شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
72 - كتاب الذبائح والصيد
1 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ
وَقَوْلِ اللهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ} إِلَى
قَوْلِهِ: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} وَقَوْلِهِ
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ
تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحِكُمْ} الآيَةُ. وَقَوْلِهِ
جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ
إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَلاَ
تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
الْعُقُودُ: الْعُهُودُ، مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ. إِلاَّ
مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ: الْخِنْزِيرُ، يَجْرِمَنَّكُمْ:
يَحْمِلَنَّكُمْ. شَنَآنُ: عَدَاوَةُ. الْمُنْخَنِقَةُ
تُخْنَقُ فَتَمُوتُ. الْمَوْقُوذَةُ: تُضْرَبُ
بِالْخَشَبِ، يُوقِذُهَا فَتَمُوتُ. وَالْمُتَرَدِّيَةُ:
تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ. وَالنَّطِيحَةُ تُنْطَحُ
الشَّاةُ، فَمَا أَدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ أَوْ
بِعَيْنِهِ فَاذْبَحْ وَكُلْ. جمع ذبيحة بمعنى مذبوحة.
(باب التسمية على الصيد) وأصل الصيد مصدر ثم أطلق على
المصيد كقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر} [المائدة: 96] و
{لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم} [المائدة: 95] أو المراد في
هذه الترجمة أحكام المصيد أو أحكام الصيد الذي هو المصدر
ولأبي ذر باب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد برفع
التسمية على الابتداء ولابن عساكر باب التسمية على الصيد
كذا في الفرع كأصله وقال في الفتح: سقط باب لكريمة
والأصيلي وثبت للباقين.
(وقول الله) عز وجل: ({حرّمت عليكم الميتة}) أي البهيمة
التي تموت حتف أنفها (إلى قوله) تعالى: ({فلا تخشوهم}) أي
بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين
بعد ما كانوا غالبين ({واخشون}) [المائدة: 3] بغير ياء
وصلًا ووقفًا أي أخلصوا إليّ الخشية، وثبت لأبي ذر وابن
عساكر: وقول الله: {حرمت} إلى آخره.
(وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من
الصيد تناله أيديكم ورماحكم})
[المائدة: 94] (الآية). ومعنى يبلو يختبر وهو من الله
تعالى لإظهاره ما علم من العبد على ما علم منه لا ليعلم ما
لم يعلم ومن للتبعيض إذ لا يحرم كل صيد أو لبيان الجنس،
وقلل في قوله: {بشيء من الصيد} ليعلم أنه ليس من الفتن
العظام وتناله صفة لشيء وقوله: {تناله} إلى آخره ثابت لابن
عساكر ولغير أبي ذر بعد قوله: {من الصيد} إلى قوله: {عذاب
أليم}.
(وقوله جلّ ذكره: {أُحلّت لكم بهيمة الأنعام}) والبهيمة كل
ذات أربع قوائم في البر والبحر وإضافتها إلى الأنعام
للبيان وهي بمعنى من كخاتم فضة ومعناه البهيمة من الأنعام
وهي الأزواج الثمانية، وقيل بهيمة الأنعام الظباء وبقر
الوحش ونحوها ({إلا ما يتلى عليكم}) [المائدة: 10] آية
تحريمه، وهو قوله تعالى: {حرمت
(8/255)
عليكم الميتة} الآية (-إلى قوله-: {فلا
تخشوهم واخشون}) وسقط هذا لابن عساكر.
(وقال ابن عباس): مما وصله ابن أبي حاتم (العقود) أي
(العهود ما أحل وحرّم) بضم أولهما للمفعول {إلا ما يتلى
عليكم} أي (الخنزير) ولفظ ابن أبي حاتم يعني الميتة والدم
ولحم الخنزير، وقوله تعالى: ({يجرمنكم}) أي: لا (يحملنكم
{شنآن}) أي (عداوة) {قوم} [المائدة: 8].
(المنخنقة) هي التي (تخنق) بضم أوّله وفتح ثالثه (فتموت.
الموقوذة) التي (تضرب بالخشب يوقذها) وللأصيلي توقذ
بالفوقية وفتح القاف أي تضرب بعصا أو حجر (فتموت.
والمتردية) التي (تتردّى من الجبل، والنطيحة تنطح الشاة)
بضم الفوقية وفتح الطاء والشاة بالرفع أي هي التي تموت
بسبب نطح غيرها لها (فما أدركته) بفتح التاء على الخطاب
وسكون الكاف حال كونه (يتحرك بذنبه) بفتح النون (أو بعينه
فاذبح وكل) وما لا فلا. وسقط الواو من والمتردية والنطيحة
لأبي ذر.
5475 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ
عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ قَالَ: «مَا أَصَابَ
بِحَدِّهِ، فَكُلْهُ. وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهْوَ
وَقِيذٌ». وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ فَقَالَ:
«مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ
ذَكَاةٌ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ، أَوْ كِلاَبِكَ
كَلْبًا غَيْرَهُ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ
وَقَدْ قَتَلَهُ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ
اللَّهِ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى
غَيْرِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي (عن عدي بن حاتم)
بالحاء المهملة ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بفتح الحاء
المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء بعدها جيم أبي
طريف بالطاء المهملة المفتوحة آخره فاء الطائي الصحابي،
وكان ممن ثبت في الردّة وحضر فتوح العراق وحروب عليّ،
وأسلم سنة الفتح وأبوه حاتم هو المشهور بالجود وكان هو
أيضًا جوادًا، وعاش إلى سنة ثمان وستين فتوفي بها عن مائة
وعشرين سنة وقيل وثمانين (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سألت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) حكم (صيد
المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة وبعد الراء ألف فضاد
معجمة. قال النووي: خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة وقد
تكون بغير حديدة هذا هو الصحيح في تفسيره، وقال في
القاموس: سهم بل ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه
دون حدّه، وقال ابن دقيق العيد: عصا رأسها محدّد فإن أصاب
بحدّه أكل وإن أصاب بعرضه فلا. وقال ابن سيده: كابن دريد
سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض (قال) عليه
الصلاة والسلام ولأبي ذر فقال:
(ما أصاب) الصيد (بحدّه) أي بحدّ المعراض (فكله) لأنه ذكي
(وما أصاب) الصيد (بعرضه) بعرض المعراض (فهو وقيذ) بفتح
الواو وكسر القاف وبعد الياء الساكنة التحتية ذال معجمة
فعيل بمعنى مفعول ميت بسبب ضربه بالمثقل كالمقتول بعصا أو
حجر فلا تأكله فإنه حرام. قال عديّ: (وسألته) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن صيد الكلب؟ فقال: ما أمسك
عليك) بأن لا يأكل منه (فكل) منه (فإن أخذ الكلب) الصيد
بسكون الخاء المعجمة مصدر مضاف إلى فاعله ومفعوله محذوف
وهو الصيد كما ذكر وخبر إن قوله (ذكاة) له فيحل أكله كما
يحل أكل المذكاة (وإن) ولأبي ذر وابن عساكر فإن (وجدت مع
كلبك) الذي أرسلته ليصطاد (أو) مع (كلابك كلبًا غيره)
استرسل أو أرسله مجوسي أو وثني أو مرتدّ (فخشيت أن يكون)
الكلب الذي لم ترسله (أخذه) أي أخذ الصيد (معه) مع الذي
أرسلته (وقد قتله فلا تأكل) منه (فإنما ذكرت اسم الله على
كلبك ولم تذكره على غيره) ولأبي ذر: ولم تذكر بحذف الضمير،
وفي بعض طرق الحديث كما في الباب اللاحق وغيره: إذا أرسلت
كلبك وسميت فكُل، وفي أخرى إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت
اسم الله فكُل، ففيه مشروعية التسمية وهي محل وفاق، لكنهم
اختلفوا هل هي شرط في حل الأكل فذهب الشافعي في جماعة وهي
رواية عن مالك وأحمد إلى السنية فلا يقدح ترك التسمية،
وذهب أحمد في الراجح عنده إلى الوجوب لجعلها شرطًا في حديث
عدي، وذهب أبو حنيفة ومالك والجمهور إلى الجواز عند السهو،
وفيه أنه لا يحل أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده
ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة
فإن تحقق أنه أرسله
(8/256)
من هو أهل للذكاة حل ثم ينظر فإن أرسلا
معًا فهو لهما وإلاَّ فللأول، ويؤخذ ذلك من التعليل في
قوله فإنما سميت على كلبك ولم تسمي على غيره، فإن مفهومه
أن المرسل إذا سمى على الكلب حلّ.
وهذا الحديث سبق في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان من
غير ذكر المعراض من الطهارة، وفي باب تفسير المشبهات من
البيوع، ورواه مسلم في الصيد وكذا الترمذي والنسائي وابن
ماجة.
2 - باب صَيْدِ الْمِعْرَاضِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ:
تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ. وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ
وَمُجَاهِدٌ
وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَكَرِهَ الْحَسَنُ
رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالأَمْصَارِ، وَلاَ
يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ.
(باب) حكم (صيد المعراض) بفتح الصاد، وفي اليونينية
بكسرها.
(وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله البيهقي من
طريق أبي عامر العقدي عن زهير هو ابن محمد عن زيد بن أسلم
عن ابن عمر أنه كان يقول (في المقتولة بالبندقة تلك
الموقوذة) لأنها مقتولة بمثقل لا بمحدّد (وكرهه) أي
المقتول بالبندقة (سالم) أي ابن عبد الله بن عمر (والقاسم)
بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- مما وصله عنهما
ابن أبي شيبة من طريق الثقفي عن ابن عمر عنهما (ومجاهد) أي
ابن جبر المفسر مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا عن ابن
المبارك عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، (وإبراهيم)
النخعي مما أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن حفص عن الأعمش
عنه، (وعطاء) أي ابن أبي رباح مما أخرجه عبد الرزاق عن ابن
جريج عنه، (والحسن) البصري مما أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد
الأعلى عن هشام عنه وألفاظهم متقاربة (وكره الحسن) البصري
أيضًا (رمي البندقة في القرى والأمصار) خوف إصابة الناس
(ولا يرى به) بالرمي بالبندقة (بأسًا فيما سواه) من
الصحراء والأمكنة الخالية من الناس لانتفاء المحذور فيها.
5476 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ:
«إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ
بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ».
فَقُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ
كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ». قُلْتُ: فَإِنْ أَكَلَ؟
قَالَ: «فَلاَ تَأْكُلْ. فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ
عَلَيْكَ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ:
أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ:
«لاَ تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى
كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي الأزديّ
البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد
الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء سعيد الهمدانيّ
الكوفيّ (عن الشعبيّ) عامر بن شراحيل أنه (قال: سمعت عديّ
بن حاتم -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المعراض) أي عن حكم الصيد
به وهو خشبة في رأسها كالزج يلقيها الفارس على الصيد فربما
أصابته الحديدة فقتلته وأراقت دمه فيجوز أكله كالسيف
والرمح وربما أصابته الخشبة فترضه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إذا أصبت) الصيد (بحدّه) بحد المعراض (فكُل) فإنه ذكاته
(فإذا أصاب) المعراض الصيد (بعرضه) أي بغير طرفه المحدد
ولأبي ذر لماذا أصبت بعرضه (فقتل فإنه وقيذ) لأنه في معنى
الخشبة الثقيلة أو الحجر. قال في القاموس: الوقذ شدّة
الضرب وشاة وقيذ وموقوذة قتلت بالخشبة (فلا تأكل) لأنه
ميتة قال عدي: (فقلت) يا رسول الله (أرسل كلبي قال) عليه
الصلاة والسلام:
(إذا أرسلت كلبك) أي المعلم كما في رواية أخرى (وسميت)
الله عز وجل (فكُل) فيه تعليق حل الأكل على الإرسال
والتسمية.
ومبحث ذلك قد مرّ قريبًا في الباب السابق، واحتجوا له بأن
المعلق بالوصف منفيّ عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم
والشرط أقوى من الوصف ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل
تحريم الميتة وما أذن فيه منها يراعى صفته فالمسمى عليه
وافق الوصف وغير المسمى عليه باقٍ على أصل التحريم، وفي
قوله: إذا أرسلت اشتراط الإرسال للحل. قال عدي: (قلت) يا
رسول الله (فإن أكل) الكلب من الصيد، (قال) عليه الصلاة
والسلام: (فلا تأكل فإنه) أي الكلب (لم يمسك عليك) أي لم
يحبسه لك، قال في الأساس: أمسك عليك زوجك وأمسكت عليه ماله
حبسته (إنما أمسك) الصيد (على نفسه) بأكله منه (قلت أرسل)
بضم الهمزة وفي اليونينية بفتحها (كلبي فأجد معه كلبًا
آخر) استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة (قال)
عليه الصلاة والسلام: (لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك
ولم تسم على) كلب (آخر) ولأبي ذر وابن عساكر: على الآخر.
وهذا مذهب الجمهور وهو الراجح من قولي الشافعي.
وفي القديم وهو قول مالك يحلّ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جدّه عند أبي داود أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة
قال: يا رسول الله إن لي كلابًا
(8/257)
مكلبة فأفتني في صيدها. قال: "كل مما أمسكن
عليك" قال: وإن أكل منه؟ قال: "وإن أكل منه" لكن في رجاله
من تكلم فيه فالمصير إلى حديث عدي المروي في الصحيحين أولى
لا سيما مع اقترانه بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف
الإمساك على نفسه المتأيد بأن الأصل في الميتة التحريم،
فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل، وظاهر القران
أيضًا. ولئن سلمنا صحته فهو محمول على ما إذا أطعمه صاحبه
منه أو أكل منه بعد ما قتله وانصرف، وسيكون لنا عودة لذكر
شيء من هذه المسألة في باب: إذا أكل الكلب إن شاء الله
تعالى.
3 - باب مَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ
(باب) حكم (ما أصاب المعراض) من الصيد (بعرضه).
5477 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُرْسِلُ
الْكِلاَبَ الْمُعَلَّمَةَ. قَالَ: «كُلْ مَا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكَ». قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ. قَالَ: وَإِنْ
قَتَلْنَ». قُلْتُ: وَإِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ
قَالَ: «كُلْ مَا خَزَقَ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ
تَأْكُلْ».
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة ولأبي ذر قتيبة قال:
(حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن
إبراهيم) النخعي (عن همام بن الحارث) بفتح الهاء وتشديد
الميم الأولى
النخعي الكوفي والألف واللام في الحارث للمح الصفة (عن عدي
بن حاتم -رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت: يا رسول الله إنا
نرسل الكلاب المعلمة) للصيد والمعلمة بفتح اللام المشددة
هي التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته إذا زجرها
انزجرت إذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها فلا تأكل من لحمه
أو نحوه كجلده وحشوته قبل قتله أو عقبه مع تكرر لذلك يظن
به تأديبها ومرجعه أهل الخبرة بالجوارح (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(كل ما أمسكن عليك. قلت وإن قتلن. قال: وإن قتلن). جواب
الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي وإن قتلن تأمرني بأكله؟
قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وإن قتلن فكل
إذ هو ذكاته ما لم يشركها كلب ليس منها" وعند أبي داود "ما
علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما
أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟ قال: "إذا قتل ولم يأكل منه".
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بصيد
البزاة والصقور بأسًا اهـ.
وفيه التسوية في الشروط المذكورة بين جارحة السباع وجارحة
الطير وهو ما نص عليه الشافعي كما نقله البلقيني كغيره ولم
يخالفه أحد من الأصحاب وكلام الروضة وأصلها يخالف ذلك حيث
خصّها بجارحة السباع وشرط في جارحة الطير ترك أكل فقط. قال
عدي:
(قلت) يا رسول الله (وإنا نرمي) الصيد (بالمعراض) بكسر
الميم والباء باء الآلة وهو قول الخليل وأتباعه سهم لا ريش
له ولا نصل وقال النووي: كالقاضي عياض وقال القرطبي: إنه
المشهور خشبة ثقيلة آخرها عصًا محدد رأسها وقد لا يحدد
وسبق ذلك مع غيره قريبًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (كُل)
بسكون اللام مخففة (ما خزق) بالخاء والزاي المعجمتين
المفتوحتين المخففتين آخره قاف جرح ونفذ وطعن فيه قاله في
الكواكب، وقال في القاموس: خزقه يخزقه طعنه فانخزق والخازق
السنان، وقال في المطالع: خزق المعراض شق اللحم وقطعه (وما
أصاب بعرضه) بغير طرفه المحدد (فلا تأكل) فإنه ميتة.
4 - باب صَيْدِ الْقَوْسِ. وَقَالَ الْحَسَنُ
وَإِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ
أَوْ رِجْلٌ لاَ تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ، وَتَأْكُلُ
سَائِرَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ
أَوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ، وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدٍ:
اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ حِمَارٌ،
فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا
مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ
(باب) حكم (صيد القوس) قال في القاموس: القوس معروفة وقد
يذكر تصغيرها قويسة وقويس والجمع قسى وقسي وأقواس وقياس.
(وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح
(وإبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا بلفظ
حدّثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة
(إذا ضرب)
الرجل (صيدًا فبان) فقطع (منه يد أو رجل لا يأكل الذي بان)
أي الذي قطع لأنه أبين من حي سواء ذبحه بعد الإبانة أم
جرحه ثانيًا أم ترك ذبحه بلا تقصير ومات بالجرح (ويأكل
سائره) إذا مات، ولأبي ذر عن المستملي والحموي وكل بالجزم
على الأمر. (وقال إبراهيم) النخعي أيضًا (إذا ضربت عنقه)
أي عنق الصيد (أو وسطه) بفتح السين (فكله. وقال الأعمش)
سليمان بن مهران مما وصله ابن أبي شيبة (عن زيد) أي ابن
وهب أنه قال: (استعصى على رجل من آل عبد الله) بن مسعود،
ولأبي ذر: على آل عبد الله أي ابن مسعود (حمار)
(8/258)
وحشي (فأمرهم) عبد الله (أن يضربوه حيث
تيسر) وقال: (دعوا ما سقط منه وكلوه).
5478 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا
حَيْوَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ
الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي
ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ
اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابِ،
أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ
بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ،
وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ:
«أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ
وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ
لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. وَمَا
صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا
صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ. فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ
فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ
فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ». [الحديث 5478 - أطرافه
في: 5488، 5496].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة المقرئ أبو
عبد الرحمن مولى عمر بن الخطاب القرشي العدوي قال: (حدّثنا
حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو بعدها
تاء تأنيث ابن شريح بالشين المعجمة المضمومة والراء
المفتوحة آخره حاء مهملة المصري (قال: أخبرني) الإفراد
(ربيعة بن يزيد) من الزيادة (الدمشقي عن أبي إدريس) عائذ
الله بالذال المعجمة الخولاني (عن أبي ثعلبة) بالمثلثة
أوّله واسمه جرثوم عند الأكثر (الخشني) بالخاء المضمومة
والشين المعجمتين -رضي الله عنه- أنه (قال: قلت يا نبي
الله إنّا) يريد نفسه وقبيلته وهي خشين بطن من قضاعة كما
قاله البيهقي والحازمي وغيرهما (بأرض قوم أهل كتاب) ولأبي
ذر: من أهل الكتاب بالشام والجملة معمولة للقول (أفنأكل في
آنيتهم) التي يطبخون فيها الخنزير ويشربون فيها الخمر،
وعند أبي داود إنّا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم
ويشربون في آنيتهم الخمر، والهمزة في أفنأكل للاستفهام
والفاء عاطفة أي أتأذن لنا فنأكل في آنيتهم أو زائدة لأن
الكلام سيق للاستخبار وآنية جمع إناء كسقاء وأسقية وجمع
الآنية أوان (وبأرض صيد) من باب إضافة الموصوف إلى صفته
لأن التقدير بأرض ذات صيد فحذف الصفة وأقام المضاف إليه
مقامها وأحل المعطوف محل المعطوف عليه (أصيد بقوسي) جملة
مستأنفة لا على لها من الإعراب أي أصيد فيها بسهم قوسي (و)
أصيد فيها (بكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح
لي) أكله من ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام:
(أما) بالتشديد حرف تفصيل (ما) موصول في موضع رفع مبتدأ
صلته (ذكرت) أي ذكرته فالعائد محذوف (من) آنية (أهل
الكتاب) وخبر المبتدأ (فإن وجدتم) أصبتم (غيرها) غير آنية
أهل الكتاب (فلا تأكلوا فيها) إذ هي مستقذرة ولو غسلت كما
يكره الشرب في المحجمة ولو غسلت استقذارًا (وإن لم تجدوا)
غيرها (فاغسلوها وكلوا فيها) رخصة بعد الحظر من غير كراهة
للنهي عن الأكل فيها مطلقًا وتعليق الإذن على عدم غيرها مع
غسلها وفيه دليل لمن قال: إن الظن المستفاد من الغالب راجح
على الظن المستفاد من الأصل، وأجاب من قال: بأن الحكم
للأصل حتى تتحقق النجاسة بأن الأمر بالغسل محمول على
الاستحباب احتياطًا جمعًا بينه وبين ما دل على التمسك
بالأصل، وأما الفقهاء فإنهم يقولون إنه لا كراهة في
استعمال أواني الكفار التي ليست مستعملة في النجاسة ولو لم
تغسل عندهم وإن كان الأولى الغسل للاحتياط لا لثبوت
الكراهة في ذلك (وما صدت بقوسك فذكرت) بالفاء ولأبي ذر
بالواو؟ (اسم الله) عليه ندبًا وما شرطية وفاء فذكرت عاطفة
على صدت وفي (فكُل) جواب الشرط وتمسك بظاهره من أوجب
التسمية على الصيد والذبيحة وسبق ما فيه (وما صدت بكلبك
المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم) بنصب
غير وخفضها (فأدركت ذكاته فكل).
5 - باب الْخَذْفِ وَالْبُنْدُقَةِ
(باب) حكم (الخذف) بالخاء والذال المعجمتين والفاء وهو كما
في المطالع وغيرها الرمي بحصى أو نوى بين سبابتيه وبين
الإبهام والسبابة (و) حكم (البندقة) المتخذة من الطين
وتيبس فيرمى بها.
5479 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ
عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ
رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ،
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَانَ يَكْرَهُ
الْخَذْفَ. وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ
وَلاَ يُنْكَأ بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ
السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ. ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ
ذَلِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ
نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ وَأَنْتَ
تَخْذِفُ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يوسف بن
راشد) القطان الرازي نزيل بغداد نسبه إلى جده لشهرته به
واسم أبيه موسى قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف
ابن الجراح الكوفي (ويزيد بن هارون) من الزيادة الواسطي
(واللفظ ليزيد) لا لوكيع (عن كهمس) بفتح الكاف والميم
بينهما هاء ساكنة وآخره مهملة (ابن الحسن) التميمي نزيل
البصرة (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة مصغرًا ابن
الحصيب الأسلمي (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح
الغين المعجمة والفاء المشددة المزني نزيل البصرة -رضي
الله عنه- (أنه رأى رجلًا) لم أعرف اسمه، وزاد
مسلم من
(8/259)
أصحابه وله أيضًا أنه قريب لعبد الله بن
مغفل (يخذف) يرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه والمخذفة خشبة
يحذف بها والمقلاع قاله في القاموس (فقال له) ابن مغفل
وسقط لفظ له لابن عساكر (لا تحذف فإن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الخذف أو) قال: (كان
يكره الخذف) بالشك. وفي رواية أحمد عن وكيع نهى عن الخذف
بغير شك وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك وبين أن
الشك من كهمس (وقال: إنه لا يصاد به صيد) لأنه يقتل بقوّة
الرامي لا بحد البندقة فكل ما قتل بها حرام باتفاق إلا من
شذ (ولا ينكأ به عدوّ) بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف
مهموزًا ولغير أبي ذر ولا ينكى بضم الياء وفتح الكاف بلا
همز كذا في الفرع كأصله، لكن قال القاضي عياض: الرواية
بفتح الكاف وهمزة في آخره وهي لغة والأشهر بكسر الكاف بغير
همزة ومعناه المبالغة في الأذى، (ولكنها) أي البندقة أو
الرمية (قد تكسر السن وتفقأ العين ثم رآه بعد ذلك يخذف
فقال له: أحدثك عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف لا
أكلمك كذا وكذا).
وعند مسلم من رواية سعيد بن جبير: لا أكلمك أبدًا وإنما
فعل ذلك لأنه خالف السنة ولا يدخل في النهي عن الهجران فوق
ثلاث لأنه لمن هجر لحظ نفسه، والمعنى في النهي عن الخذف
لما فيه من التعريض للحيوان بالتلف لغير مأكلة وهو منهي
عنه، فلو أدرك ذكاة ما رمى بالبندق ونحوه فيحل أكله، ومن
ثم اختلف في جوازه فصرح في الذخائر بمنعه وبه أفتى ابن عبد
السلام وجزم النووي بحله لأنه طريق إلى الاصطياد والتحقيق
التفصيل، فإن كان الأغلب من حال الرامي ما ذكر في الحديث
امتنع وإلاّ جاز.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح، والنسائي في الدّيات.
6 - باب مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ
أَوْ مَاشِيَةٍ
(باب من اقتنى) أي اتخذ (كلبًا) والقنية للشيء اتخاذه
وادّخاره عنده (ليس بكلب صيد أو ماشية).
5480 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ
مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ
عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ». [الحديث 5480 - أطرافه في: 5481،
5482].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال:
(حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بالقاف والسين
المهملة الساكنة قال: (حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت
ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من اقتنى) أي ادّخر عنده (كلبًا ليس بكلب ماشية) يحرسها
(أو) كلب جماعة (ضارية) فهو
استعارة صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب الضارية على
الصيد يقال: ضرس على الصيد ضراوة أي تعوّد ذلك واستمر
عليه، وضري الكلب وأضراه صاحبه أي عوّده وأغراه بالصيد
والجمع ضوار أو هو من باب التناسب إذ كان الأصل هنا أن
يقول أو ضار لكنه أنث للتناسب للفظ ماشية نحو: لا دريت ولا
تليت وكان حقه أن يقول تلوت (نقص) بلفظ الماضي (كل يوم) في
كل يوم (من عمله قيراطان) لامتناع دخول الملائكة منزله أو
لما يلحق المارة من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم،
وللأصيلي وابن عساكر: قيراطين بالياء بعد الطاء بدل الألف
لأن نقص يستعمل لازمًا ومتعديًا باعتبار اشتقاقه من
النقصان والنقص، فنصب قيراطين على أنه معتد وفاعله ضمير
يعود على الاقتناء المفهوم من قوله: اقتنى كلبًا والرفع
على أنه لازم أو على أنه معتد مبني للمفعول والأخير ثابت
في غير الفرع والقيراط في الأصل نصف دانق، والمراد به هنا
مقدار معلوم عند الله أي نقص جزأين من أجزاء عمله.
وسبق في المزارعة من حديث أبي هريرة قيراط بلفظ الإفراد
وجمع بينهما باحتمال أن يكون ذلك في نوعين من الكلاب:
أحدهما أشد أذى من الآخر أو باختلاف المواضع فيكون
القيراطان في المدائن والقرى والقيراط في البوادي أو كان
في زمانين فذكر القيراط أولًا ثم زاد التغليظ فذكر
القيراطين.
5481 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:
سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا
إِلاَّ كَلْبٌ ضَارٍ لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ
فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ
قِيرَاطَانِ».
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) البلخي قال: (أخبرنا
حنظلة بن أبي سفيان) الأسود بن عبد الرحمن (قال: سمعت
سالمًا يقول: سمعت عبد الله بن عمر) وسقط لأبي ذر لفظ عبد
الله -رضي الله عنه- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(8/260)
يقول) في محل الحال من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الفارسي: مفعول ثانٍ
لسمع.
(من اقتنى كلبًا إلا كلب) أي غير كلب (ضار لصيد) بتنوين
كلب مع الرفع وضار بلا ياء كذا في الفرع كأصله يعني صفة
لكلب، وفي غير الفرع وأصله: إلا كلب ضار بفتح كلب بلا
تنوين مضاف لضار من إضافة الموصوف إلى صفته للبيان نحو شجر
الأراك أو ضار صفة للرجل الصائد أي إلا كلب الرجل المعتاد
للصيد، وفي بعض النسخ ضاري بإثبات الياء على اللغة القليلة
في إثباتها مع حذف الألف واللام، ولأبي ذر في الفرع وأصله:
إلا كلبًا ضارَيًا بإثبات الياء مع النصب فيهما وهو واضح،
وإلا بمعنى غير صفة لكلب لتعذر الاستثناء ويجوز أن تنزل
النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء أي غير كلب صيد، وقيد
ابن الحاجب مجيئها صفة بأن تكون تابعة لجمع منكور غير
محصور كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}
[الأنبياء: 22] وكذلك هي هنا لأن قوله كلب أراد به جنس
الكلاب.
فإن قلت: كيف يصح أن تكون إلا صفة وهي حرف وإن كانت بمعنى
غير والحرف لا يوصف ولا يوصف به والواقع بعد إلا قوله الله
وهو اسم علم والعلم يوصف ولا يوصف به؟ أجيب: بأن شرط الصفة
أن تكون اسمًا لأنها من خواص الأسماء وأن يكون في ذلك
الاسم عموم ومعنى فعل وكل واحدة من هاتين الكلمتين على
انفرادهما عارٍ من هذا الشرط فإذا اجتمعا أدّى زيد مثلًا
معنى الاسمية وأدّت إلا معنى المغايرة فقاما مقام الصفة
بمجموعهما بخلاف انفرادهما ألا ترى أنك تقول: دخلت إلى رجل
في الدار فيكون الحرف مع الاسم في موضع الصفة لرجل وكل
واحد منهما على انفراده لا يجوز أن يكون صفة.
(أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان) بالرفع
فاعل ينقص ولابن عساكر: بالنصب على استعمال نقص متعديًّا
وظاهر قوله من أجره أن النقص ليس في العمل بل في الأجر،
ويحتمل أن النقص في الأجر بالتبعية لنقص العمل على معنى
أنه لم يوفق لتمامه بل وقع مختلاًّ بمقدار القيراطن من
العمل.
5482 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ
كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ
يَوْمٍ قِيرَاطَانِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام الأعظم (عن نافع عن عبد الله بن عمر) سقط
لابن عساكر لفظ عبد الله أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو ضار) بحذف الياء مع
التخفيف كقاض أي أو كلب ضار لصيد ولأبي ذر والأصيلي ضاريًا
بإثبات الياء والنصب أي إلا كلبًا ضاريًا (نقص من عمله كل
يوم قيراطان). زاد مسلم في حديث الباب من طريق سالم عن
أبيه عبد الله بن عمر، وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرث،
وكان صاحب حرث. وفي حديث أبي هريرة في باب إذا وقع الذباب
في شراب أحدكم إلا كلب حرث أو ماشية. واستشكل الجمع بين
حصري الحديثين إذ مقتضاهما التضاد من حيث إن في حديث الباب
الحصر في الماشية والصيد، ويلزم منه إخراج كلب الزرع، وفي
حديث أبي هريرة الحصر في الحرث والماشية ويلزم منه إخراج
كلب الصيد. وأجاب في الكواكب: بأن مدار أمر الحصر على
المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام
الأول اقتضى استثناء كلب الصيد والثاني اقتضى استثناء كلب
الحرث فصارًا مستثنيين ولا منافاة في ذلك، ولمسلم من طريق
الزهري عن أبي سلمة: إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، ولمسلم
أيضًا والنسائي من وجه آخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة بلفظ: "من اقتنى كلبًا ليس كلب صيد ولا ماشية
ولا أرض فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان".
قال في الفتح: زيادة الزرع أنكرها ابن عمر ففي مسلم من
طريق عمرو بن دينار عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم، فقيل
لابن عمر إن أبا هريرة يقول: أو
كلب زرع. فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعًا، ويقال إن ابن
عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وإن سبب
حفظه لهذه الزيادة دونه أنه كان صاحب زرع دونه ومن كان
مشتغلًا
(8/261)
بشيء احتاج إلى تعرف أحواله.
7 - باب إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ
مُكَلِّبِينَ} الصَّوَائِدُ وَالْكَوَاسِبُ اجْتَرَحُوا
اكْتَسَبُوا {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ
اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} -إِلَى
قَوْلِهِ- {سَرِيعُ الْحِسَابِ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إِنَّمَا
أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ:
{تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}
فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ. وَكَرِهَهُ ابْنُ
عُمَرَ. وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ
يَأْكُلْ فَكُلْ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أكل الكلب) أي من الصيد حرم أكله
ولو كان الكلب معلمًا واستؤنف تعليمه كما في المجموع لفساد
التعليم الأول من حينه لا من أصله.
(وقوله تعالى: {يسألونك}) في السؤال معنى القول فلذا وقع
بعده ({ماذا أُحل لهم}) كأنه قيل يقولون لك ماذا أحل لهم
وإنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوا لأن يسألونك
بلفظ الغيبة كقولك: أقسم زيد ليفعلن ولو قيل لأفعلن وأحل
لنا لكان صوابًا، وماذا مبتدأ وأحل لهم خبره كقولك: أيّ
شيء أحل لهم ومعناه ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلي
عليهم ما حرم عليه من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم
منها فقال: ({قل أحل لكم الطيبات}) أي ما ليس بخبيث منها
وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس
({وما علمتم}) عطف على الطيبات أي أحل لكم الطيبات وصيد ما
علمتم فحذف المضاف ({من الجوارح}) أي من الكواسب من سباع
البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر
والباز والشاهين وسقط لأبي ذر قوله قل أحل لهم الخ وقال:
بعد قوله: {أحل لهم} الآية ({مكلبين}) حال من علمتم،
وفائدة هذه الحال مع أنه استغنى عنها بعلمتم أن يكون من
يعلم الجوارح موصوفًا بالتكليب والمكلب مؤدب الجوارح
ومعلمها مشتق من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب
فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو لأن السبع يسمى كلبًا أو
من الكلب الذي بمعنى الضراوة يقال: هو كلب كذا إذا كان
ضاربًا به.
(الصوائد) جمع صائدة (والكواسب) جمع كاسبة صفة قال العيني:
للجوارح، وقال ابن حجر: للكلاب، وسقطت الواو الأولى لأبي
ذر عن الحموي والمستملي أي الكلاب الصوائد.
(اجترحوا) أي (اكتسبوا) كذا فسرها أبو عبيد ذكرها المؤلّف
استطرادًا إشارة إلى أن الاجتراح يطلق على الاكتساب، وليس
من الآية المسوقة هنا بل معترض بين: مكلبين وتعلمونهن.
({تعلمونهن مما علمكم الله}) من علم التكليب ({فكلوا مما
أمسكن عليكم}) الإمساك أن لا يأكل منه فإن أكل منه لم يؤكل
إذا كان صيد كلب ونحوه فأما صيد البازي ونحوه فأكله لا
يحرمه (-إلى قوله- {سريع الحساب}) [المائدة: 4] يحاسبكم
على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث وسقط لأبي ذر {تعلمونهن}
إلى آخره.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله سعيد بن
منصور: (إن أكل الكلب) مما صاده (فقد أفسده) على صاحبه
بإخراجه عن صلاحيته للأكل لأنه (إنما أمسك على نفسه) بأكله
منه (والله) تعالى (يقول: {تعلمونهن مما علمكم الله}
فتضرب) على الأكل مما اصطادته (وتعلم حتى تترك) الأكل.
(وكرهه) أي الصيد الذي أكل منه الكلب (ابن عمر) -رضي الله
عنهما- وهذا وصله ابن أبي شيبة. (وقال عطاء): هو ابن أبي
رباح فيما وصله ابن أبي شيبة (إن شرب) الكلب (الدم) مما
صاده (ولم يأكل) من لحمه أو نحوه كجلده وحشوته (فكل).
5483 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ:
إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ، فَقَالَ:
«إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ
اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ
قَتَلْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنِّي
أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ،
وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ
تَأْكُلْ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا محمد
بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي
مولاهم الحافظ أبو عبد الرحمن (عن بيان) بفتح الموحدة
والتحتية مخففًا ابن بشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة
الأحمسي بمهملتين بينهما ميم (عن الشعبي) عامر بن شراحيل
(عن عدي بن حاتم) أنه (قال: سألت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت): يا رسول الله (إنا قوم
نصيد) بنون بعدها صاد وفي باب ما جاء في التصيد بزيادة
فوقية بعد النون (بهذه الكلاب) أفيحل لنا أكل ما نصيد بها؟
(فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر قال:
(إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكُل مما أمسكن
عليكم وإن قتلن) فيه إشعار بأنها إذا استرسلت بنفسها أو
كانت غير معلمة لا يحل، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن
عساكر: مما أمسكن عليك بإسقاط ميم الجمع (إلا أن يأكل
الكلب) منه (فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) لأن
الله تعالى قال: {فكلوا مما أمسكن
(8/262)
عليكم} [المائدة: 4] فإنما أباحه بشرط أن
يعلم أنه أمسكه عليه وإذا أكل منه كان دليلًا على أنه
أمسكه على نفسه، وقيل يحل وإن أكل منه لظاهر قوله تعالى:
{فكلوا مما أمسكن عليكم} والباقي بعد أكله قد أمسكه علينا
فحل لظاهر الآية، ولحديث أبي داود السابق ذكره في باب صيد
المعراض. قال الشافعي في المبسوط: والقياس يدل عليه لأن
الكلب إذا عقر الصيد وقتله فقد حصلت الذكاة فأكله منه بعد
حصول ذكاته لا يمنع من أكله كما إذا ذكّى المسلم صيدًا ثم
أكل منه الكلب، وهذا ما نص عليه في التقديم،
وأومأ إليه في الجديد بالقياس وأجيب عن الآية بأن الحديث
دل على أنه إذا أكل فقد أمسك لنفسه، وعن الحديث أبي داود
المذكور بأنه تكلم فيه كما سبق مع غيره في الباب المذكور
(وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل) أي لأنه إنما سمى على
كلابه، ولم يسمّ على غيرها كما صرح به فيما سبق.
8 - باب الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ
ثَلاَثَةً
(باب) حكم (الصيد إذا غاب عنه) أي عن الصائد (يومين أو
ثلاثة).
5484 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ
الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه-
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ
وَقَتَلَ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا
أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِذَا خَالَطَ كِلاَبًا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ
فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَيُّهَا قَتَلَ.
وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ
أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلاَّ أَثَرُ سَهْمِكَ
فَكُلْ. وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلاَ تَأْكُلْ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
ثابت بن يزيد) من الزيادة وثابت بالمثلثة الأحول البصري
قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (عن الشعبي) عامر بن
شراحيل (عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد ابن الجواد (-رضي
الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(إذا أرسلت كلبك) أي المعلم الذي إذا أشلي استشلى وإذا زجر
انزجر وإذا أخذ لم يأكل مرارًا (وسميت) الله تعالى حالة
إرسالك كلبك (فأمسك) الصيد (وقتلـ) ـه (فكلـ) ـه فإن أخذه
ذكاة له (وإن أكل) الكلب منه (فلا تأكل فإنما أمسك على
نفسك وإذا خالط) كلبك (كلابًا لم يذكر اسم الله عليها) بأن
أرسلها من ليس من أهل الذكاة (فأمسكن وقتلن) الكلاب الصيد
ولأبي ذر فقتلن بالفاء بدل الواو (فلا تأكل فإنك لا تدري
أيها قتل) فلو تحقق أنه أرسله من هو أهل للذكاة حل أو وجده
حيًّا فذكّاه حل أيضًا لأن الاعتماد في الإباحة على
التذكية لا على الإمساك من الكلب (وإن رميت الصيد) بسهمك
وغاب عنك (فوجدته بعد يوم أو يومين ليس له إلا أثر سهمك
فكل) فإن وجد به أثر سهم رامٍ آخر أو مقتولًا بغير ذلك فلا
يحل أكله مع التردّد، وعند الترمذي والنسائي من حديث سعيد
بن جبير عن عدي بن حاتم إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد به أثر
سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل منه. قال الرافعي: يؤخذ منه
أنه لو جرحه ثم غاب ثم جاء فوجده ميتًا أنه لا يحل وهو
ظاهر نص الشافعي في المختصر، قال النووي في الروضة: الحل
أصح دليلًا وصححه أيضًا الغزالي في الإحياء وثبتت فيه
الأحاديث الصحيحة ولم يثبت في التحريم شيء وعلق الشافعي
الحل على صحة الحديث والله أعلم اهـ.
وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال، في قول ابن
عباس: كل ما أصميت ودع
ما أنميت يعني ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت
ما غاب عنك مقتله قال: وهذا عندي لا يجوز غيره إلا أن يكون
جاء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه شيء
فيسقط كل شيء خالف أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولا يقوم معه رأي ولا قياس. قال البيهقي: وقد
ثبت الخبر بمعنى حديث الباب فينبغي أن يكون هو قول
الشافعي.
(وإن وقع) الصيد (في الماء فلا تأكل) لاحتمال هلاكه بغرقه
في الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء
إلا بعد أن قتله السهم، حل أكله، وفي مسلم فإنك لا تدري
الماء قتله أو سهمك فدلّ على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي
قتله يحل.
5485 - وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ
عَامِرٍ عَنْ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْمِي الصَّيْدَ
فَيَقْتَفِرُ أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ ثُمَّ
يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ قَالَ: «يَأْكُلُ إِنْ
شَاءَ».
(وقال عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة فيما
وصله أبو داود (عن داود) بن أبي هند (عن عامر) الشعبي (عن
عدي) هو ابن حاتم الطائي -رضي الله عنه- (أنه قال للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إنه (يرمي الصيد)
بسهمه (فيقتفر أثره اليومين والثلاثة) بقاف ساكنة ففوقية
مفتوحة ففاء مكسورة فراء، ولابن عساكر وأبي ذر عن
الكشميهني: فيقتفي بتحتية بدل الراء، وعزاها في المطالع
للقابسي وهما بمعنى أي يتبع أثره، وفي الفتح بتقديم الفاء
على القاف أي يتبع فقاره حتى
(8/263)
يتمكن منه (ثم يجده ميتًا وفيه سهمه. قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يأكل) منه (إن شاء)
ولأبي داود من حديث أبي ثعلبة بسند فيه معاوية بن صالح:
إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن، فجعل
الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده مثلًا بعد ثلاثة ولم ينتن
حل وإن وجده بدونها وقد أنتن فلا. هذا ظاهر الحديث، وأجاب
النووي بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه. نعم إن تحقق
ضرره حرم كما لا يخفى.
9 - باب إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وجد) الصائد (مع الصيد كلبًا آخر)
غير الكلب الذي أرسله لا يحل أكله وذلك كان أرسل مجوسي
كلبًا لأن المرسل كالذابح والجارح كالسكين وذكاة المجوسي
التي انفرد بها أو شارك فيها لا تحل نظرًا لتغليب التحريم
على التحليل، وكذا الحكم فيما لو شاركه من تحل ذكاته
بجارحة غير معلمة أو بجارحة لا يعلم حالها إذ لا فرق بين
أن تكون الجارحة المشاركة لجارحة المرسل من نوعها أو من
غيره كما إذا أرسل أحدهما كلبًا والآخر فهدًا أو بازًا،
وكذا لو أرسل أحدهما جارحة والآخر سهمًا ولو رميًا سهمين
أو أرسلا كلبين، وسبق ما للمسلم وقتل الصيد أو أنهاه إلى
حركة المذبوح كان حلالًا.
5486 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَرْسَلْتَ
كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ
فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا
أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ: إِنِّي أُرْسِلُ
كَلْبِي أَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لاَ أَدْرِي
أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، فَقَالَ: «لاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا
سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ».
وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: «إِذَا
أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ
فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن عبد الله بن أبي السفر) الهمداني (عن الشعبي)
عامر (عن عدي بن حاتم) الطائي -رضي الله عنه- أنه (قال:
قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي) أي المعلم (وأسمي) الله
تعالى مع إرساله أفيحل في أكل ما صاده؟ (فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أرسلت كلبك) المعلم (وسميت) عند الإرسال (فأخذ) اليد
(فقتلـ) ـه (فأكل) منه (فلا تأكل) لا ناهية والفاء جواب
الشرط (فإنما أمسك على نفسه قلت): يا رسول الله (إني أرسل
كلبي) ثم (أجد) ولأبي الوقت فأجد (معه كلبًا آخر لا أدري
أيهما أخذه فقال) عليه الصلاة والسلام (لا تأكل فإنما سميت
على كلبك) الفاء في فإنما فيها معنى السببية أي لا تأكل
بسبب عدم تسميتك على غير كلبك وأكد ذلك بقوله (ولم تسم على
غيره) وهذا لا مفهوم له لأنه لو سمى على كلب غيره لم ينتفع
بذلك. قال عدي: (وسألته) (عن صيد المعراض) بكسر الميم
وسكون المهملة آخره ضاد معجمة وهو كما مر خشبة في رأسها
كالزج يلقيها على الصيد (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إذا أصبت) الصيد (بحده فكل) فإنه له ذكاة
(وإذا أصبت) الصيد (بعرضه فقتل فإنه وقيذ) بالذال المعجمة
ميتة (فلا تأكل).
10 - باب مَا جَاءَ فِي التَّصَيُّدِ
(باب ما جاء في التصيد) أي التكلف بالصيد والاشتغال به
للتكسب أكلًا وبيعًا مما بدل لمشروعيته أو إباحته.
5487 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ فُضَيْلٍ
عَنْ بَيَانٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ
نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ. فَقَالَ: «إِذَا
أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ
اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلاَّ أَنْ
يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ
يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ
خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ تَأْكُلْ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) غير منسوب وهو ابن سلام
قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد
المعجمة وهو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي (عن بيان)
بالموحدة وتخفيف التحتية ابن بشر الكوفي (عن عامر) الشعبي
(عن عدي بن حاتم) الطائي (رضي الله عنه) أنه (قال: سألت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: إنّا
قوم نتصيد) بفوقية بعد النون وهي موافقة للفظ الترجمة أي
نتكلف الصيد (بهذه الكلاب) أحلال ذلك أم لا (فقال -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أرسلت كلابك المعلمة) أي إذا أردت أن ترسل أو إذا
شرعت في الإرسال (وذكرت اسم الله) بأن قلت بسم الله (فكل
مما أمسكن عليك) زاد في باب إذا أكل الكلب وإن قتلن (إلا
أن يأكل الكلب) منه (فلا تأكل فإني أخاف أن يكون) الكلب
(إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها) أي الكلاب التي أرسلتها
(كلب من غيرها فلا تأكل) وفيه إباحة الاصطياد للبيع والأكل
وكذا للهو، ولكن بشرط قصد التذكية والانتفاع وكرهه مالك
رحمة الله تعالى عليه، وخالفه الجمهور فلو لم يقصد
الانتفاع به حرم لما فيه من إتلاف نفس عبثًا نعم إن لازمه
وأكثر منه كره لأنه قد يشغل عن بعض الواجبات وكثير من
المندوبات. وفي حديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعًا:
(8/264)
"من سكن البادية جفا ومن اتّبع الصيد غفل"
قيل وفي قوله كلابك أو كلبك جواز بيع كلب الصيد للإضافة.
وأجيب: بأنها إضافة اختصاص.
وهذا الحديث سبق في الباب المذكور.
5488 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ
حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ
يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ
أَهْلِ الْكِتَابِ، نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ
صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي
الْمُعَلَّمِ وَالَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا، فَأَخْبِرْنِي
مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «أَمَّا
مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ
تَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ
آنِيَتِهِمْ فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ
تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا. وَأَمَّا مَا
ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا صِدْتَ
بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وَمَا
صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ
ثُمَّ تَوَكَّلْ. وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ
مُعَلَّمًا فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن
حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو (ابن
شريح) بضم المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة، وسقط لغير
أبي ذر ابن شريح قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (أحمد بن
أبي رجاء) ضد الخوف قال: (حدّثنا سلمة بن سليمان) المروزي
(عن ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن حيوة بن شريح) سقط
ابن شريح لأبي ذر في هذه (قال: سمعت ربيعة بن يزيد) من
الزيادة (الدمشقي قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس عائذ
الله) بالذال المعجمة (قال: سمعت أبا ثعلبة) بالمثلثة
(الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين الصحابي المشهور
بكنيته اختلف في اسمه كأبيه (-رضي الله عنه- يقول: أتيت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له:
(يا رسول الله إنّا) يعني نفسه وقومه (بأرض قوم أهل
الكناب) يعني بالشام وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا
الشأم وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهراء وبطون من قضاعة
منهم بنو خشين آل بني ثعلبة (نأكل في آنيتهم وأرض صيد) أي
أرض ذات صيد (أصيد)
فيها (بقوسي) بسهم قوسي (وأصيد بكلبي المعلم و) بكلبي
(الذي ليس معلمًا فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك؟ فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أما) بالتشديد (ما ذكرت أنك) ولأبي ذر عن الكشميهني: من
أنك (بأرض قوم أهل الكتاب تأكل في آنيتهم فإن وجدتم) بميم
الجمع لم أنت وقومك (غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها) ولأبي ذر
عن المستملي فإن وجدت (وإن لم تجدوا) أي غيرها (فاغسلوها
ثم كلوا فيها) أخذ بظاهره ابن حزم فقال: لا يجوز استعمال
آنية أهل الكتاب إلا بشرطين أن لا يجد غيرها وأن يغسلها.
وأجيب: بأن الأمر بغسلها عند فقد غيرها دال على طهارتها
بالغسل والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في
التنفير عنها (وأما ما ذكرت أنك) ولأبي ذر عن الكشميهني من
أنك (بأرض صيد فما صدت بقوسك) بسهم قوسك (فاذكر اسم الله)
الفاء عاطفة (ثم كل) ما صدت وما من فما في موضع نصب مفعول
مقدم (وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كُل وما صدت
بكلبك الذي ليس معلمًا) ولابن عساكر ليس بمعلم بزيادة
الباء (فأدركت ذكاته) أي أدركته حيًّا فذبحته (فكل).
5489 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَنْفَجْنَا
أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْهَا
حَتَّى لَغِبُوا، فَسَعَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى
أَخَذْتُهَا، فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ،
فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا، فَقَبِلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني)
بالإفراد (هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك (عن) جده (أنس
بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: أنفجنا) بهمزة مفتوحة
فنون ساكنة ففاء مفتوحة فجيم ساكنة بعدها نون فألف أثرنا
(أرنبًا) هو حيوان قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة
(بمر الظهران) موضع بقرب مكة (فسعوا عليها حتى لغبوا) بكسر
الغين المعجمة بعد اللام أو الصواب فتحها، ولأبي ذر عن
الكشميهني تعبوا بفوقية وعين مهملة مكسورة بدل اللام
والمعجمة ومعناهما واحد (فسعيت عليها حتى أخذتها فجئت بها
إلى أبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس (فبعث إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوركها) ولأبي ذر عن
الكشميهني بوركيها بالتثنية (وفخذيها) بالتثنية ولأبي ذر
أو فخذيها (فقبله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ومطابقة الحديث لما ترجم له في قوله: فسعوا عليها حتى
لغبوا يعني تعبوا إذ فيه معنى التصيد وهو التكلف للاصطياد.
وفي حديث ابن عمر عند البيهقي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيء له بأرنب فلم يأكلها ولم ينه
عنها، وزعم أنها تحيض وهي تأكل اللحم وغيره وتبعثر وتجتر
وفي باطن أشداقها شعر وكذلك تحت رجليها.
5490 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ عَنْ
نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ
مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ،
وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا،
فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ
يُنَاوِلُوهُ سَوْطًا فَأَبَوْا، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ
فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ
فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَى
بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا
اللَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة خال إسماعيل
(8/265)
(عن أبي النضر) بالضاد المعجمة الساكنة بعد
النون المفتوحة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن أبي ربيعة)
التيمي المدني (عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة)
الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي -رضي الله عنه- (أنه كان
مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام
الحديبية في القاحة على ثلاث مراحل من المدينة (حتى إذا
كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين) بالعمرة،
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: محرمون (وهو غير محرم) لأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أرسله إلى جهة
أخرى ليكشف أمر عدوّ في طائفة من الصحابة (فرأى حمارًا
وحشيًا فاستوى على فرسه ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطًا
فأبوا) امتنعوا (فسألهم) أن يناولوه (رمحه فأبوا فأخذه ثم
شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبى) أي امتنع (بعضهم) من
الأكل منه (فلما أدركوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألوه عن ذلك. فقال) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين (أطعمكموها الله) عز
وجل أي مأكلة.
وهذا الحديث سبق في الحج والجهاد.
5491 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ
قَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ»؟
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني)
بالتوحيد (مالك) الإمام الأعظم (عن زيد بن أسلم) العدوي
مولى عمر (عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة) -رضي الله عنه-
(مثله) أي مثل الحديث السابق (إلا أنه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: هل معكم من لحمه شيء).
11 - باب التَّصَيُّدِ عَلَى الْجِبَالِ
(باب التصيد على الجبال) بالجيم والمرحدة جمع جبل.
5492 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ
أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي
قَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ سَمِعْتُ
أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأَنَا رَجُلٌ حِلٌّ
عَلَى فَرَسٍ، وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى
الْجِبَالِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ
النَّاسَ مُتَشَوِّفِينَ لِشَيْءٍ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ
فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هَذَا؟
قَالُوا: لاَ نَدْرِي، قُلْتُ: هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ،
فَقَالُوا: هُوَ مَا رَأَيْتَ، وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِي
فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي سَوْطِي فَقَالُوا: لاَ
نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ
ضَرَبْتُ فِي أَثَرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ ذَاكَ حَتَّى
عَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ:
قُومُوا فَاحْتَمِلُوا قَالُوا: لاَ نَمَسُّهُ،
فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ فَأَبَى بَعْضُهُمْ،
وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ، فَقُلْتُ: أَنَا أَسْتَوْقِفُ لَكُمُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَدْرَكْتُهُ، فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لِي:
«أَبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «كُلُوا فَهْوَ طُعْمٌ أَطْعَمَكُمُوهَا
اللَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (يحيى بن
سليمان الجعفي) الكوفي نزيل مصر وسقط لغير أبي ذر لفظ
الجعفي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري
قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن الحارث
المصري (أن أبا النضر) سالمًا (حدّثه عن نافع مولى أبي
قتادة و) عن (أبي صالح) نبهان بفتح النون وسكون الموحدة
بعدها هاء فألف فنون (مولى التوأمة) بفتح الفوقية، وفي بعض
النسخ بضمها وحكاها عياض عن المحدّثين وقال: إن الصواب
الفتح قال: ومنهم من ينقل حركة الهمزة فيفتح بها الواو،
وحكى السفاقسي التوءمة بوزن الحطمة وهي بنت أمية بن خلف
ولدت مع أخيها في بطن واحد فسميت بذلك (سمعت) أي قال: كلٌّ
منهما ولأبي ذر سمعنا (أبا قتادة) الأنصاري (قال: كنت مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالقاحة وهي
موضع (فيما بين مكة والمدينة وهم محرمون) بالعمرة زمن
الحديبية (وأنا رجل حل) غير محرم وسقط لفظ رجل لأبي ذر
وابن عساكر (على فرس) ولأبي ذر على فرسي والواو فيهما
للحال (وكنت رقاء) بتشديد القاف والمد (على الجبال) أي
كثير الرقيّ أي الصعود على الجبال يعني أنه كان حينئذٍ على
الجبال (فبينا) بغير ميم (أنا على ذلك) وجواب بينا قوله:
(إذ رأيت الناس متشوّفين) بالشين المعجمة والفاء أي ناظرين
(لشيء فذهبت أنظر) لذلك الشيء (فإذا هو حمار وحش فقلت لهم:
ما هذا)؟ وللكشميهني ماذا بإسقاط الهاء (قالوا: لا ندري.
قلت: هو حمار وحشي) بالتحتية والتنوين فيهما ولأبي ذر حمار
وحش بإسقاط التحتية مع الإضافة (فقالوا: هو ما رأيت وكنت
نسيت سوطي فقلت لهم: ناولوني سوطي) بسكون الواو (فقالوا:
لا نعينك عليه فنزلت) من الجبل أو من الفرس (فأخذته ثم
ضربت في أثره) بفتح الهمزة والمثلثة وراءه (فلم يكن إلا
ذاك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا ذلك باللام (حتى
عقرته) جرحته (فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحتملوا) بكسر
الميم أي الحمار (قالوا: لا نمسه فحملته حتى جئتهم به
فأبى) امتنع (بعضهم) أن يأكل منه (وأكل بعضهم) منه (فقلت:
أنا) ولابن عساكر وقلت لهم: أنا (أستوقف لكم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أسأله أن يقف لكم (فأدركته)
عليه الصلاة والسلام (فحدّثته الحديث) الذي وقع (فقال لي):
(أبقي معكم شيء منه)؟ بهمزة الاستفهام (قلت: نعم) يا رسول
الله (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كلوا
فهو طعم) بضم الطاء وسكون العين المهملتين (أطعمكموها
الله) ولأبي ذر عن المستملي: أطعمكموه الله بتذكير الضمير.
12 - باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ
الْبَحْرِ} وَقَالَ عُمَرُ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ،
وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
الطَّافِي حَلاَلٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ
مَيْتَتُهُ، إِلاَّ مَا قَذِرْتَ مِنْهَا وَالْجِرِّيُّ
لاَ تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ وَقَالَ
شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ
يَذْبَحَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ
صَيْدُ الأَنْهَارِ وَقِلاَتِ السَّيْلِ أَصَيْدُ بَحْرٍ
هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَلاَ {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ
سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ
تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} وَرَكِبَ الْحَسَنُ -
عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلاَبِ
الْمَاءِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي
أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لأَطْعَمْتُهُمْ. وَلَمْ يَرَ
الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، نَصْرَانِيٌّ أَوْ
يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ
فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ.
(باب قول
(8/266)
الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر})
[المائدة: 96] المراد بالبحر جميع المياه.
(وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مما وصله المؤلّف في
تاريخه وعبد بن حميد (صيده ما اصطيد) بكسر الطاء وتضم كما
في اليونينية (وطعامه ما رمى به) ولفظ الموصول فصيده ما
صيد وطعامه ما قذف به اهـ.
(وقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- مما وصله ابن أبي
شيبة والطحاوي والدارقطني عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
(الطافي) بغير همز في اليونينية من طفا يطفوا إذا علا
الماء ميتًا (حلال. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما
وصله الطبري في قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه}
قال: (طعامه ميتته إلا ما قذرت منها) بكسر الذال المعجمة،
ولأبي ذر عن الكشميهني: منه بالتذكير وليس في الموصول إلا
ما قذرت منها، وجميع ما يصاد من البحر ثلاثة أجناس الحيتان
وجميع أنواعها حلال والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلف
فيما سوى هذين فقال أبو حنيفة حرام وقال الأكثرون: حلال
لعموم هذه الآية {وطعامه} في الآية بمعنى الإطعام أي اسم
مصدر وتقدير المفعول حينئذٍ محذوفًا أي طعامكم إياه
أنفسكم، ويجوز أن يكون الصيد بمعنى المصيد والهاء في طعامه
تعود على البحر على هذا أي أحل لكم مصيد البحر وطعام البحر
فالطعام على هذا غير الصيد، وعلى هذا ففيه وجوه: أحسنها ما
سبق عن عمر وأبي بكر أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته
والطعام ما رمى به البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة،
ويجوز أن تعود الهاء على الصيد لمعنى المصيد وهو أن يكون
طعام بمعنى مطعوم ويدل له قراءة ابن عباس وطعمه بضم الطاء
وسكون العين.
وقال ابن عباس فيما وصله ابن أبي شيبة: (والجرّي) بكسر
الجيم والراء والتحتية المشدّدتين
وبفتح الجيم والجريت بمثناة فوقية بعد التحتية ضرب من
السمك يشبه الحيات وقيل سمك لا قشر له، وقيل نوع عريض
الوسط دقيق الطرفين (لا تأكله اليهود ونحن نأكله) لأنه
حلال اتفاقًا وهو قول أبي بكر وعمر وابن عباس.
(وقال شريح صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة مصغرًا،
وللأصيلي أبو شريح والصواب إسقاط أبو كما للكافة والمؤلّف
في تاريخه وأبي عمر بن عبد البرّ والقاضي عياض في مشارقه،
وقال الفربري: وكذا في أصل البخاري وكذا هو عند أبي عليّ
الغساني شريح قال: وهو الصواب، والحديث محفوظ لشريح لا
لأبي شريح، وفي الصحابة أيضًا أبو شريح الخزاعي أخرج له
مسلم، وقال العلاّمة اليونيني مما رأيته في حاشية الفرع في
أصل السماع أبو شريح على الوهم كما عند الحافظ أبي محمد
الأصيلي ونبهنا شيخنا الحافظ أبو محمد المنذري في حواشيه
على كتاب ابن طاهر أنه شريح اسم لا كنية اهـ.
وقال في الإصابة: شريح بن أبي شريح الحجازي. قال البخاري
وأبو حاتم: له صحبة، وروى البخاري في تاريخه الكبير من
طريق عمرو بن دينار وأبي الزبير سمعًا شريحًا رجلًا أدرك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: كل شيء
في البحر مذبوح وعلقه في الصحيح، ورواه الدارقطني وأبو
نعيم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن شريح وكان من
أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر
نحوه مرفوعًا، والمحفوظ عن ابن جريج موقوف أيضًا أشار إلى
ذلك أبو نعيم اهـ.
وقول القاضي عياض في مشارقه: وهو شريح بن هانئ أبو هانئ،
تعقبه الحافظ ابن حجر كما رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي
الخير السخاوي بأن الصواب أنه غيره وليس له في البخاري ذكر
إلا في هذا الموضع وشريح بن هانئ لأبيه صحبة وأما هو فله
إدراك ولم يثبت له سماع ولا لقي، وأما شريح المعلق عنه فقد
صرح البخاري بصحبته هـ.
ورأيت في الإصابة شريح بن هانئ أبو المقدام أدرك النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يهاجر إلا بعده
وفد أبوه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فسأله عن أكبر ولده فقال شريح: فقال: أنت أبو شريح وكان
قبل ذلك يكنى أبا الحكم.
وهذا التعليق وصله المؤلّف في تاريخه وابن منده في المعرفة
من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي
(8/267)
الزبير سمعا شريحًا صاحب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (كل شيء في البحر) من
دوابه (مذبوح) أي حلال كالمذكى، وأخرجه ابن أبي عاصم في
الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخًا كبيرًا يحلف
بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم، وأخرج
الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس بسند فيه ضعف رفعه: إن
الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم.
(وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله ابن منده في كتاب
الصحابة (أما الطير فأرى أن يذبحه. وقال ابن جريج) عبد
الملك بن عبد العزيز مما وصله عبد الرزاق في تفسيره (قلت
لعطاء)
أي ابن أبي رباح المذكور (صيد الأنهار و) صيد (قلات السيل)
بكسر القاف وتخفيف اللام آخره مثناة فوقية جمع قلت نقرة في
صخرة يستنقع فيها الماء ومراده ما ساق السيل من الماء وبقي
في الغدير وفيه حيتان (أصيد بحر هو)؟ فيجوز أكله (قال:
نعم) يجوز أكله، وسقط لأبي ذر لفظ هو (ثم تلا) عطاء قوله
تعالى: ({هذا عذب فرات}) شديد العذوبة ({سائغ شرابه}) مريء
سهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرابه وثبت {سائغ شرابه}
لأبي ذر ({وهذا ملح أجاج}) شديد الملوحة وقيل هو الذي يحرق
بملوحته ({ومن كل}) ومن كل واحد منهما ({تأكلون لحمًا
طريًّا}) [فاطر: 12] وهو السمك.
(وركب الحسن) بفتح الحاء ابن علي بن أبي طالب (عليه
السلام) ورضي الله عنه وعن أبيه (على سرج) متخذ (من جلود
كلاب الماء) لأنها طاهرة يجوز أكلها لدخولها في عموم السمك
وكذا ما لم يشبه السمك المشهور كالخنزير والفرس. وفي عجائب
المخلوقات أن كلب الماء حيوان يداه أطول من رجليه يلطخ
بدنه بالطين ليحسبه التمساح طينًا ثم يدخل جوفه فيقطع
أمعاءه ويأكلها ويمزق بطنه.
(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (لو أن أهلي أكلوا الضفادع)
جمع ضفدع بكسر أوّله وفتحه وضمه مع كسر ثالثه وفتحه في
الأول وكسره في الثاني وفتحه في الثالث (لأطعمتهم) منها.
(ولم ير الحسن) البصري -رحمه الله تعالى- (بالسلحفاة) بضم
السين وسكون الحاء المهملتين بينهما لام مفتوحة وبعد الفاء
ألف فهاء تأنيث أي لم ير بأكلها (بأسًا) وهذا وصله ابن أبي
شيبة، وقال سفيان الثوري: أرجو أن لا يكون بالسرطان بأس
وظاهر الآية حجة لمن قال بإباحة جميع حيوانات البحر وكذلك
حديث "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وجملة حيوان الماء على
قسمين سمك وغيره، فأما السمك فميتته حلال مع اختلاف
أنواعها ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب، وعند أبي
حنيفة لا يحل إلا أن يموت بسبب من وقوع على حجر أو انحسار
ماء عنه فيحل لحديث أبي الزبير عن جابر عند أبي داود: "ما
ألقاه البحر أو جزز عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا
تأكلوه" لكنه مطعون فيه من جهة يحيى بن سليم لسوء حفظه
وصحح كونه موقوفًا، وحينئذ فقد عارضه قول أبي بكر وغيره
والقياس يقتضي حلّه لأن السمك لو مات في البرّ لأكل بغير
تأويل، وأما غير السمك فقسمان: قسم يعيش في البرّ كالضفدع
والسرطان والسلحفاة فلا يحل أكله وقسم يعيش في الماء ولا
يعيش في البرّ إلا عيش المذبوح فاختلف فيه فقيل: لا يحل
منه شيء إلا السمك وهو قول أبي حنيفة، وقيل: إن ميت الكل
حلال لأن كلها سمك وإن اختلفت صورتها كالجري وهو قول مالك
وظاهر مذهب الشافعي وذهب قوم إلى أن ما له نظير في البرّ
يؤكل فميتته من حيوانات البحر حلال وهو كبقر الماء ونحوه
وما لا يؤكل نظيره في البر لا تحل ميتته من حيوانات البحر
ككلب الماء والخنزير وكذا حمار الوحش، وإن كان له شبه في
البر حلال وهو حمار الوحش لأن له شبهًا حرامًا وهو الحمار
الأهلي تغليبًا للتحريم، كذا قال في الروضة
وشرح المهذب، والمفتي به حل الجميع إلا السرطان والضفدع
والتمساح والسلحفاة لخبث لحمها وللنهي عن قتل الضفدع رواه
أبو داود وصححه الحاكم، وقد ذكر الأطباء أن الضفدع نوعان:
بري وبحري فالبري يقتل آكله والبحري يضره وكذا يحرم القرش
في البحر الملح خلافًا لما
(8/268)
أفتى به المحب الطبري وأما الدنيلس فقيل إن
أصله السرطان، فإن ثبت حرم وإلاّ فيحل لأنه من طعام البحر
ولا يعيش إلا فيه ولم يأت على تحريمه دليل وقد قال جبريل
بن يختيشوع: إنه ينفع من رطوبة المعدة والاستسقاء.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله البيهقي: (كل)
أمر من الأكل (من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي)
بالجرّ في الثلاثة وللأصيلي وإن صاده نصراني أو يهودي أو
مجوسي برفعها على الفاعلية، وقال الحسن البصري فيما نقله
عنه الدميري: رأيت سبعين صحابيًّا يأكلون صيد المجوس ولا
يتلجلج في صدورهم شيء من ذلك.
(وقال أبو الدرداء) عويمر بن مالك الأنصاري (في المري) بضم
الميم وسكون الراء بعدها تحتية وفي النهاية بتشديد الراء،
ولكن جزم النووي بالأول، ونقل الجواليقي في لحن العامة
أنهم يحركون الراء والأصل السكون، والذي في القاموس
التشديد، وعبارته والمرّي كدرّي أدام كالكامخ وفي الصحاح،
والمري الذي يؤتدم به كأنه منسوب إلى المرارة والعامة
تخففه قال وأنشدني أبو الغوث:
وأم مثواي لباخية ... وعندها المريّ والكامخ
والمري هو أن يجعل في الخمر الملح والسمك ويوضع في الشمس
فيتغير عن طعم الخمر فيغلب السمك بما أضيف إليه على ضراوة
الخمر ويزيل ما فيه من الشدة مع تأثير الشمس في تخليله
والقصد منه هضم الطعام وربما يزاد ما فيه حرافة ليزيد في
جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته، وكان أبو الدرداء
وجماعة من الصحابة يأكلونه وهو رأي من يجوّز تخليل الخمر،
وهو قول جماعة، واحتج له أبو الدرداء بقوله: (ذبح الخمر
النينان والشمس) بفتح الذال المعجمة والموحدة بصيغة الفعل
الماضي، والخمر مفعول مقدم على الفاعل لأن التنازع والكلام
كان فيها والعرب تقدّم الأهمّ فالأهم، والنينان والشمس
فاعلان له، والنينان بكسر النون الأولى جمع نون كعود
وعيدان وهو الحوت، وقال القاضيان البيضاوي وعياض: ويروى
ذبح الخمر بسكون الموحدة والرفع مبتدأ أو إضافته لتاليه
فيجر. قال في النهاية: استعار الذبح للإحلال كأنه يقول كما
أن الذبح يحلّ المذبوح فكذلك هذه الأشياء إذا وضعت في
الخمر قامت مقام الذبح فاحتلها، وقال البيضاوي: يريد أنها
حلّت بالحوت المطروح فيها وطبخها بالشمس فكان ذلك كالذكاة
للحيوان، وقال غيره معنى ذبحتها أبطلت فعلها.
وأخرج الحافظ أبو موسى في جزء أفرده لهذه المسألة بسنده عن
عطية بن قيس، قال: مرّ رجل من أصحاب أبي الدرداء -رضي الله
عنه- ورجل يتغذى فدعاه إلى طعامه فقال: وما طعامك؟
قال: خبز ومري وزيت. قال: المري الذي يصنع من الخمر؟ قال:
نعم، قال: هو خمر فتواعدا إلى أبي الدرداء -رضي الله عنه-
فسألاه فقال: ذبحت خمرها الشمس والملح والحيتان يقول لا
بأس به. وعن ابن وهب سمعت مالكًا يقول: سمعت ابن شهاب سئل
عن خمر جعلت في قلة وجعل فيها ملح وأخلاط كثيرة ثم جعلت في
الشمس حتى عاد مريًّا يصطبغ به. قال ابن شهاب: شهدت قبيصة
بن ذؤيب ينهى أن يجعل الخمر مريًّا إذا أخذ وهو خمر، وعن
رجليه مولاة معاوية قالت: حججنا مع عبد الله بن أبي زكريا
فأهدى عبد الله بن أبي زكريا لعمر بن عبد العزيز المري
الذي يصنع بالخمر فأكل منه، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-
أنه كان يقول: في المري الذي يعمله المشركون من الخمر لا
بأس به ذبحه الملح.
فإن قلت: ما وجه إيراد المؤلّف لهذا الأثر هنا في طهارة
صيد البحر؟ أجيب: بأنه يريد أن السمك طاهر حلال وإن طهارته
وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى يصير الحرام النجس
بإضافتها إليه طاهرًا حلالًا، وهذا إنما يتأتى على القول
بجواز تخليل الخمر. وقال الحافظ أبو ذر مما رأيته بهامش
اليونينية: إذا طرحت النينان في الخمر ذبحته وحركته فصار
مريًّا، وكذلك إذا ترك للشمس، وهذا خلاف مذهب الشافعي،
والبخاري -رحمه الله تعالى- لم يتحرّ مذهب إمام بعينه بل
اعتمد على ما صحّ عنده من الحديث ثم أكده
(8/269)
بالآثار.
5493 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ
جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ
الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا
شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ
مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ
نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ
عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه
(قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن دينار (أنه
سمع جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه- يقول: غزونا جيش
الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها مهملة ورق السلم
سمي به لأنهم أكلوه من الجوع وذلك سنة ثمان (وأمر) بضم
الهمزة مبنيًّا للمفعول ولابن عساكر وأميرنا (أبو عبيدة)
عامر بن عبد الله بن الجراح ولأبي ذر وأمر مبنيًّا للمفعول
أيضًا علينا أبو عبيدة بزيادة علينا (فجعنا جوعًا شديدًا
فألقى البحر) لنا (حوتًا ميتًا لم ير) بتحتية مضمومة
(مثله) بالرفع ولأبي ذر ولم نر بنون مفتوحة مثله بالنصب أي
لم نر مثله في الكبر (يقال له العنبر) وهو سمكة بحرية يتخذ
من جلدها الأتراس، ويقال للترس عنبر وسمي هذا الحوت
بالعنبر لوجوده في جوفه. قال إمامنا الشافعي رحمه الله:
حدّثني بعضهم أنه ركب البحر فوقع إلى جزيرة فنظر إلى شجرة
مثل عنق الشاة وإذا ثمرها عنبر قال: فتركناه حتى يكبر ثم
نأخذه فهبت ريح فألقته في البحر. قال الشافعي: والسمك
ودواب البحر تبتلعه أول ما يقع لأنه لين فإذا ابتلعه قلما
تسلم إلا قتلها لفرط الحرارة التي فيه فإذا أخذ الصياد
السمكة وجده في بطنها
فيقدر أنه منها وإنما هو ثمر نبت (فأكلنا منه) من الحوت
(نصف شهر فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح (عظمًا من عظامه فمرّ
الراكب تحته).
5494 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرًا يَقُولُ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا
أَبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ،
فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ
فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا
يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ: فَأَكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ،
وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا،
قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ
أَضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.
وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ
ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ
نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن محمد)
المسندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (سفيان) بن عيينة
(عن عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت جابرًا) -رضي الله عنه-
(يقول: بعثنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثلاثمائة راكب) فيهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
(وأميرنا أبو عبيدة) بن الجراح (نرصد عير قريش) بكسر العين
المهملة إبلًا تحمل طعامًا لهم. وعند ابن سعد أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثهم إلى حي من جهينة
بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم
وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدًا.
واستشكل هذا بما في حديث الباب إذ ظاهره المغايرة. وأجيب:
بأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرًا لقريش ويقصدون
حيًّا من جهينة وحينئذ فلا مغايرة بينهما.
(فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط) بفتحتين ورق السلم وفي
رواية أبي الزبير عند مسلم: وكنا نضرب بعصينا الخيط ثم
نبله بالماء فنأكله (فسمي جيش الخيط وألقى) إلينا (البحر)
لما انتهينا إلى ساحله (حوتًا يقال له العنبر) طوله خمسون
ذراعًا يقال له بالة، وفي رواية ابن جريج السابقة في هذا
الباب حوتًا ميتًا (فأكلنا) منه (نصف شهر). وفي رواية وهب
بن كيسان عن جابر في المغازي ثماني عشرة ليلة، وفي رواية
أبي الزبير عند مسلم فأقمنا عليه شهرًا ويجمع بين ذلك بأن
الذي قال ثماني عشرة ضبط ما لم يضبطه غيره ومن قال: نصف
شهر ألغى الكسر وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهرًا جبر الكسر
وضم بقية المدّة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها، ورجح
النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة (وادّهنا
بودكه) بفتح الواو والدال المهملة أي شحمه (حتى صلحت) بفتح
الصاد واللام (أجسامنا) ولأبي الزبير: فلقد رأيتنا نغترف
من وقب عينيه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور
والوقب بفتح الواو وسكون القاف بعدها موحدة النقرة التي
فيها الحدقة، والفدر بكسر الفاء وسكون الدال جمع فدرة بفتح
ثم سكون القطعة من اللحم وغيره. وفي رواية الخولاني عن
جابر عند ابن أبي عاصم في الأطعمة وحملنا ما شئنا من قديد
وودك في الأسقية والغرائر، وفي رواية أبي الزبير عند
المؤلّف في المغازي أنهم ذكروا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كلوا رزقًا أخرجه الله أطعمونا
إن كان معكم فأتاه بعضهم بعضو
منه فأكله وبهذا تتم الدلالة لجواز أكل ميتة البحر من هذا
الحديث وإلاّ فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد
يقال إنه للاضطرار، وقد تبين بهذه
(8/270)
الزيادة أن جهة كونها حلالًا ليست بسبب
الاضطرار بل لكونها من صيد البحر ويستفاد منه إباحة ميتة
البحر سواء مات بنفسه أو بالاصطياد.
(قال) جابر (فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح (ضلعًا) بكسر الضاد
المعجمة وفتح اللام (من أضلاعه) من أضلاع الحوت (فنصبه
فمرّ الراكب تحته) وفي المغازي ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من
أضلاعه فنصبا ثم أمر برحلة فرحت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما
وفي أخرى فيها فعمد إلى أطول رجل معه فمرّ تحته (وكان فينا
رجل) هو قيس بن سعد بن عبادة (فلما اشتدّ) بنا (الجوع نحر
ثلاث جزائر) جمع جزور قال في الفتح: وفيه نظر فإن جزائر
جمع جزيرة والجزور إنما يجمع على جُزُر بضمتين فلعله جمع
الجمع. وقال في القاموس: والجزور الناقة المجزرة الجمع
جزائر وجزر وجزورات (ثم) جاعوا بعد أكلها فنحر (ثلاث
جزائر) وكان قيس اشترى الجزر من أعرابي جهني كل جزور بوسق
من تمر يوفيه إياه بالمدينة (ثم نهاه أبو عبيدة) عن النحر
بسؤال عمر لأبي عبيدة في ذلك.
وبقية قصة قيس مع أبيه لما قدم المدينة أشرت إليها في
المغازي مختصرة من حديث رويته في الغيلانيات.
13 - باب أَكْلِ الْجَرَادِ
(باب) جواز (أكل الجراد).
قال أهل اللغة فيما نقله الدميري: مشتق من الجرد قالوا:
والاشتقاق في أسماء الأجناس قليل جدًّا وهو بري وبحري
وبعضه أصفر وبعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه كبير الجثة وبعضه
صغيرها، وإذا أراد أن يبيض التمس لبيضه المواضع الصلدة
والصخور الصلبة التي لا يعمل فيه المعول فيضربها بذنبه
فتنفرج له ثم يلقي بيضه في ذلك الصدع فيكون له كالأفحوص
ويكون حاضنًا له ومربيًّا، وللجرادة ستة أرجل يدان في
صدرها وقائمتان في وسطها ورجلان في مؤخرها وطرفًا رجليها
منشاران، قال: وفي الجراد خلقة عشرة من جبابرة الحيوان وجه
فرس وعينا فيل وعنق ثور وقرنا أيل، وصدر أسد وبطن عقرب
وجناحا نسر وفخذا جملا ورجلا نعامة وذنب حية، وليس في
الحيوان أكثر إفسادًا لما يقتاته الإنسان من الجراد، وقد
أحسن القاضي محيي الذين الشهرزوري في وصف الجراد بذلك حيث
قال:
لها فخذا بكر وساقا نعامة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم
حبتها أفاعي الرمل بطنًا وأنعمت ... عليها جياد الخيل
بالرأس والفم
قال الأصمعي: أتيت البادية فإذا أعرابي زرع برًّا له فلما
قام على سوقه وجاد بسنبله أتاه رجل جراد فجعل الرجل ينظر
إليه ولا يعرف كيف الحيلة فأنشد:
مرّ الجراد على زرعي فقلت له ... لا تأكلن ولا تشغل بإفساد
فقام منهم خطيب فوق سنبلة ... أنا على سفر لا بد من زاد
ولعابه على الأشجار لا يقع على شيء إلاّ أحرقه.
5495 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى
-رضي الله عنهما- قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ غَزَوَاتٍ،
أَوْ سِتًّا كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ. قَالَ
سُفْيَانُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي
يَعْفُورٍ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى سَبْعَ غَزَوَاتٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي يعفور) بفتح التحتية
وسكون المهملة وضم الفاء وبعد الواو راء منصرفًا اسمه
وفدان بفتح الواو وسكن الفاء بعدها دال مهملة فألف فنون
وقيل وافد هو الأكبر لا الأصغر عبد الرحمن بن عبيد لأن
الأصغر كما قال ابن أبي حاتم لم يسمع من ابن أبي أوفى
بخلاف الأكبر كما (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي
الله عنهما- قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سبع غزوات أو ستًّا) بالشك. قال في الفتح: من
شعبة (كنا نأكل معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(الجراد) وزاد أبو نعيم في الطب ويأكله معنا وقد نقل
النووي الإجماع على حل أكل الجراد وخصه ابن العربي بغير
جراد الأندلس لما فيه من الضرر المحض. وفي حديث سلمان عند
أبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سئل عن الجراد فقل: لا آكله ولا أحرّمه لكن الصواب أنه
مرسل، وعن أحمد إذا قتله البرد لم يؤكل وملخص مذهب مالك إن
قطعت رأسه حلّ
(8/271)
وإلاّ فلا. وعند البيهقي من حديث أبي أمامة
الباهلي -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: "إن مريم ابنة عمران سألت ربها أن يطعمها
لحمًا لا دم له فأطعمها الجراد" وفي الحلية في ترجمة يزيد
بن ميسرة كان طعام يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام
الجراد وقلوب الشجر يعني الذي ينبت في وسطها غضًّا طريًّا
قبل أن يقوى وكان يقول: من أنعم منك يا يحيى وطعامك الجراد
وقلوب الشجر.
(قال سفيان) الثوري مما وصله الدارمي عن محمد بن يوسف
(وأبو عوانة) الوضاح اليشكري فيما وصله مسلم ولأبي ذر وقال
أبو عوانة (وإسرائيل) فيما وصله الطبراني (عن أبي يعفور)
وفدان (عن ابن أبي أوفى) عبد الله (سبع غزوات) وحمله
الحافظ ابن حجر على أن أبا يعفور كان جزم مرة بالسبع ثم شك
فجزم بالست إذ هي المتيقن.
14 - باب آنِيَةِ الْمَجُوسِ وَالْمَيْتَةِ
(باب) حكم (آنية المجوس) في الاستعمال أكلًا وشربًا (و)
حكم (الميتة).
5496 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ
شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ
الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ
الْخَوْلاَنِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ
قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا
بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟
وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي
الْمُعَلَّمِ، وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَمَّا مَا ذَكَرْتَ، أَنَّكَ بِأَرْضِ أَهْلِ كِتَابٍ،
فَلاَ تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إِلاَّ أَنْ لاَ
تَجِدُوا بُدًّا فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُدًّا
فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ،
أَنَّكُمْ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ
فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ
الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ. وَمَا
صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ
فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل بن مخلد (عن
حيوة بن شريح) بالشين المعجمة أنه (قال: حدّثني) بالإفراد
(ربيعة بن يزيد) من الزيادة (الدمشقي) قال: (حدّثني)
بالإفراد أيضًا (أبو إدريس) عائذ الله (الخولاني) بالخاء
المعجمة قال: (حدّثني) بالإفراد كذلك (أبو ثعلبة الخشني)
بالخاء والشين المعجمتين -رضي الله عنه- (قال: أتيت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله
إنّا بأرض أهل الكتاب فنأكل في آنيتهم).
استشكل مطابقة الحديث للترجمة إذ ليس فيه ما ذكر ما ترجم
به وهو المجوس. وأجاب ابن التين: باحتمال أنه كان يرى أن
المجوس أهل كتاب وابن المنير بأنه بناء على أن المحذور
منهما واحد وهو عدم توقي النجاسات وابن حجر بأنه أشار إلى
ما عند الترمذي من طريق أخرى عن ثعلبة سئل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قدور المجوس فقال:
(أنقوها غسلًا واطبخوا فيها) وفي لفظ من وجه آخر عن أبي
ثعلبة قلت: إنّا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فلا نجد
غير آنيتهم الحديث. وهذه طريقة أكثر منها البخاري فيما كان
سنده فيه مقال يترجم به ثم يورد في الباب ما يؤخذ الحكم
منه بطريق الإلحاق انتهى.
قال أبو ثعلبة: (و) إنّا (بأرض صيد أصيد) فيها (بقوسي)
بسهمه (وأصيد) فيها (بكلبي المعلم) بفتح اللام المشددة (و)
أصيد (بكلبي الذي ليس بمعلم) بفتح اللام المشددة أيضًا
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أما ما ذكرت أنك) ولأبي ذر وابن عساكر أنكم (بأرض أهل
كتاب فلا تأكلوا في آنيتهم) لكونها مستقذرة (إلا أن لا
تجدوا أبدًا) بضم الموحدة وتشديد المهملة منوّنة أي فراقًا
أو عوضًا منها (فإن لم تجدوا بدًّا) منها (فاغسلوها وكلوا
فيها) ولأبي ذر وابن عساكر: فاغسلوا وكلوا والحكم في آنية
المجوس كذلك لا يختلف مع الحكم في آنية أهل الكتاب لأن
العلة إن كانت لكونهم تحلّ ذبائحهم كأهل الكتاب فلا إشكال
أو لا تحل فتكون الآنية التي يطبخون فيها ذبائحهم ويغرفون
قد تنجست بملاقاة الميتة فأهل الكتاب كذلك باعتبار أنهم لا
يتدينون باجتناب النجاسة وبأنهم يطبخون فيها الخنزير
ويضعون فيها الخمر. (وأما ما ذكرت أنكم) ولابن عساكر أنك
(بأرض صيد فما
صدت بقوسك فاذكر اسم الله) عليه ندبًا (وكل) فإنه ذكاة له
(وما صدت بكلبك المعلّم فاذكر اسم الله) عليه ندبًا (وكُل)
فإن أخذ الكلب له ذكاة (وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم
فأدركت ذكاته) ذبحه (فكله) ولابن عساكر: فكُل فإن لم تدركه
فلا تأكل فإنه وقيذ.
5497 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ
بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: لَمَّا أَمْسَوْا يَوْمَ فَتَحُوا
خَيْبَرَ أَوْقَدُوا النِّيرَانَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى مَا أَوْقَدْتُمْ
هَذِهِ النِّيرَانَ»؟ قَالُوا: لُحُومِ الْحُمُرِ
الإِنْسِيَّةِ، قَالَ: «أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا،
وَاكْسِرُوا قُدُورَهَا». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ
فَقَالَ: نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْ
ذَاكَ».
وبه قال: (حدّثني المكي بن إبراهيم) البلخي قال: (حدّثني)
بالإفراد (يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع
(عن سلمة بن الأكوع) هو ابن عمرو بن الأكوع أنه (قال: لما
أمسوا يوم فتحوا خيبر أوقدوا النيران قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(على ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني علام
(أوقدتم هذه النيران؟ قالوا: لحوم) بالجر أي على لحوم
(الحمر الأنسية) بفتح الهمزة والنون وبكسر الهمزة وسكون
النون وسقط لفظ الحمر لأبي ذر (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أهريقوا) بهمزة مفتوحة ولأبي ذر:
هريقوا (ما فيها واكسروا قدورها) مبالغة في الزجر وسقط
قوله: واكسروا قدورها لابن عساكر (فقام رجل من القوم فقال)
يا رسول الله: (نهريق ما فيها ونغسلها)؟ استفهام محذوف
الأداة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أو ذاك) بسكون الواو إشارة إلى التخيير بين الكسر والغسل
وغلظ أولًا حسمًا للمادّة فلما سلموا الحكم وضع عنهم
الأصر، والأمر بغسلها حكم بالتنجيس فيستفاد منه تحريم
أكلها وهو دال على تحريمها لعينها لا لمعنى خارج، وسقط
لغير أبي ذر وابن عساكر فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
15 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ
مُتَعَمِّدًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلاَ
بَأْسَ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
وَالنَّاسِي لاَ يُسَمَّى فَاسِقًا. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ
الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]
(باب) حكم (التسمية على الذبيحة و) حكم (من ترك) التسمية
حال كونه (متعمدًا) وتقييده بالعمدية مشعر بالتفرقة بين
العمد والنسيان ويدل لذلك قوله: (قال ابن عباس) -رضي الله
عنهما-: (من نسي) التسمية عند الذبح (فلا بأس) يأكل ما ذبح
ومفهومه عدم الحل مع العمدية، وهذا وصله الدارقطني، وأخرجه
سعيد بن منصور عن ابن عباس فيمن ذبح ونسي التسمية فقال
المسلم فيه اسم الله وإن لم يذكر التسمية وسنده صحيح، وهو
موقوف وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا.
(وقال الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه}) عند الذبح ({وإنه}) وإن أكله ({لفسق}) وسقط لأبي ذر
{وإنه لفسق} (والناسي لا يسمى فاسقًا) كما هو ظاهر من
الآية لأن ذكر الفسق عقبه إن كان عن فعل المكلف وهو إهمال
التسمية فلا يدخل الناسي لأنه غير مكلف فلا يكون فعله
فسقًا وإن كان عن نفس الذبيحة التي لم يسم عليها وليست
مصدرًا فهو منقول من المصدر والذبيحة المتروك التسمية
عليها نسيانًا لا يصح تسميتها فسقًا إذ الفعل الذي نقل منه
هذا الاسم ليس بفسق، فأما أن نقول لا دليل في الآية على
تحريم المنسي فبقي على أصل الإباحة أو نقول فيها دليل من
حيث مفهوم تخصيص النهي بما هو فسق فما ليس بفسق ليس بحرام
قاله: صاحب الانتصاف من المالكية، وقال في المدارك: وظاهر
الآية تحريم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو
يجعل الناس ذاكرًا تقديرًا ومن أول الآية بالميتة أو بما
ذكر غير اسم الله عليه فقد عدل عن ظاهر اللفظ، ولعل
المؤلّف أشار إلى الزجر عن الاحتجاج لجواز تلك التسمية
بتأويل الآية وحملها على غير ظاهرها حيث قال: (وقوله)
تعالى: ({وإن الشياطين) قال في اللباب إبليس وجنوده
({ليوحون}) ليوسوسون ({إلى أوليائهم}) من المشركين
({ليجادلوكم}) ليخاصموا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأصحابه بقولهم ما ذكر اسم الله عليه فلا
تأكلوه وما لم يذكر اسم الله عليه فكلوه رواه أبو داود
وابن ماجة والطبري بسند صحيح عن ابن عباس ({وإن أطعتموهم})
في استحلال ما حرمه الله ({إنكم لمشركون}) [الأنعام: 121]
لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك وبه من حق المتدين
أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من
التشديد العظيم، وقال عكرمة: المراد بالشياطين مردة المجوس
ليوحون إلى أوليائهم من مشركي قريش وذلك لأنه لما نزل
تحريم الميتة سمعه المجوس من أهل فارس فكتبوا إلى قريش
وكانت بينهم مكاتبة أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون
أمر الله ثم يزعمون أن ما يذبحونه حلال وما يذبحه الله
حرام فوقع في نفس ناس من المسلمين شيء من ذلك فأنزل الله
هذه الآية.
والحاصل من اختلاف العلماء تحريم تركها عمدًا ونسيانًا وهو
قول ابن سيرين والشعبي وطائفة من المتكلمين ورواية عن أحمد
لظاهر الآية أو تخصيص التحريم بغير النسيان وهو مذهب
الحنفية ومشهور مذهب المالكية والحنابلة لما سبق والإباحة
مطلقًا عمدًا أو نسيانًا وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك
وأحمد محتجين بأن المراد من الآية الميتات وما ذبح على غير
اسم الله لقوله تعالى: {وإنه لفسق} والفسق في ذكر غير اسم
الله كما قال في آخر السورة: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ
محرّمًا} إلى قوله: {أو فسقًا أهل لغير الله
(/)
به} [الأنعام: 145] وأجمع المسلمون على
أنّه لا يفسق آكل ذبيحة المسلم التارك للتسمية، وأيضًا
قوله: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} فإن
هذه المناظرة كانت في الميتة كما مرّ، وقال تعالى: {وإن
أطعتموهم إنكم لمشركون} وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النصب
يعني لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم إلهية
الأوثان لقد رضيتم بإلهيتها وذلك يوجب الشرك. قال إمامنا
الشافعي رحمه الله: فأوّل الآية وإن كان عامًّا بحسب
الصيغة إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة
علمنا أن المراد
من العموم الخصوص، وقال صاحب فتوح الغيب -رحمه الله
تعالى-: والمجادلة هي قولهم لم لا تأكلون ما قتله الله
وتأكلون ما قتلتموه أنتم وذلك أنما يصح في الميتة فدخل
بقوله: {وإنه لفسق} ما أهل لغير الله فيه. وبقوله: {وإن
الشياطين ليوحون} الميتة فتحقق قول الشافعي -رحمه الله- أن
النهي مخصوص بما ذبح على النصب أو مات حتف أنفه، واختلف في
قوله: {وإنه لفسق} فقيل جملة مستأنفة قالوا ولا يجوز أن
تكون منسوقة على سابقتها لأن الأولى طلبية وهذه خبرية،
وقيل إنها منسوقة على السابقة ولا يضر تخالفهما وهو مذهب
سيبويه، وقيل إنها حالية أي لا تأكلوه والحال أنه فسق.
قال في اللباب: وقد تبجح الرازي بهذا الوجه على الحنفية
حيث قلب دليلهم عليهم بهذا الوجه وذلك لأنهم يمنعون من أكل
متروك التسمية والشافعية لا يمنعون منه استدلّ الحنفية
بظاهر الآية فقال الرازي هذه الجملة حالية ولا يجوز أن
تكون معطوفة لتخالفهما طلبًا وخبرًا فتعين أن تكون حالية
وإذا كانت حالية كان المعنى لا تأكلوه حال كونه فسقًا ثم
هذا الفسق مجمل فسره الله تعالى في موضع آخر فقال: {أو
فسقًا أهلّ لغير الله به} يعنى أنه إذا ذكر غير اسم الله
على الذبيحة فإنه لا يجوز أكلها لأنه فسق، وقد يجاب بأن
يقال سلمنا إن ما أهلّ لغير الله به يكون فسقًا ونحن نقول
به ولا يلزم من ذلك أنه إذا لم يذكر اسم الله عليه ولا اسم
غيره أن يكون حرامًا وللنزاع فيه مجال من وجوه: منها إنّا
لا نسلم امتناع عطف الخبر على الطلب والعكس كما مرّ عن
سيبويه، وإن سلم قالوا وللاستناف وما بعدها مستأنف، وإن
سلم أيضًا فلا نسلم أن فسقًا في الآية الأخرى مبين للفسق
في هذه الآية فإن هذا ليس من باب المجمل والمبين لأن له
شروطًا ليس موجودة هنا وسقط قوله ليجادلوكم إلى آخره لأبي
ذر.
5498 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي الْحُلَيْفَةِ
فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا
الْقُدُورَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ
فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ
الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي
الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ،
فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ
الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ
هَكَذَا». قَالَ: وَقَالَ جَدِّي إِنَّا لَنَرْجُو أَوْ
نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا
مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: «مَا أَنْهَرَ
الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ
السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَمَّا
السِّنُّ عَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (موسى بن
إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي البصريّ قال: (حدّثنا أبو
عوانة) الوضاح اليشكري (عن سعيد بن مسروق) والد سفيان
الثوري (عن عباية بن رفاعة بن رافع) بفتح العين والموحدة
المخففة بعدها تحتية ورفاعة بكسر الراء وتخفيف
الفاء وبعد الألف عين مهملة الأنصاري (عن جدّه رافع بن
خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية
جيم، وقال أبو الاحوص عن سعيد عن عباية عن أبيه عن جدّه
وتابع أبا الأحوص على زيادته في الإسناد عن أبيه حسان بن
إبراهيم الكرمانيّ عن مسعود بن مسروق أخرجه البيهقي من
طريقه وكذا رواه ليث بن أبي سليم عن عباية عن أبيه عن جدّه
أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بذي الحليفة) من الأسماء المركبة تركيب إضافة
فيعرب الأوّل بوجوده الإعراب والثاني مجرور على الإضافة
كأبي هريرة وزاد سفيان الثوري عن أبيه من تهامة وهو مكان
بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كما جزم به أبو بكر
الحازمي وياقوت ووقع للقابسي أنها الميقات المشهور وكذا
ذكره النووي (فأصاب الناس جوع فأصبنا إبلًا وغنمًا) من
المغانم (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
كائنًا (في أُخريات الناس) آخرهم ليصونهم ويحفظهم إذ لو
تقدّمهم لخيف أن يقتطع الضعيف منهم وكان بالمؤمنين رحيمًا
(فعجلوا) من الجوع الذي كان بهم وذبحوا ما غنموه قبل
القسمة (فنصبوا القدور) ووضعوا ما ذبحوه فيها وفي رواية
الثوري فأغلوا
(8/274)
القدور أي أوقدوا النار تحتها حتى غلت
(فدفع) بضم الدال مبنيًّا للمفعول أي وصل (إليهم النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر هنا إليهم
ومقتضاه سقوط إليهم الأولى (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالقدور) أن تكفأ (فأكفئت) بضم
الهمزة وسكون الكاف. قال ابن فرحون: أي فأمر رجلًا بكفء
القدور ولأن أمر يتعدى إلى مفعول به إلى الثاني بالباء
ويكون الثاني مصدرًا أو مقدرًا بمصدر تقول أمرتك الخير
وأمرتك بالخير وتقول أمرتك بزيد ولا تقول أمرتك زيدًا لأن
التقدير أمرتك بإكرام زيد أو بضرب زيد فيحذف المصدر ويقام
المضاف إليه مقامه، وكذلك جاء هنا فلا يجوز فأمر القدور
إلا بتقدير مضاف أي بكفء القدور فالباء الداخلة على المصدر
به حذفه دخلت على القائم مقامه قال: وهذا الذي ظهر لي من
التقدير ما وقفت عليه لكن وجدت القواعد تسوق إليه انتهى.
وقوله: فأكفئت أي فقلبت وأفرغ ما فيها أي من المرق كما
قاله النووي عقوبة لهم قال: وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل
على أنه جمع وردّ إلى المغنم ولا يظن أنه أمر بإتلافه مع
نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إضاعة المال
وهذا من مال الغانمين وأيضًا فالجناية بطبخه لم تقع من
جميع مستحقي الغنيمة فإن منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون
للخمس. فإن قيل: إنه لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم
قلنا ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه فيجب تأويله على وفق
القواعد انتهى.
لكن في حديث عاصم بن كليب عن أبيه وله صحبة عن رجل من
الأنصار قال: أصاب الناس حاجة شديدة وجهد فأصابوا غنمًا
فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه
ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: "إن النهبة ليست بأحل
من الميتة" رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم، وترك
تسمية الصحابي لا يضرّ ولا يقال لا يلزم من تتريب اللحم
إتلافه لا مكان تداركه بالغسل لأن سياق الحديث يُشعِر
بإرادة المبالغة في الزجر عن ذلك وهو كونهم انتهبوا ولم
يأخذوا باعتدال فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم يكن
فيه كبير
زجر لأن الذي يخص الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم
مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في
الزجر قاله في الفتح وغيره.
(ثم قسم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فعدل) أي
قابل (عشرة) ولأبي ذر عشرًا (من الغنم ببعير) لنفاسة الإبل
إذ ذاك أو قلتها وكثرة الغنم أو كانت هزيلة بحيث كان قيمة
البعير عشر شياه وحينئذٍ فلا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي
من أن البعير يجزىء عن سبع شياه لأن ذلك هو الغالب في قيمة
الشاة والبعير العتدلين، فالأصل أن البعير لسبعة ما لم
يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك وبهذا
تجتمع الأخبار الواردة في ذلك (فند) بفتح الفاء والنون
وتشديد الدال فنفر وذهب على وجهه شاردًّا (منها) من الإبل
المقسومة (بعير) والفاء عاطفة على السابق (وكان في القوم
خيل يسيرة) قال ذلك تمهيدًا لعذرهم في كون البعير الذي ندّ
أتعبهم ولم يقدروا على تحصيله (فطلبوه) بفاء العطف والسبب
(فأعياهم) فأتعبهم والفاء للعطف على محذوف أي طلبوه ففاتهم
ولم يقدروا على تحصيله (فأهوى إليه رجل) لم يقف الحافظ ابن
حجر على اسمه أي قصد نحوه ورماه (بسهم فحبسه الله) بالسهم
لم جعل إصابة السهم له سببًا في وقوفه فهو عز وجل خالق
الأسباب والمسببات (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إن لهذه البهائم) جمع بهيمة قال: في القاموس كل ذات أربع
قوائم وفي رواية الثوري وشعبة إن لهذه الإبل (أوابد) بفتح
الهمزة والواو وكسر الموحدة بعدها دال مهملة أي توحشًا
ونفرة من الإنس (كأوابد الوحش) وأوابد لا ينصرف لأنه على
صيغة منتهى المجموع والكاف يجوز أن تكون اسمًا صفة لأوابد
يكون ما بعد الكاف مضافًا إليه أو الكاف حرف جرّ وتاليه
مجرور به أي إن لهذه البهائم أوابد كائنة كأوابد الوحش
وإنما انصرف أوابد الثاني لأنه أضيف (فما ندّ)
(8/275)
نفر واستعصب (عليكم) ولأبي ذر زيادة منها
(فاصنعوا به هكذا) أي وكلوه كما عند الطبراني وقوله هكذا
الهاء للتنبيه وكذا كلمتان الكاف بمعنى مثل في موضع
المفعول وذا مضاف إليه أو الكاف نعت لمصدر محذوف أي
فاصنعوا به صنعًا كذا أي مثل ذلك.
(قال) عباية: (وقال جدي): رافع بن خديج وزاد عبد الرزاق عن
الثور في روايته يا رسول الله وهذا صورته صورة الإرسال لأن
عباية لم يدرك زمان القول (إنا لنرجو أو) قال: (نخاف)
بالشك من الراوي (أن نلقى العدو غدًا وليس معنا مدى) بضم
الميم وبالدال المهملة مقصورًا مخففًا جمع مدية بسكون
الدال سكين تذبح بها ما نغنمه منهم أو نذبح بها ما نأكله
لنتقوّى به على العدو إذا لقيناه وسميت المدية فيما قيل
لأنها تقطع مدي حياة الحيوان (أفنذبح بالقصب) الفاء عاطفة
على ما قبل همزة الاستفهام ومنهم من قدّر المعطوف عليه بعد
الهمزة كما مر في قوله أوّل هذا المجموع أو مخرجيّ هم
والتقدير هنا أي أتأذن فنذبح بالقصب وقال الكرماني: فإن
قلت ما الغرض من ذكر لقاء العدوّ عند السؤال عن الذبح
بالقصب قلت غرضه إنّا لو استعملنا السيوف في المذابح لكلّت
وعند اللقاء نعجز عن القاتلة بها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا بجواب جامع.
(ما أنهر الدم) بسكون النون وبعد الهاء المفتوحة راء مهملة
أي أساله وصبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وما
شرطية رفع بالابتداء (وذكر اسم الله عليه) بضم الدال فعل
ومفعول لم يسم فاعله وعليه متعلق بذكر وجواب الشرط قوله
(فكل) أو ما موصولة رفع بالابتداء وخبرها فكلوا والتقدير
ما أنهر الدم فحلال فكلوا واللام في الدم بدل من المضاف
إليه أي دم صيد والضمير في فكلوه على الوجهين لا يصح عوده
على ما فلا بدّ من رابط يعود على ما من الجملة أو ملابسها
فيقدّر محذوف ملابس أي فكلوا مذبوحه أو يقدر مضاف إلى ما
أي مذبوح ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه وبه يتمسك من
اشترط التسمية لأنه علق الإذن بمجموع الأمرين الأنهار
والتسمية والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما
وينتفي بانتفاء أحدهما ومبحث ذلك قد مرّ مرارًا (ليس السن
والظفر) نصب على الخبرية لليس وقيل على الاستثناء واسمها
على الخلاف هل هو ضمير مستتر عائد على البعض المفهوم من
الكل السابق أو لفظ بين محذوف تقول جاء القوم ليس زيدًا
بمعنى إلا زيدًا وتقديره ليس بعضهم زيدًا ولا يكون بعضهم
زيدًا ومؤدّاه مؤدي إلا (وسأخبركم عنه) ولأبي ذر عن
الكشميهني وسأحدثكم عنه (أما السن) فإنه (عظم) وكل عظم لا
يحل الذبح به فالنتيجة مطوية لدلالة الاستثناء عليها كما
قاله البيضاوي، أو كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد قرر عندهم أن الذكاة لا تحل بالعظم فلذا
اقتصر على قوله عظم قاله ابن الصلاح وللكشميهني فعظم
بزيادة الفاء (وإما الظفر فمدى الحبشة) وهم كفار وقد نهيتم
عن التشبه بهم، أو لأن الذبح به تعذيب للحيوان ولا يقع به
غالبًا إلا الخنق الذي ليس على صورة الذبح. وفي الحديث منع
الذبح بالسن والظفر متصلًا كان أو منفصلًا طاهرًا كان أو
متنجسًا وفرق الحنفية بين السن والظفر المتصلين فخصوا
المنع بهما وأجازوه بالمنفصلين، وفي المعرفة للبيهقي من
رواية حرملة عن الشافعي رحمه الله حمل الظفر في هذا الحديث
على النوع الذي يدخل في البخور والطيب.
16 - باب مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالأَصْنَامِ
(باب ما ذبح على النصب) بضم النون والصاد حجارة كانت لهم
منصوبة حول الكعبة يذبحون عليها الأصنام يعظمونها بذلك
ويتقربون به إليها وقيل هي ما يعبد من دون الله وحينئذٍ
فقوله (والأصنام) عطف تفسيري وهي جمع صنم وهو ما اتخذ
إلهًا من دون الله.
5499 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ أَخْبَرَنَا مُوسَى
بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّهُ سَمِعَ
عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ
عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ، وَذَاكَ
قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَحْيُ، فَقَدَّمَ
إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ
مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا
تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلاَ آكُلُ إِلاَّ
مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ".
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العميّ أبو الهيثم قال:
(حدّثنا عبد العزيز يعني ابن المختار)
بالخاء المعجمة البصري الدباغ قال: (أخبرنا موسى بن عقبة)
مولى آل الزبير ويقال: مولى أمّ خالد زوج الزبير الإمام في
المغازي (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم أنه سمع) أباه (عبد
الله) بن عمر بن
(8/276)
الخطاب -رضي الله عنهما- (يحدّث عن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه لقي زيد بن
عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء وعمرو بفتح العين وزيد
هذا والد سعيد بن زيد العدوي أحد العشرة المبشرة بالجنة
(بأسفل بلدح) بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الدال آخره
حاء مهملتين منصرف ولأبي ذر غير منصرف اسم موضع بالحجاز
قريب من مكة (وذاك قبل أن ينزل على رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي) وكان زيد في الجاهلية
يتعبد على دين إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فقدم إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سفرة فيها لحم) بفتح قاف فقدم والضمير في إليه
لزيد ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع
فاعل أو سفرة مفعول ولأبي ذر عن الكشميهني فقدم بضم القاف
مبنيًّا للمفعول إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سفرة وجمع بينهما بأن القوم الذين كانوا هناك
قدموا السفرة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقدمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزيد
(فأبى) فامتنع زيد (أن يأكل منها ثم قال): مخاطبًا للقوم
الذين قدموا السفرة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل
إلا مما) ولابن عساكر إلا ما (ذكر اسم الله عليه) عند
ذبحه. قال السهيليّ: إنما قال زيد ذلك برأي منه لا بشرع
بلغه فإن الذي في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا ما ذبح لغير
الله وتعقب بأن الذي في شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام
تحريم ما ذبح لغير الله تعالى وقد كان عدوّ الأصنام وفي
حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما. قال:
خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يومًا من مكة وهو مردفي فذبحنا شاة على بعض الأنصاب
فأنضجناها فلقينا زيد بن عمرو فذكر الحديث مطوّلًا وفيه
فقال زيد إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه. وقوله
ذبحنا شاة على بعض الأنصاب يعني الحجارة التي ليست بأصنام
ولا معبودة وإنما هي من آلاف الحجارة التي يذبح عليها.
فإن قلت: هل أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من ذلك؟ أجيب: بأن جعله في سفرة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يدل على أنه أكل
منه وكم من شيء يوضع في سفرة المسافر مما لم يأكل هو منه
وإنما لم ينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من معه
عن أكله لأنه لم يوح إليه بعد ولم يؤمر بتبليغ شيء تحريمًا
ولا تحليلًا، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لا يأكل من ذبائحهم التي يذبحونها لأصنامهم فأما ذبائحهم
التي يذبحونها لمآكلهم فلم نجد في الحديث أنه كان يتنزه
عنها وقد كان بين ظهرانيهم مقيمًا ولم يذكر أنه كان يتميز
عنهم إلا في أكل الميتة، وقد أباح الله تعالى لنا طعام أهل
الكتاب والنصارى والمشركون يذبحون ويشركون في ذلك بالله
قاله الخطابي.
وهذا الحديث قد سبق مطوّلًا في آخر المناقب في باب حديث
زيد بن عمرو بن نفيل.
17 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
فليذبح) أضحيته (على اسم الله) تعالى.
5500 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ
عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ
الْبَجَلِيِّ
قَالَ: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُضْحِيَّةً ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا
أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلاَةِ
فَلَمَّا انْصَرَفَ رَآهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ
الصَّلاَةِ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ
فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ
يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ
اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة)
الوضاح اليشكري (عن الأسود بن قيس) العبدي الكوفي (عن جندب
بن سفيان) هو جندب بن عبد الله بن سفيان (البجلي) بفتح
الموحدة والجيم أنه (قال: ضحينا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أضحية) بضم الهمزة وتشديد
التحتية ولأبي ذر وابن عساكر أضحاة مفرد الأضحى كالأرطأة
والأرطى (ذات يوم) من باب إضافة المسمى إلى اسمه (فإذا
أناس) بهمزة مضمومة ولأبي ذر عن الكشميهني فإذا أناس (قد
ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فلما انصرف) من
الصلاة (رآهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح
حتى صلينا فليذبح على اسم الله) يحتمل أن يكون المراد
الإذن في الذبح أو الأمر بالتسمية عليه ويؤخذ من الحديث أن
وقت الأضحية من مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفات من طلوع
الشمس، والأفضل تأخيرها إلى مضيّ ذلك من ارتفاعها كرمح
خروجًا من الخلاف.
وهذا الحديث قد سبق
(8/277)
في الضحايا قبل صلاة العيد.
18 - باب مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنَ الْقَصَبِ
وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ
(باب ما أنهر الدم) أي أساله (من القصب والمروة) حجر أبيض
أو الذي يقدح منه النار (والحديد) من ذوات الحد يحل لحديث
الطبراني في القصب والمروة لا مثقل كبندقة وعظم كسن وطفر
لحديث اذبحوا بكل شيء فري الأوداج ما خلا السن والظفر
وغيره من الأحاديث، وألحق بهما باقي العظام نغم ما قتلته
الجارحة بظفرها أو نابها حلال.
5501 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المقدمي
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ
سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ
أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ
تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ
غَنَمِهَا مَوْتًا. فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا.
فَقَالَ لأَهْلِهِ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَسْأَلَهُ، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ
يَسْأَلُهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَكْلِهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن أبي
بكر المقدمي) بفتح الدال المشددة ولفظ المقدمي ثابت في
رواية أبي ذر قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي
(عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر
(8/278)
العمري (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (سمع
ابن كعب بن مالك) عبد الرحمن، وقيل عبد الله وبه جزم المزي
في الأطراف والذي رجحه الحافظ ابن حجر الأول
(يخبر ابن عمر) عبد الله (أن أباه أخبره أن جارية لهم) أي
أعرف اسمها (كانت ترعى غنمًا بسلع) بفتح السين المهملة
وسكون اللام جبل بالمدينة (فأبصرت) أي الجارية (بشاة من
غنمها موتًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي موتها ولغير
أبي ذر كما في الفتح فأصيبت شاة بدل فأبصرت بشاة (فكسرت
حجرًا فذبحتها) ولأبي ذر عن الكشميهني فذكتها بتشديد الكاف
ولأبي ذر كما في الفتح زيادة به ولم يذكرها في الفرع
(فقال) أي كعب (لأهله: لا تأكلوا) شيئًا من هذه الشاة (حتى
آتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله أو)
قال (حتى أرسل إليه من يسأله) بالشك من الراوي (فأتى) كعب
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بعث إليه)
من سأله (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بأكلها) ولابن عساكر فأمره بأكلها وفيه التنصيص على الذبح
بالحجر.
وقد مرّ هذا الحديث في باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة
تموت من الوكالة.
5502 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَخْبَرَ عَبْدَ
اللَّهِ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ تَرْعَى
غَنَمًا لَهُ بِالْجُبَيْلِ الَّذِي بِالسُّوقِ وَهْوَ
بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ، فَكَسَرَتْ حَجَرًا
فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهَا.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا
جويرية) بن أسماء البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن رجل
من بني سلمة) بكسر اللام قيل هو ابن لكعب بن مالك (أخبر
عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (أن جارية لكعب بن
مالك) كانت (ترعى غنمًا له بالجبيل) بضم الجيم وفتح
الموحدة مصغرًا (الذي بالسوق) المدني (وهو) أي الجبيل
(بسلع فأصيبت شاة) من الغنم ولأبي ذر: بشاة بالجار (فكسرت)
أي الجارية (حجرًا فذبحتها به) بالحجر وسقط لغير أبي ذر
لفظ به (فذكروا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ذلك (فأمرهم بأكلها) وليس الأمر للوجوب بل
للإباحة.
5503 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ
بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَيْسَ لَنَا مُدًى فَقَالَ: «مَا أَنْهَرَ
الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ، لَيْسَ الظُّفُرَ
وَالسِّنَّ، أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ،
وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَنَدَّ بَعِيرٌ فَحَبَسَهُ
فَقَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ
الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا
هَكَذَا».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
بفتح الجيم والموحدة واللام الأزدي العتكي مولاهم المروزي
(قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان (عن شعبة) بن الحجاج
(عن سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رافع)
بفتح العين المهملة والموحدة المخففة ورافع بألف قبل الفاء
هو جدّ عباية وفي الفتح عباية بن رفاعة يعني بألف بعد
الفاء وهو والد عباية وفي الفرع وأصله سقوط ابن رافع لأبي
ذر (عن جدّه) رافع بن خديج -رضي الله عنه- (أنه قال: يا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس لنا
مدى) نذبح بها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(ما أنهر الدم وذكر اسم الله) عليه (فكُل) ولأبي ذر: فكلوا
(ليس الظفر والسن) بنصبهما خبر ليس (أما الظفر فمدى
الحبشة) فلا يشتبه بهم للنهي عن التشبه بالكفار (وأما السن
فعظم) هو ينجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيسه لأنه زاد إخوانكم
من الجن.
(وندّ بعير) هرب ونفر بعير من الإبل التي كان قسمها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فحبسه) الله بسبب
رجل من القوم رماه بسهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش) نفرات
كنفرات الوحش (فما غلبكم منها فاصنعوا هكذا) ولأبي ذر وابن
عساكر به هكذا.
وسبق هذا الحديث قريبًا.
19 - باب ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالأَمَةِ
(باب) حكم (ذبيحة المرأة والأمة).
5504 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً
بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا. وَقَالَ
اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا
مِنَ الأَنْصَارِ يُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ جَارِيَةً
لِكَعْبٍ بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا
عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان (عن
عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمر (عن نافع) مولى ابن
عمر (عن ابن لكعب بن مالك) عبد الرحمن كما رجحه الحافظ ابن
حجر وسقطت لام لكعب لأبي ذر. (عن أبيه) كعب (أن امرأة) وهي
جارية له (ذبحت شاة بحجر) له حدّ بحيث أسال الدم (فسئل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فأمر
بأكلها) أي أباحه.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا
نافع) مولى ابن عمر (أنه سمع رجلًا من الأنصار) يحتمل أن
يكون ابن كعب وإن لم يكن هو فهو مجهول لكن الرواية الأخرى
دلت على أن له أصلًا (يخبر عبد الله) بن عمر -رضي الله
عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
جارية لكعب بهذا) الحديث السابق.
5505 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ
رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ
فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا، فَأَدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا
بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «كُلُوهَا».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن رجل من
الأنصار عن معاذ بن سعد) بسكون العين (أو سعد بن معاذ)
الأنصاري كذا وقع حديثه على الشك وذكره ابن منده وغيره في
الصحابة أنه (أخبره أن جارية
لكعب بن مالك كانت ترعى غنمًا) لكعب (بسلع فأصيبت شاة
منها) ولأبي ذر بشاة بزيادة الجار (فأدركتها) الجارية
الراعية (فذبحتها) ولأبي ذر عن الكشميهني فذكّتها (بحجر
فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك
(فقال) لهم:
(كلوها) وفيه دليل لما ترجم له وهو جواز أكل ما ذبحته
المرأة سواء كانت حرّة أو أمة كبيرة أو صغيرة طاهرة أو غير
طاهرة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل ما
ذبحته ولم يستفصل نص عليه الشافعي، وهو قول الجمهور ونقل
محمد بن عبد الحكم كراهته عن مالك، وفي المدوّنة جوازه.
20 - باب لاَ يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالظُّفُرِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يذكى بالسن والعظم
والظفر).
5506 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «كُلْ يَعْنِي مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إِلاَّ
السِّنَّ وَالظُّفُرَ».
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة
قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق (عن
عباية بن رفاعة عن) جده (رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة
وكسر الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة جيم -رضي الله
عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): أي لي لما سألته يا رسول الله ليس لنا مدى
نذبح بها.
(كُل يعني) إذا ذبحت بكل (ما أنهر الدم) كالقصب والحجر
(إلا السن والظفر) زاد في غير هذه مما سبق أما السن فعظم
وبذلك تحصل المطابقة الكلية بين الحديث والترجمة.
21 - باب ذَبِيحَةِ الأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ
(باب) حكم (ذبيحة الأعراب) وهم ساكنو البادية (و) حكم
ذبيحة (نحوهم) بالواو ولأبي ذر عن الكشميهني ونحرهم بالراء
بدل الواو فالأول لغير الإبل.
5507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها-. أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا
بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
أَمْ لاَ، فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ
وَكُلُوهُ». قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ
بِالْكُفْرِ. تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ
وَتَابَعَهُ أَبُو خَالِدٍ وَالطُّفَاوِيُّ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
عبيد الله) بضم العين ابن زيد أبو ثابت مولى العثمان بن
عفان القرشي الأموي المدني قال: (حدّثنا أسامة بن حفص
المدني) ضعفه الأزدي بلا حجة (عن هشام بن عروة) بن الزبير
(عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن قومًا قالوا للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن قومًا) وللنسائي
إن ناسًا من الأعراب (يأتونا) ولأبي ذر وابن عساكر:
يأتوننا بزيادة
نون أخرى (باللحم) من البادية (لا ندري أذكر اسم الله
عليه) عند الذبح بضم ذال أذكر مبنيًّا للمفعول (أم لا؟
فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(سموا عليه أنتم وكلوه) وهذا ظاهر في عدم وجوب التسمية
وليس المراد من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سموا عليه أنتم إن تسميتهم على الأكل قائمة مقام التسمية
الفائتة على الذبح بل طلب الإتيان بالتسمية التي لم تفت
وهي التسمية على الأكل. (قالت) عائشة: (وكانوا) أي القوم
السائلون (حديثي عهد بالكفر) بإسقاط النون للإضافة وزاد
مالك في آخره وذلك في آخر الإسلام وقد تمسك بهذه الزيادة
قوم فزعموا إن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى: {ولا
تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]. وأجيب:
بأن في الحديث نفسه ما يرد ذلك لأنه أمرهم فيه بالتسمية
عند الأكل فدلّ على أن الآية كانت نزلت بالأمر بالتسمية
عند الأكل وأيضًا فقد اتفقوا على أن الأنعام مكية وأن هذه
القصة كانت بالمدينة وأن القوم كانوا من أعراب بادية
المدينة. وقال الطيبي: قوله اذكروا اسم الله أنتم وكلوا من
أسلوب
(8/279)
الحكيم كأنه قيل لهم لا تهتموا بذلك ولا
تسألوا عنه، والذي يهمكم الآن أن تذكروا اسم الله عليه.
(تابعه) أي تابع أسامة بن حفص (علي) هو ابن المديني (عن
الدراوردي) عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة مرفوعًا
كذلك وهذه المتابعة وصلها الإسماعيلي (وتابعه) أي وتابع
أسامة أيضًا (أبو خالد) سليمان بن حيان الأحمر فيما وصله
المصنف في كتاب التوحيد (و) تابعه أيضًا (الطفاوي) بضم
الطاء المهملة بعدها فاء محمد بن عبد الرحمن فيما وصله
المؤلّف في البيوع كلاهما مرفوعًا لكن خالفهم مالك فرواه
عن هشام عن أبيه مرسلًا لم يذكر عائشة، ووافق مالكًا على
إرساله الحمادان وابن عيينة والقطان عن هشام وهو أشبه
بالصواب قاله الدارقطني والحكم للواصل إذ زاد عدد من وصل
على من أرسل واختلف بقرينة تقوي الوصل كما هنا إذ عروة
معروف بالرواية عن عائشة مشهور بالأخذ عنها ففيه إشعار
بحفظ من وصله عن هشام دون من أرسله.
22 - باب ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا مِنْ
أَهْلِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ
حِلٌّ لَهُمْ} وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ بَأْسَ
بِذَبِيحَةِ نَصَارِىِّ الْعَرَبِ، وَإِنْ سَمِعْتَهُ
يُسَمِّي لِغَيْرِ اللَّهِ فَلاَ تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ
تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ
وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ
وَإِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الأَقْلَفِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ
(باب) جواز أكل (ذبائح أهل الكتاب) اليهود والنصارى (و)
جواز أكل (شحومها) أي شحوم ذبائح أهل الكتاب (من أهل
الحرب) الذين لا يعطون الجزية (وغيرهم) وغير أهل الحرب من
الذين يعطون الجزية لأن التذكية لا تقع على بعض أجزاء
المذبوح دون بعض وإذا كانت التذكية
سائغة في جميعها دخل الشحم لا محالة وعن مالك وأحمد تحريم
ما حرّم على أهل الكتاب كالشحوم.
(وقوله تعالى: {اليوم أحلّ لكم الطيبات}) وهي ما ليس بخبيث
منها وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنّة أو إجماع أو
قياس ({وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لهم}) أي ذبائحهم لأن
سائر الأطعمة لا يختص حلّها بالملة، وسقط لأبي ذر اليوم،
وقوله: {وطعام الذين} إلى آخره وبإثبات قوله: {وطعام
الذين} إلى آخره يتم الاستدلال إذ لم يخص ذميًّا من حربي
ولا لحمًا من شحم وكون الشحوم محرمة عليهم لا يضرنا ذلك
لأنها محرمة عليهم لا علينا، والمراد بأهل الكتاب اليهود
والنصارى ومن دخل في دينهم قبل بعثة نبينا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأما من دخل دينهم بعد المبعث فلا
تحل ذبيحته ({وطعامكم حلّ لهم}) [المائدة: 5].
(وقال الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله عبد الرزاق (لا بأس
بذبيحة نصارى العرب) والذي في اليونينية نصاريّ العرب بكسر
الراء وتشديد التحتية وهو مروي عن ابن عباس أيضًا كما في
اللباب (وإن سمعته) أي الذمي (يسمي لغير الله) كأن يذبح
باسم المسيح (فلا تأكل). وبه قال ابن عمر وهو قول ربيعة،
وبه قال إمامنا الشافعي: وعبارته إن كان لهم ذبح يسمون
عليه غير اسم الله مثل اسم المسيح لم يحل وإن ذكر المسيح
على معنى الصلاة عليه لم يحرم، وحكى البيهقي بحثًا عن
الحليمي أن أهل الكتاب إنما يذبحون لله تعالى وهم في أصل
دينهم لا يقصدون بعبادتهم إلا الله فإذا كان قصدهم في
الأصل ذلك اغتفرت ذبيحتهم ولم يضر قول من قال منهم مثلًا
باسم المسيح لأنه يريد بذلك إلا الله وإن كان قد كفر بذلك
الاعتقاد، (وإن لم تسمعه) يسمي لغير الله (فقد أحله الله).
زاد أبو ذر لك (وعلم كفرهم، ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه
(عن عليّ نحوه) أي نحو ما روي عن الزهري وسياقه بصيغة
التمريض يُشعر بأنه لم يصح عنه، بل روي عن عليّ أنه استثنى
نصارى بني تغلب، وقال: ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا
منها إلا شرب الخمر. قال في اللباب: وبه أخذ الشافعي
انتهى. ورواه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن محمد
بن سيرين عن عبيدة السلماني عن عليّ.
(وقال الحسن) البصري فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه
(وإبراهيم) النخعي فيما أخرجه أبو بكر الخلال (لا بأس
بذبيحة الأقلف) بالقاف ثم الفاء الذي لم يختن لكن أخرج ابن
المنذر عن ابن عباس الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تقبل صلاته
ولا شهادته، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على جواز ذبيحته
لأنه سبحانه أباح ذبائح أهل الكتاب ومنهم من لا يختتن.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مفسرًا لقوله عز وجل:
{وطعام الذين أوتوا الكتاب}
(8/280)
(طعامهم ذبائحهم) وهذا وصله البيهقي وثبت
للمستملي وسقط لغيره.
5508 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ - رضي
الله عنه - قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ،
فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ
لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد بن هلال) العدوي
أبي نصر البصري (عن عبد الله بن مغفل) بفتح الغين المعجمة
والفاء مشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا محاصرين قصر
خيبر فرمى إنسان) أي أعرفه (بجراب) بكسر الجيم (فيه شحم)
من شحم يهود (فنزوت) بالفاء والنون والزاي المفتوحات
والواو الساكنة بعدها مثناة فوقية أي وثبت ولأبي ذر عن
الكشميهني فبدرت أي أسرعت (لآخده فالتفت فإذا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحييت منه) لكونه
اطّلع على حرصي عليه، زاد أبو داود الطيالسي، قال -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هو لك) وكأنه عرف شدة حاجته
إليه فسوّغ له الاستئثار به وفيه حجة لجواز الشحوم لأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرّ ابن مغفل على
الانتفاع بما في الجراب وفيه جواز أكل الشحم مما ذبحه أهل
الكتاب ولو كانوا أهل حرب.
وهذا الحديث سبق في الخمس في باب ما يصيب من الطعام في أرض
الحرب، وزاد هنا الحموي والكشميهني ما سبق قبل للمستملي،
وهو قوله، وقال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم.
23 - باب مَا نَدَّ مِنَ الْبَهَائِمِ فَهْوَ بِمَنْزِلَةِ
الْوَحْشِ. وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مَا أَعْجَزَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا فِي
يَدَيْكَ فَهْوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي
بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ وَرَأَى
ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ
(باب ما ندّ) أي فرّ وشرد (من البهائم) الإنسية (فهو
بمنزلة الوحش) في عقره على أي صفة اتفقت (وأجازه) أي عقر
البهائم كالوحش (ابن مسعود) عبد الله مما وصله ابن أبي
شيبة بمعناه (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (ما أعجزك)
ذبحه (من البهائم) الإنسية (مما في يديك) بالتثنية مما كان
لك وفي تصرفك فتوحش (فهو كالصيد) في أي شيء منه أصبته فهو
ذكاته وهذا وصله ابن أبي شيبة (و) قال ابن عباس أيضًا فيما
وصله عبد الرزاق (في بعير تردّى) وقع (في بئر من حيث قدرت
عليه فذكّه) بكسر الهاء ولأبي ذر فذكه بكسر الهاء من حيث
قدرت بالتقديم والتأخير وإسقاط عليه وكذلك بالتقديم
والتأخير لابن عساكر لكن بإثبات لفظ عليه (ورأى ذلك) الحكم
المذكور فيما يند (علي) أي ابن أبي طالب فيما وصله ابن أبي
شيبة (وابن عمر) بضم العين فيما وصله عبد الرزاق (وعائشة)
-رضي الله عنهم- قال في الفتح: لم أقف على أثر عائشة
موصولًا، وقال مالك والليث: لا يحل الإنسي إذا توحش إلاّ
بتذكيته في حلقه.
5509 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا
يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ
عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى.
فَقَالَ: «اعْجَلْ -أَوْ أَرِنْ- مَا أَنْهَرَ الدَّمَ
وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ
وَالظُّفُرَ
وَسَأُحَدِّثُكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا
الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ». وَأَصَبْنَا نَهْبَ
إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ
رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِهَذِهِ
الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَإِذَا
غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمرو بن
عليّ) بفتح العين ابن بحر البصر الصيرفي قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثور قال:
(حدّثنا أبي) سعيد بن مسروق (عن عباية بن رفاعة بن رافع بن
خديج) وسقط لأبي ذر وابن عساكر: ابن رافع فيكون منسوبًا
لجدّه (عن) جده (رافع بن خديج) أنه (قال: قلت: يا رسول
الله إنّا لاقو العدوّ غدًا) جملة في محل معمول القول
ولاقو خبر إن وأصل لاقو لاقيون حذفت منه النون للإضافة
فصار لاقيو والعرب تعاف الضمة قبلها كسرة فحذفوا الكسرة
وألقوا على القاف ضمة الياء فحذفت الياء لسكونها وسكون
الواو وغدًا: ظرف زمان وكانوا بذي الحليفة وليست بالميقات
كما مرّ (وليست معنا مدى) نذبح بها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لي:
(أعجل) بهمزة مفتوحة وعين مهملة ساكنة وجيم مفتوحة في
الفرع كأصله، وقال العيني بكسر الهمزة، وقال في المصابيح:
بهمزة وصل تكسر في الابتداء وجيم مفتوحة أمر من العجلة أبي
أعجل لا تموت الذبيحة خنقًا (أو أرنِ ما أنهر الدم) بفتح
الهمزة وكسر الراء وسكون النون بوزن أفل فحذفت عين الفعل
في الأمر لأنه من أران يرين فالأمر أرن كاطع من أطاع يطيع
والمعنى أهلك الذي تذبحه بما يسيل الدم، ولأبي ذر أرن
بسكون الراء وكسر النون من باب أفعل والأمر منه أرن بفتح
الهمزة وسكون الراء وكسر النون، والمعنى على هذا انظر ما
أنهر الدم إلى الذي تذبحه فما أنهر الدم في موضع نصب على
المفعولية. وقال في المصابيح كالتنقيح وعند الأصيلي: أرني
بهمزة قطع مفتوحة وراء مكسورة ونون مكسورة بعدها ياء
المتكلم، وقيل صوابه أيرن ومعناه خف وأنشط
(8/281)
وأعجل لئلا تختنق الذبيحة لأنه إذا كان
بغير حديد احتاج صاحبه إلى خفة يد في إمرار تلك الآلة على
المريء والحلقوم قبل أن تهلك الذبيحة بما ينالها من ألم
الضغط وهو من قولهم: أرن يأرن أرنًا إذا نشط فهو آرن
والأمر أيرن على وزن احفظ ورجح النووي أن أرن بمعنى أعجل
وأنه شك من الراو وضبط أعجل بكسر الجيم يعني أن المراد
الذبح بما يسرع القطع ويجري الدم (وذكر اسم الله عليه فكُل
ليس السن والظفر) بنصبهما كما مرّ (وسأحدثك) عن ذلك (أما
السن فعظم) لا يذبح (وأما الظفر فمدى الحبشة) وهم كفار وقد
نهي عن التشبه بالكفار ولأبي ذر عن الكشميهني فمد الحبش
بالتذكير.
قال ابن خديج: (وأصبنا نهب إبل) بفتح النون من المغنم
ولأبي ذر عن الكشميهني: نهبة إبل بضم النون وبعد الموحدة
هاء تأنيث (وغنم فندّ منها بعير فرماه رجل) أي أعرف اسمه
(بسهم فحبسه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش) نفرات
كنفراتها (فإذا غلبكم منها شيء) بأن توحّش (فافعلوا به
هكذا) وكلوه.
وهذا الحديث قد سبق في باب التسمية على الذبيحة.
24 - باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ لاَ ذَبْحَ وَلاَ
مَنْحَرَ إِلاَّ فِي الْمَذْبَحِ وَالْمَنْحَرِ. قُلْتُ:
أَيَجْزِي مَا يُذْبَحُ أَنْ أَنْحَرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
ذَكَرَ اللَّهُ ذَبْحَ الْبَقَرَةِ، فَإِنْ ذَبَحْتَ
شَيْئًا يُنْحَرُ جَازَ، وَالنَّحْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ،
وَالذَّبْحُ قَطْعُ الأَوْدَاجِ. قُلْتُ فَيُخَلِّفُ
الأَوْدَاجَ حَتَّى يَقْطَعَ النِّخَاعَ؟ قَالَ: لاَ
إِخَالُ. وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَهَى
عَنِ النَّخْعِ يَقُولُ: يَقْطَعُ مَا دُونَ الْعَظْمِ،
ثُمَّ يَدَعُ حَتَّى تَمُوتَ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَقَالَ:
{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَقَالَ سَعِيدٌ
بْنِ جُبَيرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي
الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ: إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلاَ بَأْسَ.
(باب النحر) للإبل في اللبة (والذبح) لغيرها في الحلق
(وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله عبد
الرزاق عن ابن جريج (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (لا ذبح ولا
نحر) بلفظ المصدر فيهما وفي الفرع كأصله ولا منحر بميم
ونون ساكنة (إلا في المذبح والمنحر) اسما مكان الذبح
والنحر لف ونشر مرتب. قال ابن جريج: (قلت) لعطاء (أيجزئ)
بفتح التحتية بغير همز (ما يذبح) بضم أوله وفتح ثالثه (أن
أنحره؟ قال: نعم ذكر الله) تعالى (ذبح البقرة) في سورتها
بقوله: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: 67] (فإن
ذبحت شيئًا آخر ينحر) أو نحرت شيئًا يذبح (جاز) من غير
كراهة لأنه لم يرد فيه نهي والخطاب في ذبحت من عطاء لابن
جريج (والنحر أحب إليّ) هو من قول عطاء (والذبح قطع
الأوداج) جمع ودج بفتح الدال وبالجيم وهو العرق الذي في
الأخدع وهما عرقان متقابلان.
واستشكل التعبير بالجمع لأنه ليس لكل بهيمة سوى ودجين.
وأجيب: باحتمال أنه أضاف كل ودجين إلى الأنواع كلها أو هو
من باب تسمية الجزء باسم الكل ومنه قوله عظيم المناكب
وعظيم المشافر. وفي كتب أكثر الحنفية إذا قطع من الأوداج
الأربعة ثلاثة حصلت التذكية وهي الحلقوم والمريء وعرق من
كل جانب.
قال ابن جريج (قلت) لعطاء (فيخلف) بترك الذابح (الأوداج
حتى يقطع النخاع) بكسر النون مصححًا عليه في الفرع كأصله،
وقال في المصابيح: بضم النون، وحكى الكسائي فيه عن بعض
العرب الكسر وهو الخيط الأبيض الذي في فقار الظهر والرقبة.
(قال) عطاء (لا إخال) بكسر الهمزة والهاء المعجمة أي لا
أظن وفي نسخة اليونينية لا أخاف. قال ابن جريج: (وأخبرني)
بالإفراد ولأبي ذر: فأخبرني بالفاء بدل الواو (نافع) مولى
ابن عمر (أن ابن عمر نهى عن النخع) بفتح النون وسكون
المعجمة وهو أن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم الرقبة
(يقول: يقطع ما
دون العظم ثم يدع) ثم يترك المذبوح (حتى يموت. وقول الله
تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا
بقرة} وقال: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}) [البقرة: 71]
وسقط لأبي ذر لفظ وقال: وقال بعد {بقرة} إلى {فذبحوها وما
كادوا يفعلون} وهذا من بقية الترجمة، وتفسير قول ابن جريج
ذكر الله ذبح البقرة وفيه إشارة إلى اختصاص البقر بالذبح.
(وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما
وصله سعيد بن منصور والبيهقي (الذكاة في الحلق واللبة)
بفتح اللام والموحدة المشددة موضع القلادة من الصدر.
(وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله أبو موسى الزمن
من رواية أبي مجلز عنه (وابن عباس) -رضي الله عنهما- مما
وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح (وأنس) -رضي الله عنه- مما
وصله ابن أبي شيبة (إذا قطع الرأس) مما يذبحه حال الذبح
(فلا
(8/282)
بأس) بأكلها.
5510 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ امْرَأَتِي
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-
قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي
قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام بن عروة) بن الزبير
أنه (قال) ولابن عساكر: حدّثنا هشام بن عروة قال:
(أخبرتني) بالإفراد (فاطمة بنت المنذر امرأتي عن أسماء بنت
أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: نحرنا على عهد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه
المعهود (فرسًا فأكلناه).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح وكذا النسائي وابن
ماجة.
5511 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ
عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: ذَبَحْنَا عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَرَسًا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ
فَأَكَلْنَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق) بن
راهويه أنه (سمع عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن
سليمان (عن هشام عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر (عن أسماء)
بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنها (قالت: ذبحنا على عهد
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا ونحن
بالمدينة فأكلناه).
5512 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ
هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ
أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. تَابَعَهُ وَكِيعٌ
وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي النَّحْرِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو
ابن عبد الحميد (عن هشام) هو ابن عروة (عن فاطمة بنت
المنذر) زوجته (أن أسماء بنت أبي بكر) -رضي الله عنهما-
(قالت: نحرنا على عهد رسول الله) أي زمنه ولابن عساكر:
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا) يطلق
على الذكر والأنثى (فأكلناه)
وفي الأولى والثالثة بلفظ النحر وفي الثانية بلفظ الذبح
والاختلاف فيه على هشام فلعله كان يرويه تارة كذا وتارة
كذا، وهو يشعر باستواء اللفظين في المعنى وأن كلاًّ منهما
يطلق على الآخر مجازًا وحمله بعضهم على التعدد لتغاير
النحر والذبح وإن كان الأولى أن النحر في الإبل والذبح في
غيرها (تابعه) أي تابع جريرًا (وكيع) هو ابن الجراح فيما
وصله أحمد ومسلم (و) تابعه أيضًا (ابن عيينة) سفيان فيما
وصله المؤلّف بعد عن الحميدي عنه كلاهما (عن هشام) أي ابن
عروة (في النحر).
25 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُثْلَةِ وَالْمَصْبُورَةِ
وَالْمُجَثَّمَةِ
(باب ما يكره من المثلة) بضم الميم وسكون المثلثة وهي قطع
أطراف الحيوان أو بعضها وهو حي (و) باب حكم (المصبورة)
بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وضم الموحدة الدابة التي
تحبس حية لتقتل بالرمي ونحوه (و) حكم (المجثمة) بضم الميم
وفتح الجيم والمثلثة المشددة التي تربط وتجعل غرضًا للرمي
أو خاصة بالطير فإذا ماتت من ذلك حرّم أكلها لأنها موقوذة.
5513 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ
عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ
فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ
أَنَسٌ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد) أي ابن أنس
بن مالك أنه (قال: دخلت مع) جدي (أنس على الحكم بن أيوب)
بن أبي عقيل الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف ونائبه على
البصرة وزوج أخته زينب بنت يوسف وكان يضاهي ابن عمه الحجاج
في الجور (فرأى غلمانًا أو فتيانًا) بكسر الفاء لم يعرف
الحافظ ابن حجر أسماءهم والشك من الراوي (نصبوا دجاجة
يرمونها فقال أنس: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن تصبّر البهائم) بضم الفوقية وسكون الصاد
المهملة وفتح الموحدة أي تحبس لترمى حتى تموت.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذباح وأبو داود في الأضاحي
وابن ماجة.
5514 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلاَمٌ مِنْ
بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى
إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ
بِهَا وَبِالْغُلاَمِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا
غُلاَمَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ
لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ
غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن
يعقوب) المسعودي الكوفي قال: (حدّثنا إسحاق بن سعيد بن
عمرو) بفتح العين وكسرها من سعيد (عن أبيه أنه سمعه يحدث
عن
ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه دخل إلى يحيى بن سعيد) أي
ابن العاص وهو أخو عمرو المعروف بالأشدق ابن سعيد بن العاص
والد سعيد بن عمرو راويه عن ابن عمر (وغلام من بني يحيى
رابط دجاجة يرميها) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه؛
وكان ليحيى من الأولاد المذكور عثمان وعنبسة وأبان
وإسماعيل وسعيد ومحمد وهشام وعمرو (فمشى إليها) إلى
الدجاجة (ابن عمر حتى حلّها) بتشديد اللام ولابن عساكر
وأبي ذر عن المستملي حملها بزيادة ميم مشددة وليس في
اليونينية تشديد على ميم حملها والأولى أنسب لقوله رابط
(ثم أقبل بها وبالغلام) الرامي لها (معه فقال: ازجروا
غلامكم عن أنس يصبر) ولأبي ذر عن الكشميهني غلمانكم عن أن
يصبروا (هذا الطير) يحبسه (للقتل فإني سمعت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى)
(8/283)
ولأبي ذر عن المستملي والحموي ينهى (أن
تصبر) بضم الفوقية وفتح الموحدة أن تحبس (بهيمة أو غيرها
للقتل) وأو للتنويع فدخل الطير.
وهذا الحديث من أفراده.
5515 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ
أَوْ بِنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَلَمَّا
رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ
عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا.
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا
أبو عوانة) بفتح العين المهملة الوضاح (عن أبي بشر)
بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة جعفر بن أبي وحشية (عن
سعيد بن جبير) أنه (قال: كنت عند ابن عمر) -رضي الله
عنهما- (فأمروا بفتية) بكسر الفاء جمع فتى والفتوة بذل
الندى وكفّ الأذى وترك الشكوى واجتناب المحارم واستعمال
المكارم (أو) مروا (بنفر) بالشك من الراوي حال كونهم
(نصبوا دجاجة) حال كونهم (يرمونها) ليقتلوها (فلما رأوا
ابن عمر تفرّقوا عنها. وقال ابن عمر: من فعل هذا) بهذه
الدجاجة؟ (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لعن من فعل هذا). بالحيوان، وفي مسلم: لعن من اتّخذ شيئًا
فيه الروح غرضًا بمعجمتين واللعن من دلائل التحريم كما لا
يخفى.
0000 - حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ وَقَالَ عَدِيٌّ
عَنْ سَعِيدٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(تابعه) أي تابع أبا بشر (سليمان) بن حرب لا أبو داود
الطيالسي فيما وصله البيهقي (عن شعبة) بن الحجاج قال:
(حدّثنا المنهال) بكسر الميم ابن عمرو (عن سعيد) أي ابن
جبير (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: (لعن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مثّل بالحيوان)
بتشديد المثلثة أي جعله مثلة (وقال عدي) هو ابن ثابت (عن
سعيد) هو ابن جبير (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه
مسلم والنسائي بلفظ: لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا.
5516 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ:
سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنِ
النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي
بن ثابت) الأنصاري الثقة (قال: سمعت عبد الله بن يزيد)
الخطمي الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى عن النهبة) بضم النون وسكون
الهاء أخذ مال الغير قهرًا ومنه أخذ مال الغنيمة قبل
القسمة اختطافًا بغير تسوية ولأبي ذر وابن عساكر: عن
النهبى بغير هاء مقصورًا (و) عن (المثلة).
26 - باب الدَّجَاجِ
(باب) حكم أكل لحم (الدجاج) بتثليث الدال المهملة كما حكاه
المنذري في الحاشية وابن مالك وابن معين الدمشقي الواحدة
دجاجة والهاء فيه للوحدة كالحمام والحمامة، وسميت بذلك كما
قال ابن سيدة: لإقبالها وإدبارها يقال دج القوم يدجون
دجًّا ودجيجًا إذا مشوا مشيًا رويدًا في تقارب خطو وقيل:
أن يقبلوا ويدبروا ولأبي ذر: باب لحم الدجاج.
5517 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ
زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى يَعْنِي
الأَشْعَرِىَّ رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ دَجَاجًا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي في قول ابن
السكن أو هو ابن جعفر بن أعين أبو زكريا البيكندي فيما جزم
به أبو نعيم والكلاباذي قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو
وكسر الكاف ابن الجراح أحد الأعلام (عن سفيان عن أيوب) بن
أبي تميمة السختياني الإمام (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد
الله بن زيد الجرمي (عن زهدم) بفتح الزاي والدال المهملة
بينهما هاء ساكنة ابن مضرب (الجرمي) بفتح الجيم وسكون
الراء (عن أبي موسى يعني الأشعري -رضي الله عنه-) سقط لأبي
ذر يعني الأشعري أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل دجاجًا) فيه دليل حلّه وهو من
الطيبات وأكل الفتيّ منه يزيد في العقل والمني ويصفي
الصوت.
5518 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ عَنِ
الْقَاسِمِ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي
مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا
الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ
لَحْمُ دَجَاجٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ
فَلَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ، قَالَ: ادْنُ فَقَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ مِنْهُ. قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ
أَكَلَ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ
آكُلَهُ. فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ أَوْ أُحَدِّثْكَ،
إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ،
فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، وَهْوَ يَقْسِمُ نَعَمًا
مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ: فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ
أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ
عَلَيْهِ. ثُمَّ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبٍ مِنْ إِبِلٍ، فَقَالَ:
أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ؟ قَالَ:
فَأَعْطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَبِثْنَا
غَيْرَ بَعِيدٍ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: نَسِيَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ،
فَوَاللَّهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ
لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا اسْتَحْمَلْنَاكَ فَحَلَفْتَ أَنْ
لاَ تَحْمِلَنَا، فَظَنَنَّا أَنَّكَ نَسِيتَ يَمِينَكَ.
فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي
وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ
فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ
الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة
ساكنة عبد الله المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن
سعيد البصري قال: (حدّثنا أيوب بن أبي تميمة) كيسان
السختياني (عن القاسم) بن عاصم الكليني (عن زهدم) بفتح
الزاي والدال المهملة بينهما هاء ساكنة ابن مضرب بضم الميم
وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة الجرمي
أنه (قال: كنا عند أبي موسى الأشعري وكان بيننا وبين هذا
الحي من جرم) بفتح الجيم (إخاء) بكسر الهمزة والمد والحي
بالخفض صفة لاسم الإشارة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
بيننا وبينه هذا الحيّ بالرفع، وقال السفاقسي: بالخفض
بدلًا من الضمير في بينه ورد بأنه يصير تقدير الكلام أن
زهدمًا الجرمي قال: كان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء،
وليس المراد وإنما المراد أن
(8/284)
أبا موسى وقومه الأشعريين كانوا أهل مودّة
وإخاء لقوم زهدم وهم بنو جرم، ورواية الكشميهني السابقة
هنا تؤيد ما قاله السفاقسي إلا أن المعنى غير صحيح وفي آخر
كتاب التوحيد عن زهدم قال: كان بين هذا الحي من جرم وبين
الأشعريين ودّ وإخاء وهذه الرواية هي المعتمدة كما قاله في
الفتح. (فأتي) بضم الهمزة أبو موسى (بطعام فيه لحم دجاج
وفي القوم رجل جالس أحمر) اللون (فلم يدن من طعامه فقال:
ادن) فكُل (فقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يأكل منه) وفي الترمذي من طريق قتادة عن زهدم
قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجًا فقال: ادن فكُل
ففيه أن المبهم هو زهدم الراوي أبهم نفسه وقد كان زهدم هذا
ينتسب تارة لبني جرم وتارة لبني تيم الله، وجرم قبيلة من
قضاعة ينسبون إلى جرم بن زبان بزاي وموحدة ثقيلة ابن عمران
بن لحاف بن قضاعة وتيم الله بطن من بني كلب وهم قبيلة من
قضاعة أيضًا ينسبون إلى تيم الله بن رفيدة بفاء مصغرًا ابن
ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن
قضاعة فحلوان عمّ جرم.
قال الرشاطي في الأنساب: وكثيرًا ما ينسبون الرجل إلى
أعمامه قاله في الفتح.
(قال) الرجل لأبي موسى معتذرًا عن كونه لم يقرب للأكل (إني
رأيته) أي جنس الدجاج (يأكل شيئًا) قذرًا (فقذرته) بكسر
المعجمة (فحلفت أن لا آكله) وكأنه ظنه أنه أكثر من أكله
بحيث صار من الجلالة فبيّن أنه ليس كذلك (فقال: ادن) أي
أقرب (أخبرك) بالجزم جواب الأمر ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي إذن أخبرك بكسر الهمزة وفتح الذال المعجمة وسكون
النون وأخبرك نصب بإذن (أو أحدثك) شك من الراوي (أني أتيت
النبي) ولأبي ذر وابن عساكر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين فوافقته وهو
غضبان، وهو يقسم نعمًا من نِعم الصدقة فاستحملناه) طلبنا
منه إبلًا تحملنا (فحلف أن لا يحملنا فقال):
(ما عند ما أحملكم عليه ثم أتي) بضم الهمزة (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنهب) من غنيمة (من
إبل
فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أين
الأشعريون أين الأشعريون)؟ مرتين (قال) أبو موسى (فأعطانا)
عليه الصلاة والسلام (خمس ذود) نصب على المفعول مضاف لذود
وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل، واستنكر أبو
البقاء في غريبه الإضافة فقال: والصواب تنوين خمس وأن يكون
ذود بدلًا من خمس فإنه لو كان بغير تنوين وأضفت لتغير
المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه فيلزم أن يكون
خمس ذود خمسة عشر بعيرًا لأن الإبل الذود ثلاثة انتهى.
وتعقبه في فتح الباري فقال: وما أدري كيف حكم بفساد المعنى
إذا كان العدد كذا وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرًا فما
الذي يضر؟ وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين وهذين
القرينين إلى أن عدّ ست مرات، والذي قاله: إنما يتم أن لو
جاءت رواية صريحة أنه لم يعطهم سوى خمسة أبعرة، وتعقبه
العيني فقال: رده مردود عليه لأن أبا البقاء إنما قال ما
قاله في هذه الرواية ولم يقل إن الذي قاله يتأتى في جميع
طرق هذا الحديث انتهى.
وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن القصة واحدة والطرق يفسر
بعضها بعضًا فلا وجه لردّ رواية الإضافة مع توجيهها بورود
بعض طرق الخبر بما يصححها انتهى.
وقال في المصابيح رادًّا على قول أبي البقاء هذا خيال فاسد
يلزم عليه أن يكون المأخوذ في قولك أخذت خمسة أسياف خمسة
عشر سيفًا لأن أقل الأسياف ثلاثة وهذا عين ما قاله وبطلانه
مقطوع به.
(غير الذرى) بضم الغين المعجمة جمع أغر منصوب ويجر والأغر
الأبيض والذرى بضم الذال المعجمة مقصورًا جمع ذروة وذروة
كل شيء أعلاه والمراد هنا أسنمة الإبل (فلبثنا) مكثنا (غير
بعيد، فقلت لأصحابي: نسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) الذي حلف لا يحملنا (فوالله
لئن تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يمينه لا نفلح أبدًا فرجعنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا:
(8/285)
يا رسول الله إنّا استحملناك) أي طلبنا منك
إبلًا تحملنا علينا (فحلفت أن لا تحملنا فظننا أنك نسيت
يمينك فقال) صلوات الله وسلامه عليه:
(إن الله هو حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على
يمين) أي محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما
والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه أو على بمعنى الباء
وعند النسائي إذا حلفت بيمين لكن قوله (فأرى غيرها خيرًا
منها) يدل على الأوّل لأن الضمير لا يصح عوده على اليمين
بمعناه الحقيقي والمراد أن يظهر له بالعلم أو غلبة الظن أن
غير المحلوف عليه خير منه والمراد بغيره إن كان فعلًا ترك
ذلك الفعل وإن ترك شيء فهو ذلك الشيء (إلا أتيت الذي هو
خير) من الذي حلفت عليه (وتحللتها) بالكفارة.
وفي الحديث حلّ أكل الدجاج مطلقًا. نعم إذا ظهر تغير لحم
الجلالة من دجاج أو نعم وهي التي تأكل العذرة اليابسة
أخذًا من الجلة بفتح الجيم بالرائحة والنتن في عرقها وغيره
حرم أكلها، وقيل يكره، وصحح النووي الكراهة فإن علفت
طاهرًا فطاب لحمها بزوال الرائحة حلّ
الأكل بالذبح من غير كراهة ويجري الخلاف في لبنها وبيضها
وعلى الحرمة يكون اللحم نجسًا وهي في حياتها طاهرة والأصل
في ذلك حديث ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نهى عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تعلف
أربعين ليلة رواه الدارقطني والبيهقي وقال: ليس بالقوي،
وقال الحاكم صحيح الإسناد، ولفظ نهى يصدق بالحرمة
والكراهة.
وحديث الباب سبق في باب قدوم الأشعريين.
27 - باب لُحُومِ الْخَيْلِ
(باب) حكم (لحوم الخيل) جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه
كالقوم أو مفرده خائل وسميت بذلك لاختيالها في المشية
ويكفي في شرفها أن الله تعالى أقسم بها في كتابه بقوله:
{والعاديات ضبحًا} [العاديات: 1].
5519 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ
قَالَتْ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلْنَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة
(عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر (عن أسماء) ذات النطاقين
بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- أنها (قالت: نحرنا
فرسًا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في زمنه ونحن بالمدينة وضمير الفاعل يعود على
الذي باشر النحر منهم، وإنما أتى بضمير الجمع لكونه عن
رضًا منهم (فأكلناه) زاد الدارقطني: نحن وأهل بيت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه إشعار بأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطّلع على ذلك
والصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهده -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان له حكم الرفع على الصحيح، لأن
الظاهر اطّلاعه على ذلك وتقريره وإذا كان هذا في مطلق
الصحابي فكيف بآل أبي بكر الصديق مع شدّة اختلاطهم به عليه
الصلاة والسلام وعدم مفارقتهم له.
وهذا الحديث سبق في باب النحر والذبح.
5520 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهم-
قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين والدال
الأولى المشدّدة المهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن
زيد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ابن درهم وسقط لأبي
ذر ابن زيد (عن عمرو بن دينار) بفتح العين المكي (عن محمد
بن علي) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي جعفر الباقر
(عن جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهم- كذا أدخل حماد بن
زيد بين عمرو بن دينار، وبين جابر في هذا الحديث محمد بن
علي وأسقطه النسائي والترمذي ووافق حمادًا على إدخال
الواسطة ابن جريج لكنه لم يسمه أخرجه أبو داود، وقد قيل إن
عمرو بن دينار لم يسمع من جابر
فإن ثبت سماعه منه فتكون رواية حماد من المزيد في متصل
الأسانيد وإلاّ فرواية حماد بن زيد هي المتصلة ولئن سلمنا
وجود التعارض من كل جهة فللحديث طرق أخرى عن جابر غير هذه
فهو صحيح على كل حال (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (يوم) حصار (خيبر عن لحوم
الحمر) أي الأهلية (ورخّص في لحوم الخيل) استدلّ به من قال
بالتحريم لأن الرخصة استباحة محظور مع قيام المانع، فدلّ
على أنه رخص لهم فيها بسبب المخمصة التي أصابتهم بخيبر فلا
يدل ذلك على الحل المطلب.
وأجيب: بأن أكثر الروايات جاء بلفظ الإذن وبعضها بالأمر
فدلّ على
(8/286)
أن المراد بقوله رخص إذن وأن الإذن للإباحة
العامة لا لخصوص الضرورة، والمشهور عند المالكية التحريم
وصححه في المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة وخالفه
صاحباه، واستدلال المانعين بلام العلة المفيدة للحصر في
قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}
[النحل: 8] الدالة على أنها لم تخلق لغير ما ذكر وبعطف
البغال والحمير وهو يقتضي الاشتراك في التحريم وبأنها سيقت
للامتنان، فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به
أعظم، وبأنه لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع
الامتنان به من الركوب والزينة.
وأجيب: بأن اللام وإن أفادت التعليل لكنها لا تفيد الحصر
في الركوب والزينة إذ ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير
الأكل اتفاقًا، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما
تطلب له الخيل، وأما دلالة العطف فدلالة اقتران وهي ضعيفة،
وأما الامتنان فإنما قصد به غالب ما كان يقع به انتفاعهم
بالخيل فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا، ولو لزم من الإذن في
أكلها أن تفنى للزم مثله في الشق الآخر في البقر وغيرها
مما أبيح أكله ووقع الامتنان به لمنفعة له أخرى.
وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر، وأخرجه مسلم في الذبائح،
وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الصيد والوليمة.
28 - باب لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. فِيهِ عَنْ
سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
(باب) تحريم أكل (لحوم الحمر الإنسية) بفتحتين، والمشهور
بكسر ثم سكون ضد الوحشية (فيه) أي في الباب المذكور (عن
سلمة) بن الأكوع، وسقط لفظ "عن" لابن عساكر (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما مرّ موصولًا
مطوّلًا في باب غزوة خيبر من المغازي.
5521 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما-، نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
الأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ.
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا
عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري
(عن سالم) هو ابن عمر (ونافع) مولاه (عن ابن عمر رضي الله
عنهما) أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر) نهي
تحريم لنجاستها.
وفي حديث أنس في الصحيحين وغيرهما أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "فإنها رجس" وقيل لأنها لم تخمس
أو لكونها جلالة كما في أبي داود، ولا امتناع في تعدد
العلل الشرعية على المرجح عند الأصوليين، نعم التعليل
بكونها لم تخمّس فيه نظر لأن أكل الطعام والعلف من الغنيمة
قبل القسمة جائز لا سيما في المجاعة.
وهذا الحديث قد مرّ في غزوة خيبر.
5522 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.
تَابَعَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ
نَافِعٍ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
عَنْ سَالِمٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي
البصري الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد
الله) بن عمر العمري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع)
ولأبي ذر: عن نافع (عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما-
أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) وهذا هو الذي عليه أكثر أهل
العلم وإنما رويت الرخصة فيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
رواه أبو داود في سننه وقد قال الإمام أحمد: كره أكلها
خمسة عشر صحابيًّا، وحكى ابن عبد البرّ الإجماع الآن على
تحريمها. (تابعة) أي تابع يحيى القطان (ابن المبارك) عبد
الله فيما وصله المؤلّف في المغازي (عن عبيد الله) بضم
العين العمري (عن نافع) مولى ابن عمر.
(وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة: (عن عبيد الله) بضم العين
العمري (عن سالم) أي ابن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-
مما وصله أيضًا في المغازي وفصل في روايته بين أكل الثوم
والحمر فبين أن النهي عن الثوم من رواية نافع فقط، وأن
النهي عن الحمر عن سالم فقط، لكن يحيى القطان حافظ فلعل
عبيد الله لم يفصله إلا لأبي أسامة وكان يحدث به عن سالم
ونافع معًا مدمجًا فاقتصر بعض الرواة عنه على أحد شيخيه
تمسكًا بظاهر الإطلاق قاله في الفتح الباري.
5523 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ
أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنهم- قَالَ: نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ
الْمُتْعَةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَلُحُومِ حُمُرِ
الإِنْسِيَّةِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم
التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن
شهاب) الزهري (عن عبد الله والحسن بني محمد بن علي عن
أبيهما) محمد (عن علي رضي الله عنهم) أنه (قال: نهى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المتعة) وهي
النكاح المؤقت كأن ينكح إلى شهر أو إلى قدوم
(8/287)
زيد وسمي به لأن الغرض منه مجرد التمتع دون
التوالد وغيره (عام خيبر ولحوم حمر الإنسية) ولأبي ذر وعن
لحوم حمر الأنسية، وقد أفاد الحافظ
عبد العظيم المنذري أن لحوم الحمر الإنسية نسخ مرتين ونكاح
المتعة نسخ مرتين ونسخت القبلة مرتين.
5524 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ
لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدثنا
حماد) هو ابن زيد (عن عمرو) هو ابن دينار (عن محمد بن علي)
أبي جعفر الباقر (عن جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما-
أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يوم خيبر عن) أكل (لحوم الحمر) الأهلية، واختلف أصحابنا في
علة تحريمها فقيل لاستخباث العرب لها، وقيل للنص (ورخص في)
أكل (لحوم الخيل) واستدل المانعون أيضًا بما روي عن عكرمة
بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن سلمة عن جابر قال: نهى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لحوم
الحمر والخيل والبغال، وتعقب بأن أهل الحديث يضعفون عكرمة
بن عمار لا سيما في يحيى بن أبي كثير. ولئن سلمنا صحة هذه
الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها، فإن الحديث عند أحمد
والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر، وعلى تقدير أن يكون
الذي زاده حفظه فالروايات المتنوّعة عن جابر المفصلة بين
لحوم الخيل والحمر في الحكم أظهر اتصالًا وأتقن رجالًا
وأكثر عددًا.
5525 - 5526 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيٌّ عَنِ الْبَرَاءِ
وَابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهم قَالاَ: نَهَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
لُحُومِ الْحُمُرِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات والثانية مشدّدة الأسدي
الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه
(قال: حدّثني) بالإفراد (عدي) هو ابن ثابت (عن البراء) بن
عازب (وابن أبي أوفى) عبد الله واسم أبي أوفى علقمة (-رضي
الله عنهم-) أنهما (قالا: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لحوم الحمر) أي الأهلية.
وهذا الحديث سبق بأطول من هذا في المغازي.
5527 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا
ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لُحُومَ الْحُمُرِ
الأَهْلِيَّةِ. تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَعُقَيْلٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ
وَالْمَاجِشُونُ وَيُونُسُ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا يعقوب بن
إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن أبا إدريس) عائذ الله
بالذال المعجمة الخولاني بالمعجمة
(أخبره أن أبا ثعلبة) جرثوم، وقيل جرهم الخشني الصحابي
-رضي الله عنه- (قال: حرّم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحوم الحمر الأهلية) ولأبي ذر حمر
الأهلية، وللنسائي من وجه آخر عن أبي ثعلبة: غزونا مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر والناس
جياع فوجدوا حمرًا إنسية فذبحوا منها فأمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الرحمن بن عوف فنادى ألا
إن لحوم الحمر الإنسية لا تحل. (تابعه) أي تابع صالح بن
كيسان (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة ابن الوليد القاضي
الحمصي فيما وصله النسائي من طريق بقية قال: حدّثني
الزبيدي (و) تابعه أيضًا (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن
خالد فيما وصله أحمد في مسنده (عن ابن شهاب) ولأبي ذر عن
الزهري بدل قوله عن ابن شهاب، ولفظ الأول: نهى عن أكل كل
ذي ناب من السباع وعن لحوم الحمر الأهلية، والثاني بلفظ
رواية الباب وزاد: ولحم كل ذي ناب من السباع.
(وقال مالك) لإمام الأعظم فيما وصله في الباب اللاحق (و)
قال (معمر) بسكون العين بين فتحتين ابن راشد مما وصله
الحسن بن سفيان (والماجشون) بكسر الجيم وبالشين المعجمة
المضمومة ورفع النون يوسف بن يعقوب بن عبد الله فيما وصله
مسلم (ويونس) بن يزيد الأيلي مما وصله الحسن بن سفيان
(وابن إسحاق) هو محمد بن إسحاق بن يسار مما وصله إسحاق بن
راهويه (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (نهى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كل ذي ناب
من السباع) ولم يذكر الحمر ويأتي إن شاء الله تعالى مبحث
ذلك قريبًا.
5528 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ ثُمَّ جَاءَهُ
جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ، ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ
فَقَالَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ. فَأَمَرَ مُنَادِيًا
فَنَادَى فِي النَّاسِ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ،
فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ، وَإِنَّهَا
لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن سلم)
البيكندي الحافظ قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد
(الثقفي) بالمثلثة والقاف ثم الفاء (عن أيوب) السختياني
(عن محمد) أي ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه جاء)
بالمد. قال ابن حجر الحافظ: لم أعرف
(8/288)
اسمه (فقال) يا رسول الله. (أكلت الحمر)
بضم الهمزة وكسر تاليها (ثم جاءه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جاء) لم يعرف اسمه أيضًا (فقال) يا
رسول الله (أكلت الحمر، ثم جاءه جاء) لم يعرف اسمه أيضًا
(فقال: أفنيت الحمر) بضم الهمزة وسكون الفاء لكثرة ما ذبح
منها، ويحتمل كما في الفتح أن يكون الجائي في الثلاثة
واحد، فإنه قال أوّلًا أُكلت، فإما أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن سمعه أو لم يؤمر في ذلك بشيء؛
وكذا في الثانية، فلما قال في الثالثة أُفنيت جاء الوحي
بالتحريم (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(مناديًا) ينادي به (فنادى في الناس: إن الله ورسوله
ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) نجس فالتحريم
لعينها لا لسبب خارجي والمنادي أبو طلحة كما في مسلم أو
عبد الرحمن بن عوف كما سبق في رواية النسائي، ويحتمل أن
يكون الأول نادى بالنهي مطلقًا، والثاني زاد عليه
أنها رجس. (فأكفئت) بهمزة مضمومة فكاف ساكنة ففاء مكسورة
فهمزة مفتوحة، ولأبي ذر عن الكشميهني: فكفئت (القدور)
بإسقاط الهمزة قلبت (وإنها لتفور) لتغلي (باللحم).
وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر.
5529 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: قُلْتُ لِجَابِرِ
بْنِ زَيْدٍ: يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ حُمُرِ
الأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَاكَ
الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عِنْدَنَا
بِالْبَصْرَةِ. وَلَكِنْ أَبَى ذَاكَ الْبَحْرُ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَقَرَأَ {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ
إِلَيَّ مُحَرَّمًا}.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر بن المديني
الحافظ قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (قال عمرو) هو
ابن دينار (قلت لجابر بن زيد): أبي الشعثاء البصري (يزعمون
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
يقولون (نهى عن) أكل (حمر الأهلية) من إضافة الموصوف إلى
صفته (فقال: قد كان يقول ذاك الحكم بن عمرو) بفتح الحاء
المهملة والكاف وعمرو بفتح العين (الغفاري) الصحابي (عندنا
بالبصرة ولكن أبى) منع (ذاك) ولأبي ذر عن الكشميهني ذلك
باللام (البحر) في العلم (ابن عباس) -رضي الله عنهما-
(وقرأ) مستدلاًّ للحل قوله تعالى: ({قل لا أجد فيما أوحي
إلي}) طعامًا ({محرمًا}) [الأنعام: 145] الآية. مقتصرًا
على ما ذكر فيها، والأكثرون على عدم التخصيص بما ذكر فيها
فالمحرّم بنص الكتاب ما فيها، وقد حرمت السُّنّة أشياء
غيرها كما تواردت الأخبار بذلك والتنصيص على التحريم مقدّم
على عموم التحليل وعلى القياس وما لم يأت فيه نص يرجع فيه
إلى الأغلب من عادة العرب، فما يأكله الأغلب منهم فهو حلال
وما لا فهو حرام لأن الله تعالى خاطبهم بقوله: {قل أحل لكم
الطيبات} [المائدة: 4] فما استطابوه من حلال، وقوله: {قل
لا أجد فيما أوحي إليّ} أي في ذلك الوقت أو في وحي القرآن،
وفيه أن التحريم إنما يثبت بوحي الله وشرعه لا بهوى النفس.
29 - باب أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
(باب) تحريم (أكل كل ذي ناب من السباع) يعدو به ويتقوّى
كأسد ونمر وذئب ودب وفيل وقرد ومخلب من الطير كباز وشاهين
وصقر ونسر.
5530 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ -رضي
الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ
السِّبَاعِ. تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ
عُيَيْنَةَ وَالْمَاجِشُونُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي
قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي
إدريس) عائذ الله (الخولاني عن أبي ثعلبة) جرثوم الخشني
(-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن أكل كل ذي ناب من السباع)
يتقوى به
ويصول على غيره ويصطاد ويعدو بطبعه غالبًا (تابعه) أي تابع
مالكًا (يونس) بن يزيد الأيلي (ومعمر) هو ابن راشد (وابن
عيينة) سفيان (والماجشون) أربعتهم (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب، ومتابعة ابن عيينة وصلها المؤلّف في آخر
الطب والثلاثة سبق ذكرهم في الباب السابق والنهي للتحريم،
ولمسلم: كل ذي ناب من السباع أكله حرام، وله أيضًا عن ابن
عباس: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير والمخلب بكسر
الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام بعدها موحدة وهو
للطير كالظفر لغيره لكنه أشد منه وأغلظ واحد فهو له كالناب
للسبع.
30 - باب جُلُودِ الْمَيْتَةِ
(باب) حكم (جلود الميتة) قبل أن تدبغ.
5531 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ
صَالِحٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ
بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: «هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ
بِإِهَابِهَا»؟ قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ. قَالَ:
«إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا».
وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي والد أبي
بكر بن أبي خيثمة قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال:
(حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف (عن صالح) هو ابن كيسان أنه قال: (حدّثني)
(8/289)
بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (أن عبيد الله
بن عبد الله) بضم عسن لأول ابن عتبة بن مسعود (أخبره أن
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) وسقط لابن عساكر لفظ
عبد الله (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مرّ بشاة ميتة) بتشديد الياء وتخفف (فقال) عليه
الصلاة والسلام لمن كانت لهم:
(هلا استمتعتم بإهابها) بكسر الهمزة وتخفيف الهاء. قال في
القاموس: ككتاب الجلد دبغ أو لم يدبغ الجمع أهبة وأهب
وأهب، ولمسلم من طريق ابن عيينة: هلا أخذتم إهابها
فدبغتموه فانتفعتم به (قالوا): يا رسول الله (إنها ميتة)
بتشديد التحتية (قال: إنما حرّم) بفتح الحاء المهملة وضم
الراء ولأبي ذر حرم بضم ثم كسر مشددًا (أكلها) بفتح الهمزة
وفيه تخصيص الكتاب بالسّنّة لأن لفظ القرآن: {حرمت عليكم
الميتة} [المائدة: 3] وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال
فخصت السنة ذلك بالأكل، واستثنى الشافعية من الميتات جلد
الكلب والخنزير وما تولد منهما لنجاسة عينهما، وأخذ أبو
يوسف بعموم الحديث فلم يستثن شيئًا، واستدلّ الزهري برواية
الباب على جواز الانتفاع به مطلقًا دبغ أو لم يدبغ لكن صح
التقييد بالدبغ من طريق أخرى كما مرّ وبعضهم أخذ بخصوص هذا
السبب فقصر الجواز على المأكول لورود الحديث في الشاة،
ويتقوّى ذلك من حيث النظر لأن الدباغ لا يزيد في التطهير
على الذكاة وغير المأكول لو ذكى لم يطهر بالذكاة عند أكثر،
فكذلك الدباغ، وأجاب من عمّم بالتمسك بعموم اللفظ وهو أولى
من
خصوص السبب وبعموم الإذن بالمنفعة، ولأن الحيوان الطاهر
ينتفع به قبل الموت فكان الدباغ بعد الموت قائمًا مقام
الحياة قاله في فتح الباري.
وحكى في التتمة فيما ذكره ابن الرفعة في كفايته وجهًا عن
رواية ابن القطان أن جلد الميتة لا ينجس بالموت، وإنما
الزهومة التي في الجلد تصيره نجسًا فيؤمر بالدبغ لإزالتها
كما يغسل الثوب من النجاسة، ومنع قوم الانتفاع من الميتة
بشيء سواء دبغ الجلد أو لم يدبغ لحدث عبد الله بن عكيم
قال: أتانا كتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قبل موته: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا
عصب" رواه النسائي وأحمد والأربعة وصححه ابن حبان وحسنه
الترمذي وللشافعي وأحمد وأبي داود بشهر، قال الترمذي: كان
أحمد يذهب إليه ويقول هو آخر الأمر، وهذا يدل على أن
الانتفاع به منسوخ.
وأجاب ابن الرفعة في الكفاية بأن كل حديث نسب إلى كتاب ولم
يذكر حامله فهو مرسل ولا حجة عندنا في المرسل. قال ابن حجر
وأعله بعضهم بكونه كتابًا وليس بعلّة قادحة، وقيل إن في
إسناده اضطرابًا ولذا تركه أحمد بعد أن قال إنه آخر الأمر،
ورده ابن حبان بأن ابن عكيم سمع الكتاب يقرأ وسمعه من
مشايخ من جهته عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فلا اضطراب، وقال في الكفاية يحمل على الانتفاع
به قبل الدباغ فإن لفظ الإهاب منطبق عليه وبعد الدباغ يطلق
عليه أديم وسختيان والدباغ المحصل للطهارة بالشب والقرظ
والأشياء الحريفية المنشفة للفضلات المعفنة المانعة من
الفساد إذا أصابه الماء والمطيبة لريحه كقشور الرمان
والعصفر.
وهذا الحديث مضى في الذكاة.
5532 - حَدَّثَنَا خَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ
قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ
ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ مَرَّ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَنْزٍ مَيْتَةٍ
فَقَالَ: «مَا عَلَى أَهْلِهَا لَوِ انْتَفَعُوا
بِإِهَابِهَا».
وبه قال: (حدّثنا خطاب بن عثمان) بفتح الخاء المعجمة
وتشديد الطاء المهملة وبعد الألف موحدة الفوزي بفتح الفاء
وسكون الواو وكسر الزاي نسبة لقرية من قرى حمص قال:
(حدّثنا محمد بن حمير) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم
وبعد التحتية المفتوحة راء الحمصي (عن ثابت بن عجلان) بفتح
العين وسكون الجيم الأنصاري التابعي الحمصي أنه (قال: سمعت
سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول:
مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعنز)
بالنون والزاي كما في القاموس الأنثى من المعز (ميتة)
بتشديد التحتية (فقال):
(ما على أهلها) حرج (لو انتفعوا بإهابها) أي بعد الدبغ كما
مرّ. قال الزمخشري في الفائق: سمي إهابًا لأنه أهبة للحي
وبناء للحماية على جسده، كما قيل له مسك لإمساكه ما وراءه،
وفيه دليل على أنه يطهر
(8/290)
ظاهره وباطنه بالدباغ حتى يجوز استعماله في
الأشياء الرطبة ويجوز الصلاة فيه،
ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره وإذا طهر بالدبغ هل يجوز
أكله فيه ثلاثة أوجه أصحها لا يجوز بحال، والثاني يجوز،
والثالث يجوز أكل جلد مأكول اللحم لا غيره وهل يظهر الشعر
الذي عليه تبعًا للجلد؟ فيه قولان. أصحهما لا يطهر لأن
الدباغ لا يؤثر فيه بخلاف الجلد.
ورواة هذا الحديث خطاب ومحمد بن حمير وثابت الثلاثة ليس
لهم في البخاري إلا هذا الحديث إلا محمد بن حمير فله حديث
آخر مرّ في الهجرة إلى المدينة، وفي كل من الثلاثة مقال
لكنهم وثقوا فحديثهم من المتابعات لا من الأصول، والأصل
فيه الحديث الذي قبله ويستفاد منه خروج الحديث عن الغرابة
قاله في الفتح.
31 - باب الْمِسْكِ
(باب) حكم (المسك) بكسر الميم الطيب المعروف القطعة منه
مسكة والجمع كعنب وحقيقة المسك دم يجتمع في سرّة الغزال في
وقت معلوم من السنة بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء،
وهذا السرر جعلها الله تعالى معدنًا للمسك فإذا حصل ذلك
الورم مرضت له الظباء إلى أن يتكامل، ويقال: إن أهل التبت
يضربون لها أوتاد في البرية تحتك بها لتسقط عندها، وفي
مشكل الوسيط لابن الصلاح عن ابن عقيل البغدادي أن النافجة
في جوف الظبية كالأنفجة في الجدي وأنه سافر إلى بلاد
المشرق حتى حمل هذه الدابة إلى بلاد المغرب لخلف جرى فيها،
وعن علي بن مهدي الطبري أحد أئمة أصحابنا أنها تلقيها من
جوفها كما تلقي البيضة الدجاجة والمشهور أنها ليست مودعة
في جوف الظبية بل هي خارجة ملتحمة في سرّتها، ونقل عن
القفال الشاشي أنها تندبغ بما فيها من المسك فتطهر كطهارة
المدبوغات وذكر القزويني أن دابة المسك تخرج من الماء
كالظباء في وقت معلوم والناس يصيدون منها شيئًا كثيرًا
فتذبح فيوجد في سرتها دم وهو المسك لا يوجد له هناك رائحة
حتى يحمل إلى غير ذلك الموضع من البلاد. وقال في القاموس:
المسك مقوّ للقلب مشجع للسوداويين نافع للخفقان والرياح
الغليظة في الأمعاء والسموم والسدد، وفي مسلم من حديث أبي
سعيد مرفوعًا: "المسك أطيب الطيب".
5533 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ
حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ
إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى،
اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد
الواحد) بن زياد ولغير أبي الوقت وابن عساكر عن عبد الواحد
قال: (حدّثنا عمارة بن القعقاع) بضم العين وتخفيف الميم
(عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) بفتح الجيم (عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما من مكلوم يكلم) بضم أوله وفتح اللام أي مجروح يجرح (في
الله) ولأبي ذر عن
الكشميهني في سبيل الله (إلا جاء يوم القيامة وكلمه) بفتح
الكاف وسكون اللام وجرحه (يدمى) بفتح أوله وثالثه من باب
علم يعلم أي يسيل منه الدم (اللون لون دم والريح ريح مسك)
تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه أي كريح مسك وليس مسكًا
حقيقة بخلاف اللون لون دم فإنه لا حاجة فيه لتقدير كاف
التشبيه لأنه دم حقيقة.
والحاصل أنه يراد إظهار شرف الشهيد بدلالة جرحه على شهادته
مع تغير وصف دمه فإن الدم وضع ريحه أن يكون كريهًا وتغيره
أيضًا من النجاسة إلى الطهارة، وفي قوله في الله إشارة إلى
أنه لا يدخل من قاتل دون ماله لأنه يقصد صون ماله بداعية
طبعه.
وأجيب: بأنه يمكن الإخلاص مع إرادة صون المال بأن لا يمحض
القصد بالصون بل يقاتله على ارتكاب المعصية ممتثلًا أمر
الشارع بالدفع.
وموضع الترجمة منه قوله: ريح مسك، وقال ابن المنير: وجه
استدلال البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك وقوع تشبيه
دم الشهيد لأنه في سياق التكريم والتعظيم، فلو كان نجسًا
لكان من الخبائث ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام، وقال
الكرماني: وجه مناسبة الباب بالكتاب كون المسك فضلة الظبي
وهو مما يصاد.
وهذا الحديث سبق في الجهاد.
5534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ
أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ جَلِيسِ
الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ
الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ،
وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ
مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ
يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا
خَبِيثَةً».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمدّ ابن
كريب الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن
بريد) بضم الموحدة وفتح الراء
(8/291)
مصغرًا ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة)
بضم الباء الموحدة وسكون الراء (عن) أبيه (أبي موسى) عبد
الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(مَثل جليس الصالح) بإضافة الموصوف إلى صفته ولأبي ذر وابن
عساكر الجليس الصالح (و) الجليس (السوء) بفتح السين
المهملة (كحامل المسك ونافخ الكير) بكسر الكاف وسكون
التحتية قال في القاموس: زق ينفخ فيه الحداد (فحامل المسك
إما أن يحذيك) بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر الذال
المعجمة وبعد التحتية المفتوحة كاف يعطيك ويتحفك منه بشيء
هبة (وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة ونافخ
الكير إما أن يحرق) بضم أوله من أحرق (ثيابك) بناره (وإما
أن تجد) منه (ريحًا خبيثة).
وهذا الحديث مضى في باب العطار من البيوع.
32 - باب الأَرْنَبِ
(باب) حل أكل (الأرنب) بفتح الهمزة. قال في القاموس: معروف
يكون للذكر والأنثى أولها والخزز أي بمعجمات بوزن عمر
للذكر الجمع أرانب وأران.
5535 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ
الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا،
فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ
فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا، أَوْ قَالَ:
بِفَخِذَيْهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَبِلَهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده
(أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أنفجنا) بفتح الهمزة وسكون
النون والجيم بينهما فاء مفتوحة وبعد الجيم نون فألف أي
أثرنا وأزعجنا (أرنبًا) لنصطاده (ونحن بمرّ الظهران) بفتح
الميم وتشديد الراء والظهران بالظاء المعجمة بلفظ التثنية
وهو من العلم المضاف والمضاف إليه فيتوجه الأعرابي إلى
الأول وهو مرّ والثاني مجرور دائمًا بالإضافة وكونه بالألف
أنه على صورة المثنى وليس مثنى حقيقة أو أنه على لزوم
المثنى الألف دائمًا وربما سمي باللفظ الأول فقط وهو مرّ،
وربما سمي بالثاني وهو الظهران فقط لأن مرّ قرية ذات مياه
ونخل وزروع وثمار، والظهران اسم الوادي. قال الدميري: هو
حيوان يشبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة
يطأ على مؤخر قدميه يكون عامًا ذكرًا وعامًا أنثى (فسعى
القوم) خلفه ليصطادوه (فلغبوا) بفتح اللام وكسر الغين
المعجمة وبفتحها أيضًا مصححًا عليه في اليونينية وضم
الموحدة ولأبي ذر عن الكشميني فتعبوا بالمثناة الفوقية
والعين المهملة بدل اللام والمعجمة وهو معنى الأول
(فأخذتها) وفي الهبة فأدركتها فأخذتها ولمسلم فسعيت حتى
أدركتها (فجئت بها إلى أبي طلحة) هو زوج أم أنس -رضي الله
عنهم- (فذبحها فبعث بوركيها أو قال بفخذيها) بالتثنية
فيهما والشك من الراوي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية أبي داود أن المبعوث معه
ذلك هو أنس (فقبلها) أي الهدية زاد في الهبة وأكل منه وهو
مذهب الأئمة الأربعة. وحكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص
وابن أبي ليلى الكراهة.
وحديث الباب حجة للجمهور في الإباحة والحديث مرّ في الهبة.
33 - باب الضَّبِّ
(باب) حل أكل (الضب) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة
حيوان بري يشبه الورل ولحمه فيما قيل يذهب العطش.
5536 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلاَ
أُحَرِّمُهُ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري قال: (حدّثنا عبد الله
بن دينار) المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر -رضي
الله عنهما- يقول قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وقد سئل عن حكم أكل الضب:
(الضب لست آكله ولا أحرمه) وعند ابن ماجة من حديث خزيمة بن
جزء قلت: يا رسول الله ما تقول في الضب؟ فقال: (لا آكله
ولا أحرمه) قال: فقلت فإني آكل ما لم تحرمه وسنده ضعيف،
وعند مسلم والنسائي من حديث أبي سعيد قال رجل: يا رسول
الله إنّا بأرض مضبة فما تأمرنا؟ قال: "ذكر لي أن أمة من
بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه" وفي مسلم "كلوه فإنه
حلال ولكنه ليس من طعامي" فكل هذه الروايات صريحة في
الإباحة فيحل أكله بالإجماع ولا يكره عندنا خلافًا لبعض
أصحاب أبي حنيفة، وحكى القاضي عياض تحريمه عن قوم، قال
النووي: ما أظنه يصح عن أحد.
5537 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ
سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ،
فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ
النِّسْوَةِ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ،
فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ
يَدَهُ فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ: «لاَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي
فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ
فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
(8/292)
مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي
أمامة بن سهل) الأنصاري قال في الفتح: له رؤية ولأبيه صحبة
(عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن خالد بن الوليد
أنه دخل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بيت ميمونة) خالته أم المؤمنين -رضي الله عنها- (فأتي) بضم
الهمزة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بضب محنوذ)
بحاء مهملة ساكنة بعد فتحة ثم نون مضمومة آخره ذال معجمة
مشوي بالحجارة المحماة (فأهوى إليه رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده) أي أمال يده إليه
ليأخذه فيأكله (فقال بعض النسوة): هي ميمونة كما عند
الطبراني وبقية النسوة لم يسمين (أخبروا رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما يريد أن يأكل)
منه (فقالوا) وفي رواية فقلن (هو ضب يا رسول الله، فرفع
يده) الكريمة، قال خالد (فقلت أحرام هو يا رسول الله؟
فقال):
(لا، ولكن لم يكن) موجودًا (بأرض قومي) مكة أصلًا أو لم
يكن مشهورًا كثيرًا فيها فلم يأكلوه وفي رواية يزيد بن
الأصم عند مسلم هذا لحم لم آكله قط (فأجدني أعافه) أكرهه
والفاء للسببية (قال خالد) المذكور -رضي الله عنه-
(فاجتررته) بالجيم الساكنة والراء المكررة أي جررته
(فأكلته ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أي والحال أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ينظر) إليّ وهو يدل على حلّه وأصرح منه رواية
كلوه فإنه حلال.
وحديث الباب مرّ في الأطعمة.
34 - باب إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ
الْجَامِدِ أَوِ الذَّائِبِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وقعت الفأرة) بالهمز الساكن واحد
الفأر (في السمن الجامد أو الذائب) أو غيره من الأدهان
والأعسال ونحوهما هل يفترق الحكم أم لا؟ وفأرة البيوت
حيوان مؤذ زائد في الفساد وهي الفويسقة التي أمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها في الحل
والحرم. وسميت بذلك لخروجها من حجرها على الناس، وأصل
الفسق الجور والخروج عن الاستقامة وسميت بعض الحيوانات
فواسق على الاستعارة لخبثهن، وقيل لخروجهن عن الحرمة في
الحل والحرم، ولأن الفأرة أبدت جورها الخبيث في قطع حبال
سفينة نوح، والفأر عظيم الحيل كثير الأذى يقرض الثياب
والكتب ويأكل الحبوب والزرع والمائعات ويرمي فيها بعره
ليفسدها وهي تعادي العقرب، فإذا جعلت فأرة وعقربًا في
قارورة فإنه يقع بينهما قتال عجيب، لأن العقرب تلدغ الفأرة
والفأرة تحتال على أن تقبض إبرتها والعقرب لا تمكنها من
ذلك وتضربها، فإن قبضت الفأرة على إبرتها غلبتها وإن
ضربتها العقرب كثيرًا أهلكتها، ومن الفأر صنف يحب الدراهم
والدنانير يسرقها ويلعب بها وكثيرًا ما يخرجها من بيته
ويلعب بها ويرقص عليها ثم يردها إلى بيته واحدًا واحدًا،
فإذا أقفر البيت من الأدم لم يألفه الفأر، وقال أنس بن أبي
إياس وقفت عجوز على قيس فقالت: أشكو إليك قلة الفأر قال:
ما ألطف ما سألت تذكر أن بيتها أقفر من الأدم فأكثر لها يا
غلام. نقله الزين عبد الرحمن بن داود القادري الحنبلي في
كتابه نزهة الأفكار في خواص الحيوان والنبات والأحجار.
5538 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ
ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُهُ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ
فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ». قِيلَ
لِسُفْيَانَ فَإِنَّ مَعْمَرًا يُحَدِّثُهُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ:
إِلاَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
مَيْمُونَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مِرَارًا.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم
العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أنه سمع ابن عباس)
-رضي الله عنهما- (يحدّثه) بإثبات هاء الضمير في الفرع
كأصله وغيرهما (عن ميمونة) بنت الحارث أم المؤمنين -رضي
الله عنها- (أن فأرة وقعت في سمن فماتت) فيه (فسئل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها) أنجست السمن
فيمتنع أكله أم لا؟ (فقال):
(ألقوها) بعد استخراجها من السمن (وما حولها) منه (وكلوه)
أي السمن الباقي.
وهذا يدل على أن السمن كان جامدًا لأنه لا يمكن طرح ما
حولها من المائع الذائب إذ إنه عند الحركة يختلط، وفي مسند
إسحاق بن راهويه ومن طريقه ابن حبان إن كان جامدًا فألقوها
وما حولها وكلوه وإن كان ذائبًا فلا تقربوه.
وهذه الزيادة في رواية ابن عيينة غريبة كما قاله الحافظ
ابن حجر.
قال علي بن المديني شيخ المؤلّف في علله: (قيل لسفيان) بن
عيينة (فإن معتمرًا يحدث
(8/293)
عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (قال) سفيان بن عيينة (ما سمعت الزهري يقول
إلا عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله المذكور قبل (عن
ابن عباس عن ميمونة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولقد سمعته) أي الحديث (منه)
من الزهري (مرارًا) من طريق ميمونة فقط.
وهذا وصله أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني، وأحمد بن
صالح كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر المذكور بإسناده. وعند
الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني قال سفيان:
كما سمعناه من الزهري يعيده ويبديه.
وهذا الحديث قد سبق في باب ما يقع من النجاسات في السمن
والماء من كتاب الطهارة.
5539 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الدَّابَّةِ تَمُوتُ
فِي الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، وَهْوَ جَامِدٌ أَوْ غَيْرُ
جَامِدٍ، الْفَأْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ: بَلَغَنَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِفَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي سَمْنٍ فَأَمَرَ
بِمَا قَرُبَ مِنْهَا فَطُرِحَ، ثُمَّ أُكِلَ عَنْ حَدِيثِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن
يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(عن الدابة) أي عن حكم الدابة (تموت في الزيت والسمن وهو
جامد أو غير جامد) من غير فرق بين السمن وغيره ولا بين
الجامد منه والذائب (الفأرة) بدل من الدابة أو عطف بيان
لها (أو غيرها) عطف على المجرور هل ينجس الكل أم لا (قال)
الزهري (بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها) من
الفأرة (فطرح ثم أكل) ما بقي من السمن (عن حديث عبيد الله)
بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود والجار
والمجرور يتعلق بقوله بلغنا أي بلغنا عن حديث عبيد الله.
وهذا بلاغ صورته صورة المرسل أو الموقوف لكنه مذكور
بالإسناد المرفوع أولًا وآخرًا. قال في الفتح: ولم يظهر
لنا هل فيه ميمونة أو لا؟ واستدلّ بهذا الحديث لإحدى
الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس
إلا بالتغير وهو اختيار البخاري، وقول ابن نافع من
المالكية، وفرق الجمهور بين الجامد والمائع عملًا بالتفصيل
السابق ولم يرد في طريق صحيح تحديد ما يلقى. نعم أخرج ابن
أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار بسند جيد أنه يكون قدر
الكف،
واستدلّ بقوله في الرواية المفضلة وإن كان مائعًا فلا
تقربوه على أنه لا يجوز الانتفاع به في شيء فيحتاج من أجاز
الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية أو بيعه كالحنفية إلى
الجواب عن الحديث، واحتج المجوّزون بحديث ابن عمر عند
البيهقي إن كان السمن مائعًا انتفعوا به ولا تأكلوه، وحديث
ابن عمر في فأرة وقعت في زيت استصبحوا به وادهنوا به.
5540 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
مَيْمُونَةَ -رضي الله عنهم- قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَأْرَةٍ
سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: «أَلْقُوهَا وَمَا
حَوْلَهَا وَكُلُوهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال
(حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن
عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن
ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم) أنها (قالت: سئل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) حكم (فأرة سقطت
في سمن) وماتت فيه هل ينجس فلا يؤكل (فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ألقوها) أي الفأرة (وما حولها) من السمن (وكلوه) أي سائر
السمن والمشهور جواز الاستصباح بما حولها لكن يكره وقيل:
لا يجوز لقوله تعالى: {والرجز فاهجر} [المدثر: 5].
وكل هذا في غير المساجد أما المساجد فلا يستصبح به فيها
جزمًا ويجوز أن يتخذ صابونًا يغسل به ولا يباع، وقال
الظاهرية: لا يجوز بيع السمن ولا الانتفاع به ويجوز بيع
الزيت والخل والعسل وجميع المائعات، لأن النهي إنما ورد في
السمن دون غيره ويحرم أكل جميع أنواع الفأر ويكره أكل
سؤره، وكان الزهري يقول: إن أكل سؤره يورث النسيان.
35 - باب الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ
(باب) النهي عن (الوسم) بفتح الواو وسكون السين (والعلم)
بفتح العين واللام (في الصورة) أي في وجه الحيوان ليتميز
عن غيره، وفي بعض النسخ الوشم بالمعجمة وهو بمعنى الذي
بالمهملة أو بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد.
5541 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ
أَنْ تُعْلَمَ الصُّورَةُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَهَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
تُضْرَبَ. تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الْعَنْقَزِيُّ
عَنْ حَنْظَلَةَ وَقَالَ: تُضْرَبُ الصُّورَةُ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن
باذام الكوفي (عن حنظلة) بن سفيان الجمحي (عن سالم عن ابن
عمر) -رضي الله عنهما- (أنه كره أن تعلم الصورة) بضم
المثناة الفوقية
(8/294)
وسكون العين المهملة وفتح اللام أي تجعل
فيها علامة وللكشميهني الصور بفتح الواو بلا هاء بصيغة
الجمع وفي مسلم مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بحمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله من فعل
هذا
لا يسم أحد الوجه ولا يضربن أحد الوجه" وإنما كره لشرف
الوجه ولحصول الشين فيه وتغيير خلق الله فلو كان في غيره
للتمييز فلا بأس به.
(وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- بالسند السابق: (نهى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (أن
تضرب) بضم أوله وفتح ثالثه أي الصورة. فإن قلت: ما الحكمة
في تقديم الموقوف على المرفوع؟ أجيب: استدلالًا على
الكراهة التي ذكرها لأنه إذا ثبت النهي عن الضرب يكون
المنع من الوسم أولى لما لا يخفى. (تابعه) أي تابع عبيد
الله بن موسى (قتيبة) بن سعيد في روايته عن حنظلة عن سالم
فقال: (حدّثنا العنقزي) بفتح العين المهملة وسكون النون
وفتح القاف بعدها زاي مكسورة نسبة إلى بيع العنقز وهو
المرزنجوش نبت طيب الريح عمرو بن محمد الكوفي (عن حنظلة)
الجمحي أي عن سالم عن أبيه (وقال) منبهًا على ما حذف في
الأولى (تضرب الصورة) وللمستملي الصور.
5542 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ وَهْوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ
فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً حَسِبْتُهُ قَالَ: فِي
آذَانِهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده
(أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: دخلت على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأخ لي) من أمي اسمه عبد الله
بن أبي طلحة (يحنكه وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (في مربد له) بكسر الميم وفتح الموحدة بينهما
راء ساكنة موضع الإبل فإطلاقه على موضع الغنم مجاز أو
أدخلها عند الإبل (فرأيته يسم) بالسين المهملة يكوي (شاة)
من الغنم ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني شاء بالهمزة من
غير تأنيث قال شعبة: (حسبته) أي حسبت هشامًا (قال) يسمها
(في آذانها) والتصريح بأن القائل حسبته شعبة والضمير فيه
لهشام وقع في مسلم، وفي الحديث حجة للجمهور في جواز وسم
البهائم بالكي خلافًا للحنفية لتمسكهم بعموم النهي عن
التعذيب بالنار وقال بعضهم بالنسخ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجة في اللباس وأبو داود في
الجهاد.
36 - باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً، فَذَبَحَ
بَعْضُهُمْ غَنَمًا أَوْ إِبِلًا بِغَيْرِ أَمْرِ
أَصْحَابِهِمْ، لَمْ تُؤْكَلْ لِحَدِيثِ رَافِعٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ
طَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ فِي ذَبِيحَةِ السَّارِقِ اطْرَحُوهُ
هذا (باب) بالتنوين (إذ أصاب قوم) ولابن عساكر: القوم
(غنيمة) بفتح المعجمة من الكفار (فذبح بعضهم) قبل القسمة
(غنمًا أو إبلًا بغير أمر أصحابهم لم تؤكل لحديث رافع) هو
ابن خديج (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
المذكور موصولًا في باب التسمية على الذبيحة المتضمن
لذبحهم من غنم الغنيمة قبل القسمة وأنهم أغلوه في القدور
وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بالقدور
فأكفئت عقوبة لهم.
(وقال طاوس) هو ابن كيسان اليماني (وعكرمة) مولى ابن عباس
مما وصله عنهما عبد الرزاق
(في ذبيحة السارق اطرحوه) أي مذبوحه فلا تأكلوه لأنه حرام،
وظاهره أن مذهبهما عدم جواز ذبح من ليس له ولاية الذبح
بملك أو وكالة ونحوهما.
5543 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ
رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ
مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ
اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلاَ
ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ
فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ»،
وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنَ
الْغَنَائِمِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ النَّاسِ، فَنَصَبُوا قُدُورًا.
فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ
وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ
مِنْ أَوَائِلِ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ،
فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ:
«إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ
الْوَحْشِ. فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا مِثْلَ
هَذَا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو
الأحوص) بهمزة مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فواو مفتوحة بعدها
صاد مهملة سلام الحنفي الكوفي قال: (حدّثنا سعيد بن مسروق)
والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح العين وتخفيف
الموحدة (عن أبيه عن جده رافع بن خديج) أنه (قال: قلت
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إننا) بنونين
ولأبي ذر وابن عساكر: إنّا (نلقى العدوّ غدًا وليس معنا
مدى) بضم الميم وتنوين الدال المهملة مخففة جمع مدية سكين
ننحر بها ما نغنمه وكأنه استشعر النصر والظفر والغنيمة
التي يذبحون منها إما بإخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إياهم بذلك أو بما وقع في نفوسهم من نصرة
المسلمين على عادتهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(ما أنهر الدم) أسأله (وذكر اسم الله) عليه (فكلوا) ولأبي
ذر عن الكشميهني فكلوه (ما لم يكن) أي المذبوح به (سن ولا
ظفر وسأحدثكم عن) علة (ذلك) وحكمته لتتفقهوا (أما السن
فعظم) وهو ينجس بدم المذبوح وقد نهيتم عن تنجيس العظام
(8/295)
في الاستنجاء لكونها زاد إخوانكم من الجن
(وأما الظفر فمدى الحبشة) وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه
بهم والألف واللام في الظفر للجنس، فلذا وصفها بالجمع كقول
العرب: أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر والحبشة
جنس من السودان معروف. وقوله: وسأحدثكم عن ذلك إلى آخره
اختلف فيه هل هو مدرج أو مرفوع؟ جزم النووي بأنه مرفوع.
وقال ابن القطان: مدرج من قول رافع بن خديج ورجح الحافظ
ابن حجر الأول.
(وتقدم سرعان الناس فأصابوا من الغنائم) ولأبي ذر وابن
عساكر المغانم (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في آخر الناس) سيرًا (فنصبوا قدورًا) فيها لحم
مما ذبحوه من الغنيمة (فأمر بها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لما رآها أن تكفأ (فأكفئت) أي قلبت وأفرغ ما
فيها عقوبة لهم (وقسّم) عليه الصلاة والسلام (بينهم) ما
غنموه (وعدل بعيرًا) قابله (بعشر شياه) لنفاسة الإبل حينئذ
أو عزّتها وكثرة الغنم أو كانت هزيلة بحيث كان قيمة البعير
عشر شياه (ثم ندّ) نفر (منها) من الإبل التي قسمت (بعير من
أوائل القوم ولم
يكن معهم) مع الذين في الأوائل (خيل) ومع الآخرين قليلة
زاد في الرواية السابقة في باب التسمية فطلبوه فأعياهم
(فرماه رجل) لم أقف على اسمه (بسهم فحبسه الله) بسبب رميه
بأن أصابه فوقف (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إن لهذه البهائم) من الإبل (أوابد) بالهمزة
المفتوحة والواو بعد الألف موحدة فدال مهملة (كأوابد
الوحش) أي نفارًا كنفار الوحش (فما فعل منها هذا) الفعل
وهو النفار ولم تقدروا عليه (فافعلوا) به (مثل هذا) وكلوه
فإنه له ذكاة.
37 - باب إِذَا نَدَّ بَعِيرٌ لِقَوْمٍ، فَرَمَاهُ
بَعْضُهُمْ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَأَرَادَ إِصْلاَحَهُمْ
فَهْوَ جَائِزٌ لِخَبَرِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين (إذا ندّ) أي نفر هاربًا (بعير) كائن
(لقوم فرماه بعضهم بسهم) ليحبسه (فقتله فأراد) بالفاء
ولأبي ذر وابن عساكر: وأراد (صلاحهم) أي صلاح القوم أصحاب
البعير لا إفساده عليه، ولأبي ذر عن الكشميهني صلاحه
بالإفراد أي صلاح البعير وكلاهما بغير همز وفي الفتح
إصلاحهم وإصلاحه بالهمزة فيهما ونسب تركها لكريمة والذي في
اليونينية إصلاحهم بالهمزة (فهو) أي ذلك الفعل (جائز)
أكلًا ولا يلزمه بقتله شيء (لخبر رافع) الآتي (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
5544 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ
عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ
عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَنَدَّ
بَعِيرٌ مِنَ الإِبِلِ، قَالَ: فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ
فَحَبَسَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لَهَا أَوَابِدَ
كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا
فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا». قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّا نَكُونُ فِي الْمَغَازِي وَالأَسْفَارِ،
فَنُرِيدُ أَنْ نَذْبَحَ فَلاَ تَكُونُ مُدًى قَالَ:
«أَرِنْ مَا نَهَرَ أَوْ أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ
اللَّهِ فَكُلْ. غَيْرَ السِّنِّ وَالظُّفُرِ. فَإِنَّ
السِّنَّ عَظْمٌ، وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشَةِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
سلام) وسقط لفظ محمد لغير أبي ذر قال: (أخبرنا عمر بن
عبيد) بضم العين فيهما من غير إضافة الثاني (الطنافسي) بضم
الطاء المهملة وبفتحها في اليونينية وكسر الفاء نسبة إلى
بيع الطنافس أو اتخاذها بسط لها خمل (عن سعيد بن مسروق)
والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) ولابن عساكر ابن
رافع فنسبه إلى جده (عن جده رافع بن خديج -رضي الله عنه-)
سقط ابن خديج لأبي ذر أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) بذي الحليفة من تهامة
بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كما مرّ في باب التسمية
(فندّ بعير من الإبل) لقوم (قال: فرماه رجل) أي أعرف اسمه
(بسهم فحبسه قال ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إن لها) أي الإبل (أوابد كأوابد الوحش) نفرات
كنفراتها (فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) فإنه له ذكاة
(قال) رافع (قلت: يا رسول الله إنا نكون في المغازي
والأسفار فنريد أن نذبح فلا يكون) معنا (مدى) جمع مدية
سكين نذبح بها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أرن) بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فنون ساكنة أي أهلك الذي
تذبحه ولأبي ذر وابن عساكر أرني بكسر الراء وإسكانها وبعد
النون تحتية أي انظر (ما أنهر الدم) بالهمزة (أو) قال
(نهر) بغير همز والصواب، بالهمز والشك من الراوي ولغير أبي
ذر: ما نهر أو ما أنهر الدم (وذكر اسم الله) عليه (فكل غير
السن والظفر فإن السن عظم والظفر مدى الحبشة) فيه أن ذبح
غير المالك إذا وقع بطريق الإصلاح للمالك خشية أن تفوت
عليه النفعة ليس بفاسد قاله ابن المنير.
والحديث قد مرّ
(8/296)
في باب ما ندّ من البهائم.
38 - باب
أَكْلِ المُضْطَرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ
وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ
لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ
عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} وَقَالَ: {فَمَنِ اضْطُرَّ
فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} {فَإِنَّ
اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا
ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ
مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَنْ لاَ تَأْكُلُوا مِمَّا
ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا
حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ
وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ
عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}
وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا
أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ
لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ
عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مُهَراقًا وَقَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ
اللَّهُ حَلاَلًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ
وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ}.
(باب) جواز (أكل المضطر) من الميتة (لقوله تعالى): ولأبي
ذر: إذا أكل المضطر لقول الله تعالى: ({يا أيها الذين
آمنوا كلوا}) أمر إباحة ({من طيبات ما رزقناكم}) من
مستلذاته أو من حلالاته ({واشكروا لله}) الذي رزقكموها
({إن كنتم إياه تعبدون}) [البقرة: 172]. إن صح أنكم تخصونه
بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم.
ثم بيّن المحرم فقال: ({إنما حرم عليكم الميتة}) وهي كل ما
فارقه الروح من غير ذكاة مما يذبح وإنما لإثبات المذكور
ونفي ما عداه أي ما حرم عليكم إلا الميتة ({والدم}) يعني
السائل، وقد حلت الميتتان والدمان لحديث ({ولحم الخنزير})
يعني الخنزير بجميع أجزائه وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل
({وما أهل به لغير الله}) أي ذبح للأصنام ({فمن اضطر})
ألجئ ({غير}) حال أي فأكل غير ({باغ}) للذة وشهوة ({ولا
عادٍ}) متعد مقدار الحاجة ({فلا إثم عليه}) [البقرة: 173]
أي فيباح له قدر ما يقع به القوام وتبقى معه الحياة دون ما
فيه حصول الشبع لأن
الإباحة للاضطرار فيتقدر بقدر ما يندفع به الضرر والأصح
أنه يلزمه الأكل فإن توقع حلالًا عن قرب لم يجز غير سد
الرمق وإن لم يتوقع الحلال فقيل يجوز له الشبع وإلا ظهر سد
الرمق فقط إلا أن يخاف تلفًا إن اقتصر عليه فيجب عليه أن
يشبع وله أكل آدمي ميت وقتل مرتد وحربي بالغ وأكلهما
لأنهما غير معصومين وحدّ الاضطرار أن يصل به الجوع إلى حدّ
الإهلاك أو إلى مرض يفضي إليه.
وهذا قول الجمهور. قال سيدي عبد الله بن أبي حمزة نفعني
الله ببركاته: الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة فلو
أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه
بالجوع سمية هي أشد من سمية الميتة، فإذا أكل منها حينئذ
لا يتضرر. قال في الفتح: وهذا إن ثبت حسن بالغ في الحسن.
وسقط قوله: {واشكروا} إلى آخره في رواية أبي ذر، وقال بعد:
{ما رزقناكم} إلى {فلا إثم عليه}.
(وقال) تعالى: ({فمن اضطر}) متصل بذكر المحرمات المذكورات
قبل أي فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها ({في مخمصة})
مجاعة ({غير}) حال ({متجانف لإثم}) مائل إلى إثم أي غير
متجاوز سدّ الرمق ({فإن الله غفور}) لا يؤاخذه بذلك
({رحيم}) [المائدة: 3] بإباحة المحظور للمعذور.
(وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق أو بالرفع على
الاستئناف ({فكلوا مما ذكر اسم الله عليه}) دون ما ذكر
عليه اسم غيره من آلهتكم ({إن كنتم بآياته مؤمنين * وما
لكم ألاّ تأكلوا}) ما استفهامية في موضع رفع بالابتداء
ولكم الخبر أي وأيّ غرض لكم في أن لا تأكلوا ({مما ذكر اسم
الله عليه وقد فصل لكم}) بيّن لكم ({ما حرم عليكم}) مما لم
يحرم بقوله: {حرمت عليكم الميتة} ({إلا ما اضطررتم إليه})
مما حرم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة أي شدّة
المجاعة إلى أكله ({وإن كثيرًا ليضلون بأهوائهم بغير علم})
أي يضلون فيحرّمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق
بشريعة ({إن ربك هو أعلم بالمعتدين}) [الأنعام: 118، 119]
بالمجاوزين من الحق إلى الباطل وسقط من قوله مما ذكر اسم
الله عليه إلى آخره لابن عساكر وقال بعد قوله: {تأكلوا}
الآية. وسقط لأبي ذر من قوله: {وما لكم} إلى آخر
{بالمعتدين}.
(وقوله جل وعلا: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على
طاعم يطعمه}) أي آكل يأكله ومحرّمًا نصب صفة لموصوف محذوف
حذف لدلالة قوله على طاعم يطعمه أي لا أجد طعامًا محرمًا
وعلى طاعم متعلق بمحرمًا ويطعمه في موضع جرّ صفة لطاعم
({إلا أن يكون}) ذلك المحرم وقدره أبو البقاء ومكّي
وغيرهما إلا أن يكون المأكول أو ذلك ({ميتة أو دمًا
مسفوحًا}) صفة لدم والسفح الصب هو ما خرج من الحيوانات وهي
أحياء أو من الأوداج عند الذبح فلا يدخل الكبد والطحال
لأنهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما ولا ما اختلط
باللحم من الدم لأنه غير سائل
({أو لحم خنزير فإنه رجس}) نجس حرام والهاء في فإنه الظاهر
عودها على لحم المضاف لخنزير وقال ابن حزم: على خنزير لأنه
أقرب مذكور ورجح الأول بأن اللحم هو المحدث عنه والخنزير
جاء
(8/297)
بعرضية الإضافة إليه ألا ترى أنك إذا قلت رأيت غلام زيد
فأكرمته أن الهاء تعود على الغلام لأنه المحدث عنه المقصود
بالإخبار عنه لا على زيد لأنه غير مقصود، ورجح الثاني بأن
التحريم المضاف للخنزير ليس مختصًّا بلحمه بل شحمه وشعره
وعظمه كذلك فإذا أعدنا الضمير على خنزير كان كافيًا بهذا
المقصود وإذا أعدناه على لحم لم يكن في الآية تعرض لتحريم
ما عدا اللحم مما ذكر.
وأجيب: بأنه إنما ذكر اللحم دون غيره وإن كان غيره مقصودًا
بالتحريم لأنه أهم ما فيه وأكثر ما يقصد فيه اللحم كغيره
من الحيوانات وعلى هذا فلا مفهوم لتخصيص اللحم بالذكر، ولو
سلم فإنه يكون من باب مفهوم اللقب وهو ضعيف جدًّا وقوله:
فإنه رجس إما على المبالغة بأن جعل نفس الرجس أو على حذف
مضاف ({أو فسقًا}) عطف على المنصوب السابق وقوله: فإنه رجس
اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ({أُهلّ لغير الله به})
في موضع نصب صفة لفسقًا أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير
اسم الله وسمي بالفسق لتوغله في باب الفسق ({فمن اضطر})
فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات ({غير باغ})
على مضطر مثله تارك لمواساته ({ولا عاد}) متجاوز قدر حاجته
من تناوله ({فإن ربك غفور رحيم}) [الأنعام: 145] لا
يؤاخذه، وسقط لأبي ذر وابن عساكر من قوله: {طاعم} إلى آخره
وقالا بعد قوله: {محرمًا} إلى {أو دمًا مسفوحًا}.
(قال ابن عباس): مما وصله الطبري في تفسير {مسفوحًا} أي
(مهراقًا. وقال) جل وعلا: ({فكلوا مما رزقكم الله}) على
يدي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({حلالًا
طيبًا}) بدلًا عما كنتم تأكلونه حرامًا خبيثًا من الأموال
المأخوذة بالغارات والغصوب وخبائث الكسوب ({واشكروا نعمة
الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة}) وهي ما
فارقه الروح من غير ذكاة مما يذبح ({والدم}) السائل ({ولحم
الخنزير}) بجميع أجزائه ({وما أهلّ لغير الله به}) ذبح
للأصنام فذكر عليه غير اسم الله ({فمن اضطر غير باغ ولا
عادٍ فإن الله غفور رحيم}) [النحل: 114، 115] وسقط قوله:
{واشكروا} إلى آخر قوله: {لغير الله به} وهذه آية النحل،
وثبتت هنا لكريمة، ولم يذكر المؤلّف في هذا الباب حديثًا
اكتفاء بالنصوص القرآنية أو بيض له ليجد حديثًا على شرطه
فيثبته فيه فلم يجده. |