شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

77 - كتاب اللباس
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب اللباس) بكسر اللام قال في القاموس: اللباس واللبوس واللبس بالكسر والملبس كمقعد ومنبر ما يلبس.

1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلاَ مَخِيلَةٍ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ
(باب قول الله تعالى) وسقط لأبي ذر لفظ باب وزاد قبل قول الله واوًا عطفًا على اللباس ({قل من حرّم زينة الله}) من الثياب وكل ما يتجمّل به ({التي أخرج}) أصلها ({لعباده}) من الأرض كالقطن ومن الدود كالقز والاستفهام للتوبيخ والإنكار وإذا كان للإنكار فلا جواب له إذ لا يراد به استعلام ولذا نسب مكي إلى الوهم في زعمه أن قوله: {قل هي للذين آمنوا} [الأعراف: 32] إلى آخره جوابه ولولا النص الوارد في تحريم الذهب والإبريسم على الرجال لكان داخلاً تحت عمومها.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله أبو داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما من طريق همام بن يحيى عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه به وهو من الأحاديث التي لم توجد في البخاري إلا معلقة (كلوا واشربوا والبسوا) بهمزة وصل وفتح الموحدة (وتصدقوا في غير إسراف) مجاوزة حد (ولا مخيلة) بالخاء المعجمة بوزن عظيمة من غير تكبر ولم يقع الاستثناء في رواية الطيالسي وليس في رواية الحارث وتصدقوا وزاد في آخره فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ونقل في فتح الباري على الموفق عبد اللطيف البغدادي أن هذا الحديث جامع لفضائل
تدبير الإنسان نفسه وفيه تدبير مصالح النفس والجسد دنيا وأخرى لأن السرف يضر بالجسد وبالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذ كانت تابعة الجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وتضر بالآخرة حيث تكسب الإثم وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس انتهى. وهذا التعليق ثبت للحموي والكشميهني كما في الفرع وقال في الفتح: إنه ثبت للمستملي والسرخسي وسقط للباقين وكذا حكم قوله.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن

(8/416)


أبي شيبة في مصنفه (كل ما شئت) من المباحات (والبس ما شئت) من المباحات (ما خطئتك) بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة بعدها همزة مفتوحة فمثناة فوقية ساكنة ما دامت تجاوزك (اثنتان سرف أو مخيلة) وأو بمعنى الواو.
5783 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ يُخْبِرُونَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام ابن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (وعبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر أيضًا (وزيد بن أسلم) الفقيه العمري (يخبرونه) أي الثلاثة يخبرون مالكًا (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله- قال):
(لا ينظر الله) نظر رحمة (إلى من جرّ ثويه) إزارًا أو رداءً أو قميصًا أو سراويل أو غيرها مما يسمى ثوبًا حال كون جر الثوب (خيلاء) بضم المعجمة وفتح التحتية كبرًا وعجبًا.
وهذا عامّ يتناول الرجال والنساء لكن زاد النسائي والترمذي وصححه متصلاً بهذا الحديث فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا. فقالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: فيرخين ذراعًا لا يزدن عليه، وعند أبي داود عن ابن عمر قال: رخص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمهات المؤمنين شبرًا ثم استردنه فزادهن شبرًا لكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعًا ففيه قدر الذراع المأذون فيه وإنه شبران بشبر اليد المعتدلة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي في اللباس.

2 - باب مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلاَءَ
(باب من جرّ إزاره من غير خيلاء) لا بأس به.
5784 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَ شِقَّىْ إِزَارِى يَسْتَرْخِى إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من جرّ ثوبه خيلاء) بالمد تكبرًا (لم ينظر الله إليه) أي لا يرحمه (يوم القيامة. قال) ولأبي ذر فقال (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (يا رسول الله إن أحد شقي) بكسر المعجمة وفتح القاف مشددة وسكون التحتية بلفظ التثنية أي أحد جانبي (إزاري يسترخي) إلى حقوي وإنما كان يسترخي لنحافة بدنه -رضي الله عنه-، ولأبي ذر وابن عساكر شق بالإفراد (إلا أن أتعاهد ذلك منه) فلا يسترخي لأنه كلما كان يسترخي شدّه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لست) يا أبا بكر (ممن يصنعه خيلاء) فلا حرج على من جر إزاره بغير قصد مطلقًا.
وهذا الحديث مرّ في فضائل أبي بكر.
5785 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّىَ عَنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي أو هو ابن المثنى قال: (أخبرنا عبد الأعلى) السامي بالسين المهملة البصري بالموحدة (عن يونس) بن عبيد الله أحد أئمة البصرة (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة والمهملة (ونحن عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام) حال كونه (يجر ثوبه) حال كونه (مستعجلاً حتى أتى المسجد وثاب الناس) بالمثلثة والموحدة رجعوا إلى المسجد بعد أن خرجوا منه (فصلّى) بهم (ركعتين) وزاد النسائي كما تصلون وحمله البيهقي وابن حبان على أن المعنى كما تصلون في الكسوف لأن أبا بكرب خاطب به أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وفيه بحث سبق في صلاة الكسوف (فجلي) بضم الجيم وكسر اللام مشدّدة فكشف (عنها) عن الشمس (ثم أقبل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (علينا وقال):
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) الدالة على وحدانيته وربوبيته (فإذا رأيتم منها) من الآيات (شيئًا) أو من الكسفة، وفي رواية في كتاب الكسوف فإذا رأيتموهما بالتثنية أي الشمس والقمر (فصلّوا وادعوا الله حتى يكشفها) أي الكسفة، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فقام يجرّ ثوبه مستعجلاً، فإن فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي فيشعر بأن النهي يختص
بما كان للخيلاء فلا ذم إلا ممن قصد الخيلاء لكنه لا حجة فيه لمن أجاز لبس القميص الذي ينجر لطوله إذا خلا عن الخيلاء.
وهذا الحديث قد سبق في كتاب الكسوف في أول أبوابه.

3 - باب التَّشْمِيرِ فِى الثِّيَابِ
(باب التشمير في الثياب)

(8/417)


بالشين المعجمة الساكنة وبعد الميم المكسورة تحتية ساكنة وهو رفع أسفل الثوب.
5786 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ: فَرَأَيْتُ بِلاَلاً جَاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَهَا ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ فِى حُلَّةٍ مُشَمِّرًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْعَنَزَةِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْعَنَزَةِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه، وحكاه في الفتح وأقرّه عليه قال: (أخبرنا ابن شميل) بضم الشين المعجمة مصغرًا النضر بالضاد المعجمة قال: (أخبرنا عمر) بضم العين (ابن أبي زائدة) الهمداني بسكون الميم الكوفي أخو زكريا بن أبي زائدة قال: (أخبرنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة واسمه وهب بن عبد الله -رضي الله عنه- (قال: فرأيت) معطوف على محذوف اختصره المؤلّف هنا وساقه مطوّلاً في أوائل الصلاة أوله: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قبة من أدم الحديث.
وفيه: ثم رأيت ولأبي ذر رأيت (بلالاً جاء بعنزة) بفتح العين المهملة والنون والزاي أطول من العصا وأقصر من الرمح فيها زج (فركزها ثم أقام الصلاة فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج في حلة) بضم الحاء المهملة وتشديد اللام إزار ورداء أو غيره ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة والجمع حلل وحلال أي خرج حال كونه (مشمّرًا) أسفل الحلة عن ساقيه فالنهي عن كفّ الثوب في الصلاة محله في غير ذيل الإزار (فصلّى ركعتين إلى العنزة ورأيت الناس والدواب يمرون بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من وراء العنزة).

4 - باب مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهْوَ فِى النَّارِ
هذا (باب) بالتنوين (ما أسفل من الكعبين) من الإزار والقميص وغيرهما (فهو في النار).
5787 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِى النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن
أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ما أسفل من الكعبين) من الرجل (من الإزار ففي النار) وما موصولة في محل رفع على أنها مبتدأ وفي النار الخبر وأسفل خبر مبتدأ محذوف وهو العائد على الوصول أي ما هو أسفل وحذف العائد لطول الصلة أو المحذوف كان وأسفل نصب خبر لكان ومن الأولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الجنس، والمراد كما قاله الخطابي أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن لابسه، والمعنى أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة فهو من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حلّ فيه فمن بيانية أو المراد الشخص نفسه تكون سببية، لكن في حديث ابن عمر عند الطبراني قال: رآني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسبلت إزاري فقال: يا ابن عمر كل شيء لمس الأرض من الثياب في النار وحينئذ فلا مانع من حمل حديث الباب على ظاهره فيكون من وادي إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم.
وهذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد الخيلاء وقد نص الشافعي -رحمه الله- على أن التحريم مخصوص بالخيلاء فإن لم يكن للخيلاء كره للتنزيه. وقال في فتح الباري قوله في النار وقع في رواية النسائي من طريق أبي يعقوب وهو عبد الرحمن بن يعقوب سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار) بزيادة فاء قال وكأنها دخلت لتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار عقوبة له اهـ.
قلت في فرع اليونينية الأصل المعتمد من أصول صحيح البخاري ففي بزيادة الفاء وفي الهامش في بغير فاء مرقوم عليها علامة أبي ذر والله أعلم.

5 - باب مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ
(باب من جر ثوبه من الخيلاء) أي لأجلها فمن تعليلية.
5788 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا ينظر الله) نظر رحمة (يوم القيامة إلى من جر إزاره) أو قميصه أو نحوهما (بطرًا) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين مصدر أي تكبرًا وبكسر الطاء فالنصب على الحال.
5789 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ النَّبِىُّ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى فِى حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهْوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولاهم (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال النبي)

(8/418)


ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر الشك من آدم شيخ البخاري.
(بينما) بالميم (رجل) جزم الكلاباذي بأنه قارون وكذا قاله الجوهري في صحاحه وذكر السهيلي في مبهمات القرآن في سور الصافات عن الطبراني أن قائل ابنوا له بنيانًا اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس قال وهو الذي جاء في الحديث بينما رجل (يمشي في حلة) إزار ورداء (تعجبه نفسه) وإعجاب المرء بنفسه كما قال القرطبي هو ملاحظته لها بعين الكمال مع نسيان نعمة الله فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم (مرجل) بكسر الجيم المشددة مسرح (جمته) بضم الجيم وتشدد الميم مجتمع شعر رأسه المتدلي منها إلى المنكبين فأكثر وهو أكبر من الوفرة (إذ خسف الله به فهو يتجلجل) بجيمين مفتوحتين ولامين أولاهما ساكنة أي يتحرك أو يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق (إلى يوم القيامة). وعند الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عباس وأبي هريرة بسند ضعيف جدًّا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من لبس ثوبًا جديدًا فاختال فيه خسف به من شفير جهنم فيتجلجل فيها لأن قارون لبس حلة فاختال فيها فخسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة). وفي تاريخ الطبري عن قتادة قال: ذكر لنا أنه يخسف بقارون كل يوم قامة وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة، والحاصل أن هذا حكاية عن وقوعه في الأمم السابقة. وفي مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة زيادة ممن كان قبلكم وكذا أخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل، وأما ما أخرجه أبو يعلى من طريق كريب قال: كنت أقود ابن عباس فقال: حدّثني العباس قال: بينما أنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أقبل رجل يتبختر بين ثوبين الحديث فهو ظاهر في أنه وقع في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسنده ضعيف، ولئن سلمنا ثبوته فيحتمل التعدد. وحكى القاضي عياض أنه روي يتجلل بجيم واحدة ولام ثقيلة وهو بمعنى يتغطى أي تغطية الأرض اهـ.
والذي في الفرع يتجلل كما حكاه عياض وفي هامشه يتجلجل بجيمين ولامين من غير خط الأصل وقد ذكر في فتح الباري نكتة لطيفة وهي أن مقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسد هذا الرجل فيمكن أن يلغز به فيقال كافر لا يبلى جسده بعد الموت.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضًا.
5790 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلَّلُ فِى الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء الحافظ (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد) أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله أن أباه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (حدّثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم (رجل يجر إزاره) من الخيلاء (خسف) بضم الخاء المعجمة وكسر السين المهملة ولأبي ذر عن الكشميهني إذ خسف (به فهو يتجلجل) بجيمين ولامين (في الأرض إلى يوم القيامة) وحكي أن في بعض الروايات يتخلخل بخاءين معجمتين قال في الفتح وهو تصحيف. وسبق الحديث في ذكر بني إسرائيل (تابعه) أي تابع عبد الرحمن بن خالد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم وسبق موصولاً في أواخر ذكر بني إسرائيل (ولم يرفعه) أي الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شعيب) هو ابن أبي حمزة عن الزهري (عن أبي هريرة) وهذه وصلها الإسماعيلي من طريق أبي اليمان عن ثمامة بلفظ جرّ إزاره مسبلاً من الخيلاء، ولأبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي: عن الزهري وهي واضحة.
0000 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا أَبِى عَنْ عَمِّهِ، جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) أبو جعفر الجعفي البخاري المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير) هو أبو العباس الأزدي البصري الحافظ قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) جرير بن حازم بن زيد الأزدي (عن عمه جرير بن زيد) أبي سلمة البصري (قال: كنت مع سالم بن عبد الله بن عمر على باب داره فقال): بالفاء ولأبي ذر وقال بالواو (سمعت أبا هريرة)

(8/419)


-رضي الله عنه- وهو (سمع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) أي نحو الحديث السابق وليس لجرير بن زيد في البخاري سوى هذا الحديث وقد خالف فيه الزهري وغيره فإن الزهري يقول عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال المزي في أطرافه وهو المحفوظ اهـ.
وتعقبه الحافظ ابن حجر في النكت بأن قوله المحفوظ يقتضي أن تكون الرواية شاذة وليس كذلك فإن البخاري رجح عنده أنه عن سالم على الوجهين عن أبيه وعن أبي هريرة فالقرينة المرجحة لروايته عن أبيه إذ الزهري أحفظ وأعرف بحديث سالم من جرير والقرينة المرجحة لرواية جرير بن زيد القصة التي وقعت في روايته وخلت عنها رواية الزهري فقد قالوا إن الخبر إذا كانت فيه لرواية قصة دلّ ذلك على أنه ضبط.
5791 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: لَقِيتُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ
عَلَى فَرَسٍ وَهْوَ يَأْتِى مَكَانَهُ الَّذِى يَقْضِى فِيهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِى فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ: أَذَكَرَ إِزَارَهُ قَالَ: مَا خَصَّ إِزَارًا وَلاَ قَمِيصًا. تَابَعَهُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: بالإفراد (مطر بن الفضل) المروزي قال: (حدّثنا شبابة) بتخفيف الموحدتين أوله معجمة ابن سوار الفزاري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: لقيت محارب بن دثار) بالمثلثة المخففة بعد المهملة وبعد الألف راء حال كونه راكبًا (على فرس وهو يأتي مكانه الذي يقضي) يحكم (فيه) بين الناس بالكوفة وكان قاضيها (فسألته عن هذا الحديث فحدّثني) بالإفراد (فقال) بالفاء قبل القاف وسقطت لأبي ذر (سمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) سقط عبد الله لأبي ذر (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من جر ثوبه مخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية أي كبرًا وعجبًا ولأبوي الوقت وذر من مخيلة (لم ينظر الله إليه) أي لا يرحمه فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازًا وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية وقال الحافظ الزين العراقي عبر عن المعنى الكائن عند النظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت مسببًا عن النظر (يوم القيامة) فيه الإشارة إلى أن يوم القيامة محل الرحمة المستمرة بخلاف رحمة الدنيا فإنها قد تنقطع بما يتجدد من الحوادث قال شعبة (فقلت لمحارب أذكر) عبد الله بن عمر في حديثه (إزاره؟ قال: ما خص) عبد الله (إزارًا ولا قميصًا) بل عبّر بالثوب الشامل للإزار والقميص وغيرهما. وفي حديث عبد الله بن عمر عن أبيه من طريق سالم عند أبي داود والنسائي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الإسبال في الإزار والقميص والعمامة" الحديث. وقد جرت عاد العرب بإرخاء العذباء فما زاد على العادة في ذلك فهو من الإسبال، وكذا تطويل الأكمام إذا مسّت الأرض وقد حدث للناس اصطلاح بتطويلها للتمييز ومهما كان من ذلك للخيلاء أو وصل إلى جر الذيل الممنوع فحرام (تابعه) أي تابع محارب بن دثار على التعبير بالإزار (جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة وسحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين مصغرًا مما وصله النسائي (وزيد بن أسلم) مما وصله مسلم (وزيد بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب مما لم يقف عليه الحافظ ابن حجر موصولاً (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ النسائي من جر ثوبًا من ثيابه من مخيلة فإن الله لا ينظر إليه ولم يسق مسلم لفظه.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله مسلم (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما-
(مثله) مثل الحديث المذكور ولم يذكر مسلم لفظه بل قال مثل حديث مالك وذكره النسائي بلفظ الثوب وسقط لأبي ذر قوله عن ابن عمر (وتابعه) أي وتابع نافعًا في روايته بلفظ الثوب (موسى بن عقبة) الأسدي فيما وصله في أول أبواب اللباس (وعمر بن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر مما وصله مسلم (وقدامة بن موسى) بن عمر بن قدامة الجمحي المدني التابعي الصغير مما وصله أبو عوانة (عن سالم عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من جر ثوبه خيلاء) وثبت قوله خيلاء في رواية أبي ذر عن الكشميهني.

6 - باب الإِزَارِ الْمُهَدَّبِ وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، وَأَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُمْ لَبِسُوا ثِيَابًا مُهَدَّبَةً
(باب) في حكم لبس (الإزار المهدب) بضم الميم وفتح الهاء والدار المهملة المشددة بعدها موحدة أي الذي له هدب وهي أطراف من سدي بغير لحمة.
(ويذكر) بضم أوله

(8/420)


وفتح ثالثه (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (و) عن (أبي بكر بن محمد) أي ابن عمرو بن حزم الأنصاري (و) عن (حمزة بن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة الساعدي (و) عن (معاوية بن عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (أنهم) أي الأربعة (لبسوا ثيابًا مهدبة) وأثر حمزة بن أبي أسيد وصله ابن سعد وبقيتها لم يقف عليها الحافظ ابن حجر موصولة.
5792 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جَالِسَةٌ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِى فَبَتَّ طَلاَقِى فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا فَسَمِعَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلَهَا وَهْوَ بِالْبَابِ، لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ قَالَتْ: فَقَالَ خَالِدٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّبَسُّمِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ، لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ». فَصَارَ سُنَّةً بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالقاف المضمومة وفتح الراء والمعجمة المشالة وهو رفاعة بن سموال بكسر السين المهملة وقيل رفاعة بن رفاعة خال صفية أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- واسم امرأته تميمة بنت وهب وقيل غير ذلك مما سبق (وأنا جالسة
وعنده أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- جملة حالية (فقالت: يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة فطلقني فبت طلاقي) بمثناة فوقية مشددة أي طلقني ثلاثًا، ويحتمل أن يكون في دفعة وأن يكون في دفعات أي أكمل الثلاث والبت القطع فهو قاطع للوصلة بين الزوجين (فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وبعد الموحدة المكسورة ياء تحتية ساكنة آخره راء مهملة (وأنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة) سقطت لفظة هذه لأبي ذر (وأخذت هدبة من جلبابها) بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف قال النضر هو ثوب أقصر من الخمار وأعرض منه وهو المقنعة (فسمع خالد بن سعيد) هو ابن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة واستشهد في آخر خلافة أبي بكر (قولها) ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة (وهو بالباب) الشريف النبوي (لم يؤذن له) في الدخول (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فقال خالد: يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا والله ما يزيد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التبسم) هو دون الضحك (فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لعلك تريدين أن ترجعي) أي الرجوع (إلى) زوجك الأول (رفاعة) استفهام توبيخ (لا) يجوز لك الرجوع إليه (حتى يذوق) عبد الرحمن بن الزبير (عسيلتك وتذوقي عسيلته) كناية عن الجماع فشبه لذته بلذة العسل وحلاوته، وقد روي عن عائشة مرفوعًا العسيلة هي "الجماع" وإنما صغر إشارة إلى أن القدر القليل يحصل به الحل قال الزهري (فصار) ما ذكر في هذه القصة (سنة) أي شريعة (بعد) بالبناء على الضم فلا تحل المطلقة ثلاثًا للذي طلقها إلا بعد جماع زوج آخر، وقوله فصار قال في الفتح هو من قول الزهري فيما أحسب ومفهوم قول صاحب العدة في شرح العمدة أنه من قول عائشة حيث قال عقب فصار سنة إذا قال الصحابيّ من السنة حمل عند الجمهور من الأصوليين والمحدثين على رفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعده بالضمير.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله مثل هذه الهدبة.
وهذا الحديث سبق في باب من أجاز الطلاق الثلاث من كتاب الطلاق.

7 - باب الأَرْدِيَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: جَبَذَ أَعْرَابِىٌّ رِدَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب الأردية) جمع رداء بالمد ما يجعل من الثياب على العاتق أو بين الكتفين (وقال أنس) -رضي الله عنه-: (جبذ أعرابي رداء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا طرف من حديث موصول يأتي إن شاء الله تعالى بمنّه وعونه في باب البرود والحبرة.
5793 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا - رضى الله عنه - قَالَ: فَدَعَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِى وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي المروزي الحافظ قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال (أخبرني) بالإفراد (علي بن حسين) زين العابدين الهاشمي (أن) أباه (حسين بن علي) سبط رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وريحانته استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله ست وخمسون سنة

(8/421)


-رضي الله عنه- (أخبره أن) أباه (عليًّا -رضي الله عنه-) ولأبي ذر عنهم (قال: فدعا) هو عطف على محذوف سبق ذكره في باب فرض الخمس وهو قول علي كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني شارفًا من الخمس الحديث. وفيه أن حمزة بن عبد المطلب جب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأنه أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه فارتدى به) وسقط لغير أبي ذر فارتدى به (ثم انطلق) عليه الصلاة والسلام حال كونه (يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأذن لهم) حمزة وللحموي والمستملي فأذنوا حمزة ومن معه والمراد من الحديث قوله فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه، وقد سبق مطولاً في الخمس.

8 - باب لُبْسِ الْقَمِيصِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا}
(باب لبس القميص) ليس بحادث وإن شاع في العرب لبس الإزار والرداء. (وقول الله تعالى حكاية) ولأبي ذر وقال الله تعالى: (عن يوسف: {اذهبوا بقميصي هذا}) وفي نسخة واذهبوا بالواو والأول هو الذي في القرآن ({فألقوه على وجه أبي يأتِ بصيرًا}) [يوسف: 93] أي يصر بصيرًا أو يأت إليّ وهو بصير وقد روي أن يهودًا قال أنا أحمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء وأنه حمله وهو حافٍ حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما ثمانون فرسخًا، وأشار المصنف بذكر هذه الآية إلى أن القميص قديم وسقط قوله: {يأت بصيرًا} لأبي ذر.
5794 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ الْخُفَّيْنِ، إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً) أي يسم (قال: يا رسول الله ما يلبس) الرجل (المحرم) مبتدأ وخبر المبتدأ اسم الاستفهام والخبر في جملة يلبس أي أيّ شيء يلبس المحرم والألف واللام في المحرم للجنس ومن في من الثياب لبيان الجنس (من الثياب؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يلبس المحرم القميص) بكسر الميم بالإفراد. قال في القاموس: القميص وقد يؤنث معروف أو لا يكون إلا من قطن وأما من صوف فلا الجمع قمص وأقمصة وقمصان، وقد كان طريق الجواب يلبس كذا لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل عنه فصاحة وبلاغة لأن ما لا يلبس المحرم ينحصر فيما ذكره فتحصل الفائدة للسائل وما يلبسه لا ينحصر فعدل لهذا المعنى فجملة لا يلبس معمولة للقول، ولا ناهية والفعل مجزوم فالسين مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز أن تكون لا نافية والمعنى على النهي والسين مرفوعة وهو الذي في الفرع فيكون خبرًا في معنى النهي (ولا السراويل). قال سيبويه: سراويل واحدة وهي أعجمية عُرَّبت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة وهي مصروفة في النكرة، وإن سميت بها رجلاً لم تصرفها وكذلك إن حقرتها اسم رجل لأنها مؤنث على أكثر من ثلاثة أحرف ومن النحويين من لا يصرفه أيضًا في النكرة ويزعم أنه جمع سروال أو سروالة وينشد:
عليه من اللؤم سروالة ... فليس يرق لمستعطف
ويحتج من ترك صرفه بقوله:
فتى فارسي في سراويل رامح
قال في الصحاح: والعمل على القول الأوّل والثاني أقوى. وقال في القاموس: السراويل فارسية معربة، وقد يذكر الجمع سراويلات أو جمع سروال وسروالة أو سرويل بكسرهن وليس في الكلام فعويل والسراوين بالنون لغة والشروال بالشين المعجمة لغة وهو منصوب عطفًا على القميص.
(ولا البرنس) وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة (ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس) بلام ساكنة بعد الفاء وفي رواية الكشميهني إسقاطها (ما هو أسفل من الكعبين) وفي الحج فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين وكذا في باب البرانس وغيره.
5795 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَتَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ وَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الله بن أبي) ابن سلول المنافق

(8/422)


(بعدما) مات و (أدخل قبره فأمر) عليه الصلاة والسلام (به فأخرج) من قبره (ووضع) بضم الواو الثانية وكسر المعجمة (على ركبتيه) الشريفتين ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على ركبته بالإفراد (ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه والله أعلم) بالواو ولأبي ذر بالفاء بدله أي الله أعلم بسبب إلباسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياه قميصه، وفي الحج وكان عبد الله المذكور كسا
العباس قميصًا فيرون أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألبس عبد الله قميصه مكافأة لما صنع أي مع عمه فجازاه من جنس فعله.
5796 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِى قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَقَالَ لَهُ: «إِذَا فَرَغْتَ فَآذِنَّا» فَلَمَّا فَرَغَ آذَنَهُ فَجَاءَ لِيُصَلِّىَ عَلَيْهِ فَجَذَبَهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّىَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فَنَزَلَتْ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فَتَرَكَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لما توفي عبد الله بن أبي) ابن سلول المنافق (جاء ابنه) عبد الله وكان من فضلاء الصحابة ومخلصيهم -رضي الله عنه- (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه) بالجزم على الجواب أي أكفن أبي (فيه وصل عليه) صلاتك على الميت (واستغفر له فأعطاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قميصه وقال له: إذ فرغت) وزاد أبو ذر عن المستملي (منه) أي من جهازه (فآذنا) بمدّ الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أعلمنا (فلما فرغ) عبد الله من جهازه (آذنه به) وسقط به لغير أبي ذر (فجاء) صلوات الله وسلامه عليه (ليصلّي عليه فجذبه عمر) بن الخطاب- رضي الله عنه ليكفه عن الصلاة عليه (فقال): يا رسول الله (أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال) جل وعلا: ({استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}) [التوبة: 80] فهم -رضي الله عنه- النهي من التسوية بين الاستغفار وعدمه في النفع والصلاة على الميت المشرك استغفار له وهو منهي عنه فتكون الصلاة عليه منهيًا عنها وفي سورة التوبة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما خيرني الله تعالى فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} وسأزيد على السبعين" فقال: إنه منافق فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما فعل ذلك إجراء له على ظاهر حكم الإسلام واستئلافًا لقومه مع أنه لم يقع نهي صريح، وروي أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب التبرك بثوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رواه الطبري.
(فنزلت: ({ولا تصل على أحد منهم}) من المنافقين صلاة الجنازة ({مات}) صفة لأحد ({أبدًا}) ظرف لتصل وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فقيل: ({ولا تقم على قبره}) [التوبة: 84] (فترك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الصلاة عليهم) على المنافقين وثبت ولا تقم على قبره لأبي ذر.
وسبق الحديث بسورة التوبة ومطابقته لما ترجم له هنا في قوله أعطني قميصك.

9 - باب جَيْبِ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ
(باب جيب القميص) الذي يقرّر (من عند الصدر) ليخرج منه الرأس (وغيره) بالجر عطفًا على القميص.
5797 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حَتَّى تَغْشَى أَنَامِلَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا فِى جَيْبِهِ فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَوَسَّعُ. تَابَعَهُ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ فِى الْجُبَّتَيْنِ. وَقَالَ حَنْظَلَةُ: سَمِعْتُ طَاوُسًا سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جُبَّتَانِ. وَقَالَ جَعْفَرٌ عَنِ الأَعْرَجِ جُبَّتَانِ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك العقدي قال (حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي (عن الحسن) بن مسلم بن يناق المكي (عن طاوس) اليماني ابن كيسان أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي قيل اسمه ذكوان ولقبه طاوس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: ضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل البخيل) الذي هو ضد الكريم (و) مثل (المتصدق) الذي يعطي الفقير من ماله في ذات الله (كمثل رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الموحدة تثنية جبة اللباس المعروف (من حديد قد اضطرت أيديهما) بفتح الطاء ونصب التحتية الثانية من أيديهما عند أبي ذر على المفعولية ولغيره بضم الطاء وسكون التحتية مرفوع نائب عن الفاعل (إلى ثديهما) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد التحتية جمع ثدي (وتراقيهما) بالقاف جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق (فجعل) أي طفق (المتصدق

(8/423)


كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه) أي انتشرت عنه الجبة (حتى تغشي) بضم الفوقية وفتح الغين وكسر الشين المشددة المعجمتين كذا لأبي ذر ولغيره بفتح الفوقية وسكون الغين وفتح الشين تغطي (أنامله) رؤوس أصابع رجليه (وتعفو أثره) بفتح الهمزة والمثلثة أي أثر مشيه لسبوغها (وجعل البخيل كلما همّ بصدقة قلصت) بالقاف واللام المخففة والصاد المهملة المفتوحات أي تأخرت وانضمت وارتفعت (وأخذت كل حلقة) بسكون اللام من الجبة (بمكانها. قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (فأنا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول بأصبعه) ولأبي ذر بالتثنية (هكذا في جيبه) بفتح الجيم بعدها تحتية ساكنة فموحدة وهو موافق لما ترجم به ولأبي ذر عن الكشميهني جبته بضم الجيم بعدها موحدة مشددة فمثناة فوقية فضمير والأولى أوجه وفيه التعبير بالقول عن الفعل (فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع). لتعجبت وسقطت إحدى تاءي تتوسع لأبي ذر (تابعه) أي تابع
الحسن بن مسلم (ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) يعني عن أبي هريرة فيما سبق موصولاً في باب مثل المتصدق والبخيل من الزكاة (و) تابعه أيضًا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان فيما وصله في الباب المذكور (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة (في الجبتين) بالباء الموحدة وصحح عليها في الفرع.
(وقال حنظلة): بن أبي سفيان المكي فيما سبق في الزكاة أيضًا (سمعت طاوسًا) يقول (سمعت أبا هريرة يقول: جبتان) بالموحدة أيضًا وفي اليونينية بالنون عند أبي ذر (وقال جعفر) أي ابن ربيعة ولأبي ذر جعفر بن حيان بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المشدّدة العطاردي قال ابن حجر الحافظ كالغساني وهو خطأ والصواب ابن ربيعة (عن الأعرج) عبد الرحمن (جنتان) بضم الجيم بعدها نون تثنية جنة وهي الوقاية. قال الطيبي: وهو أنسب لأن الدرع لا يسمى جبة بالموحدة بل بالنون وأوقع المتصدق مقابلاً للبخل والمقابل الحقيقي السخي إيذانًا بأن السخاء ما أمر به الشرع وندب إليه من الإنفاق لا ما يتعاناه المبذرون، وخص المشبه بهما بلبس الجبتين من الحديد إعلامًا بأن القبض والشح من جبلة الإنسان وخلقته وأن السخاء من عطاء الله وتوفيقه يمنحه من يشاء من عباده المفلحين وخص اليد بالذكر لأن السخي والبخيل يوصفان ببسط اليد وقبضها فإذا أريد المبالغة في البخل قيل مغلولة يده إلى عنقه وثديه وتراقيه، وإنما عدل عن الغلط إلى الدرع لتصور معنى الانبساط والتقلص والأسلوب من التشبيه المفرق شبه السخي الموفق إذا قصد التصدق يسهل عليه ويطاوعه قلبه بمن عليه الدرع ويده تحت الدرع فإذا أراد أن يخرجها منها وينزعها يسهل عليه والبخيل على عكسه.
والحديث سبق في الزكاة.

10 - باب مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ فِى السَّفَرِ
(باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر) لاحتياج المسافر إلى ذلك.
5798 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو الضُّحَى قَالَ: حَدَّثَنِى مَسْرُوقٌ قَالَ: حَدَّثَنِى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (أبو الضحى) مسلم بن صبيح (قال: حدّثني) بالإفراد (مسروق) هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي الكوفي (قال: حدّثني) بالتوحيد أيضًا (المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أسلم عام الخندق وشهد الحديبية وتوفي بالكوفة سنة خمسين -رضي الله عنه- وأل في المغيرة للمح الصفة وبها
صار المغيرة منصرفًا وشعبة لا ينصرف للعلمية والتأنيث (قال: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحاجته) وكان في غزوة تبوك (ثم أقبل) بعد فراغه (فتلقيته) وللحموي والكشميهني: فلقيته بلام بعد الفاء وإسقاط الفوقية وكسر القاف (بماء فتوضأ) وفي كتاب الوضوء وأن مغيرة جعل يصب عليه وهو يتوضأ (وعليه جبة شامية) بتشديد التحتية وتخفف (فمضمض واستنشق وغسل وجهه فذهب يخرج يديه من كميه) بالتثنية فيهما (فكانا ضيقين فأخرج يديه من تحت الجبة) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: من تحت بدنه بفتح الموحدة

(8/424)


والدال المهملة بعدها نون أي جبته والبدن درع ضيقة الكمين وقال في القاموس الدرع الضيقة (فغسلهما ومسح برأسه وعلى خفيه).
والحديث سبق في الوضوء ومطابقته لما ترجم له هنا واضحة.

11 - باب لُبْسِ جُبَّةِ الصُّوفِ فِى الْغَزْوِ
(باب لبس جبة الصوف في الغزو) وسقط قوله لبس لغير أبي ذر.
5799 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فِى سَفَرٍ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّى فِى سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الإِدَاوَةَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّى أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) الشعبي (عن عروة بن المغيرة في أبيه) المغيرة بن شعبة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة في سفر) في غزوة تبوك (فقال) لي:
(أمعك ماء؟ قلت: نعم فنزل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن راحلته فمشى حتى توارى) احتجب (عني في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه الأداوة) أي ما فيها من الماء (فغسل وجهه ويديه وعليه جبّة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها) لضيق كمّيها (حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه) بباء الإلصاق (ثم أهويت) أي مددت يدي (لأنزع خفيه) بكسر الزاي واللام لام كي والفعل بعدها منصوب بإضمار أن بعدها (فقال: دعهما) أي الخفين (فإني أدخلتهما) أي الرجلين حال كونهما (طاهرتين). والفاء في قوله فإني سببية والأصل إنني بنونين حذفت الأولى وسكنت الثانية وأدغمت في الثالثة وقيل حذفت الثانية ورجحه أبو البقاء بحذفها في أن الخفيفة وقيل حذفت الثالثة (فمسح عليهما) فيه إضمار تقديره وأحدث فمسح عليهما لأن وقت جواز المسح بعد الحديث ولا يجوز قبله لأنه على طهارة الغسل.
والحديث سبق في كتاب الوضوء.

12 - باب الْقَبَاءِ وَفَرُّوجِ حَرِيرٍ وَهْوَ الْقَبَاءُ وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِى لَهُ شَقٌّ مِنْ خَلْفِهِ
(باب القباء) بفتح القاف والموحدة المخففة ممدودًا. قال في القاموس: والقبوة انضمام ما بين الشفتين ومنه القباء من الثياب الجمع أقبية انتهى وهو فارسي معرب وقيل عربي (وفرّوج حرير) بفتح الفاء وضم الراء المشددة بعدها واو فجيم مجرور عطف على سابقه مضاف لتاليه (وهو) أي فروج الحرير (القباء ويقال) الفروج (هو الذي له شق من خلفه) بفتح الشين المعجمة وضم القاف منوّنة مشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الذي شق من خلفه بضم الشين وفتح القاف قال في القاموس والفروج قباء شق من خلفه.
5800 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَىَّ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِى قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا فَقَالَ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَضِىَ مَخْرَمَةُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة له صحبة وكان فقيهًا ولد بعد الهجرة بسنتين (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة ثم راء مفتوحة ابن نوفل الزهري شهد حنينًا وأسلم يوم الفتح (أنه قال: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ أنه لغير أبي ذر (أقبية) جمع قباء (ولم يعط) أبي (مخرمة) منها (شيئًا) حينئذٍ وفي رواية حماد بن زيد في الخمس أهديت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية من ديباج مزرّرة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه وعزل منها واحدًا لمخرمة (فقال مخرمة: يا بنيّ انطلق بنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد حاتم بن وردان في الشهادات عسى أن يعطينا منها شيئًا (فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي قال فدعوته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له فخرج إليه وعليه قباء منها) حمله بعضهم على أنه كان قبل النهي عن استعمال الحرير أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقصد لبسه إنما نشره على أكتافه ليراه مخرمة كله أو نشره على يديه وحينئذٍ فقوله وعليه من إطلاق الكل على البعض وفي رواية حاتم فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه (فقال خبأت هذا لك قال) المسور (فنظر إليه) مخرمة (فقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما جزم به الداودي أو مخرمة كما رجحه الحافظ ابن حجر: (رضي مخرمة).
ومناسبة الحديث للترجمة واضحة وقد سبق في باب كيف يقبض العبد والمتاع من كتاب الهبة.
5801 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: أُهْدِىَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ ثُمَّ قَالَ: «لاَ يَنْبَغِى هَذَا لِلْمُتَّقِينَ». تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ وَقَالَ غَيْرُهُ: فَرُّوجٌ حَرِيرٌ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي وسقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر)

(8/425)


الجهني (-رضي الله عنه- أنه قال أهدي) بضم الهمزة وكسر الدال المهملة (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فروج حرير) بالإضافة (فلبسه) لكونه كان حلالاً (ثم صلّى فيه) زاد أحمد من طريق ابن إسحاق وعبد الحميد ثم صلّى فيه المغرب (ثم انصرف) من صلاته بأن سلم بعد فراغه (فنزعه) أي الفروج (نزعًا شديدًا) مخالفًا لعادته في الرفق (كالكاره له) لوقوع تحريمه حينئذٍ (ثم قال):
(لا ينبغي هذا) الحرير (للمتقين) فيتناول اللبس وغيره من الاستعمال كالافتراش والمراد بالإشارة اللبس، وأما المتقين فهم المؤمنون الذين وقوا أنفسهم من الخلود في النار وهذا مقام العموم والناس فيه على درجات ومقام الخصوص مقام الإحسان والمراد هنا الأوّل، وهذه القصة كانت مبدأ تحريم لبس الحرير والراجح أن النساء لا يدخلن في لفظ هذا الحديث ودخولهن بطريق التغليب مجاز يمنع منه ورود الأدلة الصريحة على إباحته لهن وأما الصبيان فلا يحرم عليهم لأنهم لا يوصفون بالتقوى لأنهم غير مكلفين وهذا ما صححه الرافعي في المحرر والنووي في نكته، وصحح الرافعي في شرحيه تحريمه بعد السبع لئلا يعتاده وفي المجموع ولو ضبط بالتمييز على هذا كان حسنًا، وصحح ابن الصلاح تحريمه مطلقًا لظاهر خبر هذان حرام على ذكور أمتي. قال في المجموع: ومحل الخلاف في غير يوم العيد أما فيه فيحل تزيينهم به وبالذهب والفضة قطعًا لأنه يوم زينة وليس على الصبي تعبد وتعبيرهم بالطفل أو الصبي يخرج المجنون وتعليلهم يدخله وفاقًا كما صرح به الغزالي (تابعه) أي تابع قتيبة بن سعيد في روايته عن الليث (عبد الله بن يوسف) التنيسي شيخ المؤلّف (عن الليث) بن سعد الإمام فيما سبق مسندًا في باب من صلّى في فروج حرير ثم نزعه من كتاب الصلاة (وقال غيره) غير عبد الله بن يوسف فيما وصله أحمد عن حجاج بن محمد ومسلم والنسائي عن قتيبة والحارث عن يونس بن محمد المؤدّب كلهم عن الليث بلفظ (فروج حرير) بالتنوين فيهما وحكي ضم الفاء وتخفيف الراء. وقال السفاقسي: والفتح أوجه لأن فعولاً لم يرد إلا في سبوح قدوس وفروخ يعني الفرخ من الدجاج، لكن قال في الفتح: إن الضم يحكى عن أبي العلاء المعري.
وحديث الباب سبق في الصلاة.

13 - باب الْبَرَانِسِ
(باب البرانس) بفتح الموحدة وكسر النون جمع برنس بضم الموحدة والنون قال في القاموس:
قلنسوة طويلة كان النساء في صدر الإسلام يلبسنها أو كل ثوب رأسه منه.
وبالسند إلى البخاري قال.
5802 - وَقَالَ لِى مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ بُرْنُسًا أَصْفَرَ مِنْ خَزٍّ.
(وقال لي مسدد) في المذاكرة وهو موصول لتصريحه بقوله لي: نعم سقطت هذه اللفظة في رواية النسفيّ فيكون معلقًا وقد وصله مسدد في مسنده ورواه معاذ بن المثنى عن مسدد قال: (حدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي (قال: رأيت على أنس) - رضي الله عنه (برنسًا أصفر من خز). بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي ما غلظ من الديباج وأصله من وبر الأرنب ويقال لذكر الأرنب خزز بوزن عمر. قال في الفتح: قال في القاموس: ومنه اشتق الخز، وقال في الكواكب: هو المنسوج من الإبريسم والصوف، وقال غيره: حرير يخلط بوبر وشبهه، وقال ابن العربي: ما أحد نوعيه السدي أو اللحمة حرير والآخر سواء، وقد لبسه جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وابن عباس والتابعين منهم ابن أبي ليلى وغيره وسئل عنه مالك فقال لا بأس به، وقد كرهه آخرون لكونه يشبه لباس النصارى منهم ابن عمر وسالم وابن جبير.
5803 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْبَرَانِسَ، وَلاَ الْخِفَافَ، إِلاَّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْوَرْسُ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (أن رجلاً) أي يسم (قال: يا رسول الله ما يلبس) الرجل (المحرم من الثياب؟ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تلبسوا) أيها المحرمون (القمص)، بالجمع (ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس) وفي المطالع حكاية أنها نوع من الطيالسة (ولا الخفاف) بكسر الخاء المعجمة جمع خف وهو معروف ويجمع على أخفاف (إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين وليقطعهما) حتى يكونا (أسفل من الكعبين

(8/426)


ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسّه) وفي نسخة ما مسّه (زعفران) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الزعفران بالتعريف (ولا ورس) بفتح الواو وسكون الراء بعدها سين مهملة وهو كما في القاموس نبات كالسمسم ليس إلا باليمن يزرع فيبقى عشرين سنة نافع للكلف
طلاء والبهق شربًا ولبس الثوب المورس مقوٍّ على الباءة.
وهذا الحديث سبق في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب في الحج.

14 - باب السَّرَاوِيلِ
(باب السراويل).
5804 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي البصري (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) في المحرم:
(من لم يجد إزارًا فليلبس) بفتح الموحدة (سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين).
وهذا الحديث قد سبق في الحج.
5805 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ إِذَا أَحْرَمْنَا: قَالَ: «لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْعَمَائِمَ وَالْبَرَانِسَ وَالْخِفَافَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري البصري قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: قام رجل) لم يسم (فقال: يا رسول الله ما تأمرنا أن نلبس إذا أحرمنا قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا تلبسوا القميص والسراويل) بلفظ الإفراد فيهما ولأبي ذر عن الكشميهني القمص والسراويلات بالجمع فيهما (والعمائم والبرانس والخفاف إلا أن يكون رجل ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين) أسفل ظرف ومن لابتداء الغاية أي فليقطعهما من جهة ما سفل من الكعبين، والأمر في قوله: فليلبس للإباحة. قال في الكواكب: سئل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عما يجوز لبسه فأجاب بعد ما لا يجوز لبسه ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز، وإنما عدل عن الجواب الصريح إليه لأنه أخصر وأحصر فإن ما يحرم أقل وأضبط مما يحل أو لأن السؤال كان من حقه أن يكون عما لا يلبس لأن الحكم العارض المحتاج إلى البيان هو الحرمة وأما جواز ما يلبس فثابت بالأصل، والمطابقة للترجمة في قوله السراويل كما لا يخفى. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا عند أبي نعيم الأصبهاني "إن أول من لبس السراويل إبراهيم الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" قيل وكذا أول من يكسى يوم
القيامة كما في الصحيحين عن ابن عباس. وفيه استحباب لبس السراويل. وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي مرفوعًا "كان على موسى عليه الصلاة والسلام يوم كلّمه ربه كساء صوف وكمة صوت وجبة صوف وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار ميت والكمة القلنسوة الصغيرة" وفي السنن الأربعة وصححه ابن حبان من حديث سويد بن قيس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشترى رجل سراويل، وعند أبي يعلى والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة: دخلت يومًا السوق مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم الحديث وفيه فقلت: يا رسول الله إنك لتلبس السراويل قال: "أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالستر" وفيه يوسف بن زياد البصري وهو ضعيف. (ولا تلبسوا شيئًا من الثياب مسّه الزعفران ولا ورس).
وجمع الزعفران زعافر كترجمان وتراجم.

15 - باب الْعَمَائِمِ
(باب العمائم) ولأبي ذر باب بالتنوين في العمائم جمع عمامة وهي ما يلف على الرأس.
5806 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلاَ الْعِمَامَةَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ الْبُرْنُسَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ وَلاَ الْخُفَّيْنِ، إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس) بالإفراد فيها كلها (ولا ثوبًا مسه زعفران ولا ورس ولا الخفين إلا لمن لم يجد النعلين فإن لم يجدهما فليقطعهما أسفل من الكعبين). وليس ذكر الزعفران والورس للتقييد بل لأنهما الغالب فيما يصنع للزينة والترفه فيلحق بهما ما في معناهما.
والمطابقة في قوله: ولا العمامة ولم يذكر البخاري في العمامة شيئًا ولعله لم يثبت عنده شيء على

(8/427)


شرطه فيها. وعند أبي داود والترمذي عن ركانة رفعه فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم وعن ابن عمر: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه رواه الترمذي، وعند ابن أبي شيبة من حديث ... (1) أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطن وأفضل
له من بين يديه مثل هذه، وفي رواية نافع عن ابن عمر قال: عمّم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عوف بعمامة وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع وقال هكذا فاعتم. وفي حديث الحسن بن علي عند أبي داود أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر وعليه عمامه سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه، وفي الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه وهل ترخى من الجانب الأيسر أو الأيمن؟ قال الحافظ الزين العراقي: المشروع من الأيسر ولم أرَ ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث أبي أمامة بسند فيه ضعف عند الطبراني في الكبير قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يولي واليًا حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن. قال الحافظ. وعلى تقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردها من الجانب الأيسر إلا أنه شعار الإمامية وهل المراد بالسدل سدل الطرف الأسفل حتى يكون عذبة أو الأعلى فيغرزها ويرسل منها شيئًا خلفه يحتمل الأمرين ولم أرَ التصريح بكون المرخى من العمامة عذبة إلا في الحديث عبد الأعلى بن عدي عند أبي نعيم في معرفة الصحابة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم غدير خمس فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال: هكذا فاعتموا فإن العمائم سيما الإسلام وهي حاجز بين المسلمين والمشركين، والعذبة الطرف كعذب السوط واللسان أي طرفهما فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث اللغة وإن كان مخالفًا للاصطلاح العرفي الآن، وفي بعض طرق حديث ابن عمر ما يقتضي أن الذي كان يرسله بين كتفيه من الطرف الأعلى أخرجه أبو الشيخ وغيره من حديث ابن عمر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدير كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرخي لها ذؤابة بين كتفيه.
وفي كتاب المواهب اللدنية مزيد لذلك وبالله التوفيق والمستعان.

16 - باب التَّقَنُّعِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، وَقَالَ أَنَسٌ: عَصَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ
(باب التقنع) بفتح الفوقية والقاف وضم النون مشددة بعدها عين مهملة وهو تغطية الرأس قاله الكرماني وزاد في الفتح وأكثر الوجه برداء أو غيره.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما سبق موصولاً مطوّلاً في مناقب الأنصار وغيره (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه عصابة دسماء) بفتح الدال وسكون السين المهملتين ممدودة أي سوداء.
(وقال أنس) -رضي الله عنه- مما يأتي موصولاً مطوّلاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى (عصب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتخفيف الصاد المهملة (على رأسه حاشية برد) أي جانبه وتعقب الإسماعيلي المصنف بأن ما ذكره من العصابة لا يدخل في التقنع إذ التقنع تغطية الرأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة. وأجاب في فتح الباري: بأن الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرأس فوق العمامة وتعقبه العيني بأن قوله زائد لا فائدة فيه وكذا قوله العمامة لأنه يلزم منه أنها إذا كانت تحت العمامة لا تسمى عصابة وبأن قول الإسماعيلي في أصل الاعتراض والعصابة شد الخرقة على ما
أحاط بالعمامة ليس كذلك بل العصب شد الرأس بخرقة مطلقًا، وقد ذكر في الانتقاض ذلك ولم يجب عنه.
5807 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَ تَرْجُوهُ بِأَبِى أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصُحْبَتِهِ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِى بَيْتِنَا فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَقَالَ قَائِلٌ لأَبِى بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقْبِلاً مُتَقَنِّعًا فِى سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَهُ بِأَبِى وَأُمِّى وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَمْرٍ، فَجَاءَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لأَبِى بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». قَالَ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنِّى قَدْ أُذِنَ لِى فِى الْخُرُوجِ». قَالَ: فَالصُّحْبَةُ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: فَخُذْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَىَّ هَاتَيْنِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِالثَّمَنِ». فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِى جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ، ثُمَّ لَحِقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَمَكُثَ فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِى رِسْلِهَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِى الثَّلاَثِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) التميمي الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنه) أنها (قالت: هاجر إلى الحبشة رجال) ولأبي ذر: هاجر ناس إلى الحبشة (من المسلمين، وتجهز أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- حال كونه (مهاجرًا فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(على رسلك) بكسر
_________
(1) كذا بياض بالأصول اهـ.

(8/428)


الراء وسكون السين المهملة على هينتك أي اتئد (فإني أرجو أن يؤذن لي) في الهجرة (فقال) ولأبي ذر قال (أبو بكر: أو ترجوه)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري وفتح الواو أي أترجو الإذن في الهجرة مفدى (بأبي أنت. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) أرجوه (فحبس أبو بكر) - رضي الله عنه (نفسه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصحبته) فلم يهاجر حينئذٍ (وعلف راحلتين) تثنية راحلة وهي من الإبل
القوي على الأسفار والأحمال لما فيها من النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر والذكر والأنثى في ذلك سواء والهاء للمبالغة (كانتا عنده ورق السمر) بفتح السين وضم الميم شجر الطلح (أربعة أشهر قال عروة) بالسند السابق (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (فبينما) بالميم (نحو يومًا جلوس) جالسون (في بيتنا في نحر الظهيرة) بالنون المفتوحة وسكون الحاء المهملة والظهيرة بفتح الظاء المعجمة وكسر الهاء أي أول الهاجرة (فقال قائل لأبي بكر) -رضي الله عنه- (هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (مقبلاً متقنعًا) أي مغطيًا رأسه (في ساعة لم يكن) عليه الصلاة والسلام (يأتينا فيها. قال أبو بكر) -رضي الله عنه- (فدًا) منوّن بغير همز (له) أفديه (بأبي وأمي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مصححًا عليه في الفرع لك بكاف الخطاب أبي وأمي (والله إن جاء به في هذه الساعة إلا لأمر) بكسر اللام أي لأجل أمر فإن نافية ولغير الكشميهني لأمر بفتح اللام والرفع فاللام للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذن) في الدخول (فأذن له) أبو بكر -رضي الله عنه- (فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء (من عندك) في موضع نصب على المفعولية (قال) أبو بكر -رضي الله عنه- (إنما هم أهلك) وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد عقد على عائشة -رضي الله عنها- (بأبي) أفديك (أنت يا رسول الله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإني قد أذن لي في الخروج) من مكة إلى المدينة (قال) أبو بكر -رضي الله عنه- (فالصحبة) أي أطلب الصحبة ولغير أبي ذر فالصحبة بالرفع أي فالصحبة أجرها لي أفديك (بأبي أنت) زاد أبو ذر وأمي (يا رسول الله قال) عليه الصلاة والسلام (نعم. قال) أبو بكر: (فخذ بأبي) أفديك (أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): آخذها (بالثمن. قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فجهزناهما أحث الجهاز) بفتح الجيم أي أسرعه ولأبي ذر عن الكشميهني أحب بالموحدة بدل المثلثة قال الحافظ ابن حجر وأظنه تصحيفًا (ووضعنا) بضاد معجمة بعدها عين مهملة ولأبي ذر وصنعنا بصاد مهملة فنون مفتوحتين فعين (لهما سفرة) بضم السين المهملة وسكون الفاء يأكلان عليها (في جراب) بكسر الجيم (فقطعت أسماء بنت أبي بكر) -رضي الله عنها- (قطعة من نطاقها) بكسر النون. قال في القاموس: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها فترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض والأسفل ينجر على الأرض ليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان وانتطقت لبستها (فأوكت) شدت، ولأبي ذر: فأوكأت بزيادة همزة بعد الكاف (به) بما قطعته من نطاقها (الجراب، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق) بالإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذات النطاقين بالتثنية قال في القاموس لأنها شقت نطاقها فجعلت واحدة لسفرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأخرى عصامًا لقربته وكذا قال الكرماني وزاد أو لأنها جعلته نطاقين نطاقًا للجراب وآخر لنفسها.
(ثم لحق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (بغار في جبل يقال له ثور) بالمثلثة المفتوحة وواو ساكنة فراء (فمكث) وأبو بكر -رضي الله عنه- (فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر) شقيق أسماء بنت أبي بكر (وهو غلام شاب لقن) بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون سريع الفهم (تقف) بفتح المثلثة وكسر القاف

(8/429)


بعدها فاء حاذق فطن (فيرحل) بالراء والحاء
المهملة (من عندهما سحرًا) وقال الكرماني وفي بعضها فيدخل بالدال المهملة والخاء المعجمة أي مكة متوجهًا إليها من عندهما بحرًا (فيصبح مع قريش بمكة كبائت) معهم بمكة (فلا يسمع) منهم (أمرًا يكادان) بضم التحتية أي يمكران (به إلا وعاه) حفظه وضبطه (حتى يأتيهما بخبر ذلك) الذي سمع منهم من الكيد الذي يريدون فعله (حين يختلط الظلام ويرعى عليهما) صلّى الله وسلم عليهما (عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء وسكون التحتية بعدها راء (مولى أبي بكر) -رضي الله عنهما- وكان عامر أحد السابقين لىإ الإسلام ممن عذب في الله (منحة من غنم) بكسر الميم وسكون النون بعدها حاء مهملة شاة يعطيها الرجل غيره ليحلبها ثمّ يردها إليه (فيريحها) بالحاء المهملة فيردها إلى المراح (عليهما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيريحه بتذكير الضمير أي يريح الذي يرعاه على رسول الله وأبي بكر -رضي الله عنه- (حين تذهب ساعدة من العشاء فيبيتان في رسلها) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي لبن المنحة (حتى ينعق) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فعين مهملة فقاف أي يصيح (بها) بالمنحة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي رسلهما وبهما بالتثنية فيهما (عامر بن فهيرة بغلس) في ظلمة آخر الليل (يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث).
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله متقنعًا وسبق بهذا الإسناد مختصرًا في باب استئجار المشركين عند الضرورة من كتاب الإجارة ومطوّلاً جدًّا في باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل.

17 - باب الْمِغْفَرِ
(باب المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء بعدها راء. قال في القاموس: زرد من الدروع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع بها المتسلح.
5808 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة الأصبحي -رحمه الله تعالى- (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح) ولأبي ذر عن الكشميهني دخل مكة عام الفتح (وعلى رأسه) الشريف (المغفر) الواو في وعلى للحال وفي حديث جابر أنه دخل وعلى رأسه عمامة سوداء وجمع بينهما باحتمال أن أحدهما كان فوق الآخر أو دخل أوّلاً وعليه المغفر ثم نزعه ولبس العمامة السوداء في بقية دخوله والله أعلم.
وهذا الحديث سبق في الحج والجهاد.

18 - باب الْبُرُودِ وَالْحِبَرَةِ وَالشَّمْلَةِ
وَقَالَ خَبَّابٌ: شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ.
(باب البرود) بضم الموحدة جمع برد بضم فسكون قال في القاموس البرد بالضم ثوب مخطط الجمع أبراد وأبرد وبرود وأكسية يلتحف بها الواحدة بهاء (والحبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة بعدها راء كعنبة ضرب من برود اليمن الجمع حبر وحبرات وبائعها حبريّ لا حبار قاله الشيرازي (والشملة) بفتح الشين المعجمة وسكون الميم كساء دون القطيفة يشتمل به (وقال خباب) بخاء معجمة مفتوحة فموحدتين الأولى مشددة بينهما ألف ابن الأرتّ -رضي الله عنه- فيما مر موصولاً مطوّلاً في باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بمكة (شكونا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المشركين وأذاهم (وهو متوسد بردة له) الحديث.
5809 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.
وبه قال (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت أمشي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه برد نجراني) بنون مفتوحة فجيم ساكنة فراء مفتوحة وبعد الألف نون فياء نسبة لبلدة باليمن (غليظ الحاشية) وفي رواية الأوزاعي رداء (فأدركه أعرابي) لم يسم (فجبذه) بتقديم الموحدة على المعجمة (بردائه) قال في التنقيح صوابه ببرده لقوله أوّله عليه برد نجراني غليظ الحاشية وهذا لا يسمى رداء، وتعقبه في المصابيح فقال: ما أدري ما الذي يمنع من أنه كان عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برد ارتدى به فأطلق عليه الرداء بهذا الاعتبار اهـ.
وقد سبق أن في رواية

(8/430)


الأوزاعي رداء (جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة) إلى جانب (عاتق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم ضحك ثم أمر له بعطاء) ولأبي ذر عن الكشميهني: بالعطاء.
بعونه.
ومطابقته للترجمة في قوله: برد نجراني ومضى في الخمس ويأتي في الأدب إن شاء الله تعالى بعونه.
5810 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرِى مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِىَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِى حَاشِيَتِهَا. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِى أَكْسُوكَهَا فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا لإِزَارُهُ فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْسُنِيهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللَّهُ فِى الْمَجْلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلاً؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهَا إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِى يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن عبد القاريّ بتشديد التحتية نسبة للقارة مدني سكن الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: جاءت امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسم المرأة (ببردة) بهاء تأنيث آخرها (قال سهل) لأبي حازم أو لغيره: (هل تدري) ولأبي ذر: تدرون (ما البردة) زاد في الجنائز قالو الشملة (قال) سهل: (نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها) قال في الكواكب يعني كان لها حاشية وفي نسجها مخالفة لنسج أصلها لونًا ودقة ورقة وفي الجنائز منسوج فيها حاشيتها قالوا ومعناه أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية (قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه) البردة (بيدي أكسوكها) وفي الجنائز لأكسوكها (فأخذها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (محتاجًا إليها فخرج إلينا) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإنها لإزاره) ولأبي ذر عن الحمو والمستملي إزاره بإسقاط اللام (فجسها) بالجيم بلا نون أي مسها بيده وفي نسخة باليونينية مصححًا عبيها ونسبها في المصابيح للجرجاني فحسنها بالحاء المهملة والنون بعد السين وصفها بالحسن (رجل من القوم) هو عبد الرحمن بن عوف كما عند الطبراني (فقال: يا رسول الله اكسنيها. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(نعم، فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع) إلى منزله (فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت) نفي للإحسان وعند الطبراني من وجه آخر قال سهل فقلت له ما أحسنت (سألتها إياه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقد عرفت أنه لا يرد سائلاً) بل يعطيه ما يطلبه (فقال الرجل والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت) أي البردة (كفنه).
ومرّ الحديث في الجنائز في باب من استعدّ الكفن.
5811 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى زُمْرَةٌ هِىَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِىءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ». فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِىُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ». ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَبَقَكَ عُكَاشَةُ».
[الحديث 5811 - طرفه في: 6542].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يدخل الجنة من أمتي زمرة) بضم الزاي وفتح الراء بينهما ميم ساكنة جماعة (هي سبعون ألفًا تضيء وجوههم إضاءة القمر) أي كضوء القمر (فقام عكاشة بن محصن) بكسر الميم وسكون الحاء المهملة بعدها صاد مهملة مفتوحة فنون وعكاشة بتشديد الكاف وتخفف (الأسدي) حال كونه (يرفع نمرة عليه) بفتح النون وكسر الميم شملة فيها خطوط ملونة كأنها أخذت من جلد النمر لاشتراكهما وهذا موضع الترجمة (قال) ولأبي ذر فقال (ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم اجعله منهم. ثم قام رجل من الأنصار) هو سعد بن عبادة كما قاله الخطيب وفي قوله من الأنصار رد على من قال إنه من المنافقين وإنه إنما ترك الدعاء له لذلك (فقال: يا رسول الله ادع الله لي أن يجعلني منهم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي نسخة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سبقك) بالدعاء له (عكاشة).
وهذا الحديث سبق في الطب وفي وفاة موسى.
5812 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ أَىُّ الثِّيَابِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الْحِبَرَةُ. [الحديث 5812 - طرفه في: 5813].
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم القيسي البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (قال) قتادة: (قلت له): أي لأنس (أي الثياب كان أحب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر أن يلبسها (قال) أنس (الحبرة)

(8/431)


بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة بوزن عنبة برد يماني يصنع من قطن، وإنما كانت أحب إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنها فيما قيل لونها أخضر وهو لباس أهل الجنة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود في اللباس.
5813 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (عبد الله بن أبي الأسود) حميد البصري الحافظ قال: (حدّثنا معاذ) الدستوائي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام بن عبد الله (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان أحب الثياب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلبسها الحبرة) خبر كان وأن يلبسها متعلق بأحب أي كان أحب الثياب لأجل اللبس الحبرة قال القرطبي
سميت حبرة لأنها تحبر أي تزين والتحبير التزيين والتحسين.
5814 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّىَ سُجِّىَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي سجي) بضم السين المهملة وكسر الجيم مشدّدة أي غطي (ببرد) بالتنوين (حبرة) صفة له.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود في الجنائز والنسائي في الوفاة.

19 - باب الأَكْسِيَةِ وَالْخَمَائِصِ
(باب الأكسية والخمائص) جمع خميصة بالخاء المعجمة والصاد المهملة كساء من صوف أسود أو خز مربعة لها أعلام.
5815 - 5816 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنهم قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي ونسبه لجدّه لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عائشة وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- قالا: لما نزل برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرض الموت ونزل بفتحتين وفي غير الفرع بضم أوّله مبنيًّا للمجهول (طفق) بكسر الفاء جعل (يطرح خميصة له على وجهه) الكريم من الحمى (فإذا اغتم) باحتباس نفسه (كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك) الواو للحال.
(لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) حال كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحذر) أمته (ما صنعوا) من اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد لأنه بالتدريج يصير مثل عبادة الأصنام، والحديث سبق في الجنائز.
5817 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى خَمِيصَةٍ لَهُ لَهَا أَعْلاَمٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِى هَذِهِ إِلَى أَبِى جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِى آنِفًا عَنْ صَلاَتِى وَائْتُونِى بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِى جَهْمِ» بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ مِنْ بَنِى عَدِىِّ بْنِ كَعْبٍ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: صلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خميصة له لها أعلام فنظر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى أعلامها نظرة فلما سلم) من صلاته (قال):
(اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء (فإنها) أي الخميصة (ألهتني) أي شغلتني (آنفًا) بمد الهمزة وكسر النون بعدها فاء أي قريبًا (عن صلاتي). وفي الموطأ فإني نظرت إلى عملها في الصلاة فكاد يفتنني فيحمل قوله هنا بألهتني على قوله فكاد والإطلاق للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الإلهاء وهو تشريع لترك كل شاغل وإرساله بها لأن جهم لينتفع بها لا ليصلّي فيها فهو كإرساله الحلة لعمر.
وسبق مزيد لهذا في الصلاة.
(وائتوني بأنبجانية أبي جهم بن حذيفة بن غانم من بني عدي بن كعب) القرشي، والأنبجانية بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مكسورة فجيم مفتوحة مخففة فألف وبعد النون تحتية مشدّدة كساء غليظ لا علم له. قال الحافظ ابن حجر وانتهى آخر الحديث عند قوله بأنبجانية أبي جهم وبقية نسبه مدرج في الخبر من كلام ابن شهاب.
5818 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً وَإِزَارًا غَلِيظًا قَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) بضم الحاء المهملة مصغرًا الأسدي البصري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء ابن أبي موسى قاضي

(8/432)


الكوفة الحارث وقيل عامر إنه (قال أخرجت إلينا عائشة) -رضي الله عنها- (كساءً وإزارًا غليظًا)، وفي الخمس إزارًا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها الملبدة والملبدة اسم مفعول من التلبيد أي مرقعًا يقال لبدت القميص ألبده ولبدته ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص اللبدة كالقبيلة التي يرقع بها قبة كذا في القاموس وقيل الملبد الذي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبد (قالت) عائشة (قبض روح النبي) ولأبي ذر: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذين) الكساء والإزار، وفيه بيان ما كان عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الزهد في الدنيا والإعراض عن متاعها وملاذها فيا طوبى لمن اقتدى به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث سبق في الخمس.

20 - باب اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ
(باب اشتمال الصماء) بالصاد المهملة والميم المشدّدة المفتوحتين ممدودًا. قال في القاموس: أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى فعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعًا أو الاشتمال بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه.
5819 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَعَنْ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ وَأَنْ يَحْتَبِىَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة وتشديد المعجمة ابن عثمان العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي لا ابن عطاء لأنه لم يذكر أحد عبد الوهاب بن عطاء في رجال البخاري وليس لعبد الوهاب بن عطاء رواية فيه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى مصغر ابن عبد الرحمن الأنصاري (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهى تحريم (عن الملامسة) بأن يلمس ثوبًا مطويًّا أو في ظلمة ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه اكتفاء بلمسه عن رؤيته أو يقول: إذا لمسته فقد بعتك اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو بيعه شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع الخيار اكتفاء بلمسه عن الإلزام بتفرق أو تخاير (و) عن (المنابذة) بالمعجمة بأن ينبذ كلٌّ منهما ثوبه على أن كلاًّ منهما مقابل بالآخر ولا خيار لهما إذا عرف الطول والعرض، وكذا لو نبذ إليه بثمن معلوم اكتفاء بذلك عن الصيغة والبطلان فيها وفي الملامسة من حيث المعنى لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو الشرط الفاسد (وعن صلاتين) نفلاً (بعد) صلاة فرض (الفجر حتى ترتفع الشمس) كرمح (وبعد) صلاة (العصر حتى تغيب) الشمس إلا صلاة لها سبب متقدم أو مقارن كفائتة فرض أو نفل وصلاة جنازة وكسوف واستسقاء وتحية وسجدة تلاوة أو شكر فلا يكره فيهما (وأن يحتبي) بأن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويحتوي (بالثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء بينه وبين السماء وأن يشتمل الصماء).
وهذا الحديث سبق في الصلاة.
5820 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى
عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِى الْبَيْعِ وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، وَلاَ يُقَلِّبُهُ إِلاَّ بِذَلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ ثَوْبَهُ وَيَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلاَ تَرَاضٍ، وَاللِّبْسَتَيْنِ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللِّبْسَةُ الأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهْوَ جَالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (أن أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبستين) بكسر اللام وسكون الموحدة (وعن بيعتين) بفتح الموحدة (نهى عن الملامسة و) عن (المنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلاَّ بذاك) بغير لام فلا ينشره ولا ينظر إليه بل أقام اللمس مقام النظر (والمنابذة أن ينبذ) بكسر الموحدة يرمي (الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر) للثوب (ولا تراضٍ) أي لفظ يدل عليه وهو الإيجاب والقبول. قال الكرماني: والظاهر أن تفسير هاتين البيعتين بما ذكر إدراج من الزهري (واللبستين) بكسر الام والجر ولأبي ذر واللبستان بالرفع (اشتمال الصماء) بتشديد الميم

(8/433)


(والصماء أن يجعل) الرجل (ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو) أي يظهر (أحد شقيه ليس عليه ثوب) غيره (واللبس الأخرى احتباؤه) بأن يجمع ظهره وساقيه (بثوبه وهو جالس) على أليتيه وساقاه منصوبتان (ليس على فرجه منه) أي من الثوب (شيء).
وهذا الحديث سبق في باب بيع الملامسة من كتاب البيوع مختصرًا.

21 - باب الاِحْتِبَاءِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ
(باب الاحتباء في ثوب واحد).
5821 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِىَ الرَّجُلُ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَعَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبستبن: أن يحتبي الرجل
في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء) لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما يتحرك فتبدو عورته (وأن يشتمل بالثوب الواحد ليس على أحد شقيه) بكسر الشين المعجمة منه شيء وليس عليه ثوب غيره فتنكشف عورته، (وعن الملامسة) قال الشافعي هي أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول لصاحبه بعتك بكذا بشرط أن يقول لسك مقام نظره أي الثوب ولا تراضي (و) عن (المنابذة) بأن يقول الرجل لصاحبه انبذ إليّ الثوب أو أنبذه إليك فيجب البيع من غير تقليب للمبيع ولا عقد.
5822 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِىَ الرَّجُلُ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام (قال: أخبرني) بالإفراد (مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد من الزيادة الحراني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن اشتمال الصماء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال المظهري: أي نهى أن يشتمل الرجل على صورة الصماء وإنما قيل له ذلك لأنه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع، وقد سبق قريبًا في الباب السابق تعريفه عند الفقهاء وغيرهم فتأمله (و) نهى أيضًا (أن يحتبي الرجل في الثوب لواحد ليس على فرجه منه شيء).

22 - باب الْخَمِيصَةِ السَّوْدَاءِ
(باب الخميصة السوداء) بالخاء المعجمة المفتوحة وبعد الميم المكسورة والتحتية الساكنة صاد مهملة ثوب من حرير أو صوف معلم أو كساء مربع له علمان أو كساء رقيق من أي لون كان أو لا وتكون خميصة إلا إذا كانت سوداء معلمة.
5823 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ فُلاَنٍ - هُوَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قَالَتْ: أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ»؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ قَالَ: «ائْتُونِى بِأُمِّ خَالِدٍ» فَأُتِىَ بِهَا تُحْمَلُ فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: «أَبْلِى وَأَخْلِقِى» وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَاهْ». وَسَنَاهْ بِالْحَبَشِيَّةِ، حَسَنٌ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه سعيد بن فلان) كذا بإبهام والد سعيد، وفي الفرع هو عمرو ورقم عليه علامة السقوط لأبي ذر، وعند أبي نعيم في
مستخرجه من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب عن الفضل بن دكين حدّثنا إسحاق بن عمرو (بن سعيد بن العاص عن أم خالد) أمة بفتح الهمزة والميم مخففًا أي ابن الزبير بن العوّام (بنت خالد) أي ابن سعيد بن العاص أنها (قالت: أتي النبي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة) قال في الفتح: لم أقف على تعيين الجهة التي حضرت منها الثياب المذكورة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من ترون) بفتح التاء والراء (نكسو) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي أن نكسو (هذه) الخميصة (فسكت القوم) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين أسمائهم (قال) ولأبي ذر: فقال (ائتوني بأم خالد. فأتي بها) حال كونها (تحمل) بضم الهمزة والفوقية بالبناء للمفعول فيهما وإنما حملت لصغرها حينئذٍ وفيه التفات، ولأبي ذر عن الكشميهني: تحتمل بفوقية قبل الميم (فأخذ) عليه الصلاة والسلام (الخميصة بيده فألبسها) أم خالد (وقال) لها: (أبلي) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالإبلاء (وأخلقي) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها قاف وهي بمعنى الأولى دعاء لها بطول البقاء أي أنها تطول حياتها حتى تبلي الثوب وتخلقه، ولأبي زيد المروزي عن الفربري: وأخلفي بالفاء بدل القاف وهي أوجه إذ الإبلاء والأخلاق بمعنى والعطف لتغاير اللفظتين ورواية الفاء

(8/434)


تفيد معنى زائد، إلا أنها إن أبلت الثوب أخلفت غيره (وكان فيها) أي في الخميصة (علم أخضر أو أصفر) بالشك من الراوي في رواية ابن سعد أحمر بدل أخضر (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أم خالد هذا) أي علم الخميصة (سناه) بفتح السين المهملة والنون وبعد الألف هاء ساكنة قالت أم خالد كما عند ابن سعد (وسناه بالحبشية حسن) وكلمها عليه الصلاة والسلام بلسان الحبشة لأنها ولدت بأرض الحبشة، وسقط لأبي ذر قوله حسن.
5824 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِى: يَا أَنَسُ انْظُرْ هَذَا الْغُلاَمَ فَلاَ يُصِيبَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَنِّكُهُ فَغَدَوْتُ بِهِ فَإِذَا هُوَ فِى حَائِطٍ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُرَيْثِيَّةٌ وَهْوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِى قَدِمَ عَلَيْهِ فِى الْفَتْحِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (ابن أبي عدي) محمد (عن ابن عون) عبد الله (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما ولدت أم سليم) بضم السين وفتح اللام زوج أبي طلحة أم أنس (قالت لي: يا أنس انظر هذا الغلام فلا يصبين شيئًا) ينزل في جوفه (حتى تغدو به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحنكه) بأن يدلك حنكه بالتمر (فغدوت به) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا هو في حائط) بستان (وعليه خميصة حريثية) بالحاء المهملة المضمومة والمثلثة مصغرًا آخره هاء تأنيث منسوبة إلى حريث رجل من قضاعة. وعند ابن السكن خيبرية بالخاء المعجمة والموحدة نسبة إلى خيبر البلد المعروف، ولبعضهم في روايات مسلم جونية بجيم مفتوحة وواو ساكنة بعدها نون نسبة إلى بني الجون أو إلى لونها من السواد أو الحمرة أو البياض. قال في الفتح: والذي يطابق الترجمة الجونية
فإن الأشهر فيه أنه الأسود، وطرق الحديث يفسر بعضها بعضًا فيكون لونها أسود وهي منسوبة إلى صانعها (وهو) عليه الصلاة والسلام (يسم الظهر) أي يعلم الإبل بالكي (الذي قدم عليه في) زمان (الفتح) ليتميز عن غيره.

23 - باب ثِيَابِ الْخُضْرِ
(باب ثياب الخضر) بإضافة ثياب لما بعدها، ولأبي ذر عن الكشميهني الثياب الخضر على الوصف.
5825 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ الْقُرَظِىُّ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا، قَالَ: وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِى إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ إِلاَّ أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّى مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا فَقَالَ كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى لأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلِّى لَهُ أَوْ لَمْ تَصْلُحِى لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ». قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ فَقَالَ: «بَنُوكَ هَؤُلاَءِ». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «هَذَا الَّذِى تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ فَوَاللَّهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (محمد بن بشار) أبو بكر العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (أن رفاعة طلّق امرأته) تميمة بنت وهب (فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة (القرظي) بضم القاف والظاء المعجمة من بني قريظة (قالت عائشة: وعليها خمار أخضر فشكت إليها) إلى عائشة من زوجها عبد الرحمن (وأرتها خضرة بجلدها) من أثر ضربه لها وفيه التفات أو تجريد (فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال عكرمة (والنساء ينصر بعضهن بعضًا) اعتراض بين السابق وبين قوله: (قالت عائشة): يا رسول الله (ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات) من المشقات (لجلدها أشد خضرة من ثوبها) الخمار الأخضر الذي عليها (قال) عكرمة (وسمع) زوجها (أنها قد أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشكوه (فجاء) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ومعه ابنان له من غيرها) أي يسميا، وفي رواية وهيب في فوائد ابن السمان بنون والواو في ومعه للحال (قالت) أي تميمة (والله) يا رسول الله (ما لي إليه من ذنب) يكون سببًا لضربه لي (إلا أن ما معه) من آلة الجماع (ليس بأغنى عني من هذه الهدبة) أي ليس دافعًا عني شهوتي لقصور آلته أو استرخائها عن المجامعة كهذه الهدبة (وأخذت هدبة من ثوبها فقال) زوجها عبد الرحمن (كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها
نفض الأديم) أي كنفض الأديم وهو كناية عن كمال قوة الجماع (ولكنها ناشز) بحذف التاء كحائض لأنها من خصائص النساء فلا حاجة إلى التاء الفارقة (تريد رفاعة فقال) لها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(فإن كان) الأمر (ذلك لم تحلي له أو لم تصلحي) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تحلين له أو لا تصلحين (له) لرفاعة والشك من الراوي (حتى يذوق) عبد الرحمن (من عسيلتك) شبه لذة الجماع بذوق العسيلة فاستعار لها ذوقًا وأنّث لإرادة قطعة من العسل إذ

(8/435)


العسل في الأصل يذكر ويؤنث، والمراد الجماع سواء أنزل أو لم ينزل ولم بمعنى لا كما قاله الأخفش وأنشد:
لولا فوارس من قيس وأسرتهم ... يوم الصليفاء لم يوفون بالجار
(قال) عكرمة (وأبصر) عليه الصلاة والسلام (معه) أي مع عبد الرحمن (ابنين) زاد أبو ذر له فقال له مستفهمًا (بنوك هؤلاء)؟ بلفظ الجمع ففيه إطلاق لفظ الجمع على الاثنين لكن سبق أن في رواية وهيب بلفظ بنون (قال) عبد الرحمن (نعم. قال) عليه الصلاة والسلام لها (هذا الذي تزعمين ما تزعمين) من عنته (فوالله لهم) أي أولاده (أشبه به) في الخلق (من الغراب بالغراب).
ومطابقة الحديث لما ترجم في قوله وعليها خمار أخضر.

24 - باب الثِّيَابِ الْبِيضِ
(باب الثياب البيض).
5826 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ بِشِمَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِيَمِينِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة المفتوحتين بينهما نون ساكنة قال: (أخبرنا محمد بن بشر) بالموحدة والمعجمة العبدي قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وبالسين الساكنة والعين المفتوحة المهملتين آخره راء ابن كدام الكوفي (عن سعد بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن سعد) بن أبي وقاص أنه (قال: رأيت بشمال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويمينه) ملكين تشكلا بشكل (رجلين) وهما جبريل وميكائيل وقول الكرماني أو إسرافيل، تعقبه في الفتح بأن زاعم ذلك لم يصب كذا قال ولم يذكر لتعيين ميكائيل دون إسرافيل مستندًا هنا فالله أعلم (عليهما ثياب بيض يوم) وقعة (أُحُد ما رأيتهما قبل ولا بعد) بالبناء على الضم فيهما لقطعهما عن الإضافة أي قبل ذلك ولا بعده، ومراده من الحديث قوله ثياب بيض وأن البياض كان لباس الملائكة الذين نصروه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد وغيره، واكتفى بذلك لكونه فيما يظهر لم يثبت عنده على شرطه في ذلك شيء صريح، وفي حديث سمرة
المروي عند الإمام أحمد والسنن وصححه الحاكم مرفوعًا: "عليكم بالثياب البيض فالبسوها فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم". قال في شرح المشكاة: وإنما كانت أطهر لأن البيض أكثر تأثرًا من الثياب الملوّنة فتكون البيض أكثر غسلاً منها.
وحديث الباب سبق في غزوة أُحُد.
5827 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِىَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رضى الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهْوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ». وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِى ذَرٍّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ غُفِرَ لَهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التيمي مولاهم البصري التنوري (عن الحسين) بضم الحاء ابن ذكوان المعلم البصري الثقة (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة ابن الحصيب الأسلم التابعي قاضي مرو وعالمها (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة قاضي مرو التابعي أيضًا (حدّثه أن أبا الأسود الديلي) بكسر الدال المهملة بعدها تحتية ساكنة ولأبي ذر الدؤلي بضم الدال بعدها همزة مفتوحة التابعي الكبير قاضي البصرة (حدّثه أن أبا ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه- حدّثه قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ). قال الكرماني: وفائدة ذكر الثوب والنوم تقرير التثبيت والإتقان فيما يرويه في آذان السامعين ليتمكن في قلوبهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة) قال أبو ذر (قلت) يا رسول الله (وإن زنى وإن سرق؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وإن زنى وإن سرق) لأن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان ولا تحبط الطاعة ولا تخلد صاحبها في النار بل عاقبته أن يدخل الجنة. قال أبو ذر (قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال) صلوات الله عليه وسلامه: (وإن زنى وإن سرق) قال أبو ذر (قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر) من رغم إذا لصق بالرغام وهو التراب ويستعمل مجازًا بمعنى كره أو ذلّ إطلاقًا لاسم السبب على المسبب، وتكرير أبي ذر قوله وإن زنى وإن سرق استعظامًا لشأن الدخول مع اقتراف الكبائر وتعجبه من ذلك، وتكرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك لإنكاره

(8/436)


استعظامه وتحجيره واسعًا فإن رحمة الله تعالى واسعة (وكان أبو ذر إذا حدّث بهذا) الحديث (قال) ولأبي ذر يقول بلفظ المضارع (وإن رغم)
بكسر المعجمة وتفتح ذل (أنف أبي ذر) وأبدى صاحب الكواكب سؤالاً فقال: فإن قلت: مفهوم الشرط أن من لم يزن لم يدخل الجنة، وأجاب: بأن هذا الشرط للمبالغة والدخول له بالطريق الأولى نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه.
(قال أبو عبد الله) المصنف مفسرًا للحديث (هذا) الذي قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو: ما من عبد قال لا إله إلا الله ... الخ ... إنما يكون (عند الموت أو قبله إذا تاب) من الذنوب (وندم) عليها (وقال: لا إله إلا الله غفر له). وأدخل الجنة. قال السفاقسي: وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الحديث إذ لو كانت التوبة شرطًا لم يقل وإن زنى وإن سرق، والحديث على ظاهره أنه إذا مات مسلمًا دخل الجنة قبل النار أو بعدها وهذا في حقوق الله تعالى باتفاق أهل السُّنّة، أما حقوق العباد فلا بدّ من ردّها عند الأكثر أو أن الله تعالى يرضى صاحب الحق بما شاء وأما من مات مصرًّا على الذنب من غير توبة فمذهب أهل السُّنَّة أنه في مشيئة الله إن شاء عاقبة إن شاء عفا عنه لا يسأل عما يفعل أسأله العفو والعافية وأستعيذ بوجهه الكريم من النار إنه جوّاد كريم رؤوف رحيم.
وهذا الحدث أخرجه مسلم في الإيمان.

25 - باب لُبْسِ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشِهِ لِلرِّجَالِ وَقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ
(باب لبس الحرير و) حكم (افتراشه للرجال وقدر ما يجوز) استعماله (منه) في بعض الثياب وثبت قوله وافتراشه في فرع اليونينية لكن مرّ قوم عليه علامة السقوط لأبي ذر وهو الأولى لأنه ترجم للافتراش ترجمة مستقلة بعد أبواب، وقول الحافظ ابن حجر إنه وقع في شرح ابن بطال ومستخرج أبي نعيم زيادة افتراشه في الترجمة قد يفهم أنه ساقط في رواية البخاري فالله أعلم.
5828 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِىَّ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ، وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ، إِلاَّ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الإِبْهَامَ قَالَ: فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِى الأَعْلاَمَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء. قال سليمان التيمي: إني لأحسبه كان لا يصيب ذنبًا ليله قائم ونهاره صائم كان يصلّي حتى يغشى عليه (قال: أتانا كتاب عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (ونحن مع عتبة بن فرقد) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة، وفرقد بفتح الفاء والقاف بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة السلمي الصحابي الكوفي، وكان أميرًا لعمر في فتح بلاد الجزيرة (بأذرييجان) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة جيم فألف فنون. قال القاضي: وضبطه الأصيلي والمهلب بمدّ الهمزة قال: وضبطناه عن عبد الله بن سليمان بفتحها، وحكى
السفاقسي كسر الهمزة إقليم معروف (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن) لبس (الحرير) نهي تحريم على الرجال وعلة التحريم إما الفخر والخيلاء أو كونه ثوب رفاهية وزينة يليق بالنساء لا الرجال أو التشبه بالمشركين أو السرف، وقد حكى القاضي عياض أن الإجماع انعقد بعد ابن الزبير وموافقيه على تحريم الحرير على الرجال (إلا هكذا وأشار) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإصبعيه اللتين تليان الإبهام) وهما السبابة والوسطى (قال) أبو عثمان النهدي (فيما علمنا) أي الذي حصل في علمنا (أنه يعني) بالاستثناء في قوله إلا هكذا (الأعلام) بفتح الهمزة جمع علم مما جوّز من التطريف والتطريز، ورواية أبي عثمان النهدي لهذا الحديث عن عمر بطريق الوجادة أو بواسطة المكتوب إليه وهو عتبة بن فرقد قال الدارقطني: وهذا الحديث أصل في جواز الرواية بالمكاتبة عند الشيخين وذلك معدود عندهم في المتصل.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف وأبو داود وأخرجه النسائي في الزينة وابن ماجة في الجهاد واللباس.
5829 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلاَّ هَكَذَا وَصَفَّ لَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِصْبَعَيْهِ وَرَفَعَ زُهَيْرٌ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي أنه (قال: كتب إلينا) ولأبي ذر عن الكشميهني إليه

(8/437)


أي إلى عتبة بن فرقد لأنه الأمير الذي يخاطب وكتب إليهم كلهم بالحكم فالروايتان صواب (عمر) -رضي الله عنه- (ونحن بأذربيجان أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن لبس الحرير إلا هكذا وصف) بتشديد الفاء ولأبي ذر ووصف بزيادة واو مع التخفيف (لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إصبعيه ورفع زهير الوسطى والسبابة) زاد مسلم وضمهما.
5830 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِىِّ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُلْبَسُ الْحَرِيرُ فِى الدُّنْيَا إِلاَّ لَمْ يُلْبَسْ فِى الآخِرَةِ مِنْهُ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن التيمي) سليمان بن طرخان (عن أبي عثمان) النهدي أنه (قال: كنا مع عتبة) بن فرقد بأذربيجان (فكتب إليه عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) لما بعث إليه عتبة مع غلام له بسلال فيها خبيص فقال له عمر لما رآه: أيشبع المسلمون في رحالهم من هذا؟ قال: لا. فقال عمر: لا أريده، وكتب إلى عتبة أنه ليس من كدّك ولا كدّ أبيك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم
والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير، والحديث رواه مسلم وأبو عوانة، لكن انفرد أبو عوانة عن مسلم بذكر بعث الخبيص وفيه أنه كتب له (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يلبس الحرير) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وللكشميهني: لا يلبس بفتحها للفاعل أي لا يلبس الرجل الحرير (في الدنيا إلا لم يلبس) بالبناء للمجهول وللكشميهني مبني للفاعل (منه شيء في الآخرة) وفي رواية غير الكشميهني تأخير منه بعد قوله الآخرة، وللمستملي هنا وأشار أبو عثمان أي النهدي بإصبعيه المسبحة والوسطى وذلك غير مخالف لما في رواية عاصم من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشار لأنه لما أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولاً نقله عنه عمر ثم بيّن بعض الرواة صفة الإشارة.
0000 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ وَأَشَارَ أَبُو عُثْمَانَ بِإِصْبَعَيْهِ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى.
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن عمر) بن شقيق الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أبو علي البلخي كما جزم به الكلاباذي قال: (حدّثنا معتمر) قال: (حدّثنا أبي) سليمان التيمي قال: (حدّثنا أبو عثمان) النهدي (وأشار أبو عثمان بإصبعيه المسبحة والوسطى) ففي رواية الحموي والكشميهني تأخير قوله وأشار، وعند المستملي تقديمها كما مرّ، والحاصل أنه إنما زاد في هذه الرواية الإشارة وتسمية الإصبعين على الرواية التي قبلها.
5831 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: إِنِّى لَمْ أَرْمِهِ إِلاَّ أَنِّى نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ هِىَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الآخِرَةِ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن أنه (قال: كان حذيفة) بن اليمان (بالمدائن) اسم مدينة كانت دار مملكة الأكاسرة (فاستسقى) طلب ماء يشربه (فأتاه دهقان) بكسر الدال المهملة وتضم وسكون الهاء وبعد القاف ألف فنون زعيم الفلاحين أو زعيم القرية (بماء في إناء من فضة فرماه به) أي رمى الدهقان بالإناء (وقال) معتذرًا لمن حضر (إني لم أرمه) به (إلا أني نهيته) أن يسقيني فيه (فلم ينته. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الذهب والفضة والحرير والديباج) ما غلظ وثخن من ثياب الحرير (هي) أي الثلاثة (لهم) أي شعار وزي للكفار (في الدنيا) وليس المراد الإذن لهم فيها إذ هم مكلفون (ولكم) أيها المؤمنون (في الآخرة) مكافأة لكم على تركها في الدنيا.
وهذا الحديث سبق في كتاب الأشربة.
5832 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: أَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: شَدِيدًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِى الآخِرَةِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال شعبة) بن الحجاج (فقلت) لعبد العزيز بن صهيب مستفهمًا (أ) رواه أنس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) عبد العزيز حال كونه غضب غضبًا (شديدًا) من سؤال شعبة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني لا حاجة إلى هذا السؤال إذ القرينة أو السياق مُشعِر بذلك كذا قرره في الكواكب. قال الحافظ ابن حجر: ووجهه غير وجيه قال: ويحتمل أن يكون تقريرًا لكونه مرفوعًا أي إنما حفظه حفظًا شديدًا، ويحتمل أن يكون إنكارًا أي جزمي برفعه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقع شديدًا عليّ انتهى.
ورأيت في حاشية الفرع قال الحافظ أبو ذر رحمه الله: يعني أن رفع شديد وهو يؤيد الاحتمال الأخير (فقال)

(8/438)


ولأبي ذر قال (من لبس الحرير) أي من الرجال (في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة) لما حصل له من التنعيم في الدنيا، وقد قيل إنه محمول على الزجر واستبعد، وقيل على المستحل للبسه، وقال القاضي عياض: يحتمل أن يراد به كفار ملوك الأمم أو الفعل يقتضي ذلك وقد يتخلف لمقتض كالتوبة والحسنات التي توازن والمصائب التي تكفر وشفاعة من يؤذن له في الشفاعة أو يمنع منه بعد دخوله الجنة، لكن ينسبه الله ويشغله عنه أبدًا ويرضيه بحيث لا يجد ألمًا بتركه ولا رؤية نقص في نفسه إذ الجنة لا ألم فيها ولا حزن، ولذلك نظائر كثيرة تؤوّل كذلك وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين.
5833 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي أحد الأعلام (عن ثابت) البناني (قال: سمعت ابن الزبير) عبد الله حال كونه (يخطب) زاد النسائي وهو على المنبر (يقول: قال محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من لبس الحرير في الدنيا لم) بالميم (يلبسه في الآخرة) ولأبي ذر عن الكشميهني لن بالنون.
قال في الفتح: وهو أوضح في النفي، وهذا الحديث من مرسل ابن الزبير وقد تبين من الروايتين الآتيتين إن شاء الله تعالى أن ابن الزبير إنما حمله عن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث قد أخرجه النسائي في الزينة وفي التفسير.
5834 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى ذُبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ». وَقَالَ لَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ يَزِيدَ، قَالَتْ مُعَاذَةُ: أَخْبَرَتْنِى أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة ابن عبيد الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي ذييان) بضم الذال المعجمة وكسرها وسكون الموحدة بعدها تحتية فألف فنون (خليفة بن كعب) التميمي البصري وليس له في البخاري إلا هذا وقد وثّقه النسائي أنه (قال: سمعت ابن الزبير) عبد الله (يقول: سمعت عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من لبس الحرير في الدنيا) من الرجال مستحلاًّ له (لم يلبسه في الآخرة) أو المراد لم يلبسه في الآخرة مدة عقابه إذا عوقب على معصيته بارتكاب النهي عن لبسه أو غير ذلك مما سبق قريبًا، وزاد النسائي في آخر الحديث من طريق جعفر بن ميمون ما يبين أنه مدرج من قول ابن الزبير ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة. قال الله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} [الحج: 23] وأخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من طريق داود السراج عن أبي سعيد بعد قوله: "لم يلبسه في الآخرة" وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو، وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون أيضًا مدرجًا وعلى تقدير أن يكون الرفع محفوظًا فهو من العام المخصوص بالمكلفين من الرجال للأدلة الأخرى بجوازه للنساء. قال البخاري:
(وقال لنا أبو معمر): بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن الحجاج في حالة المذاكرة وسقط لنا ولأبي ذر (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن يزيد) من الزيادة الضبعي المعروف بالرشك بكسر الراء وسكون الشين المعجمة بعدها كاف معناه القسام كان يقسم الدور (قالت معاذة) بنت عبد الله العدوية: (أخبرتني) بالإفراد (أم عمرو) بفتح العين (بنت عبد الله) بن الزبير كما جزم به الكلاباذي قالت (سمعت عبد الله بن الزبير) يقول إنه (سمع عمر) -رضي الله عنه- يقول (سمع النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يقول (نحوه) أي نحو الحديث السابق، وثبت قوله نحوه في رواية أبي ذر وحده.
5835 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْحَرِيرِ فَقَالَتِ: ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: سَلِ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو حَفْصٍ يَعْنِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِى الآخِرَةِ». فَقُلْتُ: صَدَقَ وَمَا كَذَبَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ:
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِى عِمْرَانُ وَقَصَّ الْحَدِيثَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا علي بن المبارك) الهمداني الموثق وليس له في البخاري إلا هذا وهو متابعة وآخر في باب نقض الصور (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عمران بن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين السدوسي وكان خارجيًّا مدح ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب لكن وثق أنه (قال: سألت عائشة) -رضي الله عنها- (عن) استعمال (الحرير فقالت: ائت ابن عباس فسله. قال) عمران فأتيته (فسألته

(8/439)


فقال) لي (سل ابن عمر. قال: فسألت ابن عمر فقال: أخبرني) بالإفراد (أبو حفص يعني) أباه (عمر بن الخطاب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة) أي لا حظّ له في نعيمها أو لا حظ له في اعتقاد أمر الآخرة أو لا نصيب له من لبس الحرير فيكون كناية عن عدم دخول الجنة لقوله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} [الحج: 23] أما في حق الكافر فظاهر، وأما في حق المؤمن فعلى سبيل التغليظ. قال عمران بن حطان: (فقلت صدق وما كذب أبو حفص) عمر (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال عبد الله بن رجاء): بالجيم الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة شيخ البخاري (حدّثنا جرير) بالجيم المفتوحة وكسر الراء الأولى ولأبي ذر حرب بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الراء بعدها موحدة بدل جرير. قال في الفتح: وحرب هو ابن شداد (عن يحيى) بن أبي كثير أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمران) بن حطان (وقصّ الحديث) موصولاً كما في النسائي عن عمرو بن منصور عن عبد الله بن رجاء عن حرب بن شداد بلفظ: "من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة". وأراد البخاري بسياق هذه الرواية تصريح يحيى بتحديث عمران له بهذا الحديث.

26 - باب مَسِّ الْحَرِيرِ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنِ الزُّبَيْدِىِّ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب مسّ الحرير) ولأبي ذر: من مسّ الحرير (من غير لبس) بضم اللام (ويروى) مبني للمجهول (فيه) في مسّ الحرير (عن الزبيدي) بضم الزاي محمد بن الوليد أبي الهذيل القاضي الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا وصله الطبراني في الكبير، وتمامه في فوائده. وقول المزي في أطرافه أن المؤلّف أراد حديث أبي داود والنسائي بلفظ: إنه رأى على أم كلثوم بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردًا سيراء، تعقبه في الفتح فقال: وليس هذا مراد البخاري والرؤية لا يقال لها مسّ، وأيضًا فلو كان هذا الحديث مراده الجزم به لأنه صحيح عنده على شرطه، وقد أخرجه في باب الحرير للنساء من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
5836 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أُهْدِىَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبُ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمُسُهُ وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا»؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) العبسي الحافظ أحد الأعلام على تشيعه وبدعته (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أهدي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثوب حرير) بإضافة ثوب لتاليه أهداه له صاحب دومة (فجعلنا نلمسه) بضم الميم مصححًا عليه في الفرع، ولأبي ذر بفتحها وكسرها وجزم في المحكم بالضم في المضارع ولم يذكر غيره (ونتعجب منه، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أتعجبون من هذا) الثوب؟ (قلنا: نعم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا) الثوب. قال الخطابي: إنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل هي تتبذل في أنواع من المرافق فيمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن وغير ذلك فصار سبيلها سبيل الخادم وسائر الثياب سبيل المخدوم، فإذا كان أدناها كذلك فما ظنك بعليتها؟ وفي الكواكب وخصّ سعدًا لكونه سيد الأنصار فلعل اللامسين كانوا أنصارًا أو كان سعد يحب المناديل.
وهذا الحديث مرّ في باب مناقب سعد.

27 - باب افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ
وَقَالَ عَبِيدَةُ هُوَ كَلُبْسِهِ.
(باب) حكم (افتراش الحرير) حلاًّ وحرمة (وقال عبيدة) بفتح العين ابن عمرو بفتح العين السلماني بسكون اللام فيما وصله الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سيرين (هو) أي افتراش الحرير (كلبسه).
5837 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَشْرَبَ فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم (قال: سمعت ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم يسار (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها و) نهانا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضًا (عن لبس الحرير والديباج) أعجمي معرّب وهو ما غلظ من ثياب الحرير (وأن
نجلس عليه) وقوله وأن نجلس

(8/440)


عليه زيادة لم يروها الشيخان إلا في هذه الرواية، وتمسك بها من قال بمنع الجلوس على الحرير. نعم يحلّ الجلوس على الحرير بحائل كما في الروضة وغيرها. قال الأذرعي: وصوّره بعضهم بما إذا اتفق في دعوة ونحوها، أما إذا اتخذ له حصيرًا من حرير فالوجه التحريم وإن بسط فوقها شيئًا لما فيه من السرف واستعمال الحرير لا محالة انتهى.
والأوجه أنه لا فرق ما اقتضاه كلام الأصحاب والتقييد في الحديث بما ذكر من اللبس والجلوس جرى على الغالب فيحرم غيرهما من أنواع الاستعمال كستر وتدثر لحديث أبي داود بإسناد صحيح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ في يمينه قطعة حرير وفي شماله قطعة ذهب، وقال: "هذان حرام على ذكور أمتي حلٌّ لإناثهم". وألحق بالمذكور الخناثى احتياطًا، واستدلّ بحديث الباب على منع النساء افتراش الحرير وهو ضعيف لأن خطاب المذكور لا يتناول المؤنث على الراجح.
وهذا الحديث سبق في الأطعمة والأشربة واللباس.

28 - باب لُبْسِ الْقَسِّىِّ
وَقَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِىٍّ مَا الْقَسِّيَّةُ؟ قَالَ: ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنَ الشَّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ، مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ فِيهَا أَمْثَالُ الأُتْرُنْجِ وَالْمِيثَرَةُ كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلَ الْقَطَائِفِ: يُصَفِّرْنَهَا.
وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ فِى حَدِيثِهِ: الْقَسِّيَّةُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا الْحَرِيرُ وَالْمِيثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ: عَاصِمٌ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ فِى الْمِيثَرَةِ.
(باب لبس) الثوب (القسي) بفتح القاف وكسر المهملة والتحتية المشدّدتين. وقال أبو عبيد في غريب الحديث أهل الحديث يكسرون القاف وأهل مصر يفتحونها نسبة إلى بلدة على ساحل البحر يقال لها القس بالقرب من دمياط.
(وقال عاصم) هو ابن كليب مما وصله مسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن عاصم (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: قلت) ولأبي ذر قلنا (لعلي) هو ابن أبي طالب لما قال: نهاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبس القسي وعن المياثر (ما القسية؟ قال: ثياب أتتنا من الشام أو من مصر) وفي مسلم من مصر والشأم (مضلعة) فيها خطوط عريضة كالأضلاع (فيها حرير) يخالطه غيره (فيها) ولأبي ذر وفيها (أمثال الأترنج) بضم الهمزة وسكون الفوقية والنون بينهما راء مهملة يعني أن الأضلاع التي فيها غليظة (والميثرة) بكسر الميم بعدها تحتية ساكنة فمثلثة مفتوحة والمياثر من الوثار فقلبت الواو ياء في المفرد لسكونها وانكسار ما قبلها وطاء (كانت النساء تصنعه) من الحرير والديباج (لبعولتهن) لأزواجهن (مثل القطائف) جمع قطيفة وهي الكساء المخمل (يصفرنها) بكسر الفاء وبعدها راء ساكنة كذا في الفرع من الصفرة، وقال في الفتح
وحكى عياض في رواية يضفرنها وأظنه تصحيفًا ولأبي ذر مما في هامش الفرع يصفونها بضم الصاد والفاء المشدّدة أي يجعلونها مصفوفة تحت السرج يوطئون بها تحت، وقيل هي أغشية السروج، وقيل هي كالفراش الصغير من حرير يحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته فوق الرحل، وقيل تكون من غير الحرير كالصوف والقطن فالنهي وارد على الغالب وهو الحرير ولا كراهة في غيرها على الأصح والجمهور على جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير أكثر أو يستوي فيه الحرير وغيره لأنه لا يسمى ثوب حرير.
(وقال جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له عن عثمان بن أبي شيبة عنه (عن يزيد) من الزيادة ابن أبي زياد (في حديثه) عن الحسن بن سهل (القسية ثياب مضلعة يجاء بها من مصر فيها الحرير والميثرة جلود السباع) قال النووي: هو تفسير باطل مخالف لما أطبق عليه أهل الحديث. وأجاب في فتح الباري: باحتمال أن تكون الميثرة وطاء صنعت من جلد ثم حشيت، وضبط الدمياطي يزيد في حاشية نسخته بالموحدة والراء مصغرًا ووهمه الحافظ ابن حجر كما وهم الكرماني في قوله: إنه يزيد بن رومان وأن جريرًا هو ابن أبي حازم، ثم قال: وقد أخرج ابن ماجة أصل هذا الحديث من طريق علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهل عن ابن عمر.
(قال أبو عبد الله) البخاري (عاصم) المذكور روايته (أكثر) طرقًا (وأصح في) تفسير (الميثرة) من تفسير جرير بجلود السباع وسقط قوله قال أبو عبد الله الخ عند أبي ذر.
5838 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ ابْنِ عَازِبٍ قَالَ: نَهَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَالْقَسِّىِّ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري

(8/441)


(عن أشعث) بالمعجمة والمثلثة بينهما عين مهملة (ابن أبي الشعثاء) سليم المحاربي قال: (حدّثنا معاوية بن سويد بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء مشددة بعدها نون المزني (عن ابن عازب) ولأبي ذر عن البراء بن عازب أنه (قال: نهانا) ولأبي ذر عن المستملي: نهى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) استعمال (المياثر الحمر و) استعمال (القسي) ولأبي ذر وعن القسي بفتح القاف وتشديد السين المهملة بعدها ياء نسبة، وضبطه بعض المحدثين بكسر القاف وتخفيف السين قال الخطابي: وهو غلط لأن ذاك جمع قوس، والقسي هو الذي يخالطه الحرير لا أنه الحرير الصرف، ومقتضاه تحريم لبس الثوب الذي خالطه الحرير وهو قول بعض الصحابة كابن عمر وبعض التابعين كابن سيرين والجمهور على خلافه كما مرّ.
وهذا الحديث طرف من حديث يأتي إن شاء الله.

29 - باب مَا يُرَخَّصُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ
(باب ما يرخص للرجال من الحرير للكة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الكاف نوع من الجرب أعاذنا الله منه ومن كل مكروه أي ما يرخص من استعمال الحرير لأجل الجرب وليس ذكر الحكة قيدًا بل مثالاً.
5839 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَخَّصَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام كما في رواية ابن السكن وجزم به المزي في أطرافه قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير) بن العوّام (وعبد الرحمن) بن عوف (في لبس الحرير لحكة بهما) أي لأجل حكّة حصلت بأبدانهما وفي رواية في السفر لحكة أو وجع كان بهما وأرخص لهما في لبسه للقمل رواها البخاري ومسلم والمعنى يقتضي عدم تقييد ذلك بالسفر وإن ذكره الراوي حكاية للواقعة. وقال السبكي: الروايات في الرخصة لعبد الرحمن والزبير يظهر أنها مرة واحدة اجتمع عليهما الحكة والقمل في السفر وكأن الحكة نشأت عن أثر القمل، وحينئذ فقد يقال المقتضي للترخيص إنما هو اجتماع الثلاثة وليس أحدها بمنزلتها، فينبغي اقتصار الرخصة على مجموعها ولا يثبت في بعضها إلا بدليل ويجاب بعد تسليم ظهور أنها مرة واحدة بمنع أن أحدها ليس بمنزلتها في الحالة التي عهد إناطة الحكم بها نظرًا لإفرادها في القوة والضعف، بل كثيرًا ما تكون الحاجة في أحدها لبعض الناس أقوى منها في الثلاثة لبعض آخر، أما استعمالها لغير حاجة في حق من ذكر فحرام كما مرّ ويلحق بما ذكر من الحكة وغيرها ما يقي من الحر والبرد حيث لا يوجد غيره إذا خشي منهما الضرر ولو في الحصر.
وهذا الحديث مضى في الجهاد وأخرجه مسلم في اللباس.

30 - باب الْحَرِيرِ لِلنِّسَاء
(باب) جواز استعمال (الحرير للنساء).
5840 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح، وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: كَسَانِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ فَخَرَجْتُ فِيهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِى.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي المصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (ح) لتحويل السند قال البخاري:
(وحدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر وهو اسم غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الهلالي (عن زيد بن وهب) الجهني (عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) أنه (قال: كساني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلة سيراء) بكسر السين المهملة وفتح التحتية والراء ممدودًا وحلّة منونة فسيراء عطف بيان عليه أو صفة ولأبي ذر بالإضافة. قال عياض: وبذلك ضبطناه عن متقني شيوخنا، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية وأنه من إضافة الشيء إلى صفته كثوب خز، وقال الخليل: ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله سوى سيراء وحولاء. وقال الأصمعي: هي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز، وإنما قيل لها سيراء لتسير خطوط فيها، وفي الصحاح برد فيه خطوط صفر، وقال الخليل: ثوب مضلّع بالحرير (فخرجت فيها) أي لبستها (فرأيت الغضب في وجهه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد مسلم في روايته عن أبي صالح فقال: إني لم أبعثها إليك لتلبسها وإنما بعثت بها إليك لتقشها خمرًا بين النساء قال علي: (فشققتها) أي قطّعتها (بين نسائي) أي فرقتها عليهن أي على فاطمة الزهراء وفاطمة بنت أسد

(8/442)


بن هاشم والدة عليّ، وعند الطحاوي وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وكان المصنف كما في الفتح لم يثبت عنده الحديثان المشهوران في تخصيص النهي بالرجال صريحًا فاكتفى بما يدل على ذلك.
وهذا الحديث مرّ في باب ما يكره لبسه في الهبة.
5841 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِى جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ ابْتَعْتَهَا تَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ إِذَا أَتَوْكَ، وَالْجُمُعَةِ قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ»، وَأَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ حُلَّةَ سِيَرَاءَ حَرِيرٍ كَسَاهَا إِيَّاهُ فَقَالَ عُمَرُ: كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِيهَا مَا قُلْتَ فَقَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثني) بالإفراد (جويرية) بن أسماء الضبعي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر أن) أباه (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- رأى حلّة) بالتنوين (سيراء) عطف أو صفة أو بإضافة حلة لسيراء كما مرّ قريبًا (تباع) في السوق وكانت لعطارد التميمي كساه إياها كسرى (فقال: يا رسول الله لو ابتعتها تلبسها) ولأبي ذر عن الكشميهني فلبستها (للوفد) من العرب (إذا أتوك والجمعة) وعند النسائي فتجملت بها لوفود العرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس يوم عيد أو غيره (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنما يلبس هذه) وفي رواية جرير إنما يلبس الحرير (من لا خلاق له) زاد مالك في رواية في الآخرة أي من لا نصيب أو لا حظّ له في الآخرة (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بعد ذلك إلى عمر حلة سيراء حرير) بالجر ولأبي ذر: حريرًا بالنصب (كساها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إياه) أي عمر والمراد بقوله كساه أي
أعطاه ما يصلح أن يكون كسوة أو الإطلاق باعتبار ما فهم عمر من ذلك وإلاّ فقد ظهر من بقية الحديث أنه لم يبعث بها إليه ليلبسها (فقال عمر): يا رسول الله (كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت) من أنه إنما يلبسها من لا خلاق له (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما بعثت إليك) أي بها (لتبيعها) فتنتفع بثمنها (أو تكسوها) غيرك من نساء وغيرهن لكنه يحرم على الرجال فانحصر في النساء، وعند الطحاوي إني لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتلبسها النساء، ولأبي ذر: لتكسوها بزيادة لام أولها وزاد مالك فكساها عمر أخًا له مشركًا، وعند النسائي أخًا له من أمّه وسماه ابن بشكوال عثمان بن حكيم، وقال الدمياطي: هو السلمي.
وهذا الحديث سبق في الجمعة وأول العيدين.
5842 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه رأى على أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام بعدها مثلثة (بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زوج عثمان بن عفان (برد حرير سيراء) ولا يلزم من رؤية أنس الثوب على أم كلثوم رؤيتها، فيحتمل أنه رأى ذيل القميص مثلاً أو كان ذلك قبل بلوغ أنس أو قبل الحجاب، واستدلّ به على جواز لبس الحرير للنساء.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة.

31 - باب مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَجَوَّزُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْبُسْطِ
(باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجوّز) بالجيم من التجوّز أي يتوسع (من اللباس والبسط) فلا يضيق بالاقتصار على صنف بعينه، ولأبي ذر عن الكشميهني: يتحرى بحاء مهملة بعدها راء كذا في الفرع وقال في الفتح: وتبعه العيني بالجيم والزاي المفتوحة المشددة. قال العيني: وما أظنه صحيحًا إلاّ بالحاء المهملة والراء.
5843 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَبِثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلْتُ أَهَابُهُ فَنَزَلَ يَوْمًا مَنْزِلاً فَدَخَلَ الأَرَاكَ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ثُمَّ قَالَ: كُنَّا فِى الْجَاهِلِيَّةِ لاَ نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِى شَىْءٍ مِنْ أُمُورِنَا، وَكَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ امْرَأَتِى كَلاَمٌ، فَأَغْلَظَتْ لِى فَقُلْتُ لَهَا: وَإِنَّكِ لَهُنَاكِ قَالَتْ: تَقُولُ هَذَا لِى وَابْنَتُكَ تُؤْذِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّى أُحَذِّرُكِ أَنْ تَعْصِى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا فِى أَذَاهُ فَأَتَيْتُ أُمَّ
سَلَمَةَ فَقُلْتُ لَهَا فَقَالَتْ: أَعْجَبُ مِنْكَ يَا عُمَرُ قَدْ دَخَلْتَ فِى أُمُورِنَا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَزْوَاجِهِ، فَرَدَّدَتْ وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَ أَتَانِى بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ اسْتَقَامَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّأْمِ كُنَّا نَخَافُ أَنْ يَأْتِيَنَا فَمَا شَعَرْتُ إِلاَّ بِالأَنْصَارِىِّ وَهْوَ يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، قُلْتُ لَهُ: وَمَا هُوَ أَجَاءَ الْغَسَّانِىُّ؟ قَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ فَجِئْتُ فَإِذَا الْبُكَاءُ مِنْ حُجَرِهَا كُلِّهَا وَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ صَعِدَ فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ وَعَلَى بَابِ الْمَشْرُبَةِ وَصِيفٌ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِى، فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِذَا أُهُبٌ مُعَلَّقَةٌ، وَقَرَظٌ فَذَكَرْتُ الَّذِى قُلْتُ لِحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالَّذِى رَدَّتْ عَلَىَّ أُمُّ سَلَمَةَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَبِثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين مصغرين مولى زيد بن الخطاب (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعاونتا عليه بما كسبتاه من الإفراط في الغيرة وإفشاء السر (فجعلت أهابه) زاد في التفسير حتى خرج حاجًّا فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق (فنزل يومًا منزلاً) بمز الظهران (فدخل الأراك) لقضاء الحاجة (فلما خرج) بعد قضاء حاجته (سألته) عن ذلك (فقال) هما (عائشة وحفصة، ثم قال) عمر- رضي الله عنه- (كنا في الجاهلية لا نعدّ النساء شيئًا فلما جاء الإسلام وذكرهن الله) بنحو قوله: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19] (رأينا لهن بذلك) الذي ذكرهن الله ولأبي ذر عن

(8/443)


الحموي والمستملي بذاك بغير لام (علينا حقًّا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي) بفتح الظاء المعجمة وسكون الفوقية (فقلت لها: وإنك لهناك) بكسر الكاف فيهما (قالت: تقول هذا لي وابنتك) حفصة (تؤذي النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمراجعتها له حتى يظل يومه غضبان فقال عمر -رضي الله عنه- (فأتيت حفصة فقلت لها: إني أحذرك أن تعصي الله) من العصيان ولأبي ذر أن تغضبي الله (ورسوله) بضم الفوقية وبالغين والضاد المعجمتين من الإغضاب (وتقدمت إليها) أولاً قبل الدخول على غيرها (في) قصة (أذاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو المعنى تقدمت في أذى شخصها وإيلام بدنها بالضرب ونحوه (فأتيت أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقرابتي منها (فقلت لها) نحو ما قلته لحفصة (فقالت: أعجب منك يا عمر قد دخلت في أمورنا) وفي التفسير دخلت في كل شيء (فلم يبق إلا أن تدخل بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأزواجه فرددت) بتشديد الدال الأولى وسكون الثانية من الترديد ولأبي ذر عن الكشميهني فردت بدال واحدة مشددة من الرد، وفي التفسير فأخذتني والله أخذًا كسرتني عن بعض ما كنت أجد (وكان رجل من الأنصار) هو
أوس بن خولي أو عتبان بن مالك (إذا غاب عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهدته أتيته بما يكون) من أمر الوحي وغيره (وإذا غبت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهد) هو (أتاني بما يكون من) خبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الوحي وغيره (وكان من حول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الملوك ونحوهم (قد استقام له فلم يبق إلا ملك غسان بالشام) وهو جبلة بن الأيهم (كنا نخاف أن يأتينا) ليغزونا (فما شعرت إلا بالأنصاري) كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي بتقديم إلا على قوله بالأنصاري وللكشميهني فما شعرت بالأنصاري إلا (وهو يقول): بتأخيرها. قال في الكواكب في جلّ النسخ أو في كلها وهو يقول بدون كلمة الاستثناء، ووجهه أن إلا مقدرة والقرينة تدل عليها أو كلمة ما زائدة أي شعرت بالأنصاري وهو يقول أو ما مصدرية، ويقول مبتدأ خبره بالأنصاري أي شعوري متلبس بالأنصاري قائلاً قوله أعظم وقال العيني: الأحسن أن يقال ما مصدرية والتقدير شعوري بالأنصاري حال كونه قائلاً أعظم. قال وقول الكرماني ويقول مبتدأ فيه نظر لأن الفعل لا يقع مبتدأ إلا بالتأويل، وقال في الفتح: ويحتمل أن تكون ما نافية على حالها بغير احتياج لحرف الاستثناء والمراد المبالغة في نفي شعوره بكلام الأنصاري من شدة ما دهمه من الخبر الذي أخبر به، ويكون قد استثبته فيه مرة أخرى، ولذلك نقله عنه لكن رواية الكشميهني ترجح الاحتمال الأول وتوضح أن قول الكرماني أو في كلها ليس كذلك (انه) أي الشأن (قد حدث أمر) بتخفيف الدال المهملة (قلت له: وما هو أجاء الغساني)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري (قال: أعظم من ذلك. طلّق رسول الله) ولأبي الوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه) وإنما كان عنده أعظم لأن فيه مفارقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحفصة ابنته مع ما في ذلك من مشقته عليه الصلاة والسلام التي كانت سبب ذلك وعبّر بالطلاق ظنًّا منه أن اعتزاله طلاق. قال عمر -رضي الله عنه- (فجئت فإذا البكاء من حجرها كلها) ولأبي ذر من حجرهن كلهن أي منازلهن -رضي الله عنه- (وإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد صعد) بكسر العين ارتقى (في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء غرفة (له وعلى باب المشربة وصيف) خادم لم يبلغ الحلم وفي التفسير غلام أسود وهو رباح (فأتيته فقلت استأذن لي) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدخول عليه فدخل فاستأذن (فأذن لي) عليه الصلاة والسلام (فدخلت) وثبت قوله فأذن لي في رواية أبي ذر

(8/444)


(فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على حصير) ما بينه وبينه شيء (قد أثّر) الحصير (في جنبه وتحت رأسه مرفقة) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الفاء والقاف (من أدم حشوها ليف) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (وإذا أهب معلقة) بفتح الهمزة والهاء لأبي ذر ولغيره بضمهما (وقرظ) بقاف وراء مفتوحتين وظاء معجمة ورق السلم الذي يدبغ فيه (فذكرت) له عليه الصلاة والسلام (الذي قلت لحفصة وأم سلمة والذي ردت علي أم سلمة فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تبسمًا من غير صوت (فلبث) عليه الصلاة والسلام في المشربة (تسعًا وعشرين ليلة ثم نزل) من المشربة.
وهذا الحديث سبق في سورة التحريم من التفسير.
5844 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِى هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِى كُمَّيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرتني) بالإفراد وتاء التأنيث (هند بنت الحارث عن أم سلمة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الليل وهو يقول):
(لا إله إلا الله ماذا أنزل الليلة) ولأبي ذر عن المستملي: الليل (من الفتن) استفهام متضمن معنى التعجب (ماذا أنزل من الخزائن) كخزائن فارس والروم (من يوقظ) ينبه (صواحب الحجرات) يريد أمهات المؤمنين -رضي الله عنه- (كم من كاسية في الدنيا) أثوابًا رقيقة لا تمنع إدراك البشرة أو نفيسة (عارية) معاقبة (يوم القيامة) بفضيحة التعري أو عارية من الحسنات.
(قال الزهري) بالسند السابق (وكانت هند) المذكورة (لها أزرار) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها راء مفتوحة فألف فراء ثانية (في كميها بين أصابعها) فتزررها خشية أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كمها فتدخل في قوله: كاسية عارية.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه حذر من لباس رقيق الثياب الواصفة للجسد.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم.

32 - باب مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا
(باب ما يدعى لمن لبس ثوبًا جديدًا).
5845 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: حَدَّثَتْنِى أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ، قَالَتْ: أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ». فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ قَالَ: «ائْتُونِى بِأُمِّ خَالِدٍ». فَأُتِىَ بِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَلْبَسَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَبْلِى وَأَخْلِقِى» مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَىَّ وَيَقُولُ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا». وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ الْحَسَنُ. قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَتْنِى امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِى أَنَّهَا رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال (حدّثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص) بفتح عين عمرو (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) سعيد بن عمرو (قال:
حدّثتني) بتاء التأنيث والإفراد (أم خالد) أي ابن الزبير بن العوّام (بنت خالد) أي ابن سعيد بن العاص (قالت: أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثياب فيها خميصة سوداء) بخاء معجمة وصاد مهملة كساء من صوف له أعلام (قال) ولأبي ذر: فقال:
(من ترون نكسوها) ولأبي ذر نكسو (هذه الخميصة) بإسقاط لفظة ها (فأسكت القوم) بضم الهمزة من الإسكات (قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر فقال: (ائتوني بأم خالد) قالت (فأتي) بضم الهمزة (بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فألبسها) ولأبي ذر فألبسنيها بنون مكسورة بعد السين فتحتية ساكنة (بيده وقال: أبلي) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام من الإبلاء (وأخلقي) قالهما (مرتين) وأخلقي بهمزة مفتوحة وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام والقاف من الأخلاق، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وأخلفي بالفاء بدل القاف يقال خلف الله لك مالاً وأخلفه وهو الأشهر رباعي قالت (فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ينظر إلى علم الخميصة وبشير بيده إليّ ويقول: يا أم خالد هذا) العلم (سنا) ولأبي ذر ويا أم خالد هذا سنا (والسنا) بفتح السين المهملة مقصورًا (بلسان الحبشة الحسن. قال إسحاق) بن سعيد المذكور بالسند السابق (حدّثتني) بالإفراد والتأنيث (امرأة من أهلي) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمها (أنها رأته) أي الثوب المذكور بلفظ الخميصة (على أم خالد) المذكورة.
وفي الباب من حديث ابن عمر عند النسائي وصححه ابن حبان وأبي سعيد عند أبي داود والنسائي والترمذي وصححه. وعمر عند ابن ماجة، وصححه الحاكم ومعاذ بن أنس عند الترمذي وحسّنه وكأنها لم تثبت عند المؤلّف.

33 - باب التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَال
(باب التزعفر للرجال) في الجسد وخرج بالرجال النساء، ولأبي ذر: باب النهي عن التزعفر للرجال.

(8/445)


5846 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتزعفر الرجل) وعند النسائي نهى عن التزعفر والمطلق محمول على المقيد، وهل النهي لرائحته أو للونه؟

34 - باب الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ
(باب) حكم (الثوب المزعفر) أي المصبوغ بالزعفران.
5847 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى اللهُ
عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلبس المحرم) بالحج أو العمرة أو بهما (ثوبًا مصبوغًا بورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة نبت يصبغ به (أو بزعفران) ومفهومه جواز لبسهما لغير المحرم والمنصوص أنه يحرم على الرجل لبس المزعفر دون المعصفر.
وهذا الحديث مرّ في الحج مطوّلاً.

35 - باب الثَّوْبِ الأَحْمَرِ
(باب) حكم لبس (الثوب الأحمر).
5848 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْبُوعًا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (سمع البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مربوعًا) بين الطويل والقصير (وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئًا أحسن منه). وفي حديث هلال بن عامر عن أبيه رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب بمنى على بعير وعليه برد أحمر. رواه أبو داود بإسناد حسن، واختلف في لبس الثياب المصبوغة أحمر بالعصفر أو غيره فأباحها جماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال الشافعي، ومنعها آخرون مطلقًا. قال البيهقي: والصواب تحريم المعصفر عليه أيضًا للأحاديث الصحيحة التي لو بلغت الشافعي لقال بها وقد أوصانا بالعمل بالحديث الصحيح ذكر ذلك في الروضة، وقيل: يكره لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في المهنة والبيوت ونقل عن مالك، وقيل: يجوز لبس ما صبغ غزله ثم نسج ويمنع ما صبغ بعد النسيج، وقيل: النهي خاص بما صبغ بالعصفر لورود النهي عنه، وقيل المنع إنما هو في المصبوغ كله أما ما فيه لون آخر فلا وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء لأن الحلل اليمانية غالبًا ما تكون كذلك.

36 - باب الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاء
(باب) حكم استعمال (الميثرة) بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المثلثة (الحمراء).
5849 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ: عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّىِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَمَيَاثِرِ الْحُمْرِ.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أشعث) بن أبي الشعثاء (عن معاوية بن سويد بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع) أي بسبع خصال فتمييز العدد مخذوف (عيادة المريض) الأصل في عيادة عوادة لأنه من عافه يعوده فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها والمرض يكون في الجسم والقلب كالجهل والجبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل وإطلاق المرض على ذلك مجاز والمراد هنا الأول وهو الحقيقي (واتّباع الجنائز) افتعال من اتبع يتبع ويكون تارة بالجسم وتارة بالارتسام والائتمار ومن المحتمل لهما قوله تعالى: {هل أتّبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا} [الكهف: 66] أي أتبعك بجسمي أو ألتزم ما تفعله وأقتفي نيه أثرك، والذي هنا يحتملهما أيضًا وعلى ذلك ينبني الخلاف في أن الأفضل المشي خلفها أو أمامها لأنه إن كان أمامها فهو تابع لها معنى (وتشميت العاطس) بالشين المعجمة وتهمل وهو أن يقول للعاطس: يرحمك الله وقيل: التشميت مأخوذ من شماتة العدو وهو فرحه بما يسوء، فإما أن يكون المراد هنا الدعاء له بأن لا يكون في حالة يشمت به فيها، وإما أن يكون أنك إذا دعوت له بالرحمة فقد أدخلت على الشيطان ما يسخطه ويسر العاطس بذلك فيكون شماتة بالشيطان، وقيل غير ذلك والأربع الباقية من السبع: إجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإبرار القسم والأمر المذكور المراد به المطلق في الإيجاب والندب لأن بعضها إيجاب وبعضها ندب وليس ذلك من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه

(8/446)


لأن ذاك إنما هو في صيغة أفعل أما لفظ الأمر فيطلق عليهما حقيقة على المرجح لأنه حقيقة في القول المخصوص فاتباع الجنائز فرض كفاية وكذا إجابة الداعي لوليمة النكاح.
(ونهانا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزاد أبو ذر: عن سبع (عن لبس الحرير والديباج) ما رق من ثياب الحرير وعطفه على الحرير ليفيد النهي عنه بخصوصه لأنه صار جنسًا مستقلاًّ بنفسه (و) عن (القسي) بفتح القاف وتشديد السين المهملة مكسورة والتحتية والأصل القزي بالزاي بدل السين فأبدلت سينًا، والصواب تفسيرها بما في مسلم عن علي أنها ثياب مصبغة يؤتى بها من مصر والشام فيها شية، وفي البخاري حرير أمثال الأترج، وفي أبي داود من الشأم أو مصر مصبغة فيها أمثال الأترج (والاستبرق ومياثر الحمر) ولأبي ذر والمياثر الحمر وهذه المنهيات كلها للتحريم بخلاف الأوامر فإنها على ما سبق والتقييد بالحمر لا اعتبار بمفهومه إذا كانت من الحرير والاثنان المكملان للسبع خواتم الذهب وأواني الفضة.
وهذا الحديث مرّ مختصرًا في باب لبس القسي ومطولاً في الجنائز.

37 - باب النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَغَيْرِهَا
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة وكسر الفوقية وتشديد التحتية
المدبوغة بالقرظ أو التي سبت ما عليها من الشعر أي حلق، والنعال جمع نعل وهو ما وقيت به
القدم، وفي النهاية هي التي تسمى الآن تاسومة (وغيرها) أي وغير السبتية مما يشبهها وسقط قوله وغيرها لأبي ذر.
5850 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِى مَسْلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا أَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى فِى نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) ولأبي ذر حماد بن زيد (عن سعيد) هو ابن يزيد من الزيادة (أبي سلمة) الأزد البصري أنه (قال: سألت أنسًا) - رضي الله عنه- (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في نعليه؟ قال: نعم) أي إذا لم يكن فيهما نجاسة.
وهذا الحديث سبق في الصلاة.
5851 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما -: رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: مَا هِىَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّى لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمَسُّ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِى لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإِهْلاَلُ فَإِنِّى لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي أحد الأعلام (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن عبيد بن جريج) بضم العين والجيم بالتصغير فيهما (أنه قال لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: رأيتك تصنع أربعًا) أي أربع خصال (لم أر أحدًا من أصحابك) رضي الله عنهم (يصنعها) مجتمعة (قال: ما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة التي للبيت الحرام (إلا) الركنين (اليمانيين) الركن الذي فيه الحجر الأسود والذي يليه من غير جهة الباب وهو من باب التغليب لأن الذي فيه الحجر الأسود عراقي (ورأيتك تلبس) بضم الفوقية الموحدة (النعال السبتية، ورأيتك تصبغ) ثوبك أو شعرك (بالصفرة ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام (إذا رأوا الهلال) هلال ذي الحجة (ولم تهل أنت) بضم الفوقية وكسر الهاء وتشديد اللام ولأبي ذر تهلل بسكون الهاء ولام مكسورة بعدها أخرى مخففة (حتى كان يوم التروية) ثامن الحجة تهل أنت (فقال له عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمس منها إلا) الركنين (اليمانيين وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب
أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصبغ بها) ثيابه لحديث أبي داود أو شعره لحديث السنن، ورجح الأول وأجيب عن الثاني باحتمال أنه كان يتطيب به لا أنه كان يصبغ به (فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الأهلال فإني لم أر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه.
وهذا الحديث سبق في باب غسل الرجلين في النعلين من الطهارة.
5852 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ، وَقَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الدمشقي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر لفظ عبد الله أنه (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلبس المحرم ثوبًا مصبوغًا بزعفران

(8/447)


أو ورس) بفتح الواو وسكون الراء نبت باليمن قيل إنه يزرع في الأرض سنة فيثبت في الأرض عشر سنين ينبت ويثمر ويقال إن الكركم عروقه وليس ذكرهما للتقييد بل لأنهما الغالب فيما يصبغ للزينة والترفه فيلحق بهما ما في معناهما والمعنى في ذلك لأنه طيب فيحرم كل طيب قاله الجمهور.
(وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من لم يجد نعلين) فيه حذف ذكره في الحج ولفظه لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس والخفاف إلا أحد لا يجد نعلين. (فليلبس خفين وليقطعهما) أي بشرط أن يقطعهما (أسفل من الكعبين) والأمر هنا للإباحة.
5853 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِزَارٌ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي الضبي مولاهم قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن دينار) مولى قريش المكي (عن جابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي الإمام (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من لم يكن له إزار فليلبس السراويل) أي فإنه يجوز له لبسها ولا فدية عليه (ومن لم يكن له نعلان فليلبس خفين) زاد ابن عمر في روايته السابقة وليقطعهما أسفل من الكعبين. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: قبلنا زيادته في القطع كما قبلنا زيادة ابن عباس في لبس السراويل إذا لم نجد إزارًا ولم يرو أنه يقطع من السراويل شيئًا فقلنا بعمومه قال: وكلاهما صادق وحافظ وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئًا لم يروه الآخر إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يروه وإما سكت عنه وإما أدّاه فلم يرو عنه انتهى. ولا اعتبار بمن قال قطعهما فيه إضاعة مال لأن الإضاعة إنما تكون فيما
لم يأذن فيه الشارع، والزيادة من الثقة مقبولة، وحمل المطلق على المقيد واجب على الأصح لا سيما مع اتحاد السبب.
وسبق الحديث في الحج.

38 - باب يَبْدَأُ بِالنَّعْلِ الْيُمْنَى
هذا (باب) بالتنوين (يبدأ) الرجل والمرأة (بالنعل اليمنى) لبسًا ولأبي ذر ضم المثناة التحتية من يبدأ مبنيًّا للمجهول.
5854 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِى طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أشعث بن سليم) بالشين المعجمة الساكنة بعد الهمزة المفتوحة وبعد العين المهملة مثلثة قال (سمعت أبي) سليمًا بضم المهملة مصغرًا الأزدي المحاربي (يحدّث عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمن في طهوره) بضم الطاء والمراد التطهير ولأبي ذر بفتحها وهو ما يتطهر به كالماء (وترجله) أي تسريح شعره (وتنعله) أي لبسه النعل زاد في رواية في شأنه كله. قال النووي: وهذه قاعدة مستمرة في الشرع وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف فيستحب باليمين وما كان بضد ذلك فيستحب فيه التياسر وذلك لكرامة اليمين وشرفها.
وقال في شرح المشكاة: قوله في طهوره وترجله وتنعله بدل من قوله في شأنه بإعادة العامل، ولعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما بدأ بذكر الطهور لأنه فتح لأبواب الطاعات كلها فبذكره يستغنى عنها وثنى بذكر الترجل وهو متعلق بالرأس وثلث بالتنعل وهو مختصر بالرجل ليشمل جميع الأعضاء والجوارح فيكون كبدل الكل من الكل انتهى.
ولم يقل وتطهره كما قال في تنعله وترجله لأنه أراد الطهور الخاص المتعلق بالعبادة ولو قال وتطهره كما قال في تنعله وترجله لدخل فيه إزالة النجاسة وسائر النظافات بخلاف الأولين فإنهما خاصان بما وضعا له من لبس النعل وترجيل الرأس.
والحديث سبق في باب التيمن والغسل.

39 - باب يَنْزِعُ نَعْلَ الْيُسْرَى
هذا (باب) بالتنوين إذا أراد الرجل نزع نعليه (ينزع نعل) الرجل (اليسرى) ولأبي ذر نعله بإثبات الضمير فاليسرى صفة النعل.
5855 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب (عن مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا تنعّل أحدكم) أي لبس نعله (فليبدأ بـ) الرجل (اليمين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي باليمنى أي بالنعل اليمنى (وإذا نزع)

(8/448)


ولأبي ذر انتزع (فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أوّلهما تنعل وآخرهما تنزع) تنعل وتنزع مبنيان للمفعول وأولهما وآخرهما بالنصب خبر كان.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي في اللباس.

40 - باب لاَ يَمْشِى فِى نَعْلٍ وَاحِد
هذا (باب) بالتنوين (لا يمشي) الرجل (في نعل واحد) ولأبي ذر والأصيلي: واحدة وتأنيث النعل غير حقيقي فيجوز فيه الوجهان.
5856 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمْشِى أَحَدُكُمْ فِى نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَنْعَلْهُمَا جَمِيعًا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبيّ (عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يمشي أحدكم في نعل واحدة) لمشقة المشي حينئذ وخوف العثار مع سماجة الماشي في الشكر وقبح منظره في العيون أو لأنها مشية الشيطان (ليحفهما) بالحاء المهملة من الإحفاء أي ليجردهما (جميعًا أو لينعلهما جميعًا) بضم التحتية في الفرع من أنعل، وبه ضبطه النووي، ورده الزين العراقي في شرح الترمذي بأن أهل اللغة قالوا نعل بفتح العين. وحكي كسرها وأجيب: بأن أهل اللغة قالوا أيضًا أنعل رجله ألبسها نعلاً وسقط قوله جميعًا لغير أبي ذر ويقاس بما ذكر كل لباس شفع كالخفين وإخراج اليدين من الكم والتردي على أحد المنكبين ونحو ذلك.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس وكذا أبو داود والترمذي.

41 - باب قِبَالاَنِ فِى نَعْلٍ وَمَنْ رَأَى قِبَالاً وَاحِدًا وَاسِعًا
هذا (باب) بالتنوين (قبالان) كائنان (في نعل) أي في كل فردة (ومن رأى قبالاً واحدًا واسعًا) أي جائزًا والقبال بكسر القاف وتخفيف الموحدة آخره لام هو الزمام وهو السير الذي يعقد فيه الشسع وهو أحد سيور النعل الذي يدخل بين إصبعي الرجل ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام.
5857 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رضى الله عنه - أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَهَا قِبَالاَن.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي ولابن السكن عن الفربري هشام بدل همام. قال في الفتح: والذي عند الجماعة أولى (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس رضي الله عنه أن نعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لها قبالان) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي نعلي بالتثنية وكذا قوله لهما.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة في اللباس والنسائي في الزينة.
5858 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بِنَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ: هَذِهِ نَعْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) هو ابن مقاتل قال (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عيسى بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء البصري نزيل الكوفة (قال: خرج إلينا أنس بن مالك) رضي الله (عنه (بنعلين) ولأبي ذر أخرج بهمزة قبل الخاء نعلين بإسقاط الموحدة (لهما قبالان) قال الكرماني أي لكل واحد من نعل كل رجل قبال واحد (فقال ثابت البناني: هذه نعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يصرح ثابت بأن أنسًا أخبره بذلك فصورته صورة الإرسال، لكن سبق الحديث في الخمس من طريق أبي أحمد الزبيري عن عيسى بن طهمان بلفظ: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان فحدّثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال في فتح الباري: وظهر بهذا أن رواية عيسى عن أنس إخراجه النعلين فقط وأن إضافتهما إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من رواية عيسى عن ثابت عن أنس، وعادة البخاري إذا صحّت الطريق موصولة لا يمتنع عن إيراد ما ظاهره الإرسال اعتمادًا على الموصول.

42 - باب الْقُبَّةِ الْحَمْرَاءِ مِنْ أَدَمٍ
(باب القبة الحمراء من آدم) بفتحتين جلد دبغ وصبغ بحمرة.
5859 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى
جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلاَلاً أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون السامي بالمهملة البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (عمر بن أبي زائدة) بضم العين (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الفاء (عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بالأبطح في حجة الوداع (وهو في قبة حمراء من آدم) جلد (ورأيت بلالاً) المؤذن (أخذ وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الواو الماء الذي توضأ به (والناس يبتدرون) يتسارعون ويتسابقون (الوضوء) الماء

(8/449)


الذي توضأ به (فمن أصاب منه شيئًا تمسح به) تبركًا بالماء الذي مسّ أعضاءه الشريفة (ومن لم يصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه) فتمسح به.
والحديث سبق في باب الصلاة إلى العنزة وباب السترة بمكة من كتاب الصلاة.
5860 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، قَالَ: أَرْسَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الأَنْصَارِ، وَجَمَعَهُمْ فِى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك ح) مهملة لتحويل السند (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الإسماعيلي من طريق الرمادي حدّثنا أبو صالح حدّثنا الليث (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الأنصار) لما بلغه أنهم قالوا لما أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن وأنه طفق يعطي رجالاً المائة من الإبل: يغفر الله لرسوله يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم (فجمعهم في قبة من آدم) ولم يدع معهم غيرهم الحديث السابق في باب غزوة الطائف من غير هذا الوجه وهو في الخمس بإسناد حديث الباب بعينه وفيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لهم: "أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رحالكم" وفيه أنهم قالوا: قد رضينا والمراد منه هنا قوله فجمعهم في قبة من أدم لكنه لا يدل على أن القبة حمراء فهو كما قال في الكواكب إنما يدل لبعض الترجمة وكثيرًا ما يفعل المصنف ذلك. قال في فتح الباري: ويمكن أن يقال لعله حمل المطلق على المقيد وذلك لقرب العهد فإن القصة التي ذكرها أنس كانت في غزوة حنين والتي ذكرها أبو جحيفة كانت في حجة الوداع وبينهما نحو سنتين، فالظاهر أنها هي تلك القبة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان يتألف في مثل ذلك حتى يستبدل وإذا وصفها أبو جحيفة بأنها حمراء في الوقت الثاني فلأن تكون حمرتها موجودة في الوقت الأول أولى انتهى.

43 - باب الْجُلُوسِ عَلَى الْحَصِيرِ وَنَحْوِه
(باب الجلوس على الحصر) بضم الحاء والصاد المهملتين في الفرع وفي غيره على الحصير بكسر الصاد ثم تحتية على الإفراد وهو ما اتخذ من سعف وشبهه (ونحوه) ونحو الحصير مما يبسط وقدره غير رفيع.
5861 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ، فَيُصَلِّى وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحتجز حصيرًا) بالحاء المهملة والجيم بينهما فوقية آخره راء أي يتخذه كالحجرة وللكشميهني يحتجز بزاي أي يجعله حاجزًا بينه وبين غيره (بالليل فيصلّي) زاد أبو ذر عن الكشميهني عليه (ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون) بمثلثة وموحدة بينهما واو يرجعون (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الناس (فقال):
(يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم وسابقها في الفعلين أي لا يقطع عنكم فضله حتى تتركوا سؤاله وأطلق على سبيل المشاكلة (وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام) ولأبي ذر عن الكشميهني ما داوم بزيادة واو بين الألف والميم زاد في الإيمان عليه صاحبه أي ما استمر في حياة العامل، وزاد هنا على رواية الإيمان (وإن قلّ) لأنه يستمر بخلاف الكثير الشاق.

44 - باب الْمُزَرَّرِ بِالذَّهَبِ
(باب المزرر بالذهب) من الثياب.
5862 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ: يَا بُنَىَّ إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهْوَ يَقْسِمُهَا، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَنْزِلِهِ فَقَالَ لِى: يَا بُنَىَّ ادْعُ لِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا بُنَىَّ إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ، فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ
فَقَالَ: «يَا مَخْرَمَةُ هَذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ» فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الإمام أحمد (حدّثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما خاء معجمة ساكنة فراء مفتوحة (أن أباه مخرمة قال له: يا بني إنه بلغني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدمت عليه أقبية) جمع قباء جنس من الثياب ضيق من لباس العجم (فهو يقسمها) على أصحابه (فاذهب بنا إليه) زاد في الشهادات عسى أن يعطينا منها شيئًا قال المسور (فذهبنا فوجدنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

(8/450)


منزله فقال لي) أبي (يا بني ادع لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المسور (فأعظمت ذلك) أي قوله ادع لي النبي لأن رفيع مقامه وشريف منزلته لا يقتضي ذلك (فقلت) لأبي (أدعو لك رسول الله)؟ استفهام إنكاري (فقال) مخرمة مجيبًا له: (يا بني إنه) عليه الصلاة والسلام (ليس بجبار) قال المسور (فدعوته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب) وهذا يحتمل أن يكون قبل تحريم الحرير، ويحتمل أن يكون بعده وحينئذٍ فيكون إعطاؤه له لينتفع به بأن يبيعه أو يكسوه للنساء ويكون معنى قوله فخرج وعليه قباء أي على يده فيكون من إطلاق الكل على البعض (فقال):
(يا مخرمة هذا خبأته لك فأعطاه إياه).
وهذا الحديث سبق في الهبة واللباس.

45 - باب خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ
(باب) حكم لبس (خواتيم الذهب) بتحتية ساكنة بعد الفوقية جمع خاتم ويجمع على خواتيم بإسقاط التحتية وخياتم بتحتية بدل الواو وبإسقاط التحتية أيضًا وفي الخاتم لغات ثمانية تأتي إن شاء الله تعالى.
5863 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: نَهَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سَبْعٍ: نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ. وَعَنِ الْحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَالْقَسِّىِّ، وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِى، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أشعث بن) أبي الشعثاء (سليم) بضم المهملة وفتح اللام المحاربي (قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرّن) المزني (قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما يقول: نهانا النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عن سبع) أي سبع خصار (نهى) ولأبي ذر نهانا (عن) لبس (خاتم الذهب أو قال حلقة الذهب) بالشك من الراوي (وعن) استعمال (الحرير و) استعمال (الإستبرق) بكسر الهمزة غليظ الديباج فارسي معرب قاله
الجواليقي ويصغر على أبيرق ويكسر على أبارق بحذف السين والتاء معًا (والديباج) بكسر الدال المهملة. قال ابن الأثير: ثياب تتخذ من إبريسم فارسي معرب وقد تفتح داله ومجمع على دبابيج وديابيج بموحدة وتحتية (والميثرة الحمراء) بالمثلثة مفرد مياثر والأصل في الميثرة الواو فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها لأنها من الوثار وهو الفراش الوطيء (والقسي) بفتح القاف وتشديد السين المهملة المكسورة ونقل الفاكهاني عن بعض شيوخه أن السين مبدلة من الزاي أي القزي نسبة إلى القز (وآنية الفضة. وأمرنا بسبع) أي بسبع الخصال (بعيادة المريض) مصدر مضاف إلى مفعوله وأصل عيادة عوادة لأنه من عاد يعود فقلبت الواو ياء لكسرة العين (واتباع الجنائز) بالجمع مصدر مضاف إلى مفعوله كالسابق واللاحق (وتشميت العاطس) بأن يقول للعاطس إذا حمد الله تعالى يرحمك الله (وردّ السلام) اسم مصدر سلم تسليمًا مثل كلم تكليمًا أو كلامًا (وإجابة الداعي) إلى الوليمة وتكون واجبة كوليمة العرس بالشروط المعروفة ومندوبة في غيرها (وإبرار) يمين (المقسم) بضم الميم وكسر السين اسم فاعل من أقسم والأمر للندب إن حمل على إبرار قسم الغير (ونصر المظلوم) إغاثته ومنعه من الظالم وهو فرض كفاية مع القدرة عليه.
وهذا الحديث مرّ في الجنائز عن الوليد عن شعبة لكن بتقديم الأوامر على النواهي وسقوط المياثر من النواهي، وقال فيه خاتم الذهب من غير شك، وذكره في المظالم عن سعيد بن الربيع عن شعبة ولم يذكر فيه المنهيات جملة، وفي الطب عن حفص بن عمر عن شعبة وأسقط من النواهي آنية الفضة، وذكر من الأوامر ثلاثة فقط: اتباع الجنائز وعيادة المريض وإفشاء السلام واختصر الباقي وقال فيه أيضًا خاتم الذهب.
5864 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ. وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعَ النَّضْرَ سَمِعَ بَشِيرًا مِثْلَهُ.
وبه قال:. (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر بدل قوله غندر فصرح باسمه قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن النضر بن أنس) بسكون الضاد المعجمة ابن مالك الأنصاري (عن بشير بن نهيك) بفتح الموحدة في الأول والنون في الثاني وكسر ثانيهما السدوسي البصري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى) أي الرجال نهي تحريم (عن) لبس (خاتم الذهب).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس والنسائي في الزينة.

(8/451)


(وقال عمرو) بفتح العين ابن مرزوق الباهلي فيما وصله أبو عوانة في صحيحه عن أبي قلابة الرقاشي عن عمرو بن مرزوق (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) أنه (سمع النضر) بن أنس
أنه (سمع بشيرًا) عن أبي هريرة (مثله). أي مثل الحديث السابق، وإنما ذكر هذا لما فيه من بيان سماع قتادة من النضرة وسماع النضر من بشير.
5865 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِى كَفَّهُ فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ فَرَمَى بِهِ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات ابن مسرهد قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن) مولاه (عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتخذ خاتمًا من ذهب) أي أمر بصياغته فصيغ له أو وجده مصوغًا فاتخذه ولبسه (وجعل فصه) بفتح الفاء على الأفصح (مما يلي كفه) مؤنثة وإنما سميت بذلك لأنها تكف أي تدفع عن البدن وإنما جعله مما يلي كفه لأنه أبعد من الزهو والإعجاب ليقتدى به لكن لما لم يأمر بذلك جاز جعله في ظاهر الكف وقد عمل السلف بالوجهين (فاتخذه الناس) أي صاغوا خواتم مثل خاتمه عليه الصلاة والسلام (فرمى به) أي بخاتمه الشريف فرمى الناس خواتيمهم (واتخذ) عليه الصلاة والسلام (خاتمًا من ورق) بكسر الراء (أو) من (فضة) وهما بمعنى واحد والشك من الراوي وقد جاء عن جماعة من الصحابة لبس خاتم الذهب لكن الذي استقر عليه الإجماع بعد التحريم، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الذهب والحرير: "هذان حرامان على رجال أمتي حلٌّ لإناثها". وفي حديث الباب حلٌّ استعمال الورق وعليه الإجماع.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس.

46 - باب خَاتَمِ الْفِضَّةِ
(باب) جواز لبس (خاتم الفضة).
5866 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِى كَفَّهُ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ فَلَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهَا رَمَى بِهِ، وَقَالَ: «لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا». ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِى بِئْرِ أَرِيسَ.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي ثم البغدادي وهو من أفراده قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا عبيد الله) العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتخذ خاتمًا من ذهب أو من فضة) بالشك من الراوي (وجعل فصه) لما لبسه (مما يلي كفه) بالنصب وللكشميهني باطن كفه بألف قبل الطاء وللحموي والمستملي
بطن بإسقاطها وكفه بالخفض على الروايتين (ونقش فيه) أي وأمر أن ينقش في فصه (محمد رسول الله) بالرفع على الحكاية (فاتخذ الناس) خاتمًا (مثله) من ذهب أو من فضة على صورة نقشه أو المراد مطلق الاتخاذ ورجح العيني كونه من ذهب (فلما رآهم) عليه الصلاة والسلام (قد اتخذوها) أي الخواتم التي اتخذوها من ذهب (رمى به) أي بخاتمه الشريف الذهب (وقال: لا ألبسه أبدًا) كراهة للمشاركة أو لما رأى من زهوهم بلبسه أو لكونه من ذهب وكان حينئذٍ وقت تحريم لبس الذهب على الرجال (ثم اتخذ خاتمًا من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة. قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلّى الله عليه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان) ولأبي ذر بالواو بدل ثم فيهما (حتى وقع من عثمان في بئر أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء فتحتية ساكنة فسين مهملة لا ينصرف على الأصح حديقة بالقرب من مسجد قباء.

47 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل لسابقه وسقط لأبي ذر.
5867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ فَقَالَ: «لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبس خاتمًا من ذهب فنبذه) أي فطرحه (فقال):
(لا ألبسه أبدًا) لكونه حرم بعد (فنبذ الناس خواتيمهم) تبعًا له.
وهذا الحديث رواه سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار بأتم من هذا.
5868 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ رَأَى فِى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَزِيَادٌ وَشُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ ابْنُ مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ: أَرَى خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا الحافظ المخزومي مولاهم المصري ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يونس) بن زيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدّثني) ولأبي ذر
أخبرني بالإفراد فيهما (أنس بن مالك

(8/452)


-رضي الله عنه- أنه رأى في يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من ورق) من فضة (يومًا واحدًا ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها فطرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمه)، لما رآهم اتخذوا خواتيم للزينة أو لكونهم شاركوه، لكن المعروف أن الخاتم الذي طرحه إنما كان خاتم الذهب فقال عياض وتبعه النووي: إن جميع أهل الحديث قالوا إن قوله من ورق وهم من ابن شهاب. وقال الكرماني: لا يجوز توهيم الراوي إذا أمكن الجمع وليس في الحديث أن الخاتم المطروح كان من ورق بل هو مطلق فيحمل على خاتم الذهب أو على ما نقش عليه نقش خاتمه الذي اتخذه ليختم به كتبه إلى الملوك لئلا تفوت مصلحة نقش اسمه بوقوع الاشتراك ويحصل الخلل فيكون طرحه له غضبًا ممن تشبه به في ذلك النقش (فطرح الناس خواتيمهم) التي نقشوها على نقشه، وحينئذٍ عاد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلبس خاتم الفضة واستمر إلى أن مات فلبسه سنة. قال في الروضة كأصلها: ولو اتخذ خواتم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد جاز على المذهب، وفيه كما قال الأذرعي وغيره رمز إلى منع لبسه أكثر من خاتم جملة وهو ما ذكره المحب الطبري تفقهًا وعلله بأن استعمال الفضة حرام إلا ما وردت الرخصة به ولم ترد إلا في خاتم واحد. قال الأذرعي: وهذا ينافيه قول الدارمي ويكره للرجل لبس فوق خاتمين وقول الخوارزمي يجوز للرجل لبس زوج خاتم في يده وفرد في كل يد وزوج في يد وفرد في أخرى وأن يلبس زوجين في كل يد قال الصيدلاني: لا يجوز إلا للنساء قال: وعلى قياسه لو تختم في غير الخنصر ففي حكمه وجهان. قلت: أصحهما التحريم للنهي الصحيح عنه ولما فيه من التشبه بالنساء انتهى.
والذي في شرح مسلم عدم التحريم وفيه والسُّنّة للرجل جعل خاتمه في الخنصر.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس.
(تابعه) أي تابع يونس (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فيما وصله مسلم وأحمد وأبو داود (و) كذا تابعه (زياد) هو ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني نزيل مكة ثم اليمن فيما وصله مسلم أيضًا (و) كذا (شعيب) هو ابن أبي حمزة مما وصله الإسماعيلي في روايتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب وألفاظهم متقاربة.
(وقال ابن مسافر) عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي المصري واليها مولى الليث بن سعد الإمام فيما وصله الإسماعيلي (عن الزهري أرى خاتمًا من ورق) بكسر الراء أي فضة وليس في رواية الإسماعيلي لفظ أرى. قال في الفتح: فكأنها من البخاري وهذا التعليق ساقط من رواية أبي ذر ثابت لغيره قال الحافظ ابن حجر إلا النسفيّ.

48 - باب فَصِّ الْخَاتَمِ
(باب فص الخاتم) بفتح الفاء قال في الصحاح والعامة تكسرها نعم أثبتها غيره لغة وزاد آخر ضمها. وقال به ابن مالك في مثلثته.
5869 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ هَلِ اتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِى صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (أخبرنا حميد) الطويل (قال: سئل أنس) -رضي الله عنه- (هل اتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا؟ قال أخر) عليه الصلاة والسلام (ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل) أي إلى نصفه (ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم (فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة بريقه ولمعانه (قال):
(إن الناس قد صلوا وناموا وإنكم لم) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني لن بالنون (تزالوا في) ثواب (صلاة ما) ولأبوي ذر والوقت منذ (انتظرتموها).
وهذا الحديث سبق في باب وقت العشاء إلى نصف الليل من كتاب الصلاة.
5870 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِى حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه قال: (أخبرنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي (قال: سمعت حميدًا) الطويل (يحدّث عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خاتمه من فضة) ولأبي داود من طريق زهير بن معاوية عن حميد زيادة كله، وأما حديث أبي داود والنسائي من طريق إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده قال: كان خاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(8/453)


وَسَلَّمَ- من حديد ملويًّا عليه فضة فيحمل على التعدد جميعًا بين الروايتين (وكان فصّه منه). وفي مسلم والسنن من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أنس أنه كان من ورق وكان فصّه حبشيًّا حجرًا من الحبشة جزعًا أو عقيقًا وحينئذٍ فيحمل على التعدد جمعًا بينه وبين رواية الباب أو فصّه منه لكن صياغته أو نقشه صياغة الحبشة.
(وقال يحيى بن أيوب) الغافقي المصري مما ورد في مسند حميد عن أنس للقاسم بن زكريا المطرز (حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل أنه (سمع أنسًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومراده بسياق هذا التعليق الإعلام بسماع حميد للحديث من أنس والله أعلم.

49 - باب خَاتَمِ الْحَدِيدِ
(باب خاتم الحديد).
5871 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلاً يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِى، فَقَامَتْ طَوِيلاً فَنَظَرَ وَصَوَّبَ فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهَا فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: «عِنْدَكَ شَىْءٌ تُصْدِقُهَا»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «انْظُرْ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ شَيْئًا قَالَ: «اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُهَا إِزَارِى. فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَىْءٌ وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمَ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَىْءٌ»، فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ فَرَآهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِىَ فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا قَالَ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج القاصّ الزاهد (أنه سمع سهلاً) هو ابن عبد الله الأنصاري (يقول: جاءت امرأة) قيل هي خولة بنت حكيم وقيل أم شريك (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): يا رسول الله (جئت أهب نفسي) لك أي أكون لك زوجة بلا مهر (فقامت) قيامًا أو زمنًا (طويلاً) فالموصوف محذوف وهو المفعول المطلق أو المفعول فيه (فنظر) إليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وصوّب) أي خفض رأسه (فلما طال مقامها) بضم الميم في الفرع وقال العيني بفتحها أي قيامها (فقال رجل): لم يسم يا رسول الله (زوّجنيها) ولم يقل هبنيها لأن من خصائص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-انعقاد نكاحه من غير صداق حالاً ولا مآلاً لا بدخول ولا بموت وليس المراد حقيقة الهبة إذ الحر لا يملك نفسه وليس له فيها تصرف ببيع ولا هبة ولكونه من الخصائص عدل عن لفظة الهبة إلى قوله زوّجنيها (إن لم يكن لك بها حاجة) أي إذا لم لأنه لا يظن بالصحابي أن يسأل في مثل هذا إلا بعد أن يكون علم بقرينة الحال أنه لا حاجة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(عندك شيء تصدقها) بسكون الصاد المهملة أي تمهرها (قال: لا). شيء عندي (قال) عليه الصلاة والسلام له: (انظر) شيئًا تصدقها إياه (فذهب) الرجل (ثم رجع فقال: والله) يا رسول الله (إن) أي ما (وجدت شيئًا. قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب فالتمس) أي اطلب وحصل (ولو) كان الملتمس (خاتمًا من حديد) فاصدقها إياه أو فإنه حسن أو جائز بحذف كان واسمها وجواب لو أيضًا قيل، وفي ذكر الحديد دلالة على جواز التختم به وتعقب بأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس، فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته (فذهب ثم رجع قال: لا والله ولا خاتمًا من حديد) قال الزركشي: بنصب خاتمًا عطفًا على قوله التمس ولو خاتمًا أي ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا، وتعقبه البدر الدماميني فقال: هذا كلام عجيب لا يحتاج رده إلى إيضاح وإنما خاتمًا معطوف على منصوب مقدر أي ما وجدت غير خاتم ولا خاتمًا (وعليه إزار ما عليه رداء فقال) يا رسول الله (أصدقها). بضم الهمزة والقاف بينهما صاد ساكنة فدال مكسورة (إزاري فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إزارك) رفع على الابتداء وخبره جملة قوله (إن لبسته) أي المرأة (لم يكن عليك منه شيء
وإن لبسته) أنت (لم يكن عليها منه شيء. فتنحى الرجل فجلس فرأه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موليًا فأمر به فدُعِيَ فقال: ما معك من القرآن؟ قال: سورة كذا وكذا السور عددها) ولأبي ذر عدّها بإسقاط الدال الثانية في النسائي وأبي داود من حديث عطاء عن أبي هريرة البقرة أو التي تليها، وفي الدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، وإتمام الرازي عن أبي أمامة قال: زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من الأنصار على سبع سور وفي رواية أبي عمرو بن حيوة عن ابن عباس قال: معي أربع سور أو خمس سور (قال) عليه الصلاة والسلام: (قد ملكتها بما معك من القرآن) بفتح الميم وكافين. قال الدارقطني: إنها وهم والصواب زوّجتكها كما في الرواية الأخرى، وجمع النووي باحتمال صحة اللفظين ويكون جرى

(8/454)


لفظ التزويج أولاً ثم لفظ التمليك ثانيًا أي لأنه ملك عصمتها بالتزويج السابق.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله ولو خاتمًا من حديد لكن لا دلالة فيه كما سبق وكأنه لم يثبت عنده شيء من ذلك على شرطه. قال النووي: ولا يكره لبس خاتم الرصاص والنحاس والحديد على الأصح لخبر الصحيحين: "التمس ولو خاتمًا من حديد". وأما حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلاً جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه خاتم من شبه فقال: ما لي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه. الحديث ففي سنده أبو طيبة بالمهملة المفتوحة والموحدة تكلم فيه، وضعفه النووي في شرحي المهذّب ومسلم وفي كتاب الأحجار للشاشي خاتم الفولاذ مطردة للشيطان إذا لوي عليه فضة.
وحديث الباب سبق في النكاح والله الموفق.

50 - باب نَقْشِ الْخَاتَمِ
(باب نقش الخاتم) وكيفيته.
5872 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ مِنَ الأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلاَّ عَلَيْهِ خَاتَمٌ، فَاتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَأَنِّى بِوَبِيصِ أَوْ بِبَصِيصِ الْخَاتَمِ فِى إِصْبَعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ فِى كَفِّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن حماد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يكتب إلى رهط) هو جمع لا واحد له، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلى الرهط بالتعريف (أو) قال إلى (أناس من الأعاجم) والشك من الراوي (فقيل له) عليه الصلاة والسلام، وعند ابن سعد قالت قريش: (إنهم لا يقبلون) ولأبي ذر لا يقرؤون (كتابًا إلا عليه خاتم
فاتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من فضة نقشه) بسكون القاف (محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند ابن سعد من مرسل ابن سيرين بسم الله محمد رسول الله. قال الحافظ ابن حجر: ولم يتابع على هذه الزيادة فكان يطبع به على الكتب حفظًا للأسرار أن تنتشر وسياسة للتدبير أن لا ينخرم قال أنس: (فكأني بوبيص) بفتح الواو بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فصاد مهملة (أو ببصيص) بفتح الموحدة الثانية بعدها صادان مهملتان بينهما تحتية ساكنة أي ببريق (الخاتم) وتلألؤه (في إصبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو في كفه) بالشك فيهما من الراوي، وقد ذكر عبد الرزاق آثارًا بجواز تماثيل في الخواتم أضربنا عنها لأنها ليست بصحيحة ولا فائدة في ذكرها تامة والله الموفق.
والحديث أخرجه أبو داود في الخاتم.
5873 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَكَانَ فِى يَدِهِ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِى يَدِ أَبِى بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِى يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِى يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِى بِئْرِ أَرِيسَ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي الحافظ قال: (أخبرنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم مصغرًا الهمداني (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: اتخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من ورق) فضة (وكان في يده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم كان بعد) أي بعد الوفاة النبوية (في يد أبي بكر) -رضي الله عنه- زمن خلافته، (ثم كان بعد في يد عمر) زمن خلافته، (ثم كان بعد في يد عثمان) في خلافته، (حتى وقع بعد في بئر أريس) بالمدينة (نقشه) بسكون القاف (محمد رسول الله).
والحديث سبق في باب خاتم الفضة.

51 - باب الْخَاتَمِ فِى الْخِنْصَرِ
(باب) لبس (الخاتم في الخنصر) دون غيرها من الأصابع والخنصر بكسر المعجمة وفتح المهملة، وهذا الباب مؤخر بعد لاحقه في اليونينية.
5874 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: صَنَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا قَالَ: «إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا فَلاَ يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ». قَالَ: فَإِنِّى لأَرَى بَرِيقَهُ فِى خِنْصَرِهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال:
صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر اصطنع بطاء مهملة مفتوحة بعد الصاد الساكنة افتعل من الصنع أي اتخذ فأبدل من تاء الافتعال طاء لتقاربهما في المخرج (خاتمًا قال):
(إنّا اتخذنا خاتمًا) أي من فضة (ونقشنا) بفتح القاف وسكون المعجمة (فيه نقشًا) وهو محمد رسول الله (فلا ينقش) بالجزم على النهي ولأبي ذر عن الكشميهني فلا ينقش بنون التوكيد الثقيلة (عليه أحد). وفي رواية ابن عمر لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا وهو صفة لمصدر محذوف أي نقشًا كائنًا على نقش خاتمي ومماثلاً

(8/455)


له قال النووي: وسبب النهي أنه إنما نقش على خاتمه محمد رسول الله ليختم به كتبه إلى الملوك فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل وفات المقصود (قال) أنس: (فإني لأرى) بفتح الهمزة (بريقه) بفتح الموحدة وكسر الراء لمعانه (في خنصره). قال النووي في شرح مسلم: السُّنَّة للرجل جعل خاتمه في الخنصر لأنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد لكونه طرفًا ولأنه لا يشغل اليد عما تناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر ويكره له جعله في الوسطى والسبابة للحديث وهي كراهة تنزيه.
وحديث الباب أخرجه النسائي في الزينة.

52 - باب اتِّخَاذُ الْخَاتَمِ لِيُخْتَمَ بِهِ الشَّىْءُ أَوْ لِيُكْتَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ
(باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء أو ليكتب) أي أو لأجل ختم الكتاب الذي يكتب ويرسل. (به إلى أهل الكتاب وغيرهم) وهذا الباب مقدّم على سابقه في اليونينية وسقط لفظ باب لأبي ذر.
5875 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَءُوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِى يَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتب إلى) أهل (الروم قيل له) سبق قريبًا أن القائل له قريش (إنهم لمن يقرؤوا كتابك إذا لم يكن مختومًا فاتّخذ خاتمًا من فضة ونقشه) بسكون القاف ولأبي ذر بفتحتين (محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال أنس: (فكأنما أنظر إلى بياضه في يده). وقد تمسك بهذا الحديث من يقول بمنع لبس الخاتم إلا لذي سلطان مع صريح حديث أبي ريحانة المروي في مسند أحمد وأبي داود والنسائي نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبس الخاتم إلاّ لذي سلطان، واحتج القائلون بالجواز بحديث أنس السابق. وأجيب عن حديث أبي ريحانة بأن مالكًا ضعّفه وعلى تقدير ثبوته فيحمل على أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى لما فيه
من التزين الذي لا يليق بالرجال والأدلة الدالة على الجواز صارفة للنهي عن التحريم، والمراد بالسلطان من له سلطنة على شيء ما بحيث يحتاج إلى الختم عليه لا السلطان الأكبر خاصة أما لبس خاتم من فضة للزينة وكان مما لا يختم به فلا يدخل في النهي.

53 - باب مَنْ جَعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِى بَطْنِ كَفِّهِ
(باب من جعل فص الخاتم) إذا لبسه (في بطن كفه) ليعلم أنه لم يلبسه للزينة بل للختم ونحوه وسقط لفظ بال لأبي ذر.
5876 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ جَعَلَ فَصَّهُ فِى بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَرَقِىَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: «إِنِّى كُنْتُ اصْطَنَعْتُه، ُ وَإِنِّى لاَ أَلْبَسُهُ» فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ: وَلاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ قَالَ: فِى يَدِهِ الْيُمْنَى.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا جويرية) بن أسامة (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (حدّثه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اصطنع خاتمًا من ذهب) الأصل اصتنع بالمثناة الفوقية فلما جاورت التاء الصاد والتاء حرف مستقل والصاد مستعل مطبق منافر للفوقية أبدلوا منها حرفًا مناسبًا للصاد وكانت الطاء أولى من غيرها لأنها من مخرج الفوقية وإن كانت الدال أيضًا من ذلك المخرج لكن التاء إلى الطاء أقرب منها إلى الدال على ما هو مقرر عند النحاة (ويجعل) ولأبي ذر عن الكشميهني وجعل (فصه) بفتح الفاء (في بطن كفه إذا لبسه فاصطنع الناس خواتيم من ذهب) ولأبي ذر الخواتيم من ذهب (فرقي) بكسر القاف صعد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال) بعد ذلك:
(إني كنت اصطنعته) يعني خاتم الذهب (وإني لا ألبسه) أبدًا لكونه حرّم حينئذ (فنبذه) أي طرحه (فنبذ الناس) خواتيمهم جملة من فعل وفاعل حذف مفعوله للعلم به.
(قال جويرية) بن أسامة المذكور بالسند السابق: (ولا أحسبه) أي ولا أحسب نافعًا (إلا قال) وجعله (في يده اليمنى) أخرج الإسماعيلي عن الحسين بن سفيان عن عبد الله بن محمد بن أسماء وابن سعد عن مسلم بن إبراهيم كلاهما عن جويرية أنه لبسه في يده اليمنى ولم يشكا، وأخرجه مسلم كذلك أيضًا من طريق عقبة بن خالد عن عبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر، والترمذي وابن سعد من طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ: صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من ذهب فتختم به في يمينه ثم جلس على المنبر فقال: إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني ثم نبذه الحديث، وهذا صريح من لفظه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دافع للبس وموسى بن عقبة أحد الثقات

(8/456)


الإثبات، والأفضل عند الشافعية جعل الخاتم في اليمين وجعل فصّه من باطن كفه ولم يعين البخاري موضع الخاتم
من أي اليدين إلاّ في رواية جويرية هذه كما قاله الحافظ أبو ذر وقد جزم غيره كما مرّ باليمين وأما رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر المروية عند ابن عدي، ورواية عبد العزيز بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتختم في يساره فقال الحافظ: إنها شاذة ورواتها أقل عددًا وألين حفظًا ممن روى اليمين وورد عن جماعة من الصحابة والتابعين من أهل المدينة وغيرهم التختم في اليمين، وجمع البيهقي بينهما بأن الذي لبسه في اليمين هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر، والذي لبسه في اليسار هو خاتم الفضة. وقال البغوي في شرح السُّنَّة: إنه تختم أوّلاً في يمينه ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين ويترجح جعله في اليمين مطلقًا بأن اليسار آلة للاستنجاء فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة، ونقل النووي الإجماع على الجواز ولا كراهة فيه عند الشافعية وإنما الخلاف عندهم في الأفضلية والله أعلم.

54 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَنْقُشُ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا ينقش) بفتح أوله وضم القاف أحد (على نقش خاتمه) وضبط في الفتح ينقش بضم أوله.
5877 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: «إِنِّى اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلاَ يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتخذ خاتمًا من فضة ونقش فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال):
(إني اتّخذت خاتمًا من ورق) بكسر الراء فضة (ونقشت فيه محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا ينقشن) بنون التوكيد الثقيلة (أحد على نقشه). قال في شرح المشكاة: على نقش خاتمي يجوز أن يكون حالاً من الفاعل لأنه نكرة في سياق النفي أو صفة مصدر محذوف أي نقشًا كائنًا على نقش خاتمي ومماثلاً له، وسبب النهي كما قاله النووي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما نقش على خاتمه ذلك ليختم به كتبه إلى الملوك فلو نقش غيره مثله لحصل الخلل.

55 - باب هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر)؟ قال في الفتح: إنه الأولى لأنه إذا كان سطرًا واحدًا يكون السطر مستطيلاً ضرورة كثرة الأحرف بخلاف ما إذا تعددت الأسطر فإنه يكون مربعًا أو مستديرًا وكل منهما أولى من المستطيل.
5878 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله المثنى بن عبد الله بن أنس (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم بعدها ألف فميم ثانية ابن عبد الله بن أنس عم عبد الله بن المثنى الراوي عنه (عن أنس أن أبا بكر- رضي الله عنه- لما استخلف كتب له) أي لأنس مقادير الزكاة (وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر ورسول سطر، والله سطر) وفي رواية الإسماعيلي: محمد سطر والسطر الثاني رسول والسطر الثالث الله، وهذا يردّ قول بعضهم أن كتابته كانت من أسفل إلى فوق حتى أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ومحمد في أسفلها، وكذا قال الأسنوي وابن رجب ولفظه: وروي أن أول الأسطر كان اسم الله، ثم في الثاني رسول، ثم في الثالث محمد. قال الحافظ ابن حجر: ولم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث، وظاهر السياق يدل على أنه على الكتابة المعتادة لكن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويًا.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في اللباس أيضًا.
5879 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَزَادَنِى أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِىُّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى يَدِهِ، وَفِى يَدِ أَبِى بَكْرٍ بَعْدَهُ وَفِى يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِى بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ قَالَ: فَأَخْرَجَ الْخَاتَمَ فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ، فَسَقَطَ قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ فَنَنْزَحُ الْبِئْرَ فَلَمْ نَجِدْهُ.
(قال أبو عبد الله) البخاري: (وزادني أحمد) هو الإمام ابن حنبل كما جزم به المزي في أطرافه وهو موصول بالسند السابق (حدّثنا الأنصاري) محمد بن عبد الله (قال: حدّثني بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (عن ثمامة) بن عبد الله (عن أنس) أنه (قال: كان خاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يده وفي يد أبي بكر بعده وفي يد عمر بعد أبي بكر فلما كان عثمان) في الخلافة وكان الخاتم في يده ست سنين (جلس على بئر أريس) في السن السابعة من خلافته (قال: فأخرج الخاتم فجعل يعبث به)

(8/457)


بفتح الموحدة بعدها مثلثة يحركه ويدخله ويخرجه (فسقط) من يده في البئر (قال) أنس (فاختلفنا) في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها (ثلاثة أيام مع عثمان فننزح البئر فلم نجده) ولأبي ذر: فنزح أي عثمان البئر فلم يجده ومن يومئذ انتقض أمر عثمان وخرج عليه الخارجون وكان ذلك مبتدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان فكان في هذا الخاتم النبوي من السرّ شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه.

56 - باب الْخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ، كَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ
(باب) حكم لبس (الخاتم للنساء وكان على عائشة) -رضي الله عنها- (خواتيم ذهب) ولأبي ذر الذهب أخرجه موصولاً ابن سعد من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب قال: سألت القاسم بن محمد فقال: لقد رأيت والله عائشة تلبس المعصفر وتلبس خواتيم الذهب.
5880 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فَأَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِى ثَوْبِ بِلاَلٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرنا الحسن بن مسلم) بن يناق المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرحمن اليماني وكان اسمه فيما قيل ذكوان فلقّب بطاوس فاله ابن معين لأنه كان طاوس القراء (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (شهدت العيد) أي صلاة عيد الفطر (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى) حال كون صلاته (قبل الخطبة) ثبت قوله قبل لأبي ذر عن الكشميهني، وفي باب الخطبة بعد العيد زيادة وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة.
(قال أبو عبد الله)، البخاري: (وزاد ابن وهب) عبد الله (عن ابن جريج) عبد الملك بسنده السابق (فأتى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (النساء) ومعه بلال (فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين الفتخ) بفتح الفاء والفوقية بعدها خاء معجمة الحلَق من الفضة لا فصّ فيها أو الكبار أو هي التي تلبسها النساء في أصابع الرجلين (والخواتيم في ثوب بلال) -رضي الله عنه-.

57 - باب الْقَلاَئِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ، يَعْنِى: قِلاَدَةً مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ
(باب) حكم لبس (القلائد) جمع قلادة (و) لبس (السخاب) بكسر السين المهملة وبعد الخاء المعجمة ألف فموحدة (للنساء يعني قلادة من طيب وسكّ) بضم السين المهملة وتشديد الكاف طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل ولأبي ذر عن الكشميهني ومسك بميم مكسورة وسكون المهملة وتخفيف الكاف.
5881 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ، قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المصلّى (يوم عيد فصلّى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد) نفلاً (ثم أتى النساء فأمرهن بالصدقة) لكونه رآهن أكثر أهل النار (فجعلت المرأة) منهن (تصدق) بحذف إحدى التاءين (بخرصها) بضم الخاء المعجمة وبعد الراء الساكنة صاد مهملة حلقتها الصغيرة التي تعلقها بأذنها (وسخابها) خيطان من خرز وفسره البخاري هنا بأنه قلادة من طيب وسك أو مسك وسمي به لتصويت خرزة عند الحركة من السخب وهو اختلاط الأصوات.

58 - باب اسْتِعَارَةِ الْقَلاَئِدِ
(باب استعارة القلائد).
5882 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى طَلَبِهَا رِجَالاً فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ.
زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة اسم سليمان قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: هلكت) أي ضاعت (قلادة لأسماء) ذات النطاقين في غزوة بني المصطلق بالبيداء أو بذات الجيش (فبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلبها رجالاً) وفي التيمم رجلاً بالإفراد وفسّر بأنه أسيد بن حضير (فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلّوا وهم على غير وضوء فذكروا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله) تعالى (آية التيمم) {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] آية سورة المائدة إلى آخرها (زاد ابن نمير) بضم النون وفتح الميم واسمه عبد الله (عن هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) أنها (استعارت) أي القلادة

(8/458)


المذكورة (من) أختها (أسماء) وسبق في التيمم وسقط لأبي ذر قوله عن أبيه عن عائشة.
والحديث سبق في باب إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا.

59 - باب الْقُرْطِ لِلنِّساءِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُنَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ.
(باب القرط) بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة ما تحلّى به الإذن ذهبًا كان أو فضة
معه غيره من نحو لؤلؤ أو لا، وزاد أبو ذر (للنساء).
(وقال ابن عباس) فيما وصله المؤلّف في العيدين وغيره (أمرهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصدقة فرأيتهن يهوين) بفتح التحتية، وقال العيني بضمها من الإهواء (إلى آذانهن) ليأخذن الأقراط (وحلوقهن) ليأخذن القلائد وتمسك به من جوّز ثقب أذن المرأة ليجعل فيها القرط وغيره مما يجوز لها التزين به، وتعقب بأنه لم يتعين وضعه في ثقب الأذن بل يجوز أن يعلق في الرأس بسلسلة لطيفة حتى يحاذي الأذن. سلمنا ولكن إنما يؤخذ من ترك إنكاره عليهن، ويجوز أن يكون الثقب قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
5883 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَدِىٌّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِى قُرْطَهَا.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي) هو ابن ثابت الأنصاري (قال: سمعت سعيدًا) هو ابن جبير (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى يوم العيد) ولأبي ذر يوم عيد صلاته (ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) شيئًا من النوافل (ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي) ترمي (قرطها) في ثوب بلال.

60 - باب السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ
(باب السخاب للصبيان).
5884 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ فَقَالَ: «أَيْنَ لُكَعُ» ثَلاَثًا «ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ» فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ يَمْشِى وَفِى عُنُقِهِ السِّخَابُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ: بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا قَالَ.
وبه قال: (حدّثني) ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة المفتوحتين بينهما نون ساكنة المروزي الإمام الحافظ قال: (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا ورقاء بن عمر) بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف فهمزة ممدودًا وعمر بضم العين اليشكري أبو بشر الكوفي المدائني (عن عبيد الله) بضم العين
(ابن أبي يزيد) المكي (عن نافع بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن مطعم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سوق من أسواق المدينة) هو سوق بني قينقاع (فانصرف) عليه الصلاة والسلام (فانصرفت) معه (فقال):
(أين) وفي البيع أثم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أي (لكع) بصيغة النداء، ولكع بضم اللام وفتح الكاف بعدها عين مهملة من غير تنوين ومعناه الصغير قالها (ثلاثًا) أي (ادع) لي (الحسن بن عليّ فقام الحسن بن عليّ يمشي) بفتح الحاء فيهما (وفي عنقه السخاب) بكسر المهملة وبالخاء المعجمة الخفيفة القلادة من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة أو هي من خرز أو قرنفل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بيده هكذا) بسطها كما هو عادة من يريد المعانقة (فقال الحسن بيده هكذا) بسطها (فالتزمه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: اللهم إني أحبه فأحبه) بفتح الهمزة وتشديد الموحدة ولأبي ذر فأحببه بسكون الحاء وكسر الموحدة الأولى وسكون الثانية من الإحباب أي اجعله محبوبًا (وأحب) بكسر الحاء وتشديد الموحدة (من يحبه. قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (فما كان أحد أحب إليّ من الحسن بن عليّ) -رضي الله عنهما- (بعدما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال).
وهذا الحديث سبق في باب ما ذكر في الأسواق من البيع.

61 - باب الْمُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ
(باب) ذم الرجال (المتشبهين بالنساء) في اللباس والزينة كالمقانع والأساور والقرطة وكذا الكلام والمشي كالانخناث والتأنيث والتثني والتكسر إذا لم يكن خلقة فإن كان ذلك في أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج (و) باب ذم النساء (المتشبهات بالرجال) في الزي وبعض الصفات ولغير أبي ذر باب بالتنوين المتشبهون والمتشبهات بالرفع فيهما بالواو والضمة.
5885 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. تَابَعَهُ عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. [الحديث 5885 - طرفاه في: 5886، 6834].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) العبدي المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة) مولى ابن عباس

(8/459)


(عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لعن رسول الله) ولأبي ذر لعن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) لإخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحاكمين كما ورد ذلك في لعن الواصلات بقوله: المغيِّرات خلق الله.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في اللباس والترمذي في الاستئذان وابن ماجة في النكاح.
(تابعه) أي تابع غندرًا (عمرو) بفتح العين ابن مرزوق الباهلي البصري فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه وكذا الطبراني في الدعاء كما أفاده شيخنا الحافظ السخاوي (أخبرنا شعبة) بن الحجاج والله أعلم.

62 - باب إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الْبُيُوتِ
(باب إخراج) الرجال (المتشبهين بالنساء من البيوت).
5886 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ». قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فُلاَنًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا.
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المخنثين من الرجال) بفتح النون المشدّدة في الفرع. قال الكرماني: وهو المشهور وبالكسر القياس وبالمثلثة مشتق من الانخناث وهو التثني والتكسر، فالمخنث هنا هو الذي في كلامه لين وفي أعضائه تكسّر وليس له جارحة تقوم وهو في عرف هذا الزمن من بلاط به. (و) لعن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المترجلات) بكسر الجيم المشدّدة المتكلفات التشبه بالرجال (من النساء) كحمل السيف والرمح والسحاق (وقال) عليه الصلاة والسلام:
(أخرجوهم من بيوتكم) لئلا يفضي الأمر بالتشبه إلى تعاطي منكر كالسحاق (قال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (فأخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلانًا) هو أنجشة العبد الأسود الذي كان يتشبه بالنساء. أخرجه الإمام أحمد والطبراني وتمام في فوائده من حديث واثلة ولأبوي ذر والوقت فلانة بالتأنيث. قال الحافظ ابن حجر: فإن كان محفوظًا فيكشف عن اسمها ثم قال: وأما المرأة فهي بادية بنت غيلان (وأخرج عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فلانًا) قال في المقدمة هو ماتع بقوقية وقيل هدم.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في المحاربين والترمذي في الاستئذان والنسائي في عِشرَة النساء.
5887 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا وَفِى الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِى أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ فُتِحَ لَكُمْ غَدًا الطَّائِفُ فَإِنِّى أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلاَنَ
فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ يَعْنِى أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا فَهْىَ تُقْبِلُ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ: يَعْنِى أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الأَرْبَعِ لأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ، وَإِنَّمَا قَالَ بِثَمَانٍ: وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ وَوَاحِدُ الأَطْرَافِ وَهْوَ ذَكَرٌ لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ.
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا هشام بن عروة أن) أباه (عروة) بن الزبير (أخبره أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد (أخبرته أن) أمها (أم سلمة) هند بنت أمية زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبرتها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها وفي البيت مخنّث) بفتح النون وكسرها هو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف منه الفاحشة فإن كان ذلك فيه خلقة فلا لوم عليه وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه فهو المذموم كما مرّ قريبًا. واسم هذا المخنث هيت كما عند ابن حبان وأبوي يعلى وعوانة وغيرهم، وفي مغازي ابن إسحاق أن اسمه ماتع بالفوقية وقيل بنون (فقال) المخنث (لعبد الله أخي أم سلمة: يا عبد الله إن فتح لكم غدًا الطائف) بضم الفاء وكسر الفوقية من فتح ولأبي ذر عن الكشميهني إن فتح الله لكم غدًا الطائف (فإني أدلّك على بنت غيلان) اسمها بادية بموحدة فألف فدال مهملة مكسورة فتحتية أو بنون بدل التحتية واسم جدّها سلمة (فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يدخلن هؤلاء) المخنثون (عليكن) وفي رواية الحموي والمستملي عليكم بالميم ووجه بأنه جمع مع النساء المخاطبات من يلوذ بهن من صبي ووصيف فجاز التغليب، وأما قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال ابن حبيب عن مالك: معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع ولإرادة العكن ذكر الأربع والثمان وإلاّ فلو أراد الأطراف لقال بثمانية.
(قال أبو عبد الله) البخاري: (تقبل بأربع وتدبر يعني أربع عكن بطنها) جمع عكنة وهي الطيّ الذي في البطن من السمن (فهي تقبل بهن)

(8/460)


من كل ناحية اثنتان (وقوله وتدبر بثمان يعني أطراف هذه العكن الأربع لأنها محيطة بالجنبين حتى لحقت وإنما قال بثمان) بالتذكير (ولم يقل بثمانية) بالتأنيث (وواحد الأطراف وهو) المميز (ذكر) أي مذكر (لأنه لم يقل بثمانية أطراف) أي لأنه إذا لم يكن المميز مذكورًا جاز في العدد التذكير والتأنيث، والحاصل أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن من سمنها.
وهذا الحديث مرّ في أواخر كتاب النكاح في باب ما ينهى عن دخول المتشبهين بالنساء.
ولما فرغ المصنف من اللباس شرع يذكر ما له تعلق به من جهة الاشتراك في الزينة وبدأ بالتراجم المتعلقة بالشعور وما أشبهها فقال:

63 - باب قَصِّ الشَّارِبِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ
(باب) استحباب (قص الشارب وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يحفي) بضم التحتية وسكون المهملة وكسر الفاء يزيل (شاربه حتى ينظر) مضارع مبني للمفعول من النظر (إلى بياض الجلد) لمبالغته في استئصال الشعر.
وهذا وصله الطحاوي (ويأخذ هذين، يعني بين الشارب واللحية) كذا وقع في تفسيره في جامع رزين من طريق نافع عن ابن عمر وعند البيهقي نحوه وقال الكرماني وهذين يعني طرفي الشفتين اللذين هما بين الشارب واللحية وملتقاهما كما هو العادة عند قص الشارب في أن ينظف الزاويتان أيضًا من الشعر قال ويحتمل أن يراد به طرفًا العنفقة ولغير أبي ذر كما في الفرع وغير النسفيّ كما في الفتح، وكان عمر وهو خطأ لأن المعروف عن عمر أنه كان يوفر شاربه.
5888 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّىِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ». [الحديث 5888 - طرفه
في: 5890].
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير الحنظليّ البلخي (عن حنظلة) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة واللام بعدها هاء ابن أبي هانئ سفيان واسمه الأسود بن عبد الرحمن الجمحي القرشي (عن نافع) مولى ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال البخاري بعد تحديثه عن المكي (قال أصحابنا): إنهم رووه (عن المكي) عن حنظلة عن نافع (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من الفطرة) أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه (قص الشارب).
5889 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً الْفِطْرَةُ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَا، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ. [الحديث 5889 - طرفاه في: 5891، 6297].
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: (حدّثنا) أي قال: سفيان حدّثنا الزهري فهو من تقديم الراوي على الصيغة (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (رواية) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو كقول الراوي يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو كناية عن الرفع (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة) بالشك. قال ابن حجر: وهو من سفيان، ورواه أحمد خمس من الفطرة بغير شك وقوله خمس
صفة موصوف محذوف أي خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال أو الجملة خبر مبتدأ محذوف أي الذي شرع لكم خمس من الفطرة.
أولها (الختان) بكسر الخاء المعجمة بعدها فوقية وهو قطع القلفة التي تغطي الحشفة من الرجل، وقطع بعض الجلدة التي في أعلى الفرج من المرأة كالنواة أو كعرف الديك ويسمى ختان الرجل إعذارًا بالعين المهملة والذال المعجمة، وختان المرأة خفضًا بالخاء والضاد المعجمتين بينهما فاء.
(و) ثانيها (الاستحداد) وهو استعمال الموسى في حلق العانة كما وقع التصريح به في رواية النسائي. قال النووي: والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذا الشعر الذي حوالى فرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حوالى حلقة الدبر. قال أبو شامة: ويستحب إماطة الشعر عن القبل والدبر بل هو عن الدبر أولى خوفًا من أن يتعلق به شيء من الغائط فلا يزيله المستنجي إلاّ بالماء ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار.
(و) ثالثها (نتف الإبط) بكسر الهمزة وسكون الموحدة يبدأ باليمين استحبابًا ويتأدّى أصل السُّنَّة بالحلق لا سيما من يؤله النتف. قال ابن دقيق العيد: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن

(8/461)


نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل لكن تبين أن النتف مقصود من جهة المعنى لأنه محل الرائحة الكريهة الناشئة من الوسخ المجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوّي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك.
(و) رابعها (تقليم الأظفار) جمع ظفر بضم الظاء والفاء وتسكن ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق.
(و) خامسها (قص الشارب) وهو الشعر النابت على الشفة، وهو عند النسائي بلفظ الحلق، لكن أكثر الأحاديث بلفظ القص، وعند النسائي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ تقصير الشارب، نعم في حديث ابن عمر في الباب التالي: واحفوا الشوارب، وفي الباب الذي بعده أنهكوا الشوارب، وفي مسلم: جزّوا الشوارب وهي تدل على أن المطلوب المبالغة في الإزالة لأن الإحفاء الإزالة والاستقصاء والإنهاك المبالغة في الإزالة والجزّ قص الشعر إلى أن يبلغ الجلد. قال في شرح المهذّب: وهو مذهب الشافعية وكان المزني والربيع يفعلانه. قال الطحاوي: وما أظنهما أخذا ذلك إلاّ عنه. ونقل عن الإمام أحمد بن حنبل وأبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف واختاره النووي أنه يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله، ونقل ابن القاسم عن مالك أن إحفاء الشارب مثلة، وأن المراد بالحديث المبالغة في أخذ الشارب حتى يبدو طرف الشفة. وقال أشهب سألت مالكًا عمن يحفي شاربه فقال: أرى أن يوجع ضربًا.
وقوله: الفطرة خمس ظاهره الحصر والحصر يكون حقيقيًا ومجازيًّا فالحقيقي كقوله العالم في
البلد زيد إذا لم يكن فيه غيره ومن المجازي الدين النصيحة قاله ابن دقيق العيد، ودلالة من على التبعيض فيه أي في قوله أو خمس من الفطرة أظهر من دلالة الرواية الأولى على الحصر، فليس الحصر مرادًا هنا بدلالة حديث عائشة عند مسلم: عشر من الفطرة فذكر الخمسة التي في حديث الباب إلا الختان وزاد إعفاء اللحية والسواك والمضمضة والاستنشاق وغسل البراجم والاستنجاء.
وعند أحمد وأبي داود وابن ماجة من حديث عمار بن ياسر مرفوعًا زيادة الانتضاح، وفي تفسير عبد الرزاق والطبري من طريقه بسند صحيح عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة: 124] ذكر العشر، وعند ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس غسل الجمعة، ولأبي عوانة في مستخرجه زياد الاستنثار، وهذه الخصال منها ما هو واجب كالختان وما هو مندوب ولا مانع من اقتران الواجب بغيره كما قال تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] فإيتاء الحق واجب والأكل مباح.
وهنا الحديث أخرجه مسلم في الطهارة وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

64 - باب تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ
(باب) سُنّة (تقليم الأظفار) تفعيل من القلم وهو القطع قال في الصحاح قفلّت ظفري بالتخفيف وقلّمت أظفاري بالتشديد للتكثير والمبالغة.
5890 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِى رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي رجاء) بالجيم والمدّ واسمه عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي قال: (حدّثنا إسحاق بن سليمان) الرازي (قال: سمعت حنظلة) بن أبي سفيان الجمحي (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من الفطرة) أي ثلاث (حلق العانة) بالموسى وفي معناه الإزالة بالنتف والنورة لكنه بالموسى أولى للرجل لتقويته للمحل بخلاف المرأة فإن الأولى لها الإزالة بالنتف واستشكله الفاكهاني فإن فيه ضررًا على الزوج باسترخاء المحل باتفاق الأطباء. اهـ.
وقد يؤيده حديث جابر في الصحيح: إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستأذن المغيبة، ولابن العربي هنا تفصيل جيد فقال إن كانت شابة فالنتف في حقها أولى لأنه يربو فكان النتف وإن كانت كهلة فالأولى الحلق لأن النتف يرخي المحل ولو قيل في حقها بالتنوير مطلقًا لما كان بعيدًا وتجب عليها الإزالة إذا طلب الزوج منها ذلك على الأصح.
(وتقليم الأظفار) وهو إزالة ما طال منها عن اللحم بمقص أو سكين أو غيرهما من الآلة
ويكره بالأسنان، والمعنى فيه أن الوسخ يجتمع تحته

(8/462)


فيستقذر وقد ينتهي إلى حدّ يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة وقد قطع المتولي فيه بعدم صحة الوضوء وفي الإحياء العفو عنه لأن غالب الأعراب كانوا لا يتعاهدون ذلك ولم يروا أنه عليه السلام أمرهم بإعادة الصلاة (وقص الشارب) واختلف هل السبالان وهما جانبا الشارب منه؟ فقيل: إنهما منه وإنه يشرع قصّهما معه وقيل هما من جملة شعر اللحية.
5891 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الآبَاطِ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله بن يونس اليربوعي التميمي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق المدني قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) المخزومي أحد الأعلام (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الفطرة خمس) قال صاحب العدة مبتدأ وخبر والمراد خصال الفطرة خمس أولاً تقدير لأنه جنس والجنس يجري مجرى الجمع يقال أعجبني الدينار الصفر والدرهم البيض أو يكون على النسب أي الفطرة ذات خصال خمس (الختان) وهو قطع القلفة بالضم يقال ختن الصبي يختنه ويختنه بكسر التاء وضمها ختنًا بإسكانها والاسم الختان والختانة وقد يطلق على موضع القطع ومنه إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل (و) الثاني من الفطرة (الاستحداد) وهو حلق شعر العانة بالحديد وهو الموسى كما مر (و) الثالث (قص الشارب) وسبق ما فيه من البحث (و) الرابع (تقليم الأظفار) وإنما جمع الأظفار ووحد السابق لأنها متعدّدة في اليدين والرجلين ويستحب الاستقصاء في إزالتها إلى حدّ لا يدخل منه ضرر على الإصبع، وجزم النووي في شرح مسلم باستحباب البداءة بمسبحة اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام وفي اليسرى يبدأ بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام وفي الرجلين بخنصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر، قال في الفتح: ولم يذكروا للاستحباب مستندًا. قال: وتوجيه البداءة باليمنى لحديث عائشة كان يعجبه التيمن في شأنه كله والبداءة بالمسبحة منها لكونها أشرف الأصابع لأنها آلة التشهد، وأما إتباعها بالوسطى فلأن غالب من يقلم أظفاره يقلمها قبل ظهر الكف فتكون الوسطى جهة يمينه فيستمر إلى أن يختم بالخنصر ثم يكمل اليد بقص الإبهام، وأما اليسرى فإذا بدأ بالخنصر لزم أن يستمر على جهة اليمنى إلى الإبهام لكن يعكر على هذا التوجيه ما ذكره في الرجلين إلا أن يقال غالب من يقلم رجليه يقلمهما من جهة باطن القدمين فيستمر التوجيه وذكر الدمياطي الحافظ أنه تلقى عن بعض المشايخ أن من قلّم أظفاره مخالفًا لم يصبه رمد وأنه جرّب ذلك خمسين سنة فلم يرمد، لكن قال ابن دقيق العيد كل ذلك لا أصل له واحدًاث استحباب لا دليل عليه وهو قبيح عندي بالعالم ولم يثبت أيضًا
في استحباب قصها يوم الخميس حديث صحيح والمختار أنه يختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال والضابط الحاجة في هذا وفي جميع الخصال المذكورة (و) الخامس (نتف الآباط) بالجمع مقابلة الجمع من الناس أو يكون أوقع الجمع على التثنية كقوله تعالى: {إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان} [ص: 22] ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الإبط بالإفراد والأفضل النتف لإضعاف المنبت فإن الإبط إذا قوي فيه الشعر وغلظ جرمه كان أفوح للرائحة الكريهة فناسب إضعافه بالنتف بخلاف العانة وقد سبق مزيد لذلك.
5892 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ. [الحديث 5892 - طرفه في: 5893].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن منهال) بكسر الميم وسكون النون البصري الضرير الحافظ قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا الخياط أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا عمر بن محمد بن زيد) بضم العين وزيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خالفوا المشركين) أي المجوس كما صرح به عن مسلم من حديث أبي هريرة (وفروا اللحى) بتشديد الفاء أي اتركوها

(8/463)


موفرة واللحى بكسر اللام وتضم جمع لحية بالكسر فقط اسم لما ينبت على العارضين والذقن (وأحفوا الشوارب) بالحاء المهملة وقطع الهمزة المفتوحة من الرباعي وحكى ابن دريد حفا شاربه يحفوه من الثلاثي فعلى هذا فهي همزة وصل أي استقصوا قصّها.
(وكان ابن عمر) هو موصول بالسند إلى نافع (إذ حج واعتمر قبض على لحيته فما فضل) بفتح الفاء والضاد المعجمة كما في الفرع ويجوز كسرها أي زاد على القبضة (أخذه) بالمقص أو نحوه وروي مثل ذلك عن أبي هريرة وفعله عمر -رضي الله عنه- برجل وعن الحسن البصري يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وحملوا النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتحفيفها وقال عطاء إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرّض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يستخف به وقال النووي المختار عدم التعرض لها بتقصير ولا غيره.
وهذا الحديث لا تعلق له بما ترجم له كما لا يخفى ويمكن توجيهه بتعسف.

65 - باب إِعْفَاءِ اللِّحَى، عَفَوا: كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ
(باب إعفاء اللحى) أي تركها من غير حلق ولا نتف ولا قصّ الكثير منها وإعفاء من مزيد الثلاثي (عفوا) في قوله تعالى في الأعراف: {حتى عفوا} [الأعراف: 95] معناه (كثروا
وكثرت أموالهم) وقوله عفوا إلخ ثابت لأبي ذر فقط.
5893 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين (ابن عمر) العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(انهكوا الشوارب) أي بالغوا في قصها (وأعفو اللحى) بفتح الهمزة والمصدر الإعفاء وهو توفير اللحية وتكبيرها وهو من إقامة السبب مقام المسبب لأن حقيقة الإعفاء الترك وترك التعرض للحية يستلزم تكبيرها قاله ابن دقيق العيد.
وهذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" وفيه أنواع من البديع الجناس والمطابقة والموازنة.

66 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الشَّيْبِ
(باب ما يذكر في الشيب) هل يخضب أو يترك على حاله.
5894 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا أَخَضَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ إِلاَّ قَلِيلاً.
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشدّدة العمي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين) أنه (قال: سألت أنسًا) -رضي الله عنه- (أخضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ بهمزة الاستفهاء الاستخباري أي أصبغ شعر لحيته الشريفة (قال: لم يبلغ) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الشيب إلا قليلاً) قيل تسع عشرة شعرة بيضاء، وقيل عشرون، وقيل خمس عشرة شعرة، وقيل سبع عشرة أو ثمان عشرة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5895 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِى لِحْيَتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي الإمام أبو أيوب البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي أحد الأعلام (عن ثابت) البناني أنه (قال: سئل أنس) السائل له محمد بن سيرين كما في الحديث السابق (عن خضاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) شعر لحيته (فقال) أنس (إنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم يبلغ ما يخضب) بفتح التحتية وكسر الضاد المعجمة ولمسلم فقال لم يبلغ
الخضاب (لو شئت أن أعدّ شمطاته) بفتحات أي الشعرات البيض التي كانت يجاورها غيرها من الشعر الأسود (في لحيته) لفعلت.
والحديث أخرجه مسلم في فضائله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5896 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِى أَهْلِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلاَثَ أَصَابِعَ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَىْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِى الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا. [الحديث 5896 - طرفاه في: 5897، 5898].
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن عثمان بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة آخره موحدة، التيمي مولى آل طلحة أنه (قال: أرسلني أهلي) آل طلحة أو امرأتي (إلى أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلخ لغير أبي ذر (بقدح من ماء وقبض إسرائيل) بن يونس (ثلاث أصابع) إشارة إلى صغر القدح كما في الفتح أو إلى عدد إرسال عثمان إلى أم سلمة قاله الكرماني، واستبعده الحافظ ابن حجر، ورجحه العيني بأن القدح إذا كان قدر ثلاث أصابع يكون صغيرًا جدًّا فما يسع فيه

(8/464)


من الماء حتى يرسل به وبأن التصرف بالأصابع غالبًا يكون بالعدد (من قصة) بضم القاف وبالصاد المهملة المشدّدة (فيه) أي في القدح (شعر من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللكشميهني كما في الفرع فيها بالتأنيث يعني القدح لأنه إذا كان فيه ماء يسمى كأسًا والكأس مؤنثة وعزا في الفتح التذكير لرؤية الكشميهني، وعند أبي زيد من فضة بالفاء المكسورة والضاد المعجمة بيان لجنس القدح، ويحتمل كما قال الكرماني أنه كان مموّهًا بفضة لا أنه كان كله فضة أو أنه كان فضة خالصة وكانت أم سلمة تجيز استعمال الإناء الصغير في الأكل والشرب كجماعة من العلماء قاله في الفتح، وأما رواية القاف والمهملة فصفة للشعر على ما في التركيب من القلاقة ومن ثم قال في الكواكب عليك بتوجيهه اهـ.
وقال عثمان بن عبد الله بن موهب: (وكان) الناس (إذا أصاب الإنسان) منهم (عين) أي أصيب بعين (أو) أصابه (شيء) من أي مرض كان (بعث إليها مخضبة فاطلعت) بسكون العين (في الحجل) كذا في الفرع بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم مضببًا عليها، وذكره في فتح الباري بلفظ وقيل إن في بعض الروايات بفتح الجيم وسكون المهملة ففيه تقديم الجيم على الحاء المهملة عكس ما في الفرع وفسر بالسقاء الضخم ولأبي ذر مما في الفرع وغيره ونسبه في الفتح للأكثر في الجلجل بجيمين مضمومتين بينهما لام ساكنة وآخره أخرى يشبه الجرس يوضع فيه ما يراد صيانته، وهذه الرواية هي المناسبة هنا لأنه إذا كان لصيانة الشعرات كما جزم به وكيع في مصنفه بعد ما رواه عن إسرائيل حيث قال: كان جلجلاً من فضة صيغ صونًا لشعرات كانت
عند أم سلمة من شعر النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان المناسب لهن الظرف الصغير لا الضخم فالظاهر كما في الفتح أن الرواية الأولى تصحيف فقد وضح أن رواية من فضة أشبه وأولى من قوله من قصة بالقاف وإن رواها الأكثر فيما قاله ابن دحية لقوله بعد فاطلعت في الجلجل (فرأيت شعرات حمرًا).
وهذا موضع الترجمة لأنه يدل على الشيب، والحاصل من معنى الحديث أنه كان عند أم سلمة شعرات من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمر في شيء يشبه الجلجل وكان الناس يستشفون بها من المرض فتارة يجعلونها في قدح من ماء ويشربونه وتارة في إجانة من الماء فيجلسون في الماء الذي فيه الجلجل الذي فيه شعره الشريف.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في اللباس أيضًا.
5897 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلاَّمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَخْضُوبًا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا سلام) بتشديد اللام اتفاقًا ابن أبي مطيع الخزاعي البصري كما عليه الجمهور وصرح به ابن ماجة في هذا الحديث من رواية يونس بن محمد عن سلام بن أبي مطيع (عن عثمان بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء التيمي أنه (قال: دخلت على أم سلمة) -رضي الله عنها- (فأخرجت إلينا شعرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني شعرات (من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخضوبًا) زاد يونس بالحناء والكتم ولأحمد من طريق أبي معاوية شعرًا أحمر مخضوبًا بالحناء والكتم وهذا يجمع بينه وبين ما في مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يخضب، ولكن خضب أبو بكر وعمر بأن شعره الشريف إنما احمرّ لما خالطه من طيف فيه صفرة كما سبق موصولاً في باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أنس، أو يقال المثبت للخضب حكى ما شاهده والنافي بالنظر إلى الأكثر الأغلب من حاله الشريف قال البخاري بالسند السابق إليه.
5898 - وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِى الأَشْعَثِ، عَنِ ابْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْمَرَ.
(وقال لنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (حدّثنا نصير بن أبي الأشعث) بضم النون وفتح الصاد أبي المهملة والأشعث بشين معجمة ومثلثة بينهما عين مهملة مفتوحة القرادي بالقاف المضمومة فالراء بعد الألف دال مهملة (عن ابن موهب) عثمان بن عبد الله نسبه لجده لشهرته به (أن أم سلمة) -رضي الله عنها- (أرته شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحمر) لكثرة ما كانت أم سلمة تطيبه إكرامًا له لأن كثرة استعمال الطيب تغير سواده أو لما سبق قريبًا وليس لنصير

(8/465)


في هذا الكتاب سوى هذا الحديث.

67 - باب الْخِضَابِ
(باب الخضاب) لشيب شعر الرأس واللحية بنحو الحناء وهو من الزينة الملحقة باللباس.
5899 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله المكي الإمام قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسليمان بن يسار) بالتحتية والمهملة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن اليهود والنصارى لا يصبغون) شيب لحاهم (فخالفوهم) واصبغوا شيب الحاكم بالصفرة أو الحمرة وفي السنن. وصححه الترمذي من حديث أبي ذر مرفوعًا "إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم" وهو يحتمل أن يكون على التعاقب والجمع والكتم بفتح الكاف والفوقية يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر فالجمع بينهما يخرج الصبغ بين السواد والحمرة، وأما الصبغ بالأسود البحت فممنوع لما ورد في الحديث من الوعيد عليه، وأول من خضب به من العرب عبد المطلب، وأما مطلقًا ففرعون لعنه الله تعالى.

68 - باب الْجَعْدِ
(باب الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة أيضًا.
5900 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالآدَمِ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (مالك بن أنس) الإمام الأعظم (عن ربيعة) الرأي (ابن أبي عبد الرحمن) فروخ مولى آل المنكدر فقيه المدينة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه) أي أن ربيعة (سمعه) أي سمع أنسًا (يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بالطويل البائن) أي المفرط في الطول (ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق) أي خالص البياض الذي لا تشوبه حمرة ولا غيرها وقيل بياض في زرقة يعني كان نيِّر البياض (وليس بالآدم وليس بالجعد) وهو المنقبض الشعر الذي يتجعد كهيئة الحبشة والزنج (القطط) بفتح القاف والطاء الشديد
الجعودة بحيث يتفلفل (ولا بالسبط) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة وهو الذي يسترسل فلا يتكسر منه شيء كشعر الهنود يريد أن شعره كان بين الجعودة والسبوطة (بعثه الله على رأس أربعين سنة) أي آخرها فهو كقوله وتوفاه الله على رأس ستين وفي باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنزل عليه وهو ابن أربعين وهذا إنما يستقيم على القول بأنه بعث في الشهر الذي ولد فيه وهو ربيع الأول، لكن المشهور عند الجمهور أنه بعث في شهر رمضان فيكون له حين بعث أربعون سنة ونصف وحينئذٍ فمن قال أربعين ألغى الكسر (فأقام بمكة عشر سنين) يوحى إليه يقظة (وبالمدينة عشر سنين) كذلك (وتوفاه الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على رأس ستين سنة). قال في شرح المشكاة مجاز قوله على رأس ستين كمجاز قولهم رأس آية أي آخرها وفي مسلم من وجه آخر عن أنس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاش ثلاثًا وستين سنة وهو موافق لحديث عائشة وهو قول الجمهور وجمع بينه وبين حديث الباب بإلغاء الكسر (وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) بل دون ذلك وأما ما عند الطبراني من حديث الهيثم بن زهر ثلاثون شعرة عددًا فإسناده ضعيف والمعتمد أنهن دون العشرين، وفي حديث ثابت عن أنس عند ابن سعد بإسناد صحيح قال ما كان في رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة.
وحديث الباب سبق في المناقب في باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5901 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِى: عَنْ مَالِكٍ إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلاَّ ضَحِكَ. تَابَعَهُ شُعْبَةُ شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سمعت البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (يقول ما رأيت أحدًا أحسن في حلة حمراء من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) واستدلّ به على جواز لبس الأحمر وأجيب بأنها لم تكن حمراء بحتًا لا يخالطها غيرها بل هي بردان يمانيان منسوجتان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية.
ومباحث ذلك سبقت.
قال البخاري (قال بعض أصحابي عن

(8/466)


مالك) هو ابن إسماعيل شيخه المذكور والبعض المذكور هو يعقوب بن سفيان (إن جمته) بضم الجيم وتشديد الميم (لتضرب قريبًا من منكبيه) أي شعر رأسه إذا تدلى يبلغ قريبًا من منكبيه (قال أبو إسحاق) عمرو السبيعي (سمعته) أي سمعت البراء (يحدّثه) أي الحديث (غير مرة ما حدّث به قطّ إلا ضحك).
(تابعه) أي تابع أبا إسحاق السبيعي (شعبة) بن الحجاج ولأبي ذر قال شعبة فيما وصله المؤلّف في باب صف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طريق شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء فقال: (شعره
يبلغ شحمة أذنه) بالإفراد وجمع ابن بطال بينه وبين الأول بأنه أخبار عن وقتين فكان إذا شغل عن تقصير شعره بلغ قريب المنكبين وإذا قصه لم يجاوز الأذنين وسبق في المناقب أن في رواية يوسف بن إسحاق ما يجمع الروايتين ولفظه له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه وحاصله أن الطويل منه يصل إلى المنكبين وغيره إلى شحمة الأذن.
5902 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُرَانِى اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهْىَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ -أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ- يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن رافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(أراني) بضم الهمزة ولأبي ذر أراني بفتحها ذكره بلفظ المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال (الليلة عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم) بالمد أسمر (كأحسن ما أنت راءٍ من أدم الرجال) بضم الهمزة وسكون الدال (له لمة) بكسر اللام وتشديد الميم شعر جاوز شحمة الأذنين وألمّ بالمنكبين (كأحسن ما أنت راءٍ من اللمم) بكسر اللام (قد رجلها) أي سرحها (فهي تقطر ماء) من الماء الذي سرحها به أو هو استعارة كنى بها عن مزيد النظافة والنضارة حال كونه (متكئًا على رجلين أو على عواتق رجلين) حال كونه (يطوف بالبيت) العتيق (فسألت) الملك (من هذا فقيل) هو (المسيح) عيسى (ابن مريم) عليهما السلام (وإذا أنا برجل جعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة شعره (قطط) بفتح القاف والطاء الأولى وتكسر شديد الجعودة (أعود العين اليمنى كأنها) أي عينه (عنبة طافية) بالتحتية بعد الفاء من غير همز أي بارزة من طفا الشيء يطفو إذا علا على غيره (فسألت من هذا فقيل: المسيح الدجال).
وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء.
5903 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ. [الحديث 5903 - طرفه في: 5904].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور كما في المقدمة أو ابن راهويه كما في الشرح قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال أبو حبيب البصري قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر
الذال المعجمة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) ولأبي ذر عن أنس (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يضرب شعره منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف والتثنية.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5904 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْكِبَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) ولأبي ذر عن أنس (كان يضرب شعر رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منكبيه) بالتثنية والاختلاف الواقع في قوله قال بعض أصحابي عن مالك أن جمته لتضرب قريبًا من منكبيه وقول شعبة يبلغ شحمة أذنيه وقوله يضرب شعره منكبيه هو باعتبار الأوقات والأحوال فتارة يتركه من غير تقصير فيبلغ منكبيه وتارة يقصره فيبلغ شحمة أذنيه أو قريبًا من منكبيه فأخبر كل واحد عما شاهده وعاينه.
5905 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجِلاً لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلاَ الْجَعْدِ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. [الحديث 5905 - طرفه في 5906].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين أبو حفص الفلاس الصيرفي أحد الأعلام قال: (حدّثنا وهب بن جرير. قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) جرير بفتح الجيم وكسر الراء ابن حازم الأزدي (عن قتادة) بن دعامة قال: (سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن شعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كان شعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) بفتح الراء وكسر الجيم (ليس بالسبط) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة (ولا الجعد)

(8/467)


أي فيه تكسر يسير فهو بين السبوطة والجعودة فقوله ليس بالسبط ولا الجعد كالتفسير لسابقه وكان (بين أذنيه وعاتقه) بالتثنية في الأول والإفراد في الثاني وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة وابن ماجة في اللباس بألفاظ مختلفة.
5906 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْيَدَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجِلاً لاَ جَعْدَ وَلاَ سَبِطَ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي بالفاء قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم (عن قتادة عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضخم اليدين) أي غليظهما (لم أر بعده مثله وكان شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) بكسر الجيم (لا جعد ولا سبط) بكسر الموحدة وبالبناء على الفتح فيهما ولأبي ذر لا جعدًا ولا سبطًا بالتنوين فيهما والجعد ضد السبط، ويقال رجل الرجل شعره إذا مشطه يعني أنه بين الجعودة والسبوطة وقد مرّ قريبًا.
5907 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ. [الحديث 5907 - أطرافه في: 5908، 5910، 5911].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن أبي عارم بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي (عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحم اليدين والقدمين) ولأبي ذر ضخم الرأس بدل اليدين وزاد غير أبي ذر حسن الوجه (لم أر قبله ولا بعده مثله وكان بسط الكفّين) بتقديم الموحدة على المهملة الساكنة أي مبسوطهما خلقة وصورة أو باسطهما بالعطاء لكن قيل الأول أنسب بالمقام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي سبط بتقديم السين على الموحدة وهو موافق لوصفهما باللين لكن نسب هذه الرواية في الفتح للكشميهني.
5908 - 5909 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -أَوْ عَنْ رَجُلٍ- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ حَسَنَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو حفص الفلاس قال: (حدّثنا معاذ بن هانئ) بهمزة البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى قال: (حدّثنا قتادة عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أو عن رجل عن أبي هريرة) قال في فتح الباري: يحتمل أن يكون الرجل سعيد بن المسيب، فقد أخرج ابن سعد من روايته عن أبي هريرة نحوه وقتادة معروف بالرواية عن سعيد بن المسيب قال: ولا تأثير لهذه الزيادة في صحة الحديث لأن الذين جزموا بكون الحديث عن قتادة عن أنس أضبط وأتقن من معاذ بن هانئ وهم: حبان بن هلال، وموسى بن إسماعيل كما سبق هنا. وكذا جرير بن حازم كما مضى ومعمر كما سيأتي إن شاء الله تعالى حيث جزما به عن قتادة عن أنس ويحتمل أن يكون عند قتادة من الوجهين (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضخم القدمين حسن الوجه لم أر بعده مثله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يذكر في هذا الحديث كسابقه ما في الروايتين السابقتين من صفة الشعر الشريف.
5910 - وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ.
(وقال هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قاضيها مما وصله الإسماعيلي (عن معمر) هو ابن راشد (عن قتادة عن أنس) فجزم معمر بأنه من رواية قتادة عن أنس (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شثن القدمين والكفّين). بفتح الشين المعجمة وسكون المثلثة بعدها نون غليظهما وغليظ الأصابع والراحة مع لين من غير خشونة كما قال أنس فيما سبق في المناقب ما مسست حريرًا ألين من كف رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
5911 - 5912 - وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَوْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبَهًا لَهُ.
(وقال أبو هلال) محمد بن سليم بضم السين الراسبي بالراء والمهملة والموحدة المكسورتين مما وصله البيهقي في الدلائل: (حدّثنا قتادة عن أنس أو جابر بن عبد الله) الأنصار -رضي الله عنهما- أنه قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضخم الكفّين والقدمين لم أر بعده شبيهًا له). بفتح الشين المعجمة وبعد الموحدة تحتية ساكنة أي مثيلاً، وضبطه العيني بكسر المعجمة وسكون الموحدة أي مثلاً ولا تأثير في صحة الحديث بسبب شك أبي هلال وإن كان صدوقًا لأنه ضعف من قبل حفظه، ولا سيما وقد بينت إحدى روايات جرير بن حازم صحة الحديث بتصريح قتادة بسماعه له من أنس، والظاهر أن البخاري -رحمه الله- قصد بذكر هذه الطريق بيان الاختلاف فيه على قتادة وأنه لا تأثير له ولا يقدح في صحة الحديث.
فإن قلت: هذه الروايات الواردة في صفة الكفّين والقدمين لا تعلق لها بالترجمة. أجيب: بأنها كلها حديث واحد واختلفت رواته بالزيادة والنقص والغرض

(8/468)


منه بالأصالة صفة الشعر وما عدا ذلك فبالتبع.
5913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: «أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِى الْوَادِى يُلَبِّى».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الحافظ (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي عدي) هو محمد بن عثمان بن أبي عدي البصر (عن ابن عون) عبد الله مولى عبد الله بن مغفل المزني أحد الأعلام (عن مجاهد) هو ابن جبر مولى السائب بن أبي السائب المخزومي أنه (قال: كنّا عند ابن عباس -رضي الله عنهما- فذكروا الدجال) الأعور الكذاب (فقال) قائل: (إنه مكتوب بين عينيه كافر) للدلالة على كذبه دلالة قطعية بديهية يدركها كل أحد (وقال ابن عباس لم أسمعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: ذاك) القول وهو أن الدجال مكتوب بين عينيه كافر (ولكنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال):
(أما) بتشديد الميم (إبراهيم) الخليل (فانظروا إلى صاحبكم)، يريد نفسه الشريفة أي أنه شبيه بإبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأما موسى فرجل آدم) بالمد أسمر (جعد) شعره راكب (على جمل أحمر مخطوم بخلبة)، بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وتضم حبل أجيد فتله من ليف أو قنب أو غير ذلك وقيل ليف المقل (كأني أنظر إليه) رؤيا حقيقة بأن جعل الله لروحه مثالاً والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون أو في المنام وبه صرح موسى بن عقبة في روايته عن نافع ورؤيا الأنبياء وحي وحق (إذا
انحدر) بحذف الألف بعد الذال المعجمة وهي لمجرد الظرفية ولأبي ذر إذا انحدر (في الوادي) أي وادي الأزرق (يلبي) بالحج. وموضع الترجمة قوله جعد وجواب الاعتراض الذي أبداه المهلب من أن الصواب عيسى بدل موسى محتجًّا بحياة عيسى وأنه لم يمت بخلاف موسى سبق في الحج في باب التلبية إذا انحدر من الوادي.

69 - باب التَّلْبِيدِ
(باب التلبيد) وهو أن يجمع شعر الرأس بما يلصق بعضه ببعض كالخطمي والصمغ عند الإحرام حتى يصير كاللبد لئلا يتشعث ويقمل في الإحرام.
5914 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُلَبِّدًا.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنه- (قال: سمعت) أبي (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- يقول من ضفر) بفتح الضاد المعجمة الغير المشالة والفاء المخففة وتشدد بأن أدخل شعر رأسه بعضه في بعض (فليحلق) شعر رأسه ولا يجزيه التقصير لأنه فعل ما يشبه التلبيد الذي يرى عمر فيه تعيين الحلق (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين (بالتلبيد) أي لا تضفروا شعوركم كالملبدين فإنه مكروه في غير الإحرام مندوب فيه (وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول: لقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ملبدًا) ظاهره أن ابن عمر فهم عن أبيه أنه كان يرى أن ترك التلبيد أولى فأخبر أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعله.
وحديث ابن عمر هذا سبق في باب من أهل ملبدًا في الحج.
5915 - حَدَّثَنِى حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ». لاَ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة (وأحمد بن محمد) السمسار المروزي (قالا: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن ابن عمر) أبيه (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهل) يرفع صوته بالتلبية حال كونه (ملبدًا) شعر رأسه حال كونه (يقول):
(لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك) أي إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة (إن الحمد والنعمة لك) بكسر الهمزة على الاستئناف وقد تفتح على التعليل والأوّل أجود لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة وإن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل فكأنه يقول أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة والنعمة بالنصب ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي أن الحمد والنعمة مستقرة لك (والملك) بالنصب وقد يرفع أي والملك كذلك (لا شريك لك. لا يزيد على هؤلاء الكلمات).
وهذا الحديث سبق في باب التلبية من كتاب الحج.
5916 - حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: «إِنِّى لَبَّدْتُ رَأْسِى، وَقَلَّدْتُ هَدْيِى فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسماعيل) بن أبي أويس قال:

(8/469)


(حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة الأصبحي (عن نافع عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (عن حفصة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت) في حجة الوداع (قلت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال) عليه الصلاة والسلام:
(إني لبدت) شعر (رأسي) من إحرامي (وقلدت هديي) أي علقت في عنقه شيء ليعلم أنه هدي (فلا أحل) من إحرامي (حتى أنحر) الهدي وإنما حل الناس لأنهم كانوا متمتعين وكان ذلك سببًا لسرعة حلهم بخلاف من ساق الهدي فإنه لا يتحلل من العمرة حتى يهل بالحج ويفرغ منه لأنه جعل العلة في بقائه على إحرامه كونه أهدى، وأما كونه عليه الصلاة والسلام لبد رأسه فإنه استعد من أوّل الأمر بأن يدوم على الإحرام إلى أن يبلغ الهدي محله إذ التلبيد إنما يحتاج إليه من طال أمد إحرامه والحديث قد مر في باب التمتع والإقران من كتاب الحج.

70 - باب الْفَرْقِ
(باب الفرق) بفتح الفاء وسكون الراء بعدها قاف أي قسمة شعر الرأس في المفرق وهو وسط الرأس.
5917 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَسَدَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب موافقة أهل الكتاب) اليهود استئلافًا لهم (فيما لم يؤمر فيه) بشيء (وكان أهل الكتاب يسدلون) بفتح التحتية وسكون السين وكسر الدال المهملتين أي يرسلون (أشعارهم) وضبطه الدمياطي في حاشية الصحيح بالضم يقال سدل ثوبه يسدله بالضم أي أرخاه وشعره منسدل وكذا ضبطه المنذري في حاشية السنن كما نبه عليه شيخنا (وكان المشركون) عبدة الأوثان من قريش (يفرقون) بفتح التحتية وسكون الفاء وضم الراء (رؤوسهم) يقسمون شعرها من وسطها (فسدل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناصيته) موافقة لأهل الكتاب (ثم فرق بعد). وفي رواية معمر ثم أمر بالفرق ففرق فكان آخر الأمرين وروي أن الصحابة رضي الله عنهم كان منهم من يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض وصح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له لمة فإن انفرقت فرقها وإلاّ تركها قال النووي: الصحيح جواز الفرق والسدل.
وهذا الحديث سبق في الهجرة.
5918 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِى مَفَارِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِى مَفْرِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (وعبد الله بن رجاء) ضد الخوف الغداني البصري (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة بريق الطيب ولمعانه (في مفارق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محرم) جمع مفرق وجمع باعتبار أن كل جزء منه كنه مفرق وكان استعماله لذلك قبل الإحرام. (قال عبد الله) بن رجاء المذكور (في مفرق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وكسر الراء والإفراد على الأصل.

71 - باب الذَّوَائِبِ
(باب الذوائب) جمع ذؤابة بالذال المعجمة وهو ما يتدلى من شعر الرأس.
5919 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، خَالَتِى وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا فِى لَيْلَتِهَا
قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِى فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الفضل بن عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد الموحدة المفتوحة سين مهملة فهاء تأنيث الواسطي الخزاز بمعجمات قال: (أخبرنا هشيم) هو ابن بشير بضم الهاء في الأول وفتح الموحدة في الثاني بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي الواسطي قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي (ح) مهملة للتحويل قال المؤلّف:
(وحدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بتّ ليلة عند ميمونة) أم المؤمنين

(8/470)


(بنت الحارث خالتي) -رضي الله عنها- (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها في ليلتها قال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل) تهجده (فقمت) أصلي خلفه (عن يساره. قال) ابن عباس (فأخذ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بذؤابتي) بالهمز بيده الشريفة (فجعلني عن يمينه) فيه تقريره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على اتخاذ الذؤابة.
فإن قلت: الفضل بن عنبسة تكلم فيه فكيف أخرج له؟ أجيب: بأنه ثقة وانفراد ابن قانع بتضعيفه ليس بقادح وليس ابن قانع بمقنع وأورد المؤلّف الحديث من طريقه نازلاً ثم أردفها بروايته عاليًا عن هشيم لتصريح هشيم فيها بالإخبار ثم أردفه بروايته عاليًا أيضًا فقال بالسند إليه.
0000 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، بِهَذَا وَقَالَ: بِذُؤَابَتِى أَوْ بِرَأْسِى.
(حدثنا عمرو بن محمد) بفتح العين الناقد البغدادي شيخ مسلم أيضًا قال (حدّثنا هشيم) الواسطي المذكور قال: (أخبرنا أبو بشر) جعفر (بهذا) الحديث (وقال بذؤابتي أو برأسي) بالشك من الراوي وصرح هشيم في هذا بالإخبار مع التعليق أيضًا واستظهر بذلك على رواية الفضل المذكور.
وسبق الحديث في باب السمر في العلم من كتاب العلم وفي الصلاة.

72 - باب الْقَزَعِ
(باب القزع) بفتح القاف والزاي بعدها عين مهملة والمراد به هنا ترك بعض الشعر وحلق بعضه تشبيهًا له بالسحاب المتفرق.
5920 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مَخْلَدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنِ الْقَزَعِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: قُلْتُ وَمَا الْقَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِىَّ وَتَرَكَ هَا هُنَا شَعَرَةً وَهَا هُنَا وَهَا هُنَا فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَىْ رَأْسِهِ، قِيلَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلاَمُ قَالَ: لاَ أَدْرِى هَكَذَا قَالَ الصَّبِىِّ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَعَاوَدْتُهُ فَقَالَ: أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلاَمِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِمَا وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ وَلَيْسَ فِى رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا. [الحديث 5920 - طرفه في: 5921].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام (قال: أخبرني) بالإفراد (مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة آخره دال مهملة ابن يزيد الحراني (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني) بالإفراد أيضًا (عبيد الله بن حفص) بضم العين هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (أن عمر بن نافع أخبره عن) أبيه (نافع مولى عبد الله أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى عن القزع. قال عبيد الله) بن حفص العمري المذكور بالسند السابق: (قلت) لعمر بن نافع (وما القزع)؟ وعند مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني عمر بن نافع عن أبيه فذكر الحديث قال: قلت لنافع وما القزع ففيه أن عبيد الله إنما سأل نافعًا (فأشار لنا عبيد الله) العمري (قال) نافع (إذا حلق الصبي) ولأبي ذر إذا حلق الصبي بضم الحاء مبنيًّا للمفعول والصبي رفع نائب الفاعل (وترك هاهنا شعرة) ولأبي ذر وترك هاهنا شعر بضم التاء مبنيًّا للمفعول وشعر بحذف التاء رفع نائب عن الفاعل (وهاهنا) شعرة (وهاهنا) شعرة (فأشار لنا عبيد الله) إلى تفسير هاهنا الأولى (إلى ناصيته و) إلى الثانية والثالثة بقوله (جانبي رأسه. قيل لعبيد الله): يحتمل أن يكون القائل ابن جريج وأنه أبهم نفسه (فالجارية) أي الأنثى (والغلام) والمراد به غالبًا المراهق في ذلك سواء (قال: لا أدري هكذا قال الصبي. قال عبيد الله) بالسند المذكور (وعاودته) أي وعاودت عمر بن نافع في ذلك (فقال: أما القصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة المفتوحة وهي هنا شعر الصدغين (و) شعر (القفا للغلام فلا بأس بهما ولكن القزع) المكروه للتنزيه (أن يترك بناصيته شعر) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وشعر نائب الفاعل (وليس في رأسه) شعر (غيره وكذلك شق رأسه) بكسر الشين المعجمة وفتحها (هذا وهذا) أي جانبيه ولا فرق في الكراهة بين الرجل والمرأة في ذكر الصبي قيد أو كرهه مالك في الجارية والغلام ووجه الكراهة لما فيه من تشويه الجلد أو لأنه زيّ الشيطان أو زي اليهود.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس وأبو داود في الترجل والنسائي في الزينة وابن ماجة في اللباس.
5921 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْقَزَعِ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بالفاء البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك) الأنصاري البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن القزع) نهي تنزيه. نعم لا كراهة لمداواة ونحوها ولا بأس بحلق

(8/471)


الرأس كله للتنظيف قاله في الأحياء.

73 - باب تَطْيِيبِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِيَدَيْهَاا
(باب تطييب المرأة زوجها بيديها) بالتثنية.
5922 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِى لِحُرْمِهِ وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن محمد) السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: (أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة) -رضي الله عنه- أنها (قالت: طيبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي) بالإفراد ولأبي ذر: بيديّ بالتثنية (لحرمه) بضم الحاء المهملة وسكون الراء أي لأجل إحرامه (وطيبته بمنى قبل لم يفيض) بضم الياء من الإفاضة إلى الطواف وهو عند التحلل الأول بعد رمي يوم النحر والحلق.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في اللباس.

74 - باب الطِّيبِ فِى الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ
(باب) حكم (الطيب) أو مشروعية الطيب (في الرأس و) في (اللحية).
5923 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو ابن إبراهيم بن نصر السعدي بفتح السين وسكون العين المهملتين أو بضم الأول وسكون المعجمة البخاري ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم الكوفي أبو زكريا الحافظ قال: (حدّثنا إسرائيل) بن
يونس (عن) جده (أبي إسحاق) بن عبد الله السبيعي (عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كنت أطيّب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأطيب ما يجد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر ما نجد بنون المتكلم ومعه غيره (حتى أجد وبيص الطيب) بالصاد المهملة بريقه ولمعانه (في رأسه ولحيته) ويؤخذ منه كما قال ابن بطال إن طيب الرجال لا يكون في الوجه بل في الرأس واللحية بخلاف النساء ففي وجوههن لتزينهن بذلك ولا يتشبه الرجل بالنساء.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج وكذا النسائي.

75 - باب الاِمْتِشَاطِ
(باب) استحباب (الامتشاط) أي تسريح الشعر بالمشط.
5924 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِى دَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرَى فَقَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِى عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) عبد الرحمن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سهل بن سعد) بسكون العين (أن رجلاً) قيل هو الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان (اطّلع) بتشديد الطاء (من حجر) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة من ثقب (في دار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنبي) أي والحال أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحك رأسه) بضم الحاء المهملة وتشديد الكاف (بالمدرى) بكسر الميم وفتح الراء بينهما دال مهملة ساكنة مقصورة عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض أو هو المشط أوله أسنان يسيرة أو عود أو حديدة كالخلال لها رأس محدّد أو خشبة على شكل سنّ من أسنان المشط لها ساعد يحك بها الكبير ما لا تصل إليه يده من جسده (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل المذكور:
(لو علمت أنك تنظر) أي إليّ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تنتظر من الانتظار والأولى أوجه (لطعنت) بفتح العين (بها) أي بالمدرى (في عينيك وإنما جعل الإذن) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول (من قِبل الأبصار) بكسر القاف وفتح الموحدة والأبصار بفتح الهمزة وسكون الموحدة جمع بصر أي إنما جعل الشارع الاستئذان في الدخول من جهة البصر أي لئلا يقع بصر أحدهم على عورة من في الدار فلو رماه صاحب الدار بنحو حصاة فأصابت عينه فعمي أو سرت إلى نفسه فتلف فهدر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاستئذان والدّيات ومسلم والترمذي في الاستئذان والنسائي في الدّيات.

76 - باب تَرْجِيلِ الْحَائِضِ زَوْجَهَا
(باب ترجيل الحائض زوجها) أي تسريحها شعره.
5925 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا حَائِضٌ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كنت أرجل رأس رسول الله) أي أسرّح رأس رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا حائض) جملة اسمية حالية وسبق الحديث في باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله من كتاب الحيض.
0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله

(8/472)


بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (مثله) أي مثل الحديث السابق.

77 - باب التَّرْجِيلِ
(باب) استحباب (الترجيل) بكسر الجيم بعدها تحتية ساكنة ولأبي ذر زيادة والتيمن أي استحبابه في كل شيء إلا ما استثني.
5926 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِى تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة بعدها عين مهملة فمثلثة (ابن سليم) بضم السين (عن أبيه) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يعجبه التيمن) بالرفع على الفاعلية أي يحبه (ما) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني بما (استطاع في ترجله) بتشديد الجيم المضمومة أي تسريح شعره والتيمن فيه إما باليد اليمنى أو بالابتداء بالشق الأيمن (ووضوئه) بضم الواو فكل ما كان من باب التكريم كدخول المسجد فباليمين وما كان بضدّه كدخول الخلاء فباليسار كما مرّ، والترجيل من النظافة المندوب إليها. وحديث النهي عن الترجيل إلاّ غبًا محمول على المبالغة في الترفه والله الموفق والمستعان.

78 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الْمِسْكِ
(باب ما يذكر في المسك) بكسر الميم وسكون المهملة.
5927 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
وبه قال: (حدّثني عبد الله بن محمد) الهمداني قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) أي عن الله تعالى أنه قال:
(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي) من بين سائر الأعمال لأنه ليس فيه رياء والإضافة للتشريف أو لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفاته تعالى فلما تقرب الصائم إليه عز وجل بما يوافق صفاته أضافه إليه وقيل غير ذلك (وأنا أجزي به) بفتح الهمزة والله تعالى إذا تولى شيئًا بنفسه المقدسة دلّ على عظم ذلك الشيء وخطر قدره (ولخلوف) بفتح اللام وضم الخاء المعجمة ولأبي ذر: وخلوف (فم الصائم) تغير رائحة فمه (أطيب) أي أقبل (عند الله من) قبول (ريح المسك) عندكم أو المضاف محذوف أي عند ملائكة الله ويؤخذ منه أن الخلوف أعظم من دم الشهيد لأن دم الشهيد ريحه بريح المسك والخلوف وصف بأنه أطيب ولا يلزم من ذلك أن يكون الصيام أفضل من الشهادة، ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كلٍّ منهما فإن أصل الخلوف طاهر وأصل الدم بخلافه فكان ما أصله طاهر أطيب ريحًا قاله في فتح الباري، وسبق في الصيام ومزيد لذلك.

79 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ
(باب ما يستحب من الطيب).
5928 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) أي ابن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة (عن) أخيه (عثمان بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كنت أطيّب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند إحرامه بأطيب ما أجد) وفي رواية أبي أسامة بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم، وعند مسلم من طريق القاسم عن عائشة كنت أطيّب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بطيب فيه مسك، وعند مالك من حديث أبي سعيد رفعه قال: "المسك أطيب الطيب".
وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي في الحج.

80 - باب مَنْ لَمْ يَرُدَّ الطِّيبَ
(باب من لم يرد الطيب) بفتح التحتية وضم الراء وتشديد الدال.
5929 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عزرة بن ثابت) بفتح العين المهملة وسكون الزاي بعدها راء فهاء تأنيث ابن أبي زيد عمرو بن أخطب (الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم (ابن عبد الله) بن أنس قاضي البصرة (عن) جده (أنس -رضي الله عنه- أنه كان لا يردّ الطيب) إذا أهدي إليه (وزعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمس) أي قال إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كان لا يردّ الطيب) وعند الإسماعيلي من

(8/473)


طريق وكيع عن عروة بسند حديث الباب نحوه وزاد قال: إذا عرض على أحدكم الطيب فلا يرده. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذه الزيادة لم يصرح برفعها، وعند أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان من رواية الأعرج عن أبي هريرة رفعه: "من عرض عليه طيب فلا يردّه فإنه طيب الريح خفيف المحمل" وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن وقع عنده ريحان بدل طيب والريحان كل بقلة لها رائحة طيبة، وعند الترمذي من مرسل أبي عثمان النهدي: إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يردّه فإنه خرج من الجنة.
وحديث الباب سبق في الهبة.

81 - باب الذَّرِيرَةِ
(باب الذريرة) بذال معجمة وراءين بينهما تحتية ساكنة نوع من الطيب مركب، وقال النووي وغيره إنها فتات قصب طيب يجُاء بها من الهند.
5930 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ بِذَرِيرَةٍ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ.
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) المؤذن البصري (أو) حدّثنا (محمد) هو ابن يحيى الذهلي (عنه) أي عن عثمان بن الهيثم شك هل حدّث عن عثمان بواسطة الذهلي أو بدونها وهذا غير قادح إذ عثمان من شيوخ البخاري وروي عنه أحاديث بلا واسطة منها في أواخر الحج وفي النكاح (عن ابن جريج) عبد الملك أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عمر بن عبد الله بن عروة) بن الزبير ذكره ابن حبان في أتباع التابعين من الثقات وهو قليل الحديث ليس له في البخاري إلا هذا الحديث أنه (سمع عروة) بن الزبير (والقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق حال كونهما (يخبران
عن عائشة) -رضي الله عنها- ولأبي ذر عن الكشميهني يقسمان أن عائشة (قالت: طيبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيديّ) بالتثنية (بذريرة) فيها مسكة (في حجة الوداع للحل) أي حين تحلل من إحرامه (والإحرام) أي حين أراد أن يحرم، والحديث أخرجه مسلم.

82 - باب الْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ
(باب) ذم النساء (المتفلجات) اللاتي لم يخلق الله فيهن فلجًا بل تعاطين إحداثه (للحُسن) أي لأجل الحسن والفلج تفريق ما بين الثنايا والرباعيات بالمبرد ونحوه وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة.
5931 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى، مَا لِى لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}.
وبه قال: (حدّثنا عثمان) أي ابن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) أي ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-، ولأبي ذر وقال عبد الله (لعن الله) النساء (الواشمات) جمع واشمة من الوشم بالشين المعجمة وهو أن تغرز إبرة أو نحوها في البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى بالكحل أو النورة فيخضر (والمستوشمات) بكسر الشين المعجمة جمع مستوشمة وهي التي تطلب أن يفعل بها ذلك وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها بدلالة اللعن عليه والموضع الذي وشم يصير نجسًا لانحباس الدم فيه فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت وإن لم يمكن إلا بالجرح فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة أو شيئًا فاحشًا في عضو ظاهر لم تجب وتكفي التوبة في سقوط الإثم وإن لم يخف شيئًا من ذلك لزمه إزالته وعصى بتأخيره (والمتنمصات) بضم الميم وفتح الفوقية والنون وتشديد الميم المكسورة وفتح الصاد المهملة وبعد الألف فوقية جمع متنمصة وهي التي تنتف الشعر من وجهها (والمتفلجات) جمع متفلجة التي تتكلف أن تفرق بين سنها من الثنايا والرباعيات (للحسن) اللام للتعليل والتنازع فيه بين الأفعال المذكورة والأظهر تعلقه بالأخير ومفهومه أن المفعول لطلب الحسن هو الحرام فلو احتيج إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس وبه التعليل للعن وقوله (المغيرات) بكسر التحتية المشددة والغين المعجمة (خلق الله تعالى) صفة لازمة لمن فعل الثلاثة المذكورة وهو كالتعليل لوجوب اللعن المستدل به على الحرمة وفي باب المتنمصات الآتي بعد باب إن شاء الله تعالى فقالت أم يعقوب ما هذا؟ فقال عبد الله (ما لي لا ألعن مَن لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ما استفهامية واستبعد قول الكرماني أو نافية (وهو) ملعون (في كتاب الله) عز وجل في قوله تعالى في سورة الحشر: ({وما آتاكم الرسول فخذوه}) [الحشر: 7] زاد في باب المذكور: {وما نهاكم عنه فانتهوا} أي ما أمركم به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه.

(8/474)


وفي الحديث إشارة إلى أن لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواشمات الخ كلعن الله تعالى فيجب أن يؤخذ به.
ورواة الحديث إلى الصحابي كوفيون وسبق في تفسير سورة الحشر.

83 - باب الْوَصْلِ فِى الشَّعَرِ
(باب) ذم (وصل الشعر) أي الزيادة فيه بشعر آخر.
5932 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهْوَ يَقُولُ: وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِىٍّ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) أي ابن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام ابن أنس (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء المهملة وفتح الميم (ابن عوف) الزهري المدني (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر) بالمدينة الشريفة (وهو يقول وتناوله قصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة خصلة (من شعر كانت) ذلك الشعر (بيد حرسي) بفتح الحاء والراء وكسر السين المهملات آخره تحتية مشددة من خدمه الذين يحرسونه. زاد الطبراني وجدت هذه عند أهلي وزعموا أن النساء يزدنه في شعورهن، وزاد سعيد بن المسيب في روايته ما كنت أرى يفعل ذلك إلا اليهود (أين علماؤكم) أي ليساعدوه على إنكار ذلك أو لينكر هو عليهم إهمالهم إنكار ذلك وعدم تغييرهم لذلك المنكر (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى عن مثل هذه) القصة التي توصلها المرأة بشعرها (ويقول) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنما هلكت) ولمسلم في رواية معمر إنما عذّب (بنو إسرائيل حين اتخذ) مثل (هذه القصة ووصلها بالشعر (نساؤهم).
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
5933 - وَقَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ».
قال البخاري بالسند إليه: (وقال ابن أبي شيبة) أبو بكر عبد الله بن محمد فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا يونس بن محمد) المؤدب البغدادي قال: (حدّثنا فليح) بالفاء المضمومة وفتح اللام آخره مهملة واسمه عبد الملك بن سليمان وفليح لقبه (عن زيد بن أسلم) مولى
عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لعن الله الواصلة) التي تصل الشعر بشعر آخر (والمستوصلة) التي تطلب أن يفعل بها ذلك ويفعل بها (والواشمة) التي تغرز الإبرة في الجسد ثم يذر عليه كحل أو نحوه فيخضرّ (والمستوشمة) التي تطلب فعله ويُفعَل بها.
5934 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، يُحَدِّثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا فَسَأَلُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ».
تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين الجملي بفتح الجيم والميم أحد الأعلام أنه (قال: سمعت الحسن بن مسلم بن يناق) بفتح التحتية والنون المشددة وبعد الألف قاف التابعي الصغير الكوفي (يحدّث عن صفية بنت شيبة) بن عثمان القرشي الحجبي (عن عائشة -رضي الله عنها- أن جارية من الأنصار تزوجت) قال في المقدمة لم أعرف اسمها (وأنها مرضت فتمعط) بفتح الفوقية والميم والعين المهملة المشدّدة والطاء المهملة أي تناثر وتساقط (شعرها) بسبب ذلك المرض (فأرادوا أن يصلوها) أي يصلوا شعرها بشعر آخر (فسألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال):
(لعن الله الواصلة والمستوصلة) وهذا صريح في حكاية ذلك عن الله عز وجل إن كان خبرًا ويحتمل أنه دعاء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على من فعل ذلك. (تابعه) أي تابع شعبة (ابن إسحاق) محمد (عن أبان بن صالح) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة القرشي (عن الحسن) بن مسلم بن يناق (عن صفية) بنت شيبة (عن عائشة) -رضي الله عنها- وهذه المتابعة وصلها المحاملي في أماليه من طريق الأصفهانيين عن ابن إسحاق.
5935 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّى أَنْكَحْتُ ابْنَتِى ثُمَّ أَصَابَهَا شَكْوَى فَتَمَرَّقَ رَأْسُهَا وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنِى بِهَا أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا فَسَبَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف وبعد الدال المهملة ألف فميم ابن سليمان أبو الأشعث العجلي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن
سليمان) بضم الفاء والسين مصغرًا ابن النميري بضم النون مصغرًا البصري تكلم فيه من قبل حفظه، لكن تابعه وهيب بن خالد عن منصور عند مسلم وأبو معشر البراء عند الطبراني قال: (حدّثنا منصور بن عبد الرحمن) بن طلحة بن الحارث العبدري الحجبي المكي ثقة أخطأ ابن حزم في تضعيفه قال: (حدّثتنى) بتاء التأنيث والإفراد (أمي)

(8/475)


صفية بنت شيبة (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أن امرأة) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمها (جاءت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): يا رسول الله (إني أنكحت ابنتي) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمها أيضًا (ثم أصابها شكوى) أي مرض (فتمرق) بفتح الفوقية والميم والراء المشددة من المروق أي خرج من موضعه أو من المرق وهو نتف الصوف ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني فتمزق بالزاي بدل الراء المهملة (رأسها) أي تمزق شعر رأسها أي تقطّع (وزوجها يستحثني) أي يحضني على دخوله (بها أفأصل رأسها) وللكشميهني شعرها. وعند الطبراني من حديث محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر فأصابتها الحصباء والجدري فسقط شعرها وقد صحّت وزوجها يستحدثنا وليس على رأسها شعر أفنجعل على رأسها شيئًا نجملها به؟ (فسبّ) بالسين المهملة والموحدة المشددة أي لعن كما في الرواية الأخرى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة والمستوصلة).
5936 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن امرأته) بنت عمه (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوّام الأسدية (عن) جدتها (أسماء بنت أبي بكر) ذات النطاقين -رضي الله عنها- أنها (قالت: لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة والمستوصلة). ورواية الطبري عن قيس بن أبي حازم بسند صحيح. قال في الفتح، قال أي قيس دخلت مع أبي على أبي بكر الصديق فرأيت يد أسماء موشومة قد تدل على أنها ما سمعت الزيادة التي في حديث ابن عمر وأبي هريرة الواشمة والمستوشمة، وقال الطبري: كأنها كانت صنعت الوشم قبل النهي فاستمر في يدها ولا يظن بها أنها فعلته بعد النهي، وقال في الفتح: أو كانت بيدها جراحة فداوتها فبقي الأثر مثل الوشم في يدها.
5937 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ». قَالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ فِى اللِّثَةِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الملك) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لعن الله الواصلة) لنفسها أو لغيرها (والمستوصلة) الطالبة ذلك المفعول بها (والواشمة) التي تشم نفسها أو غيرها (والمستوشمة) الطالبة ذلك المفعول بها (قال نافع: الوشم في اللثة) بكسر اللام وتخفيف المثلثة وأصلها لثي فحذفت لام الكلمة وعوض عنها هاء التأنيث على غير قياس وهي ما على الأسنان من اللحم وليس مراد نافع الحصر في اللثة بل قد يقع فيها.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في اللباس وقال: حسن صحيح.
5938 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِى الْوَاصِلَةَ فِى الشَّعَرِ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عمرو بن مرة) الجملي بفتح الجيم والميم قال: (سمعت سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية) بن أبي سفيان (المدينة آخر قدمة) بفتح القاف وسكون الدال (قدمها) سنة إحدى وخمسين (فخطبنا) على منبر المدينة (فأخرج كبة من شعر) بضم الكاف وتشديد الموحدة (قال: ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا غير اليهود) ولمسلم من وجه آخر عن سعيد بن المسيب أن معاوية قال: أيكم أخذ زيّ سوء (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سماه الزور يعني الواصلة) من النساء (في الشعر) للزينة والزور والكذب والباطل وسمى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصل الشعر زور لأنه كذب وتغيير لخلق الله تعالى والأحاديث كما قال النووي صريحة في تحريم الوصل مطلقًا، وهذا هو الظاهر المختار وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضًا وإن كان فثلاثة أوجه: أصحها إن فعلته بإذن الزوج أو السيد جاز، وقال مالك والطبري والأكثرون: الوصل ممنوع بكل شيء شعر أو صوف أو خرق أو غيرها، واحتجوا بالأحاديث، وعند مسلم من رواية قتادة عن سعيد ينهى عن الزور قال قتادة: يعني

(8/476)


ما يكثر به النساء أشعارهنّ من الخرق، ويؤيده حديث جابر عند مسلم زجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تصل المرأة بشعرها شيئًا. وذهب الليث ونقله أبو عبيد عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر أما إذا وصلت بغيره من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي، وعن سعيد بن جبير مما روي في سنن أبي داود قال: لا بأس به بالقرامل، وبه قال أحمد وكثير من العلماء وهي جمع قرمل بفتح القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط الشعر من حرير أو صوف تعمل ضفائر تصل بها المرأة شعرها وذلك لما لا يخفى أنها مستعارة فلا يظن بها تغيير الصورة وكما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلقه لغير ضرورة.
وهذا الحديث عليه رقم علامة السقوط لأبي ذر في الفرع.

84 - باب الْمُتَنَمِّصَاتِ
(باب) ذمّ النساء (المتنمصات) بالصاد المهملة جمع متنمصة. قال القاضي عياض: النامصة التي تنتف الشعر من وجهها ووجه غيرها والمتنمصة التي تطلب أن يفعل بها ذلك والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش ويسمى المنقاش منماصًا.
5939 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَعَنَ عَبْدُ اللَّهِ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ: مَا هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا لِىَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِى كِتَابِ اللَّهِ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) هو النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي أنه (قال: لعن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- النساء (الواشمات) اللاتي يشمن أنفسهن أو غيرهن (و) النساء (المتنمصات) اللاتي يطلبن ذلك ويفعل بهن، وقيل إن النماص مختص بإزالة شعر الحاجبين ليرقهما أو ليسويهما. قال أبو داود في السنن: النامصة التي تنمص الحاجب حتى ترقه فلو كانت مقرونة الحواحب فأزالت ما بينهما توهم البلج أو عكسه، قال الطبري: لا يجوز، وقال النووي: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم إزالتها بل يستحب انتهى. لكن قيده بعضهم بما إذا كان بعلم الزوج وإذنه فمتى خلا عن ذلك منع للتدليس وقال بعض الحنابلة يجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بعلم الزوج لأنه من الزينة.
(و) لعن ابن مسعود أيضًا النساء (المتفلجات) اللاتي يطلبن تفريق ما بين الأسنان: الثنايا والرباعيات يفعل ذلك بهن (للحسن) أي لأجل الحسن (المغيرات خلق الله فقالت أمّ يعقوب) وهي من بني أسد بن خزيمة ولا يعرف اسمها (ما هذا) ولمسلم فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أمّ يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حدثت بلغني أنك لعنت الواشمات إلى آخره (قال عبد الله) بن مسعود (وما لي لا ألعن من لعن رسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وفي كتاب الله) تعالى لعنه (قالت) أم يعقوب (والله لقد قرأت ما بين اللوحين) تريد الدفتين وفي مسلم عن عثمان ما بين لوحي المصحف وكانوا يكتبون المصحف في رق ويجعلون له دفتين من خشب (فما وجدته) أي ما وجدت لعن المذكورات (قال) عبد الله (والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه) اللام في لئن موطئة للقسم والثانية لجواب القسم الذي سد مسد جواب الشرط والياء التحتية في قرأتيه ووجدتيه تولدت من إشباع كسرة التاء الفوقية أي لو قرأتيه بالتدبر والتأمل عرفتيه من قوله عز وجل: ({وما آتاكم الرسول فخذوه}) إذ فيه أن من لعنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالعنوه ({وما نهاكم عنه فانتهوا}) [الحشر: 7]
وقد نهى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك ففاعله ظالم وقد قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18].
وهذا الحديث سبق في باب المتفلجات للحسن.

85 - باب الْمَوْصُولَةِ
(باب) ذم المرأة (الموصولة).
5940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة) التي تصل شعرها بشعر غيره (والمستوصلة) التي يفعل بها ذلك بطلبها (والواشمة والمستوشمة).
وسبق مباحث ذلك ويأتي مزيد له إن شاء الله تعالى.
5941 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّهُ سَمِعَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِى أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَامَّرَقَ شَعَرُهَا، وَإِنِّى زَوَّجْتُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي)

(8/477)


عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة بن الزبير (أنه سمع فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (تقول: سمعت أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- (قالت: سألت امرأة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله ان ابنتي أصابتها الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين بعدها موحدة بثرات حمر تخرج في الجسد متفرقة وهي نوع من الجدري ولأبي ذر عن الكشميهني أصابها بإسقاط المثناة الفوقية بالتذكير على إرادة الحب (فاْمرق) بهمزة وصل وميم مشدّدة وراء مفتوحة فقاف أصله انمرق فقلبت النون ميمًا وأدغمت في لاحقتها من المروق أي خرج شعرها من موضعه وللحموي والكشميهني فأمزق كذلك لكن بالزاي بدل الراء أي تمزق وتقطع (شعرها وإني زوّجتها) وزوجها يستحثني على الدخول بها (أفأصل فيه) غيره (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لعن الله الواصلة والموصولة).
وقد سبق الحديث قريبًا وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة لم أعرف أسماء الثلاثة المذكورين في هذا الحديث.
5942 - حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ
نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَاشِمَةُ وَالْمُسْنَوشِمَةُ وَالْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ». يَعْنِى لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي نزيل الري ثم بغداد قال: (حدّثنا الفضل بن دكين) بدال مهملة مضمومة وكاف مفتوحة وياء التصغير بعدها نون أبو نعيم شيخ البخاري حدّث عنه كثيرًا بغير واسطة وفي مواضع كثيرة بواسطة كما هنا، قال في فتح الباري: وفي رواية المستملي الفضل بن زهير أي بدل ابن دكين وكذا لبعض رواة الفربري أيضًا لكن شك فقال: أو ابن دكين وجزم مرة أخرى بالفضل بن زهير انتهى.
ورأيت بهامش الفرع معزوًّا إلى أصل اليونينية، وقال أبو إسحاق يعني إبراهيم المستملي رأيت في أصل عتيق سمع من الإمام محمد بن إسماعيل يعني البخاري حدّثني يوسف بن موسى عن الفضل بن دكين، وكان في أصل محمد بن إسماعيل شيء فشك محمد بن يوسف يعني الفربري في دكين أو زهير ثم قال زهير قال الكلاباذي وهو الفضل بن دكين بن حماد بن زهير الملائي واسم دكين عمرو انتهى.
قال الغساني فنسب مرة إلى جد أبيه قال: (حدّثنا صخر بن جويرية) بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها راء وجويرية بضم الجيم مصغرًا أبو رافع البصري مولى بني تميم أو بني هلال (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالشك من الراوي.
(الواشمة والمستوشمة) بضم الميم فواو ساكنة ففوقية مفتوحة فشين معجمة مكسورة (والواصلة والمستوصلة) بالسين بوزن المستفعلة وللنسائي من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله الموتصلة وهي بمعناها قال ابن عمر (يعني لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذه الأربعة وفي رواية أبي ذر قبل الواشمة لعن الله ومقتضاه نصب الأربعة على المفعولية كما لا يخفى، لكن استشكل في فتح الباري تفسير ابن عمر حيث قال: يعني لعن النبي بعد قوله لعن الله فقال لم يتجه لي هذا التفسير إلا إن كان المراد لعن الله على لسان نبيه أو لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعن الله واعترضه بما خفي ولعله تحريف من ناسخ وسقط قوله يعني الخ في بعض النسخ وبإسقاط الأول لا إشكال والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس.
5943 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. مَا لِى لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات) بالسين المهملة الساكنة بعد الميم المضمومة وبعد الفوقية واو ساكنة ولأبي ذر المتوشمات بإسقاط السين المهملة وفتح الواو وتشديد المعجمة المكسورة (والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) بكسر الياء التحتية (ما لي) بغير واو قبل ما الاستفهامية (لا ألعن من لعنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(8/478)


وَسَلَّمَ- وهو) ملعون (في كتاب الله) عز وجل في قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7] إذ معناه العنوا من لعنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يقع في هذه الرواية ذكر ما ترجم له فيحتمل أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه من ذكر ذلك والله أعلم.

86 - باب الْوَاشِمَةِ
(باب) ذم المرأة (الواشمة) التي تشم.
5944 - حَدَّثَنِى يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَيْنُ حَقٌّ». وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى) قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني قال العيني كالكرماني ويحيى، إما ابن موسى أي البلخي السختياني المعروف بخت، وإما ابن جعفر يعني الأزدي البيكندي الحافظ. وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة نسبه ابن السكن يحيى بن موسى قال وقد روى البخاري أيضًا عن يحيى بن جعفر عن عبد الرزاق ولكنه ينسبه ووجدته كذلك في موضعين في أول كتاب الاستئذان وفي قوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267] من كتاب البيوع والأول يروى عنه ولا ينسبه (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(العين حق) أي الإصابة بالعين حق لها تأثير (ونهى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الوشم) بفتح الواو وسكون المعجمة وهو كما مر أن يغرز في العضو نحو إبرة فإذا سال الدم حشاه بنحو نورة فيخضر وقد يكون في اليد وغيرها وقد يفعل نقشًا وقد يجعل دوائر وقد يكتب اسم المحبوب، والحديث سبق في الطب.
0000 - حَدَّثَنِى ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، حَدِيثَ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ أُمِّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة محمد قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن الحافظ أبو سعيد البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (قال): لقد (ذكرت لعبد الرحمن بن عابس) بالموحدة المكسورة والسين المهملة ابن ربيعة النخعي (حديث منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (فقال: سمعته من أم يعقوب) الأسدية (عن عبد الله) بن مسعود (مثل حديث منصور) أي ابن المعتمر.
5945 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِى فَقَالَ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة السوائي بضم المهملة الكوفي (قال: رأيت أبي) أبا جحيفة وهب بن عبد الله (فقال) وفي باب ثمن الكلب من كتاب البيع قال رأيت أبي اشترى حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك فقال (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن ثمن الدم) أي عن أجرة الحجام فأطلق عليه الثمن تجوّزًا (و) عن (ثمن الكلب) مطلقًا لنجاسته (و) لعن عليه السلام (آكل الربا وموكله) لأنه يعين على أكل الحرام فهو شريك في الإثم كما أنه شريك في الفعل (و) لعن (الواشمة والمستوشمة) لما فيه من تغيير خلق الله مع الغش.

87 - باب الْمُسْتَوْشِمَةِ
(باب) ذم المرأة (المستوشمة) الطالبة للوشم المفعول بها.
5946 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِىَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ فَقَامَ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ مَنْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْوَشْمِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا سَمِعْتُ. قَالَ: مَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَشِمْنَ وَلاَ تَسْتَوْشِمْنَ».
وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي الحافظ نزل بغداد روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم أو عمرو أو عبد الله بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي أنه (قال: أتي) بضم الهمزة (عمر) -رضي الله عنه- (بامرأة تشم فقام فقال) لمن حضره من الصحابة (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم المعجمة أي سألتكم (بالله من سمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) شيئًا (في الوشم) فليخبرني به (فقال أبو هريرة: فقمت فقلت يا أمير المؤمنين أنا
سمعت) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيه (قال) عمر (ما سمعت قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا تشمن) بفتح الفوقية وكسر المعجمة وفتح الميم وتشديد النون خطابًا لجمع المؤنث بالنهي عن فعل الوشم (ولا تستوشمن) أي لا تطلبن ذلك. والحديث أخرجه النسائي في الزينة.
5947 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيي بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري قال: (أخبرني)

(8/479)


بالإفراد (نافع عن ابن عمر) أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة).
5948 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. مَا لِى لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي (عن سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لعن الله) النساء (الواشمات والمستوشمات) بالسين بعد الميم ولأبي ذر والمستوشمات (و) النساء (المتنمصات) اللاتي يطلبن النماص أي إزالة شعر الوجه بالمنقاش (و) النساء (المتفلجات) بكسر اللام المشددة أسنانهن (للحسن) أي لأجل الحسن ولأبي ذر عن المستملي بالحسن بالموحدة بدل اللام أي بسبب الحسن (المغيرات خلق الله) عز وجل (ما لي لا ألعن من لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في كتاب الله) عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7] وسبب لعن المذكورات أن فعلهن تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس وخداع ولو رخص فيه لاتخذه الناس وسيلة إلى أنواع الفساد ولعله قد يدخل في معناه صنعة الكيمياء فإن من تعاطاها إنما يروم أن يلحق الصنعة بالخلقة وكذلك كل مصنوع يشبه بمطبوع وهو باب عظيم من الفساد حكاه في الكواكب.

88 - باب التَّصَاوِيرِ
(باب) حكم (التصاوير) من جهة مباشرة صنعتها واستعمالها أو اتخاذها.
5949 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ - رضى الله عنهم - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَصَاوِيرُ». وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (-رضي الله عنهم-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تدخل الملائكة) الحفظة وغيرهم (بيتًا فيه كلب) أو المراد ملائكة الوحي كجبريل وإسرافيل لكن يلزم منه اقتصار النفي على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الوحي انقطع بعده وبانقطاعه ينقطع نزولهم، فالمراد بالملائكة الذين ينزلون بالرحمة والمستغفرون للعبد أما الحفظة فإنهم لا يفارقون المكلف في كل حال كما جزم به الخطابي وغيره، وأجاب عن الأول بجواز أن لا يدخلوا بأن يكونوا على باب البيت مثلاً ويطلعهم الله تعالى على عمل العبد ويسمعهم قوله، والمراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الإنسان سواء كان بيتًا أو خيمة أو غيرهما وظاهر قوله كلب العموم لأنه نكرة في سياق النفي فيعم وإليه ذهب النووي والقرطبي واستثنى الخطاب وغيره الكلاب التي أذن الشارع في اتخاذها وهي التي للصيد والزرع والماشية وسبب عدم الدخول قيل لنجاسة عين الكلب، وعورض بأن الخنزير أشد نجاسة منه للنص الوارد فيه، وقيل لكونه يكثر أكل النجاسات، وعورض بأن السنور أيضًا يكثر أكلها وقيل لكونه من الشياطين وعورض بأنه لا يخلو بيت من الشياطين ومع هذا لم يرد امتناع الملائكة من الدخول في بيت فيه هرة ولا خنزير ولا غيرهما (ولا) تدخل الملائكة بيتًا فيه (تصاوير) مما يشبه الحيوان ما لم تقطع رأسه أو يمتهن أو عام في كل الصور وسبب الامتناع كونها معصية فاحشة إذ فيها مضاهاة لخلق الله وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله وفي بدء الخلق ولا صورة بالإفراد، وكان الأصل أن يقول لا تدخل بيتًا فيه كلب وتصاوير بغير إعادة حرف النفي لكنه أعاده للاحتراز من توهم القصر في عدم الدخول على اجتماع الكلب والصور نحو قولك ما كلمت زيدًا ولا عمرًا إذ لو حذفت لأجاز أن يكون كلم أحدهما لأن الواو للجمع فلما أعيد حرف النفي صار التقدير ولا تدخل الملائكة بيتًا فيه تصاوير كما سبق.
وهذا الحديث سبق في بدء الخلق وفي المغازي وأخرجه مسلم في اللباس.
(وقال الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري الإمام المشهور فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه (سمع ابن عباس) يقول (سمعت أبا طلحة) يقول (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ووجه ذكر هذا

(8/480)


التعليق تصريح ابن شهاب وشيخه عبيد الله ومن فوقهما بالتحديث في جميع الإسناد، ووقع في رواية الأوزاعي عن
الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة لم يذكر ابن عباس بينهما، ورجح الدارقطني رواية من أثبته قاله في فتح الباري.

89 - باب عَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(باب عذاب المصوّرين) الذين يصنعون الصور (يوم القيامة).
5950 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِى دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ فَرَأَى فِى صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى بن صبيح بضم الصاد المهملة مصغرًا الهمداني الكوفي أنه (قال: كنا مع مسروق) هو ابن الأجدع (في دار يسار بن نمير) بالتحتية والمهملة المخففة ونمير بضم النون وفتح الميم المدني الكوفي (فرأى) مسروق (في صفته) بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء (تماثيل) جمع تمثال بكسر الفوقية وبعد الميم الساكنة مثلثة وهو الصورة والمراد بها صور الحيوان وفي مسلم قال لي مسروق هذه تماثيل كسرى فقلت لا هذه تماثيل مريم (فقال: سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود (قال: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول):
(إن أشد الناس عذابًا عند الله) أي في حكم الله تعالى (يوم القيامة المصورون) الذين يصورون أشكال الحيوانات التي تعبد من دون الله فيحكونها بتخطيط أو تشكيل عالمين بالحرمة قاصدين ذلك لأنهم يكفرون به فلا يبعد دخولهم مدخل آل فرعون أما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصبًا بتصويره فقط كذا في الفرع، وفي عدة أصول معتمدة، والذي في فتح الباري: إن أشد الناس عذابًا عند الله المصورون بإسقاط يوم القيامة قال: ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان يوم القيامة بدل قوله عند الله قال: فلعل الحميدي حدّث به على الوجهين بدليل ما وقع في الترجمة أو لما حدّث به البخاري حدّث به بلفظ عند الله، والترجمة مطابقة للفظ الذي في حديث ابن عمر ثاني حديثي الباب انتهى.
وفي عمدة القارئ للعلاّمة العيني: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصوّرون بإسقاط عند الله وهو مطابق للترجمة وقال النووي قال العلماء: تصوير الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره، وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام.
وهذا الحديث أخرجه في اللباس والنسائي في الزينة.
5951 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ».
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الأسدي الحزامي بالزاي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أي ابن ضمرة أو عبد الرحمن الليثي أبو ضمرة المدني (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن الذين يصنعون هذه الصور) الحيوانية قاصدين مضاهاة خلق الله (يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا) بفتح الهمزة وضم التحتية أي تعذيبهم أن يقال لهم إحيوا (ما خلفتم) أمر تعجيز أي انفخوا الروح في الصورة التي صوّرتموها وهم لا يقدرون على ذلك فيستمر في تعذيبهم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.

90 - باب نَقْضِ الصُّوَرِ
(باب نقض الصور) بفتح النون وسكون القاف بعدها ضاد معجمة والصور بضم الصاد المهملة وفتح الواو وتغيير هيئتها بنحو كسرها.
5952 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِى بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلاَّ نَقَضَهُ.
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة الزهراني أبو زيد البصري (قال: حدّثنا هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي (عن يحيى) بن كثير (عن عمران بن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين وبعد الألف نون السدوسي (أن عائشة -رضي الله عنها- حدّثته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب) أي تصاوير كصليب النصارى وقال في الفتح: التصاليب جمع صليب كأنهم سموا ما كانت فيه صورة الصليب تصليبًا تسمية بالمصدر. قال العيني: على ما ذكره تكون التصاليب جمع تصليب لا جمع صليب ولأبي ذر عن الكشميهني تصاوير (إلاّ نقضه) أي كسره وغيّر صورته.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في اللباس والنسائي في الزينة.

(8/481)


5953 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلاَهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِى، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً»، ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ
فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشَىْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف أبو سلمة التبوذكي بفتح التاء وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا عمارة) بضم العين ابن القعقاع (قال: حدّثنا أبو زرعة) هرم بن عمرو (قال: دخلت مع أبي هريرة) -رضي الله عنه- (دارًا بالمدينة) لمروان بن الحكم كما في مسلم (فرأى في أعلاها) أي في سقف الدار رجلاً (مصورًا) بكسر الواو المشددة (يصور) بلفظ المضارع (فقال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) أي قال الله تعالى:
(ومن أظلم ممن ذهب) أي قصد (يخلق كخلقي) أي فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه إذ لا قدرة لأحد على خلق مثل خلقه تعالى فالتشبيه في الصورة وحدها وظاهره يتناول ما له ظل وما ليس له ظل فلذا أنكر أبو هريرة -رضي الله عنه- ما نقش في سقف الدار (فليخلقوا) فليوجدوا (حبة) من قمح زاد ابن فضل وليخلقوا شعيرة وهو قرينة تدل على أن المراد هنا حبة من قمح (وليخلقوا ذرة) بفتح المعجمة وتشديد الراء نملة والمراد تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وتارة بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم عليه (ثم دعا) أي طلب أبو هريرة (بتور) بموحدة مكسورة فمثناة فوقية مفتوحة وبعد الواو الساكنة راء إناء كطست (من ماء) فيه ماء فتوضأ منه (فغسل يديه) بالتثنية (حتى بلغ إبطه) بالإفراد زاد الإسماعيلي وغسل رجليه حتى بلغ ركبتيه قال أبو زرعة (فقلت يا أبا هريرة) تبليغ الماء إلى الإبط (شيء سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) أبو هريرة التبليغ إلى الإبط (متتهى الحلية) في الجنة والحلية التحجيل من أثر الوضوء أو من التحلية المذكورة في قوله تعالى: {يحلون فيها أساور من ذهب} [الكهف: 31].

91 - باب مَا وُطِئَ مِنَ التَّصَاوِيرِ
(باب ما وطئ) بضم الواو وكسر الطاء المهملة بالقدم (من التصاوير) امتهانًا له.
5954 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِى عَلَى سَهْوَةٍ لِى فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَتَكَهُ وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ». قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً، أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل منه قال: سمعت أبي) القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق (قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها-) تقول (قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من سفر) هو غزوة تبوك كما في البيهقي، ولأبي داود والنسائي غزوة تبوك أو خيبر على الشك (وقد سترت بقرام) بكسر الموحدة والقاف بعدها راء فألف فميم ستر فيه رقم ونقش (لي على) باب (سهوة لي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وفتح الواو صفة في جانب البيت أو كوّة أو بيت صغير منحدر في الأرض كالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع (فيها) قطعة (تماثيل) أي تصاوير (فلما رآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هتكه) أي نزعه (وقال):
(أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون) يشابهون (بخلق الله. قالت) عائشة (فجعلناه وسادة أو وسادتين) أي مخدّة أو مخدّتين، وسبق في المظالم فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت نجلس عليهما، ولمسلم من طريق بكير بن الأشجّ فقطعته وسادتين فقال رجل في المجلس يقال له ربيعة بن عطاء: أنا سمعت أبا محمد بن القاسم بن محمد يذكر أن عائشة قالت: فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرتفق عليهما. قال ابن القاسم يعني عبد الرحمن: لا قال لكني سمعته.
5955 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَفَرٍ وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَأَمَرَنِى أَنْ أَنْزِعَهُ فَنَزَعْتُهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الله بن داود) الجرمي الهمداني الكوفي ثم البصري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من سفر وعلقت درنوكًا) بضم الدال المهملة وسكون الراء وضم النون وبعد الواو كاف سترًا له خمر (فيه تماثيل فأمرني أن أنزعه) لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة (فنزعته) قال النووي تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وأما اتخاذه فإن كان معلقًا على حائط سواء كان له ظل أم لا أو ثوبًا ملبوسًا أو عمامة أو نحو ذلك فهو حرام، وأما الوسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام لكن هل يمنع

(8/482)


دخول الملائكة أم لا؟ وقد سبق قريبًا أن المنع عام في كل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث قالت عائشة:
5956 - وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
(وكنت أغتسل أنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد) وليس للترجمة تعلق بقولها: وكنت أغتسل إلى آخره؛ وقد ساقه المؤلّف في الطهارة مفردًا والظاهر أنه تحمله على هذه الصفة فساقه هنا كذلك.

92 - باب مَنْ كَرِهَ الْقُعُودَ عَلَى الصُّورَةِ
(باب من كره القعود على الصور) بفتح الواو بلفظ الجمع ولأبي ذر الصورة بإسكانها على الإفراد.
5957 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقُلْتُ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ قَالَ: «مَا هَذِهِ النُّمْرُقَةُ»؟ قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي أبو محمد السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا جويرية) بالجيم المضمومة ابن أسماء (عن نافع عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء وكسرها وضم النون وفتح الراء ثلاث لغات بينهما ميم ساكنة وبالقاف المفتوحة وسادة صغيرة (فيها تصاوير فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالباب فلم يدخل) فعرفت الكراهية في وجهه (فقلت: أتوب إلى الله) عز وجل (مما أذنبت) ولأبي ذر فما أذنبت بالفاء والميم المخففة بدل مما بالميمين الأخيرة مشددة على الاستفهام (قال) عليه الصلاة والسلام:
(ما هذه النمرقة؟ قلت): اشتريتها (لتجلس عليها وتوسدها) أصلها وتتوسدها بمثناتين فوقيتين حذفت إحداهما للتخفيف (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن أصحاب هذه الصور) الذين يصنعونها ليضاهوا بها خلق الله (يعذبون يوم القيامة) بفتح ذال يعذبون (يقال لهم أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم) ما صنعتم (وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصور) بالجمع ولغير أبي ذر الصورة بالإفراد، ولم يذكر في هذه الطريق استعماله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النمرقة كما ذكر فيما سبق ووقع التصريح به في مسلم. قال في الفتح: فظاهره التعارض وقد يجاب بأنه لما قطع الستر وقع القطع في وسط الصور مثلاً فخرجت عن هيئتها فلذا صار يرتفق بها. وقال العيني لا تعارض بينهما أصلاً لأن حديث الباب وحديث مسلم المذكور فيه فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت حديث واحد، لكن البخاري لم يذكر هذه الزيادة والله أعلم.
5958 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ». قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلاَّ رَقْمًا فِى ثَوْبٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَهُ بُكَيْرٌ حَدَّثَهُ بُسْرٌ حَدَّثَهُ زَيْدٌ حَدَّثَهُ أَبُو طَلْحَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله بن الأشج بالمعجمة والجيم (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين المدني (عن زيد بن خالد) الجهني الصحابي (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصحبته مشهورة لكن الراوي ذكر ذلك تعظيمًا له وإجلالاً واستلذاذًا وتبركًا أنه (قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن الملائكة) الذين ينزلون بالرحمة (لا تدخل بيتًا فيه الصورة) بالتعريف والإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي صورة بلفظ النكرة والإفراد ولأبي ذر عن الكشميهني صور بلفظ النكرة والجمع.
(قال بسر): أي ابن سعيد الراوي بالسند المذكور (ثم اشتكى) أي مرض (زيد) أي ابن خالد المذكور (فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة) بالإفراد وللكشميهني صور بالجمع قال بسر: (فقلت لعبيد الله) بضم العين ابن الأسود الخولاني بفتح المعجمة وسكون الواو وبالنون (ربيب ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لأنها كانت ربته وكان من مواليها ولم يكن ابن زوجها (ألم يخبرنا زيد عن الصور) بالجمع (يوم الأول) من باب إضافة الموصوف إلى صفته والمراد به الوقت الماضي وللكشميهني يوم أول بإسقاط أبي (فقال عبيد الله) بن الأسود: (ألم تسمعه حين قال إلا رقمًا) أي نقشًا (في ثوب) زاد في رواية عمرو بن الحارث قلت: لا. قال: بلى. قال النووي: يجمع بين الأحاديث بأن المراد استثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجر ونحوها. وقال ابن العربي: حاصل ما في اتخاذ الصورة أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع وإن كانت رقمًا فأربعة أقوال الجواز مطلقًا لظاهر حديث الباب والمنع مطلقًا حتى الرقم والتفصيل فإن

(8/483)


كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس وتفرقت الأجزاء جاز قال وهذا هو الأصح والرابع إن كان مما يمتهن جاز وإن كان معلمًا فلا انتهى. وهذا الإجماع محله في غير لعب البنات.
وهذا الحديث سبق في بدء الخلق وأخرجه مسلم وأبو داود وأخرجه النسائي في الزينة.
(وقال ابن وهب) عبد الله مما سبق موصولاً في بدء الخلق (أخبرنا عمرو) بفتح العين (هو ابن الحارث) أنه (حدّثه بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج أنه (حدّثه بسر) أي ابن سعيد (حدّثه زيد) هو ابن خالد أنه قال: (حدّثه أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).

93 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِى التَّصَاوِيرِ
(باب كراهية الصلاة في التصاوير).
5959 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ
أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ قِرَاَمٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمِيطِى عَنِّى فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِى فِى صَلاَتِى».
وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمينة البصري يقال له صاحب الأديم قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التنوري بفتح الفوقية وتشديد النون المضمومة البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة وفتح الهاء آخره موحدة البناني بضم الموحدة ونونين بينهما ألف البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان قرام) بكسر القاف ستر به نقوش فيها تصاوير (لعائشة سترت به جانب بيتها) وفي حديث عائشة عند مسلم أنها كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي إليها (فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أميطي) بهمزة مفتوحة فميم وطاء مهملة مكسورتين بينهما تحتية ساكنة أزيلي (عني) قرامك (فإنه لا تزال تصاويره) المرقومة فيه (تعرض لي) بفتح الفوقية وكسر الراء أي أنظر إليها وأنا (في صلاتي) فتشغلني، وهذا تشريع وإذا كانت الصور تلهي المصلي وهي مقابله فأولى إذا كان لابسها. واستشكل هذا بحديث عائشة المذكور فيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يدخل البيت الذي فيه الستر المصوّر أصلاً وأجيب: باحتمال أن يكون حديث عائشة كانت التصاوير فيه ذات أرواح وحديث الباب من غيرها.

94 - باب لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (لا تدخل الملائكة) المرسلون بالرحمة المستغفرون للمؤمنين (بيتًا فيه صورة) كصورة الحيوان من آدمي وغيره ما لم تقطع رأسه أو يمتهن، والمعنى فيه أن متخذها قد تشبّه بالكفار لأنهم يتخذون الصور في بيوتهم يعظمونها فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجرًا له لذلك قاله القرطبي.
5960 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَعَدَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلُ فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَقِيَهُ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلاَ كَلْبٌ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى بن سعيد الجعفي أبو سعيد الكوفي نزيل مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب قال: حدّثني) بالإفراد (عمر) بضم العين (هو ابن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر (عن) عم أبيه (سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر أنه (قال: وعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل) رفع على الفاعلية زادت عائشة في روايتها عند مسلم في ساعة يأتيه فيها (فراث) بالمثلثة أي أبطأ (عليه حتى اشتد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في حديث عائشة المذكور وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله، وفي حديث عائشة ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره
فقال: "يا عائشة متى دخل هذا الكلب"؟ فقالت: والله ما دريت فأمر به فأخرج (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته (فلقيه فشكا إليه ما وجد) من إبطائه (فقال له) جبريل: (إنّا) يعني الملائكة (لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا كلب) قال النووي الأظهر أنه عام في كل صورة وكلب وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر لأنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل عليه الصلاة والسلام من دخول البيت وعلله بالجرو انتهى.
وفي السنن من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم والترمذي وابن حبان: أتاني جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فأمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومرّ بالستر فليقطع

(8/484)


فتجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن ومر بالكلب فليخرج، ففعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية النسائي إما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بساطًا يوطأ ففيه ترجيح القول بأن الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول البيت لأجلها هي التي تكون باقية على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة.
وحديث الباب سبق في بدء الخلق.

95 - باب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ
(باب من لم يدخل بيتًا فيه صورة).
5961 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفَتْ فِى وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ قَالَ: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ»؟ فَقَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» وَقَالَ: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي أحد الأعلام (عن مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن نافع عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء وكسرهما وسادة صغيرة (فيها تصاوير فلما رآها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على الباب فلم يدخل فعرفت) عائشة -رضي الله عنها- (في وجهه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الكراهية. قالت): ولأبوي الوقت وذر وقالت (يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت) قال في شرح المشكاة: فيه حسن أدب من الصدّيقة -رضي الله عنها- حيث قدّمت التوبة قبل اطّلاعها على الذنب ونحوه قوله: {تعالى عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم}
[التوبة: 43] فقدم العفو تلطفًا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قدّمت التوبة على عرفان الذنب ومن ثم قالت ماذا أذنبت أي ما اطّلعت على ذنب ومن ثم حسن قوله (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها) بحذف إحدى التاءين (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أصحاب هذه الصور) الذين يصنعونها يضاهون بها خلق الله (يعذبون يوم القيامة ويقال لهم) تبكيتًا لهم (أحيوا) بقطع الهمزة المفتوحة (ما خلقتم) ما صوّرتم والأمر للتعجيز وفي دخول البيت الذي فيه الصورة وجهان الأكثرون على الكراهة. وقال أبو محمد بالتحريم فلو كانت الصورة في ممر الدار لا داخلها كما في ظاهر الحمامات ودهاليزها لا يمتنع الدخول لأن الصورة في الممر ممتهنة، وفي المجلس مكرمة، والحاصل مما سبق كراهة صورة حيوان منقوشة على سقف أو جدار أو وسادة منصوبة أو ستر معلق أو ثوب ملبوس وأنه يجوز ما على أرض وبساط يداس ومخدة يتكأ عليها ومقطوع الرأس وصورة شجر والفرق أن ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل والمنصوب مرتفع يشبه الأصنام وأنه يحرم تصوير حيوان على الحيطان والسقوف والأرض ونسج الثياب. (وقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة) فمن اتخذها عوقب بحرمان دخول الملائكة بيته وصلاتها عليه واستغفارها له.

96 - باب مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ
(باب من لعن المصوّر) بكسر الواو المشددة الذي يصنع الصورة يضاهي بها خلق الله.
5962 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اشْتَرَى غُلاَمًا حَجَّامًا فَقَالَ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِىِّ وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْمُصَوِّرَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر غندر) وثبت محمد بن جعفر لأبي ذر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون بن أبي جحيفة) السوائي بضم السين المهملة الكوفي (عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله (أنه اشترى غلانًا حجامًا) لم يسم زاد في باب ثمن الكلب من كتاب البيع فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك (فقال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) أمته (عن) تناول (ثمن الدم و) عن تناول (ثمن الكلب) وسماه ثمنًا باعتبار الصورة وهذا لا خلاف فيه عند الشافعية وأما حكاية القمولي في الجواهر وجهًا في بيع الكلب المقتنى فغريب (و) عن (كسب البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية ووزنه فعول لأن أصله بغوي، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت في التي تليها ولا يجوز عندهم على فعيل لأن فعيلاً بمعنى فاعل يكون بالهاء في المؤنث كرحيمة وكريمة وإنما يكون بغيرها إذا كان بمعنى مفعول كامرأة جريج وقتيل يقال بغَت المرأة تبغي بغيًا إذا زنت،
وزاد في رواية وحلوان الكاهن وقوله: نهى عن ثمن الكلب خبر إن وما بعده معطوف عليه وهل هو من باب عطف المفردات أو من باب عطف الجمل

(8/485)


الأكثرون على أنه من باب عطف المفردات فيكون كسب معطوفًا على ثمن وحلوان معطوفًا عليه وإن كان من عطف الجمل يكون التقدير نهى عن ثمن الدم، ونهى عن ثمن الكلب، ونهى عن كسب البغي، ونهى عن حلوان الكاهن، وعلى هذا الخلاف ينبني حكم العمل هل هو فيها كلها للعامل الأوّل أو لكل واحد من المعطوفات عامل يفسره الأول والتقدير نهى أمته عن كذا فالمفعول محذوف وحرف الجر يتعلق بنهي (ولعن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آكل الربا) آخذه (وموكله) مطعمه لأنه يعين على أكل الحرام فهو شريك في الإثم كما أنه شريك في الفعل (والواشمة والمستوشمة) لأن ذلك من عمل الجاهلية وفيه تغيير لخلق الله (والصور) للحيوان.
وهذا الحديث سبق في البيع في باب ثمن الكلب.

97 - باب مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ
هذا (باب) بالتنوين (من صور صورة) حيوانية (كلف) بضم الكاف وتشديد اللام المكسورة (يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافع).
5963 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَلاَ يَذْكُرُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سُئِلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِى الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ».
وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بالتحتية المشددة والشين المعجمة آخره الرقام قال: (حدّثنا عبد الأعلى) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (قال: سمعت النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة (ابن أنس بن مالك يحدّث قتادة) بن دعامة. قال في فتح الباري: كان سعيد بن أبي عروبة كثير الملازمة لقتادة فاتفق أن قتادة والنضر اجتمعا فحدّث النضر قتادة فسمعه سعيد وهو معه وقع في رواية المستملي وغيره يحدّثه قتادة والضمير للحديث وقتادة نصب على المفعولية والفاعل النضر (قال) النضر (كنت عند ابن عباس) -رضي الله عنهما- (وهم يسألونه) أي يستفتونه وهو يجيبهم عما يستفتونه (ولا يذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما يجيبهم أي لا يذكر الدليل من السُّنّة (حتى سئل) أي يذكر ما سئل عنه نعم في مسلم عن النضر بن أنس بن مالك قال: كنت جالسًا عند ابن عباس فجعل يفتي ولا يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سأله رجل فقال: إني رجل أصوّر هذه الصور فقال له ابن عباس أدنه فدنا الرجل (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما-: (سمعت
محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: مَن صوّر صورة) ذات روح (في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ) أبدًا فهو معذب دائمًا لأنه جعل غاية عذابه إلى أن ينفخ في تلك الصورة الروح وأخبر أنه ليس بنافخ فيها وهذا يقتضي تخليده في النار، وهذا في حق الذي يكفر بالتصوير أما في غيره وهو العاصي يفعل ذلك غير مستحل له ولا قاصد أن يعبد فيعذب عذابًا يستحقه ثم يخلص منه، وحينئذٍ يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد إلا أن حمله على ما ذكر أولى ولا تنافي بين قوله هنا كلف أن ينفخ وبين قوله إن الآخرة ليست دار تكليف، فإن المراد بالنفي في الثاني أنها ليست دار تكليف عمل يترتب عليه ثواب أو عقاب فأما مثل هذا التكليف فليس بممتنع لأنه نفسه عذاب نسأل الله العافية.

98 - باب الاِرْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ
(باب) جواز (الارتداف) وهو أن يركب الراكب شخصًا خلفه (على الدابة).
5964 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو صفوان) عن عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب على حمار على إكاف) بهمزة مكسورة وتخفيف الكاف وبعد الألف فاء برذعة (عليه قطيفة) كساء له خمل (فدكية) بقتح الفاء والدال المهملة وكسر الكاف وتشديد التحتية المفتوحة صفة قطيفة نسبة إلى فدك قرية بخيبر (وأردف أسامة) بن زيد بن الحارث (وراءه) ولم يظهر لي وجه دخول هذا الباب وما بعده بكتاب اللباس، لكن قال في الكواكب: الغرض منه الجلوس على لباس الدابة وإن تعدّد أشخاص الراكبين عليها، والتصريح بلفظ القطيفة

(8/486)


مُشعِر بذلك كما قال فليتأمل.
والحديث سبق طويلاً في العلم والله الموفق.

99 - باب الثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
(باب) جواز ركوب الأشخاص (الثلاثة على الدابة) الواحدة.
5965 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ
وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالآخَرَ خَلْفَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء تصغير زرع أبو معاوية البصر قال: (حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) في الفتح (استقبله أغيلمة بني عبد المطلب) بضم الهمزة وفتح المعجمة وسكون التحتية وكسر اللام بعدها ميم مفتوحة فهاء تأنيث جمع غلام على غير قياس والقياس غليمة. وقال السفاقسي: كأنهم صغّروا أغلمة على القياس، وإن كانوا لم ينطقوا بأغلمة قال ونظيره أصبية وأضافهم لعبد المطلب لأنهم من ذريته (فحمل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واحدًا) منهم (بين يديه وآخر خلفه) هما الفضل وقثم ابنا العباس بن عبد المطلب كما عند المؤلّف في الباب الآتي لكنه تردد في أيهما كان قدّامه وكان حينئذٍ راكبًا على ناقته كما رواه الطبري في رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس.
وأما الأحاديث المذكور فيها النهي عن ركوب الثلاثة على الدابة فتكلم في سندها، ولئن سلمنا الاحتجاج بها فيجمع بأن ما ورد فيه النهي محمول على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة. قال النووي: مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة. وقال الدميري: وأفاد الحافظ ابن منده أن الذين أردفهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثة وثلاثون نفسًا ولم يذكر منهم عقبة بن عامر الجهني ولم يذكر أحد من علماء الحديث والسِّيَر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أردفه.
والحديث مضى في الحج في باب استقبال الحاج القادمين.

100 - باب حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ
(باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه. وقال بعضهم): هو عامر الشعبي فيما أخرجه ابن أبي شيبة عنه (صاحب الدابة أحق بصدر الدابة إلا أن يأذن له). وقد رواه على شرط البخاري، وله شاهد من حديث النعمان بن بشير عند الطبراني، وهذا التعليق ثبت في رواية المستملي زاد في الفتح والنسفيّ.
وبه قال:
5966 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: ذُكِرَ الأَشَرُّ الثَّلاَثَةُ عِنْدَ عِكْرِمَةَ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ، أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ؟.
(حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بموحدة ومعجمة مشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا
عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني قال: (ذكر) بضم المعجمة وكسر الكاف (الأشرّ الثلاثة) على الدابة (عند عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقوله الأشر بالتعريف مع الإضافة وحكمه حكم الحسن الوجه والضارب الرجل، وفي الفرع التضبيب عليها، ولأبي ذر عن الكشميهني: أشر بإثبات الهمزة وحذف اللام وهي لغة فصيحة كما في حديث عبد الله بن سلام أخيرنا وابن أخيرنا وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي شر وهي المشهور والمراد بلفظ الأشر الشر لأن أفعل التفضيل لا يستعمل على هذه الصورة إلا نادرًا (فقال) عكرمة (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أتى) أي جاء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة في الفتح (وقد حمل قثم) بضم القاف وفتح المثلثة بعدها ميم ابن العباس (بين يديه و) أخاه (الفضل وخلفه أو) حمل (قثم خلفه والفضل بين يديه) على ناقته. قال عكرمة: يردّ على من ذكر شر الثلاثة (فأيهم شر أو أيّهم خير) بالشك من الراوي، ولأبي ذر: أشر أو أخير بزيادة همزة فيهما وحاصل المعنى أنهم ذكروا عند عكرمة أن ركوب الثلاثة على الدابة شر وظلم وأن المقدم شر أو المؤخر، فأنكر عكرمة ذلك مستدلاً بفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ لا يجوز نسبة الظلم إلى أحدهما لأنهما ركبا بحمله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إياهما.
والحديث من أفراده.

101 - باب إِرْدَافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ
(باب) جواز (إرداف الرجل خلف الرجل) على الدابة وثبت قوله إرداف الخ لأبي ذر.
5967 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلاَّ آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ»؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا». ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ»؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون المهملة وفتح الموحدة ابن الأسود القيسي البصري ويقال له هداب قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم الأولى وفتح الهاء ابن يحيى البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن

(8/487)


معاذ بن جبل -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينا) بغير ميم (أنا رديف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الردف والرديف الراكب خلف الراكب بإذنه وردف كل شيء مؤخره، وأصله من الركوب على الردف وهو العجز، ولذا قيل
للراكب الأصلي ركب صدر الدابة وردفت الرجل إذا ركبت وراءه وأردفته إذا أركبته وراءك (ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل) بفتح الهمزة الممدودة وكسر الخاء المعجمة وفتح الراء وهي التي يستند إليها الراكب والرحل بسكون الحاء المهملة أصغر من القتب، ومراده المبالغة في شدة قربه إليه ليكون أوقع في نفس السامع فيضبط (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يا معاذ) زاد أبو ذر عن المستملي ابن جبل (قلت: لبيك رسول الله) وللكشميهني: يا رسول الله (وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله) وللكشميهني: يا رسول الله (وسعديك ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله) وللكشميهني يا رسول الله (وسعديك) التكرير لتأكيد الاهتمام بما يخبره به (قال: "هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل) سقط ابن جبل لأبي ذر (قلت: لبيك يا رسول الله) وللكشميهني يا رسول الله (وسعديك. قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه) أي حق الله تعالى وقوله حق العباد على الله هو من باب المشاكلة وهو نوع من أنواع البديع الذي يحسن به الكلام، أو المراد به أنه حق شرعي لا واجب بالعقل كما تقول المعتزلة وكأنه لما وعد به ووعده الصدق صار حقًّا من هذه الجهة (قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق العباد على الله) المفسر بما مر (أن لا يعذبهم).
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الرقاق والاستئذان، ومسلم في الإيمان، والنسائي في اليوم والليلة.

102 - باب إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ
(باب) جواز (إرداف المرأة خلف الرجل) على الدابة.
5968 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ وَإِنِّى لَرَدِيفُ أَبِى طَلْحَةَ وَهْوَ يَسِيرُ، وَبَعْضُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ عَثَرَتِ النَّاقَةُ فَقُلْتُ الْمَرْأَةَ، فَنَزَلْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهَا أُمُّكُمْ» فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا دَنَا أَوْ رَأَى الْمَدِينَةَ قَالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ».
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد بن صباح) بالصاد المهملة المفتوحة والموحدة المشدّدة آخرها حاء مهملة ولأبي ذر الصباح بالتعريف البغدادي (قال: حدّثنا يحيى بن عباد) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة الضبعي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني يحيى بن أبي إسحاق)
النحوي الحضرمي (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قبلنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خيبر وإني لرديف أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (وهو يسير وبعض نساء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي صفية بنت حيي أم المؤمنين (رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ عثرت الناقة) التي عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفية (فقلت: المرأة) بالنصب أي احفظ المرأة ويجوز الرفع أي فقلت وقعت المرأة (فنزلت) بسكون اللام وضم الفوقية بلفظ المتكلم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنها) أي صفية (أمكم) ليذكرهم أنها واجبة التعظيم (فشددت الرحل) وظاهره أن الذي قال ذلك وفعله أنس، لكن مرّ في أواخر الجهاد من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق أن الذي فعل ذلك أبو طلحة وأن الذي قال المرأة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية أخرى عن يحيى بن أبي إسحاق نحو ذلك. قال في الفتح: وهو المعتمد فإن القصة واحدة. ومخرج الحديث واحد واتفاق اثنين أولى من انفراد واحد، لا سيما أن أنسًا كان إذ ذاك يصغر عن تعاطي ذلك الأمر، ولكن لا يمتنع أن يساعد أبا طلحة أنس على ذلك فيمتنع الإشكال (وركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما دنا) أي قرب (أو رأى) بالشك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ورأى (المدينة قال: آيبون) أي راجعون (تائبون عابدون لربنا حامدون) يحتمل أن يتعلق قوله لربنا بسابقه ولاحقه.

103 - باب الاِسْتِلْقَاءِ، وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الأُخْرَى
(باب الاستلقاء) على القفا (ووضع الرِّجل على الأخرى).
5969 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْطَجِعُ فِى الْمَسْجِدِ رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبة إلى جده وإلاّ فاسم أبيه عبد الله الكوفي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عباد

(8/488)


بن تميم) المازني الأنصاري المدني (عن عمه) عبد الله بن زيد الأنصاري (أنه أبصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضطجع) ولأبي ذر عن الكشميهني: مضطجعًا (في المسجد رافعًا إحدى رجليه على الأخرى) زاد الإسماعيلي في آخر الحديث: وأن أبا بكر كان يفعل ذلك وعمر وعثمان، وتمسك بذلك جماعة وخالفهم آخرون فقالوا بالكراهة محتجين بحديث جابر عند مسلم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلقٍ على قفاه.
وأجيب: بأنه منسوخ بفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفع الخلفاء الثلاثة، ولا يجوز أن يخفى عليهم النسخ ودلالة الاستلقاء المترجم له من الحديث من جهة أن رفع إحدى الرِّجلين على الأخرى لا يتأتى إلا عند الاستلقاء، وستكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته إلى مباحث هذا الحديث في الاستئذان.
وأما وجه دخول هذه الترجمة في اللباس فمن حيث إن الذي يفعل الاستلقاء لا يأمن الانكشاف لا سيما والاستلقاء يستدعي النوم والنائم لا يتحفظ فكأنه أشار إلى أن من فعل ذلك ينبغي له أن يتحفّظ لئلا ينكشف كذا قاله في الفتح وفي الكرماني نحوه.
وهذا الحديث مرّ في باب الاستلقاء في المسجد من كتاب الصلاة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والله الموفِّق، وهذا آخر كتاب اللباس تمّ.

(8/489)