شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
69 - كتاب النفقات
1 - باب (فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ)
{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وَقَالَ
الْحَسَنُ: الْعَفْوُ الْفَضْلُ
(بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب النفقات) جمع نفقة مشتقة من
النفوق وهو الهلاك يقال: نفقت الدابة تنفق نفوقًا هلكت
ونفقت الدراهم تنفق نفقًا أي نفدت وأنفق الرجل افتقر وذهب
ماله أو من النفاق وهو الرواج يقال: نفقت السلعة نفاقًا
راجت، وذكر الزمخشري أن كل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على
معنى الخروج والذهاب مثل نفق ونفر ونفخ ونفس ونفذ، وفي
الشرع عبارة عما وجب لزوجة أو قريب أو مملوك وجمعها
لاختلاف أنواعها من نفقة زوج وقريب ومملوك (وفضل النفقة)
بجر فضل عطفًا على المجرور السابق ولأبي ذر والنسفي تأخير
البسملة عن قوله كتاب النفقات، ثم قال: باب فضل النفقة
(على الأهل) لكن لفظ باب ساقط ولأبي ذر.
({ويسألونك}) ولأبي ذر وقول الله تعالى: ويسألونك ({ماذا
ينفقون قل العفو}) قرأه بالرفع أبو عمرو على أن ما
استفهامية وذا موصولة فوقع جوابها مرفوعًا خبر المبتدأ
محذوف مناسبة بين الجواب والسؤال والتقدير إنفاقكم العفو
والباقون بالنصب على أن ماذا اسم واحد فيكون مفعولًا
مقدمًا تقديره أي شيء ينفقون فوقع جوابها منصوبًا بفعل
مقدر للمناسبة أيضًا والتقدير أنفقوا العفو ({كذلك}) الكاف
في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي تبيينًا مثل هذا التبيين
({يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا}) في أمر
الدنيا ({والآخرة}) [البقرة: 219، 220] وفي تتعلق بتتفكرون
أي تتفكرون فيما يتعلق بالدارين فتأخذون بما هو أصلح لكم.
(وقال الحسن) البصري -رحمه الله- فيما وصله عبد بن حميد
وعبد الله بن أحمد في زيادات
بسند صحيح عنه (العفو فضل). وعند ابن أبي حاتم من مرسل
يحيى بن أبي كثير بسند صحيح أنه بلغه أن معاذ بن جبل
وثعلبة سألا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالا: إن لنا أرقاء وأهلين فيما ننفق من
أموالنا؟ فنزلت. وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم
أيضًا أن المراد بالعفو ما فضل عن الأهل.
5351 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، فَقُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ
فَقَالَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً
عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ
صَدَقَةً».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (قال: سمعت عبد
الله بن يزيد) من الزيادة (الأنصاري عن أبي مسعود) عقبة بن
عمرو (الأنصاري) البدري قال شعبة بن الحجاج: كما بينه عند
الإسماعيلي في رواية له فيما نبه عليه في الفتح أو عبد
الله بن يزيد كما قاله العيني: (فقلت) لأبي مسعود أترويه
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أو تقوله
اجتهادًا؟ (فقال) إنما أرويه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا أنفق المسلم نفقة) دراهم أو غيرها (على أهله) زوجته
أو ولده وأقاربه، ويحتمل أن يختص بالزوجة ويلتحق بها غيرها
بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما
ليس بواجب أولى (وهو) أي والحال أنه (يحتسبها) أي يريد بها
وجه الله تعالى بأن يتذكر أنه يجب عليه الإنفاق فينفق بنية
أداء ما أمر به (كانت) أي النفقة (له صدقة) أي كالصدقة في
الثواب وإلا لحرمت على الهاشمي والمطلبي والصارف له عن
الحقيقة الإجماع وإطلاق الصدقة على النفقة مجاز والمراد
بها الثواب كما سبق هنا فالتشبيه واقع على أصل الثواب لا
في الكمية ولا في الكيفية.
وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها
الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم
فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم
صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم
المؤونة ترغيبًا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة
التطوّع، وقال ابن المنير: تسمية الفقة صدقة من جنس تسمية
الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه
إليها في اللذة والتأنيس والتحصن
(8/196)
وطلب الولد كان الأصل أن لا يجب لها عليه
شيء إلا أن الله تعالى خص الرجل بالفضل على المرأة
وبالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز إطلاق
النحلة على الصداق والصدقة على النفقة.
وهذا الحديث قد مرّ في باب ما جاء أن الأعمال بالنية
والحسبة من كتاب الإيمان.
5352 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ:
أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(قال الله) تعالى (أنفق) بفتح الهمزة وكسر الفاء وسكون
القاف أمر من الإنفاق (يا ابن آدم أُنفق عليك) بضم الهمزة
والجزم جواب الأمر.
وهذا الحديث ذكره المؤلّف -رحمه الله- في تفسير سورة هود
من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بأتمّ من هذا
ولفظه: قال الله تعالى: أنفق أُنفق عليك، وقال: يد الله
ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما
أنفق منذ خلق الله السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده
وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع. قال في شرح
المشكاة قوله: أُنفق عليك من باب المشاكلة لأن إنفاق الله
تعالى لا ينقص من خزائنه شيئًا كما قال: يد الله ملأى لا
يغيضها نفقة وإليه يلمح قوله تعالى: {ما عندكم ينفذ وما
عند الله باقٍ} [النحل: 96]. وفي رواية مسلم من طريق همام
عن أبي هريرة أن الله تعالى قال لي: أنفق أُنفق عليك
بزيادة لفظ (لي) على رواية البخاري، فالمراد بابن آدم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو جنس بني آدم
ويكون تخصيصه صلوات الله وسلامه عليه بإضافته إلى نفسه
لكونه رأس الناس فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته
قال في الفتح.
5353 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «السَّاعِي عَلَى
الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ
النَّهَارَ». [الحديث 5353 - أطرافه في: 6006 - 6007].
وبه قال: (حدّثني يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين
المهملة المفتوحات المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام
الأعظم (عن ثور بن زيد) بالثاء المثلثة الديلي (عن أبي
الغيث) بالغين المعجمة وبعد التحتية الساكنة مثلثة سالم
مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه
(قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الساعي) الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفقه (على) المرأة
(الأرملة) بفتح الهمزة والميم بينهما راء ساكنة التي لا
زوج لها (والمسكين) في الثواب (كالمجاهد في سبيل الله) عز
وجل (أو القائم الليل) بالحركات الثلاث كما في الحسن الوجه
في الوجوه الأعرابية وإن اختلفا في بعضها بكونه حقيقة أو
مجازًا وثبت بالشك في جميع الروايات عن مالك (الصائم
النهار) وفي رواية القعنبي عن مالك عند المؤلّف في الأدب
وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر، ومطابقة
الحديث للترجمة من جهة إمكان اتصاف الأهل أي الأقارب
بالصفتين المذكورتين وإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من
ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على المتصف بهما
أولى.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب وكذا مسلم
وأخرجه الترمذي في البرّ والنسائي في الزكاة وابن ماجة في
التجارات.
5354 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ
بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: لِي
مَالٌ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ
فَالشَّطْرُ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ: فَالثُّلُثُ. قَالَ:
«الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ. وَرَثَتَكَ
أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً
يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَهْمَا
أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ
تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ
يَرْفَعُكَ، يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرُّ بِكَ
آخَرُونَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة قال: (أخبرنا
سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف
(عن عامر بن سعد عن) أبيه (سعد) أي ابن أبي وقاص (رضي الله
عنه) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يعودني وأنا مريض بمكة) عام حجة الوداع (فقلت)
له يا رسول الله (لي مال) ولا يرثني إلا ابنة فهل (أوصي
بمالي كله) صدقة بعد فرض ابنتي (وقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا. قلت: فالشطر)؟ بالفاء والجرّ ولأبي ذر بالرفع (قال)
عليه الصلاة والسلام (لا. قلت: فالثلث)؟ بالجرّ والرفع
(قال) عليه الصلاة والسلام: يكفيك (الثلث والثلث كثير)
بالمثلثة (أن تدع) بفتح الهمزة أي تترك (ورثتك أغنياء خير
من أن تدعهم عالة) بالعين المهملة وتخفيف اللام فقراء
(يتكففون الناس في أيديهم) أي يمدّون إلى الناس أكفهم
للسؤال (ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة) حال كونك
(ترفعها في فِي
(8/197)
امرأتك) فيه أن المباح إذا قصد به وجه الله
صار قربة يثاب عليه (ولعل الله يرفعك ينتفع بك ناس ويضرّ
بك آخرون) ببناء الفعلين للمفعول وقد وقع ذلك فإنه عاش حتى
فتح العراق وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به
الكفار.
وهذا الحديث سبق في كتاب الجنائز.
2 - باب وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ وَالْعِيَالِ
(باب وجوب النفقة على الأهل) الزوجة (والعيال) من عطف
العام على الخاص وعيال الرجل من يقوم بهم وينفق عليهم وبدأ
بالزوجة لأنها أقوى لوجوبها بالمعاوضة وغيرها بالمواساة،
ولأنها لا تسقط بمضيّ الزمان والعجز بخلاف غيرها ولوجوبها
سببان: نسب وملك فيجب بالنسب خمس نفقات.
نفقة الأب الحرّ وآبائه وأمهاته. ونفقة الأم الحرّة
وآبائها وأمهاتها لقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا
معروفًا} [لقمان: 15]. ومنه القيام بمؤونتها، ونفقة
الأولاد الأحرار وأولادهم بشرط يسار المنفق بفاضل عن قوته
وقوت زوجته وخادمها وخادمه وولده يومه وليلته ويعتبر مع
القوت الكسوة والسكنى.
ويجب بالملك خمس أيضًا: نفقة الزوجة ومملوكها والمعتدّة إن
كانت رجعية أو حاملًا ومملوكها ومملوك من رقيق وحيوان
فللزوجة على الغنيّ مدّان ولخادمها مدّ وثلث وعلى المتوسط
لها مدّ ونصف ولخادمها مدّ وعلى المعسر لها مدّ وكذا
لخادمها، ومن أوجبنا له النفقة أوجبنا له المدّ والكسوة
والسكنى وتسقط النفقة بمضي الزمان بلا إنفاق إلا نفقة
الزوجة فلا تسقط بل تصير دينًا في ذمته لأنها بالنسبة
إليها معاوضة في مقابلة التمكين للتمتع وبالنسبة إلى غيرها
مواساة، وظاهر أن خادمة الزوجة مثلها.
وقال الحنفية: ولا تجب نفقة مضت لأنها صلة فلا تملك إلا
بالقبض كالهبة إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة أو صالحت
الزوج على مقدار منها فيقضي لها بنفقة ما مضى لأن فيه حقين
حق الزوج وحق الشرع فمن حيث الاستمتاع وقضاء الشهوة وإصلاح
المعيشة حق الزوج ومن حيث تحصيل الولد وصيانة كل واحد
منهما عن الزنا حق الشرع فباعتبار حقه عوض، وباعتبار حق
الشرع صلة فإذا تردّد بينهما فلا يستحكم إلا بحكم القاضي
عليهما.
قال الزيلعي: وفي الغاية أن نفقة ما دون شهر لا تسقط وعزاه
إلى الذخيرة قال: فكأنه جعل القليل مما لا يمكن التحرز عنه
إذ لو سقطت بمضيّ يسير من المدة لما تمكنت من الأخذ أصلًا.
5355 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ
الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ
بِمَنْ تَعُولُ» تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ
تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي. وَيَقُولُ
الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي. وَيَقُولُ
الاِبْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَقَالُوا:
يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ هَذَا
مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا أبو صالح)
ذكوان السمان (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو هريرة -رضي الله
عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أفضل الصدقة ما ترك غنى) بحيث لم يجحف بالمتصدق (واليد
العليا) وهي المعطية (خير من اليد السفلى) وهي السائلة
(وابدأ) في الإنفاق (بمن تعول) بمن تجب عليك نفقته وفي
حديث النسائي عن أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله عندي
دينار قال: "تصدّق به على نفسك" قال: عندي آخر قال: "تصدّق
به على زوجتك" قال: عندي آخر قال: "تصدّق به على خادمك"
قال: عندي آخر قال: "أنت أبصر به" (تقول المرأة) لزوجها:
(إما أن تطعمني) وللنسائي إما أن تنفق عليّ (وإما أن
تطلقني، ويقول العبد أطعمني) بهمزة قطع (واستعملني) وزاد
الإسماعيلي وإلاّ فبعني (ويقول الابن: أطعمني إلى مَن
تدعني) وللإسماعيلي إلى من تكلني (فقالوا: يا أبا هريرة
سمعت
هذا) يعني قوله تقول المرأة إلى آخره (من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: لا هذا من كيس
أبي هريرة) بكسر الكاف أي من كلامي أدرجته في آخر الحديث
لا مما سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وحينئذ فهو موقوف استنبطه مما فهمه من الحديث
المرفوع الواقع.
وقال في الكواكب الدراري: والكيس بكسر الكاف الوعاء وهذا
إنكار على السائلين عنه يعني ليس هذا إلا من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه نفي يريد به
الإثبات وإثبات يريد به النفي على سبيل التعكيس قال وفي
بعضها بفتح
(8/198)
الكاف أي من عقل أبي هريرة وكياسته وفيه أن
النفق على الولد ما دام صغيرًا أو لا مال له ولا حِرفة لأن
قوله إلى من تدعني؟ إنما هو قول من لا يرجع إلى شيء سوى
نفقة الأب ومن له حِرفة أو مال غير محتاج إلى قول ذلك،
واستدلّ بقوله: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني من قال يفرّق
بين الرجل وزوجته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه كما يفسخ
بالجب والعنة بل هذا أولى لأن الصبر عن التمتع أسهل منه عن
النفقة ونحوها لأن البدن يبقى بلا وطء ولا يبقى بلا قوت
وأيضًا منفعة الجماع مشتركة بينهما فإذا ثبت في المشترك
جواز الفسخ لعدمه ففي عدم المختص بها أولى وقياسًا على
المرقوق فإنه يبيعه إذا أعسر بنفقته ولا فسخ للزوجة بنفقة
عن مدة ماضية إذا عجز عنها لتنزلها منزلة دين آخر يثبت في
ذمته.
وقال الحنفية: إذا أعسر بالنفقة تؤمر بالاستدانة عليه
ويلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته لقوله تعالى: {وإن كان
ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] وغاية النفقة أن
تكون دينًا في الذمة وقد أعسر بها الزوج فكانت المرأة
مأمورة بالإنظار بالنص، ثم إن في إلزام الفسخ إبطال حقه
بالكلية وفي إلزام الإنظار عليها والاستدانة عليه تأخير
حقها دينًا عليه وإذا دار الأمر بينهما كان التأخير أولى
به وفارق الجب والعنة والمملوك لأن حق الجماع لا يصير
دينًا على الزوج ولا نفقة المملوك تصير دينًا على المالك
ويخص المملوك أن في إلزام بيعه إبطال حق السيد إلى خلف هو
الثمن فإذا عجز عن نفقته كان النظر من الجانبين في إلزامه
ببيعه إذ فيه تخليص المملوك من عذاب الجوع وحصول بذل
القائم مقامه للسيد بخلاف إلزام الفرقة فإنه إبطال حقه بلا
بذل وهو لا يجوز بدلالة الإجماع على أنها لو كانت أم ولد
عجز عن نفقتها لم يعتقها القاضي عليه قاله الشيخ كمال
الدين.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء.
5356 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ، مَا كَانَ عَنْ
ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بالعين المهملة المضمومة
والفاء المفتوحة مصغرًا (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن
سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن
خالد بن
مسافر) أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب)
سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) قال في شرح
السُّنّة: أي غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب التي
تنوبه، وقال التوربشتي هو مثل قولهم هو على ظهر سير وراكب
متن السلامة وممتط غارب الغير ونحو ذلك من الألفاظ التي
يعبر بها عن التمكن من الشيء والاستواء عليه والتنكير فيه
للتعظيم، وقال الطيبي: استعير الصدقة للإنفاق حثا عليه
ومسارعة فيما يرجى منه جزيل الثواب ومن ثم أتبعه بما ينبغي
أن تحمل فيه الصدقة على الإنفاق مطلقًا، وقوله: "وابدأ بمن
تعول عليه" قرينة للاستعارة فيشمل النفقة على العيال
وصدقتي التطوّع والواجب. وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا
من صلب المال فعلى هذا كان من الظاهر أن يؤتى بالفاء فعدل
إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضًا
للترتيب إلى الذهن واهتمامًا بشأن الإنفاق.
3 - باب حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى
أَهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ الْعِيَالِ؟
(باب) جواز (حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات
العيال) وسقط لفظ نفقة لأبي ذر.
5357 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا
وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ
قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ
يَجْمَعُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ
السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْنِي. ثُمَّ
ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ
الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي
الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ،
وَيَحْبِسُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي قال:
(أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح (عن ابن عيينة) سفيان (قال:
قال لي معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن
راشد (قال لي الثوري) سفيان (هل سمعت في الرجل يجمع لأهله
قوت سنتهم أو) قوت (بعض السنة)؟ شيئًا (قال معمر: فلم
يحضرني) شيء في ذلك (ثم ذكرت حديثًا حدّثناه ابن شهاب)
محمد بن مسلم (الزهري عن مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون
الواو بعدها سين مهملة ابن الحدثان (عن عمر) بن الخطاب (-
رضي الله عنه - أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، كان يبيع نخل بني النضير) بفتح النون وكسر
الضاد المعجمة يهود خيبر مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما لم
(8/199)
يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت
لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة
(ويحبس لأهله) زوجته وعياله من ذلك (قوت سنتهم) تطييبًا
لقلوبهم وتشريعًا لأمته ولا يعارضه حديث أنه كان لا يدّخر
شيئًا لغد لأنه كان قبل السعة أو لا يدّخر
لنفسه بخصوصها وفيه جواز ادّخار القوت للأهل والعيال، وأنه
ليس بحكرة ولا مناف للتوكل كيف ومصدره عن سيد المتوكلين،
وإذا كان حال التوكل اعتماد القلب عليه تعالى فقط فلا يقدح
فيه تسبب ككي في مرض إذا تحقق بما شاء الله كان وما لم يشأ
لم يكن وترك الأسباب وفعل مخوف توكلًا منهي عنه فتعتبر
الأسباب الشرعية ومن غلبه توحيد خاص أغناه عن بعضها لا
يقتدى به فيه.
5358 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ
بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ.
فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ
فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: انْطَلَقْتُ حَتَّى
أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ إِذْ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا
فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ
فَأَذِنَ لَهُمْ. قَالَ: فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا
فَجَلَسُوا. ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأ قَلِيلًا فَقَالَ
لِعُمَرَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا. فَلَمَّا دَخَلاَ سَلَّمَا
وَجَلَسَا. فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ
وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ
بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ
عُمَرُ اتَّئِدُوا. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِهِ
تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَفْسَهُ. قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ
عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا
بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟
قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي
أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ
خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
هَذَا الْمَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ،
قَالَ اللَّهُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ
رِكَابٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ
هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا
دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ
أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا
هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ
سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ
فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَيَاتَهُ. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ
ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ:
أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ:
نَعَمْ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ يَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ
بِهِ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ وَأَقْبَلَ عَلَى
عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَذَا
وَكَذَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ
بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ
أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ،
فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا
وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي
نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَى هَذَا يَسْأَلُنِي
نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ
شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ
عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ
فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا أَبُو
بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ بِهِ فِيهَا مُنْذُ وُلِّيتُهَا،
وَإِلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فِيهَا. فَقُلْتُمَا
ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ. فَدَفَعْتُهَا
إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ
دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ:
نَعَمْ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ
فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا
إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. قَالَ:
أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟
فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ
أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ
السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا
فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير
بضم العين المهملة وفتح الفاء مصغرًا الأنصاري مولاهم
البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام
(قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين مصغرًا ابن
خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الحاء
والدال المهملتين والمثلثة قال الزهري: (وكان محمد بن جبير
بن مطعم ذكر لي ذكرًا) أي بعضًا (من حديثه فانطلقت حتى
دخلت على مالك بن أوس فسألته) عن ذلك (فقال) لي (مالك)
المذكور (انطلقت) فيه حذف ذكره في فرض الخمس ولفظه: فقال
مالك: بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار أي اشتد حرّه
إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال: أجب أمير المؤمنين
فانطلقت معه (حتى أدخل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عمر) فبينا أنا جالس عنده (إذ أتاه حاجبه يرفأ)
بفتح التحتية وسكون الراء وفتح الفاء مهموزًا وغير مهموز
(فقال) له (هل لك) رغبة (في عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن)
بن عوف (والزبير) بن العوام (وسعد) أي ابن أبي وقاص حال
كونهم (يستأذنون) في الدخول عليك (قال) عمر -رضي الله عنه-
(نعم فأذن لهم قال: فدخلوا وسلموا فجلسوا ثم لبث) مكث
(يرفأ قليلًا فقال لعمر: هل لك) رغبة (في عليّ وعباس) -رضي
الله عنهما- (قال) عمر: (نعم فأذن لهما فلما دخلا سلّما
وجلسا. فقال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين
هذا) يريد عليًّا. زاد في الخمس وهما يختصمان فيما أفاء
الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
بني النضير (فقال الرهط عثمان وأصحابه) الذين معه: (يا
أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر:
اتئدوا) بتشديد الفوقية وكسر الهمزة أي تأنّوا ولا تعجلوا
(أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أسألكم (بالله الذي به)
ولأبي ذر عن الكشميهني بإذنه (تقوم السماء) فوق رؤوسكم بلا
عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم (هل تعلمون أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث) معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) ما موصول مبتدأ
وتركنا صلته والعائد محذوف صدقة رفع خبره (يريد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) وغيره من
الأنبياء فليس خاصًّا به كما قال في الرواية الأخرى: "نحن
معاشر الأنبياء" (قال الرهط): عثمان وأصحابه (قد قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك. فأقبل عمر على
عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك؟ قالا: قد
قال ذلك. قال عمر: فإني أحدّثكم عن هذا الأمر: إن الله) عز
وجل (كان خصّ) ولأبي ذر قد خص (رسوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا المال بشيء) وفي الخمس في هذا
الفيء بدل المال (لم يعطه أحدًا غيره) لأن الفيء كله أو
جفه على اختلاف فيه كان له عليه الصلاة والسلام (قال الله)
تعالى: ({ما أفاء الله
على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} -إلى-
قوله: {قدير}) [الحشر: 6].
وسقط لغير أبي ذر: فما أوجفتم عليه من خيل (فكانت هذه)
الأخماس الأربعة من بني النضير وخيبر وفدك (خالصة لرسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، لا حق لأحد
فيها غيره (والله ما احتازها) بحاء مهملة ساكنة وزاي
مفتوحة ما جمعها، ولأبي ذر عن الكشميهني: ما اختارها
بالخاء المعجمة والراء المهملة
(8/200)
لنفسه (دونكم ولا استأثر) ما استقل (بها
عليكم لقد أعطاكموها) أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة
والمثلثة المشددة وفرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال)
فدك وخيبر وبنو النضير (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا
المال) وهذا موضع الترجمة (ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) أي
موضع (مال الله) لمصالح المسلمين (فعمل بذلك رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حياته. أنشدكم بالله)
ولأبي ذر: أنشدكم الله بحذف حرف الجر والنصب (هل تعلمون
ذلك؟ قالوا: نعم. قال): وفي الخمس ثم قال: العين وعباس
أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، ثم توفى الله
نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو بكر:
أنا ولي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقبضها أبو بكر يعمل) ولأبي ذر فعمل (فيها بما عمل به فيها
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتما
حينئذ وأقبل على عليّ وعباس) جملة معترضة (تزعمان) خبر
لقوله أنتما (أن أبا بكر كذا وكذا) أي منعكما ميراثكما منه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والله يعلم أنه فيها
لصادق) في القول (بارّ) في العمل (راشد) في الاقتداء برسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تابع للحق ثم
توفّى الله أبا بكر فقلت أنا وليّ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر) -رضي الله عنه-
(فقبضتها سنتين) من إمارتي (أعمل فيها بما عمل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله
عنه- (ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع) أي مجتمع
لم يكن بينكما منازعة (جئتني) يا عباس (تسألني نصيبك من
ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأتى هذا)
أي عليّ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإن هذا (يسألني
نصيب امرأته) فاطمة -رضي الله عنها- (من أبيها) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلت) لكما (إن شئتما دفعته
إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما
عمل به) فيها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وبما عمل فيها أبو بكر) -رضي الله عنه- (وبما
عملت به فيها منذ وليتها) فلا تتصرفان فيها على جهة
التمليك إذ هي صدقة محرّمة التمليك بل افعلا فيها كما فعل
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحباه
بعده (وإلاّ) بأن لم تفعلًا فيها ما ذكر (فلا تكلماني فيها
فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك) ثم قال
للرهط: (أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ فقال الرهط:
نعم قال؛ فأقبل عمر) (على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله
هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم قال) عمر: (أفتلتمسان)
أفتطلبان (مني قضاء) حكمًا (غير ذلك) الحكم الذي حكمت فيها
(فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير
ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها) إليّ (فأنا
أكفيكماها).
وهذا الحديث سبق في فرض الخمس والله الموفق والمعين.
4 - باب
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ
أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}
إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَقَالَ:
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} وَقَالَ:
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى *
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا} وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ نَهَى
اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا،
وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَالِدَةُ، لَسْتُ مُرْضِعَتَهُ،
وَهْيَ أَمْثَلُ لَهُ غِذَاءً وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ
وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ
تَأْبَى بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَعَلَ
اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ
يُضَارَّ بِوَلَدِهِ وَالِدَتَهُ فَيَمْنَعَهَا أَنْ
تُرْضِعَهُ ضِرَارًا لَهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيبِ نَفْسِ
الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ
تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا
وَتَشَاوُرٍ. فِصَالُهُ فِطَامُهُ.
هذا (باب) بالتنوين (وقال الله تعالى): وسقط لفظ وقال الله
تعالى لأبي ذر ({والوالدات يرضعن أولادهن}) خبر في معنى
الأمر المؤكد كيتربصن وهذا الأمر على وجه الندب أو على وجه
الوجوب إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه أو لم يوجد له ظئر
أو كان الأب عاجزًا عن الاستئجار أو أراد الوالدات
المطلقات وإيجاب النفقة والكسوة لأجل الرضاع وعبّر بلفظ
الخبر دون لفظ الإلزام كأن يقول وعلى الوالدات إرضاع
أولادهن كما جاء بعد وعلى الوارث مثل ذلك إشارة إلى عدم
الوجوب ({حولين}) ظرف ({كاملين}) تامين وهو تأكيد لأنه مما
يتسامح فيه فإنك تقول أقمت عند فلان حولين ولم تستكملهما
({لمن أراد أن يتم الرضاعة}) بيان لمن توجه إليه الحكم أي
هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع (إلى قوله: {بما تعملون
بصير}) [البقرة: 233] لا تخفى عليه أعمالكم فهو يجازيكم
عليها (وقال) تعالى: {وحمله وفصاله}) ومدة حمله وفطامه
({ثلاثون شهرًا}) [الأحقاف: 15] استدل عليّ -رضي الله عنه-
بهذه الآية مع التي في لقمان (وفصاله في عامين} [لقمان:
14] قوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين} على أن أقل مدة
الحمل ستة أشهر وهو كما قاله ابن كثير استنباطًا قوي صحيح
ووافقه عليه عثمان وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فروى
محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله الجهني قال:
(8/201)
تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت لتمام
ستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له فبعث إليها
فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: ما يبكيك؟ فوالله
ما التبس بي أحد من خلق الله غيره قطّ فيقضي الله فيّ ما
شاء فلما أتي بها عثمان أمر برجمها فبلغ ذلك عليًّا فأتاه
فقال له: ما تصنع؟ قال: ولدت تمامًا لستة أشهر وهل يكون
ذلك؟ فقال له عليّ: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قال: أما
سمعت الله تعالى يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} وقال:
{حولين كاملين} فلم تجد قد بقي إلا ستة أشهر فقال عثمان:
والله ما فطنت لهذا عليّ بالمرأة قال: فوجدوها قد فرغ منها
رواه ابن أبي حاتم.
(وقال): تعالى ({وإن تعاسرتم}) أي تضايقتم فلم ترض الأم
بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك ({فسترضع له
أخرى}) فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه وفيه طرف
من معاتبة الأم على المعاشرة، وقوله له أي للأب أي سيجد
الأب غير معاشرة ترضع له ولده إن عاشرته أمه، وفيه أنه لا
يجب على الأم إرضاع ولدها، نعم عليها إرضاعه اللبأ بالهمزة
والقصر بأجرة وبدونها لأنه لا يعيش غالبًا إلا به وهو
اللبن أول الولادة ثم بعده إن انفردت هي أو أجنبية وجب
إرضاعه على الموجودة منهما وله إجبار أمته على إرضاع ولدها
منه أو من غيره لأن لبنها ومنافعها له بخلاف الحرّة
({لينفق ذو سعة من سعته}) أي لينفق كل واحد من الموسر
والمعسر ما بلغه وسعه يريد ما أمر به من الإنفاق على
المطلقات والمرضعات ({ومن قُدر عليه رزقه}) أي ضيق عليه أي
رزقه الله على قدر قوته (إلى قوله: {بعد عسر يسرًا})
[الطلاق: 6، 7]. أي بعد ضيق في المعيشة سعة وهذا وعد لذي
العسر باليسر ووعده تعالى حق وهو لا يخلفه. قال في فتوح
الغيب: يقال إنه موعد لفقراء ذلك الوقت ويدخل فيه فقراء
الأزواج دخولًا أولويًّا.
(وقال يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله عبد الله بن وهب في
جامعه (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (نهى الله تعالى
أن تضار والدة بولدها) في قوله جل وعلا: {لا تكلف نفس إلا
وسعها} [الأنعام: 152] (لا تضار والدة بولدها وذلك أن تقول
الوالدة) للوالد (لست مرضعته) أو تطلب منه ما ليس بعدل من
الرزق والكسوة وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد وأن
تقول بعد ما ألفها الولد اطلب له ظئرًا وما أشبه ذلك (وهي
أمثل له غذاء) بمعجمتين أولاهما مكسورة (وأشفق عليه وأرفق
به من غيرها فليس لها أن تأبى) إرضاعه (بعد أن يعطيها)
الوالد (من نفسه ما جعل الله عليه) من الرزق والكسوة (وليس
للمولود له أن يضار بولده) أي بسبب ولده (والدته فيمنعها
أن ترضعه) وهي تريد إرضاعه (ضررًا لها) منتهيًا (إلى) رضاع
(غيرها) فإلى متعلق بيمنعها (فلا جناح عليهما) أي الأبوين
(أن يسترضعا) ظئرًا (عن طيب نفس الوالد والوالدة فإن)
بالفاء ولأبي ذر: إن (أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور)
بينهما (فلا جناح عليهما) في ذلك (بعد أن يكون ذلك عن تراض
منهما وتشاور) سواء زادا على الحولين أو نقصا وهو توسعة
بعد التحديد والتشاور واستخراج الرأي وذكره ليكون التراضي
عن تفكر فلا يضر الرضيع فسبحان من أدّب الكبير ولم يهمل
الصغير واعتبر اتفاق الأبوين لما للأب من النسب والولاية
وللأم من الشفقة والعناية.
(فصاله) قال ابن عباس: فيما أخرجه الطبري يعني (فطامه)
بنصب الميم في اليونينية أي منعه من شرب اللبن.
5 - باب نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا غَابَ عَنْهَا
زَوْجُهَا، وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ
(باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد) بخفض
ونفقة عطفًا على المضاف إليه إذا غاب الزوج الموسر عن
زوجته فليس لها فسخ النكاح لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم
فيبعث قاضي بلدها إلى قاضي بلده فيلزمه بدفع نفقتها إن علم
موضعه، واختار القاضي الطبري وابن الصبّاغ جواز الفسخ لها
إذا تعذّر تحصيلها في غيبته للضرورة، وقال الروياني وصاحب
العدّة: إن
الفتوى عليه، ولو انقطع خبره ثبت لها الفسخ لأن تعذّر
النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالإفلاس نقله الزركشي عن
(8/202)
صاحبي المهذّب والكافي وغيرهما وأقرّه لا
بغيبة من جهل حاله يسارًا وإعسارًا لعدم تحقق المقتضى. نعم
لو أقامت بيّنة عند حاكم بلدها بإعساره ثبت لها لفسخ ولا
يفسخ بغيبة ماله دون مسافة القصر لأنه في حكم الحاضر ويؤمر
بتعجيل الإحضار أما إذا كان بمسافة القصر فأكثر فلها الفسخ
لتضررها بالانتظار الطويل وأما نفقة الولد فتجب بشرط
الحاجة، والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة.
5359 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ،
فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ
عِيَالَنَا؟ قَالَ: «لاَ. إِلاَّ بِالْمَعْرُوفِ».
وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا
عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد
الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد
(عروة) بن الزبير (أن عائشة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
عن عائشة (-رضي الله عنها-) أنها (قالت: جاءت هند) بغير
صرف ولأبي ذر هند بالصرف (بنت عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس
بن عبد مناف أم معاوية إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان)
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (رجل مسّيك)
قال في القاموس: كأمير وسكيت وهمزة وعنق بخيل (فهل علي
حرج) إثم (أن أطعم) بضم الهمزة وكسر العين (من) الشيء
(الذي له عيالنا؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(لا) تطعميهم من ماله (إلا بالمعروف) بين الناس أنه قدر
الكفاية عادة من غير إسراف.
وفي المظالم لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف، وقال
القرطبي: قوله خذي أمر إباحة بدليل قوله لا حرج قال: وهذه
الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا لكنها مقيدة معنى كأنه قال:
إن صح ما ذكرت، وقد اختلف أصحابنا هل للمرأة استقلال
بالأخذ من مال زوجها عند الحاجة بغير إذن القاضي؟ فيه
وجهان مبنيان على وجهين بناء على أن إذن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهند كان إفتاء أو قضاء،
والأول أصح فيجري في كل امرأة أشبهتها، وعلى الثاني وهو أن
يكون قضاء لا يجري على غيرها إلا بإذن القاضي، وأيد القول
الأول ابن دقيق العيد بأن الحكم يحتاج إلى إثبات السبب
المسلط على الأخذ من مال الغير ولا يحتاج إلى ذلك في
الفتوى، وربما قيل إن أبا سفيان كان حاضرًا في البلد ولا
يقضى على الغائب الحاضر في البلد مع إمكان إحضاره وسماع
الدعوى على المشهور من مذاهب الفقهاء، ثم قال: وهذا يبعد
ثبوته إلا أن يؤخذ بطريق الاستصحاب بحال حضوره انتهى. وفيه
كلام يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى بعونه في القضاء على
الغائب في كتاب الأحكام.
5360 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ - رضي
الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ
كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ
أَجْرِهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى الختي أو يحيى بن جعفر بن
أعين البيكندي وهو الظاهر كما صرّح به في البيوع قال:
(حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن
همام) هو ابن منبه أنه (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها) على عياله وأضيافه (عن)
ولأبي ذر عن الكشميهني من (غير أمره) الصريح في ذلك القدر
المنفَق بل فهمت ذلك من قرائن حالية أو أنفقت مما خصه
الزوج بها (فله نصف أجره) قال محيي السُّنّة وهذا خارج على
عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل في الإنفاق
والتصدّق بما يكون في البيت إذا حضرهم السائل أو نزل بهم
الضيف.
وهذا الحديث قد سبق في البيع، وهذا الباب مقدّم على سابقه
عند النسفيّ وأبي ذر.
6 - باب عَمَلِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا
(باب عمل المرأة في بيت زوجها) من الطحن والعجن والكنس
وغير ذلك.
5361 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنِ ابْنِ أَبِي
لَيْلَى حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهِمَا
السَّلاَمُ - أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ
الرَّحَى وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ
تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ. فَلَمَّا
جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ
أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ:
«عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي
وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى
بَطْنِي. فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ
مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا
أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلاَثًا
وَثَلاَثِينَ وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبِّرَا
أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ
خَادِمٍ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني)
بالإفراد (الحكم) بن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الموحدة
مصغرًا (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار
أنه قال: (حدّثنا عليّ) هو ابن أبي طالب (أن فاطمة)
الزهراء (عليها السلام أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى) زاد في
الخمس مما تطحن، وفي المناقب
(8/203)
من أثر الرحى، وعند أبي داود من طريق أبي
الورد عن علي أنها جرّت بالرحى حتى أثرت بيدها واستقت
بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمت البيت حتى اغبرّت ثيابها
وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها وأصابها من ذلك ضرر (وبلغها
أنه جاء رقيق) من السبي (فلم تصادفه) بالفاء لم تجده
(فذكرت ذلك) الذي تشكوه (لعائشة، فلما جاء) رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبرته عائشة) به
(قال) عليّ -رضي الله عنه- (فجاءنا) رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (و) الحال أنا (قد أخذنا
مضاجعنا) مراقدنا (فذهبنا نقوم فقال: على مكانكما) أي
الزماه (فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه)
بالتثنية ولأبي ذر: قدمه (على بطني) وفي الخمس والمناقب
على صدري (فقال):
(ألا) بالتخفيف (أدلكما على خير مما سألتماه) وفي الخمس
سألتماني وعند أحمد قالا: بلى قال: كلمات علمنيهن جبريل
(إذا أخذتما مضاجعكما أو) قال: (أويتما إلى فراشكما
فسبّحا) بكسر الموحدة (ثلاثًا وثلاثين واحمدا) بفتح الميم
(ثلاثًا وثلاثين وكبّرا) بكسر الموحدة (أربعًا وثلاثين فهو
خير لكما من خادم). فيه أن الذي يلازم ذكر الله يعطى قوّة
أعظم من القوّة التي يعملها له الخادم، أو أن المراد أن
نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم نحتص بالدار
الدنيا والآخرة خير وأبقى، وفيه أن الزوج لا يلزمه إخدام
زوجته إذا كانت لا تخدم في بيت أبيها وكانت تقدر على
الخدمة من طبخ وخبز وملء ماء وكنس بيت، ولما سألت فاطمة
-رضي الله عنها- الخادم لم يأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا أن يخدمها، وقد حكى ابن حبيب
عن أصبغ وابن الماجشون عن مالك أن الزوجة يلزمها خدمة
البيت وإن كانت ذات شرف إذا كان زوجها معسرًا تمسكًا بهذا
الحديث.
وهذا الحديث سبق في الخمس والمناقب ويأتي إن شاء الله
تعالى في الدعوات.
7 - باب خَادِمِ الْمَرْأَةِ
(باب) حكم (خادم المرأة) هل يشرع ويلزم الزوج إخدامها؟.
5362 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ
مُجَاهِدًا سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي
لَيْلَى يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ
فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - أَتَتِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْأَلُهُ خَادِمًا،
فَقَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ،
تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلاَثًا
وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلاَثًا
وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا
وَثَلاَثِينَ». ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: إِحْدَاهُنَّ
أَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ، فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ. قِيلَ:
وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم
العين (ابن أبي يزيد) من الزيادة المكي أنه (سمع مجاهدًا)
قال: (سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدّث عن علي بن أبي
طالب أن فاطمة عليها السلام أتت النبي) ولأبي ذر أتت إلى
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسأله خادمًا)
يقيها مشقة الخدمة (فقال) عليه الصلاة والسلام لما بلغه
ذلك وأتى إليها:
(ألا أخبرك) بكسر الكاف كاللتين بعد خطابًا لفاطمة (ما هو
خير لك منه تسبحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين وتحمدين
الله ثلاثًا وثلاثين وتكبرين الله أربعًا وثلاثين ثم قال
سفيان) بن عيينة (إحداهن) من غير تعيين (أربع وثلاثون) قال
عليّ -رضي الله عنه- (فما تركتها) أي جملة التسبيح
والتحميد والتكبير بالعدد المذكور (بعد) أي بعد أن سمعت
ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قيل:
ولا) تركتها (ليلة صفين. قال: ولا ليلة صفين) بكسر الصاد
المهملة والفاء المشددة الموضع الكائن به الوقعة بين عليّ
ومعاوية -رضي الله عنهما- بين العراق والشام والقائل ذلك
لعلي عبد الرحمن بن
أبي ليلى الراوي كما عند مسلم، أو عبد الله بن الكواء كما
عند ابن أبي شيبة من وجه آخر.
ومفهوم الحديث أنه لا يجب على الزوج إخدام الزوجة لكن
الظاهر حمله على ما سبق في الباب السابق على ما تعارف من
حسن العشرة وجميل الأخلاق وإلاّ فيجب على الزوج وإن كان
معسرًا أو عبدًا إخدام الحرّة ولو ذمية إن كانت ممن تخدم
في بيت أبيها لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها لا
إخدام الأمة وإن اعتادت لجمالها بالخدمة لنقصها بالرق
وحقها أن تخدم لا أن تخدم والإجماع على أن عليه نفقة
الخادم لها، فلو قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ ما للخادم من
أجرة أو نفقة لم يجبر هو لأنها أسقطت حقها وله أن لا يرضى
به لابتذالها بذلك، أو قال الزوج أنا أخدمك لتسقط عنه
مؤونة الخادم لم تجبر هي.
8 - باب خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ
(باب) جواز (خدمة الرجل) بنفسه (في أهله).
5363 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ
قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ
الأَذَانَ خَرَجَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا
(8/204)
شعبة) بن الحجاج (عن الحكم بن عتيبة) بضم
العين المهملة وفتح الفوقية الموحدة بينهما تحتية ساكنة
الكندي مولاهم فقيه الكوفة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود
بن يزيد) النخعي أنه قال: (سألت عائشة -رضي الله عنها-)
فقلت لها: (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصنع في البيت؟ قلت: كان) ولأبي ذر عن
الكشميهني قالت: (كان) يكون (في مهنة أهله) بكسر الميم
وسكون الهاء في الفرع كأصله وضبطه الهروي بفتح الميم وعن
شمر فيما حكاه الأزهري أن الكسر خطأ. وقال في النهاية
الرواية بالفتح وقد تكسر وقال الزمخشري: هو عند الأثبات
خطأ وكان القياس أن يكون مثل جلسة إلا أنه جاء على فعلة
واحدة.
وقال في القاموس: المهنة بالكسر والفتح والتحريك الحذق
بالخدمة والعمل مهنة كمنعه ونصره مهنًا ومهنة وتكسر خدمة
(فإذا سمع الأذان خرج) إلى الصلاة.
والحديث سبق في الصلاة.
9 - باب إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ فَلِلْمَرْأَةِ
أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يَكْفِيهَا
وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم ينفق الرجل) على أهله (فللمرأة
أن تأخذ) من ماله (بغير علمه ما يكفيها و) يكفي (ولدها
بالمعروف) في العادة بين الناس.
5364 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ،
وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا
أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لاَ يَعْلَمُ. فَقَالَ: «خُذِي مَا
يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
المثنى) قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أن
(قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام
(عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن هند بنت عتبة) كذا بغير
صرف في هند في الفرع، وقال الحافظ ابن حجر في هذه الرواية:
هندًا بالصرف، وفي اليونينية بالوجهين، وفي رواية الزهري
عن عروة في المظالم بغير صرف قال: وكانت هند لما قتل أبوها
عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها، فلما كان
يوم أُحُد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها
وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها، فلما كان يوم الفتح ودخل
أبو سفيان مكة مسلمًا غضبت هند لأجل إسلامه وأخذت بلحيته
ثم إنها بعد استقراره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بمكة أسلمت وبايعت ثم (قالت) إذ ذاك (يا رسول الله إن أبا
سفيان رجل شحيح) بخيل مع الحرص فالشح أعمّ من البخل لأن
البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء وقيل الشح لازم
كالطبع والبخل غير لازم (وليس يعطيني) من النفقة (ما
يكفيني) ما موصولة صلته يكفيني والعائد الفاعل المستتر في
يكفيني والصلة والموصول في موضع نصب مفعول ثانٍ ليعطيني
(وولدي إلا ما أخذت منه وهو) أي والحال أنه (لا يعلم،
فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(خذي) من ماله (ما يكفيك وولدك بالمعروف) يجوز أن تتعلق
الباء بحال أي خذي من ماله أكلة بالمعروف أو متلبسة
بالمعروف فتكون الباء باء الحال وفي طبقات ابن سعد بسند
رجاله رجال الصحيح من مرسل الشعبي أن النساء حين بايعن قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تبايعن على
أن لا تشركن بالله شيئًا" فقالت هند: إنّا لقائلوها ولا
تسرقن. قالت هند: كنت أصيب من مال أبي سفيان. قال أبو
سفيان: فما أصبت من مالي فهو حلال لك. قال: ولا تزنين،
فقالت هند: أوَ تزني الحرة؟ ولا تقتلن أولادكن. قالت هند:
أنت قتلتهم وهذا يردّ على القائل بأنه يؤخذ من الحديث
القضاء على الغائب إذ هو صريح في أنه كان معها في المجلس
ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في موضعه من كتاب
الأحكام بعون الله.
وفي الحديث أن القول في قبض النفقة قول الزوجة لأنه لو كان
القول قوله لكلفت هند البيّنة على إثبات عدم الكفاية وأجاب
المازري: بأنه من باب الفتيا لا القضاء وبقية فوائده
المستنبطة منه تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته.
10 - باب حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ
وَالنَّفَقَةِ
(باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده) في ماله (و) في
(النفقة) من عطف الخاص على العام.
5365 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو
الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ
قُرَيْشٍ» وَقَالَ الآخَرُ: «صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ
أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى
زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ
وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن
أبيه) طاوس بن كيسان الإمام أبي عبد الرحمن قال سفيان (و)
حدّثنا أيضًا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان كلاهما أي
طاوس وأبو الزناد (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن
(8/205)
أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(خير نساء ركبن الإبل نساء قريش) يريد نساء العرب لأنهن
يركبن الإبل (وقال الآخر): وهو ابن طاوس كما عند مسلم
(صالح نساء قريش) بدل خير وللكشميهني صلح نساء قريش بضم
الصاد وفتح اللام المشددة بصيغة الجمع (أحناه) بالحاء
المهملة أشفقه (على ولد في صغره) فلا يتزوجن ما دام صغيرًا
(وأرعاه) أحفظه (على زوج في ذات يده) ماله ونكر لفظ الولد
إشارة إلى أنها تحنو على أي ولد كان وإن كان ولد زوجها من
غيرها أكثر مما يحنو عليه غيرها وقال: أحناه فذكر وكان
القياس أن يقول أحناهن لأن الضمير عائد على النساء. وأجيب:
بأن التذكير يدل على الجنسية كأنه قيل خير هذا الجنس الذين
فاقوا الناس في الشرف هذا الجيل، ولذلك عدل من ذكر العرب
إلى الصفة المميزة من قوله ركبن الإبل لزيادة الاختصاص ولو
قيل أحناهن كانت الذات المقصودة، والمعنى تابعًا لها فلم
يكن بذلك وفي اختصاص العرب من بين سائر الناس واختصاص قريش
منها دلالة على أن العرب أشرف الناس وأشرفها قريش.
(ويذكر عن معاوية) بن أبي سفيان فيما أخرجه الإمام أحمد
والطبراني من طريق زيد بن أبي عتاب (و) عن (ابن عباس) -رضي
الله عنهم- فيما أخرجه أحمد أيضًا من طريق شهر بن حوشب (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نحو رواية ابن
طاوس.
11 - باب كِسْوَةِ الْمَرْأَةِ بِالْمَعْرُوفِ
(باب) وجوب (كسوة المرأة) بكسر الكاف وضمها على زوجها
(بالمعروف) أسوة أمثالها فيجب لها عليه قميص وسراويل أو
إزار اعتيد وخمار وهو المقنعة ومكعب وهو المداس أو نعل،
ويزيد لها في الشتاء جبة محشوّة أو فروة بحسب الحاجة لدفع
البرد فإن اشتد فجبتان على الموسر والمعسر لكن الموسر
يكسوها بكسوة من جيد القطن وكذا الكتان والحرير والخزّ إن
اعتادوه لنسائهم والمعسر يكسوها من خشنه، ويتوسط بينهما
المتوسط وعلى الموسر طنفسة وهي بساط صغير في الشتاء ونطع
في الصيف تحتهما زلية أو حصير وعلى المعسر حصير في الصيف،
ولبد في الشتاء وعلى المتوسط زلية في الصيف والشتاء، ويجب
لنومها على كلٍّ منهم مع التفاوت في الكيفية بينهم
فراش ترقد عليه كمضربة لينة ومخدة مع لحاف أو كساء في
الشتاء ورداء في الصيف وآلة أكل وشرب وطبخ كقصعة وكوز
وجرّة وقدر، وآلة تنظيف كمشط ودهن وسدر وأجر حمام اعتيد
وثمن ماء غسل بسببه كوطئه وولادتها منه بخلاف الحيض
والاحتلام.
5366 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ
عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: آتَى إِلَيَّ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ،
فَلَبِسْتُهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ،
فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد
الملك بن ميسرة) ضد الميمنة (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني
هاجر ففاته رؤية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (عن علي رضي الله عنه) أنه (قال: آتى) بمد
الهمزة أعطى وضمّن أعطى معنى أهدى أو أرسل فلذا عدّاه بإلى
في قوله (إليّ) بتشديد الياء وفي رواية النسفيّ بعث وفي
رواية عبدوس أهدى إليّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حلّة سيراء) بإضافة حلة لتاليه ولأبي ذر حلة
بالتنوين وسيراء بكسر السين المهملة وفتح التحتية والراء
ممدود برد فيه خطوط صفر أو مضلعة بالحرير والحلة لا تكون
إلا من ثوبين (فلبستها فرأيت الغضب في وجهه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فشققتها بين نسائي) فاطمة
الزهراء - رضي الله عنها - وقراباته، إذ لم يكن لعلي زوجة
إذ ذاك غير فاطمة -رضي الله عنها-.
والمطابقة بين الترجمة والحديث كما قاله ابن المنير من جهة
أن الذي حصل لفاطمة -رضي الله عنها- من الحلة قطعة فرضيت
بها اقتصادًا بحسب الحال لا إسرافًا.
وهذا الحديث بسنده ومتنه قد سبق في كتاب الهبة.
12 - باب عَوْنِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي وَلَدِهِ
(باب) استحباب (عون المرأة زوجها في) أمر (ولده).
5367 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنهما-، قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ
بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً
ثَيِّبًا. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ»؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟
قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً
تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ. وَتُضَاحِكُهَا
وَتُضَاحِكُكَ»؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ
اللَّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ
أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً
تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ: «بَارَكَ
اللَّهُ لَكَ. أَوْ قَالَ: خَيْرًا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي
البصري الحافظ أبو الحسن قال: (حدّثنا حماد بن يزيد)
الإمام أبو إسماعيل الأزدي أحد الأعلام (عن عمرو) بفتح
العين ابن
دينار أبي محمد المكي الإمام (عن جابر بن عبد الله)
(8/206)
الأنصاري (رضي الله عنه) وعن أبيه أنه
(قال: هلك أبي وترك سبع بنات أو) قال: (تسع بنات) قال
الحافظ ابن حجر: لم أعرف أسماءهن (فتزوجت امرأة ثيبًا فقال
لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تزوجت)؟ استفهام محذوف الأداة وللمستملي أتزوجت (يا جابر؟
فقلت: نعم. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(بكرًا) بحذف أداة الاستفهام ولأبي ذر أبكرًا (أم ثيبًا؟
قلت): يا رسول الله (بل) تزوجت (ثييًا) قال) عليه الصلاة
والسلام: (فهلاّ) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك
وتضاحكها وتضاحكك؟ قال) جابر: (فقلت له): يا رسول الله (إن
عبد الله) أبي (هلك وترك بنات وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن)
صغيرة لا تجربة لها في الأمور (فتزوجت امرأة) قد جربت
الأمور وعرفتها (تقوم عليهن وتصلحهن فقال -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بارك الله لك -أو) قال: (خيرًا-) شك
من الراوي ولأبي ذر لك أو قال خيرًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات ومسلم والترمذي
والنسائي في النكاح.
13 - باب نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ عَلَى أَهْلِهِ
(باب نفقة المعسر على أهله).
5368 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ:
«وَلِمَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ
قَالَ: «فَأَعْتِقْ رَقَبَةً». قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي.
قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ». قَالَ: لاَ
أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا».
قَالَ: لاَ أَجِدُ فَأُتِىَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ:
«أَيْنَ السَّائِلُ»؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا قَالَ:
«تَصَدَّقْ بِهَذَا». قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا
بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا
فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ: «فَأَنْتُمْ إِذًا».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد)
الزهري العوفي المدني قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رجل) سبق في الصوم أنه قيل إنه سلمة بن صخر
وقيل سلمان بن صخر وقيل أعرابي (فقال: هلكت) أي فعلت ما هو
سبب لهلاكي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ولِم) هلكت؟ (قال: وقعت على أهلي) جامعت زوجتي (في) نهار
(رمضان. قال) عليه الصلاة والسلام له: (فأعتق رقبة) بهمزة
قطع (قال: ليس عندي) ما أعتق به رقبة (قال) عليه الصلاة
والسلام: (فصم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع) الصوم (قال)
صلوات الله وسلامه
عليه (فأطعم ستين مسكينًا) بقطع همزة فأطعم (قال لا أجد)
ما أطعم به (فأُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعرق) بفتح العين والراء وعاء من خوص (فيه تمر)
خمسة عشر صاعًا وعند ابن خزيمة من حديث عائشة عشرون كما
سبق في الصوم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(أين السائل) عما يخلصه من الهلاك (قال: ها أنا ذا) يا
رسول الله (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(تصدق بهذا) التمر (قال) الرجل أتصدق به (على) أحد (أحوج
منا يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها) تثنية
لابة بغير همز يريد حرتي المدينة أرض ذات حجارة سود (أهل
بيت أحوج منا) زاد ابن خزيمة من حديث عائشة ما لنا عشاء
ليلة (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى
بدت أنيابه) تعجبًا من حاله في طعمه بعد خوفه من هلاكه
ورغبته في الفداء أن يأكل ما أعطيه في الكفارة (قال) عليه
الصلاة والسلام (فأنتم إذًا) أحق به.
ومطابقة الحديث للترجمة كما قال ابن بطال من حيث إنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أباح له إطعام أهله
التمر، ولم يقل له إن ذلك يجزيك عن الكفارة لأنه قد تعين
عليه فرض النفقة على أهله بوجود التمر وهو ألزم له من
الكفارة، وتعقبه في الفتح بأنه يشبه الدعوى فيحتاج إلى
دليل قال: والذي يظهر لي أن الأخذ من جهة اهتمام الرجل
بنفقة أهله حيث قال: لما قيل له تصدق به فقال: أعلى أحوج
منّا فلولا اهتمامه بنفقة أهله لبادر وتصدق.
وهذا الحديث قد سبق في الصوم.
14 - باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَهَلْ عَلَى
الْمَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} -إِلَى قَوْلِهِ-
{صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وعلى الوارث}) عطف
على قوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233]
وما بينهما مفسر للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه
أي وعلى وارث الصبي عند عدم الأب ({مثل ذلك}) [البقرة:
233] أي مثل الذي كان على أبيه في حياته من الرزق والكسوة
وأجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له، واختلف في الوارث
فعند ابن أبي ليلى كل من ورثه وهو قول أحمد وعند الحنفية
من كان ذا رحم محرم منه وقال الجمهور: لا غرم على أحد من
الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث، وقال زيد بن ثابت: إذا
خلف أمًّا وعمًّا فعلى كل واحد منهما إرضاع الولد بقدر ما
يرث وإليه أشار المؤلّف بقوله: (وهل على المرأة) أي الأم
(8/207)
(منه) أي من إرضاع الصبي (شيء) وهل هنا
للنفي، وأشار به إلى الرد على قول زيد ثم أشار بقوله:
({وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم}) إلى قوله: ({صراط
مستفيم}) [النحل: 76] فنزل المرأة من الوراث منزلة الأبكم
من المتكلم وجعلها كلاًّ على مَن يعولها.
5369 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ
ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي
سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ،
وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا
هُمْ بَنِيَّ. قَالَ: «نَعَمْ، لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ
عَلَيْهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (أخبرنا هشام عن
أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي
سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي في
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن أم سلمة) هند أم
المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: (قلت يا رسول الله هل
لي من أجر في بني أبي سلمة) بفتح اللام زوجي (أن أنفق) بضم
الهمزة أي بأن وأن مصدرية أي بالإنفاق (عليهم ولست
بتاركتهم هكذا وهكذا) أي محتاجين (إنما هم بني) بفتح
الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية أي أولادي منه قال
الحافظ ابن حجر في المقدمة: هم عمر وسلمة وزينب ودرة وقيل
فيهم محمد (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(نعم لك أجر ما أنفقت).
وهذا الحديث مضى في الزكاة قالوا: ومطابقة الترجمة للحديث
من أخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لها
أجرًا فدل على أن نفقتهم لا تجب عليها إذ لو وجبت عليها
لبيّن لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك.
وهذا الحديث سبق في الزكاة.
5370 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ هِنْدُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ
عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِي
وَبَنِيَّ؟ قَالَ: «خُذِي بِالْمَعْرُوفِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي
الله عنها-) أنها قالت: (قالت هند) بنت عتبة (يا رسول الله
إن أبا سفيان رجل شحيح فهل عليه جناح أن آخذ من ماله) بغير
علمه (ما يكفيني وبنيَّ) في النفقة (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(خذي) من ماله ما يكفيك وولدك (بالمعروف) بلا إسراف ولا
تقتير.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال
الأب فدل على أنها تجب عليه دونها، وغرض المؤلّف أنه لما
لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم
مستمرّ بعد الآباء ويقوّيه قوله تعالى: {وعلى المولود له
رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] أي رزق الأمهات وكسوتهن من
أجل الإرضاع للأبناء فكيف يجب لهن في أوّل الآية ويجب
عليهن نفقة الأبناء في آخرها قاله في الفتح.
15 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ»
(باب قول النبي) ولأبي ذر: باب قول النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ترك كلاًّ) بفتح الكاف وتشديد
اللام
منوّنة ثقلًا من دين ونحوه (أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة
أي من لا يستقل بنفسه ولو خلي وطبعه لكان في معرض الهلاك
(فإليّ) أي فينتهي إليّ وأنا أتداركه أو هو بمعنى عليّ أي
فعليّ قضاؤه والقيام بمصالحه.
5371 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ
الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: «هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا»؟
فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلاَّ
قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ».
فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ:
«أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ
تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ
قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدّه واسم أبيه عبد
الله الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) هو ابن أبي خالد الأيلي
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يؤتى بالرجل
المتوفى) بفتح الفاء المشدّدة أي الميت حال كونه (عليه
الدين فيسأل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(هل ترك لدينه فضلًا) قدرًا زائدًا على مؤن تجهيزه يفي
بدينه ولأبي ذر عن الكشميهني قضاء (فإن حدث) بضم الحاء
مبنيًّا للمفعول (أنه ترك وفاء) أي ما يوفى به دينه (صلى)
عليه (وإلا) بأن لم يترك وفاء (قال للمسلمين: صلوا على
صاجكم) قال الكرماني: لعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- امتنع تحذيرًا من الدين وزجرًا عن المماطلة
وكراهة أن يوقف دعاؤه عن الإجابة بسبب ما على المديون من
مظلمة الحق (فلما فتح الله عليه الفتوح) من الغنائم وغيرها
(قال) عليه الصلاة والسلام: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم
فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعليّ قضاؤه) مما أفاء
الله في (ومن ترك مالًا فلورثته) قال في الفتح: وأراد
المصنف بإدخال هذا الحديث في أبواب النفقات الإشارة إلى أن
من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئًا فإن نفقتهم تجب في
بيت المال.
وهذا الحديث سبق في باب الدين من الكفالة.
16 - باب الْمَرَاضِعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ
(باب المراضع
(8/208)
من المواليات وغيرهن) بفتح الميم في الفرع كأصله والذي في
معظم الروايات من الموالي.
5372 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ
أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ أَبِي
سُفْيَانَ؟ قَالَ: «وَتُحِبِّينَ ذَلِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ
لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي
الْخَيْرِ أُخْتِي. فَقَالَ: «إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ
لِي» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ إِنَّا
نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ
ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: «ابْنَةَ أُمِّ
سَلَمَةَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَوَاللَّهِ لَوْ
لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي،
إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي
وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ
بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ». وَقَالَ شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ ثُوَيْبَةُ أَعْتَقَهَا
أَبُو لَهَبٍ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد إمام المصريين (عن عقيل) بضم العين ابن خالد
(عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة)
بن الزبير (أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته
أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب (زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: قلت يا رسول
الله انكح) بهمزة وصل (أختي) بهمزة قطع عزة (ابنة) ولأبي
ذر: بنت (أبي سفيان، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(وتحبين ذلك)؟ بكسر الكاف والاستفهام للتعجب (قلت): ولأبي
ذر قالت: (نعم) أحب ذلك لأني (لست لك بمخلية) بضم الميم
وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام وفتح التحتية والباء زائدة
في النفي أي لست خالية من ضرة (وأحب) بفتح الهمزة والحاء
المهملة (من شاركني في الخير) من محبتك والانتفاع بك في
الدارين (أختي فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إن) ولأبي ذر: وإن (ذلك) بكسر الكاف (لا يحل لي) لأن فيه
الجمع بين الأختين (فقلت يا رسول الله فوالله إنا نتحدث
أنك تريد أن تنكح درة) بضم الدال المهملة وتشديد الراء
(ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة. فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة)؟ بنصب
بنت مفعول فعل مقدر أي أأنكح بنت أم سلمة أو تعنين (فقلت:
نعم) يا رسول الله (قال: فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري)
تفتح وتكسر (ما حلت لي) والتقييد بالحجر جرى على الغالب
(إنها ابنة) ولأبي ذر إنها بنت (أخي من الرضاعة أرضعتني
وأبا سلمة ثويبة) فهي حرام بسببين لو فقد أحدهما لم يحتج
إليه لوجود الآخر (فلا تعرضن) بكسر الراء وسكون الضاد
المعجمة (عليّ) بتشديد الياء (بناتكن ولا أخواتكن. وقال
شعيب) هو ابن أبي حمزة مما وصله المؤلّف في أوائل النكاح
(عن الزهري قال: عروة) بن الزبير (ثويبة) بضم المثلثة وفتح
الواو المذكورة (أعتقها أبو لهب) لما بشرته بولادة النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وسبق الحديث في النكاح كما مر وغرضه بذكره هنا الإشارة إلى
أن ثويبة كانت مولاة ليطابق الترجمة، وأورده في أبواب
النفقات ليشير إلى أن إرضاع الأم ليس واجبًا بل لها أن
تمتنع وللأب أو الولي إرضاعه بأجنبية حرة كانت أو أمة
متبرعة أو بأجرة والأجرة تدخل في النفقة. |