَ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ
اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ، وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً»؟
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال (حدّثنا أبو
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن
هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(هاجر إبراهيم) الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بسارّة) زوجته فدخل قرية فيها جبار من
الجبابرة فقيل إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس
فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ
فقال: ادعي الله لي ولا أضرّك فدعت الله فأطلق بعض
حجبته (فأعطوها آجر) بهمزة بدل الهاء وفتح الجيم
(فرجعت) سارّة إلى الخليل (فقالت) له (أشعرت أن الله)
عز وجل (كبت الكافر) أي صرفه وأذلّه (وأخدم) أي الكافر
(وليدة) جارية أي وهبها لأجل الخدمة.
(وقال ابن سيرين) محمد مما هو موصول في أحاديث
الأنبياء (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (فأخدمها هاجر)
غرض المؤلّف أن لفظ الإخدام للتمليك وكذلك الكسوة، لكن
قال ابن بطال: استدلاله بقوله فأخدمها هاجر على الهبة
لا يصح، وإنما صحّت الهبة في هذه القصة من قوله
فأعطوها هاجر.
قال في فتح الباري: مراد البخاري أنه إن وجدت قرينة
تدل على العرف حمل عليها فإن كان جرى بين قوم عرف في
تنزيل الإخدام منزلة الهبة فأطلقه شخص وقصد التمليك
نفذ، ومن قال هي عارية في كل حال فقد خالف والله أعلم.
وهذا الحديث قد مرّ بتمامه في البيع في باب شراء
المملوك من الحربي وساق هنا قطعة منه.
وهاهنا فروع لو أعطى إنسان آخر دراهم وقال: اشترِ لك
بها عمامة أو ادخل بها الحمام أو نحو ذلك تعينت لذلك
مراعاة لغرض الدافع هذا إن قصد ستر رأسه بالعمامة
وتنظيفه بدخول الحمام لما رأى به من كشف الرأس وشعث
البدن ووسخه، وإن لم يقصد ذلك بل قاله على سبيل
التبسّط المعتاد فلا يتعيّن ذلك بل يملكها ويتصرف فيها
كيف شاء وكذا لو طلب الشاهد من المشهود له مركوبًا
ليركبه في أداء الشهادة فأعطاه أجرة المركوب فيأتي
فيها التفصيل السابق، لكن قال الأسنوي:
والصحيح أن له صرفها إلى جهة أخرى كما ذكروه في بابه،
والفرق أن الشاهد يستحق أجرة المركوب فله التصرف فيها
كيف شاء والمذكور أولاً من باب الصدقة والبرّ فروعِيَ
فيه غرض الدافع، وإن أعطاه كفنًا لأبيه فكفّنه في غيره
فعليه ردّه له إن كان قصد التبرّك بأبيه وما يحصله
خادم الصوفية
لهم من السوق وغيره يملكه دونهم لأنه ليس بوكيل عنهم
ووفاؤه لهم مروءة منه فإن قصدهم الدافع معه فالملك
مشترك أو دونه فمختص بهم إن كان وكيلاً عنهم.
37 - باب إِذَا حَمَلَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَهْوَ
كَالْعُمْرَى وَالصَّدَقَةِ
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا.
هذا (باب) بالتنوين (إذا حمل رجل رجلاً) آخر غيره (على
فرس) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: إذا حمل رجلاً بالنصب
على المفعولية والفاعل مضمر أي حمل رجل رجلاً على فرس
(فهو) أي فحكمه (كالعمرى والصدقة) في عدم الرجوع فيه
(وقال بعض الناس) أبو حنيفة -رحمه الله- (له أن يرجع
فيها) في الفرس الذي حمله عليها ناويًا الهبة لأنه
يجوز عنده الرجوع في الهبة للأجنبي.
2636 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَسْأَلُ زَيْدَ
بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
"قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ،
فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِ وَلاَ تَعُدْ فِي
صَدَقَتِكَ".
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي
قال: (أخبرنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت مالكًا)
الإمام الأعظم (يسأل زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر
المدني (قال) ولأبي ذر فقال (سمعت أبي) أسلم (يقول قال
عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-: حملت على فرس) أي
تصدّقت به (في سبيل الله)
(4/370)
عز وجل وليس المراد أنه حبسه كما سبق واسم الفرس الورد
(فرأيته يباع) وأردت أن أشتريه (فسألت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(لا تشتره) أي الفرس والنهي للتنزيه، ولغير أبي ذر: لا
تشتر بحذف الضمير المنصوب زاد في رواية يحيى بن قزعة
وإن أعطاكه بدرهم (ولا تعد في صدقتك) والله تعالى
أعلم.
|