شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
68 - كتاب الطلاق
باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1].
هو في اللغة رفع القيد يقال: أطلق الفرس والأسير، وفي
التسرع رفع القيد الثابت شرعًا بالنكاح فقوله شرعًا يخرج
به القيد الثابت حال وهو حلّ الوثاق وبالنكاح يخرج العتق
لأنه رفع قيد ثابت شرعًا لكنه لا يثبت بالنكاح واستعمل في
النكاح بلفظ التفعيل وفي غيره بالإفعال ولهذا لو قال لها:
أنت مطلقة بتشديد اللام لا يفتقر إلى نية ولو خففها فلا
بدّ منها، ويقال طلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها
أيضًا. وعن الأخفش نفي الضم، وفي ديوان الأدب أنه لغة
ويقال طلقت أيضًا بضم أوله وكسر اللام المشددة فإن خففت
فهو خاص بالولادة، وفي مشروعية النكاح مصالح العباد
الدينية والدنيوية، وفي الطلاق إكمال لها إذ قد لا يوافقه
النكاح فيطلب الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء
الموجبة عدم إقامة حدود الله فمكّن من ذلك رحمة منه سبحانه
وفي جعله عددًا حكمة لطيفة لأن النفس كذوبة ربما تظهر عدم
الحاجة إلى المرأة أو الحاجة إلى تركها وتسوّله، فإذا وقع
حصل الندم وضاق الصدر به وعيل الصبر فشرعه سبحانه وتعالى
ثلاثًا ليجرب نفسه في المرة الأولى فإن كان الواقع صدقها
استمر حتى تنقضي العدّة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة، ثم
إذا عادت النفس فمثل الأول وغلبته حتى عاد إلى طلاقها نظر
أيضًا فيما يحدث له فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفقه في
حال نفسه، ثم حرمها عليها بعد انتهاء العدد قبل أن تتزوج
آخر ليثاب بما فيه غيظه وهو الزوج الثاني على ما عليه من
جبلة الفحولية بحكمته ولطفه تعالى بعباده.
1 - باب أَحْصَيْنَاهُ: حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْنَاهُ.
وَطَلاَقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ
غَيْرِ جِمَاعٍ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ
(وقول الله تعالى): وسقطت الواو لغير أبي ذر ({يا أيها
النبي إذا طلقتم النساء}) خص
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنداء وعمّ
بالخطاب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إمام
أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم: يا فلان افعلوا كذا
إظهارًا لتقدمه فكأنه هو وحده في حكم كلهم وسادّ مسدّ
جميعهم أو هو على إضمار قلّ، والتقدير يا أيها النبي قل
لأمتك ومعنى إذا طلقتم النساء إذا أردتم تطليقهن على تنزيل
المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه ({فطلقوهن
لعدتهن}) أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن
في العدة واللام للتوقيت كقولك: أتيته لليلة بقيت من
المحرم أي مستقبلًا لها، والمراد أن يطلق المدخول بهن من
المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعهن فيه ثم يخلين حتى تنقضي
عدتهن، وهذا أحسن الطلاق. وفي حديث ابن عمر عند مسلم قرأ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فطلقوهن
في قبل عدتهن ({وأحصوا العدة}) [الطلاق: 1] واضبطوها
بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن
يقال: (أحصيناه) أي (حفظناه وعددناه) وهذا التفسير لأبي
عبيدة، وأخرج الطبري معناه عن السدي والمراد الأمر أن يحفظ
ابتداء وقت العدة لئلا يلتبس الأمر فتطول المدة فتتأذى
بذلك المرأة، وخوطب الزوج بذلك لغفلة النساء ثم إن الطلاق
يكون بدعيًّا وسنيًّا وواجبًا ومستحبًّا ومكروهًا.
فأما السني فأشار إليه البخاري بقوله: (وطلاق السُّنّة أن
يطلقها) بعد الدخول بها
(8/125)
حال كونها (طاهرًا من غير جماع) في ذلك
الطهر ولا في حيض قبله وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة وهي
تعتدّ بالأقراء وذلك لاستعقابه الشروع في العدّة (ويشهد
شاهدين) لقوله عز وجل: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2]
وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن مردويه قال: كان نفر من
المهاجرين يطلقون لغير عدّة ويراجعون بغير شهود فنزلت،
وأما تسميته بالسني فقال الشيخ كمال الدين بن الهمام:
الطلاق السني المسنون وهو كالمندوب في استعقاب الثواب،
والمراد به هنا المباح لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت
له ثواب، فمعنى المسنون منه ما يثبت على وجه لا يستوجب
عتابًا. نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها عقب جماعها أو
حائضًا فمنع نفسه إلى الطهر الآخر فإنه يُثاب لكن لا عن
الطلاق في الطهر الخالي عن الحيض بل على كف نفسه عن ذلك
الإيقاع على ذلك الوجه امتناعًا عن المعصية.
وأما البدعي؛ فطلاق مدخول بها بلا عوض منها في حيض أو نفاس
أو في عدّة طلاق رجعي وهي تعتدّ بالإقراء وذلك لمخالفته
قوله تعالى: {فطلقوهن لعدّتهن} وزمن الحيض والنفاس لا يحسب
من العدّة والمعنى فيه تضررها بطول مدة التربص أو في طهر
جامعها فيه أو استدخلت ماءه فيه ولو كان الجماع أو
الاستدخال في حيض قبله؛ أو في الدبر إن لم يتبين حملها
وكانت ممن يحبل لأدائه إلى الندم عند ظهور الحمل لأن
الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا
يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد وألحقوا الجماع في الحيض
بالجماع في الطهر لاحتمال العلوق فيه، والجماع في الدبر
كالجماع في القُبل لثبوت النسب ووجوب العدّة به، وهذا
الطلاق حرام للنهي عنه، وقال النووي: أجمع الأمة على
تحريمه بغير رضا المرأة فإن طلقها أثم ووقع طلاقه.
5251 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مُرْهُ
فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ،
ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ
بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ،
فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ
تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال:
حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نافع عن
عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلّق امرأته) هي
آمنة بمدّ الهمزة وكسر الميم بنت غفار بكسر المعجمة وتخفيف
الفاء أو بنت عمار بعين مهملة مفتوحة ثم ميم مشدّدة. قال
ابن حجر: والأول أولى وفي مسند أحمد أن اسمها النوار ويمكن
أن يكون اسمها آمنة ولقبها النوّار (وهي حائض) جملة حالية
(على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فسأل عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) عن حكم طلاق ابنه على
الصفة المذكورة. زاد الزهري كما في التفسير عن سالم أن ابن
عمر أخبره فتغيّظ فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لعمر:
(مُره) أصله أأمره بهمزتين الأولى للوصل مضمومة تبعًا
للعين مثل: اقتل والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفًا
من جنس حركة سابقتها فتقول أومر فإذا وصل الفعل بما قبله
زالت همزة الوصل وسكنت الهمزة الأصلية كما في قوله تعالى:
{وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 32]. لكن استعملها العرب بلا
همزة فقالوا: مر لكثرة الدور ولأنهم حذفوا أولًا الهمزة
الثانية تخفيفًا ثم حذفوا همزة الوصل استغناء عنها لتحرك
ما بعدها وكذا حكم أخذ وأكل أي: مُر ابنك عبد الله
(فليراجعها) والأمر للندب عند الشافعية والحنابلة
والحنفية. وقال المالكية: وصححه صاحب الهداية من الحنفية
للوجوب ويجبر على مراجعتها ما بقي من العدّة شيء. قال ابن
القاسم وأشهب وابن الموّاز: يجبر عندنا بالضرب والسجن
والتهديد انتهى.
لنا قوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف} [البقرة: 231] وغيرها
من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق
بتركها فجمع بين الآيات والحديث بحمل الأمر على الندب ولأن
الرجعة لاستدراك النكاح وهو غير واجب في الابتداء. قال
الإمام: ومع استحباب الرجعة لا نقول إن تركها مكروه، لكن
قال في الروضة فيه نظر وينبغي كراهته لصحة الخبر فيه ولدفع
الإيذاء ويسقط الاستحباب بدخول الطهر الثاني. وقال ابن
دقيق العيد: ويتعلق بالحديث مسألة أصولية وهي
(8/126)
الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء
أم لا؟ فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
لعمر: (مره) فأمره بأمره، وقد أطال في الفتح البحث في هذه
المسألة، والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفًا
آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغًا محضًا والثاني مأمور
من قبل الشارع كما هنا وإن توجه من الشارع لمكلف أن يأمر
غير مكلف كحديث: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع" لم
يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء لأن الأولاد غير
مكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب، وإن توجه الخطاب من غير
الشارع بأمر من له عليه الأمر أن يأمر من لا أمر للأول
عليه لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء أيضًا بل هو
متعدٍّ بأمره للأول أن يأمر الثاني.
(ثم ليمسكها) بإعادة اللام ويجوز تسكينها كقراءة {ثم
ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] فالكسر على الأصل في لام الأمر
فرقًا بينها وبين لام التأكيد والسكون للتخفيف إجراء
للمنفصل مجرى المتصل والمراد الأمر باستمرار الإمساك لها
وإلا فالرجعة إمساك، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر عند مسلم ثم ليدعها (حتى تطهر ثم تحيض) حيضة
أخرى (ثم تطهر ثم إن شاء أمسكـ) ـها (بعد) أي بعد الطهر من
الحيض الثاني (وإن شاء طلقـ) ـها (قبل أن يمسـ) ـها أي
يجامعها.
واختلف في علة هذه الغاية فقيل لئلا تصير الرجعة لمجرد غرض
الطلاق لو طلق في أول الطهر بخلاف الطهر الثاني وكما ينهى
عن النكاح لمجرد الطلاق ينهى عن الرجعة له ولا يستحب الوطء
في الطهر الأول اكتفاء بإمكان التمتع، وقيل عقوبة وتغليظ،
وعورض بأن ابن عمر لم يكن يعلم تحريمه. وأجيب: بأن تغيظه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون أن يعذره يقتضي
أن ذلك في الظهور لا يكاد يخفى على أحد، وفي مسلم من رواية
محمد بن عبد الرحمن عن سالم مره فليراجعها ثم ليطلقها
طاهرًا أو حاملًا. قال الشافعي وابن عبد البر: رواه جماعة
غير نافع بلفظ: "حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن
شاء أمسكها" رواية يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسالم فلم
يقولوا ثم تحيض ثم تطهر، نعم رواية الزهري عن سالم موافقة
لرواية نافع كما نبّه عليه أبو داود والزيادة من الثقة
مقبولة خصوصًا إذا كان حافظًا واختلف في جواز تطليقها في
الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة فقطع
المتولي بالمنع، وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في
الحديث. وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي
الحيضة. قال الكرخي: وهو قول أبي حنيفة لرواية سالم رواه
مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة لأن أثر
الطلاق قد انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها. وقال أبو
يوسف ومحمد: في طهر ثانٍ أي إذا طهرت من تلك الحيضة التي
وقع فيها الطلاق ثم حاضت ثم طهرت.
(فتلك العدة) أي فتلك زمن العدة وهي حالة الطهر (التي أمر
الله) أي أذن (أن يطلق لها النساء) في قوله تعالى:
{فطلقوهن لعدتهن}. واستدلّ به على أن القرء المذكور في
قوله تعالى: {ثلاثة قروء} [البقرة: 228] المراد به الطهر
كما ذهب إليه مالك والشافعي.
وأما الطلاق الواجب ففي الإيلاء على المولي لأن المدة إذا
انقضت وجب عليه الفيئة أو الطلاق، وفي الشقاق على الحكمين
إذا أمر المظلومة ولا بدعة فيه للحاجة إليه مع طلب الزوجة.
وأما المستحب فعند خوف تقصيره في حقها لبغض أو غيره أو بأن
لا تكون عفيفة لحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله إن
امرأتي لا تردّ يدَ لامس. فقال عليه الصلاة والسلام:
"طلقها"
والأمر للاستحباب، يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام لما
أن قال له: إنيّ أحبها: أمسكها، وألحق به ابن الرفعة طلاق
الولد إذا أمره به والده لحديث الأربعة، وصححه الترمذي
وابن حبان أن ابن عمر قال: كان تحتي امرأة أحبها وكان عمر
يكرهها فقال: طلقها فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: "أطع أباك".
وأما المكروه فعند سلامة الحال لحديث: "ليس شيء من الحلال
أبغض إلى الله من الطلاق".
وأما المباح فطلاق من ألقي عليه عدم اشتهائها بحيث يعجز
ويتضرر بإكراهه نفسه على جماعها فهذا إذا وقع فإن كان
قادرًا على طول غيرها مع
(8/127)
استبقائها ورضيت بإقامتها في عصمته بلا وطء
أو بلا قسم فيكره طلاقها كما كان بين رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين سودة، وإن لم يكن قادرًا
على طولها أو لم ترض هي بترك حقها فهو مباح لأن مقلب
القلوب ربّ العالمين.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الطلاق.
2 - باب إِذَا طُلِّقَتِ الْحَائِضُ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ
الطَّلاَقِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا طلقت) المرأة (الحائض) بضم الطاء
مبنيًّا للمفعول (يعتدّ بذلك الطلاق) بضم التحتية مبنيًّا
للمفعول وبفوقية مفتوحة أجمع على ذلك أئمة الفتوى خلافًا
للظاهرية والخوارج والرافضة حيث قالوا: لا يقع لأنه منهي
عنه فلا يكون مشروعًا. لنا قوله عليه الصلاة والسلام لعمر:
"مره فليراجعها" وكان طلقها في حالة الحيض كما مرّ،
والمراجعة بدون الطلاق محال ولا يقال: المراد بالرجعة
الرجعة اللغوية وهي الرد إلى حالها الأول لا أنه يجب عليه
طلقة لأن هذا غلط إذ حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية مقدم
على حمله على الحقيقة اللغوية كما تقرر في الأصول، ولأن
ابن عمر صرّح في الحديث الآتي بأنه حسبها عليه طلقة.
5252 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عُمَرَ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ
حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا»، قُلْتُ:
أتُحْتَسَبُ؟ قَالَ: «فَمَهْ». وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ
يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مُرْهُ
فَلْيُرَاجِعْهَا». قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ:
«أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين أنه
(قال: سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (قال: طلق ابن عمر
امرأته) آمنة (وهي) أي والحال أنها (حائض) وسقط قوله قال:
طلق ابن عمر لأبي ذر، وفي نسخة بدل الساقط أنه طلق امرأته،
وقال الكرماني فإن قلت: أين المطابقة بين المبتدأ والخبر؟
وأجاب بأن التاء للفرق بين المذكر والمؤنث الصفة خاصة
بالنساء فلا حاجة إليها (فذكر عمر للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(ليراجعها) إلى عصمته من الطلقة التي أوقعها بالصفة
المذكورة قال أنس بن سيرين: (قلت) لابن عمر (أتحتسب) طلقة
بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية (قال) ابن عمر: (فمه) هي
ما الاستفهامية أدخل عليها هاء السكت في الوقف مع أنها غير
مجرورة وهو قليل أي فما يكون إن لم تحتسب أو هي كلمة كف
وزجر أي انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه
محسوبًا في عدد الطلاق.
وهذا نص في موضع النزاع يرد على القائل بعدم الوقوع فيجب
المصير إليه، وعند الدارقطني من رواية شعبة عن أنس بن
سيرين فقال عمر: يا رسول الله أفنحتسب بتلك الطلقة؟ قال:
"نعم". وعنده أيضًا من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا قال: إني
طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال: عصيت ربك وفارقت امرأتك،
فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر
ابن عمر أن يراجع امرأته. قال: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها
بطلاق بقي له وأنت لم يبق لك ما ترتجع به امرأتك وقد وافق
ابن حزم من المتأخرين التقي بن تيمية واحتجوا له بما عند
مسلم من حديث أبي الزبير عن ابن عمر فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ليراجعها" فردّها
وقال: "إذا طهرت فليطلق أو ليمسك" وزاد النسائي وأبو داود
فيه ولم يرها شيئًا، لكن قال أبو داود: روى هذا الحديث عن
ابن عمر جماعة وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير،
وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يقلها غير أبي الزبير وليس
بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت منه، وقال
الخطابي: لم يروِ أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، وقال
الشافعي فيما نقله البيهقي في المعرفة: نافع أثبت من أبي
الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا،
وقد وافق نافعًا غيره من أهل الثبت وحمل قوله لم يرها
شيئًا على أنه لم يعدّها شيئًا صوابًا فهو كما يقال للرجل
إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه: لم تصنع شيئًا أي لم
تصنع شيئًا صوابًا. وقال الخطابي: لم يرها شيئًا تحرم معه
المراجعة، وقد تابع أبا الزبير غيره، فعند سعيد بن منصور
من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي
حائض فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"ليس ذلك بشيء" وكل ذلك قابل للتأويل وهو أولى من تغليظ
بعض الثقات.
وقال ابن القيم منتصرًا لشيخه ابن تيمية: الطلاق ينقسم إلى
حلال
(8/128)
وحرام فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر
العقود وأيضًا فكما أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي
الفساد وأيضًا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز
إيقاعه، فكذلك يفيد عدم نفوذه وإلاّ لم يكن للمنع فائدة
لأن الزوج لو وكّل رجلًا أن يطلّق امرأته على وجه فطلّقها
على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ، فكذلك لم يأذن الشارع
لمكلّف في الطلاق إلاّ إذا كان مباحًا، فإذا طلّق طلاقًا
محرمًا لم يصح وأيضًا فكل ما حرمه الله من العقود مطلوب
الإعدام فالحكم ببطلان ما حرّمه أقرب إلى تحصيل هذا
المطلوب من تصحيحه، ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس
كالحرام الممنوع منه ثم ذكر معارضات أخرى لا تنهض مع
التنصيص على صريح الأمر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق
وعلى
تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه تطليقة، والقياس في
معارضة النص فاسد الاعتبار انتهى ملخصًا من الفتح.
وقد عطف المؤلّف على قوله في السند عن أنس بن سيرين قوله:
(وعن قتادة) بن دعامة (عن يونس بن جبير) بضم الجيم وفتح
الموحدة الباهلي البصري (عن ابن عمر) أنه (قال) قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: (مره) أي
مر ابنك (فليراجعها) أي امرأته التي طلقها في الحيض قال
يونس بن جبير: (قلت) لابن عمر (تحتسب) مبني للمفعول
التطليقة (قال: أرأيت) أي أخبرني، ولأبي ذر عن الكشميهني:
أرأيته (إن عجز) عن فرض فلم يقمه (واستحمق) فلم يأتِ به
أيكون ذلك عذرًّا له وقال النووي الهمزة في أرأيت
للاستفهام الإنكاري أي نعم يحتسب الطلاق ولا يمنع احتسابه
لعجزه وحماقته. وقال غيره: استحمق بفتح التاء والميم
مبنيًّا للفاعل أي طلب الحمق بما فعله من طلاق امرأته وهي
حائض أي أرأيت إن عجز الزوج عن السُّنَّة أو جهل السُّنَّة
فطلّق في الحيض أيعذر لحمقه فلا يلزمه طلاق استبعادًا من
ابن عمر أن يعذر أحد بالجهل بالشريعة وهو القول الأشهر أن
الجاهل غير معذور، وقال ابن الخشاب: أي فعل فعلًا يصير به
أحمق عاجزًا فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه أو حمقه والسين
والتاء فيه إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق
امرأته وهي حائض.
وقال الكرماني: يحتمل أن تكون أن نافية بمعنى لم يعجز ابن
عمر ولا استحمق لأنه ليس بطفل ولا مجنون حتى لا يقع طلاقه
والعجز لازم الطفل والحمق لازم الجنون فهو من إطلاق اللازم
وإرادة الملزوم انتهى.
قال النووي: والقائل هذا الكلام ابن عمر يريد نفسه وإن عاد
الضمير بلفظ الغيبة، وقد جاء في مسلم أن ابن عمر قال: ما
لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت.
5253 - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ
بِتَطْلِيقَةٍ.
(وقال) ولأبي ذر حدّثنا (أبو معمر) عبد الله بن عمرو
المنقري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا
أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) أنه (قال
حسبت) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (عليّ) بتشديد التحتية
الطلقة التي طلقتها في الحيض (بتطليقة) فيه ردّ على ما
تمسك به الظاهرية ومن نحا نحوهم في قوله: إنه لم يعتدّ بها
ولم يرها شيئًا لأنه وإن لم يصرّح برفع ذلك إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن فيه تسليم أن ابن
عمر قال: إنها حسبت عليه بتطليقة فكيف يجتمع هذا مع قوله
إنه لم يعتد بها ولم يرها شيئًا على المعنى الذي ذهب إليه
المخالف لأنه إن جعل الضمير للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه القصة
بخصوصها لأنه قال: حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه
خالف كونه لم يرها شيئًا، أو كيف يظن به ذلك مع
اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك ليفعل ما يأمره به وإن جعل
الضمير في لم يعتدّ بها ولم يرها لابن عمر لزم منه التناقض
في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما
رواه أكثر والأحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند
الجمهور، وأما قول ابن القيم في الانتصار لشيخه لم يرد
التصريح بأن عمر احتسب بتلك التطليقة إلا في رواية سعيد بن
جبير عنه عند
(8/129)
البخاري وليس فيها التصريح بالرفع قال:
فانفراد سعيد بن جبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله لم
يرها شيئًا فإما أن يتساقطا وإما أن ترجح رواية ابن الزبير
لتصريحها بالرفع، وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو
الذي حسبها عليه بعد موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث
بعد أن كانوا في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لا يحتسب عليهم به ثلاثًا إذا كان بلفظ واحد.
وأجيب: بأنه قد ثبت في مسلم من رواية أنس بن سيرين سألت
ابن عمر عن امرأته التي طلقها وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "مره
فليراجعها" فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال: فراجعتها ثم
طلقتها لطهرها قلت فاعتددت بتلك التطليقة وهي حائض فقال:
ما لي لا أعتدّ بها وإن كنت عجزت واستحمقت. وعند مسلم
أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم في حديث
الباب: وكان ابن عمر طلّقها تطليقة فحسبت من طلاقها
فراجعها كما أمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ففيه موافقة أنس بن سيرين سعيد بن جبير وأنه
راجعها في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قاله
في فتح الباري. وما في الحديث من الفوائد لا يخفى على
متأمل، والله الموفق.
3 - باب مَنْ طَلَّقَ وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ
امْرَأَتَهُ بِالطَّلاَقِ؟
(باب من طلّق) امرأته جاز له ذلك لأن الله تعالى شرع
الطلاق كما شرع النكاح، وقال تعالى: {الطلاق مرتان}
[البقرة: 229] و {يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء}
[الطلاق: 1] وأما حديث "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله
من الطلاق" المروي في سنن أبي داود بإسناد صحيح وصححه
الحاكم، وفي لفظ "إن أبغض المباحات عند الله الطلاق"
فمحمول على ما إذا وقع عن غير سبب مع كونه أعلّ بالإرسال
بل قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: إنه نص على إباحته
وكونه مبغوضًا وهو لا يستلزم ترتب لازمه المكروه الشرعي
إلا لو كان مكروهًا بالمعنى الاصطلاحي ولا يلزم ذلك من
وصفه بالبغض إلا لو لم يصفه بالإباحة لكنه وصفه بها لأن
أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه وغاية ما فيه أنه مبغوض
إليه سبحانه وتعالى، ولم يرتب عليه ما رتب على المكروه
ودليل نفي الكراهة قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم
النساء ما لم تمسوهن} [البقرة: 236] وطلاقه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حفصة (وهل يواجه الرجل امرأته
بالطلاق)؟ الأولى ترك ذلك إلا إن احتيج إليه.
5254 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ
أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ ابْنَةَ
الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ
مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ،
الْحَقِي بِأَهْلِكِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ
حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ عَنْ جَدِّهِ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ:
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا الوليد) بن مسلم قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد
الرحمن بن عمرو (قال: سألت الزهري) محمد بن مسلم (أي أزواج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعاذت منه؟
قال) مجيبًا عن ذلك (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير
(عن عائشة -رضي الله عنها- أن ابنة الجون) بفتح الجيم وبعد
الواو الساكنة نون أميمة بنت النعمان بن شراحيل على الصحيح
وقيل أسماء (لما أدخلت) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة
(على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودنا)
أي قرب (منها) بعد أن تزوجها (قالت) لما كتبه الله عليها
من الشقاء (أعوذ بالله منك فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (لها):
(لقد عذت بعظيم) وهو الله تعالى (الحقي بأهلك) بفتح الحاء
وكسر الهمزة وقيل بالعكس كناية عن الطلاق يشترط فيها النية
بالإجماع، والمعنى الحقي بأهلك لأني طلّقتك سواء كان لها
أهل أم لا؟
وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح وابن ماجة.
(قال أبو عبد الله) أي المؤلّف وسقط قال أبو عبد الله لأبي
ذر: (رواه) أي الحديث المذكور (حجاج بن أبي منيع) بفتح
الميم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة عين مهملة ونسبه
لجدّه واسم أبيه يوسف الوصافي بفتح الواو والصاد المهملة
المشدّدة فيما وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه (عن جده) أبي
منيع عبيد الله بن أبي زياد (عن الزهري) محمد بن مسلم (أن
عروة) بن الزبير (أخبره أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت)
فذكره ووصله الذهلي في الزهريات، ورواه ابن أبي ذئب أيضًا
بنحوه وزاد في آخره قال الزهري: جعلها تطليقة أخرجه
البيهقي.
5255 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ غَسِيلٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي
أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ
لَهُ الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ،
فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْلِسُوا هَا هُنَا»،
وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ. فَأُنْزِلَتْ
فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ
النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا
حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَبِي
نَفْسَكِ لِي»، قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ
نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ
يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ
مِنْكَ فَقَالَ: «قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ»، ثُمَّ خَرَجَ
عَلَيْنَا فَقَالَ: «يَا أَبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا
رَازِقِيَّيْنِ، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا». [الحديث 5255
- طرفه في: 5257].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
عبد الرحمن بن غسيل) هو عبد الرحمن بن
(8/130)
سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري
وحنظلة هو غسيل الملائكة لما استشهد
بأُحُد وهو جُنُب (عن حمزة بن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح
السين المهملة (عن) أبيه (أبي أسيد) مالك بن ربيعة
الأنصاري الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المسجد أو
من منزله (حتى انطلقنا إلى حائط) بستان عليه جدار (يقال له
الشوط) بفتح الشين المعجمة وبعد الواو الساكنة طاء مهملة
(حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا) ولأبي ذر جلسنا (بينهما)
بإسقاط الفاء (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(اجلسوا ها هنا، ودخل) إلى الحائط (وقد أُتي بالجونية) بضم
الهمزة وفتح الجيم فيهما نسبة لقبيلة من الأزد فيما قاله
ابن الأثير، وقال الرشاطيّ: الجون في كندة والأزد فالذي في
كندة الجون هو معاوية بن حجر آكل المرار ثم قال: ومنهم
أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث ابن شراحيل بن كندة
تزوّج بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فتعوّذت منه فطلّقها. وقال ابن حبيب: الجونية امرأة من
كندة وليست بأسماء والذي في الأزد الجون بن عوف بن مالك.
وقال الكرماني: وقيل اسم الجونية أمامة (فأنزلت) بضم
الهمزة (في بيت في نخل) بالتنوين فيهما وسقط لفظ في لأبي
ذر (في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل) بإضافة بيت
لأميمة كذا في الفرع وأصله وغيرهما مما رأيته في الأصول.
وقال الحافظ ابن حجر، وتبعه العيني كالكرماني بالتنوين في
الكل: وأميمة بالرفع إما بدلًا من الجونية وإما عطف بيان،
وزاد في الفتح فقال: وظن بعض الشراح أنه بالإضافة فقال: في
الكلام على الرواية التي بعدها تزوّج رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أميمة بنت شراحيل لعل التي
نزلت في بيتها بنت أخيها وهو مردود فإن مخرج الطريقين
واحد، وإنما جاء الوهم من إعادة لفظ في بيت. وقد رواه أبو
بكر بن أبي شيبة في مسنده عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه
فقال في بيت في النخل في بيت أميمة إلى آخره انتهى.
فليتأمل.
وعند ابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ألا أزوّجك
أجمل أيم في العرب فتزوّجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي قال
أبو أسيد: فأنزلتها في بني ساعدة فدخل عليها نساء الحي
فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها.
(ومعها دايتها حاضنة لها) بالرفع ولأبي ذر بالنصب. قال في
الفتح كالكواكب: الداية الظئر المرضع وهي معربة، وقال
العيني: ليس كما قالا وإنما الداية المرأة التي تولِّد
الأولاد وهي القابلة وهو لفظ معرّب ولم يعرف اسمها الحافظ
ابن حجر (فلما دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال) لها: (هبي نفسك لي) أمر للمؤنث وأصله
أوهبي حذفت الواو تبعًا لمضارعه واستغني عن الهمزة فصار
هبي بوزن علي، قال لها ذلك تطييبًا لقلبها واستمالة لها،
وإلا فقد كان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يزوّج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليّها وكان مجرد
إرساله إليها وإحضارها ورغبته فيها كافيًا في ذلك (قالت)
لسوء حظها وشقائها وعدم معرفتها بجلالة قدره الرفيع (وهل
تهب الملكة) بكسر اللام (نفسها للسوقة)؟ بضم السين المهملة
لواحد من الرعية. وقال في القاموس: السوقة الرعية للواحد
والجمع والمذكر والمؤنث، ولأبي ذر: لسوقة (قال: فأهوى
بيده) الشريفة أي أمالها (يضع يده عليها لتسكن
فقالت: أعوذ بالله منك. فقال) ولأبي ذر قال: (قد عذت
بمعاذ) بفتح الميم أي بالذي يستعاذ به قال أبو أسيد (ثم
خرج علينا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: يا
أبا أسيد اكسها) بضم السين ثوبين (رازقيين) براء ثم زاي
فقاف مكسورتين بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به،
والرازقية ثياب من كتاب بيض طوال. قال السفاقسي: أي متعها
بذلك إما وجوبًا وإما تفضلًا. وسيأتي إن شاء الله تعالى
بعون الله حكم المتعة. (وألحقها بأهلها) بهمزة قطع مفتوحة
وكسر الحاء وسكون القاف أي ردّها إليهم لأنه هو الذي كان
أحضرها. وعند ابن سعد قال أبو أسيد: فأمرني فرددتها إلى
قومها، وفي أخرى له فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا: إنك
(8/131)
لغير مباركة فما دهاك؟ قالت: خدعت. قال:
وحدّثني هشام بن محمد بن أبي خيثمة زهير بن معاوية: أنها
ماتت كمدًا.
5256 - 5257 - وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ
النَّيْسَابُورِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي أُسَيْدٍ
قَالاَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا
أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا،
فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ
أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ
رَازِقِيَّيْنِ. [الحديث 5256 - طرفه في: 5637].
(وقال الحسين) بضم الحاء (ابن الوليد النيسابوري) الفقيه
لم يدركه البخاري (عن عبد الرحمن) بن غسيل (عن عباس بن سهل
عن أبيه) سهل بن سعد (وأبي أسيد) كلاهما (قالا: تزوّج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أميمة بنت
شراحبل) نسبها لجدّها واسم أبيها النعمان كما مرّ (فلما
أدخلت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بسط يده
إليها فكأنها كرهت ذلك) لما أراد الله تعالى بها من
المكروه (فأمر) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين).
وهذا التعليق وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي أحمد
الفرّاء عن الحسين، ومراد المؤلّف منه أن الحسين بن الوليد
شارك أبا نعيم الفضل بن دكين في روايته لهذا الحديث عن عبد
الرحمن بن الغسيل، لكن اختلفا في شيخ عبد الرحمن فقال أبو
نعيم: حمزة. وقال الحسين: عباس ابن سهل.
0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ
عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا إبراهيم بن أبي الوزير) عمر بن
مطرف الحجازي أدركه المؤلّف ولم يلقه وليس له في البخاري
إلا هذا الحديث قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن غسيل (عن
حمزة) بالحاء المهملة (عن أبيه) أبي أسيد (وعن) بالواو أي
حمزة يروي عن أبيه وعن (عباس بن سهل بن سعد عن أبيه) سهل
بن سعد (بهذا) الحديث المذكور.
5258 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي غَلاَّبٍ
يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ
رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ. فَقَالَ:
تَعْرِفُ ابْنَ عُمَرَ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ
فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَأَرَادَ
أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا. قُلْتُ: فَهَلْ عَدَّ
ذَلِكَ طَلاَقًا؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ
وَاسْتَحْمَقَ".
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم قال: (حدّثنا
همام بن يحيى) بن دينار البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن
أبي غلاب) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام آخره موحدة
(يونس بن جبير) الباهلي البصري أنه (قال: قلت لابن عمر رجل
طلق امرأته وهي حائض فقال) له (تعرف ابن عمر) قال له ذلك
لتقريره على اتباع السُّنة والقبول من ناقلها وأنه يلزم
العامّة الاقتداء بمشاهير العلماء لا أنه ظن أنه لا يعرفه
كذا قاله الحافظ ابن حجر وتبعه العيني (أن ابن عمر طلّق
امرأته) آمنة بنت غفار (وهي حائض فأتى عمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الطلاق الصادر في
الحيض (له فأمره) أي أمر ابن عمر (أن يراجعها) من التطلقة
التي طلقها لها (فإذا طهرت) بضم الهاء (فأراد أن يطلقها
فليطلقها) في ذلك الطهر قال يونس بن جبيرة (قلت) لابن عمر
(فهل عدّ ذلك) عليه الصلاة والسلام (طلاقًا؟ قال: أرأيت)
أي أخبرني (إن عجز واستحمق) قال المهلب: يعني إن عجز من
المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق أو فقد عقله فلم
تمكن منه الرجعة أتبقى المرأة معلقة؟ لا هي ذات بعل ولا
مطلقة، وقد نهى الله عن ذلك فلا بدّ أن يحتسب بتلك
التطليقة التي أوقعها على غير وجهها كما أنه لو عجز عن فرض
آخر فلم يقمه واستحمق فلم يأت به ما كان يعذر بذلك ويسقط
عنه.
4 - باب مَنْ أَجَازَ طَلاَقَ الثَّلاَثِ، لِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى:
{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي
مَرِيضٍ طَلَّقَ: لاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَرِثُهُ: وَقَالَ ابْنُ
شُبْرُمَةَ: تَزَوَّجُ إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَاتَ الزَّوْجُ الآخَرُ
فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ؟
(باب من أجاز) ولأبي ذر من جوّز (طلاق الثلاث) وفي نسخة
الطلاق الثلاث أي دفعة واحدة أو مفرقًا (لقول الله تعالى:
{الطلاق مرّتان}) أي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون
الجمع ({فإمساك بمعروف}) برجعة ({أو تسريح بإحسان})
[البقرة: 229] وهذا عامّ يتناول إيقاع الثلاث دفعة واحدة،
وقد دلّت الآية على ذلك من غير نكير خلافًا لمن لم يجز ذلك
لحديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". وعند سعيد بن منصور
بسند صحيح أن عمر كان إذا أَتي برجل طلق امرأته ثلاثًا
أوجع ظهره. وقال الشيعة وبعض أهل الظاهر: لا يقع إذا أوقعه
دفعة واحدة. قالوا: لأنه خالف السُّنّة فيردّ إلى
السُّنّة. وفي الأشراف عن بعض المبتدعة أنه إنما يلزم
بالثلاث إذا كانت مجموعة واحدة وهو قول محمد بن إسحاق صاحب
المغازي وحجاج بن أرطأة، وتمسكوا في ذلك
بحديث ابن إسحاق عن داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس
المرويّ عند أحمد وأبي يعلى وصححه بعضهم قال: طلق ركانة بن
عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن عليها حزنًا
شديدًا، فسأله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد. فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ
(8/132)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما تلك واحدة
فارتجعها إن شئت فارتجعها".
وأجيب: بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما مع معارضته بفتوى
ابن عباس بوقوع الثلاث كما سيأتي إن شاء الله تعالى وبأنه
مذهب شاذ فلا يعمل به إذ هو منكر، والأصح ما رواه أبو داود
والترمذي وابن ماجة أن ركانة طلّق زوجته البتة فحلفه رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ما أراد إلا
واحدة فردّها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة
في زمن عثمان. قال أبو داود: وهذا أصح. وعورض بأنه نقل عن
علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير كما نقله ابن
مغيث في كتاب الوثائق له، ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن
عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار، بل في مسلم من طريق عبد
الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابن عباس قال: كان
الطلاق على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث
واحدة. فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه
أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وقال الشيخ خليل من
أئمة المالكية في توضيحه: وحكى التلمساني عندنا قولًا بأنه
إذا أوقع الثلاث في كلمة إنما يلزمه واحدة وذكر أنه في
النوادر قال: ولم أره انتهى.
والجمهور على وقوع الثلاث، فعند أبي داود بسند صحيح من
طريق ابن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه
طلّق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه، ثم
قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا
ابن عباس إن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا}
[الطلاق: 2] وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك
وبانت منك امرأتك. وقد روي عن ابن عباس من غير طريق أنه
أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة. وفي الموطأ بلاغًا
قال رجل لابن عباس: إني طلّقت امرأتي مائة طلقة فماذا ترى؟
فقال ابن عباس: طلّقت منك ثلاثًا، وسبع وتسعون اتخذت بها
آيات الله هزوًا، وقد أجيب عن قوله كان طلاق الثلاثة واحدة
بأن الناس كانوا في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يطلقون واحدة، فلما كانوا في زمان عمر كانوا
يطلقون ثلاثًا. ومحصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن
عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا
يستعجلون الثلاث وكانوا يستعملونها نادرًا وأما في زمن عمر
فكثر استعمالهم لها. وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه
صنع فه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله انتهى.
وقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: تأويله أن قول الرجل أنت
طالق، أنت طالق، كان واحدة في الزمن الأول لقصدهم التأكيد
في ذلك الزمان ثم صاروا يقصدون التجديد فالزمهم عمر بذلك
لعلمه بقصدهم قال: وما قيل في تأويله أن الثلاث التي
يوقعونها الآن إنما كانت في الزمن الأول واحدة تنبيه على
تغير الزمان ومخالفة السُّنّة فيشكل، إذ لا يتجه حينئذٍ
قوله فأمضاه عمر،
واختلفوا مع الاتفاق على الوقوع ثلاثًا هل يكره أو يحرم أو
يباح أو يكون بدعيًّا أو لا؟ فقال الشافعية: يجوز جمعها
ولو دفعة، وقال اللخمي من أئمة المالكية: إيقاع الاثنتين
مكروه: والثلاث ممنوع لقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1] أي من الرغبة في المراجعة
والندم على الفرقة. ولنا قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن
طلّقتم النساء} [البقرة: 236] و {إذا طلقتم النساء فطلقوهن
لعدتهن} [الطلاق: 1] وهذا يقتضي الإباحة، وطلّق رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حفصة وكان الصحابة
يطلقون من غير نكير حتى روي أن مغيرة بن شعبة كان له أربع
نسوة فأقامهن بين يديه صفًّا فقال: أنتنّ حسنات الأخلاق،
ناعمات الأوراق، طويلات الأعناق، اذهبن فأنتن الطلاق. وكل
هذا يدل على الإباحة. نعم الأفضل عندنا أن لا يطلّق أكثر
من واحدة ليخرج من الخلاف. وقال الحنفية: يكون بدعيًّا إذا
أوقعه بكلمة لحديث ابن عمر عند الدارقطني قلت يا رسول
الله: أرأيت لو طلّقتها ثلاثًا؟ قال: "إذًا قد عصيت ربك
وبانت منك امرأتك" ولأن الطلاق إنما جعل متعددًا ليمكنه
التدارك عند الندم فلا يحلّ له تفويته.
وفي حديث محمود
(8/133)
بن لبيد عند النسائي بسند رجاله ثقات قال:
أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رجل
طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: "أيلعب
بكتاب الله وأنا بين أظهركم" لكن محمود بن لبيد ولد في
زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يثبت له منه
سماع وهو مع ذلك محتمل لإنكاره عليه إيقاعها مجموعة وغير
ذلك.
(وقال ابن الزبير) عبد الله فيما وصله الشافعي وعبد الرزاق
(في) رجل (مريض طلق) امرأته (لا أرى) بفتح الهمزة (أن ترث
مبتوتة) بالمثناتين الفوقيتين بينهما واو ساكنة، وقبل
أولاهما موحدة منصوبة في اليونينية من قيل لها أنت طالق
البتّة ويطلق على من أنبتت بالثلاث ولغير أبي ذر مبتوتة أي
مبتوتة المريض.
(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (ترثه) ما كانت في العدة
وهذا وصله سعيد بن منصور.
(وقال ابن شبرمة): بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة
ساكنة عبد الله قاضي الكوفة التابعي الشعبي (تزوّج)
استفهام حذفت منه الأداة أي هل تزوّج (إذا انقضت العدة.
قال) الشعبي: (نعم) تزوّج (قال) ابن شبرمة (أرأيت) أي
أخبرني (إن مات الزوج الآخر) ترثه أيضًا فيلزم إرثها من
الزوجين معًا واحدة (فرجع) الشعبي (عن ذلك) القول الذي
قاله من أنها ترثه ما كانت في العدة وهذا وصله سعيد بن
منصور، وساقه المؤلّف مختصرًا استطرادًا.
5259 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ
سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا
الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ
الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ
رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ
فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا
عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا،
حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَلَمَّا
رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ:
يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: عَاصِمٌ لَمْ
تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْأَلَةَ الَّتِي
سَأَلْتُهُ عَنْهَا قَالَ: عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ
أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا. فَأَقْبَلَ
عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ
رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ
يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي
صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا». قَالَ سَهْلٌ:
فَتَلاَعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا
فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ
أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ
الْمُتَلاَعِنَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (أن سهل بن سعد
الساعدي) -رضي الله عنه- (أخبره أن عويمرًا) بضم العين
مصغرًا ابن الحارث (العجلاني) بفتح العين المهملة وسكون
الجيم (جاء إلى) ابن عمه (عاصم بن عدي الأنصاري فقال له:
يا عاصم أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن رجل (وجد مع امرأته
رجلًا) على بطنها (أيقتله فتقتلونه) قصاصًا لآية {النفس
بالنفس} [المائدة: 45] (أم كيف يفعل سل لي يا عاصم عن ذلك
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسأل عاصم
عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة والشناعة على
المسلمين والمسلمات (وعابها حتى كبر) بضم الباء الموحدة
عظم وشق (على عاصم ما سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر،
فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) له (عاصم: لم تأتني بخير قد
كره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المسألة التي سألته عنها. قال عويمر: والله لا أنتهي حتى
أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت
رجلًا) أي أخبرني عن رجل (وجد مع امرأته رجلًا أيقتله
فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قد أنزل الله فيك) ولأبي ذر قد أنزل فيك (وفي صاحبتك)
زوجتك خولة بنت قيس على المشهور آية اللعان (فاذهب فأتِ
بها) قال سهل: (فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في تفسير سورة
النور بما سمى الله في كتابه (فلما فرغا) من تلاعنهما (قال
عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا
قبل أن يأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
قيل: المطابقة بين الحديث والترجمة في قوله فطلقها ثلاثًا
لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمضاه ولم ينكر
عليه، وهذا فيه نظر لأن اللعان تعلق به انفساخ النكاح
ظاهرًا وباطنًا كالرضاع والحرمة المؤبدة، لكن قد يقال: إن
ذكره للطلاق الثلاث مجموعة ولم ينكره عليه الصلاة والسلام
عليه يدل له، والظاهر أن عويمرًا لم يظن أن اللعان يحرمها
عليه فأراد تحريمها بالطلاق الثلاث.
وهذا الحديث قد سبق في تفسير النور.
(قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (فكانت تلك) التفرقة
(سُنّة المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة.
5260 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي
اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ
أَخْبَرَتْهُ أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ
جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ
بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ
الْقُرَظِيَّ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى
رِفَاعَةَ؟ لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي
عُسَيْلَتَهُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء وهو
اسم جده واسم أبيه كثير قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن
سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين
ابن خالد الأيلي ولأبي ذر
(8/134)
عن عقيل (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (عروة ابن الزبير أن عائشة) -رضي الله
عنها- (أخبرته أن امرأة رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء
(القرظي) بالقاف المضمومة والظاء المعجمة من بني قريظة
واسمها تميمة بنت وهب وقيل غير ذلك (جاءت إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله
إن رفاعة طلقني فبتّ طلاقي) بالموحدة المفتوحة والفوقية
المشددة أي قطعه قطعًا كليًّا وفي كتاب الأدب من وجه آخر
أنها قالت: طلّقني آخر ثلاث تطليقات (وإني نكحت بعده عبد
الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا
(القرظي وإن ما معه) أي وإن الذي معه تعني فرجه (مثل
الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة، وفي رواية مثل
هدبة الثوب أي طرفه الذي لم ينسج شبهوه بهدب العين وهو شعر
جفنها وشبهته بذلك إما لصغره أو لاسترخائه، والثاني أظهر
إذ يبعد أن يكون صغيرًا إلى حدّ لا يغيب معه مقدار الحشفة
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها:
(لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا) ترجعين إليه (حتى
يذوق) عبد الرحمن (عسيلتك وتذوقي عسيلته) بضم العين على
التصغير كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته،
وأنّث في التصغير لأن العسل يذكّر ويؤنّث لأنه تصغير عسلة
أي قطعة من العسل أو على إرادة اللذة لتضمنه ذلك.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فبتّ طلاقي إذ هو محتمل
للثلاث دفعة واحدة ومتفرقة.
5261 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا، فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ.
فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَتَحِلُّ لِلأَوَّلِ؟ قَالَ: «لاَ حَتَّى يَذُوقَ
عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الأَوَّلُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان
(عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال:
حدّثني) بالإفراد (القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق
(عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رجلًا طلّق امرأته) ولأبي
ذر عن الكشميهني امرأة (ثلاثًا فتزوجت) زوجًا غيره (فطلّق)
الزوج الثاني قبل أن يجامعها (فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين مبنيًّا للمفعول (أتحل
للأول) الذي طلّقها ثلاثًا (قال):
(لا) تحل له (حتى يذوق) الثاني (عسيلتها كما ذاقـ) ـها
(الأول) قال في الفتح: وهذا الحديث إن كان مختصرًا من قصة
رفاعة فقد سبق توجيهه وإن كان في أخرى، فالمراد منه طلقها
ثلاثًا فإنه ظاهر في كونها مجموعة ولا يبعد التعدد.
5 - باب مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}
(باب من خير نساءه) وفي نسخة: أزواجه أي بين أن يطلقن
أنفسهن أو يستمرنّ في العصمة. (وقول الله تعالى) لرسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({قل لأزواجك إن
كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها}) أي السعة في الدنيا
وزهرتها ({فتعالين}) أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين
ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن ({أمتعكن}) أعطكن متعة الطلاق
({وأسرحكن}) وأطلقكن ({سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 28] لا
ضرر فيه، وهذا أمر من الله تعالى لرسوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخيّر نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن
إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على
ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل،
فاخترن رضي الله عنهن رضا الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع
الله تعالى لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة.
5262 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: خَيَّرَنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ
عَلَيْنَا شَيْئًا. [الحديث 5262 - أطرافه في: 5263].
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال (حدّثنا مسلم) أبو
الضحى بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي
الله عنها) أنها (قالت: خيّرنا) أي أمهات المؤمنين (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بين الدنيا
والآخرة فإن اخترن الدنيا طلّقهن طلاق السُّنَّة (فاخترنا
الله ورسوله فلم يعد) بضم أوله وفتح العين والدال المهملة
المشددة (ذلك) التخيير (علينا شيئًا) من الطلاق.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطلاق والترمذي في النكاح
والنسائي فيه وفي الطلاق وابن ماجة في الطلاق.
5263 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:
سَأَلْتُ
عَائِشَةَ عَنِ الْخِيَرَةِ فَقَالَتْ: خَيَّرَنَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفَكَانَ
طَلاَقًا؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: لاَ أُبَالِي أَخَيَّرْتُهَا
وَاحِدَةً أَوْ مِائَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثنا
عامر) هو ابن شراحيل الشعبي (عن مسروق) أو (قال: سألت
عائشة) -رضي الله عنها- (عن الخيرة) بكسر
(8/135)
الخاء المعجمة وفتح التحتية والراء أي
تخيير الرجل زوجته في الطلاق وعدمه (فقالت): ليس طلاقًا
واستدلت لذلك بقولها (خيرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أزواجه فاخترنا (أفكان) تخييره
(طلاقًا) استفهام على سبيل الإنكار.
(قال مسروق) بالإسناد السابق: (لا أبالي أخيرتها واحدة أو
مائة بعد أن تختارني). واختلف فيما إذا اختارت نفسها هل
تقع طلقة واحدة رجعية أم بائنًا أو تقع ثلاثًا؟ فقال
المالكية: تقع ثلاثًا لأن معنى الخيار بتّ أحد الأمرين إما
الأخذ أو الترك، فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة
رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعده في أسر الزوج.
وقال الحنفية: واحدة بائنة. وقال الشافعية: التخيير كناية
فإذا خيّر الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق
منه وبين أن تستمرّ في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك
الطلاق طلقت لقول عائشة: فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقًا إذ
مقتضاه أنها لو اختارت نفسها كان طلاقًا لكن مفهوم قوله
تعالى: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} [الأحزاب: 28] أي بعد
الاختيار أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقًا بل لا بدّ من إنشاء
الزوج الطلاق فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدّقت،
فلو وقع التصريح بالتطليق يقع جزمًا. واختلفوا في التخيير
هل هو بمعنى التمليك أو التوكيل، والصحيح عندنا أنه تمليك
فلو قال الرجل لزوجته: طلّقي نفسك إن شئت فتمليك للطلاق
لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة قوله ملّكتك طلاقك، ويشترط
أن يكون فورًا لتضمنه القبول وهو على الفور فلو أخّرت بقدر
ما ينقطع به القبول عن الإيجاب ثم طلّقت لم يقع إلا إن
قال: طلّقي نفسك متى شئت فلا يشترط الفور وللزوج الرجوع
قبل التطليق ولا يصح تعليقه، فلو قال: إذا جاء الغد أو زيد
مثلًا فطلّقي نفسك لغا. وقال المالكية والحنفية: لا يشترط
الفور بل متى طلقت نفذ.
6 - باب
إِذَا قَالَ: فَارَقْتُكِ، أَوْ سَرَّحْتُكِ، أَوِ
الْخَلِيَّةُ أَوِ الْبَرِيَّةُ، أَوْ مَا عُنِيَ بِهِ
الطَّلاَقُ، فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَوْلُ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}
[الأحزاب: 49] وَقَالَ: {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا
جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]
وَقَالَ: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ
يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ.
هذا (باب) بالتنوين في كنايات الطلاق وهي ما يحتمل الطلاق
وغيره ولا يقع الطلاق بها إلا بالنية لأنها غير موضوعة
للطلاق بل موضوعة لما هو أعمّ من حكمه والأعم في المادة
الاستعمالية
يحتمل كلاًّ من ما صدقاته ولا يتعين أحدهما إلا بمعين
والمعين في نفس الأمر هو النية وما ذكره المصنف في قوله:
(إذا قال) أي الرجل لامرأته (فارقتك أو سرحتك أو الخلية)
فعيلة بمعنى فاعلة أي خلية من الزوج وهو خالٍ منها (أو
البرية) من الزوج مقتضاه أن لا صريح عنده إلا لفظ الطلاق
وما تصرف منه وهو قول الشافعي في القديم لكن نص في الجديد
على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في
القرآن بمعنى الطلاق (أو ما عني به الطلاق) بضم العين
وغيره كاستبرئي رحمك أي فقد طلّقتك فاعتدّي وحبلك على
غاربك أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء أو يترك
زمامه على غاربه وهو ما تقدم من الظهور وارتفع من العنق
وودعيني وبرئت منك (فهو على نيته) إن نوى الطلاق وقع وإلاّ
فلا ويدل لذلك (قول الله عز وجل) ولأبي ذر: وقول الله:
({وسرّحوهنّ سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 49] أي بالمعروف
وكأنه يريد أن التسريح هنا بمعنى الإرسال لا بمعنى الطلاق
لأنه أمر من طلق قبل الدخول أن يمتع ويسرّح وليس المراد من
الآية تطليقها بعد التطليق قطعًا (وقال) تعالى: ({وأسرّحكن
سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 28] فهو مجمل يحتمل التطليق
والإرسال وإذا احتملت الأمرين انتهى أن تكون صريحة في
الطلاق كذا قرّره في الفتح وتعقبه العيني بأن معنى أسرّحكن
أطلقكنّ لأنه لم يسبق هنا طلاق فمن أين يأتي الاحتمال
(وقال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}) [البقرة:
229] أي إن هذه الآية وردت بلفظ الفراق في موضع ورودها
بالبقرة بلفظ السراح والحكم فيهما واحد لأنه ورد في
الموضعين بعد وقوع الطلاق فالمراد به الإرسال (وقال)
تعالى: ({أو فارقوهن بمعروف}) [الطلاق: 2] لأن سياقها بعد
وقوع الطلاق فلا يراد بها الطلاق بل الإرسال ومباحث هذا
مقررة في محاله من دواوين الفقه.
(وقالت عائشة) -رضي الله عنها-: مما وصله في آخر حديث في
باب موعظة الرجل ابنته من كتاب
(8/136)
النكاح (قد علم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه).
7 - باب
مَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: نِيَّتُهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِذَا
طَلَّقَ ثَلاَثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْهُ
حَرَامًا بِالطَّلاَقِ وَالْفِرَاقِ. وَلَيْسَ هَذَا
كَالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ لأَنَّهُ لاَ يُقَالُ
لِطَعَامِ الْحِلِّ حَرَامٌ، وَيُقَالُ لِلْمُطَلَّقَةِ
حَرَامٌ، وَقَالَ فِي الطَّلاَقِ ثَلاَثًا: {لاَ تَحِلُّ
لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
(باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام. وقال الحسن) البصري
فيما وصله عبد الرزاق (نيته) أي فإن نوى طلاقًا وإن تعدّد
أو ظهارًا، وقع المنوي لأن كلاًّ منهما يقتضي التحريم فجاز
أن يكنى عنه بالحرام أو نواهما معًا أو مرتبًا تخير وثبت
ما اختاره منهما ولا يثبتان جميعًا لأن الطلاق يزيل النكاح
والظهار يستدعي بقاءه هذا مذهب الشافعية. وقال الحنفية: إن
نوى واحدة فهي
بائن، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة، وإن لم ينوِ طلاقًا
فهي يمين ويصير موليًا. وقال المالكية: يقع ثلاثًا ولا
يسأل عن نيته ولهم في ذلك تفاصيل يطول ذكرها.
(وقال أهل العلم: إذا طلق ثلاثًا فقد حرمت عليه) أي حتى
تنكح زوجًا غيره (فسموه حرامًا) بالتصريح (بالطلاق
والفراق) بأن يتلفظ بأحدهما أو يقصده فلو أطلق أو نوى غير
الطلاق فهو على النظر، وقال صاحب المصابيح من المالكية:
يعني فإذا كانت الثلاث تحريمًا كان التحريم ثلاثًا قال:
وهذا غير ظاهر لجواز أن يكون بينهما عموم وخصوص كالحيوان
والإنسان، وحاول ابن المنير الجواب عن البخاري بأن الشرع
عبّر عن الغاية القصوى بالتحريم، وأما تسمية الشيء بما هو
أوضح منه فدلّ ذلك على أن الذين كانوا لا يعلمون أن الثلاث
محرّمة ولا أنها الغاية يعلمون أن التحريم هو الغاية ولهذا
بيّن لهم أن الثلاث تحرم فالمستدل به في الحقيقة إنما هو
الإطلاق مع السياق وما من شأن العرب أن تعبّر بالعام عن
الخاص، ولو قال القائل لإنسان بين يديه يعرف بشأنه وينبه
على قدره: هذا حيوان لكان متهكمًا مستخفًّا فإذا عبّر
الشرع عن الثلاث بأنها محرمة فلا يحمل على التعبير عن
الخاص بالعام لئلا يكون ركيكًا والشرع منزّه عن ذلك فإذن
هما سواء لا عموم بينهما، ويدل هذا على أن التحريم كان
أشهر عندهم بالغلظ والشدّة من الثلاث، ولهذا فسّره لهم به
قال: وهذا من لطيف الكلام، وأما كون التحريم قد يقصر عن
الثلاث فذلك تحريم مقيد، وأما المطلق منه فللثلاث وفرق بين
ما يفهم لدى الإطلاق وبين ما لا يفهم إلا بقيد انتهى.
وتعقبه البدر فقال: قوله وما من شأن العرب أن تعبر بالعام
عن الخاص مشكل اللهم إلا أن يريد في بعض المقامات الخاصة
فيمكن وسياق كلامه يفهم ذلك عند التأمل انتهى.
وقول ابن بطال: إن البخاري يرى أن التحريم ينزل منزلة
الطلاق الثلاث للإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثًا تحرم
عليه فلما كانت الثلاث تحرّمها كان التحريم ثلاثًا، ومن ثم
أورد حديث رفاعة محتجًّا به لذلك تعقبه في الفتح فقال الذي
يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف إلى نية القائل،
ولذا صدّر الباب يقول الحسن، وهذه عادته في موضع الاختلاف
مهما صدر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره،
وحاشا البخاري أن يستدل بكون الثلاث تحرم أن كل تحريم له
حكم الثلاث مع ظهور منع الحصر لأن الطلقة الواحدة تحرم غير
المدخول بها مطلقًا والبائن تحرّم المدخول بها إلا بعقد
جديد وكذا الرجعية إذا انقضت عدتها فلم ينحصر التحريم في
الثلاث وأيضًا فالتحريم أعمّ من التطليق ثلاثًا فكيف يستدل
بالأعم على الأخص؟.
(وليس هذا) التحريم المذكور في المرأة (كالذي يحرم الطعام)
على نفسه (لأنه لا يقال لطعام الحل) ولأبي ذر للطعام الحل
(حرام) قال الشافعي: إن حرّم طعامًا وشرابًا فلغو (ويقال
للمطلّقة حرام) خلافًا لما نقل عن أصبغ وغيره ممن سوّى بين
الزوجة والطعام والشراب، وقد ظهر أن الشيئين وإن استويا من
جهة فقد يفترقان من جهة أخرى فالزوجة إذا حرمها على نفسه
وأراد بذلك تطليقها حرمت عليه والطعام والشراب إذا حرّمه
على نفسه لم يحرم عليه ولا يلزمه كفارة
لاختصاص الإبضاع بالاحتياط وشدّة قبولها التحريم، ولذا
احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم على
الزوج فقال:
(وقال) تعالى: (في الطلاق ثلاث) بالرفع في الفرع، وفي
اليونينية: ثلاثًا بالنصب ويشبه
(8/137)
أن تكون الألف ملحقة بعد المثلثة ({لا تحل
له}) من بعد ({حتى تنكح زوجًا غيره}) [البقرة: 230].
5264 - وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ
عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا قَالَ: لَوْ
طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي بِهَذَا
فَإِنْ طَلَّقْتَهَا ثَلاَثًا حَرُمَتْ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجًا غَيْرَكَ.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله أبو الجهم العلاء بن
موسى الباهلي في جزء له: (عن نافع) مولى ابن عمر أنه
(قال): ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد نافع قال: (كان ابن عمر)
-رضي الله عنهما- (إذا سئل عمن طلق ثلاثًا قال: لو طلقت
مرة أو مرتين) لكان لك المراجعة (فإن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرني بهذا) لما طلقت امرأتي
وهي حائض فقال لما ذكر له عمر ذلك "مره فليراجعها" فكأنه
قال للسائل: إن طلقت طلقة أو تطليقتين فأنت مأمور
بالمراجعة لأجل الحيض (فإن طلّقتها ثلاثًا حرمت) عليك (حتى
تنكح زوجًا غيرك) ولأبي ذر عن الكشميهني: فإن طلقها بضمير
الغيبة كقوله غيره.
5265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ
فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَطَلَّقَهَا وَكَانَتْ
مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى
شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا
فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي،
وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي
وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ
يَقْرَبْنِي إِلاَّ هَنَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنِّي
إِلَى شَيْءٍ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الأَوَّلِ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لاَ تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ
الآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا أبو
معاوية) محمد بن حازم قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: طلق رجل) اسمه
رفاعة (امرأته) تسمى تميمة بنت وهب ثلاثًا (فتزوجت زوجًا
غيره) اسمه عبد الرحمن بن الزبير (فطلقها وكانت معه) جارحة
مسترخية (مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شيء تريده) من الوطء
التام (فلم يلبث) أي الزوج الثاني (أن طلقها فأتت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله
إن زوجي) رفاعة (طلّقني) ثلاثًا (وإني تزوجت زوجًا غيره
فدخل بي ولم يكن معه إلا مثل الهدبة) في الارتخاء (فلم
يقربني إلا هنة واحدة) بفتح الهاء والنون المخففة وحكي
تشديدها. قال السفاقسي: أي لم يطأني إلا مرة واحدة يقال
هنى امرأته إذا غشيها. وفي رواية ابن السكن فيما ذكره في
المشارق إلا هبة بالموحدة المشددة أي مرة أو وقعة واحدة
(لم يصل مني إلى شيء) قال في المصابيح قوله: لم يصل مني
إلى شيء
صريح في أنه لم يطأها أصلًا لا مرة ولا فوقها فيحمل قولها
إلا هنة واحدة على أن معناه فلم يرد أن يقرب مني بقصد
الوطء إلا مرة واحدة انتهى. نعم إذا قلنا المراد فلم تصل
منه إلى شيء تريده من الوطء التام أي لارتخائه وعدم قدرته
انتظم الكلام (فأحل) بحذف همزة الاستفهام ولأبي ذر أفأحلّ
(لزوجي الأول) رفاعة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر) عبد الرحمن بن
الزبير (عسيلتك وتذوقي) ولأبي ذر أو تذوقي (عسيلته) شبه
عليه الصلاة والسلام لذة الجماع بذوق العسل فاستعار لها
ذوقًا، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من الصحابة
وغيرهم أنه إذا طلق ثلاثًا لا تحل له حتى تنكح غيره
ويصيبها الثاني ولا تحل بإصابة شبهة ولا ملك يمين، وكان
ابن المنذر يقول: في الحديث دلالة على أن الثاني إن واقعها
وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحسّ باللذة أنها لا تحلّ
للأول لأن الذوق أن تحس باللذة، وعامة أهل العلم على أنها
تحل، قال النووي: اتفقوا على أن تغييب الحشفة في قبلها
كافٍ في ذلك من غير إنزال وشرط الحسن الإنزال لقوله: حتى
تذوقي عسيلته وهي النطفة انتهى.
8 - باب {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: مخاطبًا لنبيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({لم تحرم ما أحل الله لك})
[التحريم: 1].
5266 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ
الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ
لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ لَكُمْ: {فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (الحسن بن صباح) بالصاد
المهملة والموحدة المشدّدة المفتوحتين البزار بالزاي وبعد
الألف راء الواسطي نزل بغداد وثقه الجمهور وليّنه النسائي
قليلًا أنه (سمع الربيع بن نافع) الحلبي نزل طرطوس وهو أبو
توبة بالمثناة الفوقية وبعد الواو الساكنة موحدة مشهور
بكنيته أكثر من اسمه قال: (حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد
اللام (عن يحيى بن أبي كثير) الإمام أبي نصر اليماني أحد
الأعلام (عن يعلى بن حكيم) الثقفي (من سعيد بن جبير)
الوالبي مولاهم أحد الأعلام (أنه أخبره أنه سمع ابن عباس)
-رضي الله عنهما- (يقول: إذا حرم) الرجل (امرأته) أي عينها
(ليس بشيء) أي ليس بطلاق لأن الأعيان لا توصف بذلك ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي ليست أي الكلمة وهي قوله: أنت عليّ
حرام المنوي بها عينها بطلاق.
(وقال) ابن عباس مستدلًا
(8/138)
على ما ذهب (لكم): ولأبي ذر وابن عساكر:
لقد كان لكم ({في رسول الله أسوة}) بضم الهمزة وكسرها قدوة
({حسنة}) [الأحزاب: 21] وأشار بذلك
إلى قصة مارية وفي حديث أنس عند النسائي بسند صحيح أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له أمة
يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى
هذه الآية {يا أيها النبي لم تحرم ما أحلّ الله لك}
[التحريم: 1] قال في الفتح: وهذا أصح طرق هذا السبب. نعم
إذا أراد تحريم عينها كره وعليه كفارة يمين في الحال وإن
لم يطأها وليس ذلك يمينًا لأن اليمين إنما تنعقد بأسماء
الله وصفاته. وروى النسائي عن سعيد بن جبير أن رجلًا سأل
ابن عباس فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حرامًا. فقال: كذبت
ليست عليك حرامًا ثم تلا: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك}.
5267 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ
عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ
عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا
عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا
دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ
مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى
إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: «لاَ، بَلْ
شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَلَنْ
أَعُودَ لَهُ»، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} -إِلَى- {إِنْ
تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ {وَإِذْ
أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم:
3] لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن الصباح)
ولأبي ذر صباح الزعفراني الفقيه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن
محمد الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه
قال (قال: زعم عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع عبيد بن
عمير) بضم العين فيهما مصغرين الليثي المكي والزعم المراد
به القول (يقول: سمعت عائشة -رضي الله عنها-) تقول (إن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمكث عند
زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش) -رضي الله عنها- (ويشرب
عندها عسلًا فتواصيت) بالصاد المهملة (أنا وحفصة) بنت عمر
(أنّ أيّتنا) ولأبي ذر وابن عساكر أن أيّتنا بفتح الهمزة
وتخفيف النون والرفع (دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلتقل) له: (إني لأجد منك ريح مغافير
أكلت مغافير) بالغين المعجمة والفاء بعدها تحتية ساكنة جمع
مغفور بضم أوله.
قال في القاموس: والمغافر والمغافير المغاثير يعني
بالمثلثة بدل الفاء الواحد مغفر كمنبر ومغفر ومغفور بضمهما
ومغفار ومغفير بكسرهما. وقال في مادة غ ث ر والمغثر كمنبر
شيء ينضحه الثمام والعشر والرمث كالعسل الجمع مغاثير وأغثر
الرمث سأل منه وتمغثر اجتناه انتهى.
وقال ابن قتيبة: هو صمغ حلو له رائحة كريهة وذكر البخاري
أنه شبيه بالصمغ يكون في الرمث بكسر الراء وسكون الميم
بعدها مثلثة من الشجر التي ترعاها الإبل. وأكلت استفهام
محذوف الأداة.
(فدخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على إحداهما)
قال ابن حجر: لم أقف على تعيينها وأظنها حفصة (فقالت له
ذلك) القول الذي تواصيا عليه أكلت مغافير (فقال: لا) لم
آكل مغافير (بل شربت عسلًا) ولأبي
ذر لا بأس شربت عسلًا (عند زينب بنت جحش ولن أعود له)
للشرب وزاد في رواية هشام بن يوسف في تفسير سورة التحريم،
وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا (فنزلت: {يا أيها النبي لم
تحرم ما أحل الله لك} -إلى-) قوله تعالى: ({إن تتوبا إلى
الله}) أي (لعائشة وحفصة) وعند ابن عساكر هنا باب إن تتوبا
إلى الله يعني لعائشة وحفصة ({وإذ أسرّ النبي إلى بعض
أزواجه حديثًا} لقوله: بل شربت عسلًا).
قال في الفتح: هذا القدر أي وإذ أسرّ النبي إلى آخره بقية
الحديث وكنت أظنه من ترجمة البخاري حتى وجدته مذكورًا في
آخر الحديث عند مسلم قال: وكان المعنى، وأما المراد بقوله
تعالى: {وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} [التحريم:
3] فهو لأجل قوله: بل شربت عسلًا.
5268 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ
إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ
فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ
بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ،
فَغِرْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي، أَهْدَتْ
لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ،
فَسَقَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ
لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ
إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ،
فَقُولِي: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ
لاَ فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ
مِنْكَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ
شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ
الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكَ. وَقُولِي أَنْتِ يَا
صَفِيَّةُ ذَاكِ. قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللَّهِ
مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ
أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ: «لاَ».
قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟
قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ». فَقَالَتْ:
جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ
قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَى
صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَارَ
إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ
أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: «لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ».
قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ
قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (فروة بن أبي
المغراء) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والمغراء بفتح
الميم والراء بينهما غين ساكنة ممدود البيكندي الكوفي قال:
(حدّثنا علي بن مسهر) الكوفي الحافظ (عن هشام بن عروة عن
أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها)
أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يحب العسل والحلواء) بالهمز والمد ولأبي ذر
والحلوى بالقصر. قال في القاموس: والحلواء وتقصر، وعند
الثعالبي في فقه اللغة: أن حلوى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن
عظيم قال:
(8/139)
في القاموس: تمر يعجن بلبن وليس هذا من عطف
العامّ على الخاصّ وإنما العامّ الذي يدخل فيه بضم أوّله
(وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا انصرف من
العصر) أي من صلاة والعصر (دخل على نسائه فيدنو) أي يقرب
(من إحداهن) بأن يقبّلها ويباشرها من غير جماع كما في
رواية أخرى، وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن
عبد بن حميد أن ذلك إذا انصرف من صلاة الفجر، لكنها كما في
الفتح رواية شاذّة وعلى تسليمها، فيحتمل أن الذي كان يفعله
أوّل النهار سلام ودعاء محض والذي في آخره معه جلوس
ومحادثة (فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس) فأقام عندها (أكثر
ما كان يحتبس فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي) في حديث ابن عباس
أن عائشة قالت لجويرية حبشية عندها يقال لها: خضراء: إذا
دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا يصنع فقالت: (أهدت
لها) أي لحفصة (امرأة من قومها) لم أعرف اسمها (عكة من
عسل) سقط الجار لأبي ذر، وزاد ابن عباس من الطائف (فسقت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه شربة) وفي
الرواية السابقة من هذا الباب أن شرب العسل كان عند زينب
بنت جحش، وفي هذه عند حفصة. وقد قدّمنا أن رواية ابن عباس
عند ابن مردويه أنه كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما
اللتان تواطأتا كما في رواية عبيد بن عمير المروية أوّل
هذا الباب وإن اختلفتا في صاحبة العسل وحمله على التعدّد
إذ لا يمتنع تعدّد السبب للشيء الواحد، أو رواية عبيد أثبت
لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على
ما تقدّم في التفسير، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن
في المظاهرة بعائشة لكن يمكن تعدّد القصة التي في شرب
العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة
وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها
الشرب عند حفصة كانت سابقة، والراجح أيضًا أن صاحبة العسل
زينب لا سودة لأن طريق عبيد أثبت من طريق ابن أبي مليكة،
ويؤيده أن في الهبة أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنّ حزبين: عائشة وسودة وحفصة وصفية
في حزب، وزينب بنت جحش وأُم سلمة والباقيات في حزب، ولذا
غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها، وممن ذهب إلى
الترجيح عياض فقال: رواية عبيد بن عمير أولى لموافقتها
ظاهر القرآن لأن فيه {وإن تظاهرا عليه} [التحريم: 4] فهما
ثنتان لا أكثر قال: فكأن الأسماء انقلبت على راوي الرواية
الأخرى، لكن اعترضه الكرماني فقال: متى جوّزنا هذا ارتفع
الوثوق بأكثر الروايات وفي تفسير السدّي أن شرب العسل كان
عند أُم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لإرساله وشذوذه
انتهى ملخصًا من الفتح.
قالت عائشة: (فقلت أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (والله
لنحتالن له) أي لأجله (فقلت لسودة بنت زمعة أنه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سيدنو) أي يقرب (منك فإذا
دنا منك فقولي) له: (أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا فقولي
له ما هذه الريح التي أجد منك) وسقط لفظ منك لأبي ذر (فإنه
سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست) بفتح الجيم
والراء والسين المهملة أي رعت (نحله) أي نحل هذا العسل
الذي شربته (العرفط) بضم العين المهملة والفاء بينهما راء
ساكنة آخره مهملة الشجر الذي صمغه المغافير (وسأقول) أنا
له (ذلك وقولي) له (أنت يا صفية) بنت حيي (ذاك) بكسر الكاف
بلا لام ولأبي ذر ذلك أي قولي الكلام الذي علمته لسودة زاد
يزيد بن رومان عن ابن عباس وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد عليه أن توجد منه ريح كريهة لأنه
يأتيه المَلَك (قالت) عائشة
(تقول سودة) لي (فوالله ما هو إلا أن قام) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على الباب فأردت أن أُبادئه)
بالموحدة من المبادأة بالهمز ولابن عساكر أناديه بالنون
بدل الموحدة (بما أمرتني به) من أن أقول له أكلت مغافير
(فرقا) بفتح الفاء والراء خوفًا (منك، فلما دنا) عليه
الصلاة
(8/140)
والسلام (منها قالت له سودة: يا رسول الله
أكلت مغافير؟ قال):
(لا) ما أكلتها (قالت) له: (فما هذه الريح التي أجد) ها
(منك؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (سقتني حفصة شربة عسل)
وسقط لابن عساكر عسل (فقالت) سودة (جرست) رعت (نحله
العرفط) شجر المغافير وقالت عائشة: (فلما دار إليّ) بتشديد
الياء (قلت له) عليه الصلاة والسلام وسقط لأبي ذر له (نحو
ذلك) القول الذي قلت لسودة أن تقوله له (فلما دار إلى صفية
قالت له مثل ذلك) عبّر بقوله نحو ذلك في إسناد القول
لعائشة وبقوله مثل ذلك في إسناده لصفية لأن عائشة لما كانت
المبتكرة لذلك عبّرت عنه بأي لفظ أرادت، وأما صفية فإنها
مأمورة يقول ذلك فليس لها أن تتصرف فيه، ولكن وقع التعبير
بلفظ مثل في الموضعين في رواية أبي أسامة فيحتمل أن يكون
ذلك من تصرف الرواة (فلما دار إلى حفصة) في اليوم الآخر
(قالت) له: (يا رسول الله: ألا) بالتخفيف (أسقيك منه)؟ من
العسل (قال: لا حاجة لي فيه) لما وقع من توارد النسوة
الثلاث على أنه نشأت له من شربه ريح كريهة فتركه حسمًا
للمادّة (قالت) عائشة: (تقول سودة والله لقد حرمناه)
بتخفيف الراء معناه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من العسل. قالت عائشة: (قلت لها) أي لسودة (اسكتي) لئلا
يفشو ذلك فيظهر ما دبّرته لحفصة وهذا منها على مقتضى طبيعة
النساء في الغيرة وليس بكبيرة بل صغيرة معفوّ عنها مكفّرة.
9 - باب
لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ
سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَيُرْوَى
فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ
حُسَيْنٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْقَاسِمِ
وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ
وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَافِعِ
بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهَا لاَ
تَطْلُقُ.
هذا (باب) بالتنوين (لا طلاق قبل النكاح) فلو قال لأجنبية:
إن تزوّجتك فأنت طالق فلغو للحديث المروي عند أبي داود.
وقال الترمذي: حسن صحيح لا طلاق إلا بعد نكاح، وللحاكم من
رواية جابر: لا طلاق لمن لا يملك، وقال: صحيح على شرطهما
أي لا طلاق واقع (وقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا
إذا نكحتم المؤمنات}) أي تزوّجتم والنكاح هو الوطء في
الأصل
وتسمية العقد نكاحًا لملابسته له من حيث إنه طريق له
كتسمية الخمر إثمًا لأنها سببه ولم يرد لفظ النكاح في
القرآن إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب
التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه ({ثم طلقتموهن من
قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدّة تعتدّونها فمتعوهن
وسرحوهن سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 49] ولا تمسكوهن ضرارًا
وسقط لأبي ذر قوله باب إلى آخر قوله وقول الله تعالى وثبت
عنده: {يا أيها الذين آمنوا} لكن قال الحافظ ابن حجر: إن
لفظ الباب أيضًا ثابت عنده وذكر الآية إلى قوله: {من عدّة}
وحذف الباقي وقال: الآية. قلت وكذا هو ثابت في اليونينية.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما أخرجه أحمد: (جعل
الله الطلاق بعد النكاح) وروى ابن خزيمة والبيهقي من طريقه
عن سعيد بن جبير سئل ابن عباس عن الرجل يقول: إن تزوّجت
فلانة فهي طالق فقال: ليس بشيء إنما الطلاق لما ملك،
قالوا: فابن مسعود كان يقول: إذا وقت وقتًا فهو كما قال،
قال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال لقال الله:
إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن.
(ويروى) ولابن عساكر وروي (في ذلك) أي في أن لا طلاق قبل
النكاح (عن علي) -رضي الله عنه- فيما رواه عبد الرزاق
برجال ثقات من طريق الحسن البصري قال: سأل رجل عليًّا قال:
قلت إن تزوّجت فلانة فهي طالق فقال عليّ: ليس بشيء لكن
الحسن لم يسمع من علي، وقد روي مرفوعًا فيما أخرجه البيهقي
وأبو داود عن علي قال: حفظت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا يتم بعد
احتلام (و) عن (سعيد بن المسيب) فيما رواه عبد الرزاق
بإسناد صحيح عن ابن جريج بلفظ أخبرني عبد الكريم الجزري
أنه سأل سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح عن طلاق الرجل
ما لم ينكح فكلهم قال لا طلاق قبل أن ينكح إن سماها وإن لم
يسمها (و) عن (عروة بن الزبير) بن العوّام مما رواه سعيد
بن منصور بسند صحيح حدّثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة أن
أباه كان يقول كل طلاق أو عتق قبل الملك فهو باطل (و) عن
(أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام (وعبيد الله)
بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة)
(8/141)
بن مسعود فيما رواه يعقوب بن سفيان
والبيهقي من طريقه من رواية ابن الهاد عن المنذر بن علي بن
الحكم أن ابن أخيه خطب ابنة عمه فتشاجروا في بعض الأمر
فقال الفتى: هي طالق إن نكحتها حتى أكل الغضيض قال:
والغضيض طلع النخل الذكر ثم ندموا على ما كان من الأمر،
فقال المنذر: أنا آتيكم بالبيان من ذلك فانطلق إلى سعيد بن
المسيب فذكر له، فقال ابن المسيب: ليس عليه شيء طلق ما لا
يملك قال: ثم إني سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك، ثم
سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال مثل ذلك، ثم سألت أبا
بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: مثل ذلك، ثم
سألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال مثل
ذلك، ثم سألت عمر بن عبد العزيز فقال: هل سألت أحدًا؟ قلت:
نعم فسماهم قال: ثم رجعت إلى القوم فأخبرتهم.
(و) عن (أبان بن عثمان) لكن قال الحافظ ابن حجر: لم أقف
على إسناد إليه بذلك (و) عن (عليّ بن حسين) المشهور بزين
العابدين مما أخرجه في الغيلانيات بلفظ لا طلاق إلا بعد
نكاح.
(و) عن (شريح) القاضي فيما رواه سعيد بن منصور وابن أبي
شيبة من طريق سعيد بن جبير عنه قال: لا طلاق قبل نكاح
وسنده صحيح.
(و) عن (سعيد بن جبير) مما رواه ابن أبي شيبة أنه قال في
الرجل يقول يوم أتزوج فلانة فهي طالق قال: ليس بشيء إنما
الطلاق بعد النكاح، ورواه الدارقطني مرفوعًا من طريق أبي
هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سئل عن رجل قال: يوم
أتزوّج فلانة فهي طالق فقال: طلّق ما لا يملك. وفي سنده
أبو خالد الواسطي وهو واهٍ.
(و) عن (القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصدّيق (وسالم) وهو
ابن عبد الله بن عمر مما رواه أبو عبيد في كتاب النكاح له
عن هشيم ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد قال: كان
القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز لا
يرون الطلاق قبل النكاح وهذا إسناد صحيح وقد سقط لأبي ذر
قوله والقاسم وسالم.
(و) عن (طاوس) مما أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال: كتب
الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق
قبل النكاح، وكان قد ابتلي بذلك فكتب إلى عامله باليمن
فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم
ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء وسماك بن الفضل
عن وهب بن منبّه أنهم قالوا: لا طلاق قبل النكاح. قال سماك
من عنده: إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلّها فكيف تحل
عقدة قبل أن تعقد؟.
(و) عن (الحسن) فيما رواه عبد الرزاق بلفظ: لا طلاق قبل
النكاح ولا عتق قبل الملك.
(و) عن (عكرمة) فيما رواه الأثرم عن الفضل بن دكين عن سويد
بن نجيح قال: سألت عكرمة مولى ابن عباس قلت رجل قالوا له
تزوّج فلانة قال هي يوم أتزوّجها طالق كذا وكذا. قال: إنما
الطلاق بعد النكاح.
(و) عن (عطاء) مما رواه الطبراني في الأوسط عنه عن جابر أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا
طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك".
(و) عن (عامر بن سعد) هو البجلي الكوفي التابعي كما قاله
في الفتح وجزم الكرماني أنه ابن سعد بن أبي وقاص قال ابن
حجر: وفيه نظر، وتعقبه العيني بأن صاحب رجال الصحيحين لم
يذكر عامر بن سعد البجلي فالظاهر أنه ابن أبي وقاص ولم يقف
على إسناد هذا الأثر.
(و) عن (جابر بن زيد) أبي الشعثاء البصري مما رواه سعيد بن
منصور وفي رواية أبي ذر هنا وسالم أي ابن عبد الله بن عمر
وقد سبق.
(و) عن (نافع بن جبير) أي ابن مطعم (ومحمد بن كعب) القرظي
مما وصله ابن أبي شيبة عنهما أنهما قالا: لا طلاق إلا بعد
نكاح.
(و) عن (سليمان بن يسار) مما وصله سعيد بن منصور (و) عن
(مجاهد) مما وصله ابن أبي شيبة عن الحسن بن الرماح سألت
سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة
فهي طالق فكلهم قال ليس بشيء، وزاد سعيد أيكون سيل قبل
مطر.
(و) عن (القاسم بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن مسعود مما
رواه ابن أبي شيبة بلفظ
(8/142)
لا طلاق إلا بعد نكاح.
(و) عن (عمرو بن هرم) بفتح العين في الأوّل والهاء وكسر
الراء والصرف في الثاني الأزدي من أتباع التابعين مما قال
الحافظ ابن حجر: لم أقف على مقالته موصولة إلا في كلام بعض
الشرّاح أن أبا عبيد أخرجه من طريقه.
(و) عن (الشعبي) عامر بن شراحيل (إنها لا تطلق) لكن رواه
وكيع في مصنفه عن الشعبي قال: إن قال كل امرأة أتزوّجها
فهي طالق فليس بشيء فإذا وقت لزمه، وقال الكرماني: ومقصود
البخاري من تعداد هذه الجماعة الثلاثة والعشرين من الفقهاء
الأفاضل الأشعار بأنه يكاد أن يكون إجماعًا على أنه لا
تطلق المرأة قبل النكاح. وقال في الفتح: وقد تجوّز البخاري
في نسبه جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقًا مع
أن بعضهم يفصل وبعضهم يختلف عليه ولعل ذلك هو النكتة
بتصديره النقل عنهم بصيغة التمريض، والمسألة من الخلافيات
الشهيرة وللعلماء فيها مذاهب الوقوع مطلقًا وعدم الوقوع
مطلقًا، والتفصيل بين ما إذا عمّم أو عين والجمهور وهو قول
الشافعي على عدم الوقوع. نعم حكى ابن الرفعة في كفايته عن
أمالي أبي الفرج وكتاب الحناطي أن منهم من أثبت وقوع
الطلاق، قال: واعلم أن بعض الشارحين للمسألة استدلّ بقوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا طلاق قبل
النكاح" مقتصرًا على ذلك وهو غير كافٍ لأن من قال بوقوع
الطلاق يقول بموجبه فإنه يقول الطلاق إنما يقع بعد النكاح
انتهى.
وأبو حنيفة وأصحابه بالوقوع مطلقًا لأن التعليق بالشرط
يمين فلا تتوقف صحته على وجود ملك المحل كاليمين بالله
تعالى وهذا لأن اليمين تصرف من الحالف في ذمة نفسه لأنه
يوجب البرّ على نفسه والمحلوف به ليس بطلاق لأنه لا يكون
طلاقًا إلا بعد الوصول إلى المحل وعند ذلك الملك واجب،
وقال بالتفصيل جمهور المالكية فإن سمى امرأة أو طائفة أو
قبيلة أو مكانًا أو زمانًا يمكن أن يعيش إليه لزمه
واحترزوا بذلك عما لو قال: إلى مائتي سنة لا يلزمه شيء.
وقال الشيخ خليل في توضيحه: ولو قال لأجنبية إن دخلت الدار
فأنت طالق، فلا شيء عليه لعدم عصمتها، ولو قال إن تزوّجتك
فأنت طالق فالمشهور اعتباره. وروى ابن وهب عن مالك أنه لا
يلزمه قال في الاستذكار وروي على نحو هذا القول أحاديث إلا
أنها عند أهل الحديث معلولة ومنهم من
يصحّح بعضها وأحسنها ما خرّج قاسم قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا طلاق إلا بعد نكاح"
ولأبي داود: لا طلاق إلا فيما يملك.
قال البخاري: وهو أصح شيء في الطلاق قبل النكاح. وأجيب
عنها: بأنّا نقول بموجبها لأن الذي دلّ عليه الحديث إنما
هو انتفاء وقوع الطلاق قبل النكاح ونحن نقول به ومحل
النزاع إنما هو التزام الطلاق.
10 - باب إِذَا قَالَ: لاِمْرَأَتِهِ وَهْوَ مُكْرَهٌ:
هَذِهِ أُخْتِي، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ إِبْرَاهِيمُ
لِسَارَةَ هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ»
هذا (باب) بالتنوين (إذا قال لامرأته وهو) أي والحال أنه
(مكره هذه أختي فلا شيء عليه) من طلاق ولا ظهار (قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال إبراهيم) الخليل
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لسارة) زوجته أم
إسحاق لما طلبها ذلك الجبار وخاف أن يقتله (هذه أختي وذلك
في ذات الله عز وجل) وكان من شأنهم أن لا يقربوا الخلية
إلا بخطبة ورضا بخلاف المتزوّجة فكانوا يغتصبونها من زوجها
إذا أحبوا ذلك.
11 - باب الطَّلاَقِ فِي الإِغْلاَقِ وَالْكُرْهِ
وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ
وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلاَقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ،
لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»
وَتَلاَ الشَّعْبِيُّ {لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا
أَوْ أَخْطَأْنَا} وَمَا لاَ يَجُوزُ مَنْ إِقْرَارِ
الْمُوَسْوِسِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ:
«أَبِكَ جُنُونٌ»؟ وَقَالَ عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ
خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلُومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ
قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ:
هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ،
فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ لَيْسَ
لِمَجْنُونٍ وَلاَ لِسَكْرَانَ طَلاَقٌ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ
بِجَائِزٍ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَجُوزُ
طَلاَقُ الْمُوَسْوِسِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَدَا
بِالطَّلاَقِ فَلَهُ شَرْطُهُ. وَقَالَ نَافِعٌ: طَلَّقَ
رَجُلٌ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ
ابْنُ عُمَرَ: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ،
وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا
وَكَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ: يُسْأَلُ عَمَّا قَالَ
وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلْكَ
الْيَمِينِ، فَإِنْ سَمَّى أَجَلًا وَعَقَدَ عَلَيْهِ
قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ جُعِلَ ذَلِكَ فِي دِينِهِ
وَأَمَانَتِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنْ قَالَ لاَ
حَاجَةَ لِي فِيكِ نِيَّتُهُ. وَطَلاَقُ كُلِّ قَوْمٍ
بِلِسَانِهِمْ وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا قَالَ: إِذَا
حَمَلْتِ
فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا يَغْشَاهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ
مَرَّةً، فَإِنِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَقَدْ بَانَتْ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا قَالَ الْحَقِي بِأَهْلِكِ
نِيَّتُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الطَّلاَقُ عَنْ
وَطَرٍ، وَالْعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَتِي
نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلاَقًا فَهْوَ مَا نَوَى
وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ
عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ
الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى
يَسْتَيْقِظَ. وَقَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ الطَّلاَقِ
جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ.
(باب) بيان حكم (الطلاق في الإغلاق) بكسر الهمزة وسكون
الغين المعجمة آخره قاف وهو الإكراه وسمي به لأن المكره
كأنه يغلق عليه الباب ويضيق عليه حتى يطلق، وقيل العمل في
الغضب وتمسك بهذا التفسير بعض متأخري الحنابلة القائلين،
بأن الطلاق في الغضب لا يقع ولم يوجد عن أحد من متقدّميهم
لكن ردّ هذا التفسير المطرزي والفارسي بأن طلاق الناس
غالبًا إنما هو في حال الغضب ولو جاز عدم وقوع طلاق
الغضبان لكان لكل أحد أن يقول كنت غضبان فلا يقع عليّ طلاق
(و) حكم (المكره) بضم الميم وفتح الراء وفي اليونينية
والكره بغير ميم وضم الكاف وسكون الراء (و) حكم (السكران
و) حكم (المجنون وأمرهما) هل هو واحد أو مختلف (و) حكم
(8/143)
(الغلط والنسيان) الواقعين (في الطلاق و)
حكم (الشرك) إذا وقع من المكلّف ما يقتضيه غلطًا أو
نسيانًا هل يحكم به أم لا وإذا كان لا يحكم عليه به
فالطلاق كذلك (وغيره) أي غير الشرك مما هو دونه أو غير ما
ذكر نحو الخطأ وسبق اللسان والهزل. وحكى ابن الملقن أن في
بعض النسخ والشك بدل والشرك. قال الزركشي: وهو أليق. وقال
ابن بطال: وهو الصواب لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يرها
في شيء من النسخ التي وقف عليها، (لقول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الأعمال بالنية) بالإفراد
(ولكل امرئ ما نوى) فإنما يعتبر ما ذكر من الإكراه وغيره
مما سبق بالنية وإنما يتوجه على العاقل المختار العامد
الذاكر.
(وتلا الشعبي) عامر بن شراحيل قرأ قوله تعالى مستدلاًّ
لعدم وقوع طلاق المخطئ والناسيّ: ({لا تؤاخذنا إن نسينا أو
أخطأنا}) [البقرة: 286] وهذا وصله هنا ابن السري الصغير في
فوائده (و) بيان (ما لا يجوز من إقرار الموسوس) بسينين
مهملتين وفتح الواو الأولى وكسر الثانية.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: للذي
أقرّ على نفسه) بالزنا (أبك جنون) فقال: لا، الحديث الآتي
إن شاء الله تعالى في الحدود بمباحثه بعون الله وفضله.
(وقال عليّ) -رضي الله عنه-: (بقر) بالموحدة والقاف
المخففة شق (حمزة) بن عبد المطلب (خواصر شارفيَّ) بفتح
الفاء وتشديد التحتية تثنية شارف الناقة المسنة (فطفق) شرع
أو جعل
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلوم حمزة)
على فعله ذلك (فإذا حمزة قد ثمل) بفتح المثلثة وكسر الميم
سكر مبتدأ وخبر (محمرة عيناه) خبر بعد خبر (ثم قال حمزة)
-رضي الله عنه-: (هل) ولأبي ذر وابن عساكر وهل (أنتم إلا
عبيد لأبي فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه قد ثمل، فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
عند حمزة (وخرجنا معه) أي ولم يؤاخذه فتمسك به من قال بعدم
مؤاخذة السكران بما يقع منه حال سكره من طلاق وغيره.
وقد سبق هذا الحديث موصولًا في غزوة بدر من المغازي.
(وقال عثمان) بن عفان -رضي الله عنه-: (ليس لمجنون ولا
لسكران طلاق) وصله ابن أبي شيبة.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله سعيد بن منصور
وابن أبي شيبة بمعناه: (طلاق السكران والمستكره ليس بجائز)
أي ليس بواقع إذ لا عقل للسكران المغلوب على عقله ولا
اختيار للمستكره.
(وقال عقبة بن عامر) الجهني (لا يجوز) أي لا يقع (طلاق
الموسوس) لأن الوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في
حديث النفس.
(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما سبق في الشروط في الطلاق
(إذا) أراد أن يطلق و (بدأ بالطلاق) قبل الشروط بأن قال
أنت طالق إن دخلت الدار (فله شرطه) كما في العكس بأن يقول
إن دخلت الدار فأنت طالق فلا يلزم تقديم الشرط على الإطلاق
بل يصح سابقًا ولاحقًا وإن قال ابتداء من غير ذكر شرط
مقتصرًا عليه فأنت طالق وقال: أردت الشرط فسبق لساني إلى
الجزاء لم يقبل منه ظاهرًا لأنه متّهم وقد خاطبها بصريح
الطلاق والفاء تُزاد في غير الشرط وإن قال: إن دخلت الدار
أنت طالق بحذف الفاء فهو تعليق.
(وقال نافع) مولى ابن عمر لابن عمر: إذا (طلق رجل امرأته
البتة) نصب على المصدر أي طلاقًا بائنًا (إن خرجت) أي من
الدار ما حكمه (فقال ابن عمر) -رضي الله عنهما-: (إن خرجت)
أي من الدار (فقد بتّت منه) بضم الموحدة وتشديد الفوقية
الأولى أي انقطعت منه فلا رجعة له فيها ولأبي ذر إن خرجت
فقد بنت بموحدة مكسورة فنون ساكنة ففوقية مكسورة (وإن لم
تخرج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإن لم تخرجي منها
(فليس بشيء) لعدم وجود الشرط.
(وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فيمن قال: إن لم أفعل
كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثًا يسأل عما قال وعقد عليه قلبه
حين حلف بتلك اليمين فإن سمي أجلًا أراد وعقد عليه قلبه
حين حلف جعل) بضم الجيم وكسر العين (ذلك في دينه وأمانته)
أي يدين فيما بينه وبين الله تعالى، قال في الفتح: أخرجه
(8/144)
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مختصرًا
ولفظه في الرجلين يحلفان بالطلاق والعتاق على أمر يختلفان
فيه ولم تقم على واحد منهما بيّنة على قوله قال: يدينان
ويحملان من ذلك ما تحملا.
(وقال إبراهيم) النخعي (إن قال) لامرأته (لا حاجة لي فيك)
تعتبر (نيته) فإن نوى الطلاق طلقت وإلاّ فلا رواه ابن أبي
شيبة (وطلاق كل قوم بلسانهم) عجميًّا أو غيره وهذا وصله
ابن أبي شيبة أيضًا. وقال في الروضة: ترجمة لفظ الطلاق
بالعجمية وسائر اللغات صريح على المذهب لشهرة استعمالها في
معناها عند أهل تلك اللغات كشهرة العربية عند أهلها وقيل
وجهان ثانيهما أنها كناية.
(وقال قتادة) بن دعامة مما وصله ابن أبي شيبة (إذا قال)
الرجل لامرأته (إذا حملت فأنت طالق ثلاثًا، يغشاها) أي
يجامعها (عند كل طهر مرة) واحدة (فإن استبان) ظهر (حملها
فقد بانت) طلقت (منه) ثلاثًا وهو قول الجمهور، وقال
المالكية: يحنث بالوطء من بعد التعليق استبان بها حمل أم
لا. رواه ابن القاسم لأن الحمل موقوف على سبب والسبب بيد
الحالف إن شاء أوقعه وإن شاء لم يوقعه وهو الوطء، واختلف
بعد الوطء فقال في المدونة: يعجل عليه الطلاق بأثر الوطء.
وقال ابن الماجشون: لا يعجل عليه وينتظر ثم يطؤها في كل
طهر مرة، وقال أشهب: لا شيء عليه حتى يكون ما شرط، وقال
ابن يونس: فوجه قول ابن القاسم أنه إذا وطئها صار حملها
مشكوكًا فيه فيعجل الطلاق لأن كل من شك هل حنث أم لا فهو
حانث، ووجه قول أشهب أن من أصله أنه لا يطلق إلا على من
علق على آت لا بدّ منه، ووجه قول ابن الماجشون أنه لا يحصل
الحمل من كل وطء فوجب أن لا تطلق عليه حتى يختبر أمر هذا
الوطء ويمسك عن وطئها إذ لا يدري هل حملت منه أم لا، وسقط
لأبي ذر لفظ منه وهذا وصله ابن أبي شيبة.
(وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد الرزاق (إذا قال)
لامرأته: (الحقي) بكسر أوّله وفتح ثالثه وقيل عكسه (بأهلك
نيته) إن نوى الطلاق وقع وإلاّ فلا.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- (الطلاق عن وطر) بفتحتين
حاجة فلا يطلق الرجل إلا عند الحاجة كالنشوز (والعتاق ما
أريد به وجه الله) فهو مطلوب دائمًا.
(وقال الزهري) محمد بن مسلم (إن قال) لامرأته: (ما أنت
بامرأتي) تعتبر (نيته وإن نوى طلاقًا فهو ما نوى) وهذا
وصله ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري وكذا
من طريق قتادة لكنه قال: إذا وجهها به وأراد الطلاق فواحدة
وقال الحنفية: إذا قال لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج ونوى
الطلاق يقع عند أبي حنيفة. وقال صاحباه: لا لأن نفي النكاح
ليس بطلاق بل كذب فهو كقوله: والله لم أتزوجك والله ما أنت
لي بامرأة. وقال المالكية: إن قال لامرأته لست لي بامرأة
أو ما أنت لي بامرأة أو لم أتزوجك فلا شيء عليه في ذلك إلا
أن ينوي به الطلاق.
(وقال علي) -رضي الله عنه- فيما وصله البغوي في الجعديات
عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن
عباس أن عمر أُتي بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها
فقال له علي: (ألم تعلم) ولأبي ذر عن الكشميهني ألم تر (أن
القلم رفع) وفي الجعديات أما
بلغك أن القلم قد وضع (عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق) من
جنونه (وعن الصبي حتى يدرك) الحلم (وعن النائم حتى يستيقظ)
من نومه. ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرّح فيه بالرفع
أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه، وأخرجه النسائي من
وجهين آخرين عن أبي ظبيان عن علي مرفوعًا وموقوفًا ورجح
الموقوف على المرفوع، وقد أخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور
فشرطوا في المطلق ولو بالتعليق أن يكون مكلفًا فلا يصح من
غيره.
(وقال علي) -رضي الله عنه- فيما وصله البغوي في الجعديات
أيضًا (وكل الطلاق) ولأبي ذر وكل طلاق (جائز إلا طلاق
المعتوه) بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الفوقية وبعد
الواو هاء، وفيه حديث مرفوع عند الترمذي من حديث أبي هريرة
مرفوعًا "كل طلاق جائز إلا طلاق
(8/145)
المعتوه المغلوب على عقله" لكنه من رواية
عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدًّا. والمعتوه كالمجنون في نقص
العقل فمنه الطفل والمجنون والسكران، وقيل: المعتوه القليل
الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير فهو كالمجنون لكنه لا
يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والعاقل من يستقيم كلامه
وأفعاله إلا نادرًا، والمجنون ضدّه والمعتوه من يكون ذلك
منه على السواء، وهذا يؤدّي إلى أن لا يحكم على أحد
بالعته، والقول بأنه القليل الفهم إلى آخره أولى، وقيل من
يفعل فعل المجانين عن قصد مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد
والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح
أحيانًا، وقد علم أن التصرفات لا تنفذ إلا ممن له أهلية
التصرف ومدارها العقل والبلوغ خصوصًا ما هو دائر بين الضرر
والنفع خصوصًا ما لا يحل إلا لانتفاء مصلحة ضده القائم
كالطلاق فإنه يستدعي تمام العقل ليحكم به التمييز في ذلك
الأمر ولم يكفّ عقل الصبي العاقل لأنه لم يبلغ الاعتدال
بخلاف ما هو حسن لذاته بحيث لا يقبل حسنه السقوط وهو
الإيمان حتى صحّ من الصبي العاقل، ولو فرض لبعض الصبيان
المراهقين عقل جيد لا يعتبر في التصرفات لأن المدار البلوغ
لانضباطه فتعلق به الحكم، وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب
أنه إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه، وعن ابن عمر جواز
طلاق الصبي ومراده العاقل، ومثله عن الإمام أحمد والله
أعلم بصحة هذه النقول قاله الشيخ كمال الدين بن الهمام
-رحمه الله تعالى-.
وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة لا يجوز طلاق الصبي، وسبق
في هذا الباب قول عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق وزيادة
ابن عباس المستكره، وفي مسألة السكران خلاف عالٍ بين
التابعين ومن بعدهم فقال بوقوعه من التابعين سعيد بن
المسيب وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين
ومجاهد، بل قال به من الصحابة عثمان وابن عباس كما مرّ،
وبه قال مالك والشافعي وأحمد، في رواية مشهورة عنه
والحنفية فيصح منه مع أنه غير مكلف تغليظًا عليه ولأن صحته
من قبيل ربط الأحكام بالأسباب كما قاله الغزالي في
المستصفى، وأجاب عن قوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم
سكارى} [النساء: 43] الذي استند إليه الجويني وغيره في
تكليف السكران، لأن المراد به هو في أوائل السكر وهو
المنتشي لبقاء عقله وانتفاء تكليف السكران لانتفاء الفهم
الذي هو شرط التكليف، والمراد بالسكران الذي يصح طلاقه
ونكاحه ونحوهما مَن زال
عقله بما أثم به من شرب مُسكِر متعد بشربه. وقال ابن
الهمام: وكونه زوال عقله بسبب هو معصية لا أثر له وإلا
صحّت ردّته ولا تصح قلنا لما خاطبه الشرع في سكره بالأمر
والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدًا
عليه في الأحكام الفرعية، وعقلنا أن ذلك يناسب كونه تسبب
في زوال عقله بسبب محظور وهو مختار فيه، وعلى هذا اتفق
فتاوى مشايخ المذهبين من الشافعية والحنفية بوقوع طلاق من
غاب عقله بأكل الحشيشة وهي المسماة بورق القنب لفتواهم
بحرمتها بعد أن اختلفوا فيها فأفتى المزني بحرمتها وأفتى
أسد بن عمرو بحلّها لأن المتقدمين لم يتكلموا فيها بشيء
لعدم ظهور شأنها فيهم فلما ظهر من أمرها من الفساد كثير
وفشا، عاد مشايخ المذهبين إلى حرمتها وأفتوا بوقوع الطلاق
ممن زال عقله بها إذا استعملها مختارًا أما إذا أكره على
شرب مسكر ولم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه لعدم تعدّيه
والرجوع في معرفة السكر إلى العرف، ولو قال: إنما شربت
الخمر مكرهًا وثم قرينة أو لم أعلم أن ما شربته مسكر صدّق
بيمينه قاله الأذرعي، وأما المكره فعند الشافعية لا يصح
طلاقه لحديث: وما استكرهوا عليه، وحديث لا طلاق في إغلاق
أي إكراه رواه أبو داود والحاكم، وصحح إسناده وحدّ الإكراه
أن يهدّد المكره قادر على الإكراه بولاية أو تغلب عاجلًا
ظلمًا وعجز المكره عن دفعه بهرب وغيره كاستغاثة بغيره وظنه
أنه إن امتنع من فعل ما أكره عليه حقق ما هدده به ويحصل
بتخويف بمحذور كضرب شديد أو إتلاف مال، ويختلف باختلاف
طبقات
(8/146)
الناس وأحوالهم فلا يحصل الإكراه بالتخويف
بالعقوبة الآجلة كقوله: لأضربنك غدًا ولا بالتخويف المستحق
كقوله لمن له عليه قصاص طلقها وإلاّ اقتصصت منك، فإن ظهر
من المكره قرينة اختيار منه للطلاق كأن أكره على ثلاث من
الطلقات أو على صريح أو تعليق أو طلاق مبهمة فخالف بأن
وحّد أو ثنى أو كنى أو نجز أو طلق معينة وقع الطلاق وقال
الحنفية: يقع طلاق المكره لأن المكره مختار في التكلم
اختيارًا كاملًا في السبب إلا أنه غير راضٍ بالحكم لأنه
عرف الشرّين فاختار أهونهما عليه.
5269 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ
أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ».
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ
بِشَيْءٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا
هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن زرارة
بن أوفى) العامري قاضي البصرة (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها) بالنصب على
المفعولية يقال: حدّثت نفسي بكذا أو بالرفع على الفاعلية
يقال: حدّثتني نفسي بكذا (ما لم تعمل) في العمليات (أو
تتكلم) في القوليات (وقال قتادة) فيما وصله عبد الرزاق
(إذا طلق) امرأته سرًّا (في نفسه فليس) طلاق ذلك (بشيء).
5270 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ
فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ
عَنْهُ، فَتَنَحَّى لِشِقِّهِ الَّذِي أَعْرَضَ فَشَهِدَ
عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَدَعَاهُ فَقَالَ:
«هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ هَلْ أُحْصِنْتَ»؟ قَالَ: نَعَمْ
فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا
أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أُدْرِكَ
بِالْحَرَّةِ فَقُتِلَ. [الحديث 5270 - أطرافه في: 5272،
6814، 6816، 6820، 6826، 7168].
وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج بالجيم المصري قال:
(أخبرنا) بالجمع ولأبي ذر أخبرني (ابن وهب) عبد الله
المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه
(قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) ثبت ابن
عبد الرحمن في رواية أبي ذر (عن جابر) هو ابن عبد الله
الأنصاري -رضي الله عنهما- (أن رجلًا من أسلم) اسمه ماعز
بكسر العين المهملة بعدها زاي ابن مالك الأسلمي (أتى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد فقال:
إنه قد زنى فأعرض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فتنحى) بالحاء المهملة المشددة قصد (لشقه) بكسر الشين
المعجمة (الذي أعرض) عنه بوجهه الكريم إلى جهته (فشهد على
نفسه أربع شهادات) أي أقرّ على نفسه أربع مرات بأنه زنى،
وسقط لفظ شهادات لابن عساكر (فدعاه) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له:
(هل بك جنون)؟ وهذا هو الغرض من هذا الحديث إذ مقتضاه أنه
لو كان مجنونًا ما كان يعمل بإقراره والمراد هل كان بك
جنون أو هل تجنّ تارة وتفيق أخرى لأنه لما خاطبه كان
مفيقًا أو الخطاب له والاستفهام للحاضرين (هل أحصنت)؟ بفتح
الهمزة والصاد المهملة أو بضم الهمزة وكسر الصاد هل تزوجت
قط (قال: نعم) تزوجت (فأمر به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أن يرجم بالمصلى) بفتح اللام المشددة التي كان
يصلّي فيها العيد (فلما أذلقته) بفتح الهمزة وسكون الذال
المعجمة وفتح اللام والقاف وسكون الفوقية أصابته (الحجارة)
بحدّها وآلمته (جمز) بالجيم والميم والزاي المفتوحات أسرع
هاربًا من القتل (حتى أدرك) بضم الهمزة وكسر الراء
(بالحرة) بالحاء المهملة والراء المشددة المفتوحتين أرض
ذات حجارة سود خارج المدينة (فقتل) بصيغة المجهول.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في الحدود
وكذا أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي في الجنائز.
5271 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ الآَخِرَ قَدْ زَنَى، يَعْنِي نَفْسَهُ.
فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي
أَعْرَضَ قِبَلَهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
الآَخِرَ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى
لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ. فَقَالَ لَهُ
ذَلِكَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لَهُ الرَّابِعَةَ
فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ
دَعَاهُ فَقَالَ «هَلْ بِكَ جُنُونٌ»؟ قَالَ: لاَ فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ.
[الحديث 5271 - أطرافه في: 6815، 6825، 7167].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (وسعيد
بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: أتى رجل من
أسلم) اسمه ماعز وأسلم قبيلة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد) الواو للحال (فناداه
فقال: يا رسول الله إن الآخر) بفتح الهمزة المقصورة وكسر
الخاء المعجمة قال عياض: ومدّ الهمزة خطأ وكذا فتح الخاء
أي المتأخر عن السعادة المدبر أو الأرذل أو اللئيم (قد زنى
يعني نفسه فأعرض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله) بكسر القاف وفتح
الموحدة جهته قال الخطابي: تنحّى تفعّل من نحا إذا قصد أي
قصد الجهة التي إليها وجهه ونحا نحوها (فقال: يا رسول الله
إن الآخر قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي) ولابن
عساكر لشقه الذي
(8/147)
(أعرض قبله فقال له ذلك): إن الآخر قد زنى
(فأعرض عنه فتنحى) الرجل (له الرابعة فلما شهد على نفسه)
بالزنا (أربع شهادات دعاه فقال) له:
(هل بك جنون)؟ قال النووي: إنما قال هل بك جنون ليحقق حاله
فإن الغالب أن الإنسان لا يصرّ على إقرار ما يقتضي هلاكه،
وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطل (قال: لا) ما بي
جنون (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اذهبوا به) الباء للتعدية أو للحال أي اذهبوا مصاحبين له
(فارجموه. وكان قد أحصن) بضم الهمزة وكسر الصاد.
5272 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ
سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ:
كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى
بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ،
جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ
حَتَّى مَاتَ.
(وعن الزهري) عطف على قوله في السند السابق شعيب عن الزهري
إلى آخره أنه (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن
عساكر: فأخبرني بالفاء والإفراد (من سمع جابر بن عبد الله
الأنصاري) أبهم الراوي عنه فيحتمل أنه أبو سلمة الذي روى
عنه أولًا وأن يكون غيره روى عنه (قال: كنت فيمن رجمه
فرجمناه بالمصلى بالمدينة) فيه تقديم وتأخير أي فرجمناه
بالمصلى فكنت فيمن رجمه أو يقدر فكنت فيمن أراد حضور رجمه
فرجمناه (فلما أذلقته الحجارة) أي أقلقته وأوجعته وجواب
لما قوله (جمز) أسرع هاربًا من القتل (حتى أدركناه بالحرة
فرجمناه حتى مات) وزاد أبو داود والحاكم في حديث نعيم أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "هلاّ تركتموه
لعله يتوب فيتوب الله عليه"، وهو حجة للشافعي ومن وافقه أن
الهارب من الرجم إذا كان بالإقرار يكف عنه في الحال فإن
رجع سقط عنه الحد وإلا حُدَّ.
وحديث الباب هذا أخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرجم.
12 - باب الْخُلْعِ، وَكَيْفَ الطَّلاَقُ فِيهِ؟
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ
تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن
يَخَافَا أَن لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} وَأَجَازَ
عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ. وَأَجَازَ عُثْمَانُ
الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا. وَقَالَ طَاوُسٌ:
{إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}
فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى
صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُلْ
قَوْلَ السُّفَهَاءِ لاَ يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ: لاَ
أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ.
(باب الخلع) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من الخلع
بفتح الخاء وهو النزع سمي به لأن كلاًّ من الزوجين لباس
الآخر في المعنى. قال تعالى: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس
لهن} [البقرة: 187] فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه وضم
مصدره تفرقة بين الحسي والمعنويّ. (وكيف الطلاق فيه) أي
حكمه هل يقع بمجرده أو بذكر الطلاق باللفظ أو بالنية خلاف
وتعريف الخلع فراق زوج يصح طلاقه لزوجته بعوض يحصل لجهة
الزوج بلفظ طلاق وخلع والمراد ما يشملهما وغيرهما من ألفاظ
الطلاق والخلع صريحًا وكناية كالفراق والإبانة والمفاداة
وخرج بجهة الزوج تعليق طلاقها بالبراءة عما لها على غيره
فيقع الطلاق في ذلك رجعيًّا فإن وقع بلفظ الخلع ولم ينوِ
به طلاقًا فالأظهر أنه طلاق ينقص العدد، وكذا إن وقع بلفظ
الطلاق مقرونًا بالنية، وقد نص في الإملاء أنه من صرائح
الطلاق، وفي قول إنه فسخ وليس بطلاق لأنه فراق حصل بمعاوضة
فأشبه ما لو اشترى زوجته، ونص عليه في القديم وصح عن ابن
عباس فيما أخرجه عبد الرزاق وهو مشهور مذهب الإمام أحمد
لحديث الدارقطني عن طاوس عن ابن عباس الخلع فرقة وليس
بطلاق أما إذا نوى به الطلاق فهو طلاق قطعًا عملًا بنيته
فإن لم ينوِ به طلاقًا لا تقع به فرقة أصلًا كما نص عليه
في الأم وقوّاه السبكي، فإن وقع الخلع بمسمى صحيح لزم أو
بمسمى فاسد كخمر وجب مهر المثل.
(وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على الخلع المضاف إليه
الباب ولأبي ذر: وقوله عز وجل: ({ولا يحل لكم}) أيها
الأزواج أو الحكام لأنهم الآمرون بالأخذ والإيتاء عند
الترافع إليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون ({أن تأخذوا مما
آتيتموهن شيئًا}) مما أعطيتموهن من المهور ({إلا أن يخافا
أن لا يقيما حدود الله}) [البقرة: 229] أي إلا أن يعلم
الزوجان ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من مواجب
الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها وسياق الآية
إلى حدود الله لأبي ذر ولغيره إلى قوله شيئًا ثم قال: إلى
قوله: {الظالمون} [البقرة: 229] وتمام المراد من الآية في
قوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] أي
لا جناح على الرجل فيما أخذ ولا عليها فيما افتدت به نفسها
واختلعت من بذل ما أوتيت من المهر وفيه مشروعية الخلع وقد
أجمع عليه العلماء خلافًا لبكر بن عبد الله المزني
التابعي، فإنه قال بعدم حل أخذ شيء من الزوجة
عوضًا عن فراقها محتجًّا بقوله تعالى: {فلا تأخذوا منه
شيئًا} [النساء: 20] فأورد عليه {فلا جناح عليهما فيما
افتدت} [البقرة: 229] فأجاب بأنها منسوخة بآية النساء
وأجيب
(8/148)
بقوله تعالى في سورة النساء أيضًا {فإن طبن
لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه} [النساء: 4] وبقوله تعالى
فيها: {فلا جناح عليهما أن يصلحا} [النساء: 128] الآية،
وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة
بآية البقرة وبآيتي النساء الأُخريين، وقد تمسك بالشرط من
قوله تعالى: {فإن خفتم} من منع الخلع إلا إن حصل الشقاق
بين الزوجين معًا والجمهور على الجواز على الصداق وغيره،
ولو كان أكثر منه لكن تكره الزيادة عليه كما في الإحياء،
وعند الدارقطني عن عطاء أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما
أعطاها ويصح في حالتي الشقاق والوفاق فذكر الخوف في قوله:
{إلا أن يخافا} جري على الغالب ولا يكره عند الشقاق أو عند
كراهتها له لسوء خلقه أو دينه أو عند خوف تقصير منها في
حقه أو عند حلفه بالطلاق الثلاث من مدخول بها على فعل ما
لا بدّ له من فعله وإن أكرهها بالضرب ونحوه على الخلع
فاختلعت لم يصح للإكراه ووقع الطلاق، رجعيًّا إن لم يسمّ
المال فإن سماه أو قال طلقتك بكذا وضربها لتقبل فقبلت، لم
يقع الطلاق لأنها لم تقبل مختارة والله أعلم.
(وأجاز عمر) -رضي الله عنه- (الخلع دون) حضور (السلطان)
الإمام الأعظم أو نائبه أو بغير إذنه وصله ابن أبي شيبة في
مصنفه، ولفظه كما قرأته فيه: أُتي بشر بن مروان في خلع كان
بين رجل وامرأته فلم يجزه فقال له عبد الله بن شهاب
الخولاني شهدت عمر بن الخطاب أُتي بخلع كان بين رجل
وامرأته فأجازه، قال في الفتح: وأراد البخاري بإيراد ذلك
الإشارة إلى ما أخرجه سعيد بن منصور عن الحسن البصري قال:
لا يجوز الخلع دون السلطان ولفظ ابن أبي شيبة قال هو عند
السلطان واستدلّ له أبو عبيد بقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا
يقيما حدود الله} [البقرة: 229] وبقوله تعالى: {وإن خفتم
شقاق بينهما} [النساء: 35] قال: فجعل الخوف لغير الزوجين
ولم يقل فإن خافا قال: فالمراد الولاية وردّه النحّاس بأنه
قول لا يساعده الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى، وإذا كان
الطلاق جائزًا دون الحاكم فكذلك الخلع وأما الآية فجرت على
الغالب كما مرّ.
(وأجاز عثمان) -رضي الله عنه- (الخلع) ببذل كل ما تملك
(دون عقاص رأسها) بكسر العين وفتح القاف آخره صاد مهملة
الخيط الذي تعقص به أطراف رأسها.
وهذا وصله أبو القاسم بن بشران في أماليه عن الربيع بنت
معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك
عثمان، وأخرجه البيهقي وقال في آخره: فدفعت إليه كل شيء
حتى غلقت الباب بيني وبينه وعند ابن سعد فقال عثمان: يعني
لزوج الربيع خذ كل شيء حتى عقاص رأسها.
(وقال طاوس) فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني
ابن طاوس وقلت له:
ما كان أبوك يقول في الفداء؟ قال: كان يقول ما قال الله
تعالى: ({إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله}) أي (فيما
افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة) قال
ابن طاوس: (ولم يقل) أي طاوس (قول السفهاء): القائلين أنه
(لا يحلّ) الخلع (حتى تقول) الزوجة (لا أغتسل لك من جنابة)
تريد منعه من وطئها فتكون حينئذٍ ناشزًا، بل أجازه إذا لم
تقم بما افترض عليها لزوجها في العشرة والصحبة ولعله أشار
إلى نحو ما روي عن الحسن في الآية، قال ذلك في الخلع إذا
قالت لا أغتسل لك من جنابة رواه ابن أبي شيبة. وعن الشعبي
فيما أخرجه سعيد بن منصور أن امرأة قالت لزوجها: لا أطيع
لك أمرًا ولا أبرّ لك قسمًا ولا أغتسل لك من جنابة، قال:
إذا كرهته فليأخذ منها وليخلّ عنها.
5273 - حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ
بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ
قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ،
وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ»؟
قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا
تَطْلِيقَةً». قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ لاَ يُتَابَعُ
فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. [الحديث 5273 - أطرافه في:
5274، 5275، 5276، 5277].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (أزهر بن جميل) بفتح
الجيم أبو محمد البصري لم يخرج عنه المؤلّف سوى هذا قال:
(حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد الحميد (الثقفيّ) بالمثلثة
قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي
الله عنهما- (أن امرأة ثابت بن قيس) الأنصاري جميلة بنت
أُبيّ ابن سلول الآتي ذكرها في هذا الباب مع اختلاف يذكر
إن شاء الله تعالى، (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
(8/149)
فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب)
بضم الفوقية وكسرها من العتاب وهو كما في القاموس وغيره
الخطاب بالإدلال قال في الفتح: وفي رواية ما أعيب (عليه)
بكسر العين وتحتية ساكنة بعدها (في خلق) بضم الخاء واللام
(ولا دين) أي لا أريد فراقه لسوء خلقه ولا لنقصان دينه
(ولكني أكره الكفر في الإسلام) أي إن أقمت عنده ربما أقع
فيما يقتضي الكفر لا أنه يحملها عليه (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها:
(أتردِّين عليه حديقته) أي بستانه وكان أصدقها إياها
(قالت: نعم) أردها عليه (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لثابت زوجها (أقبل الحديقة وطلقها
تطليقة) أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب (قال أبو عبد الله)
المؤلّف: (لا يتابع) أزهر بن جميل (فيه) أي في الحديث (عن
ابن عباس) لأن غيره أرسله ولم يذكر ابن عباس ومراده كما في
الفتح خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة وقوله: قال أبو عبد
الله إلى آخره ثابت في رواية المستملي والكشميهني فقط.
5274 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا
خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ
أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِهَذَا وَقَالَ:
«تَرُدِّينَ حَدِيقَتَهُ» قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْهَا
وَأَمَرَهُ يُطَلِّقْهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلِّقْهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) بن
شاهين (الواسطي) قال: (حدّثنا خالد) الطحان (عن خالد
الحذاء) بالذال المعجمة المشددة والمد (عن عكرمة) مرسلًا
لم يذكر ابن عباس (أن) جميلة (أخت عبد الله بن أبي) رأس
المنافقين وظاهره أنها بنت أبي (بهذا) الحديث (وقال) لها
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستفهمًا:
(تردِّين) عليه (حديقته؟ قالت: نعم) أردّها عليه (وأمره)
عليه الصلاة والسلام (يطلقها) بالجزم، وأورد المؤلّف هذا
المرسل تقوية لقوله لا يتابع فيه عن ابن عباس مع التعريف
بأن امرأة ثابت أخت عبد الله بن أبي على ما لا يخفى.
(وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء
الهروي فيما وصله الإسماعيلي (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة)
مرسلًا أيضًا (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- و) قال فيه (طلقها) بالجزم الحديث كما مرّ.
5275 - وَعَنِ ابْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ
بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِّي لاَ أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ، وَلاَ
خُلُقٍ وَلَكِنِّي لاَ أُطِيقُهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَتَرُدِّينَ
عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ.
(وعن ابن أبي تميمة) أي وقال ابن طهمان، عن أيوب، ولأبي ذر
وابن عساكر: وعن أيوب بن أبي تميمة أي السختياني (عن عكرمة
عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه قال: جاءت امرأة ثابت
بن قيس) الخزرجي (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله أني لا أعتب على ثابت)
زوجي (في دين ولا خلق) ظاهره أنه لم يصنع بها شيئًا يقتضي
الشكوى منه بسببه، لكن في رواية النسائي من حديث الربيع
بنت معوذ أنه كسر يدها فلعلها أرادت وإن كان سيئ الخلق
لكنها ما تعيبه بذلك بل بشيء غيره. وعند ابن ماجة من حديث
عمرو بن شعيب عن جده أنه كان رجلًا دميمًا وفي رواية معمر
بن سليمان عن فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن ابن عباس أول
خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله لا يجتمع
رأسي ورأس ثابت أبدًا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في
عدة فإذا هو أشدهم سوادًا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا
فقال: "أتردين عليه حديقته"؟ قالت: نعم وإن شاء زدته ففرق
بينهما، والحاصل أنها لم تشك سوء خلقه ولا دينه بل مما
ذكرت من سوء خلقته الموجب لبغضها له بحيث لا تطيق عشرته
كما قالت (ولكني) ولأبي ذر عن المستملي ولكن (لا أطيقه)
لكراهتي له بسبب ما ذكر وعند ابن ماجة لا أطيقه بغضًا
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
لها: (فتردين) بالفاء العاطفة على مقدر (عليه حديقته قالت:
نعم) زاد في حديث عمر: فقال ثابت: أيطيب ذلك يا رسول الله؟
قال: (نعم) ورواية ابن طهمان هذه وصلها الإسماعيلي.
5276 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو
نُوحٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى
ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلاَّ أَنِّي أَخَافُ
الْكُفْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ
حَدِيقَتَهُ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ
وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد
الله بن المبارك المخرّمي) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة
وكسر الراء المشددة الحافظ قاضي حلوان قال: (حدّثنا قراد)
بضم القاف وفتح الراء المخففة لقب عبد الرحمن بن غزوان
وكنيته (أبو نوح) من كبار الحفاظ له ما ينكر لكنهم وثقوه
وليس له في البخاري سوى هذا الموضع قال:
(8/150)
(حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة
والزاي (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي
الله عنهما-) أنه (قال جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس)
بفتح الشين المعجمة والميم المشدّدة وبعد الألف سين مهملة
وسقط ابن شماس لابن عساكر (إلى النبي) ولأبي ذر إلى رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت: يا
رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف
الكفر) إن أقمت عنده لعلها تعني أنها لشدّة كراهتها له
تكفر العشرة في تقصيرها لحقه وغير ذلك مما يتوقع من الشابة
الجميلة المبغضة لزوجها أو خشيت أن تحملها شدّة كراهتها له
على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(فتردين عليه حديقته) ولأبي ذر وابن عساكر تردّين استفهام
محذوف الأداة وفي حديث عمر: وكان تزوّجها على حديقة نخل
(قالت: نعم فردّتـ) ـها (عليه وأمره) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها (ففارقها) ولم يكن أمره
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها أمر إيجاب
وإلزام بالطلاق بل أمر إرشاد إلى ما هو الأصوب.
5277 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ جَمِيلَةَ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان) بن حرب الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مرسلًا
(أن جميلة، فذكر الحديث) كما مرّ واختلف فيه على أيوب
فاتفق ابن طهمان وجرير على الوصل وخالفهما حماد فقال عن
أيوب عن عكرمة مرسلًا ولم تسمّ امرأة ثابت إلا في هذه
الرواية. نعم قال في الثانية: "إن أخت عبد الله بن أبي،
ويؤيده ما عند ابن ماجة والبيهقي من رواية قتادة عن عكرمة
عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول جاءت الحديث، واختلف في
سلول هل هي أم أبي أو امرأته! وعند النسائي والطبراني من
حديث الربيع بنت معوّذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته فكسر
يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكي إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال ابن
سعد أيضًا: جميلة بنت عبد الله بن أبي، وعند الدارقطني
والبيهقي بسند قوي عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن
ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي
ابن سلول الحديث، فيحتمل أن يكون اسمها زينب ولقبها جميلة
وإن لم يعمل
بهذا الاحتمال فالموصول المعتضد يقول أهل النسب أن اسمها
جميلة أصح، وبه جزم الدمياطي، وقال: إنها كانت أخت عبد
الله بن عبد الله بن أبي شقيقته، أمهما خولة بنت المنذر بن
حرام قال: وما وقع في البخاري من أنها بنت أبي وهم.
وأجيب: بأن الذي وقع في البخاري أنها أخت عبد الله بن أبي
وهي أخت عبد الله بلا شك من نسب أخوها في هذه الرواية إلى
جدّه كما نسبت هي في رواية قتادة إلى جدّتها سلول، وروي في
اسم امرأة ثابت أنها مريم المغالية، رواه النسائي وابن
ماجة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة نسبة إلى مغالة
امرأة من الخزرج ولدت لعمرو بن مالك بن النجار ولده عديًّا
فبنو عدي بن النجار يعرفون كلهم ببني مغالة، وقيل اسمها
حبيبة بنت سهل أخرجه مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه
ابنا خزيمة وحبان فيحمل على التعدّد وأنهما قصتان وقعتا
لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين،
وعند البزار من حديث عمر أن أول مختلعة في الإسلام حبيبة
بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس ومقتضاه أن ثابتًا تزوّج
حبيبة قبل جميلة.
وذكر أبو بكر بن دريد في أماليه أن أوّل خلع كان في الدنيا
أن عامر بن الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ثم موحدة
زوّج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما
دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى أبيها فقال: لا أجمع عليك
فراق أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها، قال: فزعم
العلماء أن هذا كان أوّل خلع في العرب انتهى ملخصًا من
الفتح.
13 - باب الشِّقَاقِ، وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ
الضَّرُورَةِ؟ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ
وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الآيَةَ
(باب الشقاق) بكسر المعجمة (وهل يشير) الحكم أو الولي أو
الحاكم إذا ترافعا إليه (بالخلع عند الضرورة) في ذلك ولابن
عساكر عند الضرر أي الحاصل لأحد الزوجين أو لهما معًا.
(وقوله تعالى) ولأبي ذر وقول الله ولابن عساكر
(8/151)
وفي قوله: ({وإن خفتم شقاق بينهما}) أصله
شقاقًا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع
كقوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33] أصله بل
مكر في الليل والنهار والشقاق العداوة والخلاف لأن كلاًّ
منهما يفعل ما يشق على صاحبه أو يميل إلى شق أي ناحية غير
شق صاحبه والضمير للزوجين ولم يجر لهما ذكر لذكر ما يدل
عليهما وهو الرجال والنساء ({فابعثوا حكمًا من أهله})
رجلًا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما ({وحكمًا من أهلها})
[النساء: 35] (الآية) وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما لأن
الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للإصلاح ونفوس الزوجين
أسكن إليهما فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة
الصحبة والفرقة ويخلو كل حكم منهما بصاحبه أي موكله ويفهم
مراده ولا يخفى حكم عن حكم شيئًا إذا اجتمعا وهما وكيلان
لهما لا حاكمان لأن الحال قد يؤدّي إلى الفراق والبضع حق
الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان فلا يولى عليهما في
حقهما فيوكل هو حكمه في الطلاق أو الخلع وتوكل هي حكمها في
بذل العوض
وقبول الطلاق به ويفرقان بينهما إن رأياه صوابًا، وقال
المالكية: إذا اتفق الحكمان على الفرقة ينفذ من غير توكيل
ولا إذن من الزوجين واقتصر في رواية أبي ذر على قوله: {وإن
خفتم شقاق بينهما} وقال: بعدها الآية وزاد في غير رواية
ابن عساكر فقال: إلى قوله: {خبيرًا}.
5278 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ
مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ
بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحَ
عَلِيٌّ ابْنَتَهُمْ، فَلاَ آذَنُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) هو
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير المكي (عن
المسور بن مخرمة الزهري) وسقط لغير أبي ذر الزهري أنه
(قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(إن بني المغيرة) في باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة من
كتاب النكاح إن بني هشام بن المغيرة (استأذنوا) وفي رواية
استأذنوني (في أن ينكح) بفتح أوله من نكح (علي) أي ابن أبي
طالب (ابنتهم) جميلة أو جويرية أو العوراء بنت أبي جهل
(فلا آذن) زاد في الباب المذكور: "إلا أن يريد ابن أبي
طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني
ما أرابها ويؤذيني ما آذاها". وفي رواية الزهري في الخمس:
وأنا أتخوف أن تفتن في دينها.
واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. وأجاب في
الكواكب فأجاد بأن كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان
الشقاق بينها وبين علي متوقعًا، فأراد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دفع وقوعه بمنع عليّ من ذلك
بطريق الإيماء والإشارة وقيل غير ذلك مما فيه من تكلف
وتعسف.
وهذا الحديث قد مرّ.
14 - باب لاَ يَكُونُ بَيْعُ الأَمَةِ طَلاَقًا
هذا (باب) بالتنوين (لا يكون بيع الأمة) المزوجة (طلاقًا)
عند الجمهور ولأبي ذر عن المستملي طلاقها.
5279 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ
ثَلاَثُ سُنَنٍ: إِحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ
فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلاَءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ». وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ،
فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ
الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ فِيهَا
لَحْمٌ»؟ قَالُوا: بَلَى. وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ
تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لاَ تَأْكُلُ
الصَّدَقَةَ، قَالَ: عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا
هَدِيَّةٌ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام
(عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فقيه المدينة صاحب الرأي (عن
القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي
الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر
الراء بعدها تحتية ساكنة فراء أخرى بوزن فعيلة من البرير
وهو ثمر الأراك قيل اسم أبيها صفوان وإن له صحبة، وقيل
إنها كانت نبطية، وقيل: قبطية (ثلاث سنن) بضم السين وفتح
النون الأولى، قال في الكواكب: أي علم بسببها ثلاثة أحكام
من الشريعة.
(إحدى السُّنن) الثلاث (أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر التاء
الفوقية وسقط لابن عساكر الهمزة من أعتقت (فخيرت) بضم
الخاء (في) فسخ نكاح (زوجها) مغيث أو تدوم عنده في عصمته
وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال لبريرة: "اذهبي فقد عتق معك بضعك" وزاد ابن
سعد من طريق الشعبي مرسلًا: فاختاري.
وهذا موضع الترجمة لأنها لو طلقت بمجرد البيع لم يكن
للتخيير فائدة وهذا قول الجمهور، وقال ابن مسعود وابن عباس
وأُبي بن كعب فيما أخرجه ابن أبي شيبة بأسانيد
(8/152)
فيها انقطاع يكون بيعها طلاقًا، وكذا قال
سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد فيما روي بأسانيد صحيحة،
وأخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عباس واحتجوا لذلك
بظاهر قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت
أيمانكم} [النساء: 24] واحتج بحديث الباب ومن حيث النظر
أنه عقد على منفعة فلا يبطله بيع الرقبة كما في العين
المؤجرة والآية نزلت في المسبيات فهي المراد بملك اليمين
على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها.
(و) الثانية من السنن (قال) فيها (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أرادت عائشة أن تثشريها،
فقال أهلها: ويكون ولاؤها لنا: (الولاء لمن أعتق) وفي
رواية إنما الولاء لمن أعتق بصيغة الحصر.
(و) الثالثة من السنن (دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حجرة عائشة -رضي الله عنها- (والبرمة
تفور) بالفاء (بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم
القاف مبنيًّا للمفعول وخبز مفعول ناب عن الفاعل وأدم بضم
الهمزة وسكون المهملة عطف عليه (فقال) رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألم أرَ البرمة) ولابن
عساكر برمة (فيها لحم؟ قالوا: بلى ولكن ذاك لحم تصدّق به
على بريرة) بضم التاء الفوقية والصاد (وأنت لا تأكل الصدقة
قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هو عليها صدقة
ولنا هدية) أي حيث أهدته بريرة لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير
التصرف فيها بالبيع وغيره كتصرف سائر الملاك في أملاكهم
ومفهومه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين.
15 - باب خِيَارِ الأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ
(باب خيار الأمة) إذا عتقت وهي (تحت العبد) أو المبعض قبل
الدخول أو بعده ومفهومه أن الأمة إذا كانت تحت حر فعتقت لم
يكن لها خيار.
وهذا مذهب الشافعية، والمالكية، والجمهور لتضررها بالمقام
تحته من جهة أنها تتعيّر به لأن العبد غير مكافئ للحرة في
أكثر الأحكام فإذا عتقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته
أو المفارقة لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل
الاختيار وأجيب بأن الكفاءة إنما تعتبر في الابتداء لا في
البقاء. وقال الحنفية: يثبت لها الخيار إذا عتقت سواء كانت
تحت حر أم عبد لأنها عند التزويج لم يكن لها رأي لاتفاقهم
على أن لمولاها أن يزوّجها بغير رضاها، فإذا عتقت تجدّد
لها حال لم يكن قبل ذلك. وأجيب: بأن ذلك لو كان مؤثرًا
لثبت الخيار للبكر إذا زوّجها أبوها ثم بلغت رشيدة وليس
كذلك، فكذلك الأمة تحت الحر فإنه لم يحدث لها بالعتق حال
ترتفع به عن الحرّ ومنشأ الخلاف الاختلاف في ترجيح إحدى
الروايتين المتعارضتين في زوج بريرة هل كان حين أعتقت
حرًّا أو عبدًا، وفي ترجيح المعنى المعلل به، ففي حديث
الباب وغيره من الصحيحين من حديث ابن عباس أنه كان عبدًا
ولم تختلف الروايات عنه وتمسك الحنفية بحديث عائشة المروي
في الصحيحين والسُّنن الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: والترجيح يقتضي في حديث
عائشة ترجيج أنه كان حرًّا وذلك أن رواة هذا الحديث عن
عائشة ثلاثة الأسود وعروة والقاسم، فأما الأسود فلم يختلف
فيه عن عائشة أنه كان حرًّا وأما عروة فعنه روايتان
صحيحتان إحداهما أنه كان حرًّا والأخرى بالشك ووجه آخر من
الترجيح مطلق لا يختص بالمروي فيه عن عائشة وهو أن رواية
خيرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان زوجها
عبدًا، يحتمل كون الواو فيه للعطف لا للحال، وحاصله أنه
إخبار بالأمرين وكونه اتّصف بالرق لا يستلزم كون ذلك كان
حال عتقها، هذا بعد احتمال أن يراد العبد العتيق مجازًا
باعتبار ما كان وهو شائع في العرف، والذي لا مردّ له من
الترجيح أن رواية كان حرًّا أنص من كان عبدًا وثبت زيادة
فهي أولى وأيضًا فهي مثبتة وتلك كانت نافية للعلم بأنه كان
حالته الأصلية الرقّ والنافي هو المبقيها والمثبت هو
المخرج عنها انتهى.
وحديث الأسود كما في الفتح اختلف فيه على راويه هل هو من
قول الأسود أو رواه عن عائشة أو هو قول غيره قال إبراهيم
بن أبي طالب أحد حفّاظ الحديث وهو من أقران مسلم فيما
(8/153)
أخرجه البيهقي عنه: خالف الأسود الناس في
زوج بريرة، وقال الإمام أحمد: إنما يصح أنه كان حرًّا عن
الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا، ورواه
علماء المدينة، وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به
فهو أصحّ شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحرّ فعقدها المتفق على
صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه.
5280 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا، يَعْنِي زَوْجَ
بَرِيرَةَ. [الحديث 5280 - أطرافه في: 5281، 5282، 5283].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (وهمام) بفتح الهاء وتشديد الميم
الأولى ابن يحيى البصري كلاهما (عن قتادة) بن دعامة (عن
عكرمة عن
ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: رأيته عبدًا يعني)
مغيثًا (زوج بريرة) تمسك به بعض الحنفية فقال: إنه لا يدل
على أنه كان عبدًا حين أعتقت بريرة فلا يتم الاستدلال به
والاختلاف وقع في صفتين لا يجتمعان في حالة واحدة فنجعلهما
في حالتين فنقول: كان عبدًا في حالة حرًّا في أخرى،
فبالضرورة تكون إحدى الحالتين متأخرة عن الأخرى، وقد علم
أن الرقّ تعقبه الحرية لا العكس، وحينئذٍ فثبت أنه كان
حرًّا في الوقت الذي خيرت فيه وعبدًا قبل ذلك، وتعقب بأن
محل طريق الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما
في التفرد في مقابلة الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة
والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين
الروايتين مع قولهم: إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان
الجمع والذي يتحصل من كلام محقّقيهم، وقد أكثر منه الشافعي
وأتباعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى
الروايتين، ومنهم من شرط التساوي في القوة. وعند الترمذي
أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يردّ قول من قال: كان
عبدًا قبل العتق حرًّا بعده.
وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث مختصرًا من هذا الوجه بلفظ
شعبة، وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الصمد عن شعبة رأيته
يبكي وأما لفظ همام، فأخرجه أبو داود من طريق عفان عنه
بلفظ أن زوج بريرة كان عبدًا أسود يسمى مغيثًا فخيرها
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمرها أن
تعتد، وقال أحمد: عدّة الحرة.
5281 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَاكَ مُغِيثٌ عَبْدُ بَنِي
فُلاَنٍ -يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَيْهِ يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ يَبْكِي
عَلَيْهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) النرسي الباهلي
مولاهم البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد قال:
(حدّثنا أيوب) السختياني ولابن عساكر عن أيوب (عن عكرمة عن
ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ذاك مغيث) بضم الميم
وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة (عبد بني
فلان) وعند الترمذي كان عبدًا أسود لبني المغيرة (يعني زوج
بريرة كأني أنظر إليه يتبعها) بسكون الفوقية وفتح الموحدة
(في سكك المدينة) بكسر السين المهملة أزقتها حال كونه
(يبكي عليها) لما اختارت فراقه.
5282 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ زَوْجُ
بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، عَبْدًا
لِبَنِي فُلاَنٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ
وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا
عبد الوهاب) الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن
عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان زوج بريرة عبدًا
أسود يقال
له مغيث) بضم الميم وكسر المعجمة وبعد التحتية مثلثة كما
مر وعند العسكري بفتح العين المهملة وتشديد التحتية آخره
موحدة قال في الفتح: والأوّل أثبت وبه جزم ابن ماكولا
وغيره وكان (عبدًا لبني فلان) وعند سعيد بن منصور وكان
عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم (كأني أنظر إليه يطوف
وراءها في سكك المدينة) وليس في هذه الرواية قوله في
الأولى يبكي عليها وليس فيما ساقه في هذا الباب تصريح
بالتخيير الذي ترجم له، لكنه جرى على عادته من الإشارة إلى
ما في بعض طرق الحديث الذي يسوقه في الباب، وظاهر صنيعه
يقتضي ترجيح رواية مَن روى أنه كان عبدًا كما جزم به في
أوائل النكاح حيث قال: باب الحرة تحت العبد وساق الحديث.
وأما ما ساقه في الفرائض عن حفص بن عمر عن شعبة وزاد في
آخره قال الحكم وكان زوجها حرًّا ثم أورد بعده طريق منصور
عن إبراهيم عن الأسود أن عائشة الحديث، وزاد فيه وخيرت
فاختارت نفسها وقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما كنت معه قال
الأسود: وكان زوجها حرًّا، فقال البخاري: قول الأسود
منقطع، وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصح، وقال في
(8/154)
الذي قبله في قول الحكم نحو ذلك، وقد قال
الدارقطني في العلل: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان
عبدًا، وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة
وأبو الأسود وأسامة بن زيد عن القاسم.
وأما ما أخرجه القاسم بن أصبغ في تصنيفه وابن حزم من
طريقه. قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم، وحدّثنا موسى بن
معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة كان زوج بريرة
حرًّا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب
هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا منهم إسحاق بن راهويه
رواه النسائي، وعثمان بن أبي شيبة رواه أبو داود، وعلي بن
حجر رواه الترمذي، وأصله عند مسلم وأحال به على رواية أبي
أسامة عن هشام وفيها أنه كان عبدًا ولم يختلف على ابن عباس
في أنه كان عبدًا وجزم به الترمذي عن ابن عمر، وحديثه عند
الشافعي والدارقطني وغيرهما.
وأخرج النسائي بسند صحيح من حديث صفية بنت عبيد قالت: كان
زوج بريرة عبدًا، وقال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة كان
عبدًا ولو كان حرًّا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة
بأنه كان عبدًا ثم علّلت بقولها ولو كان حرًّا لم يخيرها
ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا انتهى ملخصًا من
الفتح.
16 - باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ
(باب شفاعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
زوج بريرة) لترجع إلى عصمته.
5283 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا
يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ
خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِعَبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ
مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا».
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لَوْ رَاجَعْتِيهِ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
تَأْمُرُنِي قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ». قَالَتْ:
لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد) هو
ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد
الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن
عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن زوج بريرة كان
عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه
تسيل على لحيته) يترضاها لتختاره (فقال النبي-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعباس) عمه:
(يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا)
لأن الغالب أن المحب لا يكون إلا حبيبًا. وعند سعيد بن
منصور أن العباس كان كلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يطلب إليها في ذلك، وفي مسند الإمام أحمد أن
مغيثًا توسل بالعباس في سؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك، وظاهره أن قصة بريرة كانت
متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن
المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وذلك أواخر سنة ثمان،
ويدل له أيضًا قول ابن عباس أنه شاهد ذلك وهو إنما قدم
المدينة مع أبويه وهذا يردّ قول من قال إنها كانت قبل
الإفك، وجوّز الشيخ تقي الدين السبكي أن بريرة كانت تخدم
عائشة قبل شرائها أو اشترتها وأخّرت عتقها إلى ما بعد
الفتح أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة أو حصل لها الفسخ
وطلب أن تردّه بعقد جديد (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها (لو راجعتيه) بمثناة تحتية بعد
الفوقية في الفرع مصححًا عليها وقال الحافظ ابن حجر، وتبعه
العيني بمثناة واحدة قال: ووقع في رواية ابن ماجة لو
راجعتيه بإثبات تحتية ساكنة بعد المثناة وهي لغة ضعيفة،
وتعقبه العيني فقال: إن صحّ هذا في الرواية فهي لغة فصيحة
لأنها صادرة من أفصح الخلق انتهى. والذي في اليونينية بحذف
التحتية مصححًا عليه.
(قالت): ولابن عساكر فقالت: (يا رسول الله، تأمرني) بذلك؟
(قال): لا (إنما أنا أشفع) فيه لا على سبيل الحتم فلا يجب
عليك وسقط لابن عساكر لفظ أنا (قالت): ولأبي ذر فقالت (لا)
ولأبي ذر وابن عساكر: فلا (حاجة لي فيه).
وفي هذا الحديث جواز الشفاعة من الحاكم عند الخصم في خصمه
إذا ظهر حقه وإشارته عليه بالصلح أو الترك وحب المسلم
للمسلمة وإن أفرط فيه ما لم يأت محرمًا وغير ذلك من فرائد
الفوائد حتى قيل إنها تزيد على الأربعمائة.
17 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.
5284 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنِ الأَسْوَدِ أن
عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأَبَى
مَوَالِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلاَءَ،
فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا،
فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وَأُتِىَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ،
فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ،
فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني البصري قال:
(أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم
العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة (عن
إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (أن عائشة) -رضي الله
عنها- (أرادت أن تشتري بريرة فأبى مواليها) ملاكها
(8/155)
الذين باعوها (إلا أن يشترطوا الولاء)
عليها لهم (فذكرت) عائشة (للنبي) ولأبي ذر وابن عساكر
فذكرت ذلك للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال) لها: (اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء) على العتيق
(لمن أعتق) لا لمن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله (وأتي
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم همزة أُتي
(بلحم فقيل) له عليه الصلاة والسلام: (إن هذا ما تصدق على)
بضم الفوقية والصاد ولأبي ذر تصدق به على (بريرة فقال)
عليه الصلاة والسلام: (هو لها) لبريرة (صدقة ولنا هدية)
حيث أهدته لنا.
وهذا الحديث صورته صورة الإرسال حيث قال الأسود: إن عائشة،
لكن المؤلّف في كفارة الإيمان ذكره عن سليمان بن حرب عن
شعبة فقال: فيه عن الأسود عن عائشة.
0000 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَزَادَ
فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجِهَا.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بسنده
السابق (وزاد) فقال: (فخيرت) بضم الخاء وكسر التحتية
المشددة (من زوجها) كذا أورده مختصرًا لم يذكر لفظه وذكره
في الزكاة عن آدم بهذا الإسناد فلم يذكر هذه أي قوله فخيرت
من زوجها، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري
فيه فجعل ذلك من قول إبراهيم ولفظه في آخره قال الحكم،
وقال إبراهيم: وكان زوجها حرًّا فخيرت من زوجها. قال في
الفتح، بعد سياقه لما مرّ: فظهر أن هذه الزيادة مدرجة
وحذفها في الزكاة لذلك، وإنما أوردها هنا مشيرًا إلى أن
أصل التخيير في قصة بريرة ثابت من طريق أخرى.
18 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ
خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}
(باب قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات}) أي لا
تتزوّجوهن ({حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو
أعجبتكم}) [البقرة: 221] ولو كان الحال أن المشركة تعجبكم
وتحبونها لجمالها ومالها. روى البغوي في تفسيره أن سبب
نزولها أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعثه رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مكة ليخرج منها ناسًا من
المسلمين سرًّا فلما قدمها سمعت امرأة مشركة يقال لها
عناق، وكانت جليلة في الجاهلية فأتته وقالت: يا أبا مرثد
ألا تخلو؟ فقال لها: ويحك يا
عناق إن الإسلام قد حال بيننا وبين ذلك، قالت: فهل لك أن
تتزوج بي؟ قال: نعم ولكن ارجع إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأستأمره فقالت: أبي تتبرم ثم
استغاثت عليه فضربوه ضربًا شديدًا ثم خلوا سبيله فلما قضى
حاجته بمكة وانصرف إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وقال: يا
رسول الله أيحل لي أن أتزوّجها؟ فأنزل الله تعالى الآية.
5285 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ
نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ
نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ، قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أَعْلَمُ مِنَ الإِشْرَاكِ شَيْئًا
أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى،
وَهْوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) ولأبي
ذر الليث هو ابن سعد الإمام (عن نافع أن ابن عمر) -رضي
الله عنهما- (كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية
قال: إن الله حرّم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من
الإشراك شيئًا أكبر) بالموحدة، ولأبي ذر وابن عساكر: أكثر
بالمثلثة بدل الموحدة (من أن تقول المرأة ربها عيسى) إشارة
إلى قول النصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله
(وهو) أي عيسى (عبد من عباد الله) وهذا مصير من ابن عمر
إلى استمرار حكم عموم آية البقرة السابقة ولعله كان يرى أن
آية المائدة منسوخة، وبه جزم إبراهيم الحربي والجمهور على
أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله تعالى:
{والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5]
أي التوراة والإنجيل وعن بعض السلف أن المراد بالمشركات
عبدة الأوثان والمجوس، وقد قيل إن القائل من اليهود
والنصارى العزير ابن الله والمسيح ابن الله طائفتان
انقرضوا لا كلهم ويهود ديار مصر مصرحون بالتنزيه عن ذلك
وبالتوحيد، وروى ابن المنذر أن ابن عمر شذ بذلك فقال: لا
يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، لكن روى ابن أبي شيبة
بسند حسن عن عطاء كراهية نكاح اليهودية والنصرانية وروي عن
عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن لخلطة
الكافرة وخوف الفتنة على الولد لأنه في صغره ألزم لأمه،
ومثله قول مالك -رحمه الله- تصير تشرب الخمر وهو يقبل
ويضاجع لا لعدم الحل، ويدل على الحل تزوج بعض الصحابة منهم
وخطبة بعضهم فمن المتزوّجين: حذيفة وطلحة وكعب بن مالك،
وقد خطب المغيرة بن
(8/156)
شعبة هند ابنة النعمان بن المنذر وكانت
تنصرت وديرها باقٍ إلى اليوم بظاهر الكوفة وكانت قد عميت
فأبت وقالت: أي رغبة لشيخ أعور في عجوز عمياء ولكن أردت أن
تفخر بنكاحي فتقول: تزوّجت بنت النعمان بن المنذر. فقال:
صدقت وأنشد:
أدركت ما منيت نفسي خاليًا ... لله درك يا ابنة النعمان
فلقد رددت على المغيرة ذهنه ... إن الملوك ذكية الأذهان
في أبيات.
والأئمة الأربعة على حل الكتابية الحرة وعلى المنع من غير
أهل الكتابين من المجوس وإن
كان لهم شبهة كتاب إذ لا كتاب بأيديهم، وكذا المتمسكون
بصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود لأنها لم تنزل بنظم
يدرس ويتلى، وإنما أوحى إليهم معانيها وسائر الكفار كعبدة
الشمس والقمر والصور والنجوم والمعطلة والزنادقة
والباطنية، وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن غيرها
اجتمع فيه نقصان الكفر في الحال وفساد الدين في الأصل،
والكتابية فيها نقص واحد وهو كفرها في الحال، وشرط أصحابنا
الشافعية في حل نكاح الكتابية في إسرائيلية أن لا يعلم
دخول أوّل آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه وهي بعثة
عيسى أو نبينا وذلك بأن علم دخوله فيه قبلها أو شك وإن علم
دخوله فيه بعد تحريفه أو بعد بعثة لا تنسخه كبعثة من بين
موسى وعيسى لشرف نسبهم بخلاف ما إذا علم دخوله فيه بعدها
لسقوط فضيلته بها فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية فالأظهر
حلّها إن علم دخول أول آبائها في ذلك الدين قبل نسخه
وتحريفه أو بعد تحريفه إن تجنبوا المحرّف.
19 - باب نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ
وَعِدَّتِهِنَّ
(باب) حكم (نكاح من أسلم من المشركات و) حكم (عدّتهن).
5286 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْمُؤْمِنِينَ، كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ
يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ
عَهْدٍ لاَ يُقَاتِلُهُمْ وَلاَ يُقَاتِلُونَهُ. وَكَانَ
إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ
تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ
حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ
أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ
مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا مَا
لِلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ.
مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ. وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ
أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا
وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن
موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) أبو عبد
الرحمن بن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد
العزيز (وقال عطاء): قال الحافظ ابن حجر: معطوف على محذوف
كأنه كان في جملة أحاديث حدّث بها ابن جريج عن عطاء ثم
قال: وقال عطاء أي الخراساني: (عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- (كان المشركون على منزلتين من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) من (المؤمنين) الأولى
(كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ويقاتلونه و) الثانية كانوا (مشركي
أهل عهد) ولابن عساكر: عقد بالقاف بدل عهد بالهاء (لا
يقاتلهم) صلوات الله عليه وسلامه (ولا يقاتلونه، وكان)
بالواو ولأبي ذر فكان (إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب) إلى
المدينة مسلمة (لم تخطب) بضم أوله وفتح الطاء مبنيًّا
للمفعول (حتى تحيض) ثلاث حيض (وتطهر) لأنها صارت بإسلامها
وهجرتها من الحرائر، وقال الحنفية: إذا خرجت المرأة إلينا
مهاجرة وقعت الفرقة اتفاقًا وهل عليها عدّة فيها خلاف. عند
أبي حنيفة:
لا. فتتزوج في الحال إلا أن تكون حاملًا لا على وجه العدّة
بل ليرتفع المانع بالوضع، وعند أبي يوسف ومحمد عليها
العدّة، ووجه قول أبي حنيفة إن العدّة إنما وجبت إظهارًا
لحظر النكاح المتقدم ولا حظر لملك الحربيّ بل أسقطه الشرع
بالآية في المهاجرات {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة:
10] جمع كافرة فلو شرطنا العدّة لزم التمسك بعقدة نكاحهن
في حال كفرهن (فإذا طهرت) بضم الهاء (حلّ له النكاح فإن
هاجر زوجها قبل أن تنكح) تتزوج غيره (ردّت إليه) بالنكاح
الأول (وإن هاجر عبد منهم) من أهل الحرب (أو أمة فهما
حرّان ولهما ما للمهاجرين) من مكة إلى المدينة من تمام
الإسلام والحرية. (ثم ذكر) عطاء (من) قصة (أهل العهد مثل
حديث مجاهد) وهو قوله (وإن هاجر عبدًا وأمة للمشركين أهل
العهد لم يردّوا) إليهم (وردت أثمانهم) إليهم وهذا من باب
فداء أسرى المسلمين ولم يجز تملّكهم لارتفاع علة الاسترقاق
التي هي الكفر فيهم.
5287 - وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ
قَرِيبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَطَلَّقَهَا. فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ
بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَمِ ابْنَةُ
أَبِي سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ
فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ.
(وقال عطاء) بالإسناد السابق: (عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما-: (كانت قريبة) بضم القاف مصغرًا لأبي ذر
(8/157)
وابن عساكر ولغيرهما تريبة بفتح القاف وكسر
الراء وكذا ضبطه الدمياطي، وفي القاموس الوجهان وعبارته
بالتصغير وقد تفتح (بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي أمية) بن
المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أخت أم سلمة زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عند عمر بن
الخطاب) -رضي الله عنه- (فطلقها فتزوّجها معاوية بن أبي
سفيان) وظاهر هذا كما في الفتح أنها لم تكن أسلمت في هذا
الوقت وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح مكة وفيه نظر، فقد
ثبت بسند صحيح عند النسائي ما يقتضي أنها هاجرت قديمًا لكن
يحتمل أنها جاءت إلى المدينة زائرة لأختها قبل أن تسلم أو
كانت مقيمة عند زوجها عمر على دينها قبل أن تنزل الآية،
لكن هذا يردّه ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لما
نزلت {ولا تمسمكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] فذكر
القصة وفيها فطلّق عمر امرأتين كانتا له بمكة، فهذا يردّ
أنها كانت مقيمة ولا يردّ أنها جاءت زائرة ويحتمل أن يكون
لأم سلمة أختان كلٌّ منهما تسمى قريبة تقدم إسلام إحداهما
وتأخر إسلام الأخرى وهي المذكورة هنا، ويؤيده أن عند ابن
سعد في طبقاته قريبة الصغرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة
تزوّجها عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق. (وكانت أم الحكم
ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سفيان) أخت معاوية وأم حبيبة
لأبيها (تحت عياض بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون
(الفهر) بكسر الفاء وسكون الهاء (فطلقها) حينئذٍ (فتزوّجها
عبد الله بن عثمان الثقفي) بالمثلثة. واستشكل ترك ردّ
النساء إلى أهل مكة مع وقوع الصلح بينهم وبين المسلمين في
الحديبية على أن من جاء منهم إلى المسلمين ردوه ومن جاء من
المسلمين إليهم لم يردوه. وأجيب: بأن حكم النساء منسوخ
بآية {يا
أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} إذ فيها
{فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حِلٌّ لهم} ثم قال: {ذلكم
حكم الله يحكم بينكم} [الممتحنة: 10] أي في الصلح واستثناء
النساء منه والأمر بهذا كله هو حكم الله بين خلقه والله
عليم بما يصلح عباده، أو أن النساء لم يدخلن في أصل الصلح،
ويؤيده ما في بعض طرق الحديث على أن لا يأتيك منا رجل إلا
رددته إذ مفهومه عدم دخول النساء.
20 - باب إِذَا أَسْلَمَتِ الْمُشْرِكَةُ أَوِ
النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَوِ الْحَرْبِيِّ
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيَّةُ
قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ
دَاوُدُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ
امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ
أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَهِيَ امْرَأَتُهُ؟
قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ
وَصَدَاقٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا أَسْلَمَ فِي
الْعِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي مَجُوسِيَّيْنِ
أَسْلَمَاهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِذَا سَبَقَ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَبَى الآخَرُ بَانَتْ لاَ
سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ
لِعَطَاءٍ: امْرَأَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إِلَى
الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} قَالَ: لاَ
إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ قُرَيْشٍ.
وهذا (باب) بالتنوين (إذا أسلمت المشركة) كوثنية (أو
النصرانية) أو اليهودية (تحت الذمي أو الحربي) قبل أن يسلم
هل تحصل الفرقة بينهما بمجرّد إسلامها أو يثبت لها الخيار
أو يوقف في العدّة، فإن أسلم استمرّ النكاح وإلا وقعت
الفرقة بينهما. قال الشافعية: إذا أسلم مشرك ولو غير كتابي
كوثني ومجوسي وتحته حرة كتابية تحل له ابتداء استمر نكاحه
لجواز نكاح المسلم لها أو كان تحته حرّة غير كتابية كوثنية
وكتابية لا تحل له ابتداء وتخلفت عنه بأن لم تسلم معه أو
أسلمت هي وتخلّف هو فإن كان قبل الدخول تنجزت الفرقة أو
بعده وأسلم الآخر في العدّة استمر نكاحه، وإلا فالفرقة من
الإسلام، والفرقة فيما ذكر فسخ لا طلاق ولو أسلما معًا قبل
الدخول أو بعده استمرّ نكاحهما لتساويهما في الإسلام
والمعية في الإسلام بآخر لفظ لأن به يحصل الإسلام لا
بأوّله ولا بأثنائه، وقد جنح البخاري إلى أن الفرقة بمجرّد
الإسلام وشرع يستدل لذلك فقال:
(وقال عبد الوارث) بن سعيد (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن
ابن عباس) -رضي الله عنهما- (إذا أسلمت النصرانية قبل
زوجها بساعة حرمت عليه). سواء دخل عليها أم لا وهذا
التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عباد بن العوّام عن خالد
الحذاء بنحوه.
(وقال داود) بن أبي الفرات بالفاء المضمومة والراء المخففة
(عن إبراهيم) بن ميمون (الصائغ) المروزي أنه قال: (سئل
عطاء) هو ابن أبي رباح (عن امرأة من أهل العهد) أي الذمة
(أسلمت ثم
أسلم زوجها) بعدها وهي (في العدة أهي امرأته؟ قال: لا. إلا
أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق) جديد أيضًا لأن الإسلام فرّق
بينهما، وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء
بمعناه.
(وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله الطبري من طريق ابن
أبي نجيح عنه (إذا) أسلمت الزوجة ثم (أسلم) الزوج وهي
(8/158)
(في العدة يتزوجها) ثم استدلّ المؤلّف
لتقوية قول عطاء المذكور هنا بقوله (وقال الله تعالّى: {لا
هنّ حل لهم ولا هم يحلون لهن}) [الممتحنة: 10] أي: لا حل
بين المؤمنة والمشرك لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة.
(وقال الحسن) البصري ولابن عساكر باب بالتنوين وقال الحسن
(وقتادة) بن دعامة فيما أخرجه ابن أبي شيبة (في مجوسيين)
امرأة وزوجها (أسلماهما على نكاحهما، وإذا) بالواو ولأبي
ذر فإذا (سبق أحدهما صاحبه) بالإسلام (وأبى الآخر) أن يسلم
(بانت) منه وحينئذٍ (لا سبيل له عليها) إلا بخطبة.
(وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله عبد
الرزاق: (قلت لعطاء امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين
أيعاوض) بفتح الواو مبنيًّا للمفعول من المعاوضة ولأبي ذر
وابن عساكر أيعاض بإسقاط الواو من العوض أي أيعطى (زوجها)
المشرك (منها) عوض صداقها (لقوله تعالى: {وآتوهم ما
أنفقوا}) [الممتحنة: 10] المفسر بأعطوا أزواجهن مثل ما
دفعوا إليهن من المهور (قال) عطاء (لا) يعاوض (إنما كان
ذلك) المذكور في الآية من الإعطاء (بين النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أهل العهد) من المشركين
حين انعقد العهد بينهم عليه وأما اليوم فلا.
(وقال) بالواو ولابن عساكر بإسقاطها (مجاهد) فيما وصله ابن
أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى:
{واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [الممتحنة: 10] من
ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صداقهن
وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكذلك (هذا كله في صلح) كان
(بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين
قريش) ثم انقطع ذلك يوم الفتح.
5288 - حَدَّثَنَا يحيى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا
هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ
الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}
[الممتنحة: 10] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ
فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَقْرَرْنَ
بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْطَلِقْنَ فَقَدْ
بَايَعْتُكُنَّ لاَ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ
امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ
بِالْكَلاَمِ، وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النِّسَاءِ
إِلاَّ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا
أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» [كَلاَمًا].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
عبد الله بن بكير المخزومي المصري وسقط لغير أبي ذر لفظ
يحيى قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم
العين ابن خالد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري ولفظ رواية عقيل هذه سبق أول الشروط (وقال إبراهيم
بن المنذر): فيما وصله الذهلي في الزهريات (حدّثني)
بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا
ولابن عساكر حدّثنا (يونس) بن يزيد الأيلي واللفظ لرواية
يونس (قال ابن شهاب) الزهري: (أخبرني) بالتوحيد (عروة بن
الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: كانت) ولابن
عساكر كان (المؤمنات إذا هاجرن) من مكة (إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل عام الفتح (يمتحنهن)
يختبرهن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى الظاهر (بقول
الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات}) نصب على الحال ({فامتحنوهن} إلى آخر الآية).
وقوله إلى آخر الآية ساقط لابن عساكر.
(قالت عائشة): بالإسناد السابق (فمن أقرّ بهذا الشرط)
المذكور في آية الممتحنة وهو أن لا يشركن بالله إلى آخره
(من المؤمنات) وعند الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس
قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا
رسول الله (فقد أقرّ بالمحنة) أي الامتحان الذي هو الإقرار
بما ذكر (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(انطلقن فقد) أقررتن و (بايعتكن لا والله ما مست يد رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يد امرأة) في
المبايعة (قط غير أنه بايعهن بالكلام والله ما أخذ رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النساء إلا
بما أمره الله يقول لهن إذا أخذ عليهن) عهد المبايعة (قد
بايعتكن) على أن لا تشركن بالله شيئًا إلى آخره (كلامًا)
من غير أن يضرب يده على يدهن كما كان يبايع الرجال.
21 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ
فَاءُوا} رَجَعُوا {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ} [البقرة: 226 و227]
(باب قول الله تعالى: {للذين يؤلون}) يقسمون وهي قراءة ابن
عباس -رضي الله عنهما- ومن في ({من نسائهم}) متعلق بالجار
والمجرور أي للذين كما تقول: لك مني نصرة ولك مني معونة أي
للمولين من نسائهم
(8/159)
({تربص أربعة أشهر}) أي استقر للمولين ترقب
أربعة أشهر لا بيؤلون لأن آلى يعدّى بعلى يقال: آلى فلان
على امرأته، ويجوز أن يقال عدّي بمن لما في هذا القاسم من
معنى البعد فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مولين، وتربص مبتدأ
خبره للذين، وآلى أصله أألى فأبدلت الثانية ألفًا لسكونها
وانفتاح ما قبلها نحو آمن وإضافة التربص اللاحقة من إضافة
المصدر لمفعوله على الاتساع في الظرف حتى صار مفعولًا به،
وكان الإيلاء في الجاهلية طلاقًا فغيّر الشرع حكمه وخصّه
بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة مطلقًا أو أكثر من
أربعة أشهر وهو
حرام لما فيه من منع حق الزوجة في الوطء وأركانه حالف
ومحلوف به ومحلوف عليه ومدة وصيغة وزوجة.
فالحالف شرطه زوج مكلف مختار يتصور منه الجماع فلا يصح من
أجنبي كسيد ولا من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا
ممن لم يتصور منه الجماع كمجبوب.
وشرطه في المحلوف به كونه اسمًا أو صفة الله تعالى كقوله:
والله أو والرحمن لا أطؤك أو كونه التزام ما يلزم بنذر أو
تعليق طلاق أو عتق كقوله: إن وطئتك فلله عليّ صلاة أو حج
أو صوم أو عتق، أو إن وطئتك فضُرّتك طالق أو فعبدي حر.
وشرطه في المحلوف عليه ترك وطء شرعي فلا إيلاء بحلفه على
امتناعه من تمتعه بها بغير وطء. وفي المدة زيادة على أربعة
أشهر بأن يطلق كأن يقول والله لا أطؤك أو يؤبد كقوله:
والله لا أطؤك أبدًا أو يقيد بزيادة على أربعة أشهر كقوله:
والله لا أطؤك خمسة أشهر أو يقيد بمستبعد الحصول فيها
كقوله: والله لا أطؤك حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة
والسلام، أو حتى أموت، فلو قيد بالأربعة أو نقص عنها لا
يكون إيلاء بل مجرد حلف لأن المرأة تصبر عن الزوج أربعة
أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل.
وفي الصيغة لفظ يشعر بالإيلاء إما صريح كتغييب حشفة الرجل
بفرج وجماع كقوله: والله لا أغيب حشفتي بفرجك أو لا أطؤك
أو كناية كملامسة ومباضعة كقوله، والله لا ألامسك أو لا
أباضعك.
وفي الزوجة تصوّر وطء فلا يصح من رتقاء وقرناء ({فإن
فاؤوا}) أي (رجعوا) إلى الوطء عن الإصرار بتركه ({فإن الله
غفور رحيم}) حيث شرع الكفارة ({وإن عزموا الطلاق}) بترك
الفيء ({فإن الله سميع}) لإيلائه ({عليم}) [البقرة: 226
و227] بنيته وهو وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة، والمعنى
عند إمامنا الشافعي رحمة الله عليه فإن فاؤوا وإن عزموا
بعد مضيّ المدة لأن الفاء للتعقيب فيكون الفيء قبل مضيّ
المدة وبعدها وعند مضيها يوقف إلى أن يفيء أو يطلق،
وعبارته كما في المعرفة للبيهقي ظاهر كتاب الله يدل على
أنه له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلًا له فلا
سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة الأشهر كما لو أجلتني
أربعة أشهر لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة
الأشهر، ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة الأشهر واحدًا من
حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق
بمضيّ أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا. قال: والفيئة
الجماع إلا من عذر انتهى.
وعند الحنفية الفيء في المدة لا غير، وأجاب الشيخ كمال
الدين: بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد
كجاء زيد فعمرو وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره، فإن
كانت
للأوّل نحو: {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله
جهرة} [النساء: 153] {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من
أهلي} [هود: 45] ونحو: توضأ فغسل وجهه ويديه ورجليه ومسح
رأسه فلا تفيد ذلك التعقيب بل التعقيب الذكري بأن ذكر
التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره، فكالأول كجاء زيد
فقام عمرو، فكلٌّ من التعقيبين جائز الإرادة في الآية
المعنوي بالنسبة إلى الايلاء، فإن فاؤوا بعد الإيلاء
والذكري فإنه لما ذكر تعالى أن لهم من نسائهم أن يتربصوا
أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل
الحال في الأمرين فقوله تعالى: {فإن فاؤوا} إلى قوله:
{سميع عليم} واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي
رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة المعدة تعقيبًا
على الإيلاء التعقيب الذكري أو
(8/160)
بعدها تعقيبًا على التربص فإن الله غفور
رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب انتهى.
وسياق الآية كله لابن عساكر، وقال في الفتح، لكريمة
ولغيرهما بعد قوله: {تربص أربعة أشهر} إلى قوله: {سميع
عليم} لكنه في الفرع رقم عليه علامة السقوط لأبي ذر.
5289 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ
أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ
أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: آلَى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ
نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي
مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلَيْتَ شَهْرًا،
فَقَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) ابن أخت إمام دار
الهجرة مالك بن أنس (عن أخيه) عبد الحميد بن أبي أويس (عن
سليمان) بن بلال (عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك)
-رضي الله عنه- وسقط لابن عساكر ابن مالك (يقول: آلى) بمد
الهمز حلف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي شهرًا (من نسائه). وفي حديث ابن عباس أقسم
أن لا يدخل عليهن شهرًا، وعند الترمذي برجال موثقين عن
مسروق عن عائشة قالت: آلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه وحرّم فجعل الحرام حلالًا،
لكن رجح الترمذي إرساله على وصله، وقد يتمسك بقوله فيه حرم
من ادّعى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتنع
من جماعهن وبه جزم ابن بطال وجماعة لكنه مردود بأن المراد
بالتحريم تحريم شرب العسل أو تحريم وطء مارية. قال في
الفتح: ولم أقف على نقل صريح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- امتنع من جماع نسائه وليس هذا من الإيلاء
المقرر كما مرّ، ولذا استشكل إيراد المصنف لهذا الحديث هنا
إذ إنه ليس من هذا الباب وقوّى ذلك ما أبداه البلقيني في
تدريبه بأن الإيلاء المعقود له الباب حرام يأثم به من علم
حاله فلا تجوز نسبته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. وأجيب: بأنه مبني على اشتراط ترك الجماع فيه،
وقد روي عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة عدم اشتراط
ترك الجماع. (وكانت انفكت رجله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فأقام في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين
المعجمة وضم الراء بعدها موحدة في غرفة (له تسعًا وعشرين)
ليلة (ثم نزل) من الغرفة ودخل على أزواجه (فقالوا: يا رسول
الله آليت) حلفت (شهرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني ألبثت
بهمزة الاستفهام وبعد اللام موحدة مكسورة فمثلثة ففوقية من
الليث (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(الشهر) المعهود (تسع وعشرون).
5290 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ
فِي الإِيلاَءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى: لاَ
يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدَ الأَجَلِ إِلاَّ أَنْ يُمْسِكَ
بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلاَقِ كَمَا أَمَرَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ:
حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِذَا
مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ
وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ حَتَّى يُطَلِّقَ.
وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي
الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر -رضي الله
عنهما- كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى) في الآية
السابقة (لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف) بأن
يطأ (أو يعزم بالطلاق) ولأبي ذر وابن عساكر: الطلاق بإسقاط
الجار (كما أمر الله عز وجل) بقوله: {وإن عزموا الطلاق}
[البقرة: 227] فإن امتنع من الفيئة والطلاق طلق عليه
القاضي نيابة عنه على الأظهر والثاني لا يطلق عليه لأن
الطلاق في الآية مضاف إليه بل يكرهه ليفيء أو يطلق، وقال
الحنفية: إن فاء بالجماع قبل انقضاء المدة استمرت عصمته
وإن مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضي المدة قال المؤلّف:
(وقال لي إسماعيل) بن أبي أويس المذكور (حدّثني) بالإفراد
(مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه
قال: (إذا مضت أربعة أشهر) من حين الإيلاء (يوقف) الحكم
والكشميهني يوقفه (حتى) يفيء أو (يطلق) بنفسه (ولا يقع
عليه الطلاق) بانقضاء المدة (حتى يطلق) هو (ويذكر) بضم
أوّله وفتح الكاف (ذلك) المذكور من الوقف حتى يطلق (عن
عثمان) فيما وصله الشافعي وابن أبي شيبة من طريق طاوس عنه
لكن في سماع طاوس من عثمان نظر نعم ورد ما يعضده إلا أنه
جاء عن عثمان خلافه عند عبد الرزاق والدارقطني (وعلي) فيما
وصله الشافعي وابن أبي شيبة بسند صحيح (وأبي الدرداء) فيما
وصله ابن أبي شيبة وإسماعيل القاضي بسند صحيح إن ثبت سماع
سعيد بن المسيب من أبي الدرداء (وعائشة) فيما أخرجه سعيد
بن منصور بسند صحيح (واثني عشر رجلًا من أصحاب النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما أخرجه المؤلّف
في تاريخه وهو قول مالك
(8/161)
والشافعي وأحمد وسائر أصحاب الحديث.
وأجاب الشيخ كمال الدين عن حديثي الباب بما أخرجه ابن أبي
شيبة قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت
أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة قال: ورجال هذا السند كلهم
أخرج لهم الشيخان فهم رجال الصحيح فينتهض معارضًا ولم يبق
إلا قول من قال بأن أصح الحديث ما في الصحيحين ثم ما كان
على شرطهما إلى آخر ما عرف. قال: وهذا تحكم محض لأنه إذا
كان الفرض أن المروي
على نفس الشرط المعتبر عندهما فلم يفته إلا كونه لم يكتب
في خصوص أوراق معينة ولا أثر لذلك وقول البخاري أصح
الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر لم يوافق عليه فقد قال
غيره غيره، وقال المحققون: إن ذلك يتعذر الحكم به وإنما
يمكن بالنسبة إلى صحاب وبلد فيقال أصحها عن ابن عمر: مالك
عن نافع عنه، وعن أبي هريرة: الزهري عن سعيد بن المسيب
عنه، وأصح أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن
الصحابة ونحو ذلك وأحسن من هذا الوقوف عن اقتحام هذه فإن
في خصوص الموارد ما قد يلزم الوقوف عن ذلك. نعم قد يكون
الراوي المعين أكثر ملازمة لمعين من غيره فيصير أدرى
بحديثه وأحفظ له منه على معنى أنه أكثر إحاطة بأفراد متونه
وأعلم بعادته في تحديثه وعند تدليسه إن كان وبقصده عند
إبهامه وإرساله ممن لم يلازمه تلك الملازمة أما في فرد
معين فرض أن غيره ممن هو مثله في ملكة النفس والضبط أو
أرفع سمعه منه فأتقنه وحافظ عليه كما حافظ على سائر
محفوظاته، ويكون ذلك مقدمًا عليه في روايته بمعارضة فما هو
إلا محض تحكم فإن بعد هذا الفرض لم تبق زيادة الآخر إلا
بالملازمة وأثرها الذي يزيد به على الآخر إنما هو بالنسبة
إلى مجموع متونه لا بالنسبة إلى خصوص متن انتهى.
وقد سبق ما احتجّ به الإمام الشافعي من ظاهر الآية مع قول
أكثر الصحابة والترجيح يقع بالأكثر مع موافقة ظاهر القرآن
وقد نقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال: لم نجد في شيء من
الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا ولو جاز لكان
العزم على الفيء يكون فيئًا ولا قائل به، وليس في شيء من
اللغة أن اليمين التي لا ينوى بها الطلاق تقتضي طلاقًا
والعطف بالفاء على الأربعة الأشهر يدل على أن التخيير بعد
مضي المدة وحينئذٍ فلا يتجه وقوع الطلاق بمجرد مضي المدة
والجواب السابق عن ذلك وإن كان بديعًا لكنه لا يخلو عن شيء
من التعسف، ولئن سلمنا انتهاض حديث ابن أبي شيبة السابق
لحديثي الباب فيبقى النظر في هل يستدل بذلك والآية أظهر في
الدلالة لنا على ما لا يخفى.
22 - باب حُكْمِ الْمَفْقُودِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ
عِنْدَ الْقِتَالِ تَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً.
وَاشْتَرَى ابْنُ مَسْعُودٍ جَارِيَةً وَالْتَمَسَ
صَاحِبَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْهُ وَفُقِدَ، فَأَخَذَ
يُعْطِي الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ وَقَالَ:
اللَّهُمَّ عَنْ فُلاَنٍ فإن أبى فلان فَلي وَعَلَيَّ،
وَقَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا بِاللُّقَطَةِ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي
الأَسِيرِ يُعْلَمُ مَكَانُهُ: لاَ تَتَزَوَّجُ
امْرَأَتُهُ وَلاَ يُقْسَمُ مَالُهُ، فَإِذَا انْقَطَعَ
خَبَرُهُ فَسُنَّتُهُ سُنَّةُ الْمَفْقُودِ.
(باب حكم المفقود في أهله وماله. وقال ابن المسيب): سعيد
مما وصله عبد الرزاق (إذا فقد) الرجل (في الصف عند القتال)
في سبيل الله (تربص) بفتح الفوقية وضم الصاد المهملة أصله
تتربص فحذفت إحدى التاءين يعني تنتظر (امرأته سنة) إلى هذا
ذهب مالك لكنه فرق بين ما إذا وقع القتال بدار الحرب أو
دار الإسلام.
(واشترى ابن مسعود) عبد الله فيما وصله سفيان بن عيينة في
جامعه وسعيد بن منصور (جارية) بسبعمائة درهم (والتمس)
بالواو أي طلب ولأبي ذر وابن عساكر فالتمس (صاحبها سنة)
ليدفع له ثمنها إذ غاب عنه (فلم يجده) وللكشميهني فلم يوجد
(وفقد) بضم الفاء وكسر القاف فخرج بها إلى المساكن (فأخذ
يعطي) هم من ثمنها (الدرهم والدرهمين وقال: اللهم) تقبله
(عن فلان) صاحبها (فإن أبى) بالموحدة امتنع كذا للكشميهني
ولغيره فإن أتى بالفوقية بدل الموحدة أي فإن جاء (فلان
فلي) الثواب (وعلي) أن أقضيه ثمنها (وقال) أي ابن مسعود:
(هكذا فافعلوا) ولأبي ذر افعلوا إسقاط الفاء (باللقطة) بعد
تعريفها.
(وقال ابن عباس) فيما وصله سعيد بن منصور (نحوه) أي نحو
قول ابن مسعود وهذا المذكور من قوله واشترى إلى آخره ثابت
في رواية المستملي والكشميهني.
(وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله ابن أبي شيبة
(في
(8/162)
الأسير) في أرض العدو (يعلم مكانه لا
تتزوج) بتاءين ولابن عساكر تزوج (امرأته ولا يقسم ماله
فإذا انقطع خبره فسنّته سنة الفقود) فحكمه حكم المفقود،
ومذهب الزهري في امرأة المفقود التربص أربع سنين، ومذهب
الشافعية إن قامت بيّنة بموته أو حكم قاض به بمضي مدة من
ولادته لا يعيش فوقها ظنًّا قسمت تركته حينئذٍ ثم تعتدّ
زوجته.
5292 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى
الْمُنْبَعِثِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ:
«خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ
لِلذِّئْبِ». وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَغَضِبَ
وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَقَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا،
مَعَهَا الْحِذَاءُ وَالسِّقَاءُ، تَشْرَبُ الْمَاءَ
وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا».
وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ. فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا
وَعِفَاصَهَا وَعَرِّفْهَا سَنَةً. فَإِنْ جَاءَ مَنْ
يَعْرِفُهَا، وَإِلاَّ فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ». قَالَ
سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ: وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا
فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ يَزِيدَ مَوْلَى
الْمُنْبَعِثِ فِي أَمْرِ الضَّالَّةِ هُوَ عَنْ زَيْدِ
بْنِ خَالِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ يَحْيَى: وَيَقُولُ
رَبِيعَةُ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ
بْنِ خَالِدٍ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ
فَقُلْتُ لَهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن يزيد) من
الزيادة (مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح
الموحدة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة التابعي (أن
النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل) بضم السين
وكسر الهمزة (عن ضالة الغنم فقال) ولابن عساكر قال:
(خذها فإنما هي لك) إن أخذتها وعرفتها سنة ولم تجد صاحبها
(أو لأخيك) في الدين ملتقط آخر (أو للذئب) إن تركتها ولم
يأخذها غيرك لأنها لا تحمي نفسها (وسئل) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن ضالة الإبل) ما حكمها (فغضب
واحمرّت وجنتاه) من الغضب (وقال: ما لك ولها) استفهام
إنكاري (معها الحذاء) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة
ممدودًا خف تقوى به على السير (والسقاء) بكسر السين
المهملة الجوف (تشرب الماء) قدر ما يكفيها حتى ترد ماء آخر
(وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها) مالكها (وسئل) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن اللقطة) بفتح القاف على
المشهور والفرق بينها وبين الضالة أن الضالة مختصة
بالحيوان (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اعرف وكاءها) بكسر
الواو والمد الخيط المشدودة به (وعفاصها) بكسر العين
المهملة بعدها فاء فألف فصاد مهملة وعاءها الذي هي فيه
(وعرفها) إذا كانت كثيرة (سنة) لا قليلة والتخصيص بذلك من
باب استنباط معنى من النص العام يخصصه (فإن جاء مَن
يعرفها) بسكون العين عددًا وصفة ووعاء ووكاء فادفعها إليه
(وإلا فاخلطها) بهمزة وصل (بمالك) وتصرف فيها على جهة
الضمان.
(قال سفيان) بن عيينة (فلقيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن)
المشهور بالرأي (ولم أحفظ عنه شيئًا غير هذا فقلت) له:
(أرأيت حديث يزيد) أي أخبرني عن حديث يزيد (مولى المنبعث
في أمر الضالة هو عن زيد بن خالد)؟ استفهام محذوف الأداة
(قال: نعم) عنه. قال سفيان: (قال يحيى) يعني ابن سعيد الذي
حدَّثني به مرسلًا (ويقول ربيعة) الرأي أنه حدّث به (عن
يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد. قال سفيان: فلقيت
ربيعة) الرأي (فقلت له) القول السابق أرأيت حديث يزيد إلى
آخره. والحاصل كما في الفتح أن يحيى بن سعيد حدّث به عن
يزيد مولى المنبعث مرسلًا ثم ذكر لسفيان أن ربيعة يحدّث به
عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد فيوصله فحمل ذلك
سفيان على أن لقي ربيعة فسأله عن ذلك فأقر به. قيل:
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الضالة كالمفقود فكما لم
يزل ملك المالك فيها فكذلك يجب أن يكون النكاح باقيًا
بينهما.
وقد سبق الحديث مرات في اللقطة.
23 - باب الظِّهَارِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ
الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} -إِلَى قَوْلِهِ-
{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}
[المجادلة: 1] وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي
مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ
الْعَبْدِ، فَقَالَ: نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ، قَالَ
مَالِكٌ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ، وَقَالَ
الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ: ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ
مِنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ سَوَاءٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ
إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا
الظِّهَارُ مِنَ النِّسَاءِ، وَفِي الْعَرَبِيَّةِ لِمَا
قَالُوا: أَيْ فِيمَا قَالُوا، وَفِي بَعْضِ مَا قَالُوا،
وَهَذَا أَوْلَى، لأَنَّ اللَّهَ تعالى لَمْ يَدُلَّ عَلَى
الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ.
(باب الظهار) بكسر المعجمة.
قال الشيخ كمال الدين: هو لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من
الظهر فيصح أن يراد به معانٍ مختلفة ترجع إلى الظهر معنى
ولفظًا بحسب اختلاف الأغراض فيقال: ظاهرت أي قابلت ظهرك
بظهره حقيقة وإذا غايظته أيضًا وإن لم تدابره حقيقة
باعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة وظاهرته إذا نصرته
باعتبار أنه يقال قوي ظهره إذا نصره وظاهر من امرأته وأظهر
وتظاهر واظّاهر وظهر وتظهر إذا قال لها أنت عليّ كظهر أمي،
وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل
ما يلي به كل منهما الآخر ظهرًا للثوب وغاية ما يلزم كون
لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازًا وكونه مجازًا لا
يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازًا أيضًا، وقد قيل
الظهر هنا مجاز عن البطن لأنه إنما يركب البطن فكظهر أمي
أي كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه عموده لكن لا يظهر ما هو
الصارف عن
(8/163)
الحقيقة من النكات وقيل خص الظهر لأن إتيان
المرأة من ظهرها كان حرامًا فإتيان أمه من ظهرها أحرم فكثر
التغليظ في الشرع هو تشبيه الزوجة في الحرمة بمحرمه.
(وقول الله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك}) أي
تحاورك ({في زوجها}) في شأنه (-إلى قوله-) تعالى: ({فمن لم
يستطع فإطعام ستين مسكينًا}) [الجادلة: 1] كذا لأبي ذر
وعند ابن عساكر بعد قوله زوجها الآية وحذف ما بعدها.
وعن عائشة فيما رواه الإمام أحمد أنها قالت: الحمد لله
الذي وسع سمعه سمع الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلمه وأنا في جانب
البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل: {قد سمع الله
قول التي تجادلك في زوجها} إلى آخر الآية. وكذا رواه
البخاري في كتاب التوحيد معلقًا.
وعند النسائي وابن ماجة عن عائشة أيضًا تبارك الذي أوعى
سمعه كل شيء إني أسمع كلام خويلة بنت ثعلب ويخفى عليّ بعضه
وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له
بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهمّ إني
أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية {قد
سمع الله قول التي تجادلك} إلى آخر الآية، وزوجها هو أوس
بن الصامت. قال في النهاية: وفي أسماء الله تعالى السميع
وهو الذي لا يغيب عن إدراكه مسموع وإن خفي فهو يسمع بغير
جارحة. وقال الراغب: السمع قوّة في الأُذن بها تدرك
الأصوات فإذا وصف الله تعالى بالسمع فالمراد علمه
بالمسموعات، وروي أنها قالت: إن لي صبية صغارًا إن ضممتهم
إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فقال لها -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما عندي في أمرك شيء" وروي
أنه قال لها: "حرمت عليه" فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووجدي
كلما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"حرمت عليه" هتفت وشكت فهذا هو جدالها. وفي الطبراني من
حديث ابن عباس قال: كان الظهار في الجاهلية يحرم النساء
فكان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكانت امرأته
خويلة الحديث.
وأركان الظهار: زوجان ومشبه به وصيغة.
فشرط الزوج صحة طلاقه ولو عبدًا أو كافرًا أو خصيًا أو
سكران.
والمشبه به كل أنثى محرم أو جزء أنثى محرم بنسب أو رضاع أو
مصاهرة لم تكن حلاًّ للزوج.
والصيغة لفظ يُشعِر بالظهار صريح كانت أو رأسك عليّ كظهر
أمي أو كجسمها أو كناية كانت أمي وتلزمه الكفّارة بالعود
للآية وهو أن يمسكها بعد الظهار مع إمكان فراقها.
قال البخاري: (وقال لي إسماعيل) بن أبي أويس (حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (أنه سأل ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن) حكم (ظهار العبد فقال: نحو ظهار الحر) كالطلاق
(قال مالك: وصيام العبد) في كفارة الظهار (شهران) كالحر
واختلف في الإطعام والعتق فذهب الحنفية والشافعية إلى أن
لا يجزئه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إن أطعم
بإذن سيده أجزأه (وقال الحسن بن الحر): بضم الحاء المهملة
وتشديد الراء ابن الحكم النخعي الكوفي نزيل دمشق وليس له
في البخاري إلا هذا ولأبي ذر عن المستملي كما في الفتح ابن
حي بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية نسبة لجد أبيه وهو
الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الفقيه أحد الأعلام،
ولأبي ذر عن المستملي مما في الفرع: الحسن فقط من غير نسب
فيحتملهما (ظهار الحر والعبد من الحرة والأمة سواء) إذا
كانت الأمة زوجة فلو قال السيد لأمته: أنت عليّ كظهر أمي
لم يصح عند الشافعية لاشتراطهم الزوجية خلافًا للمالكية،
واحتجوا بأنه فرج حلال فيحرم بالتحريم ومنشأ الخلاف هل
تدخل الأمة في قوله تعالى: {منكم من نسائهم} [المجادلة: 2]
قال في التوضيح: ولا شك أنها من النساء لغة لكن العرف
تخصيص هذا اللفظ بالزوجات وقد أخرج ابن الأعرابي في معجمه
من طريق همام سئل قتادة عن رجل ظاهر من سريته فقال: قال
الحسن وابن المسيب وعطاء
(8/164)
وسليمان بن يسار: مثل ظهار الحرة. (وقال
عكرمة) فيما وصله إسماعيل القاضي بسند لا بأس به: (إن
ظاهر) الرجل (من أمته فليس بشيء وإنما الظهار من النساء)
الحرائر.
وهذا مذهب الحنفية: والشافعية لقوله: {من نسائهم} وليست
الأمة من النساء، ولقول ابن عباس إن الظهار كان طلاقًا ثم
أحلّ بالكفارة فكما لا حظّ للأمة في الطلاق لا حظّ لها في
الظهار، واعلم أنه يحرم بالظهار قبل التكفير الوطء
والاستمتاع بما بين السرّة والركبة فقط كالحيض لأن الظهار
معنى لا يخلّ بالملك، ولأنه تعالى أوجب التكفير في الآية
قبل التماس حيث قال في الإعتاق والصوم: {من قبل أن يتماسا}
[المجادلة: 3] ويقدر مثله في الإطعام حملًا للمطلق على
المقيد وروى أبو داود وغيره من حديث أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل ظاهر من امرأته وواقعها "لا
تقربها حتى تكفر" وتجب الكفارة بالعود وهو أن يمسكها
زمانًا يمكنه مفارقتها فيه فلم يفعل لقوله تعالى: {والذين
يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] لأن
دخول الفاء في خبر المبتدأ الموصول دليل على الشرطية
كقوله: الذي يأتيني فله درهم، ومقصود الظهار وصف المرأة
بالتحريم وإمساكها يخالفه وهل وجبت الكفارة بالظهار والعود
أو بالظهار والعود شرط أو بالعود لأنه الجزء الأخير. أوجه
ذكرها في الروضة من غير ترجيح، والأول هو ظاهر الآية
الوافق
لترجيحهم أن كفارة اليمين تجب باليمين والحنث جميعًا، ولأن
الظهار كما قاله الشيخ كمال الدين كبيرة فلا يصلح سببًا
للكفارة لأنها عبادة أو المغلب فيها معنى العبادة ولا يكون
المحظور سببًا للعبادة فتعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة
باعتبار العود الذي هو إمساك بمعروف فيكون دائرًا بين
الحظر والإباحة فيصلح سببًا للكفارة الدائرة بين العبادة
والعقوبة ثم إن اللام في قوله تعالى: {لما قالوا} متعلقة
بيعودون قاله مكي، وزاد وما والفعل مصدر أي لقولهم والمصدر
في موضع المفعول به نحو هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه على
أن ذلك يجوز، وإن كانت غير مصدرية بل لكونها بمعنى الذي أو
نكرة موصوفة بل جعلها غير مصدرية أولى لأن المصدر المؤول
فرع المصدر الصريح ووضع المصدر موضع اسم المفعول خلاف
الأصل فيلزم الخروج عن الأصل بشيئين بالمصدر المؤوّل ثم
وقوعه موقع اسم المفعول، والمحفوظ إنما هو وضع المصدر
الصريح موضع المفعول لا المصدر المؤوّل، وقيل اللام تتعلق
بـ {فتحرير} [المجادلة: 3] وفي الكلام تقديم وتأخير،
والتقدير والذين يظاهرون من نسائهم فعليهم تحرير رقبة لما
نطقوا به من الظهار ثم يعودون للوطء بعد ذلك والعود
الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأوّل قوله تعالى: {حتى عاد
كالعرجون القديم} [يس: 39] ومن الثاني و {إن عدتم عدنا}
[الإسراء: 8] ويعدى بنفسه كقوله: عدته إذا أتيته وصرت إليه
أو بحرف الجر بإلى وعلى وفي واللام كقوله تعالى: {ولو ردوا
لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28] ومنه {ثم يعودون لما
قالوا} [المجادلة: 3] أي لنقض ما قالوا أو لتداركه على حذف
المضاف وعن ثعلبة يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف
أيضًا غير أنه أراد بما قالوا ما حرّموه على أنفسهم بلفظ
الظهار تنزيلًا للقول منزلة المقول فيه كقوله: ونرثه ما
يقول أراد المفعول فيه وهو المال والولد، وقال بعضهم:
العود للقول عود بالتدارك لا بالتكرار وتداركه نقضه بنقيضه
الذي هو العزم على الوطء ومن حمله على الوطء قال: لأنه
المقصود بالمنع، ويحمل قوله: {من قبل أن يتماسا} أي مرة
ثانية. ورأى أكثر العلماء قوله: {من قبل أن يتماسا} منعًا
من الوطء قبل التكفير حتى كأنه قال: لا تماس حتى تكفر.
والحاصل أن يعودون إما أن يجرى على حقيقته أو محمول على
التدارك مجازًا إطلاقًا لاسم المسبب على السبب لأن
المتدارك للأمر عائد إليه، وإن ما قالوا إما عبارة عن
القول السابق أو عن مسماه وهو تحريم الاستمتاع وقال ابن
عباس: يعودون يندمون فيرجعون إلى الألفة لأن النادم
والتائب متدارك لما صدر عنه بالتوبة والكفارة وأقرب
الأقوال إلى هذا ما ذهب إليه الشافعي، وذلك أن القصد
بالظهار التحريم فإذا
(8/165)
أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما
قاله فكأنه قيل والذين يعزمون على المفارقة والتحريم
ويتكلمون بذلك القول الشنيع ثمّ يمسكون عنه زمانًا أمارة
على العود إلى ما كانوا عليه قبل الظهار فكفارة ذلك كذا.
وقال داود وأتباعه: المراد يعودون إلى اللفظ الذي سبق منهم
وهو قول الرجل ثانيًا: أنت عليّ كظهر أمي فلا تلزم الكفارة
بالقول الأول وإنما تلزم بالثاني، وقال بهذا أبو العالية
وبكير بن الأشج من التابعين وكذا الفراء وقد رده البخاري
فقال:
(وفي العربية) تستعمل اللام في نحو قوله تعالى: ({لما
قالوا}) بمعنى في (أي فيما قالوا، وفي بعض) بالموحدة
المفتوحة وسكون العين المهملة ولابن عساكر وأبي ذر عن
الحموي والمستملي وفي نقض بالنون والقاف والضاد المعجمة
فيهما (ما قالوا) والثانية أوجه وأصح أي أنه يأتي بفعل
ينقض قوله الأول وهو العزم على الإمساك المناقض للظهار قال
المؤلّف: (وهذا أولى) من قول داود الأصبهاني الظاهري إن
المراد من الآية ظاهرها وهو أن يقع العود بالقول بأن يعيد
لفظ الظهار فلا تجب الكفارة إلا به (لأن الله تعالى لم يدل
على المنكر) المحرم (وقول الزور) ولابن عساكر: وعلى قول
الزور المشار إليه في الآية بقوله: {وإنهم ليقولون منكرًا
من القول} [المجادلة: 2] أي تنكره للحقيقة والأحكام
الشرعية وزورًا كذبًا باطلًا منحرفًا عن الحق فكيف يقال
إنه إذا أعاد هذا اللفظ الموصوف بما ذكر يجب عليه أن يكفر
ثم تحلّ له المرأة وإنما المراد وقوع ضد ما وقع منه من
المظاهرة.
وفي الظهار أحاديث في أبي داود والترمذي والنسائي لم
يذكرها المؤلّف لأنها ليست على شرطه والله الموفق والمعين.
24 - باب الإِشَارَةِ فِي الطَّلاَقِ وَالأُمُورِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ
الْعَيْنِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا»، فَأَشَارَ إِلَى
لِسَانِهِ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: أَشَارَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيَّ
أَيْ خُذِ النِّصْفَ، وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: صَلَّى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
الْكُسُوفِ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ
فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلْتُ
آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا وَهِيَ تُصَلِّي، أَنْ
نَعَمْ. وَقَالَ أَنَسٌ أَوْمَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ
أَنْ يَتَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ
لاَ حَرَجَ. وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّيْدِ
لِلْمُحْرِمِ: «آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ
عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا: لاَ قَالَ:
«فَكُلُوا».
(باب) حكم (الإشارة) المفهمة للأصل والعدد من الأخرس وغيره
(في الطلاق و) غيره من (الأمور) الشرعية وقد ذهب الجمهور
إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمة تقوم مقام النطق فلو قال
لزوجته: أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث لم يقع عدد إلا مع
نيته عند قوله طالق ولا اعتبار بالإشارة هنا ولا بقوله أنت
هكذا وأشار بما ذكر أو مع قوله هكذا وإن لم ينوِ عددًا
فتطلق في إصبعين طلقتين وفي ثلاثًا ثلاثًا لأن ذلك صريح
فيه ولا بد أن تكون الإشارة مفهمة لذلك كما نقله في الروضة
عن الإمام وأقره فلو قالت له: طلقني فأشار بيده أن اذهبي
وكان غير أخرس فالإشارة لغو لأن عدوله إليها عن العبارة
يفهم أنه غير قاصد للطلاق وإن قصده بها فهي لا تقصد
للإفهام إلا نادرًا ولا هي موضوعة له بخلاف الكتابة فإنها
حروف موضوعة للإفهام كالعبارة ويعتد بإشارة الأخرس، وإن
على القدر كتابة في طلاق وغيره كبيع ونكاح وإقرار ودعوى
وعتق لأن إشارته قامت مقام عبارته لا في الصلاة فلا تبطل
بها ولا في الشهادة فلا تصح بها ولا في حنث
بها فلا يحصل في الحلف على عدم الكلام فإن فهمها كل أحد
فصريحة وإن اختص بها فطنون فكناية تحتاج إلى النية.
ثم أخذ المؤلّف يذكر آثارًا وأحاديث تتضمن ذكر إشارات
لأحكام مختلفة تنبيهًا منه على أن الإشارة بالطلاق وغيره
قائمة مقام النطق وأنه إذا اكتفى بها عن النطق مع القدرة
عليه فمع عدم القدرة عليه أولى فقال رحمه الله:
(وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله في الجنائز
مطولًا (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
لا يعذب الله بدمع العين ولكن يعذب بهذا، فأشار) بالفاء
ولأبي ذر وابن عساكر: وأشار (إلى لسانه) فيه أن الإشارة
المفهمة كنطق اللسان.
(وقال كعب بن مالك) فيما وصله في الملازمة (أشار النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليّ) في دين كان لي
على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي بيده (أي) وللكشميهني أن
(خذ النصف) أي واترك ما عداه (وقالت أسماء) بنت أبي بكر
-رضي الله عنهما- فيما وصله في الكسوف (صلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكسوف) فأطال القيام
(فقلت لعائشة) وهي قائمة تصلي مع الناس (ما شأن الناس؟
فأومأت) وللكشميهني فأشارت (برأسها إلى الشمس فقلت) لها
(8/166)
(آية. فأومأت) وللكشميهني فأشارت (برأسها
وهي تصلي أن) ولأبي ذر أي (نعم) آية (وقال أنس) مما سبق
موصولًا في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة من كتاب
الصلاة: (أومأ) أي أشار (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بيده إلى أبي بكر أن يتقدم) إلى الصف في الصلاة
الحديث الخ، (وقال ابن عباس) فيما وصله في كتاب العلم في
باب الفتيا بإشارة اليد والرأس (أومأ النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما سئل في حجته عن الذبح
قبل الرمي (بيده لا حرج) في التقديم ولا في التأخير. (وقال
أبو قتادة) فيما سبق موصولًا في الحج في باب لا يشير
المحرم إلى الصيد (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لأصحابه (في الصيد للمحرم) لما رأوا حمر وحش
في مسيرهم لحجة الوداع وحمل عليها أبو قتادة فعقرها هل
(أحد منكم أمره أن يحمل عليها. وأشار إليها) وفي اليونينية
آحد بمد فوق الهمزة للاستفهام (قالوا: لا، قال: فكلوا) ما
بقي من لحمها.
5293 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو
وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَانَ
كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ
وَكَبَّرَ وَقَالَتْ زَيْنَبُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فُتِحَ مِنْ رَدْمِ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، مِثْلُ هَذِهِ». وَعَقَدَ
تِسْعِينَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
أبو عامر عبد الملك بن عمرو) بفتح العين العقدي قال:
(حدّثنا إبراهيم) هو ابن طهمان فيما جزم به المزي وقيل أبو
إسحاق الفزاري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس)
-رضي الله عنهما- أنه (قال طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه راكبًا (على بعيره وكان
كلما أتى على الركن) الذي فيه الحجر الأسود (أشار
إليه) للاستلام بشيء في يده (وكبّر) الحديث إلى آخره
(وقالت زينب) بنت جحش فيما سبق موصولًا في باب علامات
النبوة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(فتح) بضم الفاء وكسر الفوقية اليوم (من ردم يأجوج ومأجوج)
وسقط لأبي ذر من ردم (مثل هذه وهذه. وعقد تسعين) بتقديم
الفوقية على السين وعقد الأصابع نوع من الإشارة المفهمة.
5294 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا
مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلاَّ
أَعْطَاهُ» وَقَالَ: بِيَدِهِ وَوَضَعَ أَنْمَلَتَهُ عَلَى
بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ. قُلْنَا يُزَهِّدُهَا.
وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا بشر بن
المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بضم الميم
وفتح الضاد المعجمة البصري قال: (حدّثنا سلمة بن علقمة)
التميمي بغير ميم في أول سلمة (عن محمد بن سيرين) وسقط
لابن عساكر لفظ محمد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه
(قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(وفي الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم) ولأبي ذر عبد مسلم
(قائم يصلّي يسأل الله) تعالى (خيرًا إلا أعطاه) ما لم
يسأل حرامًا، وفي رواية لغير أبي ذر: فسأل الله بالفاء
بلفظ الماضي، وقوله قائم وتالييه صفات لمسلم أو يصلي حال
من مسلم لاتصافه بقائم ويسأل إما حال مترادفة أو متداخلة
(وقال) أي أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(بيده) الشريفة (ووضع أنملته على بطن) أصبعه (الوسطى و)
بطن (الخنصر) بكسر الصاد في اليونينية (قلنا يزهدها) بضم
التحتية وفتح الزاي وتشديد الهاء الأولى مكسورة أي يقللها.
قال ابن المنير: الإشارة لتقليلها للترغيب فيها والحض
عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها، وقد قيل إن المراد بوضع
الأنملة في وسط الكف الإشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط
يومها وبوضعها على الخنصر الإشارة إلى أنها في آخر
الأصابع، وفيه إشارة إلى أنها تتنقل ما بين وسط النهار إلى
قرب آخره واختلف في تعيينها على نيف وأربعين قولًا ليجتهد
المرء في العبادة بخلاف ما لو عينت وقد بين أبو مسلم الكجي
أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة ففي
سياق البخاري إدراج (قال: وقال الأويسي) عبد العزيز بن عبد
الله شيخ المؤلّف.
5295 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ شُعْبَةَ
بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا،
وَرَضَخَ رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ فِي
آخِرِ رَمَقٍ وَقَدْ أُصْمِتَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ
قَتَلَكِ؟ فُلاَنٌ»؟ لِغَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا،
فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ. قَالَ: فَقَالَ
لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي
قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ أَنْ لاَ. فَقَالَ: «فَفُلاَنٌ»
لِقَاتِلِهَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.
(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن شعبة بن
الحجاج) الحافظ أبي بسطام العتكي (عن هشام بن زيد) أي ابن
أنس بن مالك (عن) جده (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه
(قال: عدا) بالمهملتين تعدى (يهودي في عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه وأيامه (على
جارية) لم تسم (فأخذ أوضاحًا) بفتح الهمزة والضاد المعجمة
والحاء المهملة حليًا من الدراهم الصحاح سميت بذلك لوضوحها
وبياضها وصفائها أو هي حليّ من فضة (كانت عليها ورضخ)
(8/167)
بالراء والضاد والخاء المعجمتين المفتوحات
كسر (رأسها فأتى بها) بالجارية (أهلها رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي) أي والحال أنها (في آخر
رمق) أي نفس وزنًا ومعنًى (وقد أصمتت) بضم الهمزة وسكون
الصاد المهملة وكسر الميم بعدها فوقيتان اعتقل لسانها فلم
تستطع النطق لكن مع حضور عقلها (فقال لها رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من قتلك)؟ أ (فلان)؟ استفهام محذوف الأداة (لغير الذي
قتلها، فأشارت برأسها أن لا) أي ليس فلان قتلني (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) ولأبي ذر
ففلان بدل قال: فقال: (لرجل عن رجل آخر غير الذي قتلها
فأشارت) برأسها (أن لا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لها: (ففلان) قتلك (لقاتلها فأشارت) برأسها (أن
نعم) قتلني وكلمة أن في المواضع الثلاثة تفسيرية (فأمر به)
باليهودي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فرضخ رأسه بين حجرين) بضم راء فرضخ، واستدلّ به الشافعية
والمالكية والحنابلة على أن القاتل يقتل فيما قتل به، وقال
الحنفية: لا يقتل إلا بالسيف لحديث "لا قود إلا بالسيف"
وسيكون لنا عودة إلى هذا المبحث إن شاء الله تعالى في
موضعه بعون الله وقوّته.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّيات ومسلم في الحدود وأبو
داود والنسائي وابن ماجة في الديات.
5296 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْفِتْنَةُ مِنْ هُنَا.
وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ».
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر
المديني (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الفتنة من هنا) بهاء واحدة مضمومة، ولأبي ذر: من ها هنا
(وأشار إلى المشرق) ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله
تعالى في الفتن.
5297 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى
قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ
قَالَ لِرَجُلٍ:
«انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ
أَمْسَيْتَ ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ» قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ إِنَّ عَلَيْكَ
نَهَارًا. ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ» فَنَزَلَ،
فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَوْمَأَ
بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ «إِذَا رَأَيْتُمُ
اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ
الصَّائِمُ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
جرير عن عبد الحميد) الضبي القاضي (عن أبي إسحاق) سليمان
بن فيروز (الشيباني) بالشين المعجمة والموحدة بينهما تحتية
ساكنة وبعد الألف نون مكسورة فتحتية (عن عبد الله بن أبي
أوفى) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا في سفر مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في شهر رمضان في
غزوة الفتح (فلما غربت الشمس قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لرجل) هو بلال:
(انزل فاجدح لي) بهمزة وصل وجيم ساكنة ودال مفتوحة فحاء
مهملتين أي حرك السويق بالماء أو اللبن (قال: يا رسول الله
لو أمسيت) بحذف جواب لو أي كنت متمًّا للصوم (ثم قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنزل فاجدح) أي لي
(قال: يا رسول الله لو أمسيت) لابن عساكر (إن عليك نهارًا)
كأنه رأى كثرة الضوء من زيادة الصحو فظن عدم غروب الشمس
وأراد الاستكشاف عن حكم ذلك (ثم قال) عليه الصلاة والسلام:
(أنزل فاجدح) أي يقل لي إلا في الأولى (فنزل فجدح له في
الثالثة، فشرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثم أومأ) أشار (بيده) الشريفة (إلى) جهة
(المشرق فقال: إذا رأيتم الليل) أي ظلامه (قد أقبل من ها
هنا فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت فطره فصار مفطرًا حكمًا
وإن لم يفطر حسًّا.
وهذا الحديث قد سبق في الصيام.
5298 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَمْنَعَنَّ
أَحَدًا مِنْكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ»، أَوْ قَالَ:
«أَذَانُهُ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّمَا يُنَادِي»، أَوْ
قَالَ: «يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ
يَقُولَ كَأَنَّهُ يَعْنِي الصُّبْحَ أَوِ الْفَجْرَ»
وَأَظْهَرَ يَزِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ مَدَّ إِحْدَاهُمَا
مِنَ الأُخْرَى.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام
بينهما سين مهملة ساكنة ابن قعنب الحارثي أحد الأعلام قال:
(حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري (عن سليمان) بن
طرخان التيمي (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي (عن
عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) سقط لابن عساكر لفظ عبد
الله أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا يمنعن أحدًا منكم نداء بلال) -أو قال- (أذانه من
سحوره) بفتح السين في الفرع اسم ما يتسحر به من الطعام
والشراب وبالضم المصدر وهو الفعل نفسه وأكثر ما يروى
بالفتح (فإنما
ينادي) -أو قال- (يؤذن) - بليل (ليرجع) بفتح الياء وكسر
الجيم (قائمكم) بالرفع في الفرع كأصله على الفاعلية أو
بالنصب على المفعولية قال الكرماني: باعتبار أن يرجع مشتق
من الرجوع أو الرجع، ولم يذكر في الفتح غير النصب أي يعود
متهجدكم إلى الاستراحة بأن ينام ساعة
(8/168)
قبل الصبح (وليس أن يقول): هو من إطلاق
القول على الفعل (كأنه يعني الصبح أو الفجر) بالشك كالسابق
من الراوي والصبح خبر ليس أي ليس الصبح المعتبر أن يكون
مستطيلًا من العلو إلى السفل بل المعتبر أن يكون معترضًا
من اليمين إلى الشمال (وأظهر يزيد) بن زريع راويه (يديه)
بالتثنية من الظهور بمعنى العلو أي أعلى يديه ورفعهما
طويلًا إشارة إلى صورة الفجر الكاذب (ثم مد أحدهما من
الأخرى) إشارة إلى الفجر الصادق.
وسبق هذا الحديث في الصلاة.
5299 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ
رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ،
كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ
مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا
الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ شَيْئًا إِلاَّ مَادَّتْ عَلَى
جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ،
وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ، يُنْفِقُ إِلاَّ
لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، فَهْوَ يُوسِعُهَا
فَلاَ تَتَّسِعُ، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى حَلْقِهِ».
(وقال الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام صاحب المناقب الجمة
قيل كان مغله في العام ثمانين ألف دينار فما وجبت عليه
زكاة فيما وصله المؤلّف في باب مثل المتصدق من الزكاة
(حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن
بن هرمز) الأعرج أنه قال: (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه-
يقول: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم
وتشديد الموحدة (من حديد من لدن) من عند (ثدييهم) بفتح
المثلثة وسكون الدال بعدها تحتيتان أولاهما مفتوحة والأخرى
ساكنة تثنية ثدي ولغير أبي ذر مما في الفتح ثديهما بصيغة
الجمع. وصوّب إذ لكل رجل ثديان فيكون لهما أربعة. وأجيب:
بأن التثنية بالنظر لكل رجل "إلى تراقيهما" بفتح المثناة
الفوقية وكسر القاف جمع ترقوة العظمان المشرفان في أعلى
المصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر (فأما المنفق
فلا ينفق شيئًا إلا مادّت) بتشديد الدال من المد وأصلها
ماددت بدالين فأدغمت الأولى في الثانية (على جلده حتى تجن)
بضم الفوقية وكسر الجيم وتشديد النون من الرباعي في أكثر
الروايات أي تستر (بنانه) أي أطراف أصابعه (و) حتى (تعفو
أثره) الحادث في الأرض من مشيه لسبوغها كما يمحو الثوب
الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه (وأما
البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت) بفتح اللام وكسر الزاي
وللكشميهني لزقت بالقاف بدل الميم (كل حلقة) بسكون اللام
(موضعها فهو يوسعها ولا تتسع) ولغير ابن عساكر فلا بالفاء
بدل الواو (ويشير بإصبعه) وبالإفراد (إلى حلقه) وهذا موضع
الترجمة على ما لا يخفى.
وهذا الحديث سبق في الزكاة.
25 - باب اللِّعَانِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ
لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ:
{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَإِذَا قَذَفَ
الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ
بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ فَهْوَ كَالْمُتَكَلِّمِ، لأَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ
أَجَازَ الإِشَارَةَ فِي الْفَرَائِضِ، وَهْوَ قَوْلُ
بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ
نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} وَقَالَ
الضَّحَّاكُ {إِلاَّ رَمْزًا} إِشَارَةً. وَقَالَ بَعْضُ
النَّاسِ: لاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ. ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ
الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ
جَائِزٌ. وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَالْقَذْفِ فَرْقٌ.
فَإِنْ قَالَ: الْقَذْفُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِكَلاَمٍ،
قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ الطَّلاَقُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ
بِكَلاَمٍ، وَإِلاَّ بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالْقَذْفُ،
وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ. وَكَذَلِكَ الأَصَمُّ يُلاَعِنُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا قَالَ أَنْتِ
طَالِقٌ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ تَبِينُ مِنْهُ
بِإِشَارَتِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الأَخْرَسُ إِذَا
كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ. وَقَالَ حَمَّادٌ:
الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ جَازَ.
(باب اللعان) والقذف واللعان مصدر لاعن سماعي لا قياسي،
والقياس الملاعنة وهو من اللعن وهو الطرد والإبعاد يقال
منه التعن أبي لعن نفسه ولاعن إذ فاعل غيره منه ورجل لعنة
بفتح العين وضم اللام كهمزة إذا كان كثير اللعن لغيره
وبسكون العين إذا لعنه الناس كثيرًا الجمع لعن كصرد ولاعن
امرأته ملاعنة ولعانًا وتلاعنًا. والتعنا لعن بعض بعضًا،
ولاعن الحاكم بينهما لعانًا حكم، وفي الشرع كلمات معلومات
جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو
إلى نفي ولد سميت لعانًا لاشتمالها على كلمة اللعن تسمية
للكل باسم البعض ولأن كلاًّ من المتلاعنين يبعد عن الآخر
بها إذ يحرم النكاح بها أبدًا، واختير لفظ اللعان على لفظي
الشهادة والغضب وإن اشتملت عليهما الكلمات أيضًا لأن اللعن
كلمة غريبة في قيام الحجج من الشهادات والإيمان والشيء
يشهر بما يقع فيه من الغريب، وعليه جرت أسماء السور ولأن
الغضب يقع في جانب المرأة وجانب الرجل أقوى ولأن لعانه
متقدم على لعانها والتقدم من أسباب الترجيح.
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه المجرور
بالإضافة: ({والذين يرمون أزواجهم}) يقذفون زوجاتهم بالزنا
({ولم يكن لهم شهداء}) يشهدون على تصديق قولهم ({إلا
أنفسهم}) رفع بدل من شهداء أو نعت له على أن إلا بمعنى غير
(إلى قوله) عز وجل: ({إن كان من الصادقين}) [النور: 6]
وسقط لأبي ذر ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، وساق في رواية
كريمة الآيات كلها ولما كان قوله يرمون أعم من أن يكون
باللفظ أو بالإشارة المفهمة قال: (فإذا قذف الأخرس امرأته)
رماها بالزنا في معرض التعيير (بكتابة) ولأبي ذر عن
الكشميهني بكتاب (أو إشارة) مفهمة باليد
(8/169)
(أو بإيماء) بالرأس أو الجفن (معروف فهو
كالمتكلم) بالقذف فيترتب عليه
اللعان (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد
أجاز الإشارة في الفرائض) أي في الأمور المفروضة فإن
العاجز عن غير الإشارة يصلّي بالإشارة كالمصلوب (وهو) أي
العمل بالإشارة (قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم) أي من
غيرهم كأبي ثور (وقال الله تعالى: {فأشارت إليه}) أي أشارت
مريم إلى عيسى أن يجيبهم ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا
({قالوا: كيف نكلم من كان}) حدث ووجد ({في المهد}) العهود
({صبيًّا}) [مريم: 29] حال {قال: إني عبد الله} لم أسكتت
بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله لها اللسان الساكت حتى
اعترف بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم، روي أنه
أشار بسبابتيه وقال: بصوت رفيع: إني عبد الله. وأخرج ابن
أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران قال لما قالوا لمريم:
{لقد جئت شيئًا فَريًّا} [مريم: 27] إلى آخره: إشارة إلى
عيسى أن كلموه فقالوا تأمرنا أن نكلم مَن هو في المهد
زيادة على ما جاءت به من الداهية، ووجه الاستدلال به أن
مريم كانت نذرت أن لا تتكلم فكانت في حكم الأخرس فأشارت
إشارة مفهمة اكتفاء بها عن معاودة سؤالها وإن كانوا أنكروا
عليها ما أشارت به.
(وقال الضحاك) بن مزاحم الهلالي الخراساني، وقال في
الكواكب هو الضحاك بن شراحيل، وتعقبه في الفتح بأن المشهور
بالتفسير إنما هو ابن مزاحم مع وجود الأثر مصرحًا فيه بأنه
ابن مزاحم فيما وصله عبد بن حميد عنه في قوله تعالى: {آيتك
ألاّ تكلم الناس ثلاثة أيام} ({إلا رمزًا}) [آل عمران: 41]
أي (إلاّ إشارة) وسقط لغير أبي ذر لفظ "إلا" واستثنى الرمز
وهو ليس من جنس الكلام لأنه لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم
منه ما يفهم منه سمي كلامًا وهو استثناء منقطع.
(وقال بعض الناس) أي الكوفيون مناسبة لقوله وهو قول بعض
أهل الحجاز: (لا حدّ ولا لعان) بالإشارة من الأخرس وغيره
إذا قذف زوجته وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، وهذا
نقضه البخاري بقوله: (ثم زعم) الكوفيون أو الحنفية (أن
الطلاق) إن وقع (بكتاب) من المطلق (أو إشارة) منه بيده (أو
إيماء) بنحو رأسه من غير كلام (جائز) فأقام ذلك مقام
العبارة (وليس بين الطلاق والقذف فرق فإن قال) أي بعض
الناس: (القذف لا يكون إلا بكلام قيل له في: كذلك الطلاق
لا يجوز) لا يقع ولأبي ذر: لا يكون (إلا بكلام) وأنت وافقت
على وقوعه بغير كلام فيلزمك مثله في اللعان والحدّ (وإلاّ)
بأن لم تعتبر الإشارة فيها كلها (بطل الطلاق والقذف وكذلك
العتق) بالإشارة وحينئذ فالتفرقة بين القذف والطلاق بلا
دليل تحكّم، وأجاب الحنفية بأن القذف بالإشارة ليس كالصريح
بل فيه شبهة والحدود تدرأ بها ولأنه لا بد في اللعان من أن
يأتي بلفظ الشهادة حتى لو قال أحلف مكان أشهد لا يجوز،
وإشارته لا تكون شهادة وكذلك إذا كانت هي خرساء لأن قذفها
لا يوجب الحدّ لاحتمال أنها تصدقه لو كانت تنطق ولا تقدر
على إظهار هذا التصديق بإشارتها فإقامة الحدّ مع الشبهة لا
تجوز انتهى. وأجاب السفاقسي: بأن المسألة مفروضة فيما إذا
كانت الإشارة مفهمة إفهامًا واضحًا لا يبقى معه ريبة
(وكذلك الأصم يلاعن) إذا أشير إليه وفهم.
(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (وقتادة) بن دعامة السدوسي
فيما وصله ابن أبي شيبة (إذا قال) الأخرس لامرأته: (أنت
طالق فأشار بأصابعه تبين) تطلق (منه) طلاقًا بائنًا
(بإشارته) بأصابعه الثلاث البينونة الكبرى وأراد بقوله إذا
قال القول باليد فأطلق القول على الإشارة أو المراد قول
الناطق أنت طالق وإشارته للعدد بالطلاق كما مرّ تقريره في
أول الباب الذي قبل هذا.
(وقال إبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة: (الأخرس إذا
كتب الطلاق بيده لزمه) وقال الشافعي إذا كتب الطلاق سواء
كان ناطقًا أو أخرس ونواه لزمه فلو كتب ولم ينو أو نوى فقط
فلا، (وقال حماد): هو ابن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة
(الأخرس والأصم إن قال): أي إن أشار كلٌّ منهما (برأسه)
فيما يسأل عنه (جاز)
(8/170)
أي نفذ ما أشار إليه وأقيمت الإشارة مقام
العبارة.
5300 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ
بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ: «بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو سَاعِدَةَ. ثُمَّ قَالَ
بِيَدِهِ فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ بَسَطَهُنَّ
كَالرَّامِي بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي كُلِّ دُورِ
الأَنْصَارِ خَيْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني قال: (حدّثنا
ليث) هو ابن سعد الإمام ولأبي ذر: الليث (عن يحيى بن سعيد
الأنصاري أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألا) بالتخفيف (أخبركم بخير دور الأنصار) أي خير قبائلهم
من إطلاق المحل وإرادة الحال (قالوا: بلى) أخبرنا (يا رسول
الله، قال) خيرهم (بنو النجار) تيم الله بن ثعلبة بن عمرو
بن الخزرج (ثم الذين يلونهم) وهم (بنو عبد الأشهل ثم الذين
يلونهم) وهم (بنو الحرث بن الخزرج) بن عمرو بن مالك بن
الأوس بن حارثة (ثم الذين يلونهم) وهم (بنو ساعدة) بن كعب
بن الخزرج الأكبر وهو أخو الأوس وهما ابنا حارثة بن ثعلبة
(ثم قال): أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده
فقبض أصابعه) كالذي يكون بيده شيء فيضم أصابعه عليه (ثم
بسطهن كالرامي بيده) لم كان قبض عليه (ثم قال: وفي كل دور
الأنصار خير) وإن تفاوتت مراتبه فخير الأولى أفعل تفضيل
وهذه اسم.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله ثم قال بيده على ما لا
يخفى.
وهذ الحديث سبق في مناقب الأنصار لكنه لم يقل فيه ثم قال
لبيد، فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده، وأورده هنا عن
أنس بغير واسطة وهناك عنه عن أبي أسيد الساعدي وكلاهما
صحيح.
5301 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ أَبُو حَازِمٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ
بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ». أَوْ
قَالَ «كَهَاتَيْنِ»، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ
وَالْوُسْطَى.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج وعند
الإسماعيلي عن أبي حازم وصرح الحميدي فيما أخرجه أبو نعيم
بالتحديث عن سفيان فقال: حديث أبو حازم قال: (سمعت من سهل
بن سعد الساعدي صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) فيه تنبيه على تعظيمه بالصحبة (يقول: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بعثت) بضم الموحدة وكسر العين (أنا والساعة) بالرفع وفي
الفرع وبه وبالنصب معًا في اليونينية لكن قال أبو البقاء
العكبري: في إعراب المسند لا يجوز إلا بالنصب على أنه
مفعول معه قال: ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى إذ لا يقال
بعثت والساعة ولا هو في موضع المرفوع لأنها لم توجد بعد،
وأجاز غيره الوجهين، بل جزم القاضي عياض بأن الرفع أحسن
وهو عطف على ضمير المجهول في بعثت قال: ويجوز النصب، وذكر
توجيه أبي البقاء، وزاد أو على إضمار فعل يدل عليه الحال
نحو: فانتظروا كما قدر في نحو: جاء البرد والطيالسة
فاستعدوا؛ وأجيب عن الذي اعتلّ به أبو البقاء أولًا أن
يضمن بعثت معنى يجمع إرسال الرسول ومجيء الساعة نحو جئت،
وعن الثاني بأنها نزلت منزلة الموجود مبالغة في تحقق
مجيئها ويرجح النصب ما سبق في تفسير والنازعات بلفظ بعثت
والساعة فإنه ظاهر في المعية، والمراد بعثت أنا والقيامة
(كهذه من هذه) أي كقرب السبابة من الوسطى (أو) قال
(كهاتين) بالشك من الراوي (وقرن بين) أصبعه (السبابة)
وأصبعه (الوسطى) وزاد في رواية أبي ضمرة عند ابن جرير
وقال: "ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان" وعند أحمد
والطبراني وسنده جيد في حديث بريدة: "بعثت أنا والساعة إن
كادت لتسبقني" وفي حديث المستورد بن شداد عند الترمذي
"بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه لهذه" لأصبعه
السبابة والوسطى، وقوله: نفس بفتح الفاء وهو كناية عن
القرب أي بعثت عند تنفسها. وعند الطبري من حديث جابر بن
سمرة أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول: "بعثت أنا
والساعة كهذه من هذه" قال القرطبي في المفهم: ومعنى الحديث
تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها فعلى النصب يكون وجه
التشبيه انضمام السبابة والوسطى وعلى الرفع يحتمل هذا،
ويحتمل أن يكون وجه التشبيه هو التفاوت الذي بين الأصبعين
المذكورتين في الطول ولبعض السلف في تعيين ذلك كلام افتضح
فيه بمرور زمان طويل بعده ولم يقع ما قاله فالصواب الإعراض
عن ذلك.
وستكون لنا بقوة الله تعالى وفضله عودة إلى البحث في ذلك
في كتاب الرقاق مع فرائد الفوائد إن شاء الله تعالى.
(8/171)
وقد مرّ هذا الحديث في تفسير سورة
النازعات.
5302 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، يَعْنِي
ثَلاَثِينَ ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»
يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَقُولُ مَرَّةً ثَلاَثِينَ
وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة
واللام وسحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين وسكون
التحتية الكوفي قال: (سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما-
(يقول قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الشهر هكذا وهكذا وهكذا) بالتكرار ثلاثًا قال الراوي:
(يعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثلاثين)
يومًا (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (وهكذا وهكذا وهكذا)
ثلاثًا وسقطت الثالثة لأبي ذر، وقال بعد الثانية ثلاثًا
قال الراوي: (يعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(تسعًا وعشرين) وعند مسلم الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام
في الثالثة والشهر هكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين أي أشار
أوّلًا بأصابع يديه العشر جميعًا مرتين وقبض الإبهام في
الثالثة وهذا هو المعبر عنه بتسع وعشرين، وأشار بهما مرة
أخرى بثلاث مرات وهو المعبر عنه بثلاثين (يقول مرة ثلاثين
ومرة تسعًا وعشرين).
وهذا الحديث سبق في الصوم.
5303 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ
أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: وَأَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ:
«الإِيمَانُ هَا هُنَا -مَرَّتَيْنِ- أَلاَ وَإِنَّ
الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ
حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ
وَمُضَرَ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن
إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي
مسعود) عقبة بن عمرو البدري ولأبي ذر عن ابن مسعود قال
عياض: وهو وهم. قال الحافظ ابن حجر: وهو كما قال فقد تقدم
كذلك في بدء الخلق والمناقب والمغازي من طرق عن إسماعيل
بلفظ حدّثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود أنه (قال:
وأشار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده نحو
اليمن).
(الإيمان) في باب خير مال المسلم غنم نحو اليمن فقال:
الإيمان (ها هنا مرتين) لإذعان أهله إلى الإيمان من غير
كبير مشقة على المسلمين بخلاف غيرهم ومن اتّصف بشيء وقوي
إيمانه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بكمال حاله فيه أو
المراد مكة إذ هي من تهامة وتهامة من أرض اليمن (ألا)
بالتخفيف (وإن القسوة وغلظ القلوب) بكسر الغين المعجمة
وفتح اللام وبالظاء المعجمة (في الفدّادين) بفتح الفاء
والدال المهملة المشددة وبعد الألف دال أخرى مخففة جمع
فداد الشديد الصوت لاشتغالهم عن أمر الدين المفضي لقساوة
القلب (حيث يطلع قرنا الشيطان) جانبا رأسه لأنه ينتصب في
محاذاة مطلع الشمس فإذا طلعت كانت بين قرنيه فتقع سجدة
عبدة الشمس له (ربيعة ومضر) بدل من الفدادين.
وفي باب خير مال المسلم في ربيعة ومضر وهو متعلق بالفدادين
أي القسوة في ربيعة ومضر وهما قبيلتان مشهورتان.
5304 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ
هَكَذَا»، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى
وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. [الحديث 5304 - طرفه في:
6005].
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأول وضم
الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف النيسابوري قال: (أخبرنا
عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل) هو ابن سعد
الساعدي أنه قال (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(وأنا) بإثبات الواو في وأنا في اليونينية (وكافل اليتيم)
القائم بمصالحه (في الجنة هكذا) (وأشار بالسبابة) بتشديد
الموحدة الأولى وسميت سبابة لأنهم كانوا إذا تسابوا أشاروا
بها وهي الأصبع التي تلي الإبهام ولأبي ذر عن المستملي
والكشميهني بالسباحة بالحاء المهملة بدل الموحدة الثانية
لأنه يشار بها عند التسبيح وتحرّك في التشهد عند التهليل
إشارة إلى التوحيد (والوسطى وفرج بينهما شيئًا) قليلًا
إشارة إلى أن بين درجته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ودرجة كافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة
والوسطى.
وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بعونه.
26 - باب إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ
(باب) بالتنوين (إذا عرض) الرجل (بنفي الولد) الذي تأتي به
زوجته والتعريض ذكر شيء يفهم منه شيء آخر لم يذكر ويفارق
الكناية بأنها ذكر شيء بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه.
5305 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ لِي غُلاَمٌ أَسْوَدُ،
فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ»؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
«مَا أَلْوَانُهَا»؟ قَالَ حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا
مِنْ أَوْرَقَ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَنَّى ذَلِكَ»؟
قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: «فَلَعَلَّ
ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ». [الحديث 5305 - أطرافه في: 6847،
7314].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين
المهملة المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- (أن رجلًا) وعند أبي داود من رواية
ابن وهب أن أعرابيًّا من فزارة، وكذا عند مسلم وأصحاب
السنن من رواية سفيان
(8/172)
بن عيينة عن ابن شهاب واسم هذا الأعرابي
ضمضم بن قتادة كما عند عبد الغني بن سعيد في المبهمات له
(أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا
رسول الله ولد لي غلام أسود) لم أعرف اسم المرأة ولا
الغلام، وزاد في كتاب الاعتصام من طريق ابن وهب عن يونس
وإني أنكرته أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكره بلسانه
وإلاّ لكان صريحًا لا تعريضًا لأنه قال غلام أسود أي وأنا
أبيض أي فكيف يكون مني (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال) عليه الصلاة والسلام: (ما
ألوانها؟ قال): ألوانها (حمر) بضم الحاء المهملة وسكون
الميم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هل فيها
من أورق) غير منصرف للوصف ووزن الفعل كأحمر قال في
القاموس: ما في لونه بياض إلى سواد وهو من أطيب الإبل
لحمًا لا سيرًا وعملًا، وقال غيره: الذي فيه سواد ليس
بحالك بأن يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء ومن في
قوله من أورق زائدة (قال: نعم، قال) عليه الصلاة والسلام
له (فأنى ذلك) بفتح النون المشددة أي من أين أتاه اللون
الذي ليس في أبويه (قال) الرجل (لعله نزعة عرق) بكسر العين
المهملة وسكون الراء بعدها قاف ونزعه بالنون والزاي والعين
المهملة أي قلبه وأخرجه من ألوان فحله ولقاحه، وفي المثل
العرق نزاع والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجرة ومنه قولهم
فلان عريق في الأصالة يعني أن لونه إنما جاء لأن في أصوله
البعيدة ما كان فيه هذا اللون، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي
وابن عساكر: لعل بغير هاء عرق بالرفع، وقد جزم بعضهم بأن
الصواب النصب أي لعل عرقًا نزعه، وقال الصغاني: يحتمل أن
يكون بالهاء فسقطت، ووجهه ابن مالك باحتمال أنه حذف منه
ضمير الشأن، وقال في المصابيح: اسم لعل ضمير نصب محذوف
ومثله عندهم قليل بل صرح بعضهم بضعفه. (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلعل ابنك هذا نزعه) أي
العرق.
وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة،
بل لا بد من تحقق كأن رآها تزني أو ظهور دليل قويّ كأن لم
يكن وطئها أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها أو
لأكثر من أربع سنين، بل يلزمه نفي الولد لأن ترك نفيه
يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي من
هو منه.
وفي حديث أبي داود وصححه الحاكم على شرط مسلم: أيما امرأة
أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولم
يدخلها جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله
منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فنص
في الأول على المرأة وفي الثاني على الرجل، ومعلوم أن
كلاًّ منهما في معنى الآخر ولا يكفي مجرّد الشيوع لأنه قد
يذكره غير ثقة فيستفيض فإن لم يكن ولد فالأولى أن يستر
عليها ويطلقها إن كرهها.
وفي الحديث أن التعريض بالقذف ليس قذفًا، وبه قال الجمهور،
واستدلّ به إمامنا الشافعي لذلك وعن المالكية يجب به الحدّ
إذا كان مفهومًا.
وهذ الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين.
27 - باب إِحْلاَفِ الْمُلاَعِنِ
(باب إحلاف الملاعن) بكسر العين.
5306 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنه- أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأَتَهُ
فَأَحْلَفَهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري
التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم مصغرًا ابن أسماء
(عن نافع عن عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وعن أبيه (أن
رجلًا من الأنصار) هو عويمر العجلاني (قذف امرأته) بالزنا
(فأحلفهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الإحلاف المخصوص وهو اللعان وهو دليل على أن اللعان يمين
وهو قول الشافعي ومالك. وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة.
فعلى الأول كل من صح لعانه فلا لعان بقذف صبي ومجنون مكره
ولا عقوبة عليهم، نعم يعزز المميز من الصبي والمجنون ويسقط
عنه ببلوغه وإفاقته لأنه كان للزجر عن سوء الأدب وقد حدث
له زاجر أقوى من ذلك وهو التكليف ويلاعن الذمي والرقيق،
وعلى الثاني لا يصح إلا من حرّين مسلمين واحتج بعض الحنفية
بأنها لو كانت يمينًا لما تكررت. وأجيب: بأنها خرجت عن
القياس تغليطًا لحرمة الفروج كما خرجت القسامة لحرمة
الأنفس
(8/173)
وفي محاسن الشريعة للقفال كررت أيمان
اللعان لأنها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها
الحدّ ومن ثم سميت شهادة. (ثم فرّق) عليه الصلاة والسلام
(بينهما) أي بين المتحالفين المذكورين.
28 - باب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلاَعُنِ
هذا (باب) بالتنوين (يبدأ الرجل بالتلاعن) قبل المرأة.
5307 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ
حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ
فَجَاءَ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ
أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ ثُمَّ
قَامَتْ فَشَهِدَتْ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة
والمعجمة المشدّدة ابن عثمان أبو بكر العبديّ مولاهم
الحافظ بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد أبو عمرو
البصري (عن هشام بن حسان) الأزديّ مولاهم الحافظ قال:
(حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما- أن هلال بن أمية) أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة
تبوك (قذف امرأته) خولة بن عاصم بشريك ابن سحماء (فجاء)
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فشهد)
أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من
الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما
رماها به (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(إن الله يعلم أن أحدكما كاذب) ظاهره أن قوله أن أحدكما
كاذب صدر منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حال
الملاعنة لتحقق الكذب حينئذ، وفي أحدكما تغليب المذكر على
المؤنث (فهل منكما تائب)؟ وزاد الطبري والحاكم من رواية
جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة فقال: هلال والله إني لصادق
(ثم قامت) زوجته خولة (فشهدت) أربع شهادات بالله إنه لمن
الكاذبين فيما رماها به الحديث. وسبق بتمامه في تفسير سورة
النور وهو ظاهر في تقدم الرجل على المرأة في اللعان وهو
مذهب الشافعي وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي وقال ابن
القاسم: لو ابتدأت به المرأة صح واعتدّ به وهو قول أبي
حنيفة، واحتج لذلك بأن الله عطفه بالواو وهي لا تقتضي
الترتيب. لنا: أن اللعان شرع لدفع الحدّ عن الرجل فلو بدأ
بالمرأة لكان دفعًا لأمر لم يثبت وبأن الرجل يمكنه أن يرجع
بعد أن يلتعن فيندفع عن المرأة بخلاف ما لو بدأت به فلو
حكم حاكم بتقديم لعانها نقض حكمه.
29 - باب اللِّعَانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ
(باب اللعان ومن طلّق بعد اللعان) سقط لأبي ذر بعد اللعان.
5308 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ
السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا
الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ
الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ
رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ
فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا
عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ،
فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى
عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى
أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا
قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي
بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ
عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي
حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى
جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا
أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ
فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا»، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا
وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ
تَلاَعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا
ثَلاَثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ.
(حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد
(مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سهل
بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرًا) بضم العين مصغر عامر
(العجلاني) بفتح العين وسكون الجيم (جاء إلى عاصم بن عدي
الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم
رجل (وجد مع امرأته رجلًا) أجنبيًّا منها (أيقتله
فتقتلونه) قصاصًا (أم كيف) مفعول لقوله (يفعل)؟ أي أيّ شيء
يفعل (سل لي يا عاصم عن ذلك) زاد أبو ذر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فسأل عاصم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فكره رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل) المذكورة
لما
فيها من البشاعة وغيرها (وعابها حتى كبّر) بضم الموحدة عظم
(على عاصم ما سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا
عاصم ماذا قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير قد كره رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسألة التي
سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي) ولأبي ذر عن
الكشميهني ما أنتهي بالميم بدل اللام (حتى أسأله) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنها فأقبل عويمر حتى جاء
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسط الناس)
بفتح السين (فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد مع امرأته
رجلًا أيقتله)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري (فتقتلونه أم
كيف يفعل؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(قد أنزل) بضم الهمزة وكسر الزاي (فيك وفي صاحبتك) زوجتك
خولة (فاذهب فأت بها، قال سهل): فأتى بها فأمرهما رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالملاعنة بما
في القرآن (فتلاعنا) وكان ذلك منصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك (وأنا مع الناس عند رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما فرغا من
تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها
(8/174)
فطلقها ثلاثًا) ظنًّا منه أن اللعان لا
يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال: هي طالق ثلاثًا
(قبل أن يأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بطلاقها.
(قال ابن شهاب) بالسند المذكور (فكانت) أي الفرقة بينهما
(سنة المتلاعين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدًا فيحرم
عليه بمجرد اللعان نكاحها تحريمًا مؤبدًا ظاهرًا وباطنًا
سواء صدقت أم صدق ووطؤها بملك اليمين لو كانت أمة فملكها
لحديث البيهقي: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا لكن ظاهره
يقتضي توقف ذلك على تلاعنهما معًا وليس مرادًا هنا بل يقع
بلعان الرجل، وقال مالك: بعد فراغ المرأة، وتظهر فائدة هذا
الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا
علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى، وقال الحنفية:
لا تقع الفرقة حتى يوقعها الحاكم.
30 - باب التَّلاَعُنِ فِي الْمَسْجِدِ
5309 - حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
شِهَابٍ عَنِ الْمُلاَعَنَةِ وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهَا
عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ
أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ
امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي
الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ
قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ»، قَالَ
فَتَلاَعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَلَمَّا
فَرَغَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ
يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلاَعُنِ، فَفَارَقَهَا
عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاَعِنَيْنِ».
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ
السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ
الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا
يُدْعَى لأُمِّهِ قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي
مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا
فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ
وَحَرَةٌ فَلاَ أُرَاهَا إِلاَّ قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ
عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا
أَلْيَتَيْنِ فَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا،
فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) البخاري البيكندي قال:
(أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني
قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال:
أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن
الملاعنة) بفتح العين (وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد
أخي بني ساعدة أن رجلًا من الأنصار) اسمه عويمر العجلاني
حليف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (جاء إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله
أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلًا)
يزني بها (أيقتله) أي فتقتلونه قصاصًا لتقدم عمله بحكم
القصاص من عموم قوله تعالى: {النفس بالنفس} [المائدة: 45]
وقد اختلف فيمن وجد مع امرأته رجلًا فتحقق الأمر فقتله هل
نقتله؟ فالجمهور على المنع والقصاص منه إلا إن أتى ببينة
على الزنا أو على المقتول بالاعتراف أو اعتراف ورثته فلا
يقتل قاتله إذا كان الزاني محصنًا (أم كيف يفعل)؟ أي أيّ
شيء يفعل فكيف مفعول يفعل كقوله تعالى: {كيف فعل ربك}
[الفيل: 1] إذ معناه أيّ فعل فعل ربك؟ ولا يتجه فيه أن
يكون حالًا من الفاعل وعن سيبويه أن كيف ظرف وعن السيرافي
والأخفش أنها اسم غير ظرف ورتبوا على هذا الخلاف أمورًا.
أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائمًا وعندهما رفع مع
المبتدأ نصب مع غيره.
الثاني: أن تقديرها عند سيبويه في أي حال أو على أي حال
وعندهما تقديرهما في نحو كيف زيد أصحيح زيد ونحوه وفي نحو
كيف جاء زيد أراكبًا جاء زيد ونحوه.
الثالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال على خير
ونحوه، وقال ابن مالك ما معناه لم يقل أحد إن كيف ظرف إذ
ليست زمانًا ولا مكانًا ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي
حال لكونها سؤالًا عن الأحوال العامة سميت ظرفًا لأنها في
تأويل الجارّ والمجرور واسم الظرف يطلق عليها مجازًا انتهى
من المغني.
(فأنزل الله في شأنه) في شأن عويمر (ما ذكر في) ولأبي ذر
عن الكشميهني من (القرآن من
أمر المتلاعنين) في قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم
يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} إلى آخر
الآيات (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
له: (قد قضى الله فيك وفي امرأتك) خولة بنت قيس بما أنزله
في قوله:
{والذين يرمون أزواجهم} [النور: 6] (قال) سهل (فتلاعنا في
المسجد، وأنا شاهد) وفيه مشروعية تلاعن المسلم في المسجد
الجامع وأما زوجته الذمية ففيما تعظمه من بيعة وكنيسة
وغيرهما فإن رضي زوجها بلعانها في المسجد وقد طلبته جاز
والحائض تلاعن بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها فيه ومثلها
النفساء والجنب والمتحيرة (فلما فرغا) من تلاعنهما (قال)
عويمر: (كذبت عليها
يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين فرغا من
التلاعن ففارقها عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) تمسك به من قال: إن الفرقة بين المتلاعنين
تتوقف على تطليق الزوج، وأجاب القائلون بأن الفرقة تقع
بالتلاعن بقوله في حديث ابن عمر: فرّق النبي
(8/175)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين
المتلاعنين، وبقوله في حديث مسلم: لا سبيل لك عليها (فقال)
سهل أو ابن شهاب (ذاك تفريق) ولأبي ذر عن المستملي فكان
ذلك تفريقًا وللكشميهني فصار بدل فكان وتفريقًا نصب
كالمستملي (بين كل متلاعنين. قال ابن جربج) بالسند السابق
(قال ابن شهاب فكانت السُّنَّة بعدهما أن يفرق بين) كل
(المتلاعنين وكانت) خولة الملاعنة (حاملًا) حين الملاعنة
(وكان ابنها يدعى لأمه) لا لزوجها الملاعن إذ اللعان ينتفي
به النسب عنه إن نفاه في لعانه وإذا انتفى منه ألحق بها
لأنه متحقق منها (قال ثم جرت السُّنّة في ميراثها) في
ميراث الملاعنة (أنها ترثه) أي ترث الولد الذي لحقها ونفاه
الرجل (ويرث) الولد (منها ما فرض الله له) ولأبي ذر لها.
(قال ابن جريج) بالسند السابق (عن ابن شهاب) الزهري (عن
سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في اليونينية بكسر همزة إن
(قال) ثبت قال لأبي ذر (إن جاءت به) بالولد المتلاعن بسببه
(أحمر) اللون (قصيرًا) أي قصير القامة (كأنه وحرة) بفتح
الواو والحاء المهملة والراء دويبة تترامى على الطعام
واللحم فتفسده وقال في القاموس: وزغة كسام أبرص أو ضرب من
العظاء لا تطأ شيئًا إلاّ سمته (فلا أراها) بضم الهمزة أي
فلا أظنها (إلا وقد صدقت) والولد منه (وكذب عليها وإن جاءت
به أسود أعين) بفتح الهمزة وسكون المهملة أي واسع العين
(ذا) أي صاحب (إليتين) عظيمتين (فلا أراه) فلا أظنه (إلا
قد صدق عليها) فهو لابن سحماء (فجاءت به) بالولد (على)
الوصف (المكروه من ذلك) وهو شبهه بمن رميت به.
31 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو
كنت راجمًا) أحدًا أنكر (بغير بيّنة) لرجمته.
5310 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ
التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ
قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ
يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ
رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلاَّ
لِقَوْلِي. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي
وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ
مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ
الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ
أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«اللَّهُمَّ بَيِّنْ»، فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ
الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ، فَلاَعَنَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَيْنَهُمَا قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي
الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا
بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ» فَقَالَ: لاَ. تِلْكَ
امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَمِ السُّوءَ،
قَالَ أَبُو صَالِحٍ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ خَدِلًا. [الحديث 5310 -
أطرافه في: 5316، 6855، 6856، 7238].
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بالعين المهملة والفاء
مصغرًا ونسبه لجده واسم أبيه كثير بالمثلثة مولى الأنصار
المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن
يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن
القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق فعبد الرحمن يروي عن
أبيه القاسم (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه) قال:
(ذكر التلاعن) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمجهول أي ذكر
حكم الرجل الذي يرمي امرأته بالزنا فعبّر عنه بالتلاعن
باعتبار ما آل إليه الأمر بعد نزول الآية. (عند النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال عاصم بن عدي)
الأنصاري (في ذلك قولًا) لا يليق به نحو ما يدل على عجب
النفس والنخوة والغيرة وعدم الحوالة إلى إرادة الله وحوله
وقوّته قاله الكرماني ونقل عن ابن بطال أنه قال لو وجد مع
امرأته رجلًا يضربه بالسيف حتى يقتله (ثم انصرف) عاصم بن
عدي من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فأتاه رجل من قومه) هو عويمر لا هلال بن أمية (يشكو إليه
أنه قد وجد مع امرأته) خولة (رجلًا فقال عاصم: ما ابتليت
بهذا إلا) ولأبي ذر بهذا الأمر إلا (لقولي) أي لسؤالي عما
لم يقع فعوقبت بوقوع ذلك في رجل من قومي، وفي مرسل مقاتل
بن حيان عند ابن أبي حاتم فقال عاصم: إنّا لله وإنا إليه
راجعون هذا والله سؤالي عن هذا الأمر بين الناس فابتليت به
(فذهب به) فذهب عاصم وعويمر (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي وجد عليه امرأته) خولة
من خلوتها بالرجل الأجنبي (وكان) بالواو، ولأبي الوقت فكان
(ذلك الرجل مصفرًّا) بتشديد الراء كثير الصفرة (قليل
اللحم) نحيفًا (سبط الشعر) بسكون الموحدة وفتح العين
مسترسلة غير جعدة (وكان الذي ادّعى عليه أنه وجده عند أهله
خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وتخفيف
اللام في اليونينية وللأصيلي مما ذكره في التوضيح بكسر
الدال، وحكى السفاقسي تخفيف اللام وتشديدها. قال في
القاموس: الخدل الممتلئ والضخم وساق خدلة بيّنة الخدل
محركة والخدلة المرأة الغليظة الساق المستديرتها الجمع
خدال أو ممتلئة الأعضاء كالخدلاء. (آدم) بمد الهمزة من
الأدمة وهي السمرة (كثير اللحم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اللهم بيّن) لنا حكم هذه المسألة (فجاءت)
(8/176)
ولدت ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها
أنه وجده) معها (فلاعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بينهما) ظاهره صدور الملاعنة بعد وضع الولد
لكنه محمول على أن قوله فلاعن معقب بقوله فذهب به إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي
وجد عليه امرأته، واعترض قوله: وكان ذلك الرجل إلى آخره
بين الجملتين، والحامل على ذلك أن رواية القاسم هذه موافقة
حديث سهل بن سعد، وفيه أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع
(قال رجل) اسمه عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة
ابن عباس (لابن عباس في المجلس) هذه المرأة (هي التي قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو رجمت أحدًا
بغير بيّنة رجمت هذه) أي امرأة عويمر (فقال) ابن عباس -رضي
الله عنهما- (لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء)
تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف
ولم يسمها (قال أبو صالح) عبد الله بن صالح كاتب الليث بن
سعد فيما أخرجه المؤلّف في
المحاربين (وعبد الله بن يوسف) التنيسي مما وصله في الحدود
(خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال للأصيلي وبسكونها
للأكثر وهي الرواية السابقة.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في اللعان
والنسائي في الطلاق.
32 - باب صَدَاقِ الْمُلاَعَنَةِ
(باب) حكم (صداق) المرأة (الملاعنة) بفتح العين.
5311 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ.
فَقَالَ: فَرَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَقَالَ:
«اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ
مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ فَأَبَيَا فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ
أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبُ»؟
فَأَبَيَا فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا
كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ فَأَبَيَا. فَفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ
دِينَارٍ إِنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا لاَ أَرَاكَ
تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ مَالِي قَالَ: قِيلَ
لاَ مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ
بِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ.
[الحديث 5311 - أطرافه في: 5312، 5349، 5350].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن زرارة) بفتح العين في
الأول وضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف قال: (أخبرنا
إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير)
أنه (قال: قلت لابن عمر) -رضي الله عنهما-: (رجل قذف
امرأته) ما الحكم فيه؟ وزاد مسلم من وجه آخر عن سعيد بن
جبير قال: لم يفرق الصعب يعني ابن الزبير بين المتلاعنين
أي حيث كان أميرًا على العراق. قال سعيد: فذكرت ذلك لابن
عمر (فقال: فرّق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بين أخوي) بفتح الواو وسكون التحتية (بني
العجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم من باب التغليب
حيث جعل الأخت كالأخ وأما إطلاق الإخوة فبالنظر إلى أن
المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما بسبب أن الزوجين
كليهما من قبيلة عجلان (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(الله يعلم أن أحدكما كاذب) وللمستملي لكاذب وجملة يعلم في
محل الخبر وإن فتحت لأنها سدت مسدّ مفعولي علم (فهل منكما
تائب)؟ منكما خبر المبتدأ وهو تائب وسوّغ الابتداء بالنكرة
تقدم الخبر والاستفهام وهو في المعنى صفة لموصوف محذوف أي
فهل منكما أحد تائب أو شخص تائب ومن للبيان وتتعلق
بالاستقرار المقدر وعرض التوبة لهما بلفظ الاستفهام لإبهام
الكاذب منهما (فأبيا) فامتنعا (فقال) عليه الصلاة والسلام
ثانيًا (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل) أحد (منكما تائب
فأبيا. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثانيًا:
(الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل) أحد (منكما تائب؟ فأبيا.
ففرق) بتشديد الراء (بينهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فظاهره أن الفرقة لا تقع إلا بقضاء القاضي وهو
قول أبي حنيفة.
(قال أيوب) السختياني بالسند السابق: (فقال لي عمرو بن
دينار: إن في الحديث) المذكور (شيئًا) سمعته من سعيد بن
جبير وحفظته منه (لا أراك تحدثه. قال: قال الرجل): الملاعن
أين (مالي) الذي دفعته إليها صداقًا أو مالي آخذه؟ فالخبر
محذوف أو المعنى أطلب مالي منها فمنصوب بمحذوف وإنما قال
مالي مع أن المرأة ملكته لظن أنه قد رجع إليه فصار ماله
بمجرد اللعان فردّ عليه (قال: قيل: لا مال لك) لأنك (إن
كنت صادقًا) فيما ادّعيت عليها (فقد دخلت بها) واستحقت
جميع الصداق (وإن كنت كاذبًا) فيما ادّعيت عليها (فهو أبعد
منك) لئلا يجتمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال
قبضته قبضًا صحيحًا تستحقه. نعم اختلف في غير المدخول بها،
والجمهور على أن لها نصف الصداق كغيرها من المطلقات قبل
الدخول وقيل بل لها الجميع، وقيل لا شيء لها أصلًا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللعان وأبو داود والنسائي في
الطلاق.
33 - باب قَوْلِ الإِمَامِ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ إِنَّ
أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ
(باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب فهل منكما
تائب) ولأبي ذر: من تائب.
(8/177)
5312 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ
سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ
الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ:
«حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لاَ
سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا»، قَالَ: مَالِي. قَالَ: «لاَ
مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا
اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ
عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ»، قَالَ سُفْيَانُ:
حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَقَالَ أَيُّوبُ: سَمِعْتُ
سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ
رَجُلٌ لاَعَنَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ،
وَفَرَّقَ سُفْيَانُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ
وَالْوُسْطَى: فَرَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ،
وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ
فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. قَالَ
سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ كَمَا
أَخْبَرْتُكَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال عمرو): بفتح العين ابن دينار (سمعت
سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن
المتلاعنين) عن حكمهما أيفرّق بينهما؟ ولأبي ذر عن حديث
المتلاعنين، ولمسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير سئلت عن
المتلاعنين في امرأة مصعب بن الزبير فما دريت ما أقول
فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة. الحديث. وفيه: فقلت يا أبا
عبد الرحمن المتلاعنان أيفرّق بينهما (فقال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمتلاعنين):
(حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل) لا طريق (لك) على
الاستيلاء (عليها) فلا تملك عصمتها بوجه من الوجوه فيستفاد
منه تأبيد الحرمة (قال) يا رسول الله (مالي) الذي أصدقتها
إياه آخذه منها؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لا مال لك) لأنك استوفيته بدخولك عليها
وتمكينها لك من نفسها ثم أوضح له ذلك بتقسيم مستوعب فقال
(إن كنت صدقت عليها) فيما نسبتها إليه (فهو بما استحللت من
فرجها) ما موصولة وجملة استحللت في موضع الصلة والعائد
محذوف والصلة والموصول في موضع جر بالياء وهي باء البدل
والمقابلة (وإن كنت كذبت عليها فذاك) أي الطلب لما أمهرتها
(أبعد لك) اللام للبيان. قال علي بن عبد الله المديني (قال
سفيان) بن عيينة (حفظته) أي سمعت الحديث المذكور (من عمرو)
أي ابن دينار. قال سفيان.
(وقال أيوب) السختياني بالسند السابق: (سمعت سعيد بن جبير
قال: قلت لابن عمر) -رضي الله عنهما- (رجل لاعن امرأته)
أيفرّق بينهما؟ (فقال) فأشار ابن عمر (بإصبعيه) بالتثنية
(وفرّق سفيان بين إصبعيه السبابة والوسطى) جملة معترضة
أراد بها بيان الكيفية، وجواب السؤال قوله: (فرّق النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أخوي بني العجلان
وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب" ثلاث
مرات) ظاهره كما قال القاضي عياض: أنه عليه الصلاة والسلام
قال ذلك بعد الفراغ من اللعان ففيه عرض التوبة على المذنب
ولو بطريق الإجمال، وقال الداودي: قاله قبل اللعان تحذيرًا
لهما قال ابن المديني: (قال) لي (سفيان: حفظته) أي الحديث
(من عمرو) أي ابن دينار (وأيوب) السختياني (كما أخبرتك).
والحاصل أن الحديث رواه سفيان عن عمرو بن دينار وأيوب
السختياني كلاهما عن ابن عمر.
34 - باب التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ
(باب التفريق بين المتلاعنين). وهذه الترجمة ثابتة في
رواية المستملي ساقطة لغيره، نعم ثبت لفظ التبويب فقط
للنسفي.
5313 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-
أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ
قَذَفَهَا، وَأَحْلَفَهُمَا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي
أحد الأعلام قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة (عن عبيد
الله) بضم العين ابن عبد الله العمري (عن نافع) مولى ابن
عمر (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرّق بين رجل وامرأة)
حال كون الرجل (قذفها) بالزنا (وأحلفهما) بالحاء المهملة
أي لاعن بينهما وقوله: فرّق أي حكم بأن يفترقا حسًّا لحصول
الافتراق شرعًا بنفس اللعان، واحتجوا لوقوع الفرقة بنفس
اللعان بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
الرواية الأخرى: "لا سبيل لك عليها". وتعقب بأن ذلك وقع
جوابًا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذ منه. وأجيب: بأن
العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فتشتمل المال
والبدن وتقتضي
نفي تسليطه عليها بوجه من الوجوه؛ وفي حديث ابن عباس عند
أبي داود: وقضى أن ليس عليه نفقة ولا سكنى من أجل أنهما
يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها وظاهره أن الفرقة وقعت
بينهما بنفس اللعان.
5314 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: لاَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (مسدد) هو ابن مسرهد
قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر
العمري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) -رضي
الله عنهما- أنه (قال: لاعن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين رجل وامرأة من الأنصار وفرّق
بينما) تنفيذًا لما أوجب الله بينهما من المباعدة بنفس
الملاعنة وتمسك بظاهره الحنفية فقالوا: إنما يكون التفريق
من الحاكم، وقد سبق ما في ذلك والله
(8/178)
الموفق والمعين.
35 - باب يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْمُلاَعِنَةِ
هذا (باب) بالتنوين (يلحق الولد بالملاعنة) إذا نفاه الزوج
والملاعنة بفتح العين والذي في اليونينية كسرها.
5315 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، فَانْتَفَى مِنْ
وَلَدِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ
بِالْمَرْأَةِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال:
(حدّثنا مالك) الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن
عمر) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لاعن بين رجل) هو عويمر (وامرأته) هي زوجته
خولة (فانتفى) الرجل (من ولدها) قال في شرح المشكاة: الفاء
سببية أي الملاعنة كانت سببًا لانتفاء الرجل من ولد المرأة
وإلحاقه بها، وتعقبه في الفتح بأنه أراد أن الملاعنة سبب
ثبوت الانتفاء فجيد وإن أراد أن الملاعنة سبب وجود
الانتفاء فليس كذلك فإنه إن لم يتعرض لنفي الولد في
الملاعنة لم ينتفِ. قال إمامنا الشافعي: إن نفي الولد في
الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان
لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى حاكم
فأخر بغير عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه (ففرق) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بينهما وألحق الولد بالمرأة)
فترث منه ما فرض الله لها ونفاه عن الزوج فلا توارث
بينهما. وقال الدارقطني: تفرد مالك بهذه الزيادة، وأجيب:
بأنها قد جاءت من أوجه أخرى في حديث سهل بن سعد وغيره.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الفرائض ومسلم في اللعان
وأبو داود في الطلاق والترمذي في النكاح والنسائي وابن
ماجة في الطلاق.
36 - باب قَوْلِ الإِمَامِ اللَّهُمَّ بَيِّنْ
(باب قول الإمام) في اللعان (اللهم بيّن) أي أظهر.
5316 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْمُتَلاَعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ،
فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ
وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا
ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلاَّ لِقَوْلِي. فَذَهَبَ
بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ
امْرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ
اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَ
عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلًا كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا
قَطَطًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ». فَوَضَعَتْ شَبِيهًا
بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ
عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ
عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ
رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ».
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ. تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ
تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الإِسْلاَمِ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه
(قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن القاسم عن القاس بن
محمد) أي ابن أبي بكر الصديق فعبد الرحمن يروي عن أبيه
القاسم (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه قال: ذكر) بضم
الذال المعجمة (المتلاعنان عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال عاصم بن عدي) الأنصاري (في ذلك
قولًا) وهو لو وجد الرجل مع امرأته رجلًا يضربه بالسيف حتى
يقتله (ثم انصرف) عاصم من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتاه رجل من قومه) هو عويمر (فذكر
له أنه وجد مع امرأته) خولة (رجلًا فقال عاصم: ما ابتليت
بهذا الأمر) في رجل من قومي (إلا لقولي) أي لسؤالي عما لم
يقع (فذهب به) فذهب عاصم بعويمر (إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي وجد عليه
امرأته) من الخلوة بالأجنبي (وكان ذلك الرجل مصفرًّا قليل
اللحم) نحيفًا (سبط الشعر) غير جعدة ولأبي ذر: الشعرة
بسكون العين وبعد الراء هاء تأنيث (وكان) الرجل (الذي وجده
عند أهله آدم) بالمد أسمر اللون (خدلًا) بفتح الخاء
المعجمة وسكون الدال المهملة وكسرها وتخفيف اللام وتشدد
ممتلئ الساق (كثير اللحم جعدًا) بفتح الجيم وسكون العين
المهملة شعره (قططًا) بفتحات وبكسر الطاء الأولى وفي الفرع
كأصله شديد الجعودة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اللهم بيّن) قال ابن العرب: ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت
صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر التشبه ولا تمتنع
ولادتها بموت الولد مثلًا فلا يظهر البيان والحكمة فيه ردع
من شاهد ذلك عن التلبّس بمثل ما وقع لما يترتب على ذلك من
القبح ولو اندرأ الحدّ (فوضعت) ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي
ذكر زوجها أنه وجد) أي وجده (عندها فلاعن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما) عقب
إخباره بالذي وجد عليه امرأته وحينئذ قوله وكان ذلك الرجل
إلى آخره اعتراض (فقال الرجل) اسمه عبد الله بن شداد بن
الهاد (لابن عباس في) ذلك (المجلس) هذه المرأة (هي التي
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو
رجمت أحدًا بغير بيّنة لرجمت هذه) امرأة عويمر (فقال ابن
عباس: لا تلك امرأة كاتت تظهر السوء) تعلن الفاحشة (في
الإسلام) لكن لم تعترف ولا أقيمت عليها بيّنة بذلك.
37 - باب إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ
بَعْدَ الْعِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَمْ يَمَسَّهَا
هذا (باب) بالتنوين (إذا طلقها) أي إذا طلق الرجل زوجته
(ثلاثًا ثم تزوّجت بعد العدّة زوجًا غيره فلم يمسها) أي هل
تحل للأول إن طلّقها الثاني، وليس المراد طلاق
(8/179)
الملاعن لأن الملاعنة لا تعود للذي لاعن
منها ولو تزوّجت عشرة سواء وطئها أم لم يطأها.
5317 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا
يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ح.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمرو بن
علي) الفلاس بالفاء وتشديد اللام آخره سين مهملة قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام قال:
حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي
الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ح).
0000 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَتْ
آخَرَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لاَ يَأْتِيهَا،
وَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ مِثْلُ هُدْبَةٍ فَقَالَ:
«لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ
عُسَيْلَتَكِ».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر قال:
(حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة لقب عبد الرحمن بن
سليمان الكوفي (عن هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-
أن رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء (القرظي) بالقاف
المضمومة والظاء المعجمة من بني قريظة (تزوّج امرأة) اسمها
تميمة بنت وهب (ثم طلّقها فتزوّجت) زوجًا (آخر) اسمه عبد
الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة فلم يصل منها
إلى شيء (فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فذكرت له أنها لا يأتيها) أي لا يجامعها (وأنه ليس معه)
ذكر (إلا مثل هدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح
الموحدة أي هدبة الثوب في الارتخاء وعدم الانتشار وطلبت أن
تعود لزوجها الأول رفاعة (فقال) لها -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا) ترجعين إليه (حتى تذوقي عسيلته) أي عبد الرحمن بن
الزبير (ويذوق عسيلتك) والعسيلة كناية عن الجماع وفي حديث
عائشة عند أحمد العسيلة هي الجماع وأنّث العسيلة على
إرادة القطعة من العسل أو على إرادة اللذة لتضمنه ذلك،
ولذا فسّر أبو عبيدة فيما نقله عنه الماوردي العسيلة
باللذة.
وهذا الحديث قد سبق في باب من أجاز الطلاق الثلاث.
38 - باب {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ
نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ}
قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لاَ
يَحِضْنَ، {وَاللاَّئِي قَعَدْنَ عَنِ الْحَيْضِ
وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ
أَشْهُرٍ}.
هذا (باب) بالتنوين. قال الحافظ ابن حجر: سقط لفظ باب لأبي
ذر وكريمة وثبت للباقين، ووقع عند ابن بطال كتاب العدد باب
قول الله تعالى: والعدد جمع عدة مأخوذة من العدد لاشتمالها
عليه غالبًا وهي مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها
أو للتعبد وشرعت صيانة وتحصينًا لها من الاختلاط والأصل
فيها قبل الإجماع الآيات الآتية.
منها قوله تعالى: ({واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن
ارتبتم}. قال مجاهد): فيما وصله الفريابي مفسرًا لإن
ارتبتم أي (إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن {واللائي قعدن عن
الحيض}) أي كبرن وصرن عجائز ولأبي ذر عن المحيض فحكمهن حكم
اللائي يئسن ({واللائي لم يحضن}) أصلًا وهن الصغار اللائي
لم يبلغن سن الحيض ({فعدّتهن ثلاثة أشهر}) [الطلاق: 4]
وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس وهو اثنتان
وستون سنة أهو دم حيض أو استحاضة فعدّتهن ثلاثة أشهر وإذا
كانت عدّة المرتابات بها فغير المرتابات أولى والأكثرون
على أن المعنى إن ارتبتم في الحكم لا في اليأس، وفي الآية
حذف تقديره واللائي لم يحضن فعدتهن كذلك فإن حاضت الصغيرة
أو غيرها ممن لم يحضن أثناء العدة بالأشهر انتقلت إلى
الحيض لقدرتها على الأصل قبل فراغها من البدل كالماء في
أثناء التيمم ولم يحسب الماضي قرأ لأنه لم يحتوش بدمين،
أما من حاضت بعد العدّة فلا يؤثر لأن حيضها حينئذ لا يمنع
صدق القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن.
39 - باب {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط لأبي ذر ({وأولات الأحمال})
الحبالى ({أجلهن}) عدتهن ({أن يضعن حملهن}) [الطلاق: 4]
يتناول المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن.
5318 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ زَيْنَبَ
ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ
سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا
سُبَيْعَةُ كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا
وَهْيَ
حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ،
فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: "وَاللَّهِ مَا
يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ
الأَجَلَيْنِ"، فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ
ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْكِحِي».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد
الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد
الإمام (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز
الأعرج) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد
الرحمن) بن عوف (أن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة
أخبرته عن أمها أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن امرأة من أسلم) بن أفصى بن حارثة
(يقال لها سبيعة) بضم السين المهملة بنت الحارث (كانت تحت
زوجها) سعد بن خولة المتوفى بمكة بعد أن هاجر منها (توفي
عنها) ولأبي ذر عن الكشميهني منها (وهي) أي والحال أنها
(حبلى) منه في حجة الوداع، وعند ابن سعيد قبل الفتح، وعند
الطبري سنة سبع؛ وزاد
(8/180)
في تفسير سورة الطلاق فوضعت بعد موته
بأربعين ليلة (فخطبها أبو السنابل) بفتح السين والنون وبعد
الألف موحدة مكسورة فلام عمرو أو عامر أو حبة بمهملة
وموحدة وقيل بنون وقيل أصرم وقيل غير ذلك. (ابن بعكك) بفتح
الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الكاف الأولى القرشي
وزاد في التفسير فيمن خطبها (فأبت أن تنكحه) أن مصدرية
وكان كهلًا وخطبها أبو البشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة
ابن الحارث وكان شابًّا (فقال) أبو السنابل لما رآها تجملت
لغيره من الخطّاب (والله ما يصلح أن تنكحيه) أي تتزوجيه
(حتى تعتدي آخر الأجلين) أي أربعة أشهر وعشرًا ولو وضعت
قبل ذلك فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع (فمكثت) بضم
الكاف (قريبًا من عشر ليال) بعد الوضع (ثم جاءت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(انكحي) لأن عدّتك انقضت بوضع الحمل وهو مخصص كآية الطلاق
لعموم قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234].
وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطلاق.
5319 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ
عَنْ يَزِيدَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ
عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الأَرْقَمِ أَنْ
يَسْأَلَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ كَيْفَ أَفْتَاهَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَقَالَتْ: أَفْتَانِي إِذَا وَضَعْتُ أَنْ أَنْكِحَ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير عن الليث) بن سعد الإمام
(عن يزيد) بن أبي حبيب أبي رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد
(أن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (كتب إليه أن عبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله أخبره عن أبيه) عبد الله بن
عتبة بن مسعود (أنه كتب إلى ابن الأرقم) عمر بن عبد الله
وليس لعمر هذا في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد (أن يسأل
سبيعة الأسلمية) وهي من المهاجرات كما عند ابن سعد (كيف
أفتاها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
العدة لما توفي عنها زوجها وهي حامل فأتاها فسألها (فقالت:
أفتاني إذا وضعت أن أنكح) فكتب إليه الجواب.
وهذا قد أجمع عليه جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في
الأمصار وإلا ما روي عن علي أنها تعتدّ آخر الأجلين يعني
إن وضعت قبل الأربعة الأشهر والعشر تربصت إلى انقضائها ولا
تحل بمجرد الوضع وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى
الوضع وبه قال ابن عباس لكن روي أنه رجع عنه.
5320 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ سُبَيْعَةَ
الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا
بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ
لَهَا فَنَكَحَتْ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يحيى بن
قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة قال: (حدّثنا
مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير
(عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست) بضم النون
وكسر الفاء أي ولدت (بعد وفاة زوجها) سعد بن خولة (بليال).
وفي رواية الزهري فلم تنشب أن وضعت، وعند أحمد فلم تمكث
إلا شهرين حتى وضعت، وفي تفسير الطلاق بعد زوجها بأربعين
ليلة، وعند النسائي بعشرين ليلة وروي غير ذلك مما يتعذر
فيه الجمع لاتحاد القصة ولعل ذلك السر في إبهام من أبهم
المدة (فجاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت). واحتجوا للقائل بآخر
الأجلين بأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين، وقد اجتمعتا في
الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين
واليقين آخر الأجلين. وأجيب: بأنه لما كان المقصود الأصلي
من العدة براءة الرحم ولا سيما فيمن تحيض حصل المطلوب
بالوضع.
40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ
فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ: بَانَتْ مِنَ
الأَوَّلِ، وَلاَ تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى
سُفْيَانَ يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ:
يُقَالُ أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا،
وَأَقْرَأَتْ إِذَا دَنَا طُهْرُهَا. وَيُقَالُ مَا
قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي
بَطْنِهَا
(باب قول الله تعالى: {والمطلقات}) المدخول بهن من ذوات
الحيض ({يتربصن}) ينتظرن ({بأنفسهن ثلاثة قروء}) [البقرة:
228]. بعد الطلاق وهو خبر بمعنى الأمر والأصل الكلام
ولتتربصن المطلقات وذكر الأمر بصيغة الخبر تأكيدًا للأمر
وإشعارًا بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله
ونحوه قوله في الدعاء: رحمك الله أخرجه في صورة الخبر ثقة
بالاستجابة كإنما وجدت الرحمة وهو مخبر عنها، وفي ذكر
الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث لأن أنفس النساء
طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على
الطموح ويجبرنها على التربص، وقوله:
{يتربصن} يتعدى بنفسه لأنه بمعنى انتظر، ويحتمل أن يكون
مفعول التربص محذوفًا تقديره يتربصن الأزواج وثلاثة قروء
على هذا نصب على الظرف لأنه اسم عدد مضاف للظرف، والقروء
جمع كثرة ومن ثلاثة إلى عشرة
(8/181)
يميز بمجموع القلة ولا يعدل عن القلة في
ذلك إلا عند عدم استعمال جمع القلة غالبًا وجمع القلة هنا
موجود وهو إقراء فالحكمة في الإتيان بجمع الكثرة مع وجود
القلة أنه لما جمع المطلقات جمع القرء لأن لكل مطلقة تربص
ثلاثة أقراء فصارت كثرة بهذا الاعتبار، وسقط لفظ باب لأبي
ذر.
(وقال إبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة (فيمن
تزوّج) امرأة (في العدّة) تزويجًا فاسدًا (فحاضت عنده) أي
عند الثاني (ثلاث حيض بانت) بانقضاء هذه العدّة (من) الزوج
(الأول ولا تحتسب) بفتح الفوقيتين وكسر السين (به) بالحيض
(لمن بعده) لمن بعد الأول بل تعتد أخرى للثاني فلا تداخل
لتعدد المستحق فتعتد لكل واحد منهما عدة كاملة، وروى
المدنيون عن مالك إن كانت حاضت حيضة أو حيضتين من الأول
أنها تتم بقية عدتها منه ثم تستأنف عدة أخرى وهو قول
الشافعي وأحمد.
(وقال الزهري): محمد بن مسلم (تحتسب) بالحيض للثاني
كالأوّل فيكفي لهما عدة واحدة وهو قول الحنفية ورواية مالك
(وهذا أحب إلى سفيان) الثوري (يعني: قول الزهري) لأن الأول
لا ينكحها في بقية العدة من الثاني فدلّ على أنها في عدة
الثاني ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه.
(وقال معمر) هو أبو عبيد بن المثنى (يقال أقرأت المرأة إذا
دنا) قرب (حيضها وأقرأت إذا دنا) قرب (طهرها) فيستعمل في
الضدين لكن المراد بالقرء عند الشافعية الطهر لقوله تعالى:
{فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] أي في زمنها وهو زمن الطهر
إذ الطلاق في الحيض محرم كما سبق، ولأن القرء مأخوذ من
قولهم قرأت الماء في الحوض أي جمعته فيه فالطهر أحق باسم
القرء لأنه زمن اجتماع الدم في الرحم والحيض زمن خروجه منه
فينصرف إذن إلى زمن الطهر الذي هو زمن العدة وزمنها يعقب
زمن الطلاق والطهر ما احتوشه دمان أي دما حيضتين أو حيض
ونفاس لا مجرد الانتقال إلى الحيض فإن طلقها في الطهر ولو
بقي منه لحظة أو جامعها فيه انقضت عدتها بالطعن في الحيضة
الثالثة ولا يبعد تسمية قرأين وبعض الثالث ثلاثة أقراء كما
يقال خرجت من البلد لثلاث مضين مع وقوع خروجه في الثالثة،
وكما في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197] مع
أن المراد شوّال وذو القعدة وبعض ذي الحجة ولأنا لو لم
نعتد بالباقي قرأ لكان أبلغ في تطويل العدّة عليها من
الطلاق في الحيض أو طلقها في الحيض فبالطعن في الحيضة
الرابعة انقضت عدتها (ويقال: ما قرأت بسلا قط إذا لم تجمع
ولدًا في بطنها) بكسر الباء الموحدة وفتح السين والتنوين
من غير همز في قوله: بسلا غشاء الولد.
وسبق في أوائل سورة النور.
41 - باب قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَقَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ
أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَمْرًا}. {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ
مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا
عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا
عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} -إِلَى
قَوْلِهِ- {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}.
(باب قصة فاطمة بنت قيس) أي ابن خالد الأكبر الفهرية أخت
الضحاك من المهاجرات الأول (وقوله عز وجل) ولأبي ذر وقول
الله عز وجل: ({واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن}) أي لا
تخرجوا المطلقات طلاقًا بائنًا بخلع أو ثلاث حاملًا كانت
أو حائلًا غضبًا عليهن وكراهية لمساكنتهن أو لحاجة لكم إلى
المساكن ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذانًا
بأن إذنهم لا أثر له في رفع الحظر ({من بيوتهن}) مساكنهن
التي يسكنها قبل العدّة وهي بيوت الأزواج وأضيفت إليهن
لاختصاصها بهن من حيث السكنى ({ولا يخرجن}) بأنفسهن إن
أردن ذلك، ولو وافق الزوج وعلى الحاكم المنع منه لأن في
العدة حقًّا لله تعالى، وقد وجبت في ذلك المسكن. وفي
الحاوي والمهذّب وغيرهما، من كتب العراقيين أن للزوج أن
يسكنها حيث شاء لأنها في حكم الزوجة، وبه جزم النووي في
نكته، قال السبكي: والأول أولى لإطلاق الآية، والأذرعي أنه
المذهب المشهور والزركشي أنه الصواب ({إلاّ أن يأتين
بفاحشة مبينة}) قيل: هي الزنا أي إلا أن يزنين فيخرجن
لإقامة الحدّ عليهن قاله ابن مسعود، وبه أخذ أبو يوسف وقيل
خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه قاله النخعي، وبه
أخذ أبو حنيفة، وقال ابن عباس: الفاحشة نشوزها وأن تكون
بذيّة اللسان على أحمائها. قال الشيخ كمال الدين بن
الهمام: وقول ابن مسعود أظهر من جهة وضع اللفظ له لأن
(8/182)
إلا أن غاية والشيء لا يكون غاية لنفسه وما
قاله النخعي أبدع وأعذب في الكلام كما يقال في الخطابيات
لا تزن إلا أن تكون فاسقًا ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع
رحم ونحوه وهو بديع بليغ جدًّا ({وتلك حدود الله}) أي
الأحكام المذكورة ({ومن يتعد حدود الله فقد ظل نفسه لا
تدري}) أيها المخاطب ({لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا})
[الطلاق: 1] بأن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها أو من
الرغبة عنها إلى الرغبة فيها أو من عزيمة الطلاق إلى الندم
عليه فيراجعها، والمعنى فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدّة ولا
تخرجوهن من بيوتهن لعلكم تندمون فتراجعون. ثم ابتدأ المصنف
بآية أخرى من سورة الطلاق فقال:
({أسكنوهن من حيث سكنتم}) من للتبعيض حذف مبعضها أي
أسكنوهن مكانًا من حين سكنتم أي بعض مكان سكناكم ({من
وجدكم}) عطف بيان لقوله: {من حيث سكنتم} وتفسير له كأنه
قيل أسكنوهن مكانًا من مسكنكم مما تطيقونه والوجد الوسع
والطاقة ({ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}) من المسكن ببعض
الأسباب حتى تضطروهن إلى الخروج ({وإن كن}) أي المطلقات
({أولات حمل}) ذوات الأحمال ({فأنفقوا عليهن حتى يضعن
حملهن} -إلى قوله-) تعالى: ({بعد عسر يسرًا}) [الطلاق: 6،
7] أي بعد ضيق في المعيشة سعة وهو وعد لذي العسر باليسر
والنفقة للحامل شاملة للأدم والكسوة إذ إنها مشغولة بمائه
فهو مستمتع برحمها فصار كالاستمتاع بها في حال الزوجية، إذ
الغسل مقصود بالنكاح كما أن الوطء مقصود به والنفقة للحامل
بسبب الحمل لا للحمل لأنها لو كانت له لتقدرت بقدر كفايته
ومفهوم الآية أن غير الحمل لا نفقة لها، وإلا لم يكن
لتخصيصها بالذكر معنى. والسياق يفهم أنها في غير الرجعية
لأن نفقة الرجعية واجبة ولو لم تكن حاملًا. وذهب الإمام
إلى أنه لا نفقة لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة وإنما
وجبت السكنى لمعتدة وفاة وطلاق بائن وهي حائل دون النفقة
لأنها لصيانة ماء الزوج وهي تحتاج إليها بعد الفرقة كما
تحتاج إليها قبلها والنفقة لسلطنته عليها، وقد انقطعت.
وسياق هذه الآيات كلها ثابت في رواية كريمة، وقال أبو ذر
في روايته بعد قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية،
وهو نصب بفعل مقدر.
5321 - 5322 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
أَنَّهُ سَمِعَهُما يَذْكُران أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ
بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَكَمِ، فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى
مَرْوَانَ، وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ: اتَّقِ اللَّهَ
وَارْدُدْهَا إِلَى بَيْتِهَا. قَالَ مَرْوَانُ فِي
حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
الْحَكَمِ غَلَبَنِي. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ:
أَوَ مَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟
قَالَتْ: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَذْكُرَ حَدِيثَ
فَاطِمَةَ. فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: إِنْ كَانَ
بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ.
[الحديث 5321 - أطرافه في: 5323، 5325، 5327]. [الحديث
5322 - أطرافه في: 5324، 5326، 5328]
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع (إسماعيل) بن أبي أويس قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم
(عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن القاسم بن محمد) أي ابن
أبي بكر الصديق (وسليمان بن يسار) بالتحتية والسين المهملة
المخففة مولى ميمونة (أنه) أي أن يحيى بن سعيد الأنصاري
(سمعهما) أبي القاسم بن محمد وسليمان بن يسار (يذكران أن
يحيى بن سعيد بن العاص) أخا عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق
(طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم) بفتحتين عمرة الطلاق البتة
(فانتقلها) أي نقلها (عبد الرحمن) أبوها من مسكنها الذي
طلقت فيه، فسمعت عائشة بنقل عبد الرحمن ابنته من مسكنها
الذي طلقت فيه (فأرسلت عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها-
(إلى) عم عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم (مروان) ولأبي ذر
زيادة ابن الحكم (وهو أمير المدينة) يومئذٍ من قبل معاوية
وولي الخلافة بعد تقول له (اتق الله) يا مروان (وارددها
إلى بيتها) الذي طلقت فيه (قال مروان) مجيبًا لعائشة كما
(في حديث سليمان) بن يسار (أن
عبد الرحمن بن الحكم) يعني أخاه والد عمرة (غلبني) فلم
أقدر على منعه من نقلتها (وقال القاسم بن محمد) في حديثه
قال مروان مجيبًا لعائشة أيضًا: (أو ما بلغك شأن فاطمة بنت
قيس)؟ حيث لم تعتد في بيت زوجها وانتقلت إلى غيره (قالت)
عائشة -رضي الله عنها- لمروان (لا يضرك أن لا تذكر حديث
فاطمة) لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها
بسبب قاله في الفتح، وقال في الكواكب: كان لعلة وهو أن
مكانها كان وحشًا مخوفًا عليه أو لأنها كانت لسنة استطالت
على أحمائها (فقال
(8/183)
مروان بن الحكم) لعائشة (إن كان بك شر) أي
إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة بنت قيس ما وقع بينها وبين
أقارب زوجها من الشر (فحسبك) فيكفيك في جواز انتقال عمرة
(ما بين هذين) عمرة زوجها يحيى بن سعيد (من الشر). ومفهومه
جواز النقلة من المسكن الذي طلقت فيه بشرط وجود عارض يقتضي
جواز خروجها منه، كأن يكون المنزل مستعارًا ورجع المعير
ولم يرض بإجارته بأجرة المثل، أو امتنع المكري من تجديد
الإجارة بذلك، أو كان ملكًا لها ولم تختر الاستمرار فيه
بإجارة بل اختارت الانتقال منه إذ لا يلزمها بذله بإعارة
ولا إجارة كما لو كان المسكن خسيًسا وطلبت النقلة منه إلى
اللائق بها، فإن كان نفيسًا فللزوج نقلها إلى غيره لائق
بها ويتحرى المنزل الأقرب إلى المنقول عنه بحسب الإمكان.
وقال المرداوي من الحنابلة: تعتد بائن حيث شاءت من البلد
في مكان مأمون ولا تسافر ولا تبيت إلا في منزلها، وإن أراد
إسكانها في منزله أو غيره مما يحصل لها تحصينًا لفراشه ولا
محذور فيه لزمها ذلك ولو لم تلزمه نفقة.
5323 - 5324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ، أَلاَ تَتَّقِي
اللَّهَ؟ يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لاَ سُكْنَى وَلاَ
نَفَقَةَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
بشار) بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم
بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) -رضي الله عنها-
(أنها قالت: ما لفاطمة) بنت قيس أي ما شأنها (ألا)
بالتخفيف (تتقي الله يعني في قوله) ولأبي ذر في قولها (لا
سكنى ولا نفقة) للمطلقة البائن على زوجها والحال أنها تعرف
قصتها يقينًا من أنها إنما أمرت بالانتقال لعذر وعلة كانت
بها فأخبرت بما أباح لها الشارع من الانتقال ولم تخبر
بالعلة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
5325 - 5326 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ
إِلَى فُلاَنَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا
الْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ؟ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ.
قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ قَالَتْ:
أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا
الْحَدِيثِ وَزَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ
عَنْ أَبِيهِ: عَابَتْ
عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ
كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا
فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين وعباس بالموحدة
آخره سين مهملة البصري قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن
قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه (قال: قال
عروة بن الزبير لعائشة) -رضي الله عنها-: (ألم ترين)
بالنون ولأبي ذر ألم تري (إلى فلانة) عمرة (بنت الحكم)
نسبها لجدها وإلاّ فاسم أبيها عبد الرحمن كما مرّ (طلّقها
زوجها) يحيى بن سعيد بن العاص الطلاق (البتة فخرجت) من
المنزل الذي طلقها فيه إلى غيره (فقالت) عائشة: (بئسما
صنعت) ولأبي ذر عن الكشميهني بئسما صنع أي زوجها من تمكينه
لها من ذلك أو بئسما صنع أبوها في موافقتها لذلك (قال)
عروة لعائشة: (ألم تسمعي في قول فاطمة) بنت قيس حيث أذن
لها بالانتقال من المنزل الذي طلقت فيه (قالت) عائشة (أما)
بالتخفيف (أنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث) إذ هو موهم
للتعميم وقد كان خاصًّا بها لعذر كان بها ولما فيه من
الغضاضة (وزاد ابن أبي الزناد) بالنون بعد الزاي عبد
الرحمن واسم أبي الزناد عبد الله فيما وصله أبو داود (عن
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه قال: (عابت عائشة) على
فاطمة بنت قيس (أشد العيب وقالت: إن فاطمة كانت في مكان
وحش) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة بعدها شين معجمة أي
خال ليس به أنيس (فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الانتقال وعند
النسائي من طريق ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فقلت
لسعيد بن المسيب إن فاطمة بنت قيس خرجت عن بيتها فقال:
إنها كانت لَسِنة، ولأبي ذر من طريق سليمان بن يسار: إنما
كان ذلك من سوء الخلق.
42 - باب الْمُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي
مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا، أَوْ
تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا بِفَاحِشَةٍ
(باب) حكم المرأة (المطلقة إذا خشي عليها) بضم الخاء وكسر
الشين المعجمتين (في مسكن زوجها) في مدة عدتها منه (أن
يقتحم) بضم التحتية وسكون القاف وفتح الفوقية والحاء
المهملة أي يهجم (عليها) بغير إذن إما مطلقها أو غيره من
سارق ونحوه (أو تبذو) بالذال المعجمة من البذاء وهو القول
الفاحش (على أهلها) ولأبي ذر عن الكشميهني على أهله أي أهل
(8/184)
المطلق (بفاحشة) وجواب إذا محذوف والتقدير
تنتقل إلى مسكن غير مسكن الطلاق.
5327 - 5328 - وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى
فَاطِمَةَ.
وبه قال: (وحدّثني) بالإفراد وبالواو ولأبي ذر: حدّثنا
(حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد
الموحدة ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن
المبارك قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير
(أن عائشة) -رضي الله عنها- (أنكرت ذلك) القول وهو أنه لا
نفقة ولا سكنى للمطلقة البائن (على فاطمة) بنت قيس وفي
رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت قيس
قالت: قلت يا رسول الله إن زوجي طلقني ثلاثًا فأخاف أن
يقتحم عليّ فأمرها فتحولت.
قال في الفتح: وقد أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في
قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الأمرين: إما خشية الاقتحام
عليها وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش في القول ولم
ير أن بين الأمرين في قصة فاطمة معارضة لاحتمال وقوعهما
معًا في شأنها.
وقال الكرماني: فإن قلت؛ لم يذكر البخاري ما شرط في
الترجمة من البذاء. قلت: علم من القياس على الاقتحام
والجامع بينهما رعاية المصلحة وشدة الحاجة إلى الاحتراز
عنه، وقال شارح التراجم ذكر في الترجمة الخوف عليها والخوف
منها، والحديث يقتضي الأول وقاس الثاني عليه، ويؤيده قول
عائشة لها في بعض الطرق أخرجك هذا اللسان فكان الزيادة لم
تكن على شرطه فضمنها للترجمة قياسًا.
43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ
أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}
مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ
(باب قول الله تعالى: {ولا يحل لهن}) أي للنساء ({أن يكتمن
ما خلق الله في أرحامهن}) [البقرة: 228] قال مجاهد وأكثر
المفسرين (من الحيض والحبل) بالموحدة المفتوحة، ولأبي ذر:
والحمل بالميم الساكنة بدل الموحدة وذلك إذا أرادت المرأة
فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع ولئلا
يشفق على الولد فيترك تسريحها أو كتمت حيضها، وقالت وهي
حائض قد طهرت استعجالًا للطلاق.
5329 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ
الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْفِرَ إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ
خِبَائِهَا كَئِيبَةً، فَقَالَ لَهَا: «عَقْرَى أَوْ
حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ
النَّحْرِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَانْفِرِي إِذًا».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة (عن إبراهيم) النخعي
(عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: لما أراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن ينفر) في حجة الوداع النفر الثاني (إذا
صفية) بنت حيي (على باب خبائها) حال كونها (كئيبة) حزينة
(فقال) عليه الصلاة والسلام (لها):
(عقرى) بفتح العين وسكون القاف وفتح الراء أي عقرك الله في
جسدك فهو بمعنى الدعاء لكنه يجري على لسان العرب من غير
قصد إليه (أو حلقى) بالشك من الراوي وسقط (أو) لأبي ذر أي
أصابك بوجع في حلقك (إنك لحابستنا) عن النفر وأسند الحبس
إليها لأنها سببه (أكنت) بهمزة الاستفهام (أفضت) أي طفت
طواف الزيارة (يوم النحر؟ قالت: نعم. قال) عليه الصلاة
والسلام (فانفري) بكسر الفاء الثانية (إذًا) بالتنوين لأن
طواف الوداع لازم للحائض، قال ابن المنير: لما رتب -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مجرد قول صفية أنها حائض
تأخيره عن السفر أخذ منه تعدي الحكم إلى الزوج فتصدق
المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها وإلحاق
الحمل به.
وهذا الحديث قد سبق في كتاب الحج في باب التمتع.
44 - باب {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فِي
الْعِدَّةِ وَكَيْفَ يُرَاجِعُ الْمَرْأَةَ إِذَا
طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وبعولتهن}) جمع بعل
والتاء لاحقة لتأنيث الجمع ({أحق بردهن}) [البقرة: 228] أي
أزواجهن أولى برجعتهن ما كن (في العدة) فإذا انقضت العدة
احتيج لعقد جديد (وكيف يراجع) الرجل (المرأة) ولأبي ذر
تراجع بالفوقية وفتح الجيم مبنيًّا للمفعول المرأة (إذا
طلقها واحدة أو ثنتين).
5330 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
زَوَّجَ مَعْقِلٌ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال:
(أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا
يونس) بن عبيد البصري (عن الحسن) البصري أنه (قال: زوّج
معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف بن يسار ضد
اليمين (أخته) جميلة بضم الجيم مصغرًا أو ليلى بأبي البداح
بن عاصم أو بعاصم نفسه أو بالبداح بن عاصم أخي أبي البداح
أو بعبد الله بن رواحة خلاف سبق في تفسير سورة
(8/185)
البقرة (فطلقها تطليقة). قال المؤلّف:
5331 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ
يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا،
ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ
خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنَ ذَلِكَ آنَفًا فَقَالَ:
خَلَّى عَنْهَا وَهْوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ
يَخْطُبُهَا، فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} إِلَى آخِرِ
الآيَةِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فَتَرَكَ
الْحَمِيَّةَ، وَاسْتَقَادَ لأَمْرِ اللَّهِ.
(وحدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال:
(حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى
البصري السامي بالمهملة قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين بن
أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة السدوسي قال: (حدّثنا
الحسن) البصري (أن معقل بن يسار) المزني (كانت أخته تحت
رجل فطلقها) أي واحدة أو اثنتين (ثم خلى عنها) بفتح الخاء
المعجمة واللام المشددة (حتى انقضت عدتها ثم خطبها) من
أخيها معقل (فحمي) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم أي أنف
(معقل من ذلك أنفًَا) بفتح الهمزة والنون والفاء المنوّنة
أي استنكافًا. وقال في فتح الباري أي ترك الفعل غيظًا
وترفعًا (فقال) أي معقل (خلّى عنها) بتشديد اللام (وهو
يقدر عليها) أي على مراجعتها قبل انقضاء عدتها (ثم يخطبها
فحال بينه وبينها فأنزل الله تعالى: {وإذا طلقتم النساء
فبلغن أجلهن}) أي انقضت عدتهن ({فلا تعضلوهن}) [البقرة:
232] فلا تمنعوهن (إلى آخر الآية) وفيه أن المرأة إنما
يزوجها الولي إذ لو تمكنت من ذلك لم يكن لعضل الولي معنى
(فدعاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقرأ) ها (عليه فترك الحمي) بالتشديد (واستقاد) بالقاف
أطاع (لأمر الله) وامتثله ولأبي ذر عن الكشميهني واستراد
براء بعد الفوقية بدل القاف وتشديد الدال من الرد وهو
الطلب أي طلب رجعتها لمطلقها ورضي به.
وقد سبق هذا الحديث في التفسير والنكاح.
5332 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله
عنهما- طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهْيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً
وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا
حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً
أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ
حَيْضِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا
فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ
أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ
إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لأَحَدِهِمْ: إِنْ كُنْتَ
طَلَّقْتَهَا ثَلاَثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَزَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنِ
اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ
طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر بن الخطاب
-رضي الله عنهما- طلّق امرأة له) اسمها آمنة بنت غفار (وهي
حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر ندب وقال المالكية: وصححه صاحب
الهداية من الحنفية للوجوب (أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر
ثم تحيض أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها فإن أراد أن
يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك) أي حالة
الطهر (العدة) زمنها المعتبر فيها (التي أمر الله) أي أذن
الله في قوله: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] (أن يطلق لها
النساء) بفتح لام يطلق (وكان عبد الله) بن عمر (إذا سئل عن
ذلك) أي عمن طلق ثلاثًا (قال لأحدهم: إن) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي لو (كنت طلقتها ثلاثًا فقد حرمت عليك حتى
تنكح زوجًا غيره) بضمير الغيبة ولأبي ذر وابن عساكر غيرك
بضمير الخطاب.
(وزاد فيه) في الحديث (غيره) أي غير قتيبة وهو أبو الجهم
(عن الليث) بن سعد أنه قال:
(حدّثني) بالإفراد (نافع قال ابن عمر) - رضي الله عنهما -
يخاطب من سأله عن كونه طلّق امرأته ثلاثًا: (لو طلقت)
امرأتك (مرة أو مرتين) لكان لك أن تراجعها (فإن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما طلقت امرأتي وهي
حائض طلاقًا غير بائن (أمرني بهذا) أي بالمراجعة وزاد في
باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام فإن طلقتها ثلاثًا حرمت
حتى تنكح زوجًا غيرك.
وهذا وصله أبو الجهم في جزئه.
45 - باب مُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ
(باب مراجعة الحائض) إذا طلقت طلاقًا غير بائن.
5333 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ
فَقَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ
فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ
يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِهَا، قُلْتُ: فَتَعْتَدُّ
بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ
وَاسْتَحْمَقَ.
وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال قال: (حدّثنا يزيد بن
إبراهيم) التستري قال: (حدّثنا محمد بن سيرين) قال:
(حدّثني) بالإفراد (يونس بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة
آخره راء مصغرًا ابن مطعم أنه قال: (سألت ابن عمر) عمن
يطلق امرأته وهي حائض (فقال) مجيبًا لي معبرًا بلفظ الغيبة
عن نفسه: (طلق ابن عمر امرأته) آمنة بنت غفار (وهي حائض
فسأل عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن
ذلك لما سأله عنه ابنه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لعمر:
(مره) أي مر ابنك عبد الله (أن يراجعها) إلى عصمته (ثم
يطلقـ) ـها (من قبل) بضم القاف والموحدة أي من وقت استقبال
(عدتها) والثروع فيها وذلك في الطهر. قال يونس بن جبير:
(قلت) لابن عمر: (أفتعتدّ بتلك التطليقة)؟ وتحتسبها ويحكم
بوقوع طلقة (قال) ابن عمر مجيبًا له: (أرأيت) أي أخبرني
({من عجز}) ابن عمر (واستحمق) فما يمنعه أن يكون طلاقًا.
وهذا الحديث قد مر في أوائل الطلاق.
(8/186)
46 - باب تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا
زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ أَرَى أَنْ تَقْرَبَ
الصَّبِيَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ لأَنَّ
عَلَيْهَا الْعِدَّةَ
هذا (باب) بالتنوين (تحد) المرأة (المتوفى عنها زوجها
أربعة أشهر وعشرًا) تحد بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة من
الثلاثي المزيد فيه من أحد على وزن أفعل تحد إحدادًا وهو
لغة المنع واصطلاحًا ترك المتوفى عنها زوجها في عدة الوفاة
لبس مصبوغ بما يقصد لزينة ولو صبغ قبل نسجه وترك تحل بحب
يتحلى به كلؤلؤ ومصوغ من ذهب أو فضة أو غيرهما نحو نحاس
موّه بهما
نهارًا كخلخال وسوار وخاتم، وترك تطيب في بدن وثوب وطعام
وكحل ولو غير محرم، وترك دهن شعر واكتحال بكحل زينة كإثمد
إلا لحاجة كرمد فتكتحل به ليلًا ونهارًا وترك اسفيذاج يطلى
به الوجه ودمام وهي حمرة يورد بها الخد وخضاب بنحو حناء
كزعفران وورس وسقط لفظ زوجها لأبي ذر.
(وقال الزهري) محمد بن مسلم: (لا أرى) بفتح الهمزة والراء
(أن تقرب الصبية المتوفى عنها) زوجها (الطيب) بالنصب على
المفعولية (لأن عليها) كالمبالغة (العدة) خلافًا لأبي
حنيفة رحمه الله، وهذا الأثر وصله ابن وهب في موطئه بدون
قوله لأن عليها العدة. قال في الفتح: وأظنه من تصرف
المصنف.
0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي
سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ
الثَّلاَثَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم) بفتح العين والحاء المهملة وسكون الزاي (عن حميد بن
نافع) أبي أفلح الأنصاري (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي
سلمة) بن عبد الأسد وهي بنت أم المؤمنين أم سلمة ربيبته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنها أخبرته هذه
الأحاديث الثلاثة) فالأول عن أم حبيبة، والثاني عن زينب
بنت جحش، وسبقا في باب إحداد المرأة على غير زوجها من كتاب
الجنائز.
5334 - قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ،
فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ
أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ
بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي
بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ
لَيَالٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا».
(قالت زينب) بنت أبي سلمة (دخلت على أم حبيبة) رملة (زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي أبوها
أبو سفيان) صخر (بن حرب) بالشام وجاءها نعيه (فدعت أم
حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا (فيه) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فيها (صفرة خلوق) بوزن صبور ضرب من الطيب (أو
غيره) ولأبي ذر صفرة خلوق بإضافة صفرة لتاليه أو غيره
بالجر عطفًا على المضاف إليه ولغير أبي ذر بالرفع (فدهنت
منه) من الخلوق (جارية) لم أقف على اسمها (ثم مست
بعارضيها) أي مسحت أم حبيبة بجانبي وجه نفسها وجعل
العارضين ماسحين والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها
ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة ومسح يتعدى
بنفسه وبالباء تقول مسحت رأسي وبرأسي وزاد في الجنائز
وذراعيها (ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني
سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي
(أن تحد على ميت فوق ثلاث
ليال) المصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان
لأنه أضيف إلى زمان (إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار
والمجرور يتعلق بتحد فيكون استثناء مفرغًا (أربعة أشهر
وعشرًا) من تمام الاستثناء لأن التقدير أن تحد على ميت فوق
ثلاث فقوله إلا على زوج مستثنى من ميت المقدر، وقوله أربعة
أشهر مستثنى من الفوقية لأن المراد بالفوقية زمن طويل
استثنى منه أربعة أشهر وعشرًا، ويحتمل أن يكون التقدير إلا
أن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا فيكون الاستثناء بهذا
التقدير متصلًا ويكون على زوج متعلقًا بالمحذوف أو يكون
التقدير إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا
فيكون أربعة أشهر معمولًا لتحد وعشرًا معطوف عليه.
5335 - قَالَتْ زَيْنَبُ: فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ
ابْنَةِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ
بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ
مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ
تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ
عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، إِلاَّ عَلَى
زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
(قالت زينب) بنت أبي سلمة (فدخلت على زينب ابنة جحش) ولأبي
ذر بنت جحش (حين توفي أخوها) سمي في بعض الموطآت عبد الله
وكذا هو في صحيح ابن حبان من طريق أبي مصعب لكن المعروف أن
عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدًا وزينب بنت أبي سلمة
يومئذٍ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك
الحالة ويجوز أن يكون عبيد الله المصغر فإن دخول زينب بنت
أبي سلمة عند بلوغ الخبر بوفاته كان وهي مميزة قاله في فتح
الباري (فدعت
(8/187)
بطيب فمست منه ثم قالت: أما) بالتخفيف
(والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول على المنبر)
اختلف في محل يقول على ما مر أول هذا الكتاب فقيل: مفعول
ثانٍ أو حال وسمع من الأفعال الصوتية إن تعلق بالأصوات
تعدى إلى مفعول واحد وإن تعلق بالذوات تعدى إلى اثنين
الثاني جملة مصدرة بفعل مضارع من الأفعال الصوتية وهذا
اختيار الفارسي، واختار ابن مالك ومن تبعه أن تكون الجملة
الفعلية في محل حال إن كان المتقدم معرفة أو صفة إن كان
المتقدم نكرة.
(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) جملة في موضع جر
صفة لامرأة واليوم الآخر عطف على اسم الله (أن تحدّ على
ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه (أربعة
أشهر وعشرًا) أي مع أيامها كما قاله الجمهور فلا تحل حتى
تدخل الليلة الحادية عشرة، وقيل: الحكمة في هذا العدد أن
الولد يتكامل تخليقه وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين
يومًا وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الأهلة فجبر الكسر
إلى العقد على طريق الاحتياط واستدلّ بقوله لا يحل على
تحريم الإحداد على غير الزوج وهو واضح وعلى وجوب الإحداد
المدة المذكورة على الزوج وعورض بأن الاستثناء وقع بعد
النفي فيدل علي الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب
قال الشيخ كمال الدين: وما قيل من أن نفي حل الإحداد نفي
الإحداد فاستثناؤه استثناء من نفيه
وهو إثباته فيصير حاصله لا إحداد إلا من زوج فإنها تحد
وذلك يقتضي الوجوب لأن الإخبار يفيده على ما عرف ومن أن
نفي حل الإحداد إيجاب الزينة فاستثناؤه استثناء من الإيجاب
فيكون إيجابًا لأن الأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى
منه غير لازم، إذ نمنع كون نفي حل الشيء الحسي نفيًا له عن
الوجود لغة أو شرعًا لتضمن الاستثناء الإخبار بوجوده بل
نفي له عن الحل، ولو سلم فوجود الشيء أيضًا في الشرع لا
يستلزم الوجوب لتحققه بالإباحة والندب بلا وجوب، وأيضًا
استثناء الإحداد من إيجاب الزينة حاصله نفي وجوب الزينة
وهو معنى حل الإحداد واتحاد الجنس حاصل مع هذا فإن
المستثنى والمستثنى منه الإحداد ولا يتوقف اتحاد الجنس على
صفة الوجوب فيهما فهو كالأول انتهى.
وأجيب: بأن في حديث التي شكت عينها وهو ثالث أحاديث هذا
الباب دلالة على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح وبأن
السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل على
جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاًّ على الوجوب كالختان
والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك.
وفي حديث أم سلمة المروي في الموطأ وأبي داود والنسائي
قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا
الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل".
والظاهر أن الفعل مجزوم على النهي، وحديث أبي داود: "لا
تحدّ المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنه تحدّ أربعة أشهرًا
وعشرًا" وهو أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن
المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى: {والمطلقات
يتربصن بأنفسهن} [البقرة: 228] والمراد به الأمر اتفاقًا
والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب فيجب الإحداد على
الصغيرة كالعدة والمخاطب الولي فيمنعها مما تمنع منه
المعتدة وهذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفية وشمل قوله
المرأة المدخول بها وغيرها والحرة والأمة والتقييد
بالإيمان بالله ورسوله لا مفهوم له كما يقال هذا طريق
المسلمين وقد يسلكه غيرهم.
5336 - قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ
تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا
وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لاَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا». كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ:
لاَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ
الْحَوْلِ». [الحديث 5336 - أطرافه في: 5338، 5706].
(قالت زينب) بنت أبي سلمة بالسند السابق وهذا هو الحديث
الثالث (وسمعت) أمي (أم سلمة تقول جاءت امرأة) اسمها عاتكة
بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي
نعيم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة
المخزومي،
وروى الإسماعيلي في مسند يحيى بن سعيد الأنصاري تأليفه من
طريق يحيى المذكور عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة عن
أم سلمة قالت: جاءت امرأة من قريش قال
(8/188)
يحيى: لا أدري أبنت النحام أم أمها بنت سعد
ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت هي
عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ابن حجر (وقد
اشتكت عينها) بالرفع على الفاعلية وعليه اقتصر النووي في
شرح مسلم ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، ويؤيده
رواية مسلم اشتكت عيناها بلفظ التثنية ويجوز النصب وهو
الذي في اليونينية على أن الفاعل ضمير مستتر في اشتكت وهي
المرأة، ورجحه المنذري وقال الحريري: إنه الصواب وإن الرفع
لحن. قال في درة الغواص: لا يقال اشتكت عين فلان والصواب
أن يقال اشتكى فلان عينه لأنه هو المشتكي لا هي انتهى.
وردّ عليه برواية التثنية المذكورة إلا أن يجيب بأنه على
لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة
(أفتكحلها) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه
حرف حلق (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا) تكحلها قال ذلك: (مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول: لا)
تأكيدًا للمنع لكن في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه
بالنهار والمراد أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت
لم يجز بالنهار ويجوز بالليل والأولى تركه فإن فعلت مسحته
بالنهار (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "إنما هي") أي العدة الشرعية (أربعة أشهر
وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن العظيم ولبعضهم وهو
الذي في اليونينية الرفع على الأصل والمراد تقليل المدة
وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا
قال: (وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس
الحول) والبعرة بفتح الموحدة والعين وتسكن قال في القاموس.
رجيع ذي الخف والظلف واحدته بهاء الجمع أبعار وفي ذكر
الجاهلية إشارة إلى أن الحكم في الإسلام صار بخرفه وهو
كذلك بالنسبة لما وصف من الصنيع، لكن التقدير بالحول استمر
في الإسلام بنص قوله تعالى: {وصية لأزواجهم متاعًا إلى
الحول} [البقرة: 240] ثم نسخت بالآية التي قبل وهي {يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] والناسخ مقدم
عليه تلاوة ومتأخر نزولًا كقوله تعالى: {سيقول السفهاء من
الناس} [البقرة: 142] مع قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في
السماء} [البقرة: 144].
5337 - قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي
بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ
زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا
زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا
وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ
تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ
فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ
مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي،
ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ
غَيْرِهِ. سُئِلَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: مَا تَفْتَضُّ
بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا.
(قال حميد): هو ابن نافع بالإسناد السابق (فقلت لزينب) بنت
أبي سلمة: (وما) المراد بقوله
عليه الصلاة والسلام (ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت
زينب) بنت أبي سلمة: (كانت المرأة) في الجاهلية (إذا توفي
عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وتسكين الفاء
بعدها شين معجمة بيتًا صغيرًا جدًّا أو من شعر، وبالأول
فسره أبو داود في روايته من طريق مالك، وعند النسائي من
طريق أبي القاسم عن مالك أنه الخص بخاء معجمة مضمومة بعدها
مهملة وقال الشافعي: الذليل الشعث البناء، وعند النسائي
عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه (ولبست شر ثيابها ولم تمس
طيبًا) بفتح التاء الفوقية والميم (حتى تمر بها) ولأبي ذر
عن الكشميهني لها باللام بدل الموحدة (سنة) من وفاة زوجها
(ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه (بدابة) بالتنوين. قال في
القاموس: ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على
المذكر (حمار) بالتنوين والجر بدلًا من سابقه (أو شاة أو
طائر) أو للتنويع وإطلاق الدابة عليهما بطريق الحقيقة
اللغوية كما مر (فتفتض به) بفاء فمثناة فوقية ففاء ثانية
ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة. قال ابن قتيبة سألت
الحجازين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء
ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول بأقبح
منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به
قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به. وقال الخطابي:
هو من فضضت الشيء إذا كسرته وفرقته أي أنها كانت تكسر ما
كانت فيه من الحداد بتلك الدابة. وقال الأخفش: معناه تتنظف
به وهو مأخوذ من الفضة تشبيهًا له بنقائها وبياضها، وقيل
تمسح به ثم تفتض أي
(8/189)
تغتسل بالماء العذب حتى تصير بيضاء نقية
كالفضة. وقال الخليل: الفضفض الماء العذب يقال: افتضضت به
أي اغتسلت به (فقلما تفتض بشيء) مما ذكر (إلا مات) ما
مصدرية أي فقل افتضاضها بشيء، وقيل تكون "ما" في ثلاثة
أفعال زائدة كافة لها عن العمل وهي قل وكثر وطال، وعلة ذلك
شبه هذه الأفعال برب ولا تدخل هذه الأفعال إلا على جملة
فعلية صرح بفعليتها كقوله:
قلما يبرح اللبيب إلى ما ... يورث المجد داعيًا أو مجيبا
وعلى هذا تكتب قلما متصلة وعلى الأول تكتب منفصلة، وقوله
بشيء يتعلق بتفتض وإلا إيجاب لهما في الجملة من معنى النفي
لأن قولك قل يقتضي نفي الكثير بالإيجاب لنفيه، والمعنى
قلما تفتض بشيء فيعيش (ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح
الطاء (بعرة) من بعر الإبل أو الغنم وباب أعطى يتعدى إلى
مفعولين: الأول هنا الضمير المستتر العائد عليها والثاني
بعرة (فترمي) بها أمامها فيكون ذلك إحلالًا لها كذا في
رواية ابن الماجشون عن مالك، وفي رواية ابن وهب من وراء
ظهرها، واختلف في المراد بذلك فقيل الإشارة إلى أنها رمت
العدة رمي البعرة، وقيل إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من
التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضى كان
عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارًا له وتعظيمًا في
حق الزوج (ثم تراجع) بضم الفوقية بعد الراء ألف فجيم
مكسورة (بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي (ما شاءث
من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة. (سئل مالك)
الإمام (ما) معنى قوله (تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها) ليس
في هذا مخالفة لما نقله ابن قتيبة عن الحجازيين من أنها
تمسح قبلها، لكنه أخص
منه لأن مالكًا -رحمه الله تعالى- أطلق الجلد، والذي نقله
ابن قتيبة مبين أن المراد جلد القبل، وفي رواية النسائي
تقبص بقاف ثم موحدة ثم مهملة مخففة وهي رواية الشافعي،
والقبص بأطراف الأنامل. قال ابن الأثير: هو كناية عن
الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة إلى منزل أبويها لكثرة حيائها
بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
47 - باب الْكُحْلِ لِلْحَادَّةِ
(باب) حكم استعمال (الكحل للحادة) أي التي تحد بفتح أوله
وضم الحاء المهملة من الثلاثي وأما المحدة فمن أحد
الرباعي، وقول السفاقسي صوابه للحاد بلا هاء مثل طالق
وحائض لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر تعقبه في الفتح
فقال: إنه جائز ليس بخطأ وإن كان الآخر أرجح، وقال العيني:
إن كان يقال في طالق طالقة وفي حائض حائضة فيقال: أيضًا
حادة وإن كان لا يقال: طالقة ولا حائضة فلا يقال: حادة.
والصواب مع السفاقسي والذي ادّعى صاحب الفتح جوازه فيه نظر
لا يخفى، وأجاب في المصابيح أن الزمخشري وغيره نصوا على
أنه إن قصد في هذه الصفات معنى الحدوث فالتاء لازمة كحاضت
فهي حائضة وطلقت فهي طالقة وقد تلحقها التاء إن لم يقصد
الحدوث كمرضعة وحاملة فيمكن أن يمشي كلام البخاري على ذلك
انتهى.
5338 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ
ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ امْرَأَةً
تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، فَخَشُوا عَيْنَيْهَا، فَأَتَوْا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: «لاَ تَكَحَّلْ،
قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ
أَحْلاَسِهَا. أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا. فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ
فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ فَلاَ حَتَّى تَمْضِيَ
أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ». وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ
ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ:
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا حميد بن نافع) الأنصاري (عن زينب
ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة عن أمها أن امرأة) تسمى عاتكة
كما مر في الباب السابق (توفي زوجها) المغيرة (فخشوا)
بالخاء المفتوحة والشين المضمومة المعجمتين وأصله خشيوا
بكسر الشين وضم التحتية فاستثقلت ضمة الياء فنقلت لسابقها
بعد سلب حركته فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الأولى
وأبقيت الثانية إذ هي علامة الجمع فصار بوزن فعوا أي خافوا
(عينيها) وللكشميهني على عينيها بالتثنية فيهما (فأتوا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذنوه
في الكحل فقال):
(لا تكحل) بفتح التاء والكاف والحاء المشددة أصله تتكحل
فحذفت إحدى التاءين ولأبي ذر عن الكشميهني لا تكتحل بسكون
الكاف
(8/190)
وكسر الحاء من باب الافتعال وعند ابن منده
رمدت رمدًا وقد خشيت على بصرها وعند ابن حزم بسند صحيح من
رواية القاسم بن أصبغ أني أخشى أن تنفقئ عينها قال: لا وإن
انفقأت، ولذا قال مالك -رحمه الله تعالى- في رواية عنه
تمنعه مطلقًا،
وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه، وبه قال
الشافعي، لكن مع التقييد بالليل.
وأجابوا عن قصة هذه المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء
بغير الكحل كالتضميد بالصبر ونحوه وعند الطبراني أنها
تشتكي عينها فوق ما يظن فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: لا (قد كانت إحداكن) في الجاهلية (تمكث) إذا
توفي زوجها (في شر أحلاسها) بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون
الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة (أو شر بيتها)
بالشك من الراوي هل وقع الوصف لثيابها أو مكانها (فإذا كان
حول) من وفاة زوجها (فمر) عليها (كلب رمت ببعرة) لتري من
حضرها أن مقامها حولًا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبًا،
وظاهره أن رميها البعرة متوقف على مرور الكلب سواء طال زمن
انتظار مروره أم قصر وهذا التفسير وقع هنا مرفوعًا كله
بخلاف ما وقع في الباب السابق فلم تسنده زينب وهو غير مقنض
للأدراج في رواية شعبة لأن شعبة من أحفظ الناس فلا يقضي
على روايته برواية غيره بالاحتمال قاله الحافظ ابن حجر
(فلا) نكتحل (حتى تمضي أربعة أشهر وعشر) قال حميد بالسند
السابق.
(وسمعت زينب ابنة أم سلمة) ولأبي ذر بنت أبي سلمة (تحدّث
عن أم حبيبة) بنت أبي سفيان زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
5339 - «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ
ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
(لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد) بضم
أوله وكسر الحاء المهملة على ميت (فوق ثلاثة أيام إلا على
زوجها أربعة أشهر وعشرًا) والتقييد بالإسلام ولاحقه
للمبالغة في الزجر إذ الإحداد من حق الزوج وهو ملتحق
بالعدة في حفظ النسب فتدخل الذمية في النهي كما يدخل
الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه.
5340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ
مِنْ ثَلاَثٍ إِلاَّ بِزَوْجٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر)
بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة ابن المفضل بن لاحق الإمام أبو
إسماعيل قال: (حدّثنا سلمة بن علقمة) البصري (عن محمد بن
سيرين) أحد الأعلام (قالت أم عطية) نسيبة الأنصارية:
(نهينا) بضم النون وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول (أن نحد)
بضم النون وكسر الحاء المهملة أي على ميت (أكثر من ثلاث
إلا بزوج) بسبب زوج ولأبي ذر عن الكشميهني إلا زوج كذا
أورده مختصرًا وفي الباب اللاحق مطوّلًا.
48 - باب الْقُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ
(باب) بيان استعمال (القسط) بضم القاف وسكون السين بعدها
طاء مهملتين العود الذي
يتبخر به (للحادة عند الطهر) من المحيض إذا كانت من ذوات
الحيض.
وسبق ما في لفظ الحادة في الباب السابق.
5341 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى
أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى
زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَلاَ نَكْتَحِلَ،
وَلاَ نَطَّيَّبَ، وَلاَ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا،
إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ. وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ
الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا
فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى
عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ
القُسْطُ وَالكُسْتُ مِثْلَ الكَافُورِ وَالقافُورِ.
نُبْذَةٌ قِطْعَةٌ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عبد الوهاب) أبو
محمد الحجبي البصري قال:
(حدّثنا حماد بن زيد) بتشديد الميم ابن درهم الإمام أبو
إسماعيل الأزدي (عن أيوب) السختياني الإمام (عن حفصة) بنت
سيرين أم الهذيل البصرية الفقيهة (عن أم عطية) نسيبة أنها
(قالت: كنا ننهى) بضم أوله وفتح الحاء والناهي الشارع فله
حكم الرفع كالذي قبله ووقع التصريح به في الذي يليه (أن
نحد) بضم النون وكسر الحاء (على ميت) أب أو غيره (فوق ثلاث
إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) خرج مخرج الغالب وإلا
فذوات الحمل بوضعهن كما لا يخفى (ولا نكتحل) بالنصب عطفًا
على المنصوب السابق كقوله (ولا نطيب) بتشديد الطاء (ولا
نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) بفتح العين وسكون الصاد
المهملتين آخره موحدة من برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم
يصبغ ثم ينسج مصبوغًا فيخرج موشّى لبقاء ما عصب منه أبيض
ولم ينصبغ وإنما يعصب السدي دون اللحمة.
فإن قلت: ما الحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون
الطلاق؟ أجيب: بأن الزينة والطيب يستدعيان النكاح فنهيت
عنه زجرًا لأن الميت لا يتمكن من منع معتدته من النكاح
بخلاف المطلق الحي فإنه
(8/191)
يستغنى بوجوده عن زاجر آخر.
(وقد رخص لنا) بضم الراء وكسر الخاء المعجمة المشددة (عند
الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) ولأبي ذر عن الكشميهني
من حيضتها لإزالة الرائحة لا للتطيب (في نبذة) بنون مضمومة
فموحدة ساكنة فذال معجمة مفتوحة شيء قليل (من كست أظفار)
تتبع به أثر الدم وكست بضم الكاف وسكون المهملة مضاف
للاحقه قال الصغاني: في أظفار صوابه ظفار بفتح المعجمة
مخففًا موضع بساحل عدن (وكنا ننهى) بضم النون وفتح الهاء
(عن اتباع الجنائز. قال أبو عبد الله) البخاري: (القسط)
بالقاف (والكست) بالكاف (مثل الكافور) بالكاف (والقافور)
بالقاف يبدل كل واحد منهما من الآخر (نبذة) أي (قطعة) وليس
هذا في الفرع كأصله بل ولا في كثير من النسخ، نعم هو ثابت
في الفرع كأصله في آخر الباب اللاحق لأبي ذر.
49 - باب تَلْبَسُ الْحَادَّةُ ثِيَابَ الْعَصْبِ
هذا (باب) بالتنوين (تلبس) المرأة (الحادة ثياب العصب)
برودًا يمنية كما مرّ، وقيل فيها بياض وسواد، وعصب بمعنى
معصوب وإضافة ثياب إلى عصب من إضافة الموصوف إلى صفته،
وفيه الخلاف المشهور في تأويله بين البصريين والكوفيين.
5342 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ
تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ
فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لاَ
تَكْتَحِلُ وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ
ثَوْبَ عَصْبٍ».
وبه قال: (حدّثنا الفضل بن دكين) بالدال المهملة المضمومة
وفتح الكاف وتسكين التحتية بعدها نون قال: (حدّثنا عبد
السلام بن حرب) أبو بكر النهدي الكوفي (عن هشام) هو ابن
حسان القردوسي بضم القاف والدال المهملة بينهما راء ساكنة
وبعد الواو سين مهملة كما قاله المزي فيما ذكره العيني،
وقال الحافظ ابن حجر: هو الدستوائي (عن حفصة) بنت سيرين
(عن أم عطية) نسبية أنها (قالت: قال النبي) ولأبي ذر قال
لي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) خرج مخرج
المبالغة فلا يستدل به لإخراج الذمية كما قاله الإمام أبو
حنيفة مع إنكاره المفاهيم ففيه مخالفة لقاعدته (أن تحد)
على ميت (فوق ثلاث). سبق في حديث أم حبيبة في الطريق
الأولى ثلاث ليال، وفي الطريق الثانية ثلاثة أيام وجمع
بإرادة الليالي بأيامها ويحمل المطلق هنا على المقيد الأول
ولذلك أنث وهو محمول أيضًا على أن المراد ثلاث ليال
بأيامها (إلا على زوج فإنها) تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا و
(لا تكتحل) إلا لضرورة ليلًا وتمسحه نهارًا (ولا تلبس
ثوبًا مصبوغًا) نعت لثوب (إلا ثوب عصب) نصب على الاستثناء
المتصل لأن ثياب العصب مصبوغة أيضًا، ويحتمل أن يكون العصب
ليس من الجنس فيكون الاستثناء منقطعًا وهو منصوب أيضًا،
وخرج بالمصبوغ غير المصبوغ كالكتان والإبريسم لم يكن فيه
زينة كنقش وما إذا كان المصبوغ لا لزينة بل لمصيبة أو
احتمال وسخ كالأسود.
5343 - وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ ...
0000 - حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ
حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَطِيَّةَ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلاَ تَمَسَّ طِيبًا
إِلاَّ أَدْنَى طُهْرِهَا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ
قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: القُسْطُ
وَالكُسْتُ مِثْلَ الكَافُورِ وَالقافُورِ.
(وقال الأنصاري) محمد بن عبد الله بن المثنى شيخ المؤلّف
فيما وصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عنه (حدّثنا
هشام) الدستوائي أو ابن حسان كما مرّ قال: (حدّثتنا) بتاء
التأنيث (حفصة) بنت سيرين قالت: (حدّثتني) بتاء التأنيث
والإفراد (أم عطية) الأنصارية -رضي الله عنها-
(نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يذكر
المنهي عنه اختصارًا للدلالة المروي السابق عليه ولفظ
البيهقي: أن تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها
تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا ولا تلبس مصبوغًا إلا ثوب عصب
ولا تكتحل (ولا تمس طيبًا إلا أدنى) أي عند قرب (طهرها) أو
أقل طهرها (إذا طهرت) من حيض أو نفاس (نبذة) قليلًا (من
قسط وأظفار) نوعان من البخور وقوله إذا طهرت ظرف فاصل بين
المستثنى والمستثنى منه التقدير ولا تمس طيبًا إلا نبذة من
قسط وأظفار إذا طهرت (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (القسط
والكست) بالكاف والتاء الفوقية بدل القاف والطاء (مثل) ما
يقال في (الكافور) بالكاف (والقافور) بالقاف، وسقط قوله
قال أبو عبد الله إلى آخره لغير أبي ذر.
50 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({والذين يتوفون منكم
ويذرون}) ويتركون ({أزواجًا} -إلى قوله-) تعالى: ({بما
تعملون خبير}) [البقرة: 234] عالم بالبواطن وساق في رواية
كريمة الآية كلها.
5344 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ
الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبًا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا
إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ
مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ
السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً
وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ
شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا
زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ
أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَقَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَاءَتِ
اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا،
وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، لِقَوْلِ اللَّهِ: {فَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ}
[البقرة: 240] قَالَ: عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ
فَنَسَخَ السُّكْنَى، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلاَ
سُكْنَى لَهَا.
وبه قال:
(8/192)
(حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور)
الكوسج المروزي قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء
وسكون الواو بعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف
الموحدة القيسي البصري قال: (حدّثنا شبل) بكسر المعجمة
وسكون الموحدة ابن عبادة مقرئ مكة قرأ على ابن كثير
المكي (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد
التحتية الساكنة مهملة عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد
اليمين (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر أنه قال في تفسير
قوله تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا}
قال: كانت هذه العدة) أي التربص أربعة أشهر وعشرًا
المذكور في الآية (تعتد عند أهل زوجها) أمرًا (واجبًا)
ولكريمة واجب بالرفع خبر مبتدأ محذوف (فأنزل الله)
تعالى بعدها ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية
لأزواجهم متاعًا}) نصب بالوصية لأنها مصدر أو تقديره
متعوهن متاعًا ({إلى الحول}) صفة لمتاعًا ({غير
إخراج}) مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول ({فإن
خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن}) من التزين
والتعرض للخطاب ({من معروف}) [البقرة: 240] مما ليس
بمنكر في الشرع (قال) مجاهد (جعل الله لها تمام السنة
سبعة أشهر وعشرين ليلة) في هذه الآية الثانية (وصية)
من زوجها (إن شاءت سكنت في وصيتها) التى أوصاها لها
الزوج (وإن شاءت خرجت) بعد الأربعة الأشهر والعشر (وهو
قول الله تعالى: {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم}
فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك) قاله ابن أبي نجيح
(عن مجاهد) وكأن الحامل له على ذلك كما قاله الخطابي
استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ، فرأى أن
استعمالها ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله
على المعتدّة أربعة أشهر وعشرًا، ويوجب على أهلها أن
تبقى عندهم بقية الحول إن أقامت عندهم وهو قول لم يقله
أحد من الفسرين ولا تابعه أحد من الفقهاء عليه.
(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- (نسخت هذه الآية) الأولى (عدّتها عند أهلها)
المذكورة في الآية الثانية (فتعتد حيث شاءت) لأن
السكنى تبع للعدّة فلما نسخ الحول بالأربعة الأشهر
والعشر نسخت السكنى أيضًا (و) كذا (قول الله تعالى
{غير إخراج}) نسخ أيضًا كما عليه الجمهور (وقال عطاء)
أيضًا: (إن شاءت) المتوفى عنها زوجها (اعتدت عند
أهلها) ولأبي ذر عن الكشميهني: عند أهله (وسكنت في
وصيتها إن شاءت خرجت لقول الله) تعالى: ({فلا جناح
عليكم فيما فعلن في أنفسهن}) وسقط لفظ أنفسهن لغير أبي
ذر (قال عطاء) المذكور (ثم جاء الميراث فنسخ السكنى)
كما نسخت آية الخروج وهي فإن خرجن فلا جناح عليكم وجوب
الاعتداد عند أهل الزوج (فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها)
وهو قول أبي حنيفة كما مر.
5345 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ
عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ
حَبِيبَةَ ابْنَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا جَاءَهَا
نَعِيُّ أَبِيهَا، دَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَحَتْ
ذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ
حَاجَةٍ، لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ
لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى
زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (عن سفيان)
الثوري (عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) أنه
قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد بن نافع) الأنصاري (عن
زينب ابنة أم سلمة) ولأبي ذر بنت أبي سلمة (عن أم
حبيبة ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سفيان) صخر بن حرب (لما
جاءها نعيّ) بفتح النون وكسر العين المهملة وتشديد
التحتية وبسكون العين وتخفيف التحتية خبر موت
(أبيها) أبي سفيان (دعت بطيب فمسحت) منه (ذراعيها
وقالت: ما ليس بالطيب من حاجة لولا أني سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميت
فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا). واستدلّ به
على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث
ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا
القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع
البشرية، ومن ثم تناولت أم حبيبة الطيب لتخرج عن عهدة
الإحداد وصرحت بأنها لم تتطيب لحاجة إشارة إلى أن آثار
الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر.
51 - باب مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً
وَهْوَ لاَ يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا
أَخَذَتْ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ. ثُمَّ قَالَ
بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا
(باب) حكم (مهر البغي) بفتح
(8/193)
الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية من
البغاء وهو الزنا (و) حكم (النكاح الفاسد) كنكاح
الشغار فيبطل ولكل واحدة منهما مهر مثلها ونكاح المتعة
والمستبرأة من غيره.
(وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة (إذا
تزوّج) امرأة (محرمة) عليه بضم الميم وفتح الحاء
المهملة وتشديد الراء المفتوحة آخرها هاء تأنيث، ولأبي
ذر عن المستملي: محرمة بفتح الميم وسكون الحاء وهاء
مضمومة ضمير غيبة أي ذات محرم كأم وأخت بنسب أو رضاع
(وهو) أي والحال أن الرجل (لا يشعر) أنها محرمة (فرق
بينهما) بضم الفاء وكسر الراء المشددة (ولها ما أخذت)
منه من الصداق المسمى (وليس لها غيره، ثم قال) الحسن
(بعد) بالبناء على الضم (لها صداقها) أي صداق مثلها
وقول الحسن هذا ساقط للحموي.
5346 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ
وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام
المخزومي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري
(-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (عن ثمن الكلب) المعلم
وغيره لنجاسته وقال الحنفية: وسحنون من المالكية يجوز
بيع المنتفع به من الكلاب (و) نهى أيضًا عن (حلوان
الكاهن) ما يأخذه الذي يدّعي علم الغيب بواسطة جني
ونحو ذلك قال الماوردي: ويمنع من يكتسب بالكهانة
واللهو ويؤدب الآخذ
والمعطي (و) عن (مهر البغي) ما تأخذه الزانية على
الزنا وسماه مهرًا لكونه على صورته فهو من مجاز
التشبيه أو أطلق عليه ذلك بالمعنى اللغوي.
وهذا الحديث سبق في البيع.
5347 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ
الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ،
وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه) أبي
جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله
السوائي -رضي الله عنه- أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواشمة) التي تغرز الجلد
بالإبر ثم تحشى بالكحل (والمستوشمة) المفعول بها ذلك
لما فيه من تغيير خلق الله تعالى (و) لعن أيضًا (آكل
الربا) آخذه (وموكله) مطعمه لأنهما اشتركا في الفعل
وإن كان أحدهما مغتبطًا والآخر مهتضمًا (ونهى عن ثمن
الكلب وكسب البغيّ) إذا كان من وجه غير حلال كالزنا
كالخياطة والغزل (ولعن المصوّرين) للحيوان.
5348 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ كَسْبِ
الإِمَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون
العين المهملة الجوهري الحافظ قال: (أخبرنا شعبة) بن
الحجاج (عن محمد بن جحادة) بضم الجيم وفتح الحاء
المهملة المخففة الأيامي بتخفيف التحتية وبعد الألف
ميم (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان
الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه قال: (نهى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كسب
الإماء) من وجه حرام كالزنا فبذل العوض عليه وأخذه
حرام.
وهذا الحديث أورده مختصرًا بالاقتصار على المراد من
الترجمة، وزاد في بعض الروايات وكسب الحجام ولا ريب أن
الحجامة مباحة وكراهة كسبه إذ هو في مقابلة مخامرة
النجاسة وقد يكون الكلام في الفصل الواحد بعضه على
الوجوب وبعضه على الحقيقة وبعضه على المجاز ويفرق
بينهما بدلائل الأصول واعتبار معانيها، وقد يتوقف
الحكم في الذي يجمع بالعطف على المجموع لا على إفراده
كقولك: إن دخل الدار زيد وعمرو وبكر فلهم درهم فلا
يستحق من دخل منهم الدار على انفراده الدرهم ولا شيئًا
منه حتى يدخل قرينه.
52 - باب الْمَهْرِ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ
الدُّخُولُ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ
وَالْمَسِيسِ
(باب) حكم (المهر للمدخول) ولأبي ذر للمدخولة (عليها
وكيف الدخول) أي بم يثبت (أو)
كيف الحكم إذا (طلقها قبل الدخول و) كيف (المسيس) أو
هو معطوف على الدخول أي إذا طلقها قبل الدخول وقبل
المسيس وثبت المسيس في رواية أبي ذر عن الحموي.
5349 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ
امْرَأَتَهُ فَقَالَ: فَرَّقَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَخَوَي بَنِي
الْعَجْلاَنِ وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ
أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟
فَأَبَيَا. فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ
أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟
فَأَبَيَا. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ:
فَقَالَ: «لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فِي الْحَدِيثِ
شَيْءٌ لاَ أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ
الرَّجُلُ مَالِي: قَالَ: «لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ
كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإِنْ كُنْتَ
كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ».
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وزرارة
بضم الزاي وراءين بينهما ألف قال: (أخبرنا إسماعيل)
ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) أنه
(قال: قلت لابن عمر) -رضي الله عنهما- (رجل قذف
امرأته)
(8/194)
ما الحكم فيه؟ (فقال: فرق نبي الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أخوي بني العجلان)
بتثنية أخوي والعجلان بفتح العين المهملة وسكون الجيم
وهو من باب التغليب (وقال):
(الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل) أحد (منكما تائب
فأبيا) فامتنعا (فقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل
منكما تائب فأبيا) ثبت ذلك مرتين (ففرق بينهما)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنفيذًا لما أوجب
الله بينهما من المباعدة بنفس الملاعنة.
(قال أيوب) السختياني بالسند السابق (فقال لي عمرو بن
دينار في الحديث شيء لا أراك تحدثه قال: قال الرجل
مالي)؟ الذي أصدقتها (قال: لا مال لك) لأنك (إن كنت
صادقًا) فيما ادّعيت عليها (فقد دخلت بها) واستوفيت
حقك منها وفيه أن من أغلق بابًا وأرخى سترًا على
المرأة فقد وجب لها الصداق وعليها العدة وبذلك قال أهل
الكوفة وأحمد لأن الغالب عند إغلاف الباب وإرخاء الستر
على المرأة وقوع الجماع فأقيمت المظنة مقام المئنة لما
جبلت عليه النفوس في تلك الحالة من عدم الصبر عن
الوقاع غالبًا لغلبة الشهوة وتوفير الداعية وذهب
الشافعي وطائفة إلى أن المهر لا يجب كاملًا إلا
بالجماع لقوله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن}
[البقرة: 237] وأجابوا عن حديث الباب أنه ثبت في
الرواية الأخرى في حديث الباب فهو بما استحللت من
فرجها فلم يكن في قوله دخلت عليها حجة لمن قال: إن
مجرد الدخول يكفي، وقال مالك: إذا دخل بالمرأة في بيته
صدقت عليه وإن دخل بها في بيتها صدق عليها (وإن كنت
كاذبًا) فيما قلته (فهو) أي المال (أبعد منك) لئلا
يجمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك
قبضًا صحيحًا تستحقه.
وهذا الحديث سبق في اللعان.
53 - باب الْمُتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ
تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} -إِلَى قَوْلِهِ-
{إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
وَقَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ} وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمُلاَعَنَةِ
مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا
(باب) وجوب (المتعة) وهي مال يدفعه الزوج (للتي)
للمطلقة التي (لم) يجب لها نصف مهر فقط بأن وجب لها
جميع المهر أو كانت مفوضة لم توطأ ولم (يفرض لها) صداق
صحيح (لقوله تعالى: {لا جناح عليكم}) لا تبعة عليكم
({إن طلقتم النساء}) شرط ويدل على جوابه لا جناح عليكم
والتقدير إن طلقتم النساء فلا جناح عليكم ({ما لم
تمسوهن}) ما لم تجامعوهن وما شرطية أي إن لم تمسوهن
({أو تفرضوا لهن فريضة}) إلا أن تفرضوا لهن فريضة أو
حتى تفرضوا وفرض الفريضة تسمية المهر ومتعوهن (-إلى
قوله- {إن الله بما تعملون بصير}) [البقرة: 236]
فيجازيكم على تفضلكم ولأن المفوضة لم يحصل لها شيء
فيجب لها متعة للإيحاش (و) للأولى التي وجب لها جميع
المهر في (قوله) تعالى: ({وللمطلقات متاع بالمعروف
حقًّا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم
تعقلون}) [البقرة: 241] وخصوص قوله تعالى: {فتعالين
أمتعكن} [الأحزاب: 28] ولأن المهر في مقابلة منفعة
بضعها وقد استوفاها الزوج فتجب للإيحاش متعة وأما من
وجب لها النصف فقط فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة
بضعها فيكفي نصف مهرها للإيحاش ولأنه تعالى لم يجعل
لها سواه بقوله عز وجل: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237]
ويسن أن لا تنقص المتعة عن ثلاثين درهمًا وأن لا تبلغ
نصف المهر وعبر جماعة بأن لا تزاد على خادم فلا حد
للواجب، وقيل هو أقل ما يتمول ومتع الحسن بن علي زوجته
بعشرة آلاف.
وقال: متاع قليل من حبيب مفارق. وقال المالكية: لا تجب
المتعة أصلًا واحتج له بعضهم بأنها لم تقدر. وأجيب:
بأن عدم التقدير لا يمنع الوجوب كنفقة القريب وعن أبي
حنيفة تختص بالمطلقة قبل الدخول ولم يسم لها صداق (ولم
يذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
الملاعنة متعة حين طلقها زوجها).
5350 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ:
«حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لاَ
سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَالِي. قَالَ: «لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ
عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا،
وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ
وَأَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن
سعيد بن جبير عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للمتلاعنين):
(حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل) لا طريق (لك)
على الاستيلاء (عليها) ففيه تأبيد الحرمة فلا يملك
عصمتها بوجه من الوجوه (قال: يا رسول الله):
أيذهب (مالي) الذي دفعته لها مهرًا (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (لا مال لك) لأنك (إن
كنت صدقت عليها) فيما قلته عليها (فهو) أي المال
(8/195)
(بما استحللت من فرجها) بحذف العائد (وإن كنت كذبت)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كاذبًا (عليها فذاك)
الطلب لما صدقتها (أبعد وأبعد لك منها).
وتفدّم الحديث في اللعان والله المعين.
|