شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

73 - كتاب الأضاحي
(كتاب الأضاحي) بفتح الهمزة جمع أضحية بضمها وتكسر مع تخفيف الياء وتشديدها وتحذف فتفتح الضاد وتكسر اسم لما يذبح من النعم تقربًا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق. قال عياض: سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار فسميت بزمن فعلها.

1 - باب سُنَّةِ الأُضْحِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ
(باب سنّة الأضحية) من إضافة الصفة إلى الموصوف، ولابن عساكر في نسخة الأضحية سنّة. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد: (هي سنّة ومعروف) بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه والجمهور أنها سنّة مؤكدة على الكفاية، وفي وجه للشافعية أنها من فروض الكفاية، وقال صاحب الهداية من السادة الحنفية: واجبة على كل مسلم مقيم موسر في يوم الأضحى عن نفسه وعن ولده الصغار، أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وقال الشيخ خليل من المالكية: المشهور أنها سنّة، وقال المرداوي من الحنابلة: وتسن التضحية لمسلم ولو مكاتبًا بإذن سيده إلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكانت واجبة عليه. قال ابن حجر: وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة رفعه: "من وجد سعة فلم يضحّ فلا يعبرنّ مصلانا" أخرجه ابن ماجة ورجاله ثقات لكنه اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ومع ذلك فليس صريحًا في الإيجاب.
وفي حديث مخنف بن سليم رفعه: "على كل أهل بيت أضحية" أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق وقد ذكر معها العتيرة وليست واجبة عند من قال بوجوب الأضحية، وحديث ابن عباس: كتب عليّ النحر ولم يكتب عليكم"

(8/298)


المروي عند أحمد وأبي يعلى والطبراني والدارقطني الدال على أن الوجوب من الخصائص النبوية ضعيف وتساهل الحاكم فصححه.
5545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الأيَامِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ». فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ: «اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».
وبه قال: (حدّثنا) بصيغة الجمع ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) العبدي اللقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن زبيد الأيامي) بهمزة قبل التحتية المخففة ولأبي ذر وابن عساكر اليامي بإسقاط الهمزة (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم عيد الأضحى:
(إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي) صلاة العيد بحذف أن قبل نصلي. قال في الكواكب: هو نحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه في تقدير أن أو تنزيل الفعل منزلة المصدر انتهى. وفي رواية أبي ذر: أن نصلي فلا يحتاج إلى تقدير (ثم نرجع) من المصلى إلى المنزل (فننحر) ما من شأنه أن ينحر ونذبح ما من شأنه أن يذبح من الأضحية (من فعله) أي تأخير النحر عن الصلاة (فقد أصاب سنتنا) طريقتنا (ومن ذبح) أضحيته (قبل) أي قبل الصلاة (فإنما هو) أي المذبوح (لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء) أي ليس من العبادة فلا ثواب فيها بل هي لحم ينتفع به أهله (فقام أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء هانئ (بن نيار) بكسر النون وتخفيف التحتية البلوي (وقد ذبح) قبل الصلاة (فقال) يا رسول الله (إن عندي جذعة) من المعز (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اذبحها ولن تجزي) بفتح الفوقية بدون همز (عن أحد بعدك) أي وإنما يجزئ الثني والثنية من المعز وهو ما دخل في السنة الثالثة والطاعن في الثانية هو الجذع والجذعة، ويجزئ الضأن منه. وروى أحمد حديث: ضحّوا بالجذع من الضأن فإنه جائز ولابن ماجة نحوه. واختلف القائلون بإجزاء الجذع من الضأن وهم الجمهور في سنه فقيل ما أكمل سنة ودخل في الثانية وهو الأصح عند الشافعية والأشهر عند أهل اللغة، وقيل: نصف سنة وهو قول الحنفية والحنابلة، وقيل: سبعة أشهر حكاه صاحب الهداية من الحنفية عن الزعفراني، وقيل: ستة أو سبعة حكاه الترمذي عن وكيع وإجزاء جذع المعز خصوصية لأبي بردة. نعم وردت الرخصة لغيره عقبة بن عامر وغيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا.
(قال مطرف) هو ابن طريف بالطاء المهملة المفتوحة آخره فاء بوزن عظيم الحارثي بالمثلثة مما
سبق موصولًا في العيدين ويأتي إن شاء الله تعالى (عن عامر) الشعبي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من ذبح بعد الصلاة) أي صلاة العيد (تمّ نسكه وأصاب سنة المسلمين) طريقتهم.
5546 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) يعني ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن محمد) يعني ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(من ذبح قبل الصلاة) أي قبل مضي وقت صلاة العيد وما يتعلق بها من الخطبة وإلاّ فوقت الصلاة إلى الزوال (فإنما ذبح) أضحيته ولأبي ذر وابن عساكر يذبح (لنفسه) لحمًا يأكل لا ثواب له فيه (ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين).
وهذا الحديث قد سبق في صلاة العيدين.

2 - باب قِسْمَةِ الإِمَامِ الأَضَاحِيَّ بَيْنَ النَّاسِ
(باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس) بنفسه أو بأمره.
5547 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بَعْجَةَ الْجُهَنِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَارَتْ جَذَعَةٌ، قَالَ: «ضَحِّ بِهَا».
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة المخففة أبو زيد الزهراني الطفاوي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي مولاهم أبي نصر اليماني الثبت لكنه يدلس ويرسل، لكن رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى أخبرني بعجة أزالت ما يخشى من تدليسه (عن بعجة) بفتح الموحدة والجيم بينهما عين مهملة ساكنة ابن عبد الله (الجهني) تابعي ليس له في البخاري إلا هذا (عن عقبة بن عامر الجهني) -رضي الله عنه- أنه (قال: قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصحابه ضحايا) وكان الذي باشر القسمة عقبة بن عامر المذكور كما سيأتي إن شاء

(8/299)


الله تعالى (فصارت) أي حصلت (لعقبة) بن عامر (جذعة) من المعز. قال عقبة: (فقلت: يا رسول الله صارت جذعة) ولأبي ذر: لي جذعة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ضحّ بها) ولم يقل ولن تجزي عن أحد بعدك كما قال لأبي بردة.

3 - باب الأُضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ
(باب) حكم (الأضحية للمسافر والنساء).
5548 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ وَهْيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ». فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة ولم يسمع مسدد من سفيان الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها، وحاضت بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء موضع خارج مكة (قبل أن تدخل مكة وهي) والحال أنها (تبكي فقال) لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ما لكِ) تبكين (أنفست)؟ بفتح النون وكسر الفاء وضبطه الأصيلي أنفست بضم النون أي حضت وقيل بالفتح الحيض والضم النفاس (قالت: نعم) نفست (قال) عليه الصلاة والسلام: يسليها: (إن هذا) الحيض (أمر كتبه الله على بنات آدم) فلست بمختصة به (فاقضي ما يقضي الحاج) فافعلي ما يفعل الحاج من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت) لأنه كالصلاة لا يصح، إلا بطهارة كاملة نعم قال بصحته بعد انقطاع الدم من غير غسل الحنفية، لكن يجب عليها بدنة عندهم ولا زائدة أي غير أن تطوفي. قالت عائشة (فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أزواجه) -رضي الله عنه- (بالبقر) أي بإذنهن لأن تضحية الإنسان عن غيره لا تصح إلا بإذن.
وهذا الحديث قد مرّ في الحيض.

4 - باب مَا يُشْتَهَى مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ
(باب ما يشتهى) بضم أوله وفتح رابعه (من اللحم يوم النحر) وما موصولة أو مصدرية.
5549 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ. ثُمَّ انْكَفَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا، وَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا، أَوْ قَالَ: فَتَجَزَّعُوهَا.
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل قال: (أخبرنا ابن علية) إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) لأصحابه:
(من كان) منكم (ذبح) أضحيته (قبل الصلاة فليعد) فإنها ليست نسكًا (فقام رجل) هو أبو بردة بن دينار (فقال: يا رسول الله إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم) للالتذاذ به فيه ولأن العادة جرت فيه بكثرة الذبح فالنفس تتشوف له، ولا يقدح فيه قول عمر لجابر بن عبد الله لما رأى معه لحمًا فقال له: ما هذا؟ قال: قرمنا إلى اللحم فقال له: أين تذهب هذه الآية؟ {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} [الأحقاف: 20] لأن يوم النحر مخصوص بأكله. قال الله تعالى: {ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها} [الحج: 34] وبه استدل من قال بوجوب إلى من الأضاحي وهو قول غريب والذي عليه الجمهور أنه من باب الرخصة أو الاستحباب.
(وذكر) أبو بردة (جيرانه) وعند مسلم عن عاصم وإني عجلت فيه نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري (وعندي جذعة) من المعز (خير من شاتي لحم) بالتثنية من المعز (فرخص له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ذلك) قال أنس: (فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه) من الناس (أم لا) فيكون مختصًّا بذلك ولعل أنسًا لم يبلغه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لمن تجزي عن أحد بعدك (ثم انكفأ) بالهمز أي مال ورجع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن مكان الخطبة إلى مكان الذبح (إلى كبشين) تثنية كبش وهو ذكر الضأن (فذبحهما وقام الناس إلى غنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون مصغرًا (فتوزعوها) بالزاي المعجمة من التوزيع أي تفرقوها (أو قال فتجزعوها) بالجيم والزاي من الجزع أي اقتسموها حصصًا كل واحد حصة من الغنم بغير ذبح وليس المراد أن كل واحد أخذ قطعة من اللحم والشك من الراوي.
والحديث سبق في باب إلى يوم النحر من كتاب العيدين.

5 - باب مَنْ قَالَ: الأَضْحَى يَوْمَ النَّحْرِ
(باب من قال: الأضحى يوم النحر) فقد دون أيام التشريق ويوم نصب على الظرفية، ولأبي ذر رفع واختصاص النحر باليوم العاشر قول حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وداود الظاهري.
5550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَي وَشَعْبَانَ. أَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ». قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا»، قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ»، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ». وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الوهاب)

(8/300)


بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحارث (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الزمان) ولأبي ذر إن الزمان (قد استدار) استدارة (كهيئته) مثل حالته (يوم خلق الله السماوات والأرض) روي أنهم كانوا ينسئون الحج في كل عامين من شهر إلى شهر آخر ويجعلون الشهر الذي أنسؤوا فيه ملغى فتكون تلك السنة ثلاثة عشر شهرًا ويتركون العام الثاني على ما كان عليه الأول، فلا يزالون كذلك إلى خمس وعشرين سنة، ثم يستدبر حينئذ الشهر الذي بدئ منه، وكانت السنة التي حجّ فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجة الوداع هي السنة التي وصل ذو الحجة إلى موضعه فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خطبته: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" أي إن الله تعالى قد أدحض أمر النسيء فإن حساب السنة قد استقام ورجع إلى الأصل الموضوع له.
(السنة اثنا عشر شهرًا) تأكيد في إبطال أمر النسيء وأن أحكام الشرع تنبئ على المشهور القمرية المحسوبة بالأهلّة دون الشمسية (منها أربعة حرم) لعظم حرمتها (ثلاث متواليات) حذف التاء من العدد باعتبار أن الشهر الذي هو واحد الأشهر بمعنى الليالي فاعتبر لذلك تأنيثه ولابن عساكر ثلاثة متواليات (ذو القعدة) للقعود فيه عن القتال (وذو الحجة) للحج (والمحرم) لتحريم القتال فيه (و) واحد فرد وهو (رجب مضر) أضيف إليها لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يك يستحله أحد من العرب وسمي رجبًا لترجيب العرب إياه (الذي بين جمادى) بضم الجيم وفتح الدال المهملة (وشعبان) ذكره تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء (أي شهر هذا) قال القاضي البيضاوي: يريد تذكارهم حرمة الشهر وتقريرها في نفوسهم ليبني عليها ما أراد تقريره وقولهم (قلنا: الله ورسوله أعلم)، مراعاة للأدب وتحرزًا عن التقدم بين يدي الله ورسوله وتوقفًا فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه (فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة)؟ ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي ذو الحجة (قلنا:
بلى. قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة)؟ بسكون اللام مكة التي جعلها الله تعالى حرمًا، قال التوربشتي: وجه تسميتها بالبلدة وهي تقع على سائر البلدان أنها الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الاسم لتفوّقها سائر مسميات أجناسها تفوّق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة به (قلنا: بلى) يا رسول الله (قال) عليه الصلاة والسلام (فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس يوم النحر)؟ الذي ننحر فيه الأضاحي في سائر الأقطار والهدايا بمنى (قلنا: بلى) وتمسك به من خص النحر بيوم العيد ووجهه أنه عليه الصلاة والسلام أضاف هذا اليوم إلى جنس النحر لأن اللام هنا جنسية فتعم فلا يبقى نحر إلا في ذلك اليوم، لكن قال القرطبي: التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول ضعيف مع قوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 28] انتهى.
وأجاب الجمهور بأن المراد النحر الكامل الفضل والألف واللام كثيرًا ما تستعمل للكمال نحو: ولكن البر وإنما الشديد الذي يملك نفسه، ولذا قيل اليوم الأول أفضل الأيام. وقال المالكية: أيام النحر ثلاثة مبدؤها يوم النحر بعد صلاة الإمام وذبحه في المصلى، وعند الشافعية آخر وقتها غروب الشمس من آخر أيام التشريق لحديث في كل أيام التشريق ذبح رواه ابن حبان، وقال أبو حنيفة: وأحمد يومان بعد النحر كقول المالكية.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

(8/301)


(فإن دماءكم وأموالكم قال محمد) هو ابن سيرين (وأحسبه) أي وأحسب ابن أبي بكرة (قال) في حديثه (وأعراضكم) قال التوربشتي: أنفسكم وأحسابكم فإن العرض يقال للنسب والحسب. يقال: فلان نقيّ العرض أي بريء أن يعاب، وتعقب بأنه لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكرارًا لأن ذكر الدماء كاف إذ المراد بها النفوس، وقال الطيبي: الظاهر أن المراد الأخلاق النفسانية فالمراد هنا الأخلاق ثم قال: والتحقيق ما في النهاية أن العرض موضع المدح والذم من الإنسان، ولذا قيل العرض النفس إطلاقًا للمحل على الحال (عليكم حرام كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في بلدكم هذا) مكة (في شهركم هذا) ذي الحجة وسقط لفظ هذا لأبي ذر وابن عساكر (وستلقون ربكم) يوم القيامة (فيسألكم عن أعمالكم) فيجازيكم عليها (ألا) بالتخفيف (فلا ترجعوا بعدي ضلالًا) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى جمع ضال (يضرب بعضكم رقاب بعض ألا) بالتخفيف (ليبلغ الشاهد الغائب) ما ذكر (فلعل بعض من يبلغه) بفتح التحتية وسكون الموحدة (أن يكون أوعى) بالواو الساكنة بعد الهمزة المفتوحة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أرعى بالراء بدل الواو (له) للذي ذكر (من بعض من سمعه) مني (وكان) بالواو ولأبي ذر وابن عساكر فكان (محمد) أي ابن سيرين (إذا ذكره) ولأبي ذر عن الكشميهني ذكر بحذف الضمير المنصوب (قال: صدق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا) بتخفيف اللام (هل بلغت ألا هل بلغت) زاد أبو ذر عن المستملي مرتين وهو من الحديث فصل
بينه الراوي وبين ما قبله بقوله وكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث تقدّم في العلم والحج وتفسير براءة مفرقًا.

6 - باب الأَضْحَى وَالْمَنْحَرِ بِالْمُصَلَّى
(باب) بيان كون (الأضحى والمنحر بالمصلى) موضع صلاة العيد لئلا يذبح أحد قبل الإمام فيذبحوا بعدها بيقين مع ما فيه من تعليمهم صفة الذبح، وفي بعض النسخ والنحر بغير ميم.
5551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَعْنِي مَنْحَرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن أبي بكر المقدمي) بتشديد الدال المهملة المفتوحة بعد القاف، قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي بالجيم والميم مصغرًا قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: كان عبد الله) بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- (ينحر في المنحر، قال عبيد الله) العمري (يعني منحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
5552 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن كثير بن فرقد) بالمثلثة وفرقد بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف بعدها دال مهملة (عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أخبره قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذبح وينحر بالمصلى) بعد أن يصلّي العيد، وهو مذهب مالك؛ أن الإمام يبرز أضحيته للمصلى فيذبح به كما قاله السفاقسي، والحديث الأول موقوف والثاني مرفوع وهو اختلاف على نافع قاله ابن حجر.

7 - باب فِي أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ.
وَيُذْكَرُ سَمِينَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ
هذا (باب) بالتنوين (في أضحية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الضأن (أقرنين) لكل واحد منهما قرنان معتدلان ولأبي ذر وابن عساكر باب ضحية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخره (ويذكر) بضم أوله وفتح الكاف في صلة الكبشين (سمينين) أخرجه أبو عوانة بن محمد بن شعبة عن قتادة عن أنس (وقال يحيى بن سعيد) الأنصاري مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (سمعت أبا أمامة بن سهل) بسكون الهاء (قال: كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون) أيضًا.
5553 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ. [الحديث 5553 - أطرافه في: 5554، 5558، 5564، 5565، 7399].
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) سقط لأبي ذر لفظ ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحي بكبشين) قال في المصابيح: هذا يدل على أن تلك عادته عليه الصلاة والسلام فيكون دليلًا للمالكية على أفضلية الضأن في الضحايا ضرورة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يواظب إلا على ما هو لأفضل

(8/302)


لكن من نظر إلى كثرة اللحم كإمامنا الشافعي قال: الأفضل الإبل ثم البقر، وقد أخرج البيهقي عن ابن عمر: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحي بالجزور وأحيانًا وبالكبش إذا لم يجد جزورًا لكن في سنده عبد الله بن نافع وفيه مقال فلو سلم كان نصًّا في موضع النزاع قال أنس: (وأنا أضحي بكبشين) اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث من أفراده.
5554 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. تَابَعَهُ وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَحَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ: عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) السختياني ولأبي ذر حدّثنا أيوب (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انكفأ) بالهمزة بعد الفاء رجع (إلى كبشين أقرنين) تثنية أقرن وهو الكبير القرن (أملحين) بالحاء المهملة تثنية أملح وهو الذي يخالط سواده بياض والبياض أكثر، وقال الأصمعي: هو الأغبر، وقال ابن الأعرابي: الأبيض الخالص، وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية، أو هو الذي ينظر في سواد ويأكل في سواد ويبرك في سواد أي أن مواضع هذه منه سود وما عدا ذلك أبيض واختار ذلك لحسن منظره وشحمه وطيب لحمه لأنه نوع يتميز عن جنسه (فذبحهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده) الشريفة وفيه أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى وهو قول أحمد، وحكى الرافعي فيه قوليه عن الشافعي. أحدهما عن نص في البويطي الذكر لأن لحمه أطيب وهذا هو الأصح، والثاني أن الأنثى أولى، وقال الرافعي: وإنما يذكر ذلك في جزاء الصيد عند التقويم والأنثى أكثر قيمة فلا تفدى بالذكر أو أراد الأنثى التي لم تلد وفيه استحباب التضحية بالأقرن وأنه أفضل من الأجم الذي لا قرن له وذبح أضحيته بيده إذا كان يحسن الذبح (تابعه) أي تابع عبد الرحمن (وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خلد البصري في روايته (عن أيوب) السختياني عن أبي قلابة عن أنس وهذه المتابعة ذكرها الإسماعيلي.
(وقال إسماعيل) ابن علية مما يأتي موصولًا قريبًا عند المؤلّف (وحاتم بن وردان) بالحاء المهملة مما وصله مسلم من طريقه (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس) -رضي الله عنه- فخالفا عبد الوهاب الثقفي في شيخ أيوب ووقع في رواية أبي ذر تأخير متابعة وهيب عن قوله وقال إسماعيل، وعند الباقين تقديم متابعة وهيب. قال في الفتح: وهو الصواب لأن وهيبًا إنما رواه عن أيوب عن أبي قلابة متابعًا لعبد الوهاب الثقفي.
5555 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ضَحِّ أَنْتَ بِهِ».
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني سكن مصر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد) بن أبي حبيب المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه غنمًا) يطلق على الضأن والمعز (يقسمها على صحابته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو صحابة عقبة (ضحايا) من ماله عليه الصلاة والسلام أو من الفيء فقسمها (فبقي) منها (عتود) بفتح العين المهملة وضم المثناة الفوقية الخفيفة ما قوي ورعي من أولاد المعز وأتى عليه حول أو العتود الجذع من المعز ابن خمسة أشهر وفي المحكم العتود الجدي الذي استكرش وقيل الذي بلغ السفاد (فذكره) عقبة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له عليه السلام:
(ضحّ أنت به) ولأبي ذر: ضح به أنت، وسقط لفظ به لابن عساكر، زاد البيهقي في روايته من طريق يحيى بن بكير عن الليث ولا رخصة لأحد فيها بعدك.
وحديث الباب سبق في الوكالة جهذا الإسناد والمتن، وفي الشركة أيضًا في باب قسمة الغنائم والعدل فيها.

8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بُرْدَةَ: «ضَحِّ بِالْجَذَعِ مِنَ الْمَعَزِ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي بردة) بن نيار (ضح بالجذع من المعز ولن تجزي عن أحد بعدك).
5556 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنَ الْمَعَزِ قَالَ: «اذْبَحْهَا وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ». ثُمَّ قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». تَابَعَهُ عُبَيْدَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ. وَتَابَعَهُ وَكِيعٌ
عَنْ حُرَيْثٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ عَاصِمٌ: وَدَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ وَقَالَ زُبَيْدٌ وَفِرَاسٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: عِنْدِي جَذَعَةٌ وَقَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنَاقٌ جَذَعَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنَاقٌ جَذَعٌ، عَنَاقُ لَبَنٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان الواسطي قال: (حدّثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المهملة المشدّدة بعدها فاء ابن طريف الكوفي (عن عامر) الشعبي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر ابن عازب أنه (قال: ضحى

(8/303)


خال لي يقال له أبو بردة) هانئ بن نيار بكسر النون وتخفيف التحتية ابن عمرو بن عبيد البلوي من حلفاء الأنصار أي ذبح أضحيته (قبل الصلاة) أي صلاة العيد فالألف واللام للعهد (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(شاتك) التي ذبحتها قبل صلاة العيد (شاة لحم) ليست أضحية ولا ثواب فيها، واستشكلت هذه الإضافة بأن الإضافة إما معنوية مقدرة بمن كخاتم حديد أو باللام كغلام زيد أو بفي كضرب اليوم أي ضرب في اليوم، وإما لفظية صفة مضافة إلى معمولها كضارب زيد وحسن الوجه ولا يصح شيء منها في شاة لحم. وأجيب: بأن الإضافة بتقدير محذوف أي شاة طعام لحم أي لا طعام نسك أو ما أشبه ذلك يعني شاة لحم غير نسك فهي مضافة إلى محذوف أقيم المضاف إليه مقامه. (فقال) أبو بردة (يا رسول الله إن عندي داجنًا) بالجيم والنون الذي بألف البيوت لا سن لها معينًا (جذعة) بالجيم والذال المعجمة بالنصب عطف بيان لداجنًا (من المعز) وهو الذي لم يطعن في الثالثة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اذبحها) عن أضحيتك خصوصية لك (ولن تصلح) أضحية ولأبي ذر وابن عساكر: ولا تصلح (لغيرك ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (من ذبح قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فإنما يذبح لنفسه) لحمًا يأكله ليس بنسك (ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سنّة المسلمين).
(تابعه) أي تابع مطرفًا (عبيدة) بضم العين مصغرًا ابن معتب بتشديد المثناة الفوقية المكسورة الضبي في روايته (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (و) تابعه أيضًا عن (إبراهيم) النخعي عن البراء وهو منقطع لأن إبراهيم لم يلق أحدًا من الصحابة (وتابعه) أي تابع عبيدة (وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف (عن حريث) بضم الحاء المهملة آخره مثلثة مصغرًا ابن أبي مطر الأسدي الكوفي الحناط بالمهملة والنون (عن الشعبي) وهذا وصله أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الأضاحي من طريق سهل بن عثمان العسكري عن وكيع (وقال عاصم) هو ابن سليمان الأحول مما وصله مسلم (وداود) بن أبي هند مما وصله مسلم أيضًا (عن الشعبي) عامر عن البراء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث وقال فيه: (عندي عناق لبن) بفتح العين المهملة وتخفيف للنون الأنثى من ولد المعز وأضافها إلى اللبن إشارة إلى صغرها وأنها قريبة من الرضاع.
(وقال زبيد): بضم الزاي وفتح الموحدة ابن الحارث اليامي مما وصله المؤلّف أوّل الأضاحي
(وفراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى الكوفي مما وصله البخاري أيضًا في باب من ذبح قبل الصلاة أعاد (عن الشعبي) عن البراء وقال: (عندي جذعة، وقال أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر مما وصله المؤلّف من الوجه المذكور عنه عن الشعبي عن البراء في العيدين وقال: (عناق جذعة) بالتنوين فيهما فالثاني عطف بيان. (وقال ابن عون) عبد الله واسم جده أرطبان في روايته عن الشعبي عن البراء مما وصله المؤلّف في الأيمان والنذور (عناق جذع) بتنوينهما (عناق لبن) بالإضافة فالأول كلفظ منصور لكن تلك بتأنيث جذعة والثانية كعاصم.
5557 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْدِلْهَا» قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي إِلاَّ جَذَعَةٌ قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «عَنَاقٌ جَذَعَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بالمعجمة المشدّدة بعد الموحدة العبدي قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سلمة) بن كهيل (عن أبي جحيفة) بالجيم المضمومة والحاء المهملة المفتوحة وهب بن عبد الله بن مسلم العامري السوائي الصحابي توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو لم يبلغ الحلم (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: ذبح أبو بردة) بن نيار (قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أبدلها) بكسر الدال وسكون اللام أي اذبح مكانها أخرى (قال) يا رسوله الله (ليس عندي إلا جذعة، قال شعبة) بن الحجاج (وأحسبه) أي أبا بردة (قال: هي) أي الجذعة (خير من مسنّة) لطيب لحمها ونفعها للأكلين لسمنها ونفاستها، وقال أهل

(8/304)


اللغة: السن الذي يلقي سنه يكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي الظلف والحافر في السنة الثالثة، وقال ابن فارس: إذا دخل ولد الشاة في السنة الثالثة فهو ثني ومسن (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اجعلها) أي الجذعة (مكانها) أي مكان المسنّة خصوصية لك (ولن تجزي) بفتح الفوقية بغير همزة وقال ابن بري: الفقهاء يقولون لا يجزئ بالضم والهمزة في موضع لا يقضي، والصواب الفتح بلا همز ويجوز الضم والهمز بمعنى الكفاية، وفي الأساس للزمخشري بنو تميم تقول: البدنة تجزي عن سبعة بضم أوله، وأهل الحجاز تجزي بفتح أوله وبهما قرئ: {لا تجزي نفس عن نفس} [البقرة: 123]، ولن حرف نصب لنفي المستقبل وهل هي مركبة أو بسيطة ولا تقتضي تأييد النفي خلافًا للزمخشري أي لن يقتضي (عن أحد بعدك) وظاهره الخصوصية لأبي بردة بإجزاء الجذع من المعز في الأضحية، لكن وقع في غير ما حديث التصريح بنظيره لغيره كحديث عقبة السارق وقوله: ولا رخصة فيها لأحد بعدك وفي كل منهما صيغة عموم فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني
فيحتمل صدور ذلك لكل منهما في وقت واحد، أو أن خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني، وذكر بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة أو خمسة لكن ليس التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي ولم يشاركهما أحد في ذلك، نعم وقعت المشاركة في مطلق الأجزاء لا في خصوص منع الغير لزيد بن خالد. رواه أبو داود وأحمد وصححه ابن حبان ولعويمر بن أشقر رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة ولسعد بن أبي وقاص رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس، وفي حديث أبي هريرة المروي عند أبي يعلى والحاكم أن رجلًا قال: يا رسول الله هذا جذع من الضأن مهزول وهذا جذع من المعز سمين أو هو خيرهما أفأضحي به؟ قال: "ضحّ به فإن لله الخير" وفي سنده ضعف.
(وقال حاتم بن وردان): بالحاء المهملة أبو صالح البصري فيما وصله مسلم (عن أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحديث. (وقال) فيه (عناق جذعة) بتنوينهما والعطف للبيان.

9 - باب مَنْ ذَبَحَ الأَضَاحِيَّ بِيَدِهِ
(باب من ذبح الأضاحي بيده).
5558 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) سقط لأبي ذر ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: ضحى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكبشين أملحين) زاد في الرواية السابقة واللاحقة أقرنين (فرأيته) حال كونه (واضعًا قدمه) الشريفة (على صفاحهما) بكسر الصاد المهملة وجمع وإن كان وضعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدمه إنما كان على صفحتيهما إما باعتبار أن الصفحتين من كل واحد في الحقيقة موضوع عليهما القدم المبارك لأن أحدهما مما يلي الأخرى مما يلي الرجل، أو هو من باب قطعت رؤوس الكبشين، وقال في الفتح: والصفاح الجوانب، والمراد الجانب الواحد من وجه الأضحية وإنما ثنى إشارة إلى أنه فعل ذلك في كلٍّ منهما فهو من إضافة الجمع إلى المثنى بإرادة التوزيع (يسمي) أي واضعًا قدمه على صفاحهما حال كونه يسمي الله تعالى (ويكبّر فذبحهما بيده) ففيه مشروعية ذبح الأضحية بيده وإن كان يحسن ذلك لأن الذبح عبادة والعبادة أفضلها أن يباشرها بنفسه ووضع الرجل على صفحة عنقها اليمنى ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تنجسه.
وهذا الحديث رواه مسلم في الذبائح وكذا النسائي ورواه ابن ماجة في الأضاحي.

10 - باب مَنْ ذَبَحَ ضَحِيَّةَ غَيْرِهِ. وَأَعَانَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فِي بَدَنَتِهِ وَأَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ
(باب من ذبح ضحية غيره) بإذنه (وأعان رجل ابن عمر) -رضي الله عنهما- (في) نحر (بدنته) بمنى وهو باركة معقولة وصله عبد الرزاق وإذا كانت الاستعانة مشروعة التحقت بها الاستنابة (وأمر أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (بناته أن يضحين بأيديهن) وصله في المستدرك بلفظ كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكن

(8/305)


بأيديهن اهـ. ومذهب الشافعي أن الأولى للمرأة أن توكل في ذبح أضحيتها، وقوله وأمر إلخ ثابت في رواية الكشميهني والمستملي.
5559 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ. غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ». وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء بعدها فاء موضع قرب مكة قبل أن أدخلها (وأنا أبكي فقال):
(ما لك أنفست)؟ بفتح الهمزة والنون وكسر الفاء وسكون السين المهملة أحضت من النفس وهو الدم وفرقوا بين الحيض والنفاس فقالوا بفتح النون في الحيض وفي الولادة بضمها وحكي الضم فيهما وثبت في روايتنا بالوجهين (قلت: نعم، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم) في حديث ابن مسعود عند عبد الرزاق بإسناد صحيح قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعًا فكانت المرأة تتشوف للرجل فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد، وحديث الباب شامل لجميع بنات آدم فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن من بنات آدم عام أريد به الخصوص (اقضي ما يقضي الحاج) من المناسك والمراد بالقضاء هنا الأداء أي ما يؤدي الحاج (غير أن لا تطوفي بالبيت) حتى تطهري كاملة بانقطاع الحيض والاغتسال.
(وضحى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نسائه بالبقر). وفي رواية يونس عن الزهري عند النسائي وأبي داود وغيرهما عن عمرة عن عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحر عن أزواجه بقرة واحدة، لكن قال إسماعيل القاضي: تفرد به يونس وخالفه غيره. ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي أيضًا ولفظه أصرح من لفظ يونس قال: ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة واستدل بالحديث على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما يحمله عنه بغير أمره ولا علمه، وتعقب باحتمال الاستئذان.

11 - باب الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلاَةِ
(باب) وقت (الذبح بعد الصلاة).
5560 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يُقَدِّمُهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ». فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْزِيَ أَوْ تُوفِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن المنهال) أبو محمد السلمي الأنماطي البرساني البصري ولأبي ذر ابن منهال قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (زبيد) اليامي (قال: سمعت الشعبي) عامي بن شراحيل (عن البراء -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب فقال):
(إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي) صلاة العيد وسقط للكشميهني لفظ به (ثم نرجع) من المصلى (فننحر) الأضحية (فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا) أي طريقتنا (ومن نحر) أي قبل الصلاة (فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك في شيء) ولا ثواب له. (فقال أبو بردة) بن نيار (يا رسول الله ذبحت قبل أن أصلي وعندي جذعة خير من مسنة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اجعلها مكانها ولن تجزي) بفتح الفوقية بلا همز قال بعضهم وهو الذي في جميع الطرق والروايات وليس المراد بالقضاء هنا معناه الاصطلاحي بل مطلق الفعل (أو) قال: (توفي) بضم الفوقية وسكون الواو (عن أحد بعدك) والشك من الراوي، واختلف في وقت الأضحية فعند الشافعية بعد مضي قدر صلاة العيد وخطبتها من طلوع الشمس يوم النحر سواء صلى أم لا مقيمًا بالأمصار أم لا لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أول ما نبدأ به أن نصلي ثم نرجع فننحر" إلخ. وقوله في الرواية السابقة: من ذبح بعد الصلاة وهو أعم من صلاة الإمام وغيره ولا يشترط فعل الصلاة اتفاقًا لصحة التضحية فدلّ على أن المراد بها وقتها، وعند الحنفية وقتها في حق أهل الأمصار بعد صلاة الإمام وخطبته وفي حق غيرهم بعد طلع الفجر، وعند المالكية بعد فراغ الإمام من الصلاة والخطبة والذبح، وعند الحنابلة لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبحه.

12 - باب مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَعَادَ
(باب من ذبح) أضحيته (قبل الصلاة أعاد) الذبح.
5561 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ»، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ
وَذَكَرَ هَنَة مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَذَرَهُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَدْرِي بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ أَمْ لاَ. ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ؟ يَعْنِي فَذَبَحَهُمَا، ثُمَّ انْكَفَأَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَذَبَحُوهَا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) وهو ابن علية نسبة إلى أمه الأسدي البصري (عن أيوب)

(8/306)


السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من ذبح) أضحيته (قبل الصلاة فليعد) أي الذبح (فقال رجل) هو أبو بردة يا رسول الله (هذا يوم يشتهى فيه اللحم) لا جرت العادة فيه من كثرة الذبح فتتشوف النفس له وتلتذ بأكله (وذكر هنة) بفتح الهاء والنون المخففة حاجة (من جيرانه) لجيرانه إلى اللحم وفقرهم وثبت قوله هنة لابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني (فكأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد النون (عذره) بتخفيف الذال المعجمة أي قبل عذره لكنه لم يجعل ذلك كافيًا في مشروعية الأضحية ولذا أمره بالإعادة (وعندي جذعة) من المعز عطف على قول أبي بردة الذي ذكر الراوي عنه أنه ذكر هنة من جيرانه والتقدير هذا يوم يشتهى فيه اللحم ولجيراني حاجة فذبحت قبل الصلاة وعندي جذعة (خير من شاتين) لطيبها سمنًا ونفاسة.
فإن قلت: كيف تكون واحدة خيرًا من أضحيتين بل العكس أولى كما في صورة الإعتاق فإن إعتاق الرقبتين خير من إعتاق واحدة ولو كانت أنفس منهما؟ أجيب: بأن المقصود من الضحايا طيب اللحم وكثرته فشاة سمينة أفضل من هزيلتين، وأما العتق فالمقصود منه التقرب إلى الله تعالى بفك الرقبة فيكون عتق الاثنتين أفضل من عتق الواحدة. نعم إن عرض للواحد وصف يقتضي رفعته على غيره كالعلم وأنواع الفضل المتعدي فذهب بعض المحققين إلى أنه أفضل لعموم نفعه للمسلمين.
(فرخص له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الأضحية بجذعة وسقط قوله النبي إلخ لأبي ذر، وقال أنس: (فلا أدري بلغت الرخصة) أي من سواه من الناس ولأبي ذر أبلغت الرخصة (أم لا، ثم انكفأ) بالهمز أي رجع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى كبشين يعني فذبحهما) بيده الكريمة (ثم انكفأ) رجع (الناس إلى غنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون (فذبحوهما).
وهذا الحديث سبق في باب ما يشتهى من اللحم.
5562 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ سُفْيَانَ الْبَجَلِيَّ قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الأسود بن قيس) العبدي قال: (سمعت جندب بن سفيان) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله بن سفيان (البجلي) بفتح الموحدة والجيم (قال: شهدت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) يخطب (فقال) ولأبي ذر قال:
(من ذبح قبل أن يصلي) من شرطية موضعها رفع بالابتداء (فليعد مكانها أخرى) الفاء جواب الشرط واللام لام الأمر وأخرى صفة لمحذوف تقديره شاة أخرى وأخرى تأنيث آخر (ومن لم يذبح) قبل الصلاة (فليذبح) قائلًا بسم الله للتبرك أو للوجوب ولم لنفي الزمان الماضي المنقطع من زمان الحال والجواب جاء مستقبلًا على قاعدته ويذبح مجزوم بلم لا بمن لأن لم لا تدخل إلا على الفعل المستقبل ومن تدخل على الماضي، وذهب بعضهم إلى أن التنازع يقع في سائر العوامل والصحيح الأول، وقد استدلّ بهذا الأمر في قوله: (فليعد مكانها أخرى) من قال بوجوب الأضحية وهو معارض بالأدلة الدالة على عدم الوجوب فيحمل الأمر على الندب.
5563 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلاَ يَذْبَحْ حَتَّى يَنْصَرِفَ». فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلْتُ فَقَالَ: «هُوَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ». قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا. قَالَ: «نَعَمْ ثُمَّ لاَ تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». قَالَ عَامِرٌ: هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى (عن عامر) الشعبي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: صلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم فقال):
(من صلى صلاتنا) أي مثل صلاتنا فهو على حذف مضاف نعت لمصدر محذوف (واستقبل قبلتنا فلا يذبح) أضحيته (حتى ينصرف) بتحتية فنون ولأبي ذر ننصرف بنونين يعني عليه الصلاة والسلام من صلاة العيد (فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله فعلت) الذبح قبل الصلاة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هو) أي الذي ذبحته وللكشميهني هذا (شيء عجلته) لأهلك ليس من النسك (قال) أبو بردة يا رسول الله (فإن عندي جذعة) من المعز (هي خير من مسنتين) تثنية مسنة. قال الداودي: التي

(8/307)


سقطت أسنانها وقال الجوهري: يكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السادسة (آذبحها) بهمزة استفهام ممدودة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) اذبحها (ثم لا تجزي) بفتح الفوقية بلا همز (عن أحد بعدك).
سبق ما فيه قريبًا.
(قال عامر) الشعبي (هي) يعني الجذعة (خير نسيكته) بالإفراد، ولأبي ذر: نسيكتيه بالتثنية.
فإن قلت: خير أفعل تفضيل وهو يقتضي الشركة والأولى لم تكن نسيكة؟ أجيب بأن الأولى وإن وقعت شاة لحم غير أضحية لكن له فيها ثواب لكونه قاصدًا جبر الجيران فهي أيضًا عبادة أو صورتها صورة النسيكة لأنه ذبحها في وقتها. وقال في الفتح: ضم الحقيقة إلى المجاز بلفظ واحد فإن النسيكة هي التي أجزأت عنه وهي الثانية والأولى لم تجز عنه لكن أطلق عليها نسيكة لأنه نحرها على أنها نسيكة.

13 - باب وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى صَفْحِ الذَّبِيحَةِ
(باب وضع القدم على صفحة الذبيحة).
5564 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا، وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الشيباني البصري (عن قتادة) قال: (حدّثنا أنس رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يضحي بكبشين) من الضأن (أملحين) يشوب بياضهما سواد أو حمرة (أقرنين) لكل منهما قرنان (ووضع) ولأبي ذر وابن عساكر ويضع (رجله على صفحتهما) أي صفحة عنقهما ليكون أثبت له وأمكن للذبح وعدم اضطراب الذبيحة فيستحب أن يضع الذابح رجله على صفحة عنق الذبيحة اليمنى بعد إضجاعها على الجانب الأيسر لأنه أسهل في أخذ السكين وإمساك رأس الذبيحة باليسار (ويذبحهما بيده) الشريفة صلوات الله وسلامه عليه.

14 - باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الذَّبْحِ
(باب) مشروعية (التكبير عند الذبح) للأضحية.
5565 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: ضحى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى) الله (وكبر) هـ (ووضع رجله) المكرمة (على صفاحهما) بالتثنية وصفحة كل شيء وجهه وناحيته. قال النووي في الأذكار: وإذا كان معه أي الحاج هدي فنحره أو ذبحه استحب أن يقول عند النحر والذبح بسم الله والله أكبر اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم منك وإليك، اللهم تقبل مني أو تقبل من فلان إن كان ذبحه من غيره.
وعند الطحاوي من حديث جابر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى بكبشين أملحين عظيمين موجوءين
فأضجع أحدهما وقال: "بسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وآل محمد" ثم أضجع الآخر فقال: "اللهم عن محمد وعن أمته من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ" وهو حديث حسن. وعند الطبراني في الدعاء عن عائشة قال: "يا عائشة هلمي المدية" ثم قال: "اشحذيها" ففعلت فأخذها فأضجعه وقال: "بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن أمة محمد" فضحى به وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، وقال الشافعي: فيما رويناه عنه والتسمية في الذبيحة بسم الله وما زاد بعد ذلك من ذكر الله فهو خير ولا أكره أن يقول فيها صلى الله على محمد بل أحب ذلك وأحب أن يكثر الصلاة عليه لأن ذكر الله والصلاة على محمد عبادة يؤجر عليها، وكأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك عند الذبح، واستند إلى حديث منقطع السند تفرّد به كذاب أورده البيهقي.

15 - باب إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُذْبَحَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ
هذا (باب) بالتنوين (إذا بعث) الرجل (بهديه) بسكون الدال المهملة الذي يهديه من النعم إلى المحرم (ليذبح) به (لم يحرم عليه شيء) مما يحرم على المحرم.
5566 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ، فَلاَ يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (أنه أتى عائشة) -رضي الله عنها- (فقال لها: يا أم المؤمنين إن رجلًا) هو زياد بن أبي سفيان (يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر) الذي هو فيه (فيوصي) الذي يبعثها معه (أن تقلد) بالفوقية المضمومة واللام المشددة المفتوحة مبنيًّا للمفعول (بدنته) مفعول ناب

(8/308)


عن الفاعل والتقليد أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي (فلا يزال) ذلك الرجل المفسر بأنه زياد (من ذلك اليوم) الذي بعث بها فيه (محرمًا) بمصره (حتى يحل الناس) من إحرامهم (قال) مسروق (فسمعت تصفيقها) بالصاد وهو ضرب إحدى اليدين على الأخرى ليسمع صوتها وفعلت ذلك تعجبًا أو تأسفًا على وقوع ذلك ولأبي ذر تسفيقها (من وراه الحجاب فقالت: لقد كنت أفتل) بكسر المثناة الفوقية (قلائد هدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيبعث هديه) مقلدًا (إلى الكعبة فما يحرم عليه) شيء (مما حل للرجال) ولأبي ذر عن الكشميهني للرجل (من أهله حتى يرجع الناس) وفيه رد على من قال: إن من بعث بهديه إلى المحرم لزمه الإحرام إذا قلده ويجتنب ما يجتنبه الحاج حتى ينحر هديه وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر، وبه قال عطاء بن أبي رباح: لكن أئمة الفتوى على خلافه.
وهذا الحديث سبق في باب تقليد الغنم من كتاب الحج.

16 - باب مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ، وَمَا يُتَزَوَّدُ مِنْهَا
(باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي) من غير تقييد (وما يتزوّد منها) للسفر يتزوّد بضم أوله مبنيًّا للمفعول.
5567 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ غَيْرَ مَرَّةٍ لُحُومَ الْهَدْيِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال، (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على زمانه (إلى المدينة) وهذه الصيغة لها حكم الرفع (وقال) سفيان: (غير مرة) وللكشميهني وقال غيره مرة (لحوم الهدي) بدل لحوم الأضاحي.
والحديث سبق في الجهاد.
5568 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْنَ خَبَّابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَقَدِمَ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ لَحْمٌ فَقَالَ: وَهَذَا مِنْ لَحْمِ ضَحَايَانَا، فَقَالَ: أَخِّرُوهُ، لاَ أَذُوقُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ أَخِي قَتَادَةَ وَكَانَ أَخَاهُ لأُمِّهِ وَكَانَ بَدْرِيًّا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (أن ابن خباب) بالخاء المعجمة المفتوحة وتشديد الباء الموحدة الأولى عبد الله الأنصاري التابعي (أخبره أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري الأنصاري -رضي الله عنه- (يحدّث أنه كان غائبًا) في سفر (فقدم) منه (فقدم إليه لحم) بفتح القاف في الأولى وتخفيف الدال وضمها والتخفيف في الثانية أي وضع بين يديه لحم (قال: وهذا) ولأبي ذر قالوا هذا (من لحم ضحايانا. فقال) لهم: (أخروه لا أذوقه) لا آكل منه وعند أحمد أن امرأته قالت له: إنه رخص فيه (قال) أبو سعيد (ثم قمت فخرجت) من البيت (حتى آتي) بفتح الهمزة ممدودة وكسر الفوقية (أخي أبا قتادة) وصوابه أخي قتادة وهو ابن النعمان الظفري (وكان أخاه لأمه) أنيسة ابنة أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك من بني عدي بن النجار (وكان بدريًا فذكرت ذلك له فقال) لي: (إنه قد حدث بعدك أمر) ناقض لحرمة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام.
ورجال هذا الحديث مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين: يحيى والقاسم وشيخه، وصحابيان أبو سعيد وقتادة.
5569 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ، فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ». فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا العَامَ الْمَاضِي قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين (عن سلمة بن الأكوع) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من ضحى منكم فلا يصبحن) بالصاد المهملة الساكنة والموحدة المكسورة (بعد ثالثة) من الليالي من وقت التضحية (وفي بيته) ولأبي ذر وبقي في بيته (منه) من الذي ضحى به (شيء) من لحمه (فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي) من ترك الادخار قال ابن المنير: وكأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الرأفة، وإذا ورد العام على سبب خاص حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه خاص بذلك السبب ويشبه أن يستدل بهذا من يقول إن العام يضعف عمومه بالسبب فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، ألا ترى أنهم لو اعتقدوا بقاء العموم على أصالته لما سألوا ولو اعتقدوا الخصوص أيضًا لما سألوا فسؤالهم يدل على أنه ذو شأنين، وهذا اختيار الإمام

(8/309)


الجويني (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: (كلوا وأطعموا) بهمزة قطع وكسر العين المهملة (وادخروا) بالدال المهملة المشدّدة (فإن ذلك العام) الواقع فيه النهي (كان بالناس جهد) بفتح الجيم أي مشقة (فأردت أن تعينوا) الفقراء (فيها) للمشقة المفهومة من الجهد والأمر في قوله: كلوا وأطعموا للإباحة.
وهذا الحديث ثالث عشر من ثلاثيات البخاري.
5570 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: الضَّحِيَّةُ، كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنَقْدَمُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: «لاَ تَأْكُلُوا إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ». وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ. وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بفتح العين وسكون الميم (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: الضحية) بفتح الضاد المعجمة
وكسر الحاء المهملة (كنا نملح) بضم النون وتشديد اللام مكسورة (منه) من لحم الضحية ولأبي ذر عن الكشميهني منها (فنقدم) بفتح النون وسكون القاف (به) باللحم المملوح (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا تأكلوا) منه (إلا ثلاثة أيام) من يوم ذبحه قالت عائشة: (وليست بعزيمة) أي ليس النهي للتحريم ولا ترك إلى بعد الثلاث واجبًا (ولكن أراد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يطعم) الأغنياء المحتاجين (منه والله أعلم) بمراد نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث من أفراده.
5571 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ يَوْمَ الأَضْحَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأَمَّا الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ نُسُكَكُمْ.
وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة أبو محمد السلمي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو عبيد) بضم العين سعد بن عبيد (مولى ابن أزهر) عبد الرحمن ابن أخي عبد الرحمن بن عوف (أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فصلى قبل الخطبة) صلاة العيد (ثم خطب الناس فقال) في خطبته (يا أيها الناس إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد نهاكم عن صيام هذين العيدين أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم) رمضان (وأما الآخر فيوم تأكلون) فيه (نسككم) بضم النون والسين أضحيتكم، ولأبي ذر: من نسككم فزاد حرف الجر.
5572 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ.
(قال أبو عبيد) مولى ابن أزهر بالسند السابق (ثم شهدت مع) ولأبي ذر: شهدت العيد مع (عثمان بن عفان) واللام في العيد للعهد (فكان) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر: وكان (ذلك يوم الجمعة فصلى قبل الخطبة ثم خطب فقال: يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان) يوم الأضحى ويوم الجمعة (فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر) ها حتى يصلّيها (ومن أحب أن يرجع) إلى منزله من العوالي (فقد أذنت له) ليس فيه التصريح بعدم العود إلى المسجد لصلاة الجمعة حتى يستدل به على سقوطها عمن صلى العيد إذا وافق العيد يوم
الجمعة نعم يحتمل أنهم لم يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة لبعد منازلهم عن الجمعة.
5573 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاَثٍ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَهُ.
(قال أبو عبيد) بالسند السابق أيضًا (ثم شهدته) أي عيد الأضحى (مع علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (فصلى قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث) زاد عبد الرزاق فلا تأكلوها بعدها.
(وعن معمر) هو ابن راشد بالسن السابق (عن الزهري عن أبي عبيد نحوه) ورواه إمامنا الشافعي في الأم بلفظ نهاكم أن تأكلوا من لحوم نسككم فوق ثلاث، وقد حكى البيهقي عن الشافعي أن النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث كان في الأصل للتنزيه قال: وهو كالأمر في قوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا القانع} [الحج: 36] وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالًا. قال المهلب: إنه الصحيح لقول عائشة وليس بعزيمة والله أعلم. وقال الرافعي: لا يحرم اليوم بحال، وتبعه النووي في شرح المهذّب، وحكي في شرح مسلم عن الجمهور أنه من نسخ السنة بالسنة قال: والصحيح نسخ النهي مطلقًا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة.
5574 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا مِنَ الأَضَاحِيِّ ثَلاَثًا». وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن

(8/310)


عبد الرحيم) المعروف بصاعقة قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري أبو يوسف (عن ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سالم عن) أبي (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(كلوا من الأضاحي ثلاثًا) أي ثلاثة أيام (وكان عبد الله يأكل) الخبز (بالزيت حين ينفر) بكسر الفاء (من منى من أجل لحوم الهدي) احترازًا عنها ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني حتى ينفر بدل قوله حين وهو تصحيف إذ هو يفسد المعنى، لأن المراد أنه كان لا يأكل من لحم الأضحية بعد ثلاث منى، بل يأتدم بالزيت تمسكًا بالأمر وهذا إما أن يكون منسوخًا أو محمولًا على أنه لم يبلغه الإذن بعد النهي. وهذا الحديث من أفراده.