شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

76 - كتاب الطب
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر.
(كتاب الطب) بتثليث الطاء المهملة قال في القاموس علاج الجسم والنفس يطب ويطب والرفق والسحر وبالكسر الشهوة والإرادة والشأن والعادة وبالفتح الماهر الحاذق بعمله كالطبيب وقال الزمخشري في الأساس جاء فلان يستطب لوجعه أي يستوصف الطبيب قال:
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
وهذا طباب هذه العلة أي ما تطب به ومن المجاز أنا طب بهذا الأمر عالم به وفلان مطبوب مسحور انتهى. وقال آخر: يقال فلان استطب تعانى الطب ونقل أهل اللغة أنه بالكسر يقال بالاشتراك للمداوي وللتداوي وللداء فهو من الأضداد والطبيب الحاذق في كل شيء وخص به المعالج به في العرف لكن كره تسميته بذلك لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أنت رفيق الله الطبيب" أي أنت ترفق بالمريض والله الذي يبرئه ويعافيه وترجم له أبو نعيم كراهية أن يسمى الطبيب الله والطب نوعان طب القلوب ومعالجتها بما جاء به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الله.
وطب الأبدان وهو المراد به هنا ومنه ما جاء عن الشارع صلوات الله وسلامه عليه ومنه ما جاء عن غيره وأكثره عن التجربة وهو قسمان ما لا يحتاج إلى فكر ونظر كدفع الجوع والعطش وما يحتاج إليهما كدفع ما يحدث في البدن مما يخرجه عن الاعتدال مما نفصله في كتب القوم فلا نطيل بذكره، وفي كتابي المواهب اللدنية جملة منه وقد زاد الصغائي في نسخته كما نبه عليه في الفتح بعد قوله كتاب الطب والأودوية.

1 - باب مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً
هذا (باب) بالتنوين لفظ باب لأبي ذر، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم أر لفظ باب في
نسخ الصحيح إلا للنسفي (ما أنزل الله داء) أي مرضًا وجمعه أدواء (إلا أنزل له شفاء) أي دواء وجمعه أشفية وجمع الجمع أشاف وشفاه يشفيه أبرأه وطلب له الشفاء كأشفاه.
5678 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً».
وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) بن عبيد أبو موسى العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة نسبة لجدّه أسدي من بني أسد بن خزيمة وقد يشتبه بمن ينسب إلى الزبير بن العوّام لكونهم من بني أسد من عبد العزى قال: (حدّثنا عمرو بن سعيد بن أبي حسين) بضم الحاء وفتح السين وعمرو بفتح العين وسعيد بكسرها النوفلي القرشي المكي قال: (حدّثنا عطاء بن أبي رباح) بالراء والموحدة المفتوحتين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ما أنزل الله داء) وللإسماعيلي من داء فالجار زائد (إلا أنزل له شفاء) قال في الكواكب: ما أصاب الله أحدًا بداء إلا قدّر له دواء أو المراد بإنزاله أنزل الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الدواء والداء انتهى.
فعلى الأول المراد بالإنزال التقدير وعلى الثاني إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي مثلاً أو إلهام بغيره. ولأحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من حديث أسامة بن شريك تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحدًا الهرم، وفي لفظ إلا السأم بمهملة مخففة يعني الموت، وزاد النسائي من حديث ابن مسعود: فتداووا، ولمسلم من حديث جابر رفعه (لكل داء دواء فإذا أصبت دواء الداء برأ بإذن الله). ومفهومه أن الدواء إذا جاوز الحدّ في الكيفية أو الكمية لا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر ولأبي داود عن البراء رفعه (ولا تتداووا بحرام) الحديث، فلا يجوز التداوي بالحرام وزاد في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود عند النسائي وصححه ابن حبان والحاكم في آخره علمه من علمه وجهله من جهله وفيه أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد وفيه أن التداوي لا ينافي التوكل لمن أعتقد أنها تبرئ بإذن الله تعالى وبتقديره لا بذاتها وأن الدواء قد ينقلب داء إذا أراد الله ذلك كما أشار إليه في حديث جابر

(8/360)


بقوله بإذن الله.
والحديث أخرجه النسائي في الطب وابن ماجة فيه أيضًا.

2 - باب هَلْ يُدَاوِى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل).
5679 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ رُبَيِّعَ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْقِى الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إِلَى الْمَدِينَةِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بفتح الضاد المعجمة المشددة (عن خالد بن ذكوان) بفتح المعجمة المدني (عن ربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وكسر التحتية المشدّدة (بنت معوذ) بكسر الواو المشدّدة بعدها معجمة (ابن عفراء) بفتح العين المهملة وسكون الفاء بعدها راء ممدودًا أنها (قالت: كنا نغزو مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة) سبق في باب مداواة النساء الجرحى في الغزو من كتاب الجهاد هذا الحديث بلفظ ونداوي الجرحى ونرد القتلى، وبه تحصل المطابقة لأن حديث الباب ليس فيه ذكر المداواة. نعم يحتمل أن يدخل في عموم قوله ونخدمهم، وأما مداواة الرجل المرأة فبالقياس واستشكل مباشرة المرأة الرجل بالمداواة وأجيب: باحتمال أن تكون المداواة لمحرم أو زوج وأما الأجانب فتجوز عند الضرورة بقدر ما يحتاج إليه من اللمس والنظر.
وهذا الحديث سبق في باب مداواة النساء الجرحى في الغزو من الجهاد.

3 - باب الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثٍ
هذا (باب) بالتنوين (الشفاء) من الداء كائن (في ثلاث) ولفظ باب وتاليه ثابت للحموي، وقال الحافظ ابن حجر: سقطت الترجمة للنسفي ولفظ باب للسرخسي.
5680 - حَدَّثَنِى الْحُسَيْنُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ حَدَّثَنَا سَالِمٌ الأَفْطَسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَىِّ.
رَفَعَ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ الْقُمِّىُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْعَسَلِ وَالْحَجْمِ.
وبه قال (حدّثني) بالإفراد (الحسين) هو ابن محمد بن زياد النيسابوري القباني بقي بعد البخاري ثلاثًا وثلاثين سنة وجزم الحاكم أنه الحسين بن يحيى بن جعفر البيكندي قال: (حدّثنا أحمد بن منيع) بفتح الميم وكسر النون بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة ابن عبد الرحمن الحافظ أبو جعفر الأصم البغوي صاحب المسند قال: (حدّثنا مروان بن شجاع) الجزري قال: (حدّثنا سالم الأفطس) بن عجلان الحرّاني الأموي مولاهم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) موقوفًا أنه (قال: الشفاء في ثلاث شربة عسل) يسهل الأخلاط البلغمية وقوله شربة بالخفض بدل
من سابقه (وشرطة محجم) يتفزع بها الدم الذي هو أعظم الأخلاط عند هيجانه لتبريد المزاج والمحجم بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة عند المص ويراد به هنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة يقال شرط الحاجم إذا ضرب موضع الحجامة لإخراج الدم وقد يتناول الفصد، وأيضًا الحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد والفصد في البلاد التي ليست بحارة أنجح من الحجم (وكية نار) تستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادّته إلا به وآخر الدواء المكي وكية مضافة لتاليها (وأنهى أمتي) نهي تنزيه (عن الكي) لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولأنهم كانوا يرون أنه يحسم الداء بطبعه فيبادرون إليه قبل حصول الاضطرار إليه يستعجلون بتعذيب المكي لأمر مظنون فنهى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته عنه لذلك وأباح استعماله على جهة طلب الشفاء من الله تعالى والترجي للبرء (رفع) ابن عباس (الحديث) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا مع قوله وأنهى أمتي يدل على أن الحديث غير موقوف على ابن عباس وقد صرح برفعه في الحديث اللاحق ولم يكتف به عن السابق لتصريحه فيه يقول مروان حدّثني سالم إذ هو في اللاحقة بالعنعنة.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة.
(ورواه القمي) بضم القاف وتشديد الميم مكسورة يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي عامر الأشعري من أهل قم مدينة عظيمة حصينة في عراق العجم وأهلها شيعة مما وصله البزار (عن ليث) هو ابن سعد الإمام (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في العسل والحجم) بفتح الحاء وسكون الجيم ولأبي ذر عن الكشميهني والحجامة ولم يذكر الكي.
5681 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثَةٍ: شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَىِّ».
وبه قال (حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم)

(8/361)


صاعقة قال: (أخبرنا سريج بن يونس) بالسين المهملة المضمومة والراء المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فجيم (أبو الحارث) البغدادي قال: (حدّثنا مروان بن شجاع) الجزري (عن سالم الأفطس) الأموي مولاهم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الشفاء في ثلاثة) أي في ثلاثة أشياء (في شرطة محجم أو شربة عسل) قيل: ليس المراد الشرب على الخصوص بل استعماله في الجملة فيما يصلح استعماله فيه فإنه يدخل في المعجونات المسهلة ليحفظ على تلك الأدوية فعلها فيسهل الأخلاط التي في البدن (أو كية بنار) وليس المراد حصر الشفاء في الثلاثة فقد يكون الشفاء في غيرها وإنما نبه بها على أصول العلاج لأن الأمراض
تكون دموية وصفراوية وبلغمة وسوداوية فالدموية بإخراج الدم وخص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب له وبقيتها بالمسهل الملائم لكل خلط منها، وأما المكي فيكون أخيرًا لما ذكرنا (وأنهى أمتي عن الكي).
قال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة ما حاصله علم من مجموع كلامه في الكي: إن فيه نفعًا ومضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب قال وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع، وقد أبدى في المصابيح سؤالاً وهو، فإن قلت: المبدل منه هو ثلاثة من قوله الشفاء في ثلاثة والبدل أحد ثلاثة لوجود العطف بأو فما وجهه؟ وأجاب: بأنه على حذف مضاف أي الشفاء في أحد ثلاثة فليس المبدل منه والبدل مختلفين بالتعدد والموحدة بل هما متفقان بهذا التقدير كما قالوه في قول الشاعر:
وقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل
أي لنا إحدى خصلتين مبهمتين.

4 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}
(باب الدواء بالعسل).
هو لعاب النحل أو طل خفي يقع على الزهر وغيره فتلقطه النحل وقيل بخار يصعد فينضج في الجو فيستحيل ويغلظ في الليل ويقع عسلاً فتجتنيه النحل وتتغذى به فإذا شبعت جنت منه مرة أخرى ثم تذهب به إلى بيوتها وتضعه هناك لأنها تدخر لنفسها غذاءها فهو العسل وقيل إنها تأكل من الأزهار الطيبة والأوراق العطرة فيقلب الله تعالى تلك الأجسام في داخل أبدانها عسلاً، ثم إنها تقيء ذلك فهو العسل وجمعه أعسال وعسل وعسول وعسلان والعاسل والعسال مشتاره من موضعه، وللعسل أسماء ذكرها ومنافعها المجد الشيرازي مؤلف القاموس في مؤلف في استقصائها طول يخرجنا عن الاختصار وأصلحه الربيعي ثم الصيفي وأما الشتائي فرديء وما يؤخذ من الجبال والشجر أجود مما يؤخذ من الخلايا وهو بحسب مرعاه، ومن العجيب أن النحلة تأكل من جميع الأزهار ولا يخرج منها إلا حلوًا مع أن أكثر ما تجتنيه مر وطبع العسل حار يابس في الدرجة الثانية جلاء للأوساخ التي في العروق والمعي وغيرها محلل للرطوبات أكلاً وطلاءً نافع للمشايخ ولأصحاب البلغم ولمن كان مزاجه باردًا رطبًا فالمبرود يستعمله وحده لدفع البرد والمحرور مع غيره لدفع الحرارة وهو جيد للحفظ يقوي البدن ويحفظ صحته ويسمنه ويقوي الإنعاظ ويزيد في الباءة للمبرودين والتغرغر به ينقي الخوانيق وينفع من الفالج واللقوة والأوجاع الباردة الحادثة في جميع البدن من الرطوبات واستعماله على الريق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة ويقويها ويسخنها إسخانًا معتدلاً ويبيض الأسنان استنانًا ويحفظ صحتها والتلطخ به يقتل القمل ويطول الشعر وينفع للبواسير ويحفظ اللحم ثلاثة أشهر وخواصه كثيرة.
(و) يكفيه فضلاً (قول الله تعالى {فيه}) أي في العسل ({شفاء للناس}) [النحل: 69] من أدواء تعرض لهم، قيل ولو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء لكنه قال: فيه شفاء للناس أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة فإنه حار والشيء يداوى بضده، وقول مجاهد بن جبر فيه أي في القرآن قول صحيح في نفسه، لكن ليس هو الظاهر من سياق الآية لأنها إنما ذكر فيها العسل

(8/362)


ولم يتابع مجاهد على قوله هذا وقال الحافظ ابن كثير وروينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحفة وليغسلها بماء السماء وليأخذ من امرأته درهمًا عن طيب نفس منها فليشتر به عسلاً فليشربه لذلك فإنه شفاء، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند حسن بلفظ إذا اشتكى أحدكم فليستوهب من امرأته من صداقها فليشتر به عسلاً ثم يأخذ ماء السماء، يجمع هنيئًا مريئًا شفاءً مباركًا.
5682 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنِى هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ.
وبه قال (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه الحلواء) بالمد (والعسل) وقد دخل في قولها الحلواء العسل وإنما ثنت به على انفراده لشرفه كقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] فما خلق الله تعالى لنا في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه لأنه غذاء من الأغذية وشراب من الأشربة ودواء من الأدوية وحلو من الحلوى وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات.
فإن قلت: ما مناسبة الحديث للترجمة؟ أجيب: بأن الإعجاب أعم من أن يكون على سبيل الدواء والغذاء فتؤخذ المناسبة بذلك.
5683 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ - أَوْ يَكُونُ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ - خَيْرٌ فَفِى شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ». [الحديث 5683 - أطرافه في: 5697، 5702، 5704].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكن قال (حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) حنظلة بن أبي عامر الأويسي الأنصاري (عن عاصم بن عمر بن قتادة) بضم العين التابعي الصغير أنه (قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم)
والشك من الراوي، قال السفاقسي: قوله أو يكون صوابه أو يكن لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزومًا. قال الحافظ ابن حجر: وقع في رواية أحمد إن كان أو يكن، فلعل الراوي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوًا فأثبتها، ويحتمل أن يكون التقدير إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء فيكون التردّد لإثبات لفظ يكون وعدمها (أو شربة عسل) وعند أبي نعيم في الطب من حديث أبي هريرة وابن ماجة من حديث جابر بسند ضعيف عندهما رفعاه من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم بلاء (أو لذعة) بذال معجمة ساكنة فعين مهملة مفتوحة حرق (بنار) حال كونه يتحقق أنها (توافق الداء) فتزيله فلا يشرع المكي عند ظن ذلك لما فيه من الخطر (وما أحب أن أكتوي) هو مثل ترك أكله الضب مع تقريره أكله على مائدته واعتذاره بأنه يعافه.
5684 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَخِى يَشْتَكِى بَطْنَهُ: فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ فَقَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلاً» فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. [الحديث 5684 - طرفه في: 5716].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عياش بن الوليد) بالمثناة التحتية وشين معجمة النرسي بنون مفتوحة وراء ساكنة وسين مهملة قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة قال: (حدّثنا سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي المتوكل) الناجي بالنون والجيم (عن أبي سعيد) سعد الخدري (أن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (أخي) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم واحد منهما (يشتكي بطنه) من إسهال حصل له من تخمة أصابته ولمسلم قد عرب بطنه بعين مهملة وراء مكسورة فموحدة أي فسد هضمه واعتلت معدته وفي باب العذرة فاستطلق بطنه أي أكثر خروج ما فيه يريد الإسهال (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اسقه عسلاً) صرفًا وممزوجًا فسقاه فلم يبرأ (ثم أتى) الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر: ثم أتاه (الثانية) فقال: إني سقيته فلم يزدد إلا استطلاقًا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسقه عسلاً) ليدفع الفضول المجتمعة من نواحي معدته ومعاه بما فيه من الجلاء ودفع الفضول فسقاه فلم يبرأ لكونه غير مقاوم للداء في الكمية (ثم أتاه الثالثة) فقال: إني سقيته فلم يبرأ (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسقه عسلاً) وقوله ثم أتاه الثالثة إلى آخره ثابت لأبي ذر (ثم أتاه فقال: فعلت) فلم يبرأ (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صدق الله) حيث

(8/363)


قال فيه شفاء للناس (وكذب بطن أخيك) إذ لم يصلح لقبول الشفاء بل زلّ عنه قال بعضهم فيه إن الكذب قد يطلق على عدم المطابقة في غير الخبر. قال في المصابيح وهو على سبيل الاستعارة التبعية وفيه إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء (اسقه عسلاً. فسقاه) في الرابعة (فبرأ) بفتح الراء لأنه لما تكرر استعمال الدواء قاوم الداء فأذهبه فاعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب. قال في زاد المعاد: وليس طبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كطب الأطباء فإن طبه عليه الصلاة والسلام متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره حدث وظنون وتجارب.
وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في الطب وكذا الترمذي والنسائي.

5 - باب الدَّوَاءِ بِأَلْبَانِ الإِبِلِ
(باب الدواء بألبان الإبل) في المرض الذي تصلح له.
5685 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو رَوْحٍ البَصَرِيُّ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ فَأَنْزَلَهُمُ الْحَرَّةَ فِى ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ: اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِىَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدُمُ الأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ.
قَالَ سَلاَّمٌ فَبَلَغَنِى أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لأَنَسٍ: حَدِّثْنِى بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ.
وبه قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال (حدّثنا سلام بن مسكين أبو روح البصري) قال (حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن ناسًا) زاد الإسماعيلي في رواية بهز بن أسد عن سلام من أهل الحجاز وسبق في الطهارة أنهم من عكل أو عرينة بالشك وكانوا ثمانية، أربعة من عكل وثلاثة من عرينة والرابع تابعًا لهم (كان بهم سقم) بفتح السين والقاف وجع في بطونهم (قالوا: يا رسول الله آونا) بمدّ الهمزة وكسر الواو أنزلنا في مأوى (وأطعمنا) بفتح الهمزة وكسر العين فآواهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأطعمهم (فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة) وكان السقم الذي كان بهم من الجوع أو من التعب فلما زال عنهم خافوا من وخم المدينة إما لكونهم أهل ريف فلم يعتادوا الحضر أو لما كان في المدينة من الحمى (فأنزلهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة في أرض ذات حجارة سود بالمدينة (في ذودٍ له) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وكان خمس عشرة (فقال) لهم عليه الصلاة والسلام (اشربوا من ألبانها) فشربوا (فلما صحوا) من ذلك الداء (قتلوا راعي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا النوبي (واستاقوا ذوده فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ثأرهم) بمدّ الهمزة عشرين وأمر عليهم كرز بن جابر أو سعيد بن زيد فأخذوا (فقطع) عليه الصلاة والسلام (أبديهم وأرجلهم وسمر أعينهم) بتخفيف الميم وبالراء أي كحلها بالمسامير الحماة ولأبي ذر عن الكشميهني وسمل باللام أي فقأها بحديدة محماة وكانوا قد قطعوا يد الراعي ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات كذا عند ابن سعد وفي مسلم أنهم ارتدّوا وإسناد الفعل إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجاز قال أنس (فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه) زاد بهز في روايته مما يجد من الغم والوجع وعند أبي عوانة في صحيحه يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة (حتى يموت).
وبالسند السابق (قال سلام) المذكور (فبلغني أن الحجاج) بن يوسف الأمير المشهور (قال لأن: حدّثني) بكسر الدال والإفراد (بأشد عقوبة عاقبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذكر عاقبه باعتبار العقاب (فحدّثه) أنس (بهذا) الحديث (فبلغ الحسن) البصري (فقال: وددت أنه لم يحدّثه بهذا) الحديث لأنه كان ظالمًا يتمسك في الظلم بأدنى شيء، وفي رواية بهز: فوالله ما انتهى الحجاج حتى قام بها على المنبر فقال حدّثنا أن فذكره وقال قطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأيدي والأرجل وسمر الأعين في معصية الله أفلا نفعل نحو ذلك في معصية الله وسقط لغير الكشميهني بهذا.

6 - باب الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ
(باب الدواء بأبوال الإبل) لذرب البطن.
5686 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِى الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِى الإِبِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِىَ وَسَاقُوا الإِبِلَ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثَ فِى طَلَبِهِمْ فَجِىءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ.
وبه قال (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أن ناسًا) من عرينة (اجتووا في المدينة) حصل لهم فيها الجوى وفي رواية أبي قلابة عن أنس اجتووا المدينة فأسقط الجار أي استوخموها (فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلحقوا براعيه) يسار النوبي (يعني الإبل) ولمسلم من هذا الوجه أن يلحقوا براعي الإبل (فيشربوا

(8/364)


من ألبانها وأبوالها) للتداوي، ويحتمل أن يكون قبل نزول التحريم، واستدل بظاهره من قال من الأئمة ما أكل لحمه فبوله طاهر ومباحثه سبقت في الطهارة (فلحقوا براعيه) عليه الصلاة والسلام يسار (فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم) بفتح اللام ولأبي ذر عن الكشميهني حتى صحّت بإسقاط اللام وتشديد الحاء (فقتلوا الراعي وساقوا الإبل فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك (فبعث في طلبهم) كرز بن جابر في عرين فأدركوهم فأخذوهم (فجيء بهم) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم) أي أمر من فعل بهم ذلك.
(قال قتادة) بن دعامة بالإسناد المتقدّم (فحدّثني) بالإفراد (محمد بن سيرين أن ذلك) المذكور من سمر أعينهم (كان قبل أن تنزل الحدود) بفتح الفوقية وكسر الزاي وهذا معارض بقول أنس المروي في مسلم من طريق سليمان التيمي إنما سملهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم سملوا أعين الرماة.
ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدّيات بعون الله وقوّته.
والحديث أخرجه أيضًا في الحدود.

7 - باب الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ
(باب) ذكر (الحبة السوداء) ومنافعها.
5687 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِى الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهْوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِى عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا: عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِى أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِى هَذَا الْجَانِبِ وَفِى هَذَا الْجَانِبِ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِى أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ مِنَ السَّامِ» قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: «الْمَوْتُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله) أبو بكر (بن أبي شيبة) نسبه لجده واسم أبيه محمد واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن موسى الكوفي من كبار مشايخ البخاري روي عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن خالد بن سعد) مولى أبي مسعود البدري الأنصاري أنه (قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الجيم بعدها راء غير منصرف الصحابي (فمرض) غالب (في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فعاده ابن أبي عتيق) عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأبو عتيق كنية أبيه محمد (فقال لنا) عبد الله بن محمد: (عليكم بهذه الحبيبة السوداء) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة مصغرًا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي السويداء بضم السين مصغرًا (فخذوا منها خمسًا) ما حباتها (أو سبعًا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب، وفي هذا الجانب) من الأنف وقد ذكر الأطباء في علاج الزكام العارض معه عطاس كثير أنه تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعمًا ثم تنقع في زيت ثم يقطر منها في الأنف ثلاث قطرات فلعل غالب بن أبجر كان مزكومًا فلذا وصفه ابن أبي عتيق له ثم استدلّ بقوله (فإن عائشة -رضي الله عنها- حدّثتني) بالإفراد (أنها سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن هذه الحبة السوداء شفاء) ولأبي ذر عن الكشميهني أن هذه الحبة السوداء شفاء (من كل داء) يحدث من الرطوبة والبرودة ونحوها من الأمراض الباردة أما الحارة فلا لكن قد تدخل في بعض الأمراض الحار اليابسة بالعرض فتوصل قوى الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها واستعمال الحار في بعض الأمراض الحارة لخاصية فيه لا يستنكر كالعنزروت فإنه حار ويستعمل في أدوية الرمد المركبة مع أن الرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وقد قال أئمة الطب كابن البيطار إن طبع الحبة السوداء حار يابس وهي مُذهِبة للنفخ نافعة من حمى الربع والبلغم مفتحة للسدد والريح مجففة لبلة المعدة، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار أذابت الحصى وأدرّت البول والطمث وفيها جلاء وتقطيع، وإذا نقع منها سبع حبات في لبن امرأة وسعط به صاحب
اليرقان أفادت، وإذا شرب منها وزن مثقال ماء أفاد من ضيق النفس والضماد بها ينفع من الصداع البارد.
وقال ابن أبي حمزة: تكلم ناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة ولا خلاف بغلط قائل ذلك لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار عملهم غالبًا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم انتهى.
وقال في الكواكب: يحتمل

(8/365)


إرادة العموم بأن يكون شفاء للجميع لكن بشرط تركيبه مع غيره ولا محذور فيه بل يجب إرادة العموم لأن الاستثناء معيار جواز العموم وأما وقوع الاستثناء فهو معيار وقوع العموم فهو أمر ممكن وقد أخبر الصادق عنه واللفظ عام بدليل الاستثناء فيجب القول به، وحينئذٍ فينفع من جميع الأدواء.
(إلاّ من السام) بالمهملة وتخفيف الميم (قلت: وما السام؟ قال: الموت) قال في الفتح: لم أعرف السائل ولا القائل وأظن السائل خالد بن سعد والمجيب ابن أبي عتيق.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة.
5688 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «فِى الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّامَ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري واسم أبيه عبد الله ونسبه المؤلّف لجده لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أحد الأعلام وسيد التابعين (أن أبا هريرة) - رضي الله عنه- (أخبرهما أنه سمع رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(في الحبة السودء شفاء من كل داء) حدث من برد أو أعم على ما مرّ (إلاَّ السام. قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري بالسند المذكور (والسام: الموت) وفيه: أن الموت داء من الأدواء قال: وداء الموت ليس له دواء.
(والحبة السوداء) هي (الشونيز) بالشين المعجمة المضمومة والواو الساكنة وبعد النون المكسورة تحتية ساكنة فمعجمة. قال في القاموس: الشينيز والشونيز والشونوز الشهنيز الحبة السوداء أو فارسي الأصل انتهى. ونقد إبراهيم الحربي فيما نقله عنه في فتح الباري في غريب الحديث عن
الحسن البصري أنها الخردل، وفي الغريبين للهروي أنها ثمرة البطم والأول أولى إذ منافعها أكثر من الخردل والبطم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب وكذا ابن ماجة.

8 - باب التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ
(باب التلبينة) وصنعها (للمريض) قال في القاموس التلبين وبهاء حساء من نخالة ولبن وعسل وقال أبو نعيم في الطب هي دقيق بحت وقال غيره سميت تلبينة تشبيهًا لها باللبن في بياضها ورقتها.
5689 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ».
وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس بن يزيد) الأيلي (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تأمر بالتلبين) أن يصنع (للمريض) وعند الإسماعيلي بالتلبينة بزيادة الهاء (وللمحزون على) الشخص (الهالك) الميت وفي رواية الليث عن عقيل أن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن أمرت ببرمة تلبينة فطبخت ثم قالت كلوا منها (وكانت تقول: إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن التلبينة تجم) بضم الفوقية وكسر الجيم وتشديد الميم ويجوز فتح الفوقية وضم الجيم تريح (فؤاد المريض وتذهب) بفتح التاء والهاء في الفرع (ببعض الحزن) بضم الحاء وسكون الزاي أو بفتحهما والمراد بالفؤاد رأس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة وسبق الحديث بالأطعمة.
5690 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِى الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينَةِ وَتَقُولُ هُوَ الْبَغِيضُ النَّافِعُ.
وبه قال (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بفاء وواو مفتوحتين بينهما راء ساكنة والمغراء بفتح الميم والراء بينهما معجمة ساكنة ممدود الكندي قال (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وكسر الهاء بينهما
مهملة ساكنة قاضي الموصل (عن هشام) ولأبي ذر: حدّثنا هشام (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها كانت تأمر بالتلبينة) بزيادة هاء التأنيث أن تصنع للمريض والمحزون (وتقول: هو) أي الحساء (البغيض) بفتح الموحدة وكسر المعجمة المبغض للمريض (النافع) لمرضه كسائر الأدوية مع زيادة ليبوسة

(8/366)


ريقه وعند النسائي عن عائشة: والذي نفس محمد بيده إنها لتغسل باطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء الحديث.

9 - باب السَّعُوطِ
(باب السعوط) بفتح السين المهملة. قال في القاموس سعطه الدواء كمنعه ونصره وأسعطه إياه سعطة واحدة وإسعاطة واحدة أدخله في أنفه فاستعط والصعود كصبور ذلك الدواء والمسعط بالضم وكمنبر ما يجعل فيه ويصب منه في الأنف.
5691 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ.
وبه قال (حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد الباهلي مولاهم الكرابيسي الحافظ (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان الإمام أبي عبد الرحمن اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط) استعمل السعوط بأن استلقى على ظهره وجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه الشريف وقطر في أنفه ما تداوى به ليصل إلى دماغه ليخرج ما فيه من الداء بالعطاس.
وسبق هذا الحديث في باب خراج الحجام من كتاب الإجارة.

10 - باب السَّعُوطِ بِالْقُسْطِ الْهِنْدِىِّ الْبَحْرِىِّ وَهُوَ الْكُسْتُ مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ مِثْلُ كُشِطَتْ وَقُشِطَتْ نُزِعَتْ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ قُشِطَتْ
(باب السعوط) بضم السين في الفرع (بالقسط الهندي) بضم القاف (و) القسط (البحري) وهو الذي يجلب من اليمن ومنه ما يجلب من المغرب وزاد بعضهم ثالثًا يسمى بالقسط المر وهو كثير ببلاد الشام خصوصًا بالسواحل قال في نزهة الأفكار وأجودها البحري وخياره الأبيض الخفيف الطيب الرائحة وبعده الهندي وهو أسود خفيف وبعده الثالث وهو ثقيل ولونه كالخشب البقس ورائحته ساطعة وأجود ذلك كله ما كان حديثًا ممتلئًا غير متأكل يلذع اللسان وكله دواء مبارك نافع (وهو الكست) بالكاف المضمومة بدل القاف وبالفوقية بدل الطاء المهملة لقرب كلٍّ من المخرجين بالآخر (مثل الكافور والقافور) بالكاف والقاف (مثل كشطت وقشطت) بالكاف والقاف أيضًا أي (نزعت وقرأ عبد الله) بن مسعود وإذا السماء (قشطت) بالقاف بدل الكاف قال
القرطبي: وهذا من التعاقب بين الحرفين كقولهم عربي قح بالقاف والكاف وثبت في الفرع لأبي ذر قوله وقشطت والواو في قوله والبحري.
5692 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ». [الحديث 5692 - أطرافه في: 5713، 5715، 5718].
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ (قال: أخبرنا ابن عيينة) سفيان أبو محمد الهلالي مولاهم الكوفي أحد الأعلام (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة (عن أم قيس بنت محصن) بكسر الميم وفتح الصاد المهملة بينهما حاء مهملة الأسدية من المهاجرات أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(عليكم بهذا العود الهندي) أي استعملوه (فإن فيه سبعة أشفية) أي أدوية جمع شفاء كدواء وأدوية وجمع الجمع أشاف منها أنه (يسعط به من العذرة) بضم العين وسكون الذال المعجمة وجع يأخذ الطفل في حلقه يهيج من الدم أو في الخرم الذي بين الألف والحلق وهو سقوط اللهاة وقيل قرحة تخرج بين الأنف والحلق تعرض للصبيان غالبًا عند طلوع العذرة وهي خمس كواكب تحت الشعرى أي العبور وتطلع وسط الحر وإنما كان القسط نافعًا للعذرة لأنه مجفف للرطوبات والعذرة دم يغلب عليه البلغم أو نفعه لها بالخاصية (ويلدّ به) بضم التحتية وفتح اللام يسقى في أحد شقي الفم (من) وجع (ذات الجنب) والمراد به هنا ألم يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا وقد ذكر في هذا الحديث أن في القسط سبعة أشفية ولم يذكر منها سوى اثنين فيحتمل أن يكون اختصارًا من الراوي.
5693 - وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنٍ لِى لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّ عَلَيْهِ.
قالت أم قيس: (ودخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بابن لي) صغير لم أقف على اسمه (لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فرش عليه) ولم يغسله.
ومرّ البحث فيه في الطهارة، والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في الطب وكذا أبو داود والنسائي.

11 - باب أَىَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ؟ وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً
هذا (باب) بالتنوين في بيان (أيّ ساعة) أي زمان (يحتجم) ولأبي ذر آية ساعة بزيادة تاء التأنيث في أيّ كقراءة بأية أرض

(8/367)


تموت وهي لغة ضعيفة كما قالوا أيتهن فعل ذلك (واحتجم أبو
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (ليلاً) فلا تتعين الحجامة نهارًا بل تجوز في أي ساعة من ليل أو نهار.
وسبق هذا التعليق موصولاً في الصيام.
5694 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ صَائِمٌ.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التيمي مولاهم البصري التنوري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: احتجم النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وهو صائم) ومقتضاه أنه احتجم نهارًا والحاصل من هذا الحديث وسابقه المعلق أن الحجامة لا تتعين في وقت بل تكون عند الاحتياج. نعم وردت أحاديث فيها التعيين ففي حديث أبي هريرة مرفوعًا من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء رواه أبو داود لكنه من رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي وقد وثقه أكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد والترمذي ورجاله ثقات لكنه معلول وشاهد آخر من حديث أنس عند ابن ماجة وسنده ضعيف، وعند ابن ماجة من حديث ابن عمر رفعه في أثنائه فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء واجتنبوا يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد ورواه الدارقطني في الإفراد من وجه آخر ضعيف.
وحكي أن رجلاً احتجم يوم الأربعاء فأصابه مرض لكونه تهاون بالحديث، وفي حديث أبي بكرة عند أبي داود أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء وقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها". وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة وأن لا يقع عقب استفراغ من حمام أو جماع ولا عقب شبع ولا جوع، وأنها تفعل في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوّله وآخره لأن الأخلاط في أول الشهر تهيج وفي آخره تسكن فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه.

12 - باب الْحَجْمِ فِى السَّفَرِ وَالإِحْرَامِ، قَالَهُ ابْنُ بُحَيْنَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب الحجم في السفر والإحرام) عند الاحتياج إليه (قاله) أي الحجم في حالة السفر وحالة الإحرام (ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح المهملة وبعد التحتية الساكنة نون مفتوحة فهاء اسم أم عبد الله بن مالك الأزدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سيأتي موصولاً إن شاء الله تعالى قريبًا بعون الله.
5695 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة الهلالي (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن طاوس) هو ابن كيسان (وعطاء) هو ابن أبي رباح كلاهما (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محرم) ومقتضى الحجم في حالة الإحرام أن يكون في السفر فطابق الحديث الترجمة.
وهذا الحديث قد سبق في باب الحجامة للمحرم من الحج.

13 - باب الْحِجَامَةِ مِنَ الدَّاءِ
(باب الحجامة من الداء) الحادث بالبدن.
5696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ وَقَالَ: «إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِىُّ وَقَالَ: لاَ تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا حميد الطويل) أبو عبيدة البصري مولى طلحة الطلحات (عن أنس -رضي الله عنه- أنه سئل عن أجر الحجام) ولأحمد عن يحيى القطان عن حميد عن كسب الحجام (فقال: احتجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجمه أبو طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية وبعد الموحدة تاء اسمه نافع على الصحيح وحكاية ابن عبد البر أنه دينار وهموه فيها بأن دينارًا الحجام تابعي روى عن أبي طيبة وحديثه عند ابن منده لا لأنه أبو طيبة نفسه وعند البغوي بإسناد ضعيف أن اسمه ميسرة وقال العسكري الصحيح أنه لا يعرف اسمه (وأعطاه صاعين من طعام) أي تمر زاد في البيوع ولو كان حرامًا لم يعطه (وكلم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مواليه) هم بنو حارثة على الصحيح ومولاه منهم محيصة بن مسعود وإنما جمع الموالي مجازًا كما يقال بنو فلان قتلوا رجلاً ويكون الفاعل منهم واحدًا وحديث جابر أنه مولى بني بياضة وهم فإن مولى بني بياضة آخر يقال له أبو هند أن يخففوا عنه من خراجه (فخففوا

(8/368)


عنه وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسند المتقدم يخاطب أهل الحجاز من بلادهم حارة أو عامًا.
(إن أمثل ما تداويتم به) من هيجان الدم (الحجامة) لأن دماء أهل الحجاز ومن في معناهم رقيقة تميل إلى ظاهر أجسادهم لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن وهي تنقي سطح البدن أكثر من الفصد وقد تغني عن كثير من الأدوية، قال في زاد المعاد: الحجامة في الأزمان الحارة والأمكنة الحارة والأبدان الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج أنفع والفصد بالعكس ولذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد انتهى.
وقد أخرج أبو نعيم من حديث عليّ رفعه (خير الدواء الحجامة والفصد) لكن في سنده
حسين بن عبد الله بن ضميرة كذبه مالك وغيره، وعن ابن سيرين فيما أخرجه الطبراني بسند صحيح إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم. قال الطبري: وذلك أنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره انحلال من قوى جسده فلا ينبغي أن يزيده وهنًا بإخراج الدم. قال في الفتح بعد أن ذكر ذلك: وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتد به.
(و) أمثل ما تداويتم به (القسط البحري وقال) عليه الصلاة والسلام بالإسناد السابق (لا تعذبوا صبيانكم بالغمز) بالعصر باليد (من العذرة) التي هي قرحة تخرج بين الأنف والحلق كما مر مع غيره قريبًا وكانت المرأة تأخذ خرقة فتفتلها فتلاً شديدًا وتدخلها في حلق الصبي وتعصر عليه فينفجر منه دم أسود ربما أقرحته فحذّرهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك وأرشدهم إلى استعمال ما فيه دواء ذلك من غير ألم فقال: (وعليكم بالقسط) فإنه دواء للعذرة لا مشقة فيه، وفي حديث جابر دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة وعندها صبي يسيل منخراه دمًا فقال: ما هذا؟ قالوا: به العذرة أو وجع في رأسه. قال: ويلكن لا تقتلن أولادكن أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطًا هنديًا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه فأمرت عائشة وصنع ذلك بالصبي فبرأ رواه أحمد وغيره.
5697 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو وَغَيْرُهُ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - عَادَ الْمُقَنَّعَ ثُمَّ قَالَ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ فِيهِ شِفَاءً».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن تليد) هو سعيد بن عيسى بن تليد بفوقية مفتوحة وتحتية ساكنة بينهما لام مكسورة الرعيني القتباني بكسر القاف وسكون الفوقية وبعد الموحدة ألف فنون قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (وغيره) قال في الفتح: يغلب على ظني أنه ابن لهيعة (أن بكيرًا) بضم الموحدة ابن عبد الله بن الأشج (حدّثه أن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الظفري (حدّثه أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- عاد المقنع) بضم الميم وفتح القاف والنون المشددة بعدها عين مهملة ابن سنان التابعي قال الحافظ ابن حجر لا أعرفه إلا في هذا الحديث (ثم قال) له (لا أبرح) لا أخرج من عندك (حتى تحتجم فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن فيه) في الحجم (شفاء) من هيجان الدم.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الطب وكذا مسلم والنسائي.

14 - باب الْحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ
(باب الحجامة على الرأس).
5698 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ بِلَحْىِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، وَهْوَ مُحْرِمٌ فِى وَسَطِ رَأْسِهِ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن علقمة) بن أبي علقمة بلال المدني مولى عائشة (أنه سمع عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج أنه سمع عبد الله ابن بحينة) هو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة الأزدي حليف بني طالب وبحينة أمه مطلبية من السابقين (يحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم بلحي جمل) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة وكسر التحتية بالإفراد، ولأبي ذر: بلحيي بالتثنية وجمل بالجيم والميم المفتوحتين اسم موضع أو بقعة معروفة وهي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا (من طريق مكة) وليس آلة للحجم (وهو محرم) الجملة حالية (في وسط رأسه) بفتح السين وتسكن.
5699 - وَقَالَ الأَنْصَارِىُّ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ فِى رَأْسِهِ.
(وقال الأنصاري) محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك فيما وصله البيهقي (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (هشام بن حسان) الأزدي مولاهم

(8/369)


الحافظ قال: (حدّثنا عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم في رأسه) زاد البيهقي وهو محرم من صداع كان به أو داء.
وحديث الباب سبق في الحج.

15 - باب الْحَجْمِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ
(باب الحجم) ولأبي ذر الحجامة (من الشقيقة و) من (الصداع) وسببه كما قال الأطباء أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ فإن لم تجد منفذًا أحدثت الصداع، فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة وإن ملك قنة الرأس أحدث داء البيضة وذكر الصداع بعد الشقيقة من عطف العام على الخاص.
5700 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَأْسِهِ وَهْوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ: لَحْىُ جَمَلٍ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن هشام) هو ابن حسان (عن عكرمة) مولى ابن
عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رأسه وهو محرم من وجع كان به) وهو الشقيقة (بماء) أي في منزل فيه ماء (يقال له لحي جمل) بلفظ الإفراد ولأبي ذر بلفظ التثنية.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطب.
5701 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ فِى رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ.
(وقال محمد بن سواء) بالسين المهملة المفتوحة ممدودًا ابن عنبر بالعين المهملة والنون الساكنة والموحدة المفتوحة السدوسي البصري فيما وصله الإسماعيلي (أخبرنا هشام) هو ابن حسان (عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به) ولأحمد من حديث بريدة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربما أخذته الشقيقة فمكث اليوم واليومين لا يخرج. وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتجم في مواضع مختلفة لاختلاف أسباب الحاجة إليها، وفي حديث ابن عباس عند ابن عدي رفعه الحجامة في الرأس تنفع من الجنون والجذام والبرص والنعاس والصداع ووجع الضرس والعين وفي سنده عمر بن رباح متروك رماه الفلاس وغيره بالكذب.
5702 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ حَدَّثَنِى عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِى شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة الوراق الكوفي قال: (حدّثنا ابن الغسيل) عبد الرحمن بن سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (عاصم بن عمر) بضم العين ابن قتادة الظفري (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: سمعت النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شربة عسل) يسهل الأخلاط البلغمية (أو شرطة محجم) يستفرغ بها ما فسد من الدم وقد يتناول الفصد وخص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب له. وقال أهل الطب: فصد الباسليق ينفع لحرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك، وفصد الأكحل ينفع من الامتلاء العارض في جميع البدن وفصد القيفال من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم وفسد وفصد الودجين لوجع الطحال ووجع الجنبين والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وعلى الأخدعين من أمراض الرأس والوجه والحلقوم وتنقي الرأس والحجامة على ظهر القدم من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وبثوره
والنقرس والبواسير (أو لذعة) بذال معجمة وعين مهملة كيّ (من نار) توافق الداء وتزيله (وما أحب أن أكتوي) لشدة ألمه وعظم خطره.

16 - باب الْحَلْقِ مِنَ الأَذَى
(باب الحلق) أي حلق شعر الرأس أو غيره (من الأذى).
5703 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ كَعْبٍ هُوَ ابْنُ عُجْرَةَ قَالَ: أَتَى عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَنْ رَأْسِى فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةً أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً».
قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِى بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني أنه (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر المفسر (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء -رضي الله عنه- أنه (قال: أتى عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زمن) عمرة (الحديبية وأنا) أي والحال أني (أوقد تحت برمة والقمل يتناثر عن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على (رأسي فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لي:
(أيؤذيك هوامك) بتشديد الميم (قلت: نعم) تؤذيني (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فاحلق) بكسر اللام

(8/370)


رأسك (وصم ثلاثة أيام أو أطعم) بهمزة قطع وكسر العين (ستة) من المساكين لكل واحد نصف صاع (أو أنسك) بضم السين (نسيكة) بفتح النون وكسر السين. قال تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه} أي فحلق {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196].
وهذا الحديث قد سبق في الحج في باب النسك شاة ووجه إدخاله هنا أن كل ما يتأذى به المؤمن، وإن قلّ أذاه يباح له إزالته وإن كان محرمًا فمداواة أسقام الأجسام أولى قاله الكرماني، وقال الحافظ ابن حجر: وكأنه أورده عقب حديث الحجامة وسط الرأس للإشارة إلى جواز حلق الشعر للمحرم لأجل الحجامة عند الحاجة إليها فيستنبط منه جواز حلق الرأس للمحرم عند الحاجة انتهى. (قال أيوب) السختياني (لا أدري بأيتهن بدأ).

17 - باب مَنِ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَهُ، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ
(باب من اكتوى) لنفسه (أو كوى غيره وفضل من لم يكتو).
5704 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ
أَدْوِيَتِكُمْ شِفَاءٌ فَفِى شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن سليمان بن) عبد الله بن حنظلة (الغسيل) الأنصاري المدني قال: (حدّثنا عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأوسي الأنصاري المدني (قال: سمعت جابرًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن كان في شيء من أدويتكم شفاء) من الداء (ففي شرطة محجم) بكسر الميم وفتح الجيم بينهما مهملة ساكنة (أو لذعة) بالمعجمة ثم المهملة كية (بنار وما أحب أن أكتوي) وهل اكتوى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال الحافظ ابن حجر: لم أر في أثر صحيح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتوى إلا أن القرطبي نسب إلى كتاب أدب النفوس للطبري أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتوى وذكره الحليمي بلفظ: روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتوى للجرح الذي أصابه بأُحُد. قال الحافظ: الثابت في الصحيح كما سبق في غزوة أُحُد أن فاطمة أحرقت حصيرًا فحشت به جرحه، وليس هذا المكي المعهود، وجزم السفاقسي بأنه اكتوى وعكسه ابن القيم في الهدى، وفي حديث عمران بن حصين عند مسلم أنه قال: كان يسلَم عليّ حتى اكتويت فتركت المكي فعاد، وعند مسلم أيضًا أن الذي كان انقطع عني رجع إليّ يعني تسليم الملائكة، وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن عمران نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجعنا والنهي محمول على الكراهة وعلى خلاف الأولى لما تقتضيه الأحاديث السابقة وغيرها أو أنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وهو موضع خطر فنهاه عن كيه فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح وقوله في الترجمة وفضل من لم يكتو أخذه من قوله وما أحب أن أكتوي، وحاصل ما في ذلك أن الفعل يدل على الجواز، وعدمه لا يدل على المنع بل يدل على أن الترك أرجح ولذا أثنى على تاركه والنهي عنه للتنزيه.
5705 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِىُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِى سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هَذَا أُمَّتِى هَذِهِ؟ قِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِى آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ» ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ، وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِى الإِسْلاَمِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ، فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ».
وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة أبو الحسن البصري قال: (حدّثنا ابن فضيل) محمد الضبي قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي (عن عامر) هو ابن شراحيل الشعبي (عن عمران بن حصين) الخزاعي من فضلاء الصحابة (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: لا رقية) بضم الراء وسكون القاف أي لا عوذة (إلاّ من عين) يصيب العائن بها غيره إذا استحسنه عند رؤيته له فتضرر منه ذلك المرئي (أو) من (حمة) بالحاء المهملة وفتح الميم المخففة سم عقرب أو الإبرة التي تضرب بها العقرب أو كل هامة ذات سم من حية أو عقرب وإطلاقه على الإبرة للمجاورة لأن السم يخرج منها وأصلها حمو أو حمي بوزن صرد والهاء فيه عوض من الواو أو الياء المحذوفة، وليس المراد نفي جواز الرقية في غيرهما بل تجوز الرقية بذكر الله تعالى في جميع الأوجاع فالمعنى لا رقية أولى وأنفع منهما كما تقول: لا فتى إلا َّ عليّ ولا سيف إلاّ ذو الفقار. قال حصين بن عبد الرحمن: (فذكرته) أي لا رقية إلى آخره (لسعيد بن جبير فقال: حدّثنا ابن عباس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عرضت) بضم العين مبنيًّا للمفعول (عليّ الأمم) والأمم رفع نائب عن الفاعل وعند الترمذي والنسائي من طريق عبثر

(8/371)


بن القاسم بمهملة فموحدة ثم مثلثة بوزن جعفر في روايته عن حصين بن عبد الرحمن أن ذلك كان ليلة الإسراء وهو محمول على القول بتعدد الإسراء وأنه وقع بالمدينة غير الذي وقع بمكة فعند البزار بسند صحيح قال: أكثرنا الحديث عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم عدنا إليه قال: عرضت عليّ الأنبياء الليلة بأممها (فجعل النبي) بالإفراد (والنبيان) بالتثنية (يمرون معهم الرهط) ما دون العشرة من الرجال أو إلى الأربعين (والنبي) يمر (ليس معه أحد) ممن أخبرهم عن الله لعدم إيمانهم (حتى رفع لي) براء مضمومة وكسر الفاء (سواد عظيم) ضد البياض الشخص يرى من بعد، وفي الرقاق سواد كثير بدل قوله هنا عظيم، وأشار به إلى أن المراد الجنس لا الواحد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حتى وقع لي سواد عظيم بواو وقاف مفتوحتين بدل الراء والفاء والأول هو المحفوظ في جميع طرق هذا الحديث كما قاله في الفتح (قلت: ما هذا) السواد الذي أراه (أمتي هذه قيل هذا) ولأبي ذر عن الكشميهني بل هذا (موسى وقومه قيل انظر إلى الأفق) فنظرت إليه (فإذا سواد يملأ الأفق ثم قيل لي انظر هاهنا وهاهنا في آفاق السماء) فنظرت (فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل هذه أمتك) المؤمنون (ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا بغير حساب).
فإن قلت: قد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال إنه يعرف أمته من بين الأمم بأنهم غرّ محجلون فكيف ظن هنا أنهم أمة موسى. أجيب: بأن الأشخاص التي رآها هنا في الأفق لا يدرك منها إلا الكثرة من غير تمييز لأعيانهم لبعدهم وأما الأخرى فمحمولة على ما إذا قربوا منه كما لا يخفى.
(ثم دخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجرته (ولم يبين لهم) لأصحابه من السبعون ألفًا الداخلون الجنة بغير حساب (فأفاض القوم) في الحديث اندفعوا فيه وناظروا عليه (وقالوا: نحن الذين آمنا بالله) تعالى (واتبعنا رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنحن) معشر الصحابة (هم أو) هم (أولادنا الذين ولدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ) ذلك القول (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج) من حجرته (فقال) الذين يدخلون الجنة
بغير حساب (هم الذين لا يسرقون) مطلقًا ولا يسترقون برقى الجاهلية (ولا يتطيرون) ولا يتشاءمون بالطيور ونحوها كما هو عادتهم قبل الإسلام (ولا يكتوون) يعتقدون أن الشفاء من الكيّ كما كان يعتقد أهل الجاهلية (وعلى ربهم يتوكلون) أي يفوّضون إليه تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب أو يتركون الاسترقاء والطيرة والاكتواء فيكون من باب العام بعد الخاص لأن كل واحد منها صفة خاصة من التوكل وهو أعم من ذلك، وقول بعضهم: لا يستحق اسم التوكل إلاّ من لم يخالط قلبه خوف غير الله حتى لو هجم عليه الأسد لا ينزعج وحتى لا يسعى في طلب الرزق لكون الله ضمنه له رده الجمهور، وقالوا: يحصل التوكل بأن يثق بوعد الله ويوقن بأن قضاءه واقع ولا يترك اتباع السنة في اتباع الرزق مما لا بدّ له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدوّ بإعداد السلاح وإغلاق الباب، لكنه مع ذلك لا يطمئن إلى الأسباب بقلبه بل يعتقد أنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضررًا بل السبب والمسبب فعله والكل بمشيئته لا إله إلا هو، فإذا وقع من المرء ركون إلى السبب قدح في توكله (فقال عكاشة بن محصن): بضم العين المهملة وتشديد الكاف وتخفف ومحصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون وكان من أجمل الرجال وممن شهد بدرًا (أمنهم أنا يا رسول الله) بهمزة الاستفهام الاستخباري وفي رواية الرقاق وغيرها ادع الله أن يجعلني منهم وجمع بينهما بأنه سأل الدعاء أولاً فدعا له ثم استفهم هل أجيب فقال: أمنهم أنا؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) أنت منهم (فقام آخر) قال الخطيب: هو سعد بن عباد (فقال: أمنهم أنا) يا رسول الله؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سبقك بها عكاشة) قال ذلك له حسمًا للمادة لأنه لو قال نعم لأوشك أن يقول ثالث ورابع وهلم جرًّا وليس كل

(8/372)


الناس يصلح لذلك.
وهذا الحديث قد مرّ باختصار في باب وفاة موسى عليه الصلاة والسلام من أحاديث الأنبياء، وأخرجه أيضًا في الرقاق ومسلم في الإيمان والترمذي في الزهد والنسائي في الطب.

18 - باب الإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ، فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
(باب الإثمد) بكسر الهمزة والميم بينهما مثلثة ساكنة آخره دال مهملة حجر يتخذ منه الكحل (والكحل) بضم الكاف (من الرمد) أي بسبب الرمد وهو ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط أو أبخرة تصعد من المعدة إلى الدماغ وعطف الكحل على الإثمد يدل على أنه غيره فهو من عطف العام على الخاص (فيه) أي في الباب حديث مرفوع (عن أم عطية) نسيبة بنت كعب ولفظه: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلاّ على زوج فإنها لا تكتحل) وليس فيه ذكر الإثمد فيحتمل أن يكون ذكره لكون العرب إنما تكتحل غالبًا به، وفي حديث ابن عباس رفعه عند الترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجة وصححه وابن حبان اكتحلوا بالإثمد فإنه مجلو البصر وينبت الشعر.
5706 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّىَ زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَذَكَرُوهَا لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرُوا لَهُ الْكُحْلَ وَأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى عَيْنِهَا فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِى بَيْتِهَا فِى شَرِّ أَحْلاَسِهَا -أَوْ فِى أَحْلاَسِهَا- فِى شَرِّ بَيْتِهَا فَإِذَا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بَعْرَةً، فَلاَ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد بن نافع) بضم الحاء مصغرًا الأنصاري أبو أفلح المدني (عن زينب عن) أمها (أم سلمة -رضي الله عنها- أن امرأة) اسمها عاتكة كما عند الإسماعيلي من طرق كثيرة (توفي زوجها) المغيرة المخزومي كما عند الإسماعيلي القاضي في الأحكام (فاشتكت عينها فذكروها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي العدد جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها الحديث. والمرأة السائلة عاتكة بنت نعيم بن النحام رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة ورواية الإسماعيلي أرجح لكثرة الطرق وحينئذٍ فلم تسم أمها والله تعالى أعلم. (وذكروا له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الكحل وإنه يخُاف على عينها) بضم ياء يخاف (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لقد كانت إحداكن) في الجاهلية (تمكث في بيتها في شر أحلاسها) بفتح الهمزة وسكون الحاء وبالسين المهملتين بينهما لام ألف في شر الثياب التي تلبس (أو) قال: (في أحلاسها في شر بيتها) سنة (فإذا مرّ كلب رمت بعرة) يعني إن مكثها هذه السنة أهون عندها من هذه البعرة ورميها (فلا) تكتحل (أربعة أشهر وعشرًا) أي لا تكتحل حتى يمضي أربعة أشهر وعشرًا ولا لنفي الجنس نحو لا غلام رجل وللكشميهني فهلا أي فهلا تصبر على ترك الاكتحال أربعة أشهر وعشرًا وقد كانت تمكث سنة في شر أحلاسها.
وهذا الحديث قد سبق في باب الاكتحال للحادّة من الطلاق.

19 - باب الْجُذَامِ
(باب الجذام) بضم الجيم وفتح الذال المعجمة، قال في القاموس: الأجذم المقطوع اليد والذاهب الأنامل والجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن فتفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها، وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح.
5707 - وَقَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ». [الحديث 5707 - أطرافه في: 5717، 5757، 5770، 5773، 5775].
(وقال عفان) بن مسلم الصفار شيخ المؤلّف يروى عنه بالواسطة كثيرًا مما وصله أبو نعيم من طريق أبي داود الطيالسي وأبي قتيبة مسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان عنه قال: (حدّثنا سليم بن حيان) بفتح السين المهملة وكسر اللام وحيان بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية
المشددة الهذلي البصري قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر العين وميناء بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون ألف ممدودًا مولى البختري الحجازي مكي أو مدني أبو الوليد (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا عدوى) بالعين المهملة والواو المفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة أي لا سرابة للمرض عن صاحبه إلى غيره نفيًا لما كانت الجاهلية تعتقده في بعض الأدواء أنها تعدي بطبعها وهو خبر أريد به النهي (ولا طيرة) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية من التطير وهو التشاؤم كانوا يتشاءمون بالسوانح والبوارح وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه وأبطله

(8/373)


ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح وحكى أبو زيد تشديدها كانوا يعتقدون أن عظام الميت تنقلب هامة تطير وقيل هي البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم يرى أنها ناعية له نفسه أو بعض أهله وقيل إن روح القتيل الذي لا يؤخذ بثأره تصير هامة فتزقو وتقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طار (ولا صفر) هو تأخير المحرم إلى صفر وهو النسيء وفي سنن أبي داود عن محمد بن راشد أنهم كانوا يتشاءمون بدخول صفر أي لما يتوهمون أن فيه تكثر الدواهي والفتن، وقيل إن في البطن حيّة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها وكانت العرب تراها أعدى من الجرب فنفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك بقوله، ولا صفر، وزاد مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولا تولة وزاد النسائي وابن حبان من حديث جابر ولا غول، فالحاصل ستة وقد كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغوّل لهم تغوّلاً أي تتلون تلوّنًا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فنفى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استطاعة الغول أن تضل أحدًا. وفي حديث: لا غول ولكن السعالى، والسعالى سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، وفي الحديث إذا تغوّلت الغيلان فبادروا بالأذان أي ادفعوا شرها بذكر الله فلم يرد بنفيها عدمها إذ كانت ثم زالت ببعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الطيبي: لا التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات فنفت ذواتها وهي غير منفية فيتوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها التي هي مخالفة للشرع فإن العدوى والصفر والهامة والتولة موجودة فالمنفي ما زعمت الجاهلية إثباته فإن نفي الذات لإرادة نفي الصفات أبلغ لأنه من باب الكناية (وفرّ من المجذوم كما تفر) أي كفرارك (من الأسد) فما مصدرية.
واستشكل مع السابق وأكله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع مجذوم وقال: ثقة بالله وتوكلاً عليه المروي في ... وأجيب: بأن المراد بنفي العدوى أن شيئًا لا يعدي بطبعه نفسًا لما كانت الجاهلية تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله تعالى كما سبق، فأبطل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله تعالى هو الذي يمرض ويشفي ونهاهم عن الدنوّ من المجذوم ليبين أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ففي نهيه إثبات الأسباب وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئًا إن شاء أبقاها فأثرت وعلى هذا جرى أكثر الشافعية، وقيل إن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي
العدوى، فيكون المعنى لا عدوى، إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً قاله القاضي أبو بكر الباقلاني، وقيل: الأمر بالفرار ليس من باب العدوى بل لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد إلى جسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة فليس على طريق العدوى بل بتأثير الرائحة لأنها تسقم مَن واظب اشتمامها ونحو ذلك قاله ابن قتيبة، وهو قريب، وقيل المراد بالفرار رعاية خاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح البدن سليمًا من الآفة التي به عظمت مصيبته وحسرته واشتد أسفه على ما ابتلي به ونسي سائر ما أنعم الله عليه فيكون سببًا لزيادة محنة أخيه المسلم وبلائه وقيل لا عدوى أصلاً رأسًا والأمر بالفرار إنما هو حسم للمادة وسد للذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتجنب ذلك شفقة منه ورحمة، ويأتي مزيدًا لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله.

20 - باب الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (المن شفاء للعين) أي من داء العين والمن بفتح الميم وتشديد النون كل طل بنزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلاً ويجف جفاف الصمغ كالشيرخشت والترنجبين والمعروف بالمن ما وقع على شجر البلوط

(8/374)


معتدل نافع للسعال الرطب والصدر والرئة، وأطلق المؤلّف على المن شفاء لأن الحديث ورد أن الكمأة منه وفيها شفاء فإذا ثبت الوصف للفرع كان ثبوته للأصل أولى.
5708 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ».
قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِىِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حَدَّثَنِى بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير أنه (قال: سمعت عمرو بن حريث) بفتح العين في الأوّل وضم الحاء المهملة وفتح الراء آخره مثلثة مصغرًا في الثاني المخزومي له صحبة (قال: سمعت سعيد بن زيد) أي ابن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المبشرة -رضي الله عنهم- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة وتاء تأنيث قال في القاموس: الكمء نبات معروف وجمعه أكمؤ وكمآت أو هي اسم للجمع أو هي للواحد والكمء للجمع أو هي تكون واحدة وجمعًا وقال غيره نبات لا ورق له ولا ساق توجد في الفلوات من غير أن تزرع وهي
كثيرة بأرض المغرب وتوجد بأرض الشام ومصر وأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء وأنواعها المشهورة ثلاثة، أحدها: ما يضرب لونه إلى الحمرة وهي قتادة، والثاني يضرب إلى البياض وتسمى الفقع بفتح الفاء وكسرها وتسمى شحمة الأرض، والثالث إلى الغبرة والسواد وهي التي تؤكل وهي بأنواعها باردة رطبة في الدرجة الثانية تؤكل نيئة ومطبوخة باللحوم والأودهان والأفاوية ولما كانت الكمأة من النبات توجد عفوًّا من غير علاج ولا بذر قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الكمأة من المن) أي الذي امتن الله به على عباده من غير مشقة وفي مسلم الكمأة من المن الذي أنزل على بني إسرائيل.
واستشكل بأن المنزل عليهم كان الترنجبين الساقط من السماء وهذا ينبت من الأرض وأجيب: باحتمال أن الذي أنزل عليهم كان أنواعًا من الله تعالى عليهم بها من النبات ومن الطير الذي يسقط عليهم من غير اصطياد ومن الطل الساقط على الشجر والمن مصدر بمعنى المفعول أي ممنون به فلما لم يكن لهم فيه شائبة كسب كان منًّا محضًا وإن كانت نعم الله على عباده منًّا منه عليهم فالكمأة فرد من أفراد المن.
(وماؤها شفاء للعين) من دائها أو مخلوطًا بدواء كالكحل والتوتيا وقيل إن كان لتبريد ما في العين من حرارة فماؤها مجرّدًا شفاء وإلاّ فمركبًا، وقال النووي: والصحيح بل الصواب أن ماءها مجرّدًا شفاء للعين مطلقًا وقد جربت أنا وغيري في زماننا ممن ذهب بصره فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الكمال الدمشقي صاحب رواية في الحديث وكان استعماله لها اعتقادًا في الحديث وتبركًا به انتهى.
وقيل إن استعمالها يكون بعد شيّها واستقطار مائها لأن النار تلطفه وتنضجه وتذيب فضلاته ورطوباته الرديئة وتبقى المنافع وقيل المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر وهو أوّل مطر ينزل إلى الأرض فتكون إضافة اقتران لا إضافة جزء. قال في زاد المعاد: وهذا أبعد الوجوه وأضعفها، وفي الطب لأبي نعيم عن ابن عباس مرفوعًا: ضحكت الجنة فأخرجت الكمأة، ولأبي ذر عن المستملي: من العين.
(قال شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق (وأخبرني) بالإفراد (الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف (ابن عتيبة) بضم العين مصغرًا أبو محمد الكندي الكوفي (عن الحسن) بفتح الحاء ابن عبد الله (العرني) بضم العين المهملة وفتح الراء بعدها نون الكوفي (عن عمرو بن حريث) القرشي المخزومي الصحابي الصغير المذكور (عن سعيد بن زيد) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال شعبة) بن الحجاج (لما) بالتشديد (حدّثني) بالإفراد (به) بالحديث السابق (الحكم) بن عتيبة (لم أنكره من حديث عبد الملك) بن عمير قال الحافظ ابن حجر: كأنه أراد أن عبد الملك كبر وتغير حفظه فلما حدّث به شعبة توقف فيه فلما تابعه الحكم بروايته ثبت عند شعبة فلم ينكره وانتفى عنه التوقف فيه.

21 - باب اللَّدُودِ
(باب اللدود) بفتح اللام وبدالين مهملتين الأولى مضمومة

(8/375)


بينهما واو ما يصب من الدواء من أحد جانبي فم المريض.
5709 - 5710 - 5711 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - قَبَّلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ مَيِّتٌ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (موسى بن أبي عائشة) الكوفي (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم عين الأوّل ابن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس وعائشة) -رضي الله عنهم- (أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- قبّل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ميت) بعد أن كشف وجهه وأكب عليه.
5712 - قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَدَدْنَاهُ فِى مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لاَ تَلُدُّونِى فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِى»؟ قُلْنَا كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «لاَ يَبْقَى فِى الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلاَّ لُدَّ» وَأَنَا أَنْظُرُ إِلاَّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
(قال) عبيد الله: (وقالت عائشة: لددناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعلنا الدواء في جانب فمه بغير اختياره (في مرضه) الذي مات فيه (فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا): هذا الامتناع (كراهية المريض للدواء) فكراهية رفع خبر مبتدأ محذوف ولأبي ذر كراهية بالنصب مفعولاً له أي نهانا لكراهية الدواء ويجوز أن يكون مصدر أي كرهه كراهية الدواء (فلما أفاق) عليه الصلاة والسلام (قال):
(ألم أنهكم أن تلدوني؟ قلنا: كراهية المريض للدواء. فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا يبقى في البيت أحد) ممن تعاطى ذلك وغيره (إلا لدّ) تأديبًا لهم لئلا يعودوا وتأديب الذين لم يباشروا ذلك لكونهم لم ينهوا الذين فعلوا بعد نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلدوه (وأنا أنظر إلاّ العباس) عمه (فإنه لم يشهدكم) حالة اللدود وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لدائه لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك.
والحديث قد مرّ في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووفاته.
5713 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ: «عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلاَدَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ؟ عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ». فَسَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنَا اثْنَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ
لَنَا خَمْسَةً، قُلْتُ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ مَعْمَرًا يَقُولُ: أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ قَالَ: لَمْ يَحْفَظْ إِنَّمَا قَالَ: أَعْلَقْتُ عَنْهُ حَفِظْتُهُ مِنْ فِى الزُّهْرِىِّ وَوَصَفَ سُفْيَانُ الْغُلاَمَ يُحَنَّكُ بِالإِصْبَعِ وَأَدْخَلَ سُفْيَانُ فِى حَنَكِهِ إِنَّمَا يَعْنِى رَفْعَ حَنَكِهِ بِإِصْبَعِهِ وَلَمْ يَقُلْ أَعْلِقُوا عَنْهُ شَيْئًا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة وثبت ابن عبد الله لأبي ذر (عن أم قيس) بنت محصن الأسدية أنها (قالت: دخل بابن لي) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أعلقت) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وسكون القاف من الأعلاق (عليه) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني عنه (من العذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وجع الحلق من هيجان الدم وهو سقوط اللهاة وقيل: غير ذلك كما مرّ، والعلاق هو أن تؤخذ خرقة فتفتل فتلاً شديدًا وتدخل في أنف الصبي ويطعن ذلك الموضع فينفجر منه دم أسود ويدخل الأصبع في حلقه ويرفع ذلك الوضع ويكبس (فقال) صلوات الله وسلامه عليه:
(على ما) بإثبات ألف ما الاستفهامية المجرورة وهو قليل ولأبي ذر علام بإسقاطها أي لأي شيء (تدغرن أولادكن) خطاب للنسوة بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال المهملة وفتح الغين المعجمة وسكون الراء ترفعن بأصابعكن فتؤلمن الأولاد (بهذا العلاق) بكسر العين المهملة وضبطه في التنقيح بفتحها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بهذا الأعلاق بهمزة مكسورة (عليكن بهذا العود الهندي) وهو الكست السابق قريبًا (فإن فيه سبعة أشفية) أي أدوية (منها ذات الجنب يسعط) بضم أوله وفتح العين به (من العذرة ويلد) به (من ذات الجنب) قال سفيان: (فسمعت الزهري يقول: بيّن لنا) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اثنين) اللدود والسعوط (ولم يبين لنا خمسة) من السبعة وقد سبق من كلام الأطباء ما يؤخذ منه الخمسة الباقية قال عليّ بن المديني: (قلت) لسفيان: (فإن معمرًا) أي ابن رشد (يقول: أعلقت عليه؟ قال) سفيان: (لم يحفظ) أعلقت عليه (إنما قال: أعلقت عنه حفظته من في الزهري) أي من فمه (ووصف سفيان الغلام يحنك) بفتح النون مشددة (بالأصبع وأدخل سفيان في حنكه إنما يعني رفع) بفتح الراء وسكون الفاء (حنكه بإصبعه) لا تعليق شيء فيه (ولم يقل: اعلقوا) بكسر اللام (عنه شيئًا).

22 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
5714 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ قَالَ الزُّهْرِىُّ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِى أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِى فَأَذِنَّ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ
رِجْلاَهُ فِى الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَآخَرَ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ عَلِىٌّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهَا وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ «هَرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّى أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ». قَالَتْ: فَأَجْلَسْنَاهُ فِى مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ قَالَتْ: وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين بينهما ابن راشد (يونس) بن يزيد الأيلي

(8/376)


قالا: (قال الزهري) محمد بن مسلم (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: لما ثقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في مرض موته (واشتدّ به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرّض في بيتي) بضم التحتية وفتح الميم والراء المشددة من التمريض وهو تعاهد المريض (فأذن له) أزواجه في ذلك (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين رجلين تخط رجلاه في الأرض) من الوجع (بين عباس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمه (و) رجل (آخر) قال عبيد الله: (فأخبرت ابن عباس) يقول عائشة: (فقال: هل تدري من الرجل الآخر)؟ الذي لم تسم عائشة قال عبيد الله: (قلت: لا. قال) ابن عباس: (هو عليّ) وإنما لم تذكره عائشة لأنه لم يكن ملازمًا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الحالة من أولها إلى آخرها، ففي بعض الروايات كما مرّ ذكر أسامة أو الفضل بن العباس وثوبان وبريدة فتعدد من اتكأ عليه بتعدد خروجه (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدما دخل بيتها واشتد به وجعه):
(هريقوا) بهاء مفتوحة صبوا (عليّ) ماء (من سبع قرب لم تحلل) بضم المثناة الفوقية وسكون الحاء المهملة وفتح اللام الأولى (أوكيتهن) جمع وكاء الخيط الذي تربط به القربة وقد ذكر في حكمة السبع أن له خاصية في دفع ضرر السم وقد ورد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم يريد سم الشاة التي أكل منها بخيبر (لعليّ أعهد إلى الناس) أي أوصى في (قالت) عائشة (فأجلسناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في مخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين يعني إجانة (لحفصة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم طفقنا) بكسر الفاء جعلنا (نصبّ عليه) الماء (من تلك القرب) السبع (حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتن) بنون النسوة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فعدم بالميم بدل النون وكلاهما صحيح باعتبار الأنفس والأشخاص أو على التغليب (قالت) عائشة: (وخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى الناس) المسجد (فصلّى لهم وخطبهم) وفي نسخة فصلّى بهم وخطبهم فقال: كما عند الدارمي أن عبدًا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة فلم يفطن لها غير أبي بكر فذرفت عيناه. الحديث. ومرّ في الوفاة والغرض منه هنا كما في الفتح قوله: هريقوا عليّ من سبع قُرب لم تحلل أوكيتهن.

23 - باب العُذرَةِ
(باب العذرة) وهي كما مرّ بضم المهملة وسكون المعجمة وجع الحلق ويسمى سقوط اللهاة بفتح اللام اللحمة التي في أقصى الحلق والمراد وجعها سمي باسمها أو هو موضع قريب من اللهاة.
5715 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّةَ أَسَدَ خُزَيْمَةَ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللاَّتِى بَايَعْنَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْىَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنٍ لَهَا قَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلاَدَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ؟ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ».
يُرِيدُ الْكُسْتَ وَهْوَ الْعُودُ الْهِنْدِىُّ.
وَقَالَ يُونُسُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ "عَلَّقَتْ عَلَيْهِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن أم قيس بن محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين (الأسدية أسد خزيمة وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أخت عكاشة) بن محصن (أخبرته أنها أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بابن لها قد) وللكشميهني وقد بالواو (أعلقت عليه من العذرة) عالجته من وجع حلقه برفع حنكه بإصبعها (فقال) لها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(على ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر والأصيلي علام بحذفها لأبي شيء (تدغرن) بالدال المهملة والغين المعجمة خطاب للنسوة لم تغمزن حلوق (أولادكن بهذا العلاق) بكسر العين وفتحها المؤلم لهم (عليكم) ولأبي ذر عن الكشميهني عليكن بالنون بدل الميم وهما باعتبار الأشخاص والأنفس كما مرّ مثله قريبًا (بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية) أدوية (منها ذات الجنب) الألم العارض فيه من رياح غليظة مؤذية بين الصفاقات (يريد) عليه الصلاة والسلام بالعود الهندي (الكست) بالكاف المضمومة وسكون السين المهملة (وهو العود الهندي. وقال يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله مسلم (وإسحاق بن راشد) الجزري فيما يأتي إن شاء الله تعالى في باب ذات الجنب (عن الزهري علقت)

(8/377)


بتشديد اللام من غير همز (عليه) والصواب أعلقت بالهمز والاسم العلاق. قال القاضي عياض: وقع في البخاري علقت وأعلقت والعلاق والأعلاق في أخرى والكل بمعنى جاءت به الرواية لكن أهل اللغة إنما يذكرون أعلقت والأعلاق رباعي.

24 - باب دَوَاءِ الْمَبْطُونِ
(باب دواء المبطون) الذي يشتكي بطنه من الإسهال المفرط.
5716 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ أَخِى اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» فَسَقَاهُ فَقَالَ: إِنِّى سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلاَّ اسْتِطْلاَقًا. فَقَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ» ..
تَابَعَهُ النَّضْرُ عَنْ شُعْبَةَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالشين المعجمة المشددة بعد الموحدة المعروف ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة الأكمه المفسر (عن أبي المتوكل) عليّ بن داود الناجي بالنون والجيم (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) أي أعرف اسمه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن أخي استطلق بطنه) بفتح التاء الفوقية واللام وبطنه رفع وضبطه في الفتح مبنيًّا للمفعول أي تواتر إسهال بطنه (فقال) عليه الصلاة والسلام له:
(اسقه عسلاً) فإنه دواء لدفعه الفضول المجتمعة في نواحي المعدة لما فيه من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من الأخلاط اللزجة المانعة من استقرار الغذاء فيها وللمعدة خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط والعسل أقوى فعلاً في ذلك لا سيما إن مزج بالماء الحار وهذا الرجل كان استطلاق بطنه من هيضة حصلت له من الامتلاء وسوء الهضم (فسقاه) العسل فلم ينجع فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: إني سقيته) العسل (فلم يزده إلاّ استطلاقًا) لجذبه الأخلاط الفاسدة وكونه أقل من كمية تلك الأخلاط فلم يدفعها بالكلية (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صدق الله) حيث قال: {شفاء للناس} [النحل: 69] (وكذب) أي أخطأ (بطن أخيك) حيث لم يحصل له الشفاء بالعسل فبقاء الداء إنما هو لكثرة المادة الفاسدة ولذا أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمعاودة شرب العسل لاستفراغها فلما كرر ذلك برأ كما في الرواية الأخرى أنه سقاه الثانية والثالثة وعند أحمد فقال في الرابعة اسقه عسلاً قال: فأظنه قال فسقاه فبرأ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: في الرابعة: (صدق الله وكذب بطن أخيك).
والحديث أورده المؤلّف هنا مختصرًا ففيه حذف كما لا يخفى.
(تابعه) أي تابع محمد بن جعفر (النضر) بالنون والضاد المعجمة ابن شميل في روايته (عن شعبة) بن الحجاج فيما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده.

25 - باب لاَ صَفَرَ وَهْوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ
هذا (باب) بالتنوين (لا صفر) بالتحريك (وهو داء يأخذ البطن) زاد في القاموس يصفر الوجه.
5717 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ». فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ إِبِلِى تَكُونُ فِى الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَأْتِى الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ»؟
رَوَاهُ الزُّهْرِىُّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسِنَانِ بْنِ أَبِى سِنَانٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (وغيره أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا عدوى) نفي لما كانوا يعتقدونه من سراية المرض من صاحبه إلى غيره (ولا صفر) نفي لما يعتقدونه من أنه داء بالباطن يعدي أو حية في البطن تصيب الماشية والناس وهي تعدي أعدى من الجرب، ورجح المؤلّف هذا القول لاقترانه في الحديث بالعدوى أو المراد الشهر المعروف كانوا يتشاءمون بدخوله أو هو داء في البطن من الجوع أو من اجتماع الماء الذي يكون منه الاستسقاء (ولا هامة) بتخفيف الميم طائر وقيل هو البومة قالوا إذا سقطت على دار أحدهم وقعت فيها مصيبة وقيل غير ذلك مما مرّ (فقال أعرابي): لم يسم (يا رسول الله فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء) في النشاط والقوّة والسلامة من الداء والظباء بكسر الظاء المعجمة مهموز ممدود وفي الرمل خبر كان وكأنها الظباء حال من الضمير المستتر في الخبر وهو تتميم لمعنى النقاوة وذلك لأنها إذا كانت في التراب ربما يلصق بها شيء منه (فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها) بضم الياء وكسر الراء (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رادًّا عليه ما يعتقده من

(8/378)


العدوى (فمن أعدى الأول) وهذا جواب في غاية البلاغة والرشاقة أي من أين جاء الجرب للذي أعدى بزعمهم فإن أجابوا من بعير آخر لزم التسلسل أو بسبب آخر فليفصحوا به فإن أجابوا بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعى وهو أن الذي فعل جميع ذلك هو القادر الخالق لا إله غيره ولا مؤثر سواه. (رواه) أي الحديث المذكور (الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة وسنان بن أبي سنان) يزيد بن أمية كلاهما عن أبي هريرة وسيأتي رواية كل منهما إن شاء الله تعالى في باب: لا عدوى بعون الله وقوته.

26 - باب ذَاتِ الْجَنْبِ
هذا (باب) ذكر دواء داء (ذات الجنب) الحادث في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الصفاتات والمضل الذي في الصدور والأضلاع.
5718 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللاَّتِى بَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْىَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنٍ لَهَا قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ عَلَى مَا تَدْغَرُونَ أَوْلاَدَكُمْ بِهَذِهِ الأَعْلاَقِ؟ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ». يُرِيدُ الْكُسْتَ يَعْنِى الْقُسْطَ قَالَ: وَهْىَ لُغَةٌ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي النيسابوري الحافظ، وقال الكرماني: هو محمد بن سلام وجزم بالأول الحافظ ابن حجر قال: (أخبرنا عتاب بن بشير) بفتح العين المهملة والفوقية المشددة وبعد الألف موحدة وبشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة الجزري (عن إسحاق) بن راشد الجزري (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن أم قيس بنت محصن) الأسدية ويقال: إن اسمها آمنة (وكانت من المهاجرات الأول اللاتي) وفي نسخة التي (بايعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أخت عكاشة بن محصن أخبرته أنها أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بابن لها وقد علقت) بتشديد اللام من غير همز ولأبي ذر: أعلقت (عليه من العذرة) أي رفعت حنكه بإصبعها ففجرت الدم والهمزة في أعلقت للإزالة أي أزالت الآفة عنه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(اتقوا الله على ما) بالألف بعد الميم (تدغرون أولادكم) بفتح التاء والغين وبعد الراء واو وأولادكم بميم بعد الكاف خطاب لجمع المذكور وللحموي والمستملي علام بغير ألف تدغرن بسكون الراء من غير واو أولادكن بنون مثقلة بدل الميم خطاب لجمع المؤنث أي تغمزن بإصبعكن حلق أولادكن (بهذه الأعلاق) بفتح الهمزة. قال ابن الأثير: والصواب الكسر مصدر أعلقت (عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية) من سبعة أدواء (منها داء ذات الجنب) أي صاحبة الجنب ومعناه باليونانية ورم الجنب وهو من الأمراض الخطرة لأنه يحدث بين القلب والكبد وهو من سيئ الأسقام وينقسم قسمين حقيقي وغير حقيقي فالأول ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع ويعرض منه خمسة أشياء الحمى والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المنشاري، والثاني ألم يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا قريبًا من ذات الجنب الحقيقي والعلاج المذكور في هذا الحديث إنما هو لهذا القسم الثاني لأن العود الهندي هو الذي يداوى به الريح الغليظ. قال المسيحي: العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة قال: ويجوز أن
ينفع من ذات الجنب الحقيقي إذا كانت ناشئة عن مادة بلغمية ولا سيما في وقت انحطاط العلة وخص ذات الجنب بالذكر دون البواقي لأنه أصعبها لأنه قلّما يسلم منه مَن ابتلي به (يريد) بالعود الهندي (الكست) بالكاف المضمومة والمهملة الساكنة بعدها فوقية (يعني القسط قال) الزهري (وهي لغة) في القسط بالقاف وفيه لغة ثانية كسد وكسط بالدال والطاء المهملتين.
وهذا الحديث قد مضى قريبًا في باب اللدود.
5719 - 5720 - 5721 - حَدَّثَنَا عَارِمٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَيُّوبَ مِنْ كُتُبِ أَبِى قِلاَبَةَ مِنْهُ مَا حَدَّثَ بِهِ وَمِنْهُ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ وَكَانَ هَذَا فِى الْكِتَابِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَأَنَسَ بْنَ النَّضْرِ كَوَيَاهُ وَكَوَاهُ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنَ الْحُمَةِ وَالأُذُنِ.
قَالَ أَنَسٌ: كُوِيتُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَىٌّ وَشَهِدَنِى أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِى. [الحديث 5719 - طرفه في: 5721].
وبه قال: (حدّثنا عارم) بالعين والراء المهملتين بينهما ألف أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (قال: قرئ) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (على أيوب) السختياني (من كتب أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي بالجيم (منه) من المقروء (ما حدث به) أيوب عن أبي قلابة (ومنه ما قرئ عليه وكان) بالواو ولأبي ذر بالفاء (هذا

(8/379)


في الكتاب) المنسوب لأبي قلابة (عن أنس) هو ابن مالك، وللكشميهني وكان قرأ الكتاب بدل قوله وكان هذا في الكتاب. قال في الفتح: وهو تصحيف وعند الإسماعيلي بعد قوله في الكتاب غير مسموع. قال الحافظ ابن حجر: ولم أر هذه اللفظة في شيء من نسخ البخاري (أن أبا طلحة) زيد بن سهل زوج والدة أنس أم سليم (وأنس بن النضر) بالنون والضاد المعجمة عم أنس بن مالك بن النضر (كويا أنسًا) من ذات الجنب (وكواه أبو طلحة) زيد (بيده) أسند الفعل لأبي طلحة وابن النضر لرضاهما به ثم أسنده لأبي طلحة لمباشرته له بيده (وقال عباد بن منصور) بفتح العين الموحدة المشددة الناجي بالنون والجيم مما وصله أبو يعلى (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: أذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل بيت من الأنصار) هم آل عمرو بن حزم رواه مسلم (أن يرقوا) بأن يرقوا أي بالرقية فأن مصدرية (من الحمة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم أي من السم (و) من وجع (الأذن) واستشكل هذا مع قوله السابق: لا رقية إلا من عين أو حمة. وأجيب: باحتمال الرخصة بعد المنع أو أنه لا رقية أنفع من رقية العين والجمة ولم يرد نفي الرقي من غيرهما. (قال أنس: كويت) بضم الكاف مبنيًّا للمفعول (من ذات الجنب ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيّ) يريد ولم ينكر عليه (وشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وزيد بن
ثابت وأبو طلحة كواني) وفي هذا إيضاح لقوله إن أبا طلحة وأنس بن النضر كويا، والتصريح بأن الكي كان لذات الجنب وليس لعباد بن منصور في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وهو من كبار التابعين لكنه رمي بالقدر إلا أنه لم يكن داعية.

27 - باب حَرْقِ الْحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ
(باب حرق الحصير ليسدّ به) أي برماده (الدم) أي مجاري الدم أو ضمن يسد معنى يقطع وهو الوجه، وقال القاضي عياض والسفاقسي: الصواب إحراق يعني بالهمزة لأن الفعل أحرقته لا حرقته. وأجيب (1).
5722 - حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: لَمَّا كُسِرَتْ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْضَةُ وَأُدْمِىَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَكَانَ عَلِىٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِى الْمِجَنِّ وَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَقَأَ الدَّمُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء مصغرًا البصري اسم أبيه كثير ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاريّ) بتشديد التحتية من غير همز (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي) رضي الله تعالى عنه أنه (قال: لما كسرت على رأس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيضة) وهي قلنسوة من حديد (وأدمي وجهه) الشريف (وكسرت رباعيته) بفتح الراء وتخفيف الموحدة السن التي بين الثنيتين (وكان عليّ) -رضي الله عنه- (يختلف بالماء) أي يذهب ويجيء به (في المجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون الترس (وجاءت فاطمة) الزهراء -رضي الله عنها- (تغسل عن وجهه) الشريف (الدم) ليجمد ببرد الماء (فلما رأت فاطمة عليها السلام الدم يزيد على الماء كثرة عمدت) بفتح الميم (إلى حصير فأحرقتها) أي قطعة منها (وألصقتها على جرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرقأ الدم) بفاء وراء وقاف مفتوحات فهمزة أي فانقطع لأن الرماد من شأنه القبض لما فيه من التجفيف.
والحديث قد سبق في غزوة أُحُد في باب ما أصاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجراح يوم أُحُد.

28 - باب الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ
هذا (باب) بالتنوين (الحمى من فيح جهنم) من سطوع حرّ جهنم وفورانها حقيقة أرسلت إلى الدنيا نذيرًا للجاحدين وبشيرًا للمقرين لأنها كفارة لذنوبهم أو من باب التشبيه شبه اشتعال حرارة الطبيعة في كونها مذيبة للبدن ومعذبة له بنار جهنم ففيه تنبيه للنفوس على شدة حرّ جهنم أعاذنا
الله منها ومن سائر المكاره بمنه وكرمه آمين والأول أولى. قال الطيبي: من ليست بيانية حتى يكون تشبيهًا كقوله: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187] فهي إما ابتدائية لم الحمى نشأت وحصلت من فيح جهنم أو تبعيضية أي بعض منها. قال: ويدل على هذا التأويل ما في الصحيح: اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضًا
_________
(1) بياض بالأصل.

(8/380)


فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف وكما أن حرارة الصيف أثّر من فيحها كذلك الحمى، والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن وهي قسمان: عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القبض الشديد ونحوها، ومرضية وهي ثلاثة أنواع وتكون عن مادة، ثم منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تقلع غالبًا في يوم ونهايتها إلى ثلاث وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهي أخطرها لأن كانت تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهي بعدد الأخلاط الأربعة وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب.
5723 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ». قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس (عن نافع عن ابن عمر) عبد الله (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): مرشدًا لأهل الحجاز ومن والاهم ومن به الحمى الصفراوية أو العرضية.
(الحمى من فيح جهنم) بفتح الفاء وسكون التحتية بعدها حاء مهملة (فأطفئوها) بقطع الهمزة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة أمر بإطفاء حرارتها (بالماء) شربًا وغسل الأطراف. زاد أبو هريرة في حديثه عند ابن ماجة البارد. وفي حديث ابن عباس عند الإمام أحمد بماء زمزم، ولفظ البخاري الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو بماء زمزم شك همام وتمسك به من قال: إن ذكر ماء زمزم ليس قيد الشك راويه فيه وتعقب بأن أحمد رواه عن عفان عن همام بغير شك وأجيب على تقدير عدم الشك بأن الخطاب لأهل مكة خاصة لتيسر ماء زمزم عندهم وبأن الخطاب بمطلق الماء لغيرهم.
وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي في الطب.
(قال نافع): مولى ابن عمر بالإسناد السابق (وكان عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (يقول) في الحمى: اللهم (اكشف عنا الرجز) أي العذاب، واستشكل طلبه كشفها مع ما فيها من الثواب. وأجيب: بأن طلبه ذلك لمشروعية الدعاء بالعافية إذ إنه سبحانه وتعالى قادر على
تكفير سيئات عبده وتعظيم ثوابه من غير سبب شيء يشق عليه.
5724 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتِ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام) هو ابن عروة (عن) ابنة عمه وزوجته (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (أن أسماء بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- كانت إذا أتيت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بالمرأة قد حمّت) بضم الحاء وفتح الميم المشددة حال كونها (تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها) بين المحمومة (وبين جيبها) بفتح الجيم وكسر الموحدة بينهما تحتية ساكنة وهو ما يكون مفرجًا من الثوب كالطوق والكم (قالت) أسماء: (وكان) ولأبي ذر: وقالت كان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرنا أن نبردها بالماء) بفتح النون وضم الراء بينهما موحدة ساكنة ولأبي ذر كما في الفتح أن نبردها بضم ففتح فكسر مع تشديد وفيه كيفية التبريد المطلق في الحديث السابق والصحابيّ، ولا سيما أسماء بنت أبي بكر التي كانت ممن يلزم بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلم بمراده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غيره، ولعل هذا هو الحكمة في سياق المؤلّف حديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، فللَّه دره ما أدق نظره وأبدع ترتيبه -رحمه الله- وإيانا؛ وقد تبين أن المراد استعمال الماء على وجه مخصوص لا اغتسال جميع البدن وحينئذ فلم يبق للمعترض بأن المحموم إذا انغمس في الماء أصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه وربما أحدثت له مرضًا مهلكًا إلاّ مرض البدعة.
وأما حديث ثوبان رفعه: "إذا أصاب أحدكم الحمى وهي قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل: بسم الله اللهمّ اشفِ عبدك وصدّق رسولك بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ فخمس وإلاّ فسبع وإلاّ فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعًا بإذن الله تعالى".

(8/381)


فقال الترمذي: غريب. وقال الحافظ ابن حجر: في سنده سعيد بن زرعة مختلف فيه انتهى. وعلى تقدير ثبوته فهو شيء خارج عن قواعد الطب داخل في قسم المعجزات الخارقة للعادة، ألا ترى كيف قال فيه صدق رسولك وبإذن الله وقد شوهد وجرب فوجد كما نطق به الصادق المصدوق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله في شرح المشكاة، ويحتمل أن يكون لبعض الحميات دون بعض.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة في الطب.
5725 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد؛ ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام) قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الحمّى من فيح جهنم) سطوعها وفورانها من جهنم حقيقة أو أخرجه مخرج التمثيل والتشبيه أي كأنها نار جهنم في حرها (فأبردوها) بهمزة وصل وسكون الموحدة وضم الراء على المشهور، وحكي كسرها يقال بردت لحمى أبردها بردًّا بوزن قتلها اقتلها قتلاً أي اسكنوا حرها (بالماء).
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
5726 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْحُمَّى مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي الكوفي قال: (حدّثنا سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح العين والموحدة المخففة ورفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء (عن جدّه رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وتسكين التحتية بعدها جيم الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الحمى من فوح) بالواو الساكنة بعد الفاء المفتوحة آخره حاء مهملة ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني من فيح (جهنم) بالياء بدل الواو وهما بمعنى كالفور بالراء بعد الواو (فأبردوها بالماء) بهمزة الوصل وضم الراء، وحكى القاضي عياض قطع الهمزة وكسر الراء في لغة. قال الجوهري: هي لغة رديئة.
وهذا الحديث قد سبق في صفة النار أعاذنا الله منها وأماتنا على الإسلام بمنّه وكرمه آمين.

29 - باب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لاَ تُلاَيِمُهُ
(باب من خرج من أرض لا تلائمه) أي لا توافقه.
5727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا أَوْ رِجَالاً مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ وَقَالُوا: يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِىَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِى آثَارِهِمْ وَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِى نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أبو يحيى الباهلي مولاهم النرسي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة ولأبي ذر عن قتادة (أن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (حدّثهم أن ناسًا أو رجالاً) بالشك من الراوي (من عكل) بضم العين وسكون الكاف (وعرينة) بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها نون قبيلتان (قدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في سنة ست (وتكلموا بالإسلام وقالوا): ولأبي ذر فقالوا (يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع) أي أهل مواشٍ (ولم نكن أهل ريف) بكسر الراء أي أهل أرض فيها زرع (واستوخموا المدينة) يقال بلدة وخمة إذا لم توافق ساكنها (فأمر لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذود) ما بين الثلاثة إلى العشرة وعند ابن سعد أن عدد لقاحه عليه الصلاة والسلام خمس عشرة (وبراع وأمرهم أن يخرجوا فيه) في الذود (فيشربوا من ألبانها) ألبان الإبل (وأبوالها) للتداوي أو كان قبل تحريم استعمال النجس فليس فيه دليل على إباحة استعماله في حال الضرورة (فانطلقوا حتى كانوا ناحية الحرة) أرض ذات حجارة سود ظاهر المدينة (كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا النوبي فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات (واستاقوا الذود فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك (فبعث) عليه الصلاة والسلام (الطلب في آثارهم) وكان المبعوثون عشرين وأميرهم كرز بن جابر فأدركوا هؤلاء القوم فأخذوا (وأمر بهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فسمروا) أي كحلوا (أعينهم) بالمسامير المحماة (وقطعوا أيديهم) زاد في الطهارة

(8/382)


وغيرها وأرجلهم (وتركوا) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم) زاد في الطهارة يستسقون فلا يسقون وذلك لارتدادهم والمرتد لا حرمة له كالكلب العقور.

30 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الطَّاعُونِ
(باب ما يذكر في) أمر (الطاعون) بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالاًّ على الموت العام كالوباء وفي تهذيب النووي هو بثر وورم موّلم جدًّا يخرج مع لهب وشمودّ ما حوله أو يخضر أو يحمرّ حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقيء ويخرج غالبًا في المراق والآباط وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد.
وقال ابن سينا: وسببه دم رديء يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويؤدّي إلى القلب كيفية رديئة فتحدث القيء والغثيان والغشى ولرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع والطوالعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبيئة، ومن ثم أطلق على الطاعون وباء وبالعكس والوباء فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده انتهى.
وحاصل هذا أنه ورم ينشأ عن هجيان الدم وانصباب الدم إلى عضو فيفسده وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء يسمى طاعونًا بطريق المجاز لاشتراكهما في عموم المرض به وهذا لا يعارض حديث الطاعون وخز أعدائكم من الجن إذ يجوز أن ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها، وإنما لم تتعرض الأطباء لكونه من
طعن الجن لأنه أمر لا يدرك بالعقل وإنما عرف من جهة الشارع فتكلموا في ذلك بما اقتضته قواعدهم، لكن في وقوع الطاعون في أعدل الفصول وأصح البلاد هواء وأطيبها ماء دلالة على أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى والطاعون يذهب أحيانًا ويجيء أحيانًا على غير قياس ولا تجربة وربما جاء سنة على سنة وربما أبطأ سنين وأيضًا لو كان من فساد الهواء لعمّ الناس والحيوان وربما يصيب الكثير من الناس ولا يصيب من هو بجانبهم ممن هو في مثل مزاجهم وربما يصيب بعض أهل البيت الواحد ويسلم منه الآخرون منهم، وأما ما يذكر من أنه وخز إخوانكم من الجن فقال ابن حجر: إنه لم يجده في شيء من طرق الحديث المسندة لا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة بعد التتبّع الطويل البالغ، وعزاه في آكام المرجان لمسند أحمد والطبراني وكتاب الطواعين لابن أبي الدنيا ولا وجود له في واحد منها.
فإن قلت: فإذا كان الطعن من الجن فكيف يقع في رمضان والشياطين تصفد فيه وتسلسل؟ وأجيب: باحتمال أنهم يطعنون قبل دخول رمضان ولم يظهر التأثير إلا بعد دخوله وقيل غير ذلك.
5728 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِى حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا». فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا وَلاَ يُنْكِرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي أبو عمر الحوضي قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (حبيب بن أبي ثابت) قيس ويقال: هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي (قال: سمعت إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (قال: سمعت أسامة بن زيد) هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي (يحدّث سعدًا) والد إبراهيم المذكور (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا سمعتم بالطاعون) وقع (بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) قال حبيب بن أبي ثابت (فقلت) لإبراهيم بن سعد (أنت سمعته) أي سمعت أسامة (يحدث سعدًا) أباك (ولا ينكره) أبوك (قال: نعم) سمعته يحدّثه وسعد لا ينكره، وسقط قال نعم للحموي والمستملي.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب.
5729 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِى الأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِى النَّاسِ إِنِّى مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ. نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِى فِى هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ. [الحديث 5779 - طرفاه في: 5730، 6973].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب) بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي المدني عامل الكوفة لعمر بن عبد العزيز (عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل)

(8/383)


أبي يحيى الهاشمي المدني الملقب ببة بموحدتين الثانية مشددة ومعناه الممتلئ البدن من النعمة (عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج إلى الشام) في ربع الآخر سنة ثماني عشرة كما في الفتوح لسيف بن عمر يتفقد فيها أحوال الرعية وكان الطاعون المسمى بطاعون عمواس بفتح العين المهملة والميم بعدها سين مهملة وسمي به لأنه عمّ وأسى ووقع بها أولاً في المحرم وفي صفر ثم ارتفع فكتبوا إلى عمر فخرج (حتى إذا كان بسرغ) بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها غين معجمة قرية بوادي تبوك قريبة من الشام يجوز فيها الصرف وعدمه وقيل هي مدينة افتتحها أبو عبيدة وهي واليرموك والجابية متصلات وبينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة (لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة) عامر بن عبد الله وقيل عبد الله بن عامر (بن الجراح) أحد العشرة (وأصحابه) خالد بن الوليد، وزلد بن أبي سفيان، وشرحبيل ابن حسنة، وعمرو بن العاصي، وكان عمر قسّم الشام أجنادًا: الأردن جند، وحمص جند، ودمشق جند، وفلسطين
جند، وقنسرين جند، وجعل على كل جند أميرًا (فأخبروه أن الوباء) أي الطاعون (قد وقع بأرض الشام) وعند سيف أنه أشد ما كان (قال ابن العباس) -رضي الله عنهما- (فقال) لي (عمر) -رضي الله عنه- (ادع لي المهاجرين الأولين) الذين صلوا إلى القبلتين (فدعاهم فاستشارهم) في القدوم أو الرجوع (وأخبرهم أن الوباء) أي الطاعون (قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر ولا نرى أن نرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس) أي بقية الصحابة قالوا ذلك تعظيمًا للصحابة كقوله:
هم القوم كل القوم يا أم خالد
(وأصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عطف تفسيري (ولا نرى أن تقدمهم) بضم الفوقية وسكون القاف وكسر الدال المهملة أي لا نرى أن تجعلهم قادمين (على هذا الوباء) أي الطاعون (فقال) عمر -رضي الله عنه- لهم: (ارتفعوا عني) وفي رواية يونس فأمرهم فخرجوا عنه (ثم قال) عمر لي: (ادع لي الأنصار) قال ابن عباس (فدعوتهم) فحضروا عنده (فاستشارهم) في ذلك (فسلكوا سبيل المهاجرين) فيما قالوا (واختلفوا) في ذلك (كاختلافهم فقال) لهم (ارتفعوا عني، ثم قال) لي (ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش) قال في القاموس: الشيخ والشيخون من استبانت فيه السن، أو من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين. الجمع شيوخ وشيوخ وأشياخ وشيخة وشيخة وشيخان ومشيخة ومشيخة يعني بفتح الميم وكسر المعجمة ومشيوخاء ومشيخاء ومشايخ وتصغيره شييخ وشييخ وشويخ قليلة ولم يعرفها الجوهري (من مهاجرة الفتح) بضم الميم وكسر الجيم الذين هاجروا إلى المدينة عام الفتح أو مسلمة الفتح أو أطلق على من تحوّل إلى المدينة بعد الفتح مهاجرًا صورة وإن كان حكمها بعد الفتح قد انقطع احترازًا عن غيرهم ممن أقام بمكة ولم يهاجر أصلاً. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فدعوتهم) فحضروا عنده (فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا) له: (ترى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوياء فنادى عمر في الناس: إني مصبح) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة مشددة أي مسافر في الصباح راكبًا (على ظهر) أي على ظهر الراحلة راجعًا إلى المدينة (فأصبحوا) راكبين متأهبين للرجوع إليها (عليه) أي على الظهر (قال أبو عبيدة بن الجراح) لعمر -رضي الله عنهما-: (أ) ترجع (فرارًا من قدر الله؟ فقال) له (عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة) لأذبته لاعتراضه عليّ في مسألة اجتهادية اتفق عليها أكثر الناس من أهل الحلّ والعقد أو لكان أولى منك بذلك أو لم أتعجب منه، ولكني أتعجب منك مع علمك وفضلك كيف تقول هذا أو هي للتمني فلا تحتاج لجواب، والمعنى أن غيرك ممن لا فهم له إذا قال ذلك يعذر، وقال الزركشي: قوله لو غيرك قالها هو خلاف الجادّة فإن لو خاصة بالفعل وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره ما بعده كقولهم: لو ذات

(8/384)


سوار لطمتني ومنه هذا. انتهى.
وهذا لفظ ابن هشام في مغنيه، واعترضه الشيخ تقيّ الدين الشمني بأنه لو قال: كقوله
بلفظ الإفراد لكان أولى لأن الذي قاله حاتم الطائي حيث لطمته جارية وهو مأسور في بعض أحياء العرب ثم صار مثلاً، وذات السوار الحرة لأن الإماء عند العرب لا تلبس السوار. انتهى.
وقال في المصابيح: قول الزركشي أن لو خاصة بالفعل لا ينتج له مدعاه من كون التركيب على خلاف الجادّة فإنّا إذا قدرنا ما بعد لو معمولاً لمحذوف كانت لو باقية على اختصاصها بالفعل ثم قال: فإن قلت إن الزركشي عنى خاصة بدخولها على الفعل الملفوظ به لا المقدر. قلت: يرد عليه حينئذ نحو قوله تعالى: {قل لو أنتم تملكون} [الإسراء: 100] إلى غير ذلك (نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله) أطلق عليه فرارًا لشبهه به في الصورة وإن كان ليس فرارًا شرعيًّا والمراد أن هجوم المرء على ما يهلكه منهي عنه ولو فعل لكان من قدر الله وتجنبه مما يؤديه مشروع وقد يقدر الله وقوعه فيما فرّ منه فلو فعله أو تركه لكان من قدر الله (أرأيت) أي أخبرني (لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان) بضم العين وكسرها وسكون الدال المهملتين أي شاطئان وحافتان (إحداهما خصبة) بالخاء المعجمة المفتوحة والصاد المهملة المكسورة بعدها موحدة (والأخرى جدبة) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة (أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله)؟
(قال) ابن عباس -رضي الله عنهما- بالسند السابق (فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبًا في بعض حاجته) لم يشهد معهم المشاورة المذكورة (فقال: إن عندي في هذا) الذي اختلفتم فيه (علمًا. سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إذا سمعتم به) أي بالطاعون (بأرض فلا تقدموا عليه) ليكون أسكن لأنفسكم وأقطع لوساوس الشيطان (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه) لئلا يكون معارضة للقدر فلو خرج لقصد آخر غير الفرار جاز. (قال) ابن عباس (فحمد الله) تعالى (عمر) على موافقة اجتهاده واجتهاد معظم الصحابة حديث رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم انصرف) راجعًا إلى المدينة لأنه أحوط ولرجحانه بكثرة القائلين به مع موافقة اجتهاده للنص المروي عن الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي إسناد هذا الحديث ثلاثة من التابعين في نسق واحد وصحابيان وكلهم مدنيون، وأخرجه مسلم في الطب، وأبو داود في الجنائز، والنسائي في الطب.
5730 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الله بن عامر) أي ابن ربيعة الأصغر ولد في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سنة ست من الهجرة وحفظ عنه وهو صغير وتوفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ابن أربع سنين (أن عمر) - رضي الله عنه- (خرج إلى الشام) لينظر في أحوال رعيته الذين بها (فلما كان بسرغ) بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها غين معجمة بينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة (بلغه أنّ الوباء) أي الطاعون (قد وقع بالشام) فعزم على الرجوع بعد أن اجتهد ووافقه بعض الصحابة ممن معه على ذلك (فأخبره عبد الرحمن بن عوف) وكان متغيبًا في بعض حاجته (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا سمعتم به) أي بالطاعون، ولأبي ذر عن الكشميهني أنه (بأرض فلا تقدموا عليه) لأنه تهوّر وإقدام على خطر (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه) فإنه فرار من القدر ولئلا تضيع المرضى لعدم من يتعهدهم والموتى ممن يجهزهم فالأول تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم، وفي الحديث جواز رجوع من أراد دخول بلد فعلم أن فيها الطاعون وأن ذلك ليس من الطيرة وإنما هو من منع الإلقاء إلى التهلكة، أو سدًّا للذريعة لئلا يعتقد مَن يدخل إلى الأرض التي وقع بها أن لو دخلها وطعن العدوى المنهي عنها، وقد زعم أن النهي عن ذلك إنما هو للتنزيه وأنه لا يجوز الإقدام عليه لمن قوي توكله وصحّ يقينه، ونقل القاضي

(8/385)


عياض وغيره جواز الخروج من الأرض التي بها الطاعون عن جماعة من الصحابة منهم: أبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: الأسود بن هلال، ومسروق. ومنهم من قال للتنزيه فيكره ولا يحرم، وخالفهم جماعة فقالوا: يحرم الخروج منها لظاهر النهي وهو الأرجح عند الشافعية وغيرهم لثبوت الوعيد على ذلك، فعند أحمد من حديث عائشة مرفوعًا بإسناد حسن قلت: يا رسول الله فما الطاعون؟ قال: "غدّة كغدّة البعير المقيم فيها كالشهيد والفارّ منها كالفار من الزحف" وفصل بعضهم في هذه المسألة تفصيلاً جيدًا فقال: من خرج لقصد الفرار محضًا فهذا يتناوله النهي لا محالة، ومن خرج لحاجة متمحضة لا لقصد الفرار أصلاً ويتصوّر ذلك فيمن تهيّأ للرحيل من بلد كان بها إلى بلد إقامته مثلاً ولم يكن الطاعون وقع فاتفق وقوعه في أثناء تجهيزه فهذا لم يقصد الفرار أصلاً، فلا يدخل في النهي، والثالث من عرضت له حاجة فأراد الخروج وانضم لذلك أنه قصد الراحة من الإقامة بالبلد الذي به الطاعون فهذا على النزاع.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
5731 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ الْمَسِيحُ وَلاَ الطَّاعُونُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نعيم) بضم النون وفتح العين مصغرًا ابن عبد الله القرشي المدني (المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة آخره راء كان يجمر المسجد النبوي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يدخل المدينة) طيبة (المسيح) الدجال الأعور (ولا الطاعون) لأن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخولها ومن اتفق دخوله فيها لا يتمكن من طعن أحد منهم، وقد عدّ عدم دخوله المدينة من خصائصها وهو من لوازم دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها بالصحة، وأما جزم ابن قتيبة في المعارف والنووي في الأذكار بأن الطاعون لم يدخل مكة أيضًا فمعارض بما نقله غير واحد بأنه دخل مكة في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، لكن وقع عند عمر بن شبّة في كتاب مكة عن شريح بن فليح عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منهما ملك فلا يدخلهما الدجال ولا الطاعون) ورجاله كما في الفتح رجال الصحيح، وحينئذ فالذي نقل أنه وجد في سنة سبع وأربعين وسبعمائة ليس كما ظن أو يقال إنه لا يدخلهما من الطاعون مثل الذي يقع في غيرهما كالجارف وعمواس، ووقع في أواخر كتاب الفتن من البخاري حيث أنس وفيه: فيجد الملائكة يحرسونها يعني المدينة فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله تعالى، واختلفوا في هذا الاستثناء فقيل للتبرك فيشملهما، وقيل للتعليق وإنه يختص بالطاعون وإن مقتضاه جواز دخول الطاعون المدينة.
وهذا الحديث سبق في الحج.
5732 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَتْنِى حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ قَالَتْ: قَالَ لِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَحْيَى بِمَا مَاتَ قُلْتُ مِنَ الطَّاعُونِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول قال: (حدّثتني) بتاء التأنيث والإفراد (حفصة بنت سيرين) أم الهذيل البصرية الفقيهة مولاة أنس (قالت: قال لي أنس بن مالك -رضي الله عنه-: يحيى) هو ابن سيرين أخو حفصة (بما مات) بألف بعد ميم بما ولأبي ذر والأصيلي بِمَ بحذفها وهي اللغة الشائعة ولمسلم يحيى بن أبي عمرة وهي كنية سيرين والمعنى بأي مرض مات أخوك يحيى؟ (قلت) له مات (من الطاعون، قال) أنس: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
(الطاعون شهادة لكل مسلم) مات به لمشاركته للشهيد فيما كابده من الشدة.
وقد مضى هذا الحديث في الجهاد وأخرجه مسلم في الطب.
5733 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن مالك) الإمام الأعظم (عن
سميّ) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(البطون) الذي يموت بمرض

(8/386)


البطن كالاستسقاء ونحوه (شهيد والمطعون) الذي يموت بالطاعون الذي هو وخز الجن (شهيد) أي يلحقان بالشهيد في بعض ما يناله من الكرامة للمكابدة من شدّة الألم لا في سائر الأحكام والفضائل.
وهذا الحديث مضى في الجهاد مطوّلاً فزاد فيه الغرق وصاحب الهدم والمقتول في سبيل الله.

31 - باب أَجْرِ الصَّابِرِ فِى الطَّاعُونِ
(باب) ذكر (أجر الصابر في الطاعون) ولو لم يصبه.
5734 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَهَا نَبِىُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِى بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ». تَابَعَهُ النَّضْرُ عَنْ دَاوُدَ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري قال: (حدّثنا داود بن أبي الفرات) بضم الفاء وفتح الراء المخففة وبعد الألف فوقية عمرو بفتح العين الكندي المروزي قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا الأسلمي التابعي البصري (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء المروزي قاضيها (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- (أنها أخبرتنا) ولأبي ذر أخبرته (أنها سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الطاعون فأخبرها نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء) من كافر أو عاصٍ كما في قصة آل فرعون وقصة أصحاب موسى مع بلعام، ولأبي ذر عن الكشميهني: على من شاء بلفظ الماضي (فجعله الله رحمة للمؤمنين) من هذه الأمة، وزاد في حديث أبي عسيب عند أحمد ورجس على الكافر وهل يكون الطاعون رحمة وشهادة للعاصي من هذه الأمة أو يختص بالمؤمن الكامل، والمراد بالعاصي مرتكب الكبيرة الذي يهجم عليه الطاعون وهو مصرّ فإنه يحتمل أن لا يلحق بدرجة الشهداء لشؤم ما كان متلبسًا به لقوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الجاثية: 21] وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجة والبيهقي ما يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة ولفظه: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم
الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك وثقه أحمد بن صالح وغيره، وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرًا لكن له شاهد عن ابن عباس في الموطأ بلفظ: ولا فشا الزنا في قوم إلا أكثر فيهم الموت الحديث قال في الفتح: وفيه انقطاع فدلّ هذا وغيره مما روي في معناه أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية فكيف يكون شهادة؟ نعم يحتمل أنه تحصل له درجة الشهادة لعموم الأحاديث في ذلك ولا يلزم المساواة بين الكامل والناقص في المنزلة لأن درجات الشهادة متفاوتة اهـ ملخصًا من الفتح.
(فليس من عبد) مسلم (يقع الطاعون) في مكان هو فيه (فيمكث في بلده) ولا يخرج من البلد التي وقع فيها الطاعون حال كونه (صابرًا) وهو قادر على الخروج غير منزعج ولا قلق بل مسلمًا لأمر الله راضيًا بقضائه حال كونه (يعلم أنه لمن يصيبه إلاّ ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد) فلو مكث قلقًا متندمًا على الإقامة ظانًّا أنه لو خرج لما وقع به أصلاً ورأسًا فهذا لا يحصل له أجر الشهيد ولو مات بالطاعون. قال في الفتح: ويدخل تحته ثلاث صور مَن اتصف بذل فوقع به الطاعون فمات به، أو وقع به ولم يمت به أو لم يقع به أصلاً ومات بغيره عاجلاً أو آجلاً، ومفهوم الحديث أن مَن لم يتصف بالصفات المذكورة لا يكون شهيدًا ولو وقع الطاعون ومات به فضلاً عن أنس يموت بغيره وذلك ينشأ عن شؤم الاعتراض الذي ينشأ عنه التضجر والتسخط لقدر الله وكراهة لقائه والتعبير بالمثلية في قوله مثل أجر الشهيد مع ثبوت التصريح بأن من مات بالطاعون كان شهيدًا يحتمل أن من لم يمت من هؤلاء بالطاعون يكون له مثل أجر الشهيد وإن لم يحصل له درجة الشهادة بعينها، فإن مَن اتصف بكونه شهيدًا أعلى درجة ممن وعد بأنه يعطى مثل أجر الشهيد.
وفي مسند أحمد بسند حسن عن العرباض بن سارية مرفوعاً "تختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين ماتوا بالطاعون فيقول الشهداء قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون على فرشهم

(8/387)


إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا فيقول ربنا تعالى انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم" ورواه النسائي عن عتبة بن عبد مرفوعًا "تأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فتقول أصحاب الطاعون نحن شهداء فيقال انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دمًا كريح المسك فهم شهداء فيجدونهم" كذلك رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به فيه إسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين مقبولة وهذا منها، ويشهد له حديث العرباض قبله وفي ذلك استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة (تابعه) أي تابع حبان بن هلال (النضر) بن شميل في روايته (عن داود) بن أبي الفرات فيما سبق موصولاً في ذكر بني إسرائيل.

32 - باب الرُّقَى بِالْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَاتِ
(باب الرقى) بضم الراء وفتح القاف مقصورًا جمع رقية بسكون القاف أي التعويذ (بالقرآن
والمعوذات) بكسر الواو المشددة الفلق والناس والإخلاص من باب تسمية التغليب أو المراد المعوّذتان وسائر العوذ {قل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} [المؤمنون: 97] أو جمع اعتبارًا بأن أقل الجمع اثنان وإنما اجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة المكروهات جملةً وتفصيلاً من السحر والحسد وشرّ الشيطان ووسوسته وغير ذلك والعطف من عطف الخاص على العام أو المراد بالقرآن بعضه لأنه اسم جنس يصدق على بعضه، أو المراد ما كان فيه التجاء إلى الله تعالى.
5735 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِى الْمَرَضِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا فَسَأَلْتُ الزُّهْرِىَّ كَيْفَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفث) بضم الفاء وكسرها بعدها مثلثة أي ينفخ نفخًا لطيفًا أقل من التفل (على نفسه في المرض الذي مات فيه) كالمرض الذي قبله واستمر ذلك فلم ينسخ (بالمعوّذات) وهذا هو الطب الروحاني وإذا كان على لسان الأبرار حصل به الشفاء. قال القاضي عياض: فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي يمسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر، قالت عائشة: (فلما ثقل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه (كنت أنفث) بفتح الهمزة وكسر الفاء (عليه) وللحموي والمستملي: عنه (بهن) بالمعوّذات (وأمسح) عليه (بيد نفسه لبركتها) وللحموي والمستملي بيده نفسه بهاء الضمير بعد الدال وجر نفسه على البدل، وضبطه في الفتح أيضًا بالنصب على المفعولية. وقال بعضهم: لعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما علم أنه آخر
مرضه وارتحاله عن قريب ترك ذلك قال معمر بالسند السابق (فسألت الزهري كيف ينفث؟ قال: كان ينفث) بكسر الفاء فيهما (على يديه ثم يمسح بهما وجهه) وفيه جواز الرقية لكن بشروط أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره وأن يعتقد أن الرقية غير مؤثرة بنفسها بل بتقدير الله عز وجل، وقال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله عز وجل وبما يعرف من ذكر الله. قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم إذا راقوا بما يعرف من كتاب الله وذكر الله، وفي الموطأ أن أبا بكر قال لليهودية التي كانت ترقي عائشة: ارقيها بكتاب الله وروى ابن وهب عن مالك كراهية الرقية بالحديدة والملح وعقد الخيط والذي يكتب خاتم سليمان وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب.

33 - باب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب الرقى بفاتحة الكتاب. ويذكر) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح الكاف (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه أقرّ الذي رقى بالفاتحة على رقيته فنسبة ذلك إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسبة معنوية لا صريحة فلذلك أورده المؤلّف بصيغة التمريض.
5736 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَوْا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ فَقَالُوا هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا وَلاَ نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ فَقَالُوا: لاَ نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المثقلة بندار قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر: محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر)

(8/388)


بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن أبي المتوكل) علي بن داود الناجي بالنون والجيم الساميّ بالمهملة نسبة لسام بن لؤي (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- أن ناسًا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كانوا في سرية وكانوا ثلاثين رجلاً (أتوا على حي من أحياء العرب) أي يعين فاستقروهم (فلم يقروهم) بفتح التحتية وسكون القاف من غير همز فلم يضيفوهم (فبينما) بالميم، ولأبي ذر: فبينا (هم كذلك إذ لدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة بعدها غين معجمة لسع (سيد أولئك) الحي أي ضربته العقرب بذبنها ولم يسم السيد (فقالوا) للصحابة (هل معكم من دواء) ولأبي ذر معكم دواء (أو راقٍ؟ فقالوا) لهم (إنكم لم تقرونا) أي تضيفونا (ولا نفعل) الرقية (حتى تجعلوا لنا جعلاً) بضم الجيم وسكون العين المهملة أجرًا على ذلك (فجعلوا لهم قطيعًا) طائفة (من الشاء) جمع شاة وكانت ثلاثين رأسًا (فجعل) الراقي وهو أبو سعيد الخدري أبهم نفسه في هذه الرواية (يقرأ بأم القرآن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالقرآن (ويجمع بزاقه) بالزاي في فيه (ويتفل) بكسر الفاء ولأبي ذر بضمها (فبرأ) سيد أولئك (فأتوا) هذا الحي (بالشاء) الثلاثين (فقالوا) أي الصحابة للراقي (لا نأخذه) أي القطيع (حتى نسأل النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكمه. قال في المصابيح: قد يقال إنهم امتنعوا عن الرقية إلا بجعل، فلا يخلوا إما أن يكونوا عالمين بجواز ذلك أو لا فإن كانوا عالمين بالجواز فما وجه وقفهم أخذ الجعل على تعرف حكمه بالسؤال وإن كانوا غير عالمين فكيف قدموا مع أنه لا يجوز الإقدام على فعل شيء حتى يعلم حكم الله فيه، وبعضهم ينقل الإجماع عليه فتأمله اهـ.
(فسألوه) بضمير النصب ولأبي ذر عن الكشميهني فسألوا بحذفه (فضحك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال) لأبي سعيد الذي رقى (وما إدراك أنها) أي الفاتحة (رقية خذوها) أي الشاء فاقتسموها (واضربوا لي) معكم (بسهم).
وهذا الحديث قد مرّ في باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب في الإجارة.

34 - باب الشَّرْطِ فِى الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ
(باب الشرط) بلفظ الإفراد، ولأبي ذر: الشروط (في الرقية بقطع من الغنم).
5737 - حَدَّثَنِى سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْبَرَّاءُ حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِى الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا؟ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (سيدان بن مضارب) بكسر السين وفتح الدال المهملتين بينهما تحتية ساكنة وبعد الألف نون ومضارب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف راء فموحدة (أبو محمد الباهلي) مولاهم البصري ويقال الكوفي تكلموا فيه لكن قوّاه أبو حازم وغيره قال: (حدّثنا أبو معشر) بفتح الميم والشين المعجمة بينهما مهملة ساكنة آخره راء (يوسف بن يزيد البراء) بفتح الموحدة والراء المثقلة نسبة إلى بري العود وكان عطارًا ولغير أبي ذر البصري هو صدوق قال ذلك لكونه صدوقًا عنده، ولذا خرج له وكذا مسلم وهو تعديل منهما له وثّقه المقدمي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه لكن ضعفه ابن معين قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن الأخنس) بخاء معجمة ساكنة فنون مفتوحة فسين مهملة (أبو مالك) الخزاز بمعجمات النخعي الكوفي أبو مالك قال في الفتح: وثقه الأئمة وشذّ ابن حبان فقال في الثقات: يخطئ كثيرًا (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أن نفرًا من أصحاب النبي) ولغير أبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مروا بماء) أي بقوم نزول على ماء (فيهم لديغ) بدال مهملة وغين معجمة رجل ضربته العقرب (أو سليم) شك من الراوي وهو بمعنى الأوّل سمي به تفاؤلاً من اللأمة لكون غالب من يلدغ يعطب أو فعيل بمعنى مفعول لأنه أسلم للعطب واستعمال اللدغ في ضرب العقرب مجازًا إذ الأصل أنه الذي يضرب بفيه والذي يضرب بمؤخره يقال: له لسع وبأسنانه نهس بالمهملة
والمعجمة وبأنفه نكز بنون وكاف وزاي وبنابه نشط وقد يستعمل بعضها مكان بعض تجوزًا (فعرض لهم) للصحابة (رجل من أهل الماء) أي أعرف اسمه (فقال) لهم:

(8/389)


(هل فيكم من راق إن في) القوم النازلين على (الماء رجلاً لديغًا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ) على اللديغ (بفاتحة الكتاب على شاء) أجرًا له (فبرأ) الملدوغ. وعند أبي داود والترمذي والنسائي من طريق خارجة بن الصلت أن عمه مر بقوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارق لنا هذا الرجل الحديث، فهذه قصة غير السابقة لأن الذي في السابقة أنه لدغ والراقي في الأولى أبو سعيد كما وقع مصرحًا به في بعضها، وفي الثانية عم خارجة فافترقا. نعم حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد في قصة واحدة (فجاء) الذي رقى (بالشاء إلى أصحابه فكرهوا) أخذ (ذلك) الأجر (وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ) فلان (على كتاب الله أجرًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) واستدلّ به على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.

35 - باب رُقْيَةِ الْعَيْنِ
(باب رقية) الذي يصاب بنظر (العين).
5738 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (معبد بن خالد) بسكون العين وفتح الموحدة القاضي الكوفي التابعي قال: (سمعت عبد الله بن شداد) بتشديد الدال المهملة الأولى ابن الهاد الليثي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يسترقى) بتحتية مضمومة وفتح القاف مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر: أن نسترقي بنون مفتوحة بدل التحتية وكسر القاف أي نطلب الرقية ممن يعرفها (من العين) أي بسبب العين وذلك إذا نظر المعيان لشيء باستحسان مشوب بحسد يحصل للمنظور ضرر بعادة أجراها الله تعالى وهل ثم جواهر خفية تنبعث من عينه تصل إلى المعيون كإصابة السم من نظر الأفعى أم لا هو أمر محتمل لا ينقطع بإثباته ولا نفيه، قال ابن العربي: والحق أن الله تعالى يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة وقد يصرفه قبل وقوعه بالرقية اهـ.
وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس.
قال الراوي يعني بالعين.
5739 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ الدِّمَشْقِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِىُّ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِى بَيْتِهَا جَارِيَةً فِى وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ». وَقَالَ عُقَيْلٌ: عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِىِّ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن خالد) وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي قال: (حدّثنا محمد بن وهب) بن عطية السلمي (الدمشقي) قال: (حدّثنا محمد بن حرب) الأبرش بالموحدة والراء والشين المعجمة الحمصى قال: (حدّثنا محمد بن الوليد الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى في بيتها جارية) أي تسم (في وجهها سفعة) بفتح السين المهملة وتضم وسكون الفاء بعدها عين مهملة سواد أو حمرة يعلوها سواد أو صفرة والمراد هنا أن السفعة أدركتها من قبل النظرة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(استرقوا لها) بسكون الراء اطلبوا لها من يريقها (فإن بها النظرة) بفتح النون وسكون المعجمة أي أصابتها العين أو عين الجن أو أن الشيطان أصابها قال الخطابي: عيون الجن أنفذ من الأسنة (وقال عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في المقدمة: رواية عقيل مع إرسالها وقعت لنا في جزء من رواية أبي الفضل بن طاهر الحافظ وأخرجها الحاكم في المستدرك موصولة. (تابعه) أي تابع محمد بن حرب فيما وصله الذهلي في الزهريات (عبد الله) بفتح العين (ابن سالم) الحمصي (عن الزبيدي) محمد بن الوليد المذكور على وصل الحديث ومتنه.

36 - باب الْعَيْنُ حَقٌّ
هذا (باب) بالتنوين (العين حق) أي الإصابة بها من جملة ما تحقق من كونه لها تأثير في النفوس.
5740 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولغير أبي ذر: بالجمع (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر الساعدي قال: (حدّثنا)

(8/390)


ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(العين حق) أي الإصابة بها ثابتة موجودة، وزاد مسلم من حديث ابن عباس ولو كان شيء
سابق القدر لسبقته العين وهي كالمؤكدة لقوله: العين حق وفيها تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الذات، والمعنى لو فرض أن شيئًا له قوّة بحيث يسبق القدر كان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها، وفي الحديث ردّ على طائفة من المبتدعة حيث أنكروا إصابة العين والدليل على فساد قولهم أن كل معنى لا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل فإنه من مجوّزات العقول فإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه، واختلف في القصاص فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئًا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدّية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة كالساحر عند من لا يقتله كفرًا. وقال الشافعي: لا قصاص ولا دية ولا كفارة لأنه لا يقتل غالبًا ولا يعدّ مهلكًا ولأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس وبعض الأحوال مما لا ضبط فيه كيف ولم يقع منه فعل أصلاً اهـ.
وفي حديث أنس رفعه "من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوّة إلا بالله لم يضره". رواه البزار وابن السني.
(ونهى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهي تحريم (عن الوشم) بفتح الواو وسكون المعجمة وهو أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل ونحوه فيخضر وقال العيني: الظاهر أن قومًا سألوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العين وقومًا عن الوشم في مجلس واحد فأجابهما لذلك، ويأتي إن شاء الله تعالى حكم الوشم في أواخر كتاب اللباس بعون الله وقوته.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس ومسلم في الأدب وأبو داود في الطب.

37 - باب رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ
(باب) مشروعية (رقية الحية والعقرب).
5741 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَةِ فَقَالَتْ: رَخَّصَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّقْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِى حُمَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا سليمان) بن فيروز أبو إسحاق (الشيباني) بفتح المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي أنه (قال: سألت عائشة) -رضي الله عنها- (عن الرقية من الحمة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وأصلها حمى أو حمو بوزن صرد والهاء فيها عوض عن الواو أو الياء المحذوفة وهي السم وتطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السم يخرج منها (فقالت) -رضي الله عنها- (رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرقية) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: في الرقية (من كل ذي حمة) ذي
سموم قال في الفتح: ووقع في رواية أبي الأحوص عن الشيباني بسنده رخص في الرقية من الحية والعقرب اهـ.
والرخصة إنما تكون بعد النهي وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهاهم عن الرقى لما عسى أن يكون منها من ألفاظ الجاهلية فانتهوا عنها ثم رخص لهم إذا عريت عن ذلك، وفي حديث أبي هريرة جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة فقال: "أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق لم يضرك إن شاء الله" رواه أصحاب السنن وقال ابن عبد البرّ في التمهيد عن سعيد بن المسيب قال: بلغني أن من قال حين يمسي {سلام على نوح في العالمين} [الصّافّات: 79] لم يلدغه عقرب وذكر أبو القاسم القشيري في تفسيره أن في بعض التفاسير أن الحية والعقرب أتيا نوحًا فقالتا: احملنا. فقال نوح: لا أحملكما فإنكما سبب الضرر، فقالتا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدًا ذكرك.

38 - باب رُقْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب رقية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي كان يرقي بها.
5742 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بَلَى، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِى لاَ شَافِىَ إِلاَّ أَنْتَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز) بن صهيب أنه (قال: دخلت أنا وثابت) البناني (على أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (فقال ثابت) لأنس (يا أبا حمزة اشتكيت) بضم التاء أي مرضت (فقال) له (أنس: ألا) بتخفيف

(8/391)


اللام للعرض والتنبيه (أرقيك) بفتح الهمزة (برقية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) ثابت: (بلى، قال) أنس: (اللهم رب الناس مذهب الباس) بضم الميم وكسر الهاء والباس بغير همز للمؤاخاة وفي الفرع بالهمزة على الأصل (اشف أنت الشافي) فيه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن إذا كان له أصل فيه قال تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] وأن لا يوهم نقصًا (لا شافي إلا أنت) فلا ينجع الدواء إلا بتقديرك (شفاء) نصب على أنه مصدر اشف ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي الشفاء المطلوب (لا يغادر) بالغين المعجمة لا يترك (سقمًا) بفتحتين ويجوز ضم ثم إسكان لغتان والجملة صفة لقوله شفاء.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الطب والترمذي في الجنائز والنسائي في اليوم والليلة.
5743 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا». قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثْتُ بِهِ مَنْصُورًا، فَحَدَّثَنِى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الفلاس الصيرفي البصري أبو حفص أحد الأعلام قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن مهران الأعمش (عن مسلم) بن صبيح الهمداني العطار قال في الفتح: هو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه. قال: وجوّز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران لكونه يروي عن مسروق ويروي الأعمش عنه قال ابن حجر: وهو تجويز عقلي محض يمجه سمع المحدث على أنني لم أر لمسلم بن عمران البطين رواية عن مسروق وإن كانت ممكنة، وهذا الحديث إنما هو من رواية الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق، وقد أخرج مسلم من رواية جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق به ثم أخرجه من رواية هشيم ومن رواية شعبة ومن رواية يحيى القطان عن الثوري كلهم عن الأعمش قال: بإسناد جرير فوضح أن مسلمًا المذكور في رواية البخاري هو أبو الضحى فإنه أخرجه من رواية يحيى القطان، وغايته أن بعض الرواة عن يحيى سماه وبعضهم كناه انتهى.
وتعقبه العيني فقال: هذا الذي قاله يمجه سمع كل أحد ودعواه أنه لم ير لمسلم بن عمران رواية عن مسروق باطلة لأن غيره أثبتها فكيف يدّعي هذا المدّعي بدعواه الفاسدة ردًّا على من سبقه في شرح هذا الحديث مشنعًا عليه بسوء أدب {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] انتهى.
وأجاب في انتقاض الاعتراض بقوله: سبحان من خذل هذا المعترض حتى يعيب ما وقع فيه وأعجب ما يسمع أن هذا المعترض. قال في باب مسح الراقي الوجع بيده حين أورد المصنف الحديث المذكور عن سفيان عن الأعمش بالسند المذكور عن سفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان ومسلم هو أبو الضحى فذكر لفظ أحمد بن حجر بعينه ونسي ما قيل عن الكرماني ثم وليس بينهما سوى باب واحد يأتي إن شاء الله تعالى. (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعوّذ بعض أهله) قال في الفتح: لم أقف على تعيينه (يمسح بيده اليمنى) على موضع الوجع تفاؤلاً لزوال الوجع كما قاله الطبري (ويقول):
(اللهم رب الناس أذهب الباس) بالهمز في فرع اليونينية والمشهور حذفه ليناسب سابقه (واشفه) بكسر الهاء أي العليل (وأنت الشافي) بإثبات الواو في الكلمتين للحموي والمستملي وحذفها فيهما للكشميهني (لا شفاء) بالمدّ مبني على الفتح حاصل لنا أو للمريض (إلا شفاؤك) بدل من موضع لا شفاء. وقال في المصابيح: الكلام في إعرابه كالكلام في قولنا لا إله إلا الله ولا يخفى أنه بحسب صدر الكلام نفي لكل إله سواه تعالى وبحسب الاستثناء إثبات له ولألوهيته
لأن الاستثناء من النفي إثبات لا سيما إذا كان بدلاً فإنه يكون هو المقصود بالنسبة، ولهذا كان البدل الذي هو المختار في كل كلام تام غير موجب بمنزلة الواجب في هذه الكلمة الشريفة حتى لا يكاد يستعمل لا إله إلا الله بالنسب ولا إله إلا إياه. فإن قيل: كيف يصح مع أن البدل هو المقصود والنسبة إلى المبدل منه سلبية؟ فالجواب: إنه إنما وقعت النسبة إلى البدل بعد النقض بإلا فالبدل هو المقصود بالنفي المعتبر في المبدل

(8/392)


منه لكن بعد نقضه ونقض النفي إثبات انتهى. (شفاء) أي اشف شفاء (لا يغادر) لا يترك (سقمًا) والتنوين للتقليل.
(قال سفيان) الثوري بالسند السابق (حدّثت به) بهذا الحديث (منصورًا) يعني ابن المعتمر (فحدّثني) بالإفراد (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) أي ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- (نحوه) أي نحو متن الحديث السابق.
وهذا الأول أخرجه مسلم في الطب وكذا النسائي وفي اليوم والليلة.
5744 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ أَبِى رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرْقِى يَقُولُ: «امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ أَنْتَ».
وبه قال (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) بالجيم والمدّ واسمه عبد الله الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل بالمعجمة المضمومة (عن هشام بن عروة) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يرقي) بضم التحتية وكسر القاف حال كونه يقول:
(امسح) أي أزل (الباس رب الناس بيدك الشفاء) لا بيد غيرك (لا كاشف له) للداء (إلا أنت).
والحديث من أفراده.
5745 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ: «بِسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا». [الحديث 5745 - طرفه في: 5746].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد ربه) بإضافة عبد لربه (ابن سعيد) بكسر العين الأنصاري (عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم بنت عبد الرحمن التابعية (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول للمريض) ولمسلم عن أبي عمر عن سفيان كان إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها.
(بسم الله) هذه (تربة أرضنا) المدينة خاصة لبركتها أو كل أرض (بريقة بعضنا) ولأبي ذر وريقة بالواو بدل الموحدة (يشفى سقيمنا) بضم التحتية وفتح الفاء سقيمنا رفع نائب عن الفاعل، ولأبي ذر عن الكشميهني يشفي بفتح أوّله وكسر الفاء سقيمنا نصب على المفعولية والفاعل مقدّر وزاد في غير رواية أبي ذر بإذن ربنا. قال النووي: كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه فيمسح بها على الموضع الجريح والعليل ويتلفظ بهذه الكلمات في حال المسح. وقال القاضي البيضاوي: قد شهدت المباحث الطبية على أن الريق له مدخل في النضج وتعديل المزاج ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ودفع نكاية المضرات والمرض وللرقى والعزائم آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها. وقوله في حديث مسلم بإصبعه في موضع الحال من فاعل قال: وتربة أرضنا خبر مبتدأ محذوف أي هذه والباء متعلقة بمحذوف هو خبر ثانٍ. وقال الطيبي في شرح المشكاة إضافة: تربة أرضنا وريقة بعضنا تدل على الاختصاص، وأن تلك التربة والريقة مختصتان بمكان شريف يتبرك به بل بذي نفس شريفة قدسية طاهرة زكية عن أوصاف الذنوب وأوسام الآثام فلما تبرك باسم الله السامي ونطق به ضم إليه تلك التربة والريقة وسيلة إلى المطلوب ويعضده أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزق في عين علي -رضي الله عنه- فبرأ من الرمد وفي بئر الحديبية فامتلأت ماء.
5746 - حَدَّثَنِى صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى الرُّقْيَةِ: «بِسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا وَرِيقَةُ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا بالجمع (صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن عبد ربه بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في الرقية) للمريض:
(بسم الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفى) بضم أوّله وفتح ثالثه (سقيمنا بإذن ربنا) قال التوربشتي الذي يسبق إلى الفهم من صيغة ذلك ومن قوله تربة أرضنا إشارة إلى فطرة آدم وريقة بعضنا إلى النطفة التي خلق منها الإنسان فكأنه يتضرع بلسان الحال ويعرض بفحوى المقال إنك اخترعت الأصل الأوّل من طين ثم أبدعت بنيه من ماء مهين فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته.

39 - باب النَّفْثِ فِى الرُّقْيَةِ
(باب النفث في الرقية) بفتح النون وسكون الفاء بعدها مثلثة وهو كالنفخ وأقل من التفل معه ريق قليل أو بلا ريق.

(8/393)


5747 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ». وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَإِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَىَّ مِنَ الْجَبَلِ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا.
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال أبو محمد مولى الصديق (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت أبا قتادة) الحارث بن ربعي وقيل النعمان الأنصاري فارس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الرؤيا) الصالحة التي لا تخليط فيها يراها النائم (من الله) يبشر بها عبده (والحلم) بسكون اللام وتضم وهو ما يراه من الشر وما يحصل له من الفزع (من الشيطان) ليحزن الذين آمنوا والأصل استعمال ذلك فيما يرى لكن غلبت الرؤيا على الخير والحلم على ضده والله تعالى خالق كلٌّ منهما فإضافة المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف إضافة المكروهة إلى الشيطان لأنه يرضاها ويسر بها أو لحضوره عندها فهي إضافة مجازية (فإذا رأى أحدكم) في منامه (شيئًا يكرهه) فهو من الشيطان (فلينفث) بكسر الفاء (حين يستيقظ) من نومه (ثلاث مرات) في جهة يساره (ويتعوذ) بالله (من شرها فإنها لا تضره) لأن ما فعله من التعوذ والنفث سبب للسلامة من المكروه المترتب عليهما كالصدقة تكون سببًا لرفع البلاء وفي النفث إشارة لطرد الشيطان الذي حضر رؤياه الكروهة وتحقير له واستقذار لفعله.
(وقال أبو سلمة) بالإسناد السابق (وإن) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإن (كنت لأرى الرؤيا أثفل عليّ من الجبل) يعني لما يخاف من شرها (فما هو إلا أن سمعت هذا الحديث فما أباليها).
والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التعبير ومسلم وأبو داود والنسائي في الرؤيا وابن ماجة في الديات.
5748 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِى كَفَّيْهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ. قَالَ يُونُسُ: كُنْتُ أَرَى ابْنَ شِهَابٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ إِذَا أَتَى إِلَى فِرَاشِهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو بن أويس بن سعد (الأويسي)
أبو القاسم القرشي المدني قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعًا) أي نفث حال قراءته لهن (ثم يمسح بهما) بكفيه (وجهه وما بلغت يداه من جسده) وفي رواية الفضل بن فضالة عن عقيل يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده.
(قالت عائشة) -رضي الله عنها- بالسند السابق (فلما اشتكى) صلوات الله وسلامه عليه وجعه الذي توفي فيه (كان يأمرني أن أفعل ذلك) النفث والقراءة والمسح (به) وفيه أنه كان يفعل ذلك في الحالتين المذكورتين. (قال يونس) بن يزيد بالسند السابق (كنت أرى ابن شهاب) الزهري (يصنع ذلك إذا أوى إلى فراشه).
وهذا الحديث سبق في المغازي وأخرجه مسلم في الطب.
5749 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْطَلَقُوا فِى سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا بِحَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَىْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ. وَاللَّهِ إِنِّى لَرَاقٍ وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ، وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِى مَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِى صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِى رَقَى لاَ تَفْعَلُوا، حَتَّى نَأْتِىَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِى كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِى مَعَكُمْ بِسَهْمٍ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية اليشكري البصري (عن أبي المتوكل) علي بن داود الناجي بالنون والجيم (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (أن رهطًا من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انطلقوا في سفرة سافروها) وكانوا ثلاثين رجلاً (حتى نزلوا بحي من أحياء العرب) بفتح الهمزة بطن من بطونهم (فاستضافوهم) طلبوا منهم الضيافة (فأبوا أن يضيفوهم فلدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة بعدها معجمة فلسع (سيد ذلك الحي) بعقرب ولم يسم السيد (فسعوا له بكل شيء) مما يداوى به (لا ينفعه شيء فقال بعضهم): بعض الحى (لو أتيتم هؤلاء
الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء) مما ينفع صاحبكم (فأتوهم فقالوا) لهم (يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم): هو أبو سعيد الخدري (نعم والله إني لراق ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم) سيدكم (حتى تجعلوا لنا جعلاً) على ذلك (فصالحوهم على قطيع من الغنم) عدّته

(8/394)


ثلاثون شاة (فانطلق) أبو سعيد معهم إليه (فجعل يتفل) بكسر الفاء، ولأبي ذر: بضمها (ويقرأ الحمد لله رب العالمين) سقط لأبي ذر رب العالمين ويمسح عليه فبرأ (حتى لكأنما نشط) بضم النون وكسر المعجمة حل (من عقال) بكسر العين من جبل كان مشدودًا به. قال في القاموس: نشط الحبل وأنشطه حله (فانطلق يمشي) حال كونه (ما به قلبه) بفتحات ما به علة يقلب على الفراش لأجلها (قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا) هذه الغنم بيننا (فقال الذي رقى) بفتح الراء والقاف وهو أبو سعيد (لا تفعلوا) ذلك (حتى نأتي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تأتوا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكر له الذي كان) من شأننا (فننظر ما يأمرنا) به (فقدموا) بكسر الدال المخففة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكروا له) ذلك (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي سعيد:
(وما يدريك أنها) أي الفاتحة (رقية أصبتم اقسموا) ذلك بينكم (واضربوا لي معكم بسهم) وللكشميهني معهم بالهاء بدل الكاف قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوبهم ومبالغة في تعريفهم حله وإلاّ فذلك ملك للراقي.
وهذا الحديث سبق قريبًا.

40 - باب مَسْحِ الرَّاقِى الْوَجَعَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى
(باب مسح الراقي) الذي يرقي (الوجع بيده اليمنى).
5750 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَوِّذُ بَعْضَهُمْ يَمْسَحُهُ بِيَمِينِهِ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا. فَذَكَرْتُهُ لِمَنْصُورٍ فَحَدَّثَنِى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ.
وبه قال (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (عبد الله بن أبي شيبة) هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم العبسي الكوفي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوذ بعضهم) أي بعض أهله كما في الأخرى السابقة حال كونه (يمسحه بيمينه) يقول:
(أذهب الباس) بالهمزة في الفرع (رب الناس واشف أنت الشافي) بياء بعد الفاء ولأبي ذر:
بإسقاطها (لا شفاء) بالهمز لنا (إلا شفاؤك) قال الطيبي: خرج مخرج الحصر بالمبتدأ كقوله: أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا كان معرّفًا باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع في المريض إلا بتقديره تعالى (شفاء لا يغادر) لا يترك (سقمًا) تكميل لقوله: اشف والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق. قال سفيان (فذكرته) أي الحديث (لمنصور) هو ابن المعتمر (فحدّثني) بالإفراد (عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- بنحوه) بنحو الحديث.

41 - باب فِى الْمَرْأَةِ تَرْقِى الرَّجُلَ
هذا (باب) بالتنوين (في) حكم (المرأة ترقي الرجل) بفتح التاء وكسر القاف.
5751 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ فِى مَرَضِهِ الَّذِى قُبِضَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنَا أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ فَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا فَسَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ كَيْفَ كَانَ يَنْفِثُ قَالَ: يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة وكسر الفاء المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم عالم اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوذات) الإخلاص وتالييها وكان الأصل أن يقول بالمعوذتين، لكنه يحتمل أن يكون من باب التغليب أو أجرى التثنية مجرى الجمع (فلما ثقل) عليه الوجع (كنت أنا أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه) عليه (لبركتها) قال معمر: (فسألت ابن شهاب كيف كان) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ينفث؟ قال) كان (ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه).
وهذا الحديث سبق في باب الرقى بالقرآن والمعوذات ومطابقته لما ترجم به واضحة.

42 - باب مَنْ لَمْ يَرْقِ
(باب من لم يرق) بفتح أوله وكسر القاف.
5752 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِى، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ لِى، انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ
فَقِيلَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِى الشِّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حصين بن نمير) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وضم النون وفتح الميم مصغرًا الواسطي الضرير (عن حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد مصغرًا أيضًا الكوفي (عن سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الوالبي مولاهم أبي محمد أحد الأعلام (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج علينا النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(8/395)


وَسَلَّمَ- يومًا فقال):
(عرضت) بضم العين كسر الراء (على الأمم) في منامي (فجعل يمر النبي معه) ولأبي ذر وابن عساكر ومعه (الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط) وهو ما دون العشرة من الرجال أو إلى الأربعين (والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادًا كثيرًا) أشخاصًا كثيرة من بعد (سدّ) السواد (الأفق) وفي باب من اكتوى حتى رفع لي سواد عظيم (فرجوت أن تكون أمتي فقيل هذا موسى وقومه ثم قيل لي انظر فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق فقيل لي انظر هكذا وهكذا) فنظرت (فرأيت سوادًا كثيرًا سدُّ الأفق فقيل) لي: (هؤلاء أمتك) الذين آمنوا بك (ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرّق الناس ولم يبين لهم) عليه الصلاة والسلام الداخلين بغير حساب (فتذاكر أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله ورسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا) الذين ولدوا في الإسلام (فبلغ) قولهم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): الداخلون الجنة بغير حساب (هم الذين لا يتطيرون) لا يتشاءمون بالطيور كالجاهلية (ولا يكتوون) معتقدي الشفاء في الكي كالجاهلية (ولا يسترقون) مطلقًا حسمًا للمادة لأن فاعلها لا يأمن أن يأكل نفسه إليها وإلا فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة وإنما منع منها ما كان شركًا أو احتمله (وعلى ربهم يتوكلون) أي يفوضون إليه تعالى في ترتيب الأسباب على المسببات أو يتركون ذلك مطلقًا على ظاهر اللفظ، قال ابن الأثير: وهذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها وهم خواص الأولياء ولا يرد
على هذا وقوع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلاً وأمرًا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل وكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ولا ينقص ذلك من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينًا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئًا بخلاف غيره (فقام عكاشة بن محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون وعكاشة بضم العين المهملة وتشديد الكاف وتخفف وبعد الألف شين معجمة مفتوحة مخففة البدري (فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) أنت منهم (فقام آخر) قيل هو سعد بن عبادة (فقال: أمنهم أنا)؟ يا رسول الله (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سبقك بها
عكاشة) قال ذلك عليه الصلاة والسلام حسمًا للمادة، وقول الزركشي قيل كانت ساعة إجابة وهو الأشبه لئلا يتسلسل الأمر، وتعقبه في المصابيح في قوله إنها ساعة إجابة فقال: إنما يحسن في الحديث الذي فيه فادع الله أن يجعلني منهم، وأما هنا فلا يحسن ذلك إذ الذي هنا إنما هو استفهام وجواب عنه وليس هنا ذكر للدعاء، وفي حديث رفاعة الجهني عند أحمد وصححه ابن حبان: "وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوؤوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن الجنة" وهو يدل على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا تستلزم أفضليتهم على غيرهم بل فيمن يحاسب في الجملة من هو أفضل منهم ومن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته وعرف مقامه من الجنة ليشفع في غيره من هو أفضل منهم.

43 - باب الطِّيَرَةِ
(باب الطيرة) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية التشاؤم بالشيء، وأصل ذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لحاجة فإن رأى الطير طار عن يمينه تيمن به واستمر وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع وربما كانوا يهيجون الطير ليطير فيعيدون ذلك ويصح معهم في الغالب ليزين الشيطان لهم ذلك وبقيت بقايا من ذلك في كثير من المسلمين فنهى الشرع عن ذلك، وفي حديث إسماعيل بن أمية عند عبد الرزاق عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثلاثة لا يسم منهن أحد الطيرة والظن والحسد فإذا تطيرت فلا ترجع وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق". وهذا كما في الفتح مرسل أو معضل لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب. وفي حديث أبي هريرة بسند لين عند ابن عدي

(8/396)


مرفوعًا: "إذا تطيرتم فامضوا وعلى اللِّه فتوكلوا". وفي حديث ابن عمر موقوفًا: "من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك". رواه البيهقي في الشعب.
5753 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ وَالشُّؤْمُ فِى ثَلاَثٍ: فِى الْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم) أي ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا عدوى) هي هنا مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره يقال أعدى فلان فلانًا من علة به وذلك على ما يذهب إليه المتطببة في الجذام والبرص والجدري والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية والأكثرون على أن المراد نفي ذلك وإبطاله على ما يدل عليه ظاهر الحديث (ولا طيرة) في القاموس والطيرة والطيرة والطورة ما يتشاءم به من الفأل الرديء اهـ.
ولما نفى الطيرة بطريق العموم كما نفى العدوى أثبت الشؤم في ثلاثة فقال: (والشؤم) بالهمزة الساكنة ضد اليمين (في ثلاث) وعند أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص وإن كانت الطيرة في شيء وقال الخطابي: وكثيرون هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا في هذه الأشياء قال الطيبي: يحتمل أن يكون الاستثناء على حقيقته وتكون هذه الأشياء خارجة عن حكم المستثنى منه أي الشؤم ليس إلا في هذه الأشياء كما في مسلم إنما الشؤم في ثلاثة (في المرأة) بأن لا تلد وأن تكون لسناء (والدار) بأن تكون ضيقة سيئة الجيران (والدابة) بأن لا يغزى عليها. وقال القاضي: تعقيب قوله ولا طيرة بهذه الشرطية أي في رواية وإن كانت الطيرة تدل عليها أن الشؤم أيضًا منفي عنها والمعنى أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء لها لكن لا وجود لها فيها فلا وجود لها أصلاً اهـ.
قال في شرح المشكاة: فعلى هذا فالشؤم في الأحاديث المستشهد بها محمول على الكراهية التي سببها ما في هذه الأشياء من مخالف الشرع اهـ.
ويحتمل أن يكون المراد عدم موافقتها له طبعًا ويؤيده في شرح السُّنّة كأنه يقول إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا تعجبه فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلّق المرأة ويبيع الفرس حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جواب من قال يا رسول الله إنّا كنّا في دار كثير فيها عددنا الخ: ذروها فإنها ذم - باميمة فأمرهم بالتحوّل عنها لأنهم كانوا فيها على استثقال واستيحاش فأمرهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالانتقال عنها ليزول عنهم ما يجدون من الكراهة لأنه سبب في ذلك انتهى.
وحديث الباب أخرجه النسائي في عِشرَة النساء.
5754 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ» قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا طيرة وخيرها) أي خير الطيرة (الفأل) بالهمز الساكن بعد الفاء. قال في القاموس: الفال ضد الطيرة ويستعمل في الخير والشر (قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) كالمريض يسمع يا سالم وطالب الحاجة يا واجد وفي حديث عروة بن عامر عند أبي داود قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "خيرها الفأل ولا تردّ مسلمًا فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلاّ بالله".
وبقية مباحث الحديث تأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته.

44 - باب الْفَأْلِ
(باب الفأل) الهمز كما مرّ وقد يسهل والجمع فؤول بالهمز أيضًا.
5755 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ». قَالَ: وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال (أخبرنا معمر) هو ابن رشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن

(8/397)


مسعود (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا طيرة وخيرها الفأل) قال في شرح المشكاة: فالضمير المؤنث راجع إلى الطيرة وقد علم أنه لا خير فيها فهو كقوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقرًّا} [الفرقان: 24] فهذا مبني على زعمهم وهو من إرخاء العنان في المخادعة بأن يجري الكلام على زعم الخصم حتى لا يشمئز عن التفكير فيه فإذا تفكر أنصف وقبل الحق أو هو من باب قولهم الصيف أحرّ من الشتاء أي الفأل في بابه أبلغ من الطيرة في بابها انتهى. والإضافة في قوله وخيرها الفأل مُشعِرة بأن الفأل من جملة الطيرة على ما لا يخفى، وقول صاحب الكواكب أنه ليس كذلك بل هي إضافة توضيح مردود بحديث حابس التميمي عند الترمذي أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قول: "العين حق وأصدق الطيرة الفأل" ففيه التصريح بأن الفأل من جملة الطيرة لكنه يستثنى وقد قال أهل اللغة الطيرة تستعمل في الخير والشر. نعم المشهور استعمال الطيرة في المكروه قال تعالى: {إنّا تطيرنا} [يس: 18] أي تشاءمنا وقال: {طائركم معكم} [يس: 19] أي سبب شؤمكم معكم والفأل في المحبوب وربما يكون في مكروه (قال: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم). وفي حديث أنس عند الترمذي وصححه: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج لحاجة يعجبه أن يسمع يا نجيح يا راشد، وفي حديث بريدة عند أبي داود بسند حسن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلامًا يسأله عن اسمه فإذا أعجبه فرح وإن كرهه رئي كراهة ذلك في وجهه.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الطب.
5756 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن
قتادة) بن دعامة ولأبي ذر حدّثنا قتادة (عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا عدوى ولا طيرة) مشتقة من الطير إذ كان أكثر تطير الجاهلية ناشئًا عنه كما مر (ويعجبني الفأل الصالح) لأنه حسن ظن بالله تعالى (الكلمة الحسنة) بيان لقوله: الفأل الصالح. قال في الكواكب: وقد جعل الله تعالى في الفطرة محبة ذلك كما جعل فحها الارتياح بالنظر الأنيق والماء الصافي وإن لم يشرب منه ويستعمله.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي في السير.

45 - باب لاَ هَامَةَ
هذا (باب) بالتنوين (لا هامة) بتخفيف الميم على الأفصح، وحكى أبو زيد تشديدها.
5757 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن الحكم) بفتحتين المروزي وقيل: هو محمد بن عبدة بن الحكم أبو عبد الله الأحول المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (النضر) بالضاد المعجمة ابن شيمل قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: (أخبرنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا عدوى ولا طيرة ولا هامة) طائر قيل هي البومة يتشاءمون به وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة تطير وقيل إن روحه تنقلب هامة وهذا تفسير أكثر العلماء (ولا صفر) وهو فيما قيل دابة تهيج عند الجوع وربما قتلت عنده صاحبها وكانوا يعتقدون أنها أعدى من الجرب، وهذا ذكره مسلم عن جابر بن عبد الله في حديثه المروي عنده فتعين المصير إليه، وقال البيضاوي: هو نفي لما يتوهم أن شهر صفر تكثر فيه الدواهي.
وهذا الحديث من أفراده.

46 - باب الْكَهَانَةِ
(باب الكهانة) بفتح الكاف وكسرها مصدر كهن والكاهن الذي يتعاطى الخبر في مستقبل
الزمن ويدّعي معرفة الأسرار وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح ونحوهما فمنهم من كان
يزعم أن له تابعًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب
يستدل بها على موافقتها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي
يدّعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب

(8/398)


في هذه الأمور وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه.
5758 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِى امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهْىَ حَامِلٌ فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِى فِى بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا فِى بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ فَقَالَ وَلِىُّ الْمَرْأَةِ الَّتِى غَرِمَتْ: كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلّ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء آخره راء مصغرًا وهو سعيد بن كثير بن عفير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في امرأتين من هذيل) بضم الهاء وفتح الدال المعجمة ابن مدركة بن الياس (اقتتلتا فرمت إحداهما) وهي أم عفيف بنت مسروح (الأخرى) وهي مليكة بنت عويم (بحجر فأصاب) الحجر (بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها فاختصموا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بلفظ الجمع كقوله تعالم: {هذان خصمان اختصموا} [الحج: 19] (فقضى) عليه الصلاة والسلام (أن دية ما في بطنها) ولو أثنى أو خنثى أو ناقص الأعضاء إذا علمنا بوجوده في بطن أمه (غرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء منوّنًا بياض في الوجه عبّر به عن الجسد كله إطلاقًا للجزء على الكل (عبد أو أمة) بدل من غرة ورواه بعضهم بالإضافة البيانية والأوّل أقيس وأصوب لأنه حينئذ يكون من إضافة الشيء إلى نفسه ولا تجوز إلا بتأويل كما ورد قليلاً وأو للتقسيم لا للشك (فقال وليّ المرأة التي غرمت) بفتح المعجمة وكسر الراء أي التي قضى عليها بالغرة ووليها هو زوجها حمل بفتح الحاء المهملة والميم المخففة ابن مالك ابن النابغة الهذلي الصحابي والغرة متى وجبت فهي على العاقلة، ولأبي ذر التي غرمت بضم المعجمة وكسر الراء مشددة (كيف أُغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل) قال أبو عثمان بن جني أي لم يأكل أقام الماضي مقام المضارع (ولا نطق ولا استهل) ولا صاح عند الولادة (فمثل ذلك بطل) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين وتخفيف اللام من البطلان ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي يطل بتحتية بدل الموحدة وتشديد اللام أي يهدر يقال: دم فلان هدر إذا ترك الطلب بثأره وطل الدم بضم الطاء وبفتحها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنما هذا) حمل (من إخوان الكهان) لمشابهة كلامه كلامهم زاد مسلم من أجل سجعه الذي
سجع ففيه ذم الكهان ومَن تشبّه بهم في ألفاظهم حيث كانوا يستعملونه في الباطل كسجع حمل يريد به إبطال حكم الشرع ولم يعاقبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان مأمورًا بالصفح عن الجاهلين.
وهذا الحديث من أفراده.
5759 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ امْرَأَتَيْنِ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أمَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى بحجر) وعند أحمد من طريق عمرو بن تميم عن عويم عن أبيه عن جده قال: كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل ابن مالك ابن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وسقط لابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني بحجر (فطرحت جنينها فقضى فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغرة) بالتنوين (عبدًا ووليدة) بالجر فيهما بدلاً من بغرة والمراد العبد والأمة ولو كانا أسودين وإن كان الأصل في الغرة البياض في الوجه كما توسعوا في إطلاقها على الجسد كله كما قالوا أعتق رقبة، لكن قال أبو عمرو بن العلاء القارئ: المراد الأبيض لا الأسود قال: ولولا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد بالغرة معنًى زائدًا على شخص العبد والأمة لما ذكرهما قال النووي: وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من إجزاء الغرة السوداء والبيضاء. قال أهل اللغة: الغرة عند العرب أنفس الشيء وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم فهو من أنفس المخلوقات.
5760 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِى الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِى قُضِىَ عَلَيْهِ: كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لاَ أَكَلَ وَلاَ شَرِبَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ؟ وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ».
(وعن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالسند السابق (عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في الجنين) حال كونه (يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضى عليه) بضم القاف وكسر المعجمة وفي السابقة فقال وليّ المرأة التي غرمت (كيف

(8/399)


أغرم ما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من (لا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل) أي ولا صرخ (ومثل ذلك بطل) بالموحدة ولابن عساكر يطل بتحتية مضمومة يهدر ولا يجب فيه شيء ويطل بالتحتية من الأفعال التي لا تستعمل إلا مبنية للمفعول كجن قال المنذري، وأكثر الروايات بطل أي بالموحدة وإن كان الخطابي رجح الأخرى (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنما هذا) يعني وليّ المرأة (من إخوان الكهان) شبه بالإخوان لأن الأخوة تقتضي المشابهة وذمه حيث أراد بسجعه رفع ما أوجبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحيث مرسل.
5761 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِىِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة المخزومي أحد الفقهاء السبعة (عن أبي مسعود) عقبة البدري الأنصاري الكوفي -رضي الله عنه- أنه (قال نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) تناول (ثمن الكلب) أو عن أن يكون للكلب ثمن سواء كان معلمًا أم لا وأما حكاية القمولي في الجواهر وجهًا في بيع الكلب المقتنى فغريب وسماه ثمنًا باعتبار الصورة (و) عن (مهر البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية الزانية وهو فعول من البغاء فأدغمت الواو في الياء ولا يجوز عندهم أن يكون على فعيل لأن فعيلاً بمعنى فاعل يكون بالهاء في المؤنث ككريمة، وإنما يكون بغير هاء إذا كان بمعنى مفعول كامرأة جريح وقتيل وسمي ما يعطى على الزنا مهرًا مجازًا كما في ثمن الكلب من مجاز التشبيه أو أطلق عليه ذلك بالمعنى اللغوي (و) عن (حلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة وسكون اللام قال الهروي: أصله من الحلاوة شبه به لأنه يأخذ ما يعطاه على كهانته سهلاً من غير كلفة. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: ويمنع المحتسب من يكتسب بالكهانة واللهو ويؤدب الآخذ والمعطي.
وهذا الحديث قد سبق في باب ثمن الكلب من البيع.
5762 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ: «لَيْسَ بِشَىْءٍ» فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَىْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّىِّ فَيَقُرُّهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ». قَالَ عَلِىٌّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مُرْسَلٌ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِى أَنَّهُ أَسْنَدَهُ بَعْدَهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين ابن راشد عالم اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن يحيى بن عروة بن الزبير) بن العوّام وثبت لأبي ذر ابن الزبير (عن) أبيه (عروة عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناس) ولأبي ذر عن الكشميهني: سأل ناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الكهان) وفي مسلم تسمية من سأل عن ذلك معاوية بن الحكم السلمي ولفظه قلت: يا رسول الله أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان. الحديث (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ليس) قولهم (بشيء) يعتمد عليه (فقالوا) مستشكلين عموم قوله ليس بشيء إذ مفهومه أنهم لا يصدقون أصلاً (يا رسول الله إنهم يحدّثونا) ولأبي ذر يحدّثوننا (أحيانًا بشيء) من الغيب (فيكون) ما حدّثونا به (حقًّا) أي واقعًا ثابتًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تلك الكلمة من الحق يخطفها) بفتح الطاء لا بكسرها على المشهور أي يأخذها الكاهن (من الجني) بسرعة وسقطت لفظة من لابن عساكر أي يخطفها الجني من الملائكة وفي رواية الكشميهني كما في الفتح يحفظها بحاء مهملة ساكنة ففاء مفتوحة فظاء معجمة من الحفظ والأوّل هو المعروف (فيقرّها) بضم التحتية وكسر القاف وتشديد الراء أي يصبها أو يلقيها بصوت (في أُذن وليّه) الذي يواليه وهو الكاهن وغيره ممن يوالي الجن (فيخلطون معها) مع الكلمة التي يحفظونها من الملائكة (مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة فربما أصاب نادرًا وأخطأ غالبًا فلا تغتر بصدقهم في بعض الأمور.
وعن ابن عباس قال: حدّثني رجال من الأنصار أنهم بينا هم جلوس ليلاً مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ رمي بنجم فاستنار فقال: "ما كنتم تقولون إذا رمي مثل هذا في الجاهلية"؟ قالوا: كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم فقال: "فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته

(8/400)


ولكن ربنا تعالى إذا قضى أمرًا سبّح حملة العرش ثم يسبّح الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى أهل السماء الدّنيا فيقولون ماذا قال ربكم فيخبرونهم حتى يصل إلى السماء فيسترق منه الجني فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه وينقصون" رواه مسلم. وفيه بيان توصل الجن إلى الاختطاف وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية لكن بقي من يتشبّه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب.
(قال علي) هو ابن المديني (قال عبد الرزاق) بن همام (مرسل الكلمة من الحق) أي أن عبد الرزاق كان يرسل هذا القدر من الحديث (ثم) قال علي بن المديني (بلغني أنه) أي عبد الرزاق (أسنده) إلى عائشة (بعده) ولأبي ذر وابن عساكر بعد أي بعد ذلك وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق موصولاً كرواية هشام بن يوسف عن معمر والاختطاف المذكور في الحديث مستعار للكلام من فعل الطير كما قال تعالى: {فتخطفه الطير} [الحج: 31].

47 - باب السِّحْرِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} وَقَوْلِهِ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} وَقَوْلِهِ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا
تَسْعَى} وَقَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ}. وَ {النَّفَّاثَاتُ}: السَّوَاحِرُ، {تُسْحَرُونَ}: تُعَمَّوْنَ.
(باب السحر) بكسر السين وسكون الحاء المهملتين وهو أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة لا تتعذر معارضته واختلف هل له حقيقة أم لا. والصحيح وهو الذي عليه الجمهور أن له حقيقة، وعلى هذا فهل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعًا من الأمراض أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيوانًا مثلاً وعكسه، فالذي عليه الجمهور وهو الأول وفرقوا بين المعجزة والكرامة والسحر بأن السحر يكون بمعاناة أحوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبًا اتفاقًا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، وقال القرطبي: الحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرًا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر وفي الأبدان بالألم والسقم وإنما المنكر أن الجماد ينقلب حيوانًا أو عكسه بسحر الساحر.
(وقوله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({ولكن الشياطين كفروا}) باستعمال السحر وتدوينه ({يعلمون الناس السحر}) أي كفروا معلمين الناس السحر قاصدين به إغوائهم وإضلالهم والواو في ولكن عاطفة جملة الاستدراك على ما قبلها ({وما أنزل على الملكين}) ما موصول بمعنى الذي في موضع نصب عطفًا على السحر أي يعلمون الناس السحر والمنزل على الملكين أو عطفًا على ما تتلو الشياطين أي واتبعوا ما تتلو الشياطين وما أنزل على الملكين وعلى هذا فما بينهما اعتراض أو ما نفي والجملة معطوفة على الجملة النفية قبلها وهي ما كفر سليمان أي وما أنزل على الملكين إباحة السحر. قال القرطبي: ما نفي والواو للعطف على قوله تعالى: وما كفر والتقدير وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ({ببابل}) اسم أرض وهي بابل العراق وسميت بذلك لتبلبل الألسن بها عند سقوط صرح نمروذ وقيل إن الله تعالى أمر ريحًا يحشرهم بهذه الأرض فلم يدر أحدهم ما يقول الآخر ثم فرقهم الريح في البلاد فتكلم كل أحد بلغته وهو متعلق بأنزل والباء بمعنى في أي في بابل ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال من الملكين أو من الضمير في أنزل فيتعلق بمحذوف ({هاروت وماروت}) بدل من الملكين وجرّا بالفتحة لأنهما لا ينصرفان للعجمة والعلمية أو عطف بيان ({وما يعلمان}) هاروت وماروت ({من أحد}) الظاهر أنه الملازم للنفي وهمزته أصل بنفسها وأجاز أبو البقاء أن يكون بمعنى واحد فتكون همزته بدلاً من واو ({حتى يقولا}) حتى ينبهاه وينصحاه يقولا له ({وإنما نحن فتنة فلا تكفر}) أي ابتلاء واختيار من الله تعالى ليتميز المطيع من العاصي كقولك: فتنت الذهب بالنار إذا عرضته عليها ليتميز الخالص من المشوب ({فيتعلمون}) عطف على وما يعلمان والضمير في فيتعلمون لما دل عليه من أحد أي فيتعلم الناس ({منهما}) من الملكين ({ما}) أي الذي ({يفرقون بين المرء وزوجه}) وهو علم السحر الذي يكون سببًا في التفريق بين الزوجين بأن يحدث الله عنده النشوز

(8/401)


والخلاف ابتلاء منه وللسحر حقيقة عند أهل السُّنَّة وعند
المعتزلة هو تخييل وتمويه، وقيل التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق فيصير كافرًا وإذا صار كافرًا بانت منه زوجته ({وما هم بضارين به}) بالسحر ({من أحد إلا بإذن الله}) ما حجازية فهم اسمها وبضاري خبرها والباء زائدة فهو في محل نصب أو تميمية فهم مبتدأ أو بضارين خبره والباء زائدة أيضًا فهو في محل رفع والضمير فيه عائد على السحرة العائد عليهم ضمير فيتعلمون أو على اليهود العائد عليهم ضمير واتبعوا أو يعود على الشياطين والضمير في به يعود على ما في قوله ما يفرقون به، وقوله إلا بإذن الله استثناء مفرغ من الأحوال فهو في موضع نصب على الحال وصاحبه الفاعل المستكن في بضارين أو المفعول وهو أحد لجواز مجيء الحال من النكرة لاعتمادها على النفي أو الهاء في به أي بالسحر والتقدير وما يضرون أحدًا بالسحر إلا ومعه علم الله أو مقرونًا بإذن الله ونحو ذلك.
فإن قلت الإذن حقيقة في الأمر والله لا يأمر بالسحر لأنه ذمهم عليه ولو أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه. أجيب: بأن المراد منه التخلية يعني إذا سحر الإنسان فإن شاء الله منعه منه وإن شاء خلى بينه وبين ضرر السحر أو المراد إلا بعلم الله ومنه سمي الأذان لأنه إعلام بدخول الوقت أو أن الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما يحصل بخلق الله ({ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}) في الآخرة لأنهم يقصدون الشر ({ولقد علموا}) هؤلاء اليهود ({لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}) [البقرة: 102] من نصيب واستعير لفظ الشراء لوجهين.
أحدهما: أنهم لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وأقبلوا على التمسك بما تتلو الشياطين فكأنهم اشتروا السحر بكتاب الله.
وثانيهما: أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه وهؤلاء أبدلوا ذلك الاحتراز بالوصول إلى منافع الدنيا، وسقط في رواية أبي ذر {وما يعلمان} إلى آخره، وقال بعد قوله: {وماروت} الآية. وقال في رواية ابن عساكر إلى قوله: {من خلاق} واختلف في المراد بالآية فقيل إن قوله: واتبعوا هم اليهود الذين كانوا زمن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل: هم الذين كانوا في زمن سليمان عليه الصلاة والسلام من السحرة لأن أكثر اليهود ينكرون نبوّة سليمان عليه السلام ويدعونه من جملة ملوك الدنيا وهؤلاء ربما اعتقدوا فيه أنه إنما وجد الملك العظيم بسبب السحر، وقيل: إنه يتناول الكل وهو أولى، واختلف في المراد بالشياطين فقيل: شياطين الإنس، وقيل: هم شياطين الإنس والجن، قال السدي: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقولها إلى الكهنة فدوّنوها في الكتب وعلموها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان فقالوا: إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والطير والريح التي تجري بأمره، وأما القائلون بأنهم شياطين الإنس فقالوا: روي أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان قد دفن كيرًا من العلوم التي خصّه الله بها تحت سرير ملكه خوفًا على أنه إن هلك الظاهر يبقى ذلك المدفون، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من
المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان وأنه إنما وصل إلى ما وصل بسبب هذه الأشياء وإنما أضافوا السحر لسليمان تفخيمًا لشأنه وترغيبًا للقوم في قبول ذلك، وقيل: إنه تعالى لما سخر الجن لسليمان وكان يخالطهم ويستفيد منهم أسرارًا عجيبة غلب على الظنون أنه عليه الصلاة والسلام استفاد السحر منهم بقوله تعالى: {وما كفر سليمان} [البقرة: 102] تنزيه له عليه السلام عن الكفر، وروي أن بعض الأحبار من اليهود قال: ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيًّا وما كان إلا ساحرًا فأنزل الله هذه الآية قاله في اللباب.
(وقوله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({ولا يفلح الساحر}) أي هذا الجنس ({حيث أتى}) [طه: 69] أينما كان. وقال الراغب: حيث

(8/402)


عبارة عن مكان مهم يشرح بالجملة التي بعده كقوله تعالى: {وحيثما كنتم} [البقرة: 144] {ومن حيث خرجت} [البقرة: 149] (وقوله) عز وجل: ({أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء: 3] أي إنهم كانوا يعتقدون أن الرسول لا يكون إلا ملكًا وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر؛ ولذا قال قائلهم منكرًا على من اتبعه: أفتأتون السحر أي أفتتبعونه حتى تصيروا كمن اتّبع السحر وهو يعلم أنه سحر. (وقوله) تعالى: ({يخيل إليه}) إلى موسى ({من سحرهم أنها}) أي العصيّ ({تسعى}) [طه: 66] لأنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتمتد بحيث يخيل للناظرين أنها تسعى باختيارها وإنما كان حيلة وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كثيرًا فألقى كلٌّ منهم عصًا وحبلاً حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا ولا حجة فيها للقائل إن السحر تخييل لأنها وردت في هذه القصة وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل (وقوله) تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق: 4]. و {النفاثات}): النساء (السواحر) أو النفوس أو الجماعات اللاتي يعقدن عقدًا في خيوط وينفثن عليها ويرقين وفيه دليل على بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر، وقوله تعالى: في سورة المؤمنون ({تسحرون}) [المؤمنون: 89] أي (تعمون) بضم أوله وفتح الميم وقال ابن عطية: السحر هنا مستعار لما وقع من التخليط ووضع الشيء في غير موضعه.
5763 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِى لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِى رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِى أَىِّ شَىْءٍ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ» فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ: «يَا
عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ؟ قَالَ: «قَدْ عَافَانِى اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا». فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامٍ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، يُقَالُ: الْمُشَاطَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ وَالْمُشَاقَةُ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أحد الأعلام في الحفظ والعبادة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من بني زريق) بضم الزاي وفتح الراء آخره قاف (يقال له لبيد بن الأعصم) بفتح اللام وكسر الموحدة والأعصم بالعين والصاد المهملتين بوزن الأحمر، وفي مسلم أنه يهودي من بني زريق (حتى كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله) ثبت قوله إنه كان في رواية أبي ذر، وفي رواية ابن عيينة في الباب التالي كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وحينئذ فلا تمسك لبعض المبتدعة بقوله: إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله الزاعم أن الحديث باطل لاحتمال أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثمة، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء. قال المازري: وهذا كله مردود فقد قام الدليل على صدقه عليه الصلاة والسلام فيما يبلغه عن الله وعلى عصمته في التبليغ فما حصل له من ضرر السحر ليس نقصًا فيما يتعلق بالتبليغ بل هو من جنس ما يجوز عليه من سائر الأمراض (حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة) من إضافة المسمى إلى الاسم أو ذات مقحمة للتأكيد والشك من الراوي (وهو عندي لكنه دعا ودعا) أي لكنه لم يكن مشتغلاً بي بل بالدعاء والمستدرك منه هو قوله وهو عندي أو قوله كان يخيل إليه أي كان السحر أثر في بدنه لا في عقله وفهمه بحيث إنه توجه إلى الله تعالى ودعا على الوضع الصحيح والقانون المستقيم قاله في الكواكب الدراري (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يا عائشة أشعرت) أي أعلمت (أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه) أي أجابني فيما دعوته أو المعنى أجابني عما سألته عنه لأن دعاءه كان أن يطلعه على حقيقته ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر (أتاني رجلان) أي ملكان كما عند الطبراني وعند ابن سعد في رواية منقطعة أنهما جبريل وميكائيل (فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) جزم الدمياطي في سيرته بأن الذي قعد عند رأسه جبريل (فقال أحدهما) وهو جبريل أو ميكائيل قيل: وهو أصوب (لصاحبه ما وجع الرجل)؟ أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: مطبوب) بالطاء المهملة الساكنة والباءين الموحدتين أي مسحور قيل كنّوا عن السحر بالطب تفاؤلاً كما قالوا للديغ سليم (قال: من طبه)؟ من سحره (قال) طبه (لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء)؟ طبه (قال: في مشط) بضم الميم وسكون المعجمة الآلة

(8/403)


التي يسرح بها شعر الرأس واللحية (ومشاطة) بضم الميم وفتح المعجمة مخففة وبعد الألف طاء مهملة ما يخرج من الشعر عند التسريح، وفي حديث ابن عباس من شعر رأسه ومن أسنان مشطه ورواه البيهقي
(وجف طلع نخلة) بضم الجيم وتشديد الفاء الغشاء الذي يكون على الطلع ويطلق على الذكر والأنثى فلذا قيده بقوله (ذكر) بالتنوين كنخلة على أن لفظ ذكر صفة للجف وللمستملي وجب بالموحدة بدل الفاء وهما بمعنى واحد، وقال القرطبي: إنه بالموحدة داخل الطلعة إذا خرج منها الكفري قاله شمر وللكشميهني وجف بالفاء طلعة بتاء تأنيث منوّنة (قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان) بفتح المعجمة وسكون الراء ولمسلم من رواية ابن نمير في بئر ذي أروان بالهمزة وصوّبه أبو عبيد البكري (فأتاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ناس من أصحابه) وعند ابن سعد من حديث ابن عباس فبعث إلى عليّ وعمار فأمرهما أن يأتيا البئر وعنده أيضًا في مرسل عمران بن الحكم فدعا جبير بن إياس الزرقي وهو ممن شهد بدرًا فدله على موضعه في بئر ذروان فاستخرجه قال: ويقال إن الذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي. قال في الفتح: ويجمع بأنه أعان جبيرًا على ذلك وباشر بنفسه فنسب إليه وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجههم أولاً ثم توجه فشاهدها بنفسه (فجاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن رجع إلى عائشة (فقال: يا عائشة كان ماءها نقاعة الحناء) بضم النون وتخفيف القاف والحناء بكسر الحاء المهملة والمد يعني أن ماء البئر أحمر كالذي ينقع فيه الحناء يعني أنه تغير لرداءته أو لما خالطه مما ألقي فيه (وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين) في التناهي في كراهتها وقبح منظرها وقيل الشياطين حيات عرفاء قبيحة المنظر هائلة جدًّا قالت عائشة: (قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال): لا (قد عافاني الله) منه (فكرهت أن أثوّر) بضم الهمزة وفتح المثلثة وكسر الواو المشددة (على الناس فيه) وللكشميهني منه (شرًّا) من تذكير المنافقين السحر وتعلمه ونحو ذلك فيؤذون المؤمنين وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة (فأمر بها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبئر (فدفنت. تابعه) أي تابع عيسى بن يونس (أبو أسامة) حماد بن أسامة فيما وصله المؤلّف بعد بابين (وأبو ضمرة) بالضاد المعجمة المفتوحة وإسكان الميم بعدها راء أنس بن عياض الليثي المدني فيما وصله المؤلّف في الدعوات (وابن أبي الزناد) عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان. قال في فتح الباري: ولم أعرف من وصلها الثلاثة (عن هشام) أي ابن عروة وعند ابن عساكر زيادة ومشط ومشافة أي بالقاف.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما سبق في بدء الخلق (وابن عيينة) سفيان مما وصله بعد باب (عن هشام في مشط ومشاقة) بالقاف بدل الطاء (يقال) ولأبي ذر ويقال (المشاطة) بالطاء (ما يخرج من الشعر إذا مشط) بضم الميم وكسر المعجمة أي سرح شعر الرأس أو اللحية بالمشط (والمشاقة) بالقاف (من مشاقة الكتان) عند تسريحه.

48 - باب الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ مِنَ الْمُوبِقَاتِ
هذا (باب) بالتنوين (الشرك) بالله (والسحر من الموبقات) أي المهلكات.
5764 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِى الْغَيْثِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (سليمان) بن بلال (عن ثور بن زيد) الديلمي المدني (عن أبي الغيث) بالمعجمة والمثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أو عكسه أي منهم الشرك أو الأول الشرك بالله والثاني السحر وبالنصب فيهما لأبي ذر على البدل. قال في المصابيح: فإن قلت المبدل منه جمع فكيف يبدل منه اثنان؟ قلت: على تقدير وأخواتها.
وقد سبق هذا الحديث في كتاب الوصايا بلفظ: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات" فاختصره هنا. قيل واقتصر منها على اثنين تأكيدًا لأمرهما.

49 - باب هَلْ يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ؟
وَقَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ؟ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإِصْلاَحَ فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ.
هذا (باب)

(8/404)


بالتنوين (هل يستخرج السحر)؟ من الموضع الذي وضع فيه (وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب رجل به طب) بكسر الطاء المهملة وتشديد الموحدة سحر (أو) بإسكان الواو (يؤخذ) بفتح الهمزة والخاء المعجمة المشددة بعدها معجمة أي يحبس (عن امرأته) فلا يصل إلى جماعها والأخذة بضم الهمزة هي الكلام الذي يقوله الساحر، وقيل هي خرزة يرقى عليها أو هي الرقية نفسها (أيحل عنه) بهمزة الاستفهام وضم التحتية وفتح الحاء وتشديد اللام (أو ينشر)؟ بضم التحتية وسكون النون وفتح الشين المعجمة في الفرع مصلحة على كشط وضبط في غيره بفتح النون وتشديد المعجمة من النشرة وهي ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرًا أو شيئًا من الجن قيل لها ذلك لأنه يكشف غمة ما خالطه من الداء قال الكرماني: وكلمة أو يحتمل أن تكون شكًّا أو نوعًا شبيهًا باللف والنشر بأن يكون الحل في مقابلة الطب والتنشير في مقابلة التأخيذ (قال) ابن المسيب (لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه) بضم التحتية وفتح الهاء، وهذا وصله أبو بكر الأثرم في كتاب السنن من طريق أبان العطار عن قتادة مثله، ومن طريق هشم الدستوائي عن قتادة بلفظ: يلتمس من يداويه فقال: إنما نهى الله عما يضره ولم ينه عما ينفعه، وفي حديث جابر عند مسلم مرفوعًا: (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) وفي كتب وهب بن منبّه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقها بين حجرين ثم يضربها بالماء ويقرأ آية الكرسي وذوات "قل" ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل له فإنه يذهب عنه ما كان به وهو جيد للرجل إذا احتبس عن أهله.
5765 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى آلُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ فَسَأَلْتُ هِشَامًا عَنْهُ فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِى النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِى رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رَأْسِى لِلآخَرِ، مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقًا، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ». قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ: «هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِى أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ». قَالَتْ: فَقُلْتُ أَفَلاَ أَىْ تَنَشَّرْتَ فَقَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ فَقَدْ شَفَانِى وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي (قال: سمعت ابن عيينة) سفيان (يقول: أول من حدّثنا به ابن جريج) عبد الملك (يقول: حدّثني) بالإفراد (آل عروة عن عروة) بن الزبير (فسألت هشامًا عنه) أي عن الحديث (فحدّثنا عن أبيه) عروة (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سحر) مبني للمفعول (حتى كان يرى) ولأبي ذر: يرى بضم الياء يظن (أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) أي وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن، وفي رواية الحميدي أنه كان يأتي أهله ولا يأتيهم. وفي رواية ضمرة عند الإسماعيلي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقام أربعين، وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد ستة أشهر وجمع بأن ستة الأشهر من ابتداء تغير مزاجه والأربعين يومًا من استحكامه، لكن في جامع معمر عن الزهري أنه لبث سنة وإسناده صحيح. قال ابن حجر: فهو المعتمد (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وهذا) النوع المذكور هنا (أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه)؟ وفي رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي أن الله أنبأني بمرضي أي أخبرني (أتاني رجلان) هما جبريل وميكائيل (فقعد أحدهما عند رأسي) وهو جبريل (والآخر عند رجليّ) بتشديد التحتية وهو ميكائيل (فقال الذي عند رأسي للآخر): وللحميدي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي. قال ابن حجر: وكأنها أصوب (ما بال الرجل؟ قال: مطبوب) أي مسحور (قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم) بهمزة مفتوحة فعين ساكنة (رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا) وسبق أن في مسلم أنه كان كافرًا وجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ومن أطلق عليه منافقًا نظر إلى ظاهر أمره، وحكى عياض في الشفاء أنه كان أسلم، وعند ابن سعد عن الواقدي من مرسل عمر بن الحكم لما رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاء رؤساء
اليهود إلى لبيد بن أعصم وكان حليفًا في بني زريق وكان ساحرًا فقالوا له: أنت أسحرنا وقد سحرنا محمدًا فلم نصنع شيئًا ونحن نجعل لك جعلاً على أن تسحره لنا سحرًا ينكأه فجعلوا له ثلاثة دنانير (قال: وفيم)؟ سحره (قال: في مشط ومشاقة) بالقاف (قال: وأين؟ قال: في جف طلعة) بإضافة جف لطلعة وتنوينها

(8/405)


(ذكر) بالتنوين صفة لجف وهو وعاء الطلع (تحت رعوفة) ولأبي ذر عن الكشميهني راعوفة بزيادة ألف بعد الراء قال في الفتح وهو كذلك لأكثر الرواة وعكس ابن التين وهو حجر يترك في البئر عند الحفر ثابت لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي، وقيل حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي، وقيل حجر بارز من طيها يقف عليه المستقي والناظر فيها، وقيل في أسفل البئر يجلس عليه الذي ينظفها لا يمكن قلعه لصلابته (في بئر ذروان. قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البئر حتى استخرجه) وفي رواية ابن نمير قالت: أفلا أخرجته؟ قال: لا. وفي باب السحر من طريق عيسى بن يونس أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله. قال ابن بطال فيما ذكره عنه في فتح الباري عن المهلب، وقد اختلف الرواة على هشام في إخراج السحر المذكور فأثبته سفيان وجعل سؤال عائشة عن النشرة ونفاه عيسى بن يونس وجعل سؤالها عن الناس خراج، ولم يذكر الجواب. وصرح به أبو أسامة قال: والنظر يقتضي ترجيح رواية سفيان لتقدمه في الضبط، ويؤيده أن النشرة لم تقع في رواية أبي أسامة والزيادة من سفيان مقبولة لأنه أثبتهم، ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين يعني بالمرة الأولى في قوله قال: فاستخرجه فبعد من الوهم، وزاد ذكر النشرة وجعل جوابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها بلا بدلاً عن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان فالمثبت هو استخراج الجف والمنفي استخراج ما حواه. قال: وكأن السر في ذلك أن لا يراه الناس فيتعلمه من أراد السحر انتهى.
وفي حديث عمرة عن عائشة من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع تمثال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا فيه إبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين وكلما قرأ آية انحلّت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألمًا ثم يجد بعدها راحة.
(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعائشة: (هذه البئر التي أريتها) بهمزة مضمومة فراء مكسورة وللكشميهني رأيتها براء فهمزة مفتوحتين (وكأن ماءها نقاعة الحناء) في حمرة لونه، وعند ابن سعد وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم فوجدوا الماء أخضر (وكأن نخلها) أي نخل البستان الذي هي فيه (رؤوس الشياطين) وفي رواية عمرة عن عائشة فإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين أي في قبح منظرها أو الحيات إذ العرب تسمي بعض الحيّات شيطانًا وهو ثعبان قبيح الوجه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فاستخرج) بضم التاء وكسر الراء من البئر (قالت) عائشة رضي الله عنها (فقلت) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أفلا أي تنشرت)؟ وسقطت لفظة أي في بعض النسخ والنشرة الرقية التي يحل بها عقد الرجل عن مباشرة امرأته (فقال: أما) بالتخفيف (والله) جرّ بواو القسم ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر: أمّا والله بتشديد الميم وحذف الواو والرفع (فقد
شفاني) أي من ذلك السحر (وكره أن أُثير على أحد من الناس شرًّا).

50 - باب السِّحْرِ
(باب السحر) ولم يذكر هذا الباب وترجمه عند بعضهم. قال في الفتح: وهو الصواب لأن الترجمة بعينها قد تقدمت قبل بابين ولا يعهد ذلك للبخاري إلا نادرًا عند بعضهم.
5766 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِى دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ ثُمَّ قَالَ: «أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ»؟ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «جَاءَنِى رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ الْيَهُودِىُّ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذِى أَرْوَانَ». قَالَ: فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ قَالَ: «لاَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِى اللَّهُ وَشَفَانِى وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا» وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين من غير إضافة لشيء الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: سحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أنه ليخيل إليه) أي يظهر له من نشاطه وسابق عادته (أنه يفعل الشيء) وللكشميهني فعل الشيء بلفظ الماضي (وما فعله) أي جامع نساءه وما جامعهن فإذا دنا منهن أخذه السحر فلم يتمكن من ذلك وإلى هنا اختصر الحموي وزاد الكشميهني والمستملي (حتى إذا كان ذات يوم) وفي الرواية السابقة أو ذات ليلة بالشك قال في الفتح: والشك من عيسى بن يونس راويه هناك قال: هذا من نوادر ما وقع في البخاري بأن يخرج

(8/406)


الحديث تامًّا بإسناد واحد بلفظين (وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال) عليه الصلاة والسلام:
(أشعرت) أي أعلمت (يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان) هما جبريل وميكائيل (فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) بالتثنية (ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل)؟ يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: مطبوب) أي مسحور. قال القرطبي: إنما قيل للسحر طب لأن أصل الطب الحذف بالشيء والتفطن له فلما كان كلٌّ من علاج المرض والسحر إنما يتأتى عن فطنة وحذق أطلق على كلٍّ منهما هذا الاسم (قال: ومن
طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فيماذا؟ قال: في مشط ومشاطة) بالطاء المهملة (وجف طلعة) بالإضافة وتنوين طلعة ولأبي ذر عن المستملي وجب طلعة بالموحدة بدل الفاء (ذكر) صفة لجف بالفاء أو الباء (قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان) بفتح الهمزة وسكون الراء وسقط لأبي ذر لفظة ذي فعلى الأول فهو من إضافة الشيء لنفسه قيل: والأصل أروان ثم لكثرة الاستعمال سهلت الهمزة فصارت ذروان بالذال المعجمة بدل الهمزة (قال: فذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أناس من أصحابه إلى البئر) سبق ذكر من حصل ذلك منهم -رضي الله عنهم- (فنظر إليها) عليه الصلاة والسلام (وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها) في بشاعة منظرها وخبثها (رؤوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفأخرجته)؟ أي صورة ما في الجب من المشط والمشاطة وما ربط به (قال: لا) فهو مستخرج من البئر غير مستخرج من الجف جميعًا بين النفي والإثبات في الحديثين (أما) بالتشديد (أنا فقد عافاني الله) منه (وشفاني وخشيت أن أثوّر على الناس منه شرًّا) باستخراجه من الجف لئلا يروه فيتعلموه إن أرادوا استعمال السحر. (وأمر) عليه الصلاة والسلام (بها) بالبئر (فدفنت).
وعند أبي عبيد من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رأسه بقرن يعني حين طبّ، قال أبو عبيد، قال ابن القيم: بنى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمر أولاً على أنه مرض وأنه عن مادة سألت إلى الدماغ وغلبت على البطن المقدم منه فغيرت مزاجه فرأى الحجامة لذلك مناسبة فلما أوحي إليه أنه سحر عدل إلى العلاج المناسب له وهو استخراجه قال: ويحتمل أن مادة السحر انتهت إلى إحدى قوى الرأس حتى صار يخيل إليه ما ذكر، فإن السحر قد يكون من تأثير الأرواح الخبيثة وقد يكون من انفعال الطبيعة وهو أشد السحر، واستعمال الحجم لهذا الثاني نافع لأنه إذا هيج الأخلاط وظهر أثره في عضو كان استفراغ المادة الخبيثة نافعًا في ذلك، وقال الحافظ ابن حجر: سلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه القصة مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب ففي أول الأمر فوّض وأسلم لأمر ربه، واحتسب الأجر في صبره على بلائه ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعفه عن فنون عبادته جنح إلى التداوي ثم إلى الدعاء وكلٌّ من المقامين غاية في الكمال.

51 - باب مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا
هذا (باب) بالتنوين (إن من البيان سحرًا) بالنصب وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت وذر عن الكشميهني سحر بالرفع وللحموي والمستملي السحر بالألف واللام.
5767 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلاَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا -أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ- لَسِحْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قدم رجلان) قيل هما الزبرقان بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبالقاف وهو من أسماء القمر لقب به لحسنه واسم أبيه بدر بن امرئ القيس بن خلف، والآخر عمرو بن الأهيم واسم الأهيم سنان يجتمع مع الزبرقان في كعب بن سعد بن زيد مثناة بن تميم فهما تميميان قدما في وفد تميم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة تسع من الهجرة (من المشرق) أي من جهة المشرق وكان سكنى بني تميم من جهة العراق وهي في شرق المدينة

(8/407)


(فخطبا) في دلائل النبوّة للبيهقي من طريق مقسم عن ابن عباس جلس إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهيم وقيس بن عامر ففخر الزبرقان فقال: يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم وآخذ منهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهيم، فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أدنيه فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه من أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو: وأنا أحسدك والله يا رسول الله إنه لئيم الخال خبيث المال أحمق الوالد مضيّع في العشيرة والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الأخرى ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإن غضبت قلت أقبح ما وجدت (فعجب الناس) منهما (لبيانهما فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن من البيان) الذي هو إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم وذكاء القلب وأصل البيان الكشف والظهور (لسحرًا - أو) قال عليه الصلاة والسلام: (إن بعض البيان - لسحر) شك من الراوي فمن للتبعيض كما صرح به. وقال في شرح السُّنَّة: اختلف في تأويله فحمله قوم على الذم لأنه ذم الكلام في التصنع والتكلف في تحسينه ليروق للسامعين وليستمل به قلوبهم كما يفعل السحر حيث يحول الشيء عن حقيقته ويصرفه عن جهته فيلوح للناظرين في غير معرض فكذلك المتكلم قد يحيل الشيء عن ظاهره ببيانه ويزيله عن موضعه بلسانه إرادة التلبيس على السامع أو إن من البيان ما يكسب صاحبه من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره أو هو الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وشاهده قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه" الحديث. وذهب آخرون إلى أن المراد منه مدح البيان والحث على تحسين الكلام وتحبير الألفاظ.
وروي عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أن رجلاً طلب إليه حاجة كان يتعذر عليه إسعافه بها فاستمال قلبه بالكلام ثم أنجزها له ثم قال: هذا هو السحر الحلال والأحسن كما قال الخطابي: إن هذا الحديث ليس ذمًّا للبيان ولا مدحًا له لقوله من البيان فأتي بلفظ من التبعيضية وبالتصريح أيضًا به، وقد اتفق على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة.
وقال في شرح المشكاة: والحق أن الكلام إذا كان ذا وجهين يختلف بحسب المغزى والمقاصد
لأن مورد المثل على ما روي عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قصة الزبرقان وعمرو كان استحسانًا، لكن تعقب في الفتح القول بأن الرجلين المذكورين في حديث الباب هما الزبرقان وعمرو، وقال بعد ما ذكر ما سبق من قولهما وهذا لا يلزم منه أن يكونا هما المراد بحديث ابن عمر فإن المتكلم إنما هو عمرو بن الأهيم وحده وكان كلامه في مراجعة الزبرقان فلا يصح نسبة الخطبة إليهما إلا على طريقة التجوّز.
وفي جامع عبد الرزاق من مسند مجاهد قال: خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبة في بعض الأمر ثم قام أبو بكر فخطب خطبة دونها ثم قام عمر فخطب خطبة دون خطبة أبي بكر ثم قام شاب فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الخطبة فأذن له فطوّل الخطبة فلم يزل يخطب حتى قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هنية) أو كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال: (وإن الله لم يبعث نبيًا إلا مبلّغًا وإن تشقيق الكلام من الشيطان وإن من البيان لسحرًا) أو (من البيان سحر) قال شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي: فهذه خلاف القصة الأخرى جزمًا.
وهذا الحديث سبق في النكاح في باب الخطبة، وأخرجه أبو داود في الأدب، والترمذي في أبواب البر، ورواه أكثر رواة الموطأ مرسلاً ليس فيه ابن عمر.

52 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ
(باب الدواء بالعجوة) وهي ضرب من أجود تمر المدينة، وقال القزاز: إنه مما غرسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده بالمدينة (للسحر) أي لأجل دفع

(8/408)


السحر وتبطيله.
5768 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ أَخْبَرَنَا هَاشِمٌ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ سَمٌّ، وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ». وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبْعَ تَمَرَاتٍ.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني كما جزم به أبو نعيم في المستخرج والمزي في الأطراف. وقال الكرماني في الكواكب الدراري: إنه في بعض النسخ علي بن سلمة بفتح اللام اللبقي بفتح الموحدة وبالقاف. قال في الفتح: وما عرفت سلفه فيه، وقال العيني: غرضه أي في الفتح التشنيع على الكرماني بغير وجه لأنه ما ادّعى فيه جزمًا أنه ابن سلمة وإنما نقله عن نسخة هكذا ولو لم تكن النسخة معتبرة لما نقله منها. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه أي الكرماني لو كانت معتمدة عنده ما أبهمها فإنه ينقل من نسخة الفربري تارة من نسخة الصغاني تارة ونحوهما وإذا أدار الأمر بين ما جزم به أبو نعيم ومن تبعه وبين نسخة مجهولة أيهما يعتمد عليه؟. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في تقريبه: علي بن سلمة اللبقي يقال: إن البخاري روى عنه فذكره
بصيغة التمريض وقد ذكر في المقدمة أن في الشفعة وتفسير سورة الفتح حدّثنا علي حدّثنا شبابة، وعلي هذا نسبه أبو ذر عن المستملي في روايته في الموضعين علي بن سلمة وهو اللبقي. وفي تفسير المائدة وباب الدعاء في الصلاة من كتاب الدعوات حدّثنا علي حدّثنا مالك بن سعير وعلى هذا هو ابن سلمة اللبقي انتهى.
وذكره ابن خلفون في مشايخ البخاري وقال الذهبي في تهذيب التهذيب: قال أبو الوليد الفقيه: سمعت أبا الحسن الزهري يقول: حضرت محمد بن إسماعيل وسئل عن علي بن سلمة فقال: ثقة وقد مضيت معه سمعنا منه قال: (حدّثنا مروان) بن معاوية الفزاري قال: (أخبرنا هاشم) هو ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قال: (أخبرنا عامر بن سعد) هو ابن عم عامر بن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من اصطبح) أي من أكل صباحًا (كل يوم تمرات) بالتنوين (عجوة) بالنصب عطف بيان أو صفة لتمرات، ولأبي ذر تمرات عجوة بإضافة تمرات لعجوة كثياب خز (لم يضره سم) بضم السين وفتحها (ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل) مفهومه أن السر الذي في أكل العجوة من دفع ضرر السم والسحر يرتفع إذا دخل الليل في حق من تناوله من أول النهار. قال في الفتح: ولم أقف في شيء من الطرق على حكم من تناول ذلك أول الليل هل يكون كمن تناوله أول النهار حتى يدفع عنه ضرر السم والسحر إلى الصباح قال: والذي يظهر خصوصية ذلك بالتناول أول النهار لأنه حينئذ يكون الغالب أن تناوله يقع على الريق، فيحتمل أن يلتحق به من تناوله أول الليل أول على الريق كالصائم انتهى.
قال تلميذه شيخنا الحافظ السخاوي: وقع في حديث الباب من طريق رواية فليح عن عامر فإنه قال: وأظنه وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح رواه أحمد في مسنده، بل وقع عند الطبراني في الأوسط من حديث أبي طوالة عن أنس عن عائشة مرفوعًا: "من أكل سبع تمرات من عجوة المدينة في كل يوم" الحديث. قال: ومن أكلهن ليلاً لم يضره.
(وقال غيره) أي غير علي شيخ المؤلّف وكأنه أراد جمعة (سبع تمرات) والمطلق في الأول يحمل على المقيد.
5769 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ سَمِعْتُ سَعْدًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق بن منصور) المروزي قال: (أخبرنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هاشم بن هاشم) أي ابن عتبة بن أبي وقاص قال: (سمعت
عامر بن سعد) يقول: (سمعت سعدًا -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من تصبح) بفوقية مفتوحة وبعد الصاد المهملة موحدة مشددة وأصل الصبوح والاصطباح تناول الشراب صبحًا ثم استعمل في الأكل أي من أكل في الصباح زاد في الأولى كل يوم (سبع تمرات) بالتنوين (عجوة) عطف بيان أو صفة ولأبي ذر بإضافة تمرات لتاليها وهو منصوب على ما لا يخفى، ولأبي ذر عن الكشميهني: بسبع تمرات بزيادة الموحدة الجازة في سبع عجوة جر عطف بيان أو صفة كما هو واضح وزاد في رواية أبي ضمرة من تمر العالية والعالية القرى التي في الجهة المتعالية من المدينة وهي جهة نجد (لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) ولمسلم عن عائشة في عجوة العالية شفاء من أول

(8/409)


البكرة، وفي النسائي من حديث جابر رفعه: العجوة من الجنة وهي شفاء من السم ببركة دعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتمر المدينة لا لخاصية في التمر. قال الخطابي: ووصف عائشة ذلك بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرد قول من قال إن ذلك خاص بزمانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نعم من جربه وصح معه عرف استمراره وإلاّ فهو مخصوص بذلك الزمان، وأما التخصيص بالسبع فقال النووي: لا يعقل معناه كإعداد الصلوات ونصب الزكاة، وقال القرطبي: إن الشفاء بالعجوة من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني قال: ومن أئمتنا من تكلف لذلك فقال: إن السموم إنما تقتل لإفراط برودتها فإذا دام على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم، لكن هذا يلزم منه رفع خصوصية عجوة المدينة بل خصوصية العجوة مطلقًا بل خصوصية التمر فإن الأدوية الحارة ما هو أولى من التمر وتخصيص السبع لا يعلمه إلا الله ومن أطلعه الله عليه، وقول ابن القيم: إنه إذا أديم أكل العجوة على الريق يخفف مادة الدود ويضعفه أو يقتله فيه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السم، لكن سياق الحديث يقتضي التعميم لأنه نكرة في سياق النفي ويبقى القول في السحر فالمصير إلى أن ذلك من سرّ دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتمر المدينة ولكونه غرسه بيده الشريفة أولى.

53 - باب لاَ هَامَةَ
هذا (باب) بالتنوين (لا هامة) بتخفيف الميم على المشهور.
5770 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ صَفَرَ، وَلاَ هَامَةَ». فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِى الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا عدوى) أي لا تجاوز العلة من صاحبها إلى غيره (ولا صفر) داء يأخذ في البطن يزعمون أنه يعدي وقيل غير ذلك مما سبق (ولا هامة) بتخفيف الميم لا تشاؤم بالبومة ولا حياة لهامة الموتى إذ كانوا يزعمون أن عظم الميتة يصير هامة ويحيا ويطير (فقال أعرابي): لم أعرف اسمه (يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء) بكسر المعجمة وبعدها موحدة فهمزة ممدودًا جمع ظبي أي في النشاط والقوّة والسلامة وصفاء بدنها وكأنها حال من الضمير المستتر في خبر كان (فيخالطها البعير الأجرب فيجربها) بضم أوله أي يكون سببًا لوقوع الجرب بها كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل على الأصحاء أمرضهم فنفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك وأبطله فلما أورد الأعرابيّ الشبهة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (فمن أعدى) البعير (الأول) أي ممن سرى إليه الجرب فإن قالوا من بعير آخر لزم التسلسل أو قالوا بسبب آخر فعليهم أن يبينوه وإن قالوا الفاعل في الأول هو الفاعل في الثاني ثبت المدعى وهو أن الذي فعل ذلك بالجميع هو الله فالجواب في غاية الرشاقة والبلاغة.
5771 - وَعَنْ أَبِى سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ». وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ قُلْنَا أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لاَ عَدْوَى؟ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِىَ حَدِيثًا غَيْرَهُ. [الحديث 5771 - طرفه في: 5774].
(وعن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف بالسند السابق أنه (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (بعد) أي بعد أن سمع منه لا عدوى الخ (يقول قال النبي) ولأبي ذر قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يوردن) بكسر الراء ونون التأكيد الثقيلة (ممرض) بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الراء بعدها ضاد معجمة الذي له إبل مرضى (على مصح) بضم الميم وكسر الصاد المهملة بعدها حاء مهملة أيضًا من له إبل صحاح لا يوردن إبله المريضة على إبل غيره الصحيحة، وجمع ابن بطال بين هذا والسابق فقال: لا عدوى إعلام بأنها لا حقيقة لها وأما النهي فلئلا يتوهم المصح أن مرضها حدث من أجل ورود المريض عليها فيكون داخلاً بتوهمه ذلك في تصحيح ما أبطله النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل غير ذلك (وأنكر أبو هريرة حديث الأول) قال في الفتح: بالإضافة كمسجد الجامع، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني الحديث الأول، ولمسلم من رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة كان أبو هريرة يحدثهما كليهما عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى (قلنا) ولأبي ذر: وقلنا (ألم تحدّث أنه لا عدوى) وفي رواية

(8/410)


يونس بن أبي ذباب بضم المعجمة بعدها موحدتان بينهما ألف وهو ابن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريبرة تحدّثنا بهذا الحديث: لا عدوى فأبى أن يعرف ذلك، وعند الإسماعيلي من رواية شعيب فقال الحارث: إنك حدّثنا فذكره، قال: فأنكر أبو هريرة وغضب وقال: لم أحدّثك ما تقول (فرطن) تكلم (با) للغة. (الحبشية) بما لا يفهم، وقال العيني: لا رطانة بالحبشية هنا حقيقة وإنما هو غضب فتكلم بما لا يفهم (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن (فما رأيته) أي أبا هريرة وللكشميهني رأيناه (نسى حديثًا غيره). وفي رواية يونس، قال أبو سلمة لقد كان يحدّثنا به فما
أدري أنسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين الآخر. وقال السفاقسي: لعل هذا من الأحاديث التي سمعها قبل بسط ردائه ثم ضمه إليه عند فراغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مقالته في الحديث المشهور.

54 - باب لاَ عَدْوَى
هذا (باب) بالتنوين (لا عدوى).
5772 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمْزَةُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِى ثَلاَثٍ: فِى الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) الأنصاري الحافظ نسبه لجدّه عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء واسم أبيه كثير بالمثلثة ابن عفير (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله و) أخوه (حمزة أن) أباهما (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا عدوى) لا سراية (ولا طيرة) ولا تشاؤم نفى أولاً بطريق العموم ثم أثبت فقال: (إنما الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تبدل واوًا (في ثلاث) متعلق بمحذوف تقديره كائن وفي نسخة في الثلاث (في الفرس والمرأة، والدار) قال ابن العرب: الحصر هنا بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة انتهى.
وقد رواه مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف أداة الحصر. نعم في رواية عثمان بن عمير: لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاث، قال مسلم: لم يذكر أحد في حديث ابن عمر لا عدوى إلا عثمان بن عمير، قال الحافظ ابن حجر: ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود لكن قال فيه: إن تكن الطيرة في شيء الحديث. والطيرة والشؤم بمعنى واحد، وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من فسّر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليها، وشؤم الدار جار السوء، وفيما اختاره الحافظ أبو الطاهر أحمد السلفي من الطيوريات من حديث ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا كان الفرس حرونًا فهو مشؤوم وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجًا قبل زوجها فحنّت إلى الزوج الأول فهي مشؤومة، وإذا كانت الدار بعيدة عن المسجد لا يسمع فيها الأذان والإقامة فهي مشؤومة وإذا كن بغير هذا الوصف فهن مباركات". وأخرجه الدمياطي في كتاب الخيل وإسناده ضعيف، وفي حديث حكيم بن معاوية عند الترمذي قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس". وهذا كما قال في الفتح في إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة.
وهذا الحديث قد مرّ في باب: لا طيرة.
5773 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنا أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ولأبي ذر وابن عساكر يقول: (لا عدوى).
5774 - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ».
(قال أبو سلمة بن عبد الرحمن) بالسند السابق (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا توردوا) بالفوقية وصيغة الجمع (الممرض) بكسر الراء في الفرع وفي غيره الممرض بفتحها أي من الإبل (على المصح) منها فربما يصاب بذلك المرض فيقول الذي أورده لو أني ما أوردته عليه لم يصبه من هذا المرض شيء والواقع أنه لو لم يورده لأصابه لأن الله تعالى قدّره، فنهى عن إيراده لهذه العلة التي لا يؤمن غالبًا من وقوعها في قلب المرء وهو كنحو قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فر من المجذوم فرارك

(8/411)


من الأسد"، وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي لكنا نجد في أنفسنا نفرة وكراهية لمخالطته ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: لا يورد بالمثناة التحتية وكسر الراء في الفرع وفي غيره لا يورد بفتحها مبنيًّا للمفعول. الممرض رفع نائب عن الفاعل.
5775 - وَعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سِنَانُ بْنُ أَبِى سِنَانٍ الدُّؤَلِىُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى» فَقَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ تَكُونُ فِى الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ فَيَأْتِيهِ الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ».
(وعن الزهري) بالسند السابق أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سنان بن أبي سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون فيهما واسم أبي سنان يزيد بن أمية (الدؤلي) بضم الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة نسبة إلى الدؤل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله قال):
(لا عدوى) يعني أن المرض لا يتعدّى من صاحبه إلى من يقاربه من الأصحاء فيمرض لذلك ودخول النسخ في هذا كما تخيله بعضهم لا معنى له فإن قوله: لا عدوى خبر محض لا يمكن
نسخه إلا بأن يقال هو نهي عن اعتقاده العدوى لا نفي لها (فقام أعرابي) لم أعرف اسمه (فقال) يا رسول الله (أرأيت) أخبرني (الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء) في الصحة والحسن والقوّة (فيأتيه) بضمير المذكر ولأبي ذر عن الكشميهني فيأتيها (البعير الأجرب) فيخالطها (فتجرب) لذلك (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فمن أعدى) البعير (الأول) مراده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الأول لم يجرب بالعدوى بل بقضاء الله وقدره فكذلك الثاني وما بعده، وزاد في حديث ابن مسعود عند الإمام أحمد بعد قوله: فمن أجرب الأول؟ إن الله خلق كل نفس وكتب حالها ومصابها ورزقها. الحديث، فأخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ذلك كله بقضاء الله وقدره كما دل عليه قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب} [الحديد: 22] الآية. وأما النهي عن إيراد الممرض فمن باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى وجعلها أسبابًا للهلاك أو الأذى والعبد مأمور باتقاء أسباب البلاء إذا كان في عافية منها، وفي حديث مرسل عند أبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بحائط مائل فقال: أخاف موت الفوات.
5776 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ». قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا عدوى) نهي لما يعتقده أهل الجاهلية من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك (ولا طيرة) وهي من أعمال أهل الشرك والكفر فقد حكاه الله تعالى عن قوم فرعون وقوم صالح وأصحاب القرية التي جاءها المرسلون وورد من ردته الطيرة عن أمر يريده فقد قارف الشرك، وفي حديث ابن مسعود مرفوعًا: "الطيرة من الشرك وما منا إلا من تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل" والمشروع اجتناب ما ظهر منها واتقاؤه بقدر ما وردت به الشريعة كاتقاء المجذوم وأما ما خفي منها فلا يشرع اتقاؤه واجتنابه فإنه من الطيرة المنهي عنها. وفي حديث مرسل عند أبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ليس عبدًا لا يدخل قلبه طيرة فإذا أحس بذلك فليقل أنا عبد الله ما شاء الله لا قوة إلا باله لا يأتي بالحسنات إلا الله ولا يذهب بالسيئات إلا الله أشهد أن الله على كل شيء قدير" ثم يمضي لوجهه.
(ويعجبني الفأل) بهمزة ساكنة كاللاحقة (قالوا: وما الفأل)؟ يا رسول الله (قال: كلمة طيبة) يسمعها أحدكم إذا خرج لحاجته كيًا نجيح وما أشبه ذلك.
وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب الفأل.

55 - باب مَا يُذْكَرُ فِى سَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب ما يذكر في سمّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في القاموس: السم القاتل المعروف ويثلث الجمع سموم وسمام انتهى. وهو هنا من إضافة المصدر لمفعوله، وقول الكرماني سم بالحركات الثلاث تعقبه العيني بأنه مصدر فلا تكون فيه السين مفتوحة جزمًا والحركات الثلاث إنما تكون في كونه اسمًا (رواه) أي سم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله البزار وغيره وساقه المؤلّف معلمًا أيضًا في الوفاة النبوية بلفظ

(8/412)


قال عروة، قالت عائشة: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم".
5777 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْمَعُوا لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ». فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْهُ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَبُوكُمْ»؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلاَنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ»، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ. فَقَالَ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى أَبِينَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ»؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا»، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟» قَالُوا: «نَعَمْ». فَقَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ»؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: لما) بتشديد الميم (فتحت خيبر أهديت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول كفتحت الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة فيها سم) برفع شاة نائب الفاعل أهدتها زينب بنت الحارث أمره سلام بن مشكم وأكثرت السم في الكتف والذراع لما بلغها أن ذلك أحب أعضاء الشاة إليه عن فتناول عليه الصلاة والسلام الكتف فنهس منها فلما ازداد قال: إن الشاة تخبرني أنها مسمومة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين المأمورين بذلك (فجمعوا له) بضم الجيم (فقال) لهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما اجتمعوا عنده: (إني
سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه)؟ بكسر الدار والقاف وتشديد المثناة التحتية على القاعدة في مثله لأن أصله صادقونني فأضيف لياء المتكلم فحذفت النون للإضافة فالتقى ساكنان واو الجمع وياء المتكلم فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في تاليتها فصار صادقي بضم القاف وتشديد الياء ثم أبدلت ضمة القاف كسرة للياء فصار صادقي بكسر القاف وتشديد الياء، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر صادقوني بقاف مضمومة بعدها واو ساكنة فنون مكسورة وهي نون الوقاية وهي قد تلحق اسم الفاعل وأفعل التفضيل والأسماء المعربة المضافة إلى ياء التكلم لتقيها خفاء الأعراب، فلما منعت ذلك كانت كأصل مرفوض فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل قاله ابن مالك (قالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أبوكم؟ قالوا أبونا فلان) قال ابن حجر لم أعرفه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذبتم بل أبوكم فلان) أي إسرائيل يعقوب بن إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه (فقالوا: صدقت وبررت) بكسر الراء الأولى وحكي فتحها (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (هل أنتم صادقي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بالنون كما مرّ (عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك) بتخفيف الذال المعجمة (عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها) زمانًا (يسيرًا ثم تخلفوننا فيها) بسكون الخاء المعجمة وضم اللام مخففة (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اخسؤوا فيها) اسكنوا فيها سكون ذلة وهوان (والله لا نخلفكم فيها أبدًا) لا تخرجون منها ولا نقيم بعدكم فيها لأن من دخلها من عصاة المسلمين يخرج منها، وحينئذ فلا خلافة أصلاً. وعند الطبراني من طريق عكرمة قال: خاصمت اليهود رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه فقالوا: لن ندخل إلا أربعين ليلة ويستخلفنا إليها قوم آخرون يعنون محمدًا وأصحابه، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده على رؤوسهم "بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم فيها أحد" فأنزل الله تعالى {وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة} [البقرة: 80] الآية. وقد ذكروا في الأيام المعدودة وجهين الأول أن لفظة الأيام لا تضاف إلا إلى العشرة فما دونها ولا تضاف إلى ما فوقها فيقال أيام خمسة وأيام عشرة، ولا يقال أيام إحدى عشرة، ويشكل على هذا قوله تعالى: {كُتب عليكم الصيام} إلى أن قال: {أيامًا معدودات} [البقرة: 183] وهي أيام الشهر كله وهي أزيد من العشرة. قال بعضهم: وإذا ثبت أن الأيام محمولة على العشرة فما دونها فالأشبه أنه الأقل أو الأكثر لأن من يقول ثلاثة يقول أحمله على أقل الحقيقة فله وجه؛ ومن يقول عشرة أحمله على الأكثر وله وجه، وأما حمله على أقل من العشرة وأزيد من الثلاثة فلا وجه له لأنه ليس عدد أوّلي من عدد اللهم إلا إذا جاءت في تقديرها

(8/413)


رواية صحيحة فحينئذ يجب القول بها، وقد روي من طريق ابن إسحاق عن سيف بن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يومًا في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت. قال الحافظ ابن حجر: وهذا سند حسن، وقال الحسن وأبو العالية، قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر فأقسم ليعذبنا أربعين يومًا ولن تمسنا النار إلا أربعين يومًا تحلة القسم فكذبهم الله تعالى بما أنزل من هذه
الآية وقالت طائفة: إن اليهود قالوا إن في التوراة إن جهنم مسيرة أربعين سنة وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم رواه الضحاك عن ابن عباس.
(ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لهم: فهل) ولأبي ذر: هل (أنتم صادقي) بتشديد الياء، وللأربعة صادقوني كما سبق (عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا): ولأبي ذر فقالوا: (نعم. فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا؟ فقالوا: نعم. فقال: وما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كذابًا) بتشديد الذال المعجمة وللكشميهني كاذبًا بالألف بعد الكاف (نستريح) ولأبي ذر وابن عساكر أن نستريح (منك وإن كنت نبيًّا لم يضرك) وعند ابن سعد عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي وعمي وأخي ونلت من قومي فقلت إن كان نبيًّا فستخبره الذراع وإن كان ملكًا استرحنا منه.
واختلف هل قتلها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تركها؟ وقد سبق القول في ذلك في موضعه من المغازي، وعند السادة الحنفية إنما تجب فيه الدّية لا القصاص، وقال الشافعي: لو ضيف بمسموم بسم يقتل غير مكلف كصبي ومجنون فمات بتناوله له فإنه يوجب القود على المضيف لأنه كالإلجاء إلى الأكل سواء قال له هو مسموم أم لا أما المكلف فإن علم حال ما تناوله فلا قول ولا دية لأنه القاتل لنفسه بلا تغرير وإن جهله فخلاف والأظهر في المنهاج كأصله وأصل الروضة أنه لا قول لأنه مختار باشر ما هلك به بغير إلجاء وأنه تجب الدّية للتغرير، وحكى ذلك الرافعي عن نقل الإمام وغيره، وحكي عن أبي إسحاق وغيره وترجيح وجوب القود، وقال البلقيني وغيره: إنه مذهب الشافعي فإنه رجحه فقال في الأم أنه أشبهها وكغير المكلف فيما ذكر أعجمي يعتقد وجوب طاعة آمره.
وهذا الحديث قد سبق في الجزية والمغازي.

56 - باب شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ
(باب شرب السم والدواء) أي التداوي (به وبما) بالموحدة ولأبي ذر وابن عساكر وما (يخاف منه) بضم التحتية والعطف في الرواية الأولى على قوله به لإعادة الجار وفي الثانية على لفظ السم (و) الدواء (الخبيث) لنجاسته كالخمر ولحم الحيوان المحرم الأكل أو لاستقذاره فتكون كراهته من جهة إدخال المشقّة على النفس وشطب في الفرع بالحمرة على قوله والخبيث. وقال في المصابيح: إنها ثابتة في رواية القابسي وأبي ذر ساقطة لغيرهما قال: وذكرها الترمذي في الحديث بلفظ: ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الدواء الخبيث. قال البدر الدماميني: وهو حجة على الشافعية في إجازتهم التداوي بالنجس، وقول الترمذي يعني السم غير مسلم فاللفظ عام ولم يقم دليل على التخصيص بما ذكره انتهى.
قال في فتح الباري: حمل الحديث على ما ورد في بعض طرقه أولى وقد ورد في آخر الحديث متصلاً به يعني السم قال: ولعل البخاري أشار في الترجمة إلى ذلك.
5778 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ
قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهْوَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسَمُّهُ فِى يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) بن سليمان أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه (قال: سمعت ذكوان) أبا صالح السمان (يحدّث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أنه (قال):
(من تردى) أي أسقط نفسه (من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا) بفتح اللام المشددة (فيها أبدًا) إن جازاه الله والخلود قد يراد به طول المقام (ومن تحسى) بالحاء والسين المشددة المهملتين تجرع (سمًّا فقتل نفسه) به (فسمّه في يده يتحسّاه) يتجرعه (في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ومن قتل

(8/414)


نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ) بفتح التحتية والجيم المخففة وبالهمزة، وقال العيني وبعد الألف همزة، وقال في القاموس وجأه باليد والسكين كوضعه ضربه كتوجأه، وقال في المصابيح: هو مضارع وجأ مثل وهب يهب. قال العيني: أصله يوجئ حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ثم فتحت الجيم لأجل الهمزة، وقول السفاقسي إن رواية أبي الحسن يجأ بضم أوله. قال العيني: لا وجه وإنما يبنى للمجهول بإعادة الواو فيقال يوجأ أي يطعن (بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا) أي مكثًا طويلاً أو هو في حق كافر بعينه كما قاله السفاقسي واستبعده الحافظ ابن حجر.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان والترمذي في الطب والنسائي في الجنائز.
5779 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي الحافظ وسقط لغير أبي ذر ابن سلام قال (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أحمد بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (أبو بكر) الكوفي مولى عمر بن حريث له أوهام المخزومي وليس له عند البخاري إلا هذا الموضع قال: (أخبرنا هاشم بن هاشم) هو ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري الوقاصي (قال: أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين (قال: سمعت أبي) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (يقول: سمعت رسول الله- يقول):
(من اصطبح بسبع تمرات) بالتنوين (عجوة) بالجر عطف بيان أو نصب على الحال أي من أكلها في الصباح زاد في باب الدواء بالعجوة للسحر كل يوم (لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) زاد في الباب المذكور إلى الليل وقيّده هنا بالسبع، وفي رواية أبي ضمرة من تمر العالية فقيّده بالمكان أيضًا، وفي مسلم في عجوة العالية شفاء.
وسبق هذا الحديث قريبًا.

57 - باب أَلْبَانِ الأُتُنِ
(باب ألبان الأتن) بضم الهمزة والمثناة الفوقية الحمارة والأوتانة قليلة والجمع آتن وأتن وأتن بمد الأولى وضم الثانية مع سكون الفوقية وضمها في الثالثة.
5780 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىِّ رضى الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ. قَالَ الزُّهْرِىُّ وَلَمْ أَسْمَعْهُ حَتَّى أَتَيْتُ الشَّأْمَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي إدريس) عائذ الله (الخولاني) بالخاء المعجمة المفتوحة والواو الساكنة (عن أبي ثعلبة) بالمثلثة المفتوحة والمهملة الساكنة جرهم بالجيم المضمومة والراء الساكنة (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وكسر النون الصحابي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (عن أكل كل ذي ناب من السبع) يتقوى بنابه ويصطاد به، ولأبي ذر عن الكشميهني من السباع بلفظ الجمع فرواية الإفراد للجنس (قال الزهري): بالسند السابق (ولم أسمعه) أي الحديث المذكور (حتى أتيت الشام).
5781 - وَزَادَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ هَلْ نَتَوَضَّأُ أَوْ نَشْرَبُ أَلْبَانَ الأُتُنِ أَوْ مَرَارَةَ السَّبُعِ أَوْ أَبْوَالَ الإِبِلِ قَالَ: قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا فَلاَ يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا فَأَمَّا أَلْبَانُ الأُتُنِ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ لُحُومِهَا وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَلْبَانِهَا أَمْرٌ وَلاَ نَهْىٌ وَأَمَّا مَرَارَةُ السَّبُعِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ.
(وزاد الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات وذكره أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي ضمرة أنس بن عياض قال: (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم (قال) ابن شهاب (وسألته) أي: وسألت أبا إدريس والجملة حالية (هل نتوضأ أو نشرب ألبان الأتن) هو نوع من تنازع الفعلين (أو مرارة السبع أو أبوال الإبل؟
قال) أبو إدريس: (قد كان المسلمون يتداوون بها) أي بأبوال الإبل (فلا يرون بذلك) التداوي (بأسًا فأما ألبان الأتن فقد بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن) أكل (لحومها) لاستخبائها (ولم يبلغنا عن ألبانها أمر ولا نهي) نعم حرمه أكثر أهل العلم ورخص فيه عطاء وطاوس والزهري، والأول أصح لأن حكم الألبان حكم اللحم لأنه متولد منه (وأما مرارة السبع؟ قال ابن شهاب أخبرني) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد في الروايتين (أبو إدريس) عائذ الله (الخولاني أن أبا ثعلبة) جرهمًا (الخشني أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن أكل كل ذي ناب) يتقوى بنابه (من السبع) بالإفراد على إرادة الجنس ولأبي ذر وابن عساكر السباع بالجمع واللفظ عام فيعم جميع أجزائه مرارته وغيرها وقد أفاد الحافظ عبد العظيم المنذري -رحمه الله- أن أكل لحوم الحمر الأهلية نسخ مرتين

(8/415)


وكذا نكاح المتعة والقبلة والله أعلم.
وهذا الحديث مضى في الذبائح في باب أكل كل ذي ناب من السباع.

58 - باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى الإِنَاءِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وقع الذباب في الإناء) والذباب بالذال المعجمة والواحدة بهاء والجمع أذبة وذبان بالكسر وذب بالضم قاله في القاموس، وروينا في مسند أبي يعلى الموصلي من حديث أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار إلا النحل، قيل كونه في النار ليس بعذاب له بل ليعذب به أهل النار بوقوعه عليهم وهو أجهل الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة ويتولد من العفونة ولم يخلق له أجفان لصغر حدقته ومن شأن الجفن أن يصقل مرآة الحدقة من الغبار، فجعل الله تعالى له يدين يصقل بهما مرآة حدقته فلذا تراه أبدًا يمسح بيديه عينيه، ومن الحكمة في إيجادها مذلة الجبابرة قيل لولا هي لجافت الدنيا ورجيعها يقع على الأسود أبيض وبالعكس.
5782 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِى تَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِى زُرَيْقٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِى أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِى الآخَرِ دَاءً».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن عتبة بن مسلم) أبي عتبة (مولى بني تيم) بفتح الفوقية وسكون الحتية (عن عبيد بن حنين) بتصغيرهما من غير إضافة لشيء (مولى بني زريق) بتقديم الزاي المضمومة على الراء مصغرًا (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا وقع الذباب في إناء أحدكم) وعند النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان عن أبي سعيد: إذا وقع في الطعام وفي بدء الخلق من البخاري بلفظ: شراب والأولى أشمل منهما
(فليغمسه كله) فيما وقع فيه (ثم ليطرحه) بعد استخراجه من الإناء (فإن في أحد جناحيه شفاء) أي الأيمن لأنه يتقي بالأيسر، ولأبي ذر: إحدى بتأنيثه باعتبار اليد لكن جزم الصغاني بأنه لا يؤنث وصوّب الأول (وفي الآخر داء). وعند ابن حبان في صحيحه من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه يقدم السمّ ويؤخر الشفاء ففيه تفسير الداء الواقع في حديث الباب، واستفيد من الحديث أنه إذا وقع في الماء لا ينجسه فإنه يموت فيه وهذا هو المشهور.
وهذا الحديث قد سبق في بدء الخلق والله الموفق.