شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

57 - كِتاب فَرْضِ الْخُمُسِ
قال الحافظ ابن حجر: ثبتت البسملة للأكثر.

1 - باب فَرْضِ الْخُمُسِ
(باب فرض الخُمس) بضم الخاء المعجمة والميم وكان ابتداء فرضه بآية: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن للهِ خُمُسه وللرسول} [الأنفال: 41]. وإضافته لله للتبرك بالابتداء باسمه تعالى، وفي نسخة كتاب بدل باب، وفي نسخة حذف ذلك والاقتصار على قوله فرض الخمس.
3091 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: "كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي. فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَىَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَاىَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فرَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَاىَ قَدِ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، وَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَىَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ- فَعَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهَ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَىَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ. فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ. ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ".
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (علي بن الحسين أن) أباه (حسين بن عليّ عليهما السلام) وفي نسخة: -رضي الله عنهما- (أخبره أن) أباه (عليًّا) -رضي الله عنه- (قال: كانت) ولابن عساكر: كان (لي شارف) بالشين المعجمة آخره فاء مسنة من النوق (من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني شارفًا من الخمس) أي الذي حصل من سرية عبد الله بن جحش وكانت في رجب من السنة الثانية قبل بدر بشهرين، وكان ابن جحش قال لأصحابه: إن لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الخمس فعزل له الخمس وقسم سائر الغنيمة بين أصحابه فوقع رضا الله بذلك كذا قرره ابن بطال، وتبعه ابن الملقن محتجين بما نقلاه من اتفاق أهل السير: إن الخمس لم يكن يوم بدر. وعن إسماعيل القاضي في غزوة بني قريظة أنه قيل إنه أول يوم فرض فيه الخمس وجاء صريحًا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ويعارض هذا قوله في غزوة بدر من المغازي من البخاري، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ إذ ظاهره أن الفيء الذي أعطاه منه كان يوم بدر، وقد ثبت أنه وقع في الغنيمة التي قبل بدر ورضي الله بذلك فكيف يثبته هناك وينفيه فى يوم بدر مع أن سورة الأنفال التي فيها التصريح بفرض الخمس نزل غالبها في قصة بدر. وقّد جزم الداودي الشارح بأن آية الخمس نزلت يوم بدر، وقال السبكي: نزلت في بدر وغنائمها.
قال عليّ -رضي الله عنه-: (فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أدخل بها (واعدت رجلاً صوّاغًا) بفتح الصاد المهملة وتشديد الواو لم يسم (من بني قينقاع) بفتح القافين وضم النون وقد تفتح وتكسر غير منصرف ويجوز صرفه قبيلة من اليهود قاله الكرماني. وقال في القاموس: شعب من اليهود كانوا بالمدينة (أن يرتحل معي فنأتي

(5/189)


بإذخر) بكسر الهمزة وذال معجمة حشيشة طيبة الرائحة (أردت أن أبيعه الصوّاغين وأستعين به) بالنصب عطفًا على أبيعه أي أستعين بثمنه (في وليمة عرسي) بضم العين المهملة. قال الجوهري: العرس يعني بضم العين طعام الوليمة وأعرس الرجل إذا بنى بأهله وكذلك إذا غشيها. وفي القاموس نحوه وبكسر العين امرأة الرجل والوليمة طعام الزفاف، وحينئذ فينبغي كسر العين أي طعام وليمة المرأة وإلاّ فيصير المعنى طعام وليمة وليمتي وإنما سمي الطعام الوليمة المعمول عند العرس عرسًا باسم سببه، (فبينا) بغير ميم (أنا أجمع لشارفيّ متاعًا من الأقتاب) جمع قتب وهو معروف (والغرائر) بالغين المعجمة والراء
المكررة جمع غرارة ما يوضع فيها الشيء من التبن وغيره (والحبال وشارفاي) مبتدأ خبره (مناخان) وللأربعة مناختان بزيادة فوقية بعد الحاء فالتذكير باعتبار لفظ شارف والتأنيث باعتبار معناه والمعنى مبركان (إلى جنب حجرة رجل من الأنصار) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (رجعت) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فرجعت (حين جمعت ما جمعت) أي من الأقتاب وغيرها (فإذا شارفاي قد أجبت) بهمزة مضمومة وجيم مكسورة وموحدة مشددة وفي اليونينية مصلح قد اجتب بضم الهمزة وكسر الجيم وضم الفوقية وتشديد الموحدة مصحح عليها علوًّا وسفلا فليتأمل. ويحرر، ولأبي ذر عن الكشميهني جبت بحذف الهمزة وضم الجيم أي قطعت (أسنمتهما) بالرفع نائبًا عن الفاعل (وبقرت) بضم الموحدة وكسر القاف أي شقت (خواصرهما) بالرفع أيضًا كذلك (وأخذ) بضم الهمزة (من أكبادهما فلم) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولم (أملك عيني) من البكاء (حين) ولأبي ذر عن الكشميهني: حيث (رأيت ذلك المنظر منهما) بفتح الميم والظاء المعجمة وسقط لفظ منهما في رواية ابن عساكر وإنما بكى عليّ -رضي الله عنه- خوفًا من تقصيره في حق فاطمة -رضي الله عنها- أو في تأخير الابتناء بها لا لمجرد فوات الناقتين (فقلت: من فعل هذا؟) الجب والبقر والأخذ (فقالوا: فعل) أي ذلك (حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء جماعة يجتمعون على شرب الخمر اسم جمع عند سيبويه وجمع شارب عند الأخفش (فانطلقت حتى أدخل) بالرفع والنصب ورجح ابن مالك النصب وعبّر بصيغة المضارعة مبالغة في استحضار صورة الحال وإلاّ فكان الأصل أن يقول حتى دخلت (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجهي الذي لقيت) من فعل حمزة -رضي الله عنه- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما لك؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط) أي أفظع (عدا) بالعين والدال المهملتين (حمزة على ناقتيّ) بفتح الفوقية وتشديد التحتية تثنية ناقة (فأجبّ) ولأبي ذر عن الكشميهني: فجب (أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب) بفتح الشين جماعة يجتمعون لشرب الخمر (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه فارتدى) به (ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن) في الدخول (فأذنوا لهم فإذا هم شرب فطفق) بكسر الفاء الثانية أي جعل (رسول الله يلوم حمزة فيما فعله) بشارفي عليّ (فإذا حمزة قد ثمل) بفتح المثلثة وكسر الميم آخره لام أي سكر حال كونه (محمرة عيناه) بسبب ذلك (فنظر حمزة) -رضي الله عنه- (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صعد النظر) بفتح الصاد والعين المشددة المهملتين أي رفعه (فنظر إلى ركبته) بالإفراد، ولأبي ذر: ركبتيه بالتثنية (ثم صعد النظر فنظر) حمزة (إلى سرّته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبي) أي كعبيد له. يريد والله أعلم أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته، والجدّ يدعى سيدًا وأنه أقرب إليه منهما فأراد الافتخار عليهم بذلك (فعرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قد ثمل) أي سكر (فنكص) أي رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على

(5/190)


عقبيه) بالتثنية رجوع (القهقرى)، بأن مشى إلى خلف
ووجهه لحمزة خشية أن يزداد عبثه في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل، فأراد أن يكون ما يقع منه بمرأى منه ليدفعه إن وقع منه شيء.
(وخرجنا معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان ذلك قبل تحريم الخمر كما في رواية ابن جريج عن ابن شهاب في الشرب، ولذا لم يؤاخذ عليه السلام حمزة بقوله. ومن تداوى بمباح أو شرب لبنًا أو أكل طعامًا فسكر فقذف غيره فهو كالمجنون والمغمى عليه والصبي يسقط عنهم حدّ القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال لرفع القلم عنهم فمن سكر من حلال فحكمه حكم هؤلاء. وحكى الطحاوي الإجماع على أن من سكر من ذلك لا طلاق عليه وهو مذهبنا أيضًا حتى لو سكر مكرهًا عندنا فكذلك، وأما ضمان إتلاف الناقتين فضمانهما لازم لحمزة لو طالبه عليّ به إذ العلماء متفقون على أن جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين ويلزمهم ضمانها في كل حال كالعقلاء. وعند ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أغرم حمزة ثمن الناقتين.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أعطاني شارفًا من الخمس، وقد سبق في كتاب الشرب.
3092 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا ممَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ". [الحديث 3092 - أطرافه في: 3711، 4035، 4240، 6725].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي العامري قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أخبرته أن فاطمة) الزهراء (عليها السلام ابنة) ولأبي ذر: بنت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألت أبا بكر الصديق) رضي الله عنه (بعد وفاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقسم لها ميراثها ما ترك) بدل من قوله ميراثها أو عطف بيان ولابن عساكر وأبى ذر عن الكشميهني مما ترك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما أفاء الله عليه) وهو ما أخذ من الكفار على سبيل الغلبة بلا قتال ولا إيجاف أي إسراع خيل أو ركاب أو نحوهما من جزية أو ما هربوا عنه لخوف أو غيره أو صولحوا عليه بلا قتال وسمي فيئًا لرجوعه من الكفار إلى المسلمين. وأما الغنيمة فهي ما أُخذ من الكفار بقتال أو إيجاف ولو بعد انهزامهم وما أخذ من دراهم اختلاسًا أو سراقة أو لقطة ولم تحل الغنيمة إلا لنا وقد كانت في أول الإسلام له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من لم يشهد بدرًا ثم نسخ بعد ذلك فخمسه كالفيء لآية: {اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمُسه} [الأنفال: 41]. وسميت بذلك لأنها فضل وفائدة محضة. والمشهور تغاير الفيء والغنيمة وقيل يقع
اسم كل منهما على الآخر إذا أفرد فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين وقيل اسم الفيء يقع على الغنيمة دون العكس، وقد كان عليه السلام يخمس الفيء خمسة أخماس الآية: {ما أفاء الله على رسوله} [الحشر: 7]. ويقسم خمسه على خمسة أسهم فالقسمة من خمسة وعشرين.
سهم منها له عليه الصلاة والسلام كان ينفق منه على مصالحه وما فضل منه يصرف في السلاح وسائر المصالح، وأما بعد وفاته عليه السلام فمصرف هذا السهم المصالح العامة كسدّ الثغور وعمارة الحصون والقناطر وأرزاق القضاة والأئمة.
والسهم الثاني: لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب.
والثالث: لليتامى والفقراء.
والرابع: والخامس: للمساكين وابن السبيل.
وأما الأربعة الأخماس فهي للمرتزقة وهم المرصدون للجهاد بتعيين الإمام. وكانت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حياته مضمومة إلى خمس الخمس فحملة ما كان له من الفيء أحد وعشرون سهمًا. سهم منها للمصالح كما مرّ والمراد أنه كان يجوز له أن يأخذ ذلك لكنه لم يأخذه وإنما كان يأخذ خُمس الخمس كما مرّ.
وأما الغنيمة فلخمسها حكم الفيء فيخمس خمسة أسهم للآية، وأربعة أخماسها للغانمين.
وقال الجمهور: مصرف الفيء كله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصرفه بحسب المصلحة لقول عمر الآتي:
فكانت هذه خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(5/191)


وَسَلَّمَ-.
3093 - فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ. قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ، وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ بِهِ إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ".

قال أبو عبدِ اللهِ: اعتراكَ, افتعلت, من عَرَوتهُ فأصبته, ومنه: يَعروهُ, واعتراني.
[الحديث 3093 - أطرافه في: 3713، 4036، 4241، 6726].
(فقال لها) أي لفاطمة -رضي الله عنها- (أبو بكر: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): وفي رواية معمر عن الزهري في الفرائض سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (لا نورث) بالنون. وفي حديث الزبير
عند النسائي: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث (ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما تركنا والكلام جملتان الأولى فعلية والثانية اسمية. قال ابن حجر في فتح الباري: ويؤيده وروده في بعض طرق الصحيح ما تركنا فهو صدقة وحرفه الإمامية فقالوا: لا يورث بالمثناة التحتية بدل النون وصدقة نصب على الحال وما تركنا مفعول لما لم يسم فاعله فجعلوا الكلام جملة واحدة ويكون المعنى أن ما يترك صدقة لا يورث وهذا تحريف يخرج الكلام عن نمط الاختصاص الذي دل عليه قوله عليه السلام في بعض الطرق: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" ويعود الكلام بما حرفوه إلى أمر لا يختص به الأنبياء لأن آحاد الأمة إذا وقفوا أموالهم أو جعلوها صدقة انقطع حق الورثة عنها فهذا من تحاملهم أو تجاهلهم، وقد أورده بعض أكابر الإمامية على القاضي شاذان صاحب القاضي أبي الطيب فقال أي القاضي شاذان، وكان ضعيف العربية قويًا في علم الخلاف: لا أعرف نصب صدقة من رفعها ولا أحتاج إلى علمه فإنه لا خفاء بي وبك أن فاطمة وعليًّا من أفصح العرب لا تبلغ أنت ولا أمثالك إلى ذلك منهما فلو كانت لهما حجة فيما لحظته لأبدياها حينئذ لأبي بكر فسكت ولم يحر جوابًا، وإنما فعل الإمامية ذلك لما يلزمهم على رواية الجمهور من فساد مذهبهم لأنهم يقولون بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يورث كما يورث غيره من عموم المسلمين لعموم الآية الكريمة.
وذهب النحاس إلى أنه يصح النصب على الحال وأنكره القاضي لتأييده مذهب الإمامية لكن قدره ابن مالك ما تركناه متروك صدقة فحذف الخبر وبقي الحال كالعوض منه ونظيره قراءة بعضهم: {ونحن عصبة} [يوسف: 8].
(فغضبت فاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستة أشهر) وفي رواية معمر: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت، ووقع عند عمر بن شبة وجه آخر عن معمر فلم تكلمه في ذلك المال. ولذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر: لا أكلمكما أي في هذا الميراث، وتعقب بأن قرينة قوله غضبت يدل على أنها امتنعت من الكلام جملة وكذا صريح الهجر قاله في الفتح. وقال الكرماني: وأما غضب فاطمة فهو أمر حصل على مقتضى البشرية وسكن بعد ذلك أو الحديث كان متأولاً عندها بما فضل من معاش الورثة وضروراتهم ونحوها، وأما هجرانها فمعناه انقباضها عن لقائه لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه ولفظ مهاجرته بصيغة اسم الفاعل لا المصدر اهـ.
ولعل فاطمة -رضي الله عنها- لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بشأنها ثم بمرضها والهجران المحرم إنما هو أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا.
(قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) سهمه في (خيبر) بعدم الصرف وهو الخمس (وفدك) بفتح الفاء والدال المهملة ولأبي ذر وفدك بعدمه بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل وكانت له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة (وصدقته بالمدينة) بنصب
صدقته عطفًا على المنصوب السابق وبالجر عطفًا على المجرور أي نخل بني النضير التي في أيدي بني فاطمة وكانت قريبة من المدينة ووصية مخيريق يوم أُحد، وكانت سبع حوائط في بني النضير وما أعطاه الأنصار من أرضهم وحقه من الفيء من أموال بني النضير وثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح اليهود وحصنان من حصون خيبر الوطيح والسلالم حين صالح اليهود ونصف فدك وسهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة (فأبى) أي امتنع (أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

(5/192)


يعمل به إلاّ عملت به فإني أخشى إن تركت شيئًا) بكسر همزة إن تركت (من أمره أن أزيغ) بفتح الهمزة وكسر الزاي وبعد التحتية الساكنة عين معجمة أي أن أميل عن الحق إلى غيره.
قالت عائشة: (فأما صدقته) عليه الصلاة والسلام (بالمدينة فدفعها عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (إلى عليّ وعباس) لينتفعا منها بقدر حقهما لا على جهة التمليك (فأما) بالفاء ولأبي ذر: وأما (خيبر) أي الذي يخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها (وفدك فأمسكهما عمر) ولم يدفعهما لغيره (وقال: هما صدقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانتا لحقوقه التي تعروه) أي التي تنزل به (ونوائبه) أي الحوادث التي تصيبه (وأمرهما إلى من ولي الأمر) بعده عليه الصلاة والسلام فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقدم نفقة أمهات المؤمنين وغيرها مما كان يصرفه عليه الصلاة والسلام فيصرفه من مال خيبر وفدك وما فضل عن ذلك جعله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب ما رأى فأقطعها لمروان لأنه تأول أن الذي يختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض أقاربه.
(قال) الزهري حين حدث بهذا الحديث (فهما) أي الذي كان يخصه عليه الصلاة والسلام من خيبر وفدك (على ذلك) يتصرف فيهما من ولي الأمر (إلى اليوم) .. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي في غزوة خيبر.
(قال أبو عبد الله) البخاري مفسرًا لقوله في الحديث تعروه بما في القرآن من قوله تعالى: أن نقول إلا (اعتراك افتعلت) بسكون اللام وفتح الفوقية أي أنه من باب الافتعال وأصله (من عروته فأصبته ومنه يعروه واعتراني) وهذا وقع في المجاز لأبي عبيدة وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لابن عساكر، وزاد أبو ذر في رواية الحموي هنا ترجمة فقال قصة فدك وهي زيادة مستغنى عنها بما سبق في الحديث المتقدم.
3094 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ -وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ-: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى
أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ، فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ لَه غَيْرِي. قَالَ: فاقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ. قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا. ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَأ يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلاَ، فَسَلَّمَا فَجَلَسَا فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا -وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ مالِ بَنِي النَّضِيرِ- فَقَالَ الرَّهْطُ -عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فقَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ؛ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ. قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {قَدِيرٌ} [الحشر: 7] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَوَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ. فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ حَيَاتَهُ. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا -يُرِيدُ عَلِيًّا- يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا. فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا. فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا. فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ , قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ
ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن محمد الفروي) بفتح الفاء وسكون الراء وكسر الواو القرشي المدنيّ الأموي قال: (حدّثنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة. والحدثان بالحاء والدال المهملتين والمثلثة المفتوحات وبعد الألف نون ابن عوف بن ربيعة النصري بالنون من بني نصر بن معاوية اختلف في صحبته. قال الزهري: (وكان محمد بن جيبر) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن مطعم (ذكر لي ذكرًا من حديثه ذلك) أي الآتي ذكره (فانطلقت حتى أدخل) بالنصب أي إلى أن أدخل والرفع على أن تكون عاطفة ورجح ابن مالك النصب (على مالك بن أوس فسألته عن ذلك الحديث فقال مالك: بينا) بغير ميم ولأبي ذر: بينما (أنا جالس في أهلي حين متع النهار) بميم ففوقية فعين مهملة مفتوحات اشتد حره وارتفع وطال وجواب بينما قوله (إذا رسول عمر بن الخطاب) يحتمل أن يكون الرسول يرفأ الحاجب (يأتيني فقال؛ أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل) بالنصب والرفع (على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير) بكسر راء رمال وقد تضم ما ينسج من سعف النخل ونحوه (ليس بينه وبينه فراش متكئ على وسادة من أدم فسلمت عليه ثم جلست فقال: يا مالِ) بكسر اللام على اللغة المشهورة أي يا مالك على الترخيم ويجوز الضم على أنه صار اسمًا مستقلاً فيعرب إعراب المنادى المفرد (إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات) من بني نصر بن معاوية بن أبي بكر بن هوازن وكان قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة (وقد أمرت لهم) والذي في الفرع وأصله فيهم (برضخ) بفتح الراء وسكون الضاد آخره خاء معجمتين أي بعطية قليلة غير مقدرة (فاقبضه) بكسر الموحدة (فاقسمه بينهم. فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري) أي بأن يدفع الرضخ لهم غيري وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي له باللام بدل به بالموحدة ولعله قال ذلك تحرجًا من قبول الأمانة (قال) عمر (اقبضه) ولأبي ذر: فاقبضه (أيها المرء)

(5/193)


لم يبين هل قبضه أم لا والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه (فبينا) بغير ميم ولأبي ذر؛ فبينما (أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ) بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة ثم فاء فألف وقد تهمز. قال الحافظ ابن حجر: وهي روايتنا من طريق أبي ذر: وكان يرفأ من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا يعرف له صحبة (فقال: هل لك) رغبة (في عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن بن عوف والزبير) بن العوّام (وسعد بن أبي وقاص) زاد النسائي وعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن ابن شهاب على الأربعة طلحة بن عبيد الله حال كونهم (يستأذنون؟) في الدخول عليك (قال: نعم. فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفأ يسيرًا ثم قال: هل لك في عليّ وعباس) زاد شعيب في روايته في المغازي يستأذنان (قال) عمر -رضي الله عنه-: (نعم. فأذن لهما) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة (فدخلا فسلما فجلسا فقال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا) أي عليّ (وهما يختصمان) أي يتنازعان ويتجادلان (فيما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب (من بني النضير) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من مال بني النضير (فقال الرهط عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. قال): ولأبي ذر: فقال (عمر: تيدكم)، بفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية ونصب الدال على وزن فاجمعوا كيدكم وليس في الفرع غيرها، ونسبها عياض للقابسي وعبدوس، وحكى سيبويه عن بعض العرب بيس فلان بفتح الموحدة. قال عياض: فالياء يعني التحتية مسهلة من همزة والتاء يعني الفوقية مبدلة من واو لأنه في الأصل وأدة اهـ.
فالنصب على المصدر والتقدير تيدوا تيدكم، ولأبي ذر: تئدكم بفتح المثناة وهمزة مكسورة.
قال في الفتح: وفتح الدال وضبطها غيره بالقلم بإسكانها وآخر بالقلم أيضًا برفعها وللأصيلي تئدكم، بكسر أوّله وضم الدال مع الهمزة المفتوحة وضبطها بعضهم بالقلم بسكون الدال، وعند بعضهم تيدكم بكسر الفوقية كأنه مصدر تاد يتيد فترك همزه. قال في القاموس: التيد الرفق يقال تيدك يا هذا أي: اتئد وتيدك زيدًا أي أمهله اما مصدر والكاف مجرورة أو اسم فعل والكاف للخطاب. وقال ابن مالك: لا يكون إلا اسم فعل، ويقال: تيد زيد اهـ.
والمعنى هنا اصبروا وأمهلوا على رسلكم (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألكم (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) فوق رؤوسكم بغير عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم (هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا نورث) معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما الموصولة وتركنا صلته والعائد محذوف أي الذي تركناه صدقة (يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) وكذا غيره من الأنبياء بدليل قوله في الرواية الأخرى: "إنا معاشر الأنبياء" فليس خاصًّا به عليه الصلاة والسلام، وأما قول زكريا: {يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6]. وقوله: {وورث سليمان داود} [النحل: 16]. فالمراد ميراث العلم والنبوة والحكمة.
(قال الرهط): عثمان وأصحابه (قد قال) عليه الصلاة والسلام (ذلك. فأقبل عمر على عليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (فقال: أنشدكما الله) بإسقاط حرف الجر وسقط لفظ الجلالة لأبي ذر (أتعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قال ذلك؟) أي: لا نورث ما تركنا صدقة (قالا: قد قال ذلك) وسقطت هذه الجملة من قوله قالا لأبي ذر (قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره ثم قرأ: {وما أفاء الله على رسوله منهم} إلى قوله: {قدير} [الحشر: 6]. (فكانت هذه) أي بني النضير وخيبر وفدك (خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد فيها غيره فكان ينفق منها نفقته ونفقة أهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. هذا مذهب الجمهور. وقال الشافعي: يقسم الفيء خمسة أقسام كما مرّ مفصلاً، وتأول عمر هذا بأنه يريد الأخماس الأربعة (والله) ولأبي ذر: ووالله (ما احتازها)

(5/194)


بحاء مهملة ساكنة وزاي مفتوحة من الحيازة وهي الجمع يقال: حاز الشيء واحتازه جمعه وضمه (دونكم) وللكشميهني ما اختارها بالخاء المعجمة والراء (ولا استأثر) بالمثناة الفوقية وبعد الهمزة الساكنة مثلثة
أي ما تفرد (بها عليكم قد أعطاكموه) أي الفيء، وللكشميهني: أعطاكموها أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة المفتوحة والمثلثة المشددة المفتوحة أي فرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) بفتح الميم والعين المهملة بينهما جيم ساكنة (مال الله) في السلاح والكراع ومصالح المسلمين، وهذا لا يعارضه حديث عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي ودرعه مرهونة على شعير لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شيء منه فيخرجه فيحتاج إلى تعويض ما أخذ منها فلذلك استدان (فعمل) بكسر الميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك حياته. أنشدكم بالله) بحرف الجر (هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم قال لعليّ وعباس: أنشدكما بالله) ولأبي ذر: أنشدكما الله بإسقاط الجار (هل تعلمان ذلك؟) زاد في رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض قالا: نعم. (قال عمر: ثم توفى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله يعلم أنه فيها لصادق بار) بتشديد الراء (راشد تباع للحق) زاد في مسلم بعد قوله قال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما نورث ما تركنا صدقة. ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي) بكسر الهمزة (اعمل) بفتح الميم (فيها بما عمل) بكسرها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم أني فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد جئتني يا عباس تسألني نصيبك) أي ميراثك (من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وجاءني هذا يريد عليًّا يريد نصيب امرأته) أي ميراثها (من أبيها) عليه الصلاة والسلام (فقلت لكما: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا) أي ظهر (لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها) بفتح الواو وتخفيف اللام أي لتتصرفا فيها وتنتفعا منها بقدر حقكما كما تصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر لا على جهة التمليك إذ هي صدقة محرمة التمليك بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلتما ادفعها إلينا فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله) بحرف الجر (هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط): عثمان وأصحابه (نعم. ثم أقبل) عمر (على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال فتلتمسان) أي أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (لا أقضي فيها قضاء غير ذلك) وعند أبي داود: والله لا أقضي بغير ذلك حتى تقوم الساعة (فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فإني أكفيكماها).
وقد استشكل الخطابي هذه القصة بأن عليًّا وعباسًا إذا كانا قد أخذا هذه من عمر على شريطة أن يتصرفا فيها كما تصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والخليفتان بعده وعلما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فإن كانا سمعاه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكيف يطلبانه من أبي بكر، وإن كانا سمعاه من أبي
بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟ وأجيب: بأنهما اعتقدا أن عموم قوله: "لا نورث" مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض، وأمّا مخاصمة علي وعباس بعد ذلك فلم تكن في الميراث بل في ولاية الصدقة وصرفها كيف

(5/195)


تصرف وعورض بقوله في آخر الحديث في رواية النسائي ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما إلا بذلك أي إلا بما تقدم من تسليمها على سبيل الولاية.

2 - باب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الدِّينِ
هذا (باب) بالتنوين (أداء الخمس من الدين) بكسر الدال والخمس بضم الميم وتسكن أي إعطاء خمُس الغنيمة للجهات الخمس من الدين، وفي كتاب الإيمان عبّر بقوله من الإيمان بدل قوله هنا من الدين وجمع بينهما بأنه إن قررنا أن الإيمان قول وعمل دخل أداء الخمس في الإيمان وإن قررنا أنه تصديق دخل في الدين.
3095 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا هَذَا الْحَىَّ مِنْ رَبِيعَةَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُ بهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ -وَعَقَدَ بِيَدِهِ- وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة من بني ضبيعة بطن من عبد القيس أنه (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: قدم وفد عبد القيس) بن أفصى بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فصاد مهملة مفتوحة ابن دعمى بدال مهملة مضمومة فعين مهملة ساكنة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحي من ربيعة بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نصل إليك إلاّ في الشهر الحرام) المراد به الجنس فيتناول الأشهر الحرم الأربعة المحرم ورجبًا وذا القعدة وذا الحجة لحرمة القتال فيها عندهم (فأمرنا بأمر) زاد في الإيمان فصل أي يفصل بين الحق والباطل (نأخذ منه) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: به (وندعو إليه من وراءنا) من البلاد البعيدة عن المدينة أو أولادنا وأحلافنا بالحاء المهملة جمع حلف (قال): عليه الصلاة والسلام:
(آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله)، بالجر بيان أو بدل من الأربع المأمور بها (شهادة أن لا إله إلاّ الله) بالجر أيضًا بيان لسابقه (وعقد) عليه الصلاة والسلام (بيده، وأقام
الصلاة) المكتوبة (وإيتاء الزكاة) المفروضة (وصيام رمضان) لم يذكر الحج لأنه عليه الصلاة والسلام علم أنهم لا يستطيعونه بسبب كفار مضر أو غير ذلك (وأن تؤدوا لله خُمس ما غنمتم) هذا موضع الترجمة.
واستشكل كونه قال: آمركم بأربع وذكر خمسة؟ وأجيب: بأن الأربعة هي ما عدا الشهادة لأنهم كانوا مقرّين بها.
(وأنهاكم عن) الانتباذ في (الدباء) بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة ممدودًا وعاء القرع اليابس (و) عن الانتباذ في (النقير) بالنون المفتوحة والقاف المكسورة جذع ينقر وسطه وينبذ فيه (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بالحاء المهملة المفتوحة والنون الساكنة والفوقية المفتوحة الجرار الخضر أو مطلقًا (و) عن الانتباذ في (المزفّت) بتشديد الفاء المطلي بالزفت.
وهذا الحديث قد سبق في كتاب الإيمان.

3 - باب نَفَقَةِ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ وَفَاتِهِ
(باب نفقة نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد وفاته).
3096 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي، فَهْوَ صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يقتسم) من الاقتسام من باب الافتعال ولا نافية وليست ناهية فيقتسم مرفوع لا مجزوم ويروى كما قاله العيني وغيره لا تقسم (ورثتي دينارًا) التقييد بالدينار من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى (ما تركت بعد نفقة نسائي) أمهات المؤمنين (ومؤونة عاملي) الخليفة بعدي (فهو صدقة) لأني لا أورث ولا أخلف مالاً، ونص على نفقة نسائه لكونهنّ محبوسات عن الأزواج بسببه أو لعظم حقوقهن في بيت المال لفضلهن وقِدَم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين ولذلك اختصصن بمساكنهن ولم يرثها ورثتهن.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوصايا والفرائض، ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج.
3097 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَىْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَىَّ، فَكِلْتُهُ؛ فَفَنِيَ". [الحديث 3097 - طرفه في: 6451].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما في بيتي من شيء

(5/196)


يأكله ذو كبد) بكسر الموحدة إنسان أو حيوان غيره (إلا شطر شعير) برفع شطر أي نصف وسق أو جزء أو شيء من شعير (في رف لي) بفتح الراء وتشديد الفاء شبه الطاق أو خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يوقى به ما يوضع عليه أو كالغرفة الصغيرة في البيت لا باب عليه (فأكلت منه حتى طال عليّ فكلته ففني) أي فرغ قيل إن البركة مع جهل المأخوذ منه فلما كالته علمت مدة بقائه ففني عند تمام ذلك الأمد، وأما حديث: كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه فمحمول على أوّل تملكه إياه أو عند إخراج النفقة منه بشرط أن يبقى الباقي مجهولاً.
ومطابقة الحديث للترجمة في قولها فأكلت منه الخ ... فإنها لم تذكر أنها أخذته في نصيبها بالميراث إذ لو لم تستحق النفقة لأخذ الشعير منها لبيت المال.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الرقاق ومسلم في آخر الكتاب وابن ماجه فى الأطعمة.
3098 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً".
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن سفيان) الثوري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبيد الله السبيعي (قال: سمعت عمرو بن الحرث) المصطلقي الخزاعي أخا جويرية أم المؤمنين (قال: ما ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الوصايا عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا (إلاّ سلاحه) الذي أعدّه لحرب الكفار (وبغلته البيضاء) دلدل (وأرضًا تركها صدقة).
وهذا موضع الترجمة لأن نفقة نسائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد موته كانت مما خصّه الله به من الفيء ومنه فدك وسهمه من خيبر.
وهذا الحديث قد سبق في أوّل الوصايا.

4 - باب مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا نُسِبَ مِنَ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ
وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، وَ {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53].
(باب ما جاء) من الأخبار (في بيوت أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما نسب من البيوت إليهن) رضي الله عنهن. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({وقرن}) بكسر القاف وفتحها قراءتان ({في بيوتكن}) أي لا تخرجن منها [الأحزاب: 33]. (و) قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} ({لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}) [الأحزاب: 53]. أي إلاّ وقت الإذن.
3099 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ".
وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة السلمي المروزي (ومحمد) غير منسوب هو ابن مقاتل المروزي (قالا: أخبرنا) بالمعجمة (عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا) بالمعجمة (معمر) هو ابن راشد (ويونس) هو ابن يزيد الأيلي كلاهما (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالمعجمة والإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية (ابن مسعود أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت):
(لما ثقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح المثلثة وضم القاف أي ركدت أعضاؤه الشريفة عن خفة الحركات زاد في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة من الصلاة واشتد وجعه (استأذن أزواجه) أي طلب منهم الإذن (أن يمرّض) بضم التحتية وفتح الميم وتشديد الراء (في بيتي فأذن) رضي الله عنهن (له) عليه الصلاة والسلام الحديث. وذكره هنا مختصرًا وساقه مطولاً في الصلاة ومطابقته لما ترجم له هنا في قولها في بيتي حيث أسندت البيت إلى نفسها ووجه ذلك أن سكن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من الخصائص فكما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكنى ما بقين فنبّه المؤلّف على أن بهذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن لسكنى البيوت ما بقين.
3100 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها-: "تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، وَفِي نَوْبَتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ. قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِسِوَاكٍ فَضَعُفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ".
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم الجمحي المصري قال: (حدّثنا نافع) هو ابن يزيد المصري قال: (سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله (قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-):
(توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي) هذا موضع الترجمة (وفي) يوم (نوبتي) أي على حساب الدور الذي كان قبل المرض (وبين سحري) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين رئتي أو باطن حلقومي (ونحري) بالنون المفتوحة وسكون الحاء المهملة صدري يعني أنه عليه الصلاة والسلام توفي وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه (وجمع الله بين ريقي وريقه) أي في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة (قالت: دخل)

(5/197)


أخي (عبد الرحمن) بن أبي بكر حجرتي (بسواك) بيان لجمع الله تعالى بين ريق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وريقها (فضعف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه فأخذته فمضعته) بأسناني ولينته (ثم سننته) بنون مفتوحة فأخرى ساكنة أي سوّكته عليه الصلاة والسلام (به).
3101 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزُورُهُ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ -فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ- ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى رِسْلِكُمَا». قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) نسبه لجده واسم أبيه كثير بالمثلثة (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب) الزهري (عن علي بن حسين) زين العابدين (أنّ صفية) بنت حيي -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أنها جاءت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان) الواو في وهو معتكف للحال (ثم قامت تنقلب) أي تردّ إلى منزلها (فقام معها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى إذا بلغ قريبًا من باب المسجد عند باب أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بهما رجلان من الأنصار) قيل هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر (فسلما على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم نفذا) بنون فذال معجمة مفتوحات أي مضيا وتجاوزا (فقال لهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(على رسلكما) بكسر وسكون المهملة أي امشيا على هينتكما فليس شيء تكرهانه (قالا: سبحان الله يا رسول الله) أي تنزه الله عن أن يكون رسوله عليه الصلاة والسلام متّهمًا بما لا ينبغي أو كناية عن التعجب من هذا القول (وكبُر عليهما ذلك) بضم الموحدة أي شق عليهما ما قاله عليه الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): سقط للكشميهني والحموي قوله رسول الله
الخ ... (إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم) أي كمبلغ الدم ووجه الشبه شدّة الاتصال وهو كناية عن الوسوسة (وإني خشيت أن يقذف) الشيطان (في قلوبكما شيئًا) من السوء. قال إمامنا الشافعي: خاف عليهما الكفر إن ظنا به تهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في قلوبهما شيئًا يهلكان به.
3102 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ".
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (عن) عمه (واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: ارتقيت) أي صعدت (فوق بيت حفصة) وفي باب التبرز في البيوت من الطهارة فوق ظهر بيت حفصة (فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقضي حاجته) وحال كونه (مستدبر القبلة مستقبل الشأم) ومطابقته للترجمة في قوله بيت حفصة.
3103 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا".
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) الليثي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها). أي من بيت عائشة. وهذا موضع الترجمة وكان القياس أن تقول من حجرتي لكنه من باب التجريد كأنها جردت واحدة من النساء وأثبتت لها حجرة وأخبرت بما أخبرت به.
وسبق الحديث في باب وقت العصر من الصلاة.
3104 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ: هاهُنَا الْفِتْنَةُ -ثَلاَثًا- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". [الحديث 3104 - أطرافه في: 3279، 3511، 5296، 7092، 7093].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم وفتح الواو مخففًا مصغرًا ابن أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا فأشار نحو مسكن عائشة) أي بيتها (فقال):
(هاهنا) أي جانب الشرق (الفتنة ثلاثًا من حيث يطلع قرن الشيطان) وهو طرف رأسه أي حيث يدني رأسه إلى الشمس.
3105 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ "أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرَاهُ فُلاَنًا -لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ- الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (عن عمرة ابنة) ولأبي ذر: بنت (عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة

(5/198)


الأنصارية (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها) في بيتها (وأنها سمعت صوت إنسان) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه (يستأذن في بيت حفصة) بنت عمر أم المؤمنين والجملة في محل جر صفة لإنسان قالت عائشة (فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك) ولابن عساكر: في بيت حفصة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أراه) بضم الهمزة أي أظنه (فلانًا). (لعم) أي عن عم (حفصة من الرضاعة) ولم يسم ثم قال عليه الصلاة والسلام: (الرضاعة) بفتح الراء (تحرّم ما تحرّم الولادة). بتشديد الراء المكسورة بعد ضم أوّل الفعل فيهما ولأبي ذر ما يحرم من الولادة بفتح أوّله وسكون الحاء المهملة وضم الراء مخففًا وزيادة من الجارة أي مثل ما يحرم منها فهو على حذف مضاف.
وهذا الحديث قد سبق في باب الشهادة على الأنساب والرضاع.

5 - باب مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا تَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ
(باب ما ذكر من درع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الدال وسكون الراء (وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته) أي على سبيل قسمة الصدقات ويذكر بضم التحتية وفتح الكاف، ولأبي ذر: ما لم تذكر بإسقاط من وتذكر بالفوقية بدل التحتية وكذا للكشميهني لكنه بالتحتية بدل الفوقية (ومن شعره) بفتح العين (ونعله) بسكونها (وآنيته مما يبرك) بفتح التحتية والموحدة والراء المشددة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مما يتبرك بزيادة فوقية بعد التحتية من باب التفعل من البركة وحذف العائد للعلم به. وقال الحافظ ابن حجر ولأبي ذر عن شيخيه يعني الحموي والمستملي شرك بالشين المعجمة من الشركة. قال الباجي: وهو ظاهر لقوله
قبله مما لم يذكر قسمته وله عن الكشميهني مما يتبرك به (أصحابه) فزاد لفظة فيه (وغيرهم بعد وفاته).
3106 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ بخاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو ابن المثنى بن عبد الله (الأنصاري) البصري (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) عبد الله (عن ثمامة) بضم المثلثة وبميمين بينهما ألف ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة (عن) جده (أنس) ولأبي ذر حدّثنا أنس (أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- لما استخلف) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (بعثه إلى البحرين) تثنية بحر بلد مشهور بين البصرة وعمان، وكان الأصل أن يقول بعثني لكنه من باب الالتفات من الغائب إلى الحاضر (وكتب له هذا الكتاب) أي كتاب فريضة الصدقة السابق ذكره في باب زكاة الغنم ولشهرته عندهم أطلق، وأشار إليه بقوله: هذا الكتاب. ولفظه في الباب المذكور أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله فمن سُئِلَها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سُئِلَ فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة الحديث بطوله مما يخرج سياقه كله عن غرض الاختصار لا سيما وليس المراد إلا قوله (وختمه) أي وختم أبو بكر الكتاب المذكور (بخاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وسقط قوله بخاتم النبي الخ للحموي والمستملي، (وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر). وزاد في اللباس أن هذا الخاتم كان في يد أبي بكر وفي يد عمر بعده وأنه سقط من يد عثمان وهو جالس على بئر أريس.
3107 - حَدَّثَنِا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلاَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3107 - طرفاه في: 5857، 5858].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبد الله بن محمد) هو ابن أبي شيبة قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) مكبرًا (الأسدي) بفتح الهمزة والسين المهملة أبو أحمد الزبيري الكوفي قال: (حدّثنا عيسى بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الجشمي بضم الجيم وفتح الشين المعجمة البصري نزيل الكوفة (قال: أخرج إلينا أنس) هو ابن مالك (نعلين جرداوين) بفتح الجيم وسكون الراء تثنية جرداء مؤنث الأجرد أي خلقين بحيث لم يبق عليهما شعر ولأبي ذر وابن عساكر جرداوتين بالمثناة الفوقية بعد الواو وقبل التحتية والقياس الأول كحمراوين (لهما) ولأبي ذر

(5/199)


عن الكشميهني لها (قبالان) بكسر القاف تثنية قبال وهو زمام النعل وهو السير الذي يكون بين
الأصبعين قال ابن طهمان (فحدّثني ثابت البناني) بضم الموحدة (بعد) أي بعد أن كان أنس أخرج إلينا نعلين (عن أنس أنهما نعلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وكأنه رأى النعلين مع أن ولم يعلمه أنهما نعلاه عليه الصلاة والسلام فحدّثه بذلك ثابت عن أنس.
وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في اللباس.
3108 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: "أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ -رضي الله عنها- كِسَاءً مُلَبَّدًا وَقَالَتْ: فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَزَادَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ". [الحديث 3108 - طرفه في: 5818].
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والشين المعجمة المشددة العبدي البصري الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري ولأبي ذر من غير اليونينية حدّثنا حميد بن هلال (عن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري أنه (قال: أخرجت إلينا عائشة -رضي الله عنها- كساء) من صوف (ملبدًا) مرقعًا (وقالت: في هذا نزع) بضم النون وكسر الزاي (روح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان لبسه عليه الصلاة والسلام له تواضعًا أو اتفاقًا لا عن قصد إذ كان يلبس ما وجد.
وهذا الحديث أخرجه في اللباس أيضًا وكذا مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
(وزاد سليمان) هو ابن المغيرة القيسي البصري (عن حميد عن أبي بردة) على رواية أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة مما وصله مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة (قال: أخرجت إلينا عائشة إزارًا غليظًا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها) بالمثناة التحتية ولأبي ذر تدعونها ولمسلم التي يسمونها (الملبدة) بضم الميم وفتح اللام والموحدة المشددة.
3109 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ". [الحديث 3109 - طرفه في: 5638].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن قدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انكسر فاتخذ مكان الشعب) بفتح الشين المعجمة أي الصدع والشق (سلسلة من فضة) وفاعل اتخذ أنس أو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجزم بالأوّل بعضهم لقوله في رواية فجعلت مكان الشعب سلسلة. قال في الفتح: ولا حجة فيه
لاحتمال أن يكون فجعلت بضم الجيم على البناء للمجهول فرجع إلى الاحتمال لإبهام الجاعل ولأبي ذر فاتخذ مبنيًّا سلسلة بالرفع نائبًا عن الفاعل.
(قال عاصم) الأحول (رأيت القدح) المذكور (وشربت فيه) أي تبركًا به عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأشربة.
3110 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ "أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَىَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ. فَقَالَ: فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا -وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ- فَقَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ قَالَ: حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلاً وَلاَ أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا".
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن محمد) أبو عبد الله (الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء الكوفي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم (أن الوليد بن كثير) بالمثلثة المخزومي (حدّثه عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين وسكون الميم وحلحلة بفتح الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى (الدؤلي) بدال مهملة مضمومة فهمزة مفتوحة ولأبي ذر عن الكشميهني الديلي بكسر الدال وسكون التحتية من غير همز وصوّبه عياض (حدّثه أن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (حدّثه أن علي بن حسين) هو زين العابدين (حدّثه أنهم حين قدموا المدينة) النبوية (من عند يزيد بن معاوية مقتل) أبيه (حسين بن علي رحمة الله عليه) في عاشوراء سنة إحدى وستين (لقيه المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة ومخرمة بفتحها وسكون الخاء المعجمة ولهما صحبة (فقال له): أي المسور لزين العابدين (هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟) قال زين العابدين (فقلت له: لا. فقال) المسور: (فهل أنت معطي) بضم الميم وسكون العين وكسر الطاء المهملتين وتشديد التحتية أي هل أنت معطي (سيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، إياي، ولعل هذا السيف ذو الفقار، وفي مرآة الزمان أنه عليه الصلاة والسلام وهبه لعليّ قبل موته ثم انتقل إلى آله، وأراد المسور بذلك صيانة سيف

(5/200)


رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لئلا يأخذه من لا يعرف قدره كما قال (فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه) أي
يأخذونه منك بالقوة والاستيلاء (وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص) بضم حرف المضارعة وفتح اللام مبنيًّا للمفعول أي لا يصل السيف (إليهم) ولابن عساكر: إليه أي لا يصل إلى السيف أحدًا (أبدًا حتى تبلغ نفسي) بضم الفوقية وفتح اللام أي تقبض روحي. (إن عليّ بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل) جويرة تصغير جارية أو جميلة بفتح الجيم (على فاطمة عليها السلام فسمعت) بسكون العين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذٍ محتلم) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني المحتلم (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(إن فاطمة مني) أي بضعة مني (وأنا أتخوف أن تفتن في دينها). بسبب الغيرة قوله تفتن بضم أوله وفتح ثالثه (ثم ذكر) عليه الصلاة والسلام (صهرًا له من بني عبد شمس) وأراد به العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وكان زوج ابنته زينب قبل البعثة (فأثنى عليه) خيرًا (في مصاهرته إياه قال: حدّثني. فصدقني) بتخفيف الدال في حديثه (ووعدني) أي أن يرسل إليّ زينب (وفى لي) بما وعدني ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فوفاني بالنون بدل اللام: (وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حرامًا ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبنت عدوّ الله أبدًا). فيه إشارة إلى إباحة نكاح بنت أبي جهل لعليّ -رضي الله عنه- ولكن نهى عن الجمع بينها وبين ابنته فاطمة -رضي الله عنها- لأن ذلك يؤذيها وأذاها يؤذيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخوف الفتنة عليها بسبب الغيرة فيكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله عليه الصلاة والسلام وبنت عدوّ الله.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل ويأتي إن شاء الله تعالى في النكاح.
3111 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُنْذِرٍ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "لَوْ كَانَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- ذَاكِرًا عُثْمَانَ -رضي الله عنه- ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ: اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا. فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: أَغْنِهَا عَنَّا. فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا". [الحديث 3111 - طرفه في: 3112].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن سوقة) بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف أي بكر الكوفي الثقة العابد (عن منذر) بضم الميم وسكون النون وكسر الذال المعجمة ابن يعلى الثوري الكوفي (عن ابن الحنفية) محمد بن علي بن أبي طالب أنه (قال: لو كان علي -رضي الله عنه- ذاكرًا عثمان) أي ابن عفان (رضي الله عنه) وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن محمد بن سوقة حدّثني منذر قال: كنا عند ابن الحنفية فنال بعض القوم من عثمان فقال: مه. فقلنا له: أكان أبوك يسب عثمان؟ فقال: لو كان ذاكرًا عثمان أي بسوء. كما زاده الإسماعيلي وجواب لو قوله (ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان) عماله على الزكاة ولم يقف الحافظ ابن حجر على تعيين الشاكي ولا المشكو (فقال لي علي: اذهب إلى عثمان فأخبره
أنها) أي الصحيفة التي أرسل بها إلى عثمان (صدقة رسول الله) أي مكتوب فيها مصارف صدقة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمر سعاتك يعملون فيها) أي بما فيها ولأبي ذر يعملوا بحذف النون ولابن عساكر وأبي ذر بها بدل فيها أي بهذه الصحيفة قال ابن الحنفية (فأتيته بها فقال: أغنها) بقطع الهمزة المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر النون أي اصرفها (عنا) وإنما ردها لأنه كان عنده نظيرها (فأتيت بها عليًّا فأخبرته فقال: ضعها حيث أخذتها).
3112 - وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُنْذِرًا الثَّوْرِيَّ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي، خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصَّدَقَةِ".
(قال): ولأبي ذر: وقال (الحميدي) عبد الله بن الزبير شيخ المؤلّف (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا محمد بن سوقة قال: سمعت منذرًا الثوري عن ابن الحنفية قال: أرسلني أبي) عليّ بن أبي طالب (خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان، فإن فيه أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصدقة). ولأبي ذر عن الكشميهني: بالصدقة بالموحدة بدل في، وأراد المؤلّف بإيراد هذا بيان تصريح سفيان بالتحديث ومحمد بن سوقة بسماعه من منذر.
وقد ترجم المؤلّف لأشياء ذكر بعضها دون بعض فمما ذكره ولم يخرج له حديثًا الدرع، ويحتمل أنه أراد أن يكتب حديث عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي ودرعه مرهونة فلم يتفق له ذلك وقد سبق في البيوع ومن ذلك العصا ولعله قصد كتابة

(5/201)


حديث ابن عباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يستلم الركن بمحجن وقد مضى في الحج ومن ذلك الشعر وفيه حديث أنس السابق في الطهارة في قول ابن سيرين عندنا شعر من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكره للقدح يدل على ما عداه من آنيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

6 - باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمَسَاكِين وَإِيثَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالأَرَامِلَ
حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ، فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ.
(باب الدليل على أن الخمس) من الغنيمة (لنوائب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي ما ينزل به من المهمات والحوادث (والمساكين) أي لأجلهم (و) لأجل (إيثار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الصفة) نصب مفعول المضاف لفاعله (والأرامل) عطف على أهل الصفة جمع أرمل الرجل الذي لا امرأة له والأرملة المرأة التي لا زوج لها (حين سألته) عليه الصلاة والسلام بنته (فاطمة) الزهراء (وشكت إليه الطحن) أي شدة ما تقاسيه منه وللكشميهني الطحين بكسر الحاء ثم تحتية ساكنة بعدها (و) شدة مقالبة (الرحى أن يخدمها) بضم الياء من الإخدام أي يعطيها خادمًا (من السبي) الذي حضر عنده (فوكلها) بتخفيف الكاف أي فوض أمرها (إلى الله).
3113 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى أخبرَنا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُه، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِسَبْيٍ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تُوَافِقْهُ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاني؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ". [الحديث 3113 - أطرافه في: 3705، 5361، 5362، 6318].
وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بفتح الموحدة والدال المهملة المخففة والمحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة وفتح الموحدة المشددة قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (الحكم) بن عتيبة (قال: سمعت ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عليّ) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن) وفي مسلم ما تلقى من الرحى في يدها (فبلغها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بسبي) بضم الهمزة. قال ابن الأثير: السبي النهب وأخذ الناس عبيدًا: (فأتته تسأله خادمًا) عبدًا أو جارية (فلم توافقه)، أي تصادفه ولم تجتمع به ولمسلم فلم تجده فلقيت عائشة (فذكرت لعائشة، فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك عائشة له فأتانا) عليه السلام (و) الحال أنا (قد دخلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني أخذنا (مضاجعنا فذهبنا لنقوم) أي لأن نقوم (فقال):
(على مكانكما) أي الزماه ولمسلم فقعد بيننا (حتى وجدت برد قدميه) بالتثنية، ولأبي ذر عن الكشميهني قدمه (على صدري) وحتى غاية لمقدّر أي دخل عليه السلام في مضجعنا حتى (فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماه) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني سألتماني وأسند الضمير إليهما والسائل إنما هو فاطمة فقط لأن سؤالها كان برضاه (إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعًا وثلاثين واحمدا ثلاثًا وثلاثين وسبحا ثلاثًا وثلاثين)، بكسر الموحدة في الموضعين وفتح الميم (فإن) ثواب (ذلك) في الآخرة (خير لكما مما سألتماه). من فائدة الخادم خدمة الطحن ونحوه ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني سألتما بحذف الضمير.
فإن قلت: لا مطابقة بين الترجمة والحديث لأنه لم يذكر فيه أهل الصفة ولا الأرامل؟ أجيب بأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، فعند الإمام أحمد من وجه آخر عن عليّ في هذهِ القصة مطوّلاً وفيه: والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم اهـ.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في فضائل عليّ وفي النفقات والدعوات ومسلم في الدعوات.

7 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] يَعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي».
(باب) معنى (قول الله تعالى): ولأبي ذر وابن عساكر عز وجل بدل قوله تعالى: ({فأن لله خمسه}) مبتدأ خبره محذوف أي ثبت لله خمسه والجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كما في قوله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [التوبة: 62] وإن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين ({وللرسول}) [الأنفال: 41] اللام للملك فله عليه السلام خمس الخمس من الغنيمة سواء حضر القتال أم لم يحضر وقال البخاري (يعني للرسول قسم ذلك) فقط لا ملكه وإنما خص بنسبة الخمس إليه إشارة إلى أنه ليس للغانمين فيه حق بل هو مفوّض إلى رأيه وكذلك إلى الإمام بعده، وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال: يقسم ستة أقسام ويصرف سهم الله إلى الكعبة لما روي أنه عليه السلام كان

(5/202)


يأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة وقيل سهم الله لبيت المال وقيل مضموم إلى سهم الرسول وسقط قوله وللرسول لغير أبي ذر واستدلّ البخاري لما ذهب إليه بقوله: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنما أنا قاسم) وهذا طرف من حديث أبي هريرة الآتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب (و) في حديث معاوية السابق في العلم إنما أنا (خازن، والله يعطي). وذكره موصولاً في الاعتصام بهذا اللفظ.
3114 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَقَتَادَةَ أنهم سَمِعُوا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنَ الأَنْصَارِ غُلاَمٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا - قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: وُلِدَ لَهُ غُلاَمٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا -قَالَ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ. وَقَالَ حُصَيْنٌ: بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ، وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا عَنْ جَابِرٍ: أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". [الحديث 3114 - أطرافه في: 3115، 3538، 6186، 6187، 6189، 6196].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (ومنصور) هو ابن المعتمر (وقتادة) بن دعامة (أنهم سمعوا سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه قال: ولد لرجل منا من الأنصار غلام) اسم الرجل أنس بن فضالة الأنصاري (فأراد أن يسميه محمدًا. قال شعبة) بن الحجاج (في حديث منصور) هو ابن المعتمر (أن الأنصاري) يعني
أنس بن فضالة (قال: حملته) يعني ولده (على عنقي فأتيت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وقال شعبة أيضًا (وفي حديث سليمان): الأعمش (-ولد- له) أي لأنس المذكور (غلام فأراد أن يسميه محمدًا- قال) عليه السلام:
(سموا) بفتح السين وضم الميم المشددة (باسمي)، فيه الإذن في التسمية باسمه للبركة الموجودة ولما فيه من الفأل الحسن من معنى الحمد ليكون محمودًا وفيه أحاديث جمعها بعضهم في جزء رويناه (ولا تكنوا) بفتح أوله وثانيه والنون المشددة وأصله تتكنوا فحذفت إحدى التاءين (بكنيتي). أبي القاسم (فإني إنما جعلت قاسمًا أقسم بينكم). أي أموال المواريث والغنائم وغيرهما عن الله وليس ذلك لأحد إلا له، فلا يطلق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه، وحينئذٍ فيمتنع التكني بذلك مطلقًا، وهذا مذهب أهل الظاهر، وعن مالك يباح مطلقًا لأن هذا كان في زمن الرسول للالتباس بكنيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال ابن جرير: النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم. وقال آخرون: النهي مخصوص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها.
(وقال حصين): بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي فيما رواه مسلم موصولاً (بعثت قاسمًا أقسم بينكم). وإنما قال عليه السلام ذلك تطييبًا لنفوسهم لمفاضلته في العطاء.
(قال) ولأبي ذر وقال (عمرو): بفتح العين ابن مرزوق شيخ المؤلّف مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (سمعت سالمًا) هو ابن أبي الجعد (عن جابر) -رضي الله عنه- أنه قال: (أراد) أي الأنصاري (أن يسميه القاسم). أي أراد الأنصاري أن يسمي ولده القاسم ومن لازم تسميته به أن يكون أبوه أبا القاسم فيكون مكنى بكنيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سموا) بفتح المهملة وضم الميم ولأبي ذر تسموا بزيادة فوقية مفتوحة وفتح الميم (باسمي، ولا تكتنوا) بفتح الفوقية بينهما كاف ساكنة ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني ولا تكنوا بفتح الكاف والنون المشددة أصله تتكنوا فحذفت إحدى التاءين (بكنيتي).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الأدب ومسلم في الاستئذان.
3115 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحْسَنَتِ الأَنْصَارُ، سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنهما- أنه
(قال: ولد لرجل منا) اسمه أنس بن فضالة (غلام فسماه القاسم، فقالت الأنصار: لا نكنيك) بفتح النون الأولى وكسر الثانية بينهما كاف ساكنة آخره كاف قبلها تحتية ساكنة، ولأبي ذر عن الكشميهني: نكنك بحذف التحتية (أبا القاسم ولا ننعمك عينًا) بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر العين المهملة ورفع الميم ولأبي ذر عن الكشميهني ولا ننعمك بالجزم أي لا نكرمك ولا نقر عينك بذلك (فأتى) الأنصاري (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ولد لي غلام فسميته القاسم فقالت الأنصار: لا نكنيك)

(5/203)


بفتح النون الأولى وسكون الكاف وبعد النون المكسورة تحتية ساكنة ولأبي ذر عن الكشميهني نكنك بحذف التحتية (أبا القاسم ولا ننعمك عينًا) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا ننعمك بالجزم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أحسنت الأنصار سموا) بالسين المفتوحة وضم الميم ولأبي ذر فسموا بزيادة فاء قبل السين وله أيضًا تسموا بزيادة فوقية مفتوحة وفتح الميم (باسمي، ولا تكنوا بكنيتي)، بفتح التاء والكاف والنون المشددة ولأبي ذر ولا تكتنوا بسكون الكاف بعدها فوقية والنون مخففة (فإنما أنا قاسم).
بين البخاري -رحمه الله تعالى- الاختلاف على شعبة هل أراد الأنصاري أن يسمي ابنه محمدًا أو القاسم، وأشار إلى ترجيح أنه أراد أن يسميه القاسم بطريق الثوري هذه ويقوي ذلك أنه لم يقع الإنكار من الأنصار عليه إلا حيث لزم من تسميته ولده القاسم أن يصير هو أبا القاسم كما مرّ.
3116 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بن موسى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ".
وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي وسقط ابن موسى لغير أبي ذر قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء مصغرًا ابن عوف أحد العشرة المبشرة القرشي الزهري (أنّه سمع معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنه- (قال): ولأبي ذر يقول: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من يرد الله به خيرًا) بالتنكير في سياق الشرط فيعم أي من يرد الله به جميع الخيرات (يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم)، فأعطى كل واحد ما يليق به وفي باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين من كتاب العلم وإنما أنا قاسم بأداة الحصر. واستشكل من حيث إن معناه ما أنا إلا قاسم وكيف يصح وله صفات أخرى كالرسول والمبشر والنذير؟ وأجيب: بأن الحصر إنما هو بالنسبة إلى اعتقاد السامع وهذا ورد في مقام كان السامع معتقدًا كونه معطيًا فلا ينفي إلا ما أعتقده السامع لا كل صفة من الصفات وحينئذٍ إن أعتقد أنه معط لا قاسم فيكون من باب قصر القلب
أي ما أنا إلا قاسم أي لا معط وإن اعتقد أنه قاسم ومعط أيضًا فيكون من قصر الإفراد أي لا شركة في الوصفين بل أنا قاسم فقط.
(ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله) أي القيامة (وهم ظاهرون).
وفيه بيان أن هذه الأمة آخر الأمم وأن عليها تقوم الساعة وإن ظهرت أشراطها وضعف الدين فلا بد أن يبقى من أمته من يقوم به.
وهذا الحديث سبق في العلم.
3117 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أُعْطِيكُمْ وَلاَ أَمْنَعُكُمْ، أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة بعدها نونان بينهما ألف قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره مهملة مصغرًا لقب عبد الملك بن سليمان بن المغيرة قال: (حدّثنا هلال) هو ابن علي الفهري (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم آخره هاء تأنيث الأنصاري النجاري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ما أعطيكم ولا أمنعكم)، وإنما الله المعطي في الحقيقة وهو المانع (أنا) ولأبي ذر عن الكشميهني إنما أنا (قاسم أضع حيث أمرت). لا برأيي فمن قسمت له قليلاً فذلك بقدر الله له ومن قسمت له كثيرًا فبقدر الله أيضًا.
3118 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ -وَاسْمُهُ نُعْمَانُ- عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة أبو عبد الرحمن المقري مولى آل عمر بن الخطاب قال: (حدّثنا سعيد بن أبي أيوب) بكسر العين الخزاعي واسم أبي أيوب مقلاص وسقط لغير المستملي ابن أبي أيوب (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل النوفلي (عن ابن أبي عياش) بالتحتية المشددة آخره شين معجمة (-واسمه نعمان-) بضم النون وسكون العين الأنصاري الزرقي واسم أبي عياش عبيد أو زيد بن معاوية بن الصلت (عن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو بنت قيس بن فهد (الأنصارية) زوج حمزة بن عبد المطلب أو زوج حمزة هي خولة بنت ثائر بالمثلثة الخولانية أو ثائر لقب لقيس بن فهد وبه جزم ابن المديني (-رضي الله عنها-) أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن رجالاً يتخوضون) بالخاء والضاد المعجمتين من

(5/204)


الخوض وهو المشي في الماء وتحريكه ثم
استعمل في التصرف في الشيء أي يتصرفون (في مال الله) الذي جعله لمصالح المسلمين (بغير) قسمة (حق)، بل بالباطل واللفظ وإن كان أعم من أن يكون بالقسمة أو بغيرها لكن تخصيصه بالقسمة لتفهم منه الترجمة صريحًا كما قاله الكرماني (فلهم النار يوم القيامة). فيه ردع الولاة أن يتصرفوا في بيت مال المسلمين بغير حق.

8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُحِلَّتْ لَكُمُ الْغَنَائِمُ».
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] الآية.
وَهْيَ لِلْعَامَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أحلت لكم الغنائم") أي ولم تحل لغيركم (وقال الله تعالى): ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها}) [الفتح: 20] هي ما أصابوها معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعده إلى يوم القيامة (فعجل لكم هذه) أي غنائم خيبر، واتفقوا على أن الآية نزلت في أهل الحديبية وزاد أبو ذر الآية (وهي) ولأبي ذر فهي أي الغنيمة (للعامة) من المسلمين (حتى يبينه) أي الاستحقاق (الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه للمقاتلين ولأصحاب الخمس فالقرآن مجمل والسُّنّة مبيّنة له.
3119 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ والأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي (عن عامر) الشعبي (عن عروة) بن الجعد (البارقي) بالموحدة والراء والقاف الأزدي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الخيل معقود في نواصيها) ولابن عساكر بنواصيها (الخير. الأجر) هو نفس الخير أي الثواب في الآخرة (والمغنم) بفتح الميم وسكون المعجمة أي الغنيمة في الدنيا (إلى يوم القيامة) فيه أن الجهاد لا ينقطع أبدًا وسبق هذا الحديث في الجهاد.
3120 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده)، أي في العراق (وإذا هلك قيصر فلا) فليس (قيصر بعده) أي في الشأم (والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله). بفتح الفاء والقاف أو بكسر الفاء وضم القاف وكلاهما في اليونينية فكنوز رفع على الأول ونصب على الثاني وقد صدق الله تعالى رسوله وأنفقت كنوزهما في سبيل الله.
3121 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ جَرِيرًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [الحديث 3121 - طرفاه في: 3619، 6629]
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن إبراهيم بن راهويه أنه (سمع جريرًا) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن جابر بن سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في علامات النبوة والأيمان والنذور ومسلم في الفتن.
3122 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة الواسطي قال: (أخبرنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية ابن أبي سيار واسمه وردان الواسطي قال: (حدّثنا يزيد الفقير) لأنه أصيب في فقار ظهره ابن صهيب الكوفي قال: (حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أحلت لي الغنائم) هي من خصائصه فلم تحل لأحد غيره وأمته.
وهذا الحديث سبق في الطهارة في باب التيمم.
3123 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته. بأن) ولابن عساكر أن (يدخله) بفضله (الجنة) بعد الشهادة في الحال أو بغير حساب ولا عذاب بعد البعث وتكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع خطاياه ولا توزن مع حسناته وعبر عن تفضله تعالى بالثواب بلفظ تكفل الله لتطمئن به النفوس

(5/205)


وتركن إليه القلوب (أو يرجعه) بفتح الياء لأن رجع يتعدى بنفسه أي أو أن يرجعه (إلى مسكنه الذي خرج منه مع أجر) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني مع ما نال من أجر أي بلا غنيمة إن لم يغنموا (أو) من أجر مع (غنيمة) إن غنموا، فالقضية مانعة الخلو لا الجمع لأن الخارج للجهاد ينال الخير بكل حال فإما أن يستشهد فيدخل الجنة وإما أن يرجع بأجر فقط وإما بأجر وغنيمة معًا وهذا بخلاف أو التي في أو يرجعه فإنها تفيد منع كليهما.
وهذا الحديث قد سبق في الإيمان والجهاد.
3124 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا. فَغَزَا. فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ أحْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ -يَعْنِي النَّارَ- لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا، فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا. ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا". [الحديث 3124 - طرفه في: 5157].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا ابن المبارك) عبد الله (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بفتح الهاء وتشديد الميم ومنبه بضم الميم وفتح النون وتشديد الموحدة المكسورة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(غزا) أي أراد (نبي من الأنبياء) أن يغزو وعند الحاكم في مستدركه من طريق كعب الأحبار
أن هذا النبي هو يوشع بن نون وكان الله تعالى قد نبأه بعد موسى عليه الصلاة والسلام وأمره بقتال الجبارين (فقال لقومه) بني إسرائيل (لا يتبعني) بالجزم على النهي ويجوز الرفع على النفي (رجل ملك بضع امرأة) بضم الموحدة وسكون المعجمة أي عقد نكاح امرأة (وهو) أي والحال أنه (يريد أن يبني بها) أي يدخل عليها وتزف إليه (ولما يبن بها)، أي والحال أنه لم يدخل عليها لتعلق قلبه غالبًا بها فيشتغل عما هو عليه من الطاعة وربما ضعف فعل جوارحه بخلاف ذلك بعد الدخول (ولا) يتبعني (أحد بنى بيوتًا) بالجمع (ولم يرفع سقوفها، ولا أحد) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا آخر بالخاء المعجمة والراء (اشترى غنمًا) أي حوامل (أو خلفات) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام بعدها فاء مخففة جمع خلفة وهي الحامل من النوق وقد تطلق على غير النوق، (وهو) أي والحال أنه (ينتظر ولادها) بكسر الواو وبعد الدال هاء مصدر ولد يلد ولادًا وولادة وأو في قوله غنمًا أو خلفات للتنويع، ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه ويؤكد كونها للتنويع رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء: ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات، ويحتمل أن تكون للشك أي هل قال غنمًا بغير صفة أو خلفات أي بصفة أنها حوامل، والمراد أن لا تتعلق قلوبهم بإنجاز ما تركوه معوّقًا.
(فغزا) يوشع بمن تبعه من بني إسرائيل ممن لم يتصف بتلك الصفة (فدنا من القرية) هي أريحا بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية ساكنة فحاء مهملة مقصورًا (صلاة العصر أو قريبًا من ذلك). وعند الحاكم من روايته عن كعب: وقت عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل، وعند ابن إسحاق فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا فأحاط بها ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا في القرون فسقط سور المدينة فدخلوها وقتلوا الجبارين، وكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فخاف يوشع عليه الصلاة والسلام أن يعجزوا لأنه لا يحل لهم قتالهم فيه (فقال للشمس: إنك مأمورة). أمر تسخير بالغروب (وأنا مأمور) أمر تكليف بالصلاة أو القتال قبل غروبك وهل مخاطبته للشمس حقيقة وأن الله تعالى خلق فيها تمييزًا وإدراكًا يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في الفتن، في سجودها تحت العرش واستئذانها من حيث تطلع (اللهم احبسها علينا) حتى نفرع من قتالهم (فحبست) بضم الحاء وكسر الموحدة أي ردت على أدراجها أو وقفت أو بطئت حركتها (حتى فتح الله عليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليهم (فجمع) يوشع (الغنائم) زاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وابن حبان: وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها (فجاءت -يعني النار- لتأكلها فلم تطعمها)، بفتح أوّله وثالثه أي لم تذق طعمها وهو على طريق المبالغة إذ كان الأصل أن يقال

(5/206)


فلم تأكلها وكان المجيء علامة للقبول وعدم الغلول (فقال) يوشع عليه الصلاة والسلام: (إن فيكم غلولاً)، أي سرقة من الغنيمة (فليبايعني من كل قبيلة رجل) أي فبايعوه (فلزقت يد رجل بيده)، بكسر الزاي (فقال) يوشع: (فيكم الغلول، فليبايعني) بالتحتية بعد اللام، ولأبي ذر: فلتبايعني بالفوقية (قبيلتك) أي فبايعته (فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده)، وفي رواية ابن المسيب رجلين
بالجزم (فقال) يوشع (فيكم الغلول، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة) ولابن عساكر: البقرة بالتعريف (من الذهب، فوضعوها فجاءت النار فأكلتها)، قال ابن المنير: جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال وألهم ذلك يوشع فدعاهم للمبايعة حتى تقوم له العلامة المذكورة، وكذلك يوفق الله تعالى خواص هذه الأمة من العلماء لمثل هذا الاستدلال.
فقد روي في الحكايات المسندة عن الثقات أنه كان بالمدينة محمة يغسل فيها النساء وأنه جيء إليها بامرأة فبينما هي تغسل إذ وقفت عليها امرأة فقالت: إنك زانية وضربت يدها على عجيزة المرأة الميتة فألزقت يدها فحاولت وحاول النساء نزع يدها فلم يمكن ذلك فرفعت إلى والي المدينة فاستشار الفقهاء فقال قائل بقطع يدها، وقال آخر بقطع بضعة من الميتة لأن حرمة الحي آكد فقال الوالي: لا أبرم أمرًا حتى أؤامر أبا عبد الله فبعث إلى مالك -رحمه الله- فقال: لا تقطع من هذه ولا من هذه ما أرى هذه إلاَّ امرأة تطلب حقها من الحدّ فحدّوا هذه القاذفة فضربها تسعة وسبعين سوطًا ويدها ملتصقة فلما ضربها تكملة الثمانين انحلت يدها، فإما أن يكون مالك -رحمه الله- اطلع على هذا الحديث فاستعمله بنور التوفيق في مكانه، وإما أن يكون وفق فوافق وقد كان الزاق يد الغال بيد يوشع تنبيها على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه، أو دليلاً على أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة.
واستنبط من هذا الحديث أن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن.
(ثم أحل الله لنا الغنائم)، خصوصية لنا وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر (رأى) سبحانه وتعالى (ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا) رحمة بنا لشرف نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يحلها لغيرنا لئلا يكون قتالهم لأجل الغنيمة لقصورهم في الإخلاص بخلاف هذه الأمة المحمدية فإن الإخلاص فيهم غالبًا جعلنا الله من المخلصين بمنه وكرمه، وفي التعبير بلنا تعظيم حيث أدخل عليه الصلاة والسلام نفسه الكريمة معنا، وفي قوله إن الله رأى عجزنا وضعفنا إشارة إلى أن الفضيلة عند الله تعالى هي إظهار العجز والضعف بين يديه تعالى.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح ومسلم في المغازي.

9 - باب الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ
هذا (باب) بالتنوين (الغنيمة لمن شهد الوقعة) لا لمن غاب عنها.
3125 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه-: "لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ".
وبه قال: (حدّثنا صدقة) هو ابن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبد الرحمن) هو ابن مهدي
البصري (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن أبيه) أسلم أنه (قال: قال عمر -رضي الله عنه-: لولا آخر المسلمين) الذين لم يوجدوا بعد (ما فتحت قرية إلا قسمتها) أي أرضها خاصة (بين أهلها) الفاتحين لها لأن ذلك حقهم بطريق الأصالة، لكنه رضي الله عنه رأى أنه إذا فعل ذلك لم يبق شيء لمن يجيء بعد ممن يسد من الإسلام مسدًّا، فاقتضى حسن نظره -رضي الله عنه- أن يفعل في ذلك أمرًا يسع أولهم وآخرهم فوقفها وضرب عليها الخراج للغانمين ولمن يجيء بعدهم من المسلمين ومنه بيعها وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم (كما قسم النبي خيبر) أي بين من شهدها كما تقسم الغنائم. وقال أبو حنيفة وصاحباه: الإمام بالخيار إن شاء خمسها وقسم أربعة أخماسها وإن شاء تركها أرض خراج، واحتج لهم بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن قسم خيبر بكمالها ولكنه قسم طائفة منها على ما احتج به عمر -رضي الله عنه- في هذا الحديث، وترك طائفة منها فلم يقسمها على ما روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر، والذي كان قسمه منها هو الشق والنطاة وترك سائرها. وعن

(5/207)


سهل بن أبي حثمة فيما رواه الطحاوي قال: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحاجته ونصفًا بين المسلمين ففيه أنه كان وقف نصفها لنوائبه وحاجته وقسم بقيتها بين من شهدها، وأن الذي وقفه منها هو الذي كان دفعه إلى اليهود مزارعة على ما في حديث ابن عمر وجابر. قال الطحاوي: فعلمنا من ذلك أنه قسم وله أن يقسم وترك وله أن يترك فثبت بذلك أن هذا حكم الأراضي المفتتحة للإمام أن يقسمها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين كما قسم عليه الصلاة والسلام ما قسم من خيبر وله تركها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين، وقد فعل عمر ذلك في أرض السواد بإجماع الصحابة فتركها للمسلمين أرض خراج لينتفع بها من كان في عصره من المسلمين ومن بعدهم.
وأجاب الشافعي فيما قاله ابن المنذر: بأن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين فتحوا أرض السواد، وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله: لولا آخر المسلمين.
وأجيب: وبأن معناه لولا آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين.
وروى الطحاوي عن عبد الله بن عمر بن العاصي أن أباه لما فتح أرض مصر جمع من كان معه من الصحابة واستشارهم في قسمة أرضها بين من شهدها كما قسم بينهم غنائمها وكما قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر بين من شهدها أو يوقفها حتى يراجع عمر -رضي الله عنه- فقال نفر منهم فيهم ابن الزبير بن العوّام: والله ما ذاك إليك ولا إلى عمر إنما هي أرض فتحها الله عز وجل علينا وأوجفنا عليها خيلنا ورجالنا وحوينا ما فيها، وقال نفر منهم: لا تقسمها حتى نراجع أمير المؤمنين فيها فاتفق رأيهم على أن يكتبوا إلى عمر في ذلك، فكتب إليهم عمر بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد وصل إليّ ما كان من إجماعكم على أن تفيئوا عطايا المسلمين ومؤن من يغزو العدوّ من أهل الكفر وإني إن قسمتها عليكم لم يكن لمن بعدكم من المسلمين مادة يغزون بها عدوّهم ولولا ما أحمل عليه في سبيل الله عز وجل وأدفع عن المسلمين من مؤنهم وأجري على
ضعفائهم وأهل الديوان منهم لقسمتها بينكم فأوقفوها فيئًا على من بقي من المسلمين حتى تنقرض آخر عصابة تغزو من المؤمنين والسلام عليكم.
ولما وضع عمر الخراج على أرض العراق وطلبوا منه أن يقسمها بينهم واحتجوا عليه بقوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} إلى قوله: {وابن السبيل} [الحشر: 7] ثم قال: {للفقراء المهاجرين} [الحشر: 8] فأدخلهم معهم، ثم قال: {والذين تبوؤوا الدار والإيمان} يريد الأنصار فأدخلهم معهم احتج عليهم بقوله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم} فأدخل فيهم من يجيء من بعدهم.
فإن قلت: لم لا يكون قوله: {والذين جاؤوا من بعدهم} استئنافًا والخبر في قوله تعالى: {يقولون ربنا اغفر لنا} [الحشر: 9 - 10] يكون الفرق بين هؤلاء الذين لم يوجدوا بعد وبين الدين تبوؤوا الدار وهم الأنصار وكانوا يحضرون الوقائع فيستحقون كالمهاجرين، وأما هؤلاء فلا يوجد فيهم الاستحقاق ولم تدع ضرورة إلى العطف لإمكان الاستئناف؟ أجيب: بأن الاستئناف هنا لا يصح لأنه حينئذٍ يكون خبرًا عن كل من جاء بعد الصحابة أن يستغفر لهم وقد وقع خلاف هذا من أكثر الرافضة وغيرهم من السابين غير المستغفرين، فلو كان خبرًا لزم الخلف وهو باطل، فإذا جعلنا ذلك معطوفًا أدخلنا الذين جاؤوا من بعدهم في الاستحقاق للغنيمة وجعلنا قوله يقولون جملة حالية كالشرط للاستحقاق كأنه قال: يستحقون في حالة الاستغفار وبشرطه، ولهذا قال مالك: لا حق لمن سب السلف في الفيء وحينئذٍ فلا يلزم خلف، والذي تقرر أن مذهب الحنفية والحنابلة أن الإمام مخير فيما فتح عنوة بين قسمة أرضه كالمنقولات ووقفها، وأن مذهب الشافعية قسمتها على من حضر الوقعة وعن المالكية أنها تصير وقفًا بنفس الظهور، وقال الشافعية في أرض الفيء: يقفها الإمام لتبقى الرقبة مؤيدة وينتفع بغلتها المستحق كل عام بخلاف المنقول فإنه معرض للهلاك وبخلاف الغنيمة فإنها بعيدة عن نظر الإمام واجتهاده لتأكد حق الغانمين وأن الإمام إن رأى قسمة أرض الفيء أو بيعها وقسمة ثمنها جاز لكن لا يقسم سهم المصالح بل يقوف وتصرف غلته في المصالح أو يباع ويصرف ثمنه إليها.

10 - باب مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ؟
(باب من قاتل للمغنم) أي مع قصد

(5/208)


أن تكون كلمة الله هي العليا (هل ينقص من أجره؟) ظاهر صنيع المؤلّف لا واحتج له ابن المنير بأن قصد الغنيمة لا يكون منافيًا للأجر ولا منقصًا له إذا قصد معه إعلاء كلمة الله لأن السبب لا يستلزم الحصر ولو كان قصد المغنم ينافي قصد أن تكون كلمة الله هي العليا لما كان الجواب من الشارع عامًّا حيث قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ولكان الجواب المطابق أن يقال: من قاتل للمغنم فليس في سبيل الله نعم الظاهر أنه ينقص، لكنه كما قال في الفتح أنه نقص نسبي فليس من قصد إعلاء كلمة الله محضًا في الأجر مثل من ضم إلى هذا القصد قصدًا آخر من غنيمة أو غيرها. وقال العيني ليس له
أجر فضلاً عن النقصان لأن المجاهد هو الذي يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله والظاهر أنه أراد من قاتل للمغنم فقط من غير قصد لإعلاء كلمة الله.
3126 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وبه قاله: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة قال: (حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة أنه (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: حدّثنا أبو موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال أعرابي) هو لاحق بن ضمرة الباهلي (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرجل يقاتل للمغنم) أي لأجل الغنيمة (والرجل يقاتل ليذكر) بضم الياء مبنيًّا للمفعول أي لأجل أن يذكر بالشجاعة عند الناس (ويقاتل ليرى) بضم الياء للمفعول أي لأجل أن يرى (مكانه) بالرفع نائبًا عن الفاعل أي مرتبته في الشجاعة (من) ولابن عساكر: فمن (في سبيل الله؟ فقال) عليه الصلاة والسلام:
(من قاتل لتكون كلمة الله) أي كلمة توحيده (هي العليا) بضم العين (فهو) المقاتل (في سبيل الله) وإن قصد مع ذلك الغنيمة كما سبق، أما لو قصد الغنيمة فقط فليس في سبيل الله فلا أجر له البتة على ما لا يخفى قال ابن المنير: فكيف ترجم له بنقص الأجر وجوابه أن مراده مع قصد الإعلاء كما ذكرته فتأمله.

11 - باب قِسْمَةِ الإِمَامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ، وَيَخْبَأُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَوْ غَابَ عَنْهُ
(باب قسمة الإمام ما يقدم عليه) من هدايا أهل الحرب بين أصحابه وقوله يقدم بفتح الدال (ويخبأ) بفتح التحتية والموحدة (لمن لم يحضره) في مجلس القسمة (أو غاب عنه) ليس غير بلد القسمة.
3127 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: ادْعُهُ لِي, فَسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَوْتَهُ فَأَخَذَ قَبَاءً فَتَلَقَّاهُ بِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِأَزْرَارِهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شيء". وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ
وقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بن مخرمة "قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةٌ". تَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) التيمي الأحول القاضي التابعي (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا مرسل لكن وقع في رواية الأصيلي كما في الفتح عن ابن أبي مليكة عن المسور قال الحافظ ابن حجر وهو وهم والمعتمد الأول (أهديت له أقبية) جمع قباء (من ديباج مزررة بالذهب) من زررت القميص إذا اتخذت له أزرارًا ولأبي ذر عن المستملي مزردة بالدال المهملة بدل الراء الأخيرة من الزرد وهو تداخل حلق الدروع بعضها في بعض (فقسمها) عليه الصلاة والسلام (في أناس من أصحابه وعزل منها واحدًا لمخرمة بن نوفل) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة (فجاء) أي مخرمة (ومعه ابنه المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو (فقام على الباب) النبوي (فقال) لابنه المسور (ادعه لي) أي عرفه عليه الصلاة والسلام أني حضرت وفي رواية قال المسور فأعظمت ذلك فقال: يا بني إنه ليس بجبار (فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صوته) أي صوت مخرمة (فأخذ قباء فتلقاه به) أي بذلك القباء (واستقبله بأزراره) الذهب ليريه محاسنه ليرضيه (فقال):
(يا أبا المسور خبأت هذا لك، يا أبا المسور خبأت هذا لك) مرتين (وكان في خلقه) أي مخرمة (شدة) ولأبي ذر عن الكشميهني شيء فلاطفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما فعله معه وكان بالمؤمنين رحيمًا.
(ورواه) أي هذا الحديث ولأبي ذر رواه (ابن علية) إسماعيل واسم أبيه إبراهيم الأسدي البصري مما وصله في الأدب (عن أيوب) السختياني أي مرسلاً مثل الرواية الأولى (قال) ولأبي ذر: وقال (حاتم بن وردان) مما وصله في باب شهادة الأعمى (حدّثنا أيوب) السختياني

(5/209)


(عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) ولأبي ذر عن المسور بن مخرمة (قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية) والمسور وأبوه مخرمة صحابيان فالحديث موصول في هذه الطريق. (تابعه) أي تابع أيوب (الليث) بن سعد الإمام على وصله (عن ابن أبي مليكة) عن المسور هذه المتابعة وصلها في باب كيف يقبض المتاع في الهبة والحاصل أنه اتفق اثنان عن أيوب على إرساله ووصله ثالث عن أيوب ووافقه آخر عن شيخهم واعتمد المؤلّف الموصول لحفظ من وصله فظهر أن رواية الأصيلي الموصولة في الرواية الأولى وهم كما مرّ.

12 - باب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ من نَوَائِبِهِ
هذا (باب) بالتنوين (كيف قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريظة والنضير وما أعطى) عليه الصلاة والسلام (من ذلك في) ولأبي ذر عن الكشميهني: من (نوائبه).
3128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي واسم أبي الأسود حميد قال: (حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان الرجل) أي من الأنصار (يجعل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخلات) أي من عقارهم هدية ليصرفها في نوائبه (حتى افتتح قريظة) أي حصنًا كان لقريظة (و) أجلى (النضير فكان بعد ذلك يرد عليهم) نخلاتهم وكانت النضير مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وانجلى عنها أهلها بالرعب فكانت خالصة له عليه الصلاة والسلام فحبس منها لنوائبه وما يعروه وقسم أكثرها في المهاجرين خاصة دون الأنصار وأمرهم أن يعيدوا إلى الأنصار ما كانوا واسوهم به لما قدموا عليهم المدينة ولا شيء لهم، فاستغنى الفريقان جميعًا ثم فتحت قريظة لما نقضوا العهد فحوصروا فنزلوا على حكم سعد وقسمها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أصحابه وأعطى من نصيبه في نوائبه أي في نفقات أهله ومن يطرأ عليه، ويجعل الباقي في السلاح والكراع عدّة في سبيل الله.
وهذا الحديث مختصر من حديث يأتي إن شاء الله تعالى بتمامه مع بيان كيفية قسمه عليه السلام المترجم بها في المغازي بعون الله وقوته.

13 - باب بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوُلاَةِ الأَمْرِ
(باب بركة الغازي في ماله) بالموحدة وصحفه بعضهم بالمثناة الفوقية، ويؤيده قوله (حيًّا وميتًا) أي في حال كونه حيًا وميتًا فكم من فقير أغناه الله ببركة غزوه (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وولاة الأمر).
3129 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا بُنَىِّ إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا فَقَالَ: يَا بُنَىِّ، بِعْ مَا لَنَا، فَاقْضِ دَيْنِي. وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ -يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ- فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ -خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ- وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ: يَا
بُنَىِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَىْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَىَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ. فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ -رضي الله عنه- وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِلاَّ أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ, وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَدَارًا بِالْكُوفَةِ، وَدَارًا بِمِصْرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ إنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لاَ, وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ. وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلاَ جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلاَ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رضي الله عنهم-. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَىْ أَلْفٍ وَمِائَتَىْ أَلْفٍ قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي: كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ فَقَالَ مِائَةُ أَلْفٍ. فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللَّهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَىْ أَلْفٍ وَمِائَتَىْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَىْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي. قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ. فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ: ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ. فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ -وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ- فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ. قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ. قَالَ: قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكَ مِنْ هَا هُنَا إِلَى هَا هُنَا. قَالَ فَبَاعَ فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ. وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ -وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ زَمْعَةَ- فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الْغَابَةُ؟ قَالَ: كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ: كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ. فَقَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمْ بَقِيَ؟ فَقَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ. قَالَ: أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ. قَالَ: وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ كَلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ. فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَرَفَعَ الثُّلُثَ فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة الليثي (أحدثكم) بهمزة الاستفهام، ولابن عساكر: حدثكم بإسقاطها (هشام بن عروة) لم يذكر جواب الاستفهام لكن عند إسحاق بن راهويه في مسنده بهذا
الإسناد قال: نعم، حدّثني هشام بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن) أخيه (عبد الله بن الزبير) أنه (قال: لما وقف الزبير) بن العوّام (يوم) وقعة (الجمل) التي كانت بين عائشة ومن معها وبين علي ومن معه -رضي الله عنهم- على باب البصرة سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان وأضيفت الوقعة إلى الجمل لكون عائشة كانت عليه حال الوقعة حتى عقر (دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم) عند خصمه (أو مظلوم) عند نفسه لأن كلا الفريقين كان يتأول أنه على الصواب قاله ابن بطال. وقال السفاقسي: إما صحابي يتأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقد كان الزبير وطلحة وغيرهما من كبار الصحابة خرجوا مع عائشة لطلب قتلة عثمان وإقامة الحدّ عليهم لا لقتال عليّ لأنه لا خلاف أن عليًّا كان أحق بالإمامة من جميع أهل زمانه وكان قتلة عثمان لجؤوا إلى عليّ فرأى أنه لا يسلمهم للقتل حتى يسكن حال الأمة وتجري الأمور على ما أوجب الله فكان ما قدر الله مما جرى به القلم، ولذا قال الزبير لابنه لما رأى شدّة الأمر وأنهم لا ينفصلون إلا عن تقاتل (وإني لا أراني) بضم الهمزة أي لا أظنني (إلا سأقتل اليوم مظلومًا) لأنه لم ينو قتالاً ولا عزم عليه أو لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بشر قاتل ابن صفية بالنار". (وإن من أكبر

(5/210)


همي لديني) بفتح اللام للتأكيد (أفترى) بهمزة الاستفهام وضم الفوقية أي أفتظن وبفتحها أي أتعتقد (يبقي) بضم أوله وكسو ثالثه من الإبقاء (ديننا) بالرفع على الفاعلية (من مالنا شيئًا؟) بالنصب على المفعولية وقال ذلك استكثارًا لما عليه وإشفاقًا من دينه (فقال: يا بني بع مالنا فاقض) ولأبي ذر: واقض (ديني وأوصى بالثلث) من ماله مطلقًا (وثلثه) أي وبثلث الثلث (لبنيه يعني عبد الله بن الزبير) ولأبي ذر: يعني عبد الله بن الزبير خاصة (يقول: ثلث الثلث)، كما ذكرته (فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه) بضمات أي ثلث ذلك الفضل الذي أوصيت به من الثلث (لولدك) وسقط قوله شيء لابن عساكر، ومقتضاه أن الفاضل بعد قضاء الدين يصرف ثلثه لبني عبد الله وفيه شيء لأنه إنما أوصى لهم بثلث الثلث، ويحمل الكلام على أن المراد فإن فضل بعد الدين شيء يصرف لجهة الوصية التي أوصيتها فثلثه لولدك. وحكى الدمياطي عن بعضهم أن ثلثه ليس اسمًا وإنما هو فعل أمر بفتح المثلثة وكسر اللام المشددة لتصح إضافته إلى ولده أي ليكون الثلث وصلة إلى إيصال ثلث الثلث إلى أبناء عبد الله قال الدمياطي: فيه نظر.
(قال هشام): هو ابن عروة بالسند السابق (وكان بعض ولد عبد الله) بن الزبير (قد وازى) بالزاي المعجمة أي ساوى (بعض بني الزبير) أي في السن، وقال ابن بطال: أي ساوى بنو عبد الله في أنصبائهم من الوصية بعض بني الزبير في أنصبائهم من ميراث أبيهم الزبير وهذا أولى، وإلاَّ لم يكن لذكر كثرة أولاد الزبير معنى، وتعقبه في الفتح بأنه في تلك الحالة لم يظهر مقدار الموروث ولا الموصى به، وأما قوله: لم يكن له معنى فليس كذلك لأن المراد أنه خص أولاد عبد الله دون غيرهم لكونهم كثروا وتأهلوا حتى ساووا أعمامهم في ذلك فجعل لهم نصيب من المال ليتوفر على أبيهم حصته وفيه الوصية للحفدة إذا كان لهم آباء في الحياة يحجبونهم
(خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة مصغرًا مرفوعًا بدلاً أو بيانًا من بعض في قوله وكان بعض، وقول الحافظ ابن حجر: يجوز جره على أنه بيان للبعض سهو لأن بعض في موضعين أولهما مرفوع اسم كان والثاني منصوب على المفعولية (وعباد) بفتح العين وتشديد الموحدة هما ولدا عبد الله بن الزبير ولم يكن له يومئذ سواهما وهاشم وثابت (وله) أي للزبير لا لابنه عبد الله. ووهم الكرماني (يومئذ) أي يوم وصيته (تسعة بنين) عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي بكر، وعمرو وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد، ومصعب وحمزة أمهما الرباب بنت أنيف، وعيدة وجعفر أمهما زينب بنت بشر (وتسع بنات) خديجة الكبرى، وأم الحسن وعائشة أمهن أسماء بنت أبي بكر، وحفصة أمها زينب، وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة؟ وحبيبة وسودة وهند أمهن أم خالد، ورملة أمها الرباب.
(قال عبد الله: فجعل) الزبير (يوصيني بدينه) أي بقضائه (ويقول: يا بني إن عجزت عنه في شيء) ولأبي ذر وابن عساكر: إن عجزت عن شيء منه (فاستعن عليه مولاي) عز وجل (قال) عبد الله: (فوالله ما دريت) بفتح الراء (ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك؟) لعله ظن أن يكون أراد بعض عتقائه فلما استفهمه (قال: الله. قال) عبد الله: (فوالله ما وقعت في كربة) بضم الكاف وبالموحدة (من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه. فقتل الزبير) غدرًا فتك به عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي وهو نائم. وروى الحاكم من طرق متعددة أن عليًّا ذكر للزبير بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "لتقاتلن عليًّا وأنت ظالم له". فرجع لذلك. وعند ابن أبي خيثمة في تاريخه أنه رجع قبل أن يقع القتال، وعند يعقوب بن سفيان أن ابن جرموز قتله بوادي السباع (-رضي الله عنه- ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلاَّ أرضين) بفتح الراء وكسر الضاد (منها الغابة) بغين معجمة وموحدة مخففة أرض عظيمة من عوالي المدينة اشتراها بسبعين ومائة ألف وبيعت في ترِكَته بألف ألف وستمائة

(5/211)


ألف (وإحدى عشرة دارًا بالمدينة) بسكون الشين (ودارين بالبصرة ودارًا بالكوفة ودارًا بمصر. قال): أي عبد الله (وإنما) وسقط لأبي ذر لفظة قال، وفي روايته عن الحموي والمستملي وقال: إنما (كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا). أقبضه وديعة (ولكنه سلف) قرض في ذمتي (فإني أخشى عليه الضيعة) فيظن بي التقصير في حفظه، وهذا أوثق لرب المال وأبقى لمروءة الزبير -رضي الله عنه- (وما ولي إمارة قط) بكسر الهمزة (ولا جباية خِراج) بكسر الجيم وبالموحدة (ولا شيئًا) مما يكون سببًا لتحصيل المال ولم تكن كثرة ماله من جهة مقتضية لظن سوء بصاحبها (إلاَّ أن يكون في غزوة مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم) فيكسب من الغنيمة ولقد كان صاحب ذمة وافرة وعقارات كثيرة. وروى الزبير بن بكار بإسناده أن الزبير كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى.
(وقال عبد الله بن الزبير): بالإسناد السابق (فحسبت) بفتح السين من الحساب (ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف) بالتثنية في الموضعين (قال: فلقي حكيم بن حزام) بالحاء
المهملة والزاي (عبد الله بن الزبير) نصب على المفعولية (فقال: يا ابن أخي) أي في الدين (كم على أخي) أي الزبير (من الدين؟ فكتمه) عبد الله (فقال): بالفاء ولأبي ذر: وقال: (مائة ألف) ولم يذكر الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدان به الزبير فيظن به عدم الحزم وبعبد الله عدم الوفاء بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج (فقال حكيم: والله ما أرى) بضم الهمزة أي ما أظن (أموالكم تسع) أي تكفي (لهذه) فلما استعظم حكيم أمر مائة ألف احتاج عبد الله أن يذكر له الجميع (فقال له عبد الله: أفرأيتك) بفتح التاء أي أخبرني (إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف) ولم يكن كتمانه الزائد كذبًا لأنه أخبر ببعض ما عليه وهو صادق. نعم من يعتبره مفهوم العدد يرى أنه أخبر بغير الواقع.
(قال) حكيم: (ما أراكم تطيقون) وفاء (هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي قال: وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف) بالموحدة بعد السين المهملة (فباعها) أي قوّمها وعبّر بالبيع اعتبارًا بالأول (عبد الله) ابنه (بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال: من كان له على الزبير حق فليوافنا) أي فليأتنا (بالغابة فأتاه عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (وكان له على الزبير أربعمائة ألف. فقال لعبد الله) بن الزبير: (إن شئتم تركتها) أي الأربعمائة ألف (لكم. قال عبد الله) له: (لا) تترك دينك. (قال) عبد الله بن جعفر: (فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم؟ فقال): بالفاء ولأبي ذر: قال (عبد الله) بن الزبير: (لا) تؤخر (قال: قال) عبد الله بن جعفر: (فاقطعوا لي قطعة. فقال عبد الله) بن الزبير له: (لك من هاهنا إلى هاهنا. قال: فباع منها) أي من الغابة والدور لا من الغابة وحدها (فقضى دينه) أي دين أبيه (فأوفاه) جميعه وكان ألفي ألف كما عند أبي نعيم في المستخرج (وبقي منها) أي من الغابة بغير بيع (أربعة أسهم ونصف، فقدم) عبد الله بن الزبير (على معاوية) بن أبي سفيان دمشق (وعنده عمرو بن عثمان) بفتح العين وسكون الميم ابن عفان (والمنذر بن الزبير) أخو عبد الله بن الزبير (وابن زمعة) بالزاي والميم والعين المفتوحات وتسكن الميم اسمه عبد الله أخو أم المؤمنين سودة (فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟) بضم القاف مبنيًا للمفعول والغابة رفع نائب عن الفاعل ولأبي ذر: كم قوّمت الغابة مبنيًّا للفاعل نصب على المفعولية (قال) عبد الله بن الزبير: (كل سهم) أي من أصل ستة عشر سهمًا (مائة ألف) بنصب مائة على نزع الخافص أي جاء كل سهم بمائة ألف، وهذا يؤيد ما سبق أنه لم يبع الغابة وحدها لأنه سبق أن الدين كان ألفي ومائتي ألف وأنه باع الغابة بألف ألف وستمائة ألف وأنه بقي منها أربعة أسهم ونصف بأربعمائة وخمسين ألفًا، فيكون الحاصل من ثمنها إذ ذاك ألف

(5/212)


ألف ومائة ألف وخمسين ألفًا خاصة فيتأخر من الدين ألف ألف وخمسون ألفًا فكأنه باع بها شيئًا من الدور. قاله في الفتح.
(قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. قال): ولأبي ذر: فقال (المنذر بن الزبير: قد أخذت سهمًا بمائة ألف قال): ولأبي ذر: وقال (عمرو بن عثمان: قد أخذت سهمًا بمائة ألف وقال ابن زمعة: قد أخذت سهمًا بمائة ألف فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته) ولأبي ذر قال: قد أخذته (بخمسين ومائة ألف. قال: وباع) بالواو ولأبي ذر: فباع
(عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف) فربح مائتي ألف (فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه) أي دين أبيه (قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا قال: لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كل سنة ينادي بالموسم) ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا نقضه (فلما مضى أربع سنين) ولم يأته أحد (قسم بينهم) قيل: وتخصيص الأربع سنين لأن الغالب أن المسافة التي بين مكة وأقطار الأرض سنتان فيصل إلى الأقطار ثم يعود إليه، ولعل الورثة أجازوا هذا التأخير وإلاّ فمن طلب القسمة بعد وفاء الدين الذي وقع العلم به أجيب إليها فإذا ثبت بعد ذلك شيء استعيد منه (قال: فكان) بالفاء ولأبي ذر: وكان (للزبير أربع نسوة) مات عنهن أم خالد والرباب وزينب المذكورات قبل وعاتكة بنت زيد أخت سعيد بن زيد أحد العشرة، (ورفع) عبد الله (الثلث) الموصى به (فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف) ولابن عساكر ومائتي ألف (فجميع ماله) المحتوي على الوصية والميراث والدين (خمسون ألف ألف ومائتا ألف). وهذا كما قالوا من الغلط في الحساب.
قال الدمياطي فيما حكاه في الفتح: وإنما وقع الوهم في رواية أبي أسامة عند البخاري في قوله في نصيب كل زوجة أنه ألف ألف ومائتا ألف، وأن الصواب أنه ألف ألف سواء بغير كسر وإذا اختص الوهم بهذه اللفظة وحدها خرج بقية ما فيه على الصحة لأنه يقتضي أن يكون الثمن أربعة آلاف ألف، فلعل بعض رواته لما وقع له ذكر مائتا ألف عند الجملة ذكرها عند نصيب كل زوجة سهوًا وهذا توجيه حسن، ويؤيده ما روى أبو نعيم في المعرفة من طريق أبي معشر عن هشام عن أبيه قال: ورثت كل امرأة للزبير ربع الثمن ألف ألف درهم وقد وجهه الدمياطي أيضًا بأحسن منه فقال: ما حاصله أن قوله فجميع مال الزبير خمسون ألف ألف ومائتا ألف صحيح والمراد به قيمة ما خلفه عند موته، وأن الزائد على ذلك وهو تسعة آلاف ألف وستمائة ألف بمقتضى ما تحصل من ضرب ألف ألف ومائتي ألف وهو ربع الثمن في ثمانية مع ضم الثلث كما تقدم، ثم قدر الدين حتى يرتفع من الجميع تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف حصل هذا الزائد من نماء العقار والأراضي في المدّة التي أخر فيها عبد الله بن الزبير قسم التركة استبراء للدين كما مرّ، وهذا التوجيه في غاية الحسن لعدم تكلفه وتبقية الرواية الصحيحة على وجهها، والظاهر أن الغرض ذكر الكثرة التي نشأت عن البركة في تركة الزبير إذا خلف دينًا كثيرًا ولم يخلف إلاَّ العقار المذكور ومع ذلك فبورك فيه حتى تحصل منه هذا المال العظيم. وقد جرت للعرب عادة بإلغاء الكسر مرة وجبره أخرى فهذا من ذاك، وقد وقع إلغاء الكسر في هذه القصة في عدة روايات بصفات مختلفات لا نطيل بذكرها اهـ. ملخصًا من فتح الباري.

14 - باب إِذَا بَعَثَ الإِمَامُ رَسُولاً فِي حَاجَةٍ، أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ, هَلْ يُسْهَمُ لَهُ؟
هذا (باب) بالتنوين (إذا بعث الإمام رسولاً في حاجة أو أمره بالمقام) بضم الميم أي ببلده (هل يسهم له؟) أي مع الغانمين.
3130 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ". [الحديث 3130 - أطرافه في: 3698، 3704، 4066، 4513، 4514، 4650، 4651، 7095].
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا عثمان بن موهب) بفتح الميم والهاء بوزن جعفر ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله الأعرج الطلحي التيمي القرشي (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: إنما تغيب عثمان عن) وقعة (بدر فإنه كانت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كان (تحته بنت) ولابن

(5/213)


عساكر ابنة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رقية (وكانت مريضة) فتكلف الغيبة لأجل تمريضها وتوفيت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببدر (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه) وأسهمه وقال: اللهم إن عثمان كان في حاجة رسولك، واحتج أبو حنيفة بهذا على أن من بعثه الإمام لحاجة يسهم له، وقال الشافعي ومالك وأحمد: لا يسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة. وأجابوا عن هذا الحديث بأنه خاص بعثمان ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام "إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه" وهذا لا سبيل إلى أن يعمله غيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في المغازي وفي فضل عثمان والترمذي في المناقب.

15 - باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ- فَتَحَلَّلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, وَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنَ الْفَىْءِ وَالأَنْفَالِ مِنَ الْخُمُسِ، وَمَا أَعْطَى الأَنْصَارَ، وَمَا أَعْطَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ تَمْرَ خَيْبَرَ
(باب) بالتنوين ولابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري باب بالتنوين أيضًا وفي بعض الأصول وهو لأبي ذر باب بالتنوين كذلك قال: (ومن الدليل على أن الخمس) من الغنيمة (لنوائب المسلمين) التي تحدث لهم (ما سأل هوازن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) برفع هوازن على الفاعلية ونصب النبي على المفعولية (برضاعه) بفتح الراء أي بسبب رضاعه (فيهم) لأن حليمة السعدية مرضعته منهم والمراد قبيلة هوازن وأطلقها على بعضهم مجازًا (فتحلل) عليه الصلاة والسلام (من المسلمين) أي استحل من الغانمين ما كان خصهم مما غنموه منهم والواو في قوله ومن الدليل. قال في فتح الباري: عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وقال هنا لنوائب المسلمين، وقال بعد باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام، والجمع بين هذه
التراجم أن الخمس لنوائب المسلمين وإلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع تولّي قسمته أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته والحكم بعده كذلك يتولى الإمام ما كان يتولاه وتعقبه العيني بأنه لا وجه لدعوى هذا العطف البعيد المتخلل بين المعطوف والمعطوف عليه أبواب بأحاديثها وليست هذه بواو العطف بل مثل هذا يأتي كثيرًا بدون أن يكون معطوفًا على شيء وتسمى هذه واو الاستفتاح وهو المسموع عن الأسانيد الكبار اهـ.
(و) من الدليل أيضًا على أن الخمس لنوائب المسلمين (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعد الناس أن يعطيهم من الفيء) وهو ما حصل بغير قتال (والأنفال من الخمس) جمع نفل بتحريك الفاء أكثر من إسكانها وهو أن يشترط الأمير زيادة على سهم الغنيمة لمن يستعين به فيما فيه نكاية زائدة في العدوّ أو توقع ظفر أو دفع سوء ليقدم على طليعة بشرط الحاجة إليه وليس لقدره ضبط بل يجتهد فيه بقدر العمل وهو من خمس الخمس، وكذا يكون النفل لمن صدر منه في الحرب أثر محمود كمبارزة وحسن إقدام زيادة على سهمه بحسب ما يليق بالحال (و) من الدليل أيضًا (ما أعطى) عليه السلام (الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله) الأنصاري (تمر خيبر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم.
3131 و 3132 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ -وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاؤُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ. فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا فَأَذِنُوا. فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ".
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) اسم أبيه كثير ونسبه لجده عفير بضم العين مصغرًا لشهرته به (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: وزعم عروة) بن الزبير بن العوام والواو في وزعم قال في الفتح عطف على قصة الحديبية ولم أدرك وجهه وفي كتاب
الأحكام عن موسى بن عقبة قال ابن شهاب: حدّثني عروة بن الزبير (أن مروان بن الحكم) لم يصح له سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا صحبة (ومسور) ولأبي ذر: والمسور (بن مخرمة) له ولأبيه صحبة لكنه إنما قدم وهو صغير مع أبيه بعد الفتح (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال حين جاء وفد هوازن) حال كونهم (مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم) وعند الواقدي كان فيهم أبو برقان السعدي فقال: يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا منَّ الله

(5/214)


عليك. وفي شعر زهير بن صرد مما رويناه في المعجم الصغير للطبراني:
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
(فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أحب الحديث إليّ) أحب مبتدأ خبره قوله: (أصدقه فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت) أي انتظرت (بهم وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم) ولغير الكشميهني انتظر آخرهم (بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة (حين قفل) أي رجع (من الطائف) إلى الجعرانة وقسم الغنائم بها وكان توجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه أخر القسم ليحضروا فأبطؤوا (فلما تبين لهم) أي ظهر لوفد هوازن (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين) المال أو السبي (قالوا فإنا نختار سبينا. فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال):
(أما بعد؛ فإن إخوانكم) وفد هوازن (هؤلاء قد جاؤونا) حال كونهم (تائبين، وإني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم من أحب أن يطيب) بضم أوله وفتح الطاء وتشديد التحتية المكسورة أي يطيب نفسه بدفع السبي مجانًا من غير عوض (فليفعل) جواب الشرط (ومن أحب منكم أن يكون على حظه) من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) بضم حرف المضارعة من أفاء (فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم). ولأبي ذر: قد طيبنا ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي لأجله (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) أراد بذلك التقصي عن أمرهم استطابة لنفوسهم (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم قد طيبوا) ذلك (فأذنوا) بالفاء ولأبي ذر وأذنوا أي له عليه الصلاة والسلام أن يردّ السبي إليهم. قال ابن شهاب: (فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن).
وهذا الحديث قد مرّ في الوكالة والعتق.
3133 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْنِيُّ -وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ- عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَأُتِيَ ذَكَرَ دَجَاجَةً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ
فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أن لاَ آكُلُ. فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَلكَ: إِنِّي أَتَيْتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ. وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ لاَ يُبَارَكُ لَنَا. فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا، فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، أَفَنَسِيتَ؟ قَالَ: لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا". [الحديث 3133 - أطرافه في: 4385، 4415، 5517، 5518، 6623، 6649، 6678، 6680، 6718، 6719، 6721، 7555].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (قال): أي أيوب (وحدّثني) بالإفراد (القاسم بن عاصم الكليبي) بضم الكاف مصغرًا (وأنا لحديث القاسم أحفظ) من حديث أبي قلابة (عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء وبعد الدال المهملة المفتوحة ميم ابن مضرب الأزدي الجرمي أنه (قال: كنا عند أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (فأتى) بفتح الهمزة والفوقية بلفظ الماضي من الإتيان، (ذكر دجاجة) بكسر الذال المعجمة وسكون الكاف دجاجة بالجر والتنوين على الإضافة، وعزاه في الفتح لأبي ذر والنسفيّ، وللأصلي فأتي بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ذكر بفتحات دجاجة بالتنوين والنصب على المفعولية وكان الراوي لم يستحضر اللفظ كله وحفظ منه لفظ دجاجة وفي النذور فأتي بطعام فيه دجاج وهو المراد. (وعنده رجل) لم يسم (من بني تيم الله) بفتح الفوقية وسكون التحتية نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة ومعنى تيم الله عبد الله (أحمر) اللون (كأنه من الموالي) أي من سبي الروم (فدعاه للطعام فقال: إني رأيته يأكل شيئًا) من النجاسة (فقذرته) بكسر الذال المعجمة أي فكرهته (فحلفت لا آكل) ولأبي ذر: أن لا آكل (فقال) أبو موسى: (هلم فلأحدثكم) بجزم المثلثة وكسر اللام ولأبي ذر وابن عساكر: فأحدثكم بإسقاط اللام (عن ذلك) أي عن الطريق في حل اليمين (إني أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين) من الرجال ما بين الثلاثة إلى العشرة (نستحمله أي نطلب منه أن يحملنا ويحمل أثقالنا على الإبل في غزوة تبوك فقال)

(5/215)


عليه الصلاة والسلام:
(والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم وأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم همزة أتي مبنيًا للمفعول (بنهب إبل) غنيمة (فسأل عنا فقال: أين النفر الأشعريون) أي فأتينا (فأمر لنا بخمس ذود) بالإضافة وفتح الذال المعجمة ما بين الثنتين إلى التسعة أو ما بين الثلاث إلى العشرة من الإبل (غرّ الذرى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء والذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء أي ذوي الأسنمة البيض من سمنهن وكثرة شحومهن (فلما انطلقنا قلنا: ما صنعنا لا يبارك لنا) فيما أعطانا (فرجعنا
إليه) عليه الصلاة والسلام (فقلنا): يا رسول الله (إنا سألناك أن تحملنا فحلفت أن لا تحملنا) بفتح اللام (أفنسيت) بهمزة الاستفهام الاستخباري (قال) عليه الصلاة والسلام:
(لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم) يحتمل أنه أراد إزالة المنّة عليهم بإضافة النعمة إلى الله تعالى ولو لم يكن له صنع في ذلك لم يحسن إيراد قوله: (وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه. ولمسلم على أمر بدل قوله على يمين (فأرى غيرها خيرًا منها) أي من الخصلة المحلوف عليها (إلا أتيت الذي هو خير) أي منها (وتحللتها) بالكفارة.
ومناسبته للترجمة من جهة أنهم سألوه فلم يجدوا ما يحملهم عليه ثم حضر من الغنائم فحملهم منها وهو محمول على أنه حملهم على ما يختص بالخمس إذا كان له التصرف بالتنجيز من غير تعليق فكذا له التصرف بتنجيز ما علق.
وأخرجه أيضًا في التوحيد والنذور والذبائح والكفارات والمغازي ومسلم في الأيمان والنذور والترمذي في الأطعمة والنسائي في الصيد والنذور.
3134 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرًا، فَكَانَتْ سُهمَانُهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا". [الحديث 3134 - طرفه في: 4338].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن
ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث سرية فيها عبد الله بن عمر) سقط لغير أبي ذر
ابن عمر (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (فغنموا إبلاً كثيرًا) وللأصيلي كثيرة
وزاد مسلم وغنمًا (فكانت سهامهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: سهمانهم بضم السين وسكون الهاء جمع سهم أي نصيب كل واحد (اثني عشر بعيرًا) ولأبي الوقت وابن عساكر: اثنا عشر على لغة من يجعل المثنى بالألف مطلقًا (أو أحد عشر بعيرًا) بالشك من الراوي (ونفلوا) بضم النون مبنيًا للمفعول أي أعطى كل واحد منهم زيادة على السهم المستحق له (بعيرًا بعيرًا). وفي رواية ابن إسحاق عند أبي داود أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مقررًا لذلك ومجيزًا له لأنه قال فيه ولم يغيره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتقريره بمنزلة فعله، واختلف هل النفل يكون من أصل الغنيمة أو من أربعة أخماسها أو من خُمس الخمس؟ والأصح عند أصحابنا أنه من خمس الخمس وحكاه النووي عن مالك وأبي حنيفة.
3135 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ - رضي الله عنهما "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي ونسبه لجده قال:
(أخبرنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم) هو ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-):
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفل) بضم أوّله وفتح النون وتشديد الفاء مكسورة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ينتفل بفتح أوّله وسكون النون وفوقية مفتوحة وتخفيف الفاء (بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم) بفتح القاف بخط الدمياطي وبكسرها عن ابن مالك وسكون المهملة (عامة الجيش) أي من خمس خمس الغنيمة، وقد صح في الترمذي وغيره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفل في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث، والبداءة السرية التي يبعثها الإمام قبل دخوله دار الحرب مقدمة له، والرجعة التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش لدارنا ونقص في البداءة لأنهم مستريحون إذ لم يطل بهم السفر ولأن

(5/216)


الكفار في غفلة ولأن الإمام من ورائهم يستظهرون به والرجعة بخلافها في كل ذلك.
وحديث الباب هذا أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد.
3136 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ -أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ: أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ- إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَنَا هَا هُنَا، وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنَا. فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا -أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا- مِنْهَا , وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا، إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ، إِلاَّ أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ". [الحديث 3136 - أطرافه في: 3876، 4230، 4233].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمد الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن) جده (أبي بردة) عامر أو الحرث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بلغنا مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة مرفوع على الفاعلية (ونحن باليمن) الواو للحال (فخرجنا) حال كوننا (مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة) اسمه
عامر بن قيس الأشعري (والآخر أبو رهم) بضم الراء وبعد الهاء الساكنة ميم اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية أو مجيلة بفتح الميم وكسر الجيم وسكون التحتية ثم لام ثم هاء (إما قال في بضع) بكسر الموحدة (وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي) من الأشعريين (فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي) أصحمة (بالحبشة ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده) أي بأرض الحبشة (فقال جعفر: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثنا هاهنا) بفتح المثلثة (وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا) بفتح العين (فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا فوافقنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بسكون القاف (حين افتتح خيبر فأسهم لنا) أي من غنيمتها (أو قال فأعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهد معه) عليه الصلاة والسلام (إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه) فإنه عليه الصلاة والسلام (قسم لهم معهم) أي مع من شهد الفتح والاستثناء الأول منقطع والثاني متصل والإخراج فيه من الجملة الأولى.
قال ابن المنير: وظاهر هذا الحديث عدم المطابقة لما ترجم به فإن الظاهر كونه عليه الصلاة والسلام قسم لأصحاب السفينة من أصحاب الغنيمة مع الغانمين وإن كانوا غائبين تخصيصًا لهم لا من الخمس إذ لو كان منه لم تظهر الخصوصية والحديث ناطق بها ووجه المطابقة أنه إذا جاز أن يجتهد الإمام في أربعة أخماس الغانمين فلأن يجوز اجتهاده في الخمس الذي لا يستحقه معين بطريق الأولى. وقال السفاقسي: يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش. اهـ.
قال في الفتح: وبهذا جزم موسى بن عقبة في مغازيه، وعند البيهقي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يسهم لهم كلم المسلمين فأشركوهم، وجزم أبو عبيد في كتاب الأموال بأنه أعطاهم من الخمس وهو الموافق للترجمة. وقال البيضاوي: إنما أسهم لهم لأنهم وردوا عليه قبل حيازة الغنيمة.
قال الطيبي: وهذا من قول من قال إنه أعطاهم من الخمس الذي هو حقه دون حقوق من شهد الوقعة لأن قوله فأسهم يقتضي القسمة من نفس الغنيمة وما يعطى من الخمس ليس بسهم، وأيضًا الاستثناء في قوله إلا أصحاب سفينتنا يقتضي إثبات القسمة لهم والقسمة لا تكون من الخمس ولأن سياق كلام أبي موسى وارد على الافتخار والمباهاة فيستدعي اختصاصهم بما لي لأحد غيرهم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا مقطعًا في الخمس وهجرة الحبشة والمغازي ومسلم في الفضائل.
3137 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ قَدْ جَاءَنا مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا. فَحَثَا لِي ثَلاَثًا. وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ لَنَا: هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَقَالَ مَرَّةً فَأَتَيْتُ
أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي. قَالَ: قُلْتَ تَبْخَلُ عَلَىَّ، مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ: عُدَّهَا، فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ". وَقَالَ -يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ- وَأَىُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (سمع جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو قد جاءني) بالإفراد، ولأبي ذر: جاءنا بالجمع ولابن عساكر: جاء (مال البحرين) أي من جهة الجزية (لقد أعطيتك) وسقط لأبي ذر لقد وللحموي والمستملي أعطيك بضم الهمزة وكسر الطاء وحذف الفوقية (هكذا وهكذا وهكذا) ثلاثًا (فلم يجيء) مال البحرين (حتى قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما جاء مال البحرين) من عند العلاء بن الحضرمي (أمر أبو بكر) -رضي الله

(5/217)


عنه- (مناديًا) قيل إنه بلال (فنادى من كان له عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين أو عدة) بكسر العين وتخفيف الدال المهملة أي وعد (فليأتنا) نفِ له به (فأتيته فقلت: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا فحثا لي) بالمهملة والمثلثة أبو بكر -رضي الله عنه- (ثلاثًا وجعل سفيان) بن عيينة (يحثو بكفيه) بالتثنية (جميعًا) هذا يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعًا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ الكفّين لكن ذكر الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى وهذا الحديث شاهد لذلك.
(ثم قال لنا) سفيان بالسند السابق: (هكذا قال لنا ابن المنكدر) محمد، (وقال) أي سفيان أيضًا بالسند السابق (مرة فأتيت أبا بكر فسألت) بحذف ضمير المفعول ولأبي الوقت فسألته (فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فقلت: سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني) ثلاثًا (فإما أن تعطيني وإما أن تبخل) بفتح أوّله وسكون الموحدة (عني) أي من جهتي ولأبي الوقت من غير اليونينية عليّ (قال): أي أبو بكر -رضي الله عنه- (قلت): بتاء المخاطبة لجابر (تبخل عليّ) ولأبي ذر وابن عساكر: عني (ما منعتك) أي من العطاء (من مرة إلاّ وأنا أريد أن أعطيك) ومنعه هذا لعله لئلا يحرص على الطلب أو لئلا يزدحم الناس عليه فلم يقصد المنع الكلي.
(قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وحدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن محمد بن علي) أْي ابن الحسين بن علي (عن جابر) -رضي الله عنه- (فحثى لي) أي أبو بكر -رضي الله عنه- (حثية) بفتح الحاء من حثى يحثي ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان (وقال: عدّها) أي فعددتها (فوجدتها خمسمائة قال: فخذ مثلها مرتين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مثليها بالتثنية. قال
سفيان (وقال يعني ابن المنكدر: وأي داء أدوأ من البخل) وهذا يشعر بأنه من كلام ابن المنكدر، لكن في مسند الحميدي عن سفيان في هذا الحديث وقال ابن المنكدر في حديثه ففيه اتصال ذلك إلى أبي بكر، وأدوأ بالهمز على الصواب أي أقبح والمحدّثون يروونه أدوى بغير همز وهو من دوى إذا كان به مرض في جوفه فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة.
وهذا الحديث قد سبق بعضه في الهبة وغيرها.
3138 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ. قَالَ: لَقَدْ شَقِيتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ".
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي مولاهم قال: (حدّثنا قرّة بن خالد) السدوسي وسقط لغير أبوي ذر والوقت ابن خالد قال: (حدّثنا عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: بينما) بالميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم غنيمة بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين وهذه القسمة كانت غنيمة هوازن وجواب بينما قوله: (اذ قال له رجل) هو ذو الخويصرة التميمي (اعدل فقال له):
(شقيت وإن لم أعدل) بفتح الشين المعجمة والفوقية أي ضللت أنت أيها التابع إذا كنت لا أعدل لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول لأنه لا يصدر عن مؤمن، لكن لا يلائمه حينئذ قوله: إن لم أعدل إلا أن يقدر له جواب محذوف، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال: شقيت بحذف فاء فقال ولفظ له وزيادة لقد وضم تاء شقيت، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء بل هو عادل فلا يشقى حاشاه الله مما يكره.

16 - باب مَا مَنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الأُسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسَ
(باب ما منّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الأسارى من غير أن يخمس) لأن له عليه الصلاة والسلام التصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة.
3139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ". [الحديث 3139 - طرفه في: 4024].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة هو ابن راشد (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن محمد بن جبير عن أبيه) جبير بن مطعم القرشي (رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في أسارى بدر):
(لو كان المطعم بن عدي) أي ابن نوفل بن عبد مناف مات كافرًا في صفر قبل بدر بنحو سبعة أشهر (حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى) بنونين مفتوحين بينهما

(5/218)


فوقية ساكنة مقصورًا جمع نتن كزمن وزمنى أو جمع نتين كجريح وجرحى (لتركتهم له). أي لأطلقتهم لأجله بغير فداء مكافأة له لما كان أحسن السعي في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في أن لا يبايعوا الهاشمية والمطلبية ولا يناكحوهم، أو لأنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من الطائف لمكة رجع في جواره وفيه دليل على أن للإمام أن يمن على الأسارى من غير فداء لكن قال أصحابنا الشافعية: لو ترك السبي للمطعم كان يستطيب الغانمين كما فعل في سبي هوازن.
قال ابن المنير: وهذا تأويل ضعيف لأن الاستطاعة عقد من العقود الاختيارية يحتمل أن يذعن صاحبها وأن لا يذعن فكيف بت الرسول عليه الصلاة والسلام القول بأنه يعطيه إياهم والأمر موقوف على اختيار من يحتمل أن لا يختار والبت في موضع الشك لا يليق بمنصب النبوة والفرق بين هذا وبين سبي هوازن أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط هوازن ابتداء بل وقف أمرهم ووعدهم أن يكلم المسلمين ويستطيب نفوسهم بخلاف حديث الطعم فإنه جزم بأنه لو كان حيًّا وكلمه في السبي لأعطاهم إياه؟ وأجاب في الفتح: بأن الذي يظهر أن هذا كان باعتبار ما تقدم في أول الأمر أن الغنيمة كانت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتصرف فيها حيث شاء وفرض الخمس إنما نزل بعد قسمة غنائم بدر كما تقرر فلا حجة إذًا في هذا الحديث.
وقد أخرج المؤلّف الحديث أيضًا في المغازي وأبو داود في الجهاد.

17 - باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلإِمَامِ، وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ مَنْ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أُعْطي لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ، وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ.
هذا (باب) بالتنوين (ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبني المطلب وبني هاشم) والمطلب وهاشم ولدا عبد مناف (من خُمس) غنيمة (خيبر. قال عمر بن عبد العزيز: لم يعمهم) ولأبي ذر: لم يعممهم بسكون العين وضم الميم وزيادة أخرى ساكنة أي لم يعم عليه الصلاة والسلام قريشًا (بذلك) القسم (ولم يخصُّ قريبًا دون من أحوج إليه) أي إلى القسم. قال ابن مالك: فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل. ومنه قراءة يحيى بن يعمر تمامًا على الذي أحسن برفع النون هو أحسن وإذا طال الكلام فلا ضعف
ومنه: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله أي وفي الأرض هو إله اهـ.
لكن في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي من هو أحوج إليه بذكر العائد فاستغنى عن ذكر ما سبق. (وإن كان كان الذي أعطى) أبعد قرابة ممن لم يعط (لما يشكو إليه من الحاجة) تعليل لعطية إلا بعد قرابة (ولما مستهم) ولأبي ذر وابن عساكر مسهم بإسقاط الفوقية (في جنبه) أي في جانبه عليه السلام (من قومهم) كفار قريش (وحلفائهم) بحاء مهملة أي حلفاء قومهم بسبب الإسلام، وهذا وصله عمر بن شبة في أخبار المدينة بنحوه.
3140 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: "مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا. وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَىْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ وَزَادَ "قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لأُمٍّ. وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ. وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لأَبِيهِمْ". [الحديث 3140 - طرفاه في: 3502، 4229].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد بن عقيل بالفتح (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب) بفتح الياء المشدّدة سعيد (عن جبير بن مطعم) هو ابن نوفل أنه (قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان) وهو من بني عبد شمس (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن ابن شهاب فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب (فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة) أي في الانتساب إلى عبد مناف لأن عبد شمس ونوفلاً وهاشمًا والمطلب بنوه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد) بالشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني سي بسين مهملة مكسورة وتشديد الياء التحتية. قال الخطابي: وهو أجود ولم يبين وجه الأجودية. قال في المصابيح: والظاهر أنهما سواء يقال هذا سي هذا مثله ونظيره وفي رواية أبي زيد المروزي مما حكاه في الفتح أحد بغير واو مع همزة الألف فقيل هما بمعنى وقيل الأحد الذي ينفرد بشيء لم يشاركه فيه غيره والواحد أوّل العدد وقيل غير ذلك.
(قال): ولأبي ذر وقال الليث بن سعد الإمام بهذا الإسناد ووصله في المغازي: (حدّثني)

(5/219)


بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي، (وزاد) على روايته عن عقيل (قال جبير): هو ابن مطعم (ولم يقسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبني عبد شمس) ولابن عساكر: لعبد شمس (ولا لبني نوفل) وزاد أبو داود في رواية يونس بهذا الإسناد، وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير أنه لم يكن
يعطي قربى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده، قال الحافظ ابن حجر: وهذه الزيادة بين الذهلي في جمع حديث الزهري أنها مدرجة من كلام الزهري.
(وقال) ولأبي ذر قال: (ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي مما وصله المؤلّف في التاريخ: (عبد شمس) ولأبي ذر وعبد شمس (وهاشم والمطلب إخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة) بن هلال من بني سليم (وكان نوفل أخاهم لأبيهم). واسم أمه واقدة بالقاف بنت عدي. وفي هذا الحديث حجة لإمامنا الشافعي رحمه الله: إن سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل وإن كان الأربعة أولاد عبد مناف لاقتصاره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القسمة على بني الأوّلين مع سؤال بني الآخرين له كما مرّ ولأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام، حتى أنه لما بعث بالرسالة نصروه وذبّوا عنه بخلاف بني الآخرين بل كانوا يؤذونه والعبرة بالانتساب إلى الآباء كما صرح به في الروضة، أما من ينتسب منهم إلى الأمهات فلا شيء له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعط الزبير وعثمان مع أن أم كل منهما هاشمية.
(لطيفة):
قال ابن جرير: كان هاشم توأم أخيه عبد شمس وأن هاشمًا خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس فما تخلص حتى سال بينهما دم فتشاءم الناس بذلك أن يكون بين أولادهما حروب فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة.

18 - باب مَنْ لَمْ يُخَمِّسِ الأَسْلاَبَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ، وَحُكْمِ الإِمَامِ فِيهِ
(باب من لم يخمس الأسلاب) بفتح الهمزة جمع سلب بفتح اللام وهو ما على القتيل أو من في معناه من ثياب كران وسلاح ومركوب يقاتل عليه أو ممسكًا عنانه وهو يقاتل راجلاً وآلته كسرج ولجام ومقود وكذا لباس زينة لأنه متصل به وتحت يده كمنطقة وسوار وهميان وما فيه من نفقة لا حقيبة مدودة على الفرس فلا يأخذها ولا ما فيها من دراهم وأمتعة كسائر أمتعته المخلفة في خيمته وعن أحمد لا تدخل الدابة، ومشهور مذهب الشافعية أن السلب لا يخمس. (ومن قتل قتيلاً فله سلبه) سواء قال الإمام ذلك أو لم يقله (من غير أن يخمس) بفتح الميم المشددة وكسرها أي السلب ولابن عساكر من غير خمس بضم المعجمة والميم ولأبي ذر الخمس معرفًا وعن الحنفية والمالكية لا يستحقه إلا أن شرطه له الإمام، وعن مالك يخيّر الإمام بين أن يعطيه السلب وبين أن يخمسه (وحكم الإمام فيه) أي في السلب عطف على من لم يخمس، وقال الكرماني: فإن قلت: كيف يتصوّر قتل القتيل وهو تحصيل الحاصل؟ قلت المراد من القتيل المشارف للقتل نحو {هدى للمتقين} [البقرة: 2] أي الضالين الصائرين إلى التقوى، أو هو القتيل بهذا القتل المستفاد من لفظ قتل لا بقتل سابق لئلا يلزم تحصيل الحاصل.
3141 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا. فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ: أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ. ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالاَ: لاَ. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلاَكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ".

قال محمد سمع يوسف صالحاً وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن ابن عوف. [الحديث 3141 - طرفاه في: 3964، 3988].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يوسف بن الماجشون) بكسر الجيم وضم الشين المعجمة بالفارسية المورّد واسمه يعقوب (عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه) إبراهيم (عن جده) عبد الرحمن أنه (قال) سقط لفظ قال لأبي ذر (بينا) بغير ميم (أنا واقف في الصف يوم) وقعة (بدر فنظرت) ولأبي ذر نظرت (عن يميني وشمالي) ولأبي ذر وعن شمالي وجواب بينا قوله: (فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما) بالرفع فاعل حديثة وهي جر صفة لغلامين ويجوز الرفع والغلامان معاذ بن عمرو ومعاذ ابن عفراء كما في الحديث (تمنيت أن أكون بين أضلع) بفتح الهمزة وسكون الضاد المعجمة وبعد اللام المفتوحة عين مهملة أي أشد وأقوى (منهما) أي من الغلامين لأن الكهل أصبر في الحروب ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي أصلح بصاد وحاء مهملتين (فغمزني أحدهما) أي الغلامين

(5/220)


(فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل)؟ أهو عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة (قلت: نعم. ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أنه يسب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده) بفتح السين المهملة فيهما أي لا يفارق شخصي شخصه (حتى يموت الأعجل منا) باللام لا بالزاي أي الأقرب أجلاً (فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب) بفتح الهمزة والشين المعجمة بينهما نون ساكنة آخره موحدة أي فلم ألبث (أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس) بالجيم وفي مسلم يزول بالزاي بدلها أي يضطرب في المواضع لا يستقر على حال (قلت) ولأبي ذر فقلت (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه والتحضيض (أن هذا صاحبكما الذي سألتماني) أي عنه (فابتدراه بسيفيهما) أي سبقاه مسرعين (فضرباه) بهما حتى (قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبراه) بقتله (فقال):
(أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته فقال) عليه السلام ولأبي ذر قال: (هل مسحتما سيفيكما) أي من الدم (قالا: لا). لم نمسحهما (فنظر) عليه الصلاة والسلام (في السيفين) ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسد المقتول ليحكم بالسلب لمن كان أبلغ ولو مسحاه لما تبين المراد من ذلك (فقال) عليه السلام: (كلاكما قتله سلبه) أي سلب أبي جهل (لمعاذ بن عمرو بن الجموح) بفتح العين وسكون الميم، والجموح بفتح الجيم وضم الميم وبعد الواو حاء مهملة لأنه هو الذي أثخنه (وكانا) أي الغلامان (معاذ ابن عفراء) بفتح العين المهملة وبعد الفاء الساكنة راء ممدودًا وهي أمه واسم أبية الحرث بن رفاعة (ومعاذ بن عمرو بن الجموح). وإنما قال كلاكما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه تطييبًا لقلب الآخر، وقال المالكية: إنما أعطاه لأحدهما لأن الإمام مخير في السلب يفعل فيه ما يشاء وقال الطحاوي لو كان يجب للقاتل لكان التسلب مستحقًا بالقتل ولكان جعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام اهـ. وجوابه ما سبق.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي وكذا مسلم وزاد في رواية أبي ذر هنا. قال محمد يعني البخاري سمع يوسف أي ابن الماجشون صالحًا وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن بن عوف ولعله أشار بهذه الزيادة إلى الرد على من قال إن بين يوسف وصالح رجلاً وهو عبد الواحد بن أبي عون فيكون الحديث منقطعًا.
3142 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَدبرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَىَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ؛ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ. فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ -فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ, فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيهِ القِصَّة، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه-: لاَهَا اللَّهِ إِذًا لا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَ، فَأَعْطَاهُ فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرِفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن ابن أفلح) هو عمرو بن كثير بن أفلح بالفاء والحاء المهملة (عن أبي محمد) نافع (مولى أبي
قتادة عن أبي قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حنين)، بالحاء المهملة والنون مصروفًا واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وكان في السنة الثامنة (فلما التقينا) أي مع العدوّ (كانت للمسلمين جولة) بالجيم أي تقدم وتأخر وعبر بذلك احترازًا عن لفظ الهزيمة وكانت هذه الجولة في بعض الجيش لا في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن حوله (فرأيت رجلاً من المشركين علا رجلاً من المسلمين) أي ظهر عليه وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه والرجلان لم يسميا (فاستدرت) من الاستدارة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فاستدبرت من الاستدبار (حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة عرق أو عصب عند موضع الرداء من العنق أو ما بين العنق والمنكب (فأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت) استعارة عن أثره أي وجدت منه شدة كشدة الموت (ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فقلت: ما بال الناس؟) أي منهزمين (قال: أمر الله) أي قضاؤه أو المراد ما حال الناس

(5/221)


بعد الانهزام فقال: أمر الله غالب والعاقبة للمتقين (ثم إن الناس رجعوا) أي ثم إن المسلمين رجعوا بعد الهزيمة وعلى الثاني رجعوا بعد انهزام المشركين (وجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه) قال أبو قتادة (فقمت فقلت: من يشهد لي) أي بقتل ذاك الرجل (ثم جلست، ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (من) ولابن عساكر ثم قال الثانية مثله من (قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه) أوقع القتل على المقتول باعتبار مآله كقوله تعالى: {أعصر خمرًا} [يوسف: 36] (فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست، ثم قال الثالثة مثله فقمت فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما لك يا أبا قتادة؟ فاقتصصت عليه القصة فقال رجل): لم يسم كذا قال في الفتح، وقال في مقدمته ذكر الواقدي أن الذي شهد له بالسلب هو أسود بن خزاعي الأسلمي، والذي أخذ السلب وقع في رواية أخرى عند المصنف أنه من قريش كذا رأيته فليتأمل. فإن سياق الحديث يقتضي أنهما واحد. (صدق يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسلبه عندي فأرضه) بقطع الهمزة وكسر الهاء (عني، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: لا ها الله) بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألف ها وحذفها، كما في القاموس والمغني وغيرهما فهي أربعة النطق بلام بعدها التنبيه من غير ألف ولا همزة، والثاني بألف من غير همز، والثالث بثبوت الألف وقطع الجلالة والرابع بحذف الألف وثبوت همزة القطع والمشهور في الرواية الأوّل والثالث، وفي هذا كما قال ابن مالك شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن وأما لفظ الجلالة هنا فجر لأن ها التنبيه عوض عن واو القسم. وقال ابن مالك ليست عوضًا عنها وإن جر ما بعدها بمقدّر لم يلفظ به كما أن نصب المضارع بعد الفاء ونحوه بمقدر ولا للنفي والمعنى لا والله (إذًا لا يعمد) بكسر الميم أي لا يقصد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى أسد) أي إلى رجل كأنه في الشجاعة أسد (من أسد الله) بضم الهمزة والسين (يقاتل عن الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي صدر قتاله عن رضا الله ورسوله أي بسببهما كقوله تعالى: {وما فعلته عن
أمري} [الكهف: 82] أو المعنى يقاتل ذابًّا عن دين الله أعداء الله ناصرًا لأوليائه أو يقاتل لأجل نصر دين الله وشريعة رسوله لتكون كلمة الله هي العليا (يعطيك سلبه) أي سلب قتيله الذي قتله بغير طيب نفسه وأضافه إليه باعتبار أنه ملكه، وقوله إذًا بهمزة مكسورة فذال معجمة منوّنة حرف جواب وجزاء في جميع الروايات في الصحيحين وغيرهما، لكن اتفق كثير ممن تكلم على الحديث على تخطئة جهابذة المحدثين ونسبتهم إلى الغلط والتصحيف، وأن الصواب ذا بغير همزة ولا تنوين للإشارة فقال الخطابي: المحدثون يروونه إذا وإنما هو في كلام العرب لاها الله ذا والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا. وقال المازني: الصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمي، وقال ابن الحاجب: حمل بعض النحويين إدخال إذا في هذا المحل على الغلط من الرواة لأن العرب لا تستعمل ها الله إلا مع ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذن لأنه للجزاء وهو هنا على نقيضه، ومعرفة هذا تتوقف على أن يعلم أن مدخول إذن جزاء لشرط مقدر على ما نقله في المفصل عن الزجاج وإذا كان كذلك وجب أن يكون الشرط المقدر يصح وقوعه سببًا لما بعد إذا إذ الشرط يجب أن يكون سببًا للجزاء، وإذا تقرر هذا فقوله لاها الله إذا لا يعمد جواب لمن طلب السلب بقوله فأرضه عني وليس بقاتل ويعمد وقع في الرواية مع لا فيكون تقرير الكلام إن أرضاه عنك لا يكون عامدًا إلى أسد فيعطيك سلبه ولا يصح أن يكون إرضاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القاتل عن الطالب سببًا لعدم كونه عامدًا إلى أسد ومعطيًا سلبه الطالب، وإذا لم يكن سببًا له بطل كون لا يعمد جزاء للإرضاء، ومقتضى الجزائية أن لا تذكر لا مع يعمد ويقال: إذا يعمد ليصح جوابًا لطالب السلب فيكون التقدير أن يرضه عنك يكن عامدًا إلى أسد ومعطيًا سلبه

(5/222)


فتحقق الجزائية لصحة كون الإرضاء سببًا لكونه عامدًا إلى أسد من أسد الله معطيًا سلب مقتوله غير القاتل فقالوا: الظاهر أن الحديث لاها الله ذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله فصحفها بعض الرواة ثم نقلت الرواية المصحفة كذلك. وأجاب أبو جعفر الغرناطي بأن إذا جواب شرط مقدر يدل عليه قوله صدق فأرضه فكأن أبا بكر قال: إذا صدق في أنه صاحب السلب إذًا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك، وقال الدار الحديثي: لا يجب أن يلازم ذا ها القسم كما لا يجب أن يلازم غيرها من حروفه وتحقيق الجزائية بإذًا لا يعمد صحيح إذ معناه إذا صدق أسد غيرك لا يعمد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى إبطال حقه وإعطاء سلبه إياك. وقال الطيبي: هو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له والله إذًا لا أفعل فالتقدير إذًا لا يعمد إلى أسد إلخ قال: ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء اهـ.
نعم في رواية غير أبي ذر وابن عساكر إذا يعمد بإسقاط لا وحينئذٍ فلا إشكال كما لا يخفى، ويأتي الحديث إن شاء الله تعالى في المغازي.
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق) أي أبو بكر (فأعطاه) أي أعطى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا قتادة الدرع وكان الأصل أن يقول أعطاني لكنه عدل إلى الغيبة التفاتًا وتجريدًا وإنما أعطاه لعلمه أنه القاتل بطريق من الطرق فلا يقال أعطاه بقرار من في يده السلب لأن المال منسوب لجميع الجيش فلا اعتبار بقراره
قال أبو قتادة (فبعت الدرع) بكسر الدال وسكون الراء فاشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق (فابتعت) أي اشتريت (به مخرفًا) بفتح الميم وكسر الراء وبفتحها لأبي ذر مع إسقاط لفظ به أي بستانًا لأنه يخترف منه الثمر أي يجتنى (في بني سلمة) بكسر اللام قوم أبي قتادة وهم بطن من الأنصار (فإنه لأول مال تأثلته) بمثناة فوقية فهمزة مفتوحة فمثلثة مشددة فلام ساكنة ففوقية أي تكلفت جمعه (في الإسلام) واستدلّ به على أن السلب لا يخمس فيعطى للقاتل أولاً من الغنيمة ثم المؤن اللازمة كأجرة الحمال والحارس ثم يقسم الباقي خمسة أسهم متساوية.

19 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْخُمُسِ وَنَحْوِهِ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي المؤلّفة قلوبهم) وهم من أسلم ونيته ضعيفة أو كان يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه (وغيرهم) ممن تظهر له المصلحة في إعطائه (من الخمس ونحوه) الخراج والفيء والجزية (رواه) أي ما ذكر (عبد الله بن زيد) الأنصاري المازني في حديثه الطويل المروي موصولاً في المغازي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
3143 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير) بن العوّام (أن حكيم بن حزام) بحاء مهملة فزاي معجمة وكان من المؤلّفة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأعطاني ثم سألته فأعطاني) مرتين (ثم قال لي):
(يا حكيم إن هذا المال خضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: خضرة بالتأنيث باعتبار الأنواع أو تقديره كالفاكهة الخضرة (حلو) بالتذكير فشبه المال في الرغبة فيه بها فإن الأخضر مرغوب فيه من حيث النظر والحلو من حيث الذوق فإذا اجتمعا
زادا في الرغبة (فمن أخذه) ممن يدفعه (بسخاوة نفس) منشرحًا بدفعه فالسخاوة راجعة إلى المعطي أو ترجع إلى الآخذ أي من أخذه بغير حرص وطمع (بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس) بأن تعرض له (لم يبارك له فيه. وكان كالذي) به الجوع الكاذب (يأكل ولا يشبع) ويسمى بجوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا (واليد العليا) بضم العين مقصورًا المنفقة أو المتعففة (خير من اليد السفلى) الآخذة.
(قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزًأ أحدًا) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي آخره همزة أي لا أنقص مال أحد بالأخذ منه (بعدك) أي بعد سؤالك أو غيرك

(5/223)


(شيئًا حتى أفارق الدنيا) وإنما امتنع من الأخذ مطلقًا وإن كان مباركًا لسعة الصدر مع عدم الإشراف مبالغة في الاحتراز إذ مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس شرافة ومن حام حول الحمى يوشك أن يواقعه، (فكان) بالفاء ولابن عساكر وكان (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى) أي يمتنع (أن يقبل منه شيئًا ثم إن عمر) -رضي الله عنه- (دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل) زاد أبو ذر عن الكشميهني منه (فقال): أي عمر (يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه) وإنما فعل ذلك عمر ليبرئ ساحته بالإشهاد عليه (فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس) زاد أبو ذر عن الكشميهني شيئًا (بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توفي) -رضي الله عنه-.
3144 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَىَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ. قَالَ: وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ، قَالَ فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّبْيِ؛ قَالَ: اذْهَبْ فَأَرْسِلِ الْجَارِيَتَيْنِ. قَالَ نَافِعٌ: وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْجِعْرَانَةِ، وَلَوِ اعْتَمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ".
وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ: "مِنَ الْخُمُسِ".
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّذْرِ وَلَمْ يَقُلْ "يَوْمَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله) كذا رواه حماد عن أيوب عن نافع مرسلاً لم يذكر ابن عمر ويأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم رواه عن حماد موصولاً (إنه كان عليّ اعتكاف يوم) ولا منافاة بين ما في كتاب الاعتكاف أنه نذر ليلة لجواز اجتماع نذرهما (في الجاهلية) قبل الإسلام وفي رواية جرير بن حازم عند مسلم أن سؤاله لذلك وقع بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف (فأمره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(أن يفي به) بالاعتكاف (قال): أي نافع (وأصاب عمر) -رضي الله عنه- (جاريتين) لم يسميا (من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة قال): أي نافع فيما أرسله (فمنّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبي حنين) أي أطلقهم (فجعلوا يسعون في السكك فقال عمر) لابنه: (يا عبد الله انظر ما هذا) أي فنظر وسأل عن سبب سعيهم في السكك (فقال): ولأبي ذر قال: (منّ) أي أطلق (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السبي) وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي قلت ما هذا؟ قالوا: السبي أسلموا فأرسلهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): أي عمر لابنه (اذهب فأرسل الجاريتين) بهمزة قطع في فأرسل ويستفاد منه العمل بخبر الواحد (قال نافع): مولى ابن عمر (ولم يعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجعرانة) بسكون العين كذا رواه أبو النعمان مرسلاً ووصله مسلم وابن خزيمة (ولو اعتمر) عليه السلام منها (لم يخف على عبد الله) قال السفاقسي الذي ذكره جماعة أنه اعتمر من الجعرانة حين فرغ من حنين والطائف وليس في قول نافع حجة لأن ابن عمر لم يحدّث بكل شيء علمه ولا كل ما علمه حدث به نافعًا ولا كل ما حدث به نافعًا حفظه نافع.
(وزاد جرير بن حازم عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر قال): ولأبي ذر وقال: (من الخمس) أي كانت الجاريتان من الخمس وهذا موصول، لكن قال الدارقطني: حماد أثبت من جرير في أيوب.
(ورواه) أي حديث الاعتكاف (معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر في) حديث (النذر ولم يقل) فيه (يوم) بالجر والتنوين على الحكاية ولأبي ذر يوم بالنصب على الظرفية.
3145 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْغِنَى، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُمْرَ النَّعَمِ". زَادَ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: "حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَالٍ -أَوْ بِسَبْيٍ- فَقَسَمَهُ ... بِهَذَا".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي قال: (حدّثنا الحسن) البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (عمرو بن تغلب) بفتح العين وإسكان الميم وتغلب بمثناة فوقية مفتوحة فغين معجمة ساكنة وبعد اللام المكسورة موحدة غير منصرف (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قومًا ومنه آخرين فكأنهم عتبوا عليه) قال الخليل: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموحدة (فقال) عليه السلام:
(إني أعطي قومًا أخاف ضلعهم) بفتح الضاد المعجمة واللام أي مرض قلوبهم وضعف يقينهم كذا في الفرع بالضاد الساقطة، وفي بعض الأصول بالظاء المعجمة والمشالة وهو الذي

(5/224)


في اليونينية وكذا ذكره في النهاية في باب الظاء مع اللام وقال: أي ميلهم عن الحق وضعف إيمانهم
ثم قال وقيل إن المائل بالضاد (وجزعهم) بالجيم والزاي (وأكل) أي أفوّض (أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى) بكسر الغين المعجمة مقصورًا ضد الفقر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والغناء بفتح الغين المعجمة ممدودًا الكفاية (منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي التي قالها في حقه وهي إدخاله في أهل الخير والغنى (حمر النعم) بفتح النون واحد الأنعام الراعية وأكثر ما يقع على الإبل والحمر بضم الحاء المهملة والميم الساكنة والباء في بكلمة للبدلية. وهذا الحديث مر في كتاب الجمعة.
(زاد) ولغير أبي ذر وزاد (أبو عاصم) الضحاك النبيل شيخ المؤلّف مما سبق في أواخر الجمعة موصولاً عن محمد بن معمر عن أبي عاصم (عن جرير) هو ابن حازم أنه (قال: سمعت الحسن) البصري (يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (بمال أو بسبي) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني بشيء بالشين المعجمة والتحتية والهمزة وهو أشمل (فقسمه بهذا) الذي ذكر.
3146 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشًا أَتَأَلَّفُهُمْ، لأَنَّهُمْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ». [الحديث 3146 - أطرافه في: 3147، 3528، 3778، 3793، 4331، 4332، 4333، 4334، 4337، 5860، 6762، 7441].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إني أعطي قريشًا أتألفهم) أي أطلب إلفهم (لأنهم حديث عهد بجاهلية) أي قريب عهد بكفر، قال في المصابيح قيل: وصوابه حديثو عهد. وأجاب بأنه يقدر له موصوف مفرد لفظًا دال على الجمع معنى كفريق ونحوه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في مناقب قريش وفي المغازي.
3147 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ قَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ أَمَّا ذَوُو آرَائِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي قُرَيْشًا
وَيَتْرُكُ الأَنْصَارَ، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لأُعْطِي رِجَالاً حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَوَاللَّهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحَوْضِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ولأبي ذر عن الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك أن ناسًا من الأنصار قالوا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقطت التصلية لأبي ذر (حين) ولأبي ذر عن الكشميهني حيث (أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر كالسابقة (من أموال هوازن ما أفاء فطفق) بكسر الفاء الثانية أي أخذ (يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل) يتألفهم وهم فيما ذكره ابن إسحاق أبو سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحرث بن الحرث بن كلدة والحرث بن هشام وسهل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى والعلاء بن حارثة الثقفي وعيينة بن حصن وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس ومالك بن عوف النصري (فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية أيضًا لأبي ذر (يعطي قريشًا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس: فحدّث) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول أي أخبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم) وعند ابن إسحاق أن الذي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم سعد بن عبادة (فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم) جلد تم دباغه (ولم يدع) بسكون الدال (معهم أحدًا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لهم:
(ما كان حديث بلغني عنكم) قال له فقهاؤهم: أي أصحاب الفهم منهم (أما ذوو رأينا) بسكون الهمزة أي أصحاب رأينا الذين مرجع أمورنا إليهم وفي اليونينية أرائنا بالهمزة قبل الراء ممدودًا (فلم يقولوا شيئًا)، من ذلك (وأما أناس منا حديثة أسنانهم) رفع بحديثه أي شبان لم يدروا الصواب (فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي قريشًا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني أعطي) ولابن عساكر وأبي ذر (لأعطي رجالاً حديث عهدهم) بتنوين حديث بغير إضافة ولأبي ذر وابن عساكر حديثي عهد (بكفر) بمثناة تحتية ساكنة بعد المثلثة مضاف للاحقه وفيه شاهد لسيبويه على إجازة مثل مررت برجل حسن وجهه بإضافة حسن

(5/225)


إلى وجه وغيره يخالفه في ذلك والمسألة مقررة في كتب العربية بأدلتها قاله في المصابيح (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون) ولأبي ذر وترجعوا بحذف النون علامة للنصب (إلى رحالكم) جمع رحل ما يسكنه الشخص أو ما يستصحبه من المتاع (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (فوالله ما تنقلبون به) وهو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خير مما ينقلبون به) من المال وما موصول مبتدأ خبره خير (قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. فقال) عليه الصلاة والسلام: (لهم
إنكم سترون بعدي أثرة شديدة) بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما لأبي ذر وبالوجهين قيده الجياني وبفتحهما الأصيلي أي سترون بعدي استقلال الأمراء بالأموال وحرمانكم منها (فاصبروا حتى تلقوا الله) يوم القيامة (ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الحوض) فتظفروا بالثواب الجزيل على الصبر (قال أنس: فلم نصبر) وسقطت التصلية أيضًا لأبي ذر.
وهذا الحديث قد أخرجه المؤلّف أيضًا في غزوة حنين من أربعة أوجه.
3148 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلاً مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُونَنِي بَخِيلاً وَلاَ كَذُوبًا وَلاَ جَبَانًا".
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو مصغرًا قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عمر بن محمد بن جبير بن مطعم أن) أباه (محمد بن جبير قال: أخبرني) بالإفراد أبي (جبير بن مطعم) -رضي الله عنه- (أنه بينا) بغير ميم (هو مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه الناس) حال كونه (مقبلاً) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني مقفله بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء واللام أي زمان رجوعه (من) غزوة (حنين علقت رسول الله) بكسر لام علقت مخففة ونصب لام رسول الله على المفعولية ولابن عساكر برسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأعراب) حال كونهم (يسألونه) أن يعطيهم من الغنيمة (حتى اضطروه) أي ألجؤوه (إلى سمرة) شجرة لها نور أصفر (فخطفت رداءه) بكسر الطاء المهملة الشجرة على سبيل المجاز أو الأعراب (فوقف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): ولأبي ذر ثم قال:
(أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاه) بكسر العين المهملة وبعد الضاد المعجمة ألف فهاء وقفًا ووصلاً شجر عظيم له شوك (نعمًا) بفتح النون والعين إبلاً أو والبقر (لقسمته بينكم ثم لا تجدوني) ولأبي ذر لا تجدونني بنونين على الأصل (بخيلاً ولا كذوبًا ولا جبانًا).
وهذا الحديث سبق في باب الشجاعة في الحرب.
3149 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ
جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ". [الحديث 3149 - طرفاه في: 5809، 6088].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال: (كنت أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه برد) بضم الموحدة وسكون الراء نوع من الثياب معروف والواو للحال وفي رواية الأوزاعي وعليه رداء (نجراني) بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى نجران بلد باليمن (غليظ الحاشية فأدركه أعرابي) من أهل البادية لم يسم (فجذبه) بجيم فذال معجمة فموحدة (جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ناحية عاتقه الشريف وهو ما بين المنكب والعنق (قد أثرت به حاشية الرداء) وفي رواية همام حتى انشق البرد وذهبت حاشيته في عنقه (من شدة جذبته ثم قال: مر لي) وفي رواية الأوزاعي أعطني (من مال الله الذي عندك فالتفت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فضحك ثم أمر له بعطاء). وفيه مزيد حلمه عليه الصلاة والسلام وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز عمن يريد تألفه على الإسلام وغير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في اللباس والأدب.
3150 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ: فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى. قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". [الحديث 3150 - أطرافه في: 3405، 4335، 4336، 6059، 6100، 6291، 6336].
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم بن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم حنين آثر) بمدّ الهمزة أي

(5/226)


خص (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أناسًا في القسمة) بالزيادة (فأعطى) بيان للقسمة المذكورة ولأبوي ذر والوقت أعطى (الأقرع بن حابس) بالحاء المهملة والموحدة والسين المهملة المجاشعي أحد المؤلّف قلوبهم (مائة من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن الفزاري (مثل ذلك) أي مائة (وأعطى أناسًا) آخرين (من أشراف العرب فآثرهم) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر وآثرهم (يومئذٍ في القسمة) على غيرهم (قال رجل) هو معتب بن قشير المنافق فيما ذكره الواقدي (والله إن هذه القسمة) ولأبي الوقت لقسمة (ما عدل فيها) بضم العين وكسر الدال (وما أريد بها) أي بهذه القسمة (وجه الله) بالرفع نائبًا عن الفاعل قال ابن مسعود
(فقلت، والله لأخبرن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتيته فأخبرته فقال) عليه الصلاة والسلام: (فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام عاقبه فيحتمل كما قاله المازري أنه لم يفهم منه الطعن في النبوّة وإنما نسبه لترك العدل في القسمة فلعله لم يعاقبه لأنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقل عنه واحد وبشهادة واحد لا يراق الدم (رحم الله موسى) النبي (قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت (فصبر).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في الزكاة.
3151 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بْنتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: "كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي. وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَىْ فَرْسَخٍ".
وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ". [الحديث 3151 - طرفه في: 5224].
وبه قال: (حدّثنا محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن أسماء ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه) أي أعطاه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رأسي) متعلق بأنقل (وهي) ولأبي الوقت وهي أي الأرض التي أقطعه (مني على ثلثي فرسخ) بتثنية ثلث. (وقال أبو ضمرة): بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير) وهذا التعليق المرسل لم يجد ابن حجر -رحمه الله- من وصله وفائدة ذكره هنا أن أبا ضمرة خالف أبا أسامة في وصله فأرسله وتعيين الأرض المذكورة وأنها مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح مطوّلاً وكذا مسلم وأخرجه النسائي في عشرة النساء.
3152 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا. وَكَانَتِ الأَرْضُ -لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا- لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نترككُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا. فَأُقِرُّوا، حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاء".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر والأصيلي حدّثنا (أحمد بن المقدام) بكسر الميم الأولى قال: (حدّثنا الفضيل بن سليمان) بضم الفاء مصغرًا النميري البصري قال (حدّثنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى) بالجيم أي أخرجهم (من أرض الحجاز) لقوله عليه الصلاة والسلام لا يبقين دينان بجزيرة العرب ولم يخرجهم الصديق لاشتغاله بقتال أهل الردة أو لم يبلغه الخبر (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما ظهر على أهل خيبر) ولابن عساكر على أرض خيبر (أراد أن يخرج اليهود منها وكانت الأرض لما ظهر عليها) بفتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه بأن ينزلوا عن الأرض (لليهود وللرسول) ولأبي الوقت وابن عساكر لما ظهر عليها لله وللرسول (وللمسلمين) وهو محمول على أنه بعد أن صالحهم كانت لله فلم يبق لليهود فيها حق (فسأل اليهود رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتركهم على أن يكفوا العمل) بفتح الياء وسكون الكاف وتخفيف الفاء من يكفوا (ولهم نصف الثمر) بالمثلثة وفتح الميم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(نقركم) من التقرير ولأبي ذر نترككم (على ذلك ما شئنا فأقروا) على ذلك (حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء) بفتح الفوقية وسكون التحتية قربة على البحر من بلاد طيئ (أريحا) بفتح الهمزة وكسر الراء وبالحاء المهملة مقصورًا قرية بالشام، ولأبي ذر أو ريحًا بزيادة الألف للشك.
وقد سبق الحديث في كتاب المزارعة ومطابقته لما ترجم به هنا من حيث إنه ذكر فيها جهات قد

(5/227)


علم من مكان آخر أنها كانت جهات عطاء فبهذا الطريق تدخل تحت الترجمة قاله ابن المنير رحمه الله تعالى.

20 - باب مَا يُصِيبُ مِنَ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ
(باب) حكم (ما يصيب) المجاهد (من الطعام في أرض الحرب).
3153 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ". [الحديث 3153 - طرفه في: 5508].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (بجراب) بكسر الجيم لا بفتحها وما ألطف قول القائل لا تكسر القصعة ولا تفتح الجراب وحكى ابن التين اللغتين وقال القزاز بالفتح وعاء من جلود وبالكسر جراب الركية وهو ما حولها من أعلاها إلى أسفلها (فيه شحم) بمعجمة مفتوحة فمهملة ساكنة (فنزوت) بنون فزاي
مفتوحتين فواو ساكنة أي وثبت مسرعًا (لآخذه فالتفت فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحيبت منه عليه الصلاة والسلام) لكونه اطلع على حرصي عليه ويوقيرًا له وإعراضًا عن خوارم المروءة. وموضع الاستدلال منه كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليه، بل في مسلم ما يدل على رضاه عليه الصلاة والسلام لأن فيه أنه تبسم لمرآه، بل صرح في رواية أبي داود الطيالسي حيث قال عليه الصلاة والسلام في آخره: "هو لك" وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوّغ له الاستئثار به قاله في الفتح.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والذبائح ومسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في الذبائح.
3154 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلاَ نَرْفَعُهُ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) ولأبوي ذر والوقت أن ابن عمر -رضي الله عنهما- (قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب) زاد أبو نعيم من رواية يونس بن محمد وأحمد بن إبراهيم عند الإسماعيلي كلاهما عن حماد بن زيد والفواكه، وعند الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد كنا نصيب العسل والسمن في المغازي (فنأكله ولا نرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو لا نحمله للإدخار.
3155 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكْفَئُوا الْقُدُورَ فَلاَ تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا الْبَتَّةَ.
وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَرَّمَهَا الْبَتَّةَ. [الحديث 3155 - أطرافه في: 4220، 4222، 4224، 5526]
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة سليمان بن أبي سليمان الكوفي (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي الله عنهما- يقول: أصابتنا مجاعة) جوع شديد (ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها) وفي رواية البراء وابن أبي أوفى في المغازي فأصابوا حمرًا فطبخوها (فلما غلت القدور نادى منادي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبو طلحة (اكفئوا) بفتح الهمزة وسكون الكاف وكسر الفاء وبهمزة ولابن عساكر أن اكفئوا أي أميلوا
(القدور) ليراق ما فيها (فلا تطعموا) بفتح أوله وثالثه أي فلا تذوقوا (من لحوم الحمر شيئًا. قال عبد الله) هو ابن أبي أوفى (فقلنا) أي بعض الصحابة (إنما نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عنها (لأنها لم تخمس) بضم أوّله وفتح ثالثه المشدد أي لم يؤخذ منها الخمس (قال، وقال آخرون): من الصحابة (حرمها) عليه السلام (البتة) أي قطعًا من البت وهو القطع والنصب على المصدرية قال الشيباني: (وسألت سعيد بن جبير فقال: حرمها البتة) وذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين كذا رواه بالشك.
وسيأتي ما وقع من اختلاف الصحابة في علة النهي عن لحم الحمر إن شاء الله تعالى واستفيد من هذه الأحاديث إباحة أكل الغانمين قبل اختيار التملك وقبل رجوعهم لعمران الإسلام ما يوجد من القوت والأدم والفاكهة ونحوها مما يعتاد أكله للآدمي عمومًا كاللحم والشحم والعلف للدواب شعيرًا وتبنًا لما ذكر، ولحديث أبي داود والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى قال: أصبنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخيبر طعامًا فكان كل واحد منا يأخذ منه قدر كفايته، والمعنى فيه عزته بدار الحرب غالبًا لإحراز

(5/228)


أهله له عنا فجعله الشارع مباحًا ولأنه قد يفسد وقد يتعذر نقله وقد تزيد مؤونة نقله عليه سواء كان معه طعام يكفيه أم لا لعموم الأحاديث ويتزودون منه لقطع المسافة التي بين أيديهم بقدر الحاجة ولو كانوا أغنياء عنه نعم لو أكل فوق حاجته لزم قيمته كما صرح به في الروضة. قال الزركشي: وكذا ينبغي أن يقال به في علف الدواب لا الفانيذ والسكر والأدوية التي تندر الحاجة إليها ولا انتفاع بمركوب وملبوس من الغنيمة فلو خالف لزمته الأجرة كما تلزمه القيمة إذا أتلف بعض الأعيان، فإن احتاج إلى ملبوس لبرد أو حر ألبسه الإمام بالأجرة مدة حاجته ثم يرده إلى المغنم أو حسبه عليه من سهمه وله القتال بالسلاح بلا أجرة للضرورة إليه ويرده إلى المغنم بعد زوالها فإن لم تكن ضرورة لم يجز له استعماله.
والحديث الأخير أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في الذبائح والنسائي في الصيد وابن ماجه في الذبائح.