شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

75 - كتاب المرضى
1 - باب مَا جَاءَ فِى كَفَّارَةِ الْمَرَضِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}
(باب ما جاء في كفارة المرض) ولأبي ذر كما في الفرع كتاب المرضى. وقال في الفتح: كتاب المرضى باب ما جاء في كفارة المرض كذ لهم إلا أن البسملة سقطت لأبي ذر، وخالفهم النسفيّ فلم يفرد كتاب المرضى من كتاب الطب بل صدر بكتاب الطب ثم بسمل ثم ذكر باب ما جاء في كفارة المرض واستمر على ذلك إلى آخر كتاب الطب ولكل وجه، والمرضى جمع مريض والمرض خروج الجسم عن المجرى الطبيعي ويعبر عنه بأنه حالة تصدر بها الأفعال خارجة عن الموضوع لها غير سليمة والكفارة صيغة مبالغة من الكفر وهو التغطية

(8/339)


ومعناه أن ذنوب المؤمن تتغطى بما يقع له من ألم المرض، وقوله كفارة لمرض هو من الإضافة إلى الفاعل وأسند التكفير للمرض لكونه سببه. وقال في الكواكب: الإضافة بيانية كنحو شجر الأراك أي كفارة هي مرض أو الإضافة بمعنى في كأن المرض ظرف للكفارة بل هو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف وبهذا يجاب عن استشكال أن المرض ليست له كفارة بل هو الكفارة نفسها لغيره.
(وقول الله تعالى) في سورة النساء ({من يعمل سوءًا بجز به}) [النساء: 123] استدلّ بهذه الآية المعتزلة على أنه تعالى لا يعفو عن شيء من السيئات. وأجيب: بأنه يجوز أن يكون المراد من هذا ما يصل للإنسان في الدنيا من الهموم والآلام والأسقام، ويدل له آية {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} [المائدة: 38] وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية. قال أبو بكر الصديق: كيف الفلاح بعد هذه الآية؟ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب ألست تحزن ألست تصيبك اللأواء" قال: بلى. قال: "فهو ما تجزون به". رواه أحمد وعبد بن حميد وصححه الحاكم، ورواه غيرهم أيضًا وعند أحمد والبيهقي وحسنه الترمذي عن آمنة
بنت عبد الله قالت: سألت عائشة عن هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به} فقالت: سألت عنها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "يا عائشة هذه مبايعة الله العبد بما يصيبه من الهم والحزن والنكبة حتى البضاعة يضعها في كفه فيفقدها فيفزع لها فيجدها تحت ضبنه حتى أن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير".
5640 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما من مصيبة تصيب المسلم) واحدة المصائب وهي كل ما يؤذي ويصيب يقال إصابة ومصابة ومصابًا والمصوبة بضم الصاد مثل المصيبة وأجمعت العرب على همز المصائب وأصله الواو وكأنهم شبهوا الأصلي بالزائد ويجمع على مصاوب وهو الأصل وقوله مصيبة تصيب من التجانس المغاير إذ إحدى كلمتي المادة اسم والأخرى فعل ومثله أزفت الآزفة (إلا كفر الله بها عنه) من سيئاته (حتى الشوكة يشاكها) جوّز أبو البقاء فيه أوجه الإعراب فالجر على أن حتى جارة بمعنى إلى والنصب بفعل محذوف أي حتى يجد الشوكة والرفع عطفًا على الضمير في تصيب، وقوله يشاكها بضم أوّله أي يشوكه غيره بها ففيه وصل الفعل لأن الأصل يشاك بها.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
5641 - 5642 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الملك بن عمرو) بكسر اللام وفتح العين أبو عامر العقدي قال: (حدّثنا زهير بن محمد) أبو المنذر التميمي تكلم في حفظه لكن رواية البصريين عنه صحيحة بخلاف رواية الشاميين ولم يخرج له المؤلّف إلا هذا الحديث وآخر وتابعه على الأول الوليد بن كثير كما في مسلم (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بحاءين مهملتين مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة بعد التحتية (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري وعن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي
الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ما يصيب المسلم من نصب) تعب (ولا وصب) مرض أو مرض دائم ملازم (ولا هم) بفتح الهاء وتشديد الميم (ولا حزن) بفتحتين ولغير أبي ذر ولا حزن بضم فسكون. قال في الفتح: هما من أمراض الباطن ولذلك ساغ عطفهما على الوصب انتهى. وقيل الهم يختص بما هو آت والحزن بما مضى (ولا أذى) يلحقه من تعدي الغير عليه (ولا غم) بالغين المعجمة وهو ما يضيق على القلب، وقيل: إن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل.

(8/340)


وقال المظهري: الغم الحزن الذي يغم الرجل أي يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه والحزن أسهل منه (حتى الشوكة يشاكها) قال السفاقسي: حقيقة قوله يشاكها أن يدخلها غيره في جسده يقال شكته أشوكه قال الأصمعي ويقال شاكتني تشوكني إذا دخلت هي ولو كان المراد هذا القيل تشوكه ولكن جعلها هي مفعولة وهذا يرده ما في مسلم من رواية هشام بن عروة ولا يصيب المؤمن شوكة فأضاف الفعل إليها وهو الحقيقة ولكنه لا يمنع إرادة المعنى الأعم وهو أن تدخل هي بغير إدخال أحد أو بفعل أحد (إلا كفر الله بها من خطاياه). ولابن حبان "إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة" وفيه حصول الثواب ورفع العقاب.
وفي حديث عائشة عند الطبراني في الأوسط بسند جيد من وجه آخر ما ضرب على مؤمن عرق إلاّ حط الله به عنه خطيئة وكتب له به حسنة ورفع له درجة. وفي حديث عائشة عند الإمام أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة: لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال: إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب المؤمن نكبة تشوكه الحديث. وفيه رد على قول القائل إن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منه بل الأجر على الصبر عليها والرضا بها فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الثواب بمجرد حصولها وأما الصبر والرضا فقدر زائد لكن الثواب عليه زيادة على ثواب المصيبة.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب والترمذي في الجنائز.
5643 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً» وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ حَدَّثَنِى سَعْدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن كعب عن أبيه) كعب بن مالك الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(مثل المؤمن كالخامة) بالخاء المعجمة والميم المخففة الطاقة الغضة الطرية اللينة (من الزرع) والألف في الخامة منقلبة عن واو (تفيئها) تميلها (الريح مرة وتعدلها) بفتح الفوقية وسكون العين المهملة (مرة) ووجه التشبيه أن المؤمن من حيث إنه إن جاءه أمر الله انطاع له رضي به فإن جاءه خير فرح به وشكر وإن وقع به مكروه صبر ورجا فيه الأجر فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرًا قاله المهلب والناس في ذلك على أقسام منهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء، ومنهم من يرى أن هذا من تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يتعرض ومنهم من تشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وهذا أرفع من سابقه ومنهم من يتلذذ به وهذا أرفع الأقسام قاله أبو الفرج بن الجوزي. وقال الزمخشري في الفائق: قوله من الزرع صفة للخامة لأن التعريف في الخامة للجنس وتفيئها يجوز أن يكون صفة أخرى للخامة وأن يكون حالاً من الضمير المتحول إلى الجار والمجرور، وهذا التشبيه يجوز أن يكون تمثيليًّا فيتوهم للمشبه ما للمشبه به وأن يكون معقولاً بأن تؤخذ الزبدة من المجموع وفيه إشارة إلى أن المؤمن ينبغي له أن يرى نفسه في الدنيا عارية معزولة عن استيفاء اللذات والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات مخلوقة للآخرة لأنها جنته ودار خلوده (ومثل المنافق كالأرزة) بفتح الهمزة والزاي بينهما راء ساكنة نبات ليس في أرض العرب ولا ينبت في السباخ بل يطول طولاً شديدًا ويغلظ حتى لو أن عشرين نفسًا أمسك بعضهم بيد بعض لم يقدروا على أن يحضنوها وقيل هو ذكر الصنوبر وأنه لا يحمل شيئًا وإنما يستخرج من أغصانه الزفت ولا يحركه هبوب الريح (لا تزال حتى يكون انجعافها) بسكون النون وكسر الجيم وفتح العين المهملة بعد الألف فاء انقلاعها أو انكسارها من وسطها (مرة واحدة) ووجه التشبيه أن المنافق لا يتفقده الله باختباره بل يجعل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد حتى إذا أراد الله إهلاكه تصمه فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسه.
وهذا

(8/341)


الحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في الطب.
(وقال زكريا) بن أبي زائدة فيما وصله مسلم (حدّثني) بالإفراد (سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن كعب) عبد الله (عن أبيه كعب) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وفائدة هذا التصريح بالتحديث عن سعد وفي رواية سفيان الأولى تسمية ابن كعب المبهم في هذا التعليق لكن في مسلم عن سفيان تسميته عبد الرحمن بن كعب ولعل هذا هو السر في إبهامه في رواية زكريا قاله في الفتح.
5644 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِىٍّ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا فَإِذَا
اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلاَءِ، وَالْفَاجِرُ كَالأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ».
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق الحزامي (قال: حدّثني) بالتوحيد (محمد بن فليح قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) فليح بن سليمان (عن هلال بن علي من بني عامر بن لؤي) بالولاء وليس من أنفسهم مدني تابعي صغير موثق (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مثل المؤمن) في الرضا بالقضاء وشكره على السراء والضراء (كمثل الخامة من الزرع) صفة لخامة وهي أول ما تنبت على ساق واحد (من حيث أتتها الريح كفأتها) بفتح الكاف والفاء والهمزة وسكون الفوقية إمالتها (فإذا اعتدلت تكفأ) بفتح الفوقية والكاف والفاء المشدّدة بعدها همزة أي تقلب (بالبلاء).
قال الكرماني فإن قلت: البلاء إنما يستعمل بالمؤمن فالمناسب أن يقال بالريح أي إذا اعتدلت تكفأ بالريح كما يتكفأ المؤمن بالبلاء. وأجاب: بأن الريح أيضًا بلاء بالنسبة إلى الخامة أو أنه لما شبه المؤمن بالخامة أثبت للمشبه به ما هو من خواص المشبه انتهى.
وقال في الفتح: ويحتمل أن يكون جواب إذا محذوفًا أي فإذا اعتدلت الريح استقامت الخامة ويكون قوله بعد ذلك تكفأ بالبلاء رجوعًا إلى وصف المسلم قال: ويؤيده ما في كتاب التوحيد عن محمد بن شأن بلفظ فإذا سكنت اعتدلت وكذا المؤمن يكفأ بالبلاء.
(والفاجر كالأرزة) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتحها (صماء) أي صلبة شديدة من غير تجويف (معتدلة حتى يقصمها الله) تعالى بالقاف أي يكسرها (إذا شاء) فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسه من المؤمن المبتلي بالبلاء المثاب عليه.
5645 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) المازني أنه (قال: سمعت سعيد بن يسار أبا الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة من علماء المدينة (يقول: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من يرد الله به خيرًا يصب منه) بضم التحتية وكسر الصاد المهملة وعليه عامة المحدثين. وقال أبو الفرج بن الجوزي: يجعلون الفعل لله أي يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها. قال ابن الجوزي: وسمعت ابن الخشاب يقرؤه بفتحها وهو أحسن وأليق. قال الطيبي: إنه أليق بالأدب لقوله تعالى:
{وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] ويشهد للأول ما أخرجه أحمد عن محمود بن لبيد رفعه بسند رواته ثقات إلا أنه اختلف في سماع محمود بن لبيد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولفظه إذا أحب الله قومًا ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ومعنى حديث الباب كما قال المظهري من يرد الله به خيرًا أوصل إليه مصيبة ليطهره به من الذنوب وليرفع درجته.
وفي هذه الأحاديث بشرى عظيمة لكل مؤمن لأن الأذى لا ينفك غالبًا من ألم بسبب مرض أو همّ أو نحو ذلك.
وحديث الباب أخرجه النسائي في الطب.

2 - باب شِدَّةِ الْمَرَضِ
(باب) ما جاء في (شدة المرض) من الفضل.
5646 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ ح حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان قال المؤلّف (وحدّثني) بالإفراد (بشر بن محمد) أبو محمد السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما رأيت أحدًا أشد عليه الوجع) أي

(8/342)


المرض والعرب تسمي كل وجع مرضًا ولأبي ذر الوجع عليه أشد (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والوجع على الرواية الثانية رفع مبتدأ وخبره أشد إلى آخره والجملة بمنزلة المفعول الثاني لرأيت لأنها من داخل المبتدأ والخبر قد يكون جملة ومن زائدة، والمعنى ما رأيت أحدًا أشد وجعًا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في الطب وأبو داود وابن ماجة في الجنائز.
5647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَرَضِهِ وَهْوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ: «أَجَلْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلاَّ حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم التيمي) الكوفي (عن الحارث بن سويد عن عبد الله) بن
مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه وهو) أي والحال أنه (يوعك) بفتح العين المهملة (وعكًا شديدًا) بسكونها وفتحها الحمى أو ألمها أو إرعادها (وقلت) ولأبي ذر والأصيلي فقلت يا رسول الله (إنك لتوعك وعكًا شديدًا قلت: إن ذاك) أي تضاعف الحمى (بأن لك أجرين. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أجل) بفتح الهمزة والجيم وتسكين اللام مخففة نعم (ما من مسلم يصيبه أذى إلاّ حاتّ الله) بالحاء المهملة المفتوحة بعدها ألف ففوقية مشددة وأصله بتاءين فأدغمت الأولى في الثانية إلا نثر الله (عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر). وهو كناية عن إذهاب الخطايا شبه حالة المريض وإصابة المرض جسده ثم محو السيئات عنه سريعًا بحالة الشجر وهبوب الرياح الخريفية وتناثر الأوراق منها وتجردها عنها فهو تشبيه تمثيل لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبه من المشبه به فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان لأن إزالة الذنوب عن إزلة عن الإنسان سبب كما وإزالة الأوراق عن الشجر سبب نقصانها قاله في شرح المشكاة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب.

3 - باب أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ
هذا (باب) بالتنوين (أشد الناس بلاء الأنبياء) صلوات الله وسلامه عليهم لما خصوا به من قوة اليقين ليكمل لهم الثواب ويعمهم الخير (ثم الأول فالأول) في الفضل وللمستملي ثم الأمثل فالأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل والأقرب إلى الخير وأماثل القوم خيارهم وثم فيه للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلاً من الأعلى إلى الأسفل، وفي الفتح: إن الأمثل فالأمثل رواية الأكثر والأول فالأول رواية النسفيّ قال وجمعهما المستملي.
5648 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: «أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، قَالَ: «أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري بضم السين المهملة وتشديد الكاف (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله) بن مسعود أنه (قال: دخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي الوقت وذر على النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو يوعك) الواو للحال (فقلت: يا رسول الله إنك توعك) ولأبي ذر لتوعك (وعكًا شديدًا قال):
(أجل) نعم (إني أوعك كما يوعك) أحم كما يحم (رجلان منكم) قال ابن مسعود: (قلت: ذلك) التضاعف (أن) ولأبي ذر بأن (لك أجرين. قال) عليه الصلاة والسلام: (أجل) نعم (ذلك) التضاعف (كذلك ما من مسلم يصيب أذى شوكة) بالتنكير للتقليل لا للجنس ليصح ترتب قوله (فما فوقها) ودونها في العظم والحقارة عليه بالفاء وهو يحتمل وجهين فوقها في العظم ودونها في الحقارة وعكس ذلك قاله في الفتح كالكواكب. (إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها).
وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند الدارمي والنسائي في الكبير وصححه الترمذي وابن حبان حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.
فإن قلت: ما المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: بأن يقاس سائر الأنبياء على نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويلحق الأولياء بهم لقربهم منهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، وأما العلة فيه فهي أن البلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعمة الله

(8/343)


عليه أكثر كان بلاؤه أشد ولذا ضوعف حد الحر على العبد وقيل لأمهات المؤمنين من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين قاله في الفتح كالكرماني.

4 - باب وُجُوبِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ
(باب وجوب عيادة المريض) أصل عيادة عوادة بالواو فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ويقال عدت المريض أعوده عيادة إذا زرته وسألت عن حاله.
5649 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِىَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) رضي الله تعالى عنه أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أطعموا الجائع وعودوا المريض) في كل مرض وفي كل زمن من غير تقييد بوقت. وعند أبي داود وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم قال: عادني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من وجع كان بعيني وحينئذٍ فاستثناء بعضهم من العموم عياد الأرمد معللاً بأن العائد يرى ما لا يراه الأرمد متعقب بأنه قد يتأتى مثل ذلك في بقية الأمراض كالمغمى عليه والاستدلال للمنع بحديث البيهقي والطبراني مرفوعًا: ثلاثة ليس لهم عيادة العين والدمل والضرس. ضعيف لأن البيهقي صحح أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير، وجزم الغزالي في الأحياء بأن المريض لا يعاد إلا بعد ثلاث مستندًا لحديث أن عند ابن ماجة كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يعود مريضًا إلا بعد ثلاث. تعقب بأن الحديث ضعيف جدًّا لأنه تفرّد به مسلمة بن عليّ وهو متروك، وسئل عنه أبو حاتم فقال: حديث باطل، لكن للحديث شاهد من حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وفيه راوٍ متروك أيضًا
قاله في الفتح، وقال شيخنا الشمس السخاوي: وللحديث أيضًا طرق أخرى بمجموعها يقوى، ولهذا أخذ به النعمان بن أبي عياش الزرقي أحد التابعين من فضلاء أبناء الصحابة فقال: عيادة المريض بعد ثلاث والأعمش ولفظه: كنا نقعد في المجلس فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه فإن كان مريضًا عدناه.
وهذا يشعر بعدم انفراده وليس في صريح الأحاديث ما يخالفه ومن آداب العيادة عدم تطويل الجلوس فربما يثق على المريض أو على أهله.
(وفكوا العاني) بالعين المهملة والنون المكسورة والمخففة أي خلصوا الأسير بالفداء وإطلاق المؤلّف وجوب العيادة عملاً بظاهر الأمر في الحديث، ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان فقد يجب على الكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير.
وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته إلى زيادة المبحث في ذلك.
5650 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَلُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَعَنِ الْقَسِّىِّ وَالْمِيثَرَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَتْبَعَ الْجَنَائِزَ وَنَعُودَ الْمَرِيضَ وَنُفْشِىَ السَّلاَمَ.
وبه قال (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أشعث بن سليم) بالشين المعجمة والعين المهملة بعدها مثلثة في الأول وضم السين المهملة في الثاني مصغرًا (قال سمعت معاوية بن سويد بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة بعدها نون (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بسبع ونهانا عن سبع) بحذف مميز العدد في الموضعين أي خصال (نهانا عن) لبس (خاتم الذهب) للرجال (و) عن (لبس الحرير) للرجال (والديباج) بكسر الدال وتفتح أعجمي معرب جمعه ديابيج وهو ما غلط وثخن من ثياب الحرير (والإستبرق) بهمزة قطع مكسورة غليظ الديباج. (وعن القسي) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة ثياب تنسب إلى القس قرية بساحل بحر مصر وقيل الأصل ثياب القز والأصل القزي فأبدلت الزاي سينًا وفي أبي داود أنها ثياب من الشام أو من مصر مصبغة فيها أمثال الأترج (و) نهى عليه الصلاة والسلام عن استعمال (المثيرة) بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المثلثة بلا همزة. وقال النووي بالهمزة، وفي رواية المياثر الحمر وهي طاء كانت النساء تصنعه لأزواجهن في السروج يكون من الحرير والديباج وغيرهما والنهي واقع على ما هو من الحرير. (وأمرنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن

(8/344)


نتبع الجنائز) بنون وموحدة مفتوحتين بينهما فوقية ساكنة (ونعود المريض) يقال عاد المريض إذ زاره وهذا على الأكثر في الاستعمال أن يقال في المريض عاد، وفي الصحيح زار (ونفشي السلام) بضم النون
وسكون الفاء وكسر المعجمة أي ننشره ونظهره ونعم به من عرفنا ومن لم نعرف والأمر للندب.

5 - باب عِيَادَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
(باب عيادة المغمى عليه) أي الذي يصيبه غشي يتعطل معه جل قوّته الحساسة لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه.
5651 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: مَرِضْتُ مَرَضًا فَأَتَانِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ فَوَجَدَانِى أُغْمِىَ عَلَىَّ فَتَوَضَّأَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَىَّ فَأَفَقْتُ فَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى؟ كَيْفَ أَقْضِى فِى مَالِى؟ فَلَمْ يُجِبْنِى بِشَىْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ.
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن المنكدر) هو محمد بن المنكدر بن عبد الله المدني أنه (سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول مرضت مرضًا فأتاني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني وأبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- في عام حجة الوداع (وهما ماشيان فوجداني أغمي عليّ) وفي سورة النساء لا أعقل شيئًا (فتوضأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صب وضوءه) أي الماء الذي توضأ به (عليّ فأفقت) من ذلك الإغماء (فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي، كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث) وسبق في التفسير من طريق ابن جريج أنها يوصيكم الله في أولادكم وأن الدمياطي قال: إنه وهم، وإن الذي نزل في جابر آية الكلالة كما رواه شعبة والثوري وما في ذلك من البحث، وقول ابن المنير أن فائدة الترجمة أنه لا يعتقد أن عيادة المريض المغمى عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده، ولكن ليس في حديث جابر التصريح بأنهما علما أنه مغمى عليه قبل عيادته فلعله وافق حضورهما، تعقبه في الفتح بأن الظاهر من السياق وقوع ذلك حال مجيئهما وقبل دخولهما عليه ومجرد علم المريض بعائده لا تتوقف مشروعية العيادة عليه لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله وما يرجى من بركة دعاء العائد ووضع يده على المريض والمسح على جسده والنفث عليه عند التعويذ.

6 - باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنَ الرِّيحِ
(باب فضل من يصرع من الريح) بسبب انحباسها من شدة تعرض في بطون الدماغ ومجاري الأعصاب المتحركة فتمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعًا غير تام أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وربما يكون معه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبًا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من النفوس الخبيثة الجنية لاستحسان تلك الصورة الإنسية أو لمجرد إيقاع الأذية.
5652 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ
قَالَ: قَالَ: لِى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ بَلَى! قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّى أُصْرَعُ وَإِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِى قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان (عن عمران) بن مسلم (أبي بكر) البصري التابعي الصغير أنه (قال: حدّثني) بالتوحيد (عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس) -رضي الله عنهما- (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء) اسمها سعيرة بالمهملات الأسدية كما في تفسير ابن مردويه عند المستغفري في كتاب الصحابة وأخرجه أبو موسى في الذيل (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قالت المرأة (إني أصرع وإني أتكشف) بفتح الفوقية والشين المعجمة المشددة ولأبي ذر أنكشف بالنون الساكنة بدل الفوقية وكسر المعجمة مخففة (فادع الله لي) أن يشفيني من ذلك الصرع (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخيرًا لها:
(إن شئت صبرت) على ذلك (ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: أصبر) يا رسول الله (فقالت: إني أتكشف) بالفوقية وتشديد المعجمة المفتوحة ولأبي ذر أنكشف بالنون الساكنة وكسر المعجمة (فادع الله) زاد أبو ذر عن الكشميهني لي (أن لا أتكشف) ولأبي ذر أن لا أنكشف (فدعا لها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال ابن القيم في الهدى النبوي من حدث له الصرع وله خمس وعشرون سنة وخصوصًا بسبب دماغي أيس من برئه وكذلك إذا استمر به إلى هذا السن قال: فهذه المرأة التي جاء في الحديث أنها كانت تصرع وتنكشف يجوز أن يكون صرعها من هذا النوع فوعدها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصبرها على هذا المرض بالجنة.

(8/345)


وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في الطب.
0000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ.
وبه قال (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد (عن ابن جريج) عبد الملك أنه قال (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه رأى أم زفر) بضم الزاي وفتح الفاء بعدها راء (تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة) بكسر السين أي جالسة عليه معتمدة. وفي حديث ابن عباس عند البزار أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجرّدني فدعا لها. فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها. وذكر ابن سعد وعبد الغني في المبهمات من طريق الزبير أن هذه المرأة هي ماشطة خديجة التي
كانت تتعاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالزيارة قال الكرماني وأم زفر: كنية تلك المرأة المصروعة اهـ.
لكن الذي يفهم من كلام الذهبي في تجريده أن أم زفر غير السوداء المذكورة لأنه ذكر كل واحدة منهما في باب.

7 - باب فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ
(باب فضل من ذهب بصره).
5653 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِى بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ» تَابَعَهُ أَشْعَثُ بْنُ جَابِرٍ وَأَبُو ظِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي (عن عمرو) بفتح العين (مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي) المؤمن (بحبيبتيه) بالتثنية أي محبوبتيه إذ هما أحب أعضاء الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه (فصبر) مستحضرًا ما وعد الله به الصابرين من الثواب لا أن يصبر مجردًا عن ذلك لأن الأعمال بالنيات زاد الترمذي واحتسب (عوضته منهما الجنة) وهي أعظم العوض لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باقٍ ببقائها. وفي حديث أبي أمامة في الأدب المفرد للمؤلّف إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت. قال في الفتح فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في أوّل وقوع البلاء فيفوّض ويسلّم وإلا فمتى ضجر وقلق في أوّل وهلة ثم يئس فصبر لا يحصل له الغرض المذكور.
قال أنس (يريد) بقوله حبيبتيه (عينيه تابعه) أي تابع عمرًا مولى المطلب (أشعث بن جابر) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله البصري الحداني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وبعد الألف نون مكسورة تكلم فيه وقال الدارقطني يعتبر به وليس له في البخاري إلا هذا الموضع مما وصله أحمد (و) تابعه أيضًا (أبو ظلال) بكسر المعجمة وتخفيف اللام، ولأبي ذر وأبو ظلال بن هلال كذا في الأصل والصواب حذف ابن فأبو ظلال اسمه هلال قاله في الفتح.
وهذا وصله عبد بن حميد (عن أن عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ الأوّل قال ربكم: من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة، والثاني ما لمن أخذت كريمتيه عند جزاء إلا الجنة.

8 - باب عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَالَ وَعَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنَ الأَنْصَارِ
(باب عياد النساء الرجال) ولو كانوا أجانب بالشرط المعتبر (وعادت أم الدرداء) زوجة أبي الدرداء الصغرى واسمها هجيمة (رجلاً من أهل المسجد من الأنصار). وقول الكرماني: الظاهر أنها أم الدرداء الكبرى، تعقبه في الفتح بأن الأثر المذكور أخرجه المؤلّف في الأدب المفرد من طريق الحارث بن عبيد وهو شامي تابعي صغير لم يلحق أم الدرداء الكبرى واسمها خيرة فإنها ماتت في خلافة عثمان قبل موت أبي الدرداء ولفظه قال: رأيت أم الدرداء على راحلة أعواد ليس لها غشاء تعود رجلاً من الأنصار في المسجد، وأما الصغرى فماتت سنة إحدى وثمانين بعد الكبرى بنحو خمسين سنة.
5654 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ - رضى الله عنهما - قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِى أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بَوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِى شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِى مُدِّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ».
وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) مهاجرًا (وعك) بضم الواو أي أصابه الوعك والمراد به الحمى (أبو بكر) الصديق (وبلال) المؤذن (-رضي الله عنهما- قالت) عائشة

(8/346)


(فدخلت عليهما فقلت) لأبي بكر (يا أبت كيف تجدك) أي تجد نفسك (ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح) بفتح الموحدة مقول له (في أهله) أنعم صباحًا (والموت أدنى) أقرب (من شراك نعله) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على وجهها وزاد ابن إسحاق في روايته عن هشام وعمر بن عبد الله بن عروة جميعًا عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها والله ما يدري أبي ما يقول قالت ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال:
قد وجدت الموت قبل ذوقه ... كل امرئ مجاهد بطوقه
كالثور يحمي جسمه بروقه
(وكان بلال إذا أقلعت) أي زالت (عنه) الحمى (يقول: ألا) بالتخفيف (ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادٍ) بوادي مكة (وحولي إذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين آخره راء النبت الطيب الرائحة المعروف (وجليل) بالجيم وهو نبت ضعيف (وهل أردن يومًا مياه) بالهاء المفتوحة (مجنة) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون ولأبي ذر بفتح الميم وكسر الجيم موضع على أميال من مكة كان به سوق في الجاهلية (وهل تبدون) تظهرن (لي شامة) بشين معجمة وتخفيف الميم (وطفيل) بالطاء المهملة المفتوحة والفاء المكسورة جبلان بقرب مكة وصوب الخطابي أنهما عينان وفي صحاح الجوهري ما يقتضي أن الشعر المذكور ليس لبلال فإنه قال كان بلال يتمثل.
ومطابقة الحديث للترجمة في قول عائشة فدخلت عليهما لأن دخولها عليهما كان لعيادتهما وهما متوعكان. قال في الفتح: واعترض عليه بأن ذلك قبل الحجاب قطعًا، وزاد في بعض طرقه وذلك قبل الحجاب وأجيب بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له في عيادة المرأة الرجل فإنه يجوز بشرط التستر والذي يجمع الأمرين ما قبل الحجاب وما بعده إلا من الفتنة (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فجئت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بخبر أبي بكر وبلال وقولهما وزاد ابن إسحاق في روايته المذكورة أنها قالت: يا رسول الله إنهم ليهذون وما يعقلون من شدّة الحمى (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) وقد أجيبت دعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى كان يحرك دابته إذا رآها من حبها (اللهم وصححها وبارك لنا في مدّها وصاعها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) بالجيم المضمومة والحاء المهملة الساكنة بعدها فاء ميقات أهل الشام وكان اسمها مهيعة.
وهذا الحديث قد سبق في باب مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة.

9 - باب عِيَادَةِ الصِّبْيَانِ
(باب عيادة الصبيان) مصدر مضاف لمفعوله أي عيادة الرجال الصبيان.
5655 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَاصِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ ابْنَةً لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَهْوَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَعْدٍ وَأُبَىٍّ نَحْسِبُ أَنَّ ابْنَتِى قَدْ حُضِرَتْ فَاشْهَدْنَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا السَّلاَمَ وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى فَلْتَحْتَسِبْ وَلْتَصْبِرْ» فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُمْنَا فَرُفِعَ الصَّبِىُّ فِى حَجْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَلاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلاَّ الرُّحَمَاءَ».
وبه قال (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي البصري قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال أخبرني) بالإفراد (عاصم) هو ابن سليمان (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن ابنة) وللكشميهني أن بنتًا (للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي زينب (أرسلت إليه وهو) أي، والحال أن أسامة (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسعد) بسكون العين ابن عبادة (وأبيّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية ابن كعب (نحسب) أي نظن أن أُبيًّا كان معه وفي كتاب النذور ومع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة وسعد أو أبي على الشك (أن ابنتي) وفي نسخة أن بنتي (قد حضرت) بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة أي حضرها الموت (فاشهدنا) بهمزة وصل وفتح الهاء أي أحضر إلينا (فأرسل إليها السلام وبقول) لها: (إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده مسمى) أي إلى أجل (فلتحتسب) أي فلتطلب الأجر من عند الله تعالى (ولتصبر فأرسلت تقسم عليه) أن يحضر (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقمنا) معه (فرفع الصبي) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (في حجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء المهملة وتكسر

(8/347)


(ونفسه) بسكون الفاء (تقعقع) تضطرب وتتحرك ويسمع لها صوت (ففاضت عينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالدموع (فقال له سعد) مستغربًا منه صدوره لأنه خلاف ما يعهده منه من مقاومة المصيبة بالصبر (ما هذا يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا له:
(هذه) الحال التي شاهدتها مني يا سعد (رحمة) ورقة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هذه الرحمة أي أثر الرحمة التي (وضعها الله في قلوب من شاء من عباده) لا ما توهمت من الجزع وقلة الصبر (ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء) يعني هذا تخلق بخلق الله ولا يرحم الله من عباده إلا من اتصف بأخلاقه ويرحم عباده ومن في قوله من عباده بيانية، وقد مرّ هذا الحديث في الجنائز.

10 - باب عِيَادَةِ الأَعْرَابِ
(باب عيادة الأعراب) بفتح الهمزة وهم سكان البادية.
5656 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِىٍّ يَعُودُهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى». قَالَ قُلْتَ طَهُورٌ كَلاَّ بَلْ هِىَ حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَنَعَمْ إِذًا».
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم أخو بهز بن أسد البصري قال (حدّثنا عبد العزيز بن مختار) البصري الدباغ قال (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على أعرابي) اسمه قيس بن أبي حازم حال كونه (يعوده قال) ابن عباس (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل على مريض) حال كونه (يعوده قال له):
(لا بأس) عليك هو (طهور) لك من ذنوبك أي مطهر لك (إن شاء الله تعالى) دعاء لا خبر (قال) الأعرابي (قلت) أي أقلت يخاطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (طهور كلا) أي ليس بطهور (بل هي حمى) ولأبي ذر هو أي المرض حمى (تفور) أي يظهر حرها وغليانها ووهجها (أو تثور) بالفوقية والمثلثة والشك من الراوي (على شيخ كبير تزيره) بضم الفوقية (القبور) نصب مفعول ثانٍ والهاء في تزيره أوّل والمعنى تبعثه إلى القبور (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فنعم إذًا) الفاء مرتبة على محذوف وإذا جواب وجزاء ونعم تقرير لما قال أي إذا أبيت كانت كما ظننت. وقال في شرح المشكاة: يعني أرشدتك بقولي لا بأس عليك أي إن الحمى تطهرك وتنقي ذنوبك فاصبر واشكر الله عليها فأبيت إلا اليأس والكفران فكان كما زعمت وما اكتفيت بذلك بل رددت نعمة الله عليه قاله غضبًا عليه. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون دعاء عليه وأن يكون خبرًا عما يؤول إليه أمره. وقال غيره: يحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن تكون الحمى طهرة لذنوبه فأصبح ميتًا.
وهذا الحديث سبق في علامات النبوة بالإسناد والمتن.

11 - باب عِيَادَةِ الْمُشْرِكِ
(باب عيادة المشرك) إذا رجى أن يجيب إلى الإسلام أو لمصلحة غير ذلك.
5657 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه -، أَنَّ غُلاَمًا لِيَهُودَ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ فَقَالَ: «أَسْلِمْ» فَأَسْلَمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا حُضِرَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الإمام أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن غلامًا ليهود) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه، نعم نقل عن ابن بشكوال أن صاحب العتبية حكى عن ابن زياد أن اسمه عبدوس قال: وهو غريب ما وجدته عن غيره (كان يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمرض فأتاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوده فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(أسلم) بكسر اللام (فأسلم) بفتحها زاد النسائي فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وحديث الباب سبق في الجنائز في باب إذا أسلم الصبي فمات.
(وقال سعيد بن المسيب) مما وصله المؤلّف في تفسير سورة القصص (عن أبيه) المسيب بن حزن الصحابي ممن بايع تحت الشجرة (لما حضر أبو طالب) عبد مناف أي حضرته علامة الموت وحضر بضم الحاء المهملة وكسر المعجمة (جاءه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
والمطابقة ظاهرة وسبق ببراءة.

12 - باب إِذَا عَادَ مَرِيضًا فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً
هذا (باب) بالتنوين (إذا عاد) الناس (مريضًا فحضرت الصلاة فصلّى) المريض (بهم) مَن عاده (جماعة).
5658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ يَعُودُونَهُ فِى مَرَضِهِ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمِ اجْلِسُوا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «إِنَّ الإِمَامَ لَيُؤْتَمُّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْحُمَيْدِىُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ لأَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخِرَ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِدًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ.
وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام، قال: أخبرني) بالتوحيد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليه ناس)

(8/348)


من أصحابه (يعودونه في مرضه فصلّى بهم) حال كونه (جالسًا) في مشربته، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد سقط عن فرسه فانفكت قدمه فعجز عن الصلاة بالناس في المسجد، وعند ابن حبان أن هذه القصة كانت في الحجة سنة خمس وقد سمي في الأحاديث ممن صلّى خلفه حينئذ أنس عند الإسماعيلي وأبو بكر كما في حديث جابر وعمر كما في رواية الحسن مرسلاً عند عبد الرزاق (فجعلوا يصلون) حال كونهم (قيامًا فأشار) صلوات الله وسلامه عليه (إليهم أن أجلسوا فلما فرغ) من الصلاة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم:
(إن الإمام ليؤتم به) بفتح اللام في الفرع وهي لام التوكيد ويؤتم رفع (فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع) رأسه (فارفعوا) رؤوسكم (وإن صلى) حال كونه (جالسًا فصلوا جلوسًا) أي جالسين (قال أبو عبد الله) المؤلّف (قال الحميدي) عبد الله بن الزبير (هذا الحديث منسوخ) منه قعودهم معه فقط (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخر ما صلى صلى قاعدًا والناس خلقه قيام)، يصلون. وهذا الحديث سبق في الصلاة.

13 - باب وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ
(باب وضع اليد) أي يد العائد (على المريض) تأنيسًا له وتعرفًا لشدة مرضه ليدعو له بالعافية ويرقيه أو يصفه له ما يناسب وإن كان عارفًا بالطب.
5659 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْجُعَيْدُ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهَا قَالَ: تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْوًا شَدِيدًا فَجَاءَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنِّى أَتْرُكُ مَالاً وَإِنِّى لَمْ
أَتْرُكْ إِلاَّ ابْنَةً وَاحِدَةً فَأُوصِى بِثُلُثَىْ مَالِى وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ فَقَالَ: «لاَ»، قُلْتُ فَأُوصِى بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ فَأُوصِى بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ». ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِى وَبَطْنِى ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ» فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِى فِيمَا يُخَالُ إِلَىَّ حَتَّى السَّاعَةِ.
وبه قال (حدّثنا المكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي قال: (أخبرنا الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغرًا ابن عبد الرحمن الكندي (عن عائشة بنت سعد) بسكون العين (أن أباها) سعد بن أبي وقاص (قال: شكيت) من باب التفعل الدال على المبالغة (بمكة شكوًا) بالتنوين (شديدًا) بالتذكير على إرادة المرض ولأبي ذر عن الكشميهني شكوى بلا تنوين شديدة بتاء التأنيث.
قال عياض: شكوى مقصور والشكو المرض يعني بسكون الكاف وضم الواو يقال منه شكا يشكو واشتكى شكاية وشكاوة قال أبو علي والتنوين رديء جدًّا (فجاءني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني) عام حجة الوداع بمكة (فقلت) له: (يا نبي الله إني) إذا من (أترك مالاً وإني لم أترك إلا ابنة واحدة) هي أم الحكم الكبرى والمراد بالحصر حصر خاص فإنه كان له ورثة بالتعصيب من بني عمه فالتقدير ولا يرثني من الأولاد إلا ابنة لي (فأوصي) وللكشميهني: أفأوصي (بثلثي مالي) بالتثنية (وأترك الثلث فقال) عليه الصلاة والسلام:
(لا) توص بكل الثلثين (فقلت) يا رسول الله (فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (لا. قلت: فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين) قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث) أوصى به (والثلث كثير) وقد كان سعد له حينئذ عصبات وزوجات وحينئذ فيتعين تأويل ذلك فيكون فيه حذف تقديره وأترك لها الثلثين أي ولغيرها من الورثة وخصها بالذكر لتقدمها عنده (ثم وضع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يده على جبهته) أي جبهة سعد ولأبي ذر عن الكشميهني على جبهتي (ثم مسح يده على وجهي وبطني ثم قال: اللهم اشف سعدًا وأتمم له هجرته) فلا تمته في الموضع الذي هاجر منه وتركه لله تعالى (فما زلت أجد برده) برد يده الكريمة (على كبدي) وذكر باعتبار العضو أو المسح (فيما يخال إليّ) بضم التحتية بعدها خاء معجمة قال في المحكم خال الشيء يخاله ظنه وتخيله ظنه (حتى الساعة) جر بحتى أي إلى الساعة.
والمطابقة ظاهرة والحديث يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في باب قول المريض إني وجع.
5660 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» فَقُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجَلْ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».
وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد) أنه (قال: قال عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- (دخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (يوعك وعكًا شديدًا) بسكون العين أي يحم حمى شديدة وثبت قوله وعكًا شديدًا لأبي ذر (فمسسته) بكسر السين المهملة الأولى وسكون الثانية (بيدي فقلت: يا رسول الله إنك

(8/349)


توعك) ولأبي ذر لتوعك (وعكًا شديدًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أجل) أي نعم (إني أوعك) بضم الهمزة وفتح العين (كما يوعك رجلان منكم. فقلت ذلك) الوعك الشديد (أن لك أجرين فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجل) يعني نعم زنة ومعنى (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما من مسلم يصيبه أذى مرض) ولأبي ذر من مرض (فما سواه) كالحزن والهم (إلا حطّ الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) أي تلقيه. وفي حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد وابن أبي شيبة لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة.
وحديث الباب سبق قريبًا.

14 - باب مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ، وَمَا يُجِيبُ
(باب ما يقال للمريض) عند العيادة (وما يجيب) المريض.
5661 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَرَضِهِ فَمَسِسْتُهُ وَهْوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا وَذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ: «أَجَلْ وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلاَّ حَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ».
وبه قال (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة قال (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) العابد (عن الحارث بن سويد) التيمي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه فمسسته وهو) أي والحال أنه (يوعك وعكًا شديدًا فقلت) يا رسول الله (إنك لتوعك وعكًا شديدًا وذلك وإن لك أجرين، قال) عليه الصلاة والسلام:
(أجل) بسكون اللام مخففة نعم (وما من) شخص (مسلم يصيبه أذى) بالذال المعجمة منوّنًا (إلاّ حاتت) بمثناتين وفي رواية بإدغام الأولى وفي الثانية والمعنى فتت (عنه خطاياه كما تحات) بتشديد الفوقية مفتوحة مع المدّ (ورق الشجر) والمراد إذهاب الخطايا وظاهره التعميم لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر لحديث الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد.
5662 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ فَقَالَ «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالَ كَلاَّ بَلْ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ كَيْمَا تُزِيرَهُ الْقُبُورَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَنَعَمْ إِذًا».
وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق) بن شاهين الواسطي قال (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على رجل) من الأعراب (يعوده) قال في المقدمة: وقع في ربيع الأبرار أن اسم هذا الأعرابي قيس بن أبي حازم فإن صح فهو متفق مع التابعي الكبير المخضرم وإلاّ فهو وهم (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(لا بأس) عليك (طهور) مطهر لك من ذنوبك (إن شاء الله) فيه استحباب مخاطبة العائد للعليل بما يسليه من ألمه ويذكره بالكفارة لذنوبه والتطهير لآثامه. وفي حديث ابن عباس عند الترمذي وابن ماجة رفعه إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يردّ شيئًا وهو يطيب نفس المريض وفي سنده لين، والمعنى أطمعوه في الحياة إذ فيه تنفيس لما فيه من الكرب وطمأنينة القلب (فقال) الرجل (كلا) ليس بطهور (بل هي حمى تفور) تغلي ويظهر حرها (على شيخ كبير كيما) بفتح الكاف وسكون التحتية بعدها ميم فألف، ولأبي ذر عن الكشميهني حتى (تزيره القبور) أي تبعثه إلى المقبرة بالموت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (فنعم إذا) بالتنوين أي إذا أبيت كان كما زعمت.
وهذا الحديث سبق قريبًا في باب عيادة الأعراب.

15 - باب عِيَادَةِ الْمَرِيضِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَرِدْفًا عَلَى الْحِمَارِ
(باب عيادة المريض راكبًا وماشيًا وردفًا) بكسر الراء وسكون الدال أي مرتدفًا لغيره (على الحمار).
5663 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَسَارَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ، وَفِى الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِى الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ قَالَ: لاَ تُغَيِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَقَفَ وَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ
فِى مَجْلِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِى مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَكَتُوا فَرَكِبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ: «أَىْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ» يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ، قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ فَلَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا أَعْطَاكَ وَلَقَدِ اجْتَمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِى فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ.
وبه قال (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (أن أسامة بن زيد) -رضي الله عنهما- (أخبره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب على حمار على إكاف) بكسر الهمزة وتخفيف الكاف كالبرذعة ونحوها لذوات الحوافر (على قطيفة) بالقاف المفتوحة والطاء المكسورة وبعد التحتية الساكنة فاء كساء (فدكية) بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف المكسورة نسبة إلى فدك القرية المشهورة لأنها صنعت فيها، والحاصل أن الإكاف على الحمار والقطيفة فوق الإكاف والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوق القطيفة (وأردف

(8/350)


أسامة) بن زيد (وراءه) على الحمار حال كونه (يعود سعد بن عبادة) الأنصاري زاد في سورة آل عمران في بني الحارث بن الخزرج (قبل وقعة بدر فسار) عليه الصلاة والسلام (حتى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ) بالتنوين (ابن سلول) رفع صفة لعبد الله لا لأبيّ لأن سلول اسم أم عبد الله غير منصرف الألف في ابن ثابت على ما لا يخفى (وذلك قبل أن يسلم) بضم التحتية وسكون المهملة أي يظهر الإسلام (عبد الله) بن أبيّ ولم يسلم قط (وفي المجلس أخلاط) بالخاء المعجمة الساكنة أنواع (من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان) بالمثلثة والجرّ بدلاً من المشركين (واليهود) عطف على المشركين أو على عبدة الأوثان لأنهم قد قالوا عزيرًا ابن الله (وفي المجلس) من المسلمين بل من السابقين إلى الإسلام (عبد الله بن رواحة) الأنصاري (فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة) أي غبار الدابة التي عليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خمر) بالخاء المعجمة والميم المشددة المفتوحتين آخره راء أي غطى (عبد الله بن أبي أنفه برداه قال): وفي آل عمران ثم قال (لا تغبروا علينا) بالباء الموحدة في تغبروا (فسلّم النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووقف ونزل) عن الحمار (فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن فقال له عبد الله بن أبي: يا أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول) أي إن ما تقول حسن قاله استهزاء قاتله الله، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا أحسن ما تقول بضم الهمزة وكسر السين بصيغة فعل المتكلم والتالي مفعوله (إن كان حقًّا فلا تؤذنا به) بحذف حرف العلة للجزم بلا (في مجلسنا) بالإفراد ولأبي ذر في مجالسنا (وارجع إلى رحلك) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة إلى منزلك (فمن جاءك منا فاقصص عليه، قال ابن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به) بهمزة وصل وفتح الشين المعجمة (في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب
المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون) بالمثلثة بعد الفوقية قاربوا أن يثب بعضهم على بعض فيقتلوا (فلم يزل النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم حتى سكتوا) بالمثناة الفوقية من السكوت ضدّ الكلام ولأبي ذر عن الحموي سكنوا بالنون من السكون ضد الحركة (فركب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دابته حتى دخل على سعد بن عبادة) -رضي الله عنه- يعوده (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له):
(أي سعد ألم تسمع ما قال) لي (أبو حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى (يريد عبد الله بن أبي) إذ هي كنيته (قال سعد: يا رسول الله اعف عنه واصفح فلقد أعطاك الله ما أعطاك ولقد اجتم أهل هذه البحيرة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وإسكان التحتية البليدة (أن) ولأبي ذر عن الكشميهني على أن (يتوّجوه) بتاج الملك (فيعصبوه) بعصابة السيادة (فلما ردّ ذلك) بضم الراء وتشديد الدال (بالحق الذي أعطاك) الله (شرق) بفتح المعجمة وكسر الراء غص عبد الله بن أبيّ (بذلك) الحق الذي أعطاك الله (فذلك) الحق (الذي) أتيت به (فعل به ما رأيت) من فعله وقوله القبيح زاد في آل عمران فعفا عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5664 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلاَ بِرْذَوْنٍ.
وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة والسين المهملة أبو عثمان المصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي العنبري البصري قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد هو ابن المنكدر عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: جاءني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني ليس براكب بغل) بإضافة راكب لتاليه (ولا) راكب (برذون) بكسر الموحدة وفتح الذال المعجمة نوع من الخيل ومفهومه أنه كان ماشيًا فيطابق بعض ما ترجم له.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفرائض وكذا أبو داود والترمذي وزاد فأخرجه في التفسير أيضًا.

16 - باب قَوْلِ الْمَرِيضِ إِنِّى وَجِعٌ أَوْ وَارَأْسَاهْ أَوِ اشْتَدَّ بِى الْوَجَعُ وَقَوْلِ أَيُّوبَ: {أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
(باب) جواز (قول المريض إني وجع) بفتح الواو وكسر الجيم ولأبي ذر باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع (أو) قوله (وارأساه) وهو تفجع على الرأس من شدة

(8/351)


صداعه (أو اشتد) أي أو قوله اشتد (بى الوجع و) باب (قول أيوب) عليه السلام: ({أني مسني الضر}) الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال ({وأنت أرحم الراحمين}) [الأنبياء: 83] ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية
الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال: أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضر الذي مسه وقال الطيبي لم يقل ارحم ضري ليعم ويشتمل ويشعر بالتعليل ولذلك استجيب له وروي عن أنس أخبر أيوب عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشكه وكيف يشكو من قيل له إنا وجدناه صابرًا نعم العبد، وقيل: إنما اشتكى إليه تلذذًا بالنجوى لا أنه تضرر بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب والشكاية منه غاية البعد.
وقد استشكل إيراد المؤلّف لهذه الآية هنا إذ إنها لا تناسب الترجمة لأن أيوب إنما قال ذلك داعيًا ولم يذكره للمخلوقين وأجيب: باحتمال أنه أشار إلى أن مطلق الشكوى لا تمنع ردًّا على من زعم أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا فنبه على أن الطلب منه تعالى ليس ممنوعًا بل زيادة عبادة لما ثبت مثل ذلك عن المعصوم وأثنى الله عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، فلعل مراد المؤلّف أن الذي يجوز من الشكوى ما كان على طريق الطلب من الله تعالى.
5665 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ وَأَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: مَرَّ بِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَا الْحَلاَّقَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ أَمَرَنِى بِالْفِدَاءِ.
وبه قال (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله (وأيوب) السختياني كلاهما (عن مجاهد) المفسر (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة (عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء من أصحاب الشجرة (رضي الله عنه) أنه (قال: مرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أوقد تحت القدر) زاد في المغازي والقمل يتناثر على رأسي (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أيؤذيك هوام رأسك)؟ بفتح الهاء والواو وبعد الألف ميم مشددة جمع هامة بتشديدها اسم للحشرات لأنها تهم أي تدب وإذا أضيفت إلى الرأس اختصت بالقمل فكأنه قال أيؤذيك قبل رأسك، (قلت: نعم) يا رسول الله يؤذيني (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحلاق فحلقه) أي حلق شعر رأسي (ثم أمرني بالفداء) وفي الحج فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسِك بشاة، وفي باب النسك شاة من كتاب الحج فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم وليس إخباره بإيذائها له شكوى بل لبيان الواقع والاسترشاد لما فيه نفعه.
5666 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّا أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَىٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّى لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِى وَلَوْ كَانَ
ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ» ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ. [الحديث 5666 - طرفه في: 7217].
وبه قال (حدّثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا) التميمي الحنظلي النيسابوري قال أخبرنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق الثقة الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- أنه (قال: قالت عائشة) -رضي الله عنها- (وارأساه) روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعًا في رأسي وأنا أقول وارأساه! قال الطيبي: ندبت نفسها وأشارت إلى الموت (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ذاك) بكسر الكاف (لو كان) أي إن حصل موتك (وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك) بكسر الكاف فيهما أيضًا (فقالت عائشة: واثكلياه) بضم المثلثة وسكون الكاف وكسر اللام مصححًا عليها في الفرع بعدها تحتية مخففة فألف فهاء ندبة، وفي بعض الأصول بفتح اللام، ولم يذكر الحافظ ابن حجر غيرها وتعقبه العيني فقال: ليس كذلك لأن ثكلياه إما أن يكون مصدرًا أو صفة للمرأة التي فقدت ولدها فإن كان مصدرًا فالثاء مضمومة واللام مكسورة وإن كان اسمًا فالثاء مفتوحة واللام كذلك. قال في القاموس: الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد انتهى. وليست حقيقته مرادة هنا بل هو كلام يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة

(8/352)


أو توقعها (والله إني لأظنك) أي من قوله لها لو من قبلي (تحب موتي ولو كان ذاك) أي موتي ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذلك بلام بعد المعجمة (لظللت) بفتح اللام والظاء المعجمة بعدها لام مكسورة فأخرى ساكنة (آخر يومك) من موتي (معرسًا) بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الراء المشدّدة بعدها سين مهملة اسم فاعل وبسكون العين وتخفيف الراء من أعرس بامرأته إذا بنى بها أو غشيها (ببعض أزواجك) ونسيتني (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أنا وارأساه) كذا في الفرع وفي غيره من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها بل أنا وارأساه بإثبات بل الإضرابية أي دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي فإنك لا تموتين في هذه الأيام بل تعيشين بعدي علم ذلك بالوحي، ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لقد هممت أو) قال (أردت) بالشك من الراوي (أن أرسل إلى أبي بكر) الصديق (وابنه وأعهد) بفتح الهمزة والنصب عطفًا على المنصوب السابق أي أوصي بالخلافة لأبي بكر كراهة (أن يقول القائلون) الخلافة لفلان أو لفلان أو يقول واحد منهم الخلافة لي وأن مصدرية والمقول محذوف (أو يتمنى المتمنون) الخلافة فأعينه قطعًا للنزاع وقد أراد الله أن لا يعهد ليؤجر المسلمون على الاجتهاد والمتمنون بضم النون جمع متمن بكسرها، وقال السفاقسي: ضبط قوله المتمنون بفتح النون وإنما هو بضمها لأن الأصل المتمنيون على زنة المتطهرون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان الياء والواو فحذفت الياء كذلك
وضمت النون لأجل الواو إذ لا يصح واو قبلها كسرة، قال العيني: فتح النون هو الصواب وهو الأصل كما في قوله المسمون إذ لا يقال فيه بضم الميم وتشبيه القائل المذكور المتمنون بالمتطهرون غير مستقيم لأن هذا صحيح وذاك معتل اللام وكل هذا عجز وقصور عن قواعد علم الصرف.
(ثم قلت: يأبى الله) إلا خلافة أبي بكر (ويدفع المؤمنون) خلافة غيره لاستخلافي له في الإمامة الصغرى (أو) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدفع الله) خلافة غيره (ويأبى المؤمنون) إلا خلافته فالشك من الراوي في التقديم والتأخير وفائدة إحضار ابن الصديق معه في العهد بالخلافة ولم يكن له فيها دخل قال في الكواكب لأن المقام مقام استمالة قلب عائشة يعني كلما أن الأمر مفوّض إلى أبيك كذلك الائتمار في ذلك بحضرة أخيك فأقاربك هم أهل مشورتي.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأحكام.
5667 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: «أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قَالَ: لَكَ أَجْرَانِ قَالَ: «نَعَمْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».
وبه قال (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري ثقة عابد يعدّ من الأبدال قال: (حدّثنا سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) العابد (عن الحارث بن سويد) التيمي (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يوعك) بفتح العين يحم (فمسسته) بكسر المهملة الأولى وسكون الأخرى ولأبي عن الحموي والمستملي فسمعته بدل قوله فمسسته أي فسمعت أنينه ففيه حذف، لكن قال الحافظ ابن حجر: إنها تحريف، وزاد الكشميهني بعد فمسسته بيدي (فقلت) يا رسول الله (إنك لتوعك وعكًا شديدًا قال):
(أجل) بفتح الجيم وسكون اللام مخففة أي نعم (كما يوعك رجلان منكم) لأنه كالأنبياء مخصوص بكمال الصبر (قال) ابن مسعود قلت ذلك التضاعف (لك أجران قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) فالبلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعم الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلم يصيبه أذى مرض) رفع بدل من سابقه (فما سواه) كالهم يهمه (إلاّ حط الله سيئاته) من الصغائر والكبائر حدّث عن الكريم بما شئت (كما تحط الشجرة ورقها) في زمن الخريف لأنها حينئذ يتجرد عنها سريعًا لجفافها وكثرة هبوب الرياح.
وهذا الحديث سبق قريبًا غير مرة.
5668 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِى زَمَنَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ: بَلَغَ بِى مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرِثُنِى إِلاَّ ابْنَةٌ لِى أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى؟ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ بِالشَّطْرِ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ الثُّلُثُ قَالَ: «الثُّلُثُ كَثِيرٌ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ».
وبه قال (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال:

(8/353)


(حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) بفتح اللام الماجشون التيمي مولاهم المدني قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة أنه (قال: جاءنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يعودني من وجع) أي بسبب وجع أو لأجل وجع (اشتدّ بي زمن حجة الوداع) بمكة (فقلت) يا رسول الله (بلغ بي من الوجع ما ترى) يصح على مذهب ابن مالك والكوفيين أن تكون من زائدة في الإثبات أي بلغ بي الوجع ما ترى وفي التنزيل {وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40] {وقد بلغت من الكبر} [مريم: 8] والرؤية بصرية مفعولها هو العائد على ما ومتى جعلنا الفاعل ما وصلتها كان التقدير بلغ بي ما تراه، ويحتمل أن يكون الفاعل محذوفًا يدل عليه قوله من الوجع، والتقدير بلغ بي جهد من الوجع ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه قال ابن مالك وهذا الحذف يكثر قبل من لدلالتها على التبعيض ومنه قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام: 34] أي ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين. (وأنا ذو مال) في موضع الحال من ضمير النبي في ترى والرابط واو الحال أو من فاعل اشتد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب (ولا يرثني) بالفرض (إلا ابنة لي) هي أم الحكم الكبرى (أفأتصدق بثلثي مالي)؟ الهمزة للاستفهام والفعل معها مستفهم عنه والفاء عاطفة وقيل زائدة وكان حقها التقديم لكن عارضها الاستفهام وله صدر الكلام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا) حرف جواب وهي بمعناها تسدّ مسد الجملة أي لا تتصدق بكل الثلثين قال سعد (قلت بالشطر) بالجار والمراد به النصف كما في الرواية الأخرى ولأبي ذر فالشطر بالفاء الموحدة رفع على الابتداء والخبر محذوف أي فالشطر أتصدق به (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) قال سعد (قلت: الثلث؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث كثير)، ولأبي ذر قال: لا الشك والثلث كثير فأسقط قلت وقال وزاد والثلث أي: الثلث تصدّق به والثلث كثير مبتدأ وخبر (أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) ولأبي ذر عن الكشميهني: إنك أن تذر بالذال المعجمة وهمزة أن مفتوحة على الروايتين فهي مصدرية ناصبة للفعل والموضع رفع بالابتداء وخير خبره والجملة خبر أن من قوله إنك، ويجوز كسر إن فهي حرف شرط فالفعل بعدها مجزوم وحينئذٍ فجواب الشرط محذوف أي فهو خير فيكون قد حذف المبتدأ مقرونًا بالفاء وأبقى الخبر. قال ابن مالك: وهذا فيما زعم
النحويون مخصوص بالضرورة وليس كذلك بل أكثر استعماله في الشعر وقلّ في غيره فمن وروده في غير الشعر قراءة طاوس {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} [البقرة: 220] أي فهو خير قال: وهذا وإن لم يصرح فيه بأداة الشرط فإن الأمر مضمن معنى الشرط فكان ذلك بمنزلة التصريح بها في استحقاق الجواب واستحقاق اقترانه بالفاء لكونه جملة اسمية ومن خص هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضييق وقوله عالة بتخفيف اللام جمع عائل وهو الفقير أي أن تتركهم أغنياء خير من أن تتركهم فقراء حال كونهم (يتكففون الناس) يبسطون إليهم أكفّهم بالسؤال (ولن تنفق نفقة تبتغي) تطلب (بها وجه الله) ثوابه ونفقة هنا بمعنى منفقًا والمنفق اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق (ألا أجرت عليها) بضم الهمزة مبنيًّا لما لم يسم فاعله أي أعطاك الله بها أجرًا (حتى ما تجعل في فِي امرأتك) أي فمها، ففي الأولى حرف والثانية اسم وحتى للغاية وهي هنا داخلة على الاسم وهو ما الموصولة وصلتها، والتقدير حتى الذي تجعله ويجوز أن تكون حرف ابتداء فتكون الصلة والموصول في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف والتقدير حتى الذي تجعله في فِي امرأتك تؤجر عليه وخص الزوجة بالذكر لعود منفعتها التي هي سبب الإنفاق عليه، والمعنى أن المباح يصير طاعة مثابة إذا قصد به وجه الله تعالى.
وهذا الحديث سبق في كتاب الوصايا.

17 - باب قَوْلِ الْمَرِيضِ: قُومُوا عَنِّى
(باب قول المريض) لمن عنده (قوموا عني) إذا

(8/354)


وقع منهم ما يقتضي ذلك.
5669 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِى الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلاَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُومُوا» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.
وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد قال المؤلّف (ح) و (حدّثني) بالواو الثابتة لأبي ذر وبالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن
راشد المذكور (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما حضر) بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي جاءه أجله (وفي البيت رجال فيهم) ولأبي ذر عن الكشميهني منهم بالميم والنون بدل الفاء والياء (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هلم) استشكل بأن المناسب أن يقول هلموا بالجمع وأجيب بأنها وقعت على لغة الحجازين يستوي فيها الجمع والمفرد قال تعالى: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} [الأحزاب: 18] أي تعالوا (أكتب) بالجزم جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب (لكم كتابًا) فيه استخلاف أبي بكر بعدي أو فيه مهمات الأحكام (لا تضلوا بعده) ولا ترتابوا لحصول الاتفاق على المنصوص عليه ولا تضلوا نفي حذفت نونه لأنه بدل من جواب الأمر وقد جوّز بعضهم تعدد جواب الأمر من غير حرف العطف (فقال عمر) -رضي الله عنه-: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد غلب عليه الوجع) فلا تشقوا عليه بإملاء الكتاب المقتضي للتطويل مع شدّة الوجع (وعندكم القرآن) فيه تبيان كل شيء (حسبنا) يكفينا (كتاب الله) المنزل فيه {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38] و {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فلا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي القرآن والسُّنّة بيانها نصًّا أو دلالة وهذا من دقيق نظر عمر فانظر كيف اقتصر -رضي الله عنه- على ما سبق بيانه تخفيفًا عليه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولئلا ينسد باب الاجتهاد والاستنباط، وفي تركه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإنكار على عمر دليل على استصواب رأيه (فاختلف أهل البيت) النبوي (فاختصموا منهم منع يقول): امتثالاً لأمره ولما فيه من زيادة الإيضاح (قربوا) أدوات الكتابة (يكتب لكم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجزم يكتب جواب الأمر (كتابًا لن تضلوا بعده) قال الجوهري: الضلالة ضد الرشاد (ومنهم من يقول: ما قال عمر) إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله وكأنهم فهموا من قرينة قامت عندهم أن أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لم يكن للوجوب بل هو إلى اختيارهم فلذا اختلفوا بحسب اجتهادهم (فلما كثروا اللغو والاختلاف عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا) زاد في العلم عني وبها تحصل المبالغة.
(قال عبيد الله) بن عبد الله السابق في السند: (وكان ابن عباس) عند تحديثه بهذا الحديث (يقول: إن الرزية كل الرزية) إن المصيبة كل المصيبة (ما حال) أي الذي حجز (بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم) بفتح اللام والمعجمة واللغط الصوت والجلبة أي إن الاختلاف كان سببًا لترك كتابة الكتاب، ووقع في كتاب العلم فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية وظاهره أن ابن عباس كان معهم وإنه في تلك الحالة خرج قائلاً هذه المقالة وليس كذلك، بل المراد أنه خرج من المكان الذي وإن به وهو يقول ذلك ويؤيد ذلك رواية أبي نعيم في المستخرج. قال عبيد الله: فسمعت ابن عباس يقول إلى آخره وعبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمدّة طويلة ثم سمعها من ابن عباس بعد
ذلك بمدّة أخرى وكان الأولى ذكر هذا في محلة من كتاب العلم لكن منع منه حصول ذهول عنه وقد وقع في الإشارة المفهمة ثم والله الموفق.

18 - باب مَنْ ذَهَبَ بِالصَّبِىِّ الْمَرِيضِ لِيُدْعَى لَهُ
(باب من ذهب بالصبي المريض) إلى الصالحين (ليدعى) بكسر اللام وضم التحتية

(8/355)


وسكون الدال وفتح العين وللكشميهني ليدعو (له) بفتح التحتية وضم العين بعدها واو مفتوحة.
5670 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْجُعَيْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ يَقُولُ ذَهَبَتْ بِى خَالَتِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِى وَجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِى وَدَعَا لِى بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ.
وبه قال (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي المعجمة أبو إسحاق الزبيري الأسدي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة (هو ابن إسماعيل) الكوفي سكن المدينة (عن الجعيد) بضم الجيم وفتح العين مصغرًا ابن عبد الرحمن الكندي أنه (قال: سمعت السائب) بن يزيد الصحابي ابن الصحابي (يقول: ذهبت بي خالتي) لم تسم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي) علبة بضم العين المهملة وسكون اللام بعدها موحدة مفتوحة بنت شريح (وجع) بفتح الواو وكسر الجيم قال السائب (فمسح) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأسي) بيده المباركة (ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه) بفتح الواو الماء الذي توضأ به تبركًا (وقمت خلف ظهره) عليه الصلاة والسلام (فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه) وسقط لأبي ذر لفظ النبوة (مثل زر الحجلة) بيت كالقبة يزين للعروس ذات عرا وأوتاد ويعرف بالبشخانة.
والمطابقة واضحة ومرّ الحديث في الطهارة وفي المناقب النبوية عند ذكر خاتم النبوة، ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدعوات بعون الله وقوّته.

19 - باب تَمَنِّى الْمَرِيضِ الْمَوْتَ
(باب) منع (تمني) ولأبي ذر عن الكشميهني باب نهي تمني (المريض الموت) لشدّة مرضه.
5671 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِى وَتَوَفَّنِى إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِى». [الحديث 5671 - طرفاه في: 6351، 7233].
وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال (حدّثنا ثابت البناني)
بضم الموحدة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخاطب الصحابة والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عمومًا:
(لا يتمنين أحدكم الموت من ضر) مرض أو غيره (أصابه) وفي رواية أبي هريرة: لا يتمنى بياء ثابتة خطأ في كتب الحديث فلعله نهي ورد على صيغة الخبر والمراد منه لا يتمنّ فأُجرِيَ مجرى الصحيح، وقال البيضاوي: هو نهي أخرج في صورة النفي للتأكيد، انتهى.
قال في شرح المشكاة: وهذا أولى لقوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية} [النور: 3] قال في الكشاف عن عمرو بن عبيد: لا ينكح بالجزم على النهي والمرفوع أيضًا فيه معنى النهي، ولكن أبلغ وآكد كما أن رحمك الله ويرحمك الله أبلغ من ليرحمك الله. قال الطيبي: وإنما كان أبلغ لأنه قدّر أن المنهي حين ورود النهي عليه انتهى عن المنهي عنه وهو يخبر عن انتهائه، ولو ترك على النهي المحض ما كان أبلغ كأنه يقول لا ينبغي للمؤمن المتزوّد للآخرة والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح أن يتمنى ما يمنعه عن السلوك بطريق الله وعليه قوله: خياركم مَن طال عمره وحسن عمله لأن من شأنه الازدياد والترقي من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب كيف يطلب القطع عن محبوبه انتهى.
ولابن حبان: لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍّ نزل به في الدنيا الحديث فلو كان الضرر للأخرى بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي وقد قال عمر بن الخطاب كما في الموطأ: اللهم كبرت سني وضعفت قوّتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفتون.
(فإن كان) المريض (لا بدّ فاعلاً) ما ذكر من تمني الموت (فليقل: اللهم أحيني) بهمزة قطع (ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا) ولأبي ذر عن الكشميهني ما (كانت الوفاة خيرًا لي) وهذا نوع تفويض وتسليم للقضاء بخلاف الأوّل المطلق فإن فيه نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم والأمر في قوله فليقل لمطلق الإذن لا للوجوب أو الاستحباب لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات.
5672 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلاَّ التُّرَابَ وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهْوَ يَبْنِى حَائِطًا لَهُ فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيُوجَرُ فِى كُلِّ شَىْءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ فِى شَىْءٍ يَجْعَلُهُ فِى هَذَا التُّرَابِ. [الحديث 5672 - أطرافه في: 6349، 6350، 6430، 6431، 7234].
وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي
خالد) اسمه سعيد وقيل هرمز الأحمسي مولاهم العجلي (عن قيس بن أبي) حازم) البجلي الكوفي المخضرم أنه (قال: دخلنا على خباب) بفتح الخاء المعجمة والموحدة الأولى المشدّدة ابن الأرت (نعوده وقد اكتوى) في بطنه (سبع كيات فقال: إن أصحابنا

(8/356)


الذين سلفوا) أي ماتوا في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مضوا) ماتوا (ولم تنقصهم الدنيا) من أجورهم شيئًا فلم يستعجلوا ما فيها بل صارت مدخرة لهم في الآخرة، وقال الكرماني: أي لم تجعلهم الدنيا من أهل النقصان بسبب اشتغالهم بها أي لم يطلبوا الدنيا ولم يحصلوها حتى يلزم بسببه فيهم نقصان إذ الاشتغال بها اشتغال عن الآخرة قال الشاعر:
ما استكمل المؤمن أطرافه طرفًا ... إلا تخرّمه النقصان من طرف
(وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا) نصرفه فيه (إلا التراب) يعني البنيان وعند أحمد في هذا الحديث بعد قوله إلا التراب وكان يبني حائطًا له (ولولا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) أي على نفسي قال ذلك لأنه ابتلي في جسده ابتلاء شديدًا وهو أخص من تمنيه فكل دعاء تمن من غير عكس ومن ثم أدخله في الترجمة، قال قيس (ثم أتيناه) أي أتينا خبابًا (مرة أخرى وهو يبني حائطًا له فقال: إن المسلم يؤجر) ولأبي ذر ليؤجر (في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب) أي في البنيان الزائد على الحاجة وتكرار المجيء ثبت في رواية شعبة وهو أحفظ فزيادته مقبولة والظاهر أن قصة بناء الحائط كانت سببًا لقوله: وإنا أصبنا من الدنيا، إلخ.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدعوات والرقاق ومسلم في الدعوات والنسائي في الجنائز.
5673 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو عبيد) بضم العين وفتح الموحدة من غير إضافة لشيء اسمه سعد بن عبيد الزهري (مولى عبد الرحمن) بن أزهر (بن عوف) ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لن يدخل أحدًا عمله الجنة). واستشكل بقوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 72] وأجيب: بأن محمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال لأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأن محمل الحديث على أصل دخول الجنة.
فإن قلت: إن قوله تعالى: {سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32] صريح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال، أجيب: بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، فليس المراد أصل الدخول أو المراد ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخولها ألهم العاملين ما نالوا به بذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله لا إله إلا هو له الحمد (قالوا: ولا أنت يا رسول الله) لا ينجيك عملك مع عظم قدره (قال) عليه الصلاة والسلام:
(ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة) وللمستملي بفضل رحمته بإضافة بفضل للاحقها أي يلبسنيها ويسترني بها مأخوذ من غمد السيف وأغمدته ألبسته غمده وغشيته به وفي رواية سهيل إلا أن يتداركني الله برحمته وفي رواية ابن عون عند مسلم بمغفرة ورحمة وقال ابن عون بيده هكذا وأشار على رأسه. قال في الفتح: وكأنه أراد تفسير معنى يتغمدني وعند مسلم من حديث جابر لا يدخل أحدًا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا إلا برحمة من الله (فسددوا) بالسين المهملة أي اقصدوا السداد أي الصواب (وقاربوا) أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعنى الاستدراك أنه قد يفهم من نفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فاندة وهي أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السُّنّة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة وللحموي والمستملي وقربوا بتشديد الراء من غير ألف (ولا يتمنين) بتحتية بعد النون آخره نون توكيد

(8/357)


لفظ نفي بمعنى النهي وللكشميهني ولا يتمنّ التحتية والنون بلفظ النهي (أحدكم الموت) زاد في رواية همام عن أبي هريرة ولا يدع به من قبل أن يأتيه وهي قيد في الصورتين ومفهومه أنه إذا دخل به لا يمنع من تمنيه رضا بقضاء الله ولا من طلبه لذلك (إما) أن يكون (محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا وإما) أن يكون (مسيئًا فلعله أن يستعتب) يطلب العتبى وهو الإرضاء أي يطلب رضا الله بالتوبة وردّ المظالم وتدارك الفائت ولعل في الموضعين للرجاء المجرد من التعليل وأكئر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل نحو: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189].
وهذا الحديث أخرجه مسلم إلى قوله فسدّدوا بطرق مختلفة ومقصود البخاري منه هنا قوله ولا يتمنين إلى آخره وما قبله ذكره استطرادًا لا قصدًا.
5674 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَىَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى وَأَلْحِقْنِى بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى».
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الحافظ أبو بكر
العبسي مولاهم الكوفي صاحب التصانيف قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) هو ابن عروة (عن عباد بن عبد الله) بفتح العين الموحدة المشدّدة (ابن الزبير) بن العوّام أنه (قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في مرض موته (وهو مستند إليّ) بتشديد التحتية والجملة حالية (يقول: اللهم اغفر لي وارحمني) بهمزتي وصل فيهما (وألحقني) بهمزة قطع (بالرفيق) زاد في رواية الأعلى والمراد الملائكة الملأ الأعلى، وهذا قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن تحقق الوفاة حينئذ لما رأى من الملائكة المبشرة له بكمال الدرجة الرفيعة وغير ذلك وليس نبي يقبض حتى يخير والنهي مختص بالحالة التي قبل الموت كما سبق في رواية همام عن أبي هريرة. قال في الفتح: ولهذه النكتة عقب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة -رضي الله عنها-: اللهم اغفر لي وارحمني إلى آخره. قال: فلله البخاري ما أكثر استحضاره وإيثاره الأخفى على الأجلى تشحيذ الأذهان قال وقد خفي صنيعه هذا على من جعل حديث عائشة في الباب معارضًا لأحاديث الباب أو ناسخًا لها والله الموفق والمعين على ما بقي في عافية بلا محنة.
وهذا الحديث مضى في المغازي في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

20 - باب دُعَاءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا»
(باب دعاء العائد للمريض) بالشفاء ونحوه عند دخوله عليه (وقالت عائشة بنت سعد) بسكون العين مما سبق موصولاً في باب وضع اليد على المريض (عن أبيها) سعد بن أبي وقاص (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهم اشفِ سعدًا) ثبت لأبي ذر قوله قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسقط لغيره لكنه قال بعد قوله اللهم اشفِ سعدًا قاله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5675 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِىَ بِهِ قَالَ: «أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا».
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِى قَيْسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِى الضُّحَى إِذَا أُتِىَ بِالْمَرِيضِ.
وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى الضُّحَى وَحْدَهُ وَقَالَ: إِذَا أَتَى مَرِيضًا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا أتى مريضًا) يعوده (أو أوتي به) بالمريض (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والشك من الراوي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أذهب البأس رب العالمين) منادى حذفت منه الأداة والبأس بالهمز حذفت منه للمناسبة (اشف وأنت الشافي) بالواو لأبي ذر (لا شفاء إلا شفاؤك) قال في شرح المشكاة خرج مخرج الحصر تأكيدًا لقوله أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفًا باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع في المريض إذا لم يقدر الله تعالى الشفاء (شفاء لا يغادر سقمًا) بفتح السين والقاف أو بضم السين وسكون القاف وهو تكميل لقوله اشف والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق والتنكير في سقمًا للتقليل، وفائدة قوله لا يغادر أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه مثلاً فكان عليه الصلاة والسلام يدعو للمريض بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الطب والنسائي فيه وفي اليوم والليلة.
(وقال عمرو بن أبي قيس) بفتح العين الرازي الكوفي الأصل

(8/358)


ولا يعلم اسم أبيه مما وصله أبو العباس بن أبي نجيح في فوائده من رواية محمد بن سعيد بن سابق القزويني عنه (وإبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء مما وصله الإسماعيلي من رواية محمد بن سابق التميمي الكوفي نزيل بغداد كلاهما (عن منصور عن إبراهيم وأبي الضحى) مسلم بن صبيح (إذا أُتي بالمريض) بضم همزة أُتي مبنيًّا للمجهول، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إذا أتى المريض بفتح الهمزة والفوقية وإسقاط الجار. (وقال جرير) هو ابن عبد الحميد مما وصله ابن ماجة (عن منصور عن أبي الضحى) وحده (وقال: إذا أتى) بفتح الهمزة (مريضًا).

21 - باب وُضُوءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ
(باب وضوء العائد للمريض) إذا كان ممن يتبرك به.
5676 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما -، قَالَ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَا مَرِيضٌ فَتَوَضَّأَ فَصَبَّ عَلَىَّ أَوْ قَالَ: "صُبُّوا عَلَيْهِ" فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: لاَ يَرِثُنِى إِلاَّ كَلاَلَةٌ فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ.
وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) المشهور ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) أنه (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: دخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا) والحال إني (مريض فتوضأ) الوضوء الشرعي (وصب عليّ) ما تقاطر من ماء وضوئه (أو قال صبوا عليه) ذلك الماء (فعقلت) بفتح العين والقاف فأفقت من إغمائي (فقلت: يا رسول الله لا يرثني إلاّ كلالة) أي ما عدا الولد والوالد (فكيف الميراث فنزلت آية الفرائض) {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11]
وفيه أن وضوء العائد للمريض إذا كان إمامًا في الخير يتبرك به وإن صبّه مما يرجى نفعه وقيل كان مرض جابر الحمى المأمور ببرادها بالماء وصفة ذلك أن يتوضأ الرجل المرجوّ خيره وبركته ويصب فضل وضوئه عليه قاله ابن بطال وغيره. وهذا الحديث سبق قريبًا في عيادة المغمى عليه.

22 - باب مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْحُمَّى
(باب مَن دعا برفع الوياء) بالمد ويقصر هو الطاعون والمرض العام (والحمى) بالقصر المرض المعروف.
5677 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِى أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِى شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِى صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ».
وبه قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة مهاجرًا (وعك) أي حم (أبو بكر) الصديق (وبلال) المؤذن (قالت: فدخلت عليهما) أعودهما (فقلت: يا أبت كيف تجدك) أي تجد نفسك (ويا بلال كيف تجدك؟ قالت) -رضي الله عنها- (وكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح) مقول له (في أهله) أنعم صباحًا (والموت أدنى) أي أقرب إليه (من شراك نعله) السير الذي عليها (وكان بلال إذا أقلع) بضم الهمزة وكسر اللام أزيل (عنه) ألم الحمى (يرفع عقيرته) بالقاف المكسورة بعد العين المهملة المفتوحة صوته (فيقول: ألا ليت شعري) بفتح همزة ألا وتخفيف لامها (هل أبيتن ليلة بواد) يعني وادي مكة (وحولي إذخر) النبت المعروف الطيب العرف وهو بالمعجمتين الساكنة ثم المكسورة (وجليل) نبت ضعيف وهو بالجيم (وهل أردن يومًا مياه مجنة) بكسر الميم وفتح الجيم موضع كان به سوق للجاهلية (وهل يبدون) يظهرن (لي شامة) بالمعجمة وتخفيف الميم (وطفيل) بالمهملة بعدها فاء عينان أو جبلان بقرب مكة (قال) عروة (قالت عائشة فجئت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرنه) بخبرهما (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) وهي مهيعة وكان أهلها يهود شديدي الإيذاء للمؤمنين فلذلك دعا عليهم بظهور الحمى فيهم وإعدامها من أهل المدينة.
ولم يذكر في هذا الحديث لفظ الوباء الذي ترجم به. وأجيب: بأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه كما سبق في أواخر الحج بلفظ قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقدمنا المدينة وهي أوبأ أرضي الله، واستشكل أيضًا الدعاء برفع الوباء لأنه يتضمن الدعاء برفع الموت والموت حتم مقضي فيكون ذلك عبثًا. وأجيب: بأنه لا ينافي التعبد بالدعاء لأنه قد يكون من جملة الأسباب في طول العمر أو رفع المرض.

(8/359)