تكون وأملوا بهمزة وصل وميم مضمومة اهـ.
وضبطها الصغاني بالوجهين (ما يسركم) ففيه البشرى من
الإمام لأتباعه وتوسيع أملهم (فوالله لا الفقر أخشى
عليكم) بنصب الفقر مفعول أخشى (ولكن أخشى عليكم أن
تبسط) بضم أوله وفتح ثالثه وأن مصدرية أي بسط (عليكم
الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم) وسقط لابن عساكر
لفظة كان (فتنافسوها كما تنافسوها) ولغير الكشميهني:
فتنافسوا كما تنافسوا بإسقاط الهاء فيهما والذي في
الفرع بإسقاطها في الأولى فقط وكذا في أصله (وتهلككم
كما أهلكتهم) فيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى
الهلاك في الدين.
3159 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ
حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ
وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ
قَالَ: "بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ
الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ
الْهُرْمُزَانُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي
مَغَازِيَّ هَذِهِ. قَالَ: نَعَمْ، مَثَلُهَا وَمَثَلُ
مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ
الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ
جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلاَنِ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ
الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ بِجَنَاحٍ
وَالرَّأْسُ. فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الآخَرُ
نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ وَالرَّأْسُ. وَإِنْ شُدِخَ
الرَّأْسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلاَنِ وَالْجَنَاحَانِ
وَالرَّأْسُ. فَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ
قَيْصَرُ وَالْجَنَاحُ الآخَرُ فَارِسُ. فَمُرِ
الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى. وَقَالَ
بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ
قَالَ: فَنَدَبَنَا عُمَرُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا
النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ. حَتَّى إِذَا كُنَّا
بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ
كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَامَ تُرْجُمَانٌ
فَقَالَ:
لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ
الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ: مَا
أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ
كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ.
نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ.
وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ. وَنَعْبُدُ
الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ. فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ
إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ
-تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ- إِلَيْنَا
نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ
فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَقَاتِلَكُمْ
حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَوْ تُؤَدُّوا
الْجِزْيَةَ. وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا
أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ
فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ. وَمَنْ بَقِيَ
مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ" [الحديث 3159 - طرفه في:
7530].
وبه قال: (حدّثنا الفضل بن يعقوب) البغدادي قال:
(حدّثنا عبد الله بن جعفر الرقي) بفتح الراء وكسر
القاف المشددتين نسبة إلى الرقة مدينة بالقرب من
الفرات قال: (حدّثنا المعتمر بن سليمان) بسكون العين
المهملة وفتح الفوقية وكسر الميم وليس هو المعمر بفتح
المهملة وتشديد الميم المفتوحة ولا المعمر بسكون العين
ابن راشد قال: (حدّثنا سعيد بن عبيد الله) بضم العين
وفتح الموحدة مصغرًا ابن جبير بن حيّة (الثقفي) قال:
(حدّثنا بكر بن عبد الله) بسكون الكاف (المزني) البصري
(وزياد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة وهو عم سعيد
بن عبيد الله كلاهما (عن) والد زياد (جبير بن حية)
بفتح الحاء المهملة والتحتية المشددة ابن مسعود الثقفي
أنه (قال: بعث عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (الناس
في أفناء الأمصار) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح النون
ممدودًا والأمصار بالميم ولم أره بالنون في أصل من
الأصول والمصر المدينة العظيمة (يقاتلون المشركين)
فلما كانوا بالقادسية أتاهم في الجيش الذين أرسلهم
يزدجرد إلى قتال المسلمين فوقع بينهم قتال عظيم لم
يعهد مثله مستهل المحرم سنة أربع عشرة وأبلى في ذلك
اليوم جماعة من الشجعان كطليحة الأسدي وعمرو بن معد
يكرب وضرار بن الخطاب، وأرسل الله تعالى في ذلك اليوم
ريحًا شديدة أرمت خيام الفرس من أماكنها وهرب رستم
مقدم الجيش وأدركه المسلمون وقتلوه وانهزمت الفرس،
وقتل المسلمون منهم خلقًا كثيرًا ولم يزل المسلمون
وراءهم إلى أن دخلوا مدينة الملك وهي المدائن التي
فيها إيوان كسرى وكان الهرمزان بضم الهاء وسكون الراء
وضم الميم وتخفيف الزاي واسمه رستم من جملة الهاربين
ووقعت بينه وبين المسلمين وقعة ثم وقع الصلح بينه
وبينهم ثم نقضه، فجمع أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-
الجيش وحاصروه فسأل الأمان إلى أن يحمل إلى عمر -رضي
الله عنه- فوجهه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- مع
أنس إليه (فأسلم الهرمزان) طائعًا وصار عمر يقربه
ويستشيره (فقال) له: (إني مستشيرك في مغازي هذه)
بتشديد ياء مغازي أي فارس وأصبهان وأذربيجان كما عند
ابن أبي شيبة أي بأيها نبدأ لأن الهرمزان كان أعلم
بشأنها من غيره. (قال) الهرمذان: (نعم مثلها) أي الأرض
التي دل عليها السياق (ومثل من فيها من الناس من عدوّ
المسلمين مثل طائر له رأس) برفع مثل خبر المبتدأ الذي
هو مثلها وما بعده عطف عليه (وله جناحان وله رجلان فإن
كسر) بضم الكاف مبنيًّا للمفعول (أحد الجناحين نهضت
الرجلان بجناح والرأس) بالرفع عطفًا على الرجلان ولأبي
ذرّ والرأس بالجر عطفًا على بجناح (فإن
كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ) بضم
الشين المعجمة بعد الدال المهملة المكسورة خاء معجمة
أي كسر (الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس) فإذا
فات الرأس فات الكل (فالرأس كسرى) بكسر الكاف وتفتح
(والجناح قيصر) غير منصرف صاحب الروم (والجناح الآخر
فارس) غير منصرف اسم الجبل المعروف من العجم، وتعقب
هذا بأن كسرى لم يكن رأسًا للروم. وأجيب: بأن كسرى كان
رأس الكل لأنه لم يكن في زمانه ملك أكبر منه لأن سائر
ملوك البلاد كانت تهادنه وتهاديه ولم يقل
(5/231)
في الحديث والرجلان اكتفاء بالسابق للعلم
به فرجل قيصر الفرنج مثلاً لاتصالها به وكسرى الهند
مثلاً قاله الكرماني (فمر المسلمين فلينفروا) بكسر
الفاء (إلى كسرى) فإنه الرأس وبقطعها يبطل الجناحان.
(وقال بكر) هو ابن عبد الله المزني (وزياد) هو ابن
جبير (جميعًا عن جبير بن حيّة فندبنا) بفتح الدال
والموحدة أي طلبنا ودعانا (عمر) -رضي الله عنه- للغزو
(واستعمل علينا النعمان بن مقرن) بالميم المضمومة
والقاف المفتوحة وبعد الراء المشددة المكسورة نون
المزني الصحابي أميرًا (حتى إذا) أي سرنا حتى إذا (كنا
بأرض العدوّ) وهي نهاوند وكان قد خرج معهم فيما رواه
ابن أبي شيبة الزبير وحذيفة وابن عمرو الأشعث وعمرو بن
معد يكرب (وخرج) بالواو وسقطت لأبي ذر وابن عساكر
(علينا عامل كسرى) بندار كما عند الطبراني من رواية
مبارك بن فضالة وعند ابن أبي شيبة ذو الجناحين (في
أربعين ألفًا) من أهل فارس وكرمان ومن غيرهما كنهاوند
وأصبهان مائة ألف وعشرة آلاف (فقام ترجمان) بفتح أوّله
وضمه لهم لم يسم (فقال: ليكلمني رجل منكم) بالجزم على
الأمر (فقال المغيرة): أي ابن شعبة الصحابي (سل عما)
بألف ولأبي ذر وابن عساكر عم (شئت؟ قال): أي الترجمان
ولأبوي الوقت وذر فقال (ما أنتم؟) بصيغة من لا يعقل
احتقارًا (قال): أي المغيرة (نحن أناس من العرب كنا في
شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد) بفتح الميم في الفرع
وأصله (والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعبد
الشجر والحجر فبينا) بغير ميم (نحن كذلك إذ بعث رب
السماوات ورب الأرضين) بفتح الراء (تعالى ذكره وجلت
عظمته إلينا نبيًّا من أنفسنا نعرف أباه وأمه) زاد في
رواية ابن أبي شيبة في شرف منا أوسطنا حسبًا وأصدقنا
حديثًا (فأمرنا نبينا رسول ربنا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده
أو تؤدّوا الجزية) وهذا موضع الترجمة وفيه دلالة على
جواز أخذها من المجوس لأنهم كانوا مجوسًا. (وأخبرنا
نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رسالة
ربنا أنه من قتل منا) أي في الجهاد (صار إلى الجنة في
نعيم لم ير مثلها) أي الجنة (قط. ومن بقي منا ملك
رقابكم). بالأسر وفيه كما قاله الكرماني فصاحة المغيرة
من حيث إن كلامه مبين لأحوالهم فيما يتعلق بدنياهم من
المطعوم والملبوس وبدينهم من العبادة وبمعاملتهم مع
الأعداء من طلب التوحيد أو الجزية ولمعادهم في الآخرة
إلى كونهم في الجنة وفي الدنيا إلى كونهم ملوكًا
ملاكًا للرقاب.
3160 - فَقَالَ النُّعْمَانُ: رُبَّمَا أَشْهَدَكَ
اللَّهُ مِثْلَهَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُنَدِّمْكَ وَلَمْ
يُخْزِكَ وَلَكِنِّي
شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ إِذَا لَمْ
يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى
تَهُبَّ الأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ".
(فقال النعمان) بن مقرن للمغيرة بن شعبة لما أنكر عليه
تأخير القتال وذلك أن المغيرة كان قصد الاشتغال
بالقتال أوّل النهار بعد الفراغ من المكالمة مع
الترجمان: (ربما أشهدك الله) أي أحضرك (مثلها) مثل هذه
الوقعة (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وانتظر بالقتال إلى الهبوب (فلم يندمك)
على التأني والصبر (ولم يخزك) بالخاء المعجمة بغير
نون، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولم يحزنك بالحاء المهملة
والنون والأوّل أوجه لوفاق سابقه فطلبك العجلة لأنك لم
تضبط، (ولكني شهدت القتال مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وضبطت (كان إذا لم يقاتل
في أوّل النهار انتظر) بالقتال (حتى تهب الأرواح) جمع
ريح بالياء وأصله روح بالواو بدليل الجمع الذي غالب
حاله أن يردّ الشيء إلى أصله فقلبت واو المفرد ياء
لسكونها وانكسار ما قبلها وحكى ابن جني في جمعه أرياح
قال الزركشي لما رآهم قالوا رياح. قال في المصابيح: إن
اعتماد صاحب هذا القول على رياح وهم لأن موجب قلب
الواو في رياح ثابت لانكسار ما قبلها كحياض جمع حوض
ورياض جمع روض والمقتضي للقلب في أرياح مفقود والمعتمد
في هذا إنما هو السماع اهـ. وفي القاموس جمع الريح
أرواح وأرياح ورياح وريح كعنب وجمع الجمع أراويح
وأراييح.
(وتحضر الصلوات) بعد زوال الشمس كما عند ابن أبي شيبة
وزاد في رواية الطبري ويطيب القتال وعند ابن أبي شيبة:
وينزل النصر.
وفيه فضيلة القتال بعد الزوال، ويطابق الترجمة أيضًا
في تأخير
(5/232)
النعمان المقاتلة وانتظار هبوب الرياح وهذه
موادعة في هذا الزمان مع الإمكان للمصلحة.
2 - باب إِذَا وَادَعَ الإِمَامُ مَلِكَ الْقَرْيَةِ
هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ؟
هذا (باب) بالتنوين (إذا وادع) أي صالح (الإمام ملك
القرية) على ترك الحرب والأذى (هل يكون ذلك لبقيتهم؟)
أي: لبقية أهل القرية.
3161 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ
السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ
قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبُوكَ، وَأَهْدَى مَلِكُ
أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا،
وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ".
وبه قال: (حدّثنا سهل بن بكار) أبو بشر الدارمي البصري
قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن
عجلان أبو بكر البصري صاحب الكرابيس (عن عمرو بن يحيى)
بفتح العين ابن عمارة المازني (عن عباس) بالموحدة
المشددة وآخره مهملة ابن سهل (الساعدي عن أبي حميد)
عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي) -رضي الله عنه- أنه
(قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تبوك وأهدى ملك
أيلة) هو ابن العلماء كما في مسلم واسمه يوحنا بن روبة
والعلماء اسم أمه وأيلة بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة
فلام مفتوحة آخره هاء تأنيث مدينة على ساحل البحر آخر
الحجاز وأوّل الشام (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بغلة بيضاء) هي دلدل (وكساه) بالواو ولأبي
ذر فكساه بالفاء أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كسا ملك أيلة (بردًا وكتب له) عليه الصلاة
والسلام وفي نسخة لهم (ببحرهم) أي ببلدتهم. وعند ابن
إسحاق لما انتهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى تبوك أتى يوحنا بن روبة صاحب أيلة
فصالحه وأعطاه الجزية وكتب له -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابًا فهو عندهم.
بسم الله الرحمن الرحيم. هذه أمنة من الله ومحمد النبي
رسول الله ليحنة بن روبة وأهل أيلة: فبهذه الطريق تحصل
المطابقة بين الحديث والترجمة كما قاله في الفتح وقد
أجمع على أن الإمام إذا صالح ملك القرية يدخل في ذلك
الصلح بقيتهم.
وهذا الحديث سبق في باب خرص الثمر من كتاب الزكاة،
والله أعلم.
3 - باب الْوَصَاة بِأَهْلِ ذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالذِّمَّةُ
الْعَهْدُ، وَالإِلُّ الْقَرَابَةُ
(باب الوصاة) بفتح الواو والصاد المهملة وبعد الألف
هاء تأنيث أي الوصية ولغير أبي ذر الوصايا (بأهل ذمة
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذين
دخلوا في عهده وأمانه قال البخاري (والذمة) هي (العهد،
والإِلّ) بهمزة مكسورة ولام مشددة هو (القرابة) وهذا
تفسير الضحاك في قوله تعالى: {لا يرقبون في مؤمن إلاَّ
ولا ذمة} [التوبة: 10].
3162 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ جُوَيْرِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ التَّمِيمِيَّ
قَالَ: "سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله
عنه-: قُلْنَا أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
قَالَ: أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ
ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ، وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ".
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف
التحتية قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا
أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بسكون الصاد المهملة
الضبعي (قال: سمعت جويرية بن قدامة) تصغير جارية
وقدامة بضم القاف وتخفيف المهملة (التميمي قال: سمعت
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قلنا) له (أوصنا يا أمير
المؤمنين. قال: أوصيكم بذمة الله فإنه ذمة نبيكم)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورزق عيالكم).
لأن بسبب الذمة تحصل الجزية التي هي مقسومة على
المسلمين مصروفة في مصالحهم من عيال وغيرها أو ما ينال
في تردّدهم لأمصار المسلمين.
4 - باب مَا أَقْطَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْبَحْرَيْنِ، وَمَا وَعَدَ
مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ وَالْجِزْيَةِ وَلِمَنْ
يُقْسَمُ الْفَىْءُ وَالْجِزْيَةُ؟
(باب ما أقطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من البحرين) أي من مالها لأنها كانت صلحًا
(وما وعد من مال
البحرين والجزية) من عطف الخاص على العام (ولمن يقسم
الفيء) الحاصل من أموال الكفار من غير حرب (والجزية).
3163 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
أَنَسًا -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَنْصَارَ
لِيَكْتُبَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ، قَالُوا: لاَ
وَاللَّهِ حَتَّى تَكْتُبَ لإِخْوَانِنَا مِنْ
قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ: ذَاكَ لَهُمْ مَا
شَاءَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ يَقُولُونَ لَهُ. قَالَ:
فَإِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا
حَتَّى تَلْقَوْنِي على الحوض".
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله
بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير)
هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي (عن
يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت أنسًا) -رضي
الله عنه- (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الأنصار ليكتب لهم) أي ليعين لكل منهم حصة
على سبيل الاقطاع من الجزية والخراج (بالبحرين)، البلد
المشهور بالعراق وليس المراد تمليكهم لأن أرض الصلح لا
تقسم ولا تقطع فقد كان عليه الصلاة والسلام صالح أهله
وضرب عليهم الجزية (فقالوا: لا والله حتى تكتب
لإخواننا) المهاجرين (من قريش بمثلها فقال) عليه
الصلاة والسلام:
(ذاك لهم) أي ذاك المال لقريش (ما شاء الله على ذلك)
وكان الأنصار (يقولون له) عليه الصلاة والسلام في
شأنهم مصرين على ذلك حتى (قال) عليه الصلاة والسلام
لهم: (فإنكم سترون بعدي) من الملوك (أثرة) بفتح الهمزة
والمثلثة
(5/233)
وبضم الهمزة وسكون المثلثة أي إيثارًا
لأنفسهم عليكم بالدنيا ولا يجعلون لكم في الأمر من
نصيب (فاصبروا حتى تلقوني) زاد أبو ذر عن الكشميهني
(على الحوض).
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة كونه عليه الصلاة
والسلام لما أشار على الأنصار بما ذكر ولم يقبلوا
فتركه عليه الصلاة والسلام نزل المؤلّف ما بالقوّة
منزلة ما بالفعل وهو في حقه عليه الصلاة والسلام واضح
لأنه لا يأمر إلا بما يجوز فعله قاله في الفتح.
3164 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي: لَوْ
قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ
هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاءَ
مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَتْ
لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي. فَأَتَيْتُهُ
فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَانَ قَالَ لِي: لَوْ قَدْ
جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ لأَعْطَيْتُكَ هَكَذَا
وَهَكَذَا وَهَكَذَا. فَقَالَ لِي: احْثُهْ.
فَحَثَوْتُ حَثْيَةً. فَقَالَ لِي: عُدَّهَا.
فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ
فَأَعْطَانِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن معمر الهذلي) الهروي
نزيل بغداد (قال: أخبرني) بالإفراد (روح بن القاسم)
بفتح الراء العنبري التميمي البصري (عن محمد بن
المنكدر) التميمي المدني (عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي):
(لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا)
ثلاثًا (فلما قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وجاء مال البحرين) من عند العلاء بن
الحضرمي (فقال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه: (من كانت
له عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عدة) بكسر العين وتخفيف الدال المهملتين أي وعد
(فليأتني) أفِ له به (فأتيته فقلت: إن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد كان قال لي:
لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا)
ثلاثًا (فقال) أبو بكر (لي: احثه) بضم المثلثة وكسرها
وبهاء السكت (فحثوت) بالواو (حثية) بالياء وفتح الحاء
فأخذ الفعل من لغة والمصدر من أخرى وكذا فعلوه في
تداخل اللغتين من كلمتين (فقال لي) أبو بكر: (عدها
فعددتها فإذا هي خمسمائة فأعطاني ألفًا وخمسمائة)
ولأبي ذر: فأعطاني خمسمائة أي الأولى التي حثاها
وأعطاني ألفًا وخمسمائة فالجملة ألفان.
3165 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ: "أُتِيَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: انْثُرُوهُ فِي
الْمَسْجِدِ، فَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَعْطِنِي، فإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي
وَفَادَيْتُ عَقِيلاً. فَقَالَ: خُذْ. فَحَثَا فِي
ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ
فَقَالَ: مُرَّ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَىَّ، قَالَ:
لاَ. قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ، قَالَ: لاَ.
فَنَثَرَ منه ثُمَّ ذَهب يُقٍلُّه فلم يرفعه فقال:
فمُرَّ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عليَّ، قَالَ: لاَ،
قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ، قَالَ: لاَ.
فَنَثَرَ ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ
انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى
خَفِيَ عَلَيْنَا، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ".
(وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون
الهاء الخراساني مما وصله الحاكم في مستدركه وابن منده
في أماليه وأبو نعيم في مستخرجه (عن عبد العزيز بن
صهيب عن أنس) -رضي الله عنه- أنه قال: (أتي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمال من البحرين)
بعثه العلاء بن الحضرمي من الخراج وكان مائة ألف كما
في مصنف ابن أبي شيبة (فقال: انثروه) بالمثلثة (في
المسجد فكان أكثر مال أتي به رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه العباس) عمه
(فقال: يا رسول الله أعطني) أي من هذا المال (إني
فاديت نفسي وفاديت عقيلاً) بفتح العين المهملة وكسر
القاف ابن أبي طالب يوم بدر حين أسرا (قال) عليه
الصلاة والسلام. ولأبي ذر فقال: (خذ فحثى في ثوبه) أي
فحثى العباس في ثوب نفسه (ثم ذهب يقله) بضم الياء وكسر
القاف أي يرفعه ويحمله (فلم يستطع فقال) العباس له
عليه الصلاة والسلام: (أمر) بهمزة ساكنة في أوّله على
الأصل (بعضهم) أي الحاضرين (يرفعه إليّ) بالجزم جوابًا
للأمر ويجوز الرفع على الاستئناف (قال) عليه الصلاة
والسلام (لا قال: فأرفعه أنت عليّ قال: لا) أرفعه
(فنثر) العباس (منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه) ولأبي ذر
وابن عساكر: فلم يستطع (فقال: أمر) ولأبي ذر عن
الكشميهني فمر بإسقاط الهمزة (بعضهم يرفعه عليّ قال:
لا قال فارفعه أنت عليّ قال: لا فنثر ثم) ولأبي ذر
وابن عساكر: فنثر منه ثم (احتمله على كاهله) وهو ما
بين كتفيه (ثم انطلق فما زال) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يتبعه بصره) من باب الإفعال (حتى
خفي علينا عجبًا من حرصه) بنصب عجبًا مفعولاً مطلقًا
من قبيل ما يجب حذف عامله أو مفعولاً له (فما قام رسول
الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المسجد
(وثمّ) بفتح المثلثة وهناك (منها درهم) وهذا التعليق
قد مرّ في باب تعليق القنوت في المسجد من كتاب الصلاة.
5 - باب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ
جُرْمٍ
(باب إثم من قتل معاهدًا) بفتح الهاء ذميًّا (بغير
جرم) أي حق.
3166 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو
حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَتَلَ
مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ
رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا".
[الحديث 3166 - طرفه في: 6914].
وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي البصري
قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الحسن
بن عمرو) بفتح الحاء والعين الفقيمي الكوفي قال:
(حدّثنا مجاهد) هو ابن جبر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح
العين ابن
(5/234)
العاص (-رضي الله عنهما-) وسماع مجاهد من
ابن عمرو بن العاص ثابت وروى الأصيلي فيما ذكره في
الفتح عن الجرجاني عن الفربري: ابن عمر بضم العين وهو
تصحيف (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(من قتل معاهدًا) ذميًّا وفي رواية أبي معاوية الآتية
بغير حق (لم يرح) بفتح التحتية والراء في الفرع كأصله
وحكى السفاقسي ضم أوّله وكسر الراء وابن الجوزي فتح
أوّله وكسر ثانيه وكذا في اليونينية أي لم يشم (رائحة
الجنة) أوّل ما يجدها سائر المؤمنين الذين لم يقترفوا
الكبائر (وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا). وعند
الترمذي من حديث أبي هريرة: "سبعين خريفًا". وفي
الموطأ: خمسمائة، وجمع بينهما ابن بطال بأن الأربعين
أقصى أشد العمر وفيها يزيد عمل الإنسان ويقينه ويندم
على سالف ذنوبه فهذا يجد ريحها على مسيرة أربعين
عامًّا، وأما السبعون فحدّ المعترك وفيها تحصل الخشية
والندم لاقتراب الأجل فيجد ريح الجنة من مسيرة سبعين،
وأما الخمسمائة فهي زمن الفترة فيكون من جاء في آخر
الفترة واهتدى باتباع النبي الذي كان قبل الفترة ولم
يضره طولها فيجد ريح الجنة على خمسمائة عام. كذا قال
ولا يخفى ما فيه من التكلف والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّيات وكذا ابن ماجه.
6 - باب إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ
الْعَرَبِ
وَقَالَ عُمَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ
اللَّهُ».
(باب إخراج اليهود من جزيرة العرب. وقال عمر) بن
الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أقركم ما أقركم الله به) سقط لابن عساكر
لفظة به وهذا طرف من قصة أهل خيبر السابقة موصولة في
المزارعة.
3167 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ
الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ فِي
الْمَسْجِدِ خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى
يَهُودَ، فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ
الْمِدْرَاسِ فَقَالَ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا،
وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ،
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ
الأَرْضِ، فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا
فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ". [الحديث 3167 - طرفاه في: 6944،
7348].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدَّثني) بالإفراد
(سعيد المقبري عن أبيه) أبي سعيد كيسان المدني مولى
بني ليث (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال:
بينما) بالميم (نحن في المسجد) وجواب بينما قوله (خرج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(انطلقوا إلى يهود فخرجنا) معه (حتى جئنا) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي حتى إذا جئنا (بيت المدراس) بكسر
الميم وسكون الدال المهملة وفتح الراء آخره سين مهملة
أي بيت العالم الذي يدرس كتابهم أو البيت الذي يدرسون
فيه كتابهم (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (أسلموا
تسلموا) مجزوم بحذف النون بالأمر في الأوّل وجوابه في
الآخر أي إن أسلمتم تصيروا سالمين وهذا آية في البلاغة
اللفظية والمعنوية وهو من جوامع كلمة عليه الصلاة
والسلام (واعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن
أجليكم) بضم الهمزة وسكون الجيم أخرجكم (من هذا الأرض)
ولأبي ذر: من هذه الأرض كأنهم قالوا في جواب قوله
أسلموا تسلموا لِمَ قلت هذا وكررته؟ فقال: اعلموا أني
أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم من ذلك ومما هو أَشق
منه، (فمن يجد منكم) بكسر الجيم (بماله) أي بدل ماله
فالباء للبدلية (شيئًا فليبعه) جواب من أي من كان له
شيء مما لا يمكن نقله فليبعه (وإلاَّ) أي وإن لم
تسمعوا ما قلت لكم من ذلك (فاعلموا أن الأرض لله
ورسوله) ولابن عساكر: ولرسوله. أي: تعلقت مشيئة الله
تعالى بأن يورث أرضكم هذه للمسلمين ففارقوها، والظاهر
كما قاله في فتح الباري: أن اليهود المذكورين بقايا
تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير
والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة لأنه
إنما جاء بعد فتح خيبر وقد أقرّ عليه الصلاة والسلام
يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض واستمروا
إلى أن أجلاهم عمر، ولا يصح أن يقال إنهم بنو النضير
لتقدم ذلك على مجيء أبي هريرة وأبو هريرة يقول في هذا
الحديث أنه كان معه عليه الصلاة والسلام.
ومطابقة الحديث لما ترجم به من حيث إنه عليه الصلاة
والسلام همّ بإخراج يهود لأنه كان يكره أن يكون بأرض
العرب غير المسلمين إلى أن حضرته الوفاة فأوصى
بإجلائهم من جزيرة العرب فأجلاهم عمر -رضي الله عنه-.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإكراه والاعتصام
والمغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في السير.
3168 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ أبي مسلم الأَحْوَلِ
سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ
-رضي الله عنهما- يَقُولُ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا
يَوْمُ الْخَمِيسِ. ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ
الْحَصَى. قُلْتُ: يَا اَبن عَبَّاسٍ مَا يَوْمُ
الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ
فَقَالَ: ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا
لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. فَتَنَازَعُوا. وَلاَ
يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ. فَقَالُوا: مَا
لَهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ. فَقَالَ: ذَرُونِي،
فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي
إِلَيْهِ. فَأَمَرَهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ: أَخْرِجُوا
الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا
الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ،
وَالثَّالِثَةُ إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا، وَإِمَّا
أَنْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا". قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا
مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام كما قاله الحافظ
ابن حجر قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا
(5/235)
(ابن عيينة) سفيان (عن سليمان بن أبي مسلم
الأحول) سقط الأحول لأبي ذر وسقط لغيره ابن أبي مسلم
أنه (سمع سعيد بن جبير) وهو (سمع ابن عباس -رضي الله
عنهما- يقول: يوم الخميس) خبر المبتدأ المحذوف أو
بالعكس نحو يوم الخميس يوم الخميس نحو أنا أنا والمراد
منه تفخيم أمره في الشدّة والمكروه (وما يوم الخميس؟)
أي أيّ يوم يوم الخميس وهو تعظيم للأمر الذي وقع فيه
(ثم بكى) ابن عباس -رضي الله عنهما- (حتى بلّ دمعه
الحصى فقلت: يا ابن عباس) بالموحدة والمهملة (ما يوم
الخميس؟ قال: اشتد برسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه) الذي توفي فيه (فقال):
(ائتوني بكتف اكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده أبدًا
فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع) وفي كتاب العلم
فاختلفوا وكثر اللغط قال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع
فظهر أن قوله: ولا ينبغي إلخ .. من قوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا: ما له أهجر؟)
بهمزة وهاء وجيم وراء مفتوحات والهمزة للاستفهام
الإنكاري يعني أنهم أنكروا على من قال: لا تكتبوا أي
لا تجعلوه كأمر من هذى في كلامه (استفهموه) بكسر الهاء
(فقال: ذروني) أي اتركوني (فالذي أنا فيه) من المراقبة
والتأهب للقاء الله والفكر في ذلك ونحوه (خير مما
تدعوني) ولأبي ذر تدعونني (إليه فأمرهم بثلاث قال):
ولأبي ذر: فقال (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) ولما
لم يتفرغ أبو بكر لإجلائهم أجلاهم عمر -رضي الله
عنهما- (وأجيزوا الوفد) الواردين (بنحو ما كنت أجيزهم
والثالثة: (ما أن
سكت) عليه الصلاة والسلام (عنها) ولابن عساكر ونسيت
الثالثة ولغير أبي ذر وابن عساكر والثالثة خير إما أن
سكت عنها (وإما أن قالها فنسيتها) قيل هي بعث أسامة
(قال سفيان) بن عيينة: (هذا من قول سليمان) الأحول.
7 - باب إِذَا غَدَرَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ
هَلْ يُعْفَى عَنْهُمْ؟
هذا (باب) بالتنوين (إذا غدر المشركون بالمسلمين هل
يعفى عنهم)؟
3169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا
فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: اجْمَعُوا لي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ
يَهُودَ، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي
سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ
عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَبُوكُمْ؟
قَالُوا: فُلاَنٌ. فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، بَلْ
أَبُوكُمْ فُلاَنٌ. قَالُوا: صَدَقْتَ. قَالَ: فَهَلْ
أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُ
عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ،
وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ
فِي أَبِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟
قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَا
فِيهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: اخْسَؤُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ
نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا. ثُمَّ قَالَ: هَلْ
أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ
عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ:
هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟ قَالُوا:
نَعَمْ. قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا:
إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ
نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ". [الحديث 3169 - طرفاه في:
4249، 5777].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد
(سعيد) ولابن عساكر سعيد بن أبي سعيد المقبري (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما فتحت خيبر أهديت
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة)
أهدتها له زينب بنت الحرث اليهودية (فيها سمّ) بتثليث
السين (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(اجمعوا إلي) ولأبي ذر وابن عساكر: لي (من كان هاهنا
من يهود فجمعوا له فقال) عليه الصلاة والسلام لهم:
(إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه؟) بتشديد
الياء وأصله صادقون فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت
النون وصار صادقوي فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما
بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء (فقالوا:
نعم. قال) ولأبي ذر: فقال (لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أبوكم؟ قالوا: فلان. فقال)
عليه الصلاة والسلام: ولأبي ذر قال: (كذبتم. بل أبوكم
فلان) قال في المقدمة: ما أدري من عنى بذلك (قالوا:
صدقت. قال: فهل أنتم صادقيّ)؟ بتشديد الياء (عن شيء إن
سألت عنه؟ فقالوا: نعم. يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت
كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: من أهل النار؟
قالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفونا فيها) ولأبي ذر:
تخلفوننا بنونين على الأصل فإسقاط النون في الأولى
لغير ناصب ولا جازم لغة (فقال النبي: اخسؤوا فيها)
زجر لهم بالطرد والإبعاد أو دعاء عليهم بذلك ويقال
لطرد الكلب: اخسأ (والله لا نخلفكم فيها أبدًا) لا
يقال عصاة المسلمين يدخلون النار لأن يهود لا يخرجون
منها بخلاف عصاة المسلمين فلا يتصور معنى الخلافة (ثم
قال) عليه السلام: (هل أنتم صادقيّ؟) بتشديد الياء
كذلك (عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا) ولأبي ذر قالوا:
(نعم يا أبا القاسم. قال: هل جعلتم في هذه الشاة سمًا
قالوا): ولأبي ذر: فقالوا (نعم. قال: ما حملكم على
ذلك؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح وإن كنت
نبيًّا لم يضرك).
واختلف هل عاقب عليه السلام اليهودية التي أهدت الشاة؟
وفي مسلم أنهم قالوا: ألا نقتلها؟ قال: (لا). وعند
البيهقي من حديث أبي
(5/236)
هريرة فما عرض لها. ومن طريق أبي نصرة عن
جابر نحوه قال: فلم يعاقبها. وقال الزهري: أسلمت
فتركها. قال البيهقي: يحتمل أن يكون تركها أولاً ثم
لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها وبذلك أجاب
السهيلي وزاد أنه تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم
قتلها ببشر قصاصًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والطب والنسائي في
التفسير.
8 - باب دُعَاءِ الإِمَامِ عَلَى مَنْ نَكَثَ عَهْدًا
(باب) جواز (دعاء الإمام على من نكث) بالمثلثة أي نقض
(عهدًا).
3170 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا
ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- عَنِ الْقُنُوتِ
قَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ. فَقُلْتُ إِنَّ فُلاَنًا
يَزْعُمُ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ:
كَذَبَ. ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا
بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ قَالَ: بَعَثَ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ
-يَشُكُّ فِيهِ- مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ، فَعَرَضَ لَهُمْ هَؤُلاَءِ
فَقَتَلُوهُمْ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَهْدٌ، فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا
وَجَدَ عَلَيْهِمْ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
قال: (حدّثنا ثابت بن يزيد) بتحتية قبل الزاي من
الزيادة وأسقط بعضهم التحتية فقال: زيد فأخطأ قال:
(حدّثنا عاصم) هو الأحول (قال: سألت أنسًا -رضي الله
عنه- عن القنوت؟ قال: قبل الركوع فقلت: وإن فلانًا) هو
محمد بن سيرين (يزعم أنك قلت بعد الركوع. فقال: كذب).
أهل الحجاز يطلقون لفظ كذب في موضع أخطأ (ثم حدّثنا)
ولأبي ذر: ثم حدّث (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أنه قنت شهرًا بعد الركوع) وفي حديث أنس
في كتاب الوتر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قنت في الصبح بعد الركوع (يدعو على أحياء
من بني سليم قال: بعث أربعين أو سبعين يشك فيه من
القراء) متعلق بقوله بعث وهم طائفة من الناس نزلوا
الصفة يتعلمون القرآن (إلى أناس من المشركين فعرض لهم
هؤلاء) عامر بن الطفيل في أحياء وهم رعل وذكوان وعصية
لما نزلوا بئر معونة فقاتلوهم (فقتلوهم) ولم ينج منهم
إلاَّ كعب بن زيد
الأنصاري (وكان بينهم وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد) فغدروا (فما رأيته وجد على
أحد ما وجد عليهم) أي ما حزن على أحد ما حزن عليهم
وفيه جواز الدعاء في الصلاة على عدو المسلمين.
وهذا الحديث قد سبق في باب القنوت قبل الركوع وبعده من
كتاب الوتر.
9 - باب أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ
(باب أمان النساء وجوارهن) بكسر الجيم والمراد هنا
الإجارة.
3171 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ
مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ
أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ ابْنَةَ
أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: "ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ
الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ
ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ:
مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ
أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ،
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانَ
رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ
أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ؛ فُلاَنُ
بْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ
أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ. قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ
وَذَلِكَ ضُحًى".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون
الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد
الله) القرشي المدني (أن أبا مرّة) بضم الميم وتشديد
الراء يزيد (مولى أم هانئ) بالهمزة فاختة (ابنة) ولأبي
ذر: بنت (أبي طالب) ويقال مولى عقيل بن أبي طالب مدني
مشهور بكنيته (أخبره) ولأبي ذر: أنه أخبره (أنه سمع أم
هانئ ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي طالب تقول: ذهبت إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام
الفتح) وهو بمكة (فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته) -رضي
الله عنها- (تستره فسلمت عليه فقال):
(من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال:
مرحبًا) أي أتيت سعة (بأم هانئ) بحرف الجر (فلما فرغ
من غسله) بضم المعجمة ولأبي ذر: من غسله بفتحها (فام
فصلّى ثمان) بفتح النون ولأبي ذر: ثماني بكسر النون
وبتحتية بعدها مفتوحة (ركعات ملتحفًا في ثوب واحد
فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمي عليّ) هو ابن طالب
وكان أخاها من الأب والأم (أنه قاتل رجلاً) اسم فاعل
لا فعل ماض (قد أجرته) بهمزة مقصورة أي أمنته (فلان
ابن هبيرة) رفع فلان خبر مبتدأ محذوف أي هو فلان.
ولأبي ذر: فلان ابن بالنصب بدلاً من رجلاً أو بدلاً من
الضمير المنصوب وهبيرة بضم الهاء وفتح الموحدة وسكون
التحتية وبالراء. وهبيرة: هو ابن أبي وهب المخزومي وهو
زوج أم هانئ وابنه يسمى جعدة. قال ابن عبد البر: لم
يكن لهبيرة ابن يسمى جعدة من غير أم هانئ فكيف كان
عليّ يقصد قتل ابن أخته؟ وقال الزبير بن بكار: فلان
ابن هبيرة هو الحرث بن هشام المخزومي.
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) أي أمّنا من أمنتيه أو
أن أمانك لذلك الرجل كأماننا له فلا يصح لعليّ قتله.
وفيه جواز أمان المرأة وإن من أمنته حرم قتله، وبه قال
مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وعن سحنون وابن
الماجشون: هو إلى الإمام إن أجازه جاز وإن ردّه ردّ.
وقال في المصابيح لقائل أن يقول: إن كانت الإجارة منها
يعني من أم هانئ نافذة فقد فات الأمر ونفذ الحكم فلا
يوافق قوله عليه
(5/237)
الصلاة والسلام قد أجرنا من أجرتِ لأنه
يكون تحصيلاً للحاصل، فهذا يدل على أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي أجار ولولا
تنفيذه لما نفذ جوارها. وهل تنفيذ الجوار على القول
بأنه موقوف إجارة مؤتنفة أو لا؟ هي قاعدة اختلف فيها
كتنفيذ الورثة وصية المورث بما زاد عن الثلث، فقيل
ابتداء عطية منهم فيشترط شروط العطية من الجوز وغيره،
وقيل لا يشترط ذلك والتنفيذ ليس ابتداء عطية، وانظر ما
في أمان الآحاد من المسلمين إذا عقدوه لأهل مدينة
عظيمة مثل أن تؤمن امرأة أهل القسطنطينية هل يجب على
الإمام تنفيذ ذلك أو إنما ينفذ تأمينهم للآحاد؟ يبحث
فيه عن النص غير أن المتأخرين أجازوا للآحاد إعطاء
الأمان، وقالوا مطلقًا ومقيدًا قبل الفتح وبعده هكذا
في الصبح الصادع.
(قالت أم هانئ: وذلك) ولابن عساكر: وذاك (ضحى).
وهذا الحديث قد سبق في باب الصلاة في الثوب الواحد
ملتحفًا به في أوائل كتاب الصلاة.
10 - باب ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجِوَارُهُمْ
وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ
هذا (باب) بالتنوين (ذمة المسلمين وجوارهم واحدة) خبر
المبتدأ الذي هو ذمة المسلمين وجوارهم عطف عليه
والمعنى أن كل من عقد أمانًا لأحد من أهل الحرب جاز
أمانه على جميع المسلمين دنيا كان أو شريفًا عبدًا أو
حرًّا رجلاً أو امرأة، واتفق مالك والشافعي على جواز
أمان العبد قاتل أو لم يقاتل، وأجازه أبو حنيفة وأبو
يوسف إن كان قاتل، وسقط من بعض النسخ لفظ وجوارهم
(يسعى بها) أي بذمة المسلمين يعني أمانهم (أدناهم) أي
أقلهم عددًا فيدخل فيه الواحد والمرأة لا العبد عند
أبي حنيفة إلا إن قاتل فيدخل كما مرّ.
3172 - حَدَّثَني مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: "خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا
عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ
وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ: فِيهَا
الْجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإِبِلِ، وَالْمَدِينَةُ
حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ
أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ
وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ
فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ
وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ
مِثْلُ ذَلِكَ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد)
هو ابن سلام كما قاله ابن السكن قال: (أخبرنا) ولأبي
ذر: حدّثنا (وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان
بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك
التيمي تيم الرباب أنه (قال: خطبنا عليّ) هو ابن أبي
طالب (فقال: ما عندنا كتاب) في أحكام الشريعة (نقرؤه)
بضم الهمزة (إلا كتاب الله) زاد أبو ذر: تعالى (وما في
هذه الصحيفة؟ فقال: فيها الجراحات) أي أحكامها (وأسنان
الإبل) أي إبل الدّيات مغلظة ومخففة (والمدينة حرام)
يحرم صيدها ونحوه (ما بين عير) بفتح العين المهملة
وبعد التحتية الساكنة راء منوّنة جبل (إلى كذا) قيل
جبل أُحُد (فمن أحدث فيها) في المدينة (حدثًا) بفتح
الحاء والدال المثلثة أمرًا منكرًا ليس معروفًا في
السنة ولأبي ذر عن الحموي: حدثه (أو آوى فيها محدثًا)
بمدّ آوى في اللازم والمتعدي جميعًا لكن القصر في
اللازم والمدّ في المتعدي أشهر ومحدثًا بكسر الدال أي
صاحب الحدث الذي جاء ببدعة في الدين أو بدل سنة (فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) والمراد باللعنة
البعد عن رحمة الله والجنة أول الأمر بخلاف الكفار
فإنها البعد عنهما كل البعد أولاً وآخرًا (لا يقبل منه
صرف ولا عدل)، أي فريضة ولا نفل وقيل غير ذلك ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي لا يقبل الله صرفًا ولا عدلاً
(ومن تولى) أي اتخذ أولياء أو موالي (غير مواليه فعليه
مثل ذلك). الذي على من أحدث فيها (وذمة المسلمين
واحدة)، وهذا مناسب لصدر الترجمة، وأما قوله فيها يسعى
بذمتهم أدناهم فأشار به إلى ما في طريق سفيان عن
الأعمش في باب: إثم من عاهد ثم غدر من ذكرها ثم، وعند
الإمام أحمد وعند ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا:
المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى
بذمتهم أدناهم (فمن أخفر مسلمًا) بهمزة مفتوحة فحاء
معجمة ساكنة وبعد الفاء المفتوحة راء أي فمن نقض عهد
مسلم (فعليه مثل ذلك) الوعيد المذكور في حق من أحدث في
المدينة حدثًا.
وهذا الحديث قد سبق في باب حرم المدينة.
11 - باب إِذَا قَالُوا صَبَأْنَا وَلَمْ يُحْسِنُوا
أَسْلَمْنَا
هذا (باب) بالتنوين (إذا قالوا) أي المشركون حين
يقاتلون (صبأنا) بهمزة ساكنة (ولم يحسنوا) أن يقولوا
(أسلمنا) جريًا منهم على لغتهم.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ,
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ
خَالِدٌ".
وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ،
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ كُلَّهَا.
وَقَالَ: تَكَلَّمْ. لاَ بَأْسَ.
(وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما أخرجه مطوّلاً
موصولاً في غزوة الفتح (فجعل خالد) هو ابن الوليد لما
بعثه عليه الصلاة والسلام إلى بني هدبة فقالوا: صبأنا
وأرادوا
(5/238)
أسلمنا فلم يقبل ذلك وجعل (يقتل) منهم على
ظاهر اللفظ (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): لما بلغه ذلك (أبرأ إليك) ولابن
عساكر: اللهم إني أبرأ إليك (مما صنع خالد) وهذا يدل
على أنه يكتفي من كل قوم بما يعرف من لغتهم وقد عذر
عليه السلام خالدًا في اجتهاده ولذلك لم يقدمنه.
(وقال عمر) -رضي الله عنه- مما وصله عبد الرزاق (إذا
قال مترس) بفتح الميم وسكون الفوقية وبعد الراء
المفتوحة سين مهملة ساكنة، ولابن عساكر: مترس بكسر
الميم، ولأبي ذر: مترس بكسر الميم وتشديد الفوقية
المفتوحة وكسر الراء كذا في الفرع وأصله وضبطه في
الفتح والعمدة والمصابيح والتنقيح مترس بفتح الميم
وتشديد الفوقية المفتوحة وإسكان الراء وهي كلمة فارسية
معناها لا تخف لأن م كلمة نفي عندهم وترس بمعنى الخوف
(فقد آمنه) بمدّ الهمزة (إن الله يعلم الألسنة كلها.
وقال): ولأبي ذر: أو قال أي عمر -رضي الله عنه-
للهرمزان حين أتوا به إليه واستعجم (تكلم. لا بأس)
عليك فكان ذلك تأمينًا من عمر -رضي الله عنه-. وهذا
وصله ابن أبي شيبة ويعقوب بن أبي سفيان في تاريخه
بإسناد صحيح عن أنس، وهذا الباب ثابت في رواية الحموي
والمستملي.
12 - باب الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ
الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِثْمِ مَنْ
لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ جَنَحُوا
لِلسَّلْمِ} -جنحوا: طلبوا السلم- {فَاجْنَحْ لَهَا}
[الأنفال: 61] الآيَةَ
(باب الموادعة) وهي المسالمة على ترك الحرب والأذى
(والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره) كالأسرى (وإثم
من لم يفِ) ولأبي ذر عن الكشميهني: يوفِ بضم التحتية
ثم زيادة واو ساكنة وتخفيف الفاء (بالعهد وقوله)
تعالى: ({وإن جنحوا للسلم}) وسقط قوله وقوله لأبي ذر
وزاد جنحوا طلبوا السلم بفتح السين فيهما وهو من قول
المؤلّف ({فأجنح لها}) [الأنفال: 61]. وقال أبو عبيدة:
السلم والسلم واحد وهو الصلح وقيل بالفتح الصلح
وبالكسر الإسلام زاد ابن عساكر وتوكل على الله إنه هو
السميع العليم. وفي رواية غيره وأبي ذر بعد قوله:
{فاجنح لها} الآية.
3173 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ هُوَ
ابْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ
بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ:
"انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ
بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهْيَ
يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهْوَ يَتَشَحَّطُ
فِي دَمٍ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ, ثُمَّ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ،
فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ -وَهْوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ-
فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: أَتَحْلِفُونَ
وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ -أَوْ صَاحِبَكُمْ-
قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ
نَرَ -قَالَ: فَتُبْرِئكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ.
فَقَالُوا: كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ
كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (هو ابن المفضل) بفتح
الضاد المعجمة المشددة ابن لاحق البصري قال: (حدّثنا
يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم
الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا ويسار بتحتية وسين
مهملة مخففة المدني مولى الأنصار (عن سهل بن أبي حثمة)
بفتح السين المهملة وسكون الهاء وحثمة بفتح الحاء
المهملة وسكون المثلثة وفتح الميم واسمه عبد الله
الأنصاري المدني أنه (انطلق عبد الله بن سهل) الحارثي
(ومحيصة بن مسعود بن زيد) بضم الميم وفتح الحاء
المهملة وتشديد التحتية وفتح الصاد المهملة الأنصاري
المدني، وقيل الصواب ابن كعب بدل زيد (إلى خيبر) في
أصحاب لهما يمتارون تمرًا (وهي يومئذ صُلح فتفرقا) أي
ابن سهل ومحيصة (فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل)
فوجده في عين قد كسرت عنقه وطرح فيها (وهو يتشحط)
بالشين المعجمة والحاء المهملة أي يضطرب (فيدم) حال
كونه (قتيلاً) ولأبي ذر عن الكشميهني في دمه بالضمير
(فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل) أخو
عبد الله بن سهل (ومحيصة و) أخوه (حويصة ابنا مسعود
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ليخبروه بذلك (فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال) عليه
الصلاة والسلام له:
(كبر كبر) بالجزم على الأمر وكرره للمبالغة أي قدم
الأسن يتكلم (وهو) أي عبد الرحمن (أحدث القوم) سنًا
(فسكت فتكلما) أي محيصة وحويصة بقضية قتل عبد الله
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (أتحلفون) أطلق الخطاب
للثلاثة بعرض اليمين عليهم ومراده من يختص به وهو أخوه
لأنه كان معلومًا عندهم أن اليمين مختص بالوارث، وإنما
أمر أن يتكلم أكبر لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة
الدعوى لأنه لا حق لابني العم فيها، بل المراد سماع
الصورة الواقعة وكيفيتها ويحتمل أن يكون عبد الرحمن
وكّل الأكبر أو أمره بتوكيله فيها (وتستحقون قاتلكم)
ولأبي ذر دم قاتلكم (أو صاحبكم) بالنصب أو بالجر على
رواية أبي ذر. قال النووي: المعنى يثبت حقكم على من
حلفتم عليه وذلك الحق أعم من أن يكون قصاصًا
(5/239)
أو دية (قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد) قتله
(ولم نر؟) من قتله (قال) عليه الصلاة والسلام:
(فتبرئكم) بسكون الموحدة في الفرع أي تبرأ إليكم
(يهود) من دعواكم (بخمسين) أي يمينًا (فقالوا: كيف
نأخذ أيمان قوم كفار؟) قال الخطابي: بدأ عليه الصلاة
والسلام بالمدعين في اليمين فلما نكلوا ردّها على
المدعى عليهم فلم يرضوا بأيمانهم (فعقله) أي أدّى ديته
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عنده)
من خالص ماله أو من بيت المال لأنه عاقلة المسلمين
ووليّ أمرهم وفيه أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوى
من جهة أن اليمين على المدعي وأنها خمسون يمينًا
واللوث هنا هو العداوة الظاهرة بين المسلمين واليهود.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الصلح والأدب والدّيات
والأحكام ومسلم في الحدود وأبو داود والترمذي وابن
ماجه في الدّيات والنسائي في القضاء والقسامة.
13 - باب فَضْلِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ
(باب فضل الوفاء بالعهد).
3174 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ
هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ
كَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي
مَادَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا سُفْيَانَ فِي كُفَّارِ
قُرَيْشٍ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا
قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد
الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن
عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان) صخر (بن حرب)
ولأبي ذر وابن عساكر ابن حرب بن أمية (أخبره أن هرقل
أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارًا) بكسر الفوقية
وتخفيف الجيم نحو صاحب وصحاب ويجوز ضم الفوقية وتشديد
الجيم (بالشام) متعلق بتجارًا أو بكانوا أو بوصف آخر
لركب (في المدّة التي مادّ فيها) بتخفيف الدال ضبطه في
اليونينية هنا وفي غيرها مادّ بالمدّ والتشديد وهو فعل
ماض من المفاعلة يقال مادّ الغريمان إذا اتفقا على أجل
للدين وضربا له زمانًا، وهذه المدّة هي المدّة التي
هادن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أبا سفيان في كفار قريش) سنة ست من الهجرة.
ودلالة الحديث على الترجمة من بقية الحديث حيث قال في
مدح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
وكذلك الرسل لا تغدر، وقال ابن بطال: أشار البخاري
بهذا إلى أن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم وليس هو من
صفات الرسل، وهذا طرف من حديث أبي سفيان السابق في أول
الكتاب.
14 - باب هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ؟
هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب لأبي ذر (هل يعفى عن
الذميّ إذا سحر؟).
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ: "عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ سُئِلَ: أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ
أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ
صَنَعَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ".
(وقال ابن وهب): عبد الله مما وصله في جامعه (أخبرني)
بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري
أنه (سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول (أعلى من سحر من
أهل العهد قتل؟ قال): أي ابن شهاب مجيبًا للسائل
(بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد صنع له ذلك) السحر (فلم يقتل من صنعه
وكان) الذي صنعه (من أهل الكتاب) ممن له عهد. قال ابن
بطال: ولا حجة لابن
شهاب في هذا لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا ينتقم
لنفسه، ولأن السحر لم يضره في شيء من أمور الوحي ولا
في بدنه وإنما كان اعتراه شيء من التخيل.
3175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُحِرَ حَتَّى
كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ صَنَعَ شَيْئًا
وَلَمْ يَصْنَعْهُ". [الحديث 3175 - أطرافه في: 2268،
5763، 5765، 5766، 6063، 6391].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد
بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد
الأنصاري قال: (حدّثنا هشام، قال: حدّثني) بالإفراد،
ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن
عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سحر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول
والذي سحره لبيد بن الأعصم اليهودي في مشط ومشاطة
ودسها في بئر ذروان (حتى كان) عليه الصلاة والسلام
(يخيل إليه أنه صنع شيئًا ولم يصنعه).
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه عفا عن اليهودي
الذي سحره. وقال في فتح الباري: أشار بالترجمة إلى ما
وقع في بقية القصة أي وهي قوله يا عائشة أعلمت أن الله
قد أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما
عند رأسي والآخر عند رجليّ فقال الذي عند رأسي للآخر:
ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبّه؟ قال: لبيد
بن الأعصم. قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة. قال: وأين؟
قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان. قالت
عائشة -رضي الله عنها-: فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ
(5/240)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البئر حتى استخرجه
فقال: هذه البئر التي أريتها. قال: فاستخرج فقلت: أفلا
أي تنشرت. فقال: أما والله قد شفاني وأنا أكره أن أثير
على أحد من الناس شرًّا.
15 - باب مَا يُحْذَرُ مِنَ الْغَدْرِ وَقَوْلِ اللهِ
تَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ
حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال: 62] الآيَةَ
(باب ما يحذر) بسكون الحاء المهملة ولأبي ذر يحذر بفتح
الحاء وتشديد الذال المعجمة (من الغدْر. وقوله تعالى).
ولأبي ذر: وقول الله تعالى: ({وإن يريدوا أن يخدعوك})
أي وإن يرد الكفار بالصلح خديعة ليتقوّوا ويستعدّوا
({فإن حسبك الله}) [الأنفال: 62]. أي كافيك وحده
(الآية) أي إلى آخرها، ولابن عساكر: {فإن حسبك الله هو
الذي أيدك بنصره} إلى قوله: {عزيز حكيم}.
3176 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ
بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ
قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أَتَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
غَزْوَةِ تَبُوكَ -وَهْوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ-
فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ:
مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ
مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ
اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ
مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ
لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ،
ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي
الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ
ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا
عَشَرَ أَلْفًا".
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس القرشي قال:
(حدّثنا عبد الله بن العلاء بن زبر) بفتح الزاي وسكون
الموحدة وبالراء الربعيّ بفتح الراء والموحدة وكسر
العين المهملة (قال: سمعت بسر بن عبيد الله) بضم
الموحدة وسكون المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا
الحضرمي (أنه سمع أبا إدريس) عائذ الله الخولانيّ
(قال: سمعت عوف بن مالك) الأشجعي (قال: أتيت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك وهو
في قبة من أدم) جلد مدبوغ وسقط لفظة "من" لأبي ذر وابن
عساكر (فقال):
(أعدد ستًّا) من العلامات (بين يدي الساعة) لقيامها أو
لظهور أشراطها المقتربة منها (موتى ثم فتح بيت المقدس
ثم موتان) بضم الميم وسكون الواو آخره نون منوّنة
الموت أو الكثير الوقوع والمراد به الطاعون ولابن
السكن موتتان بلفظ الثثنية. قال في الفتح: وحينئذٍ فهو
بفتح الميم قيل ولا وجه له هنا (يأخذ) الموتان (فيكم
كقعاص الغنم) بضم القاف بعدها عين مهملة فألف فصاد
مهملة داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت
فجأة. ويقال: إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في
خلافة عمر ومات منه سبعون ألفًا في ثلاثة أيام وكان
ذلك بعد فتح بيت المقدس (ثم استفاضة المال) أي كثرته
ووقع ذلك في خلافة عثمان -رضي الله عنه- عند فتح تلك
الفتوح العظيمة (حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل
ساخطًا) استقلالاً لذلك المبلغ وتحقيرًا له (ثم فتنة
لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته) أولها قتل عثمان -رضي
الله عنه- (ثم هدنة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة
بعدها نون صلح على ترك القتال بعد التحرك فيه (تكون
بينكم وبين بني الأصفر) وهم الروم (فيغدرون) بكسر
الدال المهملة (فيأتونكم تحت ثمانين غاية) بغين معجمة
فألف فتحتية أي راية. قال الجواليقي: لأنها غاية
المتبع إذا وقفت وقف وإذا مشت تبعها (تحت كل غاية اثنا
عشر ألفًا) فجملة ذلك تسعمائة ألف وستون ألف رجل، وعند
بعضهم فيما حكاه ابن الجوزي غابة في الموضعين بموحدة
بدل التحتية وهي الأجمة فشبه كثرة الرماح بالأجمة. وفي
حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة
عند أبي داود في نحو هذا الحديث راية بدل غاية وفي
أوله: ستصالحون الروم صلحًا أمنًا ثم تغزون أنتم وهم
فتنصرون ثم تنزلون مرجًا فيرفع رجل من أهل الصليب
فيقول: غلب الصليب فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه
فيدفع فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة فيأتون
فذكره. وعند ابن ماجه مرفوعًا من حديث أبي هريرة: "إذا
وقعت الملاحم بعث الله بعثًا من الموالي يؤيد الله بهم
الدين". وله من حديث معاذ بن جبل مرفوعًا: "الملحمة
الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر".
وله من حديث عبد الله بن بسر رفعه: "بين الملحمة وفتح
المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة" وإسناده أصح
من إسناد حديث معاذ.
ورواة حديث الباب كلهم شاميون إلا شيخ المؤلّف فمكيّ.
16 - باب كَيْفَ يُنْبَذُ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ؟
وَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ
مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى
سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] الآيَةَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف ينبذ) بضم أوله
وآخره معجمة مبنيًا للمفعول أي يطرح (إلى أهل العهد
وقوله) ولأبي ذر وقول الله سبحانه: ({وإما تخافن}) يا
محمد ({من قوم}) معاهدين ({خيانة}) نقض عهد بإمارات
تلوح لك ({فانبذ إليهم}) فاطرح إليهم عهدهم ({على
سواء}) [الأنفال: 58]. على عدل وطريق قصد في العهد
(5/241)
ولا تناجزهم الحرب فإنه يكون خيانة منك أو
على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد وهو في موضع
الحال من النابذ على الوجه الأول أي بانيًا على طريق
سويّ أو منه أو من المنبوذ إليهم أو منهما على غيره
(الآية). وسقطت هذه اللفظة لابن عساكر وأبي ذر.
3177 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
"بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فِيمَنْ
يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: لاَ يَحُجُّ
بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ
عُرْيَانٌ. وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ
النَّحْرِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: "الأَكْبَرُ" مِنْ
أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ "الْحَجُّ الأَصْغَرُ"
فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ
الْعَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُشْرِكٌ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: أخبرني
(حميد بن عبد الرحمن) أي ابن عوف (أن أبا هريرة -رضي
الله عنه- قال: بعثني أبو بكر -رضي الله عنه-) في
الحجة والتي أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قبل حجة الوداع (فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد
العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج أكبر) هو
(يوم النحر) هذا قول مالك وجماعة. وقال في المصابيح:
لا دليل في الحديث المذكور على أن وقوف أبي بكر في ذى
الحجة، وإنما يريد بيوم الحج ويوم النحر من الشهر الذي
وقف فيه فيصدق، وإن كان وقف في ذي القعدة لأنهم كانوا
يقفون وينحرون فيه فلا يدل قوله يوم الحج الأكبر على
أنه كان في ذي الحجة والصحيح أنه كان في ذي القعدة
(وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر) عن
العمرة (فنبد) أي طرح (أبو بكر إلى الناس) عهدهم (في
ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشرك).
وموضع الترجمة قوله: فنبذ أبو بكر إلى الناس على ما لا
يخفى، وسبق هذا الحديث في باب لا يطوف بالبيت عريان.
17 - باب إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ وَقَوْل
اللهِ: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ
يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ
يَتَّقُونَ} [الأنفال: 56]
(باب إثم من عاهد ثم غدر) بأن نقض العهد (وقوله) بالجر
عطفًا على سابقه ولأبي ذر: وقول الله ({الذين عاهدت
منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة}) قال البيضاوي: هم
يهود قريظة عاهدهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن لا يمالؤوا عليه فأعانوا المشركين
بالسلاح وقالوا: نسينا، ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤوهم
عليه يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم
ومن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ والمراد بالمرة مرة
المعاهدة أو المحاربة ({وهم لا يتقون}) [الأنفال: 56].
سبة الغدر، ولأبي ذر بعد قوله: {في كل مرة} الآية
فأسقط ما بعدها.
3178 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا
خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ
أَخْلَفَ. وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ
فَجَرَ. وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ
كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى
يَدَعَهَا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف
وسكون الراء (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن
عبد الله بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء الهمداني
بسكون الميم الكوفي التابعي (عن مسروق) أبي عائشة بن
الأجدع بالجيم والدال والعين المهملتين التابعي الكوفي
(عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (-رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أربع خلال) جمع خلة وهي الخصلة (من كنّ فيه كان
منافقًا خالصًا. من إذا حدّث كذب)، فأخبر بخلاف الواقع
والشرطية خبر المبتدأ الذي هو أربع خلال (وإذا وعد)
بخير في المستقبل (أخلف)، فلم يفِ (وإذا عاهد غدر)
وهذا موضع الترجمة (وإذا خاصم فجر). قال البيضاوي:
يحتمل أن يكون هذا خاصًّا بأبناء زمانه عليه الصلاة
والسلام علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن
به صدقًا ومن أذعن له نفاقًا فأراد تعريف أصحابه حالهم
ليكونوا على حذر منهم ولم يصرح بأسمائهم لأنه علم أن
منهم من سيتوب فلم يفضحهم بين الناس ولأن عدم التعيين
أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان وأبعد عن
النفور والمخاصمة، ويحتمل أن يكون عامًا لينزجر الكل
عن هذه الخصال على آكد وجه إيذانًا بأنها طلائع النفاق
الذي هو أسمج القبائح كأنه كفر مموّه باستهزاء وخداع
مع رب الأرباب ومسبب الأسباب فعلم من ذلك أنها منافية
لحال المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من
يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ويحتمل أن يكون
المراد بالمنافق العرفي وهو من يخالف سره علنه مطلقًا،
ويشهد له قوله: (ومن
كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى
يدعها). لأن الخصال التي تتم بها المخالفة بين السر
والعلن لا تزيد على هذا فإذا نقصت منها واحدة نقص
(5/242)
الكمال اهـ.
فمن ندر ذلك منه ليس داخلاً في ذلك والكذب أقبحها
ولذلك علل الله سبحانه وتعالى عذابهم به في قوله:
{ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} [البقرة: 10]. ولم
يقل بما كانوا يصنعون من النفاق.
وهذا الحديث سبق في باب الإيمان.
3179 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله
عنه- قَالَ: "مَا كَتَبْنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ الْقُرْآنَ، وَمَا
فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَدِينَةُ حَرَامٌ
مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ
حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ
يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ. وَذِمَّةُ
الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ،
فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ
يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَمَنْ وَالَى
قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ
عَدْلٌ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي
البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان
(عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك التيمي (عن
علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما كتبنا عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاَّ القرآن وما
في هذه الصحيفة).
فإن قلت: إن (ما) و (إلاَّ) يفيدان الحصر عند علماء
المعاني فيفيد التركيب أن عليًّا -رضي الله عنه- ما
كتب شيئًا غير القرآن وما في هذه الصحيفة. فالجواب: إن
في مسند الإمام أحمد أن عليًّا قال: ما عهد إليّ رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا خاصة
دون الناس إلا شيئًا سمعته منه فهو في صحيفتي في قراب
سيفي قال: يزالوا به حتى أخرج الصحيفة.
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
المدينة حرام) كحرم مكة لا يحل صيدها ونحو ذلك (ما بين
عائر) بالمدّ جبل معروف (إلى كذا)، وفي رواية ما بين
عير وثور وفي أخرى بين عير وأُحُد، ورجحت هذه بأن
أُحدًا بالمدينة وثورًا بمكة بل صرح بعضهم بتغليط
الراوي وحمله بعضهم على أن المراد أنه حرم من المدينة
قدر ما بين عير وثور من مكة أو حرم المدينة تحريمًا
مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف مضاف (فمن
أحدث حدثًا) منكرًا ليس بمعروف (أو آوى محدثًا) بهمزة
ممدودة ومحدثًا بكسر الدال أي نصر جانيًا وآواه وأجاره
من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه ويجوز فتح الدال
وهو الأمر المبتدع نفسه ويكون بمعنى الإيواء الرضا به
والصبر عليه فإذا رضي بالبدعة وأقرّ فاعلها ولم ينكرها
فقد آواه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا
يقبل منه عدل ولا صرف). فريضة ولا نفل أو شفاعة ولا
فدية (وذمة المسلمين واحدة) أي عهدهم لأنها يذم
متعاطيها على
إضاعتها (يسعى بها) أي يتولاها ويذهب بها (أدناهم) أي
أقلهم عددًا، فإذا أمن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه
ذمته لم يكن لأحد نقضه (فمن أخفر مسلمًا) بهمزة مفتوحة
فخاء ساكنة معجمة يقال خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت
الرجل إذا نقضت عهده وذمامه، والهمزة فيه للإزالة أي
أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكواه (فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل،
ومن والى قومًا) أي اتخذهم أولياء (بغير إذن مواليه)
ظاهره يوهم أنه شرط وليس شرطًا لأنه لا يجوز له إذا
أذنوا له أن يوالي غيرهم إنما هو بمعنى التوكيد
لتحريمه والتنبيه على بطلانه والإرشاد إلى السبب فيه
لأنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم منعوه،
والمعنى إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم فإنهم يمنعونه
(فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه
صرف ولا عدل).
وهذا الحديث مرّ في باب ذمة المسلمين وجوارهم والغرض
منه هنا كما قال ابن حجر: فمن أخفر مسلمًا أي نقض عهده
كما مرّ. وقال العيني: يمكن أن تؤخذ المطابقة من قوله
فمن أحدث حدثًا الخ ... لأن في إحداث الحدث وإيواء
المحدث والموالاة بغير إذن مواليه معنى الغدر فلذا
استحق هؤلاء اللعنة اهـ.
3180 - قَالَ أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
"كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا
وَلاَ دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ
كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي
نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ, عَنْ قَوْلِ
الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ. قَالُوا: عَمَّ ذَاكَ؟
قَالَ: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ
رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَيَشُدُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَهْلِ
الذِّمَّةِ فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ".
(قال أبو موسى) هو محمد بن المثنى شيخ المؤلّف مما
وصله أبو نعيم في المستخرج ولأبي ذر قال أي البخاري
وقال أبو موسى، وقال في الفتح: ووقع في بعض نسخ
البخاري حدّثنا أبو موسى قال: والأول هو الصحيح وبه
جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وغيرهما قال: (حدّثنا هاشم
بن القاسم) أبو النضر التميمي قال: (حدّثنا إسحاق بن
سعيد عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كيف أنتم إذا لم
تجتبوا) بجيم ساكنة ففوقية ثانية مفتوحة فموحدة من
الجباية أي لم تأخذوا من الجزية والخراج (دينارًا ولا
درهمًا؟ فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنًا يا أبا هريرة؟
قال: إي) بكسر الهمزة وسكون التحتية (والذي نفس أبي
هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق). الذي لم
(5/243)
يقل له إلا الصدق يعني أن جبريل مثلاً لم
يخبره إلا بالصدق (قالوا: عم ذلك؟ قال: تنتهك) بضم
الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية الأخرى والكاف (ذمة
الله وذمة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أي يتناول ما لا يحل من الجور والظلم (فيشدّ الله عز
وجل) بالشين المعجمة المضمومة والدال المهملة (قلوب
أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم) أي من الجزية.
وفي هذا الحديث التوصية بأهل الذمة لما في الجزية التي
تؤخذ منهم من نفع المسلمين، وفيه التحذير من ظلمهم
وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم
شيئًا فتضيق أحوالهم.
18 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
3181 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو
حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ قَالَ: "سَأَلْتُ
أَبَا وَائِلٍ: شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ،
فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ: اتَّهِمُوا
رَأْيَكُمْ، رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ
أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَرَدَدْتُهُ، وَمَا
وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ
يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ
نَعْرِفُهُ غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا". [الحديث 3181 -
أطرافه في: 3182، 4189، 4844، 7308].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان قال:
(أخبرنا أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن
ميمون السكري المروزي (قال: سمعت الأعمش) سليمان (قال:
سألت أبا وائل) شقيق بن سلمة (شهدت صفين) بكسر الصاد
المهملة والفاء المشددة غير منصرف اسم موضع على الفرات
وقع فيه الحرب بين معاوية وعلي (قال: نعم. فسمعت سهل
بن حنيف) بضم الحاء وفتح النون مصغرًا (يقول): وقد
كانوا يتهمونه بالتقصير في القتال يوم صفين (اتهموا
رأيكم) في هذا القتال يعظ الفريقين فإنما تقاتلون في
الإسلام إخوانكم باجتهاد اجتهدتموه (رأيتني) أي رأيت
نفسي (يوم أبي جندل) بفتح الجيم وسكون النون العاصي بن
سهيل لما جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم الحديبية من مكة مسلمًا وهو يجر قيوده
وكان قد عذب في الله فقال أبوه يا محمد أول ما أقاضيك
عليه فردّ عليه أبا جندل وكان ردّه على المسلمين أشق
عليهم من سائر ما جرى عليهم (ولو) بالواو ولأبي ذر فلو
(أستطيع أن أردّ أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) يوم الحديبية (لرددته) وقاتلت قريشًا
قتالاً لا مزيد عليه، فأعلمهم بأنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قد تثبت يوم الحديبية في
القتال إبقاء على المسلمين وصونًا للدماء هذا وهو
بمرصاد الوحي وعلى يقين الحق نصًّا بغير اجتهاد ولا ظن
فكيف لا تثبت في قتال الفتنة ومظنة المحنة وعدم القطع
واليقين (وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا) في الله
(لأمر يفظعنا) يثقل علينا ويشق (إلا أسهلن بنا) الضمير
عائد على الأسياف السابق ذكرها أي أدنتنا (إلى أمر)
سهل (نعرفه) فأدخلتنا فيه (غير أمرنا هذا) يعني أمر
الفتنة التي وقعت بين المسلمين فإنها مشكلة حيث جلت
المصيبة بقتل المسلمين.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام والخمس والتفسير
ومسلم في المغازي والنسائي في التفسير.
3182 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا
حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
وَائِلٍ قَالَ: "كُنَّا بِصِفِّينَ، فَقَامَ سَهْلُ
بْنُ حُنَيْفٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا
أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا مَعَ النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ
وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟
فَقَالَ: بَلَى. فَقَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي
الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَعَلام نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟
أَنَرْجِعُ وَلاَ يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: ياَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي
رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ
أَبَدًا. فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ
فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا.
فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، فَقَرَأَهَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال:
(حدّثنا يحيى بن آدم) الكوفي مولى بني أمية قال:
(حدّثنا يزيد بن عبد العزيز) من الزيادة (عن أبيه) عبد
العزيز بن سياه بكسر المهملة وتخفيف التحتية آخره هاء
وصلاً ووقفًا قال: (حدّثنا حبيب بن أبي ثابت) واسمه
دينار الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو وائل) شقيق
بن سلمة (قال: كنا بصفين فقام سهل بن حنيف فقال): لما
رأى من أصحاب علّي -رضي الله عنه- كراهة التحكيم (أيها
الناس اتهموا أنفسكم) فيما أداه اجتهاد كل طائفة منكم
من مقاتلة الأخرى (فإنا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية ولو نرى قتالاً
لقاتلنا فجاء عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فقال: يا
رسول الله ألسنا على الحق وهم) أي قريش (على الباطل؟)
ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي وهم على باطل
فقال:
(بلى فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟
قال: بلى. قال: فعلى ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر:
فعلام بإسقاطها (نعطي الدنية) بفتح الدال وكسر النون
وتشديد التحتية أي النقيصة (في ديننا أنرجع ولما)
ولأبي ذر وابن عساكر: ولم (يحكم الله بيننا وبينهم؟)
ولم يكن سؤال عمر- رضي الله عنه- وكلامه المذكور شكًّا
بل طلبًا لكشف ما خفي عليه (فقال) عليه الصلاة
والسلام: (ابن الخطاب) بحذف أداة النداء، ولأبي ذر: يا
ابن الخطاب (إني رسول الله) زاد في الشروط ولست أعصيه
(5/244)
أي إنما أفعل هذا بوحي ولست أفعله برأي
(ولن يضيعني الله أبدًا فانطلق عمر إلى أبي بكر) -رضي
الله عنهما- (فقال له مثل ما قال للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقال) أبو بكر مجيبًا
له: (إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدًا) وفيه فضيلة
الصديق وغزارة علمه على ما يخفى (فنزلت سورة الفتح)
والمراد بالفتح صلح الحديبية (فقرأها رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عمر إلى
آخرها فقال): ولأبي ذر قال (عمر: يا رسول الله أو فتح
هو؟) بواو مفتوحة بعد همزة الاستفهام (قال) عليه
الصلاة والسلام: (نعم). والحاصل أن سهلاً أعلم أهل
صفين بما جرى يوم الحديبية من كراهة أكثر الناس ومع
ذلك فقد أعقب خيرًا كثيرًا وظهر أن رأى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلح أتم وأحمد من
رأيهم في المناجزة. وهذا الحديث قد سبق.
3183 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
حَاتِمٌ بن إسماعيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بنت أَبِي بَكْرٍ -رضي الله
عنهما- قَالَتْ: "قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّي وَهْيَ
مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ
عَلَىَّ وَهْيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ:
نَعَمْ، صِلِيهَا".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا
حاتم) بالحاء المهملة وكسر الفوقية ولأبي ذر حاتم بن
إسماعيل أي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن
الزبير (عن أسماء ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر: بنت (أبي
بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: قدمت عليّ أمي)
قتيلة بنت الحرث بن مدرك كما قاله الزبير بن بكار (وهي
مشركة) جملة حالية (في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم الحديبية
(ومدتهم) التي كانت معينة للصلح بينهم وبينه عليه
الصلاة والسلام (مع أبيها) الحرث المذكور (فاستفتت) أي
قال عروة: فاستفتت أسماء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: فاستفتيت بزيادة تحتية بين الفوقيتين رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت (يا
رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة) في أن تأخذ مني
بعض المال أو راغبة في الإسلام (أفأصلها؟) بهمزة
الاستفهام ولأبي ذر: فأصلها بحذفها (قال) عليه الصلاة
والسلام:
(نعم صليها) فيه جواز صلة الرحم الكافر. وتعلق هذا
الحديث بما سبق من حيث إن عدم الغدر اقتضى جواز صلة
القريب ولو كان على غير دينه. قاله في العمدة.
وهذا الحديث قد سبق في باب: الهدية للمشركين من كتاب
الهبة.
19 - باب الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ
أَوْ وَقْتٍ مَعْلُومٍ
(باب المصالحة) مع المشركين (على) مدة (ثلاثة أيام أو
وقت معلوم).
3184 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
حَكِيمٍ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ - رضي الله
عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ
إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ
مَكَّةَ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُقِيمَ
بِهَا إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ، وَلاَ يَدْخُلَهَا
إِلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ، وَلاَ يَدْعُوَ
مِنْهُمْ أَحَدًا. قَالَ: فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ
بَيْنَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَكَتَبَ:
هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ
لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ:
هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ. فَقَالَ: أَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ.
قَالَ: وَكَانَ لاَ يَكْتُبُ، قَالَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ
امْحُ رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ
لاَ أَمْحَاهُ أَبَدًا. قَالَ: فَأَرِنِيهِ، قَالَ:
فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، فَمَحَاهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِيَدِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَتِ الأَيَّامُ
أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: مُرْ صَاحِبَكَ
فَلْيَرْتَحِلْ. فَذَكَرَ ذَلِكَ عليٌّ -رضي الله عنه-
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: نَعَمْ. فَارْتَحَلَ".
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم) أبو عبد الله
الأزدي الكوفي قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني
(شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون
التحتية آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميم واللام
الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق)
الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) يوسف (عن أبي
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (قال: حدّثني)
بالإفراد (البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- أن النبي)
وفي نسخة: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لما أراد أن يعتمر) في ذي القعدة يوم
الحديبية (أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة
فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها) إذا دخلها في العام
المقبل (إلا ثلاث ليال) بأيامها وهذا موضع الترجمة.
(ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح) بضم الجيم واللام
وتشديد الموحدة شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف
مغمودًا (ولا يدعو منهم أحدًا) وفي الصلح: وأن لا يخرج
من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع أحدًا من
أصحابه إن أراد أن يقيم بها (قال: فأخذ يكتب الشرط
بينهم عليّ بن أبي طالب فكتب: هذا)، إشارة إلى ما في
الذهن مبتدأ خبره قوله (ما قاضى عليه محمد رسول الله.
فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك) عن البيت
(ولبايعناك) بالموحدة بعد اللام ولابن عساكر وأبي ذر
عن الكشميهي: ولتابعناك بالفوقية بدل الموحدة وبعد
الألف موحدة أخرى بدل التحتية، (ولكن اكتب هذا ما قاضى
عليه محمد بن عبد الله (قال) عليه الصلاة والسلام:
(أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله
قال: وكان) عليه الصلاة والسلام (لا يكتب. قال: فقال
لعليّ امح رسول الله فقال عليّ: والله لا أمحاه أبدًا)
لغة في أمحوه بالواو
(5/245)
(قال) عليه الصلاة والسلام: (فأرنيه قال:
فأراه إياه فمحاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بيده فلما دخل) عليه الصلاة والسلام مكة في
العام المقبل (ومضى) ولأبي ذر عن الكشميهني ومضت
(الأيام) الثلاثة التي اشترطوا عليه أن لا يقيم أكثر
منها (أتوا عليّا فقالوا: مُرْ صاحبك) أي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فليرتحل) فقد
مضى الأجل (فذكر ذلك لرسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر
ذلك عليّ -رضي الله عنه- لرسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: نعم ثم ارتحل) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي فارتحل.
وهذا الحديث قد مرّ في باب: كيف يكتب الصلح من كتاب
الصلح.
20 - باب الْمُوَادَعَةِ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ، وَقَوْلِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ»
(باب الموادعة) أي المصالحة والمتاركة (من غير) تعيين
(وقت. وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لأهل خيبر (أقركم ما) ولأبي ذر: على ما
(أقركم الله به) سقط لأبي ذر وابن عساكر لفظة به.
وهذا طرف من حديث ابن عمر سبق موصولاً في باب إذا قال
رب الأرض أقرك ما أقرك الله وليس في أمر المهادنة حدّ
معلوم وإنما ذلك راجع إلى رأي الإمام والله أعلم.
21 - باب طَرْحِ جِيَفِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْبِئْرِ،
وَلاَ يُؤْخَذُ لَهُمْ ثَمَنٌ
(باب) جواز (طرح جيف المشركين في البئر، ولا يؤخذ لهم)
أي لجيفهم (ثمن) ذكر ابن إسحاق في مغازيه أن المشركين
سألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة وكان قد اقتحم
الخندق فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده. قال ابن
هشام: بلغنا عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف.
3185 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي
الله عنه- قَالَ: "بَيْنَا النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ
قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ
بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى
ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ
فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فَأَخَذَتْ مِنْ
ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ،
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ
وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ
وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيَّةَ بْنَ
خَلَفٍ -أَوْ أُبَىَّ بْنَ خَلَفٍ- فَلَقَدْ
رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي
بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ -أَوْ أُبَىٍّ- فَإِنَّهُ
كَانَ رَجُلاً ضَخْمًا، فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ
أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى فِي الْبِئْرِ".
وبه قال: (حدّثنا عبدان بن عثمان) وللحموي والمستملي
عبد الله بن عثمان وهو اسم عبدان (قال: أخبرني)
بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن الحجاج (عن
أبي إسحاق) السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين
الكوفي الأودي (عن عبد الله) أي ابن مسعود (رضي الله
عنه) أنه (قال: بينا) بغير ميم (رسول الله) ولأبي ذر:
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساجد) أي
عند الكعبة (وحوله ناس من قريش المشركين) ولأبي ذر
وابن عساكر: من المشركين (إذ جاء عقبة) بحذف ضمير
النصب ولأبي ذر: إذ جاءه عقبة (بن أبي معيط بسلى جزور)
بفتح السين المهملة وتخفيف اللام مقصورًا وهي اللفافة
التي يكون فيها الولد في بطن الناقة، والجزور بفتح
الجيم وضم الزاي بمعنى المفعول أي المنحور من الابل
(فقذفه) بالفاء قبل القاف ولأبي ذر: وقذفه أي طرحه
(على ظهر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة) بنته (عليها السلام
فأخذت) ذلك السلى (من ظهره ودعت على مَن صنع ذلك. فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اللهم) ولأبي ذر فقال: اللهم (عليك الملأ) نصب بنزع
الخافض أي خذ الجماعة (من) كفار (قريش) وأهلكهم ثم فصل
ما أجمل فقال (اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن
ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف
أو أبيّ بن خلف) قال عبد الله: (فلقد رأيتهم
قتلوا يوم بدر) والمراد أنه رأى أكثرهم لأن ابن أبي
معيط إنما حمل أسيرًا وقتله النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد انصرافه من بدر على ثلاثة
أميال مما يلي المدينة (فأُلقوا في بئر) تحقيرًا لهم
ولئلا يتأذى الناس برائحتهم (غير أمية) بن خلف (أو)
غير (أبيّ فإنه كان رجلاً ضخمًا فلما جرّوه) براء
واحدة بعدها واو ساكنة (تقطعت أوصاله قبل أن يُلقى في
البئر).
22 - باب إِثْمِ الْغَادِرِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ
(باب إثم الغادر) الذي يواعد على أمر ولا يفي به
(للبرّ والفاجر) أي سواء كان من برّ لفاجر أو برّ أو
من فاجر لبرّ أو فاجر.
3186 - 3187 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ
أَنَسٍ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، قَالَ أَحَدُهُمَا يُنْصَبُ -وَقَالَ
الآخَرُ: يُرَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران
(الأعمش) الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد
الله) أي ابن مسعود (وعن ثابت) قال في الفتح: قائل ذلك
هو شعبة بينه مسلم في روايته من طريق عبد الرحمن بن
مهدي عن شعبة عن ثابت (عن أنس) كلاهما (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لكل غادر لواء) أي: علم (يوم القيامة قال أحدهما) أي
أحد الراويين (بنصب) أي اللواء
(5/246)
(وقال الآخر: يُرى يوم القيامة يعرف به). ولمسلم من
طريق غندر عن شبعة يقال: هذه غدرة فلان.
3188 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ بن زَيد عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ يوم
القيامة بِغَدْرَتِهِ". [الحديث 3188 - أطرافه في:
6177، 6178، 6966، 7111].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) ولأبي ذر: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(لكل غادر لواء ينصب) زاد أبو ذر: يوم القيامة
(لغدرته) باللام وفتح الغين المعجمة أي لأجل غدرته في
الدنيا أو بقدرها، ولأبي ذر وابن عساكر: بغدرته
بالموحدة بدل اللام أي بسبب غدرته والمراد شهرته في
القيامة بصفة الغدر ليذمه أهل الموقف وفيه غلظ تحريم
الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى
ضرره وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا
تخرج عليه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن ومسلم في المغازي.
3189 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ
عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-
قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: لاَ
هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا
اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْوَ
حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ
فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ
سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ
اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: لاَ يُعْضَدُ
شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ
لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى
خَلاَهُ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ
وَلِبُيُوتِهِمْ. قَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ".
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن
المعتمر السلمي الكوفي (عن مجاهد) بن جبر الإمام في
التفسير (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس
-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة):
(لا هجرة) من مكة إلى المدينة بعد الفتح لأن مكة صارت
دار إسلام (ولكن) لكم طريق في تحصيل الفضائل وهو
(جهاد) في سبيل الله (ونية) في كل شيء من الخير (وإذا
استنفرتم فانفروا) بكسر الفاء أي إذا طلبكم الإمام
للخروج إلى الجهاد فاخرجوا.
(وقال) عليه الصلاة والسلام: (يوم فتح مكة: وإن هذا
البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض) ولم يحرمه
الناس (فهو حرام بحرمة الله) زاد أبو ذر في رواية
الكشميهني: إلى يوم القيامة (وأنه لم يحل القتال فيه
لأحد قبلي ولم يحل لي) القتال فيه (إلا ساعة من نهار
فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد) بالرفع
ويجوز الجزم أي لا يقطع (شوكه) غير المؤذي والتعبير
بالشوك يدل على منع قطع سائر الأشجار بالطريق الأولى
(ولا ينفر صيده) فإن نفره عصى (ولا يلتقط) أحد (لقطته
إلا من عرفها) أبدًا ولا يتملكها فخالفت لقطة سائر
البلاد بهذا (ولا يختلى) بضم أوله وسكون المعجمة أي لا
يجز (خلاه) مقصور حشيشة الرطب (فقال العباس: يا رسول
الله إلاَّ الإذخر؟) النبت الذكي الرائحة المعروف
(فإنه لقينهم) حدادهم وصائغهم (ولبيوتهم) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: وبيوتهم أي لسقف بيوتهم جيلاً بعد
جيل (قال) عليه الصلاة والسلام: (إلاَّ الإذخر). وهذا
محمول على أنه أوحي إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الحال باستثناء الإذخر وتخصيصه من
العموم أو أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء
شيء فاستثن أو أنه اجتهد في الجميع قاله النووي.
وهذا الحديث قد سبق في العلم والحج وغيرهما.
وهذا آخر كتاب الجهاد نجزت كتابته على يد مؤلفه في
ثامن عشر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعمائة أعاننا الله
تعالى على التكميل وجعله خالصًا لوجهه ونفع به جيلاً
بعد جيل بمنّه وكرمه آمين.