شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
70 - كتاب الأطعمة
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا بإثبات البسملة هنا في
الفرع.
(كتاب الأطعمة) جمع طعام كرحى وأرحية. قال في القاموس:
الطعام البر وما يؤكل وجمع الجمع أطعمات. وقال ابن فارس:
في المجمل يقع على كل ما يطعم حتى الماء. قال تعالى: {فمن
شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة: 249]
وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: في زمزم
"إنها طعام طعم وشفاء سقم" والطعم بالفتح ما يؤدّيه الذوق
يقال طعمه مر أو حلو والطعام أيضًا بالضم الطعام وطعم
بالكسر أي أكل وذاق يطعم بالفتح طعمًا فهو طاعم كغنم يغنم
فهو غانم.
1 - باب وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وَقَوْلِهِ: {أَنْفِقُوا
مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
(قول الله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}) [طه: 81] من
مستلذاته أو من حلالاته والحلال المأذون فيه ضد الحرام
الممنوع منه، والطيب في اللغة بمعنى الطاهر. والحلال يوصف
بأنه طيب، والطيب في الأصل ما يستلذ ويستطاب ووصف به
الطاهر والحلال على جهة التشبيه لأن النجس تكرهه النفس ولا
يستلذ والحرام غير مستلذ لأن الشرع زجر عنه، فالمراد
بالطيب أن لا يكون متعلق حق الغير فإن أكل الحرام وإن
استطابه أكل فمن حيث يؤدي إلى العقاب يصير مضرًّا ولا يكون
مستطابًا.
(وقوله) تعالى: ({أنفقوا من طيبات ما كسبتم}) [البقرة:
267] من جياد مكسوباتكم ولغير أبي ذر كلوا بدل أنفقوا
ورواية أبي ذر موافقة للتلاوة (وقوله) تعالى: ({كلوا من
الطيبات}) وأوّل الآية {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات}
وليس النداء والخطاب على ظاهرهما لأنهم أرسلوا
متفرّقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى الإعلام بأن كل
رسول
(8/209)
في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع
أن أمرًا نودي له جميع الرسل، وصوابه حقيق أن يؤخذ به
ويعمل عليه أو خطاب لنبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من
الغنائم أو لعيسى لاتصال الآية بذكره، وكان يأكل من غزل
أمه كما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن
شرحبيل وهو أطيب الطيبات، وفي الصحيح أن داود كان يأكل من
عمل يده ({واعملوا صالحًا}) موافقًا للشريعة ({إني بما
تعملون عليم}) [المؤمنون: 51] فأجازيكم على أعمالكم.
5373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي
مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَطْعِمُوا
الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ».
قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي الأَسِيرُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا
سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل)
شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي
الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(أطعموا الجائع) قال في فتح الباري: يؤخذ من الأمر بإطعام
الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة
به والأمر بإطعامه مستمر (وعودوا المريض) زوروه (وفكوا
العاني) (قال سفيان) بالسند المذكور: (والعاني الأسير) أي
وخلصوا الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يقال عنا
يعنو فهو عانٍ والمرأة عانية وجمعها عوان والمتضررون الذين
وجب حقهم على غيرهم من المسلمين منحصرون في هذه الأقسام
صريحًا وكناية عند إمعان النظر.
5374 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طَعَامٍ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) المروزي قال: (حدّثنا محمد
بن فضيل) بالضاد المعجمة مصغرًا (عن أبيه) فضيل بن غزوان
بن جرير الكوفي (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان
الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: ما شبع
آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طعام) وفي
حديث عائشة الآتي إن شاء الله تعالى من خبز البرّ (ثلاثة
أيام) متوالية بلياليها (حتى قبض). وعند مسلم والترمذي عن
عائشة ما شبع من خبز شعير يومين متتابعين أي لقلة الشيء
عندهم أو كانوا يؤثرون به المحتاج على أنفسهم أو لأن الشبع
مذموم، وقد روى حذيفة مرفوعًا "من قل طعمه صح بطنه وصفا
قلبه ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه".
وحديث الباب من أفراد المؤلّف.
5375 - وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ،
فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ
دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ
فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»،
فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ،
فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَقَامَنِي وَعَرَفَ الَّذِي بِي،
فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْلِهِ فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ
لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «عُدْ فَاشْرَبْ
يَا أَبَا هِرَيْرَةَ»، فَعُدْتُ، فَشَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ:
«عُدْ»، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي
فَصَارَ كَالْقِدْحِ قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ وَذَكَرْتُ
لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِي وَقُلْتُ لَهُ: تَوَلَّى
اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا
عُمَرُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ
وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ
لأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ.
(وعن أبي حازم) سلمان الأشجعي بالسند السابق (عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- قال: (أصابني جهد شديد) من الجوع
والجهد كما في القاموس الطاقة ويضم والمشقة (فلقيت عمر بن
الخطاب) -رضي الله عنه- (فاستقرأته) سألته أن يقرأ عليّ
(آية) معينة على طريق الاستفادة (من كتاب الله) عز وجل
(فدخل داره وفتحها) أي قرأ الآية (عليّ) وفهمني إياها وفي
الحلية لأبي نعيم من وجه آخر عن أبي هريرة أن الآية
المذكورة في سورة آل عمران وفيه فقلت له: أقرأتني وأنا لا
أريد القراءة وإنما أريد الإطعام. قال في الفتح: وكأنه سهل
الهمزة فلم يفطن عمر لمراده كذا قال لكن قوله آية يعين
التنزيل لا سيما مع رواية أن الآية من سورة آل عمران
(فمشيت غير بعيد فخررت) سقطت (لوجهي من الجهد والجوع) وكما
كان في الحلية يومئذٍ صائمًا ولم يجد ما يفطر عليه (فإذا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على
رأسي فقال):
(يا أبا هريرة) ولأبي ذر يا أبا هرّ (فقلت لبيك رسول الله
وسعديك) منادى مضاف محذوف الأداة (فأخذ بيدي فأقامني وعرف
الذي بي) من شدة الجوع (فانطلق بي إلى رحله) بفتح الراء
وسكون الحاء المهملة مسكنه (فأمر لي بعس) بضم العين وتشديد
السين المهملتين قدح ضخم (من لبن فشربت منه ثم قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عد فاشرب يا أبا
هريرة فعدت فشربت ثم قال: عد) فاشرب يا أبا هريرة (فعدت
فشربت حتى استوى بطني) أي استقام لامتلائه من اللبن (فصار
كالقدح) بكسر القاف وسكون الدال بعدها هاء مهملتين السهم
الذي لا ريش له في الاستواء والاعتدال.
(قال) أبو هريرة (فلقيت عمر) بن الخطاب (وذكرت له الذي كان
من أمري) بعد مفارقتي له (وقلت له: تولى الله) وللأصيلي
وأبي ذر عن الكشميهني فولى الله بالفاء بدل الفوقية (ذلك)
من
(8/210)
إشباعي ودفع الجوع عني (من كان أحق به منك
يا عمر) وهو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، والجملة في موضع نصب مفعول تولى الله (والله
لقد استقرأتك الآية ولأنا) مبتدأ مؤكد باللام وخبره قوله
(أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك) داري
وأضفتك (أحب الي من أن يكون لي مثل حمر النعم) عبّر بذلك
لأن الإبل كانت أشرف أموالهم.
2 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالأَكْلِ
بِالْيَمِينِ
(باب) استحباب (التسمية على الطعام) عند ابتداء الأكل ولو
من جنب وحائض (و) استحباب (الأكل باليمين) وهذه الجملة
مشطوب عليها بالحمرة في الفرع كأصله.
5376 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ:
أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ أَنَّهُ
سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ
غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي
الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ
بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ
تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (أخبرنا
سفيان) بن عيينة (قال الوليد بن كثير) بالمثلثة المخزومي
القرشي المدني (أخبرني) بالإفراد وهو من تأخير الصيغة عن
الراوي وعند أبي نعيم في مستخرجه والحميدي في مسنده عن
سفيان قال: حدّثنا الوليد بن كثير (أنه سمع وهب بن كيسان)
بفتح الكاف (أنه سمع عمر بن أبي سلمة) بضم العين ابن عبد
الأسد واسم أبي سلمة عبد الله (يقول: كنت غلامًا) دون
البلوغ (في حجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء وسكون الجيم في تربيته وتحت نظره.
وقال في القاموس: الحجر مثلثة المنع وحضن الإنسان ونشأ في
حجره وحجره أي في حفظه وستره، وقد كان عمر هذا ابن أم سلمة
زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكانت يدي
تطيش) بالطاء المهملة والشين المعجمة أي تتحرك وتمتد (في)
نواحي (الصحفة) ولا تقتصر على موضع واحد وكان الظاهر كما
قال في شرح المشكاة أن يقال: وكنت أطيش بيدي في الصحفة
فأسند الطيش إلى اليد مبالغة وأنه لم يكن يراعي أدب أكل
(فقال لي: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يا غلام سم الله) ندبًا طردًا للشيطان ومنعًا له من الأكل
وهو سنة كفاية إذا أتى به البعض سقط عن الباقين كردّ
السلام وتشميت العاطس لأن المقصود من منع الشيطان من الأكل
يحصل بواحد. نعم مع ذلك يستحب لكل واحد بناء ما عليه
الجمهور من أن سنة الكفاية كفرضها مطلوبة من الكل لا من
البعض فقط ويقاس بالأكل الشرب وأقله كما قال النووي: بسم
الله وأفضله بسم الله الرحمن الرحيم، لكن قال في الفتح:
أنه لم ير لما ادّعاه من الأفضلية دليلًا خاصًّا انتهى.
فإن تركه ولو عمدًا في أوّله قال في أثنائه: بسم الله
أوّله وآخره كما في الوضوء ولو سمى مع كل لقمة فهو أحسن
حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله فتسمية الله تعالى في
أوّله وآخره ترياق وبركة لطعامه، وقال في الإحياء: أنه
يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله، ومع الثانية بسم الله
الرحمن: ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم، وتعقبه في
الفتح بأنه لم ير لاستحباب ذلك دليلًا انتهى.
(وكل) ندبًا (بيمينك) لأن الشيطان يأكل بالشمال ولشرف
اليمين ولأنه أقوى في الغالب
وأمكن وهي مشتقة من اليمين فهي وما نسب إليها وما اشتق
منها محمود لغة وشرعًا ودينًا ويقاس عليه الشرب، ونص
الشافعي في الرسالة والأم على الوجوب لورود الوعيد في
الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلًا يأكل
بشماله فقال: "كل بيمينك" قال لا أستطيع فقال "لا استطعت"
فما رفعها إلى فيه بعد (وكل مما يليك) لأن أكله من موضع يد
صاحبه سوء عشرة وترك مودّة لتقذر النفس لا سيما في الإمراق
ولما فيه من إظهار الحرص والنهم وسوء الأدب وأشباهها فإن
كان تمرًا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق، والذي
ينبغي التعميم حملًا على عموم حتى يثبت دليل مخصص قال عمر
بن أبي سلمة: (فما زالت تلك طعمتي) بكسر الطاء أي صفة أكلى
(بعد) بالبناء على الضم أي استمر ذلك صنيعي في الأكل.
3 - باب الأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ
مِمَّا يَلِيهِ»
(باب) استحباب (الأكل مما يليه. وقال أنس) -رضي الله عنه-
وسقط التبويب لغير أبي ذر (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما
يليه). وهذا التعليق طرف من حديث الجعد عن أنس في قصة
الوليمة على زينب بنت جحش السابق في باب الهدية للعروس في
(8/211)
أوائل النكاح معلقًا وقد وصله مسلم وأبو
نعيم في المستخرج.
5377 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ وَهْبِ
بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ وَهْوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَكَلْتُ
يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- طَعَامًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِي
الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلْ مِمَّا يَلِيكَ».
وبه قال: (حدّثنا): ولأبي ذر حدّثني (عبد العزيز بن عبد
الله) الأويسي المدني الأعرج (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد
بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني (عن محمد بن عمرو بن
حلحلة) بفتح عين عمرو وحاءي حلحلة المهملتين بينهما لام
ساكنة ثم أخرى مفتوحتين بعد الحاء الثانية (الديليِّ) بكسر
الدال المهملة وسكون التحتية (عن وهب بن كيسان أبي نعيم)
المؤدب (عن عمر بن أبي سلمة) بضم العين (وهو ابن أم سلمة
زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال:
أكلت يومًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- طعامًا) وأنا دون البلوغ (فجعلت آكل من نواحي
الصحفة) مما يلي غيري (فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(كل مما يليك) وقد نص أئمتنا على كراهة أكل مما يلي غيره
ومن الوسط والأعلى لا نحو الفاكهة مما يتنقل به، وأما ما
سبق من نص الشافعي على التحريم فمحمول على المشتمل على
الإيذاء.
5378 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي
نُعَيْمٍ: قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِطَعَامٍ، وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ
بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: «سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ
مِمَّا يَلِيكَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن وهب بن كيسان أبي نعيم) المؤدب أنه (قال:
أتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطعام)
بضم همزة أتي مبنيًّا للمفعول (ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة
فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(سمّ الله وكل مما يليك). وهذا الحديث صورته صورة الإرسال
كما رواه أصحاب مالك في الموطأ وقد ساقه المؤلّف موصولًا
هنا. وفي الباب الذي قبله من غير طريق مالك وقد وصله خالد
بن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي فقالا عن مالك عن وهب بن
كيسان عن عمر بن أبي سلمة وقد تبين بذلك صحة سماع وهب بن
كيسان من عمر بن أبي سلمة ومقتضاه أن مالكًا لم يصرح بوصله
وهو الأصل موصول، ولعله وصله مرة فحفظ ذلك عنه خالد ويحيى
وهما ثقتان كما أخرجه الدارقطني في الغرائب عنهما.
4 - باب مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ مَعَ
صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ كَرَاهِيَةً
(ياب من تتبع حوالى القصعة) بفتح اللام والقاف في أكل منها
(مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية) لذلك.
5379 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ:
أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ
الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ
أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. قَالَ عُمَرُ
بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلْ بِيَمِينِكَ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري، وسقط لفظ
ابن عبد الله لغير أبي ذر (أنه سمع) عمه (أنس بن مالك)
-رضي الله عنه- (يقول إن خياطًا) لم يسم (دعا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام صنعه. قال أنس:
فذهبت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
زاد في البيع إلى ذلك الطعام فقرّب إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبزًا ومرقًا فيه دباء وقديد
(فرأيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يتتبع
الدباء) القرع أو المستدير منه (من حوالى القصعة) لأنها
كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان لا يشتهيه حينئذٍ ففيه أن
المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء
إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك وإلاّ فلا يتجاوز ما يليه
وقد علم أن أحدًا لا يكره منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسّه بل
كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها (قال) أنس (فلم
أزل أحب الدباء) أي أكلها (من يومئذٍ) اقتداء به -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال عمر بن أبي سلمة قال لي
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كل بيمينك).
وقد نص أصحابنا على كراهة الأكل بالشمال وقوله قال عمر بن
أبي سلمة إلى
آخره ثابت في رواية أبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقد سبق
موصولًا قريبًا وسقط عند الباقين هنا وهو الأشبه والله
الموفق.
5 - باب التَّيَمُّنِ فِي الأَكْلِ وَغَيْرِهِ
(باب) استحباب (التيمن في الأكل وغيره) مما يذكر.
5380 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ
التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ
وَتَرَجُّلِهِ. وَكَانَ قَالَ بِوَاسِطٍ قَبْلَ هَذَا، فِي
شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا
شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح
المهملة بعدها مثلثة (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم المحاربي
(عن مسروق) أبي عائشة بن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (عن
عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمن) في موضع خبر كان
والتيمن إما باليد اليمنى أو بالبداءة بالشق الأيمن (ما
استطاع في طهوره) بضم الطاء أي في تطهيره. وقال سيبويه:
الطهور بالفتح يقع
(8/212)
على الماء والمصدر معًا فعلى هذا يجوز
الطاء أيضًا (وتنعله) لبس النعل (وترجله) تسريح شعره ولم
يقل وتطهره كما قال: تنعله وترجله لأنه أراد الطهور الخاص
المتعلق بالعبادة ولو قال: وتطهره لدخل فيه إزالة النجاسة
وسائر النظافات بخلاف الآخرين فإنهما خاصّان بما وضعًا له
من لبس النعل وترجيل الشعر فناسب الطهور الخاص بالعبادة.
قال شعبة بن الحجاج: (وكان) أشعث بن أبي الشعثاء (قال
بواسط) بالصرف (قبل هذا في شأنه كله) تأكيد لشأنه أي فيما
له يمين ويسار، وليس كل ما كان من شأن الإنسان له يمين
ويسار فهو عموم يراد به الخصوص، ويلزم من حمله على العموم
مخالفة ما أمر فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالتياسر كبيت الخلاء والخروج من المسجد وغير ذلك، فالمراد
سائر ما شرع فيه التيمن مما هو من باب التكريم كلبس الثوب
والسراويل والخف ودخول المسجد والخروج من الخلاء.
وهذا الحديث سبق في كتاب الوضوء.
6 - باب مَنْ أَكَلَ حَتَّى شَبِعَ
(باب من كل حتى شبع).
5381 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو
طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: "لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ
شَيْءٍ"؟ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ
أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ
الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي
وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ
وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
«بِطَعَامٍ»؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِمَنْ
مَعَهُ «قُومُوا». فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ أَبُو
طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ
عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو
طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى
دَخَلاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا
عِنْدَكِ»؟ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ
فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا
فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَقُولَ. ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ
لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ
قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا
حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ
لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا
ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ
الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ
رَجُلًا.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن إسحاق بن
عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك -رضي الله
عنه- يقول، قال أبو طلحة) زيد الأنصاري النجاري (لأم
سليم): سهلة زوج أبي طلحة وأم أنس بن مالك (لقد سمعت صوت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضعيفًا
أعرف فيه الجوع) فيه العمل بالقرائن (فهل عندك من شيء؟
فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا لها فلفت الخبز
ببعضه ثم دسته) أي أدخلته بقوّة (تحت ثوبي وردّتني) بتشديد
الدال (ببعضه) أي جعلته رداء لي (ثم أرسلتني إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فذهبت به) بالذي
أرسلتني به (فوجدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(آرسلك أبو طلحة) بمد الهمزة للاستفهام (فقلت: نعم. قال:
بطعام) ولأبي ذر عن الكشميهني لطعام بلام بدل الموحدة
(قال) أنس (فقلت: نعم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين
أيديهم حتى جئت أبا طلحة) وفي رواية يعقوب عند أبي نعيم:
حتى إذا دنوا دخلت وأنا حزين لكثرة من جاء معه (فقال أبو
طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالناس وليس عندنا من الطعام ما
نطعمهم) بالنون أي قدر ما يكفيهم (فقالت) أم سليم: (الله
ورسوله أعلم) وفيه دليل على فطنتها ورجحان عقلها وكأنها
عرفت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعل ذلك
ليظهر الكرامة في تكثير الطعام وفي رواية يعقوب فقال أبو
طلحة: يا رسول الله إنما أرسلت أنسًا يدعوك وحدك ولم يكن
عندنا ما يشبع من أرى فقال: (ادخل فإن الله سيبارك فيما
عندك) وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس عند أحمد
أن أبا طلحة قال فضحتنا يا أنس وللطبراني في الأوسط فجعل
يرميني بالحجارة.
(قال) أنس (فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل أبو طلحة ورسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى دخلا) المنزل
وقعد من معه على الباب (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك
الخبز فأمر به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ففت
وعصرت عليه أم سليم عكة لها) بضم العين وتشديد الكاف إناء
من جلد يكون فيه السمن غالبًا والعسل (فأدمته ثم قال فيه
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء
الله أن يقول) وفي رواية مبارك بن فضالة عند أحمد فقال: هل
من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء فجاءا بها
فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال
"بسم الله" فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص
في الجفنة يمتع وفي رواية النضر بن أنس عند أحمد فجئت بها
ففتح رباطها ثم قال: "بسم الله اللهم أعظم فيها البركة"
(ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طلحة
(ائذن) بالدخول (لعشرة فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا
ثم خرجوا. ثم قال) عليه الصلاة والسلام له: (ائذن لعشرة،
فأذن
(8/213)
لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا)
ثم قال: (ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا
ثم أذن لعشرة. فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم ثمانون
رجلًا) زاد في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى: ثم أكل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك وأهل البيت
وتركوا سؤرًا أي فضلًا، ولمسلم ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا
فيه بالبركة فعاد كما كان.
والمطابقة ظاهرة، وقد سبق الحديث في علامات النبوة.
5382 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَ أَبُو عُثْمَانَ أَيْضًا عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-
قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ
مِنْكُمْ طَعَامٌ»؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ
طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ. فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ
مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ»؟ أَوْ قَالَ: «هِبَةٌ» قَالَ:
لاَ بَلْ بَيْعٌ قَالَ: فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً.
فَصُنِعَتْ فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَوَادِ الْبَطْنِ يُشْوَى. وَايْمُ
اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلاَثِينَ وَمِائَةٍ إِلاَّ قَدْ
حَزَّ لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ
شَاهِدًا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا
خَبَأَهَا لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا قَصْعَتَيْنِ،
فَأَكَلْنَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِي
الْقَصْعَتَيْنِ فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ
كَمَا قَالَ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا
معتمر) بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية بعدها
ميم مكسورة فراء (عن أبيه) سليمان بن طرخان أنه (قال:
وحدّث أبو سفيان) عبد الرحمن النهدي والعطف على محذوف قال:
في الكواكب ظاهره أن أباه حدّث عن غير أبي عثمان ثم قال
وحدّثني أبو عثمان (أيضًا) وتعقبه في الفتح فقال: ليس ذلك
المراد وإنما أراد أن أبا عثمان حدّثه بحديث سابق على هذا
ثم حدّثه بهذا فلذلك قال أيضًا: أي حدّث بحديث بعد حديث
(عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنه
(قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثلاثين ومائة، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه)
بالرفع والضمير للصاع (فعجن) بضم العين ذلك الصاع (ثم جاء
رجل مشرك مشعان) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وفتح العين
المهملة وبعد الألف نون مشددة أي (طويل) ولم يعرف الحافظ
ابن حجر اسمه ولا اسم صاحب الصاع المذكور (بغنم يسوقها
فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أبيع) هذا (أم عطية) أو قال (هبة) المشرك (لا) عطية أو لا
هبة (بل بيع قال: فاشترى منه) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شاة فصنعت) أي ذبحت (فأمر نبي الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسواد البطن) الكبد
أو كل ما في البطن من كبد وغيره (يشوى) بتحتية مضمومة
وسكون المعجمة وفتح الواو (وأيم الله) بهمزة وصل (ما من
الثلاثين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما في الثلاثين
(ومائة إلا قد حز) قطع عليه الصلاة والسلام (له حزة) بضم
الحاء في هذه القطعة (من سواد بطنها وإن كان شاهدًا أعطاها
إياه) أي أعطاه إياها فهو من القلب (وإن كان غائبًا خبأها
له ثم جعل فيها) بالفاء والتحتية وفي الهبة منها بالميم
والنون من الشاة (قصعتين فأكلنا أجمعون) من القصعتين
(وشبعنا وفضل) بفتح الفاء والضاد (في القصعتين فحملته) أي
ما فضل من الطعام (على البعير أو كما قال) بالشك من
الراوي.
وسبق هذا الحديث في البيع والهبة.
5383 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ
حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ
وَالْمَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري قال:
(حدّثنا منصور) هو ابن عبد الرحمن التيمي (عن أمه) صفية
بنت شيبة بن عثمان الحجبي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
قالت: (توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حين شبعنا من الأسودين التمر والماء) وهو من باب التغليب
كالقمرين للشمس والقمر.
قال في الكواكب حين شبعنا ظرف كالحال معناه ما شبعنا قبل
زمان وفاته يعني كنا متقللين من الدنيا زاهدين فيها انتهى.
قال في الفتح: لكن ظاهره غير مراد وقد تقدم في غزوة خيبر
من طريق عكرمة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما فتحنا
خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر، ومن حديث ابن عمر قال: ما
شبعنا حتى فتحنا خيبر فالمراد أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي حين شبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه
من فتح خيبر وذلك قبل موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بثلاث سنين، ومراد عائشة بما أشارت إليه من
الشبع هو من التمر خاصة دون الماء لكن فيه إشارة إلى أن
تمام الشبع حصر بجمعهما فكان الواو فيه بمعنى مع لا أن
الماء وحده يوجد منه الشبع.
وفي أحاديث الباب جواز الشبع وما جاء من النهي عنه محمول
على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام
بالعبادة ويفضي إلى البطر والأشر والنوم والغسل، وقد تنتهي
كراهته إلى
التحريم بحسب ما يترتب عليه
(8/214)
المفسدة. وفي شرح التنقيح للقرافي يحرم على
الآكل على مائدة الغير أن يزيد على الشبع بخلاف الآكل على
سماط نفسه إلا أن يعلم رضا الداعي بأكل الزائد فله ذلك.
7 - باب {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى
الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ} الآيَةَ
إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى في سورة النور: ({ليس
على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
الآية). قال سعيد بن المسيب: كان المسلمون إذا خرجوا إلى
الغزو مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضعوا
مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والمريض والأعرج وعند أقاربهم
ويأذنونهم أن يأكلوا من بيوتهم فكانوا يتحرجون من ذلك
ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت الآية
رخصة لهم (إلى قوله: {لعلكم تعقلون}) [النور: 61] لكي
تعقلوا وتفهموا، وسقط لغير أبي ذر قوله: {ولا على الأعرج
حرج ولا على المريض حرج} إلى آخر قوله الآية.
5384 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ بُشَيْرَ
بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ
النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ،
فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى وَهْيَ مِنْ
خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ
إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، ثُمَّ
دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، فَصَلَّى بِنَا
الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ سُفْيَانُ:
سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَوْدًا وَبَدْءًا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال يحيى بن سعيد) الأنصاري (سمعت بشير
بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا ويسار
بالتحتية والسين المهملة المخففة (يقول: حدّثنا سويد بن
النعمان) الأنصاري -رضي الله عنه- (قال: خرجنا مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر) سنة
سبع (فلما كنا بالصهباء. قال يحيى) بن سعد الأنصاري (وهي)
أي الصهباء (من خيبر على روحة) بفتح الراء والحاء المهملة
ضد الغدوة (دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بطعام فما أُتي إلا بسويق) فثري (فلكناه) بضم
اللام من اللوك يقال لكنه في فمي إذا علكته (فأكلنا منه ثم
دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فمضمض)
فمه الشريف من أثر السويق (ومضمضنا) كذلك (فصلى بنا المغرب
ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق (قال سفيان) بن عيينة (سمعته)
أي الحديث (منه) أي من يحيى بن سعيد (عودًا وبدءًا) أي
عائدًا وبادئًا أي أولًا وآخرًا.
ومناسبة الحديث للترجمة من جهة اجتماعهم على لوك السويق من
غير تمييز بين أعمى وغيره وبين صحيح ومريض. وقال عطاء بن
يزيد: كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في
غير موضعها والأعرج كذلك لاتساعه في موضع إلى والمريض
لرائحته فنزلت هذه الآية
فأباح الله لهم الأكل مع غيرهم، وفي حديث سويد هذا معنى
الآية لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء مع أنه
لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في
ذلك، وقد سوّغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة
والنقصان فكان مباحًا نقله في الفتح.
وهذا الحديث سبق في الوضوء وفي أول غزوة خيبر.
8 - باب الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ، وَالأَكْلِ عَلَى
الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ
(باب الخبز المرقق) بتشديد القاف الأولى الملين المحسن
كالحوّاري أو الموسع (والأكل على الخوان) بكسر الخاء
المعجمة في اليونينية وغيرها. وقال في القاموس: الخوان
كغراب وكتاب ما يؤكل عليه الطعام كالأخوان. وقال في
الكواكب: بالكسر الذي يؤكل عليه معرب والأكل عليه من دأب
المترفين وصنع الجبابرة لئلا يفتقروا إلى التواطؤ عند أكل
(و) إلى على (السفرة) بضم السين اسم لما يوضع عليه الطعام
وأصلها الطعام نفسه يتخذ للمسافر.
5385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ
وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُبْزًا مُرَقَّقًا،
وَلاَ شَاةً مَسْمُوطَةً، حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. [الحديث
5385 - أطرافه في: 5421، 6457].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف
النون العوقي الباهلي قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم
الأولى ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري (عن قتادة) بن
دعامة أنه (قال: كنا عند أنس) -رضي الله عنه- (وعنده خباز
له) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمه وفي الطبراني من طريق
راشد بن أبي راشد قال: كان لأنس غلام يخبز له الحوّاري
ويعجنه بالسمن (فقال) أنس (ما أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبزًا مرققًا) زهدًا في الدنيا وتركًا
للتنعم (ولا شاة مسموطة) وهي التي أزيل شعرها بعد الذبح
بالماء المسخن وإنما يصنع ذلك في الصغيرة الطرية غالبًا
وهو فعل المترفين (حتى لقي الله) وهذا يعارضه ما ثبت في
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل الكراع وهو
لا يؤكل إلا مسموطًا.
5386 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
يُونُسَ قَالَ: عَلِيٌّ هُوَ الإِسْكَافُ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَلَ عَلَى
سُكُرُّجَةٍ قَطُّ، وَلاَ خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ
وَلاَ أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قِيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلَى
مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. [الحديث
5386 - أطرافه في: 5415، 6450].
وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
معاذ بن هشام) بذال معجمة (قال: حدّثني) بالإفراد
(8/215)
(أبي) هشام الدستوائي (عن يونس) بن أبي
الفرات (قال علي) أي ابن المديني يونس: (هو الإسكاف) بكسر
الهمزة وسكون السين المهملة بعدها كاف فألف ففاء وفي
طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات وليس هو المراد هنا
ولذا بينه ابن المديني خوفًا من الالتباس (عن قتادة) بن
دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما علمت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل على سكرجة قطُّ)
بضم السين المهملة والكاف وفي اليونينية بسكون الكاف
والراء المشددة بعدها جيم مفتوحة أو بفتح الراء، وبه جزم
التوربشتي. قيل: هي قصاع كبيرها يسع ست أواق كانت العجم
تستعملها في الكوامخ وما أشبهها من الجوار شنات على
الموائد حول الأطعمة للهضم، والنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأكل على هذه الصفة قط (ولا خبز)
بضم الخاء المعجمة (له) خبز (مرقق قط، ولا أكل على خوان
قط) وقط هذه الأخيرة ثابتة لأبي ذر ساقطة لغيره وقول أنس:
ما علمت فيه كما في شرح المشكاة نفي العلم وإرادة نفي
المعلوم فهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه وإنما صح هذا من
أنس لطول لزومه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وعدم مفارقته له إلى أن مات وعند ابن ماجة من حديث أبي
هريرة أنه زار قومه فأتوه برقاق فبكى وقال: ما رأى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا بعينه (قيل
لقتادة) بن دعامة (فعلاما) بألف بعد الميم ولأبي ذر عن
الكشميهني فعلام (كانوا يأكلون) بلفظ الجمع وكان الأصل أن
يقال علاما كان يأكل فعدل عن الإفراد للجمع إشارة إلى أن
ذلك لم يكن مختصًّا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بل كان أصحابه مقتدين به في ذلك كغيره (قال)
قتادة كانوا يأكلون (على السفر) بضم السين وفتح الفاء جمع
سفرة وأصلها كما مر الطعام الذي يتخذ للمسافر فهو من باب
تسمية المحل باسم الحال.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة والنسائي في الرقائق
والوليمة وابن ماجة في الأطعمة.
5387 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ
سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ
الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ
فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ
وَالسَّمْنُ، وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ أَنَسٍ: بَنَى بِهَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ
صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ.
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم
بن أبي مريم المصري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي
كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه
سمع أنسًا) -رضي الله عنه- (يقول: قام النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بين خيبر والمدينة ثلاث ليال
(يبني بصفية) بنت حيي وفيه رد على الجوهري في تخطئته لمن
قال: بنى الرجل بأهله ومثله بنى بها النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدعوت المسلمين إلى وليمة) عليه
الصلاة والسلام (أمر) بفتح الهمزة والميم (بالأنطاع) وهي
السفر (فبسطت فألقي عليها التمر والأقط) اللبن الجامد
(والسمن. وقال عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو مولى المطلب
بن عبد الله بن حنطب (عن أنس) -رضي الله عنه- (بنى بها
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صنع حيسًا)
بفتح كالحاء والسين المهملتين بينهما تحتية ساكنة وهو ما
اتخذ من التمر والأقط والسمن (في نطع) بكسر النون وفتح
الطاء المهملة وهذا التعليق وصله المؤلّف بأتم من هذا في
المغازي.
5388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ
وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ
يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ
ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: يَا
بُنَيَّ إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ هَلْ
تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ؟ إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي
شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِأَحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ. قَالَ
فَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ إِذَا عَيَّرُوهُ
بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إِيهًا وَالإِلَهْ تِلْكَ
شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا أبو
معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين الضرير قال: (حدّثنا هشام
عن أبيه) عروة بن الزبير (وعن وهب بن كيسان) أي أن هشامًا
حمل الحديث عن أبيه وعن وهب (قال: كان أهل الشام) جيش
الحجاج بن يوسف حيث كانوا يقاتلونه من قبل عبد الملك بن
مروان أو عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه قبل ذلك من قبل
يزيد بن معاوية (يعيرون ابن الزبير يقولون) له: (يا ابن
ذات النطاقين) بكسر النون (فقالت له) أمه (أسماء) بنت أبي
بكر الصدّيق وهي ذات النطاقين: (يا بني إنهم يعيرونك
بالنطاقين) قال الزركشي وغيره: الأفصح تعدية عير بنفسه
تقول عيرته كذا وتعقبه في المصابيح بأن الذي في الصحاح
وغيره كذا من التعيير والعامة تقول عيرته بكذا وقال في
الفتح وقد سمع عيرته بكذا كما هنا (هل تدري ما كان
النطاقان)؟ بالرفع قيل وفي بعض النسخ النطاقين بالياء بدل
الألف منصوبًا. قال الزركشي: والصواب النطاقان وهو ما يشدّ
به الوسط، وقد وجه النصب في المصابيح بأن تجعل ما موصولة
لا استفهامية
(8/216)
والنطاقين بدلًا من الموصول على حذف مضاف
أي شأن النطاقين فأبدل الثاني من الأول بدل الكل لصدق
الموصول على البدل والمراد منهما شيء واحد، والمعنى هل
تدري الذي كان أي هل تدري شأن النطاقين أو النطاقين مفعول
تدري وما كان جملة ذات استفهام مستفاد من ما والضمير
المستتر في كان عائد على الشأن المفهوم من سياق الكلام أي
هل تدري النطاقين أي شيء كان الشأن فيهما وقدمت جملة
الاستفهام على المفعول اعتناء بشأنها أو نقول الأصل هل
تدري ما كان في النطاقين فحذف الجار (إنما كان نطاقي شققته
نصفين فأوكيت قربة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بأحدهما) أي ربطت فمها به (وجعلت في سفرته)
الكريمة (آخر. قال) وهب: (فكان أهل الشام إذا عيروه
بالنطاقين يقول: إِيهًا) بكسر الهمزة وسكون التحتية
والتنوين كلمة تستعمل في استدعاء الشيء وقيل هي للتصديق
كأنه قال: صدقتم (والإله) جل وعلا وفي رواية أحمد بن يونس
إيهًا ورب الكعبة (تلك شكاة) بفتح الشين المعجمة أي رفع
الصوت بالقول القبيح (ظاهر) بالظاء المعجمة أي مرتفع (عنك
عارها) فلم تعلق بك وهذا عجز بيت لأبي ذؤيب تمثل به ابن
الزبير وصدره:
وعيرني الواشون أني أحبها
وثبت هذا الصدر لأبي ذر كما في اليونينية وتمامه:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وأولها:
هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
أبى القلب إلا أم عمرو فأصبحت ... تحرق ناري بالشكاء
ونارها
وبعده: وعيرني الواشون البيت إلخ ..... وهي قصيدة تزيد على
ثلاثين بيتًا.
5389 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ
الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَهْدَتْ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ فَأُكِلْنَ
عَلَى مَائِدَتِهِ، وَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ،
وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ
أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن النعمان الملقب
بعارم قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري
(عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن إياس
اليشكري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما-
(أن أم حفيد) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية
الساكنة دال مهملة هزيلة بالزاي والتصغير (بنت الحارث بن
حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون (خالة ابن
عباس) أخت أمه لبابة الكبرى (أهدت إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمنًا وأقطًا) لبنًا جامدًا
(وأضبًّا) بفتح الهمزة وضم الضاد المعجمة وتشديد الموحدة
جمع ضب مثل فلس وأفلس دويبة تشبه الورل وهو من الحيوان
تأكلهن العرب (فدعا بهن) بالأضب (فأكلن على مائدته وتركهن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يأكل منهن
شيئًا (كالمتقذر) بالذال المعجمة والقاف (لهن ولو كن
حرامًا ما أكلن على مائدة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولا أمر بأكلهن) وفي مسلم عنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: لا آكله ولا أحرمه وله في
لفظ آخر: كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي، وأجمع على حل
أكله من غير كراهية خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة إذ كرهه،
ولما حكاه القاضي عياض عن قوم من التحريم. قال النووي: وما
أظنه يصح عن أحد وهو طويل العمر وللذكر منه ذكران وللأنثى
فرجان ويرجع في قيئه كالكلب ويأكل رجيعه وهو طويل الدم بعد
الذبح، وهشم الرأس يمكث بعد الذبح ليلة ويلقى في النار
فيتحرك.
وهذا الحديث سبق في كتاب الهبة في باب قبول الهدية.
9 - باب السَّوِيقِ
(باب السويق).
5390 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ
كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِالصَّهْبَاءِ، وَهْيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ
خَيْبَرَ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ،
فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَلَمْ يَجِدْهُ إِلاَّ سَوِيقًا،
فَلاَكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ
فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا، وَلَمْ
يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) هو ابن زيد (عن يحيى) ابن سعيد الأنصاري (عن بشير بن
يسار) ضد اليمين وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرًا (عن سويد
بن النعمان) الأنصاري (أنه أخبره) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي أخبرهم بضمير الجمع (أنهم كانوا مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصهباء وهي) أي
الصهباء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وهو أي الموضع (على
روحة من خيبر) بفتح الراء ضد
(8/217)
الغدوة (فحضرت الصلاة) أي المغرب (فدعا
بطعام فلم يجده إلا سويقًا فلاك منه) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فلاكه (فلكنا معه ثم دعا بماء فمضمض ثم صلى
وصلينا ولم يتوضأ) فلم يجعل الأكل منه ناقضًا للوضوء.
وهذا الحديث قد مرّ قريبًا.
10 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمُ
مَا هُوَ
(باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا
يأكل) شيئًا مما يحضر بين يديه (حتى يسمى له) بفتح الميم
المشددة مبنيًّا للمفعول. قال في التنقيح: قد يستشكل دخول
النافي أي ما على النافي أي وهو لا وجوابه أن النفي الثاني
مؤكد للأول، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن هنا
نافيًا دخل على نافٍ بل لا زائدة لا نافية لفهم المعنى أو
نقول ما مصدرية لا نافية وباب مضاف إلى هذا المصدر
فالتقدير باب كون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لا يأكل حتى يسمى له ذلك الشيء (فيعلم) بالنصب
عطفًا على المنصوب السابق بأن المقدرة (ما هو) لأنه ربما
يكون ذلك مما يعافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أو لا يجوز أكله إذ ربما يكون المأتي به مطبوخًا فلا يتميز
إلا بالسؤال عنه.
5391 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو
الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ
بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ
الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى مَيْمُونَةَ وَهْيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ
ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا
قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ
مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ قَلَّمَا
يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ
وَيُسَمَّى لَهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ،
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ:
أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ،
فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ
بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». قَالَ:
خَالِدٌ: فَاجْتَزَزْتُهُ فَأَكَلْتُهُ
وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَنْظُرُ إِلَيَّ. [الحديث 5391 - أطرافه في: 5400، 5537].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس)
بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد
(أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف الأنصاري أن ابن عباس
أخبره أن خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي (الذي يقال
له سيف الله أخبره أنه دخل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ميمونة) أم المؤمنين (وهي خالته)
أخت أمه لبابة الصغرى بنت الحارث (وخالة ابن عباس) أخت أمه
لبابة الكبرى (فوجد عندها ضبًّا محنوذًا) بفتح الميم وسكون
الحاء المهملة وضم النون آخره معجمة مشويًّا (قدمت) ولأبي
ذر: قد قدمت (به) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بها (أختها
حفيدة بنت الحارث) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء مصغرًا
(من نجد فقدمت الضب) وهو حيوان بري يشبه الحرذون لكنه كبير
القدر وقد ذكر أنه لا يشرب الماء وأنه يعيش سبعمائة
فصاعدًا (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وكان قلما يقدم يده) المقدسة (لطعام حتى يحدّث به ويسمى
له) بفتح الدال والميم المشددتين فيهما (فأهوى) مدّ (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده إلى الضب
فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قدّمتن له هو الضب يا رسول
الله) ولأبي ذر عن الكشميهني أخبري بالإفراد بدل قوله
أخبرن والنسوة اسم جمع قاله أبو بكر بن السراج وقيل جمع
تكسير من أوزان جموع القلة لا واحد له من لفظه ووزنه فعلة
وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد وقد نظمها
بعضهم في قوله:
بأفعل وبأفعال وأفعلة ... وفعلة يعرف الأدنى من العدد
وقال الزمخشري: نسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير
حقيقي قال: ولذلك لا يلحق فعله إذا أسند إليه تاء التأنيث
فتقول: قال نسوة وقيل إنه جمع كثرة فيجوز إلحاق العلامة
وتركها كما تقول: قام الهنود وقامت الهنود وقد تضم نون
النسوة فيكون إذ ذاك اسم جمع بلا خلاف، وذكر أبو البقاء
أنه قرئ بضمها في قوله تعالى: {وقال نسوة} [يوسف: 30]. قال
القرطبي: وهي قراءة الأعمش والمفضل والسلمي وقال غيره:
ويكسر للكثرة على نسوان والنساء جمع كثرة لا واحد له من
لفظه كذا قال أبو حيان، ومقتضى ذلك أن لا يكون النساء
جميعًا لنسوة لقوله لا واحد له من لفظه.
فإن قلت: المطابقة بين الصفة والموصوف في التذكير والتأنيث
مطلوبة فكيف عبّر بجمع المذكر في قوله الحضور؟ أجيب: بأنه
وقع باعتبار الأشخاص أو هو مصدر بمعنى الحاضرات.
قال في الكواكب: ولا يلزم من الإسناد إلى المضمر التأنيث.
قال الجوهري في قوله تعالى: {إن رحمة الله قريب من
المحسنين} [الأعراف: 56] لم يقل قريبة لأن ما لا يكون
تأنيثه حقيقيًّا يجوز تذكيره، وقال السفاقسي: جاء به على
معنى جمع النسوة فنعت عليه كقوله تعالى: {من الشجر الأخضر
نارًا} [يس: 80] والمرأة القائلة هي ميمونة كما عند
الطبراني في الأوسط ومسلم
(8/218)
ولفظه
فقالت ميمونة: يا رسول الله إنه لحم ضب (فرفع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده عن الضب فقال
خالد بن الوليد أحرام الضب يا رسول الله؟ قال):
(لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) بالعين المهملة
والفاء مضارع عفت الشيء أي أجد نفسي تكرهه ولكن للاستدراك
ومعناها هنا تأكيد الخبر كأنه قال: ليس هو حرامًا قيل لِم
وأنت لم تأكله؟ قال: "لأنه لم يكن بأرض قومي" والفاء في
فأجدني فاء السببية (قال خالد: فاجتززته) بالجيم والزاي
المكررة (فأكلته ورسول الله) الواو للحال ولأبي الوقت:
والنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينظر إليّ)
استدلّ به للإباحة الأئمة الأربعة ورجحه الطحاوي في شرح
معاني الآثار إلا أن صاحب الهداية قال: يكره لنهيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة لما سألته عن أكله لكنه
ضعيف لا يحتج به.
11 - باب طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (طعام الواحد يكفي الاثنين).
5392 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «طَعَامُ
الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ
كَافِي الأَرْبَعَةِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام. قال المؤلّف: (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس
قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد
الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(طعام الاثنين) المشبع لهم (كافي الثلاثة) لقوتهم (وطعام
الثلاثة) المشبع لهم (كافي الأربعة) لشبعهم لما ينشأ عن
بركة الاجتماع فكلما أكثر الجمع ازدادت البركة.
فإن قلت: لا مطابقة بين الترجمة والحديث إذ مقتضى الترجمة
أن الواحد يكتفي بنصف ما يشبعه ولفظ الحديث بالثلث ثم
الربع. وأجيب: بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ليس
على شرطه رواه مسلم، وبأن الجامع بين الحديثين أن مطلق
طعام القليل يكفي الكثير وكون طعام الواحد يكفي الاثنين
يؤخذ منه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة بطريق الأولى بخلاف
عكسه، وعند ابن ماجة من حديث عمر -رضي الله عنه- طعام
الواحد يكفي الاثنين وأن طعام الاثنين يكفي الثلاثة
والأربعة وأن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة، وقيل:
المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية،
وليس المراد الحصر في المقدار، وإنما المراد المواساة وأنه
ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضًا بحسب
من يحضر ففيه أنه لا يستحقر ما عنده فإن القليل قد يحصل به
الاكتفاء.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي في الأطعمة والنسائي في
الوليمة.
12 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ
فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (المؤمن يأكل في معًى واحد)
بكسر الميم وتنوين العين مقصورًا جمعه إمعاء بالمد وهي
المصارين وإنما عدى الأكل بفي على معنى أوقع إلى فيها
وجعلها مكانًا للمأكول كقوله تعالى: {إنما يأكلون في
بطونهم نارًا} [النساء: 10] أي ملء بطونهم (فيه أبو هريرة
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
5393 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ
مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ
يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ،
فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا.
فَقَالَ: يَا نَافِعُ لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ،
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ،
وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». [الحديث
5393 - أطرافه في: 5394، 5395].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) العبدي
الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن
سعيد التنوري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واقد بن
محمد) بالقاف والدال المهملة ابن زيد بن عبد الله بن عمر
بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر
لا يأكل حتى يؤتى) بضم التحتية وفتح الفوقية (بمسكين يأكل
معه فأدخلت رجلًا) هو أبو نهيك كما أخرجه المصنف من وجه
آخر في هذا الباب (يأكل معه فأكل كثيرًا فقال) ابن عمر (يا
نافع لا تدخل هذا عليّ) أي لما فيه من الاتّصاف بصفة
الكافر وهي كثرة الأكل ونفس المؤمن تنفر ممن هو متصف بصفة
الكافر ثم استدلّ لذلك بقوله: {سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(المؤمن يأكل في معًى واحد) بكسر الميم والقصر (والكافر
يأكل في سبعة أمعاء) ومما يؤيد أن كثرة الأكل صفة الكافر
قوله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل
الأنعام والنار مثوى لهم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: 12] وتخصيص السبعة قيل للمبالغة والتكثير كما
في قوله تعالى: {والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر} [لقمان:
27] فيكون المراد أن المؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام
ويبارك له في مأكله ومشربه فيشبع بالقليل والكافر يكون
كثير
(8/219)
الحرص شديد الشره لا يطمح بصره إلا إلى
المطاعم والمشارب كالأنعام فمثل ما بينهما من التفاوت في
الشره بما بين من يأكل في معًى واحد ومن يأكل في سبعة
أمعاء وهذا باعتبار الأعم الأغلب، وفي معنى سبعة أمعاء
أقوال أُخر تأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
0000 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ
فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذا (باب) بالتنوين (المؤمن يأكل في معًى واحد فيه أبو
هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا
ثبت، لأبي ذر وسقط ذلك للباقين وهو أولى إذ لا فائدة في
إعادته.
5394 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ
فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْمُنَافِقَ»
فَلاَ أَدْرِى أَيَّهُمَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ
«يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». وَقَالَ ابْنُ
بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا
عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري
(عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال (قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن المؤمن يأكل في معًى واحد وإن الكافر أو المنافق) قال
عبدة: (فلا أدري أيهما قال عبيد الله) العمري، وأخرجه مسلم
من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بلفظ الكافر من غير شك،
وعند الطبراني من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر (يأكل
في سبعة أمعاء) بالمد كما مرّ جمع معًى وهو على الأكل من
الإنسان.
(وقال ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير فيما وصله
أبو نعيم في المستخرج (حدّثنا مالك) هو ابن أنس إمام دار
الهجرة (عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثله) أي بمثل الحديث السابق لكن
بلفظ الكافر من غير شك كما في الموطأ فالمراد أصل الحديث
لا خصوص الشك.
5395 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا
أَكُولًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»،
فَقَالَ: فَأَنَا أُؤمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (قال
كان أبو نهيك) بفتح النون وكسر الهاء (رجلًا) من أهل مكة
(أكولًا) يأكل كثيرًا (فقال له) أي لأبي نهيك (ابن عمر)
-رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء) قال القرطبي: شهوات الطعام
سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم،
وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي
يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع (فقال) أبو
نهيك لما قال له ابن عمر ذلك (فأنا أؤمن بالله ورسوله) فلا
يلزم اطّراد الحكم في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في
المؤمنين من يأكل كثيرًا إما بحسب العادة وإما لعارض يعرض
له في مرض باطن أو لغير ذلك، وقد يكون في الكفار من يأكل
قليلًا إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة
على رأي
الرهبان، وإما لعارض كضعف، قال في شرح المشكاة: ومحصل
القول إن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع
بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا
الوصف لا يقدح في الحديث.
5396 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي
مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ
أَمْعَاءٍ». [الحديث 5396 - أطرافه في: 5397].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان
(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يأكل المسلم في معًى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)
ونقل القاضي عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة:
المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب والصائم
والرقيق وهي كلها رقاق ثم ثلاثة غلاظ الأعور والقولون
والمستقيم وطرفه الدبر، ونظمها شيخ مشايخنا الحافظ الزين
العراقي كما أنبأني شيخنا أبو العباس الجمالي قال: أتاح لي
شيخنا الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم العراقي قال:
سبعة أمعاء لكل آدمي ... معدة بوابها مع صائم
ثم الرقيق أعور قولون مع ... المستقيم مسلك المطاعم
وحينئذ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشرهه لا يشبعه
إلاّ ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معًى واحد،
والحاصل أن المؤمن من شأنه الحرص على الزهادة والاقتناع
بالبلغة بخلاف الكافر.
5397 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ
أَكْلًا كَثِيرًا، فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا
قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ
فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ
أَمْعَاءٍ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج
(8/220)
(عن عدي بن ثابت) الكوفي الأنصاري (عن أبي
حازم) سليمان الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن
رجلًا كان يأكل أكلًا كثيرًا) قال ابن بشكوال فيما حكاه
الحافظ ابن حجر في المقدمة الأكثر على أن هذا الرجل هو
جهجاه الغفاري رواه ابن أبي شيبة والبزار في مسنده
وغيرهما، وقيل هو نضلة بن عمرو رواه أحمد في مسنده وأبو
مسلم الكجي في سننه وثابت بن قاسم في الدلائل، وقيل هو أبو
نصرة الغفاري ذكره أبو عبيد في الغريب وعبد الغني بن سعيد
في
المبهمات، وقيل ثمامة بن أثال ذكره ابن إسحاق وحكاه ابن
بطال (فأسلم) فبورك له (فكان يأكل أكلًا قليلًا فذكر ذلك
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم ذال ذكر
مبنيًّا للمفعول وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضافه ضيف وهو كافر
فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب
حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها
ثم بأخرى فلم يستتمها. (فقال):
(إن المؤمن) لعدم شرهه وعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما
يسد الجوع ويعين على العبادة مع ما يحذره من الحساب على
ذلك (يأكل في معًى واحد والكافر) بالنصب عطفًا على المنصوب
بأن لكثرة شرهه وعدم وقوفه على مقصود الشرع وحذره من تبعات
الحساب والحرام (يأكل في سبعة أمعاء) فصار نسبة أكل المسلم
إلى أكل الكافر بقدر السبع منه ومن أعمل فكره فيما يصير
إليه منعه من استيفاء شهوته. وفي حديث أبي أمامة رفعه: "من
كثر تفكّره قلّ مطعمه ومن قل تفكّره كثر مطعمه وقسا قلبه"
وقالوا: لا تدخل الحكمة معدة ملئت من الطعام ومن قلّ طعامه
قلّ شربه وخفّ منامه ومن خفّ منامه ظهرت بركة عمره ومن
امتلأ بطنه كثر شربه ومن كثر شربه ثقل نومه ومن ثقل نومه
محقت بركة عمره، وعند الطبراني من حديث ابن عباس قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن أهل الشبع
في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة" وعند البيهقي في
الشعب من حديث عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يشتري غلامًا فألقي بين يديه
تمرًا فأكل الغلام فأكثر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن كثرة الأكل شؤم" وأمر بردّه.
13 - باب الأَكْلِ مُتَّكِئًا
(باب) حكم (الأكل) حال كون الآكل (متكئًا) على أحد جنبيه
كالمتجبر أو على الأيسر منهما أو هو التمكن في الجلوس
للأكل على أي صفة كانت أو الاعتماد على الوطاء الذي تحته
فعل من يستكثر من الطعام وبهذا الأخير جزم الخطابي.
5398 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ
يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة بعدها
راء ابن كدام العامري الكوفي (عن علي بن الأقمر) بن عمرو
بن الحارث بن معاوية الهمداني الوادعي أنه قال: (سمعت أبا
جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي (يقول: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إني) إذا أكلت (لا آكل متكئًا) أي متمكنًا من الأكل فعل
من يريد الاستكثار منه ولكن آكل العلقة من الطعام فأقعد له
مستوفزًا وثبت لفظة "إني" للكشميهني، وليس لابن الأقمر في
البخاري سوى هذا الحديث، وعند ابن شاهين من مرسل عطاء بن
يسار أن جبريل رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يأكل
متكئًا فنهاه، ومن حديث أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نهاه جبريل عن الأكل متكئًا لم
يأكل متكئًا بعد ذلك، وعند ابن أبي شيبة عن مجاهد ما أكل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متكئًا إلا مرة
واحدة فقال: "اللهم إني عبدك ورسولك".
وهذا مرسل.
5399 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الأَقْمَرِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: «لاَ آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ».
[الحديث 5398 - أطرافه في: 5399].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) قال:
(أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن
المعتمر (عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة) أنه (قال: كنت
عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لرجل
عنده):
(لا آكل وأنا متكئ) قال في الفتح: وسبب هذا الحديث قصة
الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند ابن ماجة،
والطبراني
(8/221)
بإسناد حسن قال: أهديت للنبي-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة فجثا على ركبتيه يأكل
فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: "إن الله جعلني
كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا" واستنبط من هذه الأحاديث
كراهة الأكل متكئًا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من
ملوك العجم، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن
الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار
والزهري جواز ذلك مطلقًا، وإذا ثبت أنه مكروه أو خلاف
الأولى فليكن الأكل جاثيًا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب
الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، واختلف في علة الكراهة
فروى ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال: كانوا
يكرهون أن يأكلوا المتكأة مخافة أن تعظم بطونهم، وحكى ابن
الأثير أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوّله
على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا ولا
يسيغه هنيئًا وربما تأذى به.
14 - باب الشِّوَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَاءَ
بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أَيْ مَشْوِيٍّ
(باب) جواز أكل (الشواء. وقول الله تعالى) في قصة إبراهيم
عليه الصلاة والسلام: ({فجاء بعجل}) ولد البقرة وكان مال
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ({حنيذ}) [هود: 69] (أي مشوي)
بالحجارة المحماة.
5400 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ:
أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ،
فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ فَأَمْسَكَ يَدَهُ. فَقَالَ
خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: «لاَ. وَلَكِنَّهُ لاَ
يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ».
فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ قَالَ: مَالِكٌ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
هشام بن يوسف) قاضي صنعاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد
(عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي أمامة بن سهل) أي ابن
حنيف (عن ابن عباس عن خالد بن الوليد) أنه (قال: أتي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضب مشوي فأهوى) بيده
(إليه ليأكل) منه (فقيل له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: يا رسول الله (إنه ضب فأمسك يده) الشريفة عنه
(فقال خالد) أي ابن الوليد (أحرام هو؟ قال):
(لا) حرمة فيه (ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه) قال
في القاموس: عاف الطعام والشراب، وقد يقال: في غيرهما
يعافه ويعيفه عيفًا وعيفانًا محرّكة وعيافة وعيافًا
بكسرهما كرهه فلم يأكله (فأكل خالد ورسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليه.
(وقال مالك) الإمام فيما وصله مسلم (عن ابن شهاب) الزهري
(بضب محنوذ) بدل مشوي. قال في القاموس: حنذ الشاة يحنذها
حنذًا وتحناذًا شواها وجعل فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي
حنيذ أو هو الحار الذي يقطر ماؤه بعد الشيء.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة كونه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهوى ليأكله ثم لم يمتنع إلا لكونه
ضبًّا فلو كان غير ضب لأكل قاله ابن بطال.
وهذا الحديث سبق قريبًا.
15 - باب الْخَزِيرَةِ. وَقَالَ النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ
مِنَ النُّخَالَةِ وَالْحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ
(باب الخزيرة) بالخاء المعجمة والزاي وبعد التحتية الساكنة
راء.
(قال النضر): بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها راء
ابن شميل بضم المعجمة مصغرًا النحوي اللغوي المحدث
(الخزيرة) يعني بالمعجمة تتخذ (من النخالة) أي من بلالتها
وقال في القاموس: الخزير والخزيرة شبه عصيدة بلحم وبلا لحم
عصيدة أو مرقة من بلالة النخالة (والحريرة) يعني بالمهملات
تتخذ (من اللبن) قال في الفتح: وهذا الذي قاله النضر وافقه
عليه أبو الهيثم لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هو
المعروف ويحتمل أن يكون معنى اللبن أنها تشبه اللبن في
البياض لشدّة تصفيتها اهـ. لكن قال في القاموس: الحريرة
دقيق يطبخ بلبن أو دسم.
5401 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ،
أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ
شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا
أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ
الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ
أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، فَوَدِدْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي
بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ: «سَأَفْعَلُ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ». قَالَ: عِتْبَانُ:
فَغَدَا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ،
فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى
دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ لِي: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ
أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ»؟ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ
مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ، فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ
صَنَعْنَاهُ، فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ
الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ، فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ
مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ! فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ، لاَ يُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُلْ، أَلاَ تَرَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»؟ قَالَ:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قُلْنَا فَإِنَّا
نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ
فَقَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ
قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ
وَجْهَ اللَّهِ»؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ
الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي
سَالِمٍ، وَكَانَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ
مَحْمُودٍ، فَصَدَّقَهُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن
بكير) بالموحدة المضمومة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن
شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن
الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة (الأنصاري أن عتبان بن
مالك) بكسر العين (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن شهد بدرًا من الأنصار أنه أتى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا
رسول الله إني أنكرت بصري) أي ضعف أو عمي (وأنا أصلي
لقومي) وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر جعل بصري
يكل، ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت أصابني في
بصري بعض الشيء وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ
ذاك، لكن عند
(8/222)
المصنف في الصلاة في باب الرخصة في المطر
من طريق مالك عن الزهري أنه كان يؤمّ قومه وهو أعمى وأنه
قال: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا ضرير
البصر.
نعم يحتمل أن يكون قوله ضرير البصر أي أصابني فيه ضرّ فهو
كقوله: أنكرت بصري فتتفق الروايات، ويكون أطلق عليه العمى
لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال
الصحة. وقال ابن عبد البر: كان ضرير البصر ثم عمي ويؤيده
قوله في رواية أخرى وفي بصري بعض الشيء، ويقال للناقص ضرير
البصر فإذا عمي أطلق عليه ضرير من غير تقييد بالبصر (فإذا
كانت الأمطار سال) الماء في (الوادي) فهو من إطلاق المحل
على الحال وللطبراني وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل
الوادي (الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي
لهم فوددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت (يا رسول الله أنك
تأتي فتصلي) بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد
التمني (في) مكان من (بيتي فأتخذه مصلى) موضعًا للصلاة
برفع فأتخذه ونصبه كقوله: فتصلي (فقال) رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(سأفعل) ذلك (إن شاء الله) تعالى (قال عتبان: فغدا عليّ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر)
الصديق -رضي الله عنه- وسقط قوله عليّ من اليونينية (حين
ارتفع النهار) يوم السبت (فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
الدخول إلى منزلي (فأذنت له) وفي رواية الأوزاعي فأذنت
لهما وفي رواية أبي أويس ومعه أبو بكر وعمر (فلم يجلس حتى
دخل البيت) أي فلم يجلس في الدار ولا في غيرها حتى دخل
البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه لأنه لم يجلس إلا بعد أن
صلى (ثم قال لي: أين تحب أن أصلي من بيتك)؟ قال عتبان:
(فأشرت) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلي
ناحية من البيت فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فكبّر فصففنا) وراءه (فصلى ركعتين ثم سلّم
وحبسناه على خزير) بالخاء المعجمة والزاي (صنعناه) أي
منعناه من الرجوع ليأكل من الخزير الذي صنعناه له (فثاب)
بالمثلثة أي جاء (في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد)
بعضهم في إثر بعض لما سمعوا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فاجتمعوا) الفاء للعطف ومن ثم لا يحسن تفسير
ثاب باجتمعوا لأنه يلزم منه عطف الشيء على مرادفه وهو خلاف
الأصل فالأوجه تفسيره بجاء بعضهم إثر بعض كما مرّ (فقال
قائل منهم): لم يسمّ (أين مالك بن الدخشن)؟ بضم الدال
المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين بعدها نون (فقال
بعضهم) قيل هو عتبان المذكور (ذلك) باللام أي مالك بن
الدخشن (منافق لا يحب الله ورسوله قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقل) ذلك (ألا تراه) بفتح
التاء (قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال: الله
ورسوله أعلم. قال: قلنا) يا رسول الله (فإنا نرى وجهه) أي
توجهه (ونصيحته إلى المنافقين) استشكل من حيث إنه يقال
نصحت له لا إليه، وأجاب في الفتح بأن قوله إلى المنافقين
متعلق بقوله وجهه فهو الذي يتعدى بإلى وأما متعلق نصيحته
فمحذوف للعلم به (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فإن الله) تعالى (حرّم على النار من قال لا
إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله).
(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالإسناد السابق (ثم
سألت الحصين بن محمد) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين
(الأنصاري أحد بني سالم وكان من سراتهم) بفتح السين والراء
المخففة المهملتين أي خيارهم (عن حديث محمود فصدقه) زاد في
رواية بذلك أي بالحديث المذكور. قال في الفتح: يحتمل أن
يكون حمله عن صحابي آخر وليس للحصين ولا لعتبان في
الصحيحين سوى هذا الحديث، وقد أخرجه البخاري في أكثر من
عشرة مواضع مطوّلًا ومختصرًا.
16 - باب الأَقِطِ
وَقَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا: بَنَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَفِيَّةَ،
فَأَلْقَى التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ. وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ: صَنَعَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْسًا.
(باب الأقط) قال في القاموس: مثلثة وتحرك وككتف ورجل وإبل
شيء يتخذ من المخيض الغنمي.
(وقال حميد) الطويل مما وصله المؤلّف في باب الخبز المرقق
(سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- يقول: (بنى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصفية) بنت حيي -رضي الله
عنها- مقفله من خيبر (فألقى التمر والأقط والسمن) على
الأنطاع لوليمته
(8/223)
(وقال عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما
مولى المطلب بن
عبد الله المخزومي مما وصله المؤلّف في المغازي. (عن أنس
صنع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيسًا) من
تمر وأقط وسمن في نطع.
5402 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَهْدَتْ خَالَتِي إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضِبَابًا
وَأَقِطًا وَلَبَنًا، فَوُضِعَ الضَّبُّ عَلَى
مَائِدَتِهِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُوضَعْ،
وَشَرِبَ اللَّبَنَ وَأَكَلَ الأَقِطَ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي القصاب قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة
والمعجمة الساكنة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد) هو ابن جبير
(عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أهدت خالتي)
ميمونة أم المؤمنين (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ضبابًا) بكسر الضاد المعجمة جمع ضب (وأقطًا
ولبنًا فوضع الضب على مائدته) الكريمة بضم واو فوضع
مبنيًّا للمفعول والضب نائب الفاعل (فلو كان حرامًا لم
يوضع) على مائدته ولم يأكل منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لكونه لم يكن بأرض قومه (وشرب) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللبن وأكل الأقط).
وهذا الحديث سبق في قبول الهدية.
17 - باب السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ
(باب السلق) بكسر السين بقلة معروفة تجلو وتحلل وتلين
وتفتح السدد وتسر النفس نافع للنقرس والمفاصل وعصير أصله
سعوطًا ترياق وجع السن والأُذن والشقيقة (والشعير) بالجرّ
عطفًا على السلق.
5403 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَفْرَحُ
بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ
أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا،
فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إِذَا صَلَّيْنَا
زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ
بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا
نَتَغَدَّى وَلاَ نَقِيلُ إِلاَّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ،
وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد
الرحمن) الفارسي المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم)
سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي أنه (قال: إن كنّا
لنفرح بيوم الجمعة كانت لنا عجوز) أي أقف على اسمها (تأخذ
أصول السلق فتجعله في قدر لها فتجعل فيه حبات من شعير)
فكنا (إذا صلينا) الجمعة (زرناها فقربته) أي ذلك المطبوخ
(إلينا وكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك) الطعام (وما كنا
نتغذى) بالعين المعجمة والدال المهملة (ولا نقيل) بفتح
النون وكسر القاف أي نستريح نصف النهار (إلا بعد) صلاة
(الجمعة والله ما فيه) أي الطعام المذكور (شحم ولا ودك)
بفتح الواو والدال المهملة الدسم من عطف الأعم على الأخص.
18 - باب النَّهْسِ، وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ
(باب النهس) بفتح النون وسكون الهاء بعدها سين مهملة في
الفرع وأصله وبالمعجمة في غيرهما (وانتشار اللحم) بالنون
الساكنة والفوقية المكسورة والشين المعجمة وبعد الألف لام
استخراج اللحم من المرق قبل نضجه واسم ذلك اللحم النشيل
والنهس القبض عليه بالفم وإزالته من العظم أو غيره بعد
الانتشال وقيل النهس بالمهملة الأخذ بمقدم الفم وبالمعجمة
بالأضراس.
5404 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَعَرَّقَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَتِفًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي
البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أيوب)
السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) قال ابن معين: وتبعه ابن بطال لا يصح لابن سيرين
سماع من ابن عباس، وقال ابن المديني، قال شعبة: أحاديث
محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس إنما سمعها من عكرمة
لقيه أيام المختار أنه (قال: تعرق) بتشديد الراء بعدها قاف
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتفًا) أي
أكل ما كان عليه من اللحم (ثم قام فصلى ولم يتوضأ).
5405 - وَعَنْ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْتَشَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرْقًا مِنْ قِدْرٍ
فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
(وعن أيوب) السختياني بالسند السابق (و) عن (عاصم) هو ابن
سليمان الأحول كلاهما (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- أنه (قال: انتشل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عرقًا) بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف أي
أخذ قبل نضجه (من قدر فأكل) منه (ثم صلى ولم يتوضأ) قال
الحافظ ابن حجر: وحاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب
بسندين على لفظين أحدهما عن ابن سيرين باللفظ الأول،
والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني، ومفاد
الحديثين واحد وهو ترك إيجاب الوضوء مما مسّت النار ولم
يقع في شيء من الطريقين اللذين ساقهما البخاري بلفظ النهش،
وإنما ذكره بالمعنى حيث قال: تعرّق كتفًا.
19 - باب تَعَرُّقِ الْعَضُدِ
(باب تعرّق العضد) وهو العظم الذي بين الكتف والمرفق.
5406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ
حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَحْوَ مَكَّةَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي (قال:
حدّثني) بالإفراد
(8/224)
أيضًا ولأبي ذر:
أخبرني بالإفراد أيضًا (عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال:
(حدّثنا فليح) بضم الفاء آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان
قال: (حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن
دينار (المدني) قال: (حدّثنا عبد الله بن قتادة عن أبيه)
أبي قتادة الحارث بن ربعي السلمي الأنصاري أنه (قال: خرجنا
مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام
الحديبية (نحو مكة).
5407 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ
رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ
وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَازِلٌ أَمَامَنَا، وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا
غَيْرُ مُحْرِمٍ. فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا،
وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي فَلَمْ يُؤْذِنُونِي
لَهُ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ
فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ
ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ،
فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ،
فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ
بِشَيْءٍ. فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا ثُمَّ
رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ
جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ
ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ
حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي.
فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مَعَكُمْ
مِنْهُ شَيْءٌ»؟ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا
حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَهْوَ مُحْرِمٌ قَالَ محمدُ بْنُ
جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ.
وبه قال: (وحدّثني) بالإفراد وواو العطف ولغير أبي ذر
بالجمع وحذف الواو (عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى
الأويسي المدني قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي
كثير (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن عبد الله بن أبي
قتادة السلمي) بفتح السين في اليونينية (عن أبيه) أبي
قتادة (أنه قال: كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منزل في طريق مكة
ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نازل
أمامنا والقوم محرمون) بالعمرة (وأنا غير محرم) يحتمل أنه
لم يقصد نسكًا أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر العدو في جماعة
(فأبصروا) أي القوم (حمارًا وحشيًّا وأنا مشغول أخصف نعلي)
بكسر الصاد أخرزه (فلم يؤذنوني له) وللكشميهني به أي فلم
يعلموني به (وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلى
الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم:
ناولوني السوط والرمح. فقالوا: لا والله لا نعينك عليه) أي
على صيد الحمار (بشيء فغضبت) بكسر الضاد المعجمة (فنزلت)
عن الفرس (فأخذتهما ثم ركبت فشددت) بشين معجمة فدالين
مهملتين الأولى مفتوحة مخففة والثانية ساكنة (على الحمار
فعقرته ثم جئت به) إلى القوم (وقد مات: فوقعوا فيه) بعد أن
طبخوه (يأكلون ثم إنهم) بحد ذلك (شكوا) بضم الكاف مشددة
(في أكلهم إياه وهم حُرُم) هل يحل لهم (فرحنا) بضم الراء
(وخبات العضد معي) من الحمار (فأدركنا) بسكون الكاف (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألناه عن ذلك)
العقر والأكل مع الإحرام (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
هل (معكم منه شيء) (فناولته العضد كلها فأكلها حتى
تعرّقها) بفتح العين المهملة والراء المشددة والقاف أكل ما
عليها من اللحم (وهو) عليه الصلاة والسلام (محرم) بالعمرة
والواو للحال.
(وقال محمد بن جعفر) الراوي عن أبي حازم المذكور بالسند
السابق وثبت لفظ محمد لأبي ذر عن الحموي والمستملي كذا في
اليونينية وفرعها (وحدّثني) بالإفراد (زيد بن أسلم) ولأبي
ذر عن الكشميهني قال أبو جعفر قال زيد بن أسلم (عن عطاء بن
يسار عن أبي قتادة مثله).
والحاصل أن لمحمد بن جعفر فيه إسنادين والمطابقة منه
ظاهرة.
وهذا الحديث سبق في الحج.
20 - باب قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ
(باب) جواز (قطع اللحم بالسكين).
5408 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ
أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ
فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَلْقَاهَا
وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ
فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين (أن
أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتز) بالحاء المهملة الساكنة
والفوقية المفتوحة والزاي المشددة أي يقطع (من كتف شاة في
يده) الكريمة (فدعي) بضم الدال وكسر العين (إلى الصلاة
فألقاها و) ألقى (السكين التي يحتز بها ثم قام فصلى ولم
يتوضأ).
فإن قلت: هذا يعارضه حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة رفعته: لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من
صنيع الأعاجم وانهشوه فإنه أهنا وأمرأ. أجيب: بأن أبا داود
قال: هو حديث ليس بالقوي، وحينئذ فلا يحتج به من أجل أبي
معشر نجيح المسندي الهاشمي صاحب المغازي. قال البخاري
وغيره: منكر الحديث ومن مناكيره حديث: لا تقطعوا اللحم
بالسكين هذا لكن قال الحافظ ابن حجر: إن له شاهدًا من حديث
صفوان بن أمية أخرجه الترمذي بلفظ: انهشوا اللحم نهشًا
فإنه أهنأ وأمرأ، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم
اهـ.
وعبد الكريم هو أبو أمية بن أبي المخارق ضعيف، لكن أخرجه
ابن أبي عاصم من وجه آخر عن صفوان بن أمية فهو حسن لكن ليس
فيه ما رواه
(8/225)
أبو معشر من التصريح بالنهي عن قطع اللحم
بالسكين، وأكثر ما في حديث صفوان بن أمية أن النهش أولى.
وهذا الحديث قد سبق في الوضوء.
21 - باب مَا عَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- طَعَامًا
هذا (باب) بالتنوين (ما عاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا) من الأطعمة المباحة.
5409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ
أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله
العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري وقال العيني ابن عيينة
(عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي (عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: ما عاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا قط) سواء كان من صنعة
الآدمي أو لا، فلا يقول مالح غير ناضج ونحو ذلك (إن اشتهاه
أكله وإن كرهه) كالضب (تركه) واعتذر بكونه لم يكن بأرض
قومه، وهذا كما قال ابن بطال: من حسن الأدب لأن المرء قد
لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره وكل مأذون فيه من جهة الشرع
لا عيب فيه.
22 - باب النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ
(باب النفخ في الشعير).
5410 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا
أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ أَنَّهُ
سَأَلَ سَهْلًا: هَلْ رَأَيْتُمْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّقِيَّ؟ قَالَ:
لاَ. فَقُلْتُ: كُنْتُمْ تَنْخُلُونَ الشَّعِيرَ؟ قَالَ:
لاَ، وَلَكِنْ كُنَّا نَنْفُخُهُ. [الحديث 5410 - أطرافه
في: 5413].
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدثنا أبو
غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن
مطرف الليثي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن
دينار وهو غير الذي قبله في الباب السابق وهو أصغر منه وكل
منهما تابعي (أنه سأل سهلًا) بفتح السين المهملة وسكون
الهاء ابن سعد الساعدي (هل رأيتم في زمان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النقيّ) بفتح النون وكسر
القاف وتشديد التحتية الخبز الحواري وهو ما نقي دقيقه من
الشعير وغيره فصار أبيض (قال) سهل (لا) ما رأينا في زمانه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النقي. قال أبو حازم
سلمة (فقلت) له (كنتم) ولأبي ذر عن الكشميهني فهل كنتم
(تنخلون الشعير)؟ بعد طحنه استفهام حذفت أداته (قال) سهل
(لا ولكن كنا ننفخه) بعد طحنه لتطير منه قشوره.
وهذا الحديث من أفراده ويأتي في الباب اللاحق من غير هذا
الوجه بأتمّ منه هنا إن شاء الله تعالى.
23 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ
(باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأصحابه يأكلون).
5411 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا فَأَعْطَى كُلَّ
إِنْسَانٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَانِي سَبْعَ تَمَرَاتٍ
إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ
أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهَا شَدَّتْ فِي مَضَاغِي. [الحديث
5411 - أطرافه في: 5441].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن عارم أبو الفضل
السدوسي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم (عن
عباس) بالموحدة آخره سين مهملة ابن فروخ بالفاء والراء
المشددة المضمومة آخره جيم (الجريري) بضم الجيم وفتح الراء
الأولى مصغرًا (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي
عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قسم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا بين أصحابه تمرًا فأعطى
كل إنسان) منهم (سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة)
بحاء مهملة ثم معجمة ثم فاء مفتوحات من أردأ التمر (فلم
يكن فيهن تمرة أعجب إليّ منها) من الحشفة (شدّت) بالشين
المعجمة والدال المشددة المهملة المفتوحتين (في مضاعي)
بفتح الميم الطعام يمضغ ولأبي ذر بكسرها بعدها ضاد معجمة
وبعد الألف غين معجمة يحتمل أن يكون المراد ما يمضع به وهو
الأسنان وأن يكون المراد به المضع نفسه.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الزهد والنسائي في الوليمة
وابن ماجة في الزهد.
5412 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُنِي
سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ
الْحُبْلَةِ، أَوِ الْحَبَلَةِ حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا
مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ
تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ، خَسِرْتُ إِذًا وَضَلَّ
سَعْيِي.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير) قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن
أبي حازم (عن سعد) هو ابن أبي وقاص أنه (قال: رأيتني) أي
رأيت نفسي (سابع سبعة) سبق إسلامهم (مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهم كما عند ابن أبي خيثمة:
أبو بكر، وعثمان، وعلي، وزيد بن حارثة، والزبير، وعبد
الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص (ما لنا طعام) نأكله (إلا
ورق الحبلة) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة (أو الحبلة)
بفتح الحاء والموحدة ثمر العضاه وثمر السمر وهو يشبه
اللوبيا أو المراد عروق الشجر وقال في المطالع: الحبلة
الكرم قاله ثعلب، وفي الحديث: لا تسموا العنب الكرم ولكن
قولوا الحبلة (حتى يضع أحدنا ما تضع الشاة) يريد أن أحدهم
كان
إذا قضى حاجته ألقى شيئًا كالبعر الذي تلقيه الشاة (ثم
أصبحت بنو أسد تعزرني) بزاي مشددة بعدها راء أي تؤدبني
(على الإسلام) وتعلمني أحكامه
(8/226)
وذلك أنهم وشوا به إلى عمر -رضي الله عنه-
حتى قالوا لا يحسن أن يصلّي، ولأبي ذر عن الكشميهني:
يعزرونني بزيادة واو وجمع ونون (خسرت) بسكون الراء (إذًا)
بالتنوين جواب وجزاء أي إن كنت كما قالوا محتاجًا إلى
تأديبهم وتعليمهم خسرت حينئذ (وضلّ سعيي) فيما سبق وفيه
جواز مدحة الإنسان نفسه إذا اضطر لذلك.
وهذا الحديث سبق في المناقب.
5413 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ
سَعْدٍ فَقُلْتُ: هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ:
مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ
حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ
لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْخُلًا
مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ،
قَالَ قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ
غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ،
فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ
فَأَكَلْنَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين أبو رجاء
البلخي قال: (حدّثنا يعقوب) ابن عبد الرحمن القاري بغير
همز (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سألت سهل بن
سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (فقلت) له: (هل أكل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الخبز (النقي)
الأبيض (فقال سهل: ما رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النقي) من الخبز (من حين ابتعثه الله
حتى قبضه الله. قال) أبو حازم (فقلت) له: (هل كانت لكم في
عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مناخل؟
قال: ما رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- منخلًا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله) ثبت
لفظة الله الأخيرة لأبي ذر والتقييد بما بعد البعثة يحتمل
أن يكون احترازًا عما قبلها إذ كان -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سافر إلى الشام والخبز النقي والمناخل
وآلات الترفه بها كثيرة (قال) أبو حازم (قلت) له: (كيف
كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه) بفتح الحاء
(وننفخه) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم ننفخه (فيطير) منه (ما
طار وما بقي) منه (ثريناه) بالمثلثة المفتوحة والراء
المشددة المفتوحة أيضًا أي ندّيناه وليّناه بالماء
(فأكلناه).
وهذا الحديث سبق قريبًا.
5414 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ
قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ
الْخُبْزِ الشَّعِيرِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه
قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وضم عين عبادة
وتخفيف الموحدة القيسي الحافظ قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب)
هو
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد
كيسان (المقبري) بضم الموحدة كان يسكن بالقرب من المقبرة
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة
مصلية) بفتح الميم وسكون الصاد المهملة مشوية (فدعوه) بفتح
العين كالدال فطلبوه أن يأكل منها (فأبى) فامتنع (أن يأكل)
منها زهدًا لما تذكره من شدة العيش السابقة له، ولذا (قال)
ولأبي ذر قال: (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن الدنيا ولم يشبع من الخبز) ولأبوي الوقت وذر
والأصيلي وابن عساكر من خبز (الشعير).
5415 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ
حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا أَكَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
خِوَانٍ، وَلاَ فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلاَ خُبِزَ لَهُ
مُرَقَّقٌ. قُلْتُ لِقَتَادَةَ: عَلَى مَا يَأْكُلُونَ؟
قَالَ: عَلَى السُّفَرِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن
محمد بن أبي الأسود حميد قال (حدّثنا معاذ) بضم الميم آخره
معجمة ابن هشام الدستوائي قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي)
هشام (عن يونس) بن أبي الفرات القرشي مولاهم البصري
الإسكاف (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله
عنه- أنه (قال: ما أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على خوان) بكسر الخاء المعجمة وضمها وإخوان
بهمزة مكسورة طبق كبير تحته كرسي ملزق به يوضع بين يدي
المترفين (ولا في سكرجة) بضم السين المهملة والكاف والراء
المشدّدة وتخفف لأن العجم كانت تستعملها في الكوامخ وما
أشبهها من الجوارشنات على الموائد حول الأطعمة للتشهي
والهضم (ولا خبز له مرقق). قال يونس (قلت لقتادة على ما)
بألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني علام (يأكلون؟ قال:
على السفر) بضم السين المهملة وفتح الفاء جمع سفرة وهي في
الأصل طعام المسافر وبه سميت الآلة التي يعمل فيها السفرة
إذا كانت من جلد.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة وقال غريب، والنسائي
في الرقاق، وابن ماجة في الأطعمة.
5416 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلاَثَ
لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو
ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم)
النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت: ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- منذ قدم المدينة من طعام البر) من الإضافة
البيانية (ثلاث ليال) بأيامهن (تباعًا) بكسر الفوقية (حتى
قبض) بضم القاف وكسر الموحدة إيثارًا للجوع وقلة الشبع مع
الجدة.
وهذا
(8/227)
الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق، ومسلم في
أواخر كتابه والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة.
24 - باب التَّلْبِينَةِ
(باب التلبينة) بفتح الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة
وبعد التحتية الساكنة نون مفتوحة قال البيضاوي حسو رقيق
يتخذ من الدقيق واللبن أو من الدقيق أو من النخالة، وقد
يجعل فيه العسل سميت بذلك تشبيهًا لها باللبن لبياضها
ورقتها.
5417 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ
الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ
النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ، إِلاَّ أَهْلَهَا
وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ
فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ
التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا،
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ
لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ».
[الحديث 5417 - أطرافه في: 5689، 5690].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن
ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها كانت إذا مات
الميت من أهلها فاجتمع لذلك) الميت (النساء ثم تفرقن إلا
أهلها وخاصتها أمرت ببرمة) بضم الموحدة الثانية قدر من
حجارة (من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد) بضم الطاء ثم الصاد
مبنيين للمفعول (فصبت التلبينة) بضم الصاد أيضًا (عليها ثم
قالت) لهن: (كلن منها) سقط لفظ منها لأبي ذر (فإني سمعت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(التلبينة مجمة) بفتح الميم الأولى والجيم والميم الثانية
مشدّدة في الفرع كأصله أي مريحة وتكسر الجيم وبضم الميم
وكسر الجيم اسم فاعل أي مريحة (لفؤاد المريض تذهب) بفتح
الفوقية والهاء (ببعض الحزن) بضم الحاء المهملة وسكون
الزاي ولأبي ذر بفتحهما، والفؤاد رأس المدة وفؤاد الحزين
يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه ومعدته لتقليل الغذاء، وهذ
الطعام يرطبها ويقوّيها ويفعل ذلك أيضًا بفؤاد المريض.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الطب، وكذا أخرجه فيه
مسلم والترمذي، وأخرجه النسائي في الوليمة والطب.
25 - باب الثَّرِيدِ
(باب الثريد) بفتح المثلثة وكسر الراء أن يثرد الخبز بمرق
اللحم وقد يكون معه لحم.
5418 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ
الْجَمَلِيِّ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي
مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ
كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ
مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ،
وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى
النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ
الطَّعَامِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا
غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو
بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في
الثاني (الجملي) بفتح الجيم والميم نسبة إلى جمل بطن من
مراد (عن مرة) بضم الميم وتشديد الراء (الهمداني)، بفتح
الهاء وسكون الميم الكوفيّ (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس
(الأشعري) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(كمل) بفتح الكاف والميم وتضم (من الرجال كثير ولم يكمل)
بضم الميم (من النساء إلا بنت مريم عمران وآسية امرأة
فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)
لما فيه من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة وكان أجلّ
أطعمتهم يومئذٍ، وهذا لا يستلزم ثبوت الأفضلية له من كل
جهة فقد يكون مفضولًا بالنسبة لغيره من جهات أخرى.
وهذا الحديث قد سبق بمباحثه في أحاديث الأنبياء وما ذكر من
فضل عائشة وغيرها، والذي يظهر تفضيل فاطمة لأنها بضعة منه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يعدل بضعته أحد،
وقال ابن بطال: عائشة مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومريم مع عيسى عليهما السلام ودرجة
محمد فوق درجة عيسى فدرجة عائشة أعلى وهو معنى الأفضل.
5419 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ أَنَسٍ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ
الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما الواسطي
قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان
الواسطي (عن أبي طوالة) بضم الطاء المهملة وفتح الواو
مخففة عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم الأنصاري (عن أنس)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
وهذا الحديث سبق في فضل عائشة.
5420 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ
أَبَا حَاتِمٍ الأَشْهَلَ بْنَ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غُلاَمٍ لَهُ خَيَّاطٍ،
فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ:
وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَتَبَّعُ
الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ
بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ
الدُّبَّاءَ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن
منير) المروزي أنه (سمع أبا حاتم)
بالحاء المهملة والفوقية (الأشهل) بالشين المعجمة والهاء
المفتوحة (ابن حاتم) بالحاء أيضًا البصري قال: (حدّثنا ابن
عون) بفتح العين وسكون الواو بعدها نون عبد الله البصري
(عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله (بن أنس
عن) جده (أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: دخلت مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على غلام له خياط) لم
أقف على اسمه (فقدم)
(8/228)
الخياط (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (قصعة فيها ثريد قال) أنس (وأقبل) الخياط (على
عمله قال: فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يتتبع الدباء) القرع من حوالى القصعة (قال) أنس (فجعلت
أتتبعه) أي القرع (فأضعه بين يديه) صلوات الله وسلامه عليه
(قال) أن (فما زلت بعد أحب الدباء) أي أكلها اقتداء به
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث سبق في باب من تتبع حوالى القصعة.
26 - باب شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ وَالْكَتِفِ وَالْجَنْبِ
(باب) ذكر (شاة مسموطة والكتف والجنب).
5421 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا
نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- وَخَبَّازُهُ
قَائِمٌ، قَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَغِيفًا
مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلاَ أرى شَاةً
سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ.
وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وبعد الدال
الساكنة موحدة القيسي البصري الحافظ قال: (حدّثنا همام بن
يحيى) العوذي الحافظ (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: كنا
نأتي أنس بن مالك -رضي الله عنه- وخبازه) لم يعرف اسمه
(قائم) عنده (قال) أنس (كلوا فما أعلم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رغيقًا مرققًا حتى لحق
بالله ولا أرى شاة سميطًا) ولأبي ذر عن الكشميهني مسموطة
(بعينه قط) بالإفراد والمسموطة التي ينتف شعر جلدها ثم
تشوى وهو مأكل المترفين، وإنما كانت عادتهم أن يأخذوا جلد
الشاة ينتفعوا به.
وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب الخبز المرقق.
5422 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ
فَأَكَلَ مِنْهَا فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَامَ
فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا
معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن جعفر بن عمرو بن أمية)
بفتح العين (الضمري) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم بعدها
راء (عن أبيه) عمرو بن أمية أنه (قال: رأيت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتز) يقطع (من كتف
شاة فأكل) بفاء مفتوحة بلفظ الماضي، ولأبي ذر عن
الكشميهني: يأكل بالتحتية
بدل الفاء بلفظ المضارع (منها) أي من الشاة (فدعي إلى
الصلاة فقام فطرح السكين فصلى ولم يتوضأ) من أكل ما مسته
النار.
فإن قلت: جاء في مسلم من حديث أبي هريرة الأمر بالوضوء مما
مست النار. أجيب: بأنه جاء على أصله اللغوي من النظافة
فالمراد منه هنا غسل اليدين لإزالة الزهومة توفيقًا بينه
وبين حديث الباب وغيره، وأما حمله على المعنى الشرعي
وادّعاء نسخه فيحتاج لمعرفة التاريخ نعم صرح ابن الصلاح
بالنسخ حيث قال: مما يعرف به النسخ قول الصحابي كان آخر
الأمرين من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ترك الوضوء مما مسته النار.
ومباحث ذلك سبقت في كتاب الوضوء ولم يقع في حديثي الباب ما
ترجم له من الجنب، وأجاب في الفتح بأنه أشار إلى حديث أم
سلمة المروي في الترمذي وصححه أنها قرّبت لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جنبًا مشويًّا فأكل
منه ثم قام إلى الصلاة واعترضه العيني فقال: من أين يعلم
أنه أشار به إلى حديث أم سلمة مع أن الإشارة لا تكون إلا
لحاضر، وأجاب بأنه ذكر الجنب استطرادًا أو إلحاقًا له
بالكتف.
27 - باب مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي
بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ
وَغَيْرِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي
بَكْرٍ سُفْرَةً
(باب ما كان السلف) من الصحابة والتابعين (يدّخرون في
بيوتهم) في الحضر (و) يدّخرون في (أسفارهم من الطعام
واللحم وغيره) ومن بيانية (وقالت عائشة و) أختها لأبيها
(أسماء) بنتا أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- مما سبق في
الهجرة (صنعنا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأبي بكر سفرة) عند إرادتهما للهجرة إلى المدينة.
5423 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَنَهَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُؤْكَلَ
لُحُومُ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ؟ قَالَتْ: مَا
فَعَلَهُ إِلاَّ فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ،
فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ. وَإِنْ
كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ
عَشْرَةَ. قِيلَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ؟ فَضَحِكَتْ،
قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ. وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ بِهَذَا. [الحديث 5423 - أطرافه
في: 5438، 5570، 6687].
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) أبو محمد السلمي الكوفي
قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بألف
بعد العين وبعدها موحدة مكسورة فسين مهملة (عن أبيه) عابس
بن ربيعة النخعي الكوفي التابعي الكبير وليس هو عابس بن
ربيعة الغطيفي أنه (قال: قلت
لعائشة) -رضي الله عنها- (أنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تؤكل لحوم الأضاحي) بالمثناة
الفوقية وفتح الكاف لحوم رفع ولأبي ذر أن يؤكل بالمثناة
التحتية من لحوم الأضاحي (فوق ثلاث) من الأيام (قالت: ما
فعله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلا في عام
جاع الناس فيه فأراد) عليه الصلاة والسلام (أن يطعم الغني
الفقير) فالنهي كان خاصًّا بذلك العام للعلة المذكورة ثم
نسخ وقوله الغني رفع فاعل الإطعام والفقير نصب مفعوله،
ولغير أبي ذر: أن يطعم بفتح العين الغني
(8/229)
والفقير بواو العطف والرفع على الفاعلية أي
يأكل الغني والفقير (وإن كنا لنرفع الكراع) بضم الكاف
وبالراء آخره عين مهملة مستدق الساق من الغنم (فنأكله بعد
خمس عشرة) ليلة فيه بيان جواز ادّخار اللحم وأكل القديد
(قيل) لها (ما اضطركم إليه) أي ما ألجأكم إلى تأخيره هذه
المدة (فضحكت) تعجبًا من سؤال عابس عن ذلك مع علمه بما
كانوا فيه من ضيق العيش ثم (قالت: ما شبع آل محمد -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خبز برّ مأدوم) أي مأكول
بالأدم (ثلاثة أيام) متوالية (حتى لحق بالله) عز وجل.
(وقال ابن كثير) محمد شيخ المؤلّف (أخبرنا سفيان) الثوري
قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا) الحديث المذكور لكن
في هذه الطريق تصريح سفيان بإخبار عبد الرحمن بن عابس له
به، وقد وصله الطبراني في الكبير عن معاذ بن المثنى عن
محمد بن كثير به.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأيمان والنذور ومسلم في
أواخر صحيحه والترمذي والنسائي في الأضاحي وابن ماجة فيه
وفي الأطعمة، والمطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: وإن
كنا لنرفع الكواع إلى آخره، ويحتمل أن يكون المراد بالطعام
ما يطعم فيدخل فيه كل أدام.
5424 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْهَدْيِ
عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ.
تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ
جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ حَتَّى جِئْنَا
الْمَدِينَةَ قَالَ: لاَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي
قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن
دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) الأنصاري -رضي
الله عنه- أنه (قال: كنا نتزوّد لحوم الهدي) الذي يهدى إلى
المحرم من النعم (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي في زمانه في سفرنا من مكة (إلى المدينة).
(تابعه) أي تابع عبد الله بن محمد المسندي (محمد) هو ابن
سلام (عن ابن عيينة) سفيان وهذه المتابعة أخرجها ابن أبي
عمر في مسنده. (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
(قلت لعطاء) هو ابن أبي رباح (أقال) جابر كنا نتزوّد لحوم
الهدي (حتى جئنا المدينة؟ قال) عطاء: (لا).
لم يقل جابر حتى جئنا المدينة. وقال الحافظ ابن حجر: ليس
المراد بقول عطاء لا نفي الحكم بل مراده أن جابرًا لم يصرح
باستمرار ذلك منهم حتى قدموا، فيكون على هذا معنى قوله في
رواية عمرو بن دينار عن عطاء كنا نتزوّد لحوم الهدي إلى
المدينة أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك
بقاؤها معهم حتى يصلوا إلى المدينة لكن روى مسلم من حديث
ثوبان ذبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أضحيته ثم قال لي: "يا ثوبان أصلح لحم هذه" فلم أزل أطعمه
منها حتى قدم المدينة.
وهذا التعليق وصله المؤلّف في باب ما يؤكل من البدن من
كتاب الحج ولفظه كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فرخص
لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:
"كلوا وتزوّدوا" ولم يذكر هذه الزيادة. نعم ذكرها مسلم في
روايته عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد بالسند الذي أخرجه
به البخاري فقال: بعد قوله: كلوا وتزوّدوا. قلت لعطاء أو
قال جابر حتى جئنا المدينة قال: نعم كذا وقع عنده بخلاف ما
وقع عند البخاري قال: لا والذي وقع عند البخاري هو المعتمد
فإن الإمام أحمد أخرجه في مسنده عن يحيى بن سعيد كذلك،
وكذا أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد قاله
في الفتح.
28 - باب الْحَيْسِ
(باب الحيس) بالحاء المفتوحة والسين المهملتين بينهما
تحتية ساكنة وهو تمر يخلط وأقحط فيعجن شديدًا ثم يندر نواه
وربما جعل فيه سويق وقد حاسه يحيسه.
5425 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ
سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي
طَلْحَةَ: «الْتَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ
يَخْدُمُنِي»، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي
وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّمَا نَزَلَ فَكُنْتُ
أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ
وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ
وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ». فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى
أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ
حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي لها
وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ بِكِسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُهَا
وَرَاءَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ
حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ
رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا
ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ:
«هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ». فَلَمَّا أَشْرَفَ
عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ
مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ
إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي
مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن
جعفر) المدني (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما
(مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب) بحاء وطاء مفتوحتين
مهملتين بينهما نون ساكنة وآخره موحدة (أنه سمع أنس بن
مالك) -رضي الله عنه- (يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس:
(التمس) لي (غلامًا من غلمانكم يخدمني) بضم الدال (فخرج بي
أبو طلحة) حال كونه (يردفني) على الدابة (وراءه فكنت أخدم
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كل كلما
نزل فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من الهم)
من الحزن (والحزن) بفتح الحاء المهملة والزاي الهم كذا في
القاموس
(8/230)
وغيره لكن فرق البيضاوي بينهما بأن الهم
إنما يكون هي الأمر المتوقع والحزن فيما قد وقع أو الهم هو
الحزن الذي يذيب الإنسان يقال: همني المرض بمعنى أذابني
وسمى به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه أبلغ
وأشدّ من الحزن (والعجز) وهو ذهاب القدرة وأصله التأخر عن
الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف
والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابله (والكسل)
التثاقل عن الأمر والفتور فيه مع وجود القدرة والداعية
إليه (والبخل) ضدّ الكرم (والجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة
أي الخور من تعاطي الحرب ونحوها خوفًا على المهجة (وضلع
الدين) بفتح الضاد المعجمة واللام يعني ثقله حتى يميل
بصاحبه عن الاستواء والاعتدال (وغلبة الرجال) بفتح الغين
المعجمة واللام والموحدة، وفي الرواية الأخرى: وقهر
الرجال، قال التوربشتي: ويراد به الغلبة. وقال الطيبي: قهر
الرجال إما أن تكون إضافته إلى الفاعل أي قهر المدائن إياه
وغلبته عليه بالتقاضي، وليس له ما يفضي دينه أو إلى
المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء ديونه من
رجاله وأصحابه.
قال أنس: (فلم أزل أخدمه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (حتى أقبلنا من خيبر) قافلين (وأقبل بصفية بنت
حيي قد حازها) بالحاء المهملة والزاي اختارها من غنيمة
خيبر (فكنت أراه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(يحوّي) بضم التحتية وفتح المهملة وكسر الواو مشددة أي
يجعل (لها) حوية كساء محشوًّا يدار حول سنام الراحلة يحفظ
راكبها من السقوط ويستريح بالاستناد إليه (وراءه بعباءة أو
بكساء) والشك من الراوي وثبت قوله لها لأبي ذر وسقط لغيره
(ثم يرفها وراءه) على الراحلة (حتى إذا كنا بالصهباء) موضع
بين خيبر والمدينة (صنع حيسًا في نطع) بكسر النون وفتح
الطاء كعنب وبفتح النون والمراد السفرة (ثم أرسلني فدعوت
رجالًا فأكلوا) من الحيس (وكان ذلك بناءه بها) أي دخوله
بصفيه (ثم أقبل) قافلًا إلى المدينة (حتى إذا بدا) ظهر (له
أحد) الجبل المكرّم المعروف (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(هذا) أُحُد (جبل يحبنا) حقيقة بخلق الله تعالى فيه
الإدراك كحنين الجذع أو مجازًا أو بتقدير أهل كاسأل القرية
(ونحبه) لأنه في أرض من نحب وهم الأنصار (فلما أشرف)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على المدينة قال:
اللهمّ إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم)
الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مكة) وجبلا
المدينة هما عير وأحد، وأما رواية ثور فاستشكلت من حيث إنه
بمكة وفيه الغار الذي بات فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما هاجر والقول بأن المدينة أيضًا
جبلًا اسمه ثور أولى لما فيه من عدم توهيم الثقات والمراد
تحريم التعظيم دون ما عداه من الأحكام المتعلقة بحرم مكة
نعم مشهور مذهب المالكية والشافعية حرمة صيد المدينة وقطع
شجرها لكن من غير ضمان.
ومباحث ذلك سبقت أواخر الحج.
(اللهم بارك لهم) لأهل المدينة (في مدّهم) بضم الميم
وتشديد الدال المهملة وهو ما يسع رطلًا وثلث رطل أو رطلين
(وصاعهم) وهو ما يسع أربعة أمداد وفي حديث آخر وبارك لنا
في مدينتنا ولقد استجاب الله دعاء حبيبه وجلب إليها في زمن
الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض
ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى، وبارك
الله تعالى في مكيالها بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في
غيرها، ولقد رأيت من ذلك الأمر الكبير فاسأل الله تعالى
بوجهه الكريم، ونبيّه العظيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى
التسليم أن يمنّ عليّ وأحبابي والمسلمين بالمقام بها على
أحسن حال مع الإقبال والقبول، وبلوغ المأمول، والوفاة بها
على الإسلام، والقرب منه عليه الصلاة والسلام، في دار
السلام بمنّه وكرمه.
29 - باب الأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ
(باب) حكم (الأكل في إناء مفضض) أي جعل فيه الفضه بالتضبيب
أو بالخلط أو بالطلاء.
5426 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ
أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى
أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى
فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي
يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي نَهَيْتُهُ
غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ:
لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ
تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ، وَلاَ
تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلاَ
تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سيف بن أبي سليمان) المخزومي (قال: سمعت مجاهدًا)
(8/231)
أبا الحجاج بن جبر مولى السائب بن أبي
السائب المخزومي (يقول: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن
أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة (أنهم كانوا عند حذيفة) بن
اليمان (فاستسقى فسقاه مجوسي) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمه
ولمسلم من حديث عبد الله بن حكيم قال: كنا مع حذيفة
بالمدائن فاستسقى حذيفة فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة
(فلما وضع القدح) الذي فيه الماء (في يده رماه) أي رمى
المجوسي (به) بالقدح أو رمى القدح بالشراب ولأبي ذر رمي به
وزاد في رواية عند الإسماعيلي وأصله في مسلم رماه به فكسره
(وقال لولا أني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لولا أنه
(نهيته) بلساني (غير مرة ولا مرتين) عن استعمال آنية الذهب
والفضة ما رميته لكنه لما لم ينته بالنهي اللساني مع
تكراره رميته به تغليطًا عليه (كأنه) أي حذيفة (يقول لم
أفعل هذا ولكني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(لا تلبسوا الحرير والديباج) الثياب المتخذة من الإبريسم
فارسيّ معرّب (ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا
في صحافها) هذا على حدّ قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها} [التوبة: 34] فالضمير عائد على الفضة
ويلزم حكم الذهب بطريق الأولى (فإنها لهم) للكفار (في
الدنيا) قال الإسماعيلي: ليس المراد بقوله لهم في الدنيا
إباحة استعمالهم إياها وإنما المعنى أي هم الذين
يستعملونها مخالفة لزي المسلمين (ولنا) ولأبي ذر وهي لكم
(في الآخرة) مكافأة على تركها في الدنيا ويمنعها أولئك
جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها.
وعند أحمد من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى: نهى أن يشرب في
آنية الذهب والفضة وأن يؤكل فيها، وهذا في الذي كله ذهب أو
فضة أما المخلوط أو المضبب أو المموّه فروى الدارقطني
والبيهقي عن ابن عمر رفعه: من شرب في آنية الذهب والفضة أو
إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم، لكن
قال البيهقي: المشهور أنه عن ابن عمر موقوف عليه، وهو عند
ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه أنه كان لا يشرب من قدح فيه
حلقة فضة ولا ضبة فضة، وفي الأوسط للطبراني من حديث أم
عطية: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن تفضيض الأقداح ثم رخص فيه للنساء فيحرم استعمال كل إناء
جميعه أو بعضه ذهب أو فضة لما ذكر واتخاذه لأنه يجرّ إلى
استعماله وسواء في ذلك الرجال والنساء وكذا المضبب بأحدهما
وضبة الفضة الكبيرة لغير حاجة بأن كانت لزينة أو بعضها
لزينة وبعضها لحاجة فيحرم استعمال ذلك واتخاذه وإن كانت
صغيرة لغير حاجة بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها
لحاجة كبيرة لحاجة كره ذلك لما روى البخاري -رحمه الله
تعالى- أن قدحه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي
كان يشرب فيه كان مسلسلًا بفضة لانصداعه أي مشبعًا بخيط
فضة لانشقاقه وخرج بغير حاجة الصغيرة لحاجة فلا تكره ومرجع
الكبيرة والصغيرة للعرف، وإنما حرمت ضبة الذهب مطلقًا لأن
الخيلاء فيه أشد من الفضة ويحل نحو نحاس مموّه بذهب أو فضة
إن لم يحصل من ذلك شيء بالنار لقلة المموّه به فكأنه معدوم
بخلاف ما إذا حصل منه شيء بها لكثرته.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشربة واللباس ومسلم
في الأطعمة وأبو داود في الأشربة والنسائي في الزينة
والوليمة وابن ماجة في الأشربة واللباس.
30 - باب ذِكْرِ الطَّعَامِ
(باب ذكر الطعام).
5427 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى
الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي
يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا
طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ
الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ:
لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ
الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ
الرَّيْحَانَةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ.
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا
مُرٌّ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة)
الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك
الصحابيّ (عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) ويعمل به ويداوم عليه (كمثل
الأترجة) قال في القاموس:
الأترج والأترجة والترنجة والترنج معروف (ريحها طيب وطعمها
طيب) ومنظرها حسن فاقع لونها تسر الناظرين (ومثل المؤمن
الذي لا يقرأ القرآن) ويعمل به (كمثل التمرة)
(8/232)
بالمثناة الفوقية (لا ريح لها وطعمها حلو،
ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب
وطعمها مرّ) وسقطت الكاف من كمثل الريحانة من اليونينية
(ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها
ربح وطعمها مرّ).
وقد سبق هذا الحديث في فضائل القرآن، والمراد منه كما في
الفتح وغيره تكرار ذكر الطعم فيه والطعام يطلق بمعنى
الطعم. وقال في التوضيح: فيه إباحة أبي الطعام الطيب
وكراهة أكل المرّ انتهى. وليس في ذلك ما يشفي الغليل من
المراد من الترجمة والحديث والله أعلم.
قال ابن بطال: معنى الترجمة إباحة أكل الطعام الطيب وأن
الزهد ليس فيه خلاف ذلك فإن في تشبيه المؤمن بما طعمه طيب
وتشبيه الكافر بما طعمه مرّ ترغيبًا في أكل الطعام الطيب
والحلو.
5428 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ،
كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد)
هو ابن عبد الله الطحان الواسطي قال: (حدّثنا عبد الله بن
عبد الرحمن) أبو طوالة (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(فضل عائشة) -رضي الله عنها- (على النساء كفضل الثريد على
سائر الطعام) شبّه به لأنه كان حينئذ أفضل أطعمتهم.
وقد سبق هذا الحديث قريبًا والغرض منه غير خاف.
5429 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ
سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ: يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ
نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ
وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
مالك) الإمام الجليل (عن سمي) بضم المهملة وفتح الميم
وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي (عن
أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(السفر قطة من العذاب) لما فيه من المشقّة والتعب والحر
والبرد والخوف وخشونة العيش وقال بعضهم: إنما كان قطعة من
العذاب لأن فيه مفارقة الأحباب (يمنع أحدكم نومه وطعامه
فإذا قضى) المسافر (نهمته) بفتح النون وسكون الهاء. قال
السفاقسي: وضبطناه أيضًا بكسر النون أي حاجته (من وجهه)
الجار والمجرور متعلق بقضى أي حصل مقصوده من وجهه الذي
توجه إليه
(فليعجل إلى أهله) بضم التحتية وكسر الجيم مشددة قال
الخطابي: فيه الترغيب في الإقامة لما في السفر من فوات
الجمعة والجماعات والحقوق الواجبة للأهل والقرابات.
وهذا الحديث مرّ في الحج والجهاد.
31 - باب الأُدْمِ
(باب الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال وضمها وهو ما يؤكل به
الخبز مما يطيبه.
5430 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ
الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ
ثَلاَثُ سُنَنٍ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا
فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: وَلَنَا الْوَلاَءُ.
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ
لَهُمْ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». قَالَ:
وَأُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي أَنْ تَقِرَّ تَحْتَ
زَوْجِهَا أَوْ تُفَارِقَهُ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَيْتَ
عَائِشَةَ وَعَلَى النَّارِ بُرْمَةٌ تَفُورُ، فَدَعَا
بِالْغَدَاءِ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ
الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَلَمْ أَرَ لَحْمًا»؟ قَالُوا:
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ
بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَأَهْدَتْهُ لَنَا فَقَالَ: «هُوَ
صَدَقَةٌ عَلَيْهَا وَهَدِيَّةٌ لَنَا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا
إسماعيل بن جعفر) المدنيّ (عن ربيعة) الرأي (أنه سمع
القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (يقول: كان في
بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى بنت صفوان مولاة
عائشة (ثلاث سنن) بضم السين المهملة (أرادت عائشة أن
تشتريها فتعتقها) بضم الفوقية الأولى وكسر الثانية (فقال
أهلها) نبيعها (ولنا الولاء، فذكرت) عائشة (ذلك لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها:
(لو شئت شرطتيه لهم) بالمثناة التحتية من إشباع الكسرة وهو
جواب لو، واستشكل قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لها: لو شئت شرطتيه، إذا هو شرط مفسد للبيع مع
ما فيه من المخادعة، وأجيب: بأن هذا من خصائص عائشة أو
المراد التوبيخ لأنه كان بيّن لهم حكم الولاء وأن هذا
الشرط لا يحل لهم فلما ألحوا في اشتراطه قال لها: لا تبالي
سواء شرطتيه أم لا، فإنه شرط باطل، وقد سبق بيان ذلك لهم
أو اللام في لهم بمعنى على كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها}
[الإسراء: 7] أو المراد فاشترطي لأجلهم الولاء أي لأجل
معاندتهم ومخالفتهم للحق حتى يعلم غيرهم أن هذا الشرط لا
ينفع (فإنما الولاء لمن أعتق) وإنما هنا لحصر بعض الصفات
في الموصوف لا للحصر التام لأن الولاء لمن أعتق ولمن جرّه
إليه من أعتق.
(قال: و) السنة الثانية (أعتقت فخيرت) بضم الهمزة والخاء
مبنيين للمجهول (في أن تقر) بفتح الفوقية وكسر القاف وتفتح
وتشديد الراء (تحت زوجها) مغيث (أو تفارقه، و) السنة
الثالثة
(8/233)
(دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يومًا بيت عائشة وعلى النار برمة تفور فدعا
بالغداء) بفتح الغين المعجمة
والدال المهملة (فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال: (لم
أرَ لحمًا؟ قالوا: بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على
بريرة) بضم الفوقية والصاد المهملة (فأهدته لنا، فقال)
عليه الصلاة والسلام: (هو صدقة عليها وهدية لنا) والغرض من
الحديث ظاهر وفيه تقديم اللحم على غيره لما فيه من سؤاله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع وجود أدم غيره،
وفي حديث بريرة مرفوعًا: سيد الأدام في الدنيا والآخرة
اللحم رواه ابن ماجة.
وحديث الباب ذكره المؤلّف أكثر من عشرين مرة، لكنه ساقه
هنا مرسلًا، لكنه كما قال في الفتح اعتمد على إيراده
موصولًا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة في كتاب
النكاح والطلاع وجرى هنا على عادته من تجنب إيراد الحديث
على هيئته كلها في باب آخر فالله تعالى يرحمه ما أدق نظره
وأوسع فكره.
32 - باب الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ
(باب) ذكر (الحلواء) بالمدّ في الفرع كأصله وقال في الفتح:
بالقصر لأبي ذر ولغيره بالمد لغتان، وحكى ابن قرقول وغيره
أن الأصمعي يقصرها، وعن أبي علي الوجهين فعلى القصر يكتب
بالياء وعلى المدّ بالألف، وقال الليث: الحلواء ممدود وهو
كل حلو يؤكل وخصه الخطابي بما دخلته الصنعة، وقال ابن
سيده: ما عولج من الطعام بحلاوة وقد تطلق على الفاكهة (و)
ذكر (العسل).
5431 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْحَنْظَلِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ)
بالحاء المهملة والظاء المعجمة نسبة إلى حنظلة بن مالك
المشهور بابن راهويه (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن
هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن
العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الحلواء)
بالمدّ والقصر (و) يجب (العسل) وفي فقه اللغة للثعالبي أن
حلوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان
يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم وهو تمر يعجن بلبن فإن
صح هذا، وإلا فلفظ الحلوى يعم كل ما فيه حلو وما يشابه
الحلوى والعسل من المآكل اللذيذة وقد دخل العسل في قولها
الحلوى ثم ثنت بذكره على انفراده لشرفه كقوله تعالى:
{وملاكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] فما خلق الله
لها في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه إذ هو غذاء
من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلو من
الحلوى وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات وله خواص
ومنافع تأتي إن شاء الله تعالى مع غيرها من المباحث في
كتاب الطب بعون الله، وليس المراد كما قاله الخطابي وغيره
أن حبه عليه الصلاة والسلام لذلك بمعنى كثرة التشهي وشدّة
نزاع النفس بل كان يتناول منها إذا حضرت نيلًا صالحًا أكثر
مما يتناوله من غيرها.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة والطب وترك
الحيل، ومسلم في الطلاق، وأبو داود في الأشربة، والنسائي
في الطب، وابن ماجة في الأطعمة.
5432 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ عَنِ ابْنِ
أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِشِبَعِ بَطْنِي، حِينَ لاَ
آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلاَ أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَلاَ
يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلاَ فُلاَنَةُ، وَأُلْصِقُ بَطْنِي
بِالْحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهْيَ
مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي. وَخَيْرُ
النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:
يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ،
حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ لَيْسَ
فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن شيبة) هو عبد الرحمن بن
عبد الملك بن محمد بن شيبة القرشي الحزامي بالحاء المهملة
والزاي وقول بعضهم ابن أبي شيبة غلط فليس فيه لفظ أبي
(قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي الفديك) بإثبات لفظ أبي
في هذا والفديك بضم الفاء وفتح الدال المهملة وبعد التحتية
الساكنة كاف محمد بن إسماعيل بن فديك (عن ابن أبي ذئب)
محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) بضم الموحدة سعد بن أبي
سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت ألزم)
بفتح الهمزة والزاي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لشبه بطني) بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة أي
لأجل شبع بطني، ولأبي ذر عن الكشميهني: بشبع بالموحدة بدل
اللام أي بسبب شبع بطني (حين لا آكل) الخبز (الخمير ولا
ألبس الحرير) قال في المطالع: كذا لجميعهم براءين في كتاب
الأطعمة من غير خلاف وللأصيلي والقابسي والحموي والنسفيّ
وعبدوس في كتاب المناقب الحبير بالياء الموحدة بدلًا من
الحرير ولغيرهم فيه الحرير كما في الأطعمة والحبير هو
الثوب المحبر المزيّن الملوّن
(8/234)
مأخوذ من التحبير وهو التحسين (ولا يخدمني
فلان ولا فلانة) كناية عن الخادم والخادمة (وألصق بطني
بالحصباء) من الجوع لتسكن حرارته ببرد الحصباء (وأستقرئ
الرجل الآية وهي معي) أحفظها (كي ينقلب بي) إلى منزله
(فيطعمني) بضم التحية وكسر العين ونصب الميم (وخير الناس
للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب بنا) إلى بيته (فيطعمنا
ما كان في بيته حتى إن كان) بكسر الهمزة (ليخرج) بضم الياء
وكسر الراء (إلينا العكة ليس فيها شيء فنشتقها) بنون
مفتوحة فمعجمة ساكنة ففوقية فقاف مشددة مفتوحة، وللأصيلي
وأبي ذر عن الحموي والمستملي: فنستفها بسين مهملة بدل
المعجمة وفاء بدل القاف، وضبطه القاضي عياض بالشين المعجمة
والفاء، قال ابن قرقول: قال في المطالع: كذا لهم أي
بالمعجمة والفاء أي تنقضي ما فيها من بقية قال: ورواه
المروزي والبلخي بالشين والقاف وهو أوجه مع قولهم (فنلعق
ما فيها) ولذا رجحها السفاقسي، ولأن المراد أنهم لعقوا ما
فيها بعد أن قطعوها ليتمكنوا من ذلك.
وهذا الحديث قد سبق في مناقب جعفر.
33 - باب الدُّبَّاءِ
(باب الدباء) بضم المهملة وتشديد الموحدة ممدودًا وهو
اليقطين والقرع وله خواص منها: جودة تغذيته وهو من طعام
الحرورين يطفئ ويبرد ويسكن اللهيب والعطش جيد للصفراء ولم
يتداو المحرورون بمثله، ولا أعجل نفعًا منه يلين البطن،
ويزيد في الدماغ، وينفع البصر كيف استعمل إلى غير ذلك مما
يطول استقصاؤه.
5433 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا
أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ
بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى مَوْلًى لَهُ
خَيَّاطًا، فَأُتِيَ بِدُبَّاءٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُهُ،
فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُهُ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو
حفص الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا أزهر بن سعد)
السمان البصري (عن ابن عون) عبد الله (عن ثمامة) بضم
المثلثة وتخفيف الميمين ابن عبد الله (بن أنس عن) جدّه
(أنس) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى مولى) عتيقًا (له خياطًا) لم أقف
على اسمه (فأتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بدباء)
بالهمزة والتنوين (فجعل يأكله) وفي رواية إسحاق بن عبد
الله بن أبي طلحة عن أنس في الأطعمة فرأيته يتتبع الدباء
من حوالى القصعة (فلم أزل أحبه) أي القرع (منذ رأيت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكله) وروى
الترمذي من حديث طالويه الشامي قال: دخلت على أن وهو يأكل
قرعًا وهو يقول: يا لك شجرة ما أحبك إليّ بحب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياك. وعند الإمام
أحمد من حديث أنس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كانت تعجبه الفاغية وكان أحب الطعام إليه
الدباء. وفي الغيلانيات من حديث عائشة أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: إذا طبخت
قدرًا فأكثري فيها من الدباء فإنها تشدّ قلب الحزين، ورواه
ابن الجوزي في لفظ المنافع، وفي حديث مرفوع ذكره القرطبيّ
في التذكرة أن الدباء والبطيخ من الجنة. وفي حديث واثلة
مرفوعًا عند الطبراني في الكبير: "عليكم بالقرع فإنه يزيد
في الدماغ وعليكم بالعدس فإنه قدّس على لسان سبعين
نبيًّا". وعند البيهقي في الشعب عن عطاء مرسلًا: عليكم
بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر في الدماغ وزاد بعضهم
فإنه يجلو البصر ويلين القلب.
34 - باب الرَّجُلِ يَتَكَلَّفُ الطَّعَامَ لإِخْوَانِهِ
(باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه) المؤمنين.
5434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ مِنَ الأَنْصَارِ
رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ
لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ
خَمْسَةٍ، فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ
رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ،
وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ
لَهُ وَإِنْ شِئْتَ
تَرَكْتَهُ». قَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ
يَقُولُ: إِذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ، لَيْسَ
لَهَا أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ
أُخْرَى، وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي
تِلْكَ المَائِدَةِ أَوْ يَدَعُوا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان الكوفي (عن أبي وائل)
شقيق بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر (الأنصاري)
البدري -رضي الله عنه- أنه (قال: كان من الأنصار رجل يقال
له أبو شعيب) لم أقف على اسمه (وكان له غلام) أي أعرف اسمه
أيضًا (لحّام) يبيع اللحم (فقال) أبو شعيب لغلامه: (اصنع
لي طعامًا أدعو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خامس خمسة) وفي رواية حفص بن غياث في البيوع
اجعل لي طعامًا يكفي خمسة فإني أريد أن أدعو رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد عرفت في وجهه
الجوع (فدعا) فيه حذف تقديره فصنع له الطعام فدعا (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خامس خمسة) يقال
خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى قال الله تعالى: {ثاني
(8/235)
اثنين} [التوبة: 40] وثالث ثلاثة ومعنى
خامس أربعة أي زائد عليهم وخامس خمسة أي أحدهم والأجود نصب
خامس على الحال ويجوز رفعه بتقدير وهو خامس (فتبعهم رجل)
أي يسم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
لأبي شعيب:
(إنك لدعوتنا خامس خمسة وهذا رجل قد تبعنا فإن شئت أذنت
له) بفتح تاءي الفعلين كقوله (وإن شئت تركته لقال) أبو
شعيب: (بل أذنت له) فيه أن من تطفّل في الدعوة كان لصاحب
الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذن كان له إخراجه
وأنه يحرم التطفل إلا إذا علم رضا المالك به لما بينهما من
الإنس والانبساط، وقيد ذلك الإمام بالدعوة الخاصة أما
العامة كان فتح الباب ليدخل من شاء فلا تطفّل، وفي سنن أبي
داود بسند ضعيف عن ابن عمر رفعه: "من دخل بغير دعوة دخل
سارقًا وخرج مغيرًا".
والطفيلي مأخوذ من التطفل وهو منسوب إلى طفيل رجل من أهل
الكوفة كان يأتي الولائم بلا دعوة فكان يقال له طفيل
الأعراس فسمي من اتصف بصفته طفيليًّا، وكانت العرب تسميه
الوراش بشين معجمة وتقول لمن يتبع الدعوة بغير دعوة: ضيفن
بنون زائدة، وللحافظ أبي بكر الخطيب جزء في الطفيليين جمع
فيه ملح أخبارهم.
(قال محمد بن يوسف) الفريابي (سمعت محمد بن إسماعيل)
البخاري (يقول: إذا كان القوم على المائدة) التي دعوا
إليها (ليس لهم أن يناولوا) غيرهم (من مائدة إلى مائدة
أخرى ولكن يناول بعضهم بعضًا في تلك المائدة) لأنه صار لهم
بالدعوة عموم إذن بالتصرف في الطعام المدعوّ إليه بخلاف من
لم يدع (أو يدعوا) أي يتركوا ذلك والذي في اليونينية أو
يدع بغير واو، والحاصل أنه ينزل من وضع بين يديه الشيء
منزلة من دعي له وينزل الشيء الذي وضع بين يدي غيره منزلة
من لم يدع إليه، وكأن المؤلّف استنبط هذا من استئذانه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الداعي في الرجل الذي
تبعهم قاله في الفتح، ومقتضاه أنه لا يطعم هرة ولا سائلًا
إلا إن علم رضاه به للعرف في ذلك وله تلقيم
صاحبه وتقريب المضيف الطاعم للضيف أذن له في الأكل اكتفاء
بالقرينة العرفية إلا إن انتظر المضيف غيره فلا يأكل إلا
بالإذن لفظًا أو بحضور الغير لاقتضاء القرينة عدم الأكل
بدون ذلك ويملك ما التقمه بوضعه في فمه، وهذا ما اقتضى
كلام الرافعي في الشرح الصغير ترجيحه.
وصرح بترجيحه القاضي والأسنوي، وقضية كلام المتولي ترجيح
أنه يتبين الازدراد أنه ملكه وقيل يملكه بوضعه بين يديه
وقيل بتناوله بيده، وقيل لا يملكه أصلًا بل شبه الذي يأكله
كشبه العارية وتظهر فائدة الخلاف فيما لو أكل الضيف تمرًا
وطرح نواه فنبت فلمن يكن شجره؟ وفيما لو رجع فيه صاحب
الطعام قبل أن يبلعه وسقط لغير المستملي قوله قال محمد بن
يوسف إلى آخره.
وأما المطابقة بين الحديث والترجمة فمن حيث إنه تكلف حصر
العدد بقوله خامس خمسة ولولا تكلفه لما حصر.
35 - باب مَنْ أَضَافَ رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ وَأَقْبَلَ
هُوَ عَلَى عَمَلِهِ
(باب من أضاف رجلًا إلى طعام وأقبل هو) أي الذي أضاف (على
عمله) ولم يأكل مع من أضافه وسقط لأبي ذر إلى طعام.
5435 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ
النَّضْرَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا أَمْشِي مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى غُلاَمٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأَتَاهُ
بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ وَعَلَيْهِ دُبَّاءٌ، فَجَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ
جَعَلْتُ أَجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ
الْغُلاَمُ عَلَى عَمَلِهِ. قَالَ أَنَسٌ: لاَ أَزَالُ
أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ مَا صَنَعَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم
وكسر النون وبعد التحتية الساكنة راء أبو عبد الرحمن
الحافظ أنه (سمع النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل يقول:
(أخبرنا ابن عون) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (ثمامة
بن عبد الله بن أنس عن) جدّه (أنس -رضي الله عنه-) أنه
(قال: كنت غلامًا أمشي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على غلام له خياط) لم أقف على اسمه
(فأتاه بقصعة فيها طعام) في باب الثريد فقدّم إليه قصعة
فيها ثريد (وعليه دباء) أي قرع (فجعل رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتتبع الدباء) لحبه لأكلها
وقوله يتتبع بفوقيتين وتشديد الموحدة، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: يتبع الدباء بفوقية ساكنة وتخفيف الموحدة (قال)
أن (فلما رأيت ذلك) الذي فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من تتبعه الدباء (جعلت أجمعه) من حوالى القصعة
(بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليأكله
(قال) أنس: (فأقبل الغلام على عمله) ولم
(8/236)
يأكل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ففيه أنه لا يشترط للمضيف أن يأكل مع مَن
أضافه. نعم ينبغي أن يأكل معه إذ هو أبسط لوجهه وأذهب
لاحتشامه كذا قالوه، والذي يظهر لي أنه يختلف باختلاف
الأحوال والأشخاص على ما لا يخفى (قال أنس: لا أزال أحب
الدباء بعد ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صنع ما صنع) من تتبعه لها ورواه النسائي.
36 - باب الْمَرَقِ
(باب المرق).
5436 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنَّ
خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَّبَ
خُبْزَ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ،
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ،
فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي
القعنبي أحد الأعلام (عن مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن
عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) -رضي
الله عنه- (أن خياطًا) لم أعرف اسمه (دعا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام صنعه) له (فذهبت مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرّب) إليه
الخياط (خبز شعير ومرقًا فيه دباء و) لحم (قديد رأيت
النبي) ولأبي ذر فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتتبع
الدباء من حوالى القصعة) بفتح اللام والقاف قال أنس: (فلم
أزل أحب الدباء بعد يومئذٍ) وروى النسائي وصححه الترمذي
وابن حبان عن أبي ذر رفعه، وإذا طبخت قدرًا فأكثر مرقته
واغرف لجارك منه والغرض من ذلك التوسعة على الجيران
والفقراء.
37 - باب الْقَدِيدِ
(باب) ذكر اللحم (القديد).
5437 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا
دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ
يَأْكُلُهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بالواو (أبو نعيم)
الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك بن أنس) الإمام الأعظم
(عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (عن) عمه (أنس) بن
مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِي بمرقة) بضم الهمزة
(فيها دباء) ولأبي ذر: بمرق (وقديد) لحم مشرر مقدّد أو ما
قطع منه طوالًا (فرأيته يتتبع الدباء) من حوالى القصعة
(يأكلها).
5438 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلاَّ
فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ، أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ
الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ
الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَا شَبِعَ آلُ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ
خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثًا.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف والصاد المهملة ابن
عقبة أبو عامر السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد
الرحمن بن عابس) بالموحدة المخففة والمهملة (عن أبيه) عابس
بن
ربيعة النخعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما
فعله) أي النهي المذكور في حديث باب ما كان السلف يدّخرون
من طريق خلاد بن يحيى عن سفيان حيث قال عابس: قلت لعائشة
أنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تؤكل
لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالت ما فعله (إلا في عام جاع
الناس) فيه (أراد أن يطعم الغني الفقير) برفع الغني فاعلًا
وتاليه مفعوله (وإن كنا لنرفع الكراع) هو من الأنعام فوق
الظلف وتحت الساق زاد في الباب المذكور فنأكله (بعد خمس
عشرة) ليلة (وما شبع آل محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (من خبز برّ مأدوم) أي مأكول بالأدم (ثلاثًا)
حتى لحق بالله تعالى لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان يؤثر على نفسه.
38 - باب مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى
الْمَائِدَةِ شَيْئًا قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ:
لاَ بَأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلاَ
يُنَاوِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَائِدَةِ إِلَى مَائِدَةٍ
أُخْرَى
(باب) حكم (من ناول أو قدم إلى صاحبه) حال كونه جالسًا معه
(على المائدة شيئًا) من الطعام.
(قال) المؤلّف (وقال ابن المبارك) عبد الله المروزي فيما
وصله عنه في كتاب البر والصلة له (لا بأس أن يناول بعضهم
بعضًا) من الطعام المحضر بين أيديهم إذ هم فيه كالشركاء
(ولا يناول) أحد (من هذه المائدة إلى) من على (مائدة أخرى)
لأنه وإن كان للمناول حق فيما بين يديه لكنه لا حق للآخر
في تناوله منه إذ لا شركة له فيه نعم إن علم رضا المضيف
جاز.
5439 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إِنَّ
خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُبْزًا مِنْ
شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، قَالَ
أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ
القَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ
يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ ثُمَامَةُ عَنْ أَنَسٍ فَجَعَلْتُ
أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة أنه
سمع) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: إن خياطًا
دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام
صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط (إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبزًا من
شعير ومرقًا فيه دباء) بالمد ويقصر وهل همزته أصلية أو
زائدة أو منقلبة خلاف قاله في المصابيح (و) لحم (قديد. قال
أنس: فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يتتبع الدباء من حول القصعة) بسكون الواو (فلم أزل أحب
الدباء من يومئذٍ. وقال ثمامة) بن عبد الله بن أنس قاضي
البصرة (عن) جده (أنس) -رضي الله عنه- أنه قال: (فجعلت
أجمع الدباء بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وهذا وصله في باب من أضاف
(8/237)
رجلًا، والمطابقة ظاهرة لكن قال
الإسماعيلي: إن الطعام اتخذ للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقصد به، والذي جمع له الدباء بين
يديه خادمه فلا دلالة فيه لجواز مناولة الضيفان بعضهم
بعضًا مطلقًا.
39 - باب الرُّطَبِ بِالْقِثَّاءِ
(باب) أكل (الرطب) بوزن صرد وهو نضيج البسر وواحدته رطبة
بهاء (بالقثاء) قال في القاموس: بالكسر والضم معروف أو هو
الخيار، والمراد أكلهما معًا، وزاد في المصابيح والهمزة
أصلية.
5440 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
-رضي الله عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ الرُّطَبَ
بِالْقِثَّاءِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي
(قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن
أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله
بن جعفر بن أبي طالب) أول من ولد من المهاجرين بالحبشة وله
صحبة (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل الرطب بالقثاء) ولمسلم
يأكل القثاء بالرطب كلفظ الترجمة، وإنما جمع -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما ليعتدلا فإن كل واحد
منهما مصلح للآخر مزيل لأكثر ضرره فالقثاء مسكن للعطش منعش
للقوى بشمه لما فيه من العطرية مطفئ لحرارة المعدة
الملتهبة غير سريع الفساد والرطب حار في الأولى رطب في
الثانية يقوّي المعدة الباردة لكنه معطش سريع التعفن معكر
للدم مصدع فقابل الشيء البارد بالمضاد له فإن القثاء إذا
أكل معه ما يصلحه كالرطب أو الزبيب أو العسل عدّله، ولذا
كان مسمنًا مخصبًا للبدن.
وفي حديث أبي داود وابن ماجة عن عائشة -رضي الله عنها-
قالت: أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم أقبل عليها بشيئي حتى
أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن وروى
الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر قال: رأيت في
يمين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قثاء
وفي شماله رطبات وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة لكن في
إسناده أصرم بن حوشب ضعيف جدًّا، ولعله إن ثبت كان يأخذ
بيده اليمنى من الشمال رطبة رطبة فيأكلها مع القثاء التي
في يمينه.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الأطعمة وكذا أبو داود والترمذي
وابن ماجة.
40 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.
5441 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
قَالَ: تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ
هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ
أَثْلاَثًا، يُصَلِّى هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِ أَصْحَابِهِ تَمْرًا،
فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن
زيد عن عباس) بالموحدة والمهملة ابن فرّوخ (الجريري) بضم
الجيم وفتح الراء الأولى (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ
النهدي أنه (قال: تضيفت أبا هريرة) -رضي الله عنه- بضاد
معجمة وفاء أي نزلت به ضيفًا (سبعًا) من الليالي (فكان هو
وامرأته) بسرة بضم الموحدة وسكون السين المهملة بنت غزوان
بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي (وخادمه). قال الحافظ ابن
حجر: لم أعرف اسمه (يعتقبون) يتناوبون (الليل أثلاثًا
يصلّي هذا) ثلثًا (ثم يوقظ هذا) إذا فرغ من ثلثه الآخر
ليصلي قال أبو عثمان النهدي: (وسمعته) أي أبا هريرة (يقول:
قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين
أصحابه تمرًا فأصابني سبع تمرات) منه (إحداهن حشفة) من
أردأ التمر أو ضعيفه؟ لا نوى لها أو يابسة فاسدة.
5441 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَسَمَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَنَا
تَمْرًا، فَأَصَابَنِي مِنْهُ خَمْسٌ: أَرْبَعُ تَمَرَاتٍ
وَحَشَفَةٌ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَشَفَةَ هِيَ أَشَدُّهُنَّ
لِضِرْسِي.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصباح) بالصاد المهملة وتشديد
الموحدة آخره حاء مهملة البغدادي قال: (حدّثنا إسماعيل بن
زكريا) بن مرة الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام
بعدها قاف الكوفي لقبه شقوصًا بفتح الشين المعجمة وضم
القاف المخففة بعدها صاد مهملة (عن عاصم) الأحول (عن أبي
عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-)
أنه قال: (قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بيننا تمرًا فأصابني منه خمس أربع تمرات و) واحدة (حشفة،
ثم رأيت الحشفة هي أشدّهن لضرسي) في المضغ، وفي الرواية
الأولى من هذا الباب فأصابني سبع تمرات فقيل إحدى
الروايتين وهم وقيل وقع مرتين واستبعده الحافظ ابن حجر
باتحاد المخرج، وأخرج الترمذي من طريق شعبة عن عباس
الجريري قسم سبع تمرات بين سبعة أنا فيهم، وعند ابن ماجة
والإمام أحمد من هذا الوجه بلفظ أصابهم الجوع فأعطاهم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(8/238)
تمرة تمرة وهو يدل للتعدّد فالله أعلم.
41 - باب الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ
تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25]
(باب الرطب والتمر، وقول الله تعالى): خطابًا لمريم عليها
السلام حين جاءها المخاض بعيسى ({وهزي إليك}) وحركي إلى
نفسك ({بجذع النخلة}) وهو ساقها والباء زائدة كما قاله
أبو علي أي هزي جذع النخلة ({تساقط عليك رطبًا جنيًّا})
[مريم: 25] بلغ الغاية وجاء وقت اجتنائه، ولهذا استحب
بعضهم للنساء أكل الرطب وروى أبو بكر بن السني من حديث علي
-رضي الله عنه- مرفوعًا: أطعموا نساءكم الولد الرطب.
5442 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ
عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ
شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالْمَاءِ.
(وقال محمد بن يوسف) الفريابي: (عن سفيان) الثوري (عن
منصور ابن صفية) بنت شيبة بن عثمان الشيبي الحجبي أنه قال:
(حدّثتني أمي) صفية (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء) وذلك حين
فتحت خيبر قبل الوفاة النبوية بثلاث سنين، وإطلاق الأسود
على الماء من باب التغليب كإطلاق الشبع موضع الري واستشكل
التسوية بين الماء والتمر لأن الماء كان عندهم متيسرًا.
وأجيب: بأن الري منه لا يحصل بدون الشبع من الطعام لمضرّة
شرب الماء صرفًا من غير أكل.
وهذا الحديث سبق في باب من أكل حتى شبع.
5443 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا
أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ،
وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الْجِذادِ،
وَكَانَتْ لِجَابِرٍ الأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ
فَجَلَسَتْ فَخَلاَ عَامًا، فَجَاءَنِي الْيَهُودِيُّ
عِنْدَ الْجَذادِ وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا،
فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ، فَيَأْبَى
فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: «امْشُوا نَسْتَنْظِرْ
لِجَابِرٍ مِنَ الْيَهُودِيِّ». فَجَاءُونِي فِي نَخْلِي،
فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُكَلِّمُ الْيَهُودِيَّ، فَيَقُولُ: أَبَا الْقَاسِمِ لاَ
أُنْظِرُهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ، ثُمَّ
جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ. فَأَبَى. فَقُمْتُ فَجِئْتُ
بِقَلِيلِ رُطَبٍ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلَ، ثُمَّ
قَالَ: «أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ»؟ فَأَخْبَرْتُهُ،
فَقَالَ: «افْرُشْ لِي فِيهِ». فَفَرَشْتُهُ فَدَخَلَ
فَرَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى
فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ،
فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ
الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا جَابِرُ، جُذَّ وَاقْضِ».
فَوَقَفَ فِي الْجَدَادِ فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا
قَضَيْتُهُ وَفَضَلَ مِنْهُ. فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَبَشَّرْتُهُ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ». عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ: "بِنَاءٌ". وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مَعْرُوشَاتٍ مَا يُعَرَّشُ مِنَ الكُرُومِ
وَغَيْرُ ذَلِكَ، يُقَالُ عُرُوشُهَا أَبْنِيَتُهَا. قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَخَلاَ لَيْسَ عِنْدِي
مُقَيَّدًا، ثُمَّ قَالَ فَجَلَّى لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو
غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف
أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي
واسم أبي ربيعة عمرو أو حذيفة لقبه ذو الرمحين من مسلمة
الفتح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-)
أنه (قال: كان بالمدينة يهودي) قال في المقدمة: لم أعرف
اسمه، ويحتمل أن يكون هو أبو الشحم (وكان يسلفني) بضم
الياء من الإسلاف (في تمري إلى الجذاذ) بكسر الجيم وفتحها
وبالذال المعجمة ويجوز إهمالها، والذي في اليونينية بالدال
المهملة لا غير أي زمن قطع تمر النخل وهو الصرام (وكانت
لجابر) فيه التفات من الحضور إلى الغيبة (الأرض التي بطريق
رومة) بضم الراء وسكون الواو بعدها ميم وهي البئر التي
اشتراها عثمان -رضي الله عنه- وسبلها وهي في نفس المدينة،
ورواية دومة بالدال بدل الراء التي ذكرها الكرماني. قال
ابن حجر: باطلة لأن دومة الجندل لم تكن إذ ذاك فتحت حتى
يكون لجابر فيها أرض، وأيضًا ففي الحديث أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشى إلى أرض جابر وأطعمه من
رطبها ونام فيها فلو كانت بطريق دومة الجندل لاحتاج إلى
السفر لأن بين دومة الجندل والمدينة عشر مراحل.
وأجاب العيني: بأن المراد كانت لجابر أرض كائنة بالطريق
التي يسار منها إلى دومة الجندل وليس المعنى التي بدومة
الجندل (فجلست) بالجيم واللام والسين المفتوحات والفوقية
الساكنة أي فجلست الأرض أي تأخرت عن الإثمار (فخلا) بالفاء
والخاء المعجمة واللام المخففة من الخلوّ أي تأخر السلف
(عامًا) ولأبي ذر عن الكشميهني: فخاست بخاء معجمة بعد
الفاء وبعد الألف سين مهملة ففوقية ساكنة بدل قوله فجلست
أي خالفت معهودها وحملها يقال: خاس عهده إذا خانه أو تغير
عن عادته وخاس الشيء إذا تغير، وهذا الذي في الفرع من جلست
وفخاست وفخلا. وقال ابن قرقول: في المطالع تبعًا للقاضي
عياض في المشارق فجلست نخلًا بالنون كذا للقابسي وأبي ذر
وأكثر الرواة وعند أبي الهيثم فجاست نخلة عامًا وللأصيلي
فحبست فخلا بالفاء عامًا وصواب ذلك ما رواه أبو الهيثم
فجاست نخلها عامًا بالنون قال: وكان أبو مروان بن سراج
يصوّب رواية القابسي إلا أنه يصلح ضبطها فجلست بسكون السين
وضم التاء على أنها مخاطبة جابر أي تأخرت عن القضاء فخلى
بفاء وخاء معجمة ولام مشدّدة من باب التخلية، لكن قال: ذكر
الأرض أول الحديث يدل على الخبر عن الأرض لا عن نفسه
(فجاءني اليهودي عند الجذاذ) وفي اليونينية بالدال المهملة
فقط (ولم أجدّ منها شيئًا فجعلت أستنظره إلى قابل) أي أطلب
منه
(8/239)
أن يهملني إلى عام ثانٍ (فيأبى) يمتنع من
الإمهال (فأخبر بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بضم همزة فأخبر وكسر الموحدة وجوّز في الفتح
احتمال أن يكون بضم الراء على صيغة المضارعة والفاعل جابر
وذكره كذلك مبالغة في استحضار صورة الحال قال: ووقع في
رواية أبي نعيم في المستخرج فأخبرت (فقال لأصحابه: امشوا
نستنظر) بالجزم أي نطلب الإنظار (لجابر من اليهودي فجاؤوني
في نخلي فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يكلم اليهودي) في أن ينظرني في دينه (فيقول) اليهودي للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا (أبا القاسم) بحذف
أداة النداء (لا أنظره فلما رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك من أمر اليهودي (قام فطاف في
النخل ثم جاءه) أي جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى اليهودي (فكلمه) أن ينظرني
(فأبى) قال جابر: (فقمت فجئت بقليل رطب فوضعته بين يدي
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكل) منه (ثم
قال):
(أين عريشك يا جابر)؟ أي المكان الذي اتخذته في بستانك
لتستظل به وتقيل فيه ولأبي ذر أين عرشك بسكون الراء وإسقاط
التحتية (فأخبرته) به (فقال: افرش لي فيه) بضم الراء
(ففرشته فدخل) فيه (فرقد ثم استيقظ فجئته بقبضة أخرى) من
الرطب (فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه فقام)
عليه الصلاة والسلام (في الرطاب) بكسر الراء (في النخل)
المرة (الثانية ثم قال: يا جابر جذ) بضم الجيم وكسرها
والإعجام والإهمال أي اقطع (واقض) دين اليهودي (فوقف في
الجداد) بالدال المهملة في اليونينية (فجددت منها ما
قضيته) دينه كله (وفضل منه) ولأبي ذر: مثله (فخرجت حتى جئت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبشرته) بذلك
(فقال: أشهد أني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) إنما قال ذلك-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لما فيه من خرق العادة الظاهرة من إيفاء الكثير
من القليل الذي لم يكن يظن به أن يوفي منه البعض فضلًا عن
الكل فضلًا عن أنس يفضل فضله فضلًا عن أن يفضل قدر الذي
كان عليه من الدين.
وثبت في رواية المستملي وحده قوله في تفسير أين عريشك
(عروش) بضم العين والراء (وعريش) بفتح العين وكسر الراء أي
(بناء) كذا فسره أبو عبيدة (وقال ابن عباس): مما سبق أول
تفسير سورة الأنعام (معروشات ما يعرش) بضم الياء وتشديد
الراء مفتوحة (من الكروم وغير ذلك يقال عروشها) أي
(أبنيتها) يريد تفسير قوله تعالى: {وهي خاوية على عروشها}
[البقرة: 259] (قال محمد بن يوسف) الفربري: (قال أبو جعفر)
محمد بن أبي حاتم ورّاق المؤلّف (قال محمد بن إسماعيل)
البخاري: (فخلا) بالخاء المعجمة المذكورة في الحديث السابق
(ليس عندي مقيدًا) أي مضبوطًا (ثم قال فجلى) أي بتشديد
اللام والجيم (ليس فيه شك) والله أعلم.
42 - باب أكلِ الجُمَّارِ
(باب أكل الجمار) بضم الجيم وفتح الميم مشددة ويسمى الجذب
بالتحريك وشحم النخل وهو قلبها بالضم ورطبه الحلو بارد
يابس في الأولى وقيل في الثانية يعقل البطن وينفع من المرة
الصفراء والحرارة والدم الحادّ وينفع من الشرى أكلًا
وضَمادًا وكذا من الطاعون ويختم القروح وينفع من خشونة
الحلق نافع للسع الزنبور ضمادًا قاله صاحب نزهة الأفكار في
خواص الحيوان والنبات والأحجار.
5444 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي
مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُلُوسٌ، إِذْ أُتِىَ
بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا
بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ»، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ
يَعْنِي النَّخْلَةَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ
النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ الْتَفَتُّ
فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ،
فَسَكَتُّ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «هِيَ النَّخْلَةُ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي)
قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: حدّثني) بالإفراد
(مجاهد) هو ابن جبر الإمام في التفسير (عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما-) أنه (قال: بينا) بغير ميم (نحن عند
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلوس إذ أُتي)
بضم الهمزة (بجمار نخلة) بالإضافة (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن من الشجر لما) بفتح اللام (بركته كبركة المسلم) بلام
التأكيد في لما والميم زائدة فقال ابن عمرة (فظننت أنه)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يعني النخلة) لقرينة
الجمار (فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول الله ثم التفت
فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم) أصغرهم سنًّا (فسكت) رعاية
لحق الأكابر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(8/240)
هي النخلة).
وهذا الحديث قد سبق في مواضع من كتاب العلم، ورواه البزار
وزاد ما أتاك منها نفعك والحكمة في تمثيل المؤمن بها لكثرة
خيرها ونفعها على الدوام وثمرها يؤكل رطبًا ويابسًا وهو
غذاء ودواء وقوت وحلوا وشراب وفاكهة ووجه شبهها بالإنسان
من وجوه استواء القدّ وطوله وامتياز الذكر عن الأنثى،
وأنها لا تحمل حتى تلقح وإذا قوبل بين ذكورها وإناثها كثر
حملها لاستئناسها بالمجاورة ورائحة طلعها كرائحة مني
الإنسان وإذا قطعت رأسها هلكت بخلاف الأشجار، ويكفي في
شرفها وكثرة خيرها أن الله تعالى شبه بها شهادة أن لا إله
إلا الله بقوله تعالى: {ومثل كلمة طيبة} [إبراهيم: 24]
الآية. فكما أنها شديدة الثبوت في الأرض فذلك الإيمان في
قلب المؤمن وارتفاعها كارتفاع عمل المؤمن وكما أنها تؤتي
أكلها كل حين كذلك ما يكسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه
في كل حين على اختلاف صنوفه ومن خواصها أنها لا توجد إلا
في بلاد الإسلام فإن بلاد الحبشة والنوبة والهند بلاد
حارّة خليقة بوجود النخل ولا ينبت فيها شيء منه البتّة.
43 - باب الْعَجْوَةِ
(باب) فضل (العجوة) على غيرها ويقال لها أم التمر.
5445 - حَدَّثَنَا جُمْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ
أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ
تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا جمعة بن عبد الله) بضم الجيم وسكون الميم
ابن زياد بن شداد السلمي أبو بكر البلخي يقال: إن اسمه
يحيى وجمعة لقبه ويقال له أيضًا: أبو خاقان، وليس له في
البخاري إلا هذا الحديث بل ولا في الكتب الستة قال:
(حدّثنا مروان) بن معاوية الفزاري قال: (أخبرنا هاشم بن
هاشم) بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المدني قال: (أخبرنا
عامر بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه
(قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(من تصبح) بتشديد الموحدة أي أكل صباحًا قبل أن يأكل شيئًا
(كل يوم سبع تمرات عجوة) بتنوينهما مجرورين فالثاني عطف
بيان وينصب على التمييز ولأبي ذر تمرات عجوة بإضافة تمرات
لتاليه من إضافة العام للخاص (لم يضره) بضم الضاد المعجمة
وتشديد الراء من الضرر ولأبي ذر عن الكشميهني لم يضره بكسر
الضاد وسكون الراء من ضاره يضيره ضيرًا إذا أضرّه (في ذلك
اليوم سم ولا سحر) وليس هذا من طبعها إنما هو من بركة دعوة
سبقت كما قاله الخطابي، وقال النووي: تخصيص عجوة المدينة
وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع ولا نعلم نحن
حكمها فيجب الإيمان بها، وقال المظهري: يحتمل أن يكون في
ذلك النوع هذه الخاصية وفي سنن أبي داود من حديث جابر وأبي
سعيد الخدري مرفوعًا "العجوة من الجنة وهي شفاء من السم"
وفي حديث عائشة عند مسلم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "في عجوة العالية شفاء، وأنها
ترياق أول البكرة". ورواه أحمد ولفظه: في عجوة العالية أول
البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سقم.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب ومسلم في الأطعمة
وأبو داود في الطب والنسائي في الوليمة.
44 - باب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ
(باب) حكم (القران في التمر) بكسر القاف وتخفيف الراء أي
ضم تمرة إلى أخرى إذا أكل مع غيره ولأبي ذر الإقران من
أقرن والمشهور استعماله ثلاثيًّا وسقط له في التمر.
5446 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ: أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ
مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ
نَأْكُلُ وَيَقُولُ: لاَ تُقَارِنُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ
الْقِرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ
الرَّجُلُ أَخَاهُ. قَالَ شُعْبَةُ: الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ
ابْنِ عُمَرَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة
واللام وسحيم بضم السين المهملة وفتح الحاء المهملة وسكون
التحتية التابعي الكوفي (قال: أصابنا عام سنة) بإضافة عام
المرفوع للاحقه أي عام قحط وجدب (مع ابن الزبير) عبد الله
لما كان خليفة بالحجاز (رزقنا) بفتحات كذا في اليونينية أي
أعطانا في أرزاقنا ولأبي ذر فرزقنا بالفاء أي مع ضم الراء
(تمرًا) وهو القدر الذي كان يصرف لهم في كل سنة من مال
الخراج وغيره بدل النقد لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة
التي حصلت (فكان عبد الله بن عمر يمر بنا ونحن نأكل) من
التمر والواو للحال (ويقول: لا تقارنوا) في أكل التمر بل
كلوا تمرة تمرة (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نهى عن القران) ولأبي ذر عن الإقران (ثم يقول
إلا أن يستأذن الرجل أخاه) في الإيمان الذي اشترك معه في
أكل ويأذن له فإنه يجوز له
(8/241)
القران فإن لم يأذن له وكان ملكًا لهما أو
لغيرهما حرم وفي معنى التمر الرطب والعنب والزبيب للعلة
الجامعة.
(قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (الإذن) المشار إليه
بقوله إلا أن يستأذن الرجل أخاه (من قول ابن عمر) مدرجًا
في الحديث وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده مدرجًا،
وفيه روايات أخرى حاصلها اختلاف أصحاب شعبة وأكثرهم رواه
عنه مدرجًا وآخرون ترددوا في الرفع والوقف وشبابة عنه فصل
حيث قال: إلا أن يستأذن الرجل أخاه وآدم جزم بأن الزيادة
من قول ابن عمر كما نبه عليه مع غيره الحافظ أبو الفضل بن
حجر -رحمه الله تعالى-، واستدلّ بقول أبي هريرة المروي عند
ابن حبان وغيره كنت في أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمر عجوة فكبّ بيننا
فكنا نأكل الثنيتين من الجوع وجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم
قال لصاحبه: إني قرنت فاقرنوا على الرفع وعدم الإدراج لأن
هذا الفعل منهم في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دال على أنه كان مشروعًا بينهم، وقول الصحابي
كنا نفعل في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا
له حكم الرفع عند الجمهور، وقد اعتمد البخاري هذه الزيادة
وترجم لها في كتاب المظالم وفي الشركة، ولا يلزم من كون
ابن عمر ذكر الإذن مرة غير مرفوع أن لا يكون مستنده فيه
الرفع.
وهذا الحديث سبق في المظالم والشركة، ورواه أصحاب السنن.
45 - باب الْقِثَّاءِ
(باب القثاء) ويقال لها شعارير بالشين المعجمة الواحدة
شعرورة وقيل صغاره والضغابيس بمعجمتين أوله آخره مهملة
صغاره، والجرو والجروة الصغير من القثاء، وفي الحديث أتي
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأجر زغب
انتهى. وهيئته حسنة وشكله جميل أنابيب طوال مضلعة كما قيل:
انظر إليها أنابيبًا مضلعة ... من الزبر جد جاءت ما لها
ورق
إذا قلبت اسمه بانت ملاحته ... وصار مقلوبه إني بكم أثق
5447 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسماعيل بن
عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن
سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال:
سمعت عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (قال: رأيت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل الرطب بالقثاء).
وهذا الحديث قد سبق في باب أكل الرطب بالقثاء لكنه صرّح
بسماع سعد بن عبد الله بن جعفر هنا، ورواه بالعنعنة هناك.
وقد روى أبو منصور الديلمي من حديث وابصة مرفوعًا: "إذا
أكلتم القثاء كلوا من أسفله ومن خواصه" فيما زعموا أنه إذا
سعط الراعف بماء القثاء المر قطع الدم، وإذا جفف بزره ودقّ
واستحلب بالماء وشرب سكن العطش وأدرّ البول ونفع من وجع
المثانة، لكنه رديء الكيموس وإدامة أكله تهيج الحميات
وتحدث وجع الخاصرة والخل المتولد منه
رديء، وذلك لغلظ جرمه فهو بطيء الانحدار عن المعدة مؤذٍ
لها ببرده يضر بعصبها، فلذا ينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه
ويكسر برده بعسل أو برطب كما فعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
46 - باب بَرَكَةِ النَّخْلِ
(باب بركة النخل) بفتح أوله وإسكان المعجمة ولأبي ذر
النخلة بتاء التأنيث واحدة النخل، ويسمى الجمد بفتح الجيم
والميم والإشاء بالشين المعجمة صغارها والشطء فراخه والجمع
شطؤ والعذق بفتح المهملة النخلة بحملها والجمع أعذق وعذاق
وبالكسر القنو منها، وقد ذكرها الله في القرآن في غير ما
موضع وشبه بها كلمة التوحيد، وشبهت في الحديث بالمؤمن
لكثرة بركتها وعموم نفعها كما لا يخفى، وقد سبق قريبًا ذكر
شيء من ذلك.
5448 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ
تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ وَهْيَ النَّخْلَةُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكن قال: (حدّثنا
محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي (عن زبيد) بضم الزاي وفتح
الموحدة ابن الحارث اليامي حجة قانت لله (عن مجاهد) الإمام
المفسر أنه (قال: سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من الشجر شجرة) ولأبي ذر: إن من الشجر شجرة (تكون) في
بركتها كثرة نفعها (مثل المسلم) بكسر الميم
(8/242)
وسكون المثلثة والنصب (وهي النخلة).
وهذا قد سبق قريبًا.
47 - باب جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ أَوِ الطَّعَامَيْنِ
بِمَرَّةٍ
(باب) حكم (جمع اللونين) من الفاكهة وغيرها (أو الطعامين)
في الأكل (بمرّة) أي في حالة واحدة.
5449 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.
وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا
عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا إبراهيم بن سعد عن
أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله
بن جعفر) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنهما-) أنه (قال:
رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل
الرطب بالقثاء) القثاء في يمينه والرطب في شماله يأكل من
ذا مرة ومن ذا مرة. أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عبد
الله بن جعفر، وفيه جواز أكل لونين وطعامين معًا والتوسع
في المطاعم ولا خلاف في ذلك، وما روي عن السلف من خلافه
محمول على كراهة اعتياد التوسع والترفه لغير مصلحة دينية.
48 - باب مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً،
وَالْجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً
(باب) ذكر (من أدخل الضيفان) بكسر الضاد المعجمة (عشرة
عشرة و) ذكر (الجلوس على الطعام عشرة عشرة) لضيق الطعام أو
مكان الجلوس عليه، والضيفان جمع ضيف يستوي فيه الواحد
والجمع ويجمع على أضياف وضيوف وضيفان، وأصله الميل يقال:
ضفت إلى كذا وأضفت كذا إلى كذا، والضيف من مال إليك نازلًا
بك.
5450 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ
أَنَسٍ وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ
سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ
أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ
وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عُكَّةً
عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي
أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ، قَالَ: «وَمَنْ مَعِي».
فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَمَنْ مَعِي
فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ،
فَدَخَلَ فَجِيءَ بِهِ وَقَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ
عَشَرَةً». فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ
قَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً». فَدَخَلُوا
فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْ
عَلَيَّ عَشَرَةً». حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَكَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ
قَامَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (الصلت بن
محمد) بفتح الصاد المهملة وبعد اللام الساكنة مثناة فوقية
الخاركي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أحد
الأعلام (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (أبي
عثمان) بن دينار اليشكري (عن أنس) هو ابن مالك -رضي الله
عنه- (و) رواه حماد بسنده أيضًا (عن هشام) هو ابن حسان
الأزدي (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس) أيضًا (و) الطريق
الثالثة لحماد (عن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون
وبعد الألف نون أخرى (أبي ربيعة) واسم أبي ربيعة ككنيته
(عن أنس أن أم سليم أمه) زوج أبي طلحة (عمدت) بفتحات قصدت
(إلى مدّ) مكيال مملوء (من شعير) قدره رطلان أو رطل وثلث
(جشته) بالجيم والشين المعجمة أي طحنته طحنًا جريشًا غير
ناعم (وجعلت منه خطيفة) بخاء معجمة مفتوحة فطاء مهملة
مكسورة فتحتية ساكنة ففاء لبنًا يطبخ بدقيق ويختطف
بالأصابع والملاعق بسرعة فهي فعيلة بمعنى مفعولة (وعصرت
عكة) وهي إناء من جلد للسمن (عندها) على الذي طبخته (ثم
بعثتني إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأتيته وهو في أصحابه فدعوته قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أأحضر (ومن معي) قال أنس: (فجئت) إلى أمي (فقلت: إنه يقول)
أي أحضر (ومن معي فخرج إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أبو طلحة قال: يا رسول الله إنما هو شيء) قليل
(صنعته أم سليم) بمفردها أي والذي يتولى صنعه امرأة واحدة
يكون قليلًا عادة (فدخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فجيء به) بالذي صنعته أم سليم
(وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أدخل) بفتح
الهمزة وكسر الخاء المعجمة (عليّ عشرة) أي من أصحابه الذين
حضروا معه -رضي الله عنهم- (فدخلوا) ولأبي ذر: فأدخلوا بضم
الهمزة وكسر الخاء المعجمة (فأكلوا حتى شبعوا. ثم قال)
عليه الصلاة والسلام: (أدخل عليّ عشرة. فدخلوا فأكلوا حتى
شبعوا ثم قال: أدخل عليّ عشرة) وسقط من قوله فدخلوا
الثانية إلى هنا لأبي ذر (حتى عدّ أريعين) رجلًا وإنما
أدخلهم عشرة عشرة لأنها كانت قصعة واحدة ولا يمكن الجمع
الكثير التناول منها مع قلة الطعام فجعلهم عشرة عشرة
ليتمكنوا من الأكل ولا يزدحموا (ثم أكل النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قام) قال أنس (فجعلت أنظر)
إلى القصعة (هل نقص منها شيء) من الطعام.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة لا خفاء فيها.
49 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الثُّومِ وَالْبُقُولِ. فِيهِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب ما يكره من الثوم) بضم المثلثة أي من أكل الثوم (و)
أكل (البقول) التي لها رائحة كريهة (فيه عن ابن عمر) وسقط
لأبي ذر لفظ عن الجارة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولًا في أواخر
(8/243)
صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة بلفظ أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في غزوة خيبر: من
أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربنّ مسجدنا.
5451 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قِيلَ لأَنَسٍ: مَا
سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ
مَسْجِدَنَا».
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد
الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز) بن صهيب أنه (قال: قيل
لأنس) -رضي الله عنه- (ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في) حكم أكل (الثوم) ثبت يقول
لأبي ذر عن الكشميهني (فقال) أنس، قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(من أكل) أي من هذه الشجرة كما في كتاب الصلاة كما في
رواية أبي معمر عن عبد الوارث والمراد بها الثوم (فلا
يقربنّ مسجدنا) بنون التوكيد الثقيلة والمساجد كلها مساجده
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يختص النهي
بمسجده والتعليل بتأذي الملائكة أو الناس يقتضي العموم
خلافًا لمن خصّه به محتجًّا بأنه مهبط الوحي بل لو قيل
بالتعميم في كل مجمع لكان محتجًّا، وقوله: من أكل في موضع
نصب ومن شرطية مبتدأ وجوابها فلا يقربن.
5452 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا
يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ
أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-
زَعَمَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا
فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
أبو صفوان عبد الله بن سعيد) بكسر العين ابن عبد الملك بن
مروان الأموي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال حدّثني) بالإفراد
(عطاء) هو ابن أبي رباح (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري
(-رضي الله عنهما- زعم عن النبي) ولأبي ذر: أن النبي أي
قال: إن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من أكل ثومًا أو بصلًا) أي أو غيرهما مما له ريح كريهة
كالكراث (فليعتزلنا) فلا يحضر عندنا ولا يصل معنا (أو
ليعتزل مساجدنا) بالشك من الزهري. وفي مسلم من حديث جابر
نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أكل
البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منه. الحديث، وفي
الصغير للطبراني النهي عن الفجل أيضًا وظاهر هذه الأحاديث
شامل للنيء والمطبوخ، لكن عند أبي داود من حديث عليّ: نهى
عن أكل الثوم إلا مطبوخًا لأنه حينئذ تزول رائحته الكريهة
لا سيما البصل.
50 - باب الْكَبَاثِ، وَهْوَ تَمَرُ الأَرَاكِ
(باب الكباث) بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وبعد الألف
مثلثة (وهو تمر الأراك) بالمثناة الفوقية المفتوحة والميم
الساكنة في الفرع والأراك بفتح الهمزة وتخفيف الراء. قال
في المطالع: الكباث تمر الأراك قبل نضجه وقيل بل هو حصرمه؛
وقيل غضه وقيل متزببه وهو البرير أيضًا يعني بالموحدة بوزن
حرير، وفي القاموس النضيج من تمر الأراك ووقع في رواية أبي
ذر عن مشايخه وهو ورق الأراك.
5453 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَرِّ الظَّهْرَانِ
نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ
مِنْهُ فَإِنَّهُ أَيْطَبُ» فَقَالَ: أَكُنْتَ تَرْعَى
الْغَنَمَ. قَالَ: «نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ
رَعَاهَا»؟.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح
الفاء مصغرًا هو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم وقيل: ابن
عفير بن سلمة بن يزيد بن الأسود الأنصاري مولاهم البصري
قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي
(عن ابن شهاب) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن
عبد الرحمن بن عوف (قال: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد
الله) الأنصاري (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمرّ الظهران) بفتح الميم وتشديد
الراء والظهران بفتح الظاء المعجمة وتسكين الهاء بعدها راء
تثنية الظهر مكان على مرحلة من مكة (نجني الكباث) أي نقطعه
لنأكله (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(عليكم بالأسود منه فإنه أيطب) بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة
فطاء مهملة مفتوحة فموحدة
مقلوب أطيب (فقال) جابر ولأبي ذر: فقيل (أكنت ترعى الغنم)؟
حتى عرفت أطيب الكباث لأن راعي الغنم يكثر تردّده تحت
الأشجار لطلب المرعى منها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (نعم) كنت أرعاها (وهل من نبي إلاّ رعاها) لأن
يأخذوا أنفسهم بالتواضع وتصفوا قلوبهم بالخلوة ويترقوا من
سياستها إلى سياسة أممهم بالشفقة عليهم وهدايتهم إلى
الصلاح.
وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين.
51 - باب الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ
(باب المضمضة بعد) أكل (الطعام) سقط الباب لغير أبي ذر.
5454 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ
يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعَا بِطَعَامٍ
فَمَا أُتِيَ إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَأَكَلْنَا، فَقَامَ
إِلَى الصَّلاَةِ فَتَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، شطب في
اليونينية علي بن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان)
(8/244)
بن عيينة قال: (سمعت يحيى بن سعيد)
الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة
مصغرًا ويسارًا بالتحتية والمهملة المخففة (عن سويد بن
النعمان) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) غزوة (خيبر
فلما كنا بالصهباء دعا بطعام فما أتي) بضم الهمزة وكسر
الفوقية (إلاّ بسويق فأكلنا) منه (فقام إلى الصلاة فتمضمض)
بفوقية بعد الفاء (ومضمضنا).
5455 - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بُشَيْرًا يَقُولُ:
حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ،
فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى: وَهْيَ
مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ دَعَا بِطَعَامٍ، فَمَا
أُتِيَ إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مَعَهُ،
ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا مَعَهُ.
ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: كَأَنَّكَ تَسْمَعُهُ مِنْ يَحْيَى.
(قال يحيى) بن سعيد بالسند السابق (سمعت بشيرًا) بضم
الموحدة ابن يسار (يقول: أخبرنا سويد) أي ابن النعمان
(خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى خيبر فلما كنا بالصهباء. قال يحيى) بن سعيد (وهي) أي
الصهباء (من خيبر على روحة دعا) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بطعام فما أتي إلاّ بسويق فلكناه)
علكناه في أفواهنا (فأكلنا معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولأبي ذر منه بدل قوله معه أي من السويق (ثم
دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فمضمض)
فاه الشريف من أثر السويق (ومضمضنا معه ثم صلى بنا المغرب
ولم يتوضأ. وقال سفيان) بن عيينة لعلي بن المديني: نقلت
الحديث من يحيى بن سعيد بلفظ مرارًا فتكون (كأنك تسمعه من
يحيى) بغير واسطة.
52 - باب لَعْقِ الأَصَابِعِ وَمَصِّهَا قَبْلَ أَنْ
تُمْسَحَ بِالْمِنْدِيلِ
(باب) استحباب (لعق الأصابع ومصّها قبل أن تمسح بالمنديل)
بضم الفوقية والمنديل بكسر الميم.
5456 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلاَ
يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس)
-رضي الله عنهما- (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(إذا أكل أحدكم) طعامًا (فلا يمسح يده) لا ناهية والفعل
معها مجزوم (حتى يلعقها) بفتح الياء والعين بينهما لام
ساكنة حتى يلحسها هو (أو يلعقها) بضم أوله وكسر ثالثه أي
يلحسها غيره ممن لا يتقذر ذلك كزوجة وولد وخادم وكتلميذ
يعتقد بركته فإنه لا يدري في أيّ طعامه البركة كما رواه
مسلم من حديث جابر وأبي هريرة ولما فيه من تلويث ما يمسح
به مع الاستغناء عنه بالريق، وقيل إنما أمر بذلك لئلا
يتهاون بقليل الطعام وقوله فإنه لا يدري في أي طعامه
البركة لا ينافي إعطاء يده لغيره يلعقها فهو من باب
التشريك فيما فيه البركة.
وفي حديث كعب بن مالك عند مسلم كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ
لعقها. قال في فتح الباري: فيحتمل أن يكون أطلق على
الأصابع اليد، ويحتمل وهو الأولى أن يكون أراد باليد الكف
كلها فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو
ببعضها ويؤخذ منه أن السُّنَّة الأكل بثلاث أصابع وإن كان
أكل بأكثر منها جائزًا.
وفي حديث كعب بن عجرة عند الطبراني في الأوسط قال: رأيت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل
بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته
يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم
الإبهام والسر في ذلك كما قاله الحافظ الزين عبد الرحيم
العراقي أن الوسطى يكثر تلويثها لأنها أطول فيبقى فيها من
الطعام أكثر من غيرها ولأنها لطولها أول ما ينزل الطعام،
ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ
بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذا الإبهام
والحديث ردّ على من كره لعق الأصابع استقذارًا.
فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة لما ترجم له؟ أجيب: بأن في
حديث جابر عند مسلم فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق
بأصابعه، وفي حديث جابر أيضًا عند ابن أبي شيبة: إذا طعم
أحدكم فلا يمسح يده حتى يمصها، فلعل المصنف أشار بالترجمة
لذلك والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأطعمة والنسائي في الوليمة
وابن ماجة في الأطعمة.
53 - باب الْمِنْدِيلِ
(باب المنديل) بكسر الميم.
5457 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ
الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لاَ قَدْ
كُنَّا زَمَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لاَ نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الطَّعَامِ
إِلاَّ قَلِيلًا، فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ
لَنَا مَنَادِيلُ إِلاَّ أَكُفَّنَا وَسَوَاعِدَنَا
وَأَقْدَامَنَا. ثُمَّ نُصَلِّي وَلاَ نَتَوَضَّأُ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزمي المدني أحد
الأعلام (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن فليح) بضم الفاء
وفتح اللام آخره مهملة مصغرًا (قال: حدّثني) بالإفراد
أيضًا (أبي) فليح بن سليمان المدني (عن سعيد بن الحارث) بن
أبي المعلى الأنصاري قاضي المدينة (عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري
(8/245)
(-رضي الله عنهما- أنه سأله) أي أن سعيد بن
الحارث سأل جابر بن عبد الله (عن الوضوء مما مست النار)
بالطبخ ونحوه أيجب على الآكل منه الوضوء؟ (فقال: لا) يجب
(قد كنا زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لا نجد مثل ذلك) أي ما مست النار (من الطعام إلا قليلًا
فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا
وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ) مما مست النار.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الأطعمة.
54 - باب مَا يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ؟
(باب ما يقول) الآكل (إذا فرغ من) أكل (طعامه).
5458 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ،
غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى
عَنْهُ رَبَّنَا». [الحديث 5458 - أطرافه في: 5459].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن ثور) بفتح المثلثة باسم الحيوان ابن
يزيد من الزيادة الشامي (عن خالد بن معدان) بفتح الميم
وسكون العين المهملة (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان -رضي
الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان إذا رفع مائدته) وعند الإسماعيلي من طريق وكيع عن ثور
إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته ومن وجه آخر عن ثور إذا رفع
طعامه من بين يديه والمائدة تطلق ويراد بها نفس الطعام أو
بقيته أو إناؤه، وعن البخاري المؤلّف إذا أكل الطعام على
شيء ثم رفع قيل رفعت المادة. (قال):
(الحمد لله) حمدًا (كثيرًا طيبًا مباركًا فيه) بفتح الراء
(غير مكفي) بنصب غير ورفعه ومكفي بفتح الميم وسكون الكاف
وتشديد التحتية من كفأت أي غير مردود ولا مقلوب والضمير
راجع
إلى الطعام الدال عليه السياق أو هو من الكفاية فيكون من
المعتل يعني أنه تعالى هو المطعم لعباده والكافي لهم
فالضمير راجع إلى الله تعالى. وقال العيني: هو من الكفاية
وهو اسم مفعول أصله مكفوي على وزن مفعول، فلما اجتمعت
الواو والياء قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء ثم أبدلت ضمة
الفاء كسرة لأجل الياء، والمعنى هذا الذي أكلناه ليس فيه
كفاية كما بعده بحيث ينقطع بل نعمك مستمرة لنا طول أعمارنا
غير منقطعة وقيل الضمير راجع إلى الحمد أي أن الحمد غير
مكفيّ إلى آخره (ولا مودع) بضم الميم وفتح الواو والدال
المهملة المشددة غير متروك ويجوز كسر الدال أي غير تارك
فيكون حالًا من القائل (ولا مستغنى عنه) بفتح النون
والتنوين (ربنا) بالنصب على المدح أو الاختصاص أو النداء
ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو والجر على البدل من اسم
الله في قوله الحمد لله. قال الكرماني وباعتبار مرجع
الضمير ورفع غير ونصبه تكثر التوجيهات بعددها.
وهذا الحديث أخرجه في الأطعمة والترمذي في الدعوات
والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة.
5459 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَالَ مَرَّةً إِذَا
رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مَكْفُورٍ»
وَقَالَ مَرَّةً: «لَكَ الْحَمْدُ رَبِّنَا، غَيْرَ
مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى رَبَّنَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ثور
بن يزيد) من الزيادة الشاميّ (عن خالد بن معدان عن أبي
أمامة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان إذا فرغ من) أكل (طعامه، قال مرة: إذا رفع
مائدته قال):
(الحمد لله الذي كفانا) من الكفاية الشاملة للشبع والري
وغيرهما وحينئذ فيكون قوله (وأروانا) من عطف الخاص على
العام. قال في الفتح: ووقع في رواية ابن السكن عن الفربريّ
وآوانا بمدّ الهمزة بعدها من الإيواء (غير مكفي ولا مكفور)
أي: ولا مجحود فضله ونعمته وهذا كله مما يتأيد به القول
بأن الضمير في الرواية الأولى راجع إلى الله تعالى واختلاف
طرق الحديث يبين بعضها بعضًا (وقال مرة: لك الحمد) ولغير
أبي ذر وقال مرة: الحمد لله (ربنا غير مكفي ولا مودع ولا
مستغنى) عنه (ربنا). وعند أبي داود من حديث أبي سعيد:
الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين. وفي حديث أبي
أيوب عند الترمذي وأبي داود الحمد لله الذي أطعم وسقى
وسوّغه وجعل له مخرجًا.
55 - باب الأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ
(باب الأكل مع الخادم) للتواضع ونفي الكبر سواء كان الخادم
حرًّا أو رقيقًا ذكرًا أو أنثى إذا جاز له النظر إليه.
5460 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ
بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ
فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ
لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ
وَعِلاَجَهُ».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي
النمري الأزدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد هو
ابن زياد) القرشي الجمحي مولاهم أنه (قال: سمعت أبا هريرة)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا أتى أحدكم خادمه)
(8/246)
بنصب أحدكم ورفع خادمه مفعولًا وفاعلًا
(بطعامه) جار ومجرور في موضع نصب. زاد أحمد والترمذي
فليجلسه معه (فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين)
بضم الهمزة فيهما أي لقمة أو لقمتين وأما بالفتح فمعناه
المرة الواحدة مع الاستيفاء وليس مرادًا هنا وأو للتقسيم
(أو) قال: (لقمة أو لقمتين) بالشك من الراوي وعند الترمذي
بلفظ لقمة فقط، ولمسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام
قليلًا ومقتضاه أنه إذا كان كثيرًا فإما أن يقعده معه وإما
أن يجعل حظه منه كثيرًا (فإنه ولي حرّه) عند الطبخ
(وعلاجه) عند تحصيل الآنية وتركيبه وإصلاحه.
وفي رواية لأحمد فإنه ولي حرّه ودخانه، والأمر هنا للندب
وينبغي أن يلحق بهذا الذي طبخ من حمله أو عاينه ولو هرًّا
أو كلبًا لتعلق نفسه به فربما وقع الضرر للآكل منه، فينبغي
إطعامه من ذلك لتسكن نفسه ويتقي شر عينه وقد قيل: إنه
ينفصل من البصر سموم تركب الطعام لا دواء لها إلا بشيء
يطعمه من ذلك الطعام للناظر إليه.
56 - باب الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ، مِثْلُ الصَّائِمِ
الصَّابِرِ. فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين (الطاعم) وهو كما في القاموس وغيره
الحسن الحال في المطعم (الشكر) لربه تعالى على ما أنعم به
عليه في الثواب (مثل الصائم الصابر) على الجوع والطاعم
مبتدأ أو مثل الصائم خبره.
فإن قلت: قد تقرر في علم البيان أن التشبيه يستدعي الجهة
الجامعة والشكر نتيجة النعماء كما أن الصبر نتيجة البلاء
فكيف شبه الشاكر بالصابر. أجيب: بأن هذا تشبيه في أصل ما
لكل واحد منهما من الأجر لا في المقدار وهذا كما يقال زيد
كعمرو فإن معناه زيد يشبه عمرًا في بعض الخصال ولا يلزم
منه المماثلة في جميعها فلا تلزم المماثلة في الأجر أيضًا،
وقال شارح المشكاة: قد ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر
وربما يتوهم متوهم أن ثواب شكر الطاعم يقصر عن ثواب صبر
الصائم فأزيل توهمه به يعني هما سيان في الثواب. قال: وفيه
وجه آخر وهو أن الشاكر لما رأى النعمة من الله وحبس نفسه
على محبة المنعم بالقلب وأظهرها باللسان نال درجة الصابر
قال:
وقيدت نفسي في ذراك محبة ... ومن وجد الإحسان قيدًا تقيدا
فيكون التشبيه واقعًا في حبس النفس بالمحبة، والجهة
الجامعة حبس النفس مطلقًا فأينما وجد الشكر وجد الصبر ولا
ينعكس انتهى.
فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على
محبته وإذا تقرر أن الأصل أن المشبه به أعلى درجة من
المشبه اقتضى السياق المذكور هنا تفضيل الفقير الصابر على
الغني الشاكر وللناس في هذه المسألة كلام طويل تأتي نبذة
منه إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته وكرمه في الرقاق.
وما أحسن قول أحمد بن نصر الداودي: الفقر والغنى محنتان من
الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى:
{إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن
عملًا} [الكهف: 7] فالفقير والغني متقابلان بما يعرض لكلٍّ
منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم، وقد جمع
الله تعالى لسيدنا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الحالات الثلاث: الفقر والغنى والكفاف، فكان
الأول أوّل حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت
عليه الفتوح فصار بذلك في حدّ الأغنياء فقام بواجب ذلك من
بذله لمستحقه والمراساة به والإيثار مع اقتصاره منه على ما
يسدّ ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها وهي حالة
سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم، وفي مسلم من حديث
ابن عمر رفعه قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع
والكفاف الكفاية بلا زيادة فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به
أمن من آفات الغنى والفقر، وقد رجح قوم الغنى على الفقر
لما يتضمنه من القرب المالية، وهذا الذي ذكر إنما هو في
فضل الوصفين الغنى والفقر لا في أحد ممن اتصف بأحدهما
والاختلاف إنما هو في الأخير نعم النظر في أيّ الحالين
أفضل عند الله للعبد حتى يتكسبه ويتخلق به، وهل التقلل من
المال أفضل
(8/247)
ليتفرغ قلبه من الشواغل وينال لذة المناجاة
ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل
باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة
والصدقة لما فيه من النفع المتعدي، وإذا كان الأمر كذلك،
فالأفضل ما اختاره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وجمهور أصحابه من التقلل من الدنيا ولكلٍّ من القولين أدلة
تأتي إن شاء الله تعالى بفضل الله وإحسانه. والتحقيق أن لا
يجاب في هذه المسألة بجواب كلي بل يختلف باختلاف الأحوال
والأشخاص لكن عند الاستواء من كل جهة وفرض رفع العوارض
بأسرها فالفقر أسلم عاقبة في الدار الأخرى.
وقد أشار المؤلّف لما ترجم له بقوله: (فيه) أي في الباب
(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا وصله ابن ماجة في الصوم عن
يعقوب بن حميد بن كاسب عن محمد بن معن بن محمد الغفاري عن
أبيه وعن يعقوب بن حميد عن عبد الله بن عبد الله عن محمد
بن محمد عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة به،
والترمذي في الزهد عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن محمد بن
معن عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ الترجمة
به، وقال: حسن غريب.
وأخرجه البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك من رواية
سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي حرة عن عمه
حكيم بن أبي حرة عن سليمان الأعرج عن أبي هريرة بلفظ أن
للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر.
وأخرجه ابن حبان وقال: معناه أن يطعم ثم لا يعصي بارئه
بقوّته ويتم شكره بإتيان طاعته بجوارحه لأن الصائم قرن به
الصبر وهو صبره عن المحظورات وقرن بالطاعم الشكر، فيجب أن
يكون هذا الشكر الذي يقوم بأداء ذلك الصبر يقاربه ويشاركه
وهو ترك المحظورات، وقوله فيه عن أبي هريرة إلخ ثابت في
رواية أبي ذر فقط كما في الفرع وأصله.
57 - باب الرَّجُلِ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ:
وَهَذَا مَعِي.
وَقَالَ أَنَسٌ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لاَ
يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَاشْرَبْ مِنْ
شَرَابِهِ
(باب الرجل يدعى إلى طعام) فيتبعه آخر (فيقول) المدعو:
(وهذا) رجل (معي) تبعني (وقال أنس) -رضي الله عنه- مما
وصله ابن أبي شيبة من طريق عمير الأنصاري (إذا دخلت على
مسلم لا يتهم) في دينه ولا ماله ولفظ ابن أبي شيبة على رجل
لا تتهمه (فكل من طعامه واشرب من شرابه) وزاد أحمد والحاكم
والطبراني ولا تسأله عنه.
ومطابقة هذا الأثر لحديث الباب الآتي إن شاء الله تعالى من
جهة كون اللحام لم يكن متهمًا وأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طعامه ولم يسأله.
5461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ
حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ
الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ،
فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَعَرَفَ الْجُوعَ فِي وَجْهِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَهَبَ
إِلَى غُلاَمِهِ اللَّحَّامِ فَقَالَ: اصْنَعْ لِي
طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ.
فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا، ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ
فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا شُعَيْبٍ، إِنَّ رَجُلًا
تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ
تَرَكْتَهُ». قَالَ لاَ بَلْ أَذِنْتُ لَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) حميد بن الأسود
البصري الحافظ قال: (حدّثنا أبو سلمة) حماد بن أسامة قال:
(حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي قال: (حدّثنا شقيق) أبو
وائل بن سلمة قال: (حدّثنا أبو مسعود) عقبة بن عامر
(الأنصاري) -رضي الله عنه- (قال: كان رجل من الأنصار يكنى)
بسكون الكاف (أبا شعيب وكان له غلام لحام) لم أقف على اسمه
(فأتى) أبو شعيب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو في أصحابه فعرف الجوع) وللكشميهني يعرف
الجوع (في وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فذهب إلى غلامه اللحام فقال) له: (اصنع لي طعامًا) ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي طعيمًا بضم الطاء وفتح العين
وتشديد التحتية مصغرًا (يكفي خمسة لعلى أدعو النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خامس خمسة فصنع لي
طعيمًا) بالتصغير (ثم أتاه) عليه الصلاة والسلام أبو شعيب
(فدعاه فتبعهم رجل) لم أقف على اسمه (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا أبا شعيب إن رجلًا تبعنا فإن شئت أذنت له وإن شئت
تركته) بتاء الخطاب فيهما (قال) أبو شعيب: (لا) أتركه (بل
أذنت له) يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأكل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
ذلك الطعام ولم يسأله لأنه لم يكن عنده -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متهمًّا.
وهذا الحديث سبق في باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه من
كتاب الأطعمة.
58 - باب إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ فَلاَ يَعْجَلْ عَنْ
عَشَائِهِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا حضر العشاء) بفتح العين مصححًا
عليها في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: إنها الرواية
عنده وهو ضدّ الغداء أي إذا حضر أكل وصلاة المغرب (فلا
يعجل) أحدكم (عن) أكل (عشائه) بالفتح أيضًا فإذا فرغ
(8/248)
فليصل ليكون قلبه فارغًا لمناجاة ربه
تعالى.
5462 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ
أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَزُّ مِنْ
كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ
فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي كَانَ يَحْتَزُّ
بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (وقال
الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات قال:
(حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو بن أمية)
بفتح العين وسكون الميم (أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه
رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتز)
يقطع (من كتف شاة في يده) ويأكل (فدعي) بضم الدال وكسر
العين (إلى الصلاة فألقاها) أي قطعة اللحم (والسكين التي
كان يحتز بها) من الكتف (ثم قام فصلى ولم يتوضأ).
5463 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا وُضِعَ
الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا
بِالْعَشَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بفتح العين المهملة واللام
المشددة العمي أبو الهيثم الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم
الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي
قلابة) بكسر القاف والباء الموحدة عبد الله بن زيد الجرمي
(عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا وضع العشاء) بفتح العين والمد الطعام المأكول عشية
(وأقيمت الصلاة فابدَؤُوا بالعشاء) ثم صلوا واللام في
الصلاة للعهد الذهني المدلول عليه بالسياق فالمراد صلاة
المغرب. وفي حسان المصابيح من حديث جابر مرفوعًا "لا
تؤخروا الصلاة لطعام ولا لغيره ولا معارضة بينهما" إذ هو
محمول على من لم يشتغل قلبه بالطعام جمعًا بين الأحاديث.
5464 - وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَحْوَهُ. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ تَعَشَّى مَرَّةً وَهْوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ
الإِمَامِ.
(وعن أيوب) السختياني بالسند السابق (عن نافع) مولى ابن
عمر (عن ابن عمر) رضي عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه. وعن أيوب) السختياني بالسند
السابق أيضًا (عن نافع بن عمر أنه تعشى) أكل الطعام الذي
يؤكل عشية (مرة وهو يسمع قراءة الإمام).
5465 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَحَضَرَ
الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ». قَالَ وُهَيْبٌ
وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ إِذَا وُضِعَ
الْعَشَاءُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن هشام عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله
عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إذا أقيمت الصلاة) أي المغرب (وحضر العشاء) بالفتح والمد
(فابدؤوا بالعشاء) بالفتح والمد أيضًا لما في البداءة
بالصلاة من اشتغال القلب وذهاب كمال الخشوع أو كله (وقال
وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد مما وصله الإسماعيلي
(ويحيي بن سعيد) القطان مما وصله أحمد (عن هشام) هو ابن
عروة (إذا وضع العشاء) بضم الواو بدل إذا حضر العشاء.
59 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ
فَانْتَشِرُوا}
(باب قول الله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا}) [الأحزاب:
52] أي فتفرقوا عن موضع الطعام تخفيفًا عن صاحب المنزل.
5466 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي
عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَنَسًا قَالَ:
أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحِجَابِ، كَانَ أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرُوسًا بِزَيْنَبَ
ابْنَةِ جَحْشٍ وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ،
فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ
النَّهَارِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا
قَامَ الْقَوْمُ، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَشَى وَمَشَيْتُ مَعَهُ،
حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ
أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ
جُلُوسٌ
مَكَانَهُمْ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ الثَّانِيَةَ
حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَرَجَعَ
وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قد قَامُوا، فَضَرَبَ
بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) الجعفي
المسندي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثني)
بالإفراد (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (أن
أنسًا قال: أنا أعلم الناس بالحجاب) بسبب نزول آية الحجاب
(كان أُبي بن كعب يسألني عنه أصبح رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عروسًا بزينب ابنة) ولأبي ذر
بنت (جحش) والعروس وصف يستوي فيه الرجل والمرأة والعرس مدة
بناء الرجل بالمرأة (وكان تزوّجها بالمدينة فدعا الناس
للطعام بعد ارتفاع النهار فجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجلس معه رجال بعد ما قام القوم)
وأكلوا من الطعام (حتى قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمشى ومشيت معه حتى بلغ باب حجرة
عائشة ثم ظن) عليه الصلاة والسلام (أنهم) أي الرجال الذين
تخلفوا في منزله المقدّس (خرجوا) منه (فرجعت) ولأبي ذر عن
الكشميهني فرجع فرجعت (معه) إلى منزله (فإذا هم جلوس
مكانهم فرجع ورجعت معه الثانية حتى بلغ باب حجرة عائشة
فرجع ورجعت معه فإذا هم قد قاموا فضرب) عليه الصلاة
والسلام (بيني وبينه سترًا وأنزل الحجاب) بضم الهمزة
مبنيًّا للمفعول والحجاب رفع نائب الفاعل وللكشميهني ونزل
عليه الحجاب أي آية الحجاب وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين
آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية وهذه
آداب تتعلق بالأكل لا بأس بإيرادها، فاعلم أنه يستحب غسل
اليد
(8/249)
قبل الطعام ففي الحديث أنه ينفي الفقر وبعد الطعام ينفي
اللمم وهو الجنون ولا ينشفها قبل الأكل، فإنه ربما يكون
بالمنديل وسخ فيعلق باليد ويقدم الصبيان في الغسل الأول
لأنهم أقرب إلى الأوساخ، وربما نفذ الماء لو قدمنا الشيوخ
وفي الثاني يقدّم الشيوخ كرامة لهم، ويقدم المالك في الأول
ويتأخر في الثاني، وينبغي للآكل أن يضم شفتيه عند الأكل
ليأمن مما يتطاير من البصاق حال المضغ ولا يتنخم ولا يبصق
بحضرة آكل غيره فإن عرض له سعال حوّل وجهه عن الطعام ولا
ينفض يديه من الطعام لئلا يقع منه شيء على ثوب جليسه أو في
الطعام.
وفي تاريخ أصبهان لأبي نعيم عن ابن مسعود مرفوعًا: تخللوا
فإنه نظافة والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه
في الجنة ولا يتخلل بعود الريحان والرمان لأنهما يثيران
عرق الجذام ولا بعود القصب لأنه يفسد لحم الأسنان وهذا آخر
كتاب الأطعمة ولله الحمد. |