شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
59 - كتاب بدء الخلق
سقطت البسملة لأبي ذر.
(كتاب بدء الخلق) قال في القاموس: بدأ به كمنع ابتدأ
والشيء فعله ابتداء كابتدأه وأبدأه والله الخلق خلقهم
والخلق بمعنى المخلوق، ورقم في اليونينية رقم علامة أبي ذر
عن المستملي بثبوت كتاب بدء الخلق. وقال العيني كالحافظ
ابن حجر: وقع في رواية النسفي ذكر بدء الخلق بدل كتاب بدء
الخلق.
1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ
الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ
أَهْوَنُ عَلَيهِ} [الروم: 27] قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ
خُثَيْمٍ وَالْحَسَنُ كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ. هَيْنٌ
وَهَيِّنٌ: مِثْلُ لَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ،
وَضَيْقٍ وَضَيِّقٍ. {أَفَعَيِينَا}: أَفَأَعْيَا
عَلَيْنَا. حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ.
{لُغُوبٌ}: النَّصَبُ. {أَطْوَارًا}: طَوْرًا كَذَا،
وَطَوْرًا كَذَا، عَدَا طَوْرَهُ: أَىْ قَدْرَهُ
(ما جاء) ولأبي ذر باب: ما جاء (في قول الله تعالى: {وهو
الذي يبدأ الخلق}) أي المخلوق ({ثم يعيده}) بعد الإهلاك
ثانيًا للبعث ({وهو أهون عليه}) [الروم: 27]. أي الإعادة
أسهل عليه من الأصل بالإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم
وإلا فهما عليه سواء لا تفاوت عنده سبحانه بين الإبداء
والإعادة وتذكير هو لأهون وسقط لغير أبي ذر وهو أهون عليه.
(قال) ولأبي ذر: وقال (الربيع) بفتح الراء (ابن خثيم) بضم
الخاء المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية الثوري الكوفي
التابعي مما وصله الطبري أيضًا من طريق منذر الثوري عنه
(5/247)
(و) قال (الحسن) البصريّ مما وصله الطبري
أيضًا من طريق قتادة عنه (كل عليه هين) بتشديد الياء (هين)
بسكونها ولأبي ذر: وهين بالواو مع التخفيف أيضًا (وهين)
بالتشديد يريد أنهما لغتان كما
جاء في ألفاظ أخر وهي (مثل لين ولين، وميت وميت، وضيق
وضيق) ثم أشار المؤلّف إلى قوله تعالى: ({أفعيينا}) [ق:
15]. بالخلق الأول أي (أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ
خلقكم) أي ما أعجزنا الخلق الأول حين أنشأناكم وأنشأنا
خلقكم حتى نعجز عن الإعادة من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه
علمه والهمزة فيه للإنكار وعدل عن التكلم في قوله أنشأكم
إلى الغيبة التفاتًا. قال الكرماني: والظاهر أن لفظ حين
أنشأكم إشارة إلى آية أخرى مستقلة وأنشأ خلقكم إلى تفسيره
وهو قوله تعالى: {إذ أنشأكم من الأرض} [النجم: 32]. فنقله
البخاري بالمعنى حيث قال: حين أنشأكم بدل إذ أنشأكم أو هو
محذوف في اللفظ واستغنى بالمفسر عن المفسر.
({لغوب}) [ق: 38]. (النصب) يشير إلى قوله تعالى: {ولقد
خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا
من لغوب} [ق: 38]. من تعب ولا نصب ولا إعياء وهو ردّ لما
زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ
منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش تعالى
عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وقد أجمع علماء الإسلام قاطبة على أن الله تعالى خلق
السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام كما دل عليه
القرآن. نعم اختلفوا في هذه الأيام أهي كأيامنا هذه أو كل
يوم كألف سنة على قولين والجمهور على أنها كأيامنا هذه.
وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك وكعب أن كل يوم كألف سنة مما
تعدون. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وحكى ابن جرير في أول
الأيام ثلاثة أقوال: فروي عن محمد بن إسحاق أنه قال: يقول
أهل التوراة ابتدأ الله الخلق يوم الأحد ويقول أهل الإنجيل
ابتدأ الله الخلق يوم الاثنين، ونقول نحن المسلمون فيما
انتهى إلينا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ابتدأ الله الخلق يوم السبت، ويشهد له حديث أبي
هريرة خلق الله التربة يوم السبت والقول بأنه الأحد رواه
ابن جرير عن السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن
مرة عن ابن مسعود وعن جماعة من الصحابة وهو نص التوراة،
ومال إليه طائفة آخرون وهو أشبه بلفظ الأحد فبهذا كمل
الخلق في ستة أيام فكان آخرهن الجمعة فاتخذه المسلمون
عيدهم في الأسبوع.
({أطوارًا}) [نوح: 14]. أشار إلى قوله تعالى: {وقد خلقكم
أطوارًا} أي (طورًا كذا، وطورًا كذا). مرتين أي خلقهم
تارات إذ خلقهم أولاً عناصر ثم مركبات ثم أخلاطًا ثم نطفًا
ثم علقًا ثم مضغًا ثم عظامًا ولحومًا ثم أنشأهم خلقًا آخر
فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى ويقال فلان
(عدا طوره أي قدره) أي: جاوزه وسقط لابن عساكر لفظة (أي).
3190 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
مُحْرِزٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما-
قَالَ: "جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا بَنِي
تَمِيمٍ أَبْشِرُوا. فقَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا.
فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ. فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ،
فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا
الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ. قَالُوا:
قَبِلْنَا. فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ.
فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ رَاحِلَتُكَ
تَفَلَّتَتْ. لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ". [الحديث 3190 -
أطرافه في: 3191، 4365، 4386، 7418].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال:
(أخبرنا سفيان) الثوري (عن جامع بن شداد) بالمعجمة وتشديد
الدال المهملة الأولى أبي صخر المحاربي (عن صفوان بن محرز)
بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي
المازني البصري (عن عمران بن الحصين) بضم أوله (-رضي الله
عنهما-) أنه (قال: جاء نفر) عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة
سنة تسع (من بني تميم إلى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال):
(يا بني تميم أبشروا). بهمزة قطع بما يقتضي دخول الجنة
وذلك حيث عرّفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما
بينهما ولما لم يكن جل اهتمامهم إلاّ بشأن الدنيا
والاستعطاء (قالوا): ولأبي ذر: فقالوا (بشرتنا) وإنما جئنا
للاستعطاء (فأعطنا) من المال قيل من القائلين الأقرع بن
حابس وإن فيه بعض أخلاق البادية والفاء فصيحة (فتغير وجهه)
عليه السلام أسفًا عليهم كيف آثروا الدنيا أو لكونه لم يكن
عنده ما يعطيهم فيتألفهم به (فجاءه أهل اليمن)، وهم
الأشعريون قوم أبي موسى (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا
أهل اليمن أقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا:
قبلنا) ها (فأخذ) أي شرع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يحدّث بدء الخلق) نصب بنزع الخافض (والعرش.
فجاء رجل)
(5/248)
لم يسم (فقال: يا عمران) يعني ابن حصين
(راحلتك) بالرفع على الابتداء، ولابن عساكر وأبي الوقت: إن
راحلتك (تفلتت) بالفاء أي تشرّدت قال عمران (ليتني لم أقم)
من مجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حتى لم يفتني سماع كلامه.
وهذا الحديث أخرجه في المغازي وبدء الخلق والتوحيد
والترمذي في المناقب والنسائي في التفسير.
3191 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا
جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ
أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ.
فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: اقْبَلُوا
الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ. قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا
فَأَعْطِنَا (مَرَّتَيْنِ). ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ
مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا
أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ.
قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالُوا:
جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. قَالَ: كَانَ
اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ. وَكَانَ عَرْشُهُ
عَلَى الْمَاءِ. وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَىْءٍ.
وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ. فَنَادَى مُنَادٍ:
ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الْحُصَيْنِ. فَانْطَلَقْتُ
فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ. فَوَاللَّهِ
لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا".
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بضم العين قال:
(حدّثنا أبي) حفص النخعي الكوفي قاضي بغداد أوثق أصحاب
الأعمش قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا
جامع بن شداد) المحاربي (عن صفوان بن محرز) بضم الميم
المازني (أنه حدثه عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال) عليه
الصلاة والسلام لهم:
(اقبلوا البشرى يا بني تميم) أي أقبلوا مني ما يقتضي أن
تبشروا بالجنة من التفقه في الدين (قالوا: قد بشرتنا)
للتفقه (فأعطنا مرتين) أي من المال (ثم دخل عليه ناس من
أهل اليمن) وهم الأشعريون وسقط قوله أهل لأبي ذر (فقال)
عليه الصلاة والسلام لهم: (اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ
لم) ولأبي ذر: إن لم (يقبلها بنو تميم قالوا): قد (قبلنا)
ها (يا رسول الله. قالوا: جئناك) بكاف الخطاب مرقومًا
عليها علامة الكشميهني وفي الفتح حذفها له وإثباتها لغيره
(نسألك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لنسألك (عن هذا
الأمر) كأنهم سألوه عن أحوال هذا العالم (قال) عليه الصلاة
والسلام مجيبًا لهم: (كان الله) في الأزل منفردًا متوحدًا
(ولم يكن شيء غيره) وهذا مذهب الأخفش فإنه جوز دخول الواو
في خبر كان وأخواتها نحو كان زيد وأبوه قائم على جعل
الجملة خبرًا مع الواو أو ولم يكن شيء غيره حال أي كان
الله حال كونه لم يكن شيء غيره، وأما ما وقع في بعض الكتب
في هذا الحديث كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه
كان. فقال ابن تيمية: هذه زيادة ليست في شيء من كتب الحديث
(وكان عرشه على الماء).
استشكل بأن الجملة الأولى تدل على عدم من سواه والثانية
على وجود العرش والماء فالثانية مناقضة للأولى. وأجيب: بأن
الواو في وكان بمعنى ثم فليس الثانية من تمام الأولى بل
مستقلة بنفسها وكان فيهما بحسب مدخولها ففي الأولى بمعنى
الكون الأزلي، وفي الثانية بمعنى الحدوث بعد العدم.
وعند الإمام أحمد عن أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي أنه
قال: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات
والأرض؟ قال: "في عماء ما فوقه هواء ثم خلق عرشه على
الماء".
ورواه عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة به ولفظه: أين كان
ربنا قبل أن يخلق خلقه وباقيه سواء. وأخرجه الترمذي عن
أحمد بن منيع وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن
الصباح ثلاثتهم عن يزيد بن هارون. وقال الترمذي: حسن.
وفي كتاب صفة العرش للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن
بعض السلف أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء بعد ما بين
قطريه مسيرة خمسين ألف سنة واتساعه خمسون ألف سنة وبعدما
بين العرش إلى الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، وقد ذهب
طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع
جوانبه محيط بالعالم من كل جهة وربما سموه الفلك التاسع
والفلك الأطلس. قال ابن كثير: وهذا ليس بجيد لأنه قد ثبت
في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة
والفلك لا يكون له قوائم ولا يحمل وأيضًا فإن العرش في
اللغة عبارة عن السرير الذي للملك وليس هو فلك والقرآن
إنما نزل بلغة العرب فهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة
وكالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات اهـ.
وأشار بقوله: "وكان عرشه على الماء" إلى أنهما كانا مبدأ
العالم لكونهما خلقا قبل كل شيء.
وفي حديث أبي رزين العقيلي مرفوعًا عند الإمام أحمد وصححه
الترمذي أن الماء خلق قبل العرش وعن ابن عباس كان الماء
على متن الريح.
وعند الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه من
حديث أبي هريرة قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك
(5/249)
طابت نفسي وقرّت عيني أنبئني عن كل شيء.
قال: "كل شيء خلق من الماء"، وهذا يدل على أن الماء أصل
لجميع المخلوقات ومادّتها وأن جميع المخلوقات خلقت منه.
وروى ابن جرير وغيره عن ابن عباس أن الله عز وجل كان عرشه
على الماء ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء فلما أراد
أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانًا فارتفع فوق الماء فسما
عليه فسمي سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضًا واحدة ثم فتقها
فجعلها سبع أرضين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فكان ذلك
الدخان من نفس الماء حين تنفس ثم جعلها سماء واحدة ثم
فتقها فجعلها سبع سماوات. وقال الله تعالى: {والله خلق كل
دابة من ماء} [النور: 45]. وقول من قال إن المراد بالماء
النطفة التي يخلق منها الحيوانات بعيد لوجهين.
أحدهما: أن النطفة لا تسمى ماء مطلقًا بل مقيدًا كقوله:
{خُلِقَ من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق:
6]. والثاني: أن من الحيوانات ما يتولد من غير نطفة كدود
الخل والفاكهة فليس كل حيوان مخلوقًا من نطفة، فدلّ القرآن
على أن كل ما يدب وكل ما فيه حياة من الماء ولا ينافي هذا
قوله: {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} [الحجر: 27].
وقوله عليه الصلاة والسلام: "خلقت الملائكة من نور" فقد
دلّ ما سبق أن أصل النور والنار الماء ولا يستنكر خلق
النار من الماء بانحداره يصير بخارًا والبخار ينقلب هواء
والهواء ينقلب نارًا.
(وكتب) أي قدر (في) محل (الذكر) وهو اللوح المحفوظ (كل
شيء) من الكائنات (وخلق السماوات والأرض فنادى مناد) لم
يسم (ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت) خلفها (فإذا هي
يقطع دونها السراب) رفع على الفاعلية وهو بالمهملة الذي
تراه نصف النهار كأنه ماء والمعنى فإذا هي يحول بيني وبين
رؤيتها السراب (فوالله لوددت) بكسر الدال الأولى (أني كنت
تركتها) ولم أقم لأنه قام قبل أن يكمل رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثه فتأسف على ما فاته من
ذلك.
3192 - وَرَوَى عِيسَى عَنْ رَقَبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ
مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: "سَمِعْتُ
عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَامًا،
فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ
مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ
مَنْ نَسِيَهُ".
(وروى) ولابن عساكر ورواه (عيسى) هو ابن موسى البخاري
بالموحدة والخاء المعجمة التيمي الملقب بغنجار بغين معجمة
مضمومة فنون ساكنة فجيم وبعد الألف راء لاحمرار خدّيه
المتوفى سنة سبع أو ست وثمانين ومائة وليس له في البخاري
إلا هذا الموضع (عن رقبة) بفتح الراء والقاف والموحدة ابن
مصقلة بالصاد المهملة والقاف العبدي الكوفي كذا للأكثر
وسقط منه رجل بين عيسى ورقبة وهو أبو حمزة محمد بن ميمون
السكري كما جزم به أبو مسعود.
وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت في رواية
حماد بن شاكر ولا يعرف لعيسى عن رقبة نفسه شيء، وقد وصله
الطبراني من طريق عيسى عن أبي حمزة عن رقبة (عن قيس بن
مسلم عن طارق بن شهاب) الأحمسي الكوفي أنه (قال: سمعت عمر)
بن الخطاب (-رضي الله عنه- يقول: قام فينا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقامًا) يعني على المنبر
(فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل
النار منازلهم).
قال الطيبي: حتى غاية أخبرنا أي أخبرنا مبتدئًا من بدء
الخلق حتى انتهى إلى دخول أهل الجنة الجنة ووضع الماضي
موضع المضارع للتحقق المستفاد من قول الصادق الأمين ودلّ
ذلك على أنه أخبر بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدأت إلى أن
تفنى إلى أن تبعث، وهذا من خوارق العادات ففيه تيسير القول
الكثير في الزمن القليل.
وفي حديث أبي زيد الأنصاري عند أحمد ومسلم قال: صلّى بنا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الصبح
وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلّى بنا الظهر
ثم صعد المنبر فخطبنا ثم العصر كذلك حتى غابت الشمس،
فحدّثنا بما كان وما هو كائن فبين في هذا المقام المذكور
زمانًا ومكانًا في حديث عمر -رضي الله عنه-، وأنه كان على
المنبر من أول النهار إلى أن غابت الشمس. (حفظ ذلك من حفظه
ونسيه) ولأبي ذر: أو نسيه (من نسيه).
3193 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
أَبِي أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَشْتُمنِي ابْنُ آدَمَ.
وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي وَيُكَذِّبنِي
وَمَا يَنْبَغِي لَهُ. أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إِنَّ
لِي وَلَدًا. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ
يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي". [الحديث 3193 - طرفاه في:
4974، 4975].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني (عبد الله
بن أبي
(5/250)
شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة
واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (عن أبي
أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري الأزدي (عن سفيان) الثوري
(عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن
بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول
الله) ولغير أبي ذر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أراه) بضم الهمزة أظنه (يقول الله) عز وجل (شتمني) بلفظ
الماضي ولابن عساكر بلفظ
المضارع ولأبي ذر بدل قوله: أراه الخ ... (قال الله تعالى:
يشتمني ابن آدم) بلفظ المضارع المفتوح
الأول وكسر التاء والشتم الوصف بما يقتضي النقص (وما ينبغي
له أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له). أن يكذبني (أما شتمه
فقوله: أن لي ولدًا) لاستلزامه الإمكان المستدعي للحدوث
وذلك غاية النقص في حق الباري تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
(وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني) وهذا قول منكري
البعث من عباد الأوثان وهو موضع الترجمة وهو من الأحاديث
الآلهيات.
3194 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ
الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ
الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي». [الحديث
3194 - أطرافه في: 7404، 7412، 7453، 7553، 7554].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر
قال: (حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي الزناد)
عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لما قضى الله الخلق) أي خلقه كقوله تعالى: {فقضاهن سبع
سماوات} [فصلت: 12]. أو أوجد جنسه. وقال ابن عرفة: قضاء
الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه (كتب) أي أمر القلم أن
يكتب (في كتابه فهو عنده) أي فعلم ذلك عنده (فوق العرش):
مكنونًا عن سائر الخلائق مرفوعًا عن حيز الإدراك ولا تعلق
لهذا بما يقع في النفوس من تصوّر المكانية تعالى الله عن
صفات المحدثات فإنه المباين عن جميع خلقه المتسلط على كل
شيء بقهره وقدرته (إن رحمتي) بكسر الهمزة حكاية لمضمون
الكتاب وتفتح بدلاً من كتب (غلبت) وفي رواية شعيب عن أبي
الزناد في التوحيد تغلب (غضبي) والمراد من الغضب لازمه وهو
إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق
والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق
الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة، وأما الغضب فإنه
متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث.
وقال التوربشتي: وفي سبق الرحمة بيان أن قسط الخلق منها
أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن
الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق ألا ترى أن الرحمة تشمل
الإنسان جنينًا ورضيعًا وفطيمًا وناشئًا من غير أن يصدر
منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من
المخالفات ما يستحق ذلك.
وقال في المصابيح: الغضب إرادة العقاب والرحمة إرادة
الثواب والصفات لا توصف بالغلبة ولا يسبق بعضها بعضًا، لكن
جاء هذا على الاستعارة ولا يمتنع أن تجعل الرحمة والغضب من
صفات الفعل لا الذات فالرحمة هي الثواب والإحسان، والغضب
هو الانتقام والعقاب، فتكون الغلبة على بابها أي أن رحمتي
أكثر من غضبي فتأمله.
وقال الطيبي: وهو على وزان قوله تعالى: {كتب على نفسه
الرحمة} [الأنعام: 12]. أي أوجب وعدًا أن يرحمهم قطعًا
بخلاف ما يترتب عليه مقتضى الغضب والعقاب فإن الله تعالى
كريم يتجاوز بفضله وأنشد:
وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي
وفي هذا الحديث تقدم خلق العرش على القلم الذي كتب
المقادير وهو مذهب الجمهور، ويؤيده قول أهل اليمن في
الحديث السابق لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: جئنا نسألك عن هذا الأمر فقال:
"كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء".
وقد روى الطبراني في صفة اللوح من حديث ابن عباس مرفوعًا:
إن الله خلق لوحًا محفوظًا من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة
حمراء قلمه نور وكتابته نور لله في كل يوم ستون وثلاثمائة
لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل
(5/251)
ما شاء.
وعند ابن إسحاق عن ابن عباس أيضًا قال: في صدر اللوح
المحفوظ لا إله إلاّ الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده
ورسوله فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة.
قال: اللوح لوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض
وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه
ياقوتة حمراء وقلمه نور وأعلاه معقود بالعرش وأصله في حجر
ملك.
وقال أنس بن مالك وغيره من السلف: اللوح المحفوظ في جبهة
إسرافيل. وقال مقاتل: هو عن يمين العرش.
وحديث الباب أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في النعوت.
2 - باب مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ
وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ
بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ
شَىْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]. {وَالسَّقْفِ
الْمَرْفُوعِ}: السَّمَاءُ. {سَمْكَهَا}: بِنَاءَهَا.
{الْحُبُكُ}: اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {وَأَذِنَتْ}:
سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ. {وَأَلْقَتْ}: أَخْرَجَتْ مَا
فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى، {وَتَخَلَّتْ} عَنْهُمْ.
{طَحَاهَا} أَي دَحَاهَا. {بالسَّاهِرَةُ}: وَجْهُ
الأَرْضِ، كَانَ فِيهَا الْحَيَوَانُ نَوْمُهُمْ
وَسَهَرُهُمْ.
(باب ما جاء في) وصف (سبع أرضين) بفتح الراء (وقول الله
تعالى): بالجر عطفًا على السابق، ولأبي ذر وابن عساكر
سبحانه بدل قوله تعالى: ({الله الذي خلق سبع سماوات ومن
الأرض مثلهن}) في العدد، وفيه دلالة على أن بعضها فوق بعض
كالسماوات. وعن بعض المتكلمين أن المثلية في العدد خاصة
وأن السبع متجاورة. وقال ابن كثير: ومن حمل ذلك على سبع
أقاليم فقد أبعد النجعة وخالف القرآن، واختلف هل أهل هذه
الأرضين يشاهدون السماء ويستمدون الضوء منها؟ فقيل:
يشاهدونها من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضوء منها، وهذا
قول من جعل الأرض مبسوطة وقيل لا وإنما خلق الله تعالى لهم
ضياء يشاهدونه وهذا قول من جعل الأرض كرة ({يتنزل الأمر
بينهن}) بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى
({لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل
شيء علمًا}) [الطلاق: 12] علة لخلق أو ليتنزل وهو يدل على
كمال قدرته وعلمه.
وقال ابن جرير: حدّثنا عمرو بن قيس ومحمد بن مثنى قالا:
حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي
الضحى عن ابن عباس في هذه الآية قال: في كل أرض مثل
إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق هكذا أخرجه مختصرًا
وإسناده صحيح.
وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي
الضحى مطوّلاً وأوله أي سبع أرضين في كل أرض آدم كآدمكم
ونوح كنوحكم إبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم ونبيّ
كنبيكم. قال البيهقي: إسناده صحيح إلا أنه شاذّ بمرة لا
أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا اهـ.
ففيه أنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما هو معروف
عند أهل هذا الشأن، فقد يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ
أو علة تقدح في صحته، ومثل هذا لا يثبت بالحديث الضعيف.
وقال في البداية وهذا محمول إن صح نقله على أن ابن عباس
أخذه من الإسرائيليات اهـ.
وعلى تقدير ثبوته يحتمل أن يكون المعنى ثم من يقتدى به
مسمى بهذه الأسماء وهم رسل الرسل الذين يبلغون الجن عن
أنبياء الله ويسمى كلٍّ منهم باسم النبي الذي يبلغ عنه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا شريح، حدّثنا الحكم بن عبد الملك
عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ مرّت سحابة
فقال: "أتدرون ما هذه؟ " قال: قلنا الله ورسوله أعلم.
قال-: "العنان وروايا الأرض" الحديث. وفيه: ثم قال:
"أتدرون ما هذه تحتكم؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:
"أرض أتدرون ما تحتها؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:
"أرض أخرى" قال: "أتدرون كم بينهما؟ " قلنا: الله ورسوله
أعلم. قال: "مسيرة خمسمائة عام حتى عدّ سبع أرضين". رواه
الترمذي عن عبد بن حميد وغير واحد عن يونس بن محمد المؤدب
عن شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال: حدث الحسن عن أبي
هريرة وذكره إلا أنه ذكر أن بُعد ما بين كل أرضين خمسمائة
عام. ثم قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. ويروى عن أيوب
ويونس بن عبيد وعلي بن زيد أنهم قالوا: لم يسمع الحسن من
أبي هريرة. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي جعفر
الرازي عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر مثل لفظ
الترمذي. ورواه ابن جرير في تفسيره عن بسر بن زيد عن سعيد
بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً، ولعله
أشبه. ورواه البزار والبيهقي من حديث أبي ذر الغفاري عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنحوه. قال في
(5/252)
البداية: ولا يصح إسناده اهـ.
وحكى صاحب مناهج الفكر عن أصحاب الآثار مما نقله عن أهل
الكتاب أن الله تعالى لما أراد أن يخلق المكانين خلق جوهرة
ذكروا من طولها وعرضها ما لا تعجز القدرة عن إيجاده، ولا
يسع الموحد إلاّ التمسك بعرى اعتقاده. ثم نظر إليها نظر
هيبة فانماعت وعلا عليها من شدة الخوف زبد ودخان فخلق من
الزبد الأرض ومن الدخان السماء ثم فتقها سبعًا بعد أن كانت
رتقًا وفسروا بهذا قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي
دخان} [فصلت: 11]. واختلف أهل الآثار والقدماء في اللون
المرئي للسماء هل هو أصلي أو عرضيّ؟ فذهب الآثاريون إلى
أنه أصلي لحديث: "ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء".
وزعم رواة الأخبار أن الأرض على ماء، والماء على صخرة،
والصخرة على سنام ثور، والثور على كمكم، والكمكم على ظهر
حوت، والحوت على الريح، والريح على حجاب ظلمة، والظلمة على
الثرى، والى الثرى انتهى علم الخلائق.
وحكى ابن عبد البر في كتاب القصد والأمم إلى معرفة أنساب
الأمم: أن مقدار المعمور من الأرض مائة وعشرون سنة تسعون
ليأجوج ومأجوج، واثنا عشر للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة
للعرب، وسبعة لسائر الأمم اهـ.
وقد خلق الله الأرض قبل السماء كما قال تعالى: {هو الذي
خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن
سبع سماوات} [البقرة: 29]. وقال تعالى: {أئنكم لتكفرون
بالذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9، 10]. ثم قال: {وجعل
فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في
أربعة أيام سواء للسائلين} أي تتمة أربعة أيام كقولك: سرت
من البصرة إلى بغداد في عشر، وإلى الكوفة في خمس عشرة، ثم
استوى إلى السماء أي قصد نحوها وهي دخان فقال لها وللأرض:
{ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع
سماوات في يومين} [فصلت: 11، 12]. وأما قوله: ({أنتم أشدّ
خلقًا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج
ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 27 - 30]. فأجيب
عنه بأن الدحي غير الخلق وهذا بعد خلق السماء.
وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في تفسير حم
السجدة بعون الله وقوته.
وعند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي فقال: "خلق الله التربة
يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها
يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم
الأربعاء. وبثّ الدواب فيها يوم الخميس، وخلق آدم بعد
العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة
فيما بين العصر إلى الليل". وهكذا رواه مسلم، لكن اختلف
فيه على ابن جريج وقد تكلم فيه فقال البخاري في تاريخه،
وقال بعضهم عن كعب الأحبار وهو أصح يعني أنه مما سمعه أبو
هريرة وتلقاه عن كعب فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعًا. وفي
متنه غرابة شديدة فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات
وفيه ذكر خلق
الأرض وما فيها في سبعة أيام وهذا خلاف القرآن لأن الأرض
خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السماوات في يومين، ووقع في
رواية أبي ذر بعد قوله: {ومن الأرض مثلهن} الآية فحذف
بقيتها.
({والسقف}) بالجر عطفًا على المجرور السابق بواو القسم وهو
قوله: {والطور المرفوع} [الطور: 5]. صفة السقف وهو
(السماء) وهذا تفسير مجاهد كما أخرجه عبد بن حميد وابن أبي
حاتم وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عنهما واختاره ابن
جريج، واستدلّ سفيان بقوله تعالى: {وجعلنا السماء سقفًا
محفوظًا} [الأنبياء: 32]. وقال الربع بن أنس: هو العرش
يعني أنه سقف لجميع المخلوقات.
({سمكها}) [النازعات: 28]. بفتح السين المهملة وسكون الميم
أراد به قوله تعالى: {رفع سمكها} أي (بناها) بالمد وهذا
تفسير ابن عباس كما أخرجه ابن أبي حاتم وزاد في رواية غير
أبي ذر وابن عساكر كان فيها حيوان.
({الحبك}) [الذاريات: 7]. ولأبي ذر وابن عساكر والحبك يريد
قوله تعالى: {والسماء ذات الحبك} أي (استواؤها وحسنها)
قاله ابن عباس كما أخرجه ابن أبي حاتم. وقال الحسن: حبكت
بالنجوم عن ابن عباس أيضًا كما نقله ابن كثير من حسنها
أنها مرتفعة شفافة
(5/253)
صفيقة شديدة البناء متسعة الأرجاء أنيقة
البهاء مكللة بالنجوم الثوابت والسيّارات موشحة بالشمس
والقمر والكواكب الزاهرات.
وعند الطبري عن عبد الله بن عمرو أن المراد بالسماء هنا
السابعة. ({وأذنت}) يشير إلى قوله تعالى: {إذا السماء
انشقت وأذنت} [الانشقاق: 1]. قال ابن عباس من طريق الضحاك
أي (سمعت و) من طريق سعيد بن جبير عنه (أطاعت) رواهما ابن
أبي حاتم ({وألقت}) [الانشقاق: 4]. أي (أخرجت ما فيها من
الموتى {وتخلت} عنهم) قاله مجاهد وغيره. ({طحاها}) [الشمس:
6]. قال مجاهد فيما أخرجه عبد بن حميد (دحاها) أي بسطها.
({الساهرة}) [النازعات: 14]. ولأبي ذر: بالساهرة. قال
عكرمة فيما أخرجه ابن أبي حاتم (وجه الأرض)، وقال مجاهد:
كانوا بأسفلها فأخرجوا إلى أعلاها. وقال ابن عباس: الأرض
كلها (كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم). وقيل: المراد أرض
القيامة، وعن سهل بن سعد الساعدي أرض بيضاء عفراء. وقال
الربيع بن أنس: فإذا هم بالساهرة. يقول الله تعالى: {يوم
تبدل الأرض غير الأرض} [إبراهيم: 48]. فهي لا تعدّ من هذه
الأرض وهي أرض لم يعمل عليها خطيئة ولم يهرق عليها دم.
3195 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَرثِ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَكَانَتْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى
عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ- فَقَالَتْ: يَا أَبَا
سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ
قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (أخبرنا)
ولابن عساكر: حدّثنا (ابن علية)
بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أم
إسماعيل بن إبراهيم (عن عليّ بن المبارك) الهنائي بضم
الهاء وتخفيف النون ممدودًا أنه قال: (حدّثنا يحيى بن أبي
كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن محمد بن إبراهيم بن
الحرث) بن خالد التيمي المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن)
بن عوف واسمه عبد الله أو إسماعيل (وكانت بينه وبين أناس)
بهمزة مضمومة ولابن عساكر: وبين ناس بحذفها ولم يقف الحافظ
ابن حجر على أسمائهم لكن في مسلم: وكان بينه وبين قومه
(خصومة في أرض فدخل على عائشة) -رضي الله عنها- (فذكر لها
ذلك) بلام قبل الكاف ولأبي ذر: ذاك بإسقاطها (فقالت: يا
أبا سلمة اجتنب الأرض) فلا تغصب منها شيئًا (فإن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من ظلم قيد شبر) بكسر القاف أي قدر شبر أي من الأرض
(طوّقه) بضم الطاء المهملة وكسر الواو المشددة وبالقاف (من
سبع أرضين) بفتح الراء أي يوم القيامة ففيه التنصيص على أن
الأرضين سبع وهو المراد بالترجمة.
وهذا الحديث قد سبق في باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض من
كتاب المظالم.
3196 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ
بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى
سَبْعِ أَرَضِينَ».
وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة
المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن
موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن
عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أخذ شيئًا) قلّ أو كثر (من الأرض بغير حقه خسف به) أي
بالآخذ غصبًا تلك الأرض المغصوبة (يوم القيامة إلى سبع
أرضين) فتصير له كالطوق في عنقه بعد أن يطوّله الله تعالى،
أو أن هذه الصفات تتنوع لصاحب هذه الجناية على حسب قوّة
هذه المفسدة وضعفها فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا.
3197 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه-
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ. السَّنَةُ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاَثَةٌ
مُتَوَالِيَاتٌ -ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ
وَالْمُحَرَّمُ- وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى
وَشَعْبَانَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال:
(حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني
(عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه
(أبي
بكرة) نفيع بن الحرث الثقفي (-رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الزمان) قال التوربشتي: اسم لقليل الوقت وكثيره وأراد به
هاهنا السنة (قد استداره) أي الله ولأبي الوقت: استدار
بحذف الضمير يعني عاد إلى زمنه المخصوص (كهيئته) الهيئة
صورة الشيء وشكله وحالته والكاف صفة مصدر محذوف أي استدار
استدارة مثل حالته والذي في اليونينية قال: الزمان قد
استدار كهيئته (يوم خلق) الله (السماوات والأرض) ولأبي ذر:
كهيئة بحذف الضمير يوم خلق الله بذكر الفاعل لا إله إلا هو
ولابن عساكر والأرضين بالجمع (السنة اثنا عشر شهرًا) جملة
مستأنفة مبينة للجملة الأولى، وأراد أن الزمان في انقسامه
إلى الأعوام والأشهر عاد إلى أصل الحساب والوضع الذي
(5/254)
ابتدأ منه وذلك أن العرب كانوا إذا جاء شهر
حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر حتى رفضوا
خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد وهو النسيء المذكور في
قوله تعالى: ({إنما النسيء}) أي تأخير حرمة الشهر إلى آخر
{زيادة في الكفر} [التوبة: 37]. لأنه تحريم ما أحل الله
وتحليل ما حرمه فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم، قيل: أولى من
أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم
فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم ينادي في
القابل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحلل فحرّموه يفعل ذلك
كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى جعلوه في
جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة عاد إلى زمنه
المخصوص به قبل ودارت السنة كهيئتها الأولى، فاقتضى
الدوران أن يكون الحج في ذي الحجة كما شرعه الله تعالى،
وقول الزمخشري: وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة وكانت حجة
أبي بكر قبلها في ذي القعدة قاله مجاهد. وفيه نظر إذ كيف
تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة وأنى هذا وقد قال
الله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج
الأكبر} [التوبة: 3] الآية. وإنما نودي بذلك في حجة أبي
بكر فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: {يوم الحج
الأكبر} قاله ابن كثير. ونقل الحافظ ابن حجر أن يوسف بن
عبد الملك زعم في كتابه تفضيل الأزمنة أن هذه المقالة صدرت
من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهر مارس
وهو آذار بالرومية وهو برمهات بالقبطية.
(منها) أي من السنة (أربعة حرم: ثلاثة) ولابن عساكر ثلاث
بحذف التاء لأن الشهر الذي هو واحد الأشهر بمعنى الليالي
فاعتبر لذلك تأنيثه (متواليات) هي (ذو القعدة وذو الحجة
والمحرم ورجب مضر) عطف على ثلاث لا على والمحرم وأضافه إلى
مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب
ولم يكن يستحله أحد من العرب (الذي بين جمادى وشعبان) ذكره
تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء، وقيل: الأشبه
أنه تأسيس وذلك أنهم كما مرّ كانوا يؤخرون الشهر من موضعه
إلى شهر آخر فينتقل عن وقته الحقيقي، فقال -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان لا
رجب الذي هو عندكم وقد أنسأتموه". قيل: والحكمة في جعل
المحرم أول السنة ليحصل الابتداء بشهر حرام والختم بشهر
حرام والتوسط بشهر حرام وهو رجب وأما توالي شهرين في الآخر
فلإرادة تعضيد الختام والأعمال بخواتيمها.
وأما مطابقة الحديث للترجمة فقال العيني: تتأتى بالتعسف
لأن الأحاديث المذكورة فيها التصريح بسبع أرضين وهنا
المذكور لفظ الأرض فقط ولكن المراد منه سبع أرضين أيضًا
اهـ.
ولا تعسف، فقد سبق في هذا الحديث هنا أن رواية ابن عساكر
والأرضين بالجمع قال الحافظ ابن كثير: ومراد البخاري بذكر
هذا الحديث هنا تقرير معنى قوله تعالى: {الله الذي خلق سبع
سماوات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12]. أي في العدد كما أن
عدة الشهور الآن اثنا عشر شهرًا مطابقة لعدة الشهور عند
الله في كتابه الأول فهذه مطابقة في الزمان كما أن تلك
مطابقة في المكان.
فائدة:
السنة مشتملة على ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا وسدس يوم
كذا ذكره صاحب المهذّب من الشافعية في الطلاق قالوا: لأن
شهرًا منها ثلاثون، وشهرًا تسع وعشرون إلا ذا الحجة فإنه
تسع وعشرون يومًا وخمس يوم وسدس يوم، واستشكله بعضهم وقال:
لا أدري ما وجه زيادة الخمس والسدس! وصحح بعضهم أن السنة
الهلالية ثلاثمائة وخمسة وخمسون يومًا وبه جزم ابن دحية في
كتاب التنوير وذلك مقدار قطع البروج الاثني عشر التي ذكرها
الله تعالى في كتابه، وسمي العام عامًا لأن الشمس عامت فيه
حتى قطعت جملة الفلك لأنها تقطع الفلك كله في السنة مرة
وتقطع في كل شهر برجًا من البروج الاثني عشر. قال تعالى:
{وكلٌّ في فلك يسبحون} [يس: 40]. وفرق بعضهم بين السنة
والعام بأن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة
من كل يوم إلى مثله من القابلة. نقله ابن الخباز في شرح
اللمع له.
وهذا
(5/255)
الحديث يأتي بأتم من هذا في حجة الوداع آخر
المغازي إن شاء الله تعالى وبالله المستعان.
3198 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَن سَعِيدِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: "أَنَّهُ
خَاصَمَتْهُ أَرْوَى -فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ
انْتَقَصَهُ لَهَا- إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ:
أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا؟ أَشْهَدُ
لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ
ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ
سَبْعِ أَرَضِينَ". قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ
هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ
زَيْدٍ: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا
(عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا واسمه في الأصل عبد
الله الهباريّ القرشيّ الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن
العوّام (عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح
الفاء العدوي أحد العشرة المبشرة -رضي الله عنهم- (أنه
خاصمته أروى) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو مقصورًا
بنت أبي أوس بالسين المهملة (في حق زعمت أنه انتقصه لها)
وكان أرضًا (إلى مروان) بن الحكم وكان يومئذ متولي المدينة
(فقال سعيد: أنا أنتقص من حقها شيئًا أشهد لسمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوّقه) بفتح الواو
المشددة مبنيًا للمفعول أي يصير كالطوق في عنقه (يوم
القيامة من سبع أرضين) فيعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما جاء
في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه وقد ترك سعيد الحق لأروى ودعا
عليها فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها
في دارها فتقبل الله دعوته فعميت ومرت على بئر في الدار
فوقعت فيها فكانت قبرها.
(قال ابن أبي الزناد) عبد الرحمن بن عبد الله (عن هشام عن
أبيه) عروة (قال: قال لي سعيد بن زيد: دخلت على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي هذا التعليق
بيان لقاء عروة سعيدًا والتصريح بسماعه منه الحديث
المذكور، ففي هذه الأحاديث إثبات سبع أرضين والمراد أن كل
واحدة فوق الأخرى، وفي حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعًا:
أن بين كل أرض والتي تليها خمسمائة عام.
3 - باب فِي النُّجُومِ
هذا (باب) بالتنوين (في) ما جاء في (النجوم).
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] خَلَقَ هَذِهِ
النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ،
وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا،
فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ
وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ
بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَشِيمًا} مُتَغَيِّرًا.
وَالأَبُّ: مَا يَأْكُلُ الأَنْعَامُ. والأَنَامُ
الْخَلْقُ. بَرْزَخٌ: حَاجِبٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ
{أَلْفَافًا}: مُلْتَفَّةً. وَالْغُلْبُ: الْمُلْتَفَّةُ:
فِرَاشًا: مِهَادًا. كَقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ
مُسْتَقَرٌّ}، {نَكِدًا}: قَلِيلاً.
(وقال قتادة): فيما وصله عبد بن حميد ({ولقد زينا السماء
الدنيا بمصابيح}) [الملك: 5] (خلق هذه النجوم لثلاث جعلها
زينة للسماء). تضيء بالليل إضاءة السرج (ورجومًا للشياطين)
الضمير في قوله تعالى: ({وجعلناها}) يعود على جنس المصابيح
لا على عينها لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء بل
بشهب من دونها وقد تكون مستمدّة منها (وعلامات يهتدى بها)،
كما قال تعالى: ({وبالنجم هم يهتدون}) [النحل: 16]. (فمن
تأول بغير ذلك) وللحموي والمستملي: فمن تأول فيها بغير ذلك
أي من علم أحكام ما تدل عليه حركاتها ومقارناتها في سيرها
وإن ذلك يدل على حوادث أرضية فقد (أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف
ما لا علم له به). لأن أكثر ذلك حدس وظنون كاذبة ودعاوى
باطلة وقد جرى المؤلّف على عادته في ذكر تفسير آيات
استطرادًا للفائدة، فقال.
(وقال): بالواو ولأبي ذر: قال (ابن عباس: {هشيمًا})
[الكهف: 45]. أي (متغيرًا) كما ذكره إسماعيل بن أبي زياد
في تفسيره وقال أبو عبيدة: هشيمًا أي يابسًا متفتتًا
(والأبّ ما يأكل الأنعام) أي ولا يأكله الناس (والأنام
الخلق) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس وسقطت الواو من والأنام لغير أبي ذر (برزخ) قال ابن
عباس فيما وصله ابن أبي حاتم (حاجب) بالموحدة في آخره
ولابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والكشميهني حاجز بالزاي
بدل الموحدة.
(وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله عبد بن حميد في قوله
تعالى: ({وجنات}) ({ألفافًا}) [النبأ: 16] أي (ملتفة) أي
بعضها على بعض (والغلب: الملتفة): يريد وحدائق غلبًا قاله
مجاهد أيضًا:
(فراشًا) في قوله تعالى: {جعل لكم الأرض فراشًا} [البقرة:
22] كما قال قتادة فيما وصله الطبري ({مهادًا} كقوله)
تعالى: ({ولكم في الأرض مستقر}) [البقرة: 36] أي موضع قرار
أو هو بمعنى المهاد. ({نكدًا}) [الأعراف: 58]. من قوله:
والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا. قال السدي فيما أخرجه ابن
أبي حاتم (قليلاً).
4 - باب صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ {بِحُسْبَانٍ} قَالَ
مُجَاهِدٌ: كَحُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ غَيْرُهُ:
بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لاَ يَعْدُوَانِهَا. حُسْبَانٌ:
جَمَاعَةُ الحِسَابٍ، مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ.
ضُحَاهَا: ضَوْؤُهَا. أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ: لاَ
يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلاَ
يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. سَابِقُ النَّهَارِ:
يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَينِ. نَسْلَخُ: نُخْرِجُ
أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَنُجْرِي كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا: وَاهِيَةٌ: وَهْيُهَا تَشَقُّقُهَا.
أَرْجَائِهَا: مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْهَا، فَهوَ عَلَى
حَافَتَيْها كَقَوْلِكَ: عَلَى أَرْجَاءِ الْبِئْرِ.
أَغْطَشَ وَجَنَّ: أَظْلَمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُوِّرَتْ
تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْؤُهَا. وَاللَّيْلِ وَمَا
وَسَقَ: أَي جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ. اتَّسَقَ: اسْتَوَى.
بُرُوجًا: مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. فالْحَرُورُ
بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَرُؤْبَةُ: الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ
بِالنَّهَارِ. يُقَالُ: يُولِجُ يُكَوِّرُ وَلِيجَةً،
كُلُّ شَىْءٍ أَدْخَلْتُهُ فِي شَىْءٍ.
(باب) تفسير (صفة الشمس والقمر {بحسبان}) [الرحمن: 5].
(قال مجاهد): فيما وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن
أبي نجيح عنه (كحسبان الرحى) أي يجريان على حسب الحركة
المرحوية ووضعها. (وقال غيره): مما وصله عبد بن حميد من
طريق أبي مالك الغفاري (بحساب ومنازل لا يعدوانها). أي لا
يجاوزان المنازل
(5/256)
(حسبان: جماعة الحساب) بالتعريف لأبوي ذر
والوقت (مثل شهاب وشهبان). وهذا قول أبي عبيدة في المجاز
والمعنى يجريان متعاقبين بحساب معلوم
مقدر في بروجهما ومنازلهما وتتسق أمور الكائنات السفلية
وتختلف الفصول والأوقات وتعلم السنون والحساب.
(ضحاها) في قوله: {والشمس وضحاها} [الشمس: 1]. قال مجاهد
فيما وصله عبد بن حميد (ضؤوها) أي: إذا أشرقت (أن تدرك
القمر)، يريد {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس:
40]. قال مجاهد فيما وصله الفريابي في تفسيره (لا يستر ضوء
أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي لهما) أي لا يصح لهما (ذلك).
وقال عكرمة، لكل منهما سلطان فلا ينبغي للشمس أن تطلع
بالليل ولا يستقيم لوقوع التدبير على المعاقبة، وما ألطف
قول ابن الجوزي وقد وصف منافع أثر الشمس في العالم على
سبيل التذكير والتعريف بصنع الله الحكيم اللطيف حيث قال:
تبرز الشمس بالنهار في حلة الشعاع لانتفاع البصر فإذا ذهب
النهار نشرت رداءها المعصفر ونزلت عن الأشهب فركبت الأصفر
فهي تستر بالليل لسكون الخلق وتظهر بالنهار لمعايشهم،
فتارة تبعد ليرطب الجوّ وينعقد الغيم ويبرد الهواء ويبرز
النبات، وتارة تقرب ليجف الحب وينضج الثمر.
وقوله: (سابق النهار) يريد قوله تعالى: {وَلَا اللَّيْلُ
سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40]. قال مجاهد فيما وصله
الفريابي أيضًا (يتطالبان حثيثان) أي سريعان ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر حثيثين بالنصب بالياء أي فلا
تسبق آية الليل آية النهار وهما النيران (نسلخ): أي (نخرج
أحدهما من الآخر)، قال ابن كثير: والمعنى في هذا أنه لا
فترة بين الليل والنهار بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة
ولا تراخ لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلبًا حثيثًا.
وقال في الانتصاف: يؤخذ من قوله تعالى: {ولا الليل سابق
النهار} أن النهار تابع لليل إذ جعل الشمس التي هي آية
النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل فنفى الإدراك
الذي يمكن أن يقع وهو يستدعي تقدم القمر وتبعية الشمس،
فإنه لا يقال أدرك السابق اللاحق لكن يقال: أدرك اللاحق
السابق، فالليل إذًا متبوع والنهار تابع.
فإن قيل: فالآية مصرحة بأن الليل لا يسبق النهار. فجوابه:
أنه مشترك الإلزام إذ الأقسام المحتملة ثلاثة إما تبعية
النهار لليل كمذهب الفقهاء أو عكسه وهو منقول عن طائفة من
النحاة واجتماعهما، فهذا القسم الثالث منفي بالاتفاق فلم
يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه والسؤال وارد عليهما لا
سيما من قال: إن النهار سابق الليل يلزم من طريق البلاغة
أن يقول ولا الليل يدرك النهار فإن المتأخر إذا نفي إدراكه
كان أبلغ من نفي سبقيته مع أنه ناء عن قوله: {لا الشمس
ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40]. نأيًا ظاهرًا فالتحقيق
أن المنفي السبقية الموجبة لتراخي النهار عن الليل وتخلل
زمن آخر بينهما فيثبت التعاقب، وحينئذ يكون القول بسبق
الليل مخالفًا لصدر الآية. فإن عدم الإدراك الدال على
التأخر والتبعية وبين السبق بونًا بعيدًا ولو كان تابعًا
متأخرًا لكان حريًّا أن يوصف بعدم الإدراك ولا يبلغ به عدم
السبق فتقدم الليل على النهار مطابق لصدر الآية صريحًا
ولعجزها بتأويل حسن اهـ.
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ينسلخ يخرج بلفظ المضارع
فيهما ويخرج بالتحتية المفتوحة وضم الراء.
(ويجري) بضم أوله وكسر ثالثه (كل واحد منهما). أي من الليل
والنهار في فلك، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ويجري كل
منهما بفتح أول يجري وكسر رائه وكل بالرفع منوّنًا.
(واهية): يشير إلى قوله تعالى: {فهي يومئذ واهية} [الحاقة:
16]. قال الفراء (وهيها) بسكون الهاء (تشققها). وقوله
والملك على (أرجائها) أي (ما لم ينشق منها، فهي) أي
الملائكة (على حافتيه) بالتثنية ولأبي ذر فهو أي الملك
ولابن عساكر فهم جمع باعتبار الجنس وللكشميهني على حافتيها
أي السماء وعن سعيد بن جبير على حافات الدنيا (كقولك: على
أرجاء البئر) والأرجاء جمع رجا بالقصر، وقوله تعالى:
({اغطش}) [النازعات: 29]. ليلها ({و}) قوله: ({فلما}
{جنَّ}) [الأنعام: 76] عليه الليل أي (أظلم)، فيهما
(5/257)
ونقل تفسير الأول به عن قتادة فيما أخرجه
عبد بن حميد والثاني عن أبي عبيدة.
(وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله
تعالى: {إذا الشمس} ({كورت}) [التكوير: 1] (تكوّر) بفتح
الواو المشددة (حتى يذهب ضؤوها) وأخرج الطبري عن ابن عباس
{كورت} أي أظلمت. وعن مجاهد اضمحلت. والتكوير في الأصل
الجمع وحينئذ فالمراد أنها تلف ويرمى بها فيذهب ضوءها قاله
ابن كثير في تفسيره.
({والليل وما وسق}) [الانشقاق: 17]. ولابن عساكر يقال: وسق
أي (جمع من دابة) وزاد قتادة ونجم وقال عكرمة ما ساق من
ظلمة. (اتسق) يريد قوله تعالى: {والقمر إذا اتسق}
[الانشقاق: 18] أي (استوى) وقوله تعالى: {جعل في السماء}
{بروجًا} [الفرقان: 61]. أي (منازل الشمس والقمر) وهي اثنا
عشر، وقيل هي قصور في السماء للحرس، وقيل هي الكواكب
العظام.
({الحرور}) ولأبي ذر فالحرور بالفاء يريد قوله تعالى: {ولا
الظل ولا الحرور} [فاطر: 21]. فسره بأنه يكون (بالنهار مع
الشمس). قاله أبو عبيدة. (وقال ابن عباس الحرور): ولأبي ذر
وابن عساكر وقال ابن عباس ورؤبة بضم الراء وسكون الهمزة
وفتح الموحدة ابن العجاج: الحرور (بالليل، والسموم
بالنهار) وتفسير رؤبة ذكره أبو عبيدة عنه في المجاز (يقال:
يولج) أي (يكوّر) بالراء أي يلف النهار في الليل (وليجة)،
يريد قوله تعالى: {ولا المؤمنين وليجة} [التوبة: 16].
وفسره بقوله (كل شيء أدخلته في شيء) هو قول أبي عبيدة وزاد
بعد قوله في شيء ليس منه فهو وليجة والمعنى لا تتخذوا
وليًّا ليس من المسلمين.
3199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ:
"قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: أتَدْرِي أَيْنَ
تَذْهَبُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:
فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ،
فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ
فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ
لَهَا، فيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ،
فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38] ". [الحديث
3199 - أطرافه في: 4802، 4803، 7424، 7433].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) قال: (حدّثنا سفيان بن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد
من الزيادة ابن شريك بن طارق التيمي الكوفي (عن أبي ذر)
جندب بن جنادة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر حين غربت
الشمس):
(تدري) بحذف همزة الاستفهام والغرض منه إعلامه بذلك، ولأبي
ذر: أتدري (أين تذهب) زاد في التوحيد: هذه (قلت: الله
ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش) منقادة
لله تعالى انقياد الساجد من المكلفين أو تشبيهًا لها
بالساجد عند غروبها.
قال ابن الجوزي: ربما أشكل هذا الحديث على بعض الناس من
حيث إنّا نراها تغيب في الأرض، وفي القرآن العظيم أنها
تغيب في عين حمئة أي ذات حمأة أي طين فأين هي من العرش؟
والجواب: أن الأرضين السبع في ضرب المثال كقطب رحى والعرش
لعظم ذاته بمثابة الرحى فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش
وذلك مستقرها. وقال ابن العربي: أنكر قوم سجودها وهو صحيح
ممكن لا يحيله العقل وتأوّله قوم على التسخير الدائم ولا
مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع اهـ.
وتعقبه في الفتح: بأنه إن أراد بالخروج الوقوف فواضح وإلاّ
فلا دليل على الخروج. قال ابن كثير: وقد حكى ابن حزم وابن
المناوي وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السماوات
كرية مستديرة، واستدلّ لذلك بقوله: {في فلك يسبحون} [يس:
40] قال الحسن، يدورون. وقال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة
المغزل، ولا تعارض بين هذا وبين الحديث وليس فيه أن الشمس
تصعد إلى فوق السماوات حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن
أعيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه وهو الرابع فيما
قاله غير واحد من علماء التسيير وليس في الشرع ما ينفيه،
بل في الحس وهو الكسوفات ما يدل عليه ويقتضيه. فإذا ذهبت
فيه حتى تتوسطه وهو وقت نصب الليل مثلاً في اعتدال الزمان
فإنها تكون أبعد ما تكون تحت العرش لأنها تغيب من جهة وجه
العالم، وهذا محل سجودها كما يناسبها كما أنها أقرب ما
تكون من العرش وقت الزوال من جهتنا فإذا كانت في محل
سجودها (فتستأذن) عطف على المنصوب السابق بحتى في الطلوع
من المشرق على عادتها (فيؤذن لها)، فتبدو من جهة المشرق
وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم وهو يدل على
أنها تعقل كسجودها (ويوشك) بكسر المعجمة أي يقرب (أن تسجد
فلا يقبل منها)، أي لا يؤذن لها أن تسجد (وتستأذن) في
المسير إلى مطلعها (فلا يؤذن لها، يقال)
ولأبي ذر عن
(5/258)
الكشميهني فيقال (لها: ارجعي من حيث جئت
فتطلع من مغربها فذلك) أي قوله فإنها تذهب الخ ... (قوله
تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها}) [يس: 38] لحد معين ينتهي
إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد
السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها ابطاء يظن أن لها هناك
وقفة. وقال ابن عباس: لا تبلغ مستقرها حتى ترجع إلى
منازلها وقيل إلى انتهاء أمرها عند خراب العالم، وقيل لحدّ
لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب، وقيل
منتهى أمرها لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها
ثلاثمائة وستين مشرقًا ومغربًا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب
من مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل ({ذلك}) الجري
على هذا التقدير والحساب الدقيق الذي يكل الفطن عن إحصائه
({تقدير العزيز}) الغالب بقدرته على كل مقدور ({العليم})
[يس: 38] المحيط علمه بكل معلوم، وظاهر هذا أنها تجري في
كل يوم وليلة بنفسها كقوله تعالى في الآية الأخرى: {وكُل
في فلك يسبحون} [يس: 40] أي يدورون وهو مغاير لقول أصحاب
الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك إذ مقتضاه أن الذي يسير هو
الفلك وهذا منهم على طريق الحدس والتخمين فلا عبرة به.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والتوحيد
ومسلم في الإيمان وأبو داود في الحروب والترمذي في الفتن
والتفسير والنسائي في التفسير.
3200 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد
العزيز بن المختار) قال: (حدّثنا عبد الله) بن فيروز
(الداناج) بدال مهملة وبعد الألف نون مخففة فألف فجيم معرب
داناه ومعناه بالفارسية العالم وهو تابعي صغير بصري (قال:
حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): أنه (قال):
(الشمس والقمر مكوّران) بتشديد الواو المفتوحة مطويان
ذاهبا الضوء. وزاد البزار وابن أبي شيبة في مصنفه
والإسماعيلي في مستخرجه في النار (يوم القيامة). لأنهما
عبدا من دون الله وليس المراد من تكويرهما فيها تعذيبهما
بذلك لكنه زيادة تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا
أن عبادتهم لهما كانت باطلة.
3201 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-
أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ،
وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى أبو سعيد الجعفي
الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري
(قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحرث
المصري (أن عبد الرحمن بن القاسم حدّثه عن أبيه) القاسم بن
محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما- أنه كان يخبر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن الشمس والقمر لا يخسفان) بفتح أوله على أنه لازم وسكون
الخاء المعجمة وكسر السين المهملة ويجوز ضم أوله على أنه
متعدّ أي لا يذهب الله نورهما (لموت أحد) من العظماء (ولا
لحياته)، لم يقل أحد أن الكسوف لحياة أحد فذكر ذلك إنما هو
تتميم للتقسيم أو لدفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه
سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد فعم عليه الصلاة
والسلام النفي لدفع هذا التوهم، وهذا القول صدر منه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مات ابنه إبراهيم
وقال الناس: إنما كسفت لموته إبطالاً لما كان أهل الجاهلية
يعتقدونه من تأثيرهما (ولكنهما) أي خسوفهما (آيتان) ولأبي
ذر آية بالإفراد (من آيات الله)، الدالة على وحدانيته
وعظيم قدرته (فإذا رأيتموهما) بالتثنية أي كسوف كل واحد
منهما على انفراده ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا
رأيتموه أي الكسوف (فصلّوا). أي صلاة الكسوف. وحكمة الكسوف
أن الله تعالى لما أجرى في سابق علمه أن الكواكب تعبد من
دونه وخاصة النيرين قضى عليهما بالخسوف والكسوف وجعلهما
لها بمنزلة الحتوف وصير ذلك دلالة على أنهما مع إشراق
نورهما وما يظهر من حسن آثارهما مأموران مقهوران في مصالح
العباد مسيران، وفي يوم القيامة مكوّران، فعبدة الشمس زعمت
أنها ملك من الملائكة له نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء
العالم وهي ملك الفلك، فلذا يستحق التعظيم والسجود. ومن
سنتهم إذا
(5/259)
نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها
وقالوا: ما أحسنك من نور لا تقدر الأبصار أن تمتدّ بالنظر
إليك فلك المجد والتسبيح وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك
السكنى بقربك إلى غير ذلك مما نقل عنهم من الخرافات.
فسبحان من حجبهم عن رؤية الحقائق وحاد بهم عن متون
الطرائق، فجهلوا أن صفات المخلوق تباين صفات الخالق، وأن
العبادة لا يستحقها إلا من هو للحب والنوى فالق.
وأما مطابقة الحديث للترجمة فمن حيث إن الكسوف والخسوف
العارضين لهما من صفاتهما وقد مرّ هذا الحديث في أبواب
كسوف الشمس من كتاب الصلاة.
3202 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ
حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
-رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ
أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) هو إسماعيل بن عبد
الله بن عبد الله المدني وسقط ابن أبي أويس لأبي ذر قال:
(حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي
(عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (عن عبد الله بن
عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم مات ابنه إبراهيم:
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)، علامتان يخوّف بهما
عباده (لا يخسفان) بالخاء المعجمة مع فتح أوله (لموت أحد
ولا لحياته)، لأنهما خلقان مسخران ليس لهما سلطان في
غيرهما ولا قدرة لهما على الدفع عن أنفسهما (فإذا رأيتم
ذلك) الخسوف (فاذكروا الله). وفي حديث أبي بكرة عند
المؤلّف في باب: الصلاة في كسوف الشمس فصلوا وادعوا حتى
يكشف ما بكم.
3203 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ قَامَ
فَكَبَّرَ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَامَ كَمَا هُوَ فَقَرَأَ
قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ
الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْيَ أَدْنَى
مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا
طَوِيلاً، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ
ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ،
فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ،
لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ،
فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا قال: (حدّثنا الليث)
بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن
عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد
(عروة) بن الزبير (أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خسفت الشمس)
بفتح الخاء المعجمة والسين والفاء (قام) في المسجد لا
الصحراء لخوف الفوات بالانجلاء (فكبّر) تكبيرة الإحرام بعد
أن صف الناس وراءه (وقرأ قراءة طويلة) نحوًا من سورة
البقرة (ثم ركع ركوعًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية من
البقرة (ثم رفع رأسه) من الركوع (فقال سمع الله لمن حمده
وقام كما هو) لم يسجد (فقرأ قراءة طويلة) في قيامه (وهي
أدنى من القراءة الأولى) نحوًا من سورة آل عمران (ثم ركع
ركوعًا طويلاً وهي) أي هذه الركعة (أدنى من الركعة الأولى)
مسبحًا فيه قدر ثمانين آية. وفي الفرع تضبيب على قوله وهي
وبأعلاه رقم أبي ذر وابن عساكر مصححًا عليهما، (ثم سجد
سجودًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية (ثم فعل في الركعة
الآخرة) بمد الهمزة من غير ياء بعد الخاء (مثل ذلك) الذي
فعله في الركعة الأولى، لكن القراءة في أولها كالنساء وفي
ثانيها المائدة (ثم سلم. وقد تجلت الشمس) بمثناة فوقية
وفتح الجيم وتشديد اللام أي صفت. (فخطب الناس فقال) في
الخطبة (في كسوف الشمس والقمر):
(إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان) بفتح أوله وكسر
ثالثه (لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما) بالتثنية أي
كسوف الشمس والقمر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
رأيتموها بالإفراد
أي الكسفة (فافزعوا) بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا (إلى
الصلاة) المعهودة السابق فعلها منه عليه الصلاة والسلام.
3204 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ
أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ
لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن
المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان
(عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي
أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم واسمه
عوف الأحمسي البجلي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري
(-رضي الله عنه-) قال في الفتح: ووقع في بعض النسخ عن ابن
مسعود بالموحدة والنون وهو تصحيف (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الشمس والقمر لا ينكسفان) بكاف مفتوحة وكسر السين مع فتح
أوله (لموت أحد ولا لحياته) سقط قوله ولا لحياته من رواية
أبي ذر (ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما)
(5/260)
بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
رأيتموها بالإفراد أي الكسفة (فصلّوا). ركعتين في كل ركعة
ركوعان أو ركعتين كسنة الظهر.
5 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف:
57]
قَاصِفًا: تَقْصِفُ كُلَّ شَىْءٍ. لَوَاقِحَ: مَلاَقِحَ
مُلْقِحَةً. إِعْصَارٌ: رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ
الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ. صِرٌّ:
بَرْدٌ: نُشُرًا. مُتَفَرِّقَةً.
(باب ما جاء في قوله) تعالى: ({وهو الذي يرسل الرياح
بشرًا}) (1) جمع نشور بمعنى ناشر ({بين يدي رحمته})
[الأعراف: 57] قدّام رحمته يعني المطر فإن الصبا تثير
السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور تفرقه.
(قاصفًا): يريد قوله تعالى: {فيرسل عليكم قاصفًا من الريح}
[الإسراء: 69] قال أبو عبيدة هي التي (تقصف كل شيء) تأتي
عليه. وقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح} [الحجر: 22]
({لواقح}) قال أبو عبيدة (ملاقح) واحدتها (ملقحة) ثم حذفت
منه الزوائد وأنكره غيره، وقال هو بعيد جدًّا لأن حذف
الزوائد في مثل هذا بابه الشعر. قال: ولكنه لواقح جمع
لاقحة بلا خلاف على النسب أي ذات اللقاح، وقال ابن السكيت:
اللواقح الحوامل. وقوله تعالى: {فأصابها إعصار} [البقرة:
266] قال أبو عبيدة (ريح عاصف تهب من
الأرض إلى السماء كعمود فيه نار). وقوله تعالى: {ريح فيها
صرّ}: قال أبو عبيدة (برد) شديد.
وقوله: ({نشرًا}) أي (متفرقة).
3205 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ
عَادٌ بِالدَّبُورِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج بن الورد أبو بسطام الواسطي ثم البصري (عن الحكم)
بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي (عن مجاهد) هو ابن
جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي
الإمام في التفسير (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(نصرت) أي يوم الأحزاب وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا حين
حاصروا المدينة (بالصبا)، بفتح الصاد مقصورًا الريح التي
تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة (وأهلكت) بضم الهمزة وكسر
اللام (عاد) قوم هود (بالدبور). بفتح الدال التي تجيء من
قبل وجهك إذا استقبلت القبلة، وقد قيل: إن الريح تنقسم إلى
قسمين: رحمة وعذاب ثم إن كل قسم ينقسم أربعة أقسام، ولكل
قسم اسم فأسماء أقسام الرحمة: المبشراث والنشر والمرسلات
والرخاء. وأسماء قسم العذاب: العاصف والقاصف وهما في
البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر، وقد جاء القرآن بكل
هذه الأسماء. وقد روى البيهقي في سننه الكبرى مرفوعًا:
الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فلا
تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا به من شرها، وقد نزل
الأطباء كل ريح على طبيعة من الطبائع الأربع: فطبع الصبا
الحرارة واليبس ويسميها أهل مصر الريح الشرقية لأن مهبها
من الشرق وتسمى قبولاً لاستقبالها وجه الكعبة، وطبع الدبور
البرد والرطوبة ويسميها أهل مصر الغربية لأن مهبها من
المغرب وهي تأتي من دبر الكعبة، وطبع الشمال البرد واليبس
وتسمى البحرية لأنها يسار بها في البحر على كل حال وقلما
تهب ليلاً، وطبع الجنوب الحرارة والرطوبة وتسمى القبلية
والنعاما لأن مهبها من قبل القطب وهي عن يمين مستقبل
المشرق ويسميها أهل مصر المريسية وهي من عيوب مصر
المعدودة، فإنها إذا هبت عليهم سبع ليال استعدوا للأكفان،
وقد جعل الله تعالى بلطيف قدرته الهواء عنصرًا لأبداننا
وأرواحنا فيصل إلى أبداننا بالتنفس فينمي الروح الحيواني
ويزيد في النفساني، فما دام معتدلاً صافيًا لا يخالطه جوهر
غريب فهو يحفظ الصحة ويقويها وينعش النفس ويحييها، ومن
خاصيته أن الله تعالى جعله واسطة بين الحواس ومحسوساتها
فلا ترى العين شيئًا ما لم يكن بينه وبينها هواء وكذلك لا
تسمع الأذن ولا يصدق الذوق ولو أن الإنسان فقد الهواء ساعة
لمات. وقال كعب الأحبار: لو أن الله تعالى حبس الهواء عن
الناس لأنتن ما بين السماء والأرض، ولقد أحسن بعض الشعراء
حيث قال:
إذا خلا الجوّ من هواء ... فعيشهم غمة وبوس
فهو حياة لكل حيّ ... كأن أنفاسه نفوس
وقد سبقت زيادة لهذا في باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نصرت بالصبا).
3206 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ
أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ
وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ،
فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا أَدْرِي
لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ عَادَ {فَلَمَّا رَأَوْهُ
عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الأحقاف: 24]
الآيَةَ". [الحديث 3206 - طرفه في: 4829].
وبه قال: (حدّثنا مكي
_________
(1) الأعراف: 57.
(5/261)
بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد الحنظلي
البلخي قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
(عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إذا رأى مخيلة في السماء) بفتح الميم وكسر
الخاء المعجمة وبعد التحتية الساكنة لام مفتوحة أي سحابة
يخال فيها المطر (أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغيّر وجهه) خوفًا
أن يحصل من تلك السحابة ما فيه ضرر بالناس، (فإذا أمطرت
السماء سُري) بضم السين مبنيًّا للمجهول أي كشف (عنه)
الخوف وأزيل (فعرفته) بتشديد الراء وسكون الفوقية من
التعريف أي عرفت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (عائشة ذلك) الذي عرض له (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما) ولأبي ذر: وما (أدري لعله كما قال قوم) هم عاد ({فلما
رأوه عارضًا}) [الأحقاف: 24] سحابًا عرض في أفق السماء
({مستقبل أوديتهم}) متوجه أوديتهم (الآية).
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في التفسير وكذا النسائي.
6 - باب ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ
السَّلاَمُ - عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}
الْمَلاَئِكَةُ
(باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم) الملائكة: جمع ملأك
على الأصل كالشمائل جمع شمأل والتاء لتأنيث الجمع وتركت
الهمزة في المفرد للاستثقال وهو مقلوب مألك من الألوكة وهي
الرسالة لأنهم وسائط بين الله وبين الناس فهم رسل الله أو
كالرسل إليهم، واختلف العقلاء في حقيقتهم بعد اتفاقهم على
أنهم ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المسلمين إلى
أنهم أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين
بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك، وقالت طائفة من النصارى: هي
النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للأبدان، وزعم الحكماء
أنها جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة منقسمة
إلى قسمين: قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن
الاشتغال بغيره كما وصفهم في محكم التنزيل فقال: {يسبحون
الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20] وهم العليون
والملائكة المقربون. وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض
على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الإلهي لا يعصون الله
ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات أمرًا فمنهم
سماوية ومنهم أرضية، فهم بالنسبة إلى ما هيأهم الله له
أقسام: فمنهم حملة العرش، ومنهم كروبيون الذين هم حول
العرش وهم أشراف الملائكة مع حملة العرش وهم الملائكة
المقربون، ومنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقد ذكر الله
تعالى أنهم يستغفرون بظهر الغيب، ومنهم سكان السماوات
السبع يعمرونها عبادة لا يفترون فمنهم الراكع دائمًا
والقائم دائمًا والساجد دائمًا، ومنهم الذين يتعاقبون زمرة
بعد زمرة إلى البيت المعمور كل يوم سبعون ألفًا يعودون
إليه، ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرامة لأهلها
وتهيئة الضيافة لساكنيها من ملابس ومساكن ومآكل ومشارب
وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
بشر، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية ومقدموهم تسعة
عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة، ومنهم
الموكلون بحفظ بني آدم فإذا جاء قدر الله خلوا عنه، ومنهم
الموكلون بحفظ أعمال العباد لا يفارقون الإنسان إلا عند
الجنابة والغائط والغسل.
وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لجبريل عليه السلام:
"على أي شيء أنت"؟ قال: على الريح والجنود. قال: "وعلى أي
شيء ميكائيل"؟ قال: على النبات والقطر. وفي حديث أنس عند
الطبراني مرفوعًا: "إن ميكائيل ما ضحك منذ خلقت النار".
وورد أن له أعوانًا يفعلون ما يأمرهم به فيصرفون الرياح
والسحاب كما يشاء الله تعالى.
وروينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك
يقرّها في الأرض، واتفق على عصمة الرسل منهم كعصمة رسل
البشر وأنهم معهم كهم مع أممهم في التبليغ وغيره واختلف في
غير الرسل منهم، فذهب بعضهم إلى القول بعدم عصمتهم لقصة
هاروت وماروت وما روي عنهما من شرب الخمر والزنا والقتل
مما رواه أحمد مرفوعًا وصححه ابن حبان، ومفهوم آية {وإذ
قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا
(5/262)
إبليس أبى} [البقرة: 34] الآية. إذ مفهومها
أن إبليس كان منهم وإلا لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه
منهم قال في الأنوار: ولا يرد على ذلك قوله تعالى: {إلا
إبليس كان من الجن} [الكهف: 50] لجواز أن يقال كان من الجن
فعلاً ومن الملائكة نوعًا، ولأن ابن عباس روى أن من
الملائكة ضربًا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس،
وحاصله أن من الملائكة من ليس بمعصوم وإن كان الغالب فيهم
العصمة، كما أن من الإنس معصومين وإن كان الغالب فيهم
عدمها، ولعل ضربًا من الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات
وإنما يخالفهم بالعوارض والصفات كالبررة والفسقة من الإنس
والجن والذي عليه المحققون عصمة الملائكة مطلقًا.
وأجابوا: بأن إبليس كان جنيًّا نشأ بين أظهر الملائكة وكان
مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه، أو أن الجن كانوا
مأمورين مع الملائكة، لكن استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم
فإنه إذا علم أن الأكابر مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به
علم أن الأصاغر أيضًا مأمورون به.
وأما قصة هاروت وماروت فرواها الإمام أحمد وابن حبان. ولفظ
أحمد: حدّثنا يحيى بن أبي بكر، حدّثنا زهير بن محمد، عن
موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر أنه سمع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن آدم لما أهبط إلى
الأرض قالت الملائكة أي رب {أتجعل فيها من يفسد فيها}
[البقرة: 30] الآية. قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم.
قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى
نهبطهما إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر
فجاءتهما فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه
الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدًا
فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها. فقالت: لا
والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتله أبدًا.
فذهبت ثم رجعت بقدح خمر فسألاها نفسها. فقالت: لا والله
حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي،
فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا ابيتماه
عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما فخيّرا بين عذاب الدنيا
وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا. وهذا حديث غريب من هذا
الوجه ورجاله كلهم من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير هذا
وهو الأنصاري السلمي الحذاء. وذكره ابن حبان في كتاب الجرح
والتعديل ولم يحك فيه شيئًا فهو مستور الحال، وقد تفرد به
عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وروي له متابع من وجه آخر عند ابن
مردويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن رواه عبد الرزاق في تفسيره عن
الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال:
ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون به من الذنوب فقيل
لهم: اختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت الحديث.
ورواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به عن كعب الأحبار
قال الحافظ ابن كثير:
فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر، وسالم أثبت في أبيه
من مولاه نافع فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن
كتب بني إسرائيل وقيل: إنهما كانا قبيلين من الجن قاله ابن
حزم وهذا غريب وبعيد عن اللفظ، وعند ابن الجوزي في زاد
المسير أنهما هَمّا بالمعصية ولم يفعلاها، ومنهم من قرأ
الملكين بكسر اللام وقال إنهما علجان من أهل فارس قاله
الضحاك.
وروى الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن
ابن عباس وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما وقع الناس من
بعد آدم عليه السلام فيما وقعوا فيه من المعاصي الحديث
وفيه قال: وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن
الزهرة في سائر الكواكب وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن
الزهرة.
(وقال أنس) فيما وصله المؤلّف في الهجرة (قال عبد الله بن
سلام) بتخفيف اللام (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إن جبريل عليه السلام عدوّ اليهود من الملائكة)
روي أنه إنما كان عدوًّا لهم لأنه كان يطلع الرسول عليه
السلام على أسرارهم وأنه صاحب كل خسف وعذاب.
(وقال ابن عباس) فيما وصله الطبراني (لنحن الصافون) أي
(الملائكة).
3207 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ
وَهِشَامٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ
النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ -وَذَكَرَ يعنِي رَجُلاً بَيْنَ
الرَّجُلَيْنِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلأن
حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى
مَرَاقِّ الْبَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ
زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا. وَأُتِيتُ
بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ
الْبُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ، حَتَّى
أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ:
مَرْحَبًا بِهِ؛ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ
عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ
مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ
الثَّانِيَةَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ
جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى، فَقَالاَ:
مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا
السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ:
جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ:
وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ:
مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ
يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ
مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ
الرَّابِعَةَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ:
مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ
جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ
فَقَالَ: مَرْحَبًا بك مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا
السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قيلَ:
جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ:
مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْنَا
عَلَى هَارُونَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا
بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ
السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ جِبْرِيلُ: قِيلَ:
مَنْ مَعَكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا
بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى
مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ
أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا
أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا الْغُلاَمُ الَّذِي
بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ
أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي. فَأَتَيْنَا
السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ:
جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ:
وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ
الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ
وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ،
فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ
الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ
أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ
آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ. وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ
الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ
هَجَرٍ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ، فِي
أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ
وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ:
أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا
الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ فُرِضَتْ
عَلَىَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ
مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَىَّ
خَمْسُونَ صَلاَةً. قَالَ:
أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ
لاَ تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ.
فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ
مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ
عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ
مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْسًا: فَأَتَيْتُ
مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا.
فَقَالَ مِثْلَهُ: قُلْتُ: فَسَلَّمْتُ. فَنُودِيَ: إِنِّي
قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي. وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي،
وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا".
وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِي الْبَيْتِ
الْمَعْمُورِ». [الحديث 3207 - أطرافه في: 3393، 3430،
3887].
وبه قال:
(5/263)
(حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون
المهملة وفتح الموحدة القيسي البصري ويقال له هداب قال:
(حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن
دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال
المعجمة (عن قتادة) بن دعامة (وقال لي خليفة) أي ابن خياط
العصفري مذاكرة ولفظ المتن الخليفة، وفي نسخة ح لتحويل
السند (وقال لي خليفة):
(حدّثنا يزيد بن زريع) بزاي مضمومة فراء مفتوحة مصغرًا
العيشي البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة واسمه
مهران اليشكري (وهشام) هو الدستوائي (قالا: حدّثنا قتادة)
قال: (حدّثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة) الأنصاري (رضي
الله عنهما) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(بينا) بغير ميم (أنا عند البيت) الحرام (بين النائم
واليقظان). هو محمول على ابتداء الحال ثم استمر يقظان في
القصة كلها، وأما ما وقع في رواية شريك في التوحيد في آخر
الحديث فلما استيقظ، فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال وإلاّ حمل
على أن المراد باستيقظت أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال
بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي، وقال عبد الحق
في الجمع بين الصحيحين رواية شريك أنه كان نائمًا زيادة
مجهولة ثم قال وشريك ليس بالحافظ (- وذكر) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يعني رجلاً بين الرجلين-) وهذا مختصر
أوضحته رواية مسلم من طريق سعيد عن قتادة بلفظ: إذ سمعت
قائلاً يقول أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت فانطلقوا بي،
وقد ثبت أن المراد بالرجلين حمزة وجعفر فإن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان نائمًا بينهما. وقال
الكرماني: ثلاثة رجال وهم الملائكة تصوّروا بصورة الإنسان
فلينظر، وسقط لغير الأصيلي وأبي الوقت قوله يعني رجلاً
(فأتيت بطست) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والطست بفتح
الطاء وسكون السين المهملتين مؤنث (من ذهب ملئ حكمة
وإيمانًا) بضم الميم وكسر اللام فهمزة مبنيًا للمفعول في
الماضي كذا في الفرع، وضبط الدمياطي، والتذكير باعتبار
الإناء. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ملآن بفتح الميم
وسكون اللام وزيادة نون بعد الهمزة، ولأبي ذر عن
الكشميهني: ملأى بفتح الميم وسكون اللام وفتح الهمزة ولعله
من باب التمثيل أو مثلت له المعاني كما مثلت له أرواح
الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها.
(فشق) الملك وفي الفرع بضم الشين للمفعول (من النحر إلى
مراق البطن) بفتح الميم وتخفيف الراء بعدها ألف فقاف
مشدّدة وأصله مراقق بقافين فأدغمت الأولى في الثانية وهو
ما سفل من البطن ورق من جلده (ثم غسل البطن) المقدس بضم
الغين مبنيًا للمفعول (بماء زمزم) الذي هو أفضل المياه على
ما اختير. وهذا الشق غير الذي وقع له في زمن حليمة السعدية
(ثم ملئ) القلب (حكمة، وإيمانًا وأتيت بدابة أبيض) لم يقل
بيضاء نظرًا إلى المعنى أي بمركوب أبيض (دون البغل وفوق
الحمار) هو (البراق) ويجوز جره بدلاً من دابة واشتقاقه من
البرق لسرعة مشيه وكان الأنبياء يركبونه، (فانطلقت مع
جبريل حتى أتينا السماء الدنيا)، لم يذكر مجيئه لبيت
المقدس كما في التنزيل {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] وليس صعوده
إلى السماء كان على البراق بل نصب له المعراج فرقي عليه
كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولعل الراوي اقتصر أو وقع
تعدد المعراج (قيل: من هذا؟) ولأبي ذر: فلما جئت إلى
السماء الدنيا قال جبريل، لخازن السماء: افتح. قال: من
هذا؟ (قال) ولأبي ذر: قيل (جبريل. قيل: ومن معك؟ قيل)
ولأبي الوقت: قال (محمد. قيل: وقد أرسل إليه) للعروج به
إلى السماوات (قال) جبريل: (نعم. قيل: مرحبًا به)، أي لقي
رحبًا وسعة (ولنعم المجيء جاء) قال المظهري: المخصوص
بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير تقديره جاء فنعم المجيء
مجيئه. وقال في التوضيح: فيه شاهد على جواز الاستغناء
بالصلة عن الموصول في (نعم) إذ التقدير: نعم المجيء الذي
جاءه، (فأتيت على آدم فسلمت عليه. فقال: مرحبًا بك من ابن
ونبيّ، فأتينا السماء الثانية
(5/264)
قيل: من هذا؟ قال جبريل: قيل من) وللأصيلي:
ومن (معك؟ قال: محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
سقطت التصلية لغير أبي ذر (قيل: أرسل إليه؟ قال) جبريل:
(نعم. قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى
ويحيى) ابني الخالة (فقالا. مرحبًا بك، من أخ ونبي، فأتينا
السماء الثالثة قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟
قال: محمد. قيل): ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: (وقد
أرسل إليه؟ قال) جبريل: (نعم. قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء
جاء، فأتيت يوسف) ولأبي ذر فأتيت على يوسف (فسلمت عليه)
سقط لأبي ذر لفظ عليه (قال): ولأبي ذر. فقال (مرحبًا بك من
أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة قيل: من هذا؟ قيل) ولأبي
ذر قال (جبريل. قيل: من معك؟ قيل: محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لغير أبي ذر (قيل: وقد
أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم) ولأبي ذر:
ونعم (المجيء جاء، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال:
مرحبًا من) ولابن عساكر وأبي الوقت مرحبًا بك من (أخ ونبي)
خاطبه بلفظ الأخوّة وإن كان المناسب لفظ النبوّة تلطفًا
وتأدّبًا والأنبياء أخوة (فأتينا السماء الخامسة قيل: من
هذا؟ قال): ولأبي ذر قيل (جبريل. قيل: ومن معك؟) بالواو
(قيل: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل مرحبًا به،
ولنعم المجيء جاء، فأتينا على هارون فسلمت عليه) سقط لأبي
ذر لفظ عليه (فقال مرحبًا بك من أخ ونبي، فأتينا على
السماء السادسة. قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟
قيل): وفي نسخة قال (محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (قيل: وقد أرسل إليه
مرحبًا به)، سقط قال:
نعم. قيل: (ولنعم) ولأبي ذر: نعم (المجيء جاء، فأتيت على
موسى فسلمت فقال): ولأبي ذر عن الكشميهني فسلمت عليه فقال:
(مرحبًا بك من أخ ونبي. فلما جاوزت) بحذف الضمير المنصوب
(بكى) شفقة على قومه حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه
الأمة بمتابعة نبيهم ولم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم (فقيل:
ما أبكاك؟ قال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة
من أمته أفضل مما يدخل من أمتي). أشار إلى تعظيم شأن نبينا
ومنة الله تعالى عليه حيث أتحفه بتحف الكرامات وخصوص
الزلفى والهبات من غير طول عمر أفناه مجتهدًا في الطاعات،
والعرب تسمي الرجل المستجمع السن غلامًا ما دامت فيه بقية
من القوّة، فالمراد استقصار مدته مع استكثار فضائله
واستتمام سواد أمته. (فأتيا السماء السابعة قيل من هنا
قيل: جبريل. قيل من معك؟ قيل: محمد. قيل: وقد أرسل إليه
مرحبًا به)، سقط هنا أيضًا قال: نعم قيل: (ونعم) بغير لام،
ولأبي ذر ولنعم (المجي جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت) زاد
أبو ذر عن الكشميهني عليه (فقال: مرحبًا بك. من ابن ونبي)
سقط لفظ بك من بعض النسخ كذا وقع هنا أنه رأى إبراهيم في
السابعة. وفي أول كتاب الصلاة في السادسة فإن قيل بتعدد
الإسراء فلا إشكال وإلاّ فيحتمل أن يكون رآه في السادسة ثم
ارتقى هو أيضًا إلى السابعة. (فرفع) بضم الراء أي كشف (لي)
وقرب مني (البيت المعمور) المسمى بالضراح بضم الضاد
المعجمة وتخفيف الراء آخره حاء مهملة حيال الكعبة وعمارته
بكثرة من يغشاه من الملائكة (فسألت جبريل). أي عنه (فقال،
هذا البيت المعمور. يصلّي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا
خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم) بنصب آخر على الظرفية
أو بالرفع بتقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله (ورفعت لي
سدرة المنتهى) أي كشف لي عنها وقربت مني السدرة التي ينتهي
إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله
(فإذا نبقها) بفتح النون وكسر الموحدة (كأنه قلال هجر)
بكسر القاف جمع قلة وهجر بفتحات لا ينصرف. وفي الفرع صرفه
(وورقها كأنه آذان الفيول) بضم الفاء جمع قيل الحيوان
المشهور أي في الشكل لا في المقدار (في أصلها أربعة أنهار
نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل؟) عنها (فقال: أما
الباطنان ففي الجنة) نقل النووي عن مقاتل أن الباطنين
السلسبيل والكوثر (وأما الظاهران النيل
(5/265)
والفرات) يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث
شاء الله ثم يخرجان من الأرض ويجريان فيها. (ثم فرضت عليّ
خسون صلاة. فأقبلت حتى جئت موسى. فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت
عليّ خمسون صلاة. قال: أنا أعلم بالناس منك عالجت بني
إسرائيل أشد المعالجة).
قال التوربشتي: أي مارستهم ولقيت الشدة فيما يردت منهم من
الطاعة والمعالجة مثل المزاولة والمحاولة، (وإن أمتك لا
تطيق) ذلك ولم يقل إنك وأمتك لا يطيقون لأن العجز مقصور
على الأمة لا يتعداهم إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فهو لما رزقه الله من الكمال يطيق أكثر من ذلك،
وكيف لا وقد جعلت قرة عينه في الصلاة (فارجع إلى ربك) أي
إلى الموضع الذي ناجيت فيه ربك (فسله) أي التخفيف (فرجعت
فسألته) أي التخفيف (فجعلها أربعين) أي صلاة (ثم) قال موسى
(مثله) أي ما تقدم من المراجعة وسؤال التخفيف (ثم) جعلها
الله تعالى (ثلاثين) صلاة (ثم) قال موسى أيضًا
(مثله فجعلها) الله تعالى (عشرين) صلاة (ثم) قال موسى
(مثله فجعلها) الله تعالى (عشرًا، فأتيت موسى فقال: مثله
فجعلها خمسًا فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها)
سبحانه وتعالى (خمسًا. فقال: مثله قلت: سلمت) بتشديد اللام
من التسليم أي سلمت فلم يراجعه تعالى لأني استحييت منه جل
وعلا. وزاد في غير رواية أبي ذر هنا بخير (فنودي) من قبل
الله تعالى (إني) بكسر الهمزة (قد أمضيت) أي أنفذت
(فريضتي) بخمس صلوات (وخففت عن عبادي) من خمسين إلى خمس
(وأجري الحسنة عشرًا) ثواب كل صلاة عشرًا. وفيه دليل على
جواز النسخ قبل الوقوع، وأنكره أبو جعفر النحاس لأن ذلك من
البداء وهو محال على الله تعالى، ولأن النسخ وإن جاز قبل
العمل عند من يراه فلا يجوز قبل وصوله إلى المخاطبين فهو
شفاعة شفعها عليه الصلاة والسلام لا نسخ.
وأجيب: بأن النسخ إنما وقع فيما وجب على الرسول من التبليغ
وبأن الشفاعة لا تنفي النسخ فقد تكون سببًا له أو أن هذا
كان خبرًا لا تعبدًا فلا يدخله النسخ، ومعناه أنه تعالى
أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام أن على أمته خمسين صلاة في
اللوح المحفوظ، ولذا قال في الحديث في رواية: هي خمس وهي
خمسون والحسنة بعشر أمثالها، فتأوّله عليه السلام على أنها
خمسون بالفعل فلم يزل يراجع ربه حتى بيّن له أنها في
الثواب لا بالعمل.
(وقال همام) بالإسناد السابق بتشديد الميم الأولى ابن يحيى
العوذي (عن قتادة) بن دعامة (عن الحسن) البصري (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في البيت المعمور) يريد أن سعيد بن أبي عروبة
وهشامًا الدستوائي أدرجا قصة البيت المعمور في قصة
الإسراء، والصواب رواية همام هذه حيث فصلها من قصة الإسراء
لكن قال يحيى بن معين لم يصح للحسن سماع من أبي هريرة.
3208 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا
أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ الصَّادِقُ
الْمَصْدُوقُ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ
فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ
عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ
ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ
بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ
وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ
يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ
لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ
فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. وَيَعْمَلُ حَتَّى
مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ،
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ
أَهْلِ الْجَنَّةِ». [الحديث 3208 - أطرافه في: 3332،
6594، 7454].
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الراء وكسر
الموحدة ابن سليمان البوراني بضم الموحدة وسكون الواو وفتح
الراء البجلي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء
المهملة الساكنة وفتح الواو آخره صاد مهملة سلام بتشديد
اللام ابن سليم الحنفي مولى بني حنيفة الكوفي (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن زيد بن وهب) أبي سليمان
الهمداني الكوفي أنه قال، (قال عبد الله) يعني ابن مسعود
-رضي الله عنه-: (حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في قوله: (المصدوق) فيما
وعده به ربه تعالى. قال في شرح المشكاة: الأولى أن تجعل
الجملة اعتراضية لا حالية لتعم الأحوال كلها وأن يكون من
عادته ودأبه ذلك فما أحسن موقعها (قال):
(إن أحدكم يجمع خلقه) بضم الياء وسكون الميم وفتح الميم
مبنيًا للمفعول (في بطن أمه أربعين يومًا)، أي يضم بعضه
إلى بعض بعد الانتشار ليخمر فيها حتى يتهيأ للخلق، وفي
قوله خلقه تعبير بالمصدر عن الجثة وحمل على أنه بمعنى
المفعول كقولهم: هذا ضرب الأمير أي مضروبه.
وقال الخطابي: روي عن ابن مسعود في تفسيره أن النطفة إذا
وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق
(5/266)
منها بشرًّا طارت في بشرة المرأة تحت كل
ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دمًا في الرحم فذلك
جمعها. وهذا رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وقد رجح الطيبي
هذا التفسير فقال: والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه
وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق فيما يتحدثون به وأكثرهم
احتياطًا للتوقي عن خلافه فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم.
قال في الفتح: وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما
ظاهره يخالف ذلك ولفظه:
إذا أراد الله خلق عبد جامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل
عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل
عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبك.
(ثم يكون علقة) دمًا غليظًا جامدًا (مثل ذلك) الزمان (ثم
يكون مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ (مثل ذلك)، الزمان.
واختلف في أوّل ما يتشكل من الجنين فقيل: قلبه لأنه الأساس
ومعدن الحركات الغريزية، وقيل: الدماغ لأنه مجمع الحواس
ومنه تنبعث، وقيل الكبد لأن فيه النموّ والاغتذاء الذي هو
قوام البدن، ورجحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لأن
النموّ هو المطلوب أوّلاً ولا حاجة له حينئذٍ إلى حس ولا
حركة إرادية وإنما يكون له قوّة الحس والإرادة عند تعلق
النفس به بتقديم الكبد ثم القلب ثم الدماغ.
(ثم يبعث الله ملكًا) إليه في الطور الرابع حين يتكامل
بنيانه وتتشكل أعضاؤه (فيؤمر) مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر
ويؤمر (بأربع كلمات) يكتبها كما قال (ويقال له: اكتب عمله
ورزقه) غذاءه حلالاً أو حرامًا قليلاً أو كثيرًا أو كل ما
ساقه الله تعالى إليه لينتفع به كالعلم وغيره (وأجله)
طويلاً أو قصيرًا (وشقي أو سعيد) حسب ما اقتضته حكمته
وسبقت كلمته، ورفع شقي خبر مبتدأ محذوف وتاليه عطف عليه،
وكان حق الكلام أن يقول: يكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك
حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد. والظاهر أن
الكتابة هي الكتابة المعهودة في صحيفته، وقد جاء ذلك
مصرحًا به في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن أسيد: ثم تطوى
الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص، ووقع في حديث أبي ذر عنه
فيقضي الله ما هو قاض فيكتب ما هو لاق بين عينيه.
(ثم) بعد كتابة الملك هذه الأربعة (ينفخ فيه الروح) بعد
تمام صورته ثم إن حكمة تحوّل الإنسان في بطن أمه حالة بعد
حالة مع أن الله تعالى قادر على أن يخلقه في أقل من لمحة
أن في التحويل فوائد: منها أنه لو خلقه دفعة واحدة لشق على
الأم فجعله أوّلاً نطفة لتعتاد بها مدة ثم علقة كذلك وهلمّ
جرًا، ومنها إظهار قدرته تعالى حيث قلبه من تلك الأطوار
إلى كونه إنسانًا حسن الصورة متحليًا بالعقل، ومنها
التنبيه والإرشاد على كمال قدرته على الحشر والنشر لأن من
قدر على خلق الإنسان من ماء مهين ثم من علقة ثم من مضغة
قادر على إعادته وحشره للحساب والجزاء؛ قاله المظهري.
فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون نصب بحتى وما نافية غير
مانعة لها من العمل أو رفع وهو الذي في الفرع على أن حتى
ابتدائية. وفي كتاب القدر من طريق أبي الوليد الطيالسي عن
شعبة عن الأعمش وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما
يكون (بينه وبين الجنة إلاّ ذراع)، أي ما يبقى بينه وبين
أن يصل إلى الجنة إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض
ذراع فهو تمثيل بقرب حاله من الموت وضابط ذلك بالغرغرة
التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة (فيسبق عليه كتابه) الذي
كتبه الملك وهو في بطن أمه والفاء للتعقيب الدال على حصول
السبق بغير مهملة (فيعمل) عند ذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني:
يعمل (بعمل أهل النار) أي فيدخلها (ويعمل) أي بعمل أهل
النار (حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة). أي فيدخلها وفيه أن مصير
الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد والقدر ومسلم في القدر
وكذا أبو داود والترمذي وابن ماجه، وتأتي بقية مباحثه إن
شاء الله تعالى.
(5/267)
بعون الله وقوّته.
3209 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا
مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَتَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ
جِبْرِيلُ. فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ
أَهْلُ السَّمَاءِ. ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي
الأَرْضِ». [الحديث 3209 - طرفاه في: 6040، 7485].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام البيكندي كما
ضبطه ابن ماكولا وغيره قال: (أخبرنا مخلد) بفتح الميم
وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد الحراني قال: (أخبرنا ابن
جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (موسى بن
عقبة) الإمام في المغازي (عن نافع) أنه (قال: قال أبو
هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وتابعه أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل شيخ المؤلّف مما
ساقه في الأدب عن عمرو بن عليّ عنه (عن ابن جريج) عبد
الملك أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة عن نافع
عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا أحب الله العبد نادى جبريل) نصب على المفعولية (إن
الله يحب فلانًا فأحببه) بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة
ساكنة فموحدة مكسورة وأخرى ساكنة على الفك (فيحبه جبريل
فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه)
بتشديد الموحدة (فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في)
أهل (الأرض). ممن يعرفه من المسلمين. وزاد روح بن عبادة عن
ابن جريج عند الإسماعيلي: وإذا أبغض عبدًا نادى جبريل عليه
السلام: إني أبغض فلانًا فأبغضه قال فيبغضه جبريل. ثم
ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه
فيبغضونه ثم يوضع له البغض في الأرض.
وفيه: إن محبوب القلوب محبوب الله ومبغوضها مبغوض الله،
ومتن الحديث الذي ساقه المؤلّف بلفظ الرواية الثانية
المعلقة، وفيه مباحث تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في
كتاب الأدب.
3210 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ
تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ -وَهْوَ السَّحَابُ- فَتَذْكُرُ
الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ
الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى
الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ». [الحديث 3210 - أطرافه في: 3288،
5762، 6213، 7561].
وبه قال: (حدّثنا محمد) قيل هو ابن يحيى الذهلي. وقال أبو
ذر الهروي هو البخاري ورجحه الحافظ ابن حجر بأن أبا نعيم
والإسماعيلي لم يجداه من غير رواية البخاري ولو كان عند
غير البخاري لما ضاق عليهما مخرجه، وتعقبه العيني بأن عدم
وجدانهما للحديث لا يستلزم أن يكون محمد هنا هو البخاري
وهذا ظاهر لا يخفى ولم تجر عادة البخاري بأن يذكر اسمه قبل
ذكر شيخه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن
الحكم قال: (أخبرنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا ابن
أبي جعفر) عبيد الله واسم أبي جعفر يسار القرشي (عن محمد
بن عبد الرحمن) الأسود (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن
عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر قوله زوج النبي الخ (أنها) قالت
(سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(إنَّ الملائكة تنزل في العنان) بفتح العين المهملة والنون
المخففة (وهو السحاب) زنة ومعنى وهو تفسير الراوي للعنان
أدرجه في الحديث فالسحاب مجاز عن السماء كما أن السماء
مجاز عن السحاب في قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء
طهورًا} [الفرقان: 48] في وجه (فتذكر)
الملائكة (الأمر) الذي (قضي في السماء) وأصل ذلك أن
الملائكة تسمع في السماء ما قضى الله تعالى في كل يوم من
الحوادث فيحدث بعضهم بعضًا (فتستردّ الشياطين السمع) أي
تختلسه منهم والقاف مخففة (فتسمعه فتوحيه إلى الكهان)، بضم
الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن من يخبر بالمغيبات المستقبلة
(فيكذبون معها) أي مع الكلمة المسموعة من الشياطين (مائة
كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة وفي اليونينية بكسرها (من
عند أنفسهم).
3211 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ
الْمَلاَئِكَةُ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ،
فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا
يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي ونسبه إلى جده
واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون
العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال (حدّثنا ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن
عوف (والأغرّ) بفتح الهمزة والغين المعجمة آخره راء مشدّدة
سلمان الجهني مولاهم المدني، وللكشميهني: والأعرج أي عبد
الرحمن بن هرمز بدل الأغرّ. قال في الفتح: والأغر أرجح
لأنه مشهور من روايته. نعم أخرجه النسائي من وجه آخر عن
الزهري عن الأعرج وحده، (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد
الملائكة) ولأبي ذر: ملائكة (يكتبون)
(5/268)
الداخل (الأوّل فالأوّل) الفاء لترتيب
النزول من الأعلى إلى الأدنى وللتعاقب الذي ينتهي إلى
أعداد كثيرة (فإذا جلس الإمام) على المنبر (طووا الصحف)
التي كتبوا فيها المبادرين إلى الجمعة (وجاؤوا يستمعون
الذكر) أي الخطبة.
وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الجمعة بأتم من هذا.
3212 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ قَالَ: "مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ
وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ
وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى
أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ
أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ
بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: نَعَمْ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني
بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن
المسيب) أنه (قال: مرّ عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
(في المسجد) النبوي المدني (وحسان) بن ثابت
الأنصاري والواو للحال (ينشد) بضم أوّله وكسر ثالثه الشعر
في المسجد فأنكر عليه عمر (فقال) حسان: (كنت أنشد فيه) أي
في المسجد (وفيه من هو خير منك) يعني رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم التفت إلى أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة الاستفهام
الاستخباري (يقول): يا حسان.
(أجب عني) أي قل جواب هجاء المشركين عن جهتي (اللهمّ أيّده
بروح القدس) جبريل وإضافة الروح إلى القدس وهو الطهر
كقولهم: حاتم الجود.
وهذا موضع الترجمة. وإنما دعا له بذلك لأن عند أخذه في
الطعن والهجو في المشركين وأنسابهم مظنة الفحش من الكلام
وبذاءة اللسان، وقد يؤدّي ذلك إلى أن يتكلم عليه فيحتاج
الى التأييد من الله بأن يقدّسه من ذلك بروح القدس وهو
جبريل.
(قال) أبو هريرة: (نعم) سمعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول ذلك.
وسياق البخاري لهذا الحديث كما نبه عليه الإسماعيلي يقتضي
أنه مرسل سعيد بن المسيب، فإنه لم يحضر مراجعة عمر -رضي
الله عنه- وحسان، لكن عند الإسماعيلي من رواية عبد الجبار
بن العلاء عن سفيان ما يقتضي أن أبا هريرة حدث سعيدًا بذلك
بعد وقوعه.
وهذا الحديث قد سبق في باب الشعر في المسجد من أوائل
الصلاة.
3213 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه-
قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِحَسَّانَ: اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ-
وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». [الحديث 3213 - أطرافه في: 4123،
4124، 6153].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) البصري قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي (عن البراء)
بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحسان) بن ثابت -رضي الله
عنه-:
(أهجهم) بضم الهمزة والجيم أمر من هجا يهجو هجوًا وهو نقيض
المدح وفي الفرع اهجهم بهمزة وصل (أو هاجهم) من المهاجاة
والشك من الراوي أي جازهم بهجوهم (وجبريل معك).
بالتأييد والمعونة وفيه جواز هجو الكفار وأذاهم ما لم يكن
لهم أمان لأن الله تعالى قد أمر بالجهاد فيهم والإغلاظ
عليهم لأن في الإغلاظ بيانًا لبغضهم والانتصار منهم بهجاء
المسلمين ولا يجوز ابتداء لقوله تعالى: {ولا تسبوا الذين
يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام:
108].
(تنبيه) قوله: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لحسان يفهم أنه من مسند البراء بن عازب، وعند
الترمذي أنه من رواية البراء عن حسان كما أفاده في الفتح.
3214 - حَدَّثَنَا مَوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ
بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ
حُمَيْدَ بْنَ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي
سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ. زَادَ مُوسَى: مَوْكِبَ جِبْرِيلَ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
جرير) هو ابن حازم الأزدي البصري (ح) للتحويل.
(وحدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا وهب بن جرير قال:
حدّثنا أبي) جرير بن حازم (قال: سمعت حميد بن هلال) أي ابن
هبيرة العدوي البصري (عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه
(قال: كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم) بكسر سين
سكة وفتح الغين المعجمة وسكون النون من غنم أي زقاق بني
غنم. قال الحافظ ابن حجر: بطن من الخزرج وهم من ولد غنم بن
مالك بن النجار منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون. (زاد موسى)
بن إسماعيل التبوذكي في روايته فيما وصله في المغازي عنه
(موكب جبريل) عليه السلام برفع موكب في الفرع على أنه خبر
مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل ويجوز نصبه بتقدير انظر
موكب وجره بدلاً من لفظ غبار والموكب نوع من السير وجماعة
الفرسان أو جماعة ركاب يسيرون برفق.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي.
3215 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ الْحَرثَ بْنَ هِشَامٍ
سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلكَ. يَأْتِي
الْمَلَكُ أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ،
فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَهْوَ
أَشَدُّهُ عَلَىَّ، وَيَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ
أَحْيَانًا رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ".
وبه قال: (حدّثنا فروة)
(5/269)
بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو ابن أبي
المغراء الكندي الكوفي قال: (حدّثنا عليّ بن مسهر) بضم
الميم وكسر الهاء قاضي الموصل (عن هشام بن عروة عن أبيه)
عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن
الحرث بن هشام) المخزومي -رضي الله عنه- (سأل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يحتمل أن يكون الحرث
أخبر عائشة بذلك فيكون مرسلاً أو حضرت هي ذلك فيكون من
مسندها، لكن قد أخرج ابن منده الحديث من طريق عبد الله بن
الحرث عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحرث بن هشام قال:
سألت (كيف يأتيك الوحي؟) أي حامله فإسناد الإتيان إلى
الوحي مجاز أو صفة الوحي نفسه فإسناد الإتيان حقيقة (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(كل ذاك) بغير لام (يأتي الملك) جبريل عليه السلام ولأبي
ذر عن الكشميهني يأتيني الملك (أحيانًا) أي أوقاتًا (في
مثل صلصلة الجرس) أي مشابها صوت الجلجل الذي يعلق برؤوس
الدواب (فيفصم) بفتح التحتية وسكون الفاء وكسر الصاد
المهملة من باب ضرب يضرب أي يقلع
(عني) ما يغشاني (وقد وعيت) بفتح العين أي فهمت وحفظت (ما
قال)، الملك (وهو أشده عليّ، ويتمثل) أي يتصور (لي الملك)
جبريل (أحيانًا رجلاً) كدحية أو غيره تانيسًا والقدر
الزائد من خلقته لا يفنى بل يخفى على الرائي فقط (فيكلمني
فأعي ما يقول). أي الذي يقوله، وقد مرّ هذا الحديث أوّل
الكتاب.
3216 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَتْهُ
خَزَنَةُ الْجَنَّةِ أَىْ فُلُ هَلُمَّ. فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ. فقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْجُو
أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا أدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا شيبان)
قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن
عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من أنفق زوجين) أي درهمين أو دينارين (في سبيل الله دعته
خزنة الجنة). الملائكة (أي فل) بضم الفاء واللام وتفتح
حذفت منه الألف والنون لغير ترخيم أي فلان (هلمّ) أي اقرب
وتعال وهو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز وفعل يؤنث
ويجمع عند تميم وأصله عند البصريين هالمّ من لم إذا قصد
حذفت الألف لتقدير السكون في اللام فإنها الأصل وعند
الكوفيين هل أم فحذفت الهمزة بالفاء حركتها على اللام.
(فقال أبو بكر) الصدّيق -رضي الله عنه-: (ذاك الذي لا توى)
بفتح الفوقية والواو ولا هلاك ولا ضياع ولا بأس (عليه) أن
يدخل بابًا ويترك آخر (قال) ولأبي ذر: فقال (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): أي لأبي بكر (أرجو أن تكون
منهم). وهذا الحديث سبق في الجهاد.
3217 - حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ
يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ
السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا
لاَ أَرَى. تُرِيدُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-". [الحديث 3217 - أطرافه في: 3768، 6201، 6249،
6153].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني
قاضي اليمن قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن
عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال لها):
(يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام) بفتح ياء يقرأ من
الثلاثي (فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته) ولأبي ذر
ورحمت الله وبركاته بالتاء المجرورة (ترى ما لا أرى تريد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفيه أن
الرؤية حالة يخلقها الله تعالى في الحيّ، ولا يلزم من حصول
المرئي واجتماع سائر الشرائط
الرؤية كما لا يلزم من عدمها عدمها قاله في الكواكب، وإنما
لم يواجهها جبريل كما واجه مريم احترامًا لمقام سيدنا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاستئذان والرقاق وفي
فضل عائشة ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب والنسائي
في عشرة النساء.
3218 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
ذَرٍّ. ح. قَالَ: وحَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجِبْرِيلَ: أَلاَ تَزُورُنَا
أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَمَا
نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ
أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيَةَ". [الحديث
3218 - طرفاه في: 4731، 7455].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
عمر بن ذر) بضم العين وفتح الذال المعجمة وتشديد الراء (ح)
لتحويل السند.
(قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: وحدّثنا بواو العطف
والجمع (يحيى بن جعفر) هو ابن أعين أبو زكريا البيكندي
وسقط لأبي ذر ابن جعفر قال: (حدّثنا وكيع) واللفظ له (عن
عمر بن ذر عن أبيه) ذر بن عبد الله الهمداني بسكون الميم
(عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لجبريل) عليه
(5/270)
السلام:
(ألا تزورنا أكثر مما تزورنا)؟ بتخفيف اللام للعرض أو
التحضيض أو التمني (قال: فنزلت) آية ({وما نتنزل إلا بأمر
ربك}) [مريم: 64] والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل
وقد يطلق بمعنى النزول مطلقًا كما يطلق نزّل بمعنى أنزل
والمعنى وما نتنزل وقتاغب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه
حكمته ({له ما بين أيدينا وما خلفنا}) [مريم: 64] (الآية).
وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى
مكان أو لا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير والتوحيد وبدء الخلق
والترمذي في التفسير وكذا النسائي.
3219 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَلَمْ
أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ
أَحْرُفٍ». [الحديث 3219 - طرفه في: 4991].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدَّثني)
بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن
ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين
(ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس -رضي الله
عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(أقرأني جبريل) عليه السلام القرآن (على حرف)، أي لغة أو
وجه من الإعراب (فلم أزل أستزيده) أطلب منه أن يطلب من
الله الزيادة على الحرف توسعة وتخفيفًا ويسأل جبريل ربه
تعالى ويزيده (حتى انتهى إلى سبعة أحرف). وليس المراد أن
يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، والاختلاف اختلاف تنوع
وتغاير لا تضاد وتناقض إذ هو محال في القرآن وذلك يرجع إلى
سبعة وذلك إما في الحركات من غير تغير في المعنى والصورة
نحو: البخل ويحسب بوجهين أو بتغير في المعنى فقط نحو
{فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37] وأما في الحروف
بتغير في المعنى لا الصورة نحو تبلو وتتلو أو عكس ذلك نحو:
(السراط، والصراط) أو بتغيرهما نحو (يأتل) ويتأل، وأما في
التقديم والتأخير نحو: {فيقتلون ويُقتلون} [التوبة: 111]
أو في الزيادة والنقصان نحو: أوصى {ووصى} وأما نحو
الاختلاف في الإظهار والإدغام وغيرهما مما يسمى بالأصول
فليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه. اللفظ أو المعنى لأن هذه
الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظًا
واحدًا ولئن فرض فيكون من الأول.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن ومسلم في الصلاة.
3220 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي
رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ
يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ
فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ
جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ
الْمُرْسَلَةِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ
بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَفَاطِمَةُ -رضي الله عنهما-
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن
يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال:
حدَّثني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن
مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس)
بنصب أجود خبر كان (وكان أجود ما يكون في رمضان) برفع أجود
اسم كان وخبرها محذوف وجوبًا نحو قولك أخطب ما يكون الأمير
قائمًا وما مصدرية أي أجود أكوان الرسول وفي رمضان سدّ مسد
الخبر أي حاصلاً فيه (حين يلقاه جبريل) عليه السلام هذ في
ملاقاته زيادة ترق. (وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان
فيدارسه القرآن) نصب مفعول ثان ليدارسه على حدّ جاذبته
الثوب (فلرسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني فإن رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين يلقاه جبريل
أجود بالخير من الريح المرسلة). يحتمل أنه أراد بها التي
أرسلت بالبشرى بين يدي رحمة الله وذلك لعموم نفعها. قال
الله تعالى: {والمرسلات عرفًا} [المرسلات: الآية: 1] وأحد
الوجوه في الآية أنه أراد بها الرياح المرسلات للإحسان
وانتصاب عرفا بالمفعول،
فلهذا المعنى في المرسلة شبه نشر جوده بالخير في العباد
بنشر الريح العطر في البلاد، وشتان ما بين الأثرين فإن
أحدهما يحيي القلب بعد موته والآخر يحيي الأرض بعد موتها،
وقد كان عليه الصلاة والسلام يبذل المعروف قبل أن يسأل
وإذا أحسن عاد وإن وجد جاد وإن لم يجد وعد ولم يخلف
الميعاد، ويظهر منه آثار ذلك في رمضان أكثر مما يظهر منه
في غيره قاله التوربشتي.
(وعن عبد الله) بن المبارك أنه (قال: حدّثنا) ولأبي ذر
أخبرنا (معمر) هو ابن راشد (بهذا الإسناد) موصولاً عن محمد
بن مقاتل فابن المبارك يرويه عن يونس الأيلي ومعمر (نحوه)
أي معناه.
(وروى أبو هريرة) مما وصله في
(5/271)
فضائل القرآن (وفاطمة) الزهراء مما وصله في
علامات النبوة (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أن جبريل كان يعارضه القرآن). أي في كل سنة مرة وأنه
عارضه في العام الذي قبض فيه مرتين الحديث. وروي أن قراءة
زيد هي القراءة التي قرأها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جبريل عليه السلام مرتين في العام
الذي قبض فيه.
3221 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ
أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: "أَمَا
إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ
عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ، قَالَ:
سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ
أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: نَزَلَ
جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ
مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ،
ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ
صَلَوَاتٍ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو ابن
سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن عمر بن
عبد العزيز أخّر العصر شيئًا)، صفة مصدر محذوف أي أخر
تأخيرًا يسيرًا أي أخر صلاة العصر حتى عبر شيء من وقته
(فقال له) أي لعمر (عروة) بن الزبير بن العوّام (أما إن
جبريل) بتخفيف أما حرف استفتاح بمنزلة ألا وتكون بمعنى
حقًا ذكره سيبويه ولا تشاركها ألا في ذلك وفي اليونينية
أما بتشديد الميم بفتح الهمزة وكسرها (قد نزل فصلّى أمام
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح همزة
أمام أي قدامه (فقال عمر) بن عبد العزيز: (اعلم ما تقول يا
عروة) أي تأمل وتذكر (قال): أي عروة (سمعت بشير بن أبي
مسعود) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة (يقول: سمعت) أبي
(أبا مسعود) عقبة بن عمرو البدري (يقول: سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كأن عروة يقول كيف
لا أعلم ما أقول وأنا صحبت وسمعت ممن صحب وسمع صاحب رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمع منه هذا
(يقول):
(نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم
صليت معه، ثم صليت معه) قال ذلك أبو مسعود أو الرسول
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (يحسب) بضم
السين (بأصابعه) أي
يعقدها ولأبي ذر عن الكشميهني قال فحسب بأصابعه (خمس
صلوات). وهذا يدل على مزيد إتقانه وضبطه لأحوال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومرّ هذا الحديث أول
المواقيت من كتاب الصلاة.
3222 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
-رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَنْ مَاتَ
مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ
الْجَنَّةَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ. قَالَ: وَإِنْ
زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين
المعجمة قال: (حدّثنا ابن أبي عديّ) محمد القسملي (عن
شعبة) بن الحجاج (عن حبيب بن أبي ثابت) الأسدي وسقط لغير
أبي ذر ابن أبي ثابت (عن زيد بن وهب) الجهني (عن أبي ذر
-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي) وفي نسخة: قال رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قال لي جبريل) عليه السلام (من مات من أمتك لا يشرك بالله
شيئًا دخل الجنة)، أي عاقبته دخولها وإن كان له ذنوب جمة
أو ترك من الأركان شيئًا لكن أمره إلى الله إن شاء عفا عنه
وأدخله الجنة وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ثم أدخله الجنة
برحمته (أو لم يدخل النار). دخولاً تخليديًّا (قال): أي
أبو ذر (وإن زنى وإن سرق؟) قال ابن مالك حرف الاستفهام
مقدر لا بد من تقديره أو إن زنى أو سرق (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وإن) بحذف فعل الشرط
والاكتفاء بحرفه، وإنما ذكر من الكبائر هذين النوعين ولم
يقتصر على أحدهما لأن الذنب إما حق الله وهو الزنا أو حق
العباد وهو أخذ ما لهم بغير حق.
3223 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَلاَئِكَةُ
يَتَعَاقَبُونَ: مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ
بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ
وَالْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ كانوا
فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ- فَيَقُولُ:
كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَقَالُوا: تَرَكْنَاهُمْ
يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر عن النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الملائكة يتعاقبون) مبتدأ وخبر أي يأتي بعضهم عقب بعض
بحيث إذا نزلت طائفة منهم صدرت الأخرى (ملائكة بالليل
وملائكة بالنهار) بيان للتعاقب. وقال الأكثرون: هم حفظة
الكتاب، وقال في شرح المشكاة كرر ملائكة وأتي بها نكرة
دلالة على أن الثانية غير الأولى كقوله تعالى: {غدوّها شهر
ورواحها شهر} [سبأ: 12] (ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر)
ولأبي ذر
عن الكشميهني: وفي صلاة العصر واجتماعهم في هذين الوقتين
من كرم الله تعالى ولطفه بعباده ليكون شهادة لهم بما شهدوه
من الخير (ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم) فيه إن ملائكة
الليل لا يزالون حافظين العباد إلى الصبح وكذلك ملائكة
النهار إلى الليل ودليل لقول الأكثرين (فيسألهم)
(5/272)
ربهم (-وهو أعلم-) تعبدًا لهم كما تكتب
الأعمال وهو أعلم بالجميع (فيقول كيف تركتم؟) زاد أبو ذر
عبادي (فيقولون) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقالوا
(تركناهم يصلون، وأتيناهم يصلون). وفي نسخة وهم يصلون
والجملة حالية عليهما.
وسبق الحديث في فضل صلاة العصر من كتاب الصلاة.
7 - باب إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ "آمِينَ" وَالْمَلاَئِكَةُ
فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال أحدكم آمين
والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما) أي إحدى
الكلمتين (الأخرى) في وقت التأمين أو في الخشوع والإخلاص
(غفر له ما تقدم من ذنبه). وسقط آمين الثانية ولفظ باب
لأبي ذر وهو أولى لأنه يلزم من إثباته وجود ترجمة بغير
حديث وكون الأحاديث التالية لا تعلق لها به، فالظاهر أنه
بالسند السابق عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة ومن جملة ترجمة الملائكة، وقد ساق
الإسماعيلي حديث يتعاقبون الخ. ثم قال: وبهذا الإسناد إذا
قال أحدكم (آمين) فلو قال البخاري: وبهذا الإسناد أو وبه
لزال الإشكال.
3224 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ
مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: "حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا
نُمْرُقَةٌ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ النَّاسِ وَجَعَلَ
يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ؟ قُلْتُ: وِسَادَةٌ
جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا. قَالَ: أَمَا
عَلِمْتِ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ
صُورَةٌ؟ وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَقُولُ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا) ولأبي
ذر: حدّثنا (مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن
يزيد قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن
إسماعيل بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية
ابن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي القرشي المكي (أن
نافعًا حدثه أن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق
(حدّثه عن) عمته (عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: حشوت
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسادة) بكسر
الواو مخدة (فيها تماثيل) جمع تمثال أي صورة حيوان أو غيره
(كأنها نمرقة) بضم النون والراء بينهما ميم ساكنة وبالقاف
وسادة صغيرة (فجاء) عليه الصلاة والسلام (فقام بين
البابين) ولأبي ذر عن الحموي بين الناس (وجعل
يتغير وجهه فقلت: ما لنا يا رسول الله؟) أي ما الذي فعلناه
حتى تغير وجهك (قال):
(ما بال هذه الوسادة؟) أي ما شأنها فيها تماثيل (قالت):
ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني قلت (وسادة جعلتها لك
لتضطجع عليها. قال) عليه الصلاة والسلام: (أما علمت أن
الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) لكونها معصية فاحشة
وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وهؤلاء الملائكة غير الحفظة
لأنهم لا يفارقون المكلفين (وإن من صنع الصورة) الحيوانية
(يعذب يوم القيامة) فهو من الكبائر لهذا التوعد العظيم
(يقول): أي الله تعالى لهم استهزاء بهم وتعجيزًا لهم ولأبي
ذر فيقول (أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم).
3225 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ
ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا
طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَدْخُلُ
الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةُ
تَمَاثِيلَ». [الحديث 3225 - أطرافه في: 3226، 3322، 4002،
5949، 5958].
وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا
عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن
راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله بن
عبد الله) بتصغير الأول ابن عتبة بن مسعود (أنه سمع ابن
عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت أبا طلحة) زيد بن سهل
الأنصاري (يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(لا تدخل الملائكة) غير الحفظة (بيتًا فيه كلب) يحرم
اقتناؤه أو أعم قيل وامتناعهم من الدخول لأكله النجاسة
وقبح رائحته (ولا صورة تماثيل). من إضافة العام إلى الخاص.
قال النووي: الأظهر أن الحكم عام في كل كلب وكل صورة وأنهم
يمتنعون من الجميع لإطلاق الحديث ولأن الجرو الذي كان في
بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت السرير
كان له فيه عذر ظاهر لأنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل
من دخول البيت وعلله بالجرو.
(تنبيه):
قال الدارقطني: لم يذكر الأوزاعي ابن عباس في إسناده يعني
حيث روى هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله والقول قول من
أثبته قال: ورواه سالم أبو النضر عن عبيد الله بن عبد الله
نحو رواية الأوزاعي. قال الحافظ ابن حجر: هو عند الترمذي
والنسائي من طريق أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله قال:
دخلت على أبي طلحة نحوه، وأخرج النسائي رواية الأوزاعي
فأثبت ابن عباس تارة وأسقطه أخرى ورجح رواية من أثبته اهـ.
واختار ابن الصلاح الحكم للناقصة.
وهذا الحديث
(5/273)
أخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق والمغازي
واللباس ومسلم في اللباس والترمذي في الاستئذان والنسائي
في الصد وابن ماجه في اللباس.
3226 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ
أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ
حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ
زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ -رضي الله عنه-
حَدَّثَهُ -وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ
الْخَوْلاَنِيُّ الَّذِي كَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ
-رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- حَدَّثَهُمَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ
أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَدْخُلُ
الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ. قَالَ بُسْرٌ:
فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا
نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ
لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا
فِي التَّصَاوِيرِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: «إِلاَّ
رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ» أَلاَ سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ:
بَلَى قَدْ ذَكَرَهُ".
وبه قال: (حدّثنا أحمد) هو ابن صالح المصري كما جزم به أبو
نعيم قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرنا
عمرو) بفتح العين هو ابن الحرث المصري (أن بكير بن الأشج)
بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا والأشج بفتح الهمزة والشين
المعجمة وبالجيم المشددة (حدّثه أن بسر بن سعيد) بضم
الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين مولى الحضرمي من
أهل المدينة (حدّثه أن زيد بن خالد الجهني) الصحابيّ (-رضي
الله عنه- حدّثه ومع بسر بن سعيد) المذكور (عبيد الله) بضم
العين ابن الأسود (الخولاني الذي كان في حجر ميمونة -رضي
الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حدّثهما زيد بن خالد) الجهني (أن أبا طلحة) زيدًا (حدّثه
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا تدخل الملاتكة بيتًا فيه صورة) حيوانية أو غيرها (قال
بسر): المذكور (فمرض زيد بن خالد)، الجهني -رضي الله عنه-
(فعدناه، فإذا نحن في بيته بستر) بكسر السين (فيه تصاوير،
فقلت لعبيد الله الخولاني: ألم يحدّثنا) أي زيد بن خالد
(في التصاوير) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن الملائكة لا تدخل بيتًا تكون فيه (فقال)
عبيد الله الخولاني: (أنه) أي زيدًا (قال: إلاّ رقم) بفتح
الراء وسكون القاف إلا نقش ووشي (في ثوب ألا) بالتخفيف
(سمعته؟) استفهام (قلت: لا). لم أسمعه (قال: بلى) قد سمعته
(قد ذكره). أي الحديث ولأبي ذر ذكر بإسقاط ضمير المفعول
ومفهومه جواز ما كان رقمًا في ثوب والجمهور كما قاله
النووي على تحريم اتخاذ المصر فيه صورة حيوان مما يلبس ثوب
أو عمامة أو ستر معلق ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنًا، فإن
كان في بساط يداس ومخدة وسادة ونحوهما مما يمتهن فليس
بحرام لكن يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت، ولا فرق في
هذا كله بين ماله ظل وما لا ظل له. وقال بعض السلف: إنما
ينهي عما كان له ظل ولا بأس بالصورة التي ليس لها ظل وهذا
مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لا يشك فيه أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل. وقال
الزهري: النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي
فيه ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقمًا في ثوب أو
غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير
ممتهن عملاً بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة. قال
النووي: وهذا مذهب قوي اهـ.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف ومسلم وأبو داود في اللباس
والنسائي في الزينة.
3227 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عمَرو عَنْ
سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "وَعَدَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّا
لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلاَ كَلْبٌ".
[الحديث 3227 - طرفه في: 5960].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي
سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال:
حدّثني) بالإفراد أيضًا (عمرو) بفتح العين. قال في الفتح:
وظن بعضهم أنه ابن الحرث وهو خطأ لأنه لم يدرك سالمًا،
ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني: عمر بضم العين وهو ابن
محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو الصواب (عن
سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه (قال: وعد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل) أن ينزل
فلم ينزل فسأله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن السبب (فقال) جبريل عليه السلام:
(إنا) معاشر الملائكة (لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا كلب).
وأورد المؤلّف هذا الحديث هنا مختصرًا وأورده في اللباس
تامًّا وتأتي مباحثه فيه إن شاء الله تعالى بعون الله
وقوته.
3228 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا
لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ
الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح
الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث
بن هشام بن المغيرة (عن أبي صالح) عبد الله بن ذكوان (عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك
الحمد) بدون الواو وفي بعضها بالواو والأمران جائزان ولا
ترجيح لأحدهما على الآخر في مختار أصحابنا قيل: وفيه دليل
لمن قال: لا يزيد المأموم على ربنا لك الحمد
(5/274)
ولا يقول سمع الله لمن حمده. وأجيب: بأنّا
لا نسلم إنه لا دليل له إذ ليس فيه نفي الزيادة. ولئن
سلمنا فهو معارض بما ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جمع بينهما وثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وفي قوله: "سمع
الله لمن حمده" حال الارتفاع "وربنا لك الحمد" حال
الانتصاب التفات من الغيبة إلى الخطاب. (فإنه من وافق
قوله) بالحمد (قول الملائكة) به (غفر له ما تقدم من ذنبه).
وهذا نظير ما ثبت في التأمين.
وقد سبق هذا الحديث في صفة الصلاة في باب: فضل (اللهم ربنا
لك الحمد).
3229 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ
هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي
صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ،
وَالْمَلاَئِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ
وَارْحَمْهُ، مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلاَتِهِ أَوْ
يُحْدِثْ».
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالزاي قال:
(حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء آخره حاء مهملة مصغرًا
قال: (حدّثنا أبي) فليح بن سليمان وفليح لقبه واسمه عبد
الملك (عن هلال بن علي) العامري المدني (عن عبد الرحمن بن
أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري ولد في الزمن
النبوي قال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(أحدكم) ولغير أبي ذر: إن أحدكم (في صلاة ما دامت الصلاة
تحبسه والملائكة) ما دام في مصلاه (تقول: اللهم اغفر له
وارحمه) زاد في نسخة اللهم ارحمه والمغفرة ستر الذنوب
والرحمة إفاضة الإحسان عليه والملائكة جمع محلى باللام
فيفيد الاستغراق (ما لم يقم من) موضع (صلاته أو) ما لم
(يحدث). أي يتنقض وضوءه. قال ابن بطال: الحدث في المسجد
خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو
بركته.
وهذا الحديث قد سبق في باب: الحدث في المسجد وباب من جلس
في المسجد ينتظر الصلاة.
3230 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ:
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} قَالَ سُفْيَانُ: فِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ: وَنَادَوْا يَا مَالِ". [الحديث 3230 -
طرفاه في: 3266، 4819].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن
أبي رباح (عن صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي
أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقرأ على المنبر: {ونادوا يا مالك}) [الزخرف: 77] وهو اسم
خازن النار ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يا مال (قال
سفيان) بن عيينة (في قراءة عبد الله): هو ابن مسعود
(ونادوا يا مال) مرخم حذفت كافه واللام مكسورة ويجوز ضمها.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في صفة النار والتفسير ومسلم في
الصلاة وأبو داود والنسائي في الحروف وزاد النسائي في
التفسير.
3231 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: "أَنَّ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ
أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟
قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ
أَشَدُّ مَا لَقِيتُ
مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى
ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ
يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ , فَانْطَلَقْتُ. وَأَنَا
مَهْمُومٌ، عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ
وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي،
فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ
فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ
اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا
عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ مَلَكَ
الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ،
فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ،
إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ
مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ
شَيْئًا". [الحديث 3231 - طرفه في: 7389].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
ابن وهب) عبد الله (قال أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد
الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: حدّثني) بالإفراد
(عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط زوج النبي الخ
لأبي ذر (حدّثته أنها قالت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم) غزوة أحد؟
(قال) عليه الصلاة والسلام:
(لقد لقيت من قومك) قريش (ما لقيت وكان أشد) بالرفع ولأبي
ذر بالنصب (ما لقيت منهم يوم العقبة) التي بمنى. وأشد: خبر
كان واسمها عائد إلى مقدر وهو مفعول قوله لقد لقيت، ويوم
العقبة ظرف وكان المعنى: كان ما لقيت من قومك يوم العقبة
أشد ما لقيت منهم (إذ) أي حين (عرضت نفسي) في شوّال سنة
عشر من المبعث بعد موت أبي طالب وخديجة وتوجهه إلى الطائف
(على ابن عبد يا ليل) بتحتية وبعد الألف لام مكسورة فتحتية
ساكنة فلام (ابن عبد كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام وبعد
الألف لام أخرى واسمه كنانة وهو من أكابر أهل الطائف من
ثقيف، لكن الذي في السير أن الذي كلمه هو عبد يا ليل نفسه
لا ابنه، وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه وأنه
عبد يا ليل بن عمرو بن عمير بن عوف (فلم يجبني إلى ما
أردت). وعند موسى بن عقبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- توجه إلى الطائف رجاء أن يؤووه فعمد إلى ثلاثة
نفر من ثقيف وهم سادتهم وهم إخوة عبد يَالِيل وحبيب ومسعود
بنو عمرو، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم ما انتهك منه قومه
فردوا عليه أقبح ردّ ورضخوه بالحجارة حتى أدموا رجليه.
(فانطلقت وأنا مهموم على وجهي) أي الجهة المواجهة لي
(5/275)
وقال الطيبي: أي انطلقت حيران هائمًا لا
أدري أين أتوجه من شدة ذلك (فلم أستفق) مما أنا فيه من
الغم (إلاّ وأنا بقرن الثعالب) بالمثلثة جمع ثعلب الحيوان
المعروف وهو ميقات أهل نجد ويسمى قرن المنازل أيضًا وهو
بينه وبين مكة يوم وليلة (فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد
أظلتني فنظرت) إليها (فإذا فيها جبريل) عليه الصلاة
والسلام (فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما
ردّوا عليك وقد بعث إليك) ولأبي ذر عن الكشميهني وقد بعث
الله إليك (ملك الجبال) الذي سخرت له وبيده أمرها (لتأمره
بما شئت فيهم) قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا
محمد فقال ذلك) كما قال
جبريل أو كما سمعت منه (فيما) ولأبي ذر عن الكشميهني فما
(شئت) استفهام جزاؤه مقدر أي فعلت. وعند الطبراني عن مقدام
بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ المؤلّف فقال: يا محمد إن
الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فيما شئت
(إن شئت أن أطبق) بضم الهمزة وسكون الطاء وكسر الموحدة
(عليهم الأخشبين) بالخاء والشين المعجمتين جبلي مكة أبا
قبيس ومقابله قعيقعان، وقال الكرماني: ثور ووهموه وسميا
بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما (فقال) بالفاء ولأبي الوقت
قال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بل أرجو)
ولأبي ذر عن الكشميهني: أنا أرجو (أن يخرج الله) بضم الياء
من الإخراج (من أصلابهم من يعبد الله) أي يوحده وقوله:
{وحده لا يشرك به شيئًا} تفسيره وهذا من مزيد شفقته على
أمته وكثرة حلمه وصبره جزاه الله عنا ما هو أهله وصلّى
عليه وسلم.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في
المغازي والنسائي في البعوث.
3232 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ
حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ:
سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 9]. قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ
سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ". [الحديث 3232 - طرفاه في: 4856،
4857].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة)
الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا أبو إسحاق)
سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) الكوفي (قال: سألت
زرّ بن حبيش) بكسر الزاي وتشديد الراء وحبيش بضم الحاء
المهملة وفتح الموحدة وبعد التحتية معجمة مصغرًا الأسدي
(عن قول الله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى
عبده ما أوحى}) [النجم: 9] قال: (حدّثنا ابن مسعود أنه)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأى جبريل) عليه
الصلاة والسلام في صورته التي خلق عليها (له ستمائة جناح)
بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب.
وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في سورة النجم من
التفسير.
3233 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ
رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] قَالَ: "رَأَى رَفْرَفًا
أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ". [الحديث 3233 - طرفه
في: 4858].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن
علقمة) بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-)
في قوله عز وجل: ({لقد رأى من آيات ربه الكبرى} قال: رأى
رفرفًا) بساطًا (أخضر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خضرًا
بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين (سد أفق السماء) أي
أطرافها.
وعند النسائي والحاكم من حديث ابن مسعود: أبصر نبي الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل عليه السلام
على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. قال الخطابي:
الرفرف يحتمل أن يكون أجنحة جبريل عليه السلام بسطها كما
تبسط الثياب.
وهذا الحديث ذكره أيضًا في سورة النجم.
3234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَنْ زَعَمَ
أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ، وَلَكِنْ
قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقُهُ سَادًّا
مَا بَيْنَ الأُفُقِ". [الحديث 3234 - أطرافه في: 3235،
4612، 4855، 7380، 7531].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن إسماعيل) بن أبي
الثلج البغدادي قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى
بن عبد الله بن أنس بن مالك (الأنصاري) البصري (عن ابن
عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري قال:
(أنبأنا القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
(عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: من زعم أن محمدًا)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأى ربه) بعيني رأسه
يقظة (فقد أعظم). أي دخل في أمر عظيم أو المفعول محذوف.
وفي مسلم فقد أعظم على الله الفرية وهي بكسر الفاء وإسكان
الراء الكذب، والجمهور على ثبوت رؤيته عليه السلام لربه
بعيني رأسه ولا يقدح في ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- إذ
لم تخبره أنها سمعته عليه السلام يقول: لم أر ربي وإنما
ذكرت متأولة لقوله
(5/276)
تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا
وحيًا أو من وراء حجاب} [الشورى: 51] ولقوله تعالى: {لا
تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] (ولكن قد رأى جبريل في
صورته) في هيئته (وخلقه) بفتح الخاء وسكون اللام الذي خلق
عليه حال كونه (سادًّا ما بين الأفق) ولغير أبي ذر: وخلقه
سادّ برفعهما.
3235 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ
عَنِ ابْنِ الأَشْوَعِ عَنِ الشَّعْبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "قُلْتُ
لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها-: فَأَيْنَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ
دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
أَدْنَى}؟ قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي
صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ
فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ الأُفُقَ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
يوسف) هو البيكندي كما جزم به الجياني قال: (حدّثنا أبو
أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا زكريا بن أبي زائدة)
خالد الهمداني (عن ابن الأشوع) بفتح الهمزة وبعد الواو
المفتوحة عين مهملة هو سعيد بن عمرو بفتح العين ابن أشوع
ونسبه إلى جده (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو
ابن الأجدع أنه (قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها-) لما
أنكرت رؤيته عليه السلام لربه تعالى (فأين قوله) تعالى أي:
فما وجه قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو
أدنى} [النجم: 8] (قالت: ذاك جبريل)
أي ذاك الدنوّ إنما هو دنو جبريل (كان يأتيه في صورة
الرجل) دحية أو غيره (وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي
هي صورته) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وإنما أتى هذه
المرة في صورته التي هي صورته أي الحقيقية (فسدّ الأفق)
وكذا رآه عليه السلام مرة أخرى عند سدرة المنتهى على صورته
الحقيقية من غير تشكل، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى
في سورة النجم بحول الله وقوّته.
3236 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا
أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ
اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَقَالاَ: الَّذِي
يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَأَنَا
جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ».
وبه قال: (حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن حازم الأزدي البصري قال: (حدّثنا أبو
رجاء) عمران بن ملحان العطاردي البصري (عن سمرة) بن جندب
أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(رأيت الليلة) في المنام ورؤيا الأنبياء وحي (رجلين أتياني
قالا): ولأبي ذر عن الكشميهني: فقالا، وعن الحموي
والمستملي. فقال أي أحدهما (الذي يوقد النار مالك خازن
النار وأنا جبريل وهذا ميكائيل) ساقه هنا مختصرًا جدًّا.
وبتمامه في آخر الجنائز وفيه: أنهما أخرجاه إلى أرض مقدّسة
وأنه رأى رجلاً معه كلوب من حديد يدخله في شدق آخر يعني
فيشقه وآخر يشدخ رأس آخر بصخرة، ونهرًا من دم فيه رجل وآخر
قائم على شطه بين يديه حجارة فأقبل الذي في النهر فإذا
أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فردّه حيث كان، وروضة
خضراء فيها شجرة عظيمة في أصلها شيخ وصبيان ورجلاً قريبًا
من الشجرة بين يديه نار يوقدها وأنهما قالا له: إن الرجل
الذي يشق شدقه الكذاب والذي شدخ رأسه صاحب القرآن الذي
ينام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، والذي في النهر آكل
الربا، والشيخ الذي في أصل الشجرة إبراهيم الخليل عليه
السلام والصبيان أولاد الناس، والذي يوقد النار مالك خازن
النار.
3237 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ
عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ
امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ
عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ».
تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَأَبُو حَمْزَةَ وَابْنُ دَاوُدَ
وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث 3237 -
طرفاه في: 5193، 5194].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو
عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم)
بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) كناية عن الجماع (فأبت)
زاد في النكاح من طريق شعبة أن تجيء (فبات غضبان عليها
لعنتها الملائكة حتى تصبح). ظاهره كما قاله سيدي عبد الله
بن أبي
جمرة اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك ليلاً لقوله: حتى تصبح.
وكأن السر فيه تأكد ذلك الشأن في الليل وقوّة الباعث إليه
ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار وإنما خص
الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك.
(تابعه) أي تابع أبا عوانة (شعبة) بن الحجاج فيما وصله في
النكاح (وأبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون
اليشكري، قال في المقدمة: متابعة أبي حمزة لم أرها (وابن
داود) عبد الله الخريبي بالخاء المعجمة المضمومة والراء
المفتوحة وبعد التحتية الساكنة موحدة مصغرًا فيما وصله
مسدد في مسنده الكبير (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء
والزاي المعجمتين فيما وصله مسلم والنسائي الخمسة (عن
الأعمش) وسقط في الفرع شعبة وثبت في غيره وشرح عليه العيني
كالفتح.
3238 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ
فَتْرَةً، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ
السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا
الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى
كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجِئْتُ مِنْهُ
حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجئتُ أَهْلِي فَقُلْتُ:
زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِر} إِلَى
قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ:
وَالرِّجْزُ الأَوْثَانُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن
(5/277)
يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا الليث) بن سعد
الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين مصغرًا
ابن خالد بن عقيل بفتح العين وكسر القاف (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (قال: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد الله)
الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(ثم فتر عني الوحي) أي احتبس (فترة) طويلة مدتها ثلاث سنين
(فبينا) بغير ميم (أنا أمشي) وجواب بينا قوله (سمعت صوتًا
من السماء فرفعت بصري قبل السماء) بكسر القاف وفتح الموحدة
جهتها (فإذا الملك الذي جاءني) ولأبي ذر: قد جاءني (بحراء)
وهو جبريل وحراء بالصرف وعدمه (قاعد على كرسي بين السماء
والأرض) وسقط لغير أبي ذر لفظة قاعد (فجئثت) بجيم مضمومة
فهمزة مكسورة فمثلثة ساكنة ففوقية أي رعبت (منه حتى هويت)
سقطت (إلى الأرض) بكسر الواو وللحموي والمستملي فجئثت
بمثلثتين من غير همز أي سقطت (فجئت أهلي) لذلك (فقلت لهم
زملوني زملوني) مرتين (فأنزل الله تعالى {يا أيها المدثر}
[المدثر: 1] إلى قوله) عز وجل: ({والرجز فاهجر}) [المدثر:
5] وسقط لغير أبي ذر قوله (والرجز) وزاد أبو ذر: ({قم
فأنذر}).
(قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن (والرجز الأوثان) جمع وثن ما
له جثة من خشب أو حجارة أو غيرهما.
3239 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ لِي
خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ
حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يَعْنِي ابْنَ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلاً آدَمَ طُوَالاً جَعْدًا
كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى
رَجُلاً مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى
الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ
مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ
أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ
مِنْ لِقَائِهِ. قَالَ أَنَسٌ وَأَبُو بَكْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَحْرُسُ
الْمَلاَئِكَةُ الْمَدِينَةَ مِنَ الدَّجَّالِ». [الحديث
3239 - طرفه في: 3396].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة
أبو بكر بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر
البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة.
قال البخاري (وقال لي خليفة) بن خياط (حدّثنا يزيد بن
زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة واللفظ له (عن
قتادة عن أبي العالية) رفيع الرياحي البصري أنه قال:
(حدّثنا ابن عم نبيكم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(رأيت ليلة أسري بي) إلى المسجد الأقصى (موسى) عليه السلام
(رجلاً أدم) بقصر الهمزة أسمر والذي في اليونينية بمدّ
الهمزة فقط (طوالاً) بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو
(جعدًا) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ليس بسبط (كأنه من
رجال شنوءة) أي في طوله وسمرته وشنوءة بفتح الشين المعجمة
وبعد النون المضمومة همزة مفتوحة فهاء تأنيث قبيلة من
قحطان، (ورأيت عيسى) ابن مريم (رجلاً مربوعًا) لا طويلاً
ولا قصيرًا (مربوع الخلق) بفتح الخاء معتدله حال كونه
مائلاً لونه (إلى الحمرة والبياض) فلم يكن شديدهما (سبط
الرأس) بفتح السين وسكون الموحدة وكسرها وفتحها مسترسل
الشعر، (ورأيت مالكًا خازن النار والدجال) الأعور (في)
جملة (آيات) أخر (أراهن الله إياه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولعله أراد قوله تعالى {لقد رأى من
آيات ربه الكبرى} [النجم: 18] وحينئذٍ فيكون في الكلام
التفات حيث وضع إياه موضع إياي أو الراوي نقل معنى ما تلفظ
به (فلا تكن في مرية) شك (من لقائه). يعني موسى فيكون كما
في الكشاف ذكر عيسى وما يتبعه من الآيات مستطردًّا لذكر
موسى وإنما قطعه عن متعلقه وأخره ليشمل معناه الآيات على
سبيل التبعية والإدماج، أي لا تكن يا محمد في رؤية ما رأيت
من الآيات في شك، فعلى هذا الخطاب في قوله: فلا تكن للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكلام كله متصل ليس
فيه تغيير من الراوي إلا لفظة إياه وقيل قوله: أراهن الله
الخ من كلام الراوي أدرجه بالحديث دفعًا لاستبعاد السامعين
وإماطة لما عسى أن يختلج في صدورهم، وقال الظهري: الخطاب
في فلا تكن خطاب عام لمن سمع هذا الحديث إلى يوم القيامة
والضمير في لقائه عائد إلى الدجال أي إذا كان خروجه
موعودًا فلا تكن في شك من لقائه ذكره في شرح المشكاة.
(قال أنس) -رضي الله عنه- فيما وصله المؤلّف في باب لا
يدخل المدينة الدجال من أواخر الحج (وأبو بكرة) نفيع فيما
وصله في الفتن كلاهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: تحرس الملائكة المدينة من الدجال). أن يدخلها.
(5/278)
8 - باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ
وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ
(باب ما جاء) من الأخبار (في صفة الجنة وأنها مخلوقة)
وموجودة الآن.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مُطَهَّرَةٌ}: مِنَ الْحَيْضِ
وَالْبَوْلِ وَالبُصَاق. {كُلَّمَا رُزِقُوا}: أُتُوا
بِشَىْءٍ، ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ. {قَالُوا هَذَا الَّذِي
رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}: أوتينا مِنْ قَبْلُ. {وَأُتُوا
بِهِ مُتَشَابِهًا}: يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا
وَيَخْتَلِفُ فِي الطعم. {قُطُوفُهَا}: يَقْطِفُونَ كَيْفَ
شَاءُوا {دَانِيَةٌ}: قَرِيبَةٌ. {الأَرَائِكُ}:
السُّرُرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي
الْوُجُوهِ، وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {سَلْسَبِيلاً}: حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ.
{غَوْلٌ}: وَجَعُ الْبَطْنِ. {يُنْزَفُونَ}: لاَ تَذْهَبُ
عُقُولُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {دِهَاقًا}:
مُمْتَلِئًا. {كَوَاعِبَ}: نَوَاهِدَ. {الرَّحِيقُ}:
الْخَمْرُ. {التَّسْنِيمُ}: يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ. {خِتَامُهُ}: طِينُهُ. {مِسْكٌ}
{نَضَّاخَتَانِ}: فَيَّاضَتَانِ. يُقَالُ: {مَوْضُونَةٌ}
مَنْسُوجَةٌ، مِنْهُ "وَضِينُ النَّاقَةِ". وَ"الْكُوبُ"
مَالاَ أُذُنَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ، وَ"الأَبَارِيقُ"
ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَا. {عُرُبًا}: مُثَقَّلَةً،
وَاحِدُهَا عَرُوبٌ، مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا
أَهْلُ مَكَّةَ "الْعَرِبَةَ" وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ
"الْغَنِجَةَ" وَأَهْلُ الْعِرَاقِ "الشَّكِلَةَ". وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: {رَوْحٌ}: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ.
{وَالرَّيْحَانُ}: الرِّزْقُ. وَ {الْمَنْضُودُ}:
الْمَوْزُ، وَ {الْمَخْضُودُ}: الْمُوقَرُ حَمْلاً،
وَيُقَالُ أَيْضًا: لاَ شَوْكَ لَهُ. وَالْعُرُبُ:
الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. وَيُقَالُ:
{مَسْكُوبٌ} جَارٍ. وَ {فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}: بَعْضُهَا
فَوْقَ بَعْضٍ. {لَغْوًا}: بَاطِلاً. {تَأْثِيمًا}:
كَذِبًا. {أَفْنَانٌ} أَغْصَانٌ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ
دَانٍ}: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. {مُدْهَامَّتَانِ}:
سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ.
(قال أبو العالية) رفيع الرياحي مما وصله ابن أبي حاتم
({مطهرة}) [النساء: 57] من قوله تعالى: {ولهم فيها أزواج
مطهرة} أي (من الحيض والبول والبزاق) بالزاي ولأبي ذر
والبصاق بالصاد وزاد ابن أبي حاتم ومن المني والولد ({كلما
رزقوا}) [البقرة: 25] أي (أتوا بشيء ثم أتوا بآخر) غيره
(قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل) أي (أتينا من قبل) فيقال
لهم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف أو المراد بالقبلية
ما كان في الدنيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أوتينا
بواو بعد الهمزة بمعنى الأعطاء وصوبه السفاقسي والأول
بمعنى المجيء (وأتوا به متشابهًا يشبه بعضه بعضًا) في
اللون (ويختلف في الطعوم) ولأبي ذر في الطعم بالإفراد. قال
ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء رواه
ابن جرير.
({قطوفها}) أي (يقطفون) بكسر الطاء (كيف شاؤوا) رواه عبد
بن حميد من طريق إسرائيل
عن أبي إسحاق عن البراء ({دانية}) [الحاقة: 23] أي (قريبة)
قال الكرماني فإن قلت: كيف فسر القطوف بيقطفون؟ قلت: جعل
قطوفها دانية جملة حالية وأخذ لازمها.
({الأرائك}) [المطففين: 23] هي (السرر) زاد ابن عباس في
الحجال. (وقال الحسن): البصري أي في قوله تعالى: {ولقاهم
نضرة وسرورًا} (النضرة في الوجوه، والسرور في القلب) رواه
عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عنه.
(وقال مجاهد {سلسبيلا}) [الإنسان: 18] في قوله تعالى:
{عينًا فيها تسمى سلسبيلا} [الإنسان: 18] (حديدة الجرية)
بفتح الحاء وبدالين مهملات أي قوية الجرية. وروي عن مجاهد
أيضًا قال: تجري شبيه السيل أي في قوة الجري وعن عكرمة
فيما رواه ابن أبي حاتم السلسبيل اسم العين. ({غول}) أي
(وجع البطن) ولأبي ذر: بطن ({ينزفون}) [الصافات: 47] أي
(لا تذهب عقولهم). بل هي ثابتة مع اللذة والطرب. (وقال ابن
عباس: ({دهاقًا) أي (ممتلئًا) وصله عبد بن حميد من طريق
عكرمة عنه.
({كواعب}) [النبأ: 33 - 34] قال ابن عباس أي (نواهد). جمع
ناهد وهي التي بدا ثديها وهذا وصله ابن أبي حاتم.
({الرحيق}) [المطففين: 25] هو (الخمر). وصله ابن جرير من
طريق علي بن أبي طلحة. ({التسنيم}) [المطففين: 27] أي شيء
(يعلو شراب أهل الجنة).
وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
وزاد وهو صرف للمقربين ويمزج لأصحاب اليمين. ({ختامه})
[المطففين: 26] أي (طينه مسك) وصله ابن أبي حاتم من طريق
مجاهد وعن أبي الدرداء فيما رواه ابن جرير قال: شراب أبيض
مثل الفضة يختمون به شرابهم، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا
أدخل إصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها،
وقيل: المراد بالختام ما يبقى في أسفل الشراب من الثقل
وهذا يدل على أن أنهارها تجري على المسك ولذلك يرسب منه في
الإناء في آخر الشراب كما يرسب الطين في آنية الدنيا.
({نضاختان}) [الرحمن: 66] أي (فياضتان). وصله ابن أبي حاتم
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يقال {موضونة}
[الواقعة: 15] منسوجة) بالجيم (منه وضين الناقة). وهو
كالحزام للسرج فعيل بمعنى مفعول لأنه مضفور، وقال السدي:
مرمولة بالذهب واللؤلؤ، وقال عكرمة: مشبكة بالدر والياقوت.
(والكوب) بضم الكاف من الكيزان (ما لا أذن له ولا عروة،
والأباريق ذوات الأذان والعرى) ولأبي ذر ذات بغير واو
({عربًا} [الواقعة: 37] مثقلة) أي مضمومة الراء (واحدها
عروب مثل صبور وصبر)، وزنا (يسميها أهل مكة العربة) بفتح
العين وكسر الراء وفتح الموحدة وعند الطبري من طريق تميم
بن حذلم العربة الحسنة التبعل كانت العرب تقول إذا كانت
المرأة حسنة التبعل أنها العربة (و) يسميها (أهل المدينة
الغنجة) بالغين المعجمة المفتوحة والنون المكسورة والجيم
المفتوحة وعند ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم
قال: هي الحسنة الكلام (و) يسميها (أهل العراق الشكلة)
بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف وعن ابن عباس العرب العواشق
لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون.
(وقال مجاهد {روح} جنة ورخاء {والريحان} [الواقعة: 89]
(الرزق) أخرجه البيهقي في شعبه ({والمضود}) [الواقعة: 29]
هو (الموز) رواه ابن أبي حاتم عن أبي
(5/279)
سعيد ({والمخضود}) [الواقعة: 28] هو
(الموقر حملاً)، بفتح قاف الموقر وحاء حملاً (ويقال أيضًا)
المخضود الذي (لا شوك له). وقال مجاهد منضود متراكم الثمر
يذكر بذلك قريشًا لأنهم كانوا يعجبون من وج وظلاله من طلح
وسدر. وقال السدي: منضود مصفوف، وروى ابن أبي حاتم من حديث
الحسن بن سعد عن شيخ من همدان قال: سمعت عليًّا يقول في
طلح منضود قال: طلع منضود. قال ابن كثير: فعلى هذا يكون من
وصف السدر وكأنه وصفه بأنه مخضود وهو الذي لا شكو له وأن
طلعه منضود وهو كثرة ثمره.
((والعُربُ}) [الواقعة: 37] بضم العين والراء، ولأبي ذر:
والعرب بسكون الراء (المحببات إلى أزواجهن) رواه ابن أبي
حاتم عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير. (ويقال {مسكوب})
[الواقعة: 31] أي (جار) و ({فرش مرفوعة} [الواقعة: 34]) أي
(بعضها فوق بعض) وصله الفريابي عن مجاهد وقيل العالية وذكر
أن ارتفاعها مسيرة خمسمائة عام، وقيل: هي النساء لأن
المرأة يكنى عنها بالفراش. ({لغوّا}) أي (باطلاً)
({تأثيمًا}) [الواقعة: 25] أي (كذبًا) وصله الفريابي عن
مجاهد ({أفنان}) [الرحمن: 48] أي (أغصان {وجنى الجنتين
دان}) [الرحمن: 54] أي (ما يجتنى قريب) وصله الطبري عن
مجاهد ({مدهامتان}) أي (سوداوان من الري). وصله الفريابي
عن مجاهد.
3240 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا
مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي ونسبه
لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث بن سعد)
الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي
الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) أي
فيهما بأن يحيا منه جزء ليدرك ذلك أو العرض على الروح فقط
(فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة)، أي فالمعروض عليه
من مقاعد أهل الجنة فحذف المبتدأ والمضاف المجرور بمن
وأقام المضاف إليه مقامه وحينئذٍ فالشرط والجزاء متغايران
لا متحدان (وإن كان من أهل النار فمن أهل النار). أي
فمقعده من مقاعد أهلها يعرض عليه.
وهذا الحديث سبق في باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة
والعشي من الجنائز.
3241 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ
بْنُ زَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ
أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي
النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ».
[الحديث 3241 - أطرافه في: 5198، 6449، 6546].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا سلم بن زرير) بفتح السين المهملة وسكون اللام
وزرير بفتح الزاي وكسر الراء وبعد التحتية الساكنة راء
أخرى العطاردي البصري قال: (حدّثنا أبو رجاء) بالجيم عمران
بن ملحان العطاردي البصري (عن عمران بن حصين) بضم الحاء
وفتح الصاد المهملتين -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(اطلعت في الجنة) بتشديد الطاء أي أشرفت ليلة الإسراء أو
في المنام لا في صلاة الكسوف (فرأيت أكثر أهلها الفقراء،
واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء) أي لما يغلب
عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن
الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن قاله القرطبي. وقال
المهلب: لكفرهن العشير.
وموضع الترجمة قوله اطلعت في الجنة لدلالته على وجودها
حالة إطلاعه، والحديث أخرجه أيضًا في الرقاق والنكاح
والترمذي في صفة جهنم والنسائي في عشرة النساء والرقاق.
3242 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ
النَبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ
قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ،
فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ،
فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ
مُدْبِرًا. فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ"؟. [الحديث 3242 - أطرافه في: 3680،
5227، 7023، 7025].
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم
العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه
(قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي
الله عنه- قال: بينا) بغير ميم (نحن عند رسول الله) ولأبوي
الوقت وذر عند النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إذ قال):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (في
الجنة) ورؤيا الأنبياء حق (فإذا امرأة) هي أم سليم (تتوضأ)
وضوءًا شرعيًّا فيؤوّل بكونها محافظة في الدنيا على
العبادة أو لغويًّا لتزداد وضاءة وحسنًا لا لتزيل وسخًا
لتنزيه الجنة عنه (إلى جانب قصر) زاد الترمذي من حديث أنس
من ذهب (فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا): يحتمل أنه جبريل
ومن معه (لعمر بن الخطاب) زاد في
النكاح فأردت أن أدخله (فذكرت غيرته) بفتح الغين
(5/280)
المعجمة (فوليت مدبرًا فبكى عمر) لما سمع
ذلك سرورًا به أو تشوّقًا إليه (وقال) عمر -رضي الله عنه-:
(أعليك أغار يا رسول الله) هذا من القلب والأصل أعليها
أغار منك.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في مناقب عمر -رضي الله عنه-.
3243 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْمَةُ
دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاَثُونَ
مِيلاً فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ
لاَ يَرَاهُمُ الآخَرُونَ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: "سِتُّونَ مِيلاً". [الحديث 3243 -
طرفه في: 4879].
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون
الأنماطي السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا همام) بفتح
الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن حبان البصري (قال:
سمعت أبا عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بجيم مفتوحة
فواو ساكنة فنون مكسورة فتحتية (يحدث عن أبي بكر بن عبد
الله بن قيس الأشعري عن أبيه) عبد الله أبي موسى الأشعري
(أن النبي) ولأبي ذر: عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(الخيمة) هي بيت مربع من بيوت الأعراب (درة مجوفة) بفتح
الواو المشددة (طولها في السماء ثلاثون ميلاً) الميل ثلاث
فرسخ، وللسرخسي والمستملي: در مجوف طوله بالتذكير في
الثلاثة على معنى الخيمة وهو الشيء الساتر (في كل زاوية
منها) أي من الخيمة (للمؤمن أهل) ولأبي ذر عن الحموي
والكشميهني: من أهل (لا يراهم الآخرون). وهذا الحديث أخرجه
في تفسير سورة الرحمن ومسلم والترمذي في صفة الجنة
والنسائي في التفسير.
(قال أبو عبد الصمد) عبد العزيز بن عبد الصمد العمي فيما
وصله في سورة الرحمن (والحرث بن عبيد) بضم العين مصغرًا من
غير إضافة لشيء ابن قدامة الأيادي بفتح الهمزة وتخفيف
التحتية فيما وصله مسلم كلاهما (عن أبي عمران) الجوني
(ستون ميلاً). لكن الذي في الرحمن بلفظ عرضها فليتأمل.
3244 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ اللَّهُ:
أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ
رَأَتْ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ
بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلاَ تَعْلَمُ
نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ".
[الحديث 3244 - أطرافه 4779، 4780، 7498].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال:
(حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد
الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قال الله) عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين) في الجنة (ما
لا عين رأت ولا أذن سمعت) بتنوين عين وأذن والذي في
اليونينية بفتحهما (ولا خطر على قلب بشر) في قوله: أعددت
دليل على أن الجنة مخلوقة، وقول الطيبي: إن تخصيص البشر
لأنهم الذين ينتفعون بما أعدّ لهم ويهتمون بشأنه بخلاف
الملائكة معارض بما زاده ابن مسعود في حديثه المروي عند
ابن أبي حاتم ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل (فاقرؤوا إن
شئتم) هو قول أبي هريرة كما في سورة السجدة ({فلا تعلم نفس
ما أخفي لهم من قرة أعين}) (السجدة: 17] قال الزمخشري: لا
تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي
مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادّخره لأولئك وأخفاه عن جميع
خلائقه لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم ولا مزيد على
هذه العدة ولا مطمح وراءها اهـ.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في سورة السجدة وكذا
الترمذي.
3245 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ
صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،
لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ
يَتَغَوَّطُونَ. آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ،
أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،
وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ.
وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ
سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ. لاَ
اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ
قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً
وَعَشِيًّا». [الحديث 3245 - أطرافه في: 3246، 3254،
3327].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد البصري الأزدي (عن همام بن منبه) بكسر
الموحدة المشدّدة الصنعاني أخي وهب (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أوّل زمرة) أي جماعة (تلج الجنة) تدخلها (صورتهم على صورة
القمر ليلة البدر) في الإضاءة والحسن (لا يبصقون) بالصاد
(فيها) أي في الجنة (ولا يمتخطون ولا يتغوّطون) زاد جابر
في حديثه المروي في مسلم طعامهم ذلك جشاء كريح المسك وزاد
المؤلّف في صفة آدم ولا يبولون، وفي الرواية الثانية لا
يسقمون ففيه سلب صفات النقص عنهم (آنيتهم فيها) أي في
الجنة (الذهب) زاد في الثانية: والفضة (أمشاطهم من الذهب
والفضة) يمتشطون بها لا لاتساخ شعورهم بل للتلذذ
(ومجامرهم) بفتح الميم الأولى (الألوّة) بفتح الهمزة وتضم
وبضم اللام وتشديد الواو، وحكي كسر الهمزة وتخفيف الواو
وفى اليونينية وتسكن اللام.
قال الأصمعي: أراها فارسية عربت العود الهندي الذي يتبخر
به أو المراد
(5/281)
عود مجامرهم الألوة، ويؤيده الرواية الآتية
قريبًا إن شاء الله تعالى وقود مجامرهم الألوة لأن المراد
الجمر الذي يطرح عليه واستشكل بأن العود إنما يفوح ريحه
بوضعه في النار والجنة لا نار فيها. وأجيب: باحتمال أن
يكون في الجنة نار لا تسلط لها على الاحراق إلا إحراق ما
يتبخر به خاصة ولم يخلق الله فيها قوة يتأذى بها من يمسها
أصلاً أو يستعمل العود بغير نار وإنما سميت مجمرة باعتبار
ما كان في الأصل أو يفوح بغير استعمال.
(ورشحهم المسك) أي عرقهم كالمسك في طيب ريحه (ولكل واحد
منهم زوجتان) من نساء الدنيا والتثنية بالنظر إلى أن أقل
ما لكل واحد منهم زوجتان، وقيل بالنظر إلى قوله تعالى:
{جنتان} و {عينان} فليتأمل. ويأتي قريبًا إن شاء الله
تعالى من طريق عبد الرحمن بن عمرة عن أبي هريرة: لكل امرئ
زوجتان من الحور العين.
وعند الفريابي عن أبي أمامة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا
ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة اثنتين من الحور وسبعين من أهل
ميراثه من أهل الدنيا ليس منهن امرأة إلا لها قُبُل شهيّ
وله ذكر لا ينثني" وفيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن
الدمشقي، وهاه ابن معين وقال: ليس بشيء. وقال النسائي ثقة.
وقال الدارقطني: ضعيف. وذكر له ابن عدي هذا الحديث مما
أنكر عليه.
وعند أبي نعيم عن أنس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "للمؤمن في الجنة ثلاث وسبعون زوجة"
فقلنا يا رسول الله أوله قوة ذلك؟ قال: "إنه ليعطى قوة
مائة". وفيه أحمد بن حفص السعدي له مناكير والحجاج بن
أرطأة.
قال ابن القيم: والأحاديث الصحيحة إنما فيها أن لكل منهم
زوجتين وليس في الصحيح زيادة على ذلك، فإن كانت هذه
الأحاديث محفوظة فإما أن يراد بها ما لكل واحد من السراري
زيادة على الزوجتين، وإما أن يراد أنه يعطى قوّة من يجامع
هذا العدد ويكون هذا هو المحفوظ فرواه بعض هؤلاء بالمعنى
فقال: له كذا وكذا زوجة، ويحتمل أن يكون تفاوتهم في عدد
النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات. قال: ولا ريب أن للمؤمن
في الجنة أكثر من اثنتين لما في الصحيحين من حديث أبي
عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. "إن
للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلاً
للعبد المؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضًا"
وقوله: زوجتان بتاء التأنيث قد تكررت في الحديث والأشهر
تركها وأنكرها الأصمعي فذكر له قول الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... لساع إلى أسد الشرى
يستنيلها
فسكت ولم يحر جوابًا.
(يرى) بضم أوله مبنيًا للمفعول (مخ سوقهما) بضم الميم
وتشديد الخاء المعجمة والرفع مفعولاً ناب عن فاعله ما في
داخل العظم (من وراء اللحم) والجلد (من الحسن) والصفاء
البالغ ورقة البشرة ونعومة الأعضاء. وفي حديث أبي سعيد
المروي عند أحمد ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة. وفي
حديث ابن مسعود عند ابن حبان في صحيحه مرفوعًا: "إن المرأة
من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى
يرى مخها" وذلك أن الله تعالى يقول: {كأنهن الياقوت
والمرجان} [الرحمن: 58] فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت
فيه سلكًا ثم استصفيته لرأيته من ورائه، ولأبي ذر: يرى
مبنيًّا للفاعل مخ سوقهما بنصب مخ على المفعولية (لا
اختلاف بينهم) بين أهل الجنة (ولا تباغض) لصفاء قلوبهم
ونظافتها من الكدورات (قلوبهم قلب واحد)، أي كقلب واحد،
ولأبي ذر عن الكشميهني: قلب رجل واحد (يسبحون الله)
متلذذين به لا متعبدين (بكرة وعشيًّا) نصب على الظرفية أي
مقدارهما يعلمون ذلك قيل بستارة تحت العرش إذا نشرت يكون
النهار لو كانوا في الدنيا، وإذا طويت يكون الليل لو كانوا
فيها أو المراد الديمومة كما تقول العرب: أنا عند فلان
صباحًا ومساء لا بقصد الوقتين المعلومين بل الديمومة قاله
في شرح المشكاة. وفي حديث
(5/282)
جابر عند مسلم يلهمون التسبيح والتكبير كما
تلهمون النفس وحينئذٍ فلا كلفة عليهم في ذلك وذلك لأن
قلوبهم تنورت بمعرفة ربهم تعالى وامتلأت بحبه.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في صفة الجنة أيضًا.
3246 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ
تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ
كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ
وَاحِدٍ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ،
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ: كُلُّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا
مِنَ الْحُسْنِ. يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً
وَعَشِيًّا. لاَ يَسْقَمُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ
يَبْصُقُونَ. آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ،
وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجَامِرِهِمُ
الأُلُوَّةُ -قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: يَعْنِي الْعُودَ-
وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ».
قَالَ مُجَاهِدٌ: الإِبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ،
وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ إلى أَنْ -أَرَاهُ-
تَغْرُبَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(أول زمرة) جماعة (تدخل الجنة على صورة القمر) في الإضاءة
والحسن (ليلة البدر والذين) يدخلون الجنة (على إثرهم) بكسر
الهمزة وسكون المثلثة، ولأبي ذر: أثرهم بفتحهما أي عقبهم
أي بعدهم (كأشد كوكب إضاءة) بأفراد المضاف إليه ليفيد
الاستغراق في هذا النوع من الكواكب يعني
إذا انقضت كوكبًا كوكبًا رأيتهم كأشده إضاءة قاله في شرح
المشكاة (قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا
تباغض) تفسير لقوله قلوبهم على قلب رجل واحد.
(لكل امرء منهم زوجتان). وفي حديث أبي هريرة عند أحمد
مرفوعًا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وإن له من الحور
لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا. ولمسلم من حديث
أبي سعيد في صفة الأدنى أيضًا ثم تدخل عليه زوجتاه (كل
واحدة منهما يرى مخ ساقها) ولأبي ذر يرى مبنيًّا للفاعل مخ
ساقها (من وراء اللحم من الحسن) تتميم صونًا من توهم ما
يتصوّر في تلك الرؤية مما ينفر عنه الطبع (يسبحون الله)
متلذذين بالتسبيح (بكرة وعشيًّا) أي في مقدارهما إذ لا
بكرة ثمة ولا عشية إذ لا طلوع ولا غروب (لا يسقمون) إذ هي
دار صحة لا سقم (ولا يمتخطون ولا يبصقون) لكمالهم فليس لهم
فضلة تستقذر (آنيتهم الذهب والفضة) في الطبراني بإسناد قوي
من حديث أنس مرفوعًا إن أدنى أهل الجنة لمن يقوم على رأسه
عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى
من فضة. (وأمشاطهم الذهب) وفي الأولى من الذهب والفضة
(وقود مجامرهم الألوة) بفتح الهمزة وضم اللام وبضم فسكون
وتشديد الواو ولأبي ذر: ووقود بزيادة واو العطف. (قال أبو
اليمان) الحكم بن نافع (يعني) بالألوة (العود) الذي يتبخر
به (ورشحهم المسك).
(وقال مجاهد) فيما وصله الطبري (الإبكار) بكسر الهمزة (أول
الفجر، والعشي ميل الشمس أن تراه) ولأبي ذر: إلى أن أراه
بضم الهمزة أي أظنه (تغرب). الشمس.
3247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ
عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله
عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا
-أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ- لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ
حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وَجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ». [الحديث 3247 - طرفاه في:
6543، 6554].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بضم الميم وفتح
القاف والدال المشددة قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان)
النميري بالنون المضمومة مصغرًا (عن أبي حازم) سلمة بن
دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(ليدخلن من أمتي) الجنة (سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف) زاد
في الرقاق من طريق سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي
حازم شك في أحدهما ولمسلم من طريق عبد العزيز بن محمد عن
أبي حازم لا يدري أبو حازم أيهما.
وفي حديث ابن عباس في الرقاق وصفهم بأنهم كانوا لا يكتوون
ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون.
وفي حديث أبي أمامة عند الترمذي مرفوعًا "وعدني ربي أن
يدخل من أمتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عقاب مع كل
ألف سبعون ألفًا وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل" والمراد
بالمعية في قوله: مع كل ألف سبعون ألفًا مجرد دخولهم الجنة
بغير حساب وإن دخلوها في الزمرة الثانية أو التي بعدها.
وفي حديث جابر عند الحاكم والبيهقي في البعث مرفوعًا "من
زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب،
ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابًا يسيرًا،
ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب".
وفي التقييد بقوله أمتي إخراج غير الأمة المحمدية من العدد
المذكور. فإن قلت: هذا معارض بحديث أبي برزة الأسلمي
(5/283)
مرفوعًا عند مسلم "لا تزول قدما عبد يوم
القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيمَ أفناه وعن جسده
فيمَ أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه
وفيمَ أنفقه" إذ هو عام لأنه نكرة في سياق النفي. أجيب:
بأنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب ومن يدخل النار من
أول وهلة وزاد في رواية أبي غسان متماسكين آخذًا بعضهم
ببعض.
(لا يدخل أولهم) الجنة (حتى يدخل آخرهم) بأن يدخلوا صفًا
واحدًا دفعة واحدة (وجوههم على صورة القمر ليلة البدر) ليس
فيه نفي دخول أحد من هذه الأمة المحمدية على الصفة
المذكورة من الشبه بالقمر والجملة حالية بدون الواو.
3248 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ
-رضي الله عنه- قَالَ: "أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ
يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا،
فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ،
لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ
مِنْ هَذَا".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال:
(حدّثنا يونس بن محمد) المؤدب البغدادي قال: (حدّثنا
شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن قتادة) بن دعامة أنه
(قال: حدّثنا أنس -رضي الله عنه- قال: أهدي) بضم الهمزة
(للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبة سندس)
برفع جبة نائبًا عن الفاعل، والسندس: ما رق من الديباج وهو
ما ثخن وغلظ من ثياب الحرير وكان الذي أهداها أكيدر دومة
(وكان) عليه الصلاة والسلام (ينهى عن) استعمال (الحرير
فعجب الناس منها) أي من الجبة زاد في اللباس فقال: أتعجبون
من هذا؟ قلنا: نعم (فقال):
(والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن
من هذا). الثوب.
3249 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ
قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما-
قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا
يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ
مِنْ هَذَا". [الحديث 3249 - أطرافه في: 3802، 5836،
6640].
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى
بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن عيينة أنه قال: (حدّثني)
بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي
(قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: أتي رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثوب من حرير
فجعلوا) يعني الصحابة (يعجبون من حسنه ولينه فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا) قال الخطابي:
إنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل
تبتذل في أنواع من المرافق فيمسح بها الأيدي وينفض بها
الغبار عن البدن، ويغطى بها ما يهدى في الأطباق، وتتخذ
لفافًا للثياب فصار سبيلها سبيل الخادم وسبيل سائر الثياب
سبيل المخدوم، فإذا كان أدناها هكذا فما ظنك بعليتها؟.
3250 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي
الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج (عن
سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها) لأن نعيم
الجنة دائم لا انقضاء له مع ما اشتمل عليه من البهجة التي
يعجز الوصف عنها وخص السوط بالذكر. قال التوربشتي: لأن من
شأن الراكب إذا أراد النزول في منزل أن يلقي سوطه قبل أن
يترك معلمًا بذلك المكان الذي يريده لئلا يسبقه إليه أحد.
3251 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ
الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا».
وبه قال: (حدّثنا روح بن عبد المؤمن) بفتح الراء وبعد
الواو الساكنة حاء مهملة البصري المقرئ قال: (حدّثنا يزيد
بن زريع) بتقديم الزاي مصغرًا البصري قال: (حدّثنا سعيد)
هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا
أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إنَّ في الجنة لشجرة) هي طوبى كما عند أحمد والطبراني
وابن حبان من حديث عتبة بن عبد السلمي (يسير الراكب)
الجواد المضمر السريع (في ظلها) أي ناحيتها (مائة عام لا
يقطعها).
وليس في الجنة شمس ولا أذى.
3252 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا
فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ
عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ
سَنَةٍ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}».
[الحديث 3252 - طرفه في: 4881].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح الواو وبعدها
قاف قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) الخزاعي المدني قال:
(حدّثنا هلال بن علي) العامري المدني وقد ينسب إلى جدّه
أسامة (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم
الأنصاري النجاري (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن في الجنة لشجرة) اسمها طوبى يذكر أنه ليس في الجنة دار
إلاّ فيها غصن من أغصانها (يسير الراكب في ظلها) ناحيتها
(مائة سنة) زاد في الأولى لا يقطعها (واقرؤوا إن شئتم {وظل
ممدود}) [الواقعة: 30]. وعند ابن جرير عن أبي هريرة قال:
إن في الجنة
(5/284)
لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة اقرؤوا
إن شئتم {وظل ممدود} [الواقعة: 30]. فبلغ ذلك كعبًا فقال:
صدق والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد لو أن
رجلاً ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها
حتى يسقط هرمًا إن الله غرسها بيده ونفخ فيها من روحه وإن
أفنانها لمن وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلاّ وهو
يخرج من أصل تلك الشجرة. وفي حديث ابن عباس موقوفًا عند
ابن أبي حاتم: فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله
ريحًا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا. قال
ابن كثير: أثر غريب وإسناده جيد قوي.
3253 - «وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ
تَغْرُبُ».
(ولقاب قوس أحدكم) أي قدره (في الجنة خير مما طلعت عليه
الشمس) في الدنيا من متاعها (أو تغرب) عليه.
3254 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ
هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ
الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،
وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ
دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى
قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ
تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ
الْعِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ
وَاللَّحْمِ».
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن إسحاق الحزامي
قال: (حدّثنا محمد بن فليح) قال: (حدّثنا أبي) فليح بن
سليمان (عن هلال) هو ابن هلال العامري (عن عبد الرحمن بن
أبي عمرة) الأنصاري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(أول زمرة) جماعة (تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر)
في الحسن والإضاءة (والذين) يدخلونها (على آثارهم كأحسن
كوكب دريّ في السماء إضاءة) بضم الدال وتشديد الراء
والتحتية مضيء متلالئ كالزهرة في صفاته وزهرته منسوب إلى
الدر أو فعيل كمرّيق من الدرء بالهمزة فإنه يدفع الظلام
بضوئه (قلوبهم على قلب رجل واحد لا تباغض بينهم ولا تحاسد)
لطهارة قلوبهم عن الأخلاق الذميمة (لكل امرئ) زاد في
السابقة منهم (زوجتان من الحور العين) سبق قريبًا من طريق
همام بن منبه عن أبي هريرة بلفظ: ولكل واحد منهم زوجتان
ولم يقل فيه من الحور العين، وفسر بأنهما من نساء الدنيا
لحديث أبي هريرة مرفوعًا في صفة أدنى أهل الجنة: وإن له من
الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا
فلينظر ما في ذلك. وعند عبد الله بن أبي أوفى مرفوعًا: إن
الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف بكر
وثمانية آلاف ثيب يعانق كل واحدة منهم مقدار عمره في
الدنيا. رواه البيهقي وفي إسناده راو لم يسم.
(يرى مخ) بضم الياء مبنيًّا للمفعول. ولأبي ذر: يرى أي
المرء مخ (سوقهن) أي ما في داخل العظم (من وراء العظم
واللحم) من الصفاء. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا من طريق
محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عند أبي يعلى
والبيهقي: وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى
السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة وكبدها له مرآة.
الحديث.
3255 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ أَخْبَرَنِي قَالَ:
"سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَمَّا مَاتَ
إِبْرَاهِيمُ قَالَ: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي
الْجَنَّةِ".
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) السلمي مولاهم البصري
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: عدي بن ثابت) الأنصاري
الكوفي التابعي (أخبرني) بالإفراد (قال: سمعت البراء) في
باب ما قيل في أولاد المسلمين من طريق أبي الوليد هشام بن
عبد الملك حدّثنا شعبة عن عدي بن ثابت أنه سمع البراء
(-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال لما مات إبراهيم) ابن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) عليه السلام:
(إن له مرضعًا في الجنة) وعند الإسماعيلي مرضعًا ترضعه في
الجنة ولم يقل مرضعة بالهاء لأن المراد التي من شأنها
الإرضاع أعم من أن تكون في حالة الإرضاع.
3256 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ
الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ
فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ
الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ
الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ. قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ
يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا
الْمُرْسَلِينَ». [الحديث 3256 - طرفه في: 6556].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) القرشي الأويسي
(قال: حدّثني) بالإفراد (مالك بن أنس) الإمام وسقط لأبي
ذر: ابن أنس (عن صفوان بن سليم) بضم السين وفتح اللام
المدني (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن
أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن أهل الجنة يتراءيون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة
مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف من فوقهم
كما يتراءيون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية
مضمومة ولأبي ذر تتراءون بفوقيتين من غير تحتية بعد الهمزة
(الكوكب الدريّ) بضم الدال والتحتية بغير همز الشديد
الإضاءة (الغابر)
(5/285)
بالموحدة بعد الألف أي الباقي في الأفق بعد
انتشار ضوء الفجر وإنما يستنير في ذلك الوقت الكوكب الشديد
الإضاءة وفي الموطأ الغائر بالتحتية بدل الموحدة يريد
انحطاطه من الجانب الغربي. قال التوربشتي: وهو تصحيف، وفي
الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة (في الأفق) أي
طرف السماء (من المشرق أو المغرب).
قال في شرح المشكاة، فإن قلت: ما فائدة تقييد الكوكب
بالدري ثم بالغابر في الأفق؟
وأجاب: بأنه للإيذان بأنه من باب التمثيل الذي وجهه منتزع
من عدّة أمور متوهمة في المشبه شبه رؤية الرائي في الجنة
صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب
المشرق أو المغرب في الاستضاءة مع البعد فلو اقتصر على
الغائر لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغؤور اللهم إلا أن
يقدر المستشرق على الغؤور كقوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن}
[البقرة: 234]. أي شارفن بلوغ أجلهن لكن لا يصح هذا المعنى
في الجانب الشرقي نعم. على التقدير كقولهم: متقلدًا سيفًا
ورمحًا. وعلفتها تبنًا وماء باردًا أي طالعًا في الأفق من
المشرق وغابرًا في المغرب.
(لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله تلك) الغرف المذكورة
(منازل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يبلغها غيرهم.
قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بلى والذي
نفسي بيده) أي نعم هي منازل الأنبياء بإيجاب الله تعالى
لهم، ولكن قد يتفضل الله تعالى على غيرهم بالوصول إلى تلك
المنازل، ولأبي ذر فيما حكاه السفاقسي: بل التي للإضراب.
قال القرطبي: والسياق يقتضي أن يكون الجواب بالإضراب،
وإيجاب الثاني أي بل هم (رجال آمنوا بالله) حق إيمانه
(وصدّقوا المرسلين) حق تصديقهم وكل أهل الجنة مؤمنون
مصدقون لكن امتاز هؤلاء بالصفة المذكورة.
وفي حديث أبي سعيد عن الترمذي: وإن أبا بكر وعمر منهم
وأنعما. وعنده أيضًا عن عليّ مرفوعًا: أن في الجنة غرفًا
يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها". فقال أعرابي:
لمن هي يا رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال:
"هي لمن ألان الكلام وأدام الصيام وصلّى بالليل والناس
نيام". وقال الكرماني: المصدقون بجميع الرسل ليس إلا أمة
محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيبقى مؤمنو
سائر الأمم فيها اهـ.
فالغرف لهذه الأمة إذ تصديق جميع الرسل إنما يتحقق لها
بخلاف غيرهم من الأمم وإن كان فيهم من صدق بمن سيجيء من
بعده من الرسل فهو بطريق التوقع قاله في الفتح.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صفة الجنة.
9 - باب صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ».
فِيهِ عُبَادَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
(باب صفة أبواب الجنة).
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما
وصله في الصيام (من أنفق زوجين) أي من أي شيء كان صنفين أو
متشابهين كبعيرين أو درهمين (دعي من باب الجنة) وفي الصوم:
نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير. (فيه) أي في هذا
الباب (عبادة) بن الصامت (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال: "من شهد أن لا إله إلاّ الله).
الحديث. وفيه: "أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها
شاء".
3257 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فِي
الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى
الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُونَ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي مولاهم البصري
وهو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم قال: (حدّثنا محمد
بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء المكسورة آخره
فاء أبو غسان (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن
دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا
الصائمون) مجازاة لهم لما كان يصيبهم من العطش في صيامهم
وفي الصيام ذكر باب الصلاة وباب الجهاد وباب الصدقة وفي
نوادر الأصول باب الرحمة وهو باب التوبة. قال: وسائر
الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الزكاة باب الحج باب
العمرة. وعند عياض باب: الكاظمين الغيظ باب الراضين الباب
الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه، وعند الآجري
مرفوعًا من حديث أبي هريرة باب الضحى، وفي الفردوس مرفوعًا
من حديث ابن عباس باب الفرح لا يدخل منه إلا مفرح الصبيان.
وعند الترمذي باب الذكر، وعند ابن بطال باب الصابرين، وفي
حديث عتبة بن غزوان عند مسلم أن المصراعين من مصاريع الجنة
(5/286)
بينهما مسيرة أربعين سنة ولأبي ذر تقديم
هذا الحديث المسند على المعلقين والله أعلم.
10 - باب صِفَةِ النَّارِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ
{غَسَاقًا}: يُقَالُ غَسَقَتْ عَيْنُهُ، وَيَغْسِقُ
الْجُرْحُ، وَكَأَنَّ الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ.
{غِسْلِينَ}: كُلُّ شَىْءٍ غَسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ
شَىْءٌ فَهُوَ غِسْلِينَ، فِعْلِينَ مِنَ الْغَسْلِ، مِنَ
الْجُرْحِ وَالدَّبَرِ. وَقَالَ
عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ،
وَقَالَ غَيْرُهُ {حَاصِبًا}: الرِّيحُ الْعَاصِفُ،
وَالْحَاصِبُ مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ حَصَبُ
جَهَنَّمَ: يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ. هُمْ حَصَبُهَا،
وَيُقَالُ حَصَبَ فِي الأَرْضِ: ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ
مُشْتَقٌّ مِنْ حَصْبَاءِ الْحِجَارَةِ. {صَدِيدٌ}: قَيْحٌ
وَدَمٌ. {خَبَتْ}: طَفِئَتْ. {تُورُونَ}: تَسْتَخْرِجُونَ،
أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ. {لِلْمُقْوِينَ}:
لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ {صِرَاطُ الْجَحِيمِ}: سَوَاءُ الْجَحِيمِ
وَوَسَطُ الْجَحِيمِ. {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}: يُخْلَطُ
طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ. {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}:
صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ. {وِرْدًا}: عِطَاشًا.
{غَيًّا}: خُسْرَانًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يُسْجَرُونَ}:
تُوقَدُ بِهِمُ النَّارُ. {وَنُحَاسٌ}: الصُّفْرُ يُصَبُّ
عَلَى رُءُوسِهِمْ. {يُقَالُ ذُوقُوا}: بَاشِرُوا
وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ.
{مَارِجٌ}: خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، مَرَجَ الأَمِيرُ
رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلاَّهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ. {مَرِيجٍ}: مُلْتَبِسٌ، مَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ:
اخْتَلَطَ. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}: مَرَجْتَ دَابَّتَكَ
تَرَكْتَهَا.
(باب صفة النار وأنها مخلوقة) الآن.
({غساقا}) [النبأ: 25]. في قوله تعالى: {إلاّ حميمًا
غساقًا}. (يقال: غسقت) بفتح السين (عينه) إذا سأل ماؤها.
وقال الجوهري: إذا أظلمت. وقيل: البارد الذي يحرق ببرده،
وقيل المنتن. (ويغسق الجرح) بكسر السين إذا سأل منه ماء
أصفر، ولعل المراد في الآية ما يسيل من صديد أهل النار
المشتمل على شدة البرودة وشدة النتن (وكأن الغساق والغسق)
بفتحتين ولأبي ذر: والغسيق بتحتية ساكنة بعد السين
المكسورة (واحد). في كون المراد بهما الظلمة.
({غسلين}) [الحاقة: 36]. في قوله تعالى: {ولا طعام إلاّ من
غسلين} هو (كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من
الغسل) بفتح الغين (من الجرح) بضم الجيم (والدبر) بفتح
الدال المهملة والموحدة ما يصيب الإبل من الجراحات.
(وقال عكرمة): فيما وصله ابن أبي حاتم (حصب جهنم حطب
بالحبشية) وتكلمت بها العرب فصارت عربية ولم يقل ابن أبي
حاتم بالحبشية. (وقال غيره): غير عكرمة ({حاصبًا})
[الإسراء: 68]. (الريح العاصف) الشديد (والحاصب ما ترمي به
الريح) لأن الحصب الرمي (ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم
هم) أي أهل النار (حصبها) بفتح الحاء والصاد (ويقال: حصب
في الأرض) أي (ذهب والحصب) بفتحتين (مشتق من الحصباء)
ولغير أبي ذر: من حصباء الحجارة وهي الحصى.
({صديد}) بالرفع ولأبي ذر بالجر في قوله تعالى: {ويسقى من
ماء صديد} [إبراهيم: 16]. هو (قيح ودم) قال أبو عبيدة
({خبت}) في قوله تعالى: {كلما خبت} [الإسراء: 97]. أي
(طفئت) بفتح الطاء وكسر الفاء وبعدها همزة ({تورون}) في
قوله تعالى:
{أفرأيتم النار التي تورون} [الواقعة: 71]. أي (تستخرجون)
يقال (أوريت) أي (أوقدت) قال له أبو عبيدة. ({للمقوين}) في
قوله تعالى: {ومتاعًا للمقوين} [الواقعة: 73]. أي
(للمسافرين) رواه الطبري عن ابن عباس (والقيّ) بكسر القاف
وتشديد التحتية (القفر) الذي لا نبات فيه ولا ماء.
(وقال ابن عباس) فيما ذكره الطبري ({صراط الجحيم})
[الصافات: 23]. أي (سواء الجحيم ووسط الجحيم) {لشوبًا من
حميم} [الصافات: 67]. (يخلط طعامهم ويساط) بالسين المهملة.
ولأبي ذر عن الكشميهني: ويحرك (بالحميم) وكل شيء خلطته
بغيره فهو مشوب ({زفير وشهيق}) [هود: 106]. (صوت شديد وصوت
ضعيف) فالأول للأول والثاني للثاني كذا فسره ابن عباس فيما
أخرجه الطبري وابن أبي حاتم وعنه: الزفير في الحلق والشهيق
في الصدر، وعنه هو صوت كصوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق.
({وردًا}) في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}
[مريم: 86]. أي (عطاشًا) قاله ابن عباس أيضًا. ({غيّا}) في
قوله تعالى: {فسوف يلقون غيًّا} [مريم: 59]. أي (خسرانًا)
وعن ابن مسعود عند الطبري واد في جهنم يقذف فيه الذين
يتبعون الشهوات وعند البيهقي عنه نهر في جهنم بعيد القعر
خبيث الطعم.
(وقال مجاهد) فيما أخرجه عبد بن حميد ({يسجرون}) [غافر:
72]. (توقد بهم النار) ولأبي ذر: لهم باللام بدل الموحدة
والأول أوجه. ({ونحاس}) في قوله تعالى: {يرسل عليكما شواظ
من نار ونحاس} [الرحمن: 35]. هو (الصفر) يذاب ثم (يصب على
رؤوسهم) أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد أيضًا (يقال ذوقوا)
يشير إلى قوله تعالى: {وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق} [آل
عمران: 181]. أي (باشروا) العذاب (وجربوا وليس هذا من ذوق
الفم) فهو من المجاز.
({مارج}) في قوله تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار}
[الرحمن: 19]. أي (خالص من النار) يقال (مرج الأمير رعيته
إذا خلاهم يعدو) بالعين المهملة (بعضهم على بعض) أي تركهم
يظلم بعضهم بعضًا. ({مريج}) في قوله تعالى: {فهم في أمر
مريج} [ق: 5]. أي (ملتبس) ولأبي ذر عن الكشميهني منتشر.
قال في الفتح: وهو تصحيف. (مرج) بفتح الميم وكسر الراء
(أمر الناس) أي (اختلط) {مرج البحرين} [الرحمن: 19] قال
أبو عبيدة هو كقولك (مرجت دابتك) أي (تركتها).
3258 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ
بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ -رضي الله عنه-
يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَقَالَ: أَبْرِدْ، ثُمَّ قَالَ:
أَبْرِدْ، حَتَّى فَاءَ الْفَىْءُ -يَعْنِي لِلتُّلُولِ-
ثُمَّ قَالَ: أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ
الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن
مهاجر) بالتنوين (أبي الحسن) التيمي مولاهم الكوفي الصائغ
أنه (قال: سمعت زيد بن وهب) الهمداني الكوفي (يقول: سمعت
أبا ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله
(5/287)
عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فقال) عليه الصلاة والسلام
لبلال المؤذن:
(أبرد) أي بالظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في
أول وقتها ولا فرق بين السفر والحضر لما لا يخفى (ثم قال:
أبرد حتى فاء الفيء يعني التلول) يعني مال الظل تحت التلول
(ثم قال: أبردوا بالصلاة) التي يشتد الحر غالبًا في أول
وقتها بقطع الهمزة والجمع (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي
من سعة تنفسها حقيقة.
وهذا الحديث سبق في الصلاة.
3259 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ،
فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي الفريابي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن ذكوان)
أبي صالح (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أبردوا بالصلاة) أي أخّروها حتى تذهب شدة الحر (فإن شدة
الحر من فيح جهنم) والفيح كما قال الليث سطوع الحر يقال:
فاحت القدر تفيح فيحًا إذا غلت وأصله السعة ومنه أرض فيحاء
أو واسعة. وقال المزي من هنا لبيان الجنس أي من جنس فيح
جهنم لا للتبعيض، وذلك نحو ما روي عن عائشة بسند جيد ثابت؛
من أراد أن يسمع خرير الكوثر فليجعل إصبعيه في أذنيه أي
يسمع مثل خرير الكوثر اهـ.
وكأنه يحاول بذلك حمل الحديث على التشبيه لا الحقيقة وهو
القول الثاني، ولقائل أن يقول من محتملة للجنس وللتبعيض
على كل من القولين أي من جنس الفيح حقيقة أو تشبيهًا أو
بعض الفيح حقيقة أو تشبيهًا.
3260 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا
فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا
بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي
الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِي الْحَرِّ،
وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي جمرّة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن
عوف (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اشتكت النار إلى ربها) حقيقة بلسان المقال بحياة يخلقها
الله تعالى فيها أو مجازًا بلسان الحال عن غليانها وأكل
بعضها بعضًا (فقالت) يا (رب أكل بعضي بعضًا فأذن لها) ربها
(بنفسين) حمله البيضاوي على المجاز وغيره على الحقيقة وهو
في الأصل ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في
الشتاء ونفس في الصيف) بجر نفس على البدلية (فأشدّ ما
تجدون في) ولأبي ذر: من (الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير)
من ذلك النفس، والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على
إخراج الزمهرير من النار.
3261 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ هو العَقَديُّ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: "كُنْتُ
أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذَتْنِي
الْحُمَّى فَقَالَ: أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ،
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ,
فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ.
شَكَّ هَمَّامٌ".
وبه قال: (حدّثنا) وفي نسخة: حدَّثني (عبد الله بن محمد)
المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك (هو العقدي)
بفتح العين المهملة والقاف وسقط ذلك لغير أبي ذر قال:
(حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى البصري
(عن أبي جمرة) بالجيم المفتوحة والميم الساكنة وبالراء
المفتوحة نصر بن عمران (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح
الموحدة أنه (قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى
فقال: أبردها) بوصل الهمزة وسكون الموحدة وضم الراء من
الثلاثي من برد الماء حرارة جوفي أي أطفأها. زاد في
اليونينية قطع الهمزة وكسر الراء (عنك بماء زمزم، فإن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الحمى) ولأبي ذر: هي الحمى (من فيح جهنم) من حرارتها
حقيقة أرسلت إلى الدنيا نذيرًا للجاحدين وبشيرًا للمقربين
أنها كفارة لذنوبهم أو حر الحمى شبيه بحر جهنم (فأبردوها
بالماء) فكما أن النار تزال بالماء كذلك حرارة الحمى،
وقوله: فأبردوها بصيغة الجمع مع وصل الهمزة وهو الصحيح
المشهور في الرواية، وفي الفرع وأصله قطعها مفتوحة أيضًا
مع كسر الراء، وحكاه عياض لكن قال الجوهري هي لغة ردية (أو
قال: بماء زمزم شك همام). هو ابن يحيى البصري، وفي رواية
عفان عن همام عند أحمد فأبردوها بماء زمزم ولم يشك وهو يرد
على من قال: إن ذكر ماء زمزم ليس قيد الشك راويه وبه جزم
ابن حبان فقال: إن شدة الحمى تبرد بماء زمزم دون غيره من
المياه. وتعقب على تقدير أن لا شك في ذكر ماء زمزم بأن
الخطاب لأهل مكة خاصة لتيسر ماء زمزم عندهم.
3262 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَافِعُ
بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ
جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ". [الحديث
3262 - طرفه في: 5726].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن
عباس) بفتح العين وسكون الميم
(5/288)
وعباس بالموحدة والسين المهملة أبو عثمان
البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري (عن عباية
بن رفاعة) بفتح عين عباية وكسر راء رفاعة أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر
الدال المهملة آخره جيم -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الحمى من فور جهنم) بفتح الفاء وسكون الواو أي من شدة
حرها وفورة الحر شدته (فأبردوها) بوصل الهمزة وضم الراء
على المشهور وبقطعها وكسر الراء (عنكم بالماء) زاد أبو
هريرة عند ابن ماجه البارد.
3263 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ،
فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ». [الحديث 3263 - طرفه في:
5725].
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو
غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال:
(حدّثنا هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي
الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): أنه (قال):
(الحمى من فيح جهنم فأبردوها) بالوصل والقطع كما مرّ
(بالماء).
3264 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ,
فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ». [الحديث 3264 - طرفه في:
5723].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد
القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر أنه (قال:
حدَّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم أنه (قال):
(الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) وليس في هذه الأحاديث
كيفية التبريد المذكور، وأولى ما يحمل عليه ما فعلته أسماء
بنت أبي بكر كما في مسلم أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة
فتصب الماء في جيبها وفي غيره أنها كانت ترش على بدن
المحموم شيئًا من الماء بين ثديه وثوبه فالصحابي ولا سيما
أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلم بالمراد من غيرها، والأطباء
يسلمون أن الحمى الصفراوية يدير صاحبها بسقي الماء البارد
الشديد البرودة ويسقونه الثلج ويغسلون أطرافه بالماء
البارد، ويحتمل أن يكون ذلك لبعض الحميات دون بعض.
قال في الفتح: وهذا أوجه فإن خطابه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد يكون عامًّا وهو الأكثر وقد يكون
خاصًا
فيحتمل أن يكون هذا مخصوصًا بأهل الحجاز وما والاهم إذ
كانت أكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن
شدة الحرارة وهذه ينفعها الماء شربًا واغتسالاً.
وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الطب بعون
الله.
3265 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ
نَارِ جَهَنَّمَ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ
كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ
بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ
حَرِّهَا».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة رحمه الله (عن أبي
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ناركم) هذه التي توقدونها في جميع الدنيا (جزء) واحد (من
سبعين جزءًا من نار جهنم قيل يا رسول الله) لم أعرف القائل
(إن كانت) هذه النار (لكافية) في إحراق الكفار وتعذيب
الفجار فهلا اكتفى بها؟ (قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا
له: إنها (فضلت عليهن) بضم الفاء وتشديد الضاد المعجمة أي
على نيران الدنيا (بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها) أعاد
عليه السلام حكاية تفضيل نار جهنم، ليتميز عذاب الله من
عذاب الخلق. وقال حجة الإسلام: نار الدنيا لا تناسب نار
جهنم، ولكن لما كان أشد عذاب في الدنيا عذاب هذه النار عرف
عذاب نار جهنم بها وهيهات لو وجد أهل الجحيم مثل هذه النار
لخاضوها هربًا مما هم فيه، وفي رواية أحمد جزء من مائة جزء
والحكم للزائد. وعند ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا: وإنها
يعني نار الدنيا لتدعو الله أن لا يعيدها فيها.
3266 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ: "سَمِعَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ
عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} ".
وبه قال: (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البغلاني
قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن
دينار أنه (سمع عطاء) هو ابن رباح (يخبر عن صفوان بن يعلى
عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي (أنه سمع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ على المنبر {ونادوا يا
مالك}) [الزخرف: 77]. هو اسم خازن النار.
وسبق هذا الحديث في ذكر الملائكة.
3267 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: "قِيلَ لأُسَامَةَ:
لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ
لَتَرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ،
إِنِّي أُكُلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ
بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلاَ أَقُولُ
لِرَجُلٍ -أَنْ كَانَ عَلَىَّ أَمِيرًا- إِنَّهُ خَيْرُ
النَّاسِ، بَعْدَ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ
أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ
الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ
عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَىْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟
أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهانا
عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ».
رَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث
3267 - طرفه في: 7098].
وبه قال: (حدّثنا عليّ) هو ابن عبد الله المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن
أبي وائل) شقيق
(5/289)
بن سلمة أنه (قال: قيل لأسامة) بن زيد بن
الحرث (لو أتيت فلانًا) هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
(فكلمته) فيما وقع من الفتنة بين الناس والسعي في إطفاء
نائرتها وجواب لو محذوف أو هي للتمني (قال) أسامة: (إنكم
لترون) بفتح الفوقية وبضمها أيضًا أي لتظنون (أني لا
أكلمه) يعني عثمان (لا أسمعكم) بضم الهمزة أي إلا بحضوركم
وأنتم تسمعون (إني أكلمه في السر) طلبًا للمصلحة (دون أن
أفتح بابًا) من أبواب الفتن بتهييجها بالمجاهرة بالإنكار
لما في المجاهرة به من التشنيع المؤدي إلى افتراق الكلمة
وتشتيت الجماعة (لا أكون أول من فتحه ولا أقول لرجل أن
كان) بفتح الهمزة أي لأن كان (عليّ أميرًا أنه خير الناس
بعد شيء سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قالوا: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول):
(يجاء بالرجل) بضم الياء وفتح الجيم (يوم القيامة فيلقى في
النار فتندلق أقتابه) جمع قتب بكسر القاف الأمعاء
والاندلاق بالدال المهملة والقاف الخروج بسرعة أي تنصب
أمعاؤه من جوفه وتخرج من دبره (في النار فيدور كما يدور
الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون) له (أي فلان)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يا فلان (ما شأنك) الذي أنت
فيه (أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟) استفهام
استخباري ولأبي ذر: وتنهانا عن المنكر (قال: كنت آمركم
بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه) رواه أي
الحديث (غندر) هو محمد بن جعفر (عن شعبة) بن الحجاج (عن
الأعمش) سليمان فيما وصله البخاري في كتاب الفتن.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم في آخر الكتاب.
11 - باب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُقْذَفُونَ}: يُرْمَوْنَ.
{دُحُورًا}: مَطْرُودِينَ. {وَاصِبٌ}: دَائِمٌ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَدْحُورًا}: مَطْرُودًا، يُقَالُ:
{مَرِيدًا}: مُتَمَرِّدًا. بَتَّكَهُ: قَطَّعَهُ.
{وَاسْتَفْزِزْ}: اسْتَخِفَّ. {بِخَيْلِكَ}: الْفُرْسَانُ.
وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُهَا رَاجِلٌ، مِثْلُ
صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {لأَحْتَنِكَنَّ}:
لأَسْتَأْصِلَنَّ. {قَرِينٌ}: شَيْطَانٌ.
(باب صفة إبليس) وهو شخص روحاني خلق من نار السموم وهو أبو
الجن والشياطين كلهم وهل كان من الملائكة أم لا. وآية
البقرة وهي قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم
فسجدوا إلا إبليس أبى} [البقرة: 34]. تدل على أنه منهم
وإلاّ لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه منهم ولا يرد على
ذلك قوله تعالى: {إلاّ إبليس كان من الجن} [الكهف: 50].
لجواز أن يقال: إنه كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعًا،
ولأن ابن عباس -رضي الله عنهما- روى أن من الملائكة ضربًا
يتوالد يقال لهم الجن، ومنهم إبليس. ولمن زعم أنه لم يكن
من الملائكة أن يقول: إنه كان جنيًا نشأ بين أظهر الملائكة
وكان مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه، ولعل ضربًا من
الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات، وإنما يخالفهم
بالعوارض والصفات كالبررة والفسقة من الإنس والجن يشملهما،
وكان إبليس من هذا المصنف. وعن مقاتل: لا من الملائكة ولا
من الجن بل خلق منفردًا من النار ولحسنه كان يقال له:
طاووس الملائكة، ثم مسخه الله تعالى وكان اسمه عزازيل ثم
إبليس بعد، وهذا يؤيد قول القائل بأن إبليس عربي، لكن قال
ابن الأنباري: لو كان عربيًا لصرف/ كإكليل (و) في بيان
(جنوده) التي يبثها في الأرض لإضلال بني آدم، وفي مسلم من
حديث جابر مرفوعًا: عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه
فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة.
(وقال مجاهد): فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى:
({يقذفون}) [سبأ: 53]. ولأبي ذر: ويقذفون أي (يرمون) وفي
قوله تعالى: ({دحورًا}) [الصافات: 9] أي (مطرودين) وفي
قوله تعالى: {واصب}) [الصافات: 9]. أي (دائم).
(وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة
عنه في قوله تعالى ({مدحورًا} [الأعراف: 18]. أي (مطرودًا)
وفي قوله تعالى: {شيطانًا مريدًا} [النساء: 117]. (يقال
{مريدا}) أي (متمردًا) وفي قوله تعالى: {فليبتكن آذان
الأنعام} [الأعراف: 18] يقال (بتكه) أي (قطعه) وفي قوله
تعالى: {واستفزز} [الإسراء: 64] أي (استخف {بخيلك})
[الإسراء: 64]. (الفرسان والرجل) في قوله تعالى: {ورجلك}
[الإسراء: 64] (الرجالة) بتشديد الراء والجيم المفتوحتين
(واحدها راجل، مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر) قاله أبو عبيدة
وفي قوله تعالى: {لأحتنكن} [الإسراء: 62] أي (لأستأصلن) من
الاستئصال. وفي قوله تعالى: ({قرين}) [الصافات: 51] أي
(شيطان) قاله مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم.
3268 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
عِيسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ: "سُحِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَىَّ
هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: "سُحِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ
أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى
كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ
أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي
رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ
عِنْدَ
رِجْلَىَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ
الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟
قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيما ذَا؟ قَالَ:
فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ:
فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ
إِلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ
رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ.
فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لاَ. أَمَّا أَنَا
فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ
عَلَى النَّاسِ شَرًّا. ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ".
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير
قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن
(5/290)
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة)
-رضي الله عنها- أنها (قالت: سحر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين وكسر الحاء المهملتين
مبنيًا للمفعول لما رجع من الحديبية. (وقال الليث) بن سعد
فيما وصله عيسى بن حماد في نسخته رواية أبي بكر بن أبي
داود عنه (كتب إليّ هشام أنه سمعه) أي الحديث (ووعاه) أي
حفظه (عن أبيه) عروة (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها
(قالت: سحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى
كان يخيل) بضم التحتية وفتح الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول
(إليه أنه يفعل الشيء) من أمور الدنيا. وفي رواية ابن
عيينة عند المؤلّف في الطب حتى كان يرى أنه يأتي النساء
(وما يفعله). وفي جامع معمر عن الزهري أنه عليه السلام لبث
كذلك سنة (حتى كان ذات يوم) بنصب ذات ويجوز رفعها وقد قيل
إنها مقحمة وقيل بل هي من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي من
يجيزه (دعا ودعا) مرتين. ولمسلم من رواية ابن نمير فدعا ثم
دعا ثم دعا بالتكرير ثلاثًا وهو المعهود من عادته (ثم قال)
لعائشة:
(أشعرت) أي أعلمت (أن الله) عز وجل (أفتاني فيما فيه
شفائي) وللحميدي أفتاني في أمر استفتيه فيه أي أجابني فيما
دعوته فأطلق عليّ الدعاء استفتاء لأن الداعي طالب والمجيب
مستفت أو المعنى أجابني عما سألته عنه لأن دعاءه كان أن
يطلعه الله على حقيقة ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر
(أتاني رجلان) وعند الطبراني من طريق مرجى بن رجاء عن هشام
أتاني ملكان. وعند ابن سعد في رواية منقطعة أنهما جبريل
وميكائيل (فقعدا أحدهما) هو جبريل كما جزم به الدمياطي في
السيرة (عند رأسي) وقعد (الآخر) وهو ميكائيل (عند رجلي)
بالتثنية (فقال أحدهما): وهو ميكائيل (للآخر) وهو جبريل
(ما وجع الرجل؟) فيه إشعار بوقوع ذلك في المنام إذ لو كان
يقظة لخاطباه وسألاه، وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي
فانتبه من نومه ذات يوم، لكن في حديث ابن عباس بسند ضعيف
عند ابن سعد فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان.
(قال): أي جبريل لميكائيل (مطبوب) بفتح الميم وسكون الطاء
المهملة وموحدتين بينهما واو مسحور كنّوا عن السحر بالطب
كما كنّوا عن اللديغ بالسليم تفاؤلاً (قال): أي ميكائيل
لجبريل (ومن طبه؟ قال) جبريل لميكائيل: طبه (لبيد بن
الأعصم) بفتح اللام وكسر الموحدة والأعصم بهمزة مفتوحة
فعين ساكنة فصاد مفتوحة مهملتين فميم اليهودي (قال:
فيماذا؟ قال: في مشط) بضم الميم وإسكان الشين وقد تكسر
أوله مع إسكان ثانيه وقد يضم ثانيه مع ضم أوله فقط واحد
الأمشاط الآلة التي يمشط
بها الشعر، وفي حديث عروة عن عائشة أنه مشطه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ومشاقة) بالقاف ما يستخرج من
الكتان (وجف طلعة) بضم الجيم وتشديد الفاء والإضافة وتنوين
طلعة (ذكر) بالتنوين أيضًا صفة لجف وهو وعاء الطلع وغشاؤه
إذا جف (قال) ميكائيل لجبريل: (فأين هو؟ قال) جبريل: هو
(في بئر ذروان) بذال معجمة مفتوحة وراء ساكنة بالمدينة في
بستان بني زريق بتقديم الزاي المضمومة على الراء من
اليهود. وقال البكري والأصمعي: بئر أروان بهمزة بدل
المعجمة وغلط القائل بالأول وكلاهما صحيح، ويأتي بيان ذلك
إن شاء الله تعالى في كتاب الطب بعون الله تعالى.
(فخرج إليها) إلى البئر المذكورة (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الطب في أناس من أصحابه،
ويأتي إن شاء الله تعالى ذكر تسمية من سمى منهم (ثم رجع
فقال لعائشة حين رجع نخلها) التي إلى جانبها (كأنها) أي
النخيل ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كأنه أي النخل (رؤوس
الشياطين) كذا وقع هنا والتشبيه إنما هو لرؤوس النخل وفي
الطب وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين أي في قبح المنظر.
قالت عائشة (فقلت: استخرجته. فقال) عليه السلام: (لا). لم
أستخرجه (أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم (أنا فقد شفاني
الله وخشيت أن يثير ذلك) استخراجه (على الناس شرًّا) كتذكر
السحر وتعلمه وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة (ثم دفنت
البئر) بضم الدال وكسر الفاء
(5/291)
مبنيًّا للمفعول.
وفي الطب من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن آل عروة
عن عروة: فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
البئر حتى استخرجه ثم قال: فاستخرج قال فقلت: ألا تنشرت؟
فقال: أما والله قد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس
شرًّا فأثبت استخراج السحر، وجعل سؤال عائشة عن النشرة
وزيادته مقبولة لأنه أثبت من بقية من روى هذا الحديث، لا
سيما وقد كرر استخراج السحر مرتين في روايته كما ترى فبعد
من الوهم وزاد ذكر النشرة وجعل جوابه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها، وفي رواية عمرة عن عائشة أنه
وجد في الطلعة تمثالاً من شمع تمثال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإذا فيه إبر مغروزة وإذا وتر فيه
إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوّذتين فكلما قرأ آية
انحلّت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألمًا ثم يجد بعدها
راحة.
ومطابقة الحديث لما ترجم به من جهة أن السحر إنما يتم
باستعانة الشياطين على ذلك وأخرجه في الطب أيضًا وكذا
النسائي.
3269 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ
-إِذَا هُوَ نَامَ- ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ
عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ.
فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ،
فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى
انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ
النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ
كَسْلاَنَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) اقتصر أبو ذر على
قوله إسماعيل وأسقط ما بعده (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي)
عبد الحميد بن أبي أويس (عن سليمان بن بلال) التيمي مولاهم
المدني (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(يعقد الشيطان) إبليس أو أحد أعوانه (على قافية رأس أحدكم)
مؤخره (إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها) في
مكان القافية قائلاً باق (عليك ليل طويل فارقد) قال في
المغرب يقال: ضرب الشبكة على الطائر ألقاها عليه وعليك أما
خبر لقوله ليل أي ليل طويل عليك أو إغراء أي عليك بالنوم
أمامك ليل فالكلام جملتان والثانية مستأنفة كالتعليل
للأولى، وقيل: يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ
(فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة) واحدة من الثلاث (فإن
توضأ انحلت عقدة) ثانية (فإن صلّى) فرضًا أو نفلاً (انحلت
عقده) الثلاثة (كلها) فلو نام متمكنًا ثم انتبه فصلّى ولم
يذكر ولم يتوضأ انحلت الثلاثة لأن الصلاة مستلزمة للوضوء
والذكر (فأصبح) لما وفق له من وظائف الطاعة التي تسرع به
إلى مقام الزلفى وترقيه إلى السعادة العظمى (نشيطًا) قد
خلص من نفث الشيطان في عقد نفسه الأمارة (طيب النفس
وإلاَّ) بأن ترك الثلاثة المذكورة (أصبح خبيث النفس كسلان)
لبقاء أثر تثبيط الشيطان وظفره به.
وهذا الحديث سبق في التهجد.
3270 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ
نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ
بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أَوْ قَالَ: فِي
أُذُنِهِ».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو ابن محمد بن أبي
شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن عثمان
العبسي الكوفي أخو أبي بكر قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد
الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل)
شقيق بن سلمة (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله
عنه-) أنه (قال: ذكر عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رجل نام ليله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
ليلة (حتى أصبح) وقد أخرج سعيد بن منصور هذا الحديث، وفيه
أن ابن مسعود قال: وايم الله لقد بال في أذن صاحبكم ليلة
يعني نفسه فيحتمل أن يفسر به المبهم هنا (قال) عليه الصلاة
والسلام:
(ذاك رجل بال الشيطان) حقيقة أو مجازًا (في أذنيه)
بالتثنية (أو قال: في أذنه) بالإفراد، فإن قلت: لِمَ خص
الأذن والعين أنسب بالنوم؟ أجاب الطيبي: بأنه إشارة إلى
ثقل النوم لأن المسامع موارد الانتباه بالأصوات وخص البول
من بين الأخبثين لأنه مع خباثته أسهل مدخلاً في تجاويف
الخروق والعروق ونفوذه فيها فيورث الكسل في جميع الأعضاء.
وهذا الحديث مرّ في التهجد أيضًا.
3271 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي
الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى
أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا
الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا.
فَرُزِقَا وَلَدًا، لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا
همام) هو ابن يحيى (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن
أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين رافع الغطفاني الأشجعي
مولاهم الكوفي (عن كريب) هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم
المدني مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(5/292)
(قال):
(أما) بتخفيف الميم (إن أحدكم إذا أتى أهله) زوجته وهو
كناية عن الجماع، ولأبي داود: لو أن أحدكم إذا أراد أن
يأتي أهله، وعند الإسماعيلي من رواية روح بن القاسم عن
منصور: لو أن أحدكم إذا جامع امرأته ذكر الله (وقال)
بالواو (بسم الله اللهم جنبنا) أبعِد منا (الشيطان وجنّب
الشيطان ما رزقتنا) من الولد (فرزقا ولدًا) ذكرًا أو أنثى
(لم يضره الشيطان) بضم الراء المشددة وفتحها في بدنه أو
دينه واستبعد لانتفاء العصمة.
وأجيب: بأن اختصاص من اختص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق
الجواز أو لم يفتنه بالكفر أو لم يشارك أباه في جماع أمه
كما روي عن مجاهد أن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على
أحليله فيجامع معه، وروى الطرطوشي في باب تحريم الفواحش
باب من أي شيء يكون المخنث بسنده إلى ابن عباس، قال:
المخنثون أولاد الجن قيل لابن عباس: كيف ذاك؟ قال: إن الله
عز وجل ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهيا
أن يأتي الرجل امرأته وهي حائض فإذا أتاها سبقه إليها
الشيطان فحملت فجاءت بالمخنث.
وحديث الباب هذا سبق في الطهارة ويأتي إن شاء الله تعالى
في هذا الباب وفي النكاح بعون الله تعالى.
3272 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ
الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا
غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى
تَغِيبَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة)
بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام بن
عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن ابن عمر -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إذا طلع حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها (فدعوا
الصلاة) التي لا سبب لها (حتى تبرز)، أي تظهر (وإذا غاب
حاجب الشمس فدعوا الصلاة) التي لا سبب لها (حتى تغيب).
3273 - وَلاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ
وَلاَ غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ
شَيْطَانٍ. أَوِ الشَّيْطَانِ، لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ
قَالَ هِشَامٌ".
(ولا تحينوا) بفتح الفوقية والحاء المهملة وتشديد التحتية
وأصله لا تتحينوا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفًا أي لا
تقصدوا (بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين
قرني شيطان أو الشيطان) جانبي رأسه. قال الحافظ ابن حجر
كالكرماني يقال: إنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا
طلعت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة
الشمس لها، ولأبي ذر عن الكشميهني: الشياطين بالجمع بدل
الشيطان المفرد المعرف. قال عبدة بن سليمان: (لا أدري أي
ذلك قال هشام) بالتنكير أو بالتعريف. والحديث مضى في باب:
الصلاة بعد الفجر من كتاب الصلاة.
3274 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدريِّ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَىْ أَحَدِكُمْ شَىْءٌ وَهُوَ
يُصَلِّي فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ،
فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ
شَيْطَانٌ».
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة
ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد
الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا يونس) بن عبيد العبدي البصري
(عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري (عن أبي صالح)
ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) ولأبي ذر عن أبي سعيد أي
الخدري وضبب في الفرع على أبي هريرة أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا مرّ بين يدي أحدكم شيء) آدمي أو غيره (وهو يصلّي
فليمنعه) من المرور ما استطاع ندبًا بالإجماع (فإن أبى)
إلا أن يمر (فليمنعه فإن أبى فليقاتله) قيل المراد
بالمقاتلة قوة المنع من غير أن ينتهي إلى الأعمال المنافية
للصلاة أي يرده بأسهل ما يمكن به الردّ إلى أن ينتهي إلى
المقاتلة حتى لو أتلف منه شيئًا في ذلك لا ضمان عليه،
وقيل: المراد المقاتلة ابتداء لكن لا ينتهي إلى المقاتلة
بالسلاح ولا بما يؤدّي إلى الهلاك إجماعًا لأنه مخالف
لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والسكون إليها
وكان محل الإجماع في ذلك في الابتداء وإلاّ فإذا انتهى
الأمر إليه جاز ولا قود، وفي الدّية خلاف. (فإنما هو
شيطان) أي معه شيطان أو هو شيطان الإنس أو إنما حمله على
ذلك الشيطان أو إنما فعل فعل الشيطان أو المراد قرين
الإنسان فيكون شيطانه هو الحامل له على ذلك.
وهذا الحديث سبق في باب يردّ المصلي من مرّ بين يديه من
كتاب الصلاة.
3275 - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا
عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ
زَكَاةِ رَمَضَانَ؛ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ
الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ-: إِذَا أَوَيْتَ
إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ
يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ
شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ،
ذَاكَ شَيْطَانٌ".
(وقال عثمان بن الهيثم): بالمثلثة بعد التحتية الساكنة
مؤذن البصرة فيما وصله الإسماعيلي والنسائي (حدّثنا عوف)
بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة فاء الإعرابي (عن
محمد بن سيرين) بن أبي عمرة الأنصاري البصري
(5/293)
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال:
وكلني) بتشديد الكاف، ولأبي ذر: وكلني بتخفيفها (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحفظ زكاة) الفطر من
(رمضان فأتاني آت فجعل يحثو) بالحاء المهملة والمثلثة يأخذ
بكفيه (من الطعام) أي التمر (فأخذته) يعني الآتي (فقلت) له
(لأرفعنك) أي لأذهبن بك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث) بتمامه كما سبق في
الوكالة (فقال): أي الآتي بعد إتيانه ثلاث مرات وأخذه من
الطعام، وقوله: إنه لا يعود في كل مرّة دعني أعلمك كلمات
ينفعك الله بها. قلت: ما هن؟ قال: (إذا أويت) أي أتيت (إلى
فراشك) للنوم وأخذت مضجعك (فاقرأ آية الكرسي) زاد في
الوكالة {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255].
حتى تختم الآية فإنك (لن يزال من الله حافظ) ولأبي ذر:
عليك من الله حافظ (ولا يقربك شيطان حتى تصبح) بضم الراء
والباء الموحدة ولأبي ذر: ولا يقربك بفتح الراء (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأبي هريرة
لما ذكر له مقالته:
(صدقك) بتخفيف الدال فيما ذكره من فضائل آية الكرسي (وهو
كذوب ذاك شيطان) من الشياطين.
3276 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبيرِ قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ
أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ
كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا
بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري
ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد
الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) وسقط ابن الزبير لغير
أبي ذر (قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يأتي الشيطان أحدكم) يوسوس في صدره (فيقول: من خلق كذا من
خلق كذا) التكرار
مرتين (حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه) أي إذا بلغ قوله:
من خلق ربك (فليستعذ بالله) من وسوسته بأن يقول أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ
فاستعذ بالله} [الأعراف: 200] (ولينته) عن الاسترسال معه
في ذلك وليبادر إلى قطعه بالإعراض عنه فإنه تندفع الوسوسة
عنه لأن الأمر الطارئ بغير أصل يدفع بغير نظر في دليل إذ
لا أصل له ينظر فيه.
قال الخطابي: لو أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في محاجته لكان الجواب سهلاً على كل موحد ولكان الجواب
مأخوذًا من فحوى كلامه، فإن أوّل كلامه يناقض آخره لأن
جميع المخلوقات من ملك وإنس وجن وحيوان وجماد داخل تحت اسم
الخلق، ولو فتح هذا الباب الذي ذكره للزم منه أن يقال: ومن
خلق ذلك الشيء ويمتدّ القول في ذلك إلى ما لا يتناهى
والقول بما لا يتناهى فاسد فسقط السؤال من أصله.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في السنة
والنسائي في اليوم والليلة.
3277 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى
التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا
دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ
الشَّيَاطِينُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل)
بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد الزهري (قال:
حدّثني) بالإفراد (ابن أبي أنس) نافع (مولى التيميين أن
أباه) مالك بن أبي عامر (حدّثه أنه سمع أبا هريرة -رضي
الله عنه- يقول، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إذا دخل رمضان) في الصيام من رواية غير أبي ذر وابن عساكر
شهر رمضان (فتحت أبواب الجنة) حقيقة علامة للملائكة على
دخول رمضان وتعظيم حرمته أو كناية عن تنزل الرحمة ولأبي ذر
أبواب السماء ولا تضادّ في ذلك لأن أبواب السماء يصعد منها
إلى الجنة (وغلقت أبواب جهنم) حقيقة أو كناية عن تنزه أنفس
الصوّام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث على المعاصي
بقمع الشهوات (وسلسلت الشياطين) مسترقو السمع حقيقة لأن
رمضان كان وقتًا لنزول القرآن إلى سماء الدنيا وكانت
الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال الله تعالى: {وحفظًا من كل
شيطان مارد} [الصافات: 7] فزيدوا التسلسل في رمضان مبالغة
في الحفظ، وقيل غير ذلك كما في كتاب الصوم.
3278 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ:
"حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«إِنَّ مُوسَى قَالَ
لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ
أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ
وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ،
وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ
الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار
(قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال: قلت لابن
(5/294)
عباس فقال): فيه اختصار ذكره في العلم بلفظ
قلت لابن عباس. أن نوفًا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى
بني إسرائيل إنما هو موسى آخر فقال: كذب عدو الله (حدّثنا
أبي بن كعب أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(إن موسى قال لفتاه) فيه اختصار أيضًا ولفظه قال: قام موسى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا في بني
إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم فعتب الله
عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدًا من
عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال: رب وكيف به؟ فقيل
له: احمل حوتًا في مكتل فإذا فقدته فهو ثم فانطلق وانطلق
معه فتاه يوشع بن نون وحملا حوتًا في مكتل حتى كانا عند
الصخرة وضعا رؤوسهما وناما، فانسل الحوت من المكتل فاتخذ
سبيله في البحر سربًا، وكان لموسى وفتاه عجبًا فانطلقا
بقية ليلتهما ويومهما فلما أصبح قال موسى لفتاه: (آتنا
غداءنا) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة أي الطعام الذي
يؤكل أول النهار (قال أرأيت) أي أخبرت ما دهاني (إذ أوينا
إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فقدته أو نسيت ذكره بما
رأيت (وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن
أذكره) نسبه للشيطان هضمًا لنفسه (ولم يجد موسى النصب حتى
جاوز المكان الذي أمر الله) عز وجل (به) وللكشميهني الذي
أمره الله وأسقط هنا قوله: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا
وغرضه من ذلك قوله: {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}
[الكهف: 63] كما لا يخفى.
3279 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ: هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ
هَا هُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ
يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
الإمام (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم (عن عبد الله
بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشير إلى المشرق
فقال):
(ها) بالقصر من غير همز حرف تنبيه (إن الفتنة هاهنا وإن
الفتنة هاهنا) مرتين (من حيث يطلع قرن الشيطان) نسب الطلوع
لقرن الشيطان مع أن الطلوع للشمس لكونه مقارنًا لطلوعها
ومراده عليه الصلاة والسلام أن منشأ الفتنة من جهة المشرق،
وهذا من أعلام نبوّته عليه الصلاة والسلام فقد وقع ذلك كما
أخبر.
3280 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا
ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ
-رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ -أَوْ
كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ
الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ
سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ
وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ
وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ
اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ
اللَّهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا». [الحديث 3280
- أطرافه في: 3304، 3316، 5623، 5624، 6295، 6296].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) أبو زكريا البخاري
البيكندي قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) هو من
شيوخ المؤلّف رُوِيَ عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا)
بالجمع وضبب عليها بالفرع، ولأبي ذر: حدّثني (ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو
ابن أبي رباح (عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا استجنح الليل) بسين مهملة ساكنة ففوقية مفتوحة فجيم
ساكنة فنون مفتوحة فحاء مهملة أي أقبل ظلامه حين تغيب
الشمس وسقط لفظ الليل لغير أبي ذر (أو كان جنح الليل) بضم
الجيم وكسرها وسكون النون وفي اليونينية ضم الجيم وفتحها
أي طائفة منه وكان تامة أي حصل ولأبي ذر عن الكشميهني أو
قال جنح الليل (فكفوا صبيانكم) أي ضموهم وامنعوهم من
الانتشار ذلك الوقت (فإن الشياطين تنتشر حينئذٍِ) لأن
حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار لأن الظلام أجمع
للقوى الشيطانية، وعند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق
به، فلذا خيف على الصبيان من إيذائهم (فإذا ذهب ساعة من
العشاء) أي فإذا ذهب بعض الظلمة لامتدادها (فحلوهم) بالحاء
المهملة المضمومة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فخلوهم
بالخاء المعجمة المفتوحة وضمها في اليونينية (وأغلق بابك)
بقطع الهمزة والإفراد خطًا بالمفرد، والمراد به كل واحد
فهو عام بحسب المعنى (واذكر اسم الله) عليه (وأطفئ) بالهمز
(مصباحك) بقطع الهمزة أمر من الإطفاء خوفًا من الفويسقة أن
تجر الفتيلة فتحرق البيت.
وفي سنن أبي داود من حديث ابن عباس: جاءت فأرة فأخذت تجرّ
الفتيلة فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخمرة التي كان قاعدًا
عليها فأحرقت منها موضع درهم، والمصباح عام يشمل السراج
وغيره. نعم القنديل المعلق إن أمن منها فلا بأس لانتفاء
العلة.
(واذكر
(5/295)
اسم الله) عليه (وأوك سقاءك) بكسر المهملة
والمد أي اشدد فم قربتك بخيط أو غيره (واذكر اسم الله)
عليه (وخمر) بالخاء المعجمة المفتوحة والميم المشددة
المكسورة والراء غط (إناءك) صيانة من الشيطان لأنه لا يكشف
غطاء ولا يحل سقاء ولا يفتح بابًا ولا يؤذي صبيًّا وفي
تغطية الإناء أيضًا أمن من الحشرات وغيرها ومن الوباء الذي
ينزل في ليلة من السنة إذ ورد أنه يمر بإناء ليس عليه غطاء
أو شيء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه وعن الليث والأعاجم
يتقون ذلك في كانون
الأول (واذكر اسم الله) عليه (ولو تعرض) بضم الراء وتكسر
(عليه) على الإناء (شيئًا) عودًا أو نحوه تجعله عليه عرضًا
بخلاف الطول إن لم تقدر على ما تغطيه به والأمر في كلها
للإرشاد.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأشربة وكذا مسلم وأبو داود
وأخرجه النسائي في اليوم والليلة.
3281 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ
بنتِ حُيَىٍّ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ
أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ
فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلنِي -وَكَانَ
مسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - فَمَرَّ
رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْرَعَا فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى
رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ.
فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى
الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا
سُوءًا. أَوْ قَالَ: شَيْئًا».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدَّثني (محمود بن
غيلان) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية المروزي وسقط
لأبي ذر ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال:
(أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب (عن علي) زين العابدين (بن حسين) يعني ابن علي بن أبي
طالب (عن صفية ابنة حيي) ولأبي ذر: بنت حيي (قالت: كان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معتكفًا)
في مسجده (فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت) أي
فرجعت (فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (معي
ليقلني) بفتح التحتية وسكون القاف (وكان مسكنها في دار
أسامة بن زيد فمرّ رجلان من الأنصار) قيل: هما أسيد بن
حضير وعباد بن بشر (فلما رأيا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسرعا) في المشي (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): هما شفقة ورأفة بهما:
(على رسلكما) بكسر الراء على هينتكما فما هنا شيء تكرهانه
(إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله) أي
تنزه الله عن أن يكون رسوله متهمًا بما لا ينبغي (قال)
عليه السلام: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)
حقيقة لما خلق الله فيه من القوة والاقتدار على ذلك. وقال
القاضي عبد الجبار فيما نقله صاحب آكام المرجان: إذا صح ما
دللنا عليه من رقة أجسامهم وأنها كالهواء لم يمتنع دخولهم
في أبداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذي هو الروح
في أبداننا ولا يؤدي ذلك إلى اجتماع الجواهر في حيز واحد
لأنها تجتمع إلا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول
وإنما تدخل في أجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق في الظروف.
وقال ابن عقيل: إن قال قائل كيف الوسوسة من إبليس وكيف
وصوله إلى القلب؟ قل هو كلام على ما قيل تميل إليه النفس
والطبع وقد قيل يدخل في جسد ابن آدم لأنه جسم لطيف وهو أنه
يحدث النفس بالأفكار الرديئة. قال الله تعالى: {يوسوس في
صدور الناس} (الناس: 5] فإن قالوا: هذا يصح لأن القسمين
باطلان أما حديثه فلو كان موجودًا لسمع بالآذان وأما دخوله
في
الأجسام فالأجسام لا تتداخل ولأنه نار فكان يجب أن يحرق
الإنسان. قيل أما حديثه فيجوز أن يكون شيئًا تميل إليه
النفس كالسحر الذي توّق النفس إلى المسحور وإن لم يكن
صوتًا وأما قوله: لو أنه دخل فيه لتداخلت الأجسام ولاحترق
الإنسان فغلط لأنه ليس بنار محرقة وإنما أصل خلفتهم من نار
والجسم اللطيف يجوز أن يدخل إلى مخاريق الجسم الكثيف
كالروح عندكم والهواء الداخل في جميع الأجسام والجن جسم
لطيف، وقيل: المراد بإجرائه مجرى الدم المجاز عن كثرة
وسوسته فكأنه لا يفارقه كما أن دمه لا يفارقه وذكر أنه
يلقي وسوسته في مسامّ لطيفة من البدن بحيث يصل إلى القلب.
وعن ابن عباس فيما رواه عبد الله بن أبي داود السجستاني
قال: مثل الشيطان كمثل ابن عرس واضع فمه على فم القلب
فيوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس.
وعن عروة بن رويم أن عيسى ابن مريم دعا ربه أن يريه موضع
الشيطان من ابن آدم فإذا برأسه مثل الحية واضع رأسه على
ثمرة القلب فإذا ذكر الله خنس برأسه وإذا ترك مناه وحدثه.
وعن عمر بن عبد
(5/296)
العزيز فيما حكاه السهيلي أن رجلاً سأل ربه
أن يريه موضع الشيطان فرأى جسدًا يرى داخله من خارجه
والشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفيه حذاء قلبه له خرطوم
كخرطوم البعوضة وقد أدخله إلى قلبه يوسوس فإذا ذكر الله
العبد خنس.
وعن أنس مرفوعًا "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم
فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه" رواه ابن أبي
الدنيا.
(وإني خشيت أن يقذف) الشيطان (في قلوبكما سوءًا أو قال
شيئًا) فتهلكان فإن ظن السوء بالأنبياء كفر أعاذنا الله من
ذلك ومن سائر المهالك بمنه وكرمه.
وهذا الحديث تقدم في الاعتكاف.
3282 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ صُرَدٍ قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجُلاَنِ
يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ
وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً
لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا
يَجِدُ. فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ. فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ"؟ [الحديث 3282
- طرفاه في: 6048، 6115].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن
ميمون السكري المروزي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عدي
بن ثابت) الأنصاري الكوفي (عن سليمان بن صرد) بضم السين
مصغرًا وصرد بضم الصاد المهملة وبعد الراء المفتوحة دال
مهملة الخزاعي -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت جالسًا مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ورجلان) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمهما (يستبان)
يتشاتمان (فأحدهما احمر وجهه وانتفخت
أوداجه) من شدة الغضب والودج عرق في المذبح من الحلق وعبر
بالجمع على حد قوله أزج
الحواجب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد) من الغضب (لو
قال أعوذ بالله من الشيطان) لم
يقل الرجيم (ذهب عنه ما يجد) لأن الغضب من نزعات الشيطان
(فقالوا له: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال:
تعوذ بالله من الشيطان) في سنن أبي داود أن الذي قال له
ذلك معاذ بن جبل (فقال: وهل بي
جنون؟) ظن أنه لا يستعيد من الشيطان إلا من به جنون ولم
يعلم أن الغضب نوع من مس
الشيطان، ولذا يخرج به عن صورته ويزين له إفساد ماله
كتقطيع ثوبه وكسر آنيته. وعند أبي داود
من حديث عطية السعدي يرفعه: إن الغضب من الشيطان. وقال
النووي: هذا كلام من لم يفقه
في دين الله ولم يتهذب بأنوار الشريعة المطهرة ولعله كان
من المنافقين أو من جفاة الأعراب.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم وأبو داود،
وأخرجه النسائي في اليوم
والليلة.
3283 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
مَنْصُورٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ
كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ أَنَّ
أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ
جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا
رَزَقْتَنِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ
يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ».
قَالَ: وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ
كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا منصور) هو
ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون
العين المهملة رافع الأشجعي مولاهم
الكوفي التابعي (عن كريب) بضم الكاف وفتح الراء آخره موحدة
مصغرًا مولى ابن عباس (عن
ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو أن أحدكم إذا أتى أهله) زوجته وهو كناية عن الجماع
(قال: اللهم جنبني الشيطان)
بإفراد جنبني، وفي طريق موسى بن إسماعيل عن همام عن منصور
السابقة قريبًا في هذا الباب،
وطريق علي بن المديني عن جرير عن منصور في باب التسمية على
كل حال وعند الوقاع من
الطهارة قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان لكنه بواو قبل
قال في هذا الباب (وجنب الشيطان ما
رزقتني) بالإفراد أيضًا والمراد الولد وإن كان اللفظ أعم
(فإن كان بينهما ولد) في الطهارة فقضي
بينهما ولد (لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه). قال القاضي
عياض: لم يحمله أحد على العموم في
جميع الضرر والإغواء والوسوسة. (قال) شعبة بن الحجاج:
(وحدّثنا الأعمش) سليمان (عن سالم)
هو ابن أبي الجعد (عن كريب عن ابن عباس مثله). وفائدة ذكر
هذا الإعلام بأن لشعبة فيه
شيخين.
3284 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً
فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَىَّ
يَقْطَعُ الصَّلاَةَ عَلَىَّ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ
مِنْهُ ... فَذَكَرَهُ".
وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان المروزي قال:
(حدّثنا شبابة) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدة وبعد
الألف موحدة أخرى ابن سوار الفزاري المروزي (حدّثنا شعبة
عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية الجمحي (عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صلّى صلاة فقال): أي بعد أن فرغ
من الصلاة:
(إن الشيطان عرض لي فشدّ علي يقطع الصلاة علي)، يحتمل أن
يكون قطعها بمروره بين يديه
(5/297)
وإليه ذهب الإمام أحمد في رواية عنه لأن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكم بقطع
الصلاة من مرور الكلب الأسود فقيل: ما بال الأحمر من
الأبيض من الأسود؟ فقال: الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن
يتصورون بصورته، ويحتمل أن يكون قطعها بأن يصدر من العفريت
أفعال يحتاج إلى دفعها بأفعال تكون منافية للصلاة فيقطعها
بتلك الأفعال.
وفي باب: الأسير أو الغريم يربط في المسجد من كتاب الصلاة
من طريق روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد: أن
عفريتًا من الجن تفلت عليّ البارحة أو كلمة نحوها ليقطع
علي الصلاة (فأمكنني الله منه فذكره). أي الحديث بتمامه
وهو: فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا
وتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي
ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35] وفيه إشارة إلى أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقدر على ذلك إلا
أنه تركه رعاية لسليمان.
3285 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ
الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ،
فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ
حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ فَيَقُولُ:
اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى لاَ يَدْرِي أَثَلاَثًا
صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلاَثًا
صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد بالقاف أبو عبد
الله الفريابي قال: (حدّثنا الأوزاعي) أبو عمر وعبد الرحمن
بن عمرو (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن
عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا نودي بالصّلاة أدبر الشيطان وله ضراط) زاد في باب إذا
لم يدر كم صلّى ثلاثًا أو أربعًا حتى لا يسمع الأذان (فإذا
قضي) الأذان (أقبل) الشيطان (فإذا ثوب بها) بالمثلثة أي
أقيم (أدبر)
الشيطان (فإذا قضي) التثويب (أقبل) الشيطان (حتى يخطر)
بكسر الطاء المهملة. قال في الأساس: خطر الرجل برمحه إذا
مشى به بين الصفين وهو يخطر في مشيه يهتز. قال الحماسي:
ذكرتك والخطي يخطر بيننا
والمعنى هنا أن الشيطان يدخل ويحجز (بين الإنسان وقلبه)
بوسوسته (فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى لا يدري) ذلك المصلي
من الوسوسة (أثلاثًا) بالهمزة (صلّى أم أربعًا فإذا لم يدر
ثلاثًا) بإسقاط الهمزة (صلّى أو أربعًا) بالواو وفي
السابقة بالميم (سجد سجدتي السهو). قبل السلام بعد أن يأخذ
بالأقل فيأتي بركعة يتم بها، ومبحث ذلك سبق في بابه.
3286 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ بَنِي آدَمَ
يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ
يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُ
فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ» [الحديث 3286 - طرفاه في:3431 ,
4548].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن أبي الزناد) عبد الله بن
ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي
الله عنه) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(كل بني آدم يطعن الشيطان) بضم العين (في جنبيه) بالتثنية
في الفرع وأصله ونسبها في فتح الباري لأبي ذر والجرجاني
قال وللأكثر جنبه بالإفراد (بإصبعه) بالإفراد ولأبي ذر
بإصبعيه بالتثنية في الفرع (حين يولد) زاد في آل عمران من
طريق الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة فيستهل صارخًا من
مس الشيطان إياه (غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في
الحجاب). أي الجلدة التي يكون فيها الجنين وهي المشيمة وفي
آل عمران: إلاّ مريم وابنها فقيل يحتمل اقتصاره هنا على
عيسى دون ذكر أمه أنه بالنسبة إلى الطعن في الجنب وذاك
بالنسبة إلى المس. قال في الفتح: والذي يظهر أن بعض الرواة
حفظ ما لم يحفظ الآخر والزيادة من الحافظ مقبولة، وزاد
أيضًا في آل عمران وغيرها ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن
شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل
عمران: 36] وفيه أنهما حفظًا ببركة دعاء حنة أم مريم ولم
يكن لمريم ذرية غير عيسى.
3287 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ قَالَ: "قَدِمْتُ الشَّأْمَ، قَالُوا: أَبُو
الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ
مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو
غسان النهدي الكوفي قال:
(حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن
المغيرة) بن مقسم الضبي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن
قيس النخعي الكوفي أنه (قال: قدمت الشام قالوا أبو
الدرداء) اسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي وفي نسخة
بهامش الفرع فقلت من هاهنا؟ قالوا أبو الدرداء (قال): أي
أبو الدرداء بعد مجيئه (أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان
على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) قيل
بقوله عليه الصلاة والسلام "ويح عمار يدعوهم إلى الجنة
ويدعونه إلى
(5/298)
النار" أو بقوله عليه الصلاة والسلام
المروي في الترمذي من حديث عائشة "ما خير عمار بين أمرين
إلاّ اختار أرشدهما" فكونه يختار الأرشد يقتضي أنه أجير من
الشيطان الذي من شأنه أن يأمر بالغي.
0000 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ: "الَّذِي أَجَارَهُ
اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَعْنِي عَمَّارًا". [الحديث: 3287 - أطرافه
في: 3742، 3743، 3761، 4943، 4944، 6278].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن مغيرة) بن مقسم إلى آخره (وقال الذي
أجاره الله على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يعني عمارًا). هو ابن ياسر وكان من السابقين
الأوّلين إلى الإسلام.
3288 - قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ
يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ أَنَّ أَبَا
الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عن عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَلاَئِكَةُ تَتَحَدَّثُ فِي
الْعَنَانِ -وَالْعَنَانُ الْغَمَامُ- بِالأَمْرِ يَكُونُ
فِي الأَرْضِ، فَتَستمعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ
فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ
الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ».
(قال: وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله أبو نعيم في
المستخرج من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث
عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (خالد بن يزيد) من
الزيادة السكسكي (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (أن
أبا الأسود) محمد بن عبد الرحمن (أخبره عروة) ولأبي ذر
أخبره عن عروة (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الملائكة تتحدّث) ولأبي ذر: تحدّث بإسقاط إحدى التاءين
تخفيفًا (في العنان) بفتح العين المهملة متعلق بتتحدث
(والعنان الغمام) جملة اعتراض بين المتعلق والمتعلق
(بالأمر) حال كونه (يكون في الأرض في الأرض فتسمع) بغير
تاء بعد السين ولأبي ذر عن الكشميهني فتستمع (الشياطين
الكلمة) من الملائكة (فتقرها) بفتح الفوقية وضم القاف
والراء المشددة (في أذن الكاهن) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: في آذان بالجمع الكاهن (كما تقر) بضم الفوقة
وفتح القاف (القارورة) أي كما تطبق القارورة برأس الوعاء
الذي يفرغ فيها أو يلقيها في آذان الكاهن كما يستقر الشيء
في قراره أو يكون لما يلقيه حس كحس القارورة عند تحريكها
على اليد أو على الصفا (فيزيدون معها) أي مع الكلمة (مائة
كذبة). بفتح الكاف وسكون الذال، وفي الفرع
بكسرها مع كشط فوق الذال وكذا في اليونينية بالكسر أيضًا،
وزاد في ذكر الملائكة من عند أنفسهم.
وذكر الحديث موصولاً من غير هذا الوجه.
3289 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: التَّثَاؤُبُ
مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا
قَالَ هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ». [الحديث 3289 - طرفاه في:
6223، 6226].
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) اسم جده عاصم بن صهيب
الواسطي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق قال:
(حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد
المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(التثاؤب) بالمثلثة بعد الفوقية وبالهمزة وهو التنفس الذي
ينفتح منه الفم لدفع البخارات المحتقنة في عضلات الفك (من
الشيطان) لأنه ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس
ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم وذلك كله بواسطة الشيطان
لأنه هو الذي يزين للنفس شهواتها فلذا أضيف إليه (فإذا
تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع) قال في الفتح: أي يأخذ في
أسباب رده وليس المراد أنه يملك رده لأن الذي وقع لا يردّ
حقيقة، وقيل: المعنى إذا أراد أن يتثاءب، وقال الكرماني:
أي ليكظم وليضع يده على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من
تشويه صورته ودخوله فمه (فإن أحدكم إذا قال ها) مقصور من
غير همز حكاية صوت المتثائب (ضحك الشيطان) فرحًا بذلك.
وأخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن
الأصم: ما تثاءب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قط، وعند الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك
بن مروان ما تثاءب نبي قط.
3290 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "لَمَّا كَانَ
يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فَصَاحَ إِبْلِيسُ:
أَىْ عِبَادَ اللَّهِ، أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ
فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ
فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَىْ عِبَادَ
اللَّهِ، أَبِي أَبِي. فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى
قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ
بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ". [الحديث 3290
- أطرافه في: 3824، 4065، 6668، 6883، 6890].
وبه قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) أبو السكين الطائي قال:
(حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال هشام: أخبرنا عن
أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: لما
كان يوم) وقعة (أحد هزم المشركون فصاح إبليس أي عباد الله)
يريد المسلمين (أخراكم) أي احذروا الذين من ورائكم متأخرين
عنكم أو اقتلوهم ومراده عليه اللعنة تغليطهم ليقاتل
المسلمون بعضهم بعضًا (فرجعت أولاهم) قاصدين لقتال أخراهم
ظانين أنهم من المشركين (فاجتلدت) بالجيم فاقتتلت (هي
وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان) بتخفيف الميم من
غير ياء بعد النون يقتله المسلمون يظنونه من المشركين
(فقال: أي عباد الله) هذا (أبي) هذا (أبي)
(5/299)
لا تقتلوه وسقط الجلالة أي من عباد الله
لغير أبي ذر كما في الفرع وأصله (فوالله ما احتجزوا)
بالحاء الساكنة والفوقية والجيم المفتوحتين والزاي
المضمومة ما انفصلوا عنه (حتى قتلوه. فقال حذيفة: غفر الله
لكم). عذرهم لكونهم قتلوه وهم يظنونه من الكافرين. (قال
عروة) بن الزبير: (فما زالت في حذيفة منه بقية خير) دعاء
واستغفار لقاتل أبيه (حتى لحق بالله). عز وجل وعند ابن
إسحاق فقال حذيفة: قتلتم أبي؟ قالوا: والله ما عرفناه
وصدقوا. فقال حذيفة: يغفر الله لكم فأراد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يديه فتصدق حذيفة
بدمه على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيرًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والدّيات.
3291 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا
أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ: "قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-:
سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: هُوَ
اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسه الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ
أَحَدِكُمْ".
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الراء وكسر
الموحدة ابن سليمان أبو علي الكوفي البوراني قال: (حدّثنا
أبو الأحوص) سلام بن سليم الكوفي (عن أشعث) بشين معجمة
فعين مهملة فمثلثة (عن أبيه) سليم بضم السين وفتح اللام
أبي الشعثاء المحاربي الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع
الكوفي أنه (قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: سألت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن التفات الرجل)
برأسه يمينًا أو شمالاً (في الصلاة فقال):
(هو اختلاس) اختطاف بسرعة (يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم).
لأن الالتفات لما كان فيه ذهاب الخشوع استعير لذهابه
اختلاس الشيطان تصويرًا لقبح ذلك بالمختلس لأن المصلي
مستغرق في مناجاة مولاه وهو مقبل عليه والشيطان مراصد له
منتظر لفوات ذلك فإذا التفت المصلي اغتنم الشيطان الفرصة
فيختلسها منه.
وقد مرّ هذا الحديث في باب الالتفات من كتاب الصلاة.
3292 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ
الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ
فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ
مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ». [الحديث 3292 -
أطرافه في: 5747، 6984، 6986، 6995، 6996، 7005، 7044].
وبه قال: (حدّثنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج
الخولاني الحمصي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن
عمرو (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى) بن أبي كثير (عن عبد
الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي
الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
قال البخاري: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: وحدّثني
(سليمان بن عبد الرحمن) المعروف بابن ابنة شرحبيل الدمشقي
قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم الدمشقي قال: (حدّثنا
الأوزاعي) عبد الرحمن (قال: حدّثني) بالإفراد (يحين بن أبي
كثير) بالمثلثة قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن
أبي قتادة) صرح بتحديث أبي قتادة ليحيى (عن أبيه) أبي
قتادة أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(الرؤيا الصالحة من الله) الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن
غير الصالحة تسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح إما باعتبار
صورتها أو باعتبار تعبيرها (والحلم) بضم الحاء المهملة
واللام وهو الرؤيا الغير الصالحة (من الشيطان) لأنه هو
الذي يريها للإنسان ليحزنه ويسيء ظنه بربه (فإذا حلم
أحدكم) بفتح الحاء واللام (حلمًا) بضم الحاء وسكون اللام
(يخافه) في موضع نصب صفة لحلمًا (فليبصق عن يساره) طردًا
للشيطان (وليتعوذ بالله من شرها) أي الرؤية السيئة (فإنها
لا نضره).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير والنسائي في اليوم
والليلة.
3293 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ
مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ،
وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ
مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ
الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ
يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ
عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». [الحديث 3293 - طرفه في:
6403].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وبفتح الميم
وتشديد التحتية (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحرث
بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني (عن أبي صالح)
ذكوان الزيات (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله
الحمد وهو على كل شيء قدير في
يوم مائة مرة كانت) ولأبي ذر عن الكشميهني كان أي القول
المذكور (له عدل) بفتح العين أي مثل ثواب إعناق (عشر
رقاب)، بسكون الشين وفي اليونينية بفتحها (وكتبت له مائة
حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان) بكسر
الحاء المهملة أي حصنًا (يومه) نصب على الظرفية (ذلك حتى
يمسي ولم يأت أحد بأفضل
(5/300)
مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك).
قال القاضي عياض: ذكر هذا العدد من المائة دليل على أنها
غاية للثواب المذكور، وأما قوله: إلا أحد عمل أكثر من ذلك
فيحتمل أن يراد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من
الفضل بحسابه لئلا يظن أنها من الحدود التي نهى عن
اعتدائها وأنه لا فضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن
المحدودة وإعداد الطهارة ويحتمل أن يراد بالزيادة من غير
هذا الجنس من الذكر وغيره أي إلا أن يزيد أحد عملاً آخر من
الأعمال الصالحة، وظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن الأجر يحصل
لمن قال هذا التهليل في اليوم متواليًا أو متفرقًا في مجلس
أو مجالس في أول النهار أو في آخره: لكن الأفضل أن يأتي به
متواليًا في أول النهار ليكون له حرزًا في جميع نهاره
وكذلك في أول الليل ليكون له حرزًا في جميع ليله.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات وكذا مسلم والترمذي،
وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح.
3294 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ
الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:
"اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ
قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً
أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ
يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ، فَقَالَ
عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّئي كُنَّ عِنْدِي،
فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ. قَالَ
عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ
يَهَبْنَ. ثُمَّ قَالَ: أَىْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ،
أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ
أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ
سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ". [الحديث 3294 - طرفاه في:
3683، 6085].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن
ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد
(عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد) العدوي أبو عمرو المدني
(أن محمد بن سعد بن أبي وقاص) الزهري أبا القاسم المدني
نزيل الكوفة (أخبره أن أباه سعد بن أبي وقاص) مالك بن وهيب
أحد العشرة -رضي الله عنهم- (قال: استأذن عمر) -رضي الله
عنه- (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وعنده نساء من قريش) هن من أزواجه (يكلمنه) عليه الصلاة
والسلام (ويستكثرنه) من النفقة حال كونهن (عالية أصواتهن)
زاد في المناقب على صوته،
ولعله كان قبل تحريم رفع الصوت على صوته أو كان ذلك من
طبعهن (فلما استأذن عمر) في الدخول (فمن) حال كونهن
(يبتدرن الحجاب) أي يتسارعن إليه، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: في الحجاب (فأذن له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يدخل فدخل (ورسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحك) جملة حالية (فقال عمر:
أضحك الله سنك يا رسول الله) يريد لازم الضحك وهو السرور
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(عجبت من هؤلاء اللاتي) بالمثناة الفوقية، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: اللائي بالهمزة بدل الفوقية (كن عندي)
يتكلمن (فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب) هيبة منك (قال عمر:
فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن) بفتح الهاء من الهيبة
(ثم قال) عمر -رضي الله عنه- لهن: (أي عدوّات أنفسهن
أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح الهاء فيهما كالسابقة (قلن: نعم. أنت أفظ
وأغلظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
أفظ وأغلظ بالمعجمتين بصيغة أفعل التفضيل من الفظاظة
والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله
تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل
عمران: 159] فإنه يقتضي أنه لم يكن فظًّا ولا غليظًّا. وفي
حديث صفته في التوراة مما أخرجه البيهقي وغيره عن كعب
الأحبار: ليس بفظ ولا غليظ. وأجاب الزركشي: بأن أفعل
التفضيل قد يجيء لا للمشاركة في أصل الفعل كقولهم العسل
أحلى من الخل. قال في المصابيح وهو كلام إقناعي لا تحرير
فيه وتحريره أن لأفعل حالات.
إحداها: وهي الأصلية أن تدل على ثلاثة أمور. أحدها: اتصاف
من هو له بالحدث الذي اشتق منه وبهذا المعنى كان وصفًا،
والثاني مشاركة مصحوبة له في تلك الصفة، والثالث: تمييز
موصوفة على مصحوبة فيها وبكل من هذين المعنيين فارق غيره
من الصفات.
الحالة الثانية: أن يبقى على معانيه الثلاثة، ولكن يخلع
منه قيد المعنى الثاني ويخلفه قيد آخر، وذلك أن المعنى
الثاني وهو الاشتراك كان مقيدًا بتلك الصفة التي هي المعنى
الأول فيصير مقيدًا بالزيادة التي هي المعنى الثالث. ألا
ترى أن المعنى في قولهم: العسل أحلى من الخل أن للعسل
حلاوة وأن تلك الحلاوة ذات زيادة وأن زيادة حلاوة العسل
أكثر من زيادة
(5/301)
حموضة الخل قاله ابن هشام في حاشية التسهيل
وهو بديع جدًا.
الحالة الثالثة: أن يخلع منه المعنى الثاني وهو المشاركة،
وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون
للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة
وذلك نحو قولك: يوسف أحسن أخوته اهـ.
وحاصله أن الأفظ هنا بمعنى فظ. قال في الفتح: وفيه نظر
للتصريح بالرَجيح المقتضي لحمل أفعل على بابه، والجواب أن
الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة فلا يستلزم ما في
الحديث بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند
إنكار المنكر مثلاً فقد أمره الله تعالى بالأغلاظ على
الكافرين والمنافقين في قوله تعالى: {واغلظ عليهم}
[التوبة: 73] فالنفي بالنسبة إلى المؤمنين والأمر بالنسبة
إلى الكافرين والمنافقين أو النفي محمول على طبعه الكريم
الذي
جبل عليه والأمر محمول على المعالجة وكان عمر مبالغًا في
الزجر عن المكروهات مطلقًا، وفي طلب المندوبات كلها فلذا
قال النسوة له ذلك.
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا) بفاء
مفتوحة فجيم مشددة طريقًا واسعًا (إلا سلك فجًّا غير فجك).
قال النووي: هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب
إذا رآه. وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون على سبيل ضرب
المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف
كل ما يحبه الشيطان، وسقط لأبي ذر: والذي نفسي بيده.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل عمر ومسلم في الفضائل
والنسائي في المناقب واليوم والليلة.
3295 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا
اسْتَيْقَظَ -أُرَاهُ أَحَدُكُمْ- مِنْ مَنَامِهِ
فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدَّثني بالإفراد (إبراهيم
بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب
بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي الزبيري (قال: حدّثني)
بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز
واسم أبي حازم سلمة بن دينار (عن يزيد) بن عبد الله بن
أسامة بن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التميمي
القرشي (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله بن عثمان التميمي
القرشي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا استيقظ -أراه) بضم الهمزة أي أظنه (أحدكم- من منامه)
سقط لأبي ذر عن الكشميهني أراه أحدكم (فتوضأ فليستنثر
ثلاثًا) بأن يخرج ما في أنفه من أذى بنفسه بعد الاستنشاق
لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن،
وبإزالة ما فيه تصح مجاري الحروف (فإن الشيطان يبيت على
خيشومه) حقيقة لأن الأنف أحد المنافذ التي يتوصل منها إلى
القلب لا سيما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه
وسوى الأذنين، وقد جاء في التثاؤب الأمر بكظمه من أجل دخول
الشيطان حينئذٍ في الفم، ويحتمل أن يكون على الاستعارة
فإنه ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذر يوافق الشيطان
قاله القاضي عياض.
وقال التوربشتي والبيضاوي: الخيشوم هو أقصى الأنف المتصل
بالبطن المقدم من الدماغ الذي هو موضع الحسن المشترك
ومستقر الخيال فإذا نام تجتمع فيه الأخلاط وييبس عليه
المخاط ويكل الحس ويتشوش الفكر فيرى أضغاث أحلام فإذا قام
من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال واستعصى
عليه النظر الصحيح وعسر الخضوع والقيام على حقوق الصلاة
وأدائها.
ثم قال التوربشتي: ما ذكر هو من طريق الاحتمال وحق الأدب
دون الكلمات النبوية التي هي مخازن لأسرار الربوبية ومعادن
الحكم الإلهية أن لا يتكلم في هذا الحديث وأخواته لأن الله
تعالى خصّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بغرائب المعاني وكاشفه عن حقائق الأشياء ما يقصر عن بيانه
باع الفهم ويكلّ عن إدراكه بصر العقل اهـ.
وظاهر الحديث يقتضي أن يحصل هذا لكل نائم، ويحتمل أن يكون
مخصوصًا بمن لم يحترز من الشيطان بشيء من الذكر كما في
حديث آية الكرسي: ولا يقربك شيطان.
وسقط
(5/302)
للمستملي قوله: يبيت، وهذا الحديث أخرجه
مسلم والنسائي في الطهارة.
12 - باب ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ.
لِقَوْلِهِ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
آيَاتِي} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَمَّا يَعْمَلُونَ}.
{بَخْسًا}: نَقْصًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَجَعَلُوا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}: قَالَ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ
وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ. قَالَ
اللَّهُ: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ
لَمُحْضَرُونَ}: سَيُحْضَرُونَ لِلْحِسَابِ. {جُنْدٌ
مُحْضَرُونَ}: عِنْدَ الْحِسَابِ.
(باب ذكر) وجود (الجن و) ذكر (ثوابهم) على الطاعات (و) ذكر
(عقابهم) على المعاصي، وقد دلت على وجودهم نصوص الكتاب
والسنة مع إجماع كافة العلماء في عصر الصحابة والتابعين
عليه وتواتر نقله عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
تواترًا ظاهرًا يعلمه الخاص والعام فلا عبرة بإنكار
الفلاسفة والباطنية وغيرهم ذلك، وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر
القرشي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: خلق الله تعالى
الجن قبل آدم بألفي سنة.
وفي ربيع الأبرار للزمخشري عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله
خلق الخلق أربعة أصناف الملائكة والشياطين والجن والإنس،
ثم جعل هؤلاء الأربعة عشرة أجزاء فتسعة منهم الملائكة وجزء
واحد الشياطين والجن والإنس، ثم جعل هؤلاء الثلاثة عشرة
أجزاء فتسعة منهم الشياطين وواحد الجن والإنس، ثم جعل الجن
والإنس عشرة أجزاء فتسعة منهم الجن وواحد منهم الإنس". قال
صاحب آكام المرجان: فعلى هذا تكون نسبة الإنس من الخلق
كنسبة الواحد من الألف، ونسبة الجن من الخلق كنسبة التسعة
من الألف، ونسبة الشياطين من الخلق كنسبة التسعين من
الألف، ونسبة الملائكة من الخلق كنسبة التسعمائة من الألف،
وقد ثبت في القرآن والسنة أن أصل الجن النار كما أن أصل
الإنس الطين.
فإن قلت: إذا ثبت أنهم من النار فكيف تحرقهم الشهب عند
استراقهم السمع والنار لا تحرق النار؟ أجيب: بأنه ليس
المراد أن الجني نار حقيقة وإن كان أصله منها، كما أن
الآدمي ليس
طينًا وإن كان أصله منه، وفي حديث عروص الشيطان له في
صلاته أنه خنقه حتى وجد برد ريقه على يده ولو كانت ذاته
نارًا محرقة لما كان له ريق بارد بل ولا ريق أصلاً.
وقد اختلف في صفتهم فقال أبو يعلى بن الفراء: هم أجسام
مؤلفة وأشخاص مركبة يجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة إذ
لا يمكن معرفتها على التعيين إلا بالمشاهدة أو بإخبار الله
تعالى أو رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكل
مفقود، وقول المعتزلة: إنما هم أجسام رقيقة ولرقتهم لا
نراهم مردود فإن الرقة ليست بمانعة عن الرؤية، ويجوز أن
يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا
إدراكها، وقد روى إسحاق في المبتدأ عن عكرمة عن ابن عباس
لما خلق الله سوميًا أبا الجن وهو الذي خلق من مارج من نار
قال تبارك وتعالى: تمنّ قال: أتمنى أن نرى ولا نرى وأن
نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شابًّا. قال: فأعطي ذلك فهم
يرون ولا يرون وإذا ماتوا غيبوا فى الثرى ولا يموت كهلهم
حتى يعود شابًّا يعني مثل الصبي ثم يردّ إلى أرذل العمر
اهـ.
فخلق الله تعالى في عيون الجن إدراكًا يرون به الإنس ولا
يرونهم لأنه تعالى لم يخلق لهم ذلك الإدراك قال تعالى:
{إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27] وهو
يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص.
قال ابن عساكر في كتاب الزهادة في طلب الشهادة فيما نقله
عنه في الآكام: وممن ترد شهادته ولا تسلم له عدالته من
يزعم أنه يرى الجن عيانًا ويدعي أن له منهم إخوانًا، ثم
روى بسنده إلى حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه
يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى في كتابه الكريم {إنه
يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27] وعن
الربيع سمعت الشافعي يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى
الجن أبطلت شهادته لأن الله تعالى يقول: {إنه يراكم}
الآية. إلا أن يكون نبيًا.
قال في الفتح: وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم
التي خلقوا عليها، وأما من زعم أنه يراهم بعد أن يتصوروا
على صورة شيء من الحيوان فلا، وقد تواترت الأخبار بتصورهم
في صور شتى فيتصوّرون بصور بني آدم كما أتى الشيطان قريشًا
في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر
وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. وفي صورة
شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة.
(5/303)
وفي صورة الحيات. ففي الترمذي عن أبي سعيد
الخدري مرفوعًا: "إن بالمدينة نفرًا من الجن فإذا رأيتم من
هذه الهوام شيئًا فآذنوه ثلاثًا فإن بدا لكم فاقتلوه".
وفي صورة الكلاب. واختلف في ذلك فقيل: هو تخييل فقط ولا
قدرة لهم على تغيير خلقتهم والانتقال في الصور، وإنما يجوز
أن يعلمهم الله كلمات وضربًا من ضروب الأفعال إذا تكلموا
بها وفعلوها نقلهم الله تعالى من صورة إلى صورة فيقال:
إنهم قادرون على التصوير والتخييل على معنى أنهم قادرون
على قول إذا قالوه نقلهم الله من صورة إلى أخرى، وأما
تصوير
أنفسهم فذلك محال لأن انتقال الصورة إلى أخرى إنما يكون
ينقض البنية. وتفريق الأجزاء وإذا نقضت بطلت تلك الحياة
واستحال وقوع الفعل بالجملة، وكذا القول في تشكل الملائكة
وقد ذكر ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن أبي شيبة.
قال ابن حجر: بإسناد صحيح أن الغيلان ذكروا عند عمر فقال:
إن أحدًا لا يستطيع أن يتغير عن صورته التي خلقه الله
تعالى عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم ذلك فأذنوا.
وفي حديث عبد الله بن عبيد بن عمير قال: سئل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الغيلان. قال "هم
سحرة الجن". ورواه إبراهيم بن هراسة عن جرير بن حازم بن
عبد الله بن عبيد عن جابر وصله.
وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله
عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال:
"الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف
حيات، وصنف يحلون ويظعنون". ورواه الحاكم وقال: صحيح
الإسناد.
وفي حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "خلق الله الجن ثلاثة
أصناف: صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح في
الهواء، وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب. وخلق الله
بني آدم أصنافًا: صنف منهم كالبهائم. قال الله تعالى: {إن
هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} [الفرقان: 44] وصنف
أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف في
ظل الله يوم لا ظل إلا ظله". قال ابن حبان: رواه يزيد بن
سفيان الرهاوي عن أبي المنيب عن يحيى بن أبي كثير عن أبي
سلمة عن أبي الدرداء. ويزيد بن سفيان ضعفه يحيى وأحمد وابن
المديني، واختلف في الجن هل يأكلون ويشربون؟ والصحيح الذي
عليه الجمهور أنهم يأكلون ويشربون، ويدل لذلك الأحاديث
الصحيحة والعمومات الصريحة.
منها: حديث أمية بن مخشي عند أبي داود: كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالسًا ورجل يأكل ولم
يسم حتى إذا لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه
قال: بسم الله أوله وآخره فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه
فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه".
وفي الصحيحين أن الجن سألوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الزاد فقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في
يد أحدهم أوفر ما يكون لحمًا وكل بعر علف لدوابهم" وفي
البخاري أن الروث والعظم طعام الجن.
وفي أبي داود: كل عظم لم يذكر اسم الله عليه فالأول محمول
على الجن المؤمنين، والثاني في حق الشياطين. وفي هذا رد
على من زعم أن الجن لا تأكل ولا تشرب، وتأول قوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الشيطان يأكل بشماله
ويشرب بشماله" على المجاز أي أكل يحبه الشيطان ويدعو إليه
ويزينه. قال ابن عبد البر: وهذا ليس بشيء ولا معنى لحمل
شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة
بوجه ما، وأما قول بعضهم أكل الجن صحيح ولكنه تشمم
واسترواح لا مضغ وبلع وإنما المضع والبلع لذوي الجثث فلا
دليل عليه، وكونهم أجسادًا رقيقة لا يمنع أن يكونوا ممن
يأكل ويشرب، وبالجملة فالقائلون إن الجن لا تأكل ولا تشرب
إن أرادوا جميعهم فباطل لمصادمتهم الأحاديث الصحيحة، وإن
أرادوا صنفًا منهم فمحتمل، لكن العمومات تقتضي أن الكل
يأكلون ويشربون. وقول الله تعالى: {لم يطمثهن إنس قبلهم
ولا جان} [الرحمن: 56] يدل على أنه يتأتى من الجن الطمث
وهو الافتضاض وهو الجماع الذي يكون معه تدمية من الفرج أو
المسيس بالمجامعة، وكذا قوله تعالى: {أفتتخذونه وذريته
أولياء من دوني} [الكهف: 50]
(5/304)
فإنه يدل على أنهم يتناكحون لأجل الذرية
ورقتهم لا تمنع من توالدهم إذا كان ما يلدونه رقيقًا ألا
ترى أنا قد نرى من الحيوان ما لا يتبين للطافته إلا
بالتأمل ولا يمنع ذلك من التوالد، وغالب ما توجد الجن في
مواضع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل، وكثير من أهل
الضلالات والبدع المظهرين للزهد والعبادة على غير الوجه
الشرعي يأوون إلى مواضع الشياطين المنهي عن الصلاة فيها
يقع لهم فيها بعض مكاشفات لأن الشياطين تنزل عليهم فيها
وتخاطبهم ببعض الأمر كما تخاطب الكهان، وكما كانت تدخل في
الأصنام وتكلم عابديها.
واختلف هل هم مكلفون؟ فذهب الحشوية إلى أنهم مضطرون إلى
أفعالهم وليسوا مكلفين، والذي عليه الجمهور أنهم مكلفون
مخاطبون مثابون على الطاعات معاقبون على المعاصي (لقوله)
عز وجل: ({يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم}) في
موضع رفع صفة لرسل ({يقصون عليكم آياتي}) [الأنعام: 130]
إلى قوله: ({عما يعملون}) وسقط لأبي ذر إلى قوله: {عما
يعملون} وقال: الآية ويحتمل أن تكون يقصون صفة ثانية لرسل
وأن تكون في موضع نصب على الحال وصاحبها رسل وإن كان نكرة
لتخصيصه بالوصف أو الضمير المستتر في منكم، وزعم الفراء أن
في الآية حذف مضاف أي: ألم يأتكم رسل من أحدكم يعني من جنس
الإنس كقوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن:
22] وإنما يخرجان من الملح فالتقدير يخرج من أحدهما وإنما
يحتاج إلى ذلك لأن الرسل عنده مختصة بالإنس يعني أنه يعتقد
أن الله ما أرسل للجن رسولاً منهم بل إنما أرسل إليهم
الإنس ولم يرسل من الجن إلا بواسطة رسالة الإنس لقوله
تعالى: {ولّوا إلى قومهم منذرين} [الأحقاف: 29] وعلى هذا
فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، وإن قلنا: إن رسل الجن من الإنس
لأنه يطلق عليهم رسل مجازًا لكونهم رسلاً بواسطة رسالة
الإنس والإجماع على أن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مبعوث إلى الثقلين الجن والإنس، وتمسك قوم منهم
الضحاك وقالوا: بعث إلى كل من الثقلين رسل منهم وإن الله
تعالى أرسل إلى الجن رسولاً منهم اسمه يوسف. قال ابن جرير:
وأما الذين قالوا بقول الضحاك فإنهم قالوا إن الله تعالى
أخبر أن من الجن رسلاً أرسلوا إليهم، ولو جاز أن يكون خبره
عن رسل الجن بمعنى أنهم رسل الإنس جاز أن يكون خبره عن رسل
الإنس بمعنى أنهم رسل الجن. قالوا: وفي فساد هذا المعنى ما
يدل على أن الخبرين جميعًا بمعنى الخبر عنهم أنهم رسل الله
تعالى لأن ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره.
قال في الآكام: ويدل لما قاله الضحاك حديث ابن عباس عند
الحاكم قال: ومن الأرض مثلهن قال سبع أرضين في كل أرض نبي
كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم،
وعيسى كعيساكم. قال الذهبي: إسناده حسن وله شاهد عند
الحاكم أيضًا عن ابن عباس قال في قوله: {سبع سماوات ومن
الأرض مثلهن} [الطلاق: 12] قال في كل أرض نحو إبراهيم
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال الذهبي: حديث
على شرط الشيخين رجاله أئمة إذا تقرر أنهم مكلفون فهم
مكلفون بالتوحيد وأركان الإسلام وأما ما عداه من الفروع
فاختلف فيها لما ثبت من النهي عن الروث والعظم وإنهما زاد
الجن.
واختلف هل يثابون على الطاعات؟ فروى ابن أبي الدنيا عن ليث
بن أبي سليم قال: ثواب الجن أن يجاروا من النار ثم يقال
لهم: كونوا ترابًا. وروي عن أبي حنيفة نحوه، وذهب الجمهور
وهو مذهب الأئمة الثلاثة أنهم يثابون على الطاعة. وعن مالك
أنه استدلّ على أن عليهم العقاب ولهم الثواب بقوله تعالى:
{ولمن خاف مقام ربه جنتان} ثم قال: {فبأي آلاء ربكما
تكذبان} [الرحمن: 46] والخطاب للإنس والجن، فإذا ثبت أن
فيهم مؤمنين والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه ثبت
المطلوب. وهل يدخلون الجنة كالإنس؟ والجمهور على أنهم
يدخلون ولا يأكلون فيها ولا يشربون، بل يلهمون التسبيح
والتقديس. وحكاه الكمال الدميري عن مجاهد واستغربه. وقال
الحرث المحاسبي: نراهم فيها ولا يرونا عكس ما في الدنيا
(5/305)
وقيل: لا يدخلونها بل يكونون في ربضها وهذا
مأثور عن مالك والشافعي وأحمد، وقيل: إنهم على الأعراف
وتوقف بعضهم عن الجواب في هذا.
({بخسًا}) في قوله تعالى: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسًا}
[الجن: 13] أي (نقصًا) قاله يحيى الفراء. والمراد النقص في
الجزاء وفي الآية دليل على ثبوت أنهم مكلفون (قال) ولأبي
الوقت وقال (مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى:
{وجعلوا بينه}) سبحانه وتعالى ({وبين الجنة نسبًا} قال):
هم (كفار قريش) قالوا (الملائكة بنات الله وأمهاتهم) ولأبي
ذر: وأمهاتهن والأولى أوجه (بنات سروات الجن) بفتحات أي
ساداتهم (قال الله) عز وجل: ({ولقد علمت الجنة إنهم}) أي
قائلي هذا القول وهم الكفار ({لمحضرون}) [الصافات: 158] أي
(ستحضر للحساب) وسمي الملائكة جنة لاجتنانهم عن الأبصار.
({جند محضرون}) [يس: 75] في سورة يس أي (عند الحساب).
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: محضر بالإفراد والصواب
الأول وهو لفظ القرآن.
3296 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
-رضي الله عنه- قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ
الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ
وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ
صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى
صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ
إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو
سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
ويه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن عبد
الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه) عبد
الله (أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال
له) أي لعبد الله (إني أراك تحب الغنم و) تحب (البادية)،
الصحراء التي لا عمارة فيها لأجل إصلاح الغنم بالرعي وهو
في الغالب يكون فيها (فإذا كنت في) أي بين (غنمك) في غير
بادية أو فيها (أو) في (باديتك) من غير غنم أو معها أو هو
شك من الراوي (فأذنت بالصلاة) أي أعلمت بوقتها (فارفع صوتك
بالنداء) بالأذان (فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن) أي غايته
(جن ولا إنس ولا شيء) من حيوان أو جماد بأن يخلق الله
تعالى له إدراكًا (إلا شهد له يوم القيامة) ليشتهر بالفضل
وعلو الدرجة. (قال أبو سعيد) الخدري: (سمعته من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وسبق هذا الحديث في باب رفع الصوت بالنداء من كتاب الأذان
والمراد منه هنا قوله فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن إلا
شهد له إذ إنه يدل على أن الجن يحشرون يوم القيامة.
13 - باب قَوْلِ اللَّهَِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ
صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} -إِلَى
قَوْلِهِ- {أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}. {مَصْرِفًا}:
مَعْدِلاً. {صَرَفْنَا}: أَىْ وَجَّهْنَا
(باب قوله عز وجل) وسقط باب لغير أبي ذر ({وإذ صرفنا إليك
نفرًا}) دون العشرة والجمع أنفار ({من الجن}) [الأحقاف:
29] (إلى قوله) جل وعلاً ({أولئك في ضلال مبين}) [الأحقاف:
32] أي حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه ({مصرفًا}) أي
(معدلاً) قاله أبو عبيدة ومراده قوله تعالى: {ولم يجدوا
عنها مصرفًا} {صرفنا}) في قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك
نفرًا من الجن} قال المؤلّف: (أي وجهنا). وكان ذلك حين
انصرف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راجعًا من
الطائف إلى مكة حين يئس من ثقيف. وعن ابن عباس أن الجن
كانوا سبعة من جن نصيبين فجعلهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسلاً إلي قومهم. وعن مجاهد فيما ذكره
ابن أبي حاتم: كانوا ثلاثة من حران وأربعة من نصيبين، وسمى
منهم ابن دريد وغيره شاصر وماصر ومنشى وماشى والأحقب، وعند
ابن إسحاق حسا ومسا وأنين والأخصم. وعند ابن سلام عمرو بن
جابر، وذكر ابن أبي الدنيا زوبعة ومنهم سرق، وقيل إنهم
كانوا اثني عشر ألفًا.
14 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ
كُلِّ دَابَّةٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ
الْحَيَّةُ الذَّكَرُ مِنْهَا، يُقَالُ الْحَيَّاتُ
أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. {آخِذٌ
بِنَاصِيَتِهَا} فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. يُقَالُ:
{صَافَّاتٍ} بُسُطٌ أَجْنِحَتَهُنَّ. {يَقْبِضْنَ}:
يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ
(باب قول الله تعالى {وبث}) نشر وفرق ({فيها}) في الأرض
({من كل دابة}) [لقمان: 10] ما دب من الحيوان (قال ابن
عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (الثعبان) في قوله
تعالى: {فإذا هي ثعبان مبين} [الأعراف: 107] (الحية الذكر
منها) وقيد بالذكر لأن لفظ الحية شامل للذكر والأنثى. قال
المؤلّف: (يقال الحيات أجناس: الجان) بتشديد النون الحية
البيضاء، (والأفاعي) جمع أفعى وهي الأنثى من الحيات والذكر
منها أفعوان بضم الهمزة والعين، (والأساود) جمع أسود. قال
أبو عبيدة: حيّة فيها سواد وهي أخبث الحيات. وزعموا أن
الحية تعيش ألف سنة وهي في كل سنة تسلخ جلدها. ومن غريب
أمرها أنها إذا لم تجد طعامًا عاشت بالنسيم وتقتات به
الزمن الطويل، وإذا كبرت صغر جرمها ولا ترد الماء ولا
تريده إلا أنها لا تملك نفسها عن الشراب إذا شمته لما في
طبعها من الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر،
وربما كان السكر سبب هلاكها، وتهرب من الرجل العريان وتفرح
بالنار وتطلبها
(5/306)
طلبًا شديدًا وتحب اللبن حبًا شديدًا ({أخذ
بناصيتها}) [هود: 56] في قوله تعالى: {ما من دابة إلا هو
آخذ بناصيتها} أي (في ملكه) بضم الميم في غير اليونينية
والذي في اليونينية كسرها (وسلطانه) قاله أبو عبيدة. (يقال
ْ {صافات}) أي (بسط) بضم الموحدة والمهملة مرفوع منوّن
(أجنحتهن) بنصب التاء ({يقبضن}) أي (يضربن بأجنحتهن). قاله
أبو عبيدة أيضًا في قوله تعالى: {أولم يروا إلى الطير
فوقهم صافات ويقبضن} [الملك: 19].
3297 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما-: "أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ:
اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ
وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ
وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ". [الحديث 3297 - أطرافه في:
3310، 3312، 4016].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (حدّثنا معمر، هو ابن راشد
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن ابن عمر رضي
الله عنهما أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يخطب على المنبر يقول):
(اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين) بضم الطاء المهملة
وسكون الفاء تثنية طفية، وهو الذي على ظهره خطان أبيضان
(والأبتر) الذي لا ذنب له أو قصيره أو الأفعى التي قدر شبر
أو أكثر قليلاً (فإنهما يطمسان البصر) أي يمحوان نوره
(ويستسقطان) بسينين مهملتين ساكنتين بينهما فوقية مفتوحة
وضبب عليها في الفرع، وفي نسخة به: ويسقطان (الحبل). بفتح
الحاء المهملة والموحدة أي الولد إذا نظرت إليهما الحامل.
ومن الحيات نوع إذا وقع نظره على إنسان مات من ساعته وآخر
إذا سمع صوته مات وإنما أمر بقتل ذي الطفيتين والأبتر لأن
الشيطان لا يتمثل بهما قاله الداودي وهو متعقب بما سيأتي
قريبًا إن شاء الله تعالى.
3298 - "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ
حَيَّةً لأَقْتُلَهَا، فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ: لاَ
تَقْتُلْهَا فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ
الْحَيَّاتِ. فَقَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ
ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، وَهْيَ
الْعَوَامِرُ". [الحديث 3298 - أطرافه في: 3311، 3313].
(قال عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (فبينا) بغير ميم
(أنا أطارد) أي أتبع وأطلب (حية لأقتلها) أي لأن اقتلها
(فناداني أبو لبابة) بضم اللام وتخفف الموحدة. قال
الكرماني: اسمه رفاعة على الأصح بكسر الراء وبالفاء ابن
عبد المنذر الأوسي النقيب. وقال الحافظ ابن حجر: صحابي
مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة، وقيل مصغر،
وقيل بتحتية ومهملة مصغرًا وشذ من قال اسمه مروان (لا
تقتلها. فقلت) له: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد أمر بقتل الحيات قال): ولأبي ذر: فقال (إنه
نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت) أي اللاتي توجدن في البيوت
لأن الجني يتمثل بها، وخصصه مالك ببيوت المدينة، وفي مسلم:
إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه
ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه. فإنما هو شيطان.
قال الزهري: (وهي العوامر). أي سكانها من الجن سمين لطول
لبثهن فيها من العمر وهو طول البقاء.
3299 - وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ:
فَرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ، أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ.
وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ
الْكَلْبِيُّ وَالزُّبَيْدِيُّ. وَقَالَ صَالِحٌ وَابْنُ
أَبِي حَفْصَةَ وَابْنُ مُجَمِّعٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ
وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ".
(وقال عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد
أي عن الزهري (فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب) أخو عمر
على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر. (وتابعه) أي
تابع معمرًا (يونس) بن يزيد فيما وصله مسلم (وابن عيينة)
سفيان مما وصله أحمد (وإسحاق) بن يحيى (الكلبي) فيما ذكره
في نسخته (والزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن
الوليد الحمصي فيما وصله مسلم. (وقال صالح) هو ابن كيسان
مما وصله مسلم وأبو عوانة (وابن أبي حفصة) محمد البصري مما
ذكره في نسخته من طريق أبي أحمد بن عدي موصولة (وابن مجمع)
بميم مضمومة فجيم مفتوحة فميم مشدّدة مكسورة إبراهيم بن
إسماعيل الأنصاري المدني مما وصله البغوي وابن السكن في
كتاب الصحابة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن ابن
عمر: رآني) ولأبي ذر عن المستملي فرآني (أبو لبابة وزيد بن
الخطاب). كلاهما من غير شك.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
15 - باب خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا
شَعَفَ الْجِبَالِ
هذا (باب) بالتنوين (خير مال المسلم غنم) اسم جن يشمل
المذكور والإناث (يتبع) بسكون الفوقية (بها شعف الجبال)
بفتح الشين المعجمة والعين المهملة أعلاها.
3300 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
-رضي الله عنه- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ
غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ
الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن بن عبد الله
بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) الأنصاري (عن أبيه عن أبي
سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يوشك) بكسر المعجمة يقرب (أن يكون خير مال الرجل) ولأبي
ذر المسلم بدل الرجل (غنم) رفع اسم كان مؤخرًا
(5/307)
نكرة موصوفة ونصب خير خبرها مقدّمًا. وفي
اليونينية في نسخة غنمًا نصب خبرها خير رفع اسمها ويجوز
رفعها على الابتداء والخبر ويقدّر في يكون ضمير الشأن
(يتبع بها شعف الجبال) رؤوسها (ومواقع القطر)، بطون
الأدوية والصحارى أي يتبع بها مواقع العشب والكلأ في شعاف
الجبال حال كونه (يفر بدينه من الفتن). طلبًا لسلامته لا
لقصد دنيوي والباء للمصاحبة أو للسببية.
وهذا الحديث سبق في باب من الدين الفرار من الفتن.
3301 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ
وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ،
وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي
أَهْلِ الْغَنَمِ». [الحديث 3301 - أطرافه في: 3499، 4388،
4389، 4390].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن
الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(رأس الكفر نحو المشرق)، بنصب نحو لأنه ظرف وهو مستقر في
محل رفع خبر المبتدأ، ولأبي ذر عن الكشميهني: قبل المشرق
أي أكثر الكفرة من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه
ومنه يخرج الدجال. قال في الفتح: وفي ذلك إشارة إلى شدة
كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من
جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القوّة
والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه واستمرت الفتن من قبل المشرق
(والفخر) بالخاء المعجمة كإعجاب النفس (والخيلاء) بضم
الخاء المعجمة وفتح التحتية ممدودًا الكبر واحتقار الغير
(في أهل الخيل والإبل والفدّادين) بفتح الفاء والدال
المشددة المهملة وحكي تخفيفها وبعد الألف أخرى مخففة
مكسورة. قال في القاموس. الفداد مالك المئين من الإبل إلى
الألف والمتكبر والجمع الفدادون وهم أيضًا الجمالون
والرعيان والبقارون والحمارون والفلاحون وأصحاب الوبر
والذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم والمكثرون من
الإبل، وقال الخطابي: إن رؤيته
بتشديد الدال فهو جمع فداد وهو الشديد الصوت وذلك من دأب
أصحاب الإبل وإن رويته بتخفيفها فهو جمع الفدان وهو آلة
الحرث البقر، وعلى هذا فالمراد أصحاب الفدادين فهو على حذف
مضاف وإنما ذم ذلك لأنه يشغل عن أمر الدين ويلهي عن الآخرة
وذلك يفضي إلى قساوة القلب، وقال القرطبي: ليس في رواية
الحديث إلا التشديد وهو الصحيح على ما قاله الأصمعي وغيره.
وقال ابن فارس: في الحديث الجفاء والقسوة في الفدادين أي
أصحاب الحروث والمواشي.
(أهل الوبر)، بفتح الواو والموحدة بيان للفدادين أي ليسوا
من أهل الحضر. بل من أهل البدو. قال في القاموس: المدر
محركة المدن والحضر. (والسكينة) بفتح السين وتخفيف الكاف،
وفي الفاموس بكسرها مشددة الطمأنينة. وقال ابن خالويه:
السكينة مصدر سكن سكينة وليس في المصادر له شبيه إلا
قولهم: عليه ضريبة أي خراج معلوم (في أهل الغنم) لأنهم في
الغالب دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر
والخيلاء. وفي حديث أم هانئ المروي في ابن ماجه أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها "اتخذي الغنم
فإن فيها بركة".
3302 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ نَحْوَ
الْيَمَنِ فَقَالَ: الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا، أَلاَ
إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ
عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ
قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". [الحديث
3302 - أطرافه في: 3498، 4387، 5303].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
هو القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي مولاهم البجلي
(قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم البجلي (عن
عقبة بن عمرو أبي مسعود) الأنصاري البدري أنه (قال: أشار
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده نحو
اليمن فقال):
(الإيمان يمان) مبتدأ وخبر وأصله يمني بياء النسبة فحذفوا
الياء للتخفيف وعوضوا الألف بدلها أي الإيمان منسوب إلى
أهل اليمن، وحمله ابن الصلاح على ظاهره وحقيقته لإذعانهم
إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف غيرهم
ومن اتصف بشيء وقوي إيمانه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارًا
بكمال حاله فيه، فكذا حال أهل اليمن حينئذٍ، وحال الوافدين
منهم في حياته وفي أعقابه كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني
وشبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه فكانت نسبة الإيمان
إليهم بذلك إشعارًا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك
(5/308)
نفي له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله
عليه الصلاة والسلام "الإيمان في أهل الحجاز" ثم المراد
بذلك الموجودون منهم حينئذٍ لا كل أهل اليمن في كل زمان،
فإن اللفظ لا يقتضيه. وصرفه بعضهم عن ظاهره من حيث إن مبدأ
الإيمان من مكة ثم من المدينة حرسهما الله تعالى وردّني
إليهما ردًّا جميلاً.
وحكى أبو عبيد في ذلك أقوالاً فقيل: مكة لأنها من تهامة
وتهامة من أرض اليمن، وقيل: مكة والمدينة، فإنه يروي في
الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله وهو
بتبوك ومكة والمدينة حينئذٍ بينه وبين اليمن وأشار إلى
ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال: الإيمان يمان
فنسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذٍ من ناحية اليمن، وقيل:
المراد الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم
لكونهم أنصاره وعورض بأن في بعض طرقه عند مسلم: أتاكم أهل
اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذًا غيرهم،
وفي قوله في حديث الباب أشار بيده نحو اليمن إشارة إلى أن
المراد به أهلها حينئذٍ لا الذين كان أصلهم منها.
(هاهنا ألا) بالتخفيف (أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين)
أي المصوتين (عند أصول أذناب الأبل) عند سوقهم لها (حيث
يطلع قرنا الشيطان) بالتثنية جانبا رأسه لأنه ينتصب في
محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرني رأسه أي
جانبيه فتقع السجدة له حين يسجد عبدة الشمس (في ربيعة
ومضر) متعلق بالفدادين. وقال الكرماني: بدل منه. وقال
النووي: أي القسوة في ربيعة ومضر الفدادين، والمراد اختصاص
المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر كما قال في الحديث
الآخر: "رأس الكفر نحو المشرق". وكان ذلك في عهده -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال ذلك، ويكون حين يخرج
الدجال من المشرق وهو فيما بينهما منشأ الفتن العظيمة
ومثار الكفرة الترك العاتية الشديدة البأس.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والمناقب والمغازي
ومسلم في الإيمان.
3303 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ
صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ
الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) هو
ابن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل ابن حسنة
القرشي (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(إذا سمعتم صياح الديكة) بكسر الدال المهملة وفتح التحتية
جمع ديك ويجمع في القلة على أدياك وفي الكثرة على ديوك
وديكة (فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكًا) بفتح اللام
رجاء تأمينه على دعائكم واستغفاره لكم وشهادته لكم بالتضرع
والإخلاص فتحصل الإجابة وفيه استحباب الدعاء عند حضور
الصالحين، وأعظم ما في الديك من الخواص العجيبة معرفة
الأوقات الليلية فيقسط أصواته عليها تقسيطًا لا يكاد يغادر
منه شيئًا سواء طال النهار أو قصر، ويوالي صياحه قبل الفجر
وبعده، فسبحان من هداه لذلك، ولهذا أفتى القاضي حسين
والمتولي والرافعي بجواز اعتماد الديك المجرب في أوقات
الصلوات.
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان من حديث زيد
بن خالد أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: "لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة قال الحليمي:
فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب
ويستهان بل حقه أن يكرم ويشكر ويتلقى بالإحسان، وليس معنى
دعاء الديك إلى الصلاة أنه يقول بصراخه صلوا أو حانت
الصلاة بل معناه أن العادة جرت أنه يصرخ صرخات متتابعة عند
طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها فيذكر الناس
بصراخه الصلاة، ولا يجوز لهم أن يصلوا بصراخه من غير دلالة
سواها إلا من جرب منه ما لا يخلف فيصير ذلك له إشارة والله
الموفق.
(وإذا سمعتم نهيق الحمار) جمعه حمير وحمر وأحمرة (فتعوذوا
بالله من الشيطان) من شره وشر وسوسته (فإنه رأى شيطانًا)
ولأبي ذر: فإنها رأت شيطانًا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات وأبو داود في الأدب
والترمذي في الدعوات والنسائي في التفسير واليوم والليلة.
3304 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ قال:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ
سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-
قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أَوْ
أَمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ
الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ
سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا
الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا». قَالَ
وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ مَا أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ وَلَمْ
يَذْكُرْ «وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما عند أبي نعيم
أو
(5/309)
ابن منصور بن كوسج المروزي قال: (أخبرنا
روح) بفتح الراء بعد الواو الساكنة حاء مهملة ابن عبادة
(قال: أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال:
أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابر بن
عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا كان جنح الليل) بضم الجيم وسكون النون ظلامه أو أول
ظلامه (أو أمسيتم) بالشك من الراوي أي دخلتم في المساء
(فكفوا صبيانكم) عن الانتشار (فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ)
وربما يتعلقون بهم فيؤذونهم (فإذا ذهب) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فإذا ذهبت (ساعة من الليل فحلوهم) بالحاء
المهملة المضمومة، ولأبي ذر عن المستملي والحموي: فخلوهم
بالخاء المعجمة المفتوحة (وأغلقوا الأبواب) بقطع همزة
وأغلقوا (واذكروا اسم الله) عليها (فإن الشيطان لا يفتح
بابًا مغلقًا). وهذا الحديث سبق في باب: صفة إبليس وجنوده.
(وقال) ابن جريج (وأخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار) أنه
(سمع جابر بن عبد الله) يروي هذا الحديث (نحو ما أخبرني)
بالإفراد (عطاء و) لكنه (لم يذكر) قوله (واذكروا اسم الله)
كما ذكره عطاء في روايته.
3305 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُقِدَتْ أُمَّةٌ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدْرَى مَا فَعَلَتْ،
وَإِنِّي لاَ أُرَاهَا إِلاَّ الْفَأرَ: إِذَا وُضِعَ
لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ
لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ. فَحَدَّثْتُ كَعْبًا
فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِي
مِرَارًا، فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم
البصري (عن خالد) ولغير أبي ذر حدّثنا خالد هو الحذاء (عن
محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(فقدت) بضم الفاء وكسر القاف مبنيًا للمفعول (أمة) رفع
نائبًا عن الفاعل طائفة (من بني إسرائيل لا يدرى) بضم
التحتية وفتح الراء (ما فعلت وإني لا أراها) بضم الهمزة لا
أظنها (إلا الفأر) بإسكان الهمزة زاد مسلم في طريق أخرى عن
ابن سيرين مسخ وآية ذلك (إذا وضع لها ألبان الأبل لم تشرب)
لأن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل (وإذا وضع
لها ألبان الشاء) أي الغنم (شربت) لأنها حلال لهم كلحمها
وهو دليل على المسخ. قال أبو هريرة (فحدثت كعبًا) هو كعب
الأحبار بذلك (فقال) لي (أنت سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقوله؟) قال أبو هريرة (قلت) له:
(نعم). سمعته (قال) ولأبي ذر: فقال أي كعب (لي) أنت سمعته
من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مرارًا)
قال أبو هريرة (فقلت) له (أفاقرأ التوراة؟) بهمزة
الاستفهام الإنكاري. وعند مسلم قال: أفأنزلت عليّ التوراة
أي أنا لا أقول إلا ما سمعته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أنقل عن التوراة، وقد اختلف في
الممسوخ هل يكون له نسل أم لا؟ فذهب أبو إسحاق الزجاج وابن
العربي أبو بكر إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ
تمسكًّا بحديث الباب، وقال الجمهور: لا. وهو المعتمد لحديث
ابن مسعود عند مسلم مرفوعًا: إن الله لم يهلك قومًا أو
يعذب قومًا فيجعل لهم نسلاً وإن القردة والخنازير كانوا
قبل ذلك. وأجابوا عن حديث الباب بأنه عليه الصلاة والسلام
قاله قبل أن يوحى إليه بحقيقة الأمر في ذلك، ولذا لم يجزم
به بخلاف النفي فإنه جزم به كما في حديث ابن مسعود.
ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب أيام الجاهلية
بعون الله. وهذا الحديث أخرجه مسلم في أواخر صحيحه.
3306 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنِ ابْنِ
وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها-:
"إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ لِلْوَزَغِ: الْفُوَيْسِقُ. وَلَمْ أَسْمَعْهُ
أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَمَرَ بِقَتْلِهِ".
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير
الأنصاري مولاهم البصري نسبه لجده لشهرته به (عن ابن وهب)
عبد الله أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن
ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (يحدث عن عائشة -رضي
الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(للوزغ) بفتح الواو والزاي جمع وزغة ويجمع أيضًا على أوزاغ
ووزغان ووزاغ وأزغان وهي السام الأبرص وسميت بذلك لخفتها
وسرعة حركتها واللام في قوله للوزغ بمعنى عن أي قال عن
الوزغ (الفويسق) مصغرًا للذم والتحقير، وأصل الفسق الخروج
ووصفت هذه بالفسق كالمذكورين في الحديث الآتي قريبًا إن
شاء الله تعالى لخروجها عن معظم غيرها من الحشرات بالإيذاء
والإفساد. قالت عائشة: (ولم
(5/310)
أسمعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أمر بقتله) لا حجة فيه إذ لا يلزم من عدم
سماعها عدم وقوعه فقد سمعه غيرها بل جاء عنها من وجه آخر
عند الإمام أحمد وابن ماجه أنه كان في بيتها رمح موضوع
فسئلت عنه فقالت: نقتل به الوزغ فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرنا أن إبراهيم عليه السلام لما
ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار
إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها، لكن قال الحافظ ابن
حجر: والذي في الصحيح أصح، ولعل عائشة سمعت ذلك من بعض
الصحابة وأطلقت لفظ أخبرنا مجازًا أي أخبر الصحابة. قال
عروة أو عائشة أو الزهري.
(وزعم) أي قال (سعد بن أبي وقاص) -رضي الله عنه- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتله). فعلى
القول بأن عروة هو القائل يكون متصلاً لأن عروة سمع من
سعد، وعلى الثاني يكون من رواية القرين عن قرينه، وعلى
القول بأنه الزهري يكون منقطعًا قاله في الفتح مرجحًا
للأخير بأن الدارقطني أخرجه في الغرائب من طريق ابن وهب عن
يونس ومالك معًا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (للوزغ فويسق).
وعن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الوزغ، وقد أخرج
مسلم والنسائي وابن ماجه وابن حبان حديث عائشة من طريق ابن
وهب وليس عندهم حديث سعد، وأخرج مسلم وأبو داود وأحمد وابن
حبان من طريق معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الوزغ
وسماه فويسقًا، فكان الزهري وصله لمعمر وأرسله ليونس قال:
ولم أر من نبه على ذلك من الشراح ولا من أصحاب الأطراف
فللَّهِ الحمد اهـ.
ورجح العيني احتمال كون عائشة هي القائلة. وزعم بمقتضى
التركيب، ونقل الدميرى أن أصحاب الآثار ذكروا أن الوزغ أصم
وأن السبب في صممه ما تقدم من نفخه النار على إبراهيم فصم
لذلك وبرص.
وهذا الحديث سبق في باب: ما يقتل من الدواب من كتاب الحج.
3307 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بن الفضلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ
بْنِ شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أُمَّ
شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ".
[الحديث 3307 - طرفه في: 3359].
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي وسقط لغير أبي ذر
ابن الفضل قال: (أخبرنا
ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا عبد الحميد بن جبير بن
شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي المكي (عن سعيد
بن المسيب أن أم شريك) غزية بضم الغين المعجمة وفتح الزاي
مصغرًا عامرية قرشية أو أنصارية (أخبرته أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرها بقتل الوزغ).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء ومسلم في
الحيوان والنسائي وابن ماجه في الصيد.
3308 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْتُلُوا ذَا
الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَطْمِسُ الْبَصَرَ وَيُصِيبُ
الْحَبَلَ».
تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنِ سَلَمَةَ: "أَخْبَرَنَا أُسَامَة"
[الحديث 3308 - طرفه في: 3309].
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي
الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود القرشي واسمه في
الأصل عبد الله وعبيد لقب غلب عليه وعرف به قال: (حدّثنا
أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن
الزبير (عن عائشة -رضي الله عنه-) أنها (قالت: قال النبي)
ولأبوي ذر والوقت: قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اقتلوا ذا الطفيتين) بضم المهملة وسكون الفاء من الحيات
الذي على ظهره خطان كالخوصتين (فإنه يطمس البصر) يمحو نوره
(ويصيب الحبل) أي يسقط الجنين إذا نظرت إليه الحامل
(تابعه) أي تابع أبا أسامة (حماد بن سلمة) في روايته عن
هشام فيما وصله أحمد عن عفان ولأبي ذر عن الكشميهني تابع
حماد بن سلمة قال: (أخبرنا أسامة) وهذه المتابعة ثبتت لأبي
ذر عن الحموي والمستملي.
3309 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
"أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِقَتْلِ الأَبْتَرِ وَقَالَ: إِنَّهُ يُصِيبُ الْبَصَرَ
وَيُذْهِبُ الْحَبَلَ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن
رامك الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن
هشام) أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير
(عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: أمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتل الأبتر) القصير أو الذي
لا ذنب له من الحيات (وقال):
(إنه يصيب البصر) أي يعميه (ويذهب الحبل) يسقط الجنين.
3310 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي عَدِيٍّ عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْتُلُ
الْحَيَّاتِ، ثُمَّ نَهَى قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدَمَ حَائِطًا لَهُ
فَوَجَدَ فِيهِ سِلْخَ حَيَّةٍ فَقَالَ: انْظُرُوا أَيْنَ
هُوَ فَنَظَرُوا فَقَالَ: اقْتُلُوهُ، فَكُنْتُ
أَقْتُلُهَا لِذَلِكَ".
3311 - "فَلَقِيتُ أَبَا لُبَابَةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
لاَ تَقْتُلُوا الْجِنَّانَ إِلاَّ كُلَّ أَبْتَرَ ذِي
طُفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْوَلَدَ وَيُذْهِبُ
الْبَصَرَ فَاقْتُلُوهُ".
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن
علي) بفتح العين وسكون الميم الصيرفي البصري قال: (حدّثنا
ابن أبي عدي) محمد
(5/311)
بن إبراهيم (عن أبي يونس) حاتم بن أبي
صغيرة (القشيري) بضم القاف وفتح المعجمة نسبة إلى قشير بن
كعب بن ربيعة (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله
(أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (كان يقتل الحيات) لعموم
أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها (ثم نهى)
بفتح النون والهاء يعني ابن عمر لسبب يأتي إن شاء الله
تعالى (قال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هدم حائطًا له فوجد فيه سلخ حية) بكسر السين أي جلدها
(فقال):
(انظروا أين هو فنظروا. فقال) عليه السلام: (اقتلوه) قال
ابن عمر (فكنت أقتلها لذلك) أي الذي قاله عليه السلام
(فلقيت) ولأبي ذر: لذاك بغير لام قبل الكاف قال فلقيت (أبا
لبابة) بن عبد المنذر الأوسي الصحابي (فأخبرني أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا تقتلوا
الجنان) بكسر الجيم وتشديد النون وبعد الألف نون أخرى جمع
جان وهو الحية البيضاء أو الصغيرة أو الرقيقة أو الخفيفة
(إلا كل أبتر ذي طفيتين) خطين على ظهره (فإنه يسقط الولد)
من بطن أمه إذا رأته (ويذهب البصر) يعميه (فاقتلوه).
واستشكل بما سبق اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر بالواو إشارة
إلى أنهما صنفان وهنا دال على أنه صنف واحد. وأجاب في
الكواكب الدراري: بأن الواو للجمع بين الوصفين لا بين
الذاتين فمعناه اقتلوا الحية الجامعة بين وصف الأبترية
وكونها ذات الطفيتين كقولهم: مررت بالرجل الكريم والنسمة
المباركة. قال: وأيضًا لا منافاة بين أن يرد الأمر بقتل ما
اتصف بإحدى الصفتين وبقتل ما اتصف بهما معًا لأن الصفتين
قد يجتمعان فيها وقد يفترقان اهـ.
قال في الفتح: إن كان الاستثناء في قوله إلّا كل أبتر
متصلاً ففيه تعقب على من زعم أن ذا الطفيتين والأبتر ليسا
من الجنان، ويحتمل أن يكون منقطعًا أي لكن كل ذي طفيتين
فاقتلوه.
3312 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ.
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو
غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بفتح الجيم
وحازم بالحاء المهملة والزاي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن
ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أنه كان يقتل الحيات) أخذًا
بعموم قوله عليه السلام: "اقتلوا الحيات فمن تركهن مخافة
ثأرهن فليس مني" رواه أبو داود.
3313 - فَحَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ قَتْلِ
جِنَّانِ الْبُيُوتِ، فَأَمْسَكَ عَنْهَا".
(فحدثه أبو لبابة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نهى عن قتل جنان البيوت) بكسر الجيم التي تأوي
إلى البيوت وتكون فيها (فأمسك) ابن عمر (عنها).
16 - بَابَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ
أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ
دَاءً وَفِي الآخَرِ شِفَاءً وَخَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ
فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وقع الذباب) بالمعجمة واحده ذبابة
ولا تقل ذبابة (في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه)
ولأبوي ذر والوقت في إحدى جناحيه (داء وفي الآخر) ولهما
الأخرى (شفاء وخمس من الدواب) جمع دابة من دب على الأرض
يدب دبيبًا (فواسق) صفة المبتدأ وهو خمس وخبره (يقتلن) بضم
أوله مبنيًا للمفعول (في الحرم) ففي الحل أولى والتبويب
وتاليه ثابت في الفرع لأبي ذر. قال الحافظ ابن حجر وقوله
إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثابت في رواية
السرخسي ولا معنى لذكره هنا. قال: ووقع عنده أيضًا باب:
خمس من الدواب فواسق، وسقط من رواية غيره وهو أولى.
3314 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عَنْهَا - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ
وَالْعَقْرَبُ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ
الْعَقُورُ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن
زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن
العوّام (عن عائشة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خمس) أي من الدواب كما في الرواية الآتية (فواسق يقتلن في
الحرم) والحل (الفأرة) بالهمز (والعقرب) وهو أصناف الجرارة
والطيارة وما له من ذنب كالحربة وما له من ذنب معقف وفيها
السود والخضر والصفر ولها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها،
ومن عجيب أمرها أنها لا تضرب الميت ولا المغشي عليه ولا
النائم إلا أن يتحرك شيء من بدنه فإنها عند ذلك تضربه
(والحديا)، بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد التحتية
مقصورًا من غير همز تصغير حدأة كعنبة الطائر المعروف. قيل:
وفي طبعها أنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر
(والغراب) وهو
(5/312)
معروف وسمي بذلك لسواده ومنه قوله تعالى:
{وغرابيب سود}) [فاطر: 27]. وهما لفظتان بمعنى واحد.
والعرب تتشاءم به ولذلك اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب
وغراب البين الأبقع. قال صاحب المجالسة: سمي غراب البين
لأن بأن عنه نوح عليه السلام لما وجهه إلى الماء فذهب ولم
يرجع، وقال ابن قتيبة: سمي فاسقًا لتخلفه حين أرسله نوح
عليه السلام ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره ووقع على جيفة.
(والكلب العقور) الجارح وهو معروف إذا عقر إنسانًا عرض له
أمراض ردئية.
وسبق هذا الحديث في كتاب الحج في باب ما يقتل المحرم من
الدواب.
3315 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهْوَ
مُحْرِمٌ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ: الْعَقْرَبُ
وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ
وَالْحِدَأَةُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي
عبد الرَّحمن المدني مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح) لا إثم (عليه)
في قتلهن (العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والغراب،
والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموزًا.
3316 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- رَفَعَهُ قَالَ:
«خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ،
وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ
عِنْدَ المَسَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا
وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ
فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيلَةَ
فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ».
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ عَنْ عَطَاءٍ: "فَإِنَّ
لِلشَّيَاطِينِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) أبو الحسن الأسدي البصري قال:
(حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن كثير)
بالمثلثة ابن شنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين بينهما
نون ساكنة وبعد التحتية الساكنة راء البصري وليس له في
البخاري سوى هذا الحديث، وتوبع عليه كما في آخره وآخر في
السلام على المصلي، وله متابع عند مسلم من رواية أبي
الزبير عن جابر (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد
الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- رفعه) أي إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال) قال
الكرماني: وإنما قال رفعه لأنه أعم من أن يكون بالواسطة أو
بدونها وأن يكون الرفع مقارنًا لرواية الحديث أم لا. فأراد
الإشارة إليه. وقال في الفتح: وقع عند الإسماعيلى من وجهين
عن حماد بن زيد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(خمّروا الآنية) بالخاء المعجمة والميم المشددة غطوها
(وأوكوا الأسقية) بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الكاف من
غير همز شدوها بالوكاء وهو الخيط (وأجيفوا الأبواب) بفتح
الهمزة وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة فاء أغلقوها
(واكفتوا صبيانكم) بهمزة وصل وكسر الفاء بعدها فوقية، وفي
بعض النسخ بضم الفاء أي ضموهم (عند العشاء) بكسر العين
المهملة وضبب عليها في الفرع كأصله، ولأبوي ذر والوقت: عند
المساء (فإن للجن) حينئذ (انتشارًا وخطفة) بفتح الخاء
المعجمة وسكون الطاء المهملة وفتح الفاء أخذًا للشيء بسرعة
(واطفئوا المصابيح) بهمزة قطع
وسكون المهملة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة (عند الرقاد)
أي عند إرادة النوم (فإن الفويسقة) الفأرة (ربما اجترت
الفتيلة) من المصباح بالجيم الساكنة والفوقية والراء
المشددة المفتوحتين (فأحرقت أهل البيت) والأوامر في هذا
الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة أو للندبية خصوصًا من
ينوي بفعلها الامتثال.
(قال ابن جريج): عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله
المؤلّف في أوائل هذا الباب، (وحبيب) بفتح الحاء المهملة
المعلم فيما وصله أحمد وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عنه
كلاهما (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (فإن للشيطان) ولأبي ذر:
فإن للشياطين بدل قوله فإن للجن ولا تضاد بينهما إذ لا
محذور في انتشار المصنفين أو هما حقيقة واحدة يختلفان
بالصفات قاله الكرماني.
3317 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَارٍ، فَنَزَلَتْ:
{وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ
فِيهِ إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحْرِهَا،
فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا
فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا
وُقِيتُمْ شَرَّهَا". وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَعْمَشِ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ..
مِثْلَهُ. قَالَ: "وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ
رَطْبَةً". وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ.
وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ
قَرْمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدة بن عبد الله) الصفار الخزاعي قال:
(أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري
(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن منصور) هو
ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي
عم الأسود بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-
أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في غار) بمنى (فنزلت) عليه ({والمرسلات عرفًا})
[المرسلات: 1]. (فإنا لنتلقاها من فيهِ) أي من فمه (إذ
خرجت حية من جحرها) بتقديم الجيم المضمومة على الحاء
(5/313)
المهملة الساكنة (فابتدرناها) تسابقنا
إليها (لنقتلها فسبقتنا فدخلت جحرها فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
(وقيت شركم كما وقيتم شرها) بضم الواو وتخفيف القاف مكسورة
فيهما وشر نصب كلاهما. (و) روى هذا الحديث يحيى بن آدم (عن
إسرائيل) بن يونس (عن الأعمش) سليمان بن مهران كما رواه عن
منصور بن المعتمر كلاهما (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة)
بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (مثله. قال: وإنا لنتلقاها
من فيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رطبة) غضة
طرية أوّل ما تلاها.
(وتابعه) أي وتابع إسرائيل (أبو عوانة) الوضاح اليشكري في
روايته (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم فيما وصله في تفسير
سورة المرسلات. (وقال حفص): هو ابن غياث مما وصله في الحج
(وأبو معاوية) الضرير فيما وصله مسلم (وسليمان بن قرم)
بفتح القاف وسكون الراء آخره ميم الضبي مما قال الحافظ ابن
حجر لم أقف عليه موصولاً الثلاثة (عن الأعمش عن إبراهيم عن
الأسود) بدل علقمة (عن عبد الله) يعني ابن مسعود، وسقط
لغير أبي ذر عن عبد الله.
3318 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الأَعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا،
فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ
خِشَاشِ الأَرْضِ». قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا نصر بن علي) الجهضمي الأزدي البصري قال:
(أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة
البصري قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة
(ابن عمر) بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله
عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه
قال):
(دخلت امرأة النار) قال في الفتح: لم أقف على اسمها، وفي
رواية أنها حميرية، وفي أخرى أنها من بني إسرائيل ولا تضاد
بينهما لأن طائفة من حمير دخلوا في اليهودية فنسبت إلى
دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى (في) أي بسبب (هرة) أنثى
السنور وجمعها هرر مثل قربة وقرب (ربطتها) وفي باب: فضل
سقي الماء من كتاب الشرب حبستها حتى ماتت جوعًا (فلم
تطعمها) الفاء تفصيل وتفسير للربط (ولم تدعها) أي لم
تتركها (تأكل من خشاش الأرض) بتثليث الخاء المعجمة في
الفرع كأصله وبشينين معجمتين بينهما ألف أي حشراتها
كالفأرة، وهذا مما استدركته عائشة على أبي هريرة وقالت له:
أتدري ما كانت المرأة، وإن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة
إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانظر كيف
تحدث.
(قال) عبد الأعلى السامي: (وحدّثنا عبيد الله) بن عمر
العمري (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله).
3319 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ
شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ
فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا
فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:
فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً»؟
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن (عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(نزل نبي من الأنبياء) عزير أو موسى (تحت شجرة فلدغته)
بالدال المهملة والغين المعجمة قرصته (نملة) سميت نملة
لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها (فأمر بجهازه) بفتح
الجيم وكسرها أي بمتاعه (فأخرج من تحتها) أي من تحت الشجرة
(ثم أمر ببيتها) أي ببيت النملة. وفي الجهاد من طريق
الزهري بقرية النمل أي موضع اجتماعها (فأحرق بالنار فأوحى
الله) عز وجل (إليه) إلى ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فهلا) أحرقت (نملة واحدة)؟ وهي التي
قرصتك دون غيرها إذ لم يقع منها ما يقتضي إحراقها. وقول
النووي ولعله كان جائزًا في شريعة ذلك النبي قتل النمل
والتعذيب بالنار متعقب بأنه لو كان جائزًا لم يعاتب أصلاً
ورأسًا. ولا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس المروي
في السنن: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نهى عن قتل النملة والنحلة، لكن خص الخطابي النهي
بالسليماني الكبير أما الصغير المسمى بالذر فقتله جائز،
وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلاّ
بالقتل.
وقال الدميري: قوله هلاًّ نملة واحدة دليل على جواز قتل
المؤذي وكل قتل كان لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند
العلماء ولم يخص تلك النملة التي لدغت من غيرها لأنه ليس
المراد القصاص لأنه لو أراده لقال: هلاًّ نملتك التي
لدغتك، ولكن قال: هلاًّ نملة فكأن نملة تعم
(5/314)
البريء والجاني، وقد ذكر أن لهذه القصة
سببًا وهو أن هذا النبي مرّ على قرية أهلكها الله بذنوب
أهلها فوقف متعجبًا فقال: يا رب كان فيهم صبيان ودواب ومن
لم يقترف ذنبًا ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة فنبهه
الله عز وجل على أن الجنس المؤذي يقتل وإن لم يؤذ، والحاصل
أن العقوبة من الله عز وجل تعم فتصير رحمة على المطيع
وطهارة له وشرًّا ونقمة على العاصي.
(لطيفة):
روى الدارقطني والحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
مما ذكره في حياة الحيوان أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تقتلوا النمل فإن سليمان
عليه السلام خرج ذات يوم يستسقي فإذا هو بنملة مستلقية على
قفاها رافعة قوائمها تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك لا غنى
لنا عن فضلك. اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادة الخاطئين
واسقنا مطرًا تنبت لنا به شجرًا وأطعمنا ثمرًا. فقال
سليمان عليه السلام لقومه: ارجعوا فقد كفينا وسقيتم
بغيركم".
17 - باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ
فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً
وَفِي الأُخْرَى شِفَاءً
هذا (باب) بالتنوين (إذا وقع الذباب) بالذال المعجمة (في
شراب أحدكم فليغمسه) أي فيه
(فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء) كذا لأبي ذر عن
الحموي وسقط لغيره وهو أولى إذ لا تعلق للأحاديث اللاحقة
بذلك كما ستراه قريبًا إن شاء الله تعالى.
3320 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ
مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ
فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى
جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً». [الحديث 3320 -
طرفه في: 5782].
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما
خاء معجمة ساكنة البجلي الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن
بلال) القرشي التيمي (قال: حدثني) بالإفراد (عتبة بن مسلم)
بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة مولى بني
تميم (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد بن حنين) بضم العين
والحاء المهملتين مصغرتين مولى زيد بن الخطاب القرشي
العدوي (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا وقع الذباب في شراب أحدكم) هو شامل لكل مائع وعند ابن
ماجه من حديث أبي سعيد فإذا وقع الطعام، وعند أبي داود من
حديث أبي هريرة: فإذا وقع في إناء أحدكم، والإناء يكون فيه
كل شيء من مأكول ومشروب (فليغمسه) زاد في الطب كله وفيه
رفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه والأمر للإرشاد
لمقابلة الداء بالدواء (ثم لينزعه) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: ثم لينتزعه بزيادة فوقية قبل الزاي. وفي الطب
ثم ليطرحه وفي البزار برجال ثقات أنه يغمس ثلاثًا مع قول
بسم الله (فإن في إحدى جناحيه) بكسر الهمزة وسكون الحاء
وهو الأيسر كما قيل (داء والأخرى) بضم الهمزة وهو الأيمن
(شفاء) والجناح يذكر ويؤنث فإنهم قالوا: في جمعه أجنحة
وأجنح فأجنحة جمع المذكر كقذال وأقذلة، وأجنح جمع المؤنث
كشمال وأشمل. والحديث هنا جاء على التأنيث وحذف حرف الجر
في قوله والأخرى، وفيه شاهد لمن يجيز العطف على معمولي
عاملين كالأخفش، وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في
الطب بمنّه وكرمه.
واستنبط من الحديث أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا
نفس له سائلة فيه ووجهه كما نقل عن الشافعي أنه قد يفضي
الغمس إلى الموت سيما إذا كان المغموس فيه حارًّا فلو نجسه
لما أمر به لكن هذا الإطلاق قيده في المهمات بما إذا لم
يتغير الماء به فإن تغير فوجهان. والصحيح أنه ينجس، وحكى
في الوسيط عن التقريب قولاً فارقًا بين ما تعم به البلوى
كالذباب والبعوض فلا ينجس وبين ما لا تعم كالعقارب
والخنافس فينجس. وحكاه الرافعي في الصغير. قال الأسنوي:
وهو متعين لا محيد عنه لأن محل النص فيه معنيان مناسبان
عدم الدم المتعفن وعموم البلوى فكيف يقاس عليه ما وجد فيه
أحدهما بل المتجه اختصاصه بالذباب لأن غمسه لتقديم الداء
وهو مفقود في غيره.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطب وابن ماجه فيه أيضًا.
3321 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ
وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ
عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ
الْعَطَشُ -فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ
بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَغُفِرَ
لَهَا بِذَلِكَ». [الحديث 3321 - طرفه في: 3467].
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الصباح) بتشديد الموحدة أبو
عليّ الواسطي قال: (حدّثنا إسحاق) بن يوسف الواسطي
(الأزرق) قال: (حدّثنا عوف) الأعرابي (عن الحسن) البصري
(وابن سيرين) محمد كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(5/315)
(غفر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول أي غفر
الله (لامرأة) لم تسم (مومسة) بميم مضمومة فواو ساكنة فميم
مكسورة فسين مهملة زانية (مرت بكلب على رأس ركيّ) بفتح
الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو (يلهث)
بالمثلثة يخرج لسانه عطشًا (قال: كاد يقتله العطش فنزعت
خفّها) من رجلها (فأوثقته بخمارها) بكسر الخاء المعجمة
بنصيفها (فنزعت له من الماء) استقت للكلب بخفها من الركية
(فغفر لها بذلك) أي بسبب سقيها الكلب.
وفيه أن الله تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير
تفضلاً منه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطهارة والشرب
والنسائي.
3322 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَمَا
أَنَّكَ هَا هُنَا، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنهم- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ
صُورَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال: حفظته) أي الحديث (من الزهري) محمد
بن مسلم بن شهاب (كما أنك هاهنا)، قال الكرماني: يعني كما
لا يشك في كونك في هذا المكان كذلك لا شك في حفظي من قال:
(أخبرني) بالإفراد (عبد الله) بضم العين مصغرًا ابن عبد
الله بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس عن أبي طلحة) زيد بن
سهل الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تدخل الملائكة) غير الحفظة (بيتًا فيه كلب) يحرم
اقتناؤه (ولا صورة) لحيوان أو الحكم عام في كل كلب وكل
صورة.
وقد سبق هذا الحديث في باب: إذا قال أحدكم آمين.
3323 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِقَتْلِ
الْكِلاَبِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الكلاب). وفي مسلم
من حديث عبد الله بن مغفل قال: أمر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتل الكلاب ثم قال: "ما
بالهم وبال الكلاب" ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم فحمل
الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب العقور، واختلفوا في قتل
ما لا ضرر فيه منها فقال القاضي حسين وإمام الحرمين
والماوردي في باب بيع الكلاب، والنووي في أول البيع من
شرحي المهذّب ومسلم، لا يجوز قتلها. وقال في باب: محرمات
الإحرام إنه الأصح وإن الأمر بقتلها منسوخ، وعلى الكراهة
اقتصر الرافعي في الشرح وتبعه في الروضة وزاد كراهة تنزيه،
ولكن قال الشافعي في الأم في باب الخلاف في ثمن الكلب
واقتل الكلاب التي لا نفع فيها حيث وجدتها وهذا هو الراجح
في المهمات ولا يجوز اقتناء الكلب الذي لا منفعة فيه.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع والنسائي في الصيد وكذا
ابن ماجه.
3324 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصُ مِنْ
عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ
أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو
وكسر المعجمة البصري (عن يحيى) هو ابن أبي كثير قال:
(حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (أن
أبا هريرة -رضي الله عنه- حدّثه قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أمسك كلبًا ينقص من) أجر (عمله كل يوم قيراط) ولمسلم:
قيراطان والحكم للزائد لأنه حفظ ما لم يحفظه الآخر أو يحمل
على نوع من الكلاب بعضها أشد أذى من بعض أو لمعنى فيهما أو
أنه يختلف باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدائن
ونحوها، والقيراط في البوادي أو يكون في زمنين فذكر
القيراط أوّلاً ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين، والمراد
بالقيراط مقدار معلوم عند الله تعالى ينقص من أجر عمله
(إلا كل حرث أو ماشية) غنم فيجوز وإلاّ هنا معنى غير صفة
لكلب لا استثناء لتعذره، ويجوز أن تنزل النكرة منزلة
المعرفة فيكون استثناء لا صفة كأنه قيل من أمسك الكلب قاله
الطيبي. وأو للتنويع وقيس عليه إمساكها لحراسة الدور
والدواب.
وهذا الحديث سبق في باب اقتناء الكلب للحرث من كتاب
المزارعة.
3325 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ
خُصَيْفَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ
سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنّيَّ أَنَّهُ
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي
عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ
يَوْمٍ قِيرَاطٌ. فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعْتَ
هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ إِيْ وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا
سليمان) هو ابن بلال (قال: أخبرني) بالإفراد (يزيد بن
خصيفة) هو يزيد من الزيادة ابن عبد الله بن خصيفة بضم
الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة والفاء مصغرًا الكندي
المدني
(5/316)
ونسبه لجده (قال: أخبرني) بالإفراد (السائب بن يزيد)
الكندي صحابي صغير أنه (سمع سفيان بن أبي زهير الشني) بفتح
الشين المعجمة وكسر النون المشددة والتحتية المشددة، ولأبي
ذر بالتنوين بفتح النون المخففة وزيادة واو مكسورة بعدها
وفي نسخة الشنئي بفتح الشين والنون وبهمزة مكسورة نسبة إلى
شنوءة (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا) أي لا ينفعه
من جهة الزرع والضرع وفي القاموس الضرع معروف للظلف والخف
أو للشاة والبقرة ونحوهما (نقص من عمله كل يوم قيراط فقال
السائب) لسفيان بن أبي زهير: (أنت سمعت هذا من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) سفيان: (إي ورب
هذه القبلة). بكسر الهمزة حرف جواب بمعنى نعم، فيكون
لتصديق الخبر وإعلام المستخبر ولوعد الطالب وتوصل باليمين
ما وقع هنا، ولم يظهر له تعلق بعض هذه الأحاديث بترجمة
الباب، وما ذكره الكرماني من قوله: إن هذا آخر كتاب بدء
الخلق وإنه ذكر فيه ما ثبت عنده مما يتعلق ببعض المخلوقات
فلا يخفى بعده. والله الموفق.
هذا آخر كتاب بدء الخلق وتم في يوم الأربعاء المبارك
العشرين من شهر شوّال سنة عشر وتسعمائة، وأستودع الله
تعالى نفسي وديني وابنتي وأحبابنا والمسلمين وأن يطيل
أعمارنا في طاعته، ويلبسنا أثواب عافيته بمنه ورحمته،
ويفرّج كربنا ويحسن عاقبتنا والمسلمين ويرفع هذا الطعن
والطاعون والوباء عنا أجمعين، ويمن بإكمال هذا الكتاب على
يدي ويجعله لوجهه الكريم وينفعني به والمسلمين والحمد لله
رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم. |