شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
78 - كتاب الأدب
(بسم الله الرحمن الرحيم) قال في فتح الباري حذف بعضهم
البسملة.
وهو الأخذ بمكارم الأخلاق أو استعمال ما يحمد قولاً وفعلاً
أو هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك أو الوقوف مع
المستحسنات.
1 - باب البِرِّ وَالصِّلَةِ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت: 8]
(باب البر) للوالدين والأقربين وغيرهم (والصلة) للأرحام.
قال القرطبي: الرحم اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين
المحرم وغيره، وأجمعوا على أن صلة الرحم واجبة في الجملة
وأن قطيعتها معصية كبيرة، وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض
وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف
ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب، ولو
لم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا ولو قصر عما يقدر عليه.
والبر عمل كل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة وحذف بعضهم لفظ
البر والصلة، وفي الفرع كشط بعد قوله باب وكتب بعده
({ووصينا الإنسان بوالديه}) [العنكبوت: 8] وزاد في بعض
النسخ {حسنًا} والمراد آية العنكبوت، والذي في اليونينية:
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأدب باب قول الله تعالى:
{ووصينا الإنسان بوالديه} ولأبي ذر والأصيلي زيادة {حسنًا}
ووصى حكمه حكم أمر في معناه وتصرفه. يقال: وصيت زيدًا بأن
يفعل خيرًا كما تقول: أمرته بأن يفعل، ومنه قوله تعالى:
{ووصى بها إبراهيم بنيه} [البقرة: 32] أي وصاهم بكلمة
التوحيد وأمرهم بها، وكذلك معنى قوله: {ووصينا الإنسان
بوالديه حسنًا} وصيناه بإيتاء والديه حسنًا أو بإيلاء
والديه حسنًا أي فعلاً ذا حسن أو ما هو في ذاته حسن لفرط
حسنه، ويجوز أن تجعل حسنًا من باب قولك: زيدًا بإضمار اضرب
إذا رأيته متهيئًا للضرب فتنصبه بإضمار أولهما، أو الفعل
بهما
لأن التوصية بهما دالة عليه وما بعده مطابق له كأنه قال:
أولهما معروفًا ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه.
(9/2)
5970 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَيْزَارٍ:
أَخْبَرَنِى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو
الشَّيْبَانِىَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا صَاحِبُ هَذِهِ
الدَّارِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ:
ثُمَّ أَىُّ: قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ:
ثُمَّ أَىّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ»
قَالَ: حَدَّثَنِى بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ
لَزَادَنِى.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
الحافظ (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام
العتكي (قال الوليد بن عيزار) وللأصيلي العيزار بفتح العين
المهملة وسكون التحتية وفتح الزاي وبعد الألف راء ابن حريث
العبدي (أخبرني) بالإفراد وهو من تقديم اسم الراوي على
الصيغة وهو جائز، وكان شعبة يستعمله كثيرًا وليس في نسخة
الفرع لفظ أخبرني وهو ثابت في أصله (قال: سمعت أبا عمرو)
بفتح العين سعد بن إياس (الشيباني) بفتح المعجمة بعدها
تحتية ساكنة فموحدة فألف فنون فياء نسبة (يقول: أخبرنا
صاحب هذه الدار وأومأ) بهمز في اليونينية أي أشار (بيده
إلى دار عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال: سألت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي العمل أحب
إلى الله عز وجل)؟ مبتدأ وخبر والموضع معمول القول مقدرًا
أي فقلت أي العمل وأحب أفعل تفضيل (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الصلاة على وقتها) (قال): عبد الله ثم قلت: يا رسول الله
(ثم أي)؟ ولم يضبط في الفرع كأصله الياء وكتب فوقها في
الفرع كذا. قال الفاكهاني: الصواب عدم تنوينه لأنه موقوف
عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف
عليه إجماعًا فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه وقفة
لطيفة، ثم يؤتى بما بعده (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (ثم بر الوالدين) بالإحسان إليهما وفعل الجميل
معهما وفعل ما يسرهما ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما كما
في الصحيحين، وقال سفيان بن عيينة في قوله تعال: {أن اشكر
لي ولوالديك} [لقمان: 14] من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر
الله، ومن دعا لوالديه عقب الصلوات فقد شكر لهما، وسقط
قوله: "ثم" لأبي ذر (قال) عبد الله قلت (ثم أي؟ قال):
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الجهاد في سبيل
الله) عز وجل.
(قال) عبد الله (حدثني) بالإفراد (بهن) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب
وفيه تقرير وتأكيد لما سبق وأنه باشر السؤال وسمع الجواب
(ولو استزدته) من هذا النوع وهو أفضل مراتب الأعمال أو من
مطلق المسائل المحتاج إليها (لزادني). ووقع في باب الإيمان
أوّل الكتاب أن إطعام الطعام خير الأعمال.
واستشكل مع قوله هنا الصلاة على وقتها. وأجيب: بأن الجواب
اختلف باختلاف أحوال
السائلين فأعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بمالهم فيه
رغبة أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات
بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره فقد كان
الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه وسيلة إلى
القيام بها والتمكن من أدائها، وقد تضافرت النصوص على أن
الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر
تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها، بل المراد
بها الفضل المطلق، فالمراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي
مرادة والمراد الأعمال البدنية، فلا تعارض بين ذلك وبين
حديث أبي هريرة: أفضل الأعمال إيمان بالله.
وهذا الحديث سبق في الصلاة.
2 - باب مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ
هذا (باب) بالتنوين (من أحق الناس بحسن الصحبة).
5971 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ
شُبْرُمَةَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -
رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى؟ قَالَ:
«أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ:
ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:
«ثُمَّ أَبُوكَ». وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَيَحْيَى بْنُ
أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ .. مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) ولأبي ذر: حذف ابن سعيد
قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة بن
القعقاع بن شبرمة) بضم الشين المعجمة وسكون الموحدة وضم
الراء وفتح الميم ابن أخي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي،
وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي: وابن شبرمة بزيادة
واو. قال في الفتح: والصواب حذفها فإن رواية ابن شبرمة قد
علقها المصنف عقب رواية عمارة (عن أبي زرعة) هرم (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء رجل) قيل هو معاوية
بن حيدة (إلى رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: إلى النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله
من أحق بحسن صحابتي)؟ بفتح الصاد مصدر كالصحبة بمعنى
المصاحبة ولأبي ذر من أحق الناس بحسن صحابتي (قال):
أحق الناس بحسن صحابتك (أمك) (قال) الرجل يا رسول الله (ثم
من؟ قال: أمك) ولأبي ذر قال: ثم أمك (قال) يا رسول الله
(9/3)
(ثم من؟ قال: أمك) ولأبي ذر قال: ثم أمك
كرر الأم ثلاثًا لمزيد حقها (قال) الرجل: (ثم من؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرابعة (ثم أبوك)
وفي تكرير ذكر الأم ثلاثًا إشارة إلى أن الأم تستحق على
ولدها النصيب الأوفر من البر بل مقتضاه كما قال ابن بطال:
أن يكون لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لصعوبة الحمل ثم
الوضع ثم الرضاع، والذي ذهب إليه الشافعية أن برهما يكون
سواء.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب وابن ماجة في الوصايا.
(وقال ابن شبرمة) عبد الله قاضي الكوفة عم عمارة فيما وصله
مسلم (ويحيى بن أيوب) حفيد أبي زرعة مما وصله المؤلّف في
الأدب المفرد وأحمد قالا: (حدّثنا أبو زرعة) بن عمرو بن
جرير (مثله) أي مثل الحديث السابق.
3 - باب لاَ يُجَاهِدُ إِلاَّ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (لا يجاهد) بفتح الهاء في الفرع وفوقها
علامة الأصيلي وبكسرها لأبي ذر (إلا بإذن الأبوين).
5972 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ
سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ ح قَالَ:
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الْعَبَّاسِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ
لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لَكَ أَبَوَانِ»؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بمهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد بكسر العين المهملة (عن سفيان) الثوري
(وشعبة) بن الحجاج (قالا: حدّثنا حبيب) بفتح الحاء المهملة
وكسر الموحدة الأولى ابن أبي ثابت (ح) مهملة للتحويل.
(قال) المؤلّف (وحدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي
لم يصب من ضعفه قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن حبيب) هو
ابن أبي ثابت (عن أبي العباس) بالمهملتين والموحدة السائب
الشاعر المكي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاصي -رضي الله
عنهما- أنه (قال: قال رجل) أي يسم، ويحتمل أن يكون جاهمة
بن العباس (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أجاهد)؟ بضم الهمزة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- له:
(ألك أبوان) أي يسميا (قال: نعم قال) عليه الصلاة والسلام:
إن كان لك أبوان (ففيهما فجاهد) أي ارجع فابلغ جهدك في
برهما والإحسان إليهما فإن ذلك يكون لك مقام قتال الكفار.
وهذا الحديث قد سبق في باب الجهاد بإذن الأبوين من كتاب
الجهاد.
4 - باب لاَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ
هذا (باب) بالتنوين (لا يسب الرجل والديه) ولا أحدهما أي
لا يكون سببًا لذلك فالإسناد مجازي.
5973 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمَيْدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ
أَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ
وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ،
فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أَمَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس الكوفي ونسبه لجده قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن
أبيه) سعد بن عبد الرحمن بن عوف (عن حميد بن عبد الرحمن)
بن عوف (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي (-رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إن من أكبر الكبائر) وللترمذي: من الكبائر والأولى تقتضي
أن الكبائر متفاوتة بعضها أكبر من بعض، وإليه ذهب الجمهور،
وإنما كان السب من أكبر الكبائر لأنه نوع من العقوق وهو
إساءة في مقابلة إحسان الوالدين وكفران لحقوقهما (أن يلعن
الرجل والديه) ترجم بلفظ السب وساقه بلفظ اللعن إشارة إلى
ما وقع في بقية الحديث (قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل
والديه)؟ هو استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم يأبى
ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام (يسب الرجل) سقط لفظ الرجل
للأصيلي ولأبي الوقت (أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه) زاد
أبو ذر والأصيلي وأبو الوقت فيسب أمه فبين أنه وإن لم
يتعاط السب بنفسه فقد يقع منه التسبب، فإذا كان التسبب في
لعن الوالدين من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنهما أشد.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب
والترمذي في البر.
5 - باب إِجَابَةِ دُعَاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ
(باب إجابة دعاء من بر والديه).
5974 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ،
قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ
يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى
غَارٍ فِى الْجَبَلِ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ
صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا
لِلَّهِ صَالِحَةً فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ
يَفْرُجُهَا فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ
لِى وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِى صِبْيَةٌ
صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ
عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَىَّ أَسْقِيهِمَا
قَبْلَ وَلَدِى وَإِنَّهُ نَأَى بِىَ الشَّجَرُ فَمَا
أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا
فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ،
فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا
مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ
قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ
قَدَمَىَّ فَلَمْ يَزَلْ دَأْبِى وَدَأْبَهُمْ حَتَّى
طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ
ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً
نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ
فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ، وَقَالَ
الثَّانِى: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِى ابْنَةُ عَمٍّ
أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ،
فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا
بِمِائَةِ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ
دِينَارٍ فَلَقِيتُهَا بِهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ
رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ
وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ
فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ
ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا، فَفَرَجَ
لَهُمْ فُرْجَةً وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّى
كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا
قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِى حَقِّى فَعَرَضْتُ
عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ
أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا
وَرَاعِيَهَا فَجَاءَنِى فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ
تَظْلِمْنِى وَأَعْطِنِى حَقِّى، فَقُلْتُ، اذْهَبْ إِلَى
ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ
وَلاَ تَهْزَأْ بِى فَقُلْتُ: إِنِّى لاَ أَهْزَأُ بِكَ،
فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا فَأَخَذَهُ
فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى
فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِىَ
فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن سالم بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري
قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) الأسدي مولاهم
أبو إسحاق المدني الثقة تكلم فيه بلا حجة (قال: أخبرني)
بالإفراد ولأبي ذر أخبرنا (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر
-رضي الله عنهما- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(بينما) بالميم (ثلاثة نفر) ممن كان قبلكم (يتماشون أخذهم
المطر فمالوا) وللأصيلي فأووا (إلى غار في الجبل) وللأصيلي
في جبل
(9/4)
(فانحطت) بالحاء والطاء المشددة المهملتين
(على فم غارهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: على باب غارهم
(صخرة من الجبل فأطبقت) بهمزة قطع مفتوحة، ولأبي ذر عن
الكشميهني: فتطابقت (عليهم) من أطبقت الشيء إذا غطيته
(فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة) أي
خالصة لوجهه لا رياء فيها ولا سمعة كما يدل عليه قوله بعد
ابتغاء وجهك (فادعوا الله بها لعله يفرجها) بفتح أوله
وسكون الفاء وضم الراء كذا في الفرع مصلحة على كشط لفتحة
أوله وقال العيني: بكسر الراء قال، وقال ابن التين وكذا
قرأناه.
(فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي
صبية صغار) بكسر الصاد جمع صبي (كنت أرعى عليهم) ضمن أرعى
معنى الإنفاق وعداه بعلى أي أنفق عليهم راعيًا الغنيمات
(فإذا رحت عليهم) أي إذا رددت الماشية من المرعى إلى موضع
مبيتها فضمن رحت معنى رددت (فحلبت) عطف على رحت وجواب فإذا
قوله (بدأت بوالدي) بفتح الدال على التثنية حال كوني
(أسقيهما) أو أسقيهما استئناف بيان للعلة (قبل ولدي) بكسر
الدال وتخفيف التحتية (وأنه نأى) بتقديم النون على الهمزة
أي بعد (بي الشجر) التي ترعاه المواشي والشجر بالشين
المعجمة والجيم، ولأبي ذر عن المستملي السحر بالسين والحاء
المهملتين قال في الفتح: والأول أولى فإن في الخبر أنه رجع
بعد أن ناما فأقام ينتظر استيقاظهما إلى الصباح حتى انتبها
من قبل أنفسهما وزاد المستملي يومًا (فما أتيت) من المرعى
(حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت) بفتح اللام (كما كنت
أحلب) بضم اللام (فجئت بالحلاب) بكسر الحاء المهملة أي
الإناء الذي يحلب فيه أو باللبن
المحلوب (فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما) بضم الهمزة
(من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية) في السقي (قبلهما
والصبية يتضاغون) بالضاد والغين المعجمتين المفتوحتين
بينهما ألف وبعد الواو الساكنة نون يضجون ويصيحون من الجوع
(عند قدمي) بلفظ التثنية، ولعل كان في شريعتهم تقديم نفقة
الأصول على الفروع (فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم) أي دأب
الوالدين والصبية (حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت
ذلك ابتغاء وجهك فافرج) بضم الراء (لنا) في هذه الصخرة
(فرجة) بضم الفاء وسكون الراء (نرى منها السماء ففرج الله)
عز وجل بتخفيف الراء من ففرج الله (لهم فرجة حتى يرون منها
السماء) بإثبات النون لأبي ذر عن الحموي والمستملي وبحذفها
له عن الكشميهني وسقط للأصيلى لفظ فرجة.
(وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم) ولأبي ذر بنت عم
(أحبها) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة (كأشد ما يحب
الرجال النساء) ولأبي ذر عن الكشميهني: الرجل بالإفراد
وأشد صفة مصدر محذوف وما مصدرية أي أحبها حبًّا مثل أشد حب
الرجال النساء (فطلبت إليها نفسها) قال في النهاية: يقال
طلب إليّ فلان فأطلبته أي أسعفته بما طلب والطلبة الحاجة
والاطلاب إنجازها، وقال في شرح المشكاة: يجوز أن يضمن فيه
معنى الإرسال أي أرسلت إليها طالبًا نفسها (فأبت) أي
فامتنعت (حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار
فلقيتها بها) بكسر القاف أي فلقيت ابنة عمي بالمائة دينار
(فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا
تفتح الخاتم) كناية عن البكارة (إلاّ بحقه فقمت عنها) وهي
أحب الناس إليّ (اللهم فإن) قال في شرح المشكاة: عطف على
مقدر أي اللهم فعلت ذلك فإن (كنت تعلم أني قد فعلت ذلك
ابتغاء وجهك) وسقط قد للأصيلي وأبي ذر (فافرج لنا منها) من
الصخرة فرجة (ففرج) الله (لهم فرجة). ويجوز أن تكون اللهم
مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه لتأكيد الابتهال والتضرع
إلى الله تعالى فلا يقدّر معطوف عليه، ويدل عليه القرينة
السابقة واللاحقة، وإنما كرر اللهم في هذه القرينة دون
أختيها لأن هذا المقام أصعب المقامات وأشقها فإنه ردع لهوى
النفس خوفًا من الله تعالى ومقامه قال تعالى: {وأما
(9/5)
من خاف مقام ربهِ ونهى النفس عن الهوى فإن
الجنة هي المأوى} [النازعات: 40] قال الشيخ أبو حامد: شهوة
الفرج أغلب الشهوات على الإنسان وأعصاها عند الهيجان على
العقل، فمن ترك الزنا خوفًا من الله مع القدرة وارتفاع
الموانع وتيسر الأسباب لا سيما عند صدق الشهوة نال درجة
الصديقين.
(وقال الأخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا) واحدًا (بفرق
أرز) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي والفرق بفتح
الراء مكيال يسع ستة عشر رطلاً وهي اثنا عشر مدًّا وثلاثة
آصع عند أهل الحجاز (فلما قضى عمله قال: أعطني حقي) بقطع
الهمزة (فعرضت عليه حقه فتركه ورغب عنه فلم أزل أزرعه حتى
جمعت منه بقرًا وراعيها فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني
واعطني حقي) بفتح الهمزة (فقلت: اذهب إلى ذلك البقر)
بالتذكير وللأصيلي وأبي ذر إلى تلك البقر اسم جمع يجوز
تذكيره وتأنيثه (وراعيها فقال: اتق الله ولا تهزأ بي)
بهمزة ساكنة مجزومًا على النهي (فقلت: إني لا أهزأ بك
فخذ ذلك) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: تلك (البقر
وراعيها فأخذه فانطلق فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء
وجهك فافرج) لنا (ما بقي) من هذه الصخرة (ففرج الله) عز
وجل (عنهم) وسقط من قوله وقال الثاني إلى آخره لأبي ذر عن
الحموي، وقال بعد قوله: يرون منها السماء، وقص الحديث
بطوله.
وهذا الحديث سبق في باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه
من كتاب البيوع.
6 - باب عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ قالَهُ
ابْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (عقوق الوالدين) وهو إيذاؤهما
بأيّ نوع كان من أنواع الأذى قل أو كثر نهيا عنه أو لم
ينهيا عنه أو مخالفتهما فيما يأمران أو ينهيان بشرط انتفاء
المعصية في الكل (من الكبائر قاله) عبد الله (بن عمرو)
بفتح العين في الفرع وعزاه في الفتح للأصيلي أي عبد الله
بن عمرو بن العاصي ولأبي ذر كما قال الحافظ ابن حجر: عمر
بضم العين. قال: وبالفتح لأبي ذر وفي بعض النسخ وهو
المحفوظ، ووصله المؤلّف في الأيمان والنذور من رواية
الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بلفظ: "الكبائر الإشراك
بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس".
5975 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ
وَرَّادٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ
حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعَ
وَهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ
وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ».
وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) أبو محمد الطلحي من ولد طلحة
بن عبيد الله القرشي التيمي، وقيل هو مولى آل طلحة بن عبيد
الله هو الكوفي الضخم، وسعد بسكون العين وفي الفرع بكسرها
بعدها تحتية ولعله سبق قلم من ناسخه إذ ليس في مشايخ
المؤلّف من اسمه سعيد بن حفص بالتحتية بعد الكسر. نعم سعيد
بن حفص بالتحتية النفيلي بالنون والفاء مصغرًا أو عمرو
الحراني يروي عن زهير ومعقل بن عبيد الله، وروى عنه بقي بن
مخلد والحسن بن سفيان وهو صدوق، لكن اختلط في آخر عمره لم
يرو عنه أحد من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي فيما أعلم
قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية
بعدها موحدة فألف فنون ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب
التيمي مولاهم البصري أبو معاوية ولم يرو سعد بن حفص في
البخاري عن غيره (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن المسيب)
بفتح التحتية المشددة ابن رافع الكاهلي (عن ورّاد) بفتح
الواو والراء المشددة كاتب المغيرة ومولاه (عن المغيرة)
وللأصيلي زيادة ابن شعبة -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن الله) عز وجل (حرّم عليكم عقوق الأمهات) بضم العين
المهملة من العق وهو القطع والشق فهو شق عصا الطاعة
للوالدين وذكر الأمهات اكتفاء بذكرهن عن الآباء أو لأن
عقوقهن فيه
مزية في القبح أو لعجزهن غالبًا (ومنع) ما عليكم إعطاؤه،
ولأبي ذر والأصيلي: ومنعا وفي بعضها بدون ألف بالتنوين على
اللغة الربيعية (وهات) بكسر آخره فعل أمر من الإيتاء
والأصل آت فقلبت الهمزة هاء أي: وحرّم عليكم طلب ما ليس
لكم أخذه (و) حرم عليكم (وأد البنات) بفتح الواو وسكون
الهمزة دفنهن في القبر إحياء لما فيه من قطع النسل الذي هو
موجب خراب العالم.
قيل: وأول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي (وكره) تعالى
(لكم قيل وقال) وهو ما يكون
(9/6)
من فضول المجالس مما يتحدث به فيها كقيل
كذا وكذا مما لا يصح ولا تعلم حقيقته وربما جرّ إلى غيبة
أو نميمة أما من قال: ما يصح وعرف حقيقته وأسنده إلى ثقة
صدوق ولم يجر إلى منهي عنه فلا وجه لذمه، ولأبي ذر عن
الكشميهني قيلاً وقالاً بالتنوين فيهما، والأشهر عدمه
فيهما، وقول الجوهري أنهما اسمان مستدلاً بأنه يقال كثير
القيل والقال بدخول الألف واللام عليهما متعقب بقول ابن
دقيق العيد: لو كانا اسمين بمعنى واحد كالقول لم يكن لعطف
أحدهما على الآخر فائدة. وقال في التنقيح: المشهور عند أهل
اللغة فيهما أنهما اسمان معربان ويدخلهما الألف واللام
والمشهور في هذا الحديث بناؤهما على الفتح على أنهما فعلان
ماضيان، فعلى هذا يكون التقدير ونهى عن قول وقيل وقال
وفيهما ضمير فاعل مستتر، ولو روي بالتنوين لجاز، قال في
المصابيح: لا حاجة إلى ادعاء استتار ضمير فيهما بل هما
فعلان ماضيان على رأي ابن مالك في جواز جريان الإسناد إلى
الكلمة في أنواعها الثلاثة نحو زيد ثلاثي وضرب فعل ماض ومن
حرف جر ولا شك أنهما مسند إليهما في التقدير إذ المعنى قيل
وقال كرههما عليه الصلاة والسلام أو اسمان عند الجمهور
والفتح على الحكاية وينكرون أن يكون غير الاسم مسندًا إليه
كما هو مقرر في محله اهـ.
(و) كره تعالى لكم (كثرة السؤال) له -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المسائل التي لا حاجة إليها كما
قال تعالى:
{لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] أو
المراد لا تسألوا في العلم سؤال امتحان ومراء وجدال، أو لا
تسألوا عن أحوال الناس (و) كره لكم أيضًا (إضاعة المال)
بإنفاقه في غير ما أذن فيه شرعًا لأن الله تعالى جعل المال
قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيره تفويت لذلك، والذي صححه
النووي أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس
التي لا تليق بحالة ليس بتبذير لأن المال يتخذ لينتفع به
ويلتذ.
وهذا الحديث سبق في باب قوله تعالى: {لا يسألون الناس
إلحافًا} [البقرة: 273] من كتاب الزكاة وفي الاستقراض
أيضًا.
5976 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ
الْوَاسِطِىُّ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله
عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:
«الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»،
وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلاَ وَقَوْلُ
الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ
وَشَهَادَةُ الزُّورِ». فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى
قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق) بن
شاهين بن الحارث الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد
الله الطحان (الواسطي عن الجريري) بضم الجيم وفتح الراء
الأولى بعدها تحتية ساكنة سعيد بن إياس بن مسعود البصري
والجريري نسبة إلى جرير بن عباد (عن عبد الرحمن بن أبي
بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألا) بالتخفيف حرف استفتاح وضع لتنبيه المخاطب على ما
يتكلم به من بعده (أنبئكم) أخبركم (بأكبر الكبائر) جمع
كبيرة وأصله وصف مؤنث أي الفعلة الكبيرة ونحوها وكبرها
باعتبار شدة مفسدتها وعظم إثمها (قلنا) ولأبي ذر فقلنا
(بلى يا رسول الله) أخبرنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أحدها (الإشراك بالله) عز وجل غيره في العبادة
والألوهية أو المراد مطلق الكفر على أي نوع كان وهو المراد
هنا وحينئذ فالتعبير بالإشراك لغلبته في الوجود لا سيما في
بلاد العرب ولو أريد الأول لكان محكومًا بأنه أعظم أنواع
الكفر ولا ريب أن التعطيل أقبح منه وأشد لأنه نفي مطلق
والإشراك إثبات (و) ثانيها (عقوق الوالدين) معطوف على
سابقه وهو مصدر عن والده يعقه عقوقًا فهو عاق إذا أذاه
وعصاه وهو ضد البر وأما العقوق المحرم شرعًا فقال ابن عبد
السلام: لم أقف له على ضابط اعتمد عليه فإنه لا يجب
طاعتهما في كل ما يأمران به وينهيان عنه اتفاقًا وقالوا:
يحرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع
قتله أو قطع شيء منه. نعم في فتاوى ابن الصلاح العقوق
المحرم كل فعل يتأذى به الوالد تأذيًا ليس بالهين مع كونه
ليس من الأفعال الواجبة قال: وربما قيل طاعة الوالدين
واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة ذلك عقوق (وكان) عليه
الصلاة والسلام (متكئًا فجلس) جملة من كان واسمها وخبرها
(فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور) من عطف التفسير، لأن
قول الزور أعمّ من أن يكون كفرًا ومن أن يكون شهادة أو
كذبًا آخر من الكذبات
(9/7)
أو من عطف الخاص على العام تعظيمًا لهذا
النوع لما يترتب عليه من المفاسد، وقال الشيخ ابن دقيق
العيد: ينبغي أن يحمل قول الزور على شهادة الزور فإنا لو
حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا
كبيرة وليس كذلك وإن كانت مراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت
مفاسده (ألا وقول الزور وشهادة الزور) ذكرها مرتين، لكن في
الفرع شطب على الثاني وهو ألا إلى آخره وعليه علامة السقوط
لأبوي الوقت وذر والأصيلي قال أبو بكرة (فما زال) عليه
الصلاة والسلام (يقولها) ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور
فيعود الضمير عليها لا غير (حتى قلت لا يسكت) وكرر ألا
تنبيهًا على استقباح الزور، وكرره دون الأولين لأن الناس
يهون عليهم أمره فيظنون أنه دون سابقه فهوّل -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره ونفر عنه حين كرره فحصل
في مبالغة النهي عنه ثلاثة أشياء: الجلوس وكان متكئًا،
واستفتاحه بألا التي تفيد تنبيه المخاطب، وإقباله على
سماعه وتكرير ذكره مرتين، بل في رواية ثلاثًا ثم أكد
تأكيدًا رابعًا بقوله: قول الزور وشهادة الزور وهما في
المعنى واحد كما مرّ ذكر ما فيه، وقد قيل إنه يؤخذ من
قوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" انقسام الذنوب إلى كبائر
وصغائر وهو قول عامة الفقهاء. وقال أبو إسحاق
الإسفراييني: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى عنه كبيرة
وهو منقول عن ابن عباس وحكاه عياض عن المحققين.
وقال إمام الحرمين في الإرشاد: والمرضي عندنا أن كل ذنب
يعصى الله به كبيرة فرب شيء يعدّ صغيرة بالإضافة إلى
الإفراد ولو كان في حق الملك لكان كبيرة والرب أعظم من
عصى، فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم، ولكن الذنوب وإن
عظمت فهي متفاوتة في رتبها وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي
فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين فبالنسبة إلى مقايسة
بعضها بعض فهي تختلف قطعًا وبالنسبة إلى الآمر والناهي
فكلها كبائر انتهى. فحقق -رحمه الله- المنقول عن الأشاعرة
وبيّن أنه لا يخالف ما قاله الجمهور.
وقال النووي: اختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافًا كثيرًا
منتشرًا فعن ابن عباس كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو
لعنة أو عذاب وقيل ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة أو
أوجب فيه حدًّا في الدنيا انتهى.
وليس قوله: أكبر الكبائر على ظاهره من الحصر بل فيه مقدرة
فقد ثبت فى أشياء أُخر أنها من أكبر الكبائر كقتل النفس
والزنا بحليلة الجار واليمين الغموس وسوء الظن بالله.
والحديث مضى في الشهادات في باب ما قيل في شهادة الزور.
5977 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ:
ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ
فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» فَقَالَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ
بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»؟ قَالَ: «قَوْلُ الزُّورِ -أَوْ
قَالَ- شَهَادَةُ الزُّورِ»، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ
ظَنِّى أَنَّهُ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن الوليد) بن عبد الحميد
البسري بضم الموحدة وسكون المهملة القرشي البصري من ولد
بسر بن أبي أرطأة الملقب بحمدان قال: (حدّثنا محمد بن
جحفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدثني)
بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر) أي ابن أنس
بن مالك (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ذكر
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكبائر أو
سئل) بضم السين وكسر الهمزة (عن الكبائر) بالشك من الراوي
(فقال) عليه الصلاة والسلام:
هي (الشرك بالله وقتل النفس) التي حرم الله قتلها إلا
بالحق كالقصاص والقتل على الردّة والرجم (وعقوق الوالدين
فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر) أكبر أفعل تفضيل استعمل
هنا بالإضافة والتقدير ألا أنبئكم بخصال أكبر الكبائر زاد
في الرواية السابقة فقلنا بلى (قال) عليه الصلاة
والسلام هو (قول الزور أو قال شهادة الزور) وضابط الزور
وصف الشيء على خلاف ما هو به وقد يضاف إلى القول فيشمل
الكذب والباطل وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها وقد يضاف
إلى الفعل ومنه لابس ثوبي زور.
(وقال شعبة) بن الحجاج بالسند المذكور: (وأكثر ظني)
بالمثلثة ولأبي ذر والأصيلي وأكبر بالموحدة (أنه قال:
شهادة الزور) وقد وقع الجزم بذلك في رواية وهب بن جرير
وعبد الملك بن إبراهيم في الشهادات قال فيه وشهادة الزور
ولم يشك، ولمسلم من رواية ابن الحارث
(9/8)
عن شعبة: وقول الزور ولم يشك أيضًا، وظاهر
الحديث أنه خص أكبر الكبائر يقول الزور ولكن الرواية
السابقة مؤذنة باشتراك الأربعة في ذلك.
والحديث سبق في الشهادات.
7 - باب صِلَةِ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ
(باب) مشروعية (صلة الوالد المشرك) من جهة ولده المؤمن.
5978 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِى أَبِى
أَخْبَرَتْنِى أَسْمَاءُ ابْنَةُ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله
عنهما - قَالَتْ: أَتَتْنِى أُمِّى رَاغِبَةً فِى عَهْدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَسَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- آصِلُهَا قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: {لاَ
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
فِى الدِّينِ} [الممتحنة: 8].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى
القرشي المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا
هشام بن عروة) قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن
الزبير قال: (أخبرتني) بتاء التأنيث والإفراد (أسماء ابنة)
ولأبي ذر والأصيلي بنت (أبي بكر) الصديق (-رضي الله
عنهما-) أنها (قالت: أتتني أمي) قيلة على الأصح بنت عبد
العزى في مدّة صلح الحديبية، زاد الإمام أحمد وهي مشركة في
عهد قريش حال كونها (راغبة) في بري وصلتي أو راغبة عن
الإسلام كارهة له، ولأبي ذر: وهي راغبة (في عهد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آصلها)؟ بمدّ الهمزة على
الاستفهام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(نعم) صليها (قال ابن عيينة) سفيان (فأنزل الله تعالى
فيها: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين})
[الممتحنة: 8] وتمام الآية {ولم يخرجوكم من دياركم أن
تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8]
وهي رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين
ولم يقاتلوهم، وقيل إن هذا كان في أوّل الإسلام عند
الموادعة وترك الأمر بالقتال، ثم نسخ بآية: {فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وقيل: المراد بذلك
النساء والصبيان لأنهم ممن لا يقاتل فأذن الله في برّهم،
وقال أكثر أهل التأويل: هي محكمة، واحتجوا بحديث أسماء، بل
قيل
إنها نزلت كما ذكر هنا عن سفيان، وفي مسند أبي داود
الطيالسي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن أبا
بكر الصديق طلّق امرأته قيلة في الجاهلية وهي أم أسماء بنت
أبي بكر فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين كفار
قريش فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكر قرطًا وأشياء فكرهت أن
تقبل منها حتى أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك له فأنزل الله تعالى: {لا ينهاكم
الله عن الذين لم يقاتلوكم} [الممتحنة: 8] الآية.
وحديث الباب قد سبق في باب الهدية للمشركين من كتاب الهبة
والله الموفق.
8 - باب صِلَةِ الْمَرْأَةِ أُمَّهَا وَلَهَا زَوْجٌ
(باب صلة المرأة وأمها ولها) أي وللمرأة التي تصل أمها
(زوج).
5979 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى هِشَامٌ عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّى وَهْىَ
مُشْرِكَةٌ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ، وَمُدَّتِهِمْ إِذْ
عَاهَدُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَعَ أَبِيهَا فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ
وَهْىَ رَاغِبَةٌ قَالَ: «نَعَمْ صِلِى أُمَّكِ».
وبه قال: (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله أبو نعيم
في مستخرجه (حدثني) بالإفراد (هشام عن) أبيه (عروة) بن
الزبير (عن أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها
(قالت: قدمت) أي عليّ (أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم
إذ عاهدوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على
الصلح وترك المقاتلة (مع أبيها) أي أبي أم أسماء وللأصيلي
مع ابنها أي ولدها قالت أسماء (فاستفتيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فاستفتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالت: (إن أمي قدمت) عليّ (وهي راغبة) زاد أبو
ذر والأصيلي: أفأصلها؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(نعم صلي أمك).
ومطابقته للترجمة ظاهرة إذا قلنا إن الضمير في ولها راجع
إلى المرأة إذ أسماء كانت زوجة للزبير وقت قدومها، وإن
قلنا إنه راجع إلى الأم فذلك باعتبار أن يراد بلفظ أبيها
زوج أم أسماء، ومثل هذا المجاز شائع وكونه كالأب لأسماء
ظاهر قاله في الكواكب، وقال ابن بطال: في الحديث من الفقه
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أباح لأسماء أن
تصل أمها ولم يشترط في ذلك مشاورة زوجها وأن للمرأة أن
تتصرف في مالها بدون إذن زوجها.
5980 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ
أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ
هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَعْنِى النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ:
يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعَفَافِ،
وَالصِّلَةِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن
خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله)
بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله
بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن أبا سفيان) صخر بن
حرب (أخبره أن هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف
بعدها لام قيصر ملك الروم (أرسل إليه) أي في ركب من قريش
وكانوا تجارًا في المدة التي كان رسول الله
(9/9)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مادّ
فيها أبا سفيان وكفار قريش الحديث فيه (فقال) أي هرقل (فما
يأمركم؟ يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فقال) أبو سفيان (يأمرنا بالصلاة) المعهودة (والصدقة
والعفاف) بفتح العين الكف عن المحارم وخوارم المروءة
(والصلة).
وهذا الحديث سبق في أوائل البخاري، وذكره هنا مختصرًا
وغرضه هنا ذكر الصلة فيؤخذ منه الترجمة من عمومها
وإطلاقها.
9 - باب صِلَةِ الأَخِ الْمُشْرِكِ
(باب صلة الأخ المشرك) بالإضافة إلى المفعول وطيّ ذكر
الفاعل أي صلة السلم لأخيه المشرك.
5981 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى
الله عنهما - يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ
تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ
وَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ
الْوُفُودُ؟ قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ، مَنْ لاَ
خَلاَقَ لَهُ» فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا بِحُلَلٍ فَأَرْسَلَ إِلَى
عُمَرَ بِحُلَّةٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ
قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: «إِنِّى لَمْ
أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ
تَكْسُوهَا» فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
عبد العزيز بن مسلم) القسملي قال: (حدثنا عبد الله بن
دينار) المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله
عنهما- يقول: رأى عمر) بن الخطاب (حلة سيراء) بإضافة حلة
لتاليها ولأبي ذر حلة بالتنوين والسيراء نوع من البرود فيه
خطوط وكان من حرير (تباع فقال: يا رسول الله ابتع هذه)
الحلة (والبسها) بهمزة الوصل وفتح الموحدة (يوم الجمعة
وإذا جاءك الوفود قال) ولأبي ذر الوفد فقال: (إنما يلبس
هذه) من الرجال (من لا خلاق له) أي من لا نصيب له من الذين
أو في الآخرة وهذا إذا كان مستحلاً لذلك أو هو على سبيل
التغليظ (فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بضم الهمزة وكسر الفوقية (منها بحلل فأرسل) عليه الصلاة
والسلام (إلى عمر بحلة فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما
قلت) من أنه إنما يلبسها من لا خلاق له (قال) عليه الصلاة
والسلام:
(إني لم أعطكها لتلبسها ولكن تبيعها أو تكسوها) أي تعطيها
غيرك ولأبي ذر عن الكشميهني لتبيعها أو تكسوها (فأرسل بها
عمر إلى أخ له) من أمه اسمه عثمان بن حكيم أو هو أخو أخيه
زيد بن الخطاب أمهما أسماء بنت وهب فهو من المجاز أو هو
أخو عمر من الرضاعة ليبيعها أو يكسوها لامرأته وإلا
فالكفار مخاطبون بالفروع وكان عثمان المذكور (من أهل مكة)
والإرسال إليه (قبل أن يسلم). والحديث سبق في الهبة.
10 - باب فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ
(باب فضل صلة الرحم) بفتح الراء وكسر الحاء المهملة أي
الأقارب من بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا ذا
محرم أم لا.
5982 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ عُثْمَانَ، مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ
عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ ح.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي
أمير المؤمنين في الحديث (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن
عثمان) هو محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب التيمي
مولاهم (قال: سمعت موسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي (عن
أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري أنه (قال: قيل يا رسول
الله أخبرني) بالإفراد (بعمل يدخلني الجنة) برحمة الله.
قال البخاري (ح).
5983 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ
عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ - رضى الله عنه أَنَّ
رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ
يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: «مَا لَهُ مَا
لَهُ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَرَبٌ مَا لَهُ» فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ
تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى
الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ذَرْهَا» قَالَ: كَأَنَّهُ
كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
(حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدثني بواو العطف (عبد
الرحمن) ولأبي ذر عبد الرحمن بن بشر بكسر الموحدة وسكون
المعجمة النيسابوري قال: (حدّثنا بهز) ولأبي ذر بهز بن أسد
البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ابن
عثمان بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم وسكون الواو وفتح
الهاء قال القطان وغيره: اسمه عمرو (وأبوه عثمان بن عبد
الله) التيمي (أنهما سمعا موسى بن طلحة) بن عبيد الله
التيمي (عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلاً)
قيل هو أبو أيوب وقيل غيره كما سبق أول الزكاة (قال: يا
رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال القوم: ما له ما
له)؟ استفهام كرره مرتين للتأكيد (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أرب ما له) بفتح الهمزة والراء بعدها موحدة منونة بالرفع
أي له حاجة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أرب بفتح الهمزة
وكسر الراء وفتح الموحدة من أرب في الشيء إذا صار ماهرًا
فيه فيكون معناه التعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع
حاجته (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
له (تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة) المكتوبة
(وتؤتي الزكاة) المفروضة (وتصل الرحم) قال النووي: أي تحسن
إلى أقاربك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام
أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك وكأن السائل كان لا يصل رحمه
فأمره بذلك (ذرها) بفتح المعجمة وسكون الراء أي
(9/10)
دع الراحلة تمشي إلى منزلك إذ لم تبق لك
حاجة فيما قصدته (قال: كأنه) أي الرجل (كان على راحلته) أو
كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راكبًا على
راحلته والرجل آخذ بزمامها فقال له-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الجواب دع زمام الراحلة.
وهذا الحديث سبق في أول الزكاة.
11 - باب إِثْمِ الْقَاطِعِ
(باب إثم القاطع) للرحم.
5984 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: إِنَّ
جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكر الحافظ المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن محمد بن جبير بن مطعم قال:
إن) ولأبي ذر أخبره أن (جبير بن مطعم أخبره أنه سمع
النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا يدخل الجنة قاطع) أي يذكر المفعول فيحتمل العموم، وفي
الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح (قاطع رحم) فالمراد
المستحل للقطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها أو لا
يدخلها مع السابقين.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب وأبو داود في الزكاة
والترمذي في البر.
12 - باب مَنْ بُسِطَ لَهُ فِى الرِّزْقِ بِصِلَةِ
الرَّحِمِ
(باب من بسط) بضم الموحدة وكسر المهملة (له في الرزق بصلة
الرحم) أي بسبب صلة الرحم، ولأبي ذر: لصلة الرحم باللام
بدل الموحدة أي لأجل صلتها.
5985 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى
أَبِى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَأَنْ
يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي
المدني أحد الأعلام قال: (حدّثنا محمد بن معن) بفتح الميم
وسكون العين المهملة بعدها نون الغفاري (قال: حدثني)
بالإفراد (أبي) معن بن محمد بن معن بن نضلة الغفاري (عن
سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(من سرّه أن يبسط في رزقه) بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح
السين المهملة (وأن ينسأ) بضم أوله وسكون ثانيه آخره همزة
من النسأ وهو التأخير أي يؤخّر (له في أثره) أي أجله وسمي
به لأنه يتبع العمر وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن من مات
لا يبقى له حركة فلا يبقى لأقدامه في الأرض أثر (فليصل
رحمه) يقال: وصل رحمه يصلها وصلاً وصلة كأنه بالإحسان
إليهم وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والزيادة في
العمر بالبركة فيه بسبب التوفيق في الطاعات وعمارة أوقاته
بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، أو
المراد بقاء ذكره الجميل بعده كالعلم النافع ينتفع به
والصدقة الجارية والولد الصالح فكأنه بسبب ذلك لم يمت ومنه
قول الخليل عليه الصلاة والسلام {واجعل لي لسان صدق في
الآخرين} [الشعراء: 84].
وفي المعجم الصغير للطبراني عن أبي الدرداء قال: ذكر عند
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من وصل
رحمه أنسئ له في أجله فقال: ليس زيادة في عمره قال الله
تعالى: {فإذا جاء أجلهم} [النحل: 61] الآية. ولكن الرجل
يكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده أو المراد
بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ أن عمره
ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون سنة،
وقد علم الله سبحانه وتعالى بما سيقع من ذلك وهو من معنى
قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} [الرعد: 39]
فبالنسبة إلى علم الله وما سبق به قدرته لا زيادة بل هي
مستحيلة وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو
مراد الحديث.
وقال الكلبي والضحاك في الآية: إن الذي يمحوه ويثبته ما
يصعد به الحفظة مكتوبًا على بني آدم فيأمر الله فيه أن
يثبت ما فيه ثواب وعقاب ويمحي ما لا ثواب فيه ولا عقاب
كقوله: أكلت شربت ودخلت ونحوها من الكلام.
وهذا باب واسع المجال لأن علم الله تعالى لا نفاد له
ومعلوماته سبحانه لا نهاية لها وكل يوم هو في شأن، ومن ثم
كادت أقوال المفسرين فيه لا تحصر قال الإمام: يزيل ما يشاء
ويثبت ما يشاء من حكمته ولا يطلع على غيبه أحدًا فهو
المنفرد بالحكم والمستقل بالإيجاد والإعدام والإحياء
والإماتة والإغناء والإفقار وغير ذلك، سبحانه وتعالى عما
يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا.
5986 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ
أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِى
أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري اسم أبيه
عبد الله ونسبه إلى جده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام
(عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري
(9/11)
أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك)
رضى الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(من أحب أن يبسط له في رزقه و) أن (ينسأ) أي يؤخر (له في
أثره) أي في أجله (فليصل رحمه).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والله أعلم.
13 - باب مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللَّهُ
هذا (باب) بالتنوين (من وصل) رحمه (وصله الله) بأن يتعطف
عليه بفضله.
5987 - حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى
مُزَرِّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّى سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ
الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ
الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ
الْقَطِيعَةِ قَالَ: نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ
مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى
يَا رَبِّ، قَالَ: فَهْوَ لَكِ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَاقْرَءُوا إِنْ
شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}»
[محمد: 22].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (بشر بن
محمد) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال:
(أخبرنا معاوية بن أبي مزرّد) بضم الميم وفتح الزاي وتشديد
الراء المكسورة بعدها دال مهملة عبد الرحمن مولى هاشم
المدني (قال: سمعت عمي سعيد بن يسار) بالتحتية والمهملة
المخففة أبا الحباب بضم الحاء المهملة وموحدتين بينهما ألف
المدني اختلف في ولائه لمن هو (يحدث عن أبي هريرة) -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(إن الله) عز وجل (خلق الخلق) جميعهم أو المكلفين ويحتمل
أن يكون بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها في الوجود أو
بعد خلقها كتبًا في اللوح المحفوظ أو بعد انتهاء خلق أرواح
بني آدم عند قوله تعالى: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] لما
أخرجهم من صلب آدم مثل الذر (حتى إذا فرغ من خلقه) أي
قضاهُ وأتمه ونحو ذلك مما يشهد بأنه مجاز. قال الزجاج:
الفراغ في اللغة على ضربين. أحدهما: الفراغ من شغل، والآخر
القصد لشيء تقول: قد فرغت مما كنت فيه أي قد زال شغلي به،
وتقول: سأتفرغ لفلان أي سأجعله قصدي. قال الطيبي في حاشيته
على الكشاف: فهو
محمول على مجرد القصد فهو كناية عن التوفر على النكاية ثم
استعيرت هذه العبارة للخالق جل جلاله وعز شأنه لذلك
المعنى، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {سنفرغ لكم} [الرحمن:
31] مستعار من قول الرجل لمن يتهدد سأفرغ لك، والوجه الآخر
منزل على الفراغ من الشغل لكن على سبيل التمثيل شبه تدبيره
تعالى أمر الآخرة من الأخذ في الجزاء وإيصال الثواب
والعقاب إلى المكلفين بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر
والنهي والإماتة والإحياء والمنع والعطاء، وأنه سبحانه
وتعالى لا يشغله شأن عن شأن بحال من إذا كان في شغل يشغله
عن شغل آخر إذا فرغ من ذلك الشغل شرع في آخر، وقد ألّم به
صاحب المفتاح حيث قال: الفراغ الخلاص من المهامّ، والله
تعالى لا يشغله شأن عن شأن وقع مستعارًا للأخذ في الجزاء
وحده وهو المراد من قوله وفع ذلك فراغًا إلى طريق المثل.
(قالت الرحم) بلسان الحال أو بلسان المقال وعلى الثاني هل
يخلق الله فيها حياة وعقلاً، وحمله القاضي عياض على المجاز
وأنه من ضرب المثل، لكن في حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد
أنها تكلمت بلسان طلق ذلق، وزاد في سورة القتال: قامت
الرحم فأخذت بحقو الرحمن وهو استعارة أيضًا سبق ذكرها في
السورة المذكورة، وزاد أيضًا في السورة فقال: مه. فقالت
(هذا مقام العائذ) أي قيامي هذا قيام المستجير (بك من
القطيعة قال) الله تعالى (نعم أما) بتخفيف الميم (ترضين أن
أصل من وصلك) بأن أتعطف عليه وأرحمه (وأقطع من قطعك) فلا
أرحمه (قالت: بلى يا رب) رضيت ولأبي ذر بلى وربي (قال)
تعالى (فهو) أي قوله أصل من وصلك إلى آخره (لك) بكسر
الكاف. قال أبو هريرة: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاقرأوا إن شئتم {فهل عسيتم إن
توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}) [محمد: 22].
وهذا الحديث مر في تفسير سورة القتال.
5988 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ،
عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه
- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ الرَّحِمَ سُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ،
فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ
قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ».
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما
خاء معجمة ساكنة آخره دال مهملة أبو الهيثم البجلي الكوفي
القطواني بفتح القاف والطاء المهملة قال: (حدّثنا سليمان)
بن بلال أبو محمد مولى الصديق قال: (حدّثنا عبد الله بن
دينار) المدني (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن الرحم شجنة من الرحمن) بكسر الشين المعجمة مصححًا
عليها في الفرع وسكون الجيم بعدها نون ويجوز فتح الأول
وضمه. قال في الفتح: رواية ولغة وأصله عروق الشجر المشتبكة
والشجن
(9/12)
بالتحريك واحد الشجون وهي طرق الأودية،
ويقال الحديث شجون أي يدخل بعضه في
بعض، وسقط قوله: "إن" لأبي ذر فالرحم رفع، وقوله من الرحمن
أي اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة. وعند النسائي
من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا "أنا الرحمن خلقت الرحم
بيدي وشققت لها اسمًا من اسمي" والمعنى أنها أثر من آثار
الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله وليس
المعنى أنها من ذات الله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا
(فقال الله) تعالى: زاد الإسماعيلي لها والفاء عطف على
محذوف أي فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال الله
تعالى: "من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته". قال ابن أبي جمرة:
الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه وإنما خاطب الناس بما
يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو
القرب منه وإسعافه بما يريد، وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في
حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده.
قال: وكذا القول في القطع وهو كناية عن حرمانه الإحسان.
وهذا الحديث من أفراده.
5989 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى
مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -
زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «الرَّحِمُ شِجْنَةٌ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ
وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن سعيد بن
الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري
قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) مولى الصديق (قال: أخبرني)
بالإفراد (معاوية بن أبي مزرد) عبد الرحمن السابق في هذا
الباب (عن يزيد بن رومان) مولى الزبير المدني القاريّ (عن
عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج
النبي إلى آخره لأبي ذر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الرحم شجنة) بكسر الشين ولأبي ذر ضمها مصححًا عليهما في
الفرع ولم يقل هنا من الرحمن لأن ذلك معلوم من الرواية
السابقة (فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) وفي ذلك تعظيم
أمر الرحم وأن صلتها مندوب إليها وأن قطعها من الكبائر
لورود الوعيد الشديد فيه.
14 - باب يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبَلاَلِهَا
(باب) بالتنوين (يبل) الشخص المكلف (الرحم) ولأبي ذر: قبل
بضم الفوقية وفتح الموحدة الرحم (ببلالها) بكسر الموحدة
الأولى وفتح الثانية وكسرها والبلال بمعنى البلل وهو
النداوة وأطلق ذلك على الصلة كما أطلق اليبس على القطيعة.
5990 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى
حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِهَارًا
غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: «إِنَّ آلَ أَبِى»، قَالَ: عَمْرٌو
فِى كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: «بَيَاضٌ لَيْسُوا
بِأَوْلِيَائِى إِنَّمَا وَلِيِّىَ اللَّهُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ». زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ
الْوَاحِدِ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا
بِبَلاَلِهَا» يَعْنِى أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللهِ: بِبِلاهَا كَذَا وَقَعَ وَبِبِلاَهَا
أَجْوَدُ وَأَصَحُّ وَبِِبِلاَهَا لاَ أَعْرِفُ لَهُ
وَجْهًا,
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عمرو بن
عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة والمهملة أبو
عثمان الباهلي البصري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر
البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي
خالد) سعد البجلي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) عوف البجلي
(أن عمرو بن العاص) -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهارًا) يتعلق
بالمفعول أي كان المسموع في حال الجهر أو بالفاعل أي أقول
ذلك جهارًا (غير سرّ) تأكيد لرفع توهم أنه جهر به مرة
وأخفاه أخرى (يقول):
(إن آل أبي) بحذف ما يضاف إلى أداة الكنية ولأبي ذر عن
المستملي أبي فلان كناية عن اسم علم وجزم الدمياطي في
حواشيه بأن المراد آل أبي العاص بن أمية، وفي سراج
المريدين لابن العربي آل أبي طالب، وأيّده في الفتح بأنه
في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن
عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي
حازم عن عمرو بن العاص رفعه "إن لبني أبي طالب رحمًا"
الحديث.
(قال عمرو): هو ابن عباس شيخ البخاري فيه (في كتاب محمد بن
جعفر) يعني غندرًا شيخ عمرو فيه (بياض) بالرفع على الصواب
أي موضع أبيض بغير كتابة وضعف الجر إذ يكون المعنى في كتاب
محمد بن جعفر أن آل أبي بياض لأنه لا يعرف في العرب قبيلة
يقال لها أبو بياض فضلاً عن قريش، وسياق الحديث يشعر بأنهم
من قبيلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي قريش
(ليسوا بأوليائي). قال في الفتح: وفي نسخة من رواية أبي ذر
بأولياء، والمراد كما قال السفاقسي: من لم يسلم منهم فهو
من إطلاق الكل وإرادة البعض، وحمله الخطابي على ولاية
(9/13)
القرب والاختصاص لا ولاية الدين (إنما وليي
الله) بتشديد الياء مضافًا لياء المتكلم المفتوحة (وصالح
المؤمنين) من صلح منهم أي من أحسن وعمل صالحًا وقيل من برئ
من النفاق، وقيل الصحابة وهو واحد أريد به الجمع كقولك لا
تقتل هذا الصالح من الناس تريد الجنس، وقيل أصله صالحو
فحذفت الواو من الخط موافقة للفظ. وقال في شرح المشكاة:
المعنى لا أوالي أحدًا بالقرابة وإنما أحب الله لما له من
الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله
وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء كان من ذوي رحمي أم
لا، ولكن أراعي لذوي الرحم حقهم بصلة الرحم.
(زاد عنبسة بن عبد الواحد) بفتح العين المهملة والموحدة
بينهما نون ساكنة والسين مهملة مفتوحة وهو موثق عندهم وليس
له في البخاري إلا هذا الحديث كان يعد من الإبدال (عن
بيان) بالموحدة المفتوحة وتخفيف التحتية وبعد الألف نون
ابن بشر بالشين المعجمة الأحمسي (عن قيس) هو ابن حازم (عن
عمرو بن العاص) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ولكن لهم)
أي لآل أبي (رحم) قرابة (أبلها) بفتح الهمزة وضم الموحدة
وتشديد اللام المضمومة (ببلالها). قال في شرح المشكاة فيه
مبالغة بما عرف، واشتهر شبه الرحم بأرض إذا بلت بالماء حق
بلالها أزهرت وأثمرت ورئي في أثمارها أثر النضارة وأثمرت
المحبة والصفاء، وإذا تركت بغير سقي يبست وأجدبت فلم تثمر
إلا العداوة والقطيعة (يعني أصلها بصلتها). وهذا التفسير
سقط من رواية النسفيّ ولأبي ذر ببلائها بعد اللام ألف
همزة.
(قال أبو عبد الله). أي البخاري (ببلاها) أي بغير لام
ثانية (كذا وقع وببلالها) أي بإثبات اللام (أجود وأصح
وببلاها لا أعرف له وجهًا). قال في الكواكب: يحتمل أن يقال
وجهه أن البلا جاء بمعنى المعروف والنعمة، وحيث كان الرحم
مصرفها أضيف إليها بهذه الملابسة فكأنه قال: أبلها
بمعروفها اللائق بها والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه في الإيمان.
15 - باب لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِىء
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (ليس الواصل) التعريف كما نبه
عليه في الكواكب للجنس أي ليس حقيقة الواصل (بالمكافئ)
صاحبه بمثل ما فعله إذ ذاك نوع معاوضة.
5991 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو،
وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو وَقَالَ سُفْيَانُ: لَمْ يَرْفَعْهُ الأَعْمَشُ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ
بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِى إِذَا
قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري
قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران
(والحسن بن عمرو) بفتح الحاء والعين الفقيمي بضم الفاء
وفتح القاف (وفطر) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة بعدها
راء ابن خليفة الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة وبعد
الألف طاء مهملة المخزومي مولاهم الثلاثة (عن مجاهد) هو
ابن جبر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي
الله عنه- (قال سفيان) الثوري بالسند السابق: (لم يرفعه)
أي الحديث (الأعمش) سليمان (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفعه الحسن وفطر) المذكوران (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في الفتح:
وهذا هو المحفوظ عن الثوري أنه (قال: ليس الواصل بالمكافئ)
أي الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير (ولكن الواصل)
بتخفيف نون لكن مصححًا عليه في الفرع (الذي إذا قطعت)
بفتحات، ولأبي ذر: قطعت بضم أوّله وكسر ثانيه مبنيًا
للمجهول (رحمه وصلها) أي الذي إذا منع أعطى، والحاصل ثلاثة
مواصل ومكافئ وقاطع، فالواصل من يتفضل ولا يتفضل عليه
والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ والقاطع
الذي يتفضل عليه ولا يتفضل.
والحديث أخرجه أبو داود في الزكاة والترمذي في البر.
16 - باب مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فِى الشِّرْكِ ثُمَّ
أَسْلَمَ
(باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم) بعد هل يثاب عليه.
5992 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا
كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ
وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ هَلْ لِى فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟
قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ
خَيْرٍ». وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِى الْيَمَانِ
أَتَحَنَّثُ؟ وَقَالَ مَعْمَرٌ وَصَالِحٌ وَابْنُ
الْمُسَافِرِ: أَتَحَنَّثُ؟ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
التَّحَنُّثُ: التَّبَرُّرُ، وَتَابَعَهُمْ هِشَامٌ عَنْ
أَبِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن حكيم بن
حزام) بكسر الحاء المهملة وفتح الزاي ابن خويلد الأسدي
-رضي الله عنه- (أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت
أمورًا)
(9/14)
أي أخبرني عن أمور (كنت أتحنث) بفتح الهمزة
والنون المشددة المفتوحتين آخره مثلثة أتعبد (بها في
الجاهلية من صلة) للرحم (وعتاقة) للرقيق (وصدقة هل لي)
ولأبي ذر: هل كان لي (فيها من أجر)؟ وسقط حرف الجر لأبي ذر
(قال حكيم: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أسلمت) أي يا حكيم (على ما سلف) منك في أيام الجاهلية (من
خير).
قال المؤلّف: (ويقال أيضًا عن أبي اليمان) الحكم بن نافع
(أتحنت) بالمثناة الفوقية بدل المثلثة ولضعف المثناة عبّر
بصيغة التمريض. قال في المقدمة: وهي رواية أبي زرعة
الدمشقي عن أبي اليمان، وعند المؤلّف في باب شراء المملوك
الحربي من كتاب الزكاة عن أبي اليمان بلفظ أتحنث أو أتحنت
بالشك. قال في الفتح: وكأنه سمعه منه بالوجهين، لكن قال
السفاقسي: بالمثناة لا أعلم له وجهًا.
(وقال: معمر) هو ابن راشد فيما وصله المؤلّف في باب من
تصدق في الشرك ثم أسلم من كتاب الزكاة (وصالح) وهو ابن
كيسان مما وصله مسلم (وابن المسافر) بالألف واللام
والمشهور حذفهما وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي
المصري أمير مصر فيما وصله الطبراني في الأوسط من طريق
الليث بن سعد عنه (أتحنت) بالمثناة الفوقية أيضًا وهي مصحح
عليها في الفرع (وقال ابن إسحاق) في السيرة النبوية
(التحنث) بالمثلثة (التبرر) بالفوقية والموحدة والراءين
أولاهما مضمومة مشددة من البر (وتابعهم) أي تابع هؤلاء
المذكورين، ولأبي ذر: وتابعه بالإفراد أي تابع ابن إسحاق
(هشام عن أبيه) عروة على خصوص تفسير التحنث بالتبرر
وحينئذٍ فرواية الإفراد أرجح، ووصل هذه المؤلّف في العتق
من طريق أبي أسامة عنه.
17 - باب مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيْرِهِ حَتَّى تَلْعَبَ
بِهِ، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا
(باب من ترك صبية غيره حتى) أي إلى أن (تلعب به) أي ببعض
جسده (أو قبلها) للشفقة (أو مازحها) أي مزح معها قصدًا
لتأنيسها والممازحة المداعبة.
5993 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ
خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ
أَبِى وَعَلَىَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَنَهْ سَنَهْ»
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهْىَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ،
قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ
فَزَجَرَنِى أَبِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهَا» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْلِى
وَأَخْلِقِى، ثُمَّ أَبْلِى وَأَخْلِقِى، ثُمَّ أَبْلِى
وَأَخْلِقِى». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى
ذَكَرَ يَعْنِى مِنْ بَقَائِهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (حبان) بكسر
الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى أبو محمد السلمي
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن
خالد بن سعيد) بكسر العين (عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد
بن العاص القرشي الأموي (عن أم خالد) واسمها أمة (بنت خالد
بن سعيد) -رضي الله عنها- أنها (قالت: أتيت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أبي) هو خالد بن
سعيد (وعليّ قميص أصفر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(سنه سنه) بالسين المهملة والنون المخففة المفتوحتين آخره
ساكنة وذكرها مرتين (قال عبد الله) بن المبارك بالسند
السابق (وهي) أي سنه (بـ) اللغة (الحبشية حسنة. قالت) أم
خالد (فذهبت ألعب بخاتم النبوّة) الذي بين كتفيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فزبرني) بالزاي والموحدة
المخففة والراء المفتوحات ثم النون المكسورة أي نهرني
وزجرني ومنعني (أبي) من ذلك ثم (قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعها) أي اتركها (ثم قال:
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبلي) بفتح
المرّة وسكون الموحدة وكسر اللام (وأخلقي) بفتح الهمزة
وسكون المعجمة وكسر اللام والقاف أمر بالإبلاء أي البسي
إلى أن يصير خلقًا باليًا. وفي رواية واخلفي بضم اللام
وبالفاء بدل القاف ونسبها في المصابيح لأبي ذر أي واكتسي
خلفه يقال خلف الله لك وأخلف (ثم) قال عليه الصلاة
والسلام: (أبلي وأخلقي ثم) قال: (أبلي وأخلقي) كررها
ثلاثًا.
(قال عبد الله) بن المبارك بالسند السابق: (فبقيت) أم خالد
(حتى ذكر) الراوي زمنًا طويلاً، ولأبي ذر عن الكشميهني:
فبقي أي القميص دهرًا، ونسبها في الفتح لأبي علي بن السكن،
لكنه قال: ذكر دهرًا بدل فبقي، وفي المصابيح ذكر بضم الذال
المعجمة وكسر الكاف بعدها راء مبنيًّا للمفعول أي عمرت حتى
طال عمرها بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. وقال في الكواكب: المعنى حتى صار القميص شيئًا
مذكورًا عند الناس لخروج بقائه عن العادة. قال في الفتح:
وكأنه أي صاحب الكواكب قرأ ذكر بضم أوله لكنه لم يقع عندنا
في الرواية إلا بالفتح
(9/15)
وتعقبه العيني بأن المعنى على ذكر مبنيًّا
للمفعول وإلا فلو كان مبنيًّا للفاعل فما يكون فاعله اهـ.
وفي رواية الكشميهني حتى دكن دهرًا بالدال المهملة بدل
المعجمة آخره نون بدل الراء والكاف مفتوحة في الفرع وضبطه
في الفتح بكسر الكاف أي صار أسود. (يعني من بقائها) من
بقاء أم خالد أو الخميصة زمانًا طويًلا.
ومطابقة الترجمة في قولها فذهبت ألعب. قال السفاقسي: ليس
في حديث الباب للتقبيل ذكر فيحتمل أن يكون لما لم ينهها عن
مس جسده صار كالتقبيل كذا قال فليتأمل.
هذا الحديث سبق في الجهاد وهجرة الحبشة واللباس.
18 - باب رَحْمَةِ الْوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ
وَمُعَانَقَتِهِ وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ أَخَذَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ
(باب) ذكر (رحمة الولد) أي رحمة الوالد ولده (و) ذكر
(تقبيله ومعانقته. وقال ثابت): هو ابن أسلم البناني فيما
وصله المؤلّف في الجنائز (عن أنس) -رضي الله عنه- (أخذ
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولده
(إبراهيم) -رضي الله عنه- (فقبله وشمه) وهذا التعليق ساقط
للمستملي كما في الفرع. وقال في الفتح: ساقط لأبي ذر عن
الكشميهني.
5994 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
مَهْدِىٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ
أَبِى نُعْمٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لاِبْنِ عُمَرَ
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ فَقَالَ: مِمَّنْ
أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ: انْظُرُوا
إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِى عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ
قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ
الدُّنْيَا».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال:
(حدّثنا مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء ابن ميمون الأزدي
قال: (حدّثنا ابن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي
يعقوب الضبي البصري (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون
العين المهملة عبد الرحمن ولا يعرف اسم أبيه أنه (قال: كنت
شاهدًا لابن عمر) -رضي الله عنه- أي حاضرًا عنده (وسأله
رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفه (عن دم البعوض) زاد
جرير بن حازم عن محمد بن أبي يعقوب عند الترمذي يصيب
الجسد. وفي المناقب من البخاري سمعت عبد الله بن عمر وسأله
عن المحرم قال شعبة: أحسبه يقتل الذباب. قال الكرماني:
فلعله سأل عنهما معًا، وقال في الفتح: وأطلق الراوي الذباب
على البعوض لقرب شبهه منه وإن كان في البعوض معنى زائد أي
ما يلزم المحرم إذا قتله (فقال) له ابن عمر: (ممن) أي من
أيّ البلاد (أنت؟ فقال) الرجل: (من أهل العراق. قال) ابن
عمر لمن حضره: (انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد
قتلوا ابن) ابنة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) الحسين بن علي (وسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(هما) أي الحسن والحسين -رضي الله عنهما- (ريحانتاي)
بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ريحاني ولأبي ذر
أيضًا عن الكشميهني ريحانتي بزيادة تاء التأنيث أي هما من
رزق الله الذي رزقنيه (من الدنيا) أو أراد بالريحان
المشموم أي أنهما مما أكرمني الله وحباني به لأن الأولاد
يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين.
5995 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَتْهُ قَالَتْ:
جَاءَتْنِى امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِى
فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِى غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ
فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ
قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: «مَنْ يَلِى
مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ
كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني
أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدثني) بالإفراد
(عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم (أن
عروة بن الزبير) بن العوّام (أخبره أن عائشة) -رضي الله
عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حدثته قالت: جاءتني امرأة معها) ولأبي ذر ومعها (ابنتان)
لها قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهن (تسألني فلم
تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها) إياها (فقسمتها) بسكون
المثناة الفوقية (بين ابنتيها). وفي رواية مسلم من طريق
عراك بن مالك عن عائشة فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة
منهما تمرة ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها
ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فيحتمل في
طريق الجمع أن قولها في حديث عروة فلم تجد عندي غيرها أي
في أول الحال سوى واحدة فأعطيتها، ثم وجدت اثنتين أو لم
تجد عندي غير واحدة أخصها بها أو يحمل على التعدد (ثم قامت
فخرجت) من عندي (فدخل) عليّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحدثته) بخبرها (فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(من يلي) بالتحتية المفتوحة من الولاية (من هذه البنات
شيئًا) ولأبي ذر عن الكشميهني من بلي بموحدة مضمومة من
الابتلاء من هذه البنات بشيء. قال في شرح المشكاة: وهذه
إشارة إلى جنسهن. وقال في فتح
(9/16)
الباري: واختلف في المراد بالابتلاء هل هو
نفس وجودهن أو ابتلي بما يصدر منهن وهل هو على العموم في
البنات، أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به.
وقال النووي: إنما سماهن ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في
العادة قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا
وهو كظيم} [النحل: 58] (فأحسن إليهن) فيه إشعار بأن المراد
من قوله من هذه أكثر من واحدة فالإشارة للجنس كما مرّ، وفي
حديث ابن عباس عند الطبراني فقال رجل من الأعراب: واثنتين؟
فقال: واثنتين. وفي حديث أبي هريرة قلنا. وواحدة؟ قال:
وواحدة. وزاد ابن ماجة "وأطعمهن وسقاهن وكساهن" وفي
الطبراني من حديث ابن عباس "فأنفق عليهن وزوّجهن وأحسن
أدبهن" وفي رواية عبد الحميد "فصبر عليهن" (كن له سترًا)
أي
حجابًا (من النار) وفيه تأكيد حقوق البنات لما فيهن من
الضعف غالبًا عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف المذكور
والحديث أخرجه مسلم في الأدب والترمذي في البر.
5996 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى الْعَاصِ عَلَى
عَاتِقِهِ فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ، وَإِذَا
رَفَعَ رَفَعَهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن
أبي سعيد كيسان (المقبري) بضم الموحدة قال: (حدّثنا عمر بن
سليم) بفتح العين وضم السين الأنصاري قال: (حدّثنا أبو
قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري (قال: خرج علينا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمامه) بضم الهمزة
وتخفيف الميم (بنت أبي العاص) بن الربيع الأموي وهي ابنة
زينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على
عاتقه فصلّى) فرضًا وفي سنن أبي داود الظهر أو العصر، وفي
المعجم الكبير للطبراني صلاة الصبح (فإذا ركع وضع) بحذف
المفعول، ولأبي ذر عن الكشميهني: وضعها أي بالأرض خشية أي
تسقط (وإذا رفع) رأسه من الركوع (رفعها) من الأرض، وفي
أبواب سترة المصلي من أوائل الصلاة فإذا سجد وضعها ولا
منافاة بينه وبين رواية الباب بل يحمل على أنه كان يفعل
ذلك في الركوع والسجود، ولأي داود من طريق المقبري عن عمرو
بن سليم حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد
حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها وهذا
صريح في أن الحمل والوضع كان منه لا منها. ومناسبة الحديث
لما ترجم به من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مع أمامة من الحمل المقتضي للشفقة والرحمة لابنة ابنته
والحديث سبق في باب من حمل جارية صغيرة من كتاب الصلاة.
5997 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى
الله عنه - قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ
وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِىُّ
جَالِسًا فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ
الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ
إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ
يُرْحَمُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(حدّثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة
-رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحسن بن علي) بفتح الحاء ابن بنته
فاطمة -رضي الله عنهم- (وعنده الأقرع بن حابس التميمي) حال
كونه (جالسًا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر جالس
بالرفع وكان الأقرع من المؤلّفة وحسن إسلامه والواو في
وعنده للحال (فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت
منهم أحدًا فنظر إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثم قال):
(من لا يرحم لا يُرحم) بفتح التحتية في الأوّل وضمها في
الثاني والرفع والجزم في اللفظين فالرفع على الخبر. قال
القاضي عياض: وعليه أكثر الرواة والجزم على أن من شرطية،
لكن قال السهيلي: حمله على الخبر أشبه بسياق الكلام لأنه
مردود على قول الرجل إن لي عشرة من الولد أي الذي يفعل هذا
الفعل لا يرحم، ولو جعلت من شرطية لانقطع الكلام عما قبله
بعض الانقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف، ولأن الشرط
إذا كان بعده فعل منفي فأكثر ما ورد منفيًا بلم لا بلا
كقوله تعالى: {ومن لم يؤمن بالله} الفتح: 13] {ومن لم يتب}
[الحجرات: 11] وإن كان الآخر جائزًا كقول زهير.
ومن لا يظلم الناس يظلم اهـ.
وتعقبه صاحب المصابيح فقال: تعليله انقطاع الكلام عما قبله
على تقدير كون من شرطية بأن الشرط وجوابه كلام مستأنف غير
ظاهر، فإن الجملة مستأنفة سواء جعلت من موصولة أو شرطية
وتقديره الذي يفعل هذا الفعل ويتأتى مثله
(9/17)
على أن من شرطية أي من يفعل هذا الفعل فلا
ينقطع الكلام ويصير مرتبطًا بما قبله ارتباطًا ظاهرًا.
والرحمة من الخلق التعطف والرقة، وهذا لا يجوز على الله
تعالى ومن الله تعالى الرضا عمن رحمه لأن من رق له القلب
فقد رضي عنه أو الإنعام أو إرادة الخير لأن الملك إذا عطف
على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، والحاصل أن
الأولى على الحقيقة والثانية على المجاز. وقوله: من لا
يرحم يشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق
والبهم والوحش والطير.
وفي الحديث أن تقبيل الولد وغيره من المحارم وغيرهم إنما
يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم
والمعانقة، والحديث من أفراده.
5998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -
رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ
أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ
الرَّحْمَةَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (جاء أعرابي إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ: يحتمل
أن يكون هو الأقرع بن حابس ووقع مثل ذلك لعيينة بن حصن
أخرجه أبو يعلى الموصلي بسند رجاله ثقات، وفي كتاب الأغاني
لأبي الفرج الأصبهاني بإسناده عن أبي هريرة أن قيس بن عاصم
دخل على النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر
قصة شبيهة بلفظ حديث عائشة ويحتمل التعدد. (فقال: تقبلون)
بحذف أداة الاستفهام وللكشميهني أتقبلون (الصبيان فما
نقبلهم) وعند مسلم فقال: نعم قال: لكنا ما نقبل (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أو أملك لك) بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام والواو
للعطف على مقدّر بعد الهمزة نحو أو مخرجي هم (أن نزع الله
من قلبك الرحمة) بفتح الهمزة مفعول أملك أي لا أقدر أن
أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. وقال الأشرف
فيما نقله في شرح المشكاة: يروى أن بفتح الهمزة فهي مصدرية
ويقدّر مضاف أي لا أملك لك دفع نزع الله من قلبك الرحمة.
وقال الشيخ نور الدين البجيري: ويحتمل أن يكون مفعول أملك
محذوفًا وأن نزع في موضع نصب على المفعول لأجله على أنه
تعليل للنفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري الإبطالي،
والتقدير لا أملك وضع الرحمة في قلبك لأن نزعها الله منه
أي انتفى ملكي لذلك لنزع الله إياها من قلبك اهـ.
ويروى بكسر الهمزة شرطًا وجزاؤه محذوف وهو من جنس ما قبله
أي إن نزع الله من قلبك الرحمة لا أملك ردها لك لكن قال
الحافظ ابن حجر إنها بفتح الهمزة في الروايات كلها اهـ.
وقول صاحب التنقيح والهمزة أي في أو أملك للاستفهام
التوبيخي أي لا أملك لك، تعقبه في المصابيح بأنها لو كانت
للتوبيخ لاقتضت وقوع ما بعدها لا نفيه أي نحو {أتعبدون ما
تنحتون} [الصافات: 95] {أغير الله تدعون} [الأنعام: 40]
وإنما هي هنا للإنكار الإبطالي المقتضي أن يكون ما بعدها
غير واقع وأن مدعيه كاذب نحو: {أفاصفاكم ربكم بالبنين
واتخذ من الملائكة إناثًا} [الإسراء: 40] {فاستفتهم ألربك
البنات ولهم البنون} [الصافات: 149] والمعنى هنا لا أملك
لك جعل الرحمة فيك بعد أن نزعها الله من قلبك. وهذا الحديث
من أفراده.
5999 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو
غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه -
قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سَبْىٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ قَدْ
تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِى
السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا
وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً
وَلَدَهَا فِى النَّارِ»؟ قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ
عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ فَقَالَ: «اللَّهُ أَرْحَمُ
بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم
بن أبي مريم قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح. الغين المعجمة
والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف قال: (حدثني)
بالإفراد (زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر (عن عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه-) أنه (قال قدم على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبي) من هوازن، وللكشميهني
قدم بضم الفاف على صيغة المجهول بسبي بزيادة الجار (فإذا
امرأة من السبي) أي يعرف ابن حجر اسمها (تحلب) بسكون الحاء
المهملة وضم اللام (ثديها) بالإفراد والنصب مفعول، وفي
نسخة قد تحلب، ولأبي ذر عن الكشميهني: قد تحلب بفتح الحاء
واللام مشددة ثديها بالإفراد والرفع فاعل أي سأل منه اللبن
ومنه سمي الحليب لتحلبه. وقال في فتح الباري: أي تهيأ لأن
يحلب قال: ولغير الكشميهني ثدييها بالتثنية (تسقي) بفوقية
مفتوحة وسكون المهملة وكسر القاف. قال الحافظ ابن حجر:
وللكشميهني بسقي بموحدة مكسورة بل
الفوقية وفتح المهملة
(9/18)
وسكون القاف وتنوين التحتية قال: وللباقين
تسعى بفتح العين المهملة من السعي أي تمشي بسرعة تطلب
ولدها الذي فقدته (إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته) أي
فأرضعته ليخف عنها اللبن لكونها تضررت باجتماعه فوجدت
ابنها فأخذته (فألصقته ببطنها وأرضعته) ولم يقف الحافظ ابن
حجر على اسم ولدها. وقال العيني: إذا وجدت كلمة إذ ظرف،
ويجوز أن تكون بدل اشتمال من امرأة قال: وفي بعض النسخ إذا
أي بالإلف، لكن قال الحافظ ابن حجر: قوله إذا أي بالألف
كذا للجميع (فقال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أترون) بضم الفوقية أي أتظنون (هذه) المرأة (طارحة ولدها)
هذا (في النار قلنا لا) تطرحه (وهي تقدر على أن لا تطرحه)
أي لا تطرحه مكرهة أبدًا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لله) بفتح اللام للتأكيد وللإسماعيلي والله
لله (أرحم بعباده) المؤمنين (من هذه) المرأة (بولدها). هذا
وحكى الشيخ ابن أبي جمرة احتمال تعميمه حتى في الحيوانات،
والحديث أخرجه مسلم في التوبة.
19 - باب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (جعل الرحمة مائة جزء) ولأبي
ذر: في مائة جزء.
6000 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ البَهْرانِيُّ،
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنَا
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ
جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ
جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِى الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا،
فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى
تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ
أَنْ تُصِيبَهُ».
وبه قال: (حدّثنا الحكم) بفتحتين، ولأبي ذر: أبو اليمان
الحكم (بن نافع البهراني) بفتح الموحدة وسكون الهاء نسبة
إلى قبيلة من قضاعة ينتهي نسبهم إلى بهر بن عمرو بن الحاف
بن قضاعة وهذه اللفظة ثابتة في رواية أبي ذر قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال:
(أخبرنا سعيد بن المسيب) بفتح التحتية المشددة ابن حزن
الإمام أبو محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (أن
أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(جعل الله الرحمة مائة جزء). وفي حديث سلمان عند مسلم: إن
الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض كل رحمة طباق
ما بين السماء والأرض الحديث. وخلق أي اخترع وأوجد بقوله
كل رحمة طباق إلى آخره التعظيم والتكثير، ولأبي ذر في مائة
جزء بزيادة في. قال في الكواكب: هي ظرفية يتم المعنى
بدونها أو متعلقة بمحذوف وفيه نوع مبالغة حيث جعلها
مظروفًا لها يعني بحيث لا يفوت منها شيء ورحمة الله غير
متناهية لا مائة ولا مائتان لكنها عبارة عن القدرة
المتعلقة بإيصال الخير والقدرة صفة واحدة والتعلق غير
متناه فحصره في مائة في سبيل
التمثيل تسهيلاً للفهم وتقليلاً لما عندنا وتكثيرًا لما
عنده سبحانه وتعالى، وهل المراد بالمائة التكثير والمبالغة
أو الحقيقة، فيحتمل أن تكون مناسبة لعدد درج الجنة والجنة
هي على الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة، وقد ثبت أنه لا
يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله فمن نالته منها رحمة واحدة
كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع الأنواع
من الرحمة (فأمسك) تعالى (عنده تسعة وتسعين جزءًا) ولمسلم
من رواية عطاء عن أبي هريرة وأخّر عنده تسعة وتسعين رحمة
(وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا) القياس وأنزل إلى الأرض لكن
حروف الجرّ يقوم بعضها مقام بعض أو فيه تضمين فعل، والغرض
منه المبالغة يعني أنزل رحمة واحدة منتشرة في جميع الأرض،
وفي رواية عطاء أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس
والبهائم (فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق) بالراء والحاء
المهملة (حتى ترفع الفرس حافرها) هو كالظلف للشاة (عن
ولدها خشية أن تصيبه) أي خشية الإصابة. وفي رواية عطاء:
فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولده،
وفي حديث سلمان: فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش
والطير بعضها على بعض، وزاد أنه يكملها يوم القيامة مائة
رحمة بالرحمة التي في الدنيا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
20 - باب قَتْلِ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ
(باب قتل الولد) أي قتل الرجل ولده (خشية أن يأكل معه)
ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: باب التنوين أي الذنب
أعظم.
6001 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟
قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ»
ثُمَّ قَالَ: أَىُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ
خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟
قَالَ: «أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال:
(أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي
وائل) شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) بفتح العين
وشرحبيل بضم الشين المعجمة
(9/19)
وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر
الموحدة وبعد التحتية الساكنة لام بالصرف وعدمه في
اليونينية الهمداني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-
أنه (قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أن تجعل لله ندًّا) بكسر النون وتشديد الدال المهملة
منوّنة أي شريكًا والند المثل ولا يقال إلا للمثل المخالف
المنادد (وهو) أي والحال أنه (خلقك ثم قال): أي ابن مسعود
ولأبي ذر قلت ثم (أي؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أن تقتل
ولدك خشية أن يأكل) ولأبي ذر عن الكشميهني: أن
يطعم (معك) (قال) ابن مسعود (ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة)
بالحاء المهملة أي زوجة (جارك) لأن فيه إساءة على من يستحق
الإحسان (وأنزل الله تعالى تصديق قول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في سورة الفرقان: ({والذين
لا يدعون مع الله إلهًا آخر}) [الفرقان: 68] أي لا يشركون.
زاد أبو ذر الآية.
وهذا الحديث سبق في تفسير سورة الفرقان من كتاب التفسير.
21 - باب وَضْعِ الصَّبِىِّ فِى الْحِجْرِ
(باب وضع الصبي في الحجر) شفقة وتعطفًا عليه، وسقط لأبي ذر
لفظ باب فالتالي رفع.
6002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى
أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضَعَ صَبِيًّا فِى حِجْرِهِ
يُحَنِّكُهُ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ
فَأَتْبَعَهُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن
المثنى) أبو موسى العنزي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد)
القطان (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة
بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضع صبيًّا) هو عبد الله بن
الزبير كما عند الدارقطني أو الحسين بن علي كما عند الحاكم
(في حجره) بفتح الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم حال كونه
(يحنكه) بأن ذلك حنكه بتمرة بعد أن مضغها (فبال) الصبي
(عليه) أي على ثوبه (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بماء فأتبعه) أي أتبع البول بالماء.
وهذا الحديث قد سبق في باب بول الصبيان من كتاب الطهارة.
22 - باب وَضْعِ الصَّبِىِّ عَلَى الْفَخِذِ
(باب وضع الصبي على الفخذ).
6003 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَارِمٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ
النَّهْدِىِّ يُحَدِّثُهُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ -رضى الله عنهما- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِى
فَيُقْعِدُنِى عَلَى فَخِذِهِ وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى
فَخِذِهِ الأُخْرَى ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ:
«اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّى أَرْحَمُهُمَا».
وَعَنْ عَلِىٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ التَّيْمِىُّ:
فَوَقَعَ فِى قَلْبِى مِنْهُ شَىْءٌ، قُلْتُ: حَدَّثْتُ
بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِى
عُثْمَانَ فَنَظَرْتُ فَوَجَدْتُهُ عِنْدِى مَكْتُوبًا
فِيمَا سَمِعْتُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد لأبي ذر ولغيره بالجمع (عبد
الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عارم) بالعين المهملة
وبعد الألف راء مكسورة فميم محمد بن الفضل السدوسي وهو من
مشايخ المؤلّف روى عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا المعتمر
بن سليمان يحدث عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أنه (قال:
سمعت أبا تميمة) بفتح الفوقية طريف بفتح المهملة وكسر
الراء آخره فاء ابن مجالد بالجيم الهجيمي بضم الهاء وفتح
الجيم (يحدث عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل (النهدي) بفتح
النون وسكون الهاء (يحدثه) أي يحدث أبا تميمة (أبو عثمان)
النهدي (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-) أنه قال: (كان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأخذني
فيقعدني على فخذه) بالمعجمتين (ويقعد الحسن) بن علي (على
فخذه الأخرى) بالتأنيث، ولأبي ذر: الآخر بالتذكير. واستشكل
بأن أسامة أسنّ من الحسن بكثير لأنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره على جيش عند وفاته الشريفة وكان
عمره فيما قيل عشرين سنة حينئذٍ وكان سن الحسن إذ ذاك ثمان
سنين. وأجيب: باحتمال أن يكون أقعد أسامة على فخذه لنحو
مرض أصابه فمرّضه بنفسه الشريفة لمزيد محبته له، وجاء
الحسن فأقعده على الآخر أو أن إقعادهما ليس في وقت واحد أو
عبّر عن إقعاده بحذاء فخذه لينظر في مرضه بقوله فيقعدني
على فخذه مبالغة في شدة قربه منه (ثم يضمهما ثم يقول):
(اللهم ارحمهما) بسكون الميم على الجزم أي صل خيرك إليهما
(فإني أرحمهما) بضم الميم أي أرق لهما وأتعطف عليهما.
والحديث سبق في فضائل أسامة وفضائل الحسن.
(و) به قال: البخاري (عن علي) هو ابن المديني أنه (قال:
حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سليمان) بن
طرخان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل (قال التيمي)
سليمان بن طرخان أبو المعتمر بالسند السابق (فوقع) أي لما
حدثني به أبو تميمة وقع (في قلبي منه شيء) من شك هل سمعته
من أبي تميمة عن أبي عثمان النهدي أو سمعته من أبي عثمان
بغير واسطة (قلت) في نفسي (حدثت) بفتح الحاء والدال كذا في
الفرع وأصله وفي نسخة حدثت بضم أوله وكسر ثانيه (به) بهذا
الحديث (كذا وكذا) أي كثيرًا
(9/20)
(فلم أسمعه من أبي عثمان) النهدي (فنظرت)
في كتابي (فوجدته) أي الحديث (عندي مكتوبًا) فيه (فيما
سمعت) منه فزال الشك من عندي أي اعتمادًا على خطه وإن لم
يتذكر، وهذا هو الراجح في الرواية. قال في فتح الباري
فكأنه سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان، ثم لقي أبا عثمان
فسمعه منه أو كان سمعه من أبي عثمان فثبته فيه أبو تميمة.
23 - باب حُسْنُ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ
هذا (باب) بالتنوين (حسن العهد) وهو كما قال في النهاية
الحفاظ ورعاية الحرمة أو حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال
كما قال الراغب (من الإيمان) أي من كماله.
6004 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا
غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ
وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ
يَتَزَوَّجَنِى بِثَلاَثِ سِنِينَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ
يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا
بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ
لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِى فِى خُلَّتِهَا
مِنْهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (عبيد بن إسماعيل)
الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام
عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: ما غرت) ما نافية (على امرأة ما غرت) موصولة أي
الذي غرت (على) أي من (خديجة) رضي الله عنها (ولقد هلكت
قبل أن يتزوجني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(بثلاث سنين لما) أي لأجل ما (كنت أسمعه يذكرها) ومن أحب
شيئًا أكثر من ذكره (ولقد أمره ربه) عز وجل (أن يبشرها
ببيت في الجنة من قصب) من لؤلؤ مجوّف (وإن كان) مخففة من
الثقيلة أي وإنه كان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وسقط ما بعد كان لأبي ذر (ليذبح الشاة) بلام
التأكيد (ثم يهدي) بضم التحتية (في خلتها منها) أي من
الشاة المذبوحة وزاد في فضل خديجة ما يسعهن، ولمسلم ثم
يهديها إلى خلائلها وفي الصحاح الخلة الخليل يستوي فيه
المذكر والمؤنث لأنه في الأصل مصدر قولك فلان خليل بين
الخلة. والحاصل أن ما كان من المصادر اسمًا يستوي فيه
المذكر والمؤنث والمفرد وغيره، وجوز بعضهم أن يكون هذا من
حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي ثم يهدي إلى أهل
خلتها.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: بأن
لفظ الترجمة ورد في حديث عائشة عند الحاكم والبيهقي في
الشعب من طريق صالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة
قالت: جاءت عجوز إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: كيف أنتم حالكم كيف كنتم بعدنا؟ قالت:
بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول
الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال: يا عائشة إنها
كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان، فاكتفى
البخاري بالإشارة على عادته تشحيذًا للأذهان تغمده الله
تعالى بالرحمة والرضوان.
24 - باب فَضْلِ مَنْ يَعُولُ يَتِيمًا
(باب فضل من يعولُ يتيمًا) أي يربيه ويقوم بمصالحه من قوت
وكسوة وغيرهما.
6005 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَبِى حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ
سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ
فِى الْجَنَّةِ هَكَذَا»، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ
السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري
(قال: حدثني) بالإفراد (عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء
المهملة والزاي (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (أبي) أبو
حازم سلمة بن دينار (قال: سمعت سهل بن سعد) الساعدي (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(أنا وكافل اليتيم) القائم بمصالحه (في الجنة هكذا وقال):
أي أشار (بإصبعيه) بالتثنية
(السبابة) بالموحدتين بينهما ألف والأولى مشددة ولأبي ذر
عن الكشميهني السباحة بالحاء بدل الموحدة الثانية التي
يشار بها في تشهد الصلاة وسميت بالسبابة أيضًا لأنه يسب
بها الشيطان حينئذٍ (والوسطى) زاد في اللعان وفرج بينهما
أي بين السبابة والوسطى قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن
بين درجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكافل
اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير قوله
"بعثت أنا والساعة كهاتين".
والحديث سبق في الطلاق، وأخرجه أيضًا أبو داود والترمذي.
25 - باب السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ
(باب) فضل (الساعي على الأرملة) بفتح الميم.
6006 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ
يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ،
وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ -أَوْ
كَالَّذِى يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال:
حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن صفوان بن سليم) بضم
السين وفتح اللام مولى حميد بن عبد الرحمن المدني التابعي
(يرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
قال في الكواكب: هذا مرسل لأن صفوان تابعي لكن لما قال
يرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صار
مسندًا مجهولاً لأنه لم يذكر شيخه فيها ما للنسيان
(9/21)
أو لغرض آخر ولا قدح بسببه (قال):
(الساعي على الأرملة) التي لا زوج لها سواء تزوجت قبل ذلك
أم لا أو هي التي فارقها زوجها غنية كانت أو فقيرة وقال
ابن قتيبة: سميت بذلك لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر
وذهاب الزاد بفقد الزوج (والمسكين) والساعي هو الكاسب لهما
العامل لمؤنتهما قاله النووي. قال في شرح المشكاة وإنما
كان معنى الساعي على الأرملة ما قاله لأنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدّاه بعلى مضمنًا فيه معنى الإنفاق.
وقوله (كالمجاهد في سبيل الله) أي في الأجر (أو كالذي يصوم
النهار ويقوم الليل) متهجدًا والشك من الراوي وتعيينه يأتي
قريبًا إن شاء الله تعالى.
0000 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى
مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِىِّ، عَنْ أَبِى
الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ..
مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله الأويسي (قال:
حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ثور بن زيد) بالمثلثة
وزيد من الزيادة (الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون
التحتية بغير همز وكسر اللام المدني (عن أبي الغيث)
بالمعجمة والمثلثة سالم (مولى) عبد الله (بن مطيع عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق.
26 - باب السَّاعِى عَلَى الْمِسْكِينِ
(باب) فضل (الساعي على المسكين) أي لأجل المسكين وهو
الكاسب.
6007 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى
الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ
وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ»،
وَأَحْسِبُهُ قَالَ: يَشُكُّ الْقَعْنَبِىُّ:
«كَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا
مالك) إمام الأئمة ابن أنس الأصبحي (عن ثور بن زيد) الديلي
(عن أبي الغيث) سالم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الساعي) الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفقه (على) المرأة
(الأرملة) بفتح الميم التي لا زوج لها (والمسكين) في
الثواب (كالمجاهد في سبيل الله) تعالى. قال عبد الله
القعنبي: (وأحسبه) أي أحسب مالكًا (قال: يشك القعنبي) جملة
معترضة بين القول ومقوله وهو قوله (كالقائم) الليل مجتهدًا
(لا يفتر) أي لا يضعف عن التهجد (وكالصائم) النهار (لا
يفطر) كقولهم نهاره صائم وليله قائم يريدون الديمومة.
والألف واللام في قوله كالقائم وكالصائم غير معرفين ولذا
وصف كل واحد بجملة فعلية بعده كقوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
27 - باب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ
(باب رحمة الناس بالبهائم) كذا في الفرع وفي أصله وغيره
الشراح بالواو بدل الموحدة وهو ظاهر من الأحاديث المسوقة
في الباب وليس فيها ما يدل للأوّل.
6008 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ،
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِى
سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ
شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ
لَيْلَةً فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا وَسَأَلَنَا
عَمَّنْ تَرَكْنَا فِى أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ
رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ
فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا
رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ
فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ
أَكْبَرُكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
إسماعيل) بن إبراهيم يعرف بأمه علية قال: (حدّثنا أيوب) بن
أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله
بن زيد الجرمي (عن أبي سليمان مالك بن الحويرث) الليثي
نزيل البصرة أنه (قال: أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن شببة) جمع شاب مثل كتبة وكاتب
(متقاربون) في السن (فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن) عليه
الصلاة والسلام (أنّا اشتقنا أهلنا) ولأبي ذر: إلى أهلينا
بزيادة حرف الجرّ والتحتية الساكنة بعد اللام (وسألنا)
بفتح اللام (عمن تركنا في أهلنا) ولأبي ذر في أهلينا
(فأخبرناه) بذلك (وكان رفيقًا) بالفاء ثم القاف من الرفق،
ولأبي ذر عن الكشميهني رقيقًا بقافين من الرقة (رحيمًا
فقال) لهم: (ارجعوا إلى أهليكم) من المجموع النادرة حيث
يجمع على الأهلين والأهلات والأهالي (فعلموهم) أي الشرع
(ومروهم) بالمأمورات أو علموهم الصلاة وأمروهم بها (وصلوا
كما رأيتموني أصلي وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا (حضرت
الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم) ولأبي ذر وليؤمكم
بالواو بدل ثم (أكبركم) سنًّا.
والحديث قد مرّ في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة
من كتاب الصلاة.
6009 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ
سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ
السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا
رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ،
فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ
فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ
الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا
الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ
بِى، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ
بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ
فَغَفَرَ لَهُ»، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ
لَنَا فِى الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ، «فِى كُلِّ
ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن سميّ) بضم السين وفتح
الميم وتشديد التحتية (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن
المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة) -رضي
الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(بينما) بالميم (رجل) أي يسم (يمشي بطريق اشتد) ولأبي ذر
واشتد (عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج) منها
(فإذا كلب يلهث) بالمثلثة يخرج لسانه من العطش (يأكل
الثرى) بالمثلثة التراب
(9/22)
الندي (من العطش) الشديد الذي أصابه (فقال
الرجل: لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب على المفعولية (من العطش
مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه)
أي بفمه (فسقى الكلب فشكر الله) عز وجل (له) ذلك أي جازاه
عليه (فغفر له قالوا: يا رسول الله وإن لنا في) سقي
(البهائم أجرًا؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (في) ولأبي ذر عن الكشمهني نعم في (كل ذات كبد
رطبة) أي في سقي كل حيوان (أجر) والرطوبة كناية عن الحياة.
وهذا الحديث سبق في باب فضل سقي الماء من الشرب.
6010 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ فَقَالَ
أَعْرَابِىٌّ وَهْوَ فِى
الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَمُحَمَّدًا وَلاَ
تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
لِلأَعْرَابِىِّ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا» يُرِيدُ
رَحْمَةَ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا
هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قام رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة وقمنا معه فقال
أعرابي) قيل هو الخويصرة وقيل الأقرع بن حابس (وهو في
الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فلما
سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة
(قال للأعرابي):
(لقد حجرت) بفتح المهملة وتشديد الجيم وسكون الراء ضيقت
(واسعًا) وخصصت ما هو عام (يريد) عليه الصلاة والسلام
(رحمةَ الله) عز وجل التي وسعت كل شيء.
والحديث من إفراده.
6011 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا،
عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ
النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَرَى
الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ
وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى
عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ
وَالْحُمَّى».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي أنه (قال: سمعته
يقول: سمعت النعمان بن بشير) الأنصاري -رضي الله عنه-
(يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ترى المؤمنين في تراحمهم) بأن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة
الإسلام لا بسبب آخر (وتوادّهم) بتشديد الدال وأصله بدالين
فأدغمت الأولى في الثانية أي تواصلهم الجالب للمحبة
كالتزاور والتهادي (وتعاطفهم) بأن يعين بعضهم بعضًا كما
يعطف طرف الثوب عليه ليقويه (كمثل الجسد) بالنسبة إلى جميع
أعضائه ومثل بفتحتين (إذا اشتكى عضوًا) منه (تداعى له سائر
جسده) دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة (بالسهر) لأن لم يمنع
النوم (والحمى) لأن فقد النوم يثيرها، والحاصل أن مثل
الجسد في كونه إذا اشتكى بعضه اشتكى كله كالشجرة إذا ضرب
غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب وفيه
جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضًا.
6012 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ
إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري
(عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- سقط
لأبي ذر ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ما من مسلم غرس غرسًا فأكل) بلفظ الماضي كغرس ولأبي ذر عن
الكشميهني يأكل (منه إنسان أو دابة) من عطف العام على
الخاص إن كان المراد ما دب على الأرض أو من عطف الجنس على
الجنس إن كان المراد الدابة المعروفة (إلا كان له صدقة)
ولأبي ذر له به صدقة وإن لم يقصد ذلك عينًا.
والحديث سبق في المزارعة.
6013 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ
وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدثني)
بالإفراد (زيد بن وهب) أبو سليمان الهمداني (قال: سمعت
جرير بن عبد الله) البجلي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من لا يرحم) الخلق من مؤمن وكافر وبهائم مملوكة وغيرها
كأن يتعاهدهم بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك
التعدي بالضرب في الدنيا (لا يرحم) في الآخرة ويرحم الأولى
للفاعل والثانية للمفعول، وعند الطبراني: من لا يرحم من في
الأرض لا يرحمه من في السماء. وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن
يكون المعنى من لا يرحم نفسه بامتثال أوامر الله واجتناب
نواهيه لا يرحمه الله لأنه ليس له عنده عهد فتكون الرحمة
الأولى بمعنى الأعمال والثانية بمعنى الجزاء أي لا يثاب
إلا من عمل صالحًا، وفي إطلاق رحمة العباد في مقابلة رحمة
(9/23)
الله نوع مشاكلة ويرحم مرفوع على أن من
موصولة والجزم على تضمنها معنى الشرط.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في
فضائله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
28 - باب الْوَصَاءَةِ بِالْجَارِ وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} -إِلَى قَوْلِهِ-
{مُخْتَالاً فَخُورًا} [النساء: 36]
(باب) وفي نسخة كتاب (الوصاءة بالجار) بفتح الواو والصاد
المهملة المخففة بعدها همزة ممدودًا لغة في الوصية وكذا
الوصاية بإبدال الهمزة ياء وفي نسخة كتاب البر والصلة
(وقول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا
وبالوالدين إحسانًا}) وأحسنوا بهما إحسانًا (إلى قوله:
{مختالاً) تياهًا جهولاً يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه
ومماليكه فلا يلتفت إليهم ({فخورًا})
[النساء: 36] يفخر على عباد الله بما أعطاه من أنواع نعمه،
وسقط لأبي ذر قوله إلى قوله {مختالاً فخورًا} وقال بعد
قوله {إحسانًا} الآية، والمراد من الآية ما فيها من
الإحسان بالجار والجار ذي القربى الذي قرب جواره والجار
الجنب الذي بعد جواره أو الجار الأوّل القريب والنسب
والآخر الأجنبي.
6014 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«مَا زَالَ يُوصِينِى جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى
ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني)
بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن يحيى بن سعيد)
الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن محمد) أي ابن
عمرو بن حزم (عن عمرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة -رضي الله
عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(ما زال جبريل) عليه السلام (يوصيني بالجار) مسلمًا كان أو
كافرًا عابدًا أو فاسقًا صديقًا أو عدوًّا غريبًا أو
بلديًّا ضارًّا أو نافعًا قريبًا أو أجنبيًّا قريب الدار
أو بعيدها (حتى ظننت أنه سيورثه) أي أنه يأمرني عن الله
بتوريث الجار من جاره بأن يجعله مشاركًا في المال مع
الأقارب بسهم يعطاه، وفي البخاري من حديث جابر بلفظ "حتى
ظننت أنه يجعل له ميراثًا". وفي حديث جابر عند الطبراني
رفعه: الجيران ثلاثة.
جار له حق وهو المشرك له حق الجوار.
وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام.
وجار له ثلاثة حقوق جار مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام
والرحم.
وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الأدب
والترمذي في البر.
6015 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ
حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن منهال) التميمي البصري الحافظ
قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري قال:
(حدّثنا عمر بن محمد) بضم العين (عن أبيه) محمد بن زيد بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) جده (-رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ما زال جبربل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ويحصل
امتثال الوصية بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة
كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله
ومعاونته فيما يحتاج إليه، وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف
أنواعه حسية كانت أو معنوية.
29 - باب إِثْمِ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ
يُوبِقْهُنَّ: يُهْلِكْهُنَّ. مَوْبِقًا: مَهْلِكًا
(باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه) بموحدة فواو مفتوحتين
وبعد الألف تحتية مكسورة فقاف فهاء جمع بائقة وهي الغائلة
أي لا يأمن جاره غوائله وشره (يوبقهن) من قوله تعالى: ({أو
يوبقهن بما كسبوا} [الشورى: 34] قال أبو عبيد (يهلكهن.
موبقًا) من قوله تعالى: ({وجعلنا بينهم موبقًا} [الكهف:
52] (مهلكًا) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس.
6016 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ أَنَّ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ وَاللَّهِ
لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
«الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» تَابَعَهُ
شَبَابَةُ وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ
الأَسْوَدِ: وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ
عَيَّاشٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِى
ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي قال: (حدّثنا ابن
أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد) المقبري (عن أبي
شريح) بضم المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة خويلد
الخزاعي الصحابي -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) بالتكرار
ثلاثًا أي إيمانًا كاملاً أو هو في حق المستحل أو أنه لا
يجازى مجازاة المؤمن فيدخل الجنة من أوّل وهلة مثلاً أو
أنه خرج مخرج الزجر والتغليظ (قيل: ومن يا رسول الله)؟ أي
ومن الذي لا يؤمن والواو في ومن عطف على مقدر أي سمعنا
قولك وما سمعنا من هو أو الواو زائدة أو استئنافية. قال في
الفتح: ولأحمد من حديث ابن مسعود أنه السائل عن ذلك قال:
وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ: قالوا يا رسول الله لقد خاب
وخسر من هو؟ وعزاه للبخاري وحده وما رأيته فيه بهذه
الزيادة ولا ذكرها الحميدي في الجمع (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الذي لا يأمن جاره بوائقه)
(9/24)
بفتح التحتية من يأمن وفيه مع قوله لا يؤمن
بالضم جناس التحريف والأول من الإيمان والثاني من الأمان
وفي تكرير القسم ثلاثًا تأكيد حق الجار والحديث من إفراده.
(تابعه) أي تابع عاصم بن علي (شبابة) بفتح المعجمة
وبموحدتين بينهما ألف مخففًا ابن سوار بفتح المهملة والواو
وبعد الألف راء الفزاري في روايته عن ابن أبي ذئب مما وصله
الإسماعيلي الأموي أسد السنة في روايته عن ابن أبي ذئب
أيضًا (و) تابعه أيضًا (أسد بن موسى) مما أخرجه الطبراني
في مكارم الأخلاق (وقال حميد بن الأسود) بضم الحاء المهملة
مصغرًا الكرابيسي وهذه الرواية قال في المقدمة: لم أرها
(و) قال (عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري مما
وصله أحمد في مسنده عنه (وأبو بكر بن عياش) بالتحتية
والمعجمة القاري راوي عاصم (وشعيب بن إسحاق) الدمشقي قال
الحافظ ابن حجر لم أرها الأربعة (عن ابن أبي ذئب) محمد بن
عبد الرحمن
(عن المقبري) بضم الموحدة سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه-، وقد اختلف أصحاب ابن أبي ذئب في صحابي هذا الحديث
فقال سعيد المقبري وشبابة وأسد بن موسى عن أبي شريح. وقال
الأربعة حميد وعثمان وابن عياش وشعيب عن أبي هريرة، فقال
أحمد فيما روي عنه: من سمع من ابن أبي ذئب ببغداد يقول عن
أبي شريح، ومن سمع منه بالمدينة يقول أبو هريرة. وصنيع
البخاري يقتضي تصحيح الوجهين.
30 - باب لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا تحقرن) بكسر القاف (جارة
لجارتها).
6017 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ
الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لاَ
تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ
شَاةٍ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا سعيد هو
المقبري) بضم الموحدة وسقطت لفظة هو لأبي ذر (عن أبيه)
كيسان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يا نساء) الأنفس (المسلمات) من إضافة الموصوف إلى صفته أو
تقديره يا فاضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي
ساداتهم وأفاضلهم (لا تحقرن جارة) أن تهدي (لجارتها) شيئًا
(ولو) أنها تهدي لها (فرسن شاة) بكسر الفاء والسين المهملة
بينهما راء وهو ما فوق حافرها وهو كالقدم للإنسان أي ولو
كان المهدي مما لا ينتفع به غالبًا ولتهد ما تيسر وإن كان
قليلاً إذ هو خير من العدم، وخص النهي بالنساء لأنهن مواد
المودة والبغضاء ولأنهن أسرع انفعالاً في كل منهما. وهذا
الحديث أخرجه مسلم في الزكاة.
31 - باب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ
هذا (باب) بالتنوين (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يؤذ جاره).
6018 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلاَ يُؤْذِ
جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ
لِيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي وسقط
لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد
اللام ابن سليم الكوفي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر
الصاد
المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن أبي صالح)
ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من كان يؤمن بالله) الذي خلقه إيمانًا كاملاً (واليوم
الآخر) الذي إليه معاده وفيه مجازاته بعمله (فلا يؤذ جاره)
فيه مع سابقه الأمر بحفظ الجار وإيصال الخير إليه وكف
أسباب الضرر عنه. قال في بهجة النفوس: وإذا كان هذا في حق
الجار مع الحائل بين الشخص وبينه فينبغي له أن يراعي حق
الملكين الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل
فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات، فقد جاء
أنهما يسران بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السيئات فينبغي
مراعاة جانبهما وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعة
والمواظبة على اجتناب المعصية فهما أولى برعاية الحق من
كثير من الجيران (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم
ضيفه). قال الداودي فيما نقله عنه في المصابيح يعني يزيد
في إكرامه على ما كان يفعل في عياله، وقال في الكواكب:
الأمر بالإكرام يختلف بحسب المقامات فربما يكون فرض عين أو
فرض كفاية وأقله أنه من باب مكارم الأخلاق (ومن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) ليغنم
(9/25)
(أو ليصمت) بضم الميم وقد تكسر أي ليسكت عن
الشر ليسلم إذ آفات اللسان كثيرة فاحفظ لسانك وليسعك بيتك
وابك على خطيئتك، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا
حصائد ألسنتهم. قال ابن مسعود: ما شيء أحوج إلى طول سجن من
لسان، ولبعضهما: اللسان حية مسكنها الفم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وابن ماجة في الفتن.
6019 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدٌ
الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ:
سَمِعَتْ أُذُنَاىَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ حِينَ
تَكَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ
جَائِزَتَهُ» قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ
ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ
صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ
لِيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي
الحافظ قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني)
بالإفراد (سعيد المقبري عن أبي شريح) بضم المعجمة وفتح
الراء آخره مهملة خويلد (العدوي) الخزاعي الكعبي الصحابيّ
-رضي الله عنه- (قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفائدة قوله
سمعت وأبصرت التوكيد (فقال):
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وفي مسلم من
حديث أبي هريرة فليحسن إلى جاره (ومن كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) نصب مفعول ثان ليكرم
لأنه في معنى الإعطاء أو بنزع الخافض أي بجائزته والجائزة
العطاء (قيل: وما جائزته يا رسول الله؟
فقال): جائزته (يوم وليلة) وجاز وقوع الزمان خبرًا عن
الجثة إما باعتبار أن له حكم الظرف وإما مضاف مقدر أي زمان
جائزته يوم وليلة (والضيافة ثلاثة أيام) باليوم الأول أو
ثلاثة بعده والأول أشبه قال الخطابي: أي يتكلف له يومًا
وليلة فيتحفه ويزيده في البر على ما يحضره في سائر الأيام
وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما حضر فإذا مضت الثلاثة فقد
قضى حقه (فما كان) من البر (وراء ذلك) المذكور من الثلاثة
(فهو صدقة عليه) وفي التعبير بالصدقة تنفير عنه لأن كثيرًا
من الناس يأنفون غالبًا من أكل الصدقة وفي مسلم الضيافة
ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهو يدل على المغايرة أي قدر
ما يجوز به المسافر ما يكفيه يومًا وليلة أو أن قوله
وجائزته بيان لحالة أخرى وهو أن المسافر تارة يقيم عند من
ينزل عليه فهذا لا يزاد على الثلاثة وتارة لا يقيم فهذا
يعطي ما يجوز به قدر كفايته يومًا وليلة ومنه حديث أجيزوا
الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسيكون لنا عودة إن شاء الله
تعالى بعونه وقوّته إلى بقية مباحث هذا في باب إكرام
الضيف. (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو
ليصمت) بضم الميم. وقال الطوفي: بكسرها سمعناه وهو القياس
كضرب يضرب يعني أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليتفكّر قبل
كلامه فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجرّ إلى محرم
ولا مكروه فليتكلم وإن كان مباحًا فالسلامة في السكوت لئلا
يجر المباح إلى محرم أو مكروه وقد اشتمل هذا الحديث من
الطريقين على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية
والقولية أما الأوّلان فمن الفعلية وأولهما يرجع إلى الأمر
بالتخلي عن الرذيلة والثاني يرجع إلى الأمر بالتحلي
بالفضيلة والحاصل أن من كان كامل الإيمان فهو متصف بالشفقة
على خلق الله قولاً بالخير أو سكوتًا عن الشر أو فعلاً لما
ينفع أو تركًا لما يضر.
32 - باب حَقِّ الْجِوَارِ فِى قُرْبِ الأَبْوَابِ
(باب حق الجوار في قرب الأبواب) فمن كان أقرب كان الحق له.
6020 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو عِمْرَانَ قَالَ:
سَمِعْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا
أُهْدِى قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي البصري قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو
عمران) عبد الملك الجوني بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون
البصري (قال: سمعت طلحة) بن عبد الله بن عثمان بن عبيد
الله التيمي القرشي (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها
(قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي)؟
بضم الهمزة من الإِهداء (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(إلى أقربهما منك بابًا) نصب على التمييز أي أشدهما قربًا
لأنه يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوّف لها
بخلاف الأبعد وروي عن عليّ من سمع النداء فهو جار، وعن
عائشة
حق الجوار أربعون دارًا من كل جانب وعن كعب بن مالك عند
الطبراني بسند ضعيف مرفوعًا: ألا إن أربعين دارًا جار.
وحديث الباب سبق في الشفعة.
33 - باب كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كل معروف) يفعله
(9/26)
الإنسان أو يقوله من الخير مما ندب إليه
الشارع أو نهى عنه يكتب له به (صدقة).
6021 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى
الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عياش) بالتحتية والمعجمة الحمصي
قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة
المشددة المفتوحتين وبعد الألف نون محمد بن مطرف بكسر
الراء المشددة (قال: حدثني) بالإفراد (محمد بن المنكدر)
بضم الميم وسكون النون وفتح الكاف وكسر الدال بعدها راء
ابن عبد الله التيمي المدني الحافظ (عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(كل معروف صدقة) وزاد الدارقطني والحاكم من طريق عبد
الحميد بن الحسن الهلالي عن ابن المنكدر "وما أنفق الرجل
على أهله كتب له به صدقة وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة"
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق ابن المنكدر عن
أبيه وزاد: ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وأن تكفئ من
دلوك في إناء أخيك ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، لكن
قال شيخنا الحافظ السخاوي: الذي رأيته في الأدب المفرد
إنما هو من طريق أبي غسان الذي أخرجه في الصحيح من جهته
ولفظهما سواء. نعم هو في مسند أحمد من طريق ابن المنكدر
باللفظ المشار إليه اهـ.
وحديث الباب من أفراد البخاري، وأخرجه مسلم من حديث حذيفة
والله أعلم.
6022 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى
الأَشْعَرِىِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى
كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟
قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ
وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ
يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ»
قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ: «فَيَأْمُرُ
بِالْخَيْرِ أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: فَإِنْ
لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ
فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن
أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (بن أبي موسى) عبد
الله بن قيس (الأشعري) سقط لفظ الأشعري لأبي ذر (عن أبيه)
أي بردة (عن جده) أبي موسى أنه (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(على كل مسلم) في مكارم الأخلاق (صدقة) وليس ذلك فرضًا
إجماعًا (قالوا: فإن لم يجد)؟ ما يتصدق به (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيعمل بيديه) بالتثنية
(فينفع نفسه) بما يكسبه من صناعة وتجارة ونحوهما بإنفاقه
عليها ومن تلزمه نفقته ويستغني بذلك عن ذل السؤال لغيره
(ويتصدق) فينفع غيره ويؤجر وقوله فيعمل فينفع ويتصدق
بالرفع في الثلاثة خبر بمعنى الأمر قاله ابن مالك (قالوا:
فإن لم يستطع) أي بأن عجز عن ذلك (أو لم يفعل)؟ ذلك كسلاً
والشك من الراوي. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (فيعين) بالقول أو الفعل أو بهما (ذا الحاجة
الملهوف) أي المظلوم المستغيث يقال: لهف الرجل إذا ظلم أو
المحزون المكروب (قالوا: فإن لم يفعل)؟ ذلك عجرًا أو كسلاً
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيأمر) ولأبي
ذر فليأمر (بالخير أو قال بالمعروف) بالشك من الراوي أيضًا
(قال: فإن لم يفعل؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (فيمسك)
ولأبي ذر فليمسك (عن الشر فإنه) أي الإمساك عنه (له صدقة)
يثاب عليها وتمسك به من قال: إن الترك عمل وكسب للعبد
خلافًا لمن قال: إنه ليس بعمل.
وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بقوّته وعونه إلى بقية
مباحث ذلك في الرقاق، وسبق الحديث في الزكاة.
34 - باب طِيبِ الْكَلاَمِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»
(باب طيب الكلام. وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الكلمة الطيبة
صدقة) كإعطاء المال لأن إعطاءه يفرح به قلب من يعطاه ويذهب
ما في قلبه وكذلك الكلمة الطيبة كما قال ابن بطال، وهذا
التعليق طرف من حديث وصله المؤلّف في الصلح والجهاد.
6023 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
قَالَ: أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ
عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: النَّارَ فَتَعَوَّذَ
مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ
فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، -، قَالَ
شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ ثُمَّ قَالَ:
«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ
تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد
(عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن خيثمة) بفتح الخاء المعجمة
وبعد التحتية الساكنة مثلثة مفتوحة ابن عبد الرحمن (عن عدي
بن حاتم) بالحاء المهملة الطائي أنه (قال: ذكر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النار فتعوّذ منها)
تعليمًا لأمته (وأشاح) بهمزة مفتوحة وشين معجمة بعدها ألف
أي أعرض (بوجهه) فعل الحذر من الشيء الكاره له كأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يراها ويحذر
وهجها فينحّي وجهه
الكريم عنها (ثم ذكر النار فتعوّذ منها وأشاح بوجهه. قال
شعبة) بن الحجاج بالسند السابق: (أما مرتين فلا أشك) وأما
ثلاث مرات فأشك
(9/27)
وأما بفتح الهمزة (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(اتقوا النار ولو بشق تمرة) بكسر الشين المعجمة نصف تمرة
(فإن لم يجد) أحدكم شق تمرة والذي في اليونينية تجد
بالفوقية (فبكلمة طيبة) وذكر الإفراد بعد الجمع من باب
الالتفات.
والحديث سبق في صفة النار.
35 - باب الرِّفْقِ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ
(باب) فضل (الرفق) بكسر الراء لين الجانب والأخذ بالأسهل
(في الأمر كله).
6024 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ
الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ
السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْلاً يَا
عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ
كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ تَسْمَعْ
مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب)
الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي
الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (قالت:
دخل رهط من اليهود) هو من الرجال ما دون العشرة (على رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام)
بالمهملة وتخفيف أم الموت (عليكم. قالت عائشة) -رضي الله
عنها- (ففهمتها فقلت) لهم (وعليكم السام واللعنة) سقطت
الواو لأبي ذر (قالت: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مهلاً) بفتح الميم وسكون الهاء منصوب على المصدرية يستوي
فيه الواحد فأكثر والمذكر والمؤنث أي تأني وارفقي (يا
عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله) ولمسلم من حديث أبي
شريح بن هانئ عنها أن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا
ينزع من شيء إلا شأنه (فقلت: يا رسول الله ولم تسمع ما
قالوا)؟ ولأبي ذر: أولم بهمزة الاستفهام وواو العطف (قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد قلت)
لهم (وعليكم) بواو العطف الساقطة لأبي ذر، واستشكل بأن
العطف يقتضي التشريك وهو غير جائز. وأجيب: بأن المشاركة في
الموت أي نحن وأنتم كلنا نموت أو أن الواو للاستئناف لا
للعطف أو تقديره وأقول عليكم ما تستحقونه، وإنما اختار هذه
الصيغة لتكون أبعد عن الإيحاش وأقرب إلى الرفق.
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان والنسائي في التفسير وفي
اليوم والليلة.
6025 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا
بَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا
تُزْرِمُوهُ» ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ
عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أو محمد الحجبي
البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن ثابت)
هو ابن أسلم البناني ولأبي ذر قال: حدّثنا ثابت (عن أنس بن
مالك) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن مالك (أن أعرابيًّا
بال في المسجد فقاموا) أي الصحابة (إليه) لينالوا منه
ضربًا أو غيره (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لهم:
(لا تزرموه) بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء وضم
الميم أي لا تقطعوا عليه بوله (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بدلو من ماء فصب عليه) بضم الصاد
المهملة أي محل البول.
وسبق الحديث في باب ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد في
كتاب الطهارة.
36 - باب تَعَاوُنِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا
(باب) فضل (تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا) بجرّ بعضهم بدلاً
من المؤمنين بدل بعض من كل ويجوز الضم أيضًا، وقول
الكرماني بعضًا نصب بنزع الخافض أي للبعض، وتعقبه العيني
بأن الأوجه أن يكون مفعول المصدر المضاف إلى فاعله وهو لفظ
التعاون لأن المصدر يعمل عمل فعله.
6026 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، بُرَيْدِ بْنِ أَبِى
بُرْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِى جَدِّى أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ
كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبَّكَ
بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ
أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا
فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ
نَبِيِّهِ مَا شَاءَ»
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء
(بريد) بن عبد الله (بن أبي بردة) نسبه لجده واسم أبيه عبد
الله وسقط لأبي ذر بردة الأولى (قال: أخبرني) بالإفراد
(جدي أبو بردة) عامر (عن أبيه أبي موسى) عبد الله بن قيس
الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(المؤمن) أي بعض المؤمن (للمؤمن كالبنيان) فالألف واللام
في المؤمن للجنس (يشدّ بعضه بعضًا) بيان لوجه التشبيه
كقوله (ثم شبك بين أصابعه) أي شدًّا مثل هذا الشد (وكان
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالسًا إذ جاء
رجل يسأل أو طالب حاجة) بالإضافة ولأبي ذر أو طالب
بالتنوين حاجة نصب
مفعول والشك من الراوي وإذ بسكون الذال المعجمة في الفرع
وفيه وفي اليونينية بغير رقم إذا بألف، وقال في الفتح: كذا
أي بالألف في النسخ من رواية محمد الفريابي عن سفيان
(9/28)
الثوري وفي تركيبه قلق ولعله كان الأصل كان
إذا كان جالسًا إذا جاءه رجل فحذف اختصارًا أو سقط من
الراوي لفظ إذا كان على أنني تتبعت ألفاظ الحديث من الطرق
فلم أره في شيء منها بلفظ جالسًا، وتعقبه العيني بأنه لا
قلق في التركيب أصلاً قال: وآفة هذا من ظن أن جالسًا خبر
كان وليس كذلك، وإنما خبر كان قوله أقبل علينا وجالساً
حال، وعند أبي نعيم من رواية إسحاق بن زريق عن الفريابي
كان رسول اللهّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
جاءه السائل أو طالب الحاجة (أقبل علينا بوجهه) الشريف
(فقال: اشفعوا) في قضاء حاجة السائل أو الطالب (فلتؤجروا)
بسكون اللام في الفرع. وقال في الكواكب: الفاء للسببية
التي ينصب بعدها الفعل المضارع واللام بالكسر بمعنى كي
وجاز اجتماعهما لأنهما لأمر واحد أو هي زائدة على مذهب
الأخفش كزيادتها في قوله قوموا فلأصلي لكم أي اشفعوا كي
تؤجروا، ويحتمل أن تكون اللام لام الأمر والمأمور به
التعرض للأجر بالشفاعة فكأنه قال: اشفعوا تتعرضوا بذلك
للأجر وتكسر هذه اللام على أصل لام الأمر ويجوز تسكينها
تخفيفًا لأجل الحركة التي قبلها، ولكريمة مما في الفتح
تؤجروا والجزم بحذف النون على جواب الأمر المتضمن معنى
الشرط وهو واضح، وللنسائي: اشفعوا تشفعوا (وليقض الله)
بسكون اللام في الفرع، قال في الفتح: كذا في هذه الرواية
باللام، وقال القرطبي: لا يصح أن تكون لام الأمر لأن الله
لا يؤمر ولا لام كي لأنه ثبت في الرواية بغير ياء، ويحتمل
أن تكون بمعنى الدعاء أي: اللهم اقض أو الأمر هنا بمعنى
الخبر أي إن عرض المحتاج حاجة عليّ فاشفعوا له إليّ فإنكم
إذا شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أو لا، ويجري
الله (على لسان نبيه ما شاء) من موجبات قضاء الحاجة أو
عدمها.
والحديث أخرجه النسائي.
37 - باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً
حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ
شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ
اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85]
كِفْلٌ: نَصِيبٌ. قَالَ أَبُو مُوسَى كِفْلَيْنِ:
أَجْرَيْنِ بِالْحَبَشِيَّةِ.
(باب قول الله تعالى {من يشفع شفاعة حسنة}) وهي التي روعي
بها حق مسلم ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير وابتغي وجه
الله ولم يؤخذ عليها رشوة وكانت في أمر جائز لا في حدّ من
حدود الله ولا في حق من الحقوق {يكن له نصيب منها} من ثواب
الشفاعة {ومن يشفع شفاعة سيئة} هي خلاف الشفاعة الحسنة
{يكن له كفل منها} نصيب قال في اللباب: الظاهر أن من فى
قوله هنا منها سببية أي كفل بسببها ونصيب بسببها ويجوز أن
تكون ابتدائية {وكان الله على
كل شيء مقيتًا} [النساء: 85] مقتدرًا من أقات على الشيء
اقتدر عليه أو حفيظًا من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها
وسقط قوله: {ومن يشفع شفاعة سيئة} إلى آخره لأبي ذر.
(كفل) أي (نصيب) قاله أبو عبيدة زاد غيره إلا أن استعماله
في الشر أكثر عكس النصيب وإن كان قد استعمل الكفل في الخير
(قال أبو موسى): عبد الله بن قيس الأشعري مما وصله ابن أبي
حاتم (كفلين) من قوله تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته}
[الحديد: 28] أي (أجرين بـ) ـاللغة (الحبشية) الموافقة
للعربية وأراد البخاري أن الكفل يطلق على النصيب وعلى
الأجر. قال ابن عادل: ولغلبة استعمال الكفل في الشر
واستعمال النصيب في الأجر غاير بينهما في هذه الآية
الكريمة إذ أتى بالكفل مع السيئة والنصيب مع الحسنة.
6028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ
السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: «اشْفَعُوا
فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ
رَسُولِهِ مَا شَاءَ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن
العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن بريد) أبي بردة بن عبد الله (عن) جده
(أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله الأشعري
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة) ولأبي
ذر عن الكشميهني أو صاحب حاجة (قال) لمن حضره من أصحابه:
(اشفعوا) في حاجته إليّ (فلتؤجروا) بسبب شفاعتكم (وليقض
الله) عز وجل وللحموي والمستملي ويقضي الله بغير لام
وإثبات الياء التحتية (على لسان رسوله) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما شاء) وفيه الحث على الشفاعة إلى
الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف على مقصد مأذون فيه من
(9/29)
الشرع.
38 - باب لَمْ يَكُنِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لم يكن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع (ولا متفحشًا)
بالتكلف أي لا ذاتيًا ولا عرضيًّا.
6029 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ،
سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَمْرٍو ح حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ
فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ
مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ
أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال: (سمعت أبا
وائل) شقيق بن سلمة يقول: (سمعت مسروقًا) أي ابن الأجدع
(قال: قال عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (ح).
قال المؤلّف: (وحدّثنا) بالواو ولأبي ذر (قتيبة) بن سعيد
قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان
(عن شقيق بن سلمة) أبي وائل (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه
(قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو) هو ابن العاص -رضي الله
عنهما- (حين قدم مع معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنه-
(إلى الكوفة) سنة إحدى وأربعين (فذكر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: لم يكن فاحشًا ولا
متفحشًا) بتشديد الحاء المهملة والفحش: كل ما خرج عن
مقداره حتى يستقبح ويكون في القول والفعل والصفة يقال:
طويل فاحش إذا أفرط في الطول لكن استعماله في القول أكثر
(وقال) عبد الله بن عمرو (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن من أخيركم) بإثبات الهمزة بوزن أفضلكم على الأصل إلا
أنهم تركوه غالبًا فيها وفي شر، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي من خيركم (أحسنكم خلقًا) بضمتين والروايتان
بمعنى يقال فلان خير من فلان أي أفضل منه. وقال في الفتح:
ووقع في بعضها بلفظ متفاحشًا والخلق ملكة تصدر بها الأفعال
بسهولة من غير تفكّر، والحديث مضى في باب صفة النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
6030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضى الله عنها-
أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: «مَهْلاً يَا
عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ
وَالْفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟
قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِى مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ
عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِى فِيهِمْ وَلاَ يُسْتَجَابُ
لَهُمْ فِىَّ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن سلام)
البيكندي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي
(عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة
-رضي الله عنها- أن يهودًا أتوا النبي) ولأبي ذر: أتوا
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا:
السام) أي الموت (عليكم) وكان قتادة يرويه بالمد من السآمة
وهي الملل أي تسأمون دينكم وقيل كانوا يعنون أماتكم الله
الساعة (فقالت عائشة) -رضي الله عنها- (عليكم) السام
(ولعنكم الله وغضب الله عليكم قال): -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(مهلاً) بفتح الميم وسكون الهاء (يا عائشة عليك بالرفق
وإياك والعنف) بتثليث العين والضم أكثر وسكون النون وهو ضد
الرفق (والفحش) التكلم بالقبيح (قالت): يا رسول الله (أو
لم تسمع ما قالوا؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أو لم تسمعي ما قلت) لهم؟ قال في المصابيح:
وفي بعض النسخ أو لم تسمعين
بإثبات النون على لغة من لم يجزم بها (رددت عليهم) دعاءهم
(فيستجاب لي فيهم) لأنه دعاء بحق (ولا يستجاب لهم فيّ)
لأنه دعاء بالباطل والظلم، وقوله فيّ بكسر الفاء وتشديد
التحتية.
والحديث سبق في باب الرفق في الأمر كله.
6031 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ
وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى هُوَ فُلَيْحُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمْ يَكُنِ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَّابًا
وَلاَ فَحَّاشًا وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ
لأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ
جَبِينُهُ». [الحديث 6031 - طرفه في: 6046].
وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج المصري (قال: أخبرني)
بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرنا أبو يحيى
فليح بن سليمان) ولأبي ذر هو فليح بن سليمان (عن هلال بن
أسامة) هو هلال بن علي وهلال بن أبي ميمون وهو هلال بن
أسامة نسب إلى جده (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه
(قال: لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سبّابًا) بتشديد الموحدة (ولا فحّاشًا) بتشديد الحاء
المهملة (ولا لعّانًا) بتشديد العين ولأبي ذر: ولا فاحشًا
بدل فحاشًا المشددة. وفي الكواكب احتمال أن يكون السب
يتعلق بالنسب كالقذف والفحش بالحسب واللعن بالآخرة لأنه
البعد عن رحمة الله.
واستشكل التعبير بصيغة فعال المشددة وهي تقتضي التكثير فهي
أخص من فاعل ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم. فإذا قلت:
زيد ليس بفحاش أي ليس بكثير الفحش مع جواز أن يكون فاحشًا،
وإذا قلت: ليس بفاحش انتفى الفحش من أصله فكيف قال: ولا
فحاشًا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم
يتصف بشيء مما ذكر أصلاً ولا بقليل ولا كثير؟ أجيب: بأن
فعالاً قد لا يراد بهما الكثير كقول طرفة:
(9/30)
ولست بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى
يسترفد القوم أرفد
لا يريد أنه قد يحل التلاع قليلاً لأن ذلك يدفعه آخر البيت
الذي يدل على نفي الحل على كل حال أو هي للنسب أي ليس بذي
فحش البتة وكذا باقيها كقول امرئ القيس:
وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبال
أي بذي نبل فينتفي أصل الفحش كما يدل عليه رواية ولا
فاحشًا (كان يقول لأحدنا عند المعتبة) بفتح الميم وسكون
العين المهملة وفتح المثناة الفوقية وكسرها بعدها موحدة
مصدر عتب عليه يعتب عتبًا ومعتبة ومعاتبة قال الخليل:
العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة.
(ما له) استفهام (ترب جبينه) كلمة جرت على لسان العرب لا
يريدون حقيقتها أو دعاء له بالطاعة أي يصلّي فيتترب جبينه
أو عليه بأن يسقط على رأسة على الأرض من جهة جبينه وهذه
الأخيرة أوجه.
6032 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا
رَآهُ قَالَ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ
الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى وَجْهِهِ
وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ
قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ
رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ
تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِى فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ
النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ» [الحديث 6032 -
طرفاه في: 6054، 6131].
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عيسى) بفتح العين وسكون الميم
أبو عثمان الضبعيّ البصري ثقة مستقيم الحديث وليس له في
البخاري إلا هذا وآخر في الصلاة قال: (حدّثنا محمد بن
سواء) بفتح المهملة وتخفيف الواو مهموز ممدود أبو الخطاب
السدوسي المكفوف البصري ثقة له في البخاري هذا الحديث وآخر
في المناقب قال: (حدّثنا روح بن القاسم) بفتح الراء وسكون
الواو أبو غياث التميمي (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله
التيمي المدني الحافظ (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي
الله عنها- (أن رجلاً) قال عبد الغني بن سعيد في المبهمات
هو مخرمة بن نوفل والد المسوّر، وقيل عيينة بن حصن الفزاري
وكان يقال له الأحمق المطاع، وفي حواشي نسخة الدمياطي من
البخاري بخطه الجزم بأنه مخرمة (استأذن على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما رآه قال):
(بئس أخو العشيرة) الجماعة أو القبيلة (وبئس ابن العشيرة)
وكان يظهر الإسلام ويخفي الكفر فأراد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبين حاله وهذا من أعلام النبوّة
لأنه ارتدّ بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجيء
به أسيرًا إلى أبي بكر -رضي الله عنه- (فلما جلس تطلق)
بفتح الفوقية والطاء المهملة واللام المشددة بعدها قاف أي
انشرح وهشّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
وجهه وانبسط إليه) لما جبل عليه من حسن الخُلق ورجا بذلك
تأليفه ليسلم قومه لأنه كان رئيسهم ولم يواجهه بذلك لتقتدي
أمته به في اتقاء شر من هو بهذه الصفة ليسلم من شره (فلما
انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل
قلت له كذا وكذا) تعني قوله بئس أخو العشيرة إلى آخره (ثم
تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا عائشة متى عهدتني فحاشًا)
بالتشديد ولأبي ذر عن الكشميهني فاحشًا بالتخفيف بدل
التشديد (إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه
الناس اتقاء شره) أي قبيح كلامه لأن المذكور كان من جفاة
الأعراب، وفيه أن من اطّلع من حال شخص على شيء وخشي أن
غيره يغتر بجميل ظاهره فيقع في محذور ما فعليه أن يطلعه
على ما يحذر من ذلك قاصدًا نصيحته.
وقد استشكل فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع
الرجل بعد ذلك القول. وأجيب: بأنه لم يمدحه ولا أثنى عليه
في وجهه فلا مخالفة بينهما، وقد قال الخطابي رحمه الله:
ليس قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته
بالأمور التي يضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون
ذلك من بعضهم في بعض اهـ.
وهذا ينبغي تقييده بما إذا لم يكن لغرض شرعي وإلاّ فلا
يكون غيبة بل ينبغي ذكره على ما سبق. والحديث أخرجه
البخاري أيضًا ومسلم وأبو داود في الأدب والترمذي في
البرّ.
39 - باب حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ وَمَا يُكْرَهُ
مِنَ الْبُخْلِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا
يَكُونُ فِى رَمَضَانَ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمَّا
بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِى
فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ
يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ.
(باب حسن الخلق) بضم الخاء المعجمة واللام وتسكن مع فتح
المعجمة وهما بمعنى في الأصل لكن خصّ الذي بالفتح بالهيئات
والصور المدركة بالبصر وخصّ الذي بالضم بالقوى والسجايا
المدركة بالبصيرة. (والسخاء) وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي
وبذل ما يقتنى بغير عوض وعطفه على
(9/31)
سابقه من عطف الخاص على العام (وما يكره من
البخل) وهو منع ما يطلب مما يقتنى وشره ما كان طالبه
مستحقًا ولا سيما إن كان من غير مال المسؤول. وقوله: وما
يكره من البخل يشير إلى أن بعض ما يطلق عليه اسم البخل قد
لا يكون مذمومًا.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله المؤلّف في
الإيمان (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أجود الناس وأجود ما يكون) أي أجود أكوانه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاصل (في رمضان) لمجموع ما في بقية
الحديث من نزول القرآن والنازل به وهو جبريل والمذاكرة وهي
مدارسة القرآن مع الوقت وهو شهر رمضان.
(وقال) ولأبي ذر عن الكشميهني وكان (أبو ذر) جندب الغفاري
مما وصله المؤلّف بطوله في المبعث النبوي (لما بلغه مبعث
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأخيه)
أنيس (اركب إلى هذا الوادي) وادي مكة (فاسمع من قوله)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتى أنيس النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمع منه (فرجع) أي
ثم رجع فالفاء فصيحة (فقال) لأخيه أبي ذر (رأيته) صلوات
الله وسلامهُ عليه (يأمر بمكارم الأخلاق) جمع مكرمة بضم
الراء وهي الكرم أي الفضائل والمحاسن.
6033 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ
وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ
فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهْوَ
يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» وَهْوَ عَلَى
فَرَسٍ لأَبِى طَلْحَةَ عُرْىٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ فِى
عُنُقِهِ سَيْفٌ فَقَالَ: «لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا أَوْ
إِنَّهُ لَبَحْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) الواسطي قال: (حدّثنا حماد
هو ابن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن
ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس)
خلقًا وخُلقًا (وأجود الناس) أي أكثرهم إعطاءً لما يقدر
عليه (وأشجع الناس) أي
أكثرهم إقدامًا إلى العدوّ في الجهاد مع عدم الفرار وحسن
الصورة تابع لاعتدال المزاج وهو مستتبع لصفاء النفس الذي
به جودة القريحة ونحوها وهذه الثلاث هي أمهات الأخلاق
(ولقد فزع) بكسر الزاي أي خاف (أهل المدينة) لما سمعوا
صوتًا في الليل أن يهجم عليهم عدوّ (ذات ليلة) لفظ ذات
مقحمة (فانطلق الناس قِبل الصوت) أي جهته (فاستقبلهم النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد سبق الناس إلى
الصوت) واستكشف الخبر فلم يجد ما يخاف منه فرجع (وهو
يقول): لهم تأنيسًا وتسكينًا لروعهم:
(لن تراعوا لن تراعوا) مرتين ولأبي ذر لم تراعوا بالميم
فيهما قال الكرماني وغيره: أي لا تراعوا جحد بمعنى النهي
أي لا تفزعوا، وقال صاحب المصابيح في قول التنقيح: لم
بمعنى لا ومعناه لا تفزعوا لا أعلم أحدًا من النحاة قال
بأن لم ترد بمعنى لا الناهية فحرّره (وهو) أي والحال أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على فرس) اسمه مندوب
(لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عري ما عليه سرج) تفسير
لسابقه (في عنقه سيف فقال: لقد وجدته) أي الفرس (بحرًا أو
إنه لبحر) أي كالبحر في سعة جريه.
والحديث سبق في الجهاد.
6034 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: مَا سُئِلَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَىْءٍ قَطُّ
فَقَالَ: لاَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن ابن المنكدر) محمد أنه (قال: سمعت
جابرًا -رضي الله عنه- يقول: ما سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن شيء قط) أي ما طلب منه شيء. قال
الكرماني: من أقوال الدنيا (فقال: لا) قال الفرزدق:
ما قال لا قط إلا في تشهده ... لولا التشهد كانت لاءه نعم
وعند ابن سعد من مرسل ابن الحنفية إذا سئل فأراد أن يفعل
قال: نعم، وإذا لم يرد أن يفعل يسكت ففيه أنه لا ينطق
بالرد، بل إن كان عنده وكان الإعطاء سائغًا أعطى وإلاّ
سكت.
وحديث الباب أخرجه في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والترمذي في الشمائل.
6035 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِى شَقِيقٌ، عَنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
«إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث النخعي الكوفي قاضيها قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن
مهران الكوفي (قال: حدثني) بالإفراد (شقيق) هو ابن سلمة
(عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: كنا جلوسًا مع عبد
الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنه- حال
كونه (يحدّثنا
(9/32)
إذ قال: لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع (ولا
متفحشًا) بالتكلف (وإنه) عليه الصلاة والسلام (كان يقول):
(إن خياركم أحاسنكم) ولأبي ذر عن الكشميهني أحسنكم
(أخلاقًا) وفي الرواية السابقة إن من خياركم بإثبات من
التبعيضية وهي مرادة هنا، وفي حسن الخلق أحاديث كثيرة يطول
إيرادها، واختلف هل حسن الخلق غريزة أو مكتسب واستدلّ
للأول بحديث ابن مسعود: إن الله قسّم أخلاقكم كما قسم
أرزاقكم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وسيكون لنا عودة
إلى الإلمام بشيء من مبحث ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب
القدر بعون الله تعالى وقوته.
6036 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ
امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ:
أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: هِىَ
شَمْلَةٌ فَقَالَ سَهْلٌ: هِىَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ
فِيهَا حَاشِيَتُهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَكْسُوكَ هَذِهِ؟ فَأَخَذَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا
فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا؟
فَقَالَ: «نَعَمْ» فَلَمَّا قَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَمَهُ أَصْحَابُهُ قَالُوا:
مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ
سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ
يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ فَقَالَ: رَجَوْتُ
بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَلِّى أُكَفَّنُ فِيهَا.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال:
(حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة
المشددة وبعد الألف نون محمد بن مطرف (قال: حدثني)
بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد)
الساعدي أنه (قال: جاءت امرأة) قال ابن حجر: لم أعرف اسمها
(إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببردة
فقال سهل) -رضي الله عنه- (للقوم) الحاضرين عنده (أتدرون)
بهمزة الاستفهام (ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة. فقال
سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها) أي لم تقطع من ثوب
فتكون بلا حاشية أو أنها جديدة لم يقطع هدبها، وفي تفسير
البردة بالشملة تجوّز لأن البردة كساء والشملة ما يشتمل به
لكن لما أكثر استعمالهم لها أطلقوا عليها اسمها (فقالت: يا
رسول الله أكسوك هذه) البردة. (فأخذها النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منها حال كونه (محتاجًا
إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة) قال في المقدمة:
هو عبد الرحمن بن عوف رواه الطبراني فيما أفاده المحب
الطبري، لكن لم يقف على ذلك في معجم الطبراني بل فيه من
مسند مسهل بن سعد نقلاً عن قتيبة أنه سعد بن أبي وقاص
(فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه) البردة بنصب أحسن على
التعجب (فاكسنيها. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(نعم. فلما قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت) نفي للإحسان والذي خاطبه
بذلك منهم سهل بن سعد راوي الحديث كما بينه الطبراني من
وجه آخر عنه. قال سهل: فقلت له ما أحسنت (حين رأيت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذها محتاجًا إليها
ثم سألته إياها) فيه استعمال ثاني الضميرين منفصلاً على ما
قرر في محله من الموضوعات النحوية (وقد عرفت أنه) عليه
الصلاة
والسلام (لا يسأل شيئًا فيمنعه. فقال) الرجل: (رجوت بركتها
حين لبسها النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لعلّى أكفّن فيها).
والحديث سبق في الجنائز في باب من استعدّ للكفن.
6037 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ
الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ»
قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال:
أخبرني) ولأبي ذر حدثني بالإفراد فيهما (حميد بن عبد
الرحمن) بضم الحاء مصغرًا الحميري البصري (أن أبا هريرة)
-رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يتقارب الزمان) نفسه في الشر حتى يشبه أوله آخره أو أحوال
الناس في غلبة الفساد عليهم أو المراد قصر أعمار أهله أو
تسارع الدول في الانقضاء والقرون إلى الانقراض فيتقارب
زمانهم (وينقص العمل) بالطاعات لاشتغال الناس بالدنيا،
ولأبي ذر عن الكشميهني وينقص العلم (ويلقى) مبني للمفعول
ويطرح (الشح) وهو البخل مع الحرص بيّن الناس أو في قلوبهم
(ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم (قالوا)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: (وما الهرج؟ قال): هو
(القتل) وهو (القتل) بالتكرير مرتين. قال الخطابي: هو
بلسان الحبشة. وقال ابن فارس: هو الفتنة والاختلاط.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في الفتن ومسلم في القدر وأبو
داود في الفتن.
6038 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعَ
سَلاَّمَ بْنَ مِسْكِينٍ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا
يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رضى الله عنه - قَالَ:
خَدَمْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِى أُفٍّ وَلاَ لِمَ صَنَعْتَ
وَلاَ أَلاَّ صَنَعْتَ؟.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي أنه (سمع سلام
بن مسكين) بتشديد اللام النمري بالنون (قال: سمعت ثابتًا)
البناني (يقول: حدّثنا أنس -رضي الله عنه- قال: خدمت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشر سنين)
(9/33)
استشكل بما في مسلم من طريق إسحاق بن أبي
طلحة عن أنس والله لقد خدمته تسع سنين. وأجيب: بأنه خدمه
تسع سنين وأشهرًا وحينئذ ففي رواية عشر سنين جبر الكسر وفي
رواية تسع ألغاه (فما قال لي أف) بضم الهمزة وكسر الفاء
مشددة من غير تنوين، ولأبي ذر بفتحها وفيها أربعون لغة
ذكرتها في كتابي الكبير في القراءات الأربعة عشر وهو صوت
يدل على التضجر (ولا لم صنعت) كذا وكذا (ولا ألا) بفتح
الهمزة وتشديد اللام أي هلا (صنعت)
كذا وكذا وفيه تنزيه اللسان عن الزجر واستئلاف خاطر الخادم
بترك معاتبته وهذا في الأمور المتعلقة بحظ الإنسان أما
الأمور الشرعية فلا يتسامح فيها على ما لا يخفى.
والحديث أخرجه مسلم.
40 - باب كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف يكون) حال (الرجل) إذا
كان (في أهله).
6039 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ
فِى أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ،
فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين (عن
إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد أنه (قال: سألت
عائشة) -رضي الله عنها- (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنع) إذا كان (في أهله؟ قالت: كان في
مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة) بكسر الميم
وفتحها وصحح عليه في الفرع وأنكر الأصمعي الكسر أي في خدمة
أهله ليقتدى به في التواضع وامتهان النفس.
والحديث سبق في أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة.
41 - باب الْمِقَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
(باب المقة) بكسر الميم وفتح القاف المخففة أي المحبة
الثابتة. (من الله) تعالى.
6040 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى مُوسَى
بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ
جِبْرِيلُ فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِى أَهْلِ السَّمَاءِ:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ
أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى
أَهْلِ الأَرْضِ».
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن
بحر الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا أبو عاصم) شيخ
البخاري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة) بضم العين المهملة وإسكان
القاف الأسدي مولى آل الزبير الفقيه الإمام في المغازي (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا أحب الله عبدًا) ولأبي ذر العبد (نادى جبريل: إن الله
بحب فلانًا فأحبه) بفتح الهمزة وكسر المهملة بعدها موحدة
مشددة مفتوحة وتضم وهو مذهب سيبويه والمحققين على الاتباع
للهاء ولأبي ذر فأحببه بسكون المهملة فموحدة مكسورة فأخرى
ساكنة بالفك، وفي حديث ثوبان عند أحمد والطبراني في الأوسط
فيقول جبريل رحمة الله على فلان وتقول حملة العرش (فيحبه
جبريل فينادي جبربل في أهل السماء إن الله يحب فلانًا
فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في) قلوب (أهل
الأرض) فيحبونه ويميلون إليه ويرضون عنه، فمحبة الناس
علامة محبة الله لعبده ومحبة الله لعبده إرادة الخير له
ومحبة الملائكة استغفارهم له وإرادتهم الخير له لكونه
مطيعًا، وسقط لأبي ذر لفظ أهل، وفي حديث ثوبان فينادي
جبريل في أهل السماوات السبع ثم يوضع له القبول في الأرض.
زاد الطبراني في حديث ثوبان ثم يهبط إلى الأرض، ثم قرأ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إن الدين
آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًّا} [مريم:
96].
وحديث الباب سبق في باب ذكر الملائكة من بدء الخلق.
42 - باب الْحُبِّ فِى اللَّهِ
(باب الحب في) ذات (الله) من غير أن يشوبه رياء أو هوى.
6041 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -
قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ
حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ،
وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ
مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ
أَنْقَذَهُ اللَّهُ وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس بن مالك -رضي
الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء) بالنصب (لا يحبه
إلا لله) قال الكرماني فإن قلت: الحلاوة إنما هي في
المطعومات. وأجاب: بأنه شبه الإيمان بالعسل بجامع ميل
القلوب إليهما وأسند إليه ما هو من خواص العسل فهو استعارة
بالكناية (وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى
الكفر بعد إذ أنقذه الله) عز وجل أي منه وفصل بين الأحب
وكلمة من لأن في الظرف توسعة (وحتى يكون الله ورسوله أحب
إليه مما سواهما).
قال البيضاوي: إنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانًا لكمال
الإيمان
(9/34)
المحصل لتلك اللذة لأنه لا يتم إيمان المرء
حتى يتمكن في نفسه أن المنعم والقادر على الإطلاق هو الله
تعالى ولا مانح ولا مانع سواه وما عداه وسائط لها، فإن
الرسول هو المعطوف الحقيقي الساعي في إصلاح شأنه وإعلاء
مكانه، وذلك يقتضي أن يتوجه بشراشره نحوه ولا يحب ما يحبه
إلا لكونه وسطًا بينه
وبينه، فإن تيقن أن جملة ما وعد به وأوعد حق لا يحوم الريب
حوله فيتيقن أن الموعود كالواقع وأن الاستقلال بما يؤول
إليه الشيء كملابسته فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل
مال اليتيم أكل النار، والعود إلى الكفر الإلقاء في النار
فيكره الإلقاء في النار، وثنّى الضمير هنا في قوله سواهما،
وردّ على الخطيب: ومن عصاهما فقد غوى وأمره بالإفراد إيماء
إلى أن المعتبر هنا هو المجموع المركب من المحبتين لا كل
واحدة فإنها وحدها ضائعة لاغية، وأمر الخطيب بالإفراد
إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين يستقل باستلزام الغواية،
فإن قوله: ومن عصى الله ورسوله من حيث إن العطف في تقدير
التكرير والأصل فيه استقلال كل من المعطوف والمعطوف عليه
في الحكم في قوة قولنا ومن عصى الله فقد غوى ومن عصى
الرسول فقد غوى.
وقد سبق شيء من ذلك عند ذكر الحديث في باب الإيمان وبالله
المستعان.
43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى
أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ-
{فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]
(باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من
قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم} - إلى قوله- {فأولئك هم
الظالمون}) وسقط قوله {عسى} إلى آخره لأبي ذر، وقال بعد
{من قوم} الآية. نهى عن السخرية وهي أن لا ينظر الإنسان
إلى أخيه المسلم بعين الإجلال ولا يلتفت إليه ويسقطه عن
درجته والقوم الرجال خاصة لأنهم القوّام بأمور النساء وهو
في الأصل جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر لكن فعل
ليس من أبنية التكسير إلا عند الأخفش نحو: ركب وصحب،
واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية إذ لو كانت النساء
داخلة في قوم لم يقل ولا نساء وحقق ذلك زهير في قوله:
وما أدري ولست أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
فاختصاص القوم بالرجال في الآية من عطف ولا نساء على قوم،
وفي الشعر من جعل أحد المتساويين يلي الهمزة والآخر يلي أم
وتنكير القوم والنساء يحتمل معنيين أن يراد لا يسخر بعض
المؤمنين والمؤمنات من بعض، وأن يقصد إفادة الشياع وأن
يصير كل جماعة منهم منهية عن السخرية. قال في الانتصاف: لو
عرّف المؤمنين فقال: لا يسخر المؤمنون والمؤمنات بعضهم من
بعض لعمّ ومراده أن في التنكير يحصل أن كل جماعة منهية على
التفصيل وهو واقع. وقال الطيبي: استغراق الجنس أيضًا يراد
منه التفصيل. والمعرّف بتعرف العهد الذهني مفيد للتفصيل
أيضًا كالنكرة إذ المعنى لا يسخر من هو مسمى بالقوم من قوم
مثله. قال ابن جني: مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته من حيث
كان في كل جزء منه معنى ما في جملته انتهى.
وقوله: {عسى أن يكونوا خيرًا منهم} كلام مستأنف ورد مورد
جواب المستخبر عن علة النهي وإلاّ فقد كان حقه أن يوصل بما
قبله بالفاء، والمعنى وجوب أن يعتقد كل واحد بأن
المسخور منه ربما كان عند الله خيرًا من الساخر إذ لا
اطّلاع للناس إلا على الظواهر ولا علم لهم بالسرائر، والذي
يزن عند الله خلوص الضمائر فينبغي أن لا يجترئ أحد على
الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رثّ الحال أو ذا عاهة
في بدنه أو غير لبيق أي غير حاذق في محادثته فلعله أخلص
ضميرًا وأنقى قلبًا ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير
من وقّره الله تعالى. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-:
البلاء موكّل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبًا.
وقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} فيه وجهان أحدهما: عيب الأخ
إلى الأخ فإذا عابه فكأنه عاب نفسه، والثاني: أنه إذا عابه
وهو لا يخلو عن عيب فيعيبه به المعاب فيكون هو بمعيبه
حاملاً لغيره على عيبه فكأنه هو العائب نفسه، واللمز الطعن
والضرب باللسان {ولا تنابزوا} ولا تدعوا {بالألقاب}
(9/35)
السيئة التي يساء بها الإنسان {بئس الاسم
الفسوق بعد الإيمان} أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب
ارتكاب هذه الجرائم أن يذكروا بالفسق، وقيل: أن يقول له يا
يهودي يا فاسق بعدما آمن وبعد الإيمان استقباح للجمع بين
الإيمان وبين الفسق، الذي يحظره الإيمان {ومن لم يتب} عما
نهي عنه {فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11].
6042 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَضْحَكَ
الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ وَقَالَ: «بِمَ
يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ، ثُمَّ
لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا» وَقَالَ الثَّوْرِىُّ:
وَوُهَيْبٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ «جَلْدَ
الْعَبْدِ»
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد
الله بن زمعة) بفتح الزاي والميم وتسكن والعين المهملة
المفتوحة القرشي أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس) من
الضراط لأنه قد يكون بغير الاختيار ولأنه أمر مشترك بين
الكل.
(وقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بمَ) ولأبي
ذر عن الكشميهني لم باللام بدل الموحدة (يضرب أحدكم امرأته
ضرب الفحل) أي كضرب الفحل، ولأبي ذر أو العبد بالشك من
الراوي (ثم لعله يعانقها. وقال الثوري) سفيان مما وصله
المؤلّف في النكاح (ووهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد
البصري مما وصله أيضًا في التفسير (وأبو معاوية) محمد بن
خازم بالمعجمتين بينهما ألف آخره ميم مما وصله أحمد
الثلاثة (عن هشام) بن عروة بلفظ (جلد العيد) بدل ضرب الفحل
من غير شك.
6043 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
رضى الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِمِنًى: «أَتَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ
هَذَا»؟
قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ
هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَىُّ بَلَدٍ هَذَا»؟
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «بَلَدٌ
حَرَامٌ أَتَدْرُونَ أَىُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قَالُوا:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهْرٌ حَرَام
قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ
هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ
قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي الواسطي أحد
الأعلام قال: (أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه) محمد
بن زيد (عن ابن عمر) جدّه (-رضي الله عنهما-) أنه (قال:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى) في
حجة الوداع:
(أتدرون أيّ يوم هذا)؟ برفع هذا (قالوا: الله ورسوله أعلم)
بذلك (قال: فإن هذا يوم حرام) حرّم الله فيه القتل (أتدرون
أي بلد هذا)؟ (قالوا: الله ورسوله أعلم. قال): هو (بلد
حرام. أتدرون) ولأبي ذر قال أتدرون (أي شهر هذا)؟ (قالوا:
الله ورسوله أعلم. قال) هو (شهر حرام). وليس المراد
بالحرام عين اليوم والبلد والشهر وإنما المراد ما يقع فيها
من القتال ومراده عليه الصلاة والسلام أن يذكرهم حرمة ذلك
وتقريرها في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره حيث (قال:
فإن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم
هذا) يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (في بلدكم هذا)
مكة إلا بحقها، والحديث سبق في باب الخطبة أيام منى.
44 - باب مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ
(باب ما ينهى) عنه (من السباب) بكسر السين المهملة وتخفيف
الموحدة من باب التفاعل أو بمعنى السب أي من الشتم
(واللعن) وهو التبعيد من رحمة الله تعالى.
6044 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ
يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سِبَابُ
الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» تَابَعَهُ
غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاح (عن منصور) هو ابن المعتمر أنه (قال: سمعت
أبا وائل) شقيق بن سلمة (يحدّث عن عبد الله) بن مسعود -رضي
الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(سباب المسلم) مصدر مضاف للمفعول أي شتمه والتكلم في عرضه
بما يعيبه ويؤلمه (فسوق) فجور (وقتاله) أي مقاتلته (كفر)
وليس المراد حقيقة الكفر المخرج عن الإسلام، وإنما المراد
المبالغة في التحذير أو المراد الكفر اللغوي الذي هو الستر
كأنه بقتاله له ستر ما له عليه من حق الإعانة وكفّ الأذى
أو المراد من قاتل مستحلاًّ.
والحديث سبق في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله من كتاب
الإيمان. (تابعه) أي تابع سليمان بن حرب (غندر) فيما وصله
أحمد ولأبي ذر محمد بن جعفر بدل قوله غندر (عن شعبة) بن
الحجاج.
6045 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا
الأَسْوَدِ الدِّيلِىَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى
الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَرْمِى رَجُلٌ رَجُلاً
بِالْفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلاَّ
ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ
كَذَلِكَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة
ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المصري قال: (حدّثنا عبد
الوارث) بن سعيد (عن الحسين) بن ذكوان المعلم (عن عبد الله
بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن حصيب الأسلمي قاضي
مرو قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن يعمر) بفتح التحتية
والميم بينهما مهملة ساكنة (أن أبا الأسود) ظالم بن عمرو
(الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية ولأبي ذر
الدؤلي بضم الدال بعدها همزة مفتوحة أوّل من تكلم بالنحو
(حدّثه عن أبي ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه- أنه سمع
النبي
(9/36)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق) كأنه يقول له: يا فاسق (ولا
يرميه بالكفر) كأن يقول له: يا كافر (إلا ارتدت عليه)
الرمية فيصير فاسقًا أو كافرًا (إن لم يكن صاحبه) المرمي
(كذلك) وإن كان موصوفًا بذلك فلا يرتد إليه شيء لكونه صدق
فيما قاله فإن قصد بذلك تعييره وشهرته بذلك وأذاه حرم عليه
لأنه مأمور بستره وتعليمه وموعظته بالحسنى، فمهما أمكنه
ذلك بالرفق حرم عليه فعله بالعنف لأنه قد يكون سببًا
لإغوائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس
من الأنفة لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في الدرجة فإن
قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز له ذلك.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان.
6046 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا
فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ
عَلِىٍّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ
لَعَّانًا وَلاَ سَبَّابًا كَانَ يَقُولُ: عِنْدَ
الْمَعْتَبَةِ «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»؟.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوفي قال: (حدّثنا فليح
بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام بعدها تحتية ساكنة فمهملة
العدوي مولاهم المدني قال: (حدّثنا هلال بن علي) وهو هلال
بن أبي ميمون وهو هلال بن أسامة نسب إلى جدّه (عن أنس)
-رضي الله عنه- أنه (قال: لم يكن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع (ولا لعّانًا
ولا سبّابًا) بتشديد العين والموحدة فيهما أي بالتكلف (كان
يقول عند المعتبة): بفتح الميم والفوقية عند الموجدة
والسخط.
(ما له) استفهام (ترب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تربت
(جبينه) أي لا أصاب خيرًا فهي دعاء عليه أو هي كلمة تقولها
العرب لا يريدون بها ذلك.
والحديث سبق قريبًا.
6047 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ
الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ
أَبِى قِلاَبَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ وَكَانَ
مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ
حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا
قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ
يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ فِى الدُّنْيَا
عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ
مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا
بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار البصري قال (حدّثنا
عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا علي بن
المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الإمام
أبي نصر اليماني الطائي أحد الأعلام (عن أبي قلابة) بكسر
القاف عبد الله بن زيد الجرمي (أن ثابت بن الضحاك)
الأنصاري الأشهلي (وكان من أصحاب الشجرة) شجرة الرضوان
بالحديبية (حدّثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(من حلف على ملة غير الإسلام) بتنوين ملة فغير صفة وعلى
بمعنى الباء، ويحتمل أن يكون التقدير من حلف على شيء بيمين
فحذف المجرور وعدى الفعل بعلى بعد حذف الباء، والأوّل أقل
في التعبير كأن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني
كاذبًا (فهو كما قال) الفاء جواب الشرط وهو مبتدأ أو كما
يقول في محل الخبر أي فهو كائن كما قال، أو الكاف بمعنى
مثل فتكون ما مع ما بعدها في موضع جر بالإضافة أي فهو مثل
قوله فتكون ما مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة والعائد
محذوف أي فهو كالذي قاله، والمعنى فمثله مثل قوله لأن هذا
الكلام محمول على التعليق مثل أن يقول هو يهودي أو نصراني
إن كان فعل كذا، والحاصل أنه يحكم عليه بالذي نسبه لنفسه
وظاهره أنه يكفر أو هو محمول على من أراد أن يكون متصفًا
بذلك إذا وقع المحلوف عليه لأن إرادة الكفر كفر فيكفر في
الحال، أو المراد التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم
وإن قصد تبعيد نفسه عن الفعل فليس بيمين ولا يكفر به وإن
قال: واللات والعزى وقصد التعظيم واعتقد فيها من التعظيم
ما يعتقده في الله كفر وإلاّ فلا. قإل في الروضة: وليقل لا
إله إلا الله محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أي الحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: من حلف
فقال في حلفه اللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، ففيه
دليل على أنه لا كفارة على من حلف بغير الإسلام بل يأثم
وتلزمه التوبة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جعل عقوبته في دينه ولم يوجب في ماله شيئًا وإنما أمره
بكلمة التوحيد لأن اليمين إنما تكون بالمعبود فإذا حلف
باللات والعزى فقد ضاهى الكفار في ذلك فأمره أن يتداركه
بكلمة التوحيد قاله البغوي في شرح السنّة.
(وليس على ابن آدم نذر) أي ليس عليه وفاء نذر (فيما لا
يملك) كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعبد فلان حر أو أتصدق
بدار زيد أما لو قال نحو: إن شفى الله مريضي فعلّي عتق
رقبة
ولا يملك شيئًا في تلك الحالة، فليس من النذر فيما لا يملك
لأنه يقدر عليه في الجملة حالاً أو مالاً فهو يملكه
بالقوة، وقوله نذر رفع اسم ليس وعلى ابن آدم
(9/37)
في موضع الخبر ويما يتعلق بنذر لأنه مصدر
أو يتعلق بصفة لنذر أي نذر ثابت فيما لا يملك ولا يملك
جملة في محل صلة ما وما صلتها في محل جر بفي (ومن قتل نفسه
بشيء في الدنيا عذّب به يوم القيامة) ليكون الجزاء من جنس
العمل وإن كان عذاب الآخرة أعظم (ومن لعن مؤمنًا فهو
كقتله) في التحريم أو في العقاب أو في الإبعاد لأن اللعن
تبعيد من رحمة الله، والقتل تبعيد من الحياة والضمير
للمصدر الذي دل عليه الفعل أي: فلعنه كقتله والتقييد
بالمؤمن للتشنيع أو للاحتراز عن الكافر إذ لا خلاف في لعن
الكافر جملة بلا تعيين، أما لعن العاصي المعين فالمشهور
فيه المنع، ونقل ابن العربي الاتفاق عليه (ومن قذف مؤمنًا)
رماه (بكفر فهو كقتله) لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل
كالقتل في أن المتسبب للشيء كفاعله.
6048 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رَجُلاً مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا
فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ
وَتَغَيَّرَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا
لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِى يَجِدُ» فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ
الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «تَعَوَّذْ
بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ» فَقَالَ: أَتُرَى بِى بَأْسٌ
أَمَجْنُونٌ أَنَا اذْهَبْ.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال:
(حدثني) بالإفراد (عدي بن ثابت) بالمثلثة الأنصاري ثقة
لكنه كان قاصّ الشيعة وإمام مسجدهم بالكوفة (قال: سمعت
سليمان بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء بعدها دال مهملة
الخزاعي الكوفي (رجلاً من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: استبّ رجلان) لم يعرفهما
ابن حجر (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير) وفي حديث
معاذ بن جبل عند أحمد وأصحاب السنن حتى إنه ليخيل أن أنفه
ليتمزع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجده) من الغضب،
وفي حديث معاذ: إني لأعلم كلمة لو يقولها هذا الغضبان لذهب
عنه الغضب: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم (فانطلق
إليه) أي إلى الذي غضب (الرجل) الذي سمع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إني لأعلم الخ. وفي
مسلم فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال في المقدمة لم أعرف اسمه، وقال
في الشرح في الرواية المتقدمة فقالوا له فدلت هذه الرواية
على أن الذي خاطبه منهم واحد وهو معاذ بن جبل كما بيّنه
رواية أبي داود ولفظه قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل
يزداد غضبًا (فأخبره بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وقال: تعوّذ بالله من الشيطان فقال: أترى) بضم
الفوقية أي أتظن (بي بأس) بالرفع مبتدأ خبره بي وهمزة أترى
للاستفهام الإنكاري وللأصيلي: أترى بأسًا بالنصب مفعولاً
ثانيًا لترى وهو أوجه (أمجنون أنا) أي: وهل بي من جنون
(اذهب) خطاب من الرجل للرجل الذي أمره بالتعوّذ
أي امض في شغلك، فتوهم لعدم معرفته أن الاستعاذة مختصة
بالمجانين ولم يعرف أن الغضب من نزغات الشيطان كما في حديث
عطية السعدي مرفوعًا عند أبي داود بلفظ: إن الغضب من
الشيطان أو لعله كان منافقًا أو كافرًا أو غلب عليه الغضب
حتى أخرجه من الاعتدال بحيث قال للناصح له ما قاله.
وحديث الباب سبق في باب صفة إبليس وجنوده.
6049 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
الْمُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَالَ: أَنَسٌ
حَدَّثَنِى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلاَحَى
رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ
فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَإِنَّهَا رُفِعَتْ وَعَسَى
أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِى
التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن
المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بالضاد
المعجمة المشددة ابن لاحق الإمام أبو إسماعيل (عن حميد)
الطويل وكان طوله في يديه أنه (قال: قال أنس) -رضي الله
عنه- (حدثني) بالإفراد (عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه-
(قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ليخبر الناس بليلة القدر) أي بتعيينها، ولأبي ذر عن
الكشميهني: ليخبر الناس ليلة القدر (فتلاحى) بفتح الحاء
المهملة أي تنازع وتخاصم (رجلان من المسلمين) عبد الله بن
أبي حدرد وكعب بن مالك كما عند ابن دحية في المسجد (قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(خرجت لأخبركم) بليلة القدر (فتلاحى فلان وفلان وإنها
رفعت) من قلبي أي نسيتها (وعسى أن يكون) رفعها (خيرًا لكم)
لاستلزامه مزيد الثواب بسبب زيادة الاجتهاد في التماسها.
وفي مسلم من حديث أي سعيد في هذه القصة فجاء رجلان يحتقان
بتشديد القاف أي يدعي كل منهما أنه المحق معهما الشيطان
فنسيتها
(9/38)
وقيل؛ رفعت معرفتها للتلاحي. قال الطيبي:
لعل مقدر المضاف ذهب إلى أن رفع ليلة القدر مسبوق بوقوعها
وحصولها فإذا حصلت لم يكن لرفعها معنى، ويمكن أن يقال إن
المراد برفعها أنها شرعت أن تقع، فلما تلاحيا ارتفعت فنزل
الشروع منزلة الوقوع ومن ثم عقبه بقوله: {فالتمسوها) أي
اطلبوا ليلة القدر (في) الليلة (التاسعة) والعشرين من
رمضان (و) في الليلة (السابعة) بالموحدة والعشرين منه (و)
في الليلة (الخامسة) والعشرين منه، وقدّم التاسعة بالفوقية
على السابعة بالموحدة على ترتيب التدلي.
والمطابقة في قوله فتلاحى وهو التنازع والتخاصم كما مرّ
وذلك يفضي إلى المساببة غالبًا.
والحديث سبق في الإيمان والحج.
6050 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى
ذَرٍّ
قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا وَعَلَى غُلاَمِهِ
بُرْدًا، فَقُلْتُ لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ
كَانَتْ حُلَّةً وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ فَقَالَ
كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ
أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِى إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
لِى: «أَسَابَبْتَ فُلاَنًا»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
«أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
«إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ: عَلَى حِينِ
سَاعَتِى هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ: «نَعَمْ هُمْ
إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ،
فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ
فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا
يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا
يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ
عَلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن المعرور) بمهملات.
زاد أبو ذر هو ابن سويد (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي
الله عنه- (قال): أي المعرور بن سويد (رأيت عليه) أي على
أبي ذر (بردًا) بضم الموحدة وسكون الراء (وعلى غلامه
بردًا) أيضًا. قال في المقدمة: لم أعرف اسم الغلام، وقال
في الفتح في كتاب الإيمان: يحتمل أنه أبو مراوح مولى أبي
ذر (فقلت) له (لو أخذت هذا) البرد الذي على غلامك (فلبسته)
مع الذي عليك (كانت حلة) إذ الحلة لا تكون إلا من ثوبين
(وأعطيته ثوبًا آخر فقال) أبو ذر: (كان بيني وبين رجل) هو
بلال المؤذن (كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها) أي تكلمت
في عرضها، وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء (فذكرني إلى
النبي) عداه بإلى لتضمنه معنى الشكاية، ولأبي ذر عن
الكشميهني للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لي):
(أساببت فلانًا)؟ بالاستفهام الإنكاري التوبيخي (قلت: نعم
قال أفنلت من) عرض (أمه) (قلت: نعم قال: إنك) في نيلك من
أمه (امرؤ) رفع خبر إن وعين كلمته تابعة للامها في أحوالها
الثلاثة (فيك جاهلية) أي أخلاق أهل الجاهلية والتنوين
للتقليل، قال أبو ذر -رضي الله عنه- (قلت) يا رسول الله في
جاهلية (على حين ساعتي هذه من كبر السن) وسقط لفظ حين لأبي
ذر الهروي (قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(نعم) وإنما وبخه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بذلك مع عظم درجته تحذيرًا له أن يفعل مثل ذلك مرة أخرى
(هم) الخدم سواء كانوا أرقّاء أو لا (إخوانكم) في الإسلام
أو من أولاد آدم (جعلهم الله تحت أيديكم) بالملك
والاستئجار (فمن جعل الله أخاه تحت يده) بالإفراد ولأبي ذر
يديه (فليطعمه) ندبًا (مما يأكل وليلبسه) كذلك (مما يلبس)
فلا يلزمه أن يطعمه ولا يلبسه من طيبات الأطعمة وفاخر
اللباس (ولا يكلفه) وجوبًا (من العمل ما يغلبه) أي تعجز
طاقته عنه (فإن كلفه) من العمل (ما يغلبه فليعنه عليه).
والحديث سبق في الإيمان والعتق.
45 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ نَحْوَ
قَوْلِهِمُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ
وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ وَمَا لاَ يُرَادُ بِهِ
شَيْنُ الرَّجُلِ».
(باب ما يجوز من ذكر) أوصاف (الناس نحو قولهم الطويل
والقصير، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ما يقول ذو اليدين) فذكره باللقب للتعريف، وهذا التعليق
طرف من حديث وصله المؤلّف في باب تشبيك الأصابع في المسجد
بلفظ: أكما يقول، ولمسلم ما يقول بلفظ الترجمة (و) في جواز
(ما لا يراد به شين الرجل) كالأعرج والأعمش بل تمييز عن
غيره وإن أراد تنقيصه حرم وإن كان مما يعجب الملقب ولا
إطراء فيه مما يدخل في نهي الشرع فهو جائز أو مستحب.
6051 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ
ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِى مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ
وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِى الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ
وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ
الصَّلاَةُ وَفِى الْقَوْمِ رَجُلٌ كَانَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُ ذَا
الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ
قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ» قَالَ:
بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «صَدَقَ ذُو
الْيَدَيْنِ» فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ
أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ
مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ
وَكَبَّرَ.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي
قال: (حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري أبو سعيد قال:
(حدّثنا محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
أنه (قال: صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي أمَّنَا وفي رواية لنا باللام بدل الموحدة
(الظهر ركعتين ثم سلّم ثم قام إلى خشبة) وكانت جذعًا من
نخل (في مقدّم المسجد ووضع يده) بالإفراد، ولأبي ذر عن
الكشميهني يديه (عليها وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر) -رضي
الله عنهما- (فهابا أن يكلماه) في سبب تسليمه من الركعتين
وروي فهاباه بإثبات المفعول وحذفه فإن يكلماه بدل من ضمير
المفعول في هاباه وأن هي المصدرية الناصبة وعلامة النصب
(9/39)
في يكلماه حذف النون، والجملة كلها في
الحقيقة مفسرة لمعنى قوله: وفي القوم أبو بكر وعمر لأنه لو
لم يقل فهاباه لقيل فما منعهما وهما أقرب من غيرهما وأدل
عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وخرج) بلفظ
الماضي، وللحموي والمستملي: ويخرج (سرعان الناس) بفتح
السين المهملة والراء أوائلهم جمع سريع، وحكى المنذري
تجويز كسر السين وسكون الراء عن بعضهم، وحكى ابن سيده عن
ثعلب أنه إذا كان السرعان وصفًا في الناس فالتحريك أفصح من
التسكين (فقالوا: قصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد
المهملة مبنيًا للفاعل وبضم القاف وكسر الصاد للمفعول. أي
قال بعضهم لبعض لما رأوا من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأداة الاستفهام مقدرة (وفي القوم رجل) اسمه
الخرباق بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة فألف
فقاف (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يدعوه ذا اليدين) لطولهما (فقال: يا نبي الله أنسيت)
الركعتين (أم قصرت)؟ بفتح القاف وضم الصاد للفاعل وللمفعول
أيضًا (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(لم أنس) في ظني (ولم تقصر) بفتح أوّله وضم ثالثه أو
مبنيًّا للمفعول وأم حرف عطف
متصلة لأنها جاءت على شرطها من تقدم الاستفهام والسؤال بأي
والجواب بأحد الشيئين المستفهم عنهما أو الأشياء، وجملة لم
أنس ولم تقصر محكية بالقول، وجزم أن بحذف الألف وتقصر
بالسكون ولما كانت أم هنا المتصلة لم يحسن في الجواب لا أو
نعم (قالوا: بل نسيت يا رسول الله) لأنه لما نفى الأمرين
وكان قد تقرر عندهم أن السهو غير جائز في الأمور البلاغية
جزموا بوقوع النسيان لا القصر، وقوله بل بسكون اللام (قال:
صدق ذو اليدين فقام فصلّى ركعتين) بانيًا على ما سبق بعد
أن تذكر أنه لم يتمها إذ لم يطل الفصل (ثم سلّم ثم كبّر
فسجد) للسهو سجودًا (مثل سجوده أو أطول) منه بالشك من
الراوي (ثم رفع رأسه) من السجود (وكبّر ثم وضع) رأسه فكبّر
فسجد سجودًا (مثل سجوده أو أطول) منه (ثم رفع رأسه) من
السجود (وكبّر).
ومطابقة الحديث في قوله يدعوه ذا اليدين لأنه إنما كان
يعرف بذلك.
والحديث سبق في الصلاة.
46 - باب الْغِيبَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}
[الحجرات: 12]
(باب) تحريم (الغيبة) بكسر المعجمة وهي ذكر المسلم غير
المعلن بفجوره في غيبته بما يكره ولو بغمز أو بكتابة أو
إشارة. قال الثوري: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من
الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم: قال بعض من يدعي العلم
أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو نحو ذلك مما يفهم السامع
المراد به، ومنه قولهم عند ذكره الله يعافينا ونحوه إلا أن
يكون ذلك نصحًا لطالب شيئًا لا يعلم عيبه ونحو ذلك.
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق: {ولا يغتب
بعضكم بعضًا} نهي عن الغيبة نهي تحريم اتفاقًا وهل هي من
الكبائر أو الصغائر؟ قال النووي في الروضة تبعًا للرافعي:
من الصغائر، وتعقب بأن حدّ الكبيرة صادق عليها فهي منها
{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا} تمثيل وتصوير لما
يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه وفيه مبالغات
منها الاستفهام التقريري وجعل ما هو في الغاية من الكراهة
موصولاً بالمحبة، ومنها إسناده الفعل إلى أحدكم والإشعار
بأن أحدًا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها أنه لم يقتصر على
تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخًا،
ومنها لم يقتصر على لحم الأخ حتى جعله ميتًا. ووجه
المناسبة أن إدارة حنكة بالغيبة كالأكل، وعن قتادة كما
تكره إن وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها كذلك فاكره لحم أخيك
وهو حي، وانتصب ميتًا على الحال من اللحم أو من أخيه ولما
قرر لهم بأن أحدًا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه عقب ذلك
بقوله {فكرهتموه} أي فتحققت كراهتكم له باستقامة العقل،
فليتحقق أيضًا أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة باستقامة
الدين {واتقوا الله إن الله توّاب رحيم}
[الحجرات: 12] التوّاب البليغ في قبول التوبة، والمعنى:
واتقوا الله بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما وجد
منكم فإنكم إن اتقيتم تقبل الله توبتكم وأنعم عليكم
(9/40)
بثواب المتقين التائبين، وفي حديث أبي
هريرة عند أبي يعلى مرفوعًا: من أكل لحم أخيه في الدنيا
قرب له لحمه في الآخرة فيقال له كُلْه ميتًا كما أكلته
حيًّا. قال: فيأكله ويكلح ويصيح وقال الحافظ ابن كثير:
غريب جدًّا، وصح: دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام وسامعها
شريكه ما لم ينكرها بلسانه ومع خوفه فبقلبه، وقيل غيبة
الخلق إنما تكون بالغيبة عن الحق. عافانا الله من المكاره
بمنّه وكرمه، وسقط لأبي ذر قوله: أيحب إلى آخره وقال بعد
قوله {بعضًا} الآية.
6052 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ
الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ
طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ:
مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا
لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا
هَذَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا
هَذَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ دَعَا
بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى
هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ:
«لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا».
وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى الحدّاني بضم الحاء
وتشديد الدال المهملتين وبعد الألف نون أو هو ابن جعفر
البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش)
سليمان بن مهران أنه (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر
(يحدّث عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-)
أنه (قال: مرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على) صاحبي (قبرين) عبر عن صاحبيهما بهما تسمية
للحال باسم المحل (فقال): معطوف على مرّ أو على محذوف أي
فوقف فقال: (إنهما) أي صاحبي المقبرين ولم يسميا (ليعذبان
وما يعذبان في كبير) قال ابن مالك في هنا للتعليل أي لأجل
كبير، والنفي يحتمل أن يكون باعتبار اعتقاد المعذبين أو
أنه ليس بكبير على النفس بل هو سهل والاحتراز عنه هين أو
ليس بأكبر الكبائر، وإن كان كبيرًا فالكبائر تتفاوت،
وحينئذ فيه تنبيه على التحرز من ارتكاب غيره والزجر عنه،
أو قاله قبل أن يطلع على أنه من الكبائر فلما اطّلع على
ذلك قال: بلى إنه لكبير، وقيل غير ذلك مما سبق في الجنائز
وغيرها (أما هذا) أي صاحب أحد المقبرين (فكان لا يستتر من
بوله) بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة أي
يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء كما في مسلم وأبي
داود.
ووجه دلالة لا يستتر على هذا المعنى أن المستتر عن الشيء
يبعد عنه ويحتجب منه فهو مجاز والحمل عليه أولى لأن البول
بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية فالحمل على ما يقتضيه
الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى.
(وأما) صاحب (هذا) القبر الآخر (فكان يمشي) في الناس
متصفًا (بالنميمة) بأن ينقل كلام بعضهم لبعض على جهة
الإفساد، وقيل النميمة كشف ما يكره كشفه وهذا شامل لما
يكرهه المنقول
عنه أو المنقول إليه أو غيرهما سواء كان بالقول أو الكتابة
أو الرمز أو الايماء.
فإن قلت: ليس في الحديث ذكر ما ترجم به وهو الغيبة. أجاب
السفاقسي: بأن الجامع بينهما ذكر ما يكرهه المقول فيه بظهر
الغيب. انتهى. وأشار إلى ما في بعض طرف الحديث بلفظ الغيبة
رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر وأحمد
والطبراني بإسناد صحيح من حديث أبي بكرة ولفظهما: وما
يعذبان إلا في الغيبة، وأحمد والطبراني أيضًا من حديث يعلى
بن شبابة بلفظ: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مرّ على قبر يعذّب صاحبه فقال: "إن هذا كان
يأكل لحوم الناس".
(ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعسيب رطب)
بفتح العين وكسر السين المهملتين سعف لم ينبت عليه خوص
ورطب بفتح الراء وسكون الطاء المهملة (فشقّه باثنين) الباء
زائدة في الحال والحال هنا مقدرة كقوله تعالى: {لتدخلن
المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم} [الفتح:
27]. وعند الدخول لا يكونون محلّقين كما أن العصا عند شقها
لا تكون نصفين (فغرس على هذا) القبر نصفًا (واحدًا وعلى
هذا) القبر نصفًا (واحدًا ثم قال) عليه الصلاة والسلام بعد
أن قالوا: لِمَ فعلت هذا يا رسول الله؟ (لعله يخفف) ولأبي
ذر أن يخفف (عنهما) العذاب (ما لم ييبسا) وما ظرفية مصدرية
أي مدة انتفاء يبسهما فحذف الظرف وخلفه ما وصلتها كما جاء
في المصدر الصريح في قولهم: جئتك صلاة العصر وأتيتك قدوم
الحاج، فقوله: لم ييبسا في موضع جر لأن التقدير مدة دوام
رطوبتهما، فلو جاء الكلام لعله يخفف عنهما ما ييبسان لم
يصح المعنى لأن التأقيت يصير مقدرًا بمدة اليبس وليس هو
المراد لأن سر ذلك تسبيحهما ما داما رطبين.
وسبق الحديث في الطهارة والجنائز مع مباحث
(9/41)
غير ما ذكرته هنا فليراجع.
47 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خير
دور الأنصار) أي بنو النجار فحذف الخبر.
6053 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى
أُسَيْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ
بَنُو النَّجَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن أبي
سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح
المهملة مالك بن ربيعة الأنصاري (الساعدي) -رضي الله عنه-
أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(خير دور الأنصار) أي قبائل الأنصار كما قاله ابن قتيبة
(بنو النجار) لمسارعتهم إلى الإسلام كما أثنى الله تعالى
عليهم بقوله: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}
[التوبة: 100].
ومناسبة إيراد هذه الترجمة هنا ولم يذكر فيها شيء من
الغيبة من جهة أن المفضل عليهم يكرهون ذلك فيستثنى ذلك من
عموم قوله: ذكرك أخاك بما يكره إذ محل الزجر إذا لم يترتب
عليه
حكم شرعي، فإن ترتب فلا يكون غيبة ولو كرهه المحدث عنه
قاله في الفتح.
والحديث سبق في باب فضل دور الأنصار.
48 - باب مَا يَجُوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ
وَالرِّيَبِ
(باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب) بكسر الراء
وفتح التحتية بعدها موحدة جمع ريبة وهي التهمة.
6054 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ
عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله
عنها - أَخْبَرَتْهُ قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، أَوِ
ابْنُ الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ
الْكَلاَمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ: الَّذِى
قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلاَمَ؟ قَالَ: «أَىْ
عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ،
أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال:
(أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (سمعت ابن المنكدر) محمد أو
قال: إنه (سمع عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي
الله عنها- أخبرته قالت: استأذن رجل) اسمه عيينة بن حصن
الفزاري أو هو مخرمة بن نوفل (على رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول عليه (فقال):
(ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة) وفي رواية
معمر: بئس أخو القوم وابن القوم (فلما دخل ألان له) لما
جبل عليه صلوات الله وسلامه عليه (الكلام) استئلافًا
وليقتدى به في المداراة، قالت عائشة: (قلت: يا رسول الله
قلت الذي قلت) في الرجل من أنه بئس أخو العشيرة (ثم ألنت
له الكلام. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أي
عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو) قال: (ودعه الناس
اتقاء فحشه) بفتح الواو والدال المهملة المخففة بمعنى تركه
فاللفظان مترادفان فإن قال الجوهري: وقولهم دع ذا أي اتركه
وأصله ودع يدع وقد أميت ماضيه لا يقال ودعه على أصله. قال
في المصابيح: والحديث يردّ عليه وقد قرئ خارج السبع ودعك
بالتخفيف. وقوله: إن شر الناس استئناف كلام كالتعليل لتركه
مواجهة عيينة بما ذكره، وقال الزركشي: قد ينازع في تسمية
هذا غيبة بل هو نصيحة ليحذر السامع، وإنما لم يواجه المقول
فيه بذلك لحسن خُلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
ولو واجهه بذلك لكان حسنًا لكن حصل القول بدون مواجهة
انتهى. وأجيب: بأن المراد أن صورة الغيبة موجودة فيه وإن
لم يتناول الغيبة المذمومة شرعًا.
والحديث مرّ عن قريب في باب لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا.
49 - باب النَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ
هذا (باب) بالتنوين (النميمة من) الذنوب (الكبائر) وهي نقل
مكروه بقصد الإفساد وضابطها كشف ما يكره من شيء بكل ما
يفهم وهي أم الفتن، وقد قيل: إن التمام يفسد في ساعة ما لا
يفسده الساحر في شهر وعلى سامعها إن جهل كونها نميمة أو
نصحًا أن يتوقف حتمًا فإن تبين أنها نميمة فعليه أن لا
يصدقه لفسقه بها ثم ينهاه عنها وينصحه ثم يبغضه في الله ما
لم يتب ولا يظن بأخيه الغائب سوءًا ويحرم بحثه عنها وحكاية
ما نقل إليه كي لا ينتشر التباغض ولم ينم على النمام فيصير
نمامًا. قال النووي: وهذا إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية
وإلاّ فهو مستحب أو واجب كمن اطّلع من شخص أنه يريد أن
يؤذي شخصًا ظلمًا فحذره منه.
6055 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ
بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ
بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ
إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِى قُبُورِهِمَا فَقَالَ:
«يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرَةٍ،
وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ
مِنَ الْبَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ»
ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ
ثِنْتَيْنِ فَجَعَلَ كِسْرَةً فِى قَبْرِ هَذَا وَكِسْرَةً
فِى قَبْرِ هَذَا فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا
مَا لَمْ يَيْبَسَا».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (ابن سلام)
محمد قال: (أخبرنا عبيدة بن حميد) بفتح العين وكسر الموحدة
وحميد بالتصغير ابن صهيب (أبو عبد الرحمن) الكوفي (عن
منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن
عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بعض حيطان المدينة) أي
بساتينها (فسمع صوت إنسانين يعذّبان في قبورهما) على حدّ
قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يعذّبان وما يعذّبان في كبيرة) بالتأنيث
(9/42)
ولأبي ذر عن الكشميهني في كبير بالتذكير أي
لا يعذّبان في أمر يكبر ويشق عليهما الاحتراز عنه ولم يرد
أن الأمر فيهما هين في أمر الدين ولذا قال: (وإنه لكبير)
قال في النهاية وكيف لا يكون كبيرًا وهما يعذبان فيه (كان
أحدهما لا يستتر من البول) أي لا يتنزه منه أو من الاستتار
على ظاهره أي لا يحترز من كشف عورته والأول أوجه وإن كان
مجازًا كما مرّ (وكان الآخر يمشي بالنميمة) ليفسد بين
الناس (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(بجريدة) من جريد النخل وهي السعفة التي جرّد عنها الخوص
أي قشّر (فكسرها بكسرتين) بكسر الكاف في الثانية (أو
اثنتين فجعل كسرة في قبر هذا وكسرة) بكسر الكاف فيهما (في
قبر هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).
قال النووي -رحمه الله تعالى-، قال العلماء: هو محمول على
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل الشفاعة
لهما.
فأجيب: بالتخفيف عنهما إلى أن ييبسا أو لكون الجريد يسبح
ما دام رطبًا وليس لليابس تسبيح. قال تعالى: {وإن من شيء
إلاّ يسبح بحمده} [الإسراء: 44] قالوا: معناه وإن من شيء
حي إلاّ
يسبح وحياة كل شيء بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما
لم يقطع، وذهب المحققون إلى أنه على عمومه، ثم اختلفوا هل
يسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحًا منزهًا
بلسان حاله. والمحققون على أنه يسبح حقيقة. قال الله
تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74].
وإذا كان العقل لا يحيل التمييز فيها وجاء النص به وجب
المصير إليه.
والحديث سبق قريبًا.
50 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ وَقَوْلِهِ
تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]
وَ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]
يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ: يَعِيبُ
(باب ما يكره من النميمة) قال في فتح الباري: كأنه أشار
إلى أن بعض القول المنقول على جهة الإفساد يجوز إذا كان
المقول فيه كافرًا مثلاً كما يجوز التجسس في بلاد الكفار
ونقل ما يضرهم.
(وقوله تعالى: {هماز مشاء بنميم}) [القلم: 11] (و) قوله
تعالى: ({ويل لكل همزة لمزة}) [الهمزة: 1] قال البخاري
-رحمه الله تعالى-: (يهمز ويلمز) أي (يعيب) بالعين المهملة
فجعل معناهما واحدًا ولأبي ذر عن الكشميهني: ويغتاب بالغين
المعجمة والفوقية بعدها ألف قال في الفتح: وأظنه تصحيفًا.
لأبي الوقت: يهمز ويلمز ويعيب واحد. وقال ابن عباس: همزة
لمزة طعان مغتاب. وقال الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في
وجهه واللمزة من خلفه، وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه
وعينه ويأكل لحوم الناس، وقال مجاهد: الهمز بالعين واليد
واللمز باللسان.
6056 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ:
كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلاً
يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ:
سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (من إبراهيم)
النخعي (من همام) هو ابن الحارث النخعي الكوفي أنه (قال:
كنا مع حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (فقيل له إن
رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (يرفع الحديث
إلى عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- (فقال حذيفة) ولأبي ذر
والمستملي: فقال له حذيفة (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا يدخل الجنة) دخول الفائزين (قتات) بقاف مفتوحة
فمثناتين فوقيتين أولاهما مشددة بينهما ألف في قت الحديث
يقته قتًّا والرجل قتات أي نمام. قال ابن الأعرابي: هو
الذي يسمع الحديث وينقله، ووقع في رواية أبي وائل عن حذيفة
عند مسلم بلفظ نمام. وقال القاضي عياض: القتات والنمام
واحد، وفرق بعضهم بأن النمام الذي يحضر القصة وينقلها،
والقتات التي يتسمع من
حديث من لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه وهل الغيبة والنميمة
متغايران أو لا، والراجح التغاير وإن بينهما عمومًا
وخصوصًا من وجه، لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة
الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أو بغير علمه والغيبة
ذكره في غيبته بما يكره فامتازت النميمة بقصد الإفساد، ولا
يشترط ذلك في الغيبة وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول
فيه واشتركتا فيما عدا ذلك.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب
والترمذي في البر والنسائي في التفسير.
51 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ
الزُّورِ} [الحج: 30]
(باب قول الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور}) [الحج: 35] أي
الكذب أو البهتان أو شهادة الزور لأنه من أعظم المحرمات
وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة قوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا وقول الزور
(9/43)
ألا وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا
ليته سكت. وعند الإمام أحمد قوله عليه الصلاة والسلام: (يا
أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكًا بالله) ثلاثًا. ثم
قرأ {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}
[الحج: 30].
ومناسبة هذه السابقة من جهة أن القول المنقول بالنميمة
يكون أعم من الصدق والكذب والكذب فيه أقبح كذا قاله في
الفتح.
6057 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ
الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ
حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» قَالَ
أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِى رَجُلٌ إِسْنَادَهُ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن
عبد الرحمن القرشي المدني (عن المقبري) بضم الموحدة سعيد
بن أبي سعيد كيسان (عن أبيه) كذا في الفرع كأصله عن أبي ذر
وسقط من غيرهما مما رأيته من الأصول (عن أبي هريرة) -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(من لم يدع) أي من لم يترك (قول الزور والعمل به) أي
بمقتضاه من الفواحش وما نهى الله عنه (والجهل فليس لله
حاجة أن يدع طعامه وشرابه) قال التوربشتي: أي لا يبالي
بعمله ذلك لأنه أمسك عما أبيح له في غير حين الصوم ولم
يمسك عما حرم عليه في سائر الأحايين، وقال الطيبي: لما دل
قوله: الصوم لي وأنا أجزي به على شدة اختصاص الصوم به من
بين سائر العبادات وأنه مما يبالي ويحتفل به فرع عليه
قوله: فليس لله حاجة في أن يترك صاحبه الطعام والشراب، وهو
من الاستعارة التمثيلية شبه حالته عز وجل مع تلك المبالاة
والاحتفال بالصوم
بحالة من افتقر إلى أمر لا غنى له عنه ولا يتقوّم إلاَّ به
ثم أدخل في المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملاً
في المشبه به من لفظ الحاجة مبالغة لكمال الاعتناء
والاهتمام.
(قال أحمد) بن يونس المذكور لما حدثني ابن أبي ذئب لم
أتيقن إسناده من لفظه حتى (أفهمني رجل) كان معي في المجلس
(إسناده) وعند أبي داود قال أحمد: فهمت إسناده من ابن أبي
ذئب فأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه، فمقتضى
رواية البخاري أن المتن فهمه أحد من شيخه ولم يفهم الإسناد
منه بخلاف رواية أبي داود فمقتضاها أنه فهم متن الحديث من
ابن أبي ذئب، وإسناده من الرجل، والحديث سبق في الصوم.
52 - باب مَا قِيلَ فِى ذِى الْوَجْهَيْنِ
(باب ما قيل في ذي الوجهين).
6058 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَجِدُ
مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ
ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ،
وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا
أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تجد من شر الناس) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من أشر
بزيادة الهمزة بلفظ أفعل وهي لغة فصيحة وله عن الكشميهني
من شرار بالجمع من غير همز وحمل الناس على العموم أبلغ في
الذم من حمله على من ذكر من الطائفتين المتضادتين خاصة،
وللإسماعيلي من طريق أبي شهاب عن الأعمش بلفظ من شر خلق
الله (يوم القيامة عند الله ذا الوجهين) بنصب ذا مفعول تجد
(الذي يأتي هؤلاء) القوم (بوجه وهؤلاء) القوم (بوجه).
ويظهر عند كل أنه منهم ومخالف للآخرين مبغض لهم. وعند
الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن الأعمش الذي يأتي هؤلاء
بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء، وإنما كان شر الناس لأن
حاله حال المنافق إذ هو يتملق بالباطل ويدخل الفساد بين
الناس، نعم لو أتى كل قوم بكلام فيه صلاح واعتذر عن كل قوم
للآخرين ونقل ما أمكنه من الجميل وستر القبيح كان محمودًا.
والحديث أخرجه في الأحكام.
53 - باب مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يُقَالُ فِيهِ
(باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه) للنصيحة مع تحري الصدق
وتجنب الأذى.
6059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِسْمَةً
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ مَا أَرَادَ
مُحَمَّدٌ بِهَذَا وَجْهَ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَخْبَرْتُهُ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «رَحِمَ
اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا
فَصَبَرَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (أخبرنا
سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي
وائل) شقيق بن سلمة (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله
عنه-) أنه (قال: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) يوم حنين (قسمة فقال رجل من الأنصار): اسمه
كما قال الواقدي: معتب بن قشير المنافق (والله ما أراد
محمد بهذا) القسم الذي قسمه (وجه الله) وكان قد أعطى
الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك
وأعطى أناسًا من أشراف
(9/44)
العرب فآثرهم يومئذ في القسمة. قال ابن
مسعود (فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأخبرته) بما قاله (فتمعر) بالعين المهملة
المشددة (وجهه) أي تغير لونه ولأبي ذر عن الكشميهني فتمغر
بالغين المعجمة بدل المهملة أي صار بلون المغرة من شدة
الغضب المجبول عليه البشر لكنه صلوات الله وسلامه عليه صبر
وحلم اقتداءً بالأنبياء قبله امتثالاً لقوله تعالى فبهداهم
اقتده (و) لذا (قال) ولأبي ذر فقال:
(رحم الله موسى) الكليم (لقد أُوذي بأكثر من هذا) الذي
أوذيت به (فصبر) كقول قومه هو آدر ونحوه ومراد البخاري
جواز النقل على وجه النصيحة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم ينكر على ابن مسعود نقل ما نقله بل غضب من
قول المنقول عنه، ولم ينقل أنه عاقبه لأنه لم يطعن في
النبوة، وأيضًا فلا يثبت حكم بشهادة واحد، ويفهم منه أن
الكبراء من الخواص قد يعز عليهم ما يقال من الباطل لما في
فطر البشر إلا أن أهل الفضل يتلقون ذلك بالصبر الجميل
اقتداءً بالسلف ليتأسى بهم الخلف.
والحديث سبق في باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يعطي المؤلّفة من الجهاد.
54 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَادُحِ
(باب حال يكره من التمادح) بين الناس بما فيه الإطراء
ومجاوزة الحد.
6060 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: سَمِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً يُثْنِى عَلَى رَجُلٍ
وَيُطْرِيهِ فِى الْمِدْحَةِ فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ -أَوْ
قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن صباح)
بفتح الصاد المهملة وتشديد الموحدة وبعد الألف حاء مهملة
البزار بزاي وبعد الألف راء وفي مسلم أبو جعفر محمد بن
الصباح قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) الخلقاني بضم الخاء
المعجمة وسكون اللام بعدها قاف
فألف فنون قال: (حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة
وفتح الراء (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن)
جده (أبي بردة) عامر، ولأبي ذر عن ابن أبي موسى بدل قوله
عن أبي بردة (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري
-رضي الله عنه- أنه (قال: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً يثني على رجل ويطريه) بضم
التحتية وسكون الطاء المهملة ويبالغ (في المدحة) بكسر
الميم وزيادة الضمير (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل) حين وصفتموه بما
ليس فيه فربما حمله ذلك على العجب والكبر وتضييع العمل
وترك الازدياد من الفضل والشك من الراوي والرجلان. قال في
الفتح: لم أقف على اسمهما صريحًا، ولكن أخرج أحمد والبخاري
في الأدب المفرد من حديث محجن بن الأدرع السلمي قال: أخذ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي فذكر
حديثًا قال فيه: فدخل المسجد فإذا رجل يصلّي فقال لي: من
هذا؟ فأثنيت عليه خيرًا فقال: اسكت لا تسمعه فتهلكه. قال:
والذي أثنى عليه محجن يشبه أن يكون هو عبد الله ذا
البجادين المزني فقد ذكرت في ترجمته في الصحابة ما يقرب من
ذلك.
6061 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ،
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَثْنَى عَلَيْهِ
رَجُلٌ خَيْرًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ
صَاحِبِكَ» يَقُولُهُ مِرَارًا: «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ
مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا
وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ
اللَّهُ، وَلاَ يُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا» قَالَ
وُهَيْبٌ: عَنْ خَالِدٍ وَيْلَكَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عبد الرحمن بن
أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع (أن رجلاً ذكر) بضم
المعجمة (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأثنى عليه رجل خيرًا فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ويحك) كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها
(قطعت عنق صاحبك) أي أهلكته استعارة منقطع العنق الذي هو
القتل لاشتراكهما في الهلاك (يقوله) أي يقول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا القول (مرارًا إن كان
أحدكم مادحًا) أحدًا (لا محالة) بفتح الميم أي لا بدّ
(فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى) بضم أوّله أي يظن (أنه)
أي الممدوح (كذلك وحسيبه الله) بفتح الحاء وكسر، السين
المهملتين أي يحاسبه على عمله الذي يعلم حقيقته والجملة
اعتراض. وقال شارح المشكاة: هي من تتمة القول والجملة
الشرطية حال من فاعل فليقل، والمعنى فليقل أحسب أن فلانًا
كذا إن كان يحسب ذلك منه والله يعلم سره لأنه هو الذي
يجازيه إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًّا ولا يقل أتيقن ولا
أتحقق أنه محسن جازمًا به (ولا يزكي) أحد (على الله أحدًا)
منع له الجزم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولا يزكى
بفتح الكاف مبنيًّا للمفعول على الله أحد بالرفع
(9/45)
نائب الفاعل والمعنى لا يقطع على عاقبة أحد
ولا على ما في ضميره لأن ذلك مغيب، وقوله: ولا يزكي خبر
معناه النهي أي لا تزكوا أحدًا على الله لأنه أعلم بكم
منكم.
(قال وهيب): بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري بالسند
السابق (عن خالد: ويلك) بدل ويحك في الرواية السابقة،
وويلك كلمة حزن وهلاك، ولأبي ذر فقال: ويلك.
والحديث ذكر في الشهادات فيما سبق والله الموفق وبه
المستعان.
55 - باب مَنْ أَثْنَى عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَعْلَمُ
وَقَالَ سَعْدٌ: مَا سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِى عَلَى
الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلاَّ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ
(باب من أثنى على أخيه) المسلم (بما يعلم) من الخير من غير
إطراء ولا مبالغة مع الأمن من إعجاب الممدوح وعدم فتنته
بذلك.
(وقال سعد): هو ابن أبي وقاص مما سبق موصولاً في مناقب عبد
الله بن سلام (ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة
إلا لعبد الله بن سلام) بالتخفيف. واستشكل الحصر بما ثبت
من أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشر العشرة
بذلك كما هو معروف وأجيب: بأن سعدًا لم يسمع ذلك منه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
6062 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ،
عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ ذَكَرَ فِى الإِزَارِ
مَا ذَكَرَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
إِزَارِى يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْهِ قَالَ: «إِنَّكَ
لَسْتَ مِنْهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي
(عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله
عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حين ذكر في الإزار ما ذكر) حيث قال: من جر ثوبه خيلاء لم
ينظر الله إليه (قال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (يا
رسول الله إزاري يسقط) أي يسترخي (من أحد شقيه) بكسر الشين
المعجمة وفتح القاف مشددة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(إنك لست منهم) أي لست ممن يصنعه خيلاء فمدحه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما فيه، والصديق بلا ريب
يؤمن منه الإعجاب والكبر، ولا يدخل ذلك في المنع كما لا
يخفى فيجوز الثناء على الإنسان بما فيه من الفضل على وجه
الإعلام ليقتدى به فيه.
والحديث مرّ في اللباس.
56 - باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]
وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}
[يونس: 23] {ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ
اللَّهُ} [الحج: 60] وَتَرْكِ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى
مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.
(باب قول الله تعالى {إن الله يأمر بالعدل}) بالتسوية في
الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كل ذي حق إلى حقه
{والإحسان} إلى من أساء إليكم أو الفرض والندب لأن الفرض
لا بدّ من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب {وإيتاء ذي
القربى} وإعطاء ذي القرابة وهو صلة الرحم {وينهى عن
الفحشاء} عن الذنوب المفرطة في القبح {والمنكر} ما تنكر
العقول {والبغي} طلب التطوّل بالظلم والكبر {يعظكم} حال أو
مستأنف {لعلكم تذكرون} [النحل: 90] أي تتعظون بمواعظ الله،
وسقط لأبي ذر {وإيتاء ذي القربى} إلى آخره وقال بعد
{والإحسان} الآية.
(وقوله) تعالى: ({إنما بغيكم على أنفسكم}) [يونس: 23] أي
ظلمكم يرجع عليكم كقوله تعالى من عمل صالحًا فلنفسه ومن
أساء فعليها وقوله عز وجل: ({ثم بغي عليه لينصرنه الله})
[الحج: 60] عطف على سابقه أي من جازى بمثل ما فعل به من
الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله أن ينصره، ولأبي ذر:
ومن بغي بالواو بدل ثم والأولى هي الموافقة للتنزيل فيحتمل
أن تكون الواو سبق قلم من المصنف أو ممن بعده، وزاد أبو ذر
لفظ: الآية. (وترك إثارة الشر) أي وباب تهييج الشر (على
مسلم أو كافر).
6063 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَكَثَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا وَكَذَا
يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِى أَهْلَهُ وَلاَ
يَأْتِى قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِى ذَاتَ يَوْمٍ:
«يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِى أَمْرٍ
اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِى رَجُلاَنِ فَجَلَسَ
أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَىَّ، وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِى
فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رِجْلَىَّ لِلَّذِى عِنْدَ
رَأْسِى: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، يَعْنِى
مَسْحُورًا، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ
أَعْصَمَ، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِى جُفِّ طَلْعَةٍ
ذَكَرٍ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِى
بِئْرِ ذَرْوَانَ»، فَجَاءَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِى
أُرِيتُهَا كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ
الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ»
فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأُخْرِجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَهَلاَّ تَعْنِى تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا
اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِى، وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ
أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» قَالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ
أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن
أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله
عنها-) أنها (قالت: مكث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح الكاف وضمها (كذا وكذا) وقال العيني:
أيامًا. وقال في المصابيح: فسر هذا في النسائي بشهرين
وللإسماعيلي مما سبق في الطب أربعين ليلة وعند أحمد ستة
أشهر، وفي موطأ مالك بإسناد صحيح سنة وهو المعتمد وهذا في
حديث السحر الذي صنعه لبيد بن الأعصم (يخيل إليه أنه يأتي)
أي يباشر (أهله ولا يأتي) ولا يباشر (قالت عائشة) رضي الله
عنها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لي ذات
يوم) من إضافة المسمى إلى اسمه: (يا عائشة إن الله) عز وجل
(أفتاني في أمر) أي في أمر التخييل (استفتيته فيه أتاني
رجلان) هما جبريل وميكائيل كما عند ابن سعد في رواية
منقطعة (فجلس أحدهما عند رجلي) بتشديد التحتية على التثنية
(والآخر) وهو جبريل (عند
(9/46)
رأسي فقال الذي عند رجلي) بالتثنية وهو
ميكائيل (للذي عند رأسي: ما بال الرجل) يريد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الطب: ما وجع الرجل (قال:
مطبوب) قال الراوي مما أدرجه (يعني مسحورًا قال): ميكائيل
لجبريل (ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم) وكان ساحرًا منافقًا
وفي مسلم أنه كان كافرًا (قال) أي ميكائيل (وفيم)؟ سحره
(قال): أي جبريل (في جف طلعة) بضم الجيم وتشديد الفاء
مضافًا لطلعة وتنوينها (ذكر) صفة لجف وهو وعاء الطلع (في
مشط ومشاطة تحت رعوفة) براء مفتوحة فعين مهملة مضمومة وبعد
الواو الساكنة فاء وهو حجر يكون في قعر البئر يقعد عليه
المائح بالتحتية ليملأ دلو الماتح كذا نقل عن الحافظ أبي
ذر وقيل غير ذلك ما مر (في بئر ذروان) بفتح الذال المعجمة
وسكون الراء (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في جماعة من أصحابه (فقال: هذه البئر التي
أريتها) بهمزة مضمومة فراء مكسورة (كأن رؤوس نخلها) أي نخل
البستان التي هي فيه (رؤوس الشياطين) في قبح منظرها (وكان
ماءها نقاعة الحناء) في حمرة لونه ونقاعة بضم النون بعدها
قاف والحناء ممدود أي أنه تغير لرداءته أو لما خالطه مما
ألقي فيه (فأمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي بصورة ما في الجف من المشط والمشاطة وما
ربط فيه (فأخرج) من البئر (قالت عائشة) -رضي الله عنها-:
(فقلت يا رسول الله فهلا تعني) عائشة (تنشرت) بتشديد الشين
المعجمة والنشرة الرقية التي بها حل عقد الرجل عن مباشرة
امرأته، ولغير أبي ذر يعني بالتحتية بدل الفوقية (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما الله)
بتشديد الميم (فقد شفاني) منه (وأما أنا فأكره أن أثير)
بضم الهمزة بعدها مثلثة (على الناس شرًّا) باستخراجه من
الجف لئلا يروه فيتعلموه إن أرادوا السحر (قالت) عائشة
-رضي الله عنها- (لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف) بفتح
الحاء المهملة وكسر اللام معاهد (اليهود) ولأبي ذر عن
الكشميهني: لليهود بزيادة لام.
ومطابقة الآيات المذكورة وترجمة الباب مع الحديث كما هو
ملخص من قول الخطابي إن الله تعالى لما نهى عن البغي واعلم
أن ضرر البغي إنما هو راجع إلى الباغي وضمن النصر لمن بغي
عليه كان حق من بغي عليه أن يشكر الله على إحسانه إليه بأن
يعفو عمن بغي عليه وقد امتثل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فلم يعاقب الذي كاده بالسحر مع
قدرته على ذلك، وقال في الفتح: ويحتمل أن تكون المطابقة من
جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك استخراج
السحر خشية أن يثور على الناس منه شر فسلك مسلك العدل في
أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر شيء من أثر الضرر الناشئ عن
السحر وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني.
والحديث سبق في باب السحر من الطب والله الموفق والمعين.
57 - باب مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}
[الفلق: 5]
(باب ما ينهى عن التحاسد) ولأبي ذر عن الكشميهني من
التحاسد المذموم وهو تمني زوال النعمة عن المحسود وتكون
للحاسد دونه (و) عن (التدابر) بضم الموحدة بأن يدبر كل
واحد عن صاحبه بأن يعطيه دبره وقفاه فيعرض عنه ويهجره.
(وقوله تعالى): ولأبي ذر وقول الله تعالى: {ومن شر حاسد
إذا حسد} [الفلق: 5] أي إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه لأنه
إذا لم يظهر فلا ضرر يعود منه على من حسده بل هو الضار
لنفسه لاغتمامه بسرور غيره وهو الأسف على الخير عند الغير
والاستعاذة من هذه مع سابقها بعد الاستعاذة من شر ما خلق
إشعار بأن شر هؤلاء أشد، وختم بالحسد ليعلم أنه شرها وهو
أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس وفي الأرض من
قابيل، وأقوى أسباب الحسد العداوة، ومنها خوفه من تكبر
غيره عليه بنعمة فيتمنى زوالها عنه ليقع التساوي بينه
وبينه، ومنها حب الرياسة فمتى تفرد بفن وأحب الرياسة وصارت
حالته إذا سمع في أقصى العالم بنظيره أحب موته أو زوال تلك
النعمة عنه وآفاته كثيرة، وربما حسد عالمًا فأحب خطأه في
دين الله وانكشافه أو بطلان علمه بخرس أو مرض
(9/47)
فليتأمل ما فيه من مشاركة أعداء الله بسخط
قضائه وكراهة ما قسمه لعباده ومحبة زوالها عن أخيه المؤمن
ونزول البلاء به.
قال بعضهم: الحاسد جاحد لأنه لا يرضى بقضاء الواحد فالعجب
من عاقل يسخط ربه بحسد يضره في دينه ودنياه بلا فائدة بل
ربما يريد الحاسد زوال نعمة المحسود فتزول عن الحاسد
فيزداد المسود نعمة إلى نعمته والحاسد شقاوة على شقاوته.
نسأل الله العفو والعافية. 6064 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ
الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ
تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ
تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا».
وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة
أبو محمد السختياني المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا
(عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين
المهملة ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة
وتشديد ميم همام بعد فتح (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إياكم والظن) أي اجتنبوه فلا تتهموا أحدًا بالفاحشة من
غير أن يظهر عليه ما يقتضيها (فإن الظن أكذب الحديث) فلا
تحكموا بما يقع منه كما يحكم بنفس العلم لأن أوائل الظنون
خواطر لا يملك دفعها والمرء إنما يكلف بما يقدر عليه دون
ما لا يملكه. واستشكل تسمية الظن كذبًا فإن
الكذب من صفات الأقوال. وأجيب: بأن المراد عدم مطابقة
الواقع سواء كان قولاً أو فعلاً أو المراد ما ينشأ عن الظن
فوصف الظن به مجازًا (ولا تحسسوا) بالحاء المهملة (ولا
تجسسوا) بالجيم وفي بعض النسخ وهو رواية أبي ذر بتقديم
الجيم على الحاء وأصلهما بالتاءين الفوقيتين فحذف من كل
منهما إحداهما تخفيفًا. قال الحربي فيما نقله عن السفاقسي:
معناهما واحد وهو تطلب الإخبار فالثاني للتأكيد كما قاله
ابن الأنباري، وقال الحافظ أبو ذر: بالحاء الطالب لنفسه
وبالجيم لغيره، وقيل بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء
استماع حديثهم، وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وبالحاء
البحث عما يدرك بحاسة العين أو الأذن، وقيل بالجيم الذي
يعرف الخبر بتلطف ومنه الجاسوس وبالحاء الذي يطلب الشيء
بحاسته كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية. نعم لو تعين
التجسس طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك أو منع من زنا
ونحوهما شرع كما لا يخفى (ولا تحاسدوا) بإسقاط إحدى
التاءين والتحاسد هو أعم من أن يسعى في إزالة تلك النعمة
عن مستحقها أم لا فإن سعى كان باغيًا وإن لم يسع في ذلك
ولا أظهره ولا تسبب فيه فإن كان المانع عجزه بحيث لو تمكن
فعل فآثم، وإن كان المانع التقوى فقد يعذر لأنه لا يملك
دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدة نفسه عدم العمل
والعزم عليه، وفي حديث إسماعيل بن أمية عند عبد الرزاق
مرفوعًا: "ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد"
قيل: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: "إذا تطيرت فلا
ترجع وإذا ظننت فلا تحقق ماذا حسدت فلا تبع" (ولا تدابروا)
بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي لا تهاجروا فيولي كل واحد
منكما دبره لصاحبه حين يراه لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى
دبره بخلاف من أحب (ولا تباغضوا) بحذف إحدى التاءين أي لا
تتعاطوا أسباب البغض نعم إذا كان البغض لله عزّ وجل
(وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) باكتساب ما تصيرون به
كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة
والنصيحة.
6065 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ
تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ». [الحديث 6065 - طرفه في: 6076].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: حدثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا تباغضوا) حقيقته أن يقع بين اثنين وقد يكون من واحد
وكذا ما بعده وهو قوله (ولا تحاسدوا ولا تدابروا) قيل
معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر لأن المستأثر يولي دبره
حين يستأثر بشيء دون الآخر، وقال إمام الأئمة مالك في
موطئه: لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام يدبر عنه
بوجهه (وكونوا عباد الله إخوانًا) قال في شرح المشكاة:
إخوانًا يجوز أن يكون خبرًا بعد خبو وأن يكون بدلاً أو هو
الخبر وقوله عباد الله منصوب على الاختصاص بالنداء
(9/48)
وهذا الوجه
أوقع يعني أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم ملة
واحدة فالتباغض والتحاسد والتدابر مناف لحالكم، فالواجب
عليكم أن تكونوا إخوانًا متواصلين متألفين (ولا يحل لمسلم
أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاثة أيام) تخصيص الأخ
بالذكر إشعار بالعلية ومفهومه أنه إن خالف هذه الشريطة
وقطع هذه الرابطة جاز هجرانه فوق ثلاثة فإن هجرة أهل
الأهواء والبدع دائمة على ممرّ الأوقات ما لم تظهر التوبة
والرجوع إلى الحق.
58 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وَلاَ تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 2]
هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية أي ذر {يا أيها
الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن} يقال جنبه الشر إذا
أبعده عنه وحقيقته جعله في جانب فيتعدى إلى مفعولين قال
الله تعالى: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} [إبراهيم:
35] ومطاوعة اجتنب الشر فنقص مفعولاً والمأمور باجتنابه هو
بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة ألا ترى إلى قوله: {إن
بعض الظن إثم} يستحق صاحبه العقاب. قال الفراء: هو ظنك
بأهل الخير سوءًا فأما أهل الفسق فلنا أن نظن فيهم مثل
الذي ظهر منهم، ويجوز أن يكون من مجاز الحذف تقديره
اجتنبوا كثيرًا من اتباع الظن إن اتباع بعض الظن كذب {ولا
تجسسوا} [الحجرات: 2] أي لا تتبعوا عورات المسلمين
ومعايبهم.
6066 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ
الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ
تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ
تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن
الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إياكم) كلمة تحذير (والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا
تحسسوا ولا تجسسوا) وقد فهم من الآية السابقة. وهذا الحديث
الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقديم النهي عن الخوض
فيه بالظن فإن قال: الظان: أبحث لأتحقق قيل له {ولا
تجسسوا} فإن قال: تحققته من غير تجسس قيل {ولا يغتب بعضكم
بعضًا} (ولا تناجشوا) بالنون بعد الفوقية وبعد الألف جيم
فشين معجمة مضمومة من النجش وهو أن يزيد في السلعة وهو لا
يريد شراءها بل ليوقع غيره فيها (ولا تحاسدوا ولا تباغضوا
ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا).
59 - باب مَا يَكُونُ مِنَ الظَّنِّ
(باب ما يكون) ولأبي ذر عن الكشميهني ما يجوز (من الظن).
6067 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَظُنُّ
فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا».
قَالَ اللَّيْثُ: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.
[الحديث 6067 - طرفه في: 6068].
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح
الفاء آخره راء هو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري
مولاهم البصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن
عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين
الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن
عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما أظن فلانًا وفلانًا) قال: الحافظ ابن حجر لم أقف على
تسميتهما (يعرفان من ديننا) دين الإسلام (شيئًا) (قال
الليث) بن سعد (كانا رجلين من المنافقين) فالظن فيهما ليس
من الظن المنهي عنه لأنه في مقام التحذير من مثل من كان
حاله كحال الرجلين والنهي إنما هو عن ظن السوء بالمسلم
السالم في دينه وعرضه فالنفي في الحديث لظن النفي لا لنفي
للظن، وفي الترجمة إثبات الظن فلا تنافي بينه وبين
الترجمة.
6068 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ بِهَذَا، وَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَقَالَ:
«يَا عَائِشَةُ مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا
يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِى نَحْنُ عَلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري قال:
(حدثنا الليث) بن سعد (بهذا) الحديث المذكور (و) فيه
(قالت) عائشة -رضي الله عنها- (دخل عليَّ) بتشديد الياء
(النبي) رفع فاعل (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يومًا) نصب على الظرف (وقال):
(يا عائشة ما أظن فلانًا وفلانًا) بنفي الظن (يعرفان ديننا
الذي نحن علينا) وهو دين الإسلام.
60 - باب سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ
(باب ستر المؤمن على نفسه) إذا صدر منه ما يعاب.
6069 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِى
ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى، إِلاَّ
الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ
الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ
عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ
فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا
وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ
يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف (عن ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن
مسلم الزهري (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سالم بن عبد
الله) بن عمر بن الخطاب أنه (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي
الله عنه- (يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(كل أمتي) المسلمون (معافى) بضم الميم وفتح الفاء
(9/49)
مقصورًا اسم مفعول من العافية أي يعفى عن
ذنبهم ولا يؤاخذون به (إلا المجاهرون) بكسر الهاء إلا
المعلنون بالفسق لاستخفافهم بحق الله تعالى ورسوله
وصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم. وقوله:
المجاهرون بالرفع وصحح عليه بالفرع وهو رواية النسفيّ،
وشرح عليها ابن بطال والسفاقسي، وأجازه الكوفيون في
الاستثناء المنقطع. وقال ابن مالك الأعلى هذا بمعنى
لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون فالمجاهرون مبتدأ
والخبر محذوف. قال في المصابيح: هذا الباب الذي فتحه
ابن مالك يؤدي إلى جواز الرفع في كل مستثنى من كلام
تام موجب مثل قام القوم إلا زيد إذ يكون الواقع بعد
إلا مرفوعًا بالابتداء والخبر محذوف وهو مقدر بنفي
الحكم السابق وينقلب كل استثناء متصل منقطعًا بهذا
الاعتبار ومثله غير مستقيم على ما لا يخفى انتهى.
وفي نسخة إلا المجاهرين بالنصب، وعزاها الحافظ ابن حجر
لأكثر رواة البخاري ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم
ومسلم وهو الصواب عند البصريين والمجاهر الذي يظهر
معصيته ويكشف ما ستر الله عليه فيحدث به (وإن من
المجانة) بفتح الميم والجيم وبعد الألف نون مخففة أي
عدم المبالاة بالقول والفعل، ولأبي ذر عن الكشميهني:
من المجاهرة بدل المجانة وقد ضبب على المجانة في
الفرع. وقال القاضي عياض: إنها تصحيف وإن كان معناها
لا يبعد هنا لأن الماجن هو الذي يستهتر في أموره وهو
الذي لا يبالي بما قال وما قيل له، وتعقبه في فتح
الباري فقال الذي يظهر رجحانه لأن الكلام المذكور بعده
لا يرتاب أحد أنه من المجاهرة فليس في إعادة ذكره كبير
فائدة، وأما الرواية بلفظ المجانة والمجانة مذمومة
شرعًا وعرفًا فيكون الذي يظهر المعصية قد ارتكب
محذورين إظهار المعصية وتلبسه بفعل المجان (أن يعمل
الرجل بالليل عملاً) أي معصية (ثم يصبح) يدخل في
الصباح (وقد) أي والحال أن قد (ستره الله) ولأبي ذر عن
الكشميهني: وقد ستره الله عليه (فيقول) لغيره (يا فلان
عملت) بضم التاء (البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت
القول وأصلها من برح إذا زال (كذا وكذا) من المعصية
(وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه).
وفي حديث ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم: "اجتنبوا هذه
القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألم بشيء منها
فليستتر بستر الله".
6070 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ
سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو
أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ
عَلَيْهِ فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا
فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا
فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ:
إِنِّى سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا فَأَنَا
أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو
عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة عن صفوان بن محرز)
بضم الميم وسكون المهملة بعدها راء مكسورة فزاي
المازني البصري (أن رجلاً) أي يسم نعم في الطبراني أن
سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر حدثني فذكر الحديث،
فيحتمل أن يكون هو الرجل المبهم (سأل ابن عمر) -رضي
الله عنه- (كيف سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في النجوى) بالنون والجيم
وهي المسارة التي تقع بين الله عز وجل وبين عبده
المؤمن يوم القيامة وأصل ذلك أن يخلو في نجوة من الأرض
أو من النجاة وهو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه أحد
وأصله المصدر وقد يوصف به فيقال هو نجوى وهم نجوى
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يدنو) أي يقرب (أحدكم من ربه) قرب كرامة وعلو منزلة
(حتى يضع كنفه) بفتح الكاف والنون والفاء أي ستره
(عليه فيقول) عز وجل له (عملت كذا وكذا) وفي رواية
همام السابقة في المظالم فيقول أتعرف ذنب كذا وكذا
(فيقول: نعم، ويقول) عز وجل له (عملت كذا وكذا فيقول
نعم فيقرره) بذنوبه وفي رواية سعيد بن جبير المذكور
فيلتفت يمنة ويسرة فيقول لا بأس عليك إنك في ستري لا
يطلع على ذنوبك غيري (ثم يقول: إني سترت عليك) سيئاتك
(في الدنيا فأنا) بالفاء ولأبي ذر وأنا (أغفرها لك
اليوم) زاد همام وسعيد وهشام فيعطى كتاب حسناته.
والمراد هنا الذنوب التي بين الله وبين عبده دون مظالم
العباد.
وسيكون لنا عودة إلى مبحث ذلك مستوفى إن شاء الله
تعالى بعون الله في موضعه. واستشكل إيراد هذا الحديث
هنا
(9/50)
لعدم المطابقة لأن الترجمة لستر المؤمن على
نفسه والذي في الحديث ستر الله على المؤمن. وأجيب: بأن
ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه.
والحديث سبق في المظالم والتفسير ويأتي إن شاء الله
تعالى في التوحيد بعون الله.
61 - باب الْكِبْرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ثَانِىَ
عِطْفِهِ} [الحج: 9] مُسْتَكْبِرٌ فِى نَفْسِهِ.
عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ
(باب) ذم (الكبر) بكسر الكاف وسكون الموحدة وهو ثمرة
العجب وقد هلك بهما كثير من العلماء والعباد والزهاد
والكبر هو أن يرى نفسه خيرًا من غيره جهلاً بها وبقدر
بارئها تعالى وبوعده ووعيده والتكبر منع الحق كمن ينصر
باطلاً رياءً وازدراءً لخلق الله فكل معجب أو متكبر
بنعمة يأنف ممن هو فقير منها كفرًا للنعمة والرحمة
وأنفع شيء لدفعه التفكر في كونه لم يكون شيئًا
وليس أخس من العدم وحيث صار شيئًا صار جمادًا لا يحس
وكان إيجاده من تراب وطين منتن ونطفة بمكان قدّر فأوجد
بسمع وبصر وعقل ليعرف به أوصافه وأخرجه تعالى ضعيفًا
عاجزًا فرباه وقواه وعلمه إلى منتهاه ويلازمه مع ذلك
مستقذرات كالبول والغائط والسقم والعجز لا يملك ضرًّا
ولا نفعًا ولا شيئًا، ومع ذلك قد لا يشكر نعمه ولا
يذكر عرض قبائحه وتفرده بقبر موحش عن محابه وأحبابه
فيصير جيفة والأحداق سالت والألوان حالت والرؤوس تغيرت
ومالت مع فتان يأتيه فيقعده يسأله عما كان يعتقده ثم
يكشف له من الجنة أو النار مقعده ثم يقاسي أهوال
القيامة ثم يصير إلى النار أن لم يرحمه ربه ومن هذه
حالته فمن أين يأتيه الكبر، فالكبرياء والعظمة للرب
القادر لا للعبد العاجز أشار إليه في قوت الأحياء.
(وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله الفريابي في قوله
تعالى: ({ثاني عطفه}) [الحج: 9] أي (مستكبرًا في نفسه
عطفه) أي (رقبته) وقال غيره: أي لاويًا عنقه عن طاعة
الله كبرًا وخيلاء.
6071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ،
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ
خَالِدٍ الْقَيْسِىُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ
الْخُزَاعِىِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ
بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ
أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ
بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ
مُسْتَكْبِرٍ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي
قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا معبد بن خالد
القيسي) الجدلي بجيم ودال مهملة مفتوحتين الكوفي
العابد (عن حارثة بن وهب الخزاعي) بتخفيف الزاي -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ألا) بالتخفيف (أخبركم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أغلب (أهل الجنة) هم (كل ضعيف) أي ضعيف
الحال لا ضعيف البدن (متضاعف) بألف بعد الضاد وكسر
العين أي متواضع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: متضعف
بتشديد العين من غير ألف، ومعنى الكل يستضعفه الناس
ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا أو متواضع متذلل خامل
الذكر (لو أقسم) ولأبي ذر لو يقسم (على الله) يمينًا
طمعًا في كرم الله بإبراره (لأبره) وقيل لو دعاه
لأجابه (ألا أخبركم بـ) أغلب (أهل النار) هم (كل عتل)
بضم العين المهملة والفوقية وتشديد اللام غليظ جاف
(جوّاظ) بفتح الجيم والواو المشددة وبعد الألف معجمة
المنوع أو المختال في مشيته (مستكبر) بكسر الموحدة.
والحديث سبق في تفسيره سورة ن.
6072 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتِ
الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ
بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.
(وقال محمد بن عيسى) بن أبي نجيح المعروف بابن الطباع
بمهملة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فعين مهملة أبو جعفر
البغدادي نزيل أذنة بفتح الهمزة والمعجمة والنون الثقة
العالم. قال أبو
داود: كان يحفظ أربعين ألف حديث، ويشبه أن يكون
البخاري أخذ عنه مذاكرة قال: (حدّثنا هشيم) بضم مصغرًا
ابن بشير أبو معاوية الواسطي قال: (أخبرنا حميد
الطويل) قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه-
(قال: كانت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أن كانت بفتح
الهمزة في اليونينية (الأمة) غير الحرّة (من إماء أهل
المدينة) أي أيّ أمة كانت (لتأخذ) بلام التأكيد (بيد
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتنطلق
به حيث شاءت) من الأمكنة ولو كانت حاجتها خارج
المدينة. زاد أحمد في حاجتها وفي أخرى له فيما ينزع
يده حتى تذهب به حيث شاءت، والمراد بالأخذ باليد لازمه
وهو الانقياد وفيه غاية تواضعه وبراءته من جميع أنواع
الكبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا.
62 - باب الْهِجْرَةِ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَحِلُّ
لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ»
(باب) ذم (الهجرة) بكسر الهاء وسكون الجيم وهي مفارقة
كلام أخيه المؤمن مع تلاقيهما واعراض كل واحد منهما
(9/51)
عن الآخر عند اجتماعهما لا مفارقة الوطن
(وقول رسول الله) ولأبي ذر وقول النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحل لرجل أن يهجر أخاه
فوق ثلاث) ولأبي ذر: ثلاث ليال، وهذا وصله في هذا
الباب عن أبي أيوب.
6073 - 6074 - 6075 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ،
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ:
حَدَّثَنِى عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ هُوَ
ابْنُ الْحَارِثِ وَهْوَ ابْنُ أَخِى عَائِشَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأُمِّهَا أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِى بَيْعٍ أَوْ
عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ، وَاللَّهِ
لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأَحْجُرَنَّ
عَلَيْهَا فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا:
نَعَمْ. قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَىَّ نَذْرٌ أَنْ
لاَ أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا
فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ
طَالَتِ الْهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ لاَ
أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلاَ أَتَحَنَّثُ إِلَى
نَذْرِى فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ،
وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ
يَغُوثَ، وَهُمَا مِنْ بَنِى زُهْرَةَ وَقَالَ
لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا
أَدْخَلْتُمَانِى عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لاَ
يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذُرَ قَطِيعَتِى فَأَقْبَلَ
بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ
بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى
عَائِشَةَ فَقَالاَ: السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ
عَائِشَةُ: ادْخُلُوا، قَالُوا: كُلُّنَا قَالَتْ:
نَعَمِ ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ
مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا
دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ فَاعْتَنَقَ
عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِى، وَطَفِقَ
الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا
إِلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ
وَيَقُولاَنِ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ
الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَلَمَّا
أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ
وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا
وَتَبْكِى وَتَقُولُ: إِنِّى نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ
شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ
الزُّبَيْرِ وَأَعْتَقَتْ فِى نَذْرِهَا ذَلِكَ
أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا
بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِى حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا
خِمَارَهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب أنه (قال: حدثني) بالإفراد (عوف بن مالك
بن الطفيل) بالفاء والطفيل بضم الطاء المهملة وفتح
الفاء وسكون التحتية بعدها لام (هو ابن الحارث) وسقط
لأبي ذر لفظ ابن مالك ولفظ هو ابن الحارث كما في
الفرع، وزاد في الفتح والنسفيّ أيضًا، وعند الإسماعيلي
من طريق علي بن المديني من رواية صالح بن كيسان عن
الزهري حدثني عوف بن الطفيل بن الحارث وفي رواية معمر
عنده أيضًا عوف بن الحارث بن الطفيل قال ابن المديني:
والصواب عندي وهو المعروف عوف بن الحارث بن الطفيل بن
سخبرة (وهو ابن أخي عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمها) أم رومان بنت عامر
الكنانية (أن عائشة) -رضي الله عنها- (حدثت) بضم الحاء
المهملة مبنيًّا للمفعول وللأصيلي كما في الفتح حدثته
قال: والأوّل أصح ويؤيده أن في رواية الأوزاعي أن
عائشة بلغها (أن عبد الله بن الزبير) بن العوّام (قال
في بيع أو عطاء أعطته عائشة): وللأوزاعي عند
الإسماعيلي في دار لها باعتها فسخط عبد الله بن الزبير
ببيع تلك الدار فقال: أما (والله لتنتهين عائشة) عن
بيع رباعها (أو لأحجرن عليها) وفي مناقب قريش مما سبق
من طريق عروة قال: كانت عائشة لا تمسك شيئًا فما جاءها
من رزق الله تصدقت. قال في الفتح: وهذا لا يخالف الذي
هنا لأنه يحتمل أن تكون باعت الرباع لتتصدق بثمنها
(فقالت) عائشة: (أهو) أي عبد الله (قال هذا) القول؟
(قالوا نعم) قاله (قالت: هو) أي الشأن (لله عليّ نذر
أن لا أكلم ابن الزبير أبدًا) وفي رواية الأوزاعي
المذكورة بدل قوله أبدًا حتى يفرق الموت بيني وبينه
قال السفاقسي قولها أن لا أكلمه تقديره عليّ نذر إن
كلمته (فاستشفع ابن الزبير إليها) بالمهاجرين كما في
رواية عبد الله بن خالد عند البخاري في الأدب المفرد
(حين طالت الهجرة) منها له أن تعفو عنه وتكلمه، ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي: حتى بدل حين والأول هو الصواب
كما قاله في الفتح (فقالت: لا والله لا أشفع فيه
أبدًا) بكسر الفاء المشددة ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي أحدًا بدل أبدًا (ولا أتحنث) بالمثلثة (إلى
نذري) أي لا أقبل الشفاعة فيه ولا أتحنث في نذري أي
يميني منتهيًا إليه (فلما طال ذلك) من هجرانها (على
ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون
السين المهملة وفتح ميم مخرمة وسكون الخاء المعجمة
(وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بفتح التحتية وضم
المعجمة وبعد الواو مثلثة (وهما من بني زهرة قال لهما:
أنشدكما) بفتح الهمزة وضم المعجمة والمهملة أسألكما
(بالله لما أدخلتماني على عائشة) بتشديد الميم في
الفرع وتخفف وما زائدة وهي بمعنى ألا أي لا أطلب إلا
الإدخال عليها ولأبي ذر عن الكشميهني إلا بدل لما
(فإنها) أي الحال، ولأبي ذر عن الكشميهني: فإنه أي
الشأن (لا يحل لها أن تنذر) بكسر المعجمة وضمها
(قطيعتي) أي قطع صلة رحمي لأنه كان ابن أختها وكانت
تتولى تربيته غالبًا وللأوزاعي فسألهما أن يشتملا عليه
بأرديتهما (فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين
بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة) -رضي الله عنها-
(فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ قالت
عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا: قالت: نعم ادخلوا كلكلم
و) هي (لا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل
ابن الزبير
الحجاب فاعتنق عائشة وطفق) بالواو ولأبي ذر فطفق
(يناشدها) الله والرحم (ويبكي) وفي رواية الأوزاعي
فبكى إليها وبكت إليه وقبلها (وطفق) ولأبي ذر فطفق
(المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمته وقبلت
منه) بسكون الفوقية فيهما وبكسرها
(9/52)
بعد سكون سابقها (ويقولان) لها (إن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عما قد علمت)
بكسر اللام وسكون الميم (من الهجرة فإنه) وفي نسخة
وإنه بالواو بدل الفاء (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه)
المسلم (فوق ثلاث ليال) بأيامها والاعتبار بمضي الثلاث
ملفقة فإذا ابتدأت مثلاً من الظهر يوم السبت كان آخرها
الظهر يوم الثلاثاء أو يلغى الكسر ويكون أوّلها من
ابتداء اليوم أو الليلة لكن الأول أحوط. وقال النووي،
قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث
ليال بالنص ويباح في الثلاث بالمفهوم وإنما عفي عنه في
ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح بذلك القدر
ليرجع ويزول ذلك العارض عنه.
(فلما أكثروا على عائشة من التذكرة) أي من التذكير بما
جاء في فضل صلة الرحم والعفو وكظم الغيظ (والتحريج)
بحاء مهملة آخره جيم أي الوقوع في الحرج لما ورد في
القطيعة من النهي (طلّقت تذكرهما) بضم الفوقية وفتح
المعجمة وكسر الكاف مشددة (وتبكي) ولأبي ذر: تذكرهما
نذرها وتبكي (وتقول) لهما: (إني نذرت) أن لا أكلمه
(والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير
وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد
ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها) الذي يستر رأسها وهو
بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم، واختلف في النذر إذا
خرج مخرج اليمين مثل إن قال: إن كلمت فلانًا فلله عليّ
عتق رقبة، فهذا نذر خرج مخرج اليمين لأنه قصد به منع
نفسه عن الفعل، فإذا فعل ذلك وجبت عليه كفارة اليمين
كما ذهب إليه الشافعي وأكثر السلف ويسمى نذر اللجاج،
وقال المالكية: إنما ينعقد النذر إذا كان في طاعة كلله
عليّ أن أعتق أو أصلي فإن كان في حرام أو مكروه أو
مباح فلا، وحينيذٍ فنذر ترك الكلام الصادر من عائشة في
حق ابن الزبير -رضي الله عنهما- يفضي إلى التهاجر وهو
حرام أو مكروه.
وأجيب: بأن عائشة رأت أن ابن الزبير ارتكب بقوله
لأحجرن عليها أمرًا عظيمًا لما فيه من تنقيصها ونسبته
لها إلى التبذير الموجب لمنعها من التصرف مع ما انضاف
إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه فكأنها
رأت الذي صدر منه نوع عقوق فهو في معنى نهيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين عن كلام كعب بن
مالك وصاحبيه لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر عقوبة
لهم.
6076 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ
تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ
اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي
الدمشقي الأصل قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن
ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أنس بن مالك) - رضي
الله عنه- سقط لأبي ذر ابن مالك (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا تباغضوا) بأن تتعاطوا أسباب التباغض أو لا تفعلوا
الأهواء المضلة المقتضية للتباغض (ولا تحاسدوا) بأن
يتمنى أحدكم زوال النعمة عن أخيه (ولا تدابروا) بإسقاط
إحدى التاءين في الثلاثة والتدابر التهاجر (وكونوا) يا
(عباد الله إخوانًا) باكتساب ما تصيرون به إخوانًا
(ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) المسلم (فوق ثلاث ليال)
بأيامها.
والحديث سبق قريبًا في باب التحاسد.
6077 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى
أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ
يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ
ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا
وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ
بِالسَّلاَمِ». [الحديث 6077 - طرفه في: 6237]
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عطاء
بن يزيد الليثي) المديني نزيل الشام (عن أبي أيوب)
خالد بن زيد (الأنصاري) -رضي الله عنه- (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يحل لرجل أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاث
ليال) بأيامها وظاهره كما مرّ إباحة ذلك في الثلاث لأن
الغالب أن ما جبل عليه الإنسان من الغضب وسوء الخلق
يزول من المؤمن أو يقل بعد الثلاث والتعبير بأخيه فيه
إشعار بالعلية (يلتقيان) ولأبي ذر عن الكشميهني:
فيلتقيان بزيادة فاء في أوّله (فيعرض هذا) عن أخيه
المسلم (ويعرض هذا) الآخر كذلك ويعرض بضم التحتية
فيهما والجملة استئنافية بيان لكيفية الهجران ويجوز أن
يكون حالاً من فاعل يهجر ومفعوله معًا (وخيرهما
(9/53)
الذي يبدأ) أخاه (بالسلام) عطف على الجملة
السابقة من حيث المعنى لما يفهم منها أن ذلك الفعل ليس
بخبر وعلى القول بأن الأولى حال، فهذه الثانية عطف على
قوله لا يحل، وزاد الطبراني من طريق أخرى عن الزهري
بعد قوله بالسلام يسبق إلى الجنة، ولأبي داود وبسند
صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: فإن مرت به ثلاث
فلقيه فليسلم عليه فإن ردّ فقد اشتركا في الأجر وإن لم
يرد فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة.
وقال في المصابيح: حاول بعض الناس أن يجعل هذا دليلاً
على فرع ذكروا أنه مستثنى من القاعدة المشهورة وهي أن
الفرض أفضل من النفل وهذا الفرع المستثنى هو الابتداء
بالسلام فإنه سنة والرد واجب. قال بعض الناس:
والابتداء أفضل لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" واعلم أنه ليس
في الحديث أن الابتداء خير من الجواب وإنما فيه من
المبتدئ خير من المجيب، وهذا لأن المبتدئ فعل حسنة
وتسبب إلى فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء
من حسن طوية المبتدئ وترك ما يكرهه الشارع من الهجر
والجفاء فإن الحديث ورد في المسلمين يلتقيان فيعرض هذا
ويعرض هذا وكان المبتدئ خيرًا من حيث إنه مبتدئ بترك
ما كرهه الشارع من التقاطع لا من حيث إنه يسلم انتهى.
وقال الأكثرون: تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه، وقال
الإمام أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال
التي كان عليها أوّلاً.
63 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى
وَقَالَ كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَهَى
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا وَذَكَرَ خَمْسِينَ
لَيْلَةً.
(باب ما يجوز من الهجران لمن عصى) لينتهي عن عصيانه
(وقال كعب) هو ابن مالك الأنصاري كما سبق موصولاً في
حديثه الطويل في أواخر المغازي (حين تخلف) في غزوة
تبوك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المسلمين عن كلامنا) زاد في غزوة تبوك أيها الثلاثة من
بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس الحديث وسمى الاثنين
فيه وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية (وذكر) أن
زمان هجرة المسلمين عنهم كان (خمسين ليلة). قال
الطبري: وهذه القصة أصل في هجران أهل المعاصي أي نحو
الفاسق والمبتدع وإنما لم يهجر الكافر مع كونه أشد
جرمًا لأن الهجرة تكون بالقلب واللسان فالكافر بالقلب
وترك التودد والتعاون والتناصر ولم يشرع هجرانه
بالكلام لعدم ارتداعه به عن كفره بخلاف المسلم العاصي
فإنه ينزجر بذلك غالبًا.
6078 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنِّى لأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ». قَالَتْ:
قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى
وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ:
لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» قَالَتْ: قُلْتُ أَجَلْ
لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلاَّ اسْمَكَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا
عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام
بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضى الله
عنها) أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إني لأعرف غضبك ورضاك قالت: قلت) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي وقلت (وكيف تعرف ذاك) الغضب والرضا مني (يا
رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنك إذا كنت راضية قلت بلى) ولأبي ذر لا (ورب محمد
وإذا كنت ساخطة قلت لا ورب إبراهيم قالت: قلت أجل لست
أهجر إلا اسمك) بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام كنعم
وزنًا ومعنى إلا أن نعم أحسن في جواب الاستفهام وأجل
أحسن في التصديق قاله الأخفش.
فإن قلت: الغضب على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- معصية كبيرة. أجيب: بأن الحامل لعائشة على
ذلك إنما هو الغيرة التي جبلت عليها النساء وهي لا
تنشأ إلا عن فرط المحبة فلما كان غضبها ذلك لا
يستلزم البغض اغتفر وقد دل قولها -رضي الله عنها- لا
أهجر إلا اسمك على أن قلبها مملوء بمحبته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل.
64 - باب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ
بُكْرَةً وَعَشِيًّا؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل يزور) الشخص (صاحبه
كل يوم أو) يزوره (بكرة) من طلوع الشمس إلى زوالها
(وعشيًّا) من الزوال إلى العتمة، وقد قيل إلى الفجر
وسقطت الهمزة من قوله، أو لأبي ذر فالواو مفتوحة وهذا
لا يعارض حديث: "زر غبًّا تزدد حبًّا" المروي عند
الحاكم في تاريخ نيسابور والخطيب في تاريخ بغداد
وغيرهما من طرق لأن عمومه يقبل التخصيص فيحمل على من
ليست له خصوصية ومودة ثابتة فلا تنقص
(9/54)
كثرة زيارته من منزلته كالصديق الملاطف كما
قال ابن بطال: لا تزيده كثرة الزيارة إلا محبة بخلاف
غيره.
6079 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ ح وَقَالَ
اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلاَّ
وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ
عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَىِ
النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ
جُلُوسٌ فِى بَيْتِ أَبِى بَكْرٍ فِى نَحْرِ
الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سَاعَةٍ لَمْ
يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا
جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ؟
قَالَ: «إِنِّى قَدْ أُذِنَ لِى بِالْخُرُوجِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني بالإفراد
(إبراهيم بن موسى) الفراء أبو إسحاق الرازي الصغير
وسقط قوله ابن موسى لغير أبي ذر قال: (أخبرنا هشام) هو
ابن يوسف (عن معمر) هو ابن راشد (ح) لتحويل السند.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما سبق موصولاً في باب
الهجرة إلى المدينة وسقطت حاء التحويل من الفرع
(حدثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين بن خالد الأيلي
(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فأخبرني)
بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة) -رضي
الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج الخ لأبي ذر أنها (قالت: لم
أعقل) بكسر القاف (أبويّ) أبا بكر وأم رومان (إلا وهما
يدينان الدين) بكسر الدال المهملة دين الإسلام (ولم
يمر عليهما) على أبوي وفي نسخة علينا (يوم إلا يأتينا
فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
طرفي النهار بكرة وعشية). ولأبي ذر عن الكشميهني
وعشيًّا وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى وليس في الحديث
ما يمنع أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يجيء إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النهار والليل
أكثر مما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يأتيه، ولعل منزل أبي بكر كان بين منزل النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين المسجد فكان يمر به
والمقصود المسجد (فبينما) بالميم ولأبي ذر فبينا (نحن
جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة) بالحاء المهملة
الساكنة أول الزوال عند شدة الحر (قال قائل): قيل مولى
أبي بكر عامر بن فهيرة وفي الطبراني أسماء بنت أبي بكر
(هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر) -رضي الله
عنه-: (ما جاء به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (في هذه الساعة إلا أمر) حدث (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن دخل: (إني قد أذن
لي) وسقط لفظ قد لأبي ذر (بالخروج) إلى المدينة ولأبي
ذر في الخروج بدل الباء الموحدة، وفي فتح الباري: إن
هذا السياق كأنه سياق معمر قال: وأما رواية عقيل فلفظه
في باب الهجرة إلى المدينة عن ابن شهاب أخبرني عروة عن
عائشة قالت: لم أعقل الخ.
65 - باب الزِّيَارَةِ وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ
عِنْدَهُمْ وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِى
عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَكَلَ عِنْدَهُ
(باب) مشروعية (الزيارة ومن زار قومًا فطعم) بكسر
العين أي أكل (عندهم) ولو يسيرًا إذ فيه زيادة المحبة
وثبوت المودة (وزار سلمان) الفارسي (أبا الدرداء)
عويمر الأنصاري (في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكل عنده) وهذا طرف من حديث أبي
جحيفة السابق موصولاً في الصيام.
6080 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَارَ أَهْلَ
بَيْتٍ فِى الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا،
فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ
الْبَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ فَصَلَّى
عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: بالإفراد (محمد
بن سلام) السلمي مولى البيكندي بكسر الموحدة وسكون
التحتية وفتح الكاف بعدها نون ساكنة ودال مهملة مكسورة
قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن
خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة
المشددة ممدودًا (عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين
(عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زار أهل بيت في) ولأبي ذر
من (الأنصار) هم أهل بيت عتبان مالك (فطعم) أكل (عندهم
طعامًا فلما أراد أن يخرج) ولأبي ذر عن الكشميهني أراد
الخروج (أمر) عليه الصلاة والسلام (بمكان من البيت
فنضح) بضم النون وكسر الضاد المعجمة بعدها حاء مهملة
رش (له) بالماء (على بساط) أي حصير كما في طريق أخرى
(فصلّى) عليه الصلاة والسلام (عليه ودعا لهم) أي لأهل
البيت، وفي الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه حديث أبي
هريرة رفعه "من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله
ناداه مناد طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".
والحديث سبق في صلاة الضحى من كتاب الصلاة.
66 - باب مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ
(باب من تجمل) بالجيم والميم المشددة أي تحسن بأحسن
الثياب والزي الحسن المباح (للوفود) بضم الواو أي لأجل
الجماعة الواردين عليه.
6081 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِى
أَبِى، قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى
إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ لِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ: مَا الإِسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ
الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً
مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَأَتَى بِهَا النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ اشْتَرِ هَذِهِ فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ
النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا
يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ» فَمَضَى
فِى ذَلِكَ مَا مَضَى ثُمَّ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ إِلَيْهِ
بِحُلَّةٍ فَأَتَى بِهَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَىَّ
بِهَذِهِ وَقَدْ قُلْتَ فِى مِثْلِهَا مَا قُلْتَ
قَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا
مَالاً» فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الْعَلَمَ فِى
الثَّوْبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله
بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الصمد قال: حدثني)
بالإفراد (أبي) عبد الوارث (قال: حدثني) بالإفراد
(9/55)
أيضًا (يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي البصري
(قال: قال لي سالم بن عبد الله) بن عمر (ما الاستبرق؟
قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه) بالخاء المفتوحة
والشين المضمومة المعجمتين ولأبي ذر عن الكشميهني وحسن
بالمهملتين وفي الفرع بهامشه لعله وثخن بالمثلثة
والخاء المعجمة فليحرر (قال: سمعت) أبي (عبد الله) بن
عمر (يقول: رأى عمر) -رضي الله عنه- (على رجل) هو
عطارد بن حاجب التيمي (حلة من استبرق فأتى بها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول
الله اشتر هذه) الحلة (فالبسها) بهمزة وصل وفتح
الموحدة (لوفد الناس إذا قدموا عليك فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنما يلبس الحرير) مستحلاًّ له (من لا خلاق) أي نصيب
(له) في الآخرة (فمضى في) ولأبي ذر من (ذلك ما مضى ثم
إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث
إليه) إلى عمر (بحلة) من استبرق (فأتى) عمر (بها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: بعثت إليّ
بهذه) الحلة (وقد قلت في مثلها ما قلت قال) عليه
الصلاة والسلام: (إنما بعثت إليك) بها (لتصيب بها
مالاً) بنحو البيع وثبت بها في قوله لتصيب بها للحموي
والمستملي (فكان ابن عمر يكره العلم) بفتح العين
واللام الحرير (في الثوب لهذا الحديث) ورعًا منه -رضي
الله عنه-.
والحديث سبق في اللباس في باب الحرير للنساء.
67 - باب الإِخَاءِ وَالْحِلْفِ
وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: آخَى النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِى
الدَّرْدَاءِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَيْنِى وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ.
(باب الإخاء) بكسر الهمزة أي المؤاخاة (والحلف) بكسر
الحاء المهملة وسكون اللام بعدها فاء العهد يكون بين
القوم.
(وقال أبو جحيفة) بتقديم الجيم المضمومة على المهملة
المفتوحة وهب بن عبد الله السوائي نزيل الكوفة (آخى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين سلمان)
الفارسي (و) بين (أبي الدرداء) عويمر الأنصاري أي
جعلهما أخوين.
وهذا التعليق طرف من حديث سبق في باب الهجرة إلى
المدينة.
(وقال عبد الرحمن بن عوف: لما قدمنا المدينة آخى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيني وبين سعد بن
الرببع) هو طرف من حديث سبق في فضائل الأنصار وذكر غير
واحد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بين
أصحابه مرتين مرة بين المهاجرين فقط وأخرى بين
المهاجرين والأنصار.
6082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ
عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَآخَى النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ
وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ
وَلَوْ بِشَاةٍ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل (عن أنس) -رضي
الله عنه- أنه (قال: لما قدم علينا عبد الرحمن) بن عوف
المدينة (فآخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع) بفتح الراء وكسر
الموحدة الأنصاري (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لما جاءه عبد الرحمن وعليه أثر
صفرة وقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "تزوجت"؟ قال: نعم.
(أولم) أي اتخذ وليمة للعرس ندبًا (ولو بشاة).
والحديث سبق تامًّا في أوائل البيع.
6083 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ،
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا
عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ حِلْفَ فِى الإِسْلاَمِ»؟
فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ
فِى دَارِى.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن صباح) بفتح الصاد المهملة
والموحدة المشددة وبعد الألف حاء مهملة الدولابي أبو
جعفر البغدادي قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) بن مرة
الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف
الكوفي لقبه شقوصًا بفتح الشين المعجمة وضم القاف
الخفيفة وبعد الواو صاد مهملة فألف قال: (حدّثنا عاصم)
هو ابن سليمان الأحول (قال: قلت لأنس بن مالك) رضي
الله عنه (أبلغك) بهمزة الاستفهام (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا حلف في الإسلام) لأن الحلف للاتفاق والإسلام قد
جمعهم وألف بين قلوبهم فلا حاجة إليه وكانوا في
الجاهلية يتعاهدون على نصر الحليف ولو كان ظالمًا وعلى
أخذ الثأر من القبيلة بسبب
قتل واحد منها ونحو ذلك (فقال) أنس -رضي الله عنه- (قد
حالف) أي آخى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بين قريش و) بين (الأنصار في داري) أن
ينصروا المظلوم ويقيموا الدين، فالمنفي معاهدة
الجاهلية والمثبت ما عداها من نصر المظلوم وغيره مما
جاء به الشرع. فلا تعارض، وحديث لا حلف في الإسلام
أخرجه مسلم في صحيحه عن جبير بن مطعم مرفوعًا بلفظ:
"لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده
الإسلام إلا شدة".
وحديث الباب
(9/56)
سبق في الكفالة.
68 - باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ
وَقَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -:
أَسَرَّ إِلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَضَحِكْتُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ
اللَّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى.
(باب) إباحة (التبسم) وهو ظهور الأسنان بلا صوت
(والضحك) وهو ظهورها مع صوت لا يسمع من بعد فإن سمع من
بعد فقهقهة (وقالت فاطمة) الزهراء (عليها السلام: أسر
إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
في مرض موته أني أوّل أهله لحوقًا به (فضحكت) وهذا طرف
من حديث سبق في الوفاة النبوية (وقال ابن عباس) -رضي
الله عنهما- فيما وصله في الجنائز: (إن الله) عز وجل
{هو أضحك وأبكى} [النجم: 43] لأنه المؤثر في الوجود لا
غيره.
6084 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى
الله عنها - أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىَّ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلاَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا
بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ
فَجَاءَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا
كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ
تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا
مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ هَذِهِ
الْهُدْبَةِ، لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ
جِلْبَابِهَا قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ
الْحُجْرَةِ، لِيُؤْذَنَ لَهُ فَطَفِقَ خَالِدٌ
يُنَادِى أَبَا بَكْرٍ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ
تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَمَا
يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى التَّبَسُّمِ ثُمَّ قَالَ:
«لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى
رِفَاعَةَ، لاَ حَتَّى تَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ
وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (حبان بن
موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) هو
ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن
الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رفاعة القرظي)
بكسر الراء وتخفيف الفاء والقرظي بضم القاف وفتح الراء
وكسر الظاء المعجمة نسبة إلى قريظة بن الخزرج (طلق
امرأته) تميمة بنت وهب وقيل سهيمة بالسين وقيل أميمة
بنت الحارث وقيل عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك (فبت)
بالموحدة والفوقية المشددة أي قطع (طلاقها) أي قطع
عصمتها بأن طلقها ثلاثًا (فتزوّجها بعده عبد الرحمن بن
الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة
فراء ابن باطيا القرظي (فجاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إنها كانت
عند رفاعة) القرظي (فطلقها ثلاث تطليقات فتزوّجها بعده
عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله)
من الفرج (إلا مثل هذه الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال
المهملة (لهدبة أخذتها من) طرف (جلبابها) الذي لم ينسج
شبه بهدب العين وهو شعر جفنها والتشبيه به لصغره أو
لاسترخائه وعدم انتشاره وهو الظاهر (قال وأبو بكر)
الصدّيق -رضي الله عنه- (جالس عند النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن سعيد بن العاص) خالد
القرشي الأموي (جالس بباب الحجرة ليؤذن له) مبني
للمفعول في الدخول (فطفق خالد) بن سعيد المذكور (ينادي
أبا بكر يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يزيد
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
التبسم) وهذا موضع الترجمة (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (لعلك تريدين أن ترجعي إلى)
عصمة (رفاعة لا) رجوع لك إليه (حتى تذوقي عسيلته) أي
عسيلة عبد الرحمن بن الزبير (ويذوق عسيلتك) إذا قدر
والعسيلة الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته وليس
الإنزال بشرط كما قرر في محله.
6085 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه -
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ
يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً
أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ
عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَدَخَلَ وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ
سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى
فَقَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ
عِنْدِى لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ
الْحِجَابَ» فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ
فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِى
وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ
وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيهٍ يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ
الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا
غَيْرَ فَجِّكَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا)
بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف
مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن
الخطاب) كان واليًا على الكوفة لعمر بن عبد العزيز (عن
محمد بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-
أنه (قال: استأذن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده
نسوة) من أزواجه (من قريش) عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب
بنت جحش وغيرهن حال كونهن (يسألنه ويستكثرنه) أي يطلبن
منه أكثر مما يعطيهن حال كونهن (عالية أصواتهن) ولأبي
ذر: عالية بالرفع على الصفة أو خبر مبتدأ محذوف أي هن
رافعة أصواتهن (على
صوته) يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي عن رفع الصوت على
صوته أو كان ذلك من طبعهن (فلما استأذن عمر) -رضي الله
عنه- في الدخول (تبادرن الحجاب) أي أسرعن إليه (فأذن
له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل
والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحك) من
فعلهن والواو للحال (فقال) له عمر: (أضحك الله سنك يا
رسول الله) هو دعاء بالسرور الذي هو لازم الضحك لادعاء
بالضحك (بأبي أنت وأمي) أفديك
(9/57)
(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(عجبت من هؤلاء) النسوة (اللاتي كن عندي) يرفعن
أصواتهن (لما سمعن صوتك تبادرن) ولأبي ذر فتبادرن
(الحجاب فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم أقبل)
عمر (عليهن فقال: يا عدوّات أنفسهن أتهبنني) بفتح
الهمزة والفوقية والهاء وسكون الموحدة وفتح النون
الأولى وكسر الثانية (ولم يهبن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلن) له: (إنك أفظ وأغلظ
من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بالظاء المعجمة فيهما وصيغة أفعل ليست على بابها لحديث
ليس بفظ ولا غليظ وحينئذٍ فلا تعارض بين الحديث وقوله
تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب} [آل عمران: 159]
ولا يشكل بقوله وأغلظ عليهم فالنفي بالنسبة لما جبل
عليه والأمر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة إلى
المؤمنين والأمر بالنسبة إلى الكفار والمنافقين (قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيه)
بكسر الهمزة وسكون التحتية وتنوين الهاء حدّثنا ما شئت
وأعرض عن الإنكار عليهن (يا ابن الخطاب) وقال الطيبي:
إيه استزادة منه في طلب توقيره -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعظيم حاله (والذي نفسي بيده ما
لقيك الشيطان سالكًا فجًّا) بالجيم المشدّدة طريقًا
واسعًا (إلا سلك فجًّا غير فجك) الذي تسلكه فرفًا منك.
والحديث سبق في باب صفة إبليس وجنوده وفي مناقب عمر.
6086 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى
الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالطَّائِفِ قَالَ: «إِنَّا
قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالَ نَاسٌ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا،
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» قَالَ:
فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالاً شَدِيدًا وَكَثُرَ
فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا
قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالَ:
فَسَكَتُوا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الْحُمَيْدِىُّ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ كُلَّهُ بِالْخَبَرِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء
البغلاني بالموحدة وسكون الغين المعجمة قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن
أبي العباس) السائب الشاعر المكي (عن عبد الله بن
عمرو) بن العاص وللمستملي والكشميهني في رواية أبي ذر
والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر عن عبد الله بن عمر
بضم العين ابن الخطاب وهو الصواب أنه (قال: لما كان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالطائف) في غزوتها (قال):
(إنّا قافلون) أي راجعون (غدًا إن شاء الله) ولأبي ذر
عن الكشميهني معًا (فقال ناس من أصحاب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر من
أصحاب النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا
نبرح أو نفتحها) بنصب حاء نفتحها
بالفرع أي لا نفارق إلى أن نفتحها قال السفاقسي:
بالرفع ضبطناه والصواب النصب لأن أو إذا كانت بمعنى
حتى أو إلى نصبت وهي هنا كذلك (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاغدوا على القتال)
بهمزة وصل وغين معجمة (قال: فغدوا فقاتلوهم قتالاً
شديدًا وكثر فيهم) أي في المسلمين (الجراحات. فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا
قافلون غدًا إن شاء الله قال: فسكتوا فضحك رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعجبًا من قولهم
الأول وسكوتهم في الثاني.
(قال: الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي شيخ المؤلّف
(حدّثنا سفيان) بن عيينة الحديث (كله بالخبر) أي بلفظ
الأخبار في جميع السند لا بلفظ العنعنة، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: بالخبر كله بتقديم الخبر على كله أي
حدّثنا بجميعه مستوفى، وهذا وصله الحميدي في مسند عبد
الله بن عمر من مسنده.
6087 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ
عَلَى أَهْلِى فِى رَمَضَانَ، قَالَ: «أَعْتِقْ
رَقَبَةً» قَالَ: لَيْسَ لِى قَالَ: «فَصُمْ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ
قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: لاَ
أَجِدُ فَأُتِىَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ: الْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فَقَالَ: «أَيْنَ
السَّائِلُ؟ تَصَدَّقْ بِهَا» قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ
مِنِّى وَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ
بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ
نَوَاجِذُهُ قَالَ: «فَأَنْتُمْ إِذًا».
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي بفتح
الفوقية وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة قال:
(حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي
الله عنه- قال: أتى رجل) أعرابي (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) أي فعلت ما
هو سبب لهلاكي وذلك أني (وقعت على أهلي) أي وطئت
امرأتي (في رمضان) وأنا صائم (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أعتق) بفتح الهمزة وكسر الفوقية (رقبة قال: ليس لي)
ما أعتق به رقبة (قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (فصم شهرين متتابعين) ظرف زمان مفعول على
السعة بتقدير زمن شهرين متتابعين صفته (قال: لا
أستطيع) ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأطعم ستين
مسكينًا قال: لا أجد) ما أطعمهم (فأتي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا
للمفعول (بعرق) بفتح العين المهملة والراء وتسكن (فيه
تمر. قال إبراهيم) بن سعد بالسند السابق: (العرق) هو
(المكتل) بكسر الميم
(9/58)
وسكون الكاف وفتح الفوقية من الخوص وهو
يجمع خمسة عشر صاعًا، وأخذ من ذلك أن إطعام كل مسكين
مد لأن الصاع أربعة أمداد وقد أمر بصرف هذه الخمسة عشر
صاعًا إلى ستين وقسمة خمسة عشر على ستين كل واحد ربع
صاع وهو مد (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أين السائل)؟ قال: أنا. قال: (تصدق بها)
أي الصيعان ولأبي ذر عن الكشميهني بهذا أي التمر على
المساكين (قال) ولأبي ذر فقال: (على أفقر
مني) متعلق بفعل محذوف يدل عليه الكلام أي أتصدق به
على أفقر مني أي على أحد أفقر مني فهو قائم مقام
موصوفه وحذف همزة الاستفهام كثير والفعل لدلالة تصدق
بها عليه (والله) ولأبي ذر فوالله (ما بين لابتيها)
تثنية لابة بتخفيف الموحدة من غير همزة يريد الحرّتين
وهما أرض ذات حجارة سود للمدينة حرتان هي بينهما (أهل
بيت أفقر منا) أهل بيت مبتدأ والخبر من بين والعامل في
وأفقر صفة للمبتدأ أو خبر مبتدأ محذوف أي هم أفقر أهل
بيت هذا على أن ما تميمية وإن جعلتها حجازية فأهل بيت
اسمها وأفقر خبرها والظرف متعلق بالخبر وهو أفعل وذلك
جائز في أفعل نحو قولك: زيد عندك أفضل من عمرو، ولا
يبطل عمل ما بالفصل بمفعول الخبر نحو قولك: ما عندي
زيد قائمًا قاله ابن مالك وغيره كما في العدّة لابن
فرحون (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) تعجبًّا من حال الرجل لكونه جاء أوّلاً
هالكًا ثم انتقل لطلب الطعام لنفسه وعياله أو من رحمة
الله به وسعته عليه والضحك غير التبسم، وأما قوله
فتبسم ضاحكًا فقال في الكشاف فتبسم شارعًا في الضحك،
وقال أبو البقاء: ضاحكًا حال مؤكدة. وقال صاحب الكشف:
هي حال مقدرة أي فتبسم مقدرًا الضحك ولا يكون محمولاً
على الحال المطلق لأن التبسم غير الضحك فإنه ابتداء
الضحك وإنما يصير التبسم ضحكًا إذا اتصل ودام فلا بدّ
من هذا التقدير وأكثر ضحك الأنبياء التبسم، وسقط لأبي
ذر قوله النبي الخ. (حتى بدت نواجذه) بالجيم والذال
المعجمة وهي من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند
الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان والمراد
الأول لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى يبدو آخر أضراسه،
ولو أريد الثاني لكان مبالغة في الضحك من غير أن يراد
ظهور نواجذه في الضحك وهو أقيس لاشتهار النواجذ بأواخر
الأسنان، وإليه الإشارة يقول الزمخشري والغرض المبالغة
في وصف ما وجد من الضحك النبوي قاله الطيبي. (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل: (فأنتم
إذًا) جواب أي إن لم يكن أفقر منكم فكلوا أنتم حينئذٍ
وهذا على سبيل الإنفاق على العيال إذ الكفارة إنما هي
على سبيل التراخي أو هو على سبيل التكفير فهو خصوصية
له.
والحديث سبق في باب الجامع في رمضان من كتاب الصوم.
6088 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ،
فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ
جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى
صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ
الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا
مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى
عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ
لَهُ بِعَطَاءٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) سقط
الأويسي لأبي ذر قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن إسحاق
بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك) أنه
(قال: كنت أمشي مع رسول الله) ولأبي ذر مع النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه برد) بضم
الموحدة وسكون الراء نوع من
الثياب ولمسلم من طريق الأوزاعي وعليه رداء (نجراني)
بفتح النون وسكون الجيم بعدها راء فألف فنون منسوب إلى
بلد بين الحجاز واليمن (غليظ الحاشية فأدركه أعرابي)
من أهل البادية (فجبذ بردائه) بجيم فموحدة فمعجمة
مفتوحات (جبذة شديدة. قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أثرت
بها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فيها (حاشية
الرداء) ولمسلم من طريق همام حتى انشق البرد وذهبت
حاشيته (من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي) بضم
الميم وسكون الراء وفي رواية الأوزاعي أعطنا (من مال
الله الذي عندك فالتفت إليه) صلوات الله وسلامه عليه
(فضحك) زاده الله شرفًا لديه (ثم أمر له بعطاء) وفيه
بيان حلمه وصبره على الأذى في النفس والمال -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والحديث مضى في الخمس واللباس.
6089 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ
جَرِيرٍ، قَالَ: مَا حَجَبَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ
رَآنِى إِلاَّ تَبَسَّمَ فِى وَجْهِى.
وبه قال:
(9/59)
(حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (ابن
نمير) بضم النون وفتح الميم وسكون التحتية بعدها راء
هو محمد بن عبد الله بن نمير قال: (حدّثنا ابن إدريس)
عبد الله الأودي (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو
ابن أبي حازم (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي -رضي
الله عنه- أنه (قال: ما حجبني النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من دخولي على مجلسه المختص
بالرجال (منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي) وفي
المناقب: إلا ضحك.
6090 - وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّى لاَ
أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِى
صَدْرِى وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ
هَادِيًا مَهْدِيًّا».
(ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في
صدري وقال):
(اللهم ثبته) لفظ شامل للثبات على الخيل وعلى غيرها
(واجعله هاديًا) لغيره (مهديًّا) في نفسه بفتح الميم
وسكون الهاء.
والحديث سبق في الجهاد وفي فضل جرير.
6091 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى
أَبِى عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِى مِنَ
الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا
احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ»
فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ
الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَبِمَ شَبَهُ الْوَلَدِ»؟
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (محمد بن
المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام قال: أخبرني) بالإفراد
(أبي) عروة بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) هند (عن)
أمها (أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أن أم سليم) بضم السين وفتح اللام
الرميصاء بالصاد المهملة مصغرًا وهي أم أنس وزوج أبي
طلحة الأنصاري (قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي
من الحق) بسكون الحاء بوزن يستفعل وماضيه استحيا ولم
يستعمل مجرّدًا عن السين والتاء وقال الزمخشري: يقال
منه حيي فعلى هذا يكون استفعل فيه موافقًا للفعل
المجرد، وقد جاء استفعل لاثني عشر معنى، للطلب نحو
نسعتين، وللإيجاد كاستبعده، وللتحويل كاستأنس.
والجمهور في يستحيي بياءين وعليه أكثر القرّاء، وقرأ
ابن محيصن بياء واحدة من استحى يستحي فهو مستح مثل
استقى يستقي وهي لغة تميم وبكر بن وائل أصله يستحيي
بياءين نقلت حركة الأولى إلى الحاء فسكنت ثم استثقلت
الضمة على الثانية فسكنت فحذفت إحداهما للالتقاء
والجمع مستحون ومستحين قاله الجوهري. ونقل بعضهم أن
المحذوف هنا مختلف فيه فقيل عين الكلمة فوزنه يستفل
وقيل لامها فوزنه يستفع ثم نقلت حركة اللام على القول
الأوّل وحركة العين على القول الثاني إلى الفاء وهي
الحاء ومن الحذف قوله:
ألا يستحي منا المليك ويتقي ... محارمنا لا يتقي الدم
بالدم
والمعنى أن الله لا يمتنع من أجل بيان الحق أي وأنا
أيضًا لا أمتغ من السؤال عما أنا محتاجة إليه مما
يستحي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة
الرجال والمستحي يمتنع من فعل ما استحيا منه فالامتناع
من لوازم الحياء فيطلق الحياء على الامتناع إطلاقًا
لاسم الملزوم على اللازم، والحياء هو خجل النفس وأصله
الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفًا من مواقعة
القبيح ولا ريب أن هذا محال على الله تعالى (هل) ولأبي
ذر عن الكشميهني فهل (على المرأة غسل)؟ بفتح الغين
المعجمة مصدر غسل يغسل وبالضم الاغتسال فيقرأ بالوجهين
في كل موضع يقال فيه وجب أو يستحب أو من سنة الغسل
والفتح أشهر، لكن قال النووي: سألت ابن مالك فقال: إذا
أريد الاغتسال فالمختار ضمه ويجوز فتحه على إرادة أنه
يغسل يديه غسلاً، وقد يطلق الغسل بالضم على الماء كما
في حديث قيس بن سعد أتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوضعنا له غسلاً فإنه بالضم
بإجماع أهل الحديث والفقه وغيرهم لا بالكسر كما وقع
لابن باطيش في كتاب ألفاظ التهذيب وهو غلط كما نبه
عليه النووي لأن الغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من
خطمي وسدر ونحوهما وعلى المرأة يتعلق بغسل أي فهل غسل
على المرأة (إذا احتلمت) وفي باب الغسل إذا هي احتلمت
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(نعم) إذا احتلمت فعليها الغسل والاحتلام افتعال من
الحلم بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم في
نومه (إذا رأت الماء) أي المني بعد استيقاظها من النوم
(فضحكت أم سلمة) وهذا موضع الترجمة إذ وقع ذلك بحضرته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينكره
(فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال ا
(9/60)
لنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فبم شبه الولد) بفتح المعجمة والموحدة مضافًا لتاليه
أي فبأي شيء وصل شبه الولد بالأم، ولأبي ذر عن
الكشميهني: فبم يشبه الولد.
والحديث سبق في باب إذا احتلمت المرأة في أبواب الغسل
من الطهارة.
6092 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ
أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا، حَتَّى
أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي
الكوفي نزيل مصر (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد
الله قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن الحارث (أن
أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن
أبي أمية المدني (حدثه عن سليمان بن يسار) مولى ميمونة
أم المؤمنين (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت:
ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ومستجمعًا) أي مجتمعًا (قط ضاحكًا) وهو منصوب على
التمييز وإن كان مشتقًّا مثل لله دره فارسًا أي ما
رأيته مستجمعًا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكًا تامًّا
مقبلاً بكليته على الضحك ولأبي ذر عن الكشميهني ضحكًا
أي مبالغًا في الضحك لم يترك منه شيئًا (حتى أرى منه
لهواته) بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة التي
بأعلى الحنجرة من أقصى الفم (إنما كان يتبسم). ولا
تضاد بين هذا وحديث أبي هريرة من خبر الأعرابي أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحك حتى بدت
نواجذه لأن أبا هريرة أخبر بما شاهد، ولا يلزم من قول
عائشة ما رأيت أن لا يكون غيرها رأى والمثبت مقدم على
النافي. والحديث سبق في سورة الأحقاف.
6093 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ، وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ
فَقَالَ: قَحَطَ الْمَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ،
فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ
فَاسْتَسْقَى فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى
بَعْضٍ ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ
الْمَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ
الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ
الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- وَالنَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ:
غَرِقْنَا فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا،
فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ
عَلَيْنَا» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَجَعَلَ
السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِينًا
وَشِمَالاً يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا وَلاَ يُمْطِرُ
مِنْهَا شَىْءٌ يُرِيهِمُ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِجَابَةَ
دَعْوَتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) أبو عبد الله البناني
البصري وليس هو محمد بن الحسن الملقب بمحبوب قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن
دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- وقال البخاري: (وقال لي
خليفة) بن خياط العصفري: (حدّثنا يزيد بن زريع) الخياط
أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) أي ابن أبي
عروبة (عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً)
أعرابيًّا (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم الجمعة وهو يخطب) على المنبر في مسجده
الشريف (بالمدينة فقال): يا رسول الله (قحط المطر)
بفتح القاف وكسر الحاء أي احتبس (فاستسق ربك) وفي
الاستسقاء فادع الله أن يسقينا (فنظر) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى السماء وما نرى من سحاب)
مجتمع فيها (فاستسقى) قال: (اللهم اسقنا فنشأ السحاب
بعضه إلى بعض ثم مطروا حتى سالت مثاعب المدينة) بفتح
الميم والمثلثة وبعد الألف عين مهملة مكسورة فموحدة
جمع مثعب أي مسايل الماء التي بالمدينة (فما زالت)
تمطر (إلى الجمعة المقبلة ما تقلع) بضم الفوقية وسكون
القاف وكسر اللام ما تكف (ثم قام ذلك الرجل) الذي قال:
قحط المطر (أو) رجل (غيره) بالشك (والنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) في يوم الجمعة
الأخرى (فقال): يا رسول الله (غرقنا) من كثرة المطر
(فادع ربك يحبسها عنا) بالجزم جواب الأمر (فضحك)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم قال):
(اللهم حوالينا) منصوب على الظرفية وهو من الظروف
المكانية المبهمة لأنه بمعنى الناحية ولا يخرجه عن
الإبهام اختصاصه بالإضافة كما تقول جلست مكان زيد أي
قعدت موضعه وهو مكان عبد الله وموضعه وهذا بخلاف الدار
والمسجد فإنهما مختصان لأن ذلك لا يطلق على كل موضع بل
هو بأصل وضعه لمعنى مخصوص والناصب لحوالينا مقدر أي
اللهم اجعلها حوالينا (ولا) تجعلها (علينا) قال ذلك
(مرتين أو ثلاثًا) فعلينا يتعلق بالمقدر كالظرف،
والمراد بحوالي المدينة مواضع النبات والزرع لا في نفس
المدينة وبيوتها ولا فيما حوالي المدينة من الطرق
وإلاّ لم يزل بذلك شكواهم جميعًا (فجعل السحاب يتصدع)
بوزن يتفعل أي يتفرق وفي الاستسقاء بلفظ يتقطع (عن
المدينة) حال كونه (يمينًا وشمالاً يمطر ما حوالينا)
من أهل اليمين والشمال (ولا يمطر فيها شيء) في المدينة
(يريهم الله) عز وجل (كرامة نبيه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عنده (وإجابة دعوته) وكم له
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من دعوة مستجابة.
والحديث سبق في باب الاستسقاء على المنبر.
69 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَمَا يُنْهَى عَنِ
الْكَذِبِ
(باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وكونوا مع الصادقين}) [التوبة: 119] في إيمانهم دون
المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا
(9/61)
أو مع الذين صدقوا في دين الله نيَّةً
وقولاً وعملاً، والآية تدل على أن الإيمان حجة لأنه
أمر بالكون مع الصادقين فيلزم قبول قولهم (و) بيان (ما
ينهى عن الكذب).
6094 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى
وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ
وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ
الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا،
وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ
الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ
لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ
كَذَّابًا».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر بن
أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن
منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن
عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن الصدق يهدي إلى البر) بكسر الموحدة وتشديد الراء
أي يوصل إلى الخيرات كلها والصدق يطلق على صدق اللسان
وهو نقيض الكذب، والصدق في النية وهو الإخلاص فيراعى
معنى الصدق في مناجاته ولا يكن ممن قال: وجّهت وجهي
لله وهو غافل كاذب، والصدق في العزم على خير نواه أي
يقوي عزم أنه إذا ولي مثلاً لا يظلم، والصدق في الوفاء
بالعزم أي حال وقوع الولاية مثلاً، والصدق في الأعمال
وأقله استواء سريرته وعلانيته، والصدق في المقامات
كالصدق في الخوف والرجاء وغيرهما فمن اتصف بالستة كان
صديقًا أو ببعضها كان صادقًا. وقال الراغب: الصدق
مطابقة القول الضمير والمخبر عنه فإن انخرم شرط لم يكن
صدقًا بل يكون كذبًا أو مترددًا بينهما على اعتبارين
كقول المنافق: محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه يصح أن يقال صدق لكون المخبر
عنه كذلك ويصح أن يقال كذب لمخالفة قوله لضميره (وإن
البر يهدي) يوصل (إلى الجنة وإن الرجل ليصدق) في السر
والعلانية ويتكرر ذلك منه (حتى يكون صديقًا) بكسر
الصاد والدال المشددة وهو من أبنية المبالغة ونظيره
الضحيك والمراد فرط صدقه حتى يصدق قوله العمل فالتنكير
للتعظيم والتفخيم أي بلغ في الصدق إلى غايته ونهايته
حتى دخل زمرتهم واستحق ثوابهم (وإن الكذب يهدي) يوصل
(إلى الفجور) الذي هو ضد البر (وإن الفجور هدي) يوصل
(إلى النار) قال تعالى: {إن الإبرار لفي نعيم وإن
الفجار لفي جحيم} [الانفطار: 14] (وإن الرجل ليكذب)
ويتكرر ذلك منه (حتى يكتب) بضم أوّله مبنيًا للمفعول
(عند الله كذابًا) أي يحكم له بذلك ويظهره للمخلوقين
من الملأ الأعلى ويلقي ذلك في قلوب أهل الأرض وألسنتهم
فيستحق بذلك صفة الكذابين وعقابهم، ولأبي ذر عن
الكشميهني: حتى يكون بدل يكتب، وعن ابن مسعود مما ذكره
الإمام مالك بلاغًا: لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب
فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند
الله من الكذابين.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب أيضًا.
6095 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى سُهَيْلٍ،
نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِى عَامِرٍ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ
الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا
وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (ابن سلام) ولأبي
ذر محمد بن سلام قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر)
الأنصاري (عن أبي سهيل) بضم السين المهملة (نافع بن
مالك بن أبي عامر) الأصبحي (عن أبيه عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(آية المنافق) والنفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان
والنافقاء إحدى حجرة اليربوع فإذا أتي من قبل القاصعات
وهو حجره الذي يقصع فيه أي يدخل ضرب النافقاء برأسه
فانتفق أي خرج تقول نافق اليربوع أي أخذ في نافقائه،
ومنه اشتقاق المنافق وهو الذي يدخل في الشرع في باب
ويخرج من باب أيضًا يكتم الكفر ويظهر الإيمان كما أن
اليربوع يكتم النافقاء ويظهر القاصعاء والآية العلامة
أي علامة المنافق (ثلاث إذا حدث كذب) فأخبر عن الشيء
على خلاف ما هو به (وإذا وعد أخلف) فلم يف بما وعد به
(وإذا اؤتمن) أمانة (خان) فلم يؤدّها إلى أهلها. قال
التوربشتي: من اجتمعت فيه هذه الخصال واستمرّت أحواله
عليها فبالحري أن يسمى منافقًا، وأما المؤمن المفتون
بها فإنه إن فعلها مرة تركها أخرى وإن أصر عليها
زمانًا أقلع عنها زمانًا آخر وإن وجدت فيه خلة عدمت
منه أخرى، وقال الخطابي: هذا القول إنما خرج على سبيل
الإنذار للمرء المسلم والتحذير له أن يعتاد هذه الخصال
فتفضي به إلى النفاق لا أنه منافق إن ندرت منه هذه
الخصال أو فعل شيئًا منها من غير اعتياد.
والحديث سبق في باب علامة
(9/62)
المنافق من كتاب الإيمان.
6096 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى قَالاَ الَّذِى
رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ
بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ
الآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ
قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم قال: (حدّثنا أبو
رجاء) بفتح الراء والجيم والهمز عمران العطاردي (عن
سمرة بن جندب رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(رأيت) في المنام ملكين على صورة (رجلين) ولأبي ذر
رأيت الليلة رجلين (أتياني قالا: الذي رأيته يشق شدقه)
بضم أوله وفتح المعجمة. كذا أورده هنا مختصرًا ومطولاً
في الجنائز فقال: رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي
وأخرجاني إلى أرض مقدسة فإذا رجل قائم بيده كلوب من
حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر
مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله فقلت: ما
هذا؟ قالا: انطلق الحديث. وفيه فقلت لهما: طوفتماني
الليلة فأخبراني عما رأيت. قالا: نعم أما الذي رأيته
يشق شدقه (فكذاب يكذب بالكذبة) بفتح الكاف وتكسر وسكون
المعجمة (تحمل عنه) بضم الفوقية وفتح الميم (حتى تبلغ
الآفاق) بمد الهمزة (فيصنع به) ما رأيت من شق شدقه
(إلى يوم القيامة) لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد
وإنما جعل عذابه في الفم لأنه موضع المعصية، وقوله
فكذاب بالفاء. استشكل بأن الموصول الذي يدخل خبره
الفاء يشترط أن يكون مبهمًا عامًّا. وأجاب ابن مالك
بأنه نزل المعين المبهم منزلة العام إشارة إلى اشتراك
من يتصف بذلك من العقاب المذكور.
70 - باب فِى الْهَدْىِ الصَّالِحِ
هذا (باب) بالتنوين (في) بيان (الهدي الصالح) بفتح
الهاء وسكون المهملة، وسقط لأبي ذر لفظ في فباب مضاف
إلى الهدي، وفي حديث ابن عباس المروي في الأدب المفرد
للمؤلّف مرفوعًا "الهدي الصالح والسمت الصالح
والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوّة" وكذا
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود بسند حسن.
6097 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: قُلْتُ لأَبِى أُسَامَةَ حَدَّثَكُمُ
الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا، قَالَ: سَمِعْتُ
حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلاًّ
وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَبْنُ أُمِّ عَبْدٍ
مِنْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ
يَرْجِعَ إِلَيْهِ لاَ نَدْرِى مَا يَصْنَعُ فِى
أَهْلِهِ إِذَا خَلاَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إسحاق بن
إبراهيم) قال في الفتح: هو ابن راهويه (قال: قلت لأبي
أسامة) حماد بن أسامة (أحدثكم الأعمش) سليمان بن مهران
الكوفي (قال: سمعت شقيقًا) أبا وائل (قال: سمعت حذيفة)
بن اليمان (يقول: إن أشبه) ولأبي ذر زيادة ناس (دلاًّ)
بفتح الدال المهملة وتشديد اللام حسن الحركة في المشي
والحديث وغيرهما (وسمتًا) بفتح السين المهملة وسكون
الميم حسن النظر في أمر الدين (وهديًا) بفتح الهاء
وسكون المهملة وهو قريب من معنى الدل. قال الكرماني:
وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل
(برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن
أم عبد) عبد الله بن مسعود واللام في لابن مفتوحة
تأكيدًا بعد التأكيد بإنّ المكسورة التي في أول الحديث
(من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه) أي إلى بيته
فإذا رجع (لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا) بهم إذ
يجوز أن يكون انبساطه يزيد أو ينقص عن هيئة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أهله ولم يذكر
جواب أبي أسامة في آخر الحديث. وأجيب: بأن السكوت عن
الجواب قائم مقام التصديق عند القرائن، وفي مسند إسحاق
بن راهويه أنه قال في آخره: فأقرّ به أبو أسامة وقال:
نعم وحديث الباب من أفراده.
6098 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ مُخَارِقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا
قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْىِ
هَدْىُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. [الحديث 6098 - طرفه في: 7277].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن مخارق) بضم
الميم وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء فقاف هو ابن
عبد الله ويقال: ابن خليفة الأحمسي أنه (قال: سمعت
طارقًا) هو ابن شهاب الأحمسي (قال: قال عبد الله) هو
ابن مسعود لا عبد الله بن عمر: (إن أحسن الحديث كتاب
الله وأحسن الهدي هديُ محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة فيهما
ويروى بضم الهاء وفتح الدال ضد الضلال زاد أبو نعيم في
مستخرجه من طريق خليفة عن أبي الوليد هشام بن عبد
الملك وشر الأمور محدثاتها وإن ما توعدون لآت وما أنتم
بمعجزين. والحديث ورد موقوفًا في كثير من الطرق، وفي
بعضها مرفوعًا
من حديث جابر عند مسلم وأبي داود وغيرهما بألفاظ
مختلفة، وحديث الباب من أفراده.
71 - باب الصَّبْرِ عَلَى الأَذَى
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:
10].
(باب) فضيلة (الصبر) أي حبس النفس عن المجازاة (على
الأذى) قولاً وفعلاً، ولأبي ذر في الأذى
(9/63)
(وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على
المجرور السابق ({إنما يوفي الصابرون}) على تحمل
المشاق من تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله
وازدياد الخير ({أجرهم بغير حساب}) [الزمر: 10] قال
ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا يهتدى إليه حساب الحساب
ولا يعرف، وقال مالك بن أنس: هو الصبر على فجائع
الدنيا وأحزانها، وقد ذكر الله تعالى الصبر في خمسة
وتسعين موضعًا من القرآن. وفي الصحيحين حديث: ما أعطى
أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر وهو عبارة عن ثبات باعث
الذين في مقاومة باعث الهوى قاله في قوت الأحياء، وفي
البلاء كتم الشكوى لغيره تعالى، والصبي والمجنون فيه
مثابان إذ كسبهما التوجع ولا صبر عليهما فتأثير البلاء
بلا صبر في التفكير غالبًا ومع الصبر فمزيد الأجر
وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا.
6099 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى
الأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى -
رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ -أَوْ
لَيْسَ شَىْءٌ- أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ
اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا،
وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) أنه (قال: حدثني)
بالإفراد (الأعمش) سليمان بن مهران (عن سعيد بن جبير
عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب (السلمي) بضم
السين المهملة وفتح اللام وكسر الميم (عن أبي موسى)
عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ليس أحد أو ليس شيء) بالشك من الراوي (أصبر) أفعل
تفضيل من الصبر أي أحلم (على أذى سمعه من الله) عز
وجل. قال الكرماني: صلة لقوله أصبر وأصبر بمعنى أحلم
كما مرّ يعني حبس العقوبة عن مستحقها إلى زمان آخر
يعني تأخيرها (إنهم ليدعون له) تعالى (ولدًا) بيان
لسابقه واللام في ليدعون للتأكيد وداله ساكنة أي
ينسبون إليه ما هو منزه عنه (وأنه) تعالى (ليعافيهم)
في أنفسهم (ويرزقهم) صفة فعل من أفعاله تعالى فهو من
صفات فعله لأن رازقًا يقتضي مرزوقًا، والله سبحانه
وتعالى كان ولا مرزوق وكل ما لم يكن ثم كان فهو محدث
والله تعالى موصوف بأنه الرزاق وصف نفسه بذلك قبل خلق
الخلق يعني أنه تعالى سيرزق إذا خلق المرزوقين.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد ومسلم في
التوبة والنسائي في النعوت.
6100 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ
شَقِيقًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَسَمَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ فَقَالَ رَجُلٌ
مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا
أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ قُلْتُ: أَمَّا أَنَا
لأَقُولَنَّ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِى أَصْحَابِهِ
فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَغَيَّرَ
وَجْهُهُ وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ
أَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أُوذِىَ مُوسَى
بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص
بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال:
سمعت شقيقًا) أبا وائل بن سلمة (يقول: قال عبد الله)
بن مسعود -رضي الله عنه-: (قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم حنين (قسمة كبعض ما كان
يقسم) في غيرها من المغازي من تنفيل المؤلّفة (فقال
رجل من الأنصار): اسمه معتب بن قشير المنافق كما قاله
الواقدي (والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله) قال
ابن مسعود (قلت: أما أنا) بفتح الهمزة وتشديد الميم
ولأبي ذر عن الكشميهني أم بتخفيف الميم وحذف الألف
بعدها (لأقولن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أما
بتخفيف الميم وإثبات الألف بعدها حرف تنبيه لأقولن
(للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مقالته
(فأتيته وهو في أصحابه فساررته) بذلك (فشق ذلك على
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتغير وجهه
وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته) بذلك (ثم قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(قد أوذي موسى) عليه السلام (بأكثر من ذلك) الذي قاله
الرجل الأنصاري (فصبر) أشار إلى قوله تعالى: {يا أيها
الذين آمنوا لا تكونوا كالدين آذوا موسى فبرأه الله
مما قالوا} [الأحزاب: 69] والمراد براءته عن مضمون
القول ومؤداه وهو الأمر المعيب، وأذى موسى عليه السلام
هو حديث المومسة التي أمرها قارون أن تزعم أن موسى
عليه السلام راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون، أو
لاتهامهم إياه بقتل هارون فأحياه الله تعالى فأخبرهم
ببراءة موسى، أو قولهم آدر.
وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء، ويأتي إن شاء
الله تعالى في الدعوات، وأخرجه مسلم في الزكاة.
72 - باب مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ بِالْعِتَابِ
(باب من لم يواجه الناس بالعتاب) حياء منهم.
6101 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ،
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: صَنَعَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا
فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ
ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ:
«مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ
أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ
بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص
بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال:
(حدّثنا مسلم) قال الحافظ ابن حجر: هو ابن صبيح أو
الضحى، ووهم من زعم أنه ابن عمران البطين
(9/64)
(عن مسروق) أبي عائشة بن الأجدع أحد
الأعلام أنه قال: (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (صنع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا) أي
يقف على معرفته (فرخص فيه فتنزه عنه قوم) فاحترزوا
عنه، ولم يعرف الحافظ ابن حجر أعيان القوم المذكورين
(فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فخطب فحمد الله ثم قال):
(ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه) ولم يقل ما
بالك يا فلان على المواجهة (فوالله إني لأعلمهم بالله
وأشدهم له خشية) فجمع بين القوة العلمية والعملية.
والحديث أخرجه في الاعتصام، ومسلم في فضائل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والنسائي في
اليوم والليلة.
6102 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ: هُوَ ابْنُ أَبِى عُتْبَةَ
مَوْلَى أَنَسٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ
قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِى
خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ
عَرَفْنَاهُ فِى وَجْهِهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي
قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة
السدوسي الحافظ المفسر أنه قال: (سمعت عبد الله هو ابن
أبي عتبة) بضم العين وسكون الفوقية (مولى أنس عن أبي
سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشدّ حياء)
الحياء تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم (من
العذراء) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة
البكر لأن عذرتها وهي جلدة البكارة باقية إذا دخل
عليها (في خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال
المهملة أي في سترها وهو من باب التفهيم لأن البكر في
الخلوة يشتد حياؤها لأن الخلوة مظنّة وقوع الفعل بها
(فإذا رأى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه) لتغيره بسبب ذلك.
والحديث سبق في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
73 - باب مَنْ كَفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ
فَهْوَ كَمَا قَالَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من كفر) بتشديد الفاء
ولأبي ذر من أكفر (أخاه) المسلم دعاه كافرًا أو نسبه
إلى الكفر (بغير تأويل) في تكفيره (فهو) أي الذي أكفره
(كما قال): لأخيه جواب الشرط في قوله: من كفر أي رجع
عليه.
6103 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ
قَالاَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ،
أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا
قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ
بِهِ أَحَدُهُمَا». وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ
عَمَّارٍ: عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يَزِيدَ، سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ، سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن يحيى الذهلي (وأحمد بن
سعيد) أي ابن صخر الدارمي. قال في الفتح: جزم بذلك أبو
نصر الكلاباذي، وقال في الكواكب، قال الغساني: محمد هو
ابن بشار بإعجام الشين أو ابن المثنى ضد المفرد وأحمد
بن سعيد الدارمي بالدال والراء (قالا: حدّثنا عثمان بن
عمر) بضم العين ابن فارس العبدي البصري قال: (أخبرنا
علي بن المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير) أبي
نصر اليماني الطائي مولاهم أحد الأعلام (عن أبي سلمة)
بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا قال الرجل لأخيه) المسلم (يا كافر) ولأبي ذر قال
الرجل لأخيه كافر بإسقاط حرف النداء وبالتنوين (فقد
باء) بالموحدة والمد رجع (به) أي بالكفر (إحدهما) لأنه
إن كان القائل صادقًا في نفس الأمر فالمرمي كافر وإن
كان كاذبًا فقد جعل الرامي الإيمان كفرًا ومن جعل
الإيمان كفرًا فقد كفر، كذا حمله البخاري على تحقق
الكفر على أحدهما بمقتضى الترجمة ولذا ترجم عليه
مقيدًا بغير تأويل، وحمله بعضهم على الزجر والتغليظ
فيكون ظاهره غير مراد.
والحديث من أفراده.
(وقال عكرمة بن عمار) بتشديد الميم فيما وصله الحارث
بن أبي أسامة وأبو نعيم في مستخرجه (عن يحيى) بن أبي
كثير (عن عبد الله بن يزيد) من الزيادة مولى الأسود
المخزومي وليس له في البخاري سوى هذا وآخر موصولاً في
التفسير أنه (سمع أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أنه
(سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
6104 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ
فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله بن أبي أويس
(قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن عبد
الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(أيما رجل قال لأخيه) المسلم (يا كافر) ولأبي ذر
بإسقاط أداة النداء والتنوين (فقد باء) رجع (بها)
بالكلمة أو بالخصلة (أحدهما) قيل المراد بأحدهما
القائل خاصة
(9/65)
وهذا على مذهبهم في استعمال الكناية وترك
التصريح بالسوء كقول الرجل لمن أراد أن يكذبه: والله
إن أحدنا لكاذب ويريد خصمه على التعيين، وحمله بعضهم
على المستحل لذلك إذ المسلم لا يكفر بالمعصية، أو
المراد رجع عليه التكفير إذ كأنه كفر نفسه لأنه كفر من
هو مثله، أو المراد أن ذلك يؤول به إلى الكفر لأن
المعاصي بريد الكفر ويخاف على المكثر منها أن تكون
عاقبة شؤمها المصير إليه.
6105 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى
قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ
كَاذِبًا فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِشَىْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ
الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا
بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي
الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء
مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي
قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن ثابت بن
الضحاك) بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري -رضي الله عنه-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(من حلف بملّة غير) ملّة (الإسلام) كأن يقول: إن فعل
كذا فهو يهودي (كاذبًا فهو كما قال). كاذب لا كافر
لأنه ما تعمد الكذب الذي حلف عليه التزام الملة التي
حلف بها بل كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له وأما
من حلف بها وهو فيما حلف عليه صادق فهو لتصحيح براءته
من تلك الملة مثل أن يقول: هو يهودي إن أكل اليوم ولم
يأكل فيه فلم يتوجه عليه إثم لعقد نيته على نفيها
شرطها لكنه لا يبرأ من الملامة لمخالفته حديث: من كان
حالفًا فليحلف بالله. نعم يكفر إن أراد أن يكون متصفًا
بذلك إذا وقع المحلوف عليه لأن إرادة الكفر كفر (ومن
فتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم) فعذابه من جنس علمه
(ولعن المؤمن كقتله) لأن اللعن تبعيد من رحمة الله
والقتل تبعيد من الحياة (ومن رمى مؤمنًا بكفر) كان
قال: يا كافر (فهو) أي الرمي (كقتله) في التحريم أو في
التألم، ووجه المشابهة أن النسبة إلى الكفر الموجب
للقتل كالقتل في أن المتسبب للشيء كفاعله.
والحديث سبق في الجنائز.
74 - باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ
مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلاً
وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَقَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى
أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».
(باب من لم ير إكفار من قال ذلك) القول السابق في
الترجمة المتقدمة حال كونه (متأولاً) بأن ظنه كذا (أو)
قال حال كونه (جاهلاً) بحكم ذلك القول أو المقول فيه.
(وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (لحاطب) بالحاء
والطاء المهملتين بينهما ألف وآخره موحدة، ولأبي ذر
بزيادة ابن أبي بلتعة مما سبق موصولاً في سورة
الممتحنة لما ظن نفاقه بكتابه إلى أهل مكة يخبرهم أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغزوهم
(أنه منافق) وللحموي والمستملي أنه نافق بصيغة الماضي
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
لعمر:
(وما يدريك لعل الله قد اطّلع الى) ولأبي ذر عن
الكشميهني على (أهل بدر) الذين حضروا وقعتها (فقال: قد
غفرت لكم) ومعنى الترجي راجع إلى عمر لأن وقوع هذا
الأمر محقق عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
6106 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ،
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضى الله
عنه - كَانَ يُصَلِّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَأْتِى قَوْمَهُ
فَيُصَلِّى بِهِمُ الصَّلاَةَ فَقَرَأَ بِهِمُ
الْبَقَرَةَ قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى
صَلاَةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ:
إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَتَى
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ
بِأَيْدِينَا وَنَسْقِى بِنَوَاضِحِنَا وَإِنَّ
مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ
الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْتُ فَزَعَمَ أَنِّى مُنَافِقٌ
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ»؟
ثَلاَثًا «اقْرَأْ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:
1]، وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1]
وَنَحْوَهَا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبادة) الواسطي بفتح العين
المهملة والموحدة المخففة كما ذكره الحفاظ الدارقطني
وابن ماكولا وأبو علي الغساني والحافظ عبد الغني روى
عنه البخاري هنا وفي كتاب الاعتصام قال: (أخبرنا يزيد)
من الزيادة ابن هارون قال: (أخبرنا سليم) بفتح السين
المهملة وكسر اللام ابن حبان الهذلي البصري قال:
(حدّثنا عمرو بن دينار) قال: (حدّثنا جابر بن عبد
الله) الأنصاري (أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان
يصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم
يأتي قومه) بني سلمة (فيصلّي بهم الصلاة) التي صلاها
مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي
ذر: صلاة وكانت صلاة العشاء، ولأبي داود والنسائي:
صلاة المغرب، لكن قال البيهقي: رواية العشاء أصح (فقرأ
بهم البقرة) ولمسلم فافتتح سورة البقرة (قال) جابر:
(فتجوّز رجل) هو حزم بن أبي بن كعب كما عند أبي داود
وابن حبان، وعند الخطيب هو سلم بن الحارث ولابن الأثير
حرام بن ملحان أي فخفف (فصلّى) منفردًا (صلاة خفيفة)
بأن يكون قطع الصلاة أو قطع القدوة (فبلغ ذلك معاذًا
فقال: إنه منافق) قال ذلك متأولاً ظانًّا أن التارك
للجماعة منافق (فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إنا
قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا) جمع ناضح بالضاد
المعجمة والحاء المهملة
(9/66)
البعير الذي يسقى عليه (وإن معاذًا صلى بنا
البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت) في صلاتي (فزعم أني
منافق فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يا معاذ أفتان أنت) قال له ذلك (ثلاثًا). أي منفر عن
الجماعة والهمزة للاستفهام الإنكاري (اقرأ) إذا كنت
إمامًا (والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوهما)
من قصار المفصل.
والحديث سبق في الصلاة في باب إذا طوّل الإمام وكان
للرجل حاجة فخرج.
6107 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا
الزُّهْرِىُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ
فِى حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ:
تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحق) بن راهويه كما عند
ابن السكن وجزم به في الفتح وقال الكلاباذي: ابن منصور
قال: (أخبرنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج
الخولاني الحمصي من شيوخ البخاري قال: (حدّثنا
الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن
مسلم (عن حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم مصغرًا
ابن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(من حلف منكم فقال في حلفه) بفتح الحاء وكسر اللام
ناسيًا أو جاهلاً (باللات والعزى فليقل لا إله إلا
الله) لأنه فعل صورة تعظيم الأصنام حين حلف بها فأمره
أن يتدارك ذلك بكلمة التوحيد (ومن قال لصاحبه: تعال
أقامرك) بالجزم (فليتصدق) بما تيسر.
والحديث سبق في تفسير سورة النجم.
6108 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما-
أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِى رَكْبٍ
وَهْوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَنَادَاهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ
إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا
بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ
بِاللَّهِ وَإِلاَّ فَلْيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو
ابن سعد الفهمي الإمام ولأبي ذر الليث (عن نافع) مولى
ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أدرك) أباه
(عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (في ركب وهو يحلف
بأبيه) الواو للحال (فناداهم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألا) بتخفيف اللام للتنبيه (إن الله ينهاكم أن تحلفوا
بآبائكم) لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة
العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهي بها غيره (فمن كان
حالفًا فليحلف بالله وإلاّ فليصمت) ولأبي ذر عن
الكشميهني: أو ليصمت بضم الميم فيهما ليسكت. قال في
الفتح: وفي بعض طرق الحديث من حلف بغير الله فقد أشرك،
لكن لما كان حلف عمر بذلك قبل أن يسمع النهي كان
معذورًا. فلذا اقتصر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على نهيه ولم يؤاخذه لأنه تأوّل أن حق أبيه
عليه يقتضي أنه يستحق أن يحلف به فبين له عليه الصلاة
والسلام الحكم. وقال في المصابيح: وجه المطابقة أن عمر
-رضي الله عنه- لما حلف بأبيه الخطاب ولم يكن الخطاب
مؤمنًا والحلف فيه تعظيم للمحلوف به فيلزم أن يكون
الحلف بالكافر تعظيمًا له لكن عذره بالتأويل فتأمله
فإن فيه بحثًا على ما يظهر اهـ.
والحديث سبق في سورة النجم.
75 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ
لأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]
(باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله) عز وجل (وقال
الله تعالى: {جاهد الكفار}) بالسيف ({والمنافقين})
بالقول الغليظ والوعظ البليغ أو بإقامة الحدود عليهم
({واغلظ عليهم})
[التوبة: 73] على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال
والمحاجّة باللسّان.
6109 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ
الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ:
دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَفِى الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ
فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ
فَهَتَكَهُ وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ
عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ
هَذِهِ الصُّوَرَ».
وبه قال: (حدّثنا يَسَرة بن صفوان) بفتح التحتية
والمهملة والراء اللخمي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد
بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق
(عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: دخل عليّ)
بتشديد الياء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وفي البيت قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء
ستر (فيه صور) بضم المهملة وفتح الواو وجمع صورة أي
صور حيوانات (فتلون) أي تغيّر (وجهه) الشريف غضبًا لله
تعالى (ثم تناول الستر) وهو القرام المذكور (فهتكه) أي
جذبه فقطعه (وقالت) -رضي الله عنها-: (قال: النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أشدّ) ولأبي ذر إن من أشد (الناس عذابًا يوم
القيامة الذين يصوّرون هذه الصور). لأنهم يصوّرون
الصور لتعبد أو لأنها صور ما كانوا يعبدونه فهم كفرة
والكفرة أشد الناس عذابًا.
والحديث سبق في اللباس.
6110 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
قَيْسُ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ -
رضى الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّى
لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ
فُلاَنٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِى مَوْعِظَةٍ مِنْهُ
يَوْمَئِذٍ قَالَ: فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى
بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمُ
الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي
الحافظ أنه قال: (حدّثنا قيس بن أبي حازم) البجلي
التابعي الكبير (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري
(9/67)
(-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى رجل) اسمه
حزم بن أبي بن كعب أو سليم (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني لأتأخر عن) حضور
الجماعة في (صلاة الغداة) وهي الصبح (من أجل فلان)
معاذ أو أبي بن كعب (مما يطيل بنا) الباء في بنا باء
التعدية ومن في من أجل لابتداء الغاية أي ابتداء تأخري
لأجل إطالة فلان وفلانة كناية عن العلم. قال ابن
الحاجب: وفلان وفلانة كناية عن أسماء الأناسي وهي
أعلام، والدليل على علميتها منع صرف فلانة وليس فيه
إلا التأنيث والتأنيث لا يمنع إلا مع العلمية ولأنه
يمتنع دخول الألف واللام عليه اهـ. وفلانة
كما قال ممتنع وفلان منصرف وإن كان فيه العلمية لتخلف
السبب الثاني والألف والنون فيه ليستا
زائدتين بل هو موضوع هكذا.
(قال) أبو مسعود (فما رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قط) غضب غضبًا (أشد غضبًا في
موعظة منه) أي أشد من غضبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (يومئذ) وأشدّ لا ينصرف للوزن والصفة وقط
بفتح القاف وضم الطاء مشددة ظرف زمان لاستغراق ما مضى
يختص بالنفي، ولا يجوز دخولها على فعل الحال ولحن من
قال: لا أفعله قط. وقال ابن مالك في شواهد التوضيح: قد
تستعمل قط غير مسبوقة بنفي وهو مما خفي على كثير من
النحويين لأن المعهود استعمالها لاستغراق الزمان
الماضي بعد نفي نحو ما فعلته قط، وقد جاء في حديث
حارثة بن وهب صلّى بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن أكثر ما كنا قط قال في
العمدة: ويحتمل أن يكون الكلام بمعنى النفي والتقدير:
ونحن ما كنا قط أكثر منا يومئذ (قال) أبو مسعود (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يا أيها الناس إن منكم منفرين) للناس عن حضور الجماعة
(فأيكم ما صلّى بالناس فليجوّز) أي فليخفف وما زائدة
للتأكيد (فإن فيهم) في الناس (المريض) والشيخ (الكبير
وذا الحاجة) أي صاحبها الذي يخشى فواتها لو طوّل فيصير
ملتفتًا لحاجته فيتضرر إما بفواتها أو بترك الخشوع
والخضوع.
والحديث سبق في صلاة الجماعة.
6111 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى رَأَى
فِى قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا
بِيَدِهِ فَتَغَيَّظَ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ
إِذَا كَانَ فِى الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ حِيَالَ
وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِى
الصَّلاَةِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي
الحافظ قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم مصغرًا ابن
أسماء (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: بينا) بغير ميم
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي رأى
في) جدار (قبلة المسجد نخامة) بضم النون وفتح الخاء
المعجمة وبعد الألف ميم ما يخرج من الصدر أو النخاعة
بالعين من الصدر وبالميم من المعدة (فحكها) بالكاف أي
النخامة (بيده فتغيظ) لله تعالى (ثم قال):
(إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه) بكسر
الحاء المهملة وتخفيف التحتية أي مقابل وجهه والله
تعالى منزه عن الجهة والمكان فليس المراد ظاهر اللفظ
إذ هو محال فيجب تأويله فقيل هو على التشبيه أي كأن
الله في مقابلة وجهه وقيل غير ذلك مما يليق بالمقام
العالي (فلا يتنخمن) أحدكم (حيال وجهه في الصلاة).
والحديث سبق في حلّ البصاق من كتاب الصلاة والمطابقة
هنا بينه وبين الترجمة في قوله: فتغيظ.
6112 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى
الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ
أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ:
«عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا
وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ
رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «خُذْهَا
فَإِنَّمَا هِىَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ»
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟
قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ
أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: «مَالَكَ وَلَهَا
مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا
رَبُّهَا».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد) هو ابن
سلام قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني الأنصاري
الزرقي قال: (أخبرنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ
مولى آل المنكدر أبو عثمان فقيه المدينة صاحب الرأي
(عن يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث) بضم الميم وسكون
النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة مدني (عن
زيد بن خالد الجهني) أبي عبد الرحمن أو أبي زرعة أو
أبي طلحة شهد الحديبية -رضي الله عنه- (أن رجلاً سأل
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الرجل
هو عمير أبو مالك رواه الإسماعيلي وأبو موسى في الذيل
من طريقه، وفي الأوسط للطبراني أنه زيد بن خالد
الجهني، وفي رواية سفيان الثوري عن ربيعة عند المصنف:
جاء أعرابي، وعند ابن بشكوال أنه بلال، وتعقب بأنه لا
يقال له أعرابي، ولكن الحديث في أبي داود، وفي رواية
صحيحة: جئت أنا ورجل معي فيفسر الأعرابي بغير أبي مالك
ويحتمل أنه زيد بن خالد سألا عن ذلك وكذا
(9/68)
بلال وفي معجم البغوي وغيره بسند جيد من
طريق عقبة بن سويد عن أبيه قال: سألت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن اللقطة) قال
في المقدمة: وهو أولى ما فسر به المبهم الذي في الصحيح
(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(عرفها سنة) ظرف أي في سنة (ثم اعرف وكاءها) بكسر
الواو وبالهمز ممدودًا خيطها الذي تشد به والفاعل ضمير
الملتقط السائل بمعنى إذا وجدتها (وعفاصها) بكسر العين
المهملة وبالفاء والصاد المهملة الوعاء الذي تكون فيه
النفقة جلدًا كان أو غيره (ثم استنفق) بكسر الفاء وجزم
القاف أي استمتع (بها) وتصرف فيها (فإن جاء ربها)
مالكها (فأدها إليه قال) الرجل: (يا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضالة الغنم) ما حكمها
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خذها
فإنما هي لك) إن أخذتها (أو لأخيك) يجدها فيأخذها أو
مالكها (أو للذئب) إن لم تأخذها أنت أو غيرك أو مالكها
والمراد التحريض على أخذها حفظًا لحق صاحبها (قال)
الرجل: (يا رسول الله فضالة الإبل) ما حكمها؟ (قال)
زيد بن خالد: (فغضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى احمرّت وجنتاه) من شدة الغضب
(أو احمرّ وجهه) بالشك من الراوي (ثم قال: ما لك ولها)
استفهام إنكاري مبتدأ والخبر في المجرور رأى ما كائن
لك ولها معطوف على ما لك أي لم تأخذها وهي مستقلة
بمعيشتها (معها حذاؤها) بكسر الحاء المهملة وفتح الذال
المعجمة (وسقاؤها) بكسر السين المهملة ممددًا، وهذا من
المجاز عبّر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
للرجل بما يفهم منه المنع من أخذها لأجل الحفظ،
والسقاء وهو خفها وكرشها مع صبرها (حتى يلقاها ربها)
مالكها
فهي لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها
من القوة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب.
والحديث سبق في اللقطة.
6113 - وَقَالَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ
زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِى سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضى الله عنه - قَالَ:
احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً -أَوْ حَصِيرًا-
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّى فِيهَا فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ
رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ ثُمَّ
جَاءُوا لَيْلَةً، فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُمْ
فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ
وَحَصَبُوا الْبَابَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ
حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ،
فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِى بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ
خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ
الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ».
(وقال المكي) بن إبراهيم شيخ المؤلّف فيما وصله الإمام
أحمد والدارمي في مسنديهما والمكي: اسم له لا نسبة
لمكة (حدّثنا عبد الله بن سعيد) بكسر العين ابن أبي
هند الفزاري (ح).
قال البخاري: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدثني بالواو
(محمد بن زياد) الزيادي وليس له في البخاري إلا هذا
الحديث قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر قال:
(حدّثنا عبد الله بن سعيد) بكسر العين ابن أبي هند
(قال: حدثني) بالإفراد (سالم أبو النضر) بالضاد
المعجمة الساكنة (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين
وفتح الموحدة (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون
المهملة وسعيد بكسر العين المدني (عن زيد بن ثابت)
الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: احتجر) بالحاء
المهملة الساكنة وفتح الفوقية والجيم بعدها راء ولأبي
ذر عن الكشميهني احتجز بالزاي بدل الراء (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجيرة) بضم الحاء
المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية مصغرًا وللكشميهني
حجيرة بفتح الحاء وكسر الجيم أي حوّط موضعًا من المسجد
بحصير يستره ليصلّي فيه ولا يمر عليه أحد ومعنى التي
بالزاي بناء حاجزًا أي مانعة بينه وبين الناس (مخصفة)
بضم الميم وفتح المعجمة والمهملة المشددة بعدها فاء
متخذة من سعف. قال ابن بطال: يقال خصفت على نفسي ثوبًا
أي جمعت بين طرفيه بعود أو خيط وفي نسخة بخصفة بموحدة
بدل الميم وتخفيف الصاد (أو حصيرًا) بالشك من الراوي
وهما بمعنى واحد زاد في باب صلاة الليل في رمضان (فخرج
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي
إليها فتتبع) بفتح الفوقيتين والموحدة المشددة (إليه
رجال) من التتبع وهو الطلب أي طلبوا موضعه (وجاؤوا
يصلون بصلاته ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنهم فلم يخرج
إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا) بالحاء والصاد المهملتين
والموحدة رموا (الباب) بالحصاء وهي الحصاة الصغيرة
تنبيهًا له لظنهم أنه نسي (فخرج اليهم) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (مغضبًا) بفتح
الضاد لكونهم اجتمعوا بغير أمره ولم يكتفوا بالإشارة
منه لكونه لم يخرج إليهم بل بالغوا وحصبوا بابه أو
لكونه تأخر إشفاقًا عليهم لئلا تفرض
(9/69)
عليهم وهم يظنون غير ذلك (فقال: لهم رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما زال بكم) أي متلبسًا بكم (صنيعكم) أي مصنوعكم وهو
صلاتكم (حنى ظننت) أي خفت (أنه سيكتب) أي سيفرض (عليكم
فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته
إلا الصلاة المكتوبة) المفروضة وما شرع جماعة.
والحديث سبق في باب صلاة الليل من كتاب الصلاة.
76 - باب الْحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ
يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ}. [الشورى: 37]
(باب الحذر من الغضب) وهو شعلة نار صفة شيطانية
وحقيقته غليان دم القلب بنار غضبه لإرادة الانتقام
(لقول الله تعالى) في سورة الشورى: ({والذين يجتنبون
كبائر الإثم والفواحش}) أي الكبائر من هذا الجنس
والكبيرة ما توعد عليه، وقرأ حمزة والكسائي كبير
كقدير، ونقل الزمخشري عن ابن عباس أن الإثم هو الشرك،
وتعقب بأنه تقدم ذكر الإيمان وهو يقتضي عدم الشرك،
ولعل المراد بالكبائر ما يتعلق بالبدع والشبهات
وبالفواحش ما يتعلق بالقوّة الشهوانية ({وإذا ما
غضبوا}) من أمور دنياهم ({هم يغفرون}) [الشورى: 37] أي
هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب أي يحملون ويكظمون
الغيظ، وخص الغضب بلفظ الغفران لأن الغضب على طبع
النار واستيلاؤه شديد ومقاومته صعبة، فلهذا خصه الله
بهذا اللفظ وإذا أنصب بيغفرون ويغفرون خبر لهم والجملة
عطف على الصلة وهو يجتنبون ({والذين}) ولأبي ذر وقوله
عز وجل: ({الذين}) ({ينفقون في السراء والضراء}) في
حال اليسر والعسر وسواء كانوا في سرور أو حزن وسواء
سرهم ذلك الإنفاق بأن كان على وفق طبعهم أو ساءهم بأن
كان على خلافه فإنهم لا يتركونه ({والكاظمين الغيظ})
أي الممسكين الغيظ عن الإمضاء يقال: كظم القربة إذا
ملأها وشدّ فاها، ومنه كظم الغيظ وهو أن يمسك على ما
في نفسه منه بالصبر ولا يظهر أثرًا، والغيظ توقد حرارة
القلب من الغضب. وقال ابن الأثير: كظم الغيظ تجرعه
واحتمال سيئه والصبر عليه، وفي حديث سهل بن سعد عن
أبيه عند أبي داود والترمذي وابن ماجة مرفوعًا من كظم
غيطًا وهو يقدر أن ينفذهُ دعاه الله على رؤوس الخلائق
يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء وروي عن عائشة
مما
ذكره في الكشاف أن خادمًا لها غاظها فقالت: لله در
التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء. قال في فتوح الغيب: جعلت
-رضي الله عنها- الانتقام شفاء للغيظ تنبيهًا على أن
الغيظ مرض لأنه عرض نفساني يجده الإنسان عند غليان دم
قلبه تريد أن المتقي إذا كظم غيظه لا يمرض قلبه فلا
يحتاج إلى التشفي أي لا غيظ له حتى يتشفى بالانتقام
({والعافين عن الناس}) إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه،
وفي شعب البيهقي عن عمرو بن الحصين مرفوعًا إذا كان
يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم الذين كانت
أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا ({والله يحب
المحسنين}) [آل عمران: 134] اللام للجنس فيتناول كل
محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون أو للعهد فالإشارة
إليهم والإحسان أن تحسن إلى المسيء فإن الإحسان إلى
المحسن مكافأة، والآية كما في اللباب من أقوى الدلائل
على أن الله تعالى يعفو عن العصاة لأنه مدح الفاعلين
لهذه الخصال وهو أكرم الأكرمين والعفوّ الغفور الحليم
الآمر بالإحسان. فكيف يمدح بهذا الخصال ويندب إليها
ولا يفعلها إن ذلك لممتنع في العقول، وقد سقط في رواية
أبي ذر قولها {والعافين} إلى آخرها. وقال بعد قوله
{والكاظمين الغيظ} الآية.
واستدلّ البخاري -رحمه الله- بآيتين للحذر من الغضب،
لكن قال في فتح الباري: إنه ليس فيهما دليل على ذلك
إلا أنه لما ضم من يكظم غيظه إلى من يجتنب الفواحش كان
ذلك إشارة إلى المقصود، وتعقبه في عمدة القاري بأن في
كل من الآيتين دلالة عليه لأن الأولى تمدح الذين
يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا كان مدحًا يكون
ضده ذمًّا ومن المذموم عدم التجاوز عند الغضب فدلّ على
التحذير من الغضب المذموم، وأما الآية الثانية ففي مدح
المتقين الموصوفين بهذه الأوصاف فدلّ على أن ضدها
(9/70)
مذموم فعدم كظم الغيظ وعدم العفو عين الغضب
فدلّ على التحذير منه والله الموفق.
6114 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -
رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ
بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ
نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي التنيسي
قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(ليس التشديد بالصرعة إنما التشديد الذي يملك نفسه عند
الغضب) فلا يغضب والصرعة بضم المهملة وفتح الراء وهو
من أبنية المبالغة وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم والفتح
كهمزة ولمزة وحفظة وضحكة، والمراد بالصرعة من يصرع
الناس كثيرًا بقوته فنقل إلى الذي يملك نفسه عند الغضب
فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه وشر خصومه،
ولذا قيل: أعدى عدوّ لك نفسك التي بين جنبيك، وهذا من
الألفاظ التي نقلت عن موضوعها اللغوي لضرب من التوسع
والمجاز
وهو من فصيح الكلام لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة
من الغيظ وقد ثارت عليه شهوة الغضب فقهرها بحلمه
وصرعها بثباته كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا
يصرعونه. وفي حديث ابن مسعود عند مسلم مرفوعًا "ما
تعدون الصرعة فيكم"؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال.
وعند البزار بسند حسن عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بقوم يصطرعون فقال (ما هذا)
قالوا: فلان ما يصارع أحدًا إلا صرعه. قال: "أفلا
أدلكم على من هو أشد منه رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه
وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه".
وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في اليوم
والليلة.
6115 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِىِّ
بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ،
قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ عِنْدَهُ
جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا
قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لأَعْلَمُ
كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ
لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ» فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا
يَقُولُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنِّى لَسْتُ بِمَجْنُونٍ.
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي
مولاهم الحافظ قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد
الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفيّ (عن عديّ
بن ثابت) الأنصاري أنه قال: (حدّثنا سليمان بن صرد)
بضم السين وصرد بضم الصاد وفتح الراء الخزاعي الكوفي
الصحابي -رضي الله عنه- أنه (قال: استب رجلان) أي
يسميا أي تشاتمًا (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه) يشتمه
حال كونه (مغضبًا) بفتح الضاد المعجمة (قد احمرّ وجهه)
من شدة الغضب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد) من الغضب
(لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لأن الشيطان
هو الذي يزيد للإنسان الغضب فالاستعاذة من أقوى السلاح
على دفع كيده (فقالوا) أي الصحابة (للرجل) وفي سنن أبي
داود إنه معاذ بن جبل (ألا تسمع ما يقول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إني لست بمجنون) أي
يعلم أن الغضب نوع من مس الشيطان ولعله كما قال النووي
من المنافقين أو من جفاة الأعراب.
والحديث سبق في صفة إبليس، وفي باب السباب واللعن،
وفيه: أن الاستعاذة تعين على ترك الغضب، وكذا استحضار
ما في كظم الغيظ من الفضل وما في عاقبة الغضب من
الوعيد وأن يستحضر أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره
فهو آلة له، فمن توجه إليه مكروه من غيره واستحضر أن
لو شاء الله لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه لأنه لو
غضب والحالة هذه كانت غضبه على ربه وهو خلاف العبودية،
ولعل هذا هو السر في أمر الذي غضب بالاستعاذة لأنه إذا
توجه إلى ربه حينئذ بالاستعاذة أمكنه استحضار ما ذكر
والله الموفق.
6116 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِى
حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -
رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَوْصِنِى
قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: «لاَ
تَغْضَبْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن يوسف) الزمي بكسر
الزاي والميم المشددة قال: (أخبرنا أبو بكر هو ابن
عياش) بالتحتية المشددة والشين المعجمة راوي عاصم أحد
القرّاء السبعة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد
المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن أبي صالح)
ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً)
اسمه جارية بالجيم ابن قدامة كما عند أحمد وابن حبان
(قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أوصني قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(لا تغضب) زاد الطبراني من حديث سعد بن عبد الله
الثقفي ولك الجنة (فردد مرارًا قال) (لا تغضب) زاد في
رواية ثلاثًا قال الخطابي: أي اجتنب أسباب الغضب
(9/71)
ولا تتعرض لما يجلبه لأن نفس الغضب مطبوع
في الإنسان لا يمكن إخراجه من جبلته.
وقال ابن حبان: أراد لا تعمل بعد الغضب شيئًا مما نهيت
عنه لا أنه نهاه عن شيء جبل عليه ولا حيلة له في دفعه،
وقد اشتملت هذه الكلمة اللطيفة من الحكم واستجلاب
المصالح والنعم ودرء المفاسد والنقم على ما لا يحصى
بالعدو، وقد بين ذلك ما نقله في الفتح وأشار إليه في
قوت الأحياء مع زيادة: وهو أن الله خلق الغضب من النار
وجعله غريزة في الإنسان فمهما صدأ ونوزع في غرض ما
اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من
الدم، لأن البشرة تحكي لون ما وراءها وهذا إذا غضب من
دونه واستشعر القدرة عليه، وإن كان ممن فوقه تولد منه
انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفر اللون
حزنًا، وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض
وانبساط فيحمر ويصفر ويترتب على الغضب تغير الظاهر
والباطن كتغير اللون والرعدة في الأطراف وخروج الأفعال
على غير ترتيب واستحالة الخلقة حتى لو تراءى الغضبان
نفسه في حال غضبه لسكن غضبه حياء من قبح صورته
واستحالة خلقته هذا كله في الظاهر. وأما الباطن فقبحه
أشد من الظاهر لأنه يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار
السوء ويزيد الشماتة وهجر المسلم ومصارمته والإعراض
عنه والاستهزاء والسخرية ومنع الحقوق بل أوّل شيء يقبح
منه باطنه وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه وهذا كله أثره
في الجسد، وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش
الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب
ويظهر أثر الغضب أيضًا في الفعل بالضرب والقتل وإن فات
بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم
خدّه وربما سقط صريعًا وربما أغمي عليه وربما كسر
الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة، وبالاعتدال تتم
المصالح وشفاء كل علة ضدها بلا إسراف فاقمع أسباب
الغضب من الكبر والفخر والهزء والمزح والتعيير
والمماراة والغدر والحرص على فضول المال أو الجاه،
فإذا أغضبت تثبت ثم تفكّر فضل كظم الغيظ ونحوه وأحسن
تفز بما أخبر به تعالى: {إن
الله مع المحسنين} [العنكبوت: 69] أو اعف ولا تقابل
فتقابل وأطع الله فيمن أساء إليك وأنله فضلك يمنح بحسن
خلقك حبك وأرغم الشيطان بالمبالغة في الإحسان، فإنه
متى علم الشيطان منك أنه كلما وسوس إليك بجفاء بادرت
الوفاء صار أكثر كيده أنه لا يأتيك كي يمنعك مخالفته،
ومتى ضررت عدوّك بما ضر دينك فبنفسك بدأت فاختر لنفسك
ما يحلو وبالله التوفيق والمستعان.
والحديث أخرجه الترمذي في البر.
77 - باب الْحَيَاءِ
(باب) فضل (الحياء) بالمد وهو تغير وانكسار يعتري
الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم وفي الشرع خلق يبعث
على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
6117 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى السَّوَّارِ الْعَدَوِىِّ
قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِى إِلاَّ بِخَيْرٍ» فَقَالَ
بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، مَكْتُوبٌ فِى الْحِكْمَةِ
إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا وَإِنَّ مِنَ
الْحَيَاءِ سَكِينَةً، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ:
أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُحَدِّثُنِى عَنْ
صَحِيفَتِكَ؟!.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدثنا شعبة)
بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي السوّار) بفتح
السين المهملة والواو المشددة بعد الألف راء حسان بن
حريث بضم الحاء المهملة آخره مثلثة مصغرًا (العدوي
قال: سمعت عمران بن حصين) الخزاعي أبا نجيد أسلم مع
أبي هريرة -رضي الله عنهما- (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الحياء لا يأتي إلا بخير) لأنه يحجز صاحبه عن ارتكاب
المحارم ولذا كان من الإيمان كما في الحديث الآخر لأن
الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به وانتهاء عما
نهى عنه وعند الطبراني من وجه آخر عن عمران بن حصين
الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة. فإن قيل: الحياء
من الغرائز فكيف جعل من الإيمان، أجيب: بأنه قد يكون
غريزة وقد يكون تخلقًا ولكن استعماله على وفق الشرع
يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فهو من الإيمان لهذا،
ولكونه باعثًا على فعل الطاعة وحاجزًا من المعصية، ولا
يقال رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لأن ذلك
ليس شرعيًّا. (فقال بشير بن كعب) بضم الموحدة وفتح
الشين المعجمة مصغرًا العدوي البصري التابعي
(9/72)
الجليل: (مكتوب في الحكمة) قال في الكواكب:
هي العلم الذي يبحث فيه عن أحوال حقائق الموجودات
وقيل: العلم المتقن الوافي (إن من الحياء وقارًا)
حلمًا ورزانة (وإن من الحياء سكينة) دعة وسكونًا،
ولأبي ذر عن الكشميهني السكينة بزيادة الألف واللام
(فقال له عمران: أحدثك عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحدثني عن صحيفتك). وفي رواية
أبي قتادة العدوي عن عمران أن منه سكينة ووقار الله،
ومنه ضعف وهذه الزيادة متعينة ولأجلها غضب عمران كما
قاله في الفتح. وقال في
الكواكب: إنما غضب لأن الحجة إنما هي في سنة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا فيما يروى عن
كتب الحكمة لأنه لا يدري ما في حقيقتها ولا يعرف
صدقها، وقال القرطبي: إنما أنكر عليه من حيث إنه ساقه
في معرض من يعارض كلام النبوّة بكلام غيره، وقيل لكونه
خاف أن يخلط السنة بغيرها وإلاّ فليس في ذكر السكينة
والوقار ما ينافي كونه خيرًا وفي رواية أبي قتادة فغضب
عمران حتى احمرت عيناه وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعارض فيه.
قال الحافظ ابن حجر: وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه
لبشير بن كعب هذا قصة مع ابن عباس تشعر بأنه كان
يتساهل في الأخذ عن كل من لقيه اهـ.
قلت: ولفظ مسلم عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن
عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فجعل لا يأذن لحديثه ولا ينظر
إليه، فقال: يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي
أحدثك عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولا تسمع. فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا
سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه
بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من
الناس إلا ما نعرف، وقوله فجعل لا يأذن لحديثه بفتح
الذال المعجمة أي لا يسمع ولا يصغي وقوله مرة أي وقتًا
ويعني به قبل ظهور الكذب والصعب والذلول في الإبل،
فالصعب العسر المرغوب عنه، والذلول السهل الطيب
المرغوب فيه أي سلك الناس كل مسلك مما يحمد ويذم
وهيهات أي بعدت استقامتكم أو بعد أن يوثق بحديثكم.
6118 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ -رضى الله عنهما- قَالَ: مَرَّ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَجُلٍ
وَهْوَ يُعَاتَبُ فِى الْحَيَاءِ يَقُولُ: إِنَّكَ
لَتَسْتَحْيِى حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ
بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ
الإِيمَانِ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله
بن يونس اليربوعي الكوفي قال:
(حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) بفتح اللام الماجشون
قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم
عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
على رجل) زاد في الإيمان من الأنصار ولم يعرف اسمه ولا
اسم أخيه الحافظ ابن حجر (وهو يعاتب أخاه) في النسب أو
في الإسلام (في) شأن (الحياء) حال كونه (يقول: إنك
لتستحي) بكسر الحاء وتحتية واحدة والذي في اليونينية
بسكون الحاء وتحتيتين وللحموي والمستملي تستحيي بإسقاط
اللام وسكون الحاء وتحتيتين (حتى كأنه يقول قد أضرّ
بك) الحياء وكأنه كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه عن
استيفاء حقوقه فعاتبه أخوه على ذلك (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(دعه) أي اتركه على هذا الخلق السني ثم زاده في ذلك
ترغيبًا بقوله (فإن الحياء من الإيمان) أي شعبة منه
فمن للتبعيض.
6119 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ،
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مَوْلَى
أَنَسٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْمُهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِى عُتْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ
يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِى
خِدْرِهَا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون
العين المهملة الجوهري الحافظ قال: (أخبرنا شعبة) بن
الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن مولى أنس) هو
ابن مالك الأنصاري (قال أبو عبد الله) البخاري (اسمه
عبد الله بن أبي عتبة) بضم العين وسكون الفوقية وقيل
عبيد الله بالتصغير وقيل عبد الرحمن قال: (سمعت أبا
سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (يقول: كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد حياء من العذراء)
بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة البكر (في
خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون المهملة في سترها
المعدّ لها في جانب البيت.
والحديث مضى في باب من لم يواجه الناس بالعتاب قريبًا
وفي باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
78 - باب إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا لم تستح) بكسر الحاء
(9/73)
(فاصنع ما شئت).
6120 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ
حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ
النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِى فَاصْنَعْ
مَا شِئْتَ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي واسم أبيه
عبد الله ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا زهير) أبو
خيثمة بن معاوية الحافظ الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا
منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي بن حراش) بكسر الراء
والعين المهملة بينهما موحدة ساكنة آخره تحتية مشددة
وحراش بكسر الحاء المهملة وفتح الراء وبعد الألف معجمة
أبي مريم العبسي الكوفي العابد المخضرم قال: (حدّثنا
أبو مسعود) عقبة بن عامر البدري (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن مما أدرك الناس) بالرفع والعائد إلى ما محذوف أي
ما أدركه الناس (من كلام النبوّة الأولى) بسكون الواو
بعد الهمزة المضمومة أي من شرائع الأنبياء السابقين
مما اتفقوا عليه ولم ينسخ ولم يبدل للعلم بصوابه
واتفاق العقول على حسنه فالأوّلون والآخرون من
الأنبياء على منهاج واحد في استحسانه (إذا لم تستح)
بكسر الحاء أي إذا لم يكن معك حياء يمنعك من القبيح
(فاصنع) وفي حديث بني إسرائيل فافعل (ما شئت) ما تأمرك
به النفس من الهوى، وإذا أردت فعلاً ولم يكن مما يستحى
من فعله شرعًا فافعل ما شئت فالأمر للإباحة وعلى
الأوّل للتهديد كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصلت:
40] أو بمعنى الخبر أي إذا لم يكن لك حياء يمنعك من
القبيح صنعت ما شئت.
والحديث سبق في بني إسرائيل.
79 - باب مَا لاَ يُسْتَحْيَا مِنَ الْحَقِّ
لِلتَّفَقُّهِ فِى الدِّينِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه بيان (ما لا يستحيا من
الحق للتفقه في الدين) وهذا يخصص قوله في الحديث
السابق الحياء خير كله إذا الحياء في السؤال عن الدين
لا يجوز فهو مذموم كما لا يخفى وقوله يستحيا مبني
للفعول.
6121 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى
مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ
عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ
سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِى مِنَ الْحَقِّ فَهَلْ
عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ:
«نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) بن الزبير
(عن أبيه عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد
الله (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-رضي الله عنها-) أنها
(قالت: جاءت أم سليم) بضم السين وفتح اللام أم أنس بن
مالك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي)
بكسر الحاء (من الحق) أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك
الحيي منا قالته اعتذارًا عن تصريحها بما تنقبض عنه
النفوس البشرية لا سيما بحضرة الرسالة أي إن الله
تعالى بين لنا أن الحق ليس مما يستحيا منه وسؤالها هذا
كان من الحق الذي ألجأت الضرورة إليه (فهل) يجب (على
المرأة غسل) بغير زيادة من (إذا احتلمت) بغير زيادة هي
أي وطئت في منامها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(نعم) يجب عليها الغسل (إذا رأت الماء) أي المني
موجودًا فالرؤية علمية تتعدى إلى مفعولين الثاني مقدر
كما مرّ أو غير ذلك. قال أبو حيان: وحذف أحد مفعولي
رأى وأخواتها عزيز، وقد قيل في قوله تعالى: {ولا يحسبن
الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم}
[آل عمران: 18] أي البخل خيرًا والظاهر أن الرؤية هنا
بصرية فتتعدى إلى واحد، وينبني على ذلك أن المرأة إذا
علمت أنها أنزلت ولم تر ماء لا غسل عليها.
والحديث سبق في الغسل.
6122 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ
كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا
وَلاَ يَتَحَاتُّ» فَقَالَ الْقَوْمُ: هِىَ شَجَرَةُ
كَذَا هِىَ شَجَرَةُ كَذَا فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ
هِىَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ
فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ: «هِىَ النَّخْلَةُ». وَعَنْ
شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ،
فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ
إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا محارب بن
دثار) بكسر الدال المهملة وتخفيف المثلثة السدوسي قاضي
الكوفة من جلة العلماء والزهاد (قال: سمعت ابن عمر)
-رضي الله عنهما- (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات)
بتشديد المثناة الفوقية الأخيرة مرفوعًا لا يتناثر ولا
يحتك بعض أوراقها ببعض فتسقط (فقال القوم): وفيهم
العمران (هي شجرة كذا هي شجرة كذا) قال ابن عمر:
(فأردت أو أقول هي النخلة وأنا غلام شاب) وفي رواية
مجاهد فأردت أن أقول هي النخلة فإذًا أنا أصغر القوم
وله في الأطعمة فإذًا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم
(فاستحييت فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (هي النخلة) وعند البزار من طريق سفيان بن
حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر بإسناد صحيح قال:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
(9/74)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مثل المؤمن كمثل
النخلة ما أتاك منها نفعك) ففيه الإيضاح بالمقصود
بأوجز عبارة وأحسن إشارة، وأما من زعم أن موقع التشبيه
بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها
ماتت، وأنها لا تحمل حتى تلقح وأن لطلعها رائحة كرائحة
مني الآدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها
فكلها كما قال في الفتح ضعيفة.
وسبق الحديث في كتاب العلم.
(وعن شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق أنه قال:
(حدّثنا خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح
الموحدة الأولى الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) أي
ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) عمه (مثله) أي مثل
الحديث السابق (وزاد) فيه قال ابن عمر: (فحدثت به) أبي
(عمر فقال: لو كنت قلتها لكان أحب إليّ من كذا وكذا)
أي من حُمر النعم كما في الرواية الأخرى، ووجه تمني
عمر ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنسله ولتظهر
فضيلة الولد في الفهم من صغره ليزداد من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حظوة.
6123 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ،
سَمِعْتُ ثَابِتًا أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا - رضى الله
عنه - يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِضُ
عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ
فِىَّ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا
فَقَالَ: هِىَ خَيْرٌ مِنْكِ عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَفْسَهَا.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
مرحوم) بالحاء المهملة ابن عبد العزيز البصري العطار
قال: (سمعت ثابتًا) البناني (أنه سمع أنسًا -رضي الله
عنه- يقول: جاءت امرأة) لم أعرف اسمها (إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرض عليه نفسها)
ليتزوجها (فقالت): يا رسول الله (هل لك حاجة فيّ)؟ أن
تتزوجني (فقالت ابنته): أي ابنة أنس أمينة بضم الهمزة
وفتح الميم وبعد التحتية الساكنة نون مصغرًا (ما أقل
حياءها. فقال) أنس: (هي خير منك عرضت على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسها) ليتزوّجها
وتصير من أمهات المؤمنين.
ومطابقة الحديث للترجمة من هنا إذ المرأة لم تستح فيما
سألته لما ذكر من إرادتها قربها من الرسول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما لا يخفى.
80 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا»
وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَالْيُسْرَ عَلَى
النَّاسِ.
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
يسروا ولا تعسروا. وكان) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحب التخفيف واليسر على
الناس) ذكره في الموطأ من طريق الزهري عن عروة عن
عائشة في حديث صلاة الضحى ولفظه:
وكان يحب ما خف على الناس.
6124 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ،
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا
بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا:
«يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ
تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا» قَالَ أَبُو مُوسَى: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ يُصْنَعُ فِيهَا
شَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ
وَشَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن إبراهيم بن
راهويه كما جزم به أبو نعيم وهو رواية ابن السكن أو
ابن منصور وتردد الكلاباذي بينه وبين ابن راهويه وتبعه
أبو علي الجياني قال: (حدّثنا النضر) بالنون والضاد
المعجمة الساكنة ابن شميل قال: (أخبرنا شعبة) بن
الحجاج (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه) أبي بردة عامر
بن أبي موسى (عن جده) أبي موسى عبد الله بن قيس
الأشعري أنه (قال: لما بعثه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعاذ بن جبل) إلى اليمن قبل حجة
الوداع (قال لهما):
(يسرا ولا تعسرا وبشرا) الناس بجزيل عطاء الله وسعة
رحمته (ولا تنفرا) هم بذكر التخويف وأنواع الوعيد
وفائدة قوله ولا تعسرا التصريح باللازم تأكيدًا ولأن
المقام مقام إطناب لا إيجاز وقوله وبشرا بعد قوله
ويسرا فيه الجناس الخطي (وتطاوعا) أي توافقا في الأمور
(قال أبو موسى، الأشعري: (يا رسول الله إنا بأرض) أي
أرض اليمن (يصنع فيها) ولأبي ذر عن المستملي بها (شراب
من العسل يقال له البتع) بكسر الموحدة وسكون الفوقية
وبالعين المهملة (وشراب من الشعير يقال له المزر) بكسر
الميم وسكون الزاي (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كل مسكر حرام).
والحديث سبق في آخر المغازي.
6125 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِى التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَسِّرُوا
وَلاَ تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح الفوقية وتشديد
التحتية وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي
البصري أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه-
قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يسروا) أمر بالتيسير لينشطوا والمراد به فيما كان من
النوافل شاقًّا لئلا يفضي بصاحبه إلى الملل فيتركه
أصلاً وفيما رخص فيه من الفرائض كصلاة المكتوبة قاعدًا
للعاجز والفطر في الفرض لمن سافر فشق عليه (ولا
تعسروا) في الأمور (وسكنوا) أمر بالتسكين
(9/75)
(ولا تنفروا) هو كالتفسير لسابقه والسكون
ضد النفور كما أن ضد البشارة النذارة، والمراد تأليف
من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك
الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل وكذا
تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشيء إذا كان
في ابتدائه سهلاً حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط
وكانت عاقبته في الغالب الازدياد بخلاف ضده.
والحديث مضى في العلم في باب ما كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخوّلنا بالموعظة.
6126 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ:
مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ
أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ
إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا
انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ أَنْ
تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا
لِلَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي الحارثي
(عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها
قالت: ما خير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بضم الخاء المعجمة وتشديد التحتية
المكسورة (بين أمرين) من أمور الدنيا (قط إلاّ أخذ
أيسرهما ما لم يكن) أيسرهما (إثمًا) أي يفضي إلى الإثم
(فإن كان) الايسر (إثمًا كان) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أبعد الناس منه) كالتخيير بين
المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة إن
كانت بحيث تجرّ إلى الهلاك لا تجوز (وما انتقم رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) خاصة
(في شيء قط) كعفوه عن الذي جبذه بردائه حتى أثر في
كتفه (إلا أن تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح
الفوقية والهاء لكن إذا انتهكت (حرمة الله فينتقم) ممن
ارتكب ذلك (بها) أي بسببها (لله) عز وجل لا لنفسه.
والحديث سبق في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
6127 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ،
قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ بِالأَهْوَازِ
قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ
الأَسْلَمِىُّ عَلَى فَرَسٍ فَصَلَّى وَخَلَّى
فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الْفَرَسُ فَتَرَكَ صَلاَتَهُ
وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا، فَأَخَذَهَا ثُمَّ
جَاءَ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْىٌ
فَأَقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ
تَرَكَ صَلاَتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ، فَأَقْبَلَ
فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِى أَحَدٌ
مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ إِنَّ مَنْزِلِى
مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ لَمْ آتِ
أَهْلِى إِلَى اللَّيْلِ وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحِبَ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الأزرق
أحد الأعلام (عن الأزرق بن قيس) الحازمي البصري أنه
(قال: كنا على شاطئ نهر بالأهواز) موضع بخوزستان بين
العراق وفارس (قد نضب) بفتح النون والضاد المعجمة
بعدها موحدة ذهب (عنه الماء فجاء أبو برزة) نضلة بن
عبيد (الأسلمي) الصحابي (على فرس فصلّى وخلى فرسه)
تركها (فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي فخلى صلاته واتبعها (حتى أدركها
فأخذها ثم جاء فقضى صلاته) أي أدّاها (وفينا رجل له
رأي) فاسد بالتنوين للتحقير وإن يرى رأي الخوارج لا
يرى ما يرى المسلمون من الدين (فأقبل يقول): وفي أواخر
الصلاة فجعل رجل من الخوارج يقول: (انظروا إلى هذا
الشيخ ترك صلاته من أجل فرس فأقبل فقال: ما عنفني أحد
منذ فارقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وقال: إن منزلي متراخ) بالخاء المعجمة
متباعد (فلو صليت وتركت) الفرس بحذف المفعول ولأبي ذر
وتركته (لم آت أهلي إلى الليل وذكر أنه صحب) ولأبي ذر
عن المستملي أنه قد صحب (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأى) بالفاء ولأبي ذر عن
المستملي والحموي ورأى (من تيسيره) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما حمله على فعله ذلك إذ
لا يجوز له أن يفعله من تلقاء نفسه دون أن يشاهد مثله
منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والحديث سبق في باب إذ انفلتت الدابة في الصلاة من
أواخر الصلاة.
6128 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ:
حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ
أَعْرَابِيًّا بَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ
النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ
مَاءٍ -أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ- فَإِنَّمَا
بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا
مُعَسِّرِينَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (ح) لتحويل السند.
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي: (حدثني)
بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري
أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن
عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن أبا هريرة) -رضي الله
عنه- أخبره أن أعرابيًا اسمه ذو الخويصرة اليماني (بال
في المسجد) النبوي (فثار) بالمثلثة فهاج (إليه الناس
ليقعوا به) ليؤذوه (فقال لهم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(دعوه) اتركوه يبول في موضعه لأنه لو قطع عليه بوله
لتضرر ولو أقاموه في أثنائه لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع
كثيرة من المسجد (وأهريقوا) بهمزة قطع مفتوحة وسكون
الهاء ولأبي ذر وهريقوا بحذف الهمزة وفتح الهاء أي
صبوا
(على بوله ذنوبًا من ماء)
(9/76)
بفتح الذال المعجمة الدلو
الملآن (أو سجلاً من ماء) بفتح السين المهملة وسكون
الجيم دلوًا فيه الماء قل أو كثر (فإنما بعثتم) حال
كونكم (ميسرين ولم تبعثوا) حال كونكم (معسرين) أسند
البعث إلى الصحابة على طريق المجاز لأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المبعوث حقيقة لكنهم
لما كانوا مبلغين عنه أطلق عليهم ذلك وأكد السابق وهو
قوله ميسرين بنفي ضده في قوله: ولم تبعثوا معسرين
تنبيهًا على المبالغة في التيسير.
والحديث سبق في باب صب الماء على البول في المسجد من
الطهارة.
81 - باب الاِنْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: خَالِطِ النَّاسَ، وَدِينَكَ
لاَ تَكْلِمَنَّهُ، وَالدُّعَابَةِ مَعَ الأَهْلِ.
(باب) جواز (الانبساط إلى) ولأبي ذر عن الكشميهني مع
(الناس. وقال ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه-:
(خالط الناس ودينك لا تكلمنه) بكسر اللام وفتح الميم
والنون المشدّدة من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو
الجرح ودينك بالنصب في الفرع أي لا تكلمن دينك ويجوز
الرفع مبتدأ خبره لا تكلمنه أي خالط الناس لكن بشرط أن
لا يحصل في دينك خلل وهذا الأثر وصله الطبراني في
الكبير بلفظ خالطوا الناس وصافوهم بما يشتهون ودينكم
فلا تكلمنه بضم الميم وزايلوهم (و) جواز (الدعابة) بضم
الدال المهملة وتخفيف العين المهملة وبعد الألف موحدة
الملاطفة في القول بالمزاح وغيره (مع الأهل) من غير
إفراط ولا مداومة إذ ربما يؤول ذلك إلى القسوة
والإيذاء والحقد وسقوط المهابة والوقار. نعم قد تكون
الدعابة مستحبة كأن تكون لمصلحة كتطييب نفس المخاطب
ومؤانسته.
6129 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ: إِنْ كَانَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِى صَغِيرٍ يَا
أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ [الحديث 6129
- طرفه في: 6203].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو التياح) يزيد بن حميد
الضبعي (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول:
إن كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ليخالطنا) بالملاطفة وطلاقة الوجه والمزاح (حتى يقول
لأخ لي) من أمي (صغير) وهو ابن أبي طلحة زيد بن سهل
الأنصاري:
(يا أبا عمير) بضم العين مصغرًا (ما فعل النغير) بضم
النون وفتح الغين المعجمة مصغر نغر بضم ثم فتح طير
كالعصفور محمر المنقار وأهل المدينة يسمونه البلبل أي
ما شأنه وحاله. وقال النووي: وفي الحديث جواز تكنية من
لم يولد له وتكنية الطفل وأنه ليس كذبًا، وجواز المزح
فيما ليس بإثم، وجواز السجع في الكلام الحسن بلا كلفة،
وملاطفة الصبيان وتأنيسهم وبيان ما كان عليه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حسن الخلق
وكرم الشمائل والتواضع.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة والاستئذان وفضائل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخرجه الترمذي
في الصلاة وفي البر والنسائي في اليوم والليلة وابن
ماجة في الأدب.
6130 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ
بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ لِى صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ
مَعِى فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ
مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَىَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِى.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد) هو ابن
سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء
والزاي المعجمتين بينهما ألف آخره ميم قال: (حدّثنا
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله
عنها-) أنها (قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بالتماثيل
المسماة بلعب البنات، وعند أبي عوانة من رواية جرير عن
هشام كنت ألعب بالبنات وهن اللعب، وعند أبي داود
والنسائي من وجه آخر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
غزوة تبوك أو حنين فذكر الحديث في هتكه الستر الذي
نصبته على بابها قالت: فكشف الستر على بنات لعائشة
لعب. فقال: "ما هذا يا عائشة"؟ قالت: بناتي. قالت:
ورأى فرسًا مربوطًا له جناحان. فقال: "ما هذا" قلت:
فرس. قال: "فرس له جناحان" قلت: ألم تسمع أنه كان
لسليمان خيل لها أجنحة فضحك. فهذا صريح في أن المراد
باللعب غير الآدميات خلافًا لمن زعم أن معنى الحديث
اللعب مع البنات أي الجواري والباء هنا بمعنى مع،
واستدل بالحديث على جواز اتخاذ اللعب من أجل لعب
البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه
جزم القاضي عياض، ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع
اللعب للبنات
(9/77)
لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن
قالت عائشة -رضي الله عنها-: (وكان لي صواحب) أي جوار
من أقراني (يلعبن معي) بهن (فكان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل) على الحجرة
(يتقمعن) بتحتية وفوقية وقاف وميم مشددة وعين مهملة
ساكنة بوزن يتفعلن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
بإسقاط التحتية، وللكشميهني كما في الفتح ينقمعن بنون
ساكنة بعد التحتية وكسر الميم أي يتغيبن (منه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلن وراء الستر وأصله
من قمع الثمرة أي يدخلن في الستر كما تدخل الثمرة في
قمعها (فيسربهن) بسين مهملة مفتوحة وراء مشدّدة مكسورة
بعدها موحدة أي يبعثهن ويرسلهن (إليّ فيلعبن معي).
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل.
82 - باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ إِنَّا لَنَكْشِرُ
فِى وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا
لَتَلْعَنُهُمْ.
(باب) استحباب (المداراة مع الناس) وهي لين الكلام
وترك الأغلاظ في القول وهي من أخلاق المؤمنين والفرق
بينهما وبين المداهنة المحرمة أن المداراة الرفق
بالجاهل في التعليم والفاسق
في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو
فيه والإنكار عليه باللطف حتى يردّ عما هو مرتكبه
والمداهنة معاشرة المعلن بالفسق وإظهار الرضا بما هو
فيه من غير إنكار عليه باللسان ولا بالقلب.
(ويذكر) بضم التحتية وفتح الكاف (عن أبي الدرداء)
عويمر بن مالك مما وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم
الحربي في غريب الحديث والدينوري في المجالسة من طريق
أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء (إنّا
لنكشر) بفتح النون وسكون الكاف وكسر الشين المعجمة
بعدها راء أي نضحك ونتبسم (في وجوه أقوام وإن قلوبنا
لتلعنهم) بلام التأكيد وبالعين من اللعن، ولأبي ذر عن
الكشميهني: لتقليهم بقاف ساكنة بعد الفوقية ثم لام
مكسورة فتحتية ساكنة من القلى وهي البغض.
6131 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ
حَدَّثَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ
أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَقَالَ:
«ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ
بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ
لَهُ الْكَلاَمَ فَقُلْتُ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِى الْقَوْلِ
فَقَالَ: «أَىْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ
مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ
وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن المنكدر) محمد أنه
(حدثه) أي أن ابن المنكدر حدث سفيان (عن عروة بن
الزبير) ولغير أبي ذر عن ابن المنكدر حدثه عروة بن
الزبير (أن عائشة) -رضي الله عنها- (أخبرته أنه
استأذن) في الدخول (على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيته (رجل) هو عيينة بن حصن بن
حذيفة بن بدر الفزاري وكان يقال له الأحمق المطاع أو
مخرمة بن نوفل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(ائذنوا له) في الدخول (فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو
العشيرة) بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة فيهما
والشك من الراوي والعشيرة الجماعة أو القبيلة أو
الأدنى إلى الرجل من أهله وهم ولد أبيه وجده (فلما
دخل) الرجل (ألان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لأن (له
الكلام) ولأبي ذر في الكلام قالت عائشة (فقلت) له (يا
رسول الله قلت ما قلت) في هذا الرجل (ثم) لما دخل
(ألنت له في القول. فقال: أي عائشة) أي يا عائشة (إن
شر الناس منزلة عند الله) يوم القيامة (من تركه أو)
قال: (ودعه الناس اتقاء فحشه) بضم الفاء وسكون الحاء
المهملة وقد كان الرجل من جفاة الأعراب. وقوله ودعه
بتخفيف الدال. قال المازري: ذكر بعض النحاة أن العرب
أماتوا مصدر يدع وماضيه والنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفصح العرب وقد نطق بالمصدر في
قوله: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات وبماضيه في هذا
الحديث، وأجاب القاضي عياض: بأن المراد بقولهم أماتوا
أي تركوا استعماله إلا نادرًا قال: ولفظ أماتوا يدل
عليه ويؤيد ذلك أنه لم ينقل في الحديث إلا هذين
الحديثين مع شك الراوي في حديث الباب مع كثرة استعمال
تركه ولم ينقل عن أحد من
النحاة أنه لا يجوز. قال في فتح الباري: والنكتة في
إيراد هذا الحديث هنا التلميح إلى ما وقع في بعض الطرق
بلفظ المداراة وهو عند الحارث بن أبي أسامة من حديث
صفوان بن عسال نحو حديث عائشة -رضي الله عنها- وفيه
فقال: إنه منافق أداريه عن نفاقه وأخشى أن يفسد عليّ
غيره.
(9/78)
وعند ابن عدي من حديث جابر عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مداراة
الناس صدقة" وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط وفي سنده
يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه وقال ابن عدي: أرجو أنه
لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند
أحسن منه.
وفي حديث أبي هريرة: رأس العقل بعد الإيمان بالله
مداراة الناس أخرجه البزار بسند ضعيف، لكن قال شيخنا
الحافظ السخاوي: لفظ رواية البزار التودد إلى الناس
وهو باللفظ الذي نقله في فتح الباري في رواية مرسلة،
وعند العسكر وغيره بل وفي رواية متصلة عند البيهقي في
الشعب وبين أنها منكرة.
6132 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ،
أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى
مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ
مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِى نَاسٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ،
فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» قَالَ
أَيُّوبُ: بِثَوْبِهِ أَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ
وَكَانَ فِى خُلُقِهِ شَىْءٌ. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ. وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ،
عَنِ الْمِسْوَرِ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي
البصري قال: (أخبرنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح
اللام قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن عبد الله بن
أبي مليكة) اسمه زهير وعبد الله هذا تابعي فحديثه مرسل
(أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهديت
له) بضم الهمزة وسكون الهاء (أقبية) جمع قباء (من
ديباج) فارسي معرب أي ثوب يتخذ من إبريسم (مزررة
بالذهب فقسمها) أي الأقبية (في) أي بين (أناس من
أصحابه وعزل منها) ثوبًا (واحدًا لمخرمة) بفتح الميم
وسكون الخاء المعجمة لأجل مخرمة والد المسور وكان
مخرمة غائبًا (فلما جاء قال) له -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(خبأت) ولأبي ذر عن الكشميهني قد خبأت (هذا) القباء
(لك قال) أي أشار (أيوب) السختياني بالسند السابق:
(بثويه) يستحضر فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عند كلامه مخرمة (أنه) ولأبي ذر: وأنه
(يريه) أي يري مخرمة (إياه) أي الثوب الذي خبأه له
ليطيب قلبه به (وكان في خلقه) أي مخرمة (شيء) من
الشدة، فلذا كان في لسانه بذاءة.
(ورواه) أي الحديث (حماد بن زيد) فيما وصله المؤلّف في
باب قسمة الإمام ما يقدم عليه (عن أيوب) السختياني عن
عبد الله بن أبي مليكة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث.
(وقال حاتم بن وردان) البصري مما وصله البخاري في
شهادة الأعمى وأمره ونكاحه من الشهادات (حدّثنا أيوب)
السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) بن
مخرمة (قدمت
على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية)
الحديث. ومراد المؤلّف بسياق هذا التعليق الأخير
الإعلام بوصله، وأن روايتي ابن علية وحماد وإن كانت
صورتهما الإرسال، لكن الحديث في الأصل موصول والله
الموفق والمعين.
83 - باب لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ
مَرَّتَيْنِ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لاَ حَكِيمَ إِلاَّ
ذُو تَجْرِبَةٍ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يلدغ المؤمن من جحر
مرتين. وقال معاوية) بن أبي سفيان: صخر بن حرب (لا
حكيم) بالكاف المكسورة بوزن عظيم في الفرع (إلا ذو) أي
صاحب (تجربة) وهذا لفظ أبي سعيد مرفوعًا أخرجه أحمد
وصححه ابن حبان، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لا حلم
بكسر الحاء المهملة وسكون اللام إلا بتجربة، ولأبي ذر
عن الكشميهني: إلا لذي تجربة، والحلم التأني في الأمور
المقلقة والمعنى أن المرء لا يوصف بالحلم حتى يجرب
الأمور، وقيل المعنى لا يونس حليمًا كاملاً إلا من وقع
في زلة وحصل منه خطأ فحينئذٍ يخجل. وقال ابن الأثير:
معناه لا يحصل الحلم حتى يركب الأمور ويعثر فيها
فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها، وقيل:
المراد أن من جرب الأمور وعرف عواقبها آثر الحلم وصبر
على قليل الأذى ليدفع به ما هو أكبر منه. وقال الطيبي:
ويمكن أن يكون تخصيص الحليم بذي التجربة للإشارة إلى
أن غير الحليم بخلافه فإن الحليم الذي ليس له تجربة قد
يعثر في مواضع لا ينبغي له فيها الحلم بخلاف الحليم
المجرب، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة في مصنفه عن
عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال
معاوية: لا حلم إلا بالتجارب، وأخرجه البخاري في الأدب
المفرد من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: كنت
جالسًا عند معاوية فقال: لا حليم إلا ذو تجربة قالها
ثلاثًا. وأخرج من حديث أبي سيد مرفوعًا: لا حليم إلا
ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة، وأخرجه أحمد وصححه ابن
حبان ومرّ.
6133 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ،
عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ
وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البلخي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح
(9/79)
القاف ابن خالد (عن الزهري) محمد بن مسلم
بن شهاب (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة رضي الله
عنه فإنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه قال):
(لا يلدغ المؤمن) بالدال المهملة والغين المعجمة على
صيغة المجهول وهو ما يكون من ذوات السموم وأما الذي
بالذال المعجمة والعين المهملة فما يكون من النار
والمؤمن مرفوع بيلدغ (من جحر) بضم الجيم وسكون الحاء
المهملة (واحد مرتين). وقوله: يلدغ بالرفع على صيغة
الخبر ومعناه الأمر أي ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا
يؤتي من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وقد
يكون ذلك في أمر الذين كما يكون في أمر الدنيا وهو
أولاهما بالحذر، وروي بكسر الغين بلفظ النهي فيتحقق
فيه معنى النهي على هذه الرواية قاله الخطابي. قال
السفاقسي بعد ذكره له: وكذا قرأناه انتهى أي: لا يخدعن
المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه، لكن
قال التوربشتي: أرى أن الحديث لم يبلغ الخطابي على ما
كان عليه وهو مشهور عند أهل السير وذلك أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منّ على أبي عزة الشاعر
الجمحي وشرط عليه أن لا يجلب عليه، فلما بلغ مأمنه عاد
إلى ما كان فأسر مرة أخرى فأمر بضرب عنقه وكلمه بعض
الناس في المنّ عليه فقال: (لا يلدغ المؤمن) الحديث.
ونقل النووي عن القاضي عياض هذه القصة وقال: سبب هذا
الحديث معروف وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر فمنّ عليه
وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فأطلقه فلحق بقومه
ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أُحد فسأله
المنّ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا
يلدغ المؤمن" الحديث: وهذا السبب يضعف الوجه الثاني.
وأجاب في شرح المشكاة بأنه يوجه بأن يكون -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى من نفسه الزكية
الكريمة الميل إلى الحلم والعفو عنه جرد منها مؤمنًا
كاملاً حازمًا ذا شهامة ونهاه عن ذلك يعني ليس من شيمة
المؤمن الحازم الذي يغضب لله ويذب عن دين الله أن
ينخدع من مثل هذا الغادر المتمرد مرة بعد أخرى، فانته
عن حديث الحلم وامض لشأنك في الانتقام منه والانتصار
من عدو الله فإن مقام الغضب لله يأبى الحلم والعفو ومن
أوصافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان
لا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لها،
وقد ظهر من هذا أن الحلم مطلقًا غير محمود كما أن
الحرد كذلك فمقام التحلم مع المؤمنين مندوب إليه مع
الأولياء والغلظة مع الأعداء. قال تعالى في وصف
الصحابة {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29]
فظهر من هذا أن القول بالنهي أولى والمقام له أدعى،
وسلوك ما ذهب إليه أبو سليمان الخطابي -رحمه الله-
أوضح وأهدى وأحق أن يتبع وأحرى، وهذا الكلام منه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأول ما قاله
لأبي عزة المذكور، وأما قول السفاقسي وهذا مثل قديم
تمثل به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ كان
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما يتمثل
بالأمثال القديمة، وأصل ذلك أن رجلاً أدخل يده في جحر
لصيد أو غيره فلدغته حيّة في يده فضربته العرب مثلاً
فقالوا: لا يدخل الرجل يده في جحر فيلدغ منه مرة
ثانية، فتعقبه في المصابيح بأنه إذا كان المثل العربي
على الصورة التي حكاها فالنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يورده كذلك حتى يقال: إنه تمثل
به. نعم أورد كلامًا بمعناه، وانظر فرق ما بين كلامه
عليه الصلاة والسلام وبين لفظ المثل المذكور، فطلاوة
البلاغة على لفظه عليه الصلاة والسلام وحلاوة العبارة
فيه بادية يدركها ذو الذوق السليم عليه أفضل صلاة الله
وأزكى التسنيم.
تنبيه:
قال شيخنا في الأحاديث المشتهرة، وسبقه إلى الإشارة
لنحوه شيخه في فتح الباري: حديث لا يلدغ المؤمن من جحر
واحد مرتين أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة
والعسكري كلهم من
حديث عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
به مرفوعًا، لكن ليس عند ابن ماجة والعسكري واحد، وهو
عند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب الزهري عن
عمه به مثله، وتابعهما سعيد بن عبد العزيز أن هشام بن
عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار فقال هشام
للزهري: لا تعد لمثلها. فقال
(9/80)
الزهري: يا أمير المؤمنين حدثني سعيد وذكره
بلفظ: لا يلسع المؤمن من جحر مرّتين، وكذا تابعهم يونس
عن الزهري وهو الصواب وخالفهم زمعة بن صالح حيث رواه
عن الزهري فقال عن سالم عن ابن عمر بلفظ: لا يلدغ
المؤمن من جحر مرّتين أخرجه القضاعي، وتابعه صالح بن
أبي الأخضر عن الزهري، لكن صالح وزمعة ضعيفان. وفي
الباب عن عمرو بن عوف المزني عند الطبراني في الكبير
والأوسط وإليه الإشارة يقول يعقوب في قصة ابنه عليهما
الصلاة والسلام: {هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على
أخيه من قبل} [يوسف: 64].
84 - باب حَقِّ الضَّيْفِ
(باب) بيان (حق الضيف).
6134 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ،
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا
حُسَيْنٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ
أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ
النَّهَارَ»، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلْ
قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا،
وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ
لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّكَ عَسَى أَنْ
يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ، وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ
تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ
بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَذَلِكَ
الدَّهْرُ كُلُّهُ»، قَالَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ
عَلَىَّ فَقُلْتُ: فَإِنِّى أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ
قَالَ: «فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ» قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَىَّ
قُلْتُ: إِنِّى أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: «فَصُمْ
صَوْمَ نَبِىِّ اللَّهِ دَاوُدَ» قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ
نَبِىِّ اللَّهِ دَاوُدَ؟ قَالَ: «نِصْفُ الدَّهْرِ».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج الحافظ قال:
(حدّثنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها
حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الدال المهملتين
قال: (حدّثنا حسين) المعلم (عن يحيى بن أبي كثير)
بالمثلثة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عبد
الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنه-
أنه (قال: دخل عليّ) بتشدلد التحتية (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لي:
(ألم أخبر) بهمزة الاستفهام وأخبر بضم الهمزة وفتح
الموحدة مبنيًا للمفعول (إنك تقوم الليل) أي في الليل
(وتصوم النهار قلت: بلى) يا رسول الله (قال: عليه
الصلاة والسلام فلا
تفعل قم ونم وصم وأفطر) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الطاء
(فإن لجسدك عليك حقًّا) فترفق به ولا تتعبه حتى تعجز
عن القيام بالفرائض (وإن لعينك) بالإفراد (عليك حقًّا)
من النوم (وإن لزورك) بفتح الزاي وسكون الواو ولضيفك
(عليك حقًّا) وهذا موضع الترجمة (وإن لزوجك عليك حقًّا
وإنك) بكسر الهمزة (عسى أن يطول بك عمر) بضمتين فتضعف
فلا تستطيع المداومة على ذلك وخير العمل ما داوم عليه
صاحبه وإن قل (وإن من حسبك) بسكون السين المهملة أي من
كفايتك (أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام) أي يعينها (فإن
بكل حسنة عشر أمثالها فذلك) أي صيام الثلاث من كل شهر
هو (هو الدهر كله) في ثواب صيامه (قال) عبد الله بن
عمرو (فشددت) على نفسي (فشدد عليّ) بتشديد التحتية
وشدّد بضم الشين المعجمة مبنيًّا للمفعول (فقلت) يا
رسول الله (فإني أطيق غير ذلك) أكثر منه (قال: فصم من
كل جمعة ثلاثة أيام) أي يعينها (قال: فشددت) على نفسي
(فشلد عليّ قلت إني أطيق غير ذلك) بإسقاط الفاء قبل
قاف قلت ولفظة إني (قال) عليه الصلاة والسلام: (فصم
صوم نبي الله داود. قلت: وما صوم نبي الله داود؟ قال:
نصف الدهر) بأن تصوم يومًا وتفطر يومًا.
والحديث سبق في الصوم.
85 - باب إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ
بِنَفْسِهِ
وَقَوْلِهِ: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}
[الحجرات: 51]، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ هُوَ زَوْرٌ،
وَهَؤُلاَءِ زَوْرٌ وَضَيْفٌ وَمَعْنَاهُ أَضْيَافُهُ
وَزُوَّارُهُ لأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلَ قَوْمٌ رِضًا
وَعَدْلٌ وَيُقَالُ: مَاءٌ غَوْرٌ، وَبِئْرٌ
وَمَاءَانِ غَوْرٌ وَمِيَاهٌ غَوْرٌ وَيُقَالُ
الغَوْرُ: الغَائِرُ لاَ تَنَالُهُ الدَّلاَءُ، كُلُّ
شَيْءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهُوَ مَغَارَةً تَزَاوَرُ
تَمِيلُ مِنَ الزَّوْرِ وَالأَزْوَرُ: الأَمْيَلُ.
(باب) استحباب (إكرام الضيف) مصدر مضاف لمفعوله
والفاعل محذوف أي إكرام المضيف (و) استحباب (خدمته
إياه بنفسه) من عطف الخاص على العام إذ الإكرام أعم من
أن يكون بالنفس أو بأحد (وقوله) بالجرّ عطفًا على
السابق ({ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24].
(قال أبو عبد الله) المؤلّف: (يقال) في المفرد (هو زور
و) في الجمع (هؤلاء زور) فيستوي فيه الجمع والمفرد (و)
كذا (ضيف ومعناه أضيافه وزوَّاره لأنها مصدر مثل قوم
رضا وعدل) يعني مرضيون وعدول فالمعنى جمع واللفظ مفرد
(ويقال ماء غور وبئر غور وماءان غور ومياه غور) فهو
وصف بالمصدر (ويقال الغور الغائر) الذي (لا تناله
الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة تزاور تميل من الزور
والأزور الأميل) ومنه زاره إذا مال إليه وكان أضياف
إبراهيم اثني عشر ملكًا، وقيل تسعة عاشرهم جبريل
وجعلهم ضيفًا لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم
إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك قوله
{المكرمين} أي عند الله كقوله {بل عباد مكرمون}
[الأنبياء: 26] وقيل لأنه خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته
وعجل لهم القرى وثبت قوله قال أبو عبد الله الخ
للكشميهني والمستملي وسقط لغيرهما.
6135 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْكَعْبِىِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ
جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ
ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ
صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِىَ عِنْدَهُ
حَتَّى يُحْرِجَهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي
قال:
(9/81)
(أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن سعيد بن
أبي سعيد المقبري) بضم الموحدة واسم أبي سعيد كيسان
(عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره حاء
مهملة خويلد بن عمرو بن صخر (الكعبي) بفتح الكاف وكسر
الموحدة الخزاعي أسلم قبل الفتح وتوفي بالمدينة -رضي
الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(من كان يؤمن بالله) الذي خلقه إيمانًا كاملاً (واليوم
الآخر) الذي إليه معاده وفيه مجازاته (فليكرم ضيفه
جائزته) بالرفع في الفرع مبتدأ خبره (يوم وليلة
والضيافة ثلاثة أيام) أي تكلف يوم وليلة أو إتحاف يوم
وليلة هذا إن قلنا إن اليوم والليلة من جملة أيام
الضيافة الثلاثة، وإن قلنا بأنهما خارجان عنها فيقدر
زيادة يوم وليلة بعد الضيافة، وبالنصب على أنه بدل
الاشتمال أي: فليكرم جائزة ضيفه يومًا وليلة بنصب
يومًا على الظرفية قاله السهيلي فيما حكاه الزركشي،
وعند مسلم في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد
المقبري عن أبي شريح: الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم
وليلة انتهى.
قال في المصابيح: ويشبه اختلافهم في أن يوم الجائزة
وليلتها داخلان في أيام الضيافة الثلاثة أو خارجان
عنها ما وقع لهم من التردد في قوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من شهد الجنازة حتى يصلّي عليها
فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" الحديث.
وفي لفظ: "من صلّى على جنازة فله قيراط ومن اتبعها حتى
توضع في القبر فله قيراطان" فلو اتبعها حتى توضع في
القبر ولكن لم يصل عليها احتمل أن لا يحصل له شيء من
القيراط إذ يحتمل أن يكون القيراط الثاني المزيد
مرتبًا على وجود الصلاة قبله، ويحتمل أن يحصل له
القيراط المزيد، وأما احتمال أن القيراطين يحصلان
بالاتباع حتى توضع في القبر وإن لم يصل فهو هنا بعيد
وأما احتمال أن من صلّى واتبع حتى تدفن يحصل له ثلاثة
قراريط فمرتب على هذا الاحتمال، ونقل القاضي تاج الدين
أن الشيخ أبا الحسن بن القزويني سأل أبا نصر بن الصباغ
عن هذا؟ فقال: لا يحصل لمن صلّى واتبع إلا قيراطان،
واستدلّ بقوله تعالى {أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض
في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين وجعل
فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في
أربعة أيام} [فصلت: 9، 10] قال: فاليومان من جملة
الأربعة بلا شك انتهى. وعند مسلم في رواية
عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح:
الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهو يدل على
المغايرة.
(فما بعد ذلك) مما يحضره له بعد ثلاثة أيام (فهو صدقة)
استدلّ به على أن الذي قبلها واجب لأن المراد بتسميته
صدقة التنفير عنه لأن كثيرًا من الناس خصوصًا الأغنياء
يأنفون غالبًا من أكل الصدقة، واستدلّ ابن بطال لعدم
الوجوب بقوله جائزته، والجائزة تفضل وإحسان ليست واجبة
عليه عامة الفقهاء وتأوّلوا الأحاديث أنها كانت في أول
الإسلام إذ كانت المواساة واجبة (ولا يحل له) أي للضيف
(أن يثوي) بفتح التحتية وسكون المثلثة وكسر الواو أن
يقيم (عنده) عند من أضافه (حتى يحرجه) بضم التحتية
وسكون الحاء المهملة وبعد الراء المكسورة جيم من الحرج
وهو الضيق ولمسلم حتى يؤثمه أي يوقعه في الإثم لأنه قد
يغتابه لطول إقامته أو يعرّض له بما يؤذيه أو يظن به
ظنًّا سيئًا ويستفاد من قوله حتى يحرجه أنه إذا ارتفع
الحرج جازت الإقامة بعد بأن يحنتار المضيف إقامة الضيف
أو يغلب على ظن الضيف أن المضيف لا يكره ذلك.
والحديث سبق في باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يؤذ جاره من كتاب الأدب.
0000 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى
مَالِكٌ مِثْلَهُ وَزَادَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا
أَوْ لِيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني)
بالإفراد (مالك) الإمام بسنده السابق (مثله) أي مثل
الحديث السابق (وزاد) ابن أبي أويس (من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً (فليقل خيرًا أو ليصمت)
بضم الميم من باب نصر أو بكسرها من باب ضرب يضرب أي
ليسكت.
6136 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ. وَمَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا
أَوْ لِيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني بالإفراد
(عبد الله بن محمد)
(9/82)
المسندي الجعفي قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد
الرحمن قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي حصين) بفتح
الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان الأسدي (عن أبي
صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً (فلا
يؤذ جاره). وفي مسلم في حديث أبي هريرة من طريق الأعمش
عن أنس صالح: فليحسن إلى جاره، وقد جاء تفسير الإكرام
والإحسان إلى الجار وترك أذاه في عدة أحاديث رواها
الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده،
والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده، وأبو الشيخ في الثواب من حديث معاذ بن
جبل قالوا: يا رسول الله ما حق الجار؟ قال: "إن
استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن مرض عدته وإن
احتاج أعطيته وإن افتقر عدت عليه وإذا أصابه خير هنيته
وإذا أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا
تستطيل عليه بالبناء فيحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا
تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإن اشتريت فاكهة
فأهدِ له وإن لم تفعل فادخلها سرًّا ولا تخرج بها ولدك
ليغيظ بها ولده". قال في الفتح: ألفاظهم متقاربة
والسياق أكثره لعمرو بن شعيب، وفي حديث بهز بن حكيم:
إن أعور سترته وأسانيدهم واهية، لكن اختلاف مخارجها
يشعر بأن للحديث أصلاً.
(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا تامًّا
(فليكرم ضيفه) بأن يزيد في قراه على ما كان يفعل في
عياله (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا
كاملاً (فليقل خيرًا أو ليصمت). وفي حديث أبي أمامة
عند الطبراني والبيهقي في الزهد فليقل خيرًا ليغنم أو
ليسكت عن شر ليسلم، وفي معنى الأمر بالصمت أحاديث
كثيرة كحديث ابن مسعود عند الطبراني قلت: يا رسول الله
أي الإيمان أفضل؟ الحديث. وفيه: "أن يسلم المسلمون من
لسانك" وفي حديث البراء عند أحمد وصححه ابن حبان
مرفوعًا: "فكف لسانك إلا من خير" وحديث ابن عمر عند
الترمذي "من صمت نجا" وعنده من حديث ابن عمر: كثرة
الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب. أسأل الله العافية.
6137 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى
حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ
بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى فَقَالَ
لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا
لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِى لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ
لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ
الَّذِى يَنْبَغِى لَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث)
بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) المصري (عن أبي
الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة
آخره دال مهملة اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني (رضي
الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل
بقوم فلا يقروننا) بنونين وفتح أوّله أي لا يضيفوننا
(فما ترى فيه؟ فقال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا)
ذلك منهم (فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي
ينبغي لهم) بضمير الجمع فهو على حد قوله {ضيف إبراهيم
المكرمين} [الذاريات: 24] كما مر الضيف مصدر يستوي فيه
الجمع والواحد وقد حمل الليث الحديث على الوجوب عملاً
بظاهر الأمر وأن يؤخذ ذلك منهم إن امتنعوا قهرًا وقال
أحمد: بالوجوب على أهل البادية دون القرى، وتأوّله
الجمهور على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة، أو المراد
خذوا من
أعراضهم أو هو محمول على من مرّ بأهل الذمة الذين شرط
عليهم ضيافة من مرّ بهم من المسلمين وضعف هذا.
وسبق مزيد لهذا في كتاب المظالم في باب قصاص المظلوم
إذا وجد مال ظالمه.
6138 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ
ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أبو جعفر الجعفي
الحافظ المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف قال:
(أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم
بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليصل رحمه) اختلف في حد الرحم التي يجب صلتها فقيل كل
رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت
مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد
الأخوال
(9/83)
واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة
وعمتها وخالتها في النكاح ونحوه، وجوّز ذلك في بنات
الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي
الأرحام في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره ويدل له
قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أدناك أدناك" (ومن كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) ليغنم (أو
ليصمت) أي يسكت عن سوء ليسلم وهذا من جوامع الكلم
وجواهر الحكم التي لا يعرف أحد ما في بحار معانيها إلا
من أمدّه بفيض مدده، وذلك أن القول كله إما خير أو شر
أو آيل إلى أحدهما فيدخل في الخير كل مطلوب من الأحوال
فرضها وندبها فأذن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما
يؤول إليه وما عدا ذلك مما هو شر أو يؤول إليه فأمر
عند إرادة الخوض فيه بالصمت، ولا ريب أن خطر اللسان
عظيم وآفاته كثيرة من الكذب والغيبة وتزكية النفس
والخوض في الباطل، ولذلك حلاوة في القلب وعليه بواعث
من الطبع ومن الشيطان، فالخائض في ذلك قلما يقدر على
أن يزم لسانه ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة مع ما فيه
من جمع الهمة ودوام الوقار والفراغ للعبادة والسلام من
تبعات القول في الدنيا ومن الحساب في الآخرة قال
تعالى: {ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد} [ق: 18]
وقال عليه الصلاة والسلام: "أملك عليك لسانك" أي اجعله
مملوكًا لك فيما عليك وباله وتبعته، وأمسكه عما يضرك
وأطلقه فيما ينفعك.
86 - باب صُنْعِ الطَّعَامِ، وَالتَّكَلُّفِ
لِلضَّيْفِ
(باب صنع الطعام والتكلف) لمن قدر عليه (للضيف).
6139 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْعُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِى
الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ
فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ
لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِى الدُّنْيَا
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا
فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّى صَائِمٌ قَالَ: مَا أَنَا
بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ
اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ فَقَالَ:
نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ.
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ
الآنَ قَالَ: فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ:
إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا،
فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ
لَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «صَدَقَ سَلْمَانُ». أَبُو جُحَيْفَةَ
وَهْبٌ السُّوَائِىُّ يُقَالُ: وَهْبُ الْخَيْرِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن بشار)
المعروف ببندار قال: (حدّثنا جعفر بن عون) بالنون أبو
جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي قال: (حدّثنا أبو
العميس) بضم العين المهملة وفتح الميم آخره مهملة
مصغرًا عتبة بن عبد الله المسعودي الكوفي (عن عون بن
أبي جحيفة) بالجيم المضمومة ثم الحاء المهملة والفاء
مصغرًا وهب (عن أبيه) أنه (قال: آخى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين سلمان) الفارسي (وأبي
الدرداء) عويمر (فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم
الدرداء) زوجة أبي الدرداء واسمها خيرة بفتح الخاء
وسكون التحتية بنت أبي حدرد الأسلمية صحابية بنت صحابي
وليست هي زوجته أم الدرداء هجيمة التابعية (متبذلة)
بفتح الفوقية والموحدة وكسر المعجمة المشددة أي لابسة
ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون المعجمة المهنة وزنًا
ومعنى أي أنها تاركة للباس الزينة (فقال لها: ما
شأنك)؟ متبذلة يا أم الدرداء (قالت: أخوك أبو الدرداء
لبس له حاجة في) نساء (الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع
له طعامًا) وقربه إليه ليأكل (فقال) أبو الدرداء
لسلمان (كل فإني صائم. قال) سلمان لأبي الدرداء (ما
أنا بأكل) من طعامك شيئًا (حتى تأكل منه) وغرضه بذلك
صرف أبي الدرداء عما يصنعه من الجهد في العبادة وغير
ذلك مما تضررت منه أم الدرداء زوجته (فأكل) أبو
الدرداء معه (فلما كان الليل) أي في أوّله (ذهب أبو
الدرداء يقوم) يتهجد (فقال) له سلمان (نم فنام، ثم
ذهب) أبو الدرداء (يقوم فقال) له سلمان: (نم فلما كان
آخر الليل) وعند الترمذي فلما كان عند الصبح
وللدارقطني فلما كان في وجه الصبح، ولأبي ذر من آخر
الليل (قال سلمان) له: (قم الآن قال): وللطبراني فقاما
فتوضآ (فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا
ولنفسك) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن لنفسك (عليك حقًّا
ولأهلك عليك حقًّا فأعط) بهمزة قطع (كل ذي حق حقه
فأتى) أبو الدرداء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي قاله سلمان (له) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(صدق سلمان). وعند الدارقطني ثم خرجا إلى المصلّى فدنا
أبو الدرداء ليخبر النبي بالذي قال له سلمان فقال له:
يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقًّا مثل ما قال سلمان،
ففي هذه الرواية أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار
بينهما وليس ذلك في رواية محمد بن
بشار، فيحتمل أنه كاشفهما بذلك
(9/84)
أولاً ثم أطلعه أبو الدرداء على صورة الحال
فقال له: صدق سلمان. وعند الطبراني من وجه آخر عن محمد
بن سيرين مرسلاً قال: كان أبو الدرداء يحيي ليلة
الجمعة ويصوم يومها فأتاه سلمان فذكر القصة مختصرة
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
عويمر سلمان أفقه منك، وفيه تعيين الليلة التي بات
سلمان فيها عند أبي الدرداء.
(أبو جحيفة وهب السوائي) بضم السين المهملة وتخفيف
الواو والمد (يقال) له: (وهب الخير) وقوله أبو جحيفة
إلى آخره سقط لأبي ذر قال في فتح الباري: ووقع في
التكلف للضيف حديث سلمان نهانا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نتكلف للضيف أخرجه
أحمد والحاكم، وفيه قصة سلمان مع ضيفه حيث طلب منه
زيادة على ما قدم له فرهن مطهرته بسبب ذلك ثم قال
الرجل لما فرغ: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال
له سلمان: لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة انتهى. وقد
كان سلمان إذا دخل عليه رجل دعا بما حضر خبزًا وملحًا
وقال: لولا إنّا نهينا أن يتكلف بعضنا لتكلفت لك.
87 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْجَزَعِ
عِنْدَ الضَّيْفِ
(باب) بيان (ما يكره من الغضب) الذي هو غليان دم القلب
للانتقام (و) ما يكره من (الجزع) الذي هو نقيض الصبر
(عند الضيف).
6140 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ
الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا فَقَالَ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافَكَ فَإِنِّى مُنْطَلِقٌ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِىءَ،
فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهُمْ بِمَا
عِنْدَهُ فَقَالَ: اطْعَمُوا فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّ
مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا، قَالُوا: مَا نَحْنُ
بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِىءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ:
اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ
وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ، فَأَبَوْا
فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَىَّ فَلَمَّا جَاءَ
تَنَحَّيْتُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا صَنَعْتُمْ؟
فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ
فَسَكَتُّ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ
فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ
إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِى لَمَّا جِئْتَ
فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: سَلْ أَضْيَافَكَ فَقَالُوا:
صَدَقَ أَتَانَا بِهِ قَالَ: فَإِنَّمَا
انْتَظَرْتُمُونِى وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ
اللَّيْلَةَ فَقَالَ الآخَرُونَ: وَاللَّهِ لاَ
نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ قَالَ: لَمْ أَرَ فِى
الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ وَيْلَكُمْ مَا أَنْتُمْ لِمَ
لاَ تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ، هَاتِ طَعَامَكَ
فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ
الأُولَى لِلشَّيْطَانِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (عياش بن الوليد)
بالتحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا
عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة قال:
(حدّثنا سعيد) هو ابن أبي إياس (الجريري) بضم الجيم
مصغرًا (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي بفتح
النون (عن
عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أن
أبا بكر تضيف رهطًا) ثلاثة أي جعلهم أضيافًا له (فقال
لعبد الرحمن): ابنه (دونك) أي الزم (أضيافك فإني منطلق
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فافرغ)
بهمزة وصل (من قراهم) بكسر القاف من ضيافتهم (قبل أن
أجيء) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده) من
الطعام (فقال) لهم (اطعموا) بهمزة وصل وفتح العين
(فقالوا: أين رب منزلنا) أي صاحبه يعنون أبا بكر -رضي
الله عنه- (قال) لهم عبد الرحمن: (اطعموا، قالوا: ما
نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا. قال) لهم: (أقبلوا)
بهمزة وصل وفتح الموحدة (عنا) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي عني (قراكم فإنه) أي أبا بكر (إن جاء ولم
تطعموا) بفتح الأول والثالث (لنلقين منه) الأذى وما
نكره (فأبوا) فامتنعوا أن يأكلوا (فعرفت أنه يجد) أي
يغضب (عليّ فلما جاء) أبو بكر -رضي الله عنه- (تنحيت
عنه) أي جعلت نفسي في ناحية بعيدة عنه (فقال): ولأبي
ذر قال: (ما صنعتم) بالأضياف؟ (فأخبروه) أنهم أبوا أن
يأكلوا إلا إن حضر (فقال: يا عبد الرحمن) قال عبد
الرحمن (فسكت) فرقًا منه (ثم قال) ثانيًا (يا عبد
الرحمن) قال: عبد الرحمن (فسكت) فرقًا منه (فقال) في
الثالثة (يا غنثر) بضم الغين المعجمة وسكون النون
بعدها مثلثة مفتوحة فراء أي يا جاهل أو يا لئيم (أقسمت
عليك إن كنت تسمع صوتي لما) بتشديد الميم أي إلا (جئت)
كما عند سيبويه أي لا أطلب منك إلا مجيئك، ولأبي ذر عن
الكشميهني: أجبت (فخرجت فقلت) له (سل أضيافك) فسألهم
(فقالوا): ولأبي ذر قالوا (صدق أتانا به) أي بالقرى
فلم نقبل (قال) أبو بكر: (فإنما انتظرتموني والله لا
أطعمه الليلة) لأنه اشتد عليه تأخير عشائهم (فقال
الآخرون): بفتح الخاء المعجمة (والله لا نطعمه حتى
تطعمه قال) أبو بكر -رضي الله عنه-: (لم أر في الشر
كالليلة) أي لم أر ليلة مثل هذه الليلة في الشر
(ويلكم) أي يقصد بها الدعاء عليهم (ما أنتم) استفهام
(لم لا) ولأبي ذر ألا (تقبلون عنا قراكم هات) يا عبد
الرحمن (طعامك فجاءه) به ولأبي ذر فجاء به (فوضع) أبو
بكر -رضي الله عنه- (يده) فيه (فقال: بسم الله) الحالة
(الأولى) وهي حالة غضبه وحلفه أن لا يطعم في تلك
الليلة (للشيطان) أو اللقمة التي أحنث نفسه بها وأكل.
وقال في المصابيح: لا شك أن إحناثه وأكله مع الضيف خير
من المحافظة على برّه المفضي إلى ضيق صدر الضيف وحصول
الوحشة له
(9/85)
والقلق فكيف يكون ما هو خير منسوبًا
للشيطان فالظاهر هو القول الأول (فأكل) أبو بكر -رضي
الله عنه- استمالة لقلوبهم (وأكلوا) أي الأضياف وقال
ابن بطال: الأولى يعني اللقمة الأولى ترغيم للشيطان
لأنه الذي حمله على الحلف وباللقمة الأولى وقع الحنث
فيها.
88 - باب قَولِ الضيفِ لِصاحبِهِ: والله لا آكل حتى
تأكل فيه حديث أبي جُحيفة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب قول الضيف لصاحبه والله لا أكل حتى تأكل فيه) أي
في الباب (حديث أبي جحيفة) وهب السوائي (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
6141 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ،
عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما جَاءَ أَبُو بَكْرٍ
بِضَيْفٍ لَهُ أَوْ بِأَضْيَافٍ لَهُ، فَأَمْسَى
عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ أُمِّى احْتَبَسْتَ
عَنْ ضَيْفِكَ - أَوْ أَضْيَافِكَ - اللَّيْلَةَ
قَالَ: مَا عَشَّيْتِهِمْ فَقَالَتْ عَرَضْنَا
عَلَيْهِ - أَوْ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا أَوْ - فَأَبَى
فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَسَبَّ وَجَدَّعَ وَحَلَفَ لاَ
يَطْعَمُهُ فَاخْتَبَأْتُ أَنَا فَقَالَ يَا غُنْثَرُ
فَحَلَفَتِ الْمَرْأَةُ لاَ تَطْعَمُهُ حَتَّى
يَطْعَمَهُ فَحَلَفَ الضَّيْفُ - أَوِ الأَضْيَافُ -
أَنْ لاَ يَطْعَمَهُ أَوْ يَطْعَمُوهُ حَتَّى
يَطْعَمَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَأَنَّ هَذِهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ
وَأَكَلُوا فَجَعَلُوا لاَ يَرْفَعُونَ لُقْمَةً
إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا
فَقَالَ: يَا أُخْتَ بَنِى فِرَاسٍ مَا هَذَا؟
فَقَالَتْ: وَقُرَّةِ عَيْنِى إِنَّهَا الآنَ
لأَكْثَرُ قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَ فَأَكَلُوا، وَبَعَثَ
بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) بن عبيد
العنزي بفتح النون وبالزاي المعروف بالزمن قال:
(حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن أبي عدي واسمه
إبراهيم البصري (عن سليمان) بن طرخان التيمي (عن أبي
عثمان) عبد الرحمن النهدي أنه (قال: قال عبد الرحمن بن
أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-: جاء أبو بكر بضيف
له أو بأضياف له) ثلاثة بالشك من الراوي وفي رواية أو
أضياف بإسقاط الجار (فأمسى عند النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى صلّى العشاء (فلما جاء) أبو
بكر (قالت له أمي) أم رومان ولأبي ذر قالت له أمي
(احتبست عن ضيفك أو أضيافك) ولأبي ذر عن المستملي أو
عن أضيافك (الليلة. قال) أبو بكر لأم رومان: (أوما
عشيتهم) استفهام (فقالت) له: (عرضنا عليه) على الضيف
الطعام (أو عليهم) على الأضياف (فأبوا) امتنعوا من
الأكل (أو فأبى) فامتنع الضيف (فغضب أبو بكر) لذلك
(فسبّ) أي شتم لظنه أنهم فرطوا في حق ضيفه (وجدع)
بالجيم المفتوحة والدال المهملة المشددة وبعدها عين
مهملة دعا بقطع الأنف أو الإذن أو الشفة ولأبي ذر عن
الكشميهني وجزع (وحلف لا يطعمه) أي لا يأكله قال عبد
الرحمن (فاختبأت أنا) فرقًا منه (فقال: يا غنثر) يا
لئيم أو يا ثقيل (فحلفت المرأة) أم عبد الرحمن (لا
تطعمه حتى يطعمه) أبو بكر (فحلف الضيف أو الأضياف أن
لا يطعمه أو يطعموه حتى يطعمه) أبو بكر ولأبي ذر حتى
تطعموه بالفوقية والجمع أي أبو بكر وزوجته وابنه (فقال
أبو بكر: كأن هذه) الحالة أو اليمين (من الشيطان فدعا
بالطعام فأكل وأكلوا فجعلوا لا يرفعون لقمة إلاّ ربا)
زاد الطعام ولأبي ذر: إلاّ ربت أي اللقمة (من أسفلها
أكثر منها) من اللقمة المرفوعة (فقال) أبو بكر لأم
رومان: (يا أخت بني فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء
وبعد الألف سين مهملة وهو غنم بن مالك بن كنانة وأم
رومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس فنسبها إلى
بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث فالمعنى يا أخت
القوم المنتسبين إلى بني فراس (ما هذا)؟ استفهام عن
الزيادة الحاصلة في الطعام (فقالت: وقرة عيني) محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولعله كان قبل
النهي عن الحلف بغير الله (إنها الآن لأكثر) منها (قبل
أن نأكل) بالنون منها
(فأكلوا وبعث بها) بالجفنة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر أنه أكل منها) وهذه كرامة من
آياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهرت على
يد أبي بكر -رضي الله عنه-.
89 - باب إِكْرَامِ الْكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ الأَكْبَرُ
بِالْكَلاَمِ وَالسُّؤَالِ
(باب إكرام الكبير وببدأ الأكبر) في السن (بالكلام
والسؤال) إذا تساويا في الفضل وإلاّ فيقدّم الفاضل.
6142 و 6143 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى
الأَنْصَارِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلَ
بْنَ أَبِى حَثْمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنَ
مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِى
النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ،
فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ
وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَكَلَّمُوا
فِى أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَبِّرِ
الْكُبْرَ» - قَالَ يَحْيَى: لِيَلِىَ الْكَلاَمَ
الأَكْبَرُ فَتَكَلَّمُوا فِى أَمْرِ صَاحِبِهِمْ
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَتَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ -أَوْ
قَالَ صَاحِبَكُمْ- بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ»
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ
قَالَ: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِى أَيْمَانِ
خَمْسِينَ مِنْهُمْ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَوْمٌ كُفَّارٌ فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قِبَلِهِ. قَالَ
سَهْلٌ: فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ
فَدَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِى
بِرِجْلِهَا. قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يَحْيَى
عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ يَحْيَى: حَسِبْتُ
أَنَّهُ قَالَ مَعَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَقَالَ
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرٍ
عَنْ سَهْلٍ وَحْدَهُ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بشين
معجمة فحاء مهملة قاضي مكة ثقة حافظ قال: (حدّثنا حماد
هو ابن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي
الأزرق وسقط لفظ هو لأبي ذر (عن يحيى بن سعيد)
الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين
المعجمة في الأول وفتح التحتية والسين المهملة المخففة
في الثاني الحارثي (مولى الأنصار عن رافع بن خديج)
بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية
الساكنة جيم الأنصاري الحارثي الأوسي المدني (وسهل بن
أبي حثمة) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وأبو حثمة
بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة واسمه عامر بن ساعدة
الأنصاري الحارثي -رضي الله عنهما- (أنهما حدثاه)
ولأبي الوقت أو حدثنا (أن عبد الله بن سهل) الأنصاري
أخا عبد الرحمن بن سهل (ومحيصة) بضم الميم وفتح الحاء
والصاد المهملتين بينهما تحتية مكسورة مشددة (ابن
مسعود أتيا خيبر)
(9/86)
في أصحاب لهما يمتارون تمرًا (فتفرقا) أي
عبد الله بن سهل ومحيصة (في النخل فقتل عبد الله بن
سهل) فوجده محيصة في عين مطروحًا قد كسرت عنقه وهو
يتشحط في دمه (فجاء عبد الرحمن بن سهل) أخو عبد الله
المقتول (وحويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد
التحتية المكسورة بعدها صاد مهملة (و) أخوه (محيصة
ابنا مسعود إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فتكلموا) أي الثلاثة (في أمر صاحبهم) عبد
الله المقتول (فبدأ عبد الرحمن) أخوه بالكلام (وكان
أصغر القوم فقال النبي) ولأبي ذر فقال له النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(كبر الكبر) بهمزة وصل وضم الكاف وتسكين الموحدة جمع
الأكبر أي قدم الأكبر سنًّا للتكلم لتحقق صورة القصة
وكيفيتها إلا أنه يدعيها إذ حقيقة الدعوى إنما هي
لأخيه عبد الرحمن (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (ليلي
الكلام) ولأبي ذر يعني ليلي الكلام (الأكبر) سنًّا
(فتكلموا في أمر صاحبهم) وفي الجهاد فسكت يعني عبد
الرحمن فتكلما يعني حويصة ومحيصة (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تستحقون قتيلكم) أي ديته
(أو قال صاحبكم بأيمان خمسين) رجلاً (منكم) (قالوا يا
رسول الله أمر لم نره) فكيف نحلف عليه (قال): -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتبرئكم) بتشديد الراء
المكسورة أي تخلصكم والذي في اليونينية فتبرئكم بسكون
الباء الموحدة (يهود) من اليمين (في أيمان خمسين رجلاً
منهم) وتبرأ إليكم من دعواكم (قالوا: يا رسول الله قوم
كفار) كيف نأخذ أيمانكم؟ والحاصل أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدأ بالمدعين في الأيمان فلما
نكلوا ردها على المدعى عليهم فلم يرضوا بأيمانهم
(فوداهم) بواو ودال مهملة مخففة مفتوحتين أعطاهم ديته
ولأبي ذر ففداهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة من عنده
أو من بيت المال ولأبي ذر عن الكشميهني من قتله بفتح
القاف وفوقية ساكنة بدل الموحدة.
(قال سهل): هو ابن أبي حثمة المذكور (فأدركت ناقة من
تلك الإبل) التي وداها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، في ديته (فدخلت) بفتح اللام وسكون الفوقية
أي الناقة (مربدًا لهم) بفتح الميم في اليونينية وفي
غيرها بكسرها وفتح الموحدة أي الموضع الذي تجتمع فيه
الإبل (فركضتني) أي رفستني (برجلها) قال ذلك ليبين
ضبطه للحديث ضبطًا شافيًا بليغًا.
(قال الليث) بن سعد الإمام مما وصله مسلم والترمذي
والنسائي (حدثني) بالإفراد (يحيى) بن سعيد الأنصاري
(عن بشير) هو ابن يسار الذكور (عن سهل) هو ابن أبي
حثمة (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (حسبت أنه) أي
بشيرًا (قال): عن سهل (مع رافع بن خديج).
(وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله مسلم والنسائي
(حدّثنا يحيى) بن سعيد (عن بشير عن سهل وحده) أي يقل
ورافع بن خديج.
6144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَخْبِرُونِى بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ
الْمُسْلِمِ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَلاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا»، فَوَقَعَ فِى
نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَكَرِهْتُ أَنْ
أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمَّا
لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِىَ النَّخْلَةُ» فَلَمَّا
خَرَجْتُ مَعَ أَبِى قُلْتُ: يَا أَبَتَاهْ وَقَعَ فِى
نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ
قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا لَوْ كُنْتَ
قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: مَا مَنَعَنِى إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَرَكَ وَلاَ
أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد (عن عبيد الله) بضم العين أنه قال:
(حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد فيهما (نافع عن ابن
عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لمن عنده من
أصحابه:
(أخبروني) وعند الإسماعيلي أنبؤوني (بشجرة) ولأبي ذر
شجرة بإسقاط الجار والنصب (مثلها) بفتح الميم والمثلثة
كقوله (مثل المسلم) في النفع العام في جميع الأحوال
(تؤتي أكلها) تعطي ثمرها (كل حين) أقته الله لأثمارها
(بإذن ربها) بتيسير خالقها وتكوينه (ولا تحت) بالبناء
للفاعل والمفعول (ورقها) برفع القاف ونصبها في
اليونينية قال ابن عمر (فوقع في نفسي النخلة) ولأبي ذر
أنها النخلة (فكرهت أن أتكلم وثم) بفتح المثلثة وهناك
(أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- هيبة منهما وتوقيرًا
(فلما لم يتكلما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: هي النخلة فلما خرجت مع أبي قلت: يا
أبتاه) بسكون الهاء في الفرع كأصله وفي غيرهما بالضم
(وقع في نفسي النخلة) ولأبي ذر عن الكشميهني: إنها
النخلة (قال:
(9/87)
ما منعك أن تقولها لو كنت قلتها كان أحب
إليّ من كذا وكذا) في الرواية الأخرى من حمر النعم
(قال) ابن عمر قلت يا أبتاه (ما منعني إلا أني لم أرك
ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت) ذلك لذلك. قال في الفتح:
وكأن البخاري أشار بإيراد هذا الحديث هنا إلى أن تقديم
الكبير حيث يقع التساوي أما لو كان عند الصغير ما ليس
عند الكبير فلا يمنع من الكلام بحضرة الكبير لأن عمر
تأسف حيث لم يتكلم ولده مع أنه اعتذر له بكونه بحضوره
وحضور أبي بكر ومع ذلك تأسف على كونه لم يتكلم اهـ.
والحاصل أن الصغير إذا تخصص بعلم جاز له أن يتقدم به
ولا يعدّ ذلك سوء أدب ولا تنقيصًا لحق الكبير، ولذا
قال عمر: لو كنت قلتها كان أحب إليّ.
وهذا الحديث قد سبق في مواضع.
90 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ
وَالْحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ. وَقَوْلِهِ
تَعَالَى:
{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ
تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ *
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ
بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
فِى كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ} [الشعراء: 224 - 227].
قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ.
(باب ما يجوز) أن ينشد (من الشعر) وهو الكلام المقفى
الموزون قصدًا والتقييد بالقصد مخرج ما وقع موزونًا
اتفاقًا فلا يسمر شعرًا (و) ما يجوز من (الرجز) بفتح
الراء والجيم بعدها زاي وهو نوع من الشعر عند الأكثر
فعلى هذا يكون عطفه على الشعر من عطف الخاص على العام
واحتج
القائل بأنه ليس بشعر بأنه يقال فيه راجز لا شاعر وسمي
رجزًا لتقارب أجزائه واضطراب اللسان به يقال: رجز
البعير إذا تقارب خطوه واضطراب لضعف فيه (و) ما يجوز
من (الحداء) بضم الحاء وتخفيف الدال المفتوحة
المهملتين يمد ويقصر سوق الإبل بضرب مخصوص والغناء
ويكون بالرجز ْغالبًا، وأول من حدا الإبل عبد لمضر بن
نزار بن معد بن عدنان كان في إبل لمضر فقصر فضربه مضر
على يده فأوجعه فقال: يا يداه يا يداه، وكان حسن الصوت
فأسرعت الإبل لما سمعته في السير فكان ذلك مبدأ الحداء
رواه ابن سعد بسند صحيح عن طاوس مرسلاً، وأورده البزار
موصولاً عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض ويلحق به
غناء الحجيج المشوق للحج بذكر الكعبة البيت الحرام
وغيرها من المشاعر العظام وما يحرض أهل الجهاد على
القتال ومنه غناء المرأة لتسكيت الولد في المهد (و)
بيان (ما يكره) إنشاده (منه) من الشعر والجائز من
الشعر ما لم يكثر منه في المسجد وخلا عن الهجو وعن
الإغراق في المدح والكذب المحض فالتغزل بمعين لا يسوغ.
(وقوله تعالى) بالجر عطفًا على السابق ({والشعراء})
مبتدأ خبره ({يتبعهم الغاوون}) أي لا يتبعهم على
باطلهم وكذبهم وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ومدح
من لا يستحق المدح والهجاء ولا يستحسن ذلك منهم إلا
الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو
المشركون، وسمى الثعلبي من شعراء المشركين: عبد الله
بن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع بن عمرو، وأمية
بن أبي الصلت. قال: الزجاج إذا مدح أو هجا شاعر بما لا
يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون ({ألم تر})
ولأبي ذر وقوله ألم تر ({أنهم في كل واد}) من الكلام
({يهيمون}) خبر أن أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في
كل لغو وباطل يخوضون، كما يأتي قريبًا عن ابن عباس إن
شاء الله تعالى، والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له
وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى
يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأبخلهم على حاتم، وعن
الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
فقال: قد وجب عليك الحدّ فقال: قد درأ الله الحدّ عني
بقوله: ({وأنهم يقولون ما لا يفعلون}) حيث وصفهم
بالكذب والخلف في الوعد ثم استثنى الشعراء المؤمنين
الصالحين بقوله ({إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات})
كعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن زهير،
وكعب بن مالك ({وذكروا الله كثيرًا}) يعني كان ذكر
الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر، وإذا قالوا
شعرًا قالوه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة
والموعظة والزهد والأدب، ومدح رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة وصلحاء الأمة
ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب ({وانتصروا}) وهجوا ({من بعد
ما ظلموا}) هجوا
(9/88)
أي ردوا هجاء من هجا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين وأحق الخلق
بالهجاء من كذب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهجاه. وعن كعب بن مالك أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له:
"اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل" وكان
يقول لحسان: "قل وروح القدس معك" وختم السورة بما يقطع
أكباد المتدبرين وهو قوله: ({وسيعلم}) وما فيه من
الوعيد البليغ وقوله ({الذين ظلموا}) وإطلاقه وقوله
({أي منقلب ينقلبون}) [الشعراء: 224 - 225 - 226 -
227] وإبهامه. قال ابن عطاء: سيعلم المعرض عنا ما الذي
فاته منا، وقوله أي نصب بينقلبون على المصدر لا بسيعلم
لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي ينقلبون
أي انقلاب، وسياق الآية إلى آخر السورة ثابت في رواية
كريمة والأصيلي، ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله
{الغاوون} أن قال إلى آخر السورة. ثم قال: وقوله
{وأنهم} وذكر إلى آخر السورة كذا في الفرع وأصله، وفيه
أيضًا على قوله {وأنهم} إلى آخر السورة علامة السقوط
لأبي ذر أيضًا. وقال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني:
ووقع في رواية أبي ذر بين قوله {يهيمون} وبين قوله
{أنهم يقولون} لفظ وقوله وهي زيادة لا يحتاج إليها.
(قال ابن عباس) في تفسير قوله {في كل واد يهيمون} فيما
وصله ابن أبي حاتم والطبري (في كل لغو يخوضون).
6145 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو
بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ
الْحَكَمِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ أَخْبَرَهُ أَنَّ
أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ
مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي
مولى بني أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه
(قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن) بن
الحارث بن هشام المخزومي (أن مروان بن الحكم) بن أبي
العاص بن أمية أبا عبد الملك الأموي المدني ولي
الخلافة في آخر سنة أربع وستين ومات سنة خمس في رمضان
وله ثلاث أو إحدى وستون لا تثبت له صحبة (أخبره أن عبد
الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف بن
زهرة الزهري ولد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أخبره أن أبي بن كعب) سيد القراء الأنصاري
الخزرجي (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(إن من الشعر حكمه) أي قولاً صادقًا مطابقًا للحق،
وقيل كلامًا نافعًا يمنع من الجهل والسفه، وإذا كان في
الشعر حكمة كالمواعظ والأمثال التي تنفع الناس فيجوز
إنشاده بلا ريب.
والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة في الأدب.
6146 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: بَيْنَمَا النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِى إِذْ
أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ
فَقَالَ:
هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِى
سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأسود بن قيس) العبدي
ويقال العجلي الكوفي أنه (قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم
وسكون النون ابن عبد الله بن سفيان البجلي الصحابي
(يقول: بينما) بالميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يمشي) وفي رواية ابن عيينة عن الأسود عن
جندب كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في غار وفي رواية ابن شعبة عن الأسود عند
الطيالسي وأحمد خرج إلى الصلاة (إذ أصابه حجر فعثر)
بفتح العين المهملة والمثلثة أي سقط (فدميت) بفتح
الدال المهملة وكسر الميم وفتح التحتية (إصبعه فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متمثلاً يقول عبد
الله بن رواحة:
(هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت) بكسر
التاء الفوقية في آخر القسمين على وفق الشعر. وقال
الكرماني والتاء في الرجز مكسورة. وفي الحديث ساكنة،
وقال غيره: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تعمد إسكانها ليخرج القسمين عن الشعر، وردّ
بأنه يصير من ضرب آخر من الشعر وهو من ضروب البحر
الملقب بالكامل، وفي الثاني زحاف جائز، قال القاضي
عياض: وقد غفل بعض الناس فروي دميت ولقيت بغير مدّ
فخالف الرواية ليسلم من الإشكال فلم يصب، وقال في شرح
المشكاة: قوله دميت صفة إصبع أي ما أنت يا إصبع موصوفة
بشيء من الأشياء إلا بأن دميت كأنها لما توجعت خاطبها
على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة مسليًا لها أي
تثبتي على نفسك فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع
سوى أنك دميت، ولم يكن ذلك هدرًا بل كان في سبيل الله
ورضاه، وقد ذكر ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس أن
جعفر بن أبي طالب لما قتل في غزوة مؤتة بعد أن قتل زيد
(9/89)
بن الحارثة وأخذ اللواء عبد الله بن رواحة
فقاتل فأصيبت إصبعه فارتجز وجعل يقول: هل أنت إلا إصبع
الخ وزاد:
يا نفس إلا تقتلي تموتي ... هذي حياض الموت قد صليت
وما تمنيتِ فقد لقيت ... أن تفعلي فعلهما هديت
والصحيح أنه يجوز له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يتمثل بالشعر وينشده حاكيًا له عن غيره.
والحديث مضى في الجهاد.
6147 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ
قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ»:
أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ ...
وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِى الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة
والشين المعجمة المشدّدة ولأبي ذر حدثني بالإفراد محمد
بن بشار قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال:
(حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي
قال: (حدّثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أصدق كلمة قالها الشاعر) ولمسلم من طريق شعبة وزائدة
عن عبد الملك إن أصدق بيت وذلك من وصف المعاني بما
توصف به الأعيان كقولهم: شعر شاعر وخوف خائف، ثم يصاغ
منه أفعل باعتبار ذلك المعنى مبالغة بما يوصف به
فيقال: شعري أشعر من شعره، وخوفي أخوف من خوفه (كلمة
لبيد) بفتح اللام وكسر الموحدة ابن ربيعة بن عامر
العامري الصحابي من فحول الشعراء (ألا) بالتخفيف
استفتاحية (كل شيء) مبتدأ أو مضاف للنكرة مفيد
لاستغراق أفرادها نحو كل نفس ذائقة الموت (ما خلا الله
باطل) خبر المبتدأ أي فانٍ مضمحل وإنما كان أصدق لأنه
موافق لأصدق الكلام وهو قولها {كل من عليها فان}
[الرحمن: 6].
(وكاد) أي قارب (أمية بن أبي الصلت أن يسلم) بضم
التحتية وسكون السين المهملة وكسر اللام أي في شعره
وكان من شعراء الجاهلية، وأدرك مبادئ الإسلام، وبلغه
خبر المبعث، لكنه لم يوفق للإيمان برسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان يتعبد في الجاهلية
وأكثر في شعره من التوحيد، وكان غوّاصًا على المعاني
معتنيًا بالحقائق، ولذا استحسن -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شعره واستزاد من إنشاده، ففي مسلم
عن عمرو بن الشريد بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبعد
التحتية الساكنة دال مهملة عن أبيه قال: ردفت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (هل معك من
شعر أمية شيء)؟ قلت: نعم قال: (هيه) فأنشدته بيتًا
فقال (إن كاد ليسلم). وهيه: كلمة استزادة منوّنة وغير
منوّنة مبنية على الكسر. قال ابن السكيت: إن وصلت
نوّنت. قلت: هيه حدّثنا وأصله إيه فأبدل من الهمزة
هاء.
والحديث سبق في أيام الجاهلية.
6148 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا
لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لِعَامِرِ
بْنِ الأَكْوَعِ أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ
قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا فَنَزَلَ
يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ
تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ...
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا
صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ قَالُوا:
عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ. فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ
اللَّهُ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ
يَا نَبِىَّ اللَّهِ لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ. قَالَ:
فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى
أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ
اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى
النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِى فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ
أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا
هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَىِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ»؟
قَالُوا: عَلَى
لَحْمٍ قَالَ: «عَلَى أَىِّ لَحْمٍ»؟ قَالُوا: عَلَى
لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهْرِقُوهَا
وَاكْسِرُوهَا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: «أَوْ
ذَاكَ». فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ
عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا
لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ
رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا
قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاحِبًا فَقَالَ لِى:
«مَا لَكَ»؟ فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى
زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَالَ:
«مَنْ قَالَهُ»؟ قُلْتُ: قَالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ
وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ
الأَنْصَارِىُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ
إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ» وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ
إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِىٌّ نَشَأَ
بِهَا مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال:
(حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة الكوفي (عن
يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن
الأكوع) - رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر فسرنا
ليلاً فقال رجل من القوم) هو أسيد بن حضير (لعامر بن
الأكوع) وهو عامر بن سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي
المعروف بابن الأكوع عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع
سنان ويقال أخوه: (لا تسمعنا من هنيهاتك)؟ بضم الهاء
وفتح النون وسكون التحتية وبعد الهاء ألف ففوقية فكاف
ولأبي ذر عن الكشميهني هنياتك بتحتية مشددة مفتوحة
بدلاً من الهاء الثانية أي من كلماتك أو من أراجيزك
(قال) سلمة بن الأكوع: (وكان عامر) أي ابن الأكوع
(رجلاً شاعرًا فنزل يحدو بالقوم) حال كونه (يقول): قال
في الأساس: حدا الإبل حدوًا وهو حادي الإبل وهم حداتها
وحدا بها حداء إذا غنى لها. وقال في الفتح: يؤخذ منه
جميع الترجمة لاشتماله على الشعر والرجز والحداء ويؤخذ
منه أن الرجز من جملة الشعر وقول السفاقسي إن قوله:
(اللهم لولا أنت ما اهتدينا) ليس بشعر ولا رجز لأنه
ليس بموزون ليس كذلك بل هو رجز موزون، وإنما زيد في
أوّله سبب خفيف ويسمى الخزم بالمعجمتين. وقال في
الكواكب: الموزون
(9/90)
لا همّ وقوله لولا أنت ما اهتدينا كقوله
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله (ولا تصدقنا ولا
صلينا ... فاغفر فداء لك) بكسر الفاء والمد مرفوع
منوّن في الفرع. قال المازري: لا يقال لله فداء لك
لأنها كلمة إنما تستعمل لتوقع مكروه بشخص فيختار شخص
آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه فهو مجاز عن الرضا
كأنه قال: نفسي مبذولة لرضاك أو وقعت هنا مخاطبة لسامع
الكلام وقوله: (ما اقتفينا). ما اتبعنا أثره. وقال ابن
بطال: المعنى اغفر لنا ما ارتكبنا من الذنوب وفداء لك
دعاء أي أفدنا من عقابك على ما اقترفنا من ذنوبنا كأنه
قال: اغفر لنا وافدنا فداء لك أي من عندك فلا تعاقبنا
به، وحاصله أن جعل اللام للتبيين مثل هيت لك (وثبت
الإقدام إن لاقينا) العدوّ كقوله تعالى: {وثبت أقدامنا
وانصرنا} [البقرة: 250] (وألقين سكينة علينا ... ) مثل
قوله {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}
[الفتح: 26] (إنا إذا صيح بنا}) بكسر
الصاد المهملة وسكون التحتية بعدها حاء مهملة أي إذا
دعينا للقتال (أتينا ... ) من الإتيان (وبالصياح)
بالصوت العالي والاستغاثة (عوّلوا علينا ... ) لا
بالشجاعة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يرحمه الله. فقال رجل
من القوم) هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (وجبت) له
الشهادة (يا نبي الله) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ما كان يدعو لأحد بالرحمة يخصه بها إلا
استشهد (لولا) هلا (أمتعتنا) أبقيته لنا لنتمتع (به)
ولغير أبي ذر لو أمتعتنا (قال) سلمة: (فأتينا) أهل
(خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا) ولأبي ذر عن الكشميهني
فأصابتنا (مخمصة) مجاعة (شديدة ثم إن الله) تعالى
(فتحها عليهم) حصنًا حصنًا (فلما أمسى الناس اليوم)
ولأبي ذر عن الكشميهني مساء اليوم (الذي فتحت عليهم
أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما هذه النيران على أي شيء
توقدون؟ قالوا): نوقدها (على لحم. قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (على أي لحم) أي على أي
أنواع اللحوم (قالوا: على لحم حمر إنسية) بكسر الهمزة
وسكون النون وللكشميهني الحمر ولأبي ذر الأنسية بإثبات
ال فيهما وفتح نون الأنسية والهمزة (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهرقوها) بفتح
الهمزة وسكون الهاء وبعد الراء المكسورة قاف من غير
تحتية بينهما في الفرع وأصله، ولأبي ذر هريقوها بإسقاط
الهمزة وفتح الهاء وإثبات تحتية ساكنة بعد الراء ففي
الرواية الأولى الهاء زائدة وفي الأخرى منقلبة عن
الهمزة أي صبوها (واكسروها. فقال رجل) أي يسم أو هو
عمر (يا رسول الله أو) بسكون الواو (نهريقها) بضم
النون وإثبات التحتية بعد الراء (ونغسلها؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أو ذاك) بسكون
الواو أي الغسل (فلما تصاف القوم) للقتال (كان سيف
عامر) أي ابن الأكوع (فيه قصر) بكسر القاف وفتح الصاد
(فتناول به يهوديًا) وفي غزوة خيبر ساق يهودي (ليضربه
ويرجع) بلفظ المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني فرجع
بالفاء ولفظ الماضي (ذباب سيفه) أي طرفه الأعلى أو حده
(فأصاب ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا) رجعوا من خيبر
(قال سلمة) بن الأكوع (رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاحبًا) بالشين المعجمة وبعد
الألف حاء مهملة مكسورة فموحدة متغير اللون (فقال لي:
ما لك) متغيرًا (فقلت: فدى لك أبي وأمي زعموا أن
عامرًا حبط عمله) بكسر الموحدة لكونه قتل نفسه (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من قاله؟ قلت:
قاله فلان وفلان وفلان) ثلاثًا (وأسيد بن الحضير) بضم
الهمزة والحضير بضم المهملة وفتح الضاد المعجمة ولأبي
ذر حضير (الأنصاري، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذب من قاله إن له لأجرين) أجر
الجهد في الطاعة وأجر الجهاد في سبيل الله (وجمع)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين إصبعيه إنه
لجاهد مجاهد) بكسر الهاء فيهما (قلّ عربي نشأ) بالنون
والشين المعجمة والهمزة، ولأبي ذر عن الكشميهني: مشى
بالميم والمعجمة والقصر (بها) بالمدينة
(9/91)
أو الحرب أو الأرض (مثله) أي مثل عامر.
والحديث سبق في غزوة خيبر.
6149 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى
قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -
قَالَ: أَتَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ
سُلَيْمٍ فَقَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ
رُوَيْدَكَ
سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ:
فَتَكَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بَعْضُكُمْ
لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَوْقَكَ
بِالْقَوَارِيرِ. [الحديث 6149 - أطرافه في: 6161،
6202، 6209، 6210، 6211].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
إسماعيل) ابن علية قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن
أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس
بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بعض نسائه ومعهن أم
سليم) أم أنس، وفي رواية حماد بن زيد في باب المعاريض
أنه كان في سفر ومن طريق شعبة عند الإسماعيلي والنسائي
وكان معهم سائق وحاد، وفي رواية وهيب وأنجشة غلام
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسوق بهن
(فقال):
(ويحك يا أنجشة) بفتح الهمزة والجيم بينهما نون ساكنة
وبعد الجيم شين معجمة فهاء تأنيث وكان حبشيًّا يكنى
أبا مارية (رويدك سوقًا) ولأبي ذر عن الحموي سوقك
(بالقوارير) وسقط من الفرع التنكزي لفظ سوقك وسوقًا
وعلى إثباته الشراح وهو الذي في اليونينية ورويدك مصدر
والكاف في موضع خفض أو اسم فعل والكاف حرف خطاب وسوقك
بالنصب على الوجهين، والمراد حدوك إطلاقًا لاسم المسبب
على السبب، وقال ابن مالك: رويدك اسم فعل بمعنى أرود
أى أمهل والكاف المتصلة به حرف خطاب وفتحة داله
بنائية، ولك أن تجعل رويدك مصدرًا مضافًا إلى الكاف
ناصبًا سوقك وفتحة داله على هذا إعرابية، واختار أبو
البقاء الوجه الأول، والقوارير جمع قارورة سميت بذلك
لاستقرار الشراب فيها، وكنى عن النساء بالقوارير من
الزجاج لضعف بنيتهن ورفتهن ولطافتهن، وقيل شبههن
بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على
الوفاء كالقوارير يسرع الكسر إليها ولا تقبل الجبر أي
لا تحسن صوتك، فربما يقع في قلوبهن فكفه عن ذلك، وقيل
أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت
فأزعجت الراكب ولم يؤمن على النساء السقوط، إذا مشت
رويدًا أمن على النساء، وهذا من الاستعارة البديعة لأن
القوارير أسرع شيء تكسرًا فأفادت الكناية من الحض على
الرفق بالنساء في السير ما لم تفده الحقيقة لو قال:
ارفق بالنساء. وقال في شرح المشكاة: هي استعارة لأن
المشبه به غير مذكور والقرينة حالية لا مقالية ولفظ
الكسر ترشيح لها.
(قال أبو قلابة): عبد الله الجرمي بالسند السابق
(فتكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه) ثبت لفظ بها
لأبي ذر (قوله سوقك بالقوارير).
قال في الكواكب فإن قلت: هذه استعارة لطيفة بليغة فلم
تعاب؟ وأجاب: بأنه لعله نظر إلى أن شرط الاستعارة أن
يكون وجه الشبه جليًا بين الأقوام وليس بين القارورة
والمرأة وجه شبه ظاهر، والحق أنه كلام في غاية الحسن
والسلامة عن العيوب، ولا يلزم في الاستعارة أن يكون
جلاء وجه الشبه من حيث ذاتهما، بل يكفي الجلاء الحاصل
من القرائن كما في المبحث فالعيب في العائب:
وكم من عائب قولاً صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم
قال: ويحتمل أن يكون قصد أبي قلابة أن هذه الاستعارة
تحسن من مثل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في البلاغة ولو صدرت ممن لا بلاغة له
لعبتموها قال: وهذا هو اللائق بمنصب أبي قلابة. وقال
الداودي: هذا قاله أبو قلابة لأهل العراق لما كان
عندهم من التكلف ومعارضة الحق بالباطل.
ومطابقة الأحاديث لما ترجم عليه ظاهرة. فإن قلت: قد
نفى الله تعالى عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في كتابه أن يكون شاعرًا وفي الأحاديث أنه
أنشد الشعر واستنشده. أجيب: بأن المنفي في الآية إنشاء
الشعر لا إنشاده ويقال لمن قاله متمثلاً أو جرى على
لسانه موزونًا من غير قصد أنه شاعر، وقد دل غير ما
حديث على جواز وقوع الكلام منه منظومًا من غير قصد إلى
ذلك، ولا يسمى مثل ذلك شعرًا ولا القائل به شاعرًا،
وقد وقع كثير من ذلك في القرآن العظيم لكن غالبه أشطار
أبيات، والقليل منه وقع وزن بيت تام وللعلامة الشهاب
أبي الطيب الحجازي قلائد النحور في جواهر البحور
(9/92)
ذكر فيها ما استخرج من القرآن العزيز مما
جاء على أوزان البحور اتفاقًا.
فمن ذلك قوله مما هو من البحر الطويل:
أيا من طويل الليل بالنوم قصروا ... أنيبوا وكونوا من
أناس به تاهوا
وإن شئتموا تحيوا أميتوا نفوسكم ... ولا تقتلوا النفس
التي حرم الله
ومن البحر الوافر:
صدور الجيش يظفركم إله ... بوافر سهمكم بالكافرين
ويخزهمو وينصركم عليهم ... ويشف صدور قوم مؤمنين
ومن الكامل:
مات ابن موسى وهو بحر كامل ... فهناكمو جمع الملائك
مشترك
يأتيكم التابوت فيه سكينة ... من ربكم وبقية مما ترك
ومن الرمل:
أيها الأرمل إن رمت عفافًا ... فتزوج من نساء خيرات
مسلمات مؤمنات قانتات ... تائبات عابدات سائحات
ومن مجزوّ الرمل:
أسعدوا المرمل تجزوا ... ذاك أولى ما تعدون
لن تنالوا البر حتى ... تنفقوا مما تحبون
ومن السريع:
يا أهل دين الله بشراكمو ... أقر مولاكم به عينكم
إذ أنزل الله على المصطفى ... اليوم أكملت لكم دينكم
ومن الخفيف:
لا تدع اليتيم يومًا وكن في ... شأنه كله رؤوفًا رحيما
أرأيت الذي يكذب بالدين ... فذلك الذي يدع اليتيما
ومن المضارع:
وضارع أهيل خير ... تنل من رب يقينا
جنانًا مزخرفات ... وهم فيها خالدون
ومن المجتث:
اجتث قلبي بذنبي ... والله خيرًا يريد
وكيف أخشى ذنوبي ... وهو الغفور الودود
وفي فتح الباري: جملة من الآيات من هذا المعنى، وكان
الأولى بي ترك ذلك لكن جرى القلم بما حكم والله أسأل
الرشاد إلى طريق السداد، وأن يختم لي بالإسلام والسنّة
في عافية بلا محنة وأن يفر كربي.
91 - باب هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ
(باب) استحباب (هجاء المشركين) أي ذمهم في الشعر
والهجاء والهجو بمعنى يقال هجوته بالواو ولا يقال
هجيته بالياء.
6150 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ،
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هِجَاءِ
الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَكَيْفَ بِنَسَبِى»؟
فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا
تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.
وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ،
فَقَالَتْ: لاَ تَسُبُّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا
عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان
قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله
عنها-) أنها (قالت:
استأذن حسان بن ثابت) بن المنذر بن حرام بن عمرو بن
زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري
الخزرجي ثم النجاري شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمه الفريعة بالفاء والعين
المهملة مصغرًا خزرجية أيضًا أدركت الإسلام فأسلمت
وبايعت. قال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاث: كان
شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام النبوّة، وشاعر
اليمن كلها في الإسلام، وكان يهجو الذين كانوا يهجون
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
واستأذن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في هجاء المشركين) ذمهم في شعره (فقال) له
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فكيف
بنسبي) أي فكيف تهجوهم ونسبي فيهم فربما يصيبني شيء من
الهجو (فقال حسان: لأسلنك منهم) لأتلطفن في تخليص نسبك
من هجوهم بحيث لا يبقى جزء من نسبك فيما ناله الهجو
(كما تسل الشعرة من العجين) فإنها لا يبقى عليها منه
شيء وذلك بأن يهجوهم بأفعالهم وبما يختص عاره بهم.
والحديث مرّ في المغازي، وأخرجه مسلم
(9/93)
في الفضائل.
(وعن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بالسند
السابق أنه (قال: ذهبت أسب حسان) بن ثابت (عند عائشة)
-رضي الله عنها- لموافقته لأهل الإفك (فقالت: لا تسبه
فإنه كان ينافح) بضم التحتية وفتح النون وبعد الألف
فاء فحاء مهملة يدافع ويخاصم (عن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والمراد بالمنافحة هنا
هجاء المشركين ومجازاتهم على أشعارهم.
6151 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنِى عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّ الْهَيْثَمَ بْنَ أَبِى سِنَانٍ
أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِى
قَصَصِهِ يَذْكُرُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ
يَقُولُ: الرَّفَثَ» يَعْنِى بِذَاكَ ابْنَ رَوَاحَةَ
قَالَ:
فِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا
انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ...
بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِى جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا
اسْتَثْقَلَتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ
تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَقَالَ الزُّبَيْدِىُّ: عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ
وَالأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالغين المعجمة ابن الفرج أبو
عبد الله المصري وهو من إفراده قال: (أخبرني) بالإفراد
(عبد الله بن وهب) المصري قال: (أخبرني) بالإفراد
(يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (أن الهيثم بن أبي سنان) المدني (أخبره أنه سمع
أبا هريرة) -رضي الله عنه- (في قصصه) بفتح القاف
والصاد الاسم وبكسر القاف جمع قصة والقص في الأصل
البيان (يذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول: إن أخًا لكم لا يقول الرفث) بالمثلثة
أي الفحش (يعني) أبو هريرة (بذلك ابن رواحة) وهو عبد
الله بن رواحة بفتح الراء والواو وبعد الألف حاء مهملة
ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو الأنصاري الخزرجي
الشاعر المشهور وليس له عقب من السابقين
الأوّلين من الأنصار وهو أحد النقباء ليلة العقبة شهد
بدرًا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة (قال) يمدح النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فينا) ولأبي ذر:
وفينا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) (يتلو كتابه). القرآن.
(إذا انشق معروف من الفجر ساطع) مرتفع صفة لمعروف أي
أنه يتلو كتاب الله وقت انشقاق الوقت الساطع من الفجر
(أرانا الهدى بعد العمى) بعد الضلالة (فقلوبنا به)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (موقنات أن ما
قال) من أمور الغيب (واقع).
(يبيت) حال كونه (يجافي) يرفع (جنبه عن فراشه) كناية
عن تهجده (إذا استثقلت بالمشركين) ولغير الكشميهني
بالكافرين (المضاجع) وهذه الأبيات من البحر الطويل.
والحديث سبق في باب فضل من تعارّ من الليل من التهجد.
(تابعه) أي تابع يونس (عقيل) بضم العين ابن خالد في
روايته (عن الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله الطبراني
في الكبير (وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد
بن الوليد الشامي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد)
بكسر العين ابن المسيب (والأعرج) عبد الرحمن بن هرمز
كلاهما (عن أبي هريرة) فيما وصله البخاري في تاريخه
الصغير والطبراني أيضًا.
6152 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ
ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ
فَيَقُولُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ
هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ أَجِبْ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح)
كذا في بعض الفروع المعتمدة.
(وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد
(أخي) أبو بكر واسمه عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال
(عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي وأبو عتيق
كنية جده محمد (عن ابن شهاب) كذا في بعض الفروع
المعتمدة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع
حسان بن ثابت الأنصاري) -رضي الله عنه- حال كونه
(يستشهد أبا هريرة) -رضي الله عنه- يطلب منه الإخبار
(فيقول: يا أبا هريرة نشدتك بالله) بنون وشين معجمة
مفتوحتين من غير ألف ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
نشدتك الله بإسقاط حرف الجرّ من الجلالة الشريفة
والنصب أي أقسمت عليك بالله (هل سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يا حسان أجب) دافعًا أو أجب الكفار (عن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ هجوه وأصحابه
ولما كان الهجو في المشركين والطعن في أنسابهم مظنة
الفحش في الكلام وبذاءة اللسان، وذلك يؤدي أن يتكلم
بما يكون عليه لأنه احتاج للتأييد من الله وأن يطهره
من ذلك فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(اللهم أيّده) قوّه (بروح القدس) جبريل عليه السلام
(قال أبو هريرة: نعم) سمعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول ذلك.
والحديث سبق في باب الشعر في المسجد من كتاب الصلاة.
6153 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ
الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِحَسَّانَ:
«اهْجُهُمْ» أَوْ قَالَ: «هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ
مَعَكَ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري
(9/94)
(عن البراء) -رضي الله عنه- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لحسان) بن
ثابت:
(اهجهم) بهمزة وصل وسكون الهاء وضم الجيم ثم الهاء (أو
قال): (هاجهم) بفتح الهاء وألف بعدها وكسر الجيم
والهاء بالشك من الراوي (وجبريل معك) بالتأييد
والمعاونة.
والحديث سبق في بدء الخلق.
92 - باب مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى
الإِنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ
(باب ما يكره أن يكون الغالب) بالنصب كما في الفرع خبر
كان (على الإنسان الشعر) بالرفع اسمها ويجوز العكس
(حتى يصده) أي الشعر (عن ذكر الله والعلم والقرآن).
6154 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى،
أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَمْتَلِئَ
جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ
يَمْتَلِئَ شِعْرًا».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن
باذام العبدي الكوفي قال: (أخبرنا حنظلة) بن أبي سفيان
الجمحي القرشي (عن سالم) هو ابن عبد الله (عن ابن عمر
-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لأن يمتلئ) بلام التأكيد وأن المصدرية في موضع رفع
على الابتداء (جوف أحدكم قيحًا) نصب على التمييز
والقيح المدة لا يخالطها دم وخبر المبتدأ قوله (خير له
من أن يمتلئ شعرًا) ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص
بما لم يكن حقًّا، وأما الحق فلا. كمدح الله ورسوله
وما يشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا
إفراط فيه، وحمله ابن بطال على الشعر الذي هجي به
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وتعقبه
أبو عبيد بأن الذي هجي به النبي لو كان شطر بيت كان
كفرًا قال: والوجه عندي أن يمتلئ قلبه منه حتى يغلب
عليه فيشغله عن القرآن والذكر فأما إذا كان الغالب
القرآن
والذكر عليه فليس جوفه بممتلئ من الشعر. نعم أخرج أبو
يعلى الموصلي عن جابر مرفوعًا "لأن يمتلئ جوف أحدكم
قيحًا أو دمًا خير له من أن يمتلئ شعرًا هجيت به" وفي
سنده راوٍ لم يعرف، وأخرجه الطحاوي وابن عدي من رواية
الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث الباب. قال:
فقالت عائشة لم يحفظ إنما قال: أن يمتلئ شعرًا هجيت
به. قال في الفتح: وابن الكلبي واهي الحديث وشيخه أبو
صالح ليس هو السمان المتفق على تخريجه في الصحيح عن
أبي هريرة بل هو آخر ضعيف يقال له باذان فلم تثبت هذه
الزيادة. وقال السهيلي: إن قلنا بما قالته عائشة من
تخصيص النهي بمن يمتلئ جوفه من شعر هجي به -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليس في الحديث إلا عيب
امتلاء الجوف منه فلا يدخل في النهي رواية اليسير على
سبيل الحكاية ولا الاستشهاد به في اللغة، وحينئذٍ فلا
يكفر قائله ولا فرق بينه وبين الكلام الذي ذموا به
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
6155 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ
قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ
شِعْرًا».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص
بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي
(قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا يريه) ظاهره كما في بهجة
النفوس أن المراد الجوف كله وما فيه من القلب وغيره،
أو المراد القلب خاصة وهو الأظهر لأن أهل الطب يزعمون
أن القيح إذا وصل إلى القلب شيء منه وإن كان يسيرًا
فإن صاحبه يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف
من الكبد والرئة. وعند الطحاوي والطبراني من حديث عوف
بن مالك: لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته
قيحًا يتخضخض خير له من أن يمتلئ شعرًا وسنده حسن،
ويريه بفتح التحتية وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة،
ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يريه بزيادة حتى، ونسبها
بعضهم للأصيلي فعلى حذف حتى مرفوع وعلى ثبوتها بالنصب.
وذكر ابن الجوزي أن جماعة من المبتدئين يقرؤونها
بالنصب مع إسقاط حتى جريًا على المألوف وهو غلط إذ ليس
هنا ما ينصب، وقال الزركشي: رواه الأصيلي بالنصب على
بدل الفعل من الفعل وأجرى إعراب يمتلئ على يريه ومعناه
كما في الصحاح يأكله، وقيل معناه أن القيح يأكل جوفه،
وقيل يصيب رئته. وتعقب بأن الرئة مهموزة العين. وأجيب:
بأنه لا يلزم من كون الأصل مهموزًا أن لا يستعمل
مسهلاً قال: في الفتح: ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم
لهذا
(9/95)
الحديث سبب ولفظه: بينما نحن نسير مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعرج إذ
عرض لنا شاعر ينشد فقال: أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ جوف
أحدكم قيحًا (خير من) ولأبي ذر عن الكشميهني له من (أن
يمتلئ شعرًا) وهذا الزجر إنما هو لمن أقبل على الشعر
وتشاغل له عن تلاوة القرآن والذكر والعبادة وألحق أبو
عبد الله بن أبي جمرة بامتلاء
الجوف بالشعر المذموم المشغل عن الواجبات والمستحبات
الامتلاء من السجع مثلاً ومن كل علم مذموم كالسحر
وغيره من العلوم.
والحديث أخرجه مسلم في الطب وابن ماجة في الأدب.
93 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَرِبَتْ يَمِينُكَ وَعَقْرَى حَلْقَى
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
تربت) أي افتقرت (يمينك) أو هي كلمة يراد بها التحريض
على الفعل لا الدعاء أو يراد بها المبالغة في المدح
كقولهم للشاعر قاتله الله لقد أجاد (وعقرى) أي عقرها
الله (حلقى) أصابها وجع في حلقها.
6156 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ
أَخَا أَبِى الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَىَّ بَعْدَ
مَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ آذَنُ
لَهُ، حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ أَخَا أَبِى
الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِى، وَلَكِنْ
أَرْضَعَتْنِى امْرَأَةُ أَبِى الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ
عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِى وَلَكِنْ
أَرْضَعَتْنِى امْرَأَتُهُ قَالَ: «ائْذَنِى لَهُ
فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ» قَالَ
عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ:
حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ
النَّسَبِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله
بن بكير الحافظ المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد
الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن
عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: إن أفلح أخا أبي
القعيس) بضم القاف وفتح العين المهملة وبعد التحتية
الساكنة سين مهملة عم عائشة من الرضاعة وفي رواية
لمسلم أفلح بن أبي قعيس وكذا عند البغوي من وجه آخر
(استأذن) أن يدخل (علي) بتشديد التحتية (بعد ما نزل)
ولأبي ذر بعدما أنزل (الحجاب فقلت: والله لا آذن له)
أن يدخل عليّ (حتى أستأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه (فإن أخا أبي القعيس ليس هو
أرضعني ولكن أرضعتني) بالفوقية الساكنة قبل النون
(امرأة أبي القعيس) قال في الفتح: لم أعرف اسمها (فدخل
عليّ) بتشديد التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له: (يا رسول الله إن
الرجل) أخا أبي القعيس (ليس هو) الذي (أرضعني ولكن
أرضعتني امرأته قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(ائذني له) في الدخول عليك (فإنه عمك) من الرضاعة
(تربت يمينك) فأثبت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عمومة الرضاع وألحقها بالنسب. ومطابقة
الحديث لبعض الترجمة ظاهرة لا خفاء فيها، والحديث سبق
في النكاح.
(قال عروة) بن الزبير بالسند السابق: (فبذلك) أي بسبب
ما ذكر في هذا الحديث (كانت عائشة) -رضي الله عنها-
(تقول: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب) ومبحث هذا
سبق.
6157 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -
قَالَتْ: أَرَادَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْفِرَ فَرَأَى صَفِيَّةَ عَلَى
بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً لأَنَّهَا
حَاضَتْ فَقَالَ: «عَقْرَى حَلْقَى -لُغَةُ قُرَيْشٍ-
إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا» ثُمَّ قَالَ: «أَكُنْتِ
أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ» -يَعْنِى الطَّوَافَ-
قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: «فَانْفِرِى إِذًا».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا الحكم) بن عتيبة بضم العين
وفتح الفوقية وبعد التحتية الساكنة موحدة الكندي
مولاهم فقيه الكوفة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود)
بن يزيد النخعي الكوفي (عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت: أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن ينفر) بكسر الفاء يرجع من الحج (فرأى
صفية) بنت حيي (على باب خبائها) بكسر الخاء المعجمة
وبعد الموحدة ألف فهمزة ممدودًا أي خيمتها (كئيبة) من
الكآبة أي سيئة الحال (حزينة لأنها حاضت) ولم تطف طواف
الوداع فظنت أنه كطواف الزيارة في تمام الحج أنه لا
يجوز تركه مع العذر وظن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنها لم تطف الزيارة (فقال) لها:
(عقر حلقى) على وزن فعلى بفتح الفاء مقصورًا وحقهما
التنوين ليكونا مصدرين أي عقرها الله عقرًا وحلقها
حلقًا وهو دعاء لكنه (لغة قريش) يطلقونه ولا يريدون
وقوعه بل عادتهم التكلم بمثله على سبيل التطلف وضبطه
أبو عبيد في غريب الحديث بالقصر وبالتنوين، وذكر في
الأمثال أنه في كلام العرب بالمدّ وفي كلام المحدثين
بالقصر ولأبي ذر عن المستملي لفظة بالفاء والمعجمة
منوّنًا بدل قوله لغة ولأبي ذر لقريش (إنك لحابستنا)
عن الرحلة إلى المدينة (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستفهمًا (أكنت أفضت يوم النحر
يعني) عليه الصلاة والسلام (الطواف) للزيارة؟ (قالت:
نعم) أفضت (قال) عليه الصلاة والسلام: (فانفري إذًا)
بالتنوين لأن حجك قد تم.
والحديث سبق في باب
(9/96)
إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت من كتاب الحج
وبالله المستعان على التكميل والتوفيق للصواب.
94 - باب مَا جَاءَ فِى زَعَمُوا
(باب ما جاء في زعموا) في حديث أبي قلابة عند أحمد
وأبي داود بإسناد رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا قال:
قيل لأبي مسعود ما سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في زعموا؟ قال: بئس مطية
الرجل، وفي المثل زعموا مطية الكذب، والأصل فيها أن
تقال في الأمر الذي يعلم حقيقته فمن أكثر الحديث بما
لا يتحقق حقيقته لم يؤمن عليه الكذب.
6158 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى
أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّهُ سَمِعَ أَمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ
تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ
فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ
تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَنْ
هَذِهِ»؟
فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ
فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» فَلَمَّا فَرَغَ
مِنْ غَسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ
مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّى
أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ
هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ
يَا أُمَّ هَانِئٍ» قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ
ضُحًى.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ولأبي ذر
عن المستملي ابن يوسف بدل قوله ابن مسلمة وعبد الله بن
يوسف هو أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الحافظ (عن مالك)
الإمام (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم
بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) المدني (أن أبا
مرة) بضم الميم وتشديد الراء يزيد (مولى أم هانئ)
فاختة (بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي
طالب) -رضي الله عنها- (تقول: ذهبت إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) بمكة
(فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال):
(من هذه فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال):
(مرحبًا بأم هانئ) أي لاقت رحبًا وسعة (فلما فرغ) رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من غسله)
بفتح الغين ولأبي ذر بضمها (قام فصلّى ثماني ركعات)
حال كونه (ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف) من صلاته
(قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي) علي بن أبي طالب وهي
شقيقته لكنها خصت الأم لاقتضاء مزيد الشفقة والرعاية
وقولها زعم أي: قال ومثله قول سيبويه في كتابه في
أشياء يرتضيها زعم الخليل، والحاصل أنها قد تطلق ويراد
بها القول وقد أطلقت ذلك أم هانئ في حق علي ولم ينكر
عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه
قاتل) بالتنوين اسم فاعل بمعنى الاستقبال (رجلاً) ففيه
إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل (قد
أجرته) بالراء أي أمنته هو (فلان ابن هبيرة) ويجوز
النصب قيل اسمه الحارث بن هشام المخزومي أو عبد الله
بن أبي ربيعة أو زهير بن أبي أمية كما عند الزبير بن
بكار في النسب (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد أجرنا من أجرت) أمّنا من
أمّنت (يا أم هانئ) فليس لعلي قتله (قالت أم هانئ:
وذاك) أي صلاته الثمان ركعات، ولأبي ذر عن الكشميهني
وذلك باللام (ضحى) أي وقت ضحى.
والحديث سبق في باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحقًا به
من كتاب الصلاة.
95 - باب مَا جَاءَ فِى قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ
(باب ما جاء في قول الرجل) لغيره (ويلك) كلمة عذاب نصب
على المصدر بفعل ملاق له في المعنى دون الاشتقاق ومثله
ويحه وويسه أو على المفعول بتقدير ألزمك الله ويلك،
وقيل أصلها وي كلمة تاؤه فلما أكثر قولهم وي لفلان
وصلوها باللام وقدّروا أنها منها فأعربوها.
6159 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -
رضى الله عنه- أَنَّ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى
رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: «ارْكَبْهَا»،
قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: «ارْكَبْهَا» قَالَ:
إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: «ارْكَبْهَا وَيْلَكَ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ
قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى
بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر
المعجمة البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله
عنه أن النبي رأى رجلاً) أي يسم (يسوق بدنة) ناقة تنحر
بمكة يعني أنها هدي تساق إلى المحرم (فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(اركبها) (قال) الرجل: (إنها بدنة. قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اركبها) (قال) الرجل:
(إنها بدنة. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (اركبها ويلك) بتكرير ذلك ثلاثًا. وقال
له: ويلك تأديبًا له لأجل مراجعته له مع عدم خفاء
الحال عليه أو لم يرد بها موضوعها الأصلي بل جرت على
لسانه في المخاطبة من غير قصد، وقيل غير ذلك كما مرّ
في الحج.
6160 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى
رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ: «ارْكَبْهَا»
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ:
«ارْكَبْهَا وَيْلَكَ» فِى الثَّانِيَةِ أَوْ فِى
الثَّالِثَةِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لأبي ذر بن سعد
(عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان
(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رأى رجلاً) أي يسم (يسوق بدنة) زاد مسلم
مقلدة (فقال له):
(اركبها قال: يا رسول الله إنها بدنة) أي هدي (قال
اركبها ويلك) قالها (في) المرة (الثانية أو في) المرة
(الثالثة) بالشك من الراوي.
والحديث سبق في الحج.
6161 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، وَأَيُّوبَ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سَفَرٍ وَكَانَ
مَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ: أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ
أَنْجَشَةُ يَحْدُو فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيْحَكَ يَا
أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ».
وبه قال:
(9/97)
(حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
حماد) هو ابن زيد (عن ثابت البناني) بضم الموحدة (عن
أنس بن مالك) سقط ابن مالك لأبي ذر قال: حماد أيضًا
(وأيوب) السختياني وفي بعض النسخ ح للتحويل وأيوب (عن
أبي قلابة) عبد الله الجرمي (عن أنس بن مالك) -رضي
الله عنه- أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر وكان معه غلام له أسود)
اللون حبشيًّا حسن الصوت بالحداء (يقال: أنجشة يحدو)
ببعض أمهات المؤمنين ومعهن أم أنس أم سليم (فقال له
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ويحك) بالحاء المهملة كلمة رحمة نصب بإضمار فعل كأنه
قال: ألزمه الله ويحًا ولأبي ذر عن الحموي ويلك كلمة
عذاب كما مرّ. وقال الترمذي: إنهما بمعنى واحد تقول
ويح لزيد وويل لزيد، لكن عند الخرائطي في مساوئ
الأخلاق بسند واه عن عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها في قصة: لا تجزعي من
الويح فإنها كلمة رحمة ولكن اجزعي من الويل (يا أنجشة
رويدك بالقوارير) أي ارفق بالنساء في السير لئلا يسقطن
من شدة الإسراع.
والحديث سبق قريبًا.
6162 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ ثَلاَثًا مَنْ
كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ
أَحْسِبُ فُلاَنًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلاَ أُزَكِّى
عَلَى اللَّهِ أَحَدًا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري
قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد (هو خالد) هو
ابن مهران الحذاء (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه)
أبي بكرة بفتح الموحدة وسكون الكاف نفيع بن الحارث أنه
(قال: أثنى رجل على رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم
أعرفهما (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) خيرًا (فقال) عليه الصلاة والسلام له:
(ويلك قطعت عنق أخيك) بثنائك عليه لأنه أوقعه في
الإعجاب بنفسه الموجب لهلاك دينه وقطع العنق مجاز عن
القتل فهما مشتركان في الهلاك إلا أن هذا ديني قال له
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ويلك الخ
(ثلاثًا) ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(من كان منكم مادحًا) أحدًا (لا محالة) بفتح الميم
والحاء المهملة وتخفيف اللام لا بدّ (فليقل أحسب
فلانًا) كذا وكذا (والله حسيبه) محاسبه على عمله (ولا
أزكي) بهمزة مضمومة (على الله أحدًا) أي لا أشهد على
الله جازمًا أنه عنده كذا وكذا لأنه لا يعرف باطنه أو
لا يقطع به لأن عاقبة أمره لا يعلمها إلا الله
والجملتان اعتراض وقوله (إن كان يعلم) متعلق بقوله
فليقل.
والحديث سبق في الشهادات، وفي باب ما يكره من التمادح.
6163 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ
الأَوْزَاعِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى
سَلَمَةَ، وَالضَّحَّاكِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِىِّ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ
قِسْمًا فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ: رَجُلٌ مِنْ
بَنِى تَمِيمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ:
«وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ» فَقَالَ
عُمَرُ: ائْذَنْ لِى فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ: «لاَ
إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ
مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ
الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ
فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلاَ
يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ
فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى
قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، سَبَقَ
الْفَرْثَ وَالدَّمَ يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ
مِنَ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى
يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ
الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ:
أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَشْهَدُ أَنِّى كُنْتُ
مَعَ عَلِىٍّ، حِينَ قَاتَلَهُمْ فَالْتُمِسَ فِى
الْقَتْلَى فَأُتِىَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِى
نَعَتَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن إبراهيم) بن
ميمون أبو سعيد المعروف بدحيم بن اليتيم قال: (حدّثنا
الوليد) بن مسلم أبو العباس الدمشقي (عن الأوزاعي) عبد
الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (والضحاك) بن شراحيل ويقال شرحبيل
المشرقي بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء
بعدها قاف الهمداني ومشرق بطن من همدان (عن أبي سعيد)
سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: بينا)
بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقسم ذات يوم قسمًا) بكسر القاف مصححًا عليه في الفرع
كأصله وسكون السين المهملة وكان تبرًا بعثه علي بن أبي
طالب (فقال ذو الخويصرة) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو
وكسر الصاد المهملة مصغرًا نافع أو حرقوص بن زهير (رجل
من بني تميم: يا رسول الله اعدل) في القسمة (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ويلك) دعاء عليه (من يعدل إذا لم أعدل فقال عمر) -رضي
الله عنه-: يا رسول الله (ائذن لي فلأضرب عنقه) بكسر
اللام والجزم جواب الشرط ولأبي ذر فلأضرب بالنصب
فالفاء سببية ينصب بعدها المضارع (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) تضرب عنقه (إن له
أصحابًا) يصومون النهار ويقومون الليل (يحقر) بفتح
أوّله وكسر القاف (أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع
صيامهم يمرقون) يخرجون سريعًا (من الدين) الإسلامي من
غير حظ ينالهم منه أو المراد بالدين الطاعة للإمام
(كمروق السهم من الرمية) الصيد المرمي ولشدة سرعة خروج
السهم من الرمية لقوة ساعد الرامي لا يعلق بالسهم من
جسد الصيد شيء (ينظر) مبني للمفعول (إلى نصله) أي إلى
حديده
(9/98)
(فلا يوجد فيه) في النصل (شيء) من الصيد
ولا غيره (ثم) ولأبي ذر (ينظر إلى نضيه) بفتح النون
وكسر الضاد المعجمة وتشديد التحتية وهي القدح أي عود
السهم (فلا يوجد فيه شيء) من الدم ولا غيره (ثم ينظر
إلى قذذه) بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى ريشه
(فلا يوجد فيه شيء سبق) ولأبي ذر قد سبق أي السهم
(الفرث) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والمثلثة ما
يجتمع في الكرش (والدم) فلم يظهر أثرهما فيه كما أن
هؤلاء لا يتعلقون من الإسلام بشيء (يخرجون على حين
فرقة) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها نون
وفرقة بضم الفاء أي على زمان افتراق، ولأبي ذر عن
الكشميهني: على خير فرقة بالخاء المعجمة المفتوحة وبعد
التحتية الساكنة راء أي أفضل فرقة بكسر الفاء طائفة
(من الناس) علي بن أبي طالب وأصحابه (آيتهم) بمد
الهمزة علامتهم (رجل) اسمه نافع أو ذو الخويصرة (إحدى
يديه) بالتحتية أوّله تثنية يد (مثل ثدي المرأة)
بالمثلثة وسكون الدال المهملة (أو) قال: (مثل البضعة)
بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة وفتح العين المهملة
القطعة من اللحم (تدردر) بفتح الفوقية والدالين
المهملتين بينهما راء ساكنة وآخره راء أيضًا وأصله
تتدردر فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا أي تتحرك.
(قال أبو سعيد) الخدري بالسند السابق (أشهد لسمعته) أي
الحديث (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأشهد أني كنت مع علي) -رضي الله عنه- (حين قاتلهم)
بالنهروان بقرب المدائن (فالتمس) بضم الفوقية مبنيًّا
للمفعول أي طلب الرجل المذكور (في القتلى) فوجد (فأتي
به) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول إلى عليّ فإذا هو (على
النعت الذي نعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي على الوصف الذي وصفه به، والفرق بين
الصفة والنعت أن النعت يكون بالحلية كالطويل والقصير
والصفة بالأفعال نحو ضارب وخارج، وحينئذٍ لا يقال الله
منعوت بل يقال موصوف، وقيل: النعت ما كان لشيء خاص
كالعرج والعمى والعور لأن ذلك يخص موضعًا من الجسد
والصفة ما لم تكن لشيء مخصوص كالعظيم والكريم فلذلك
قال أبو سعيد هنا على نعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فافهم فإن فيه دقة. وقال الجوهري
والمجد الشيرازي: الصفة كالعلم والسواد وأما النحويون
فلا يريدون بالصفة هذا لأن الصفة عندهم هي النعت
والنعت هو اسم الفاعل نحو ضارب، والمفعول نحو مضروب
وما يرجع إليهما من طريق المعنى.
والحديث سبق في علامات النبوّة.
6164 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو
الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا
الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ:
«وَيْحَكَ» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِى فِى
رَمَضَانَ قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» قَالَ: مَا
أَجِدُهَا قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»
قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ
مِسْكِينًا» قَالَ: مَا أَجِدُ فَأُتِىَ بِعَرَقٍ
فَقَالَ: «خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ» فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِى فَوَالَّذِى
نَفْسِى بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَىِ الْمَدِينَةِ
أَحْوَجُ مِنِّى فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ:
«خُذْهُ».
تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ وَيْلَكَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي
المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
المروزي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال:
(حدثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن
حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رجلاً) قيل هو سلمة بن صخر أو سلمان بن
صخر أو أعرابي (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله هلكت) أي فعلت
ما هو سبب هلاكي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- له:
(ويحك) مالك (قال: وقعت على أهلي) أي جامعت زوجتي (في
رمضان. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أعتق
رقبة. قال: ما أجدها قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (فصم شهرين متتابعين. قال: لا أستطيع.
قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فأطعم
ستين مسكينًا) بهمزة قطع مفتوحة وكسر العين أعم من
الفقير (قال: ما أجد) وفي حديث ابن عمر قال: والذي
بعثك بالحق ما أشبع أهلي (فأتي) بضم الهمزة النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعرق) بفتح
العين والراء بعدها قاف والعرق المكتل يسع خمسة عشر
صاعًا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(خذه فتصدق به) أي بالتمر
الذي فيه (فقال: يا رسول الله أعلى غير أهلي فوالذي
نفسي بيده ما بين طنبي) بطاء مهملة ونون مضمومتين
وموحدة مفتوحة تثنية طنب واحد أطناب الخيمة فاستعاره
للطرف وللناحية. وقال في الكواكب: شبه المدينة بفسطاط
مضروب وحرتيها بالطنبين أراد ما بين لابتي (المدينة
أحوج)
(9/99)
ولأبي ذر عن الكشميهني أفقر (مني فضحك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت
أنيابه) تعجبًا وهي وسط الأسنان، ولا منافاة بين قوله
في الرواية الأخرى نواجذه لظهورها عند الضحك وقد يطلق
كل منهما على الآخر (قال): ولأبي ذر وقال: (خذه) وله
عن الكشميهني ثم قال: أطعمه أهلك أي من تلزمك نفقته أو
زوجتك أو مطلق أقاربك.
والحديث سبق في الصيام.
(تابعه) أي تابع الأوزاعي (يونس) بن يزيد الأيلي في
روايته (عن الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله البيهقي
وقال: ويحك وما ذاك. (وقال عبد الرحمن بن خالد) الفهمي
أمير مصر لهشام بن عبد الملك في روايته (عن الزهري)
وقال: (ويلك) بدل (ويحك). وهذا وصله الطحاوي من طريق
الليث حدثني عبد الرحمن فذكره.
6165 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَمْرٍو الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ
الزُّهْرِىُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ
اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ -رضى
الله عنه- أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَخْبِرْنِى عَنِ الْهِجْرَةِ؟ فَقَالَ
«وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ، فَهَلْ
لَكَ مِنْ إِبِلٍ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ
تُؤَدِّى صَدَقَتَهَا»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
«فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ
لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن عبد الرَّحمن) بن عيسى
الدمشقي ابن بنت شرحبيل أبو أيوب قال: (حدّثنا الوليد)
بن مسلم الدمشقي قال: (حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين
عبد الرحمن (الأوزاعي) بالزاي قال: (حدثني) بالإفراد
(ابن شهاب) محمد بن مسلم (الزهري عن عطاء بن يزيد
الليثي) المدني نزيل الشام (عن أبي سعيد الخدري -رضي
الله عنه- أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله أخبرني عن
الهجرة) وفي باب الهجرة إلى المدينة أن أعرابيًّا سأل
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
الهجرة أي أن يبايعه على الإقامة بالمدينة ولم يكن
الأعرابي من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل
الفتح (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(ويحك إن شأن الهجرة) أي القيام بحقها (شديد) لا يقدر
عليه (فهل لك من إبل قال: نعم. قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فهل تؤدي صدقتها)؟ زكاتها (قال:
نعم قال: فاعمل من وراء البحار) من وراء القرى والمدن
سواء كنت مقيمًا في بلدك أو غيرها من أقصى بلاد
الإسلام، وإن كنت أبعد من المدينة والقرية يقال لها
البحرة لاتساعها، وقال في الفتح: ووقع في رواية
الكشميهني من وراء التجار بفوقية ثم جيم قال: وهو
تصحيف (فإن الله لن يترك) بكسر الفوقية أي لن ينقصك
(من)
ثواب (عملك شيئًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لم
يترك بالجازم بدل الناصب وسكون الراء للجزم وفي رواية
ذكرها في الفتح لن يترك بفتح التحتية وسكون الفوقية من
الترك والكاف أصلية.
والحديث سبق في الزكاة والهجرة.
6166 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى عَنِ ابْنِ عُمَرَ
- رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَيْلَكُمْ» -أَوْ
وَيْحَكُمْ- قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ «لاَ
تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ». وَقَالَ النَّضْرُ: عَنْ شُعْبَةَ
وَيْحَكُمْ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي
البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي بالجيم
أبو عثمان المصري الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج
بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري
كان سفيان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث
(عن واقد بن محمد بن زيد) بالقاف والدال المهملة ابن
عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني أنه (قال:
سمعت أبي) محمد بن زيد (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(ويلكم أو ويحكم قال شعبة) بن الحجاج: (شك هو) أي شيخه
واقد بن محمد هل قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ويلكم أو ويحكم (لا ترجعوا بعدي كفارًا
يضرب بعضكم رقاب بعض) لا تكن أفعالكم تشبه أفعال
الكفار في ضرب رقاب المسلمن مستحلين.
(وقال النضر) بالمعجمة الساكنة ابن شميل بضم المعجمة
(عن شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (ويحكم) بالحاء ولم
يشك. (وقال عمر بن محمد) بضم العين أخو واقد المذكور
مما وصله في أواخر المغازي من طريق ابن وهب عن عمر (عن
أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده ابن عمر
(ويلكم أو ويحكم) كقول أخيه واقد قال في الفتح: فدلّ
على أن الشك فيه من محمد بن زيد أو ممن فوقه والله
أعلم.
6167 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً
مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: «وَيْلَكَ
وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا»؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا
إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ:
«إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» فَقُلْنَا: وَنَحْنُ
كَذَلِكَ قَالَ: «نَعَمْ». فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ
فَرَحًا شَدِيدًا فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ
وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِى فَقَالَ: «إِنْ أُخِّرَ
هَذَا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ
السَّاعَةُ». وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ
سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون
الميم القيسي البصري الكلابي قال: (حدّثنا همام) هو
ابن يحيى العوذي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي
الله عنه- (أن رجلاً من أهل البادية) قال في المقدمة
لم أعرف اسمه، لكن في الدارقطني ما يدل على أنه ذو
الخويصرة اليماني وهو الذي بال في المسجد (أتى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول
الله متى الساعة قائمة)؟ برفع قائمة على أنه خبر
(9/100)
الساعة فمتى ظرف متعلق به وبنصبه على الحال
من الضمير المستكن في متى إذ هو على هذا التقدير خبر
عن الساعة فهو ظرف مستقر، ولما كان سؤال الرجل يحتمل
أن يكون على وجه التعنت وأن يكون على وجه الخوف
فامتحنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حيث (قال) له:
(ويلك ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها) زاد مسلم من
طريق معمر عن الزهري عن أنس من كبير عمل أحمد عليه
نفسي (إلا أني أحب الله ورسوله قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنك مع من أحببت) لما امتحنه
وظهر من جوابه إيمانه ألحقه بمن ذكر، وليس المراد
بالمعية التساوي فإنه يقتضي التسوية في الدرجة بين
الفاضل والمفضول وذلك لا يجوز، بل المراد كونهم في
الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وإن
بَعُدَ المكان لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا
وإذا أرادوا الرؤية والتلاقي قدروا على ذلك. قال أنس
(فقلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالوا (ونحن كذلك)
نكون مع من أحببنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (نعم ففرحنا) بذلك (يومئذ فرحًا شديدًا)
وحق لهم ذلك (فمرّ غلام للمغيرة) بن شعبة الثقفي واسم
الغلام محمد كما في مسلم وقيل سعيد كما عند الباوردي
في الصحابة، وعند ابن سعد الدوسي، وفي مسلم أنه غلام
من أزد شنوءة. قال في الفتح: فيحتمل التعدد أو اسم
الغلام سعد ويدعى محمدًا، وبالعكس، ودوس من أزد شنوءة
فيحتمل أن يكون حالف الأنصار قال أنس: (وكان) الغلام
(من أقراني) مثلي في السن (فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن أخر هذا) الغلام بأن يمت في
صغره (فلن يدركه الهرم) بنصب يدركه بلن، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي فلم يدره بالجزم بلم وأسند الإدراك
للهرم إشارة إلى أن الأجل كالقاصد للشخص (حتى تقوم
الساعة) أي ساعدة الحاضرين عنده -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الداودي: لأنهم كانوا أعرابًا
فلو قال لهم: لا أدري لارتابوا فكلمهم بالمعاريض، وفي
مسلم عن عائشة: كان الأعرابي إذا قدموا على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألوه عن الساعة
متى الساعة فينظر إلى أحدث إنسان منهم سنًّا فيقول: إن
يعش هذا حتى يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم، وهذه
الرواية كما قال القاضي عياض رواية واضحة يفسر بها كل
ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها، أو المراد
المبالغة في تقريبها لا التحديد بأنها تقوم عند بلوغ
المذكور الهرم، وفي رواية البارودي المذكورة بدل قوله
حتى تقوم الساعة لا يبقى منكم عين تطرف وبهذا كما في
الفتح يتضح المراد.
(واختصره) أي هذا الحديث (شعبة) بن الحجاج (عن قتادة)
بن دعامة قال: (سمعت أنسًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر
عن شعبة ولم يسق لفظه، بل أحال على رواية سالم بن أبي
الجعد عن أنس، وساقها أحمد في مسنده عن محمد بن جعفر
بلفظ: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وقال: متى الساعة: قال: (ما أعددت لها)؟
قال: حب الله ورسوله. قال: (أنت
مع من أحببت) ولم يقل ما زاده همام. فقلنا: ونحن كذلك؟
قال: (نعم) ففرحنا يومئذ فرحًا شديدًا فمرّ غلام الخ
.. بل اختصره كما قال المؤلّف.
ومطابقة الأحاديث للترجمة ظاهرة وفيها ما اختلف الرواة
في لفظه هل هو ويل أو ويح؟ وفيها ما جزم فيه بأحدهما
ومجموعها يدل على أن كلاًّ منهما مرجعه ذلك أي أنه
يعرف إن كان المراد الذم أو غيره من السياق لأن في
بعضها الجزم بويل وليس حمله على العذاب بظاهر، والحاصل
أن الأصل في كل منهما ما ذكر وقد يستعمل أحدهما موضع
الآخر.
96 - باب عَلاَمَةِ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل
عمران: 31]
(باب) بيان (علامة حب الله) ولأبي ذر الحب في الله (عز
وجل لقوله) تعالى ({إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله}) [آل عمران: 31] محبة العبد لله إيثاره
طاعته على غير ذلك ومحبة الله للعبد أن يرضى عنه
ويحمده على فعله، وعن الحسن فيما أخرجه ابن أبي حاتم
قال: كان قوم يزعمون أنهم يحبون الله فأراد الله أن
يجعل لقولهم تصديقًا من عمل، فأنزل هذه الآية فمن
ادّعى محبته تعالى وخالف سنّة رسوله فهو كذّاب وكتاب
الله يكذبه، وقيل محبة الله معرفته ودوام
(9/101)
خشيته ودوام اشتغال القلب به وتذكره ودوام
الإنس به، وقيل هي اتّباع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أقواله وأفعاله وأحواله إلا ما
خص به، وقال في الكواكب: يحتمل أن يراد بالترجمة محبة
الله للعبد فهو المحب أو محبته لله فهو المحبوب أو
المحبة بين العباد في ذات الله بحيث لا يشوبها شيء من
الرياء، والآية مساعدة للأولين إذ اتباع الرسول علامة
للأولى لأنها مسببة للاتباع وللثانية لأنها سببية له.
6168 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ
أَحَبَّ». [الحديث 6168 - طرفه في: 6169].
وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون
المعجمة العسكري الفرضي قال: (حدّثنا محمد بن جعفر)
غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش
(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود
-رضي الله عنه- أو هو عبد الله بن قيس أبو موسى
الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه قال):
(المرء مع من أحب) في الجنة بحسن نيته من غير زيادة
عمل لأن محبته لهم كطاعتهم والمحبة من أفعال القلوب
فأثيب على معتقده لأن النية الأصل والعمل تابع لها
وليس من لازم المعية الاستواء في الدرجات.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب.
6169 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى
وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -
رضى الله عنه -: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِى رَجُلٍ أَحَبَّ
قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». تَابَعَهُ جَرِيرُ
بْنُ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، وَأَبُو
عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا جرير)
بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن
مهران (عن أبي وائل) شقيق أنه (قال: قال عبد الله بن
مسعود - رضي الله عنه- جاء رجل إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الرجل هو أبو ذر رواه
أحمد من حديثه أو أبو موسى كما قال في المقدمة (فقال:
يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق
بهم)؟ في العمل والفضل (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(المرء) رجل أو امرأة (مع من أحب) في الجنة مع رفع
الحجب حتى تحصل الرؤية والمشاهدة وكل في درجته.
(تابعه) أي تابع جرير بن عبد الحميد (جرير بن حازم)
البصري فيما وصله أبو نعيم في كتاب المحبين (و) تابعه
أيضًا (سليمان بن قرم) بفتح القاف وسكون الراء فيما
وصله مسلم (و) كذا تابعه (أبو عوانة) الوضاح فيما وصله
أبو عوانة يعقوب في صحيحه فيما رواه الثلاثة (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق (عن عبد
الله) ولم ينسبه كل من أبي نعيم في كتاب المحبين ولا
من بعده (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
6170 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ
أَبِى مُوسَى قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ يُحِبُّ
الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ قَالَ: «الْمَرْءُ
مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان ولأبي ذر:
حدّثنا الأعمش (عن أبي وائل عن أبي موسى) عبد الله بن
قيس الأشعري -رضي الله عنه- كذا صرح به أبو نعيم بأن
عبد الله هو أبو موسى. قال في فتح الباري: وهذا يؤيد
قول بندار أن عبد الله حيث لم ينسبه، فالمراد به في
هذا الحديث أبو موسى وأن من نسبه ظن أنه ابن مسعود
لكثرة مجيء ذلك على هذه الصورة في رواية أبي وائل،
ولكنه هنا خرج عن القاعدة وتبين برواية من صرح بأنه
أبو موسى الأشعري أن المراد بعبد الله عبد الله بن قيس
وهو أبو موسى الأشعري ولم أر من صرح في روايته عن
الأعمش بأنه عبد الله بن مسعود إلا ما وقع في رواية
جرير بن عبد الحميد هذه يعني السابقة في هذا الباب عند
البخاري عن قتيبة عنه.
(قال) أي أبو موسى (قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يا رسول الله (الرجل يحب القوم
ولما يلحق بهم) بالألف بعد الميم المشددة وهي أبلغ من
لم فإن النفي بلما أبلغ لأنه يستمر إلى الحال كقوله:
فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل ... وإلاّ فأدركني ولما
أمزق
فيؤخذ منه هنا أن الحكم ثابت ولو بعد اللحاق. وقال في
الكواكب: وفي كلمة لما إشعار بأنه يتوقع اللحوق يعني
هو قاصد لذلك ساع في تحصيل تلك المرتبة له، وعند مسلم
ولما يلحق بعملهم، وفي حديث صفوان بن عسال عند أبي
نعيم ولم يعمل بمثل عملهم (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المرء مع من أحب) إذ لكل امرئ ما
نوى. قال في الفتح: جمع أبو نعيم الحافظ طرق هذا
الحديث في كتاب المحبين مع المحبوبين وبلغ عدد الصحابة
فيه نحو العشرين، وفي رواية أكثرهم بهذا اللفظ يعني
المرء مع من أحب
(9/102)
وفي بعضها بلفظ حديث أنس مع من أحببت
(تابعه) أي تابع سفيان الثوري (أبو معاوية) محمد بن
خازم بالخاء والزاي المعجمتين (ومحمد بن عبيد) بضم
العين بن نمير كلاهما عن الأعمش فيما وصله مسلم.
6171 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبِى، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ
بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَتَّى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا»؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ
لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ، وَلاَ
صَدَقَةٍ وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان
المروزي قال: (أخبرنا أبي) عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن
الحجاج (عن عمرو بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء
المفتوحة وفتح عين عمرو (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح
الجيم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة واسمه رافع
الكوفي (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رجلاً سأل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متى
الساعة) قائمة (يا رسول الله)؟ قال في الفتح: الرجل هو
ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وحديثه في ذلك
مخرج عند الدارقطني ومن زعم أنه أبو موسى أو أبو ذر
فقد وهم فإنهما وإن اشتركا في معنى الجواب وهو أن
المرء مع من أحب فقد اختلف سؤالهما فإن كلاًّ من أبي
موسى أو أبي ذر إنما سأل عن الرجل يحب القوم ولم يلق
بهم وهذا سأل متى الساعة (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ما أعددت لها)؟ قال في شرح المشكاة: سلك مع السائل
طريق الأسلوب الحكيم لأنه سأل عن وقت الساعة وأيان
مرساها فقيل له: فيم أنت من ذكراها وإنما يهمك أن تهتم
بأهبتها وتعتني بما ينفعك عند إرسائها من العقائد
الحقية، والأعمال الصالحة المرضية. فأجاب حيث (قال: ما
أعددت لها من كثير صلاة) بالمثلثة (ولا صوم) ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي ولا صيام (ولا صدقة، ولكني أحب
الله ورسوله قال: أنت مع من أحببت) أي ملحق بهم وداخل
زمرتهم وزاد أبو نعيم الأصبهاني من طريق سلام بن أبي
الصهباء عن ثابت عن أنس ولك ما احتسبت.
97 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ اخْسَأْ
(باب) بيان (قول الرجل للرجل اخسأ) بسكون الخاء
المعجمة وفتح السين المهملة بعدها همزة ساكنة زجر
وإبعاد لمن قال أو فعل ما لا ينبغي له مما يسخط الله
تعالى أي اسكت سكوت ذل وهوان.
6172 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ سَمِعْتُ
ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاِبْنِ
صَائِدٍ «قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَمَا هُوَ»؟
قَالَ: الدُّخُّ قَالَ: «اخْسَأْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي قال: (حدّثنا سلم بن زرير) بفتح السين
المهملة وسكون اللام وزرير بفتح الزاي وكسر الراء
بعدها تحتية ساكنة فراء أخرى العطاردي قال: (سمعت أبا
رجاء) بالجيم عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام
وبالحاء المهملة العطاردي مشهور بكنيته قال: (سمعت ابن
عباس -رضي الله عنهما-) يقول (قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن صائد) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي لابن صياد بالتحتية المشددة.
(قد خبأت لك خبيئًا) ولأبي ذر خبأ أي أضمرت لك في صدري
وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أضمر له
في صدره الشريف يوم تأتي السماء بدخان مبين كما هو عند
الإمام أحمد (فما هو)؟ (قال) ابن صياد هو (الدخ) أراد
أن يقول: الدخان فلم يستطع أن يتمها على عادة الكهان
من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (اخسأ) وهي
كلمة يزجر بها الكلب ويطرد أي اسكت صاغرًا مطرودًا.
والحديث من أفراده.
6173 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى
سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ
الْغِلْمَانِ فِى أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ، وَقَدْ
قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ فَلَمْ
يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ
قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ»؟ فَنَظَرَ
إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ
الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ:
أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَرَضَّهُ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ
قَالَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ثُمَّ قَالَ
لاِبْنِ صَيَّادٍ: «مَاذَا تَرَى»؟ قَالَ: يَأْتِينِى
صَادِقٌ وَكَاذِبٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُلِّطَ عَلَيْكَ
الأَمْرُ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا»
قَالَ هُوَ الدُّخُّ؟ قَالَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ
قَدْرَكَ» قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَتَأْذَنُ لِى فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ
يَكُنْ هُوَ لاَ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ هُوَ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله
أن) أباه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (أخبره
أن) أباه (عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) دون العشرة (من
أصحابه) -رضي الله عنهم- (قبل) بكسر القاف وفتح
الموحدة جهة (ابن صياد) لما ذكر أن عينه ممسوحة
والأخرى ناتئة فأشفق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يكون هو الدجال (حتى وجده يلعب مع
الغلمان في أطم) بضم الهمزة وسكون الطاء المهملة حصن
(بني مغالة) بفتح الميم والغين المعجمة وبعد الألف لام
مفتوحة مخففة قبيلة من الأنصار (وقد قارب ابن صياد
يومئذ الحلم فلم يشعر) أي ابن صياد (حتى ضرب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره بيده ثم
قال) له:
(أتشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه) ابن صياد (فقال:
أشهد أنك رسول الأميين) العرب (ثم قال ابن صياد) لرسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(9/103)
وَسَلَّمَ- (أتشهد أني رسول الله فرضّه)
بالضاد المعجمة المشددة فدفعه (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى وقع فتكسر يقال رض الشيء فهو
رضيض ومرضوض وقال الخطابي: الصواب الصاد المهملة أي
قبض عليه بثوبه فضم بعضه إلى بعض (ثم قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمنت بالله ورسله ثم
قال لابن صياد) ليظهر كذبه المنافي لدعواه الرسالة
(ماذا ترى؟ قال: يأتيني صادق وكاذب. قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خلط عليك الأمر)
بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي خلط عليك
شيطانك ما يلقي إليك (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني خبأت) أي أضمرت (لك خبيئًا)
شيئًا في صدري، ولأبي ذر: خبأ بسكون الموحدة وإسقاط
التحتية، وعند الطبراني في الأوسط أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خبأ له سورة الدخان وكأنه
أطلق السورة وأراد بعضها (قال) ابن صياد (هو الدخ)
فنطق ببعض الكلمة (قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (اخسأ) بهمزة وصل (فلن تعدو قدرك)
بالفوقية في تعدو فقدرك منصوب به أي لا تتجاوز قدرك
وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء الشيطان
كلمة واحدة من جمل كثيرة أو بالتحتية فمرفوع أي لا
يبلغ قدرك أن تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص
بالأنبياء ولا من قبل الإلهام، وإنما قال ابن صياد: هو
الدخ بما ألقاه الشيطان إما لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم بذلك بينه وبين نفسه فسمعه
الشيطان أو حدّث به بعض أصحابه (قال عمر) -رضي الله
عنه-: (يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه) بالجزم
في أضرب مصححًا عليه في الفرع كأصله جواب الطلب. (قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن
يكن هو) الدجال، ولأبي ذر عن الكشميهني أن يكنه بوصل
الضمير وعلى رواية الفصل فهو تأكيد للضمير المستتر
وكان تامة أو وضع هو موضع إياه أي إن يكن إياه (لا
تسلط عليه) لأن الذي يقتله إنما هو عيسى صلوات الله
وسلامه عليه (وإن لم يكن هو) بفصل الضمير ووصله كما
مرّ (فلا خير لك في قتله) ولم يأذن في قتله مع ادّعائه
النبوّة لأنه كان غير بالغ أو لأنه كان في أيام مهادنة
اليهود أو كان يرجو إسلامه.
6174 - قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِىُّ يَؤُمَّانِ
النَّخْلَ الَّتِى فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- طَفِقَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ
يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ
يَرَاهُ وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ
فِى قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ -أَوْ
زَمْزَمَةٌ- فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَتَّقِى
بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: أَىْ
صَافِ وَهْوَ اسْمُهُ هَذَا مُحَمَّدٌ فَتَنَاهَى
ابْنُ صَيَّادٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ».
(قال سالم): هو ابن عبد الله بن عمر بالإسناد المتقدم
(فسمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي بعد انطلاقه
هو وعمر في رهط (وأبي بن كعب الأنصاري) سقط الأنصاري
لأبي ذر حال كونهما (يؤمّان) يقصدان (النخل التي فيها
ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طفق) بكسر الفاء جعل (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتقي) يخفي نفسه
(بجذوع النخل) بالذال المعجمة حتى لا يراه (وهو) أي
والحال أنه (يختل) بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة
وكسر الفوقية بعدها لام يستغفل (أن يسمع من ابن صياد
شيئًا) من كلامه الذي يقوله في خلوته (قبل أن يراه)
ابن صياد كي يعلم هو وأصحابه أهو كاهن أو ساحر (وابن
صياد مضطجع على فراشه في قطيفة) كساء له خمل (له فيها)
في القطيفة (رمرمة) براءين مهملتين وميمين صوت خفي (أو
زمزمة) بزايين معجمتين وميمين أيضًا ومعناهما واحد أو
صوت تديره العلوج في خياشيهما وحلوقها من غير استعمال
لسان ولا شفة فيفهم بعضها عن بعض والشك من الراوي
(فرأت أم ابن صياد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: أي
صاف وهو اسمه هذا محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فتناهى) عما كان فيه وسكت (ابن صياد. قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو
تركته) أمه بحيث إنه لا يعلم بي (بين) لكم باختلاف
كلماته ما يهون عليكم شأنه أو بيّن ما في نفسه.
6175 - قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِى النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ
أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّى
أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ
أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ،
وَلَكِنِّى سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ
يَقُلْهُ نَبِىٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ
أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَسَأتُ الكَلْبَ بَعَّدْتُهُ،
خَاسِئِينَ مُبْعَدِينَ.
(قال سالم): بالسند المذكور أولاً (قال عبد الله) بن
عمر: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الناس خطيبًا (فأثنى على الله بما هو
أهله ثم ذكر الدجال فقال):
(إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه) ولأبي ذر
أنذره قومه بإثبات الضمير (لقد أنذره نوح قومه) خصّه
بعد التعميم لأن نوحًا أبو البشر الثاني وذريته هم
الباقون في الدنيا (ولكني) بالتحتية بعد النون وسقطت
الواو
(9/104)
لأبي ذر وللكشميهني ولكن بحذف التحتية
(سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه تعلمون)
بالخبر الصدق (أنه أعور) عين اليمنى (وأن الله ليس
بأعور) واختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره فروي
أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا
الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى يراه الناس، وقيل لهم
اشهدوا. وكان ابن
عمر وجابر يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه
فقيل لجابر إنه أسلم فقيل إنه دخل مكة وكان بالمدينة
فقال: وإن دخل مكة. وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن
جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة وهذا يبطل رواية
من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه قاله الخطابي.
(قال أبو عبد الله) المؤلّف (خسأت الكلب) أي (بعدته)
بتشديد العين المهملة (خاسئين) أي (مبعدين) بضم الميم
وسكون الموحدة وفتح العين قاله أبو عبيدة وهو ثابت في
رواية المستملي والكشميهني.
98 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ مَرْحَبًا
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا
السَّلاَمُ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِى» وَقَالَتْ أُمُّ
هَانِئٍ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ
هَانِئٍ».
(باب قول الرجل) لآخر (مرحبًا) بفتح الميم والحاء
المهملة بينهما راء ولأبي ذر عن المستملي باب قول
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرحبًا.
(وقالت عائشة) -رضي الله عنها- (قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفاطمة عليها السلام)
(مرحبًا بابنتي) أي لاقيت رحبًا وسعة وهذا طرف من حديث
وصله من علامات النبوّة (وقالت أم هانئ) فاختة بنت أبي
طالب فيما سبق موصولاً في باب ما جاء في زعموا (جئت
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط
لفظ إلى لأبي ذر (فقال: مرحبًا بأم هانئ) بالموحدة قبل
الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني يا أم هانئ منادى مضاف.
6176 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو
التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ
وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَرْحَبًا
بِالْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا، وَلاَ
نَدَامَى» فَقَالُوا، يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا
حَىٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مُضَرُ
وَإِنَّا لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِى الشَّهْرِ
الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ
الْجَنَّةَ وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا فَقَالَ:
«أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ: أَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا
الزَّكَاةَ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا خُمُسَ
مَا غَنِمْتُمْ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِى الدُّبَّاءِ،
وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ».
وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة قال:
(حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد الثقفي قال: (حدّثنا أبو
التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري (عن أبي جمرة)
بالجيم والراء نضر بن عمران الضبعي البصري (عن ابن
عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما قدم وفد عبد
القيس) بن أفصى بن دعمي وهو أبو قبيلة كانوا ينزلون
البحرين (على النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وكانوا أربعة عشر رجلاً (قال) لهم:
(مرحبًا بالوفد الذين جاؤوا) حال كونهم (غير خزايا)
غير أذلاء ومرحبًا نصب على المصدرية بفعل مضمر أي
صادفوا رحبًا بالضم أي سعة (ولا ندامى) جمع نادم على
غير قياس أو ندمان لغة في نادم فجمعه المذكور على
القياس (فقالوا: يا رسول الله إنّا حي من ربيعة) بن
نزار بن معد بن عدنان (وبيننا وبينك مضر) وفي الإيمان
هذا الحي من كفار مضر (وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر
الحرام) لحرمة القتال فيه عندهم (فأمرنا بأمر فصل)
بالصاد المهملة يفصل بين الحق والباطل (ندخل به) بسببه
(الجنة) إذا قبله الله برحمته (وندعو به من) بفتح
الميم أي الذي استقر (وراءنا) أي خلفنا من قومنا
(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الذي
آمركم به (أربع و) الذي أنهاكم عنه (أربع أقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة) المفروضتين (وصوم رمضان) ولأبي
ذر وصوموا رمضان (وأعطوا) بهمزة قطع (خمُس ما غنمتم)
لأنهم كانوا أصحاب غنائم (ولا تشربوا) ما انتبذ (في
الدباء) اليقطين (والحنتم) الجرار الخضر (والنقير) ما
ينقر في أصل النخلة فيوعى فيه (والمزفت) المطلي بالزفت
لأنه يسرع إليها الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر
بذلك ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي
عن شرب كل مسكر.
والحديث سبق في الإيمان في باب أداء الخُمس من
الإيمان.
99 - باب مَا يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ
(باب ما يدعى الناس بآبائهم) أي دعاء الداعي الناس
بأسماء آبائهم يوم القيامة فما مصدرية والمصدر مضاف
إلى مفعوله والفاعل محذوف.
6177 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْغَادِرُ
يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ:
هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين العمري
(عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إن الغادر) الناقض للعهد الغير الوافي به وثبت لفظ إن
لأبي ذر (يرفع) بضم أوله ولأبي ذر عن الكشميهني ينصب
(له لواء) علم (يوم القيامة) ليعرف به (يقال هذه غدرة)
بفتح الغين المعجمة وسكون الدال المهملة (فلان بن
فلان) باسمه واسم أبيه لأنه أشد في التعريف وأبلغ في
التمييز وفيه
(9/105)
رد على من قال إنه لا يدعى الناس يوم
القيامة إلا بأمهاتهم سترًا على آبائهم قاله الخطابي.
نعم روي ذلك في حديث ابن عباس عند الطبراني لكن بسند
ضعيف جدًّا.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي.
6178 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ، هَذِهِ غَدْرَةُ
فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد
الرحمن الحارثي أحد الأعلام (عن مالك) هو أنس الأصبحي
إمام دار الهجرة (عن عبد الله بن دينار) المدني مولى
ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة
فلان بن فلان) قال في بهجة النفوس: الغدر على عمومه في
الجليل والحقير، وفيه أن لصاحب كل ذنب من الذنوب التي
يريد إظهارها علامة يعرف بها صاحبها. ويؤيده قوله
تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41] وظاهر
الحديث أن لكل غدرة لواء فعلى هذا يكون للشخص الواحد
عدة ألوية بعدد غدراته، والحكمة في نصب اللواء أن
العقوبة تقع غالبًا بضد الذنب، فلما كان الغدر من
الأمور الخفية ناسب أن تكون عقوبته بالشهرة ونصب
اللواء أشهر الأشياء عند العرب اهـ.
وقال غيره وفيه العمل بظواهر الأمور قال في فتح
الباري: وهو يقتضي حمل الآباء على من كان ينسب إليه في
الدنيا لا على من هو في نفس الأمر وهو المعتمد.
100 - باب لاَ يَقُلْ خَبُثَتْ نَفْسِى
هذا (باب) بالتنوين (لا يقل) أحدكم (خبثت نفسي) بفتح
الخاء المعجمة وضم الموحدة بالمثلثة.
6179 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُولَنَّ
أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلَكِنْ لِيَقُلْ،
لَقِسَتْ نَفْسِى».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن
عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي) بفتح
اللام والسين المهملة بينهما قاف مكسورة وهي بمعنى
خبثت لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره
لفظ الخبث واختار اللفظ السالم من البشاعة وقد كان
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه الاسم
الحسن ويتفاءل به ويكره الاسم القبيح ويغيره. قال في
المصابيح: إن صح هذا قدح في قولهم إنه يجوز في كل
لفظين مترادفين أن يوضع أحدهما مكان الآخر.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في اليوم
والليلة.
6180 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى
أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ
يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلَكِنْ
لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن
جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل عن أبيه)
سهل بن حنيف الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي). وعند
أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن هشام بلفظ جاشت بجيم
وشين معجمة بدل خبثت ومعناها غثت بغين معجمة ثم مثلثة
وهو يرجع إلى معنى خبثت، وهذا النهي محمول على الأدب
لا على الإيجاب وكذلك الأمر يقول لقست فإن عبر بما
يؤدي معناه كفى ولكن ترك الأولى.
(تابعه) أي تابع يونس بن يزيد (عقيل) بضم العين وفتح
القاف بالسند المذكور والمتن، ووصلها الطبراني من طريق
نافع بن يزيد عن عقيل بضم العين وفتح القاف بالسند
المذكور والمتن، وهذه المتابعة ساقطة لأبي ذر.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضًا وكذا أبو داود،
وأخرجه النسائي في اليوم والليلة.
101 - باب لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ
هذا (باب) بالتنوين (لا تسبوا الدهر) رواه مسلم بهذا
اللفظ وزاد فإن الله هو الدهر.
6181 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ:
يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ
بِيَدِى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم
المصري واسم أبيه عبد الله ونسبه لجده لشهرته به قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد
الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف
(قال: قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قال الله) تعالى (يسب بنو آدم الدهر) الليل والنهار
بأن يقولوا نحو يا بؤس الدهر أو يا خيبة الدهر لأنهم
كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في
هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر
الله ويضيفون كل حادث
(9/106)
يحدث إلى الدهر والزمان وأشعارهم ناطقة
بشكوى الزمان، وهذا مذهب الدهرية من الكفار والدهرية
المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ثلاثين ألف سنة
يعود كل شيء إلى ما كان عليه، ويزعمون أن هذا قد تكرر
مرات لا تتناهى فكابروا العقول وكذبوا المنقول ووافقهم
مشركو العرب، وإليه ذهب آخرون ولكنهم معترفون ْبوجود
الصانع الإله الحق جل وعز، ولكنهم كانوا ينزهون أن
تنسب إليه المكاره ويضيفونها إلى الدهر فكانوا كذلك
يسبون الدهر، وفي تفسير سورة الجاثية قال الله تعالى:
يؤذيني ابن آدم يسب
الدهر (وأنا الدهر) أي خالقه أو المدبر للأمور أو مقلب
الدهر ولذلك عقبه بقوله (بيدي الليل والنهار). وعند
أحمد من وجه آخر بسند صحيح عن أبي هريرة: "لا تسبوا
الدهر فإن الله تعالى، قال: أنا الدهر الأيام والليالي
إليّ أجدّدها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك" فإذا سب
ابن آدم الدهر على أنه فاعل هذه الأمور عاد السب إلى
الله لأنه هو الفاعل والدهر إنما هو ظرف لمواقع هذه
الأمور فالمعنى أنا مصرف الدهر فحذف اختصارًا للفظ
واتساعًا في المعنى.
والمطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: يسب بنو آدم
الدهر لأن المعنى في الحقيقة يرجع إلى لا تسبوا الدهر
وصرح بذلك في مسلم، والحديث أخرجه مسلم أيضًا.
6182 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،
عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَمُّوا الْعِنَبَ
الْكَرْمَ، وَلاَ تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ». [الحديث 6182 - طرفه
في: 6183].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عياش بن
الوليد) بالتحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال:
(حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد
بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تسموا العنب الكرم) بفتح الكاف وسكون الراء لأنه
يتخذ منه الخمر فكره تسميته به لأن فيها تقريرًا لما
كانوا يتوهمونه من تكريم شاربها (ولا تقولوا خيبة
الدهر) بالخاء المعجمة والموحدة المفتوحتين بينهما
تحتية ساكنة نصب على الندبة كأنه فقد الدهر لما يصدر
عنه مما يكرهه فندبه متفجعًا عليه أو متوجعًا منه أو
هو دعاء عليه بالخيبة. وعند مسلم من طريق العلاء بن
عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وادهراه وادهراه
والخيبة الحرمان والخسران وقد خاب يخيب وهو من إضافة
المصدر إلى الفاعل (فإن الله هو الدهر) أي الفاعل لما
يحدث فيه. قال في بهجة النفوس: لا يخفى أن من سب
الصنعة فقد سب صانعها فمن سب الليل والنهار أقدم على
أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يقع فيهما من الحوادث
وذلك أغلب ما يقع من الناس فلا شيء في ذلك اهـ.
وقال جماعة من المحققين: من نسب شيئًا من الأفعال إلى
الدهر حقيقة كفر ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير
معتقد لذلك فليس بكافر لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل
الكفر في الإطلاق. وقال القاضي عياض: زعم بعض من لا
تحقيق عنده أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر
مدة زمان الدنيا.
102 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ»
وَقَدْ قَالَ: «إِنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِى يُفْلِسُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» كَقَوْلِهِ: «إِنَّمَا
الصُّرَعَةُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ
عِنْدَ الْغَضَبِ» كَقَوْلِهِ: «لاَ مُلْكَ إِلاَّ
لِلَّهِ فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ ثُمَّ
ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضًا فَقَالَ: «{إِنَّ
الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}»
[النمل: 34].
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وفي حديث الباب عن أبي هريرة (إنما الكرم قلب المؤمن)
يقال رجل كرم وامرأة كرم ورجلان كرم ونسوة كرم كله
بفتح الراء وإسكانها بمعنى كريم وصف بالمصدر كعدل وضيف
وليس الحصر في قوله إنما الكرم على ظاهره وإنما المعنى
أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن ولم يرد أن غيره لا
يسمى كرمًا (وقد قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة) رواه
الترمذي لكن بلفظ أتدرون من المفلس قالوا: المفلس فينا
يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المفلس من أمتي
من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم
هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقتص هذا من حسناته وهذا من
حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم
طرح في النار. وليس المراد أن من يفلس في الدنيا لا
يسمى مفلسًا وذلك (كقوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في حديث أبي هريرة السابق (إنما الصرعة
الذي يملك نفسه عند الغضب) و (كقوله لا ملك)
(9/107)
بضم الميم وسكون اللام (إلا الله) ولا صريح
في النفي وإلاّ في الإثبات فيقتضي الحصر ولأبي ذر عن
الكشميهني لا ملك إلا الله تعالى بفتح الميم وكسر
اللام (فوصفه بانتهاء الملك) بضم الميم وهو عبارة عن
انقطاع الملك عنده أي لا ملك بعده فالملك الحقيقي لله
تعالى وقد يطلق على غيره مجازًا كما قال: (ثم ذكر
الملوك أيضًا فقال: {إن الملوك إذا دخلوا قرية
أفسدوها}) [النمل: 34] وهو جمع ملك.
6183 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -
رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيَقُولُونَ الْكَرْمُ
إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ويقولون) الواو عاطفة على محذوف أي لا يقولون الكرم
قلب المؤمن ويقولون (الكرم) شجر العنب فالكرم مبتدأ
محذوف الخبر ويجوز أن يكون خبرًا أي يقولون شجر العنب
الكرم (إنما الكرم قلب المؤمن) لما فيه من نور الإيمان
وتقوى الإسلام، وليس المراد حقيقة النهي عن تسمية
العنب كرمًا بل المراد بيان المستحق لهذا الاسم المشتق
من الكرم، وفي حديث سمرة عند البزار والطبراني
مرفوعًا: إن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم من أجل
ما كرمه الله على الخليقة وأنكم تدعون الحائط من العنب
الكرم الحديث. وقال ابن الأنباري: إنهم سموا العنب
كرمًا لأن الخمر المتخذ منه يحث على السخاء ويأمر
بمكارم الأخلاق حتى قال شاعرهم:
والخمر مشتقة المعنى من الكرم
فلهذا نهى عن تسمية العنب بالكرم حتى لا يسمى أصل
الخمر باسم مأخوذ الكرم، وجعل المؤمن الذي يتقي شربها
ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الاسم الحسن.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضًا.
103 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى
فِيهِ الزُّبَيْرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب قول الرجل) لغيره (فداك) بفتح الفاء والقصر (أبي
وأمي. فيه) أي في هذا القول ما رواه (الزيير) بن
العوّام (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) السابق موصولاً في مناقبه بلفظ جعلت أنا
وعمر بن أبي سلمة يوم الأحزاب في النساء الحديث، وفيه
قول الزبير فلما رجعت جمع لي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبويه فقال: فداك أبي وأمي أي
تفدى بهما، وسقط قوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لغير أبي ذر.
6184 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِىٍّ -
رضى الله عنه - قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفَدِّى أَحَدًا
غَيْرَ سَعْدٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ارْمِ فَدَاكَ
أَبِى وَأُمِّى» أَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح المهملة ابن
مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان)
الثوري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سعد بن إبراهيم)
بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن
شداد) بالشين المعجمة وتشديد الدال الأولى المهملة ابن
الهاد الليثي المدني (عن علي رضي الله عنه) أنه (قال:
ما سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يفدي) بضم التحتية وفتح الفاء وكسر الدال
المهملة المشددة ولأبي ذر عن الكشميهني يفدي بفتح
أوّله وسكون الفاء (أحدًا غير سعد) هو ابن أبي وقاص
-رضي الله عنه- (سمعته يقول) له:
(ارم) قريشًا بالنبل (فداك أبي وأمي) وهذا لا يناف
سماع غيره ففي غيره فقد صح أنه فدى الزبير كما مر لكنه
لا يرد على عليّ -رضي الله عنه- لأنه إنما نفى سماعه
لنفي تفدية غير سعد (أظنه) أي صدور هذا كان (يوم) غزوة
(أُحُد) وذاك في المغازي يوم أحد بالجزم من غير شك.
والحديث قد سبق في المغازي والجهاد.
104 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: جَعَلَنِى اللَّهُ
فِدَاكَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا
وَأُمَّهَاتِنَا.
(باب) جواز (قول الرجل) لمن يحبه من عالم أو غيره
(جعلني الله فداءك) بكسر الفاء والمدّ. (وقال أبو بكر)
الصديق -رضي الله عنه- فيما سبق موصولاً في الهجرة من
حديث أبي سعيد
(للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قال:
إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما
عند الله (فديناك بآبائنا وأمهاتنا).
6185 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ،
فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ
النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمَرْأَةُ وَأَنَّ أَبَا
طَلْحَةَ قَالَ: أَحْسِبُ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ،
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ جَعَلَنِى
اللَّهُ فِدَاءَكَ هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالَ:
«لاَ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ» فَأَلْقَى
أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ
قَصْدَهَا فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَقَامَتِ
الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا
فَرَكِبَا فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ
الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى
الْمَدِينَةِ، قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ
لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا
حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا بشر بن المفضل) بالموحدة المكسورة والمعجمة
الساكنة والمفضل بفتح الضاد المعجمة المشددة ابن لاحق
البصري قال: (حدّثنا يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة
(عن أنس بن مالك أنه أقبل هو وأبو طلحة) زيد بن سهل
الأنصاري عن عسفان إلى المدينة (مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) بنت حييّ أم
المؤمنين حال كونه (مردفها) ولأبي ذر مردفها بالرفع
(9/108)
خبر مبتدأ محذوف (على راحلته، فلما كانوا)
ولأبي ذر عن الكشميهني كان (ببعض الطريق عثرث الناقة)
بفتح العين المهملة والمثلثة (فصرع) بضم الصاد المهملة
أي سقط (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والمرأة) صفية (وأن) بفتح الهمزة (أبا طلحة قال) أنس:
(أحسب اقتحم عن بعيره) بالقاف الساكنة والحاء المهملة
رمى نفسه من غير روية (فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا نبي الله جعلني الله
فداءك) بكسر الفاء والهمزة (هل أصابك من شيء؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا ولكن عليك بالمرأة) صفية فاحفظها وانظر في أمرها
(فألقى أبو طلحة) -رضي الله عنه- (ثوبه على وجهه) حتى
لا يرى صفية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فألوى
بثوبه (فقصد قصدها) أي نحا نحوها ومشى إلى جهتها
(فألقى ثوبه عليها) ليسترها به (فقامت المرأة) صفية
(فشدّ لهما على راحلتهما فركبا) أي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفية (فساروا) أي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (حتى إذا
كانوا بظهر المدينة) أي بظاهرها (أو قال: أشرفوا)
بالشين المعجمة والفاء (على المدينة قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(آيبون) جمع آيب راجعون إلى الله (تائبون) راجعون عما
هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود قاله تعليمًا لأمته أو
تواضعًا (عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها) أي هذه
الكلمات (حتى دخل المدينة).
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: جعلني الله فداءك على
ما لا يخفى، وفيه دليل على جواز ذلك إذ لو كان غير
سائغ لنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قائله ولأعلمه قيل لا يلزم من تسويغ قول ذلك للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسوغ ذلك
لغيره لأن نفسه الشريفة أعز من أنفس القائلين وآبائهم.
وأجيب: بأن الأصل عدم الخصوصية. وفي حديث ابن عمر أنه
قال لفاطمة: (فداك أبوك). وفي حديث ابن مسعود أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه:
(فداكم أبي وأمي). وحديث أنس أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال مثل ذلك للأنصار رواها ابن
أبي عاصم، وأما ما رواه مبارك بن فضالة عن الحسن قال:
دخل الزبير على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو شاك قال: كيف تجدك جعلني الله فداءك
قال ما تركت أعرابيتك بعد؟ فقال الطبري: لا حجة فيه
على المنع لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصحة وعلى
تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع بل فيه إشارة إلى
أنه ترك الأولى في القول للمريض إما بالتأنيس
والملاطفة وإما بالدعاء والتوجع.
والحديث سبق في الجهاد.
105 - باب أَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ
(باب) بيان (أحب الأسماء إلى الله عز وجل).
6186 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ:
وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ
فَقُلْنَا: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلاَ
كَرَامَةَ فَأَخْبَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ».
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال:
(أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا ابن المنكدر)
محمد (عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
ولد) بضم الواو (لرجل) لم أقف على اسمه (منا غلام
فسماه القاسم فقلنا لا نكنيك) فتح النون وسكون الكاف
(أبا القاسم ولا كرامة) نصب أي لا نكرمك كرامة (فأخبر)
بفتح الهمزة والموحدة الرجل (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية قال في الفتح إنها
للأكثر فأخبر بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول النبي (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(سم ابنك عبد الرحمن). وفي حديث مسلم عن ابن عمر
مرفوعًا: "إن أحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله
وعبد الرحمن" وإنما كانا أحب لتضمنهما ما هو واجب لله
تعالى ووصف للإنسان وواجب له وهو العبودية ثم أضيف
العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذين الاسمين
وما يلحق بهما كعبد الرحيم وعبد القادر وشرفت بهذا
التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة.
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان.
106 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا بِاسْمِى وَلاَ تَكْتَنُوا
بِكُنْيَتِى» قَالَهُ أَنَسٌ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سموا) أبناءكم (باسمي) محمد أو أحمد (ولا تكتنوا)
بسكون الكاف وفتح الفوقية وضم النون ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي ولا تكنوا بفتح الكاف والنون
المشدّدة على حذف إحدى التاءين (بكنيتي) بالياء. قال
في الفتح: وللأصيلي بكنوتي بالواو بدل التحتية وهي
بمعناها
(9/109)
تقول كنيته وكنوته معنى والكنية ما أوله أب
أو أم كأبي القاسم وأبي عبد الله وأم الخير والاسم ما
عري عنه (قاله) بالهاء أي ما سبق لأبي الوقت قال
بإسقاط الضمير ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيه (أنس
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما
سبق موصولاً في البيوع وصفة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظ سموا باسمي ولا تكنوا
بكنيتي.
6187 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ،
حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ -
رضى الله عنه - قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ
فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ فَقَالُوا: لاَ نَكْنِيهِ
حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِى وَلاَ
تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد بن
مسربل الأسدي الحافظ البصري أبو الحسن قال: (حدّثنا
خالد) هو ابن عبد الله الواسطي الطحان أحد الأعلام
يقال إنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات بوزنه فضة قال:
(حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد
الرحمن السلمي أبو هذيل الكوفي (عن سالم) هو ابن أبي
الجعد (عن جابر) الأنصاري (رضي الله عنه) أنه (قال ولد
لرجل منا) أي أعرف اسمه (غلام فسماه القاسم فقالوا: لا
نكنيه) بفتح النون وسكون الكاف بأبي القاسم (حتى نسأل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكم
ذلك فسألوه (فقال):
(سموا باسمي ولا تكنوا) بسكون الكاف وضم النون ولأبي
ذر تكنوا بفتح الكاف والنون المشددة (بكنيتي) أبي
القاسم والحديث مر في الخمس.
6188 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَبُو
الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«سَمُّوا بِاسْمِى وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن ابن
سيرين) محمد أنه قال: (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه-
يقول: (قال: قال أبو القاسم-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سموا باسمي ولا تكنوا) بإسكان الكاف ولأبي
ذر ولا تكنوا بفتح الكاف والنون المشدد: (بكنيتي).
6189 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
الْمُنْكَدِرِ، قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله
عنهما وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ
الْقَاسِمَ فَقَالُوا: لاَ نَكْنِيكَ بِأَبِى
الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا فَأَتَى
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت ابن المنكدر)
محمدًا (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي
الله عنهما-) يقول (ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم)
بفتح السين والميم المشددة ولأبي ذر فأسماه بزيادة
همزة مفتوحة وسكون السين (فقالوا) له: (لا نكنيك بأبي
القاسم) بفتح النون وسكون الكاف (ولا ننعمك عينًا) بضم
النون الأولى وسكون الثانية وكسر العين المهملة أي لا
نقر عينك بذلك (فأتى) الرجل (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي قالوه (له) ولأبي
ذر عن الكشميهني فذكروا (فقال) له النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أسم ابنك عبد الرحمن) بهمزة قطع وسكون السين وقد
اختلف في التكني بأبي القاسم فقيل لا يجوز مطلقًا سواء
كان اسمه محمدًا أو أحمد أو لم يكن لظاهر الحديث، وذلك
لأنه لما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يكنى أبا القاسم لأنه يقسم بين الناس من قِبل الله
تعالى ما يوحى إليه وينزلهم منازلهم التي يستحقولها في
الشرف والفضل وقسم الغنائم، ولم يكن أحد منهم يشاركه
في هذا المعنى منع أن يكنى به غيره لهذا المعنى. قال
البيضاوي: هذا إذا أريد به المعنى المذكور، وأما لو
كني به أحد للنسبة إلى ابن له اسمه قاسم أو للعلمية
المجردة جاز ويدل له التعليل المذكور.
الثاني: إن هذا كان في بدء الأمر ثم نسخ فيجوز التكني
به اليوم لكل أحد مطلقًا اسمه محمد وغيره وعلته التباس
خطابه بخطاب غيره ويدل عليه نهيه عنه في حديث أنس
المروي في البيع من البخاري عقب ما سمع رجلاً يقول: يا
أبا القاسم فالتفت إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: لم أعنك. قال القاضي عياض: وهذا مذهب
جمهور السلف وفقهاء الأمصار.
الثالث: أنه ليس بمنسوخ وإنما كان النهي للتنزيه
والأدب لا للتحريم.
الرابع: أن النهي عن الجمع فلا بأس بالكنية وحدها لمن
لا يسمى باسمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لحديث جابر: "من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي ومن
اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي" رواه أبو داود وهو
كقولهم: اشرب اللبن ولا تأكل السمك أي حين شربه فيكون
النهي عن الجمع بينهما.
الخامس: المنع من التسمية بمحمد مطلقًا لحديث أنس
تسمونهم محمدًا ثم تلعنونهم رواه البزار وأبو يعلى
بسند لين وكتب عمر إلى أهل الكوفة لا تسموا أحدًا باسم
نبي، وإنما فعل ذلك إعظامًا لاسم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لئلا ينتهك وكان سمع
رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: يا محمد
(9/110)
فعل الله بك وفعل فدعاه وقال: لا أرى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسب بك
فغيّر اسمه، لكن ورد ما يدل على أن عمر -رضي الله عنه-
رجع عن ذلك وكره مالك التسمية بأسماء الملائكة كجبريل.
107 - باب اسْمِ الْحَزْنِ
(باب) ذكر (اسم الحزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي
بعدها نون ضد السهل واستعمل في الخلق يقال في فلان
حزونة أي في خلقه غلظ وقساوة.
6190 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ»؟ قَالَ:
حَزْنٌ قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ» قَالَ: لاَ أُغَيِّرُ
اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِى قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ:
فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم
بن نصر أبو إبراهيم السعدي المروزي وقيل البخاري قال:
(حدّثنا عبد الرزاق) بن همام اليماني قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن ابن
المسيب) سعيد التابعي الكبير (عن أبيه) المسيب ممن
بايع تحت الشجرة (أن أباه) حزن بن أبي وهب القرشي
المخزومي من المهاجرين (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- له:
(ما اسمك؟ قال: حزن. قال: أنت سهل) وعند الإسماعيلي بل
اسمك سهل (قال: لا أغير اسمًا سمانيه أبي) وفي رواية
أحمد بن صالح عند أحمد فقال: لا السهل يوطأ ويمتهن
وجمع بينهما في الفتح أن كلاًّ منهما فنقل بعض الرواة
ما لم ينقله الآخر (قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة)
أي الصعوبة (فينا بعد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
بعده أي بعد قول جده ذلك، والمعنى كما قال السفاقسي
امتناع التسهيل فيما يريدونه أو الصعوبة في أخلاقهم،
قال الداودي: إلا أن سعيدًا أفضى به ذلك إلى الغضب في
الله.
والحديث من أفراده.
0000 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
وَمَحْمُودٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ
الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ .. بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (ومحمود)
هو ابن غيلان (قالا: حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال:
(أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد (عن ابن
المسيب) سعيد (عن أبيه) المسيب (عن جده) حزن (بهذا)
الحديث السابق. قال في الكواكب: والأمر بتغيير الاسم
أي من حزن إلى سهل لم يكن على وجه الوجوب لأن الأسماء
لم يسم بها لوجود معانيها في المسمى وإنما هي للتمييز
ولو كان للوجوب لم يسغ له أن يثبت عليه وأن لا يغير.
نعم الأولى التسمية بالاسم الحسن وتغيير القبيح إليه
كذلك الأولى أن لا يسمى بما معناه التزكية والمذمة بل
يسمى بما كان صدقًا وحقًّا كعبد الله ونحوه.
108 - باب تَحْوِيلِ الاِسْمِ إِلَى اسْمٍ أَحْسَنَ
مِنْهُ
(باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه).
6191 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: أُتِىَ بِالْمُنْذِرِ
بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ عَلَى
فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ فَلَهَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِشَىْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ
بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَفَاقَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَيْنَ
الصَّبِىُّ»؟ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَا اسْمُهُ»؟ قَالَ:
فُلاَنٌ. قَالَ: «وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ»
فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم
بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو
غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشدّدة
وبعد الألف نون محمد بن مطرّف بكسر الراء المشددة
(قال: حدثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء المهملة
والزاي سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل) بفتح السين
المهملة وسكون الهاء ابن سعد الساعدي (قال: أُتي) بضم
الهمزة وكسر الفوقية (بالمنذر) بضم الميم وسكون النون
وكسر المعجمة (ابن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة
وسكون الياء مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري (إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين ولد)
ليحنكه ويبارك عليه (فوضعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (على فخذه) بالذال المعجمة إكرامًا لأبيه
(وأبو أسيد) والده (جالس فلها) بفتح الهاء في الفرع
كأصله وهي لغة طيىء وبكسرها بوزن علم وهي اللغة
المشهورة أي اشتغل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بشيء بين يديه) عن الصبي فنسيه (فأمر أبو
أسيد بابنه فاحتمل) بضم الفوقية وكسر الميم فرفع (من
فخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فاستفاق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
هو استفعل من أفاق إذا رجع إلى ما كان قد شغل عنه وعاد
إلى نفسه فلم ير الصبي (فقال):
(أين الصبي)؟ (فقال): أبوه (أبو أسيد قلبناه) بفتح
القاف وتخفيف اللام بعدها موحدة ولأبي ذر عن الكشميهني
أقلبناه بزيادة همزة قبل القاف. قال السفاقسي: والصواب
حذفها لكن أثبتها غيره لغة أي رددناه إلى المنزل (يا
رسول الله. قال: ما اسمه؟ قال: فلان) قال الحافظ ابن
حجر: لم أقف على تعيينه فكأنه كان سماه اسمًا ليس
مستحسنًا فسكت عن تعيينه أو سماه فنسيه بعض الرواة
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ليس هذا
الاسم الذي سميته به اسمه الذي
(9/111)
يليق به (ولكن) ولأبي ذر قال: لا ولكن
(اسمه المنذر فسماه) عليه الصلاة والسلام (يومئذ
المنذر) تفاؤلاً أن يكون له علم ينذر به قاله الداودي
ومثله قول الطيبي لعله عليه الصلاة والسلام تفاءل به
ولمح إلى معنى التفقه في الدين في قوله تعالى: {فلولا
نفر من كل فرقة منهم طائفة} إلى قوله: {ولينذروا
قومهم} [التوبة: 122] وسقطت الواو من قوله: ولكن في
رواية أبي ذر.
ومطابقته للترجمة واضحة والحديث أخرجه مسلم في الأدب.
6192 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِى
رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ
اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ: تُزَكِّى نَفْسَهَا
فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: زَيْنَبَ.
وبه قال (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال:
(أخبرنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن
عطاء بن أبي ميمونة) مولى أنس بن مالك (عن أبي رافع)
نفيع المدني ثم البصري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
(أن زينب) هي بنت جحش أم المؤمنين كما في مسلم وأبي
داود أو هي زينب بنت أم سلمة ربيبته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه ابن مردويه في تفسير
سورة الحجرات من طريقها (كان اسمها برّة) بفتح الموحدة
والراء المشدّدة (فقيل تزكي نفسها) لأن لفظ برة مشتق
من البر (فسماها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- زينب) وقد وقع مثل ذلك لجويرية بنت الحارث
أم المؤمنين. رواه مسلم وأبو داود والبخاري في الأدب
المفرد عن ابن عباس بلفظ: كان اسم جويرية برة فحوّل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسمها
فسماها جويرية كره أن يقال خرج من عند برة.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الاستئذان وابن ماجة في
الأدب.
6193 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ
بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَحَدَّثَنِى أَنَّ
جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ»؟
قَالَ: اسْمِى حَزْنٌ قَالَ: «بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ»
قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ
أَبِى قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا
الْحُزُونَةُ بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء
الرازي الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (هشام)
هو ابن يوسف الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد
العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الحميد بن
جبير بن شيبة) بفتح الشين المعجمة والموحدة بينهما
تحتية ساكنة ابن عثمان الحجبي (قال: جلست إلى سعيد بن
المسيب فحدثني) بالإفراد (أن جدّه حزنًا قدم على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تقدم في الباب
السابق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه
أن أباه جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فرواه موصولاً عن أبيه عن جدّه ورواه هنا
عن جده مرسلاً فأسقط أباه وقاعدة البخاري أن الاختلاف
في الوصل والإرسال لا يقدح المرسل في الموصول إذا كان
الذي وصل أحفظ من الذي أرسل كما هنا، فإن الزهري أحفظ
من عبد الحميد والقاعدة عند إمامنا الشافعي أن المرسل
إذا جاء موصولاً من وجه آخر تبين صحة مخرج المرسل
(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحزن:
(ما اسمك؟ قال: اسمي حزن. قال: بل أنت سهل قال: ما أنا
بمغير اسمًا سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت
فينا الحزونة بعد) وفي الحديث أن التغيير ليس على وجه
المنع من التسمي بالقبيح بل على وجه الاختيار فيجوز
تسمية الرجل القبيح بحسن والفاسق بصالح لأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لم يلزم حزنًا لما امتنع من تحويل اسمه إلى سهل بذلك
ولو كان ذلك لازمًا لما أقره على قوله: ما أنا بمغير
اسمًا سمانيه أبي. والله الموفق للصواب. والحديث سبق
قبل هذا الباب.
109 - باب مَنْ سَمَّى بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ
وَقَالَ أَنَسٌ: قَبَّلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِى ابْنَهُ.
(باب من سمى) ابنه أو غيره (بأسماء الأنبياء) عليهم
الصلاة والسلام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (وقال أنس)
فيما سبق موصولاً في الجنائز: (قبل النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إبراهيم يعني ابنه) وهذا
التعليق ثابت في رواية الكشميهني ساقط في غيرها.
6194 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
قُلْتُ لاِبْنِ أَبِى أَوْفَى: رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ
ابْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: مَاتَ صَغِيرًا وَلَوْ قُضِىَ أَنْ يَكُونَ
بَعْدَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَبِىٌّ عَاشَ ابْنُهُ وَلَكِنْ لاَ نَبِىَّ بَعْدَهُ.
وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم هو
محمد بن عبد الله بن نمير فنسبه لجده قال: (حدّثنا
محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي قال:
(حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد البجلي قال: (قلت لابن
أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء عبد
الله الصحابي ابن الصحابي واسم أبي أوفى علقمة: (رأيت
إبراهيم) أي هل رأيت إبراهيم (ابن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال): نعم رأيته، وعند
ابن منده والإسماعيلي قال: نعم كان أشبه الناس به لكنه
(مات صغيرًا) ثم ذكر السبب فقال: (ولو قضي) بضم القاف
وكسر الضاد المعجمة (أن يكون بعد محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبي عاش ابنه) إبراهيم (ولكن لا
نبي بعده) لأنه خاتم النبيين، وعند ابن ماجة من
(9/112)
حديث ابن عباس لما مات إبراهيم ابن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى عليه وقال:
"إن له مرضعًا في الجنة ولو عاش لكان صديقًا نبيًّا"
وفي إسناده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي وهو
ضعيف، ومن طريقه أخرجه ابن منده في المعرفة وقال: إنه
غريب، وعند أحمد وابن منده من طريق السدي عن أنس قال:
إن إبراهيم قد ملأ المهد ولو بقي لكان نبيًّا لكنه لم
يكن ليبقى فإن نبيكم آخر الأنبياء ومثل هذا لا يقال من
قبل الرأي وقد توارد عليه جماعة من الصحابة. وأما
استنكار ابن عبد البر حديث أنس حيث قال بعد إيراده في
التمهيد: لا أدري ما هذا فقد ولد لنوح غير نبي ولو لم
يلد النبي الأنبياء لكان كل أحد نبيًا لأنهم من ولد
نوح ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره لما لا يخفى،
وكأنه سلف النووي -رضي الله عنه- في قوله في تهذيب
الأسماء واللغات، وأما ما روي عن بعض المتقدمين لو عاش
إبراهيم لكان نبيًّا فباطل وجسارة على الكلام على
المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلل. قال الحافظ
ابن حجر: في الإصابة وغيرها: وهو عجيب مع وروده عن
ثلاثة من الصحابة وكأنه لم يظهر له وجه تأويله فأنكره،
وقال في الفتح: ويحتمل أن لا يكون استحضر ذلك
عن الصحابة المذكورين فرواه عن غيرهم ممن تأخر عنهم
فقال ذلك، وجوابه أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع
ولا يظن بالصحابي أن يهجم على مثل هذا بظنه والله
أعلم.
والحديث أخرجه ابن ماجة.
6195 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ
قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ
لَهُ مُرْضِعًا فِى الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة
قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت)
الأنصاري أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب -رضي الله
عنه- (قال: لما مات إبراهيم عليه السلام قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن له مرضعًا) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة تتم
إرضاعه (في الجنة) لأنه لما مات كان ابن ستة عشر شهرًا
رواه ابن منده أو ثمانية عشر شهرًا رواه أحمد في مسنده
عن عائشة، وقيل عاش سبعين يومًا حكاه البيهقي وكانت
وفاته في ربيع الأول، وقيل في رمضان، وقيل في ذي
الحجة، وهذا القول الثالث باطل على القول بأنه مات سنة
عشر لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان في حجة الوداع إلا إن كان مات في آخر ذي الحجة
وعلى القول بأنه عاش سبعين يومًا يكون مات سنة ثمان
والله أعلم.
والحديث سبق في الجنائز.
6196 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الأَنْصَارِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا بِاسْمِى،
وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى، فَإِنَّمَا أَنَا
قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ». وَرَوَاهُ أَنَسٌ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح
الصاد المهملتين السلمي أبي الهذيل الكوفي (عن سالم بن
أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الأشجعي
مولاهم الكوفي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي
الله عنه- وسقط قوله ابن عبد الله الأنصاري لأبي ذر
أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(سموا باسمي) محمد أو أحمد (ولا تكتنوا) بسكون الكاف
بعدها فوقية مفتوحة ولأبي ذر: ولا تكنوا بفتح الكاف
بعدها نون مفتوحة مشددة (بكنيتي) أبي القاسم، ولأبي ذر
عن الكشميهني بكنوتي بالواو بدل الياء ومعناهما واحد
(فإنما أنا قاسم أقسم بينكم) مال الله أي وغيري ليس
بهذه المنزلة فالكنية إنما تكون سبب وصف صحيح في
المكني به والحصر هنا ليس بحصر مطلق بل بالحصر المقيد.
ومباحث الحديث سبقت قريبًا في باب قول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سموا باسمي.
(ورواه) أي الحديث (أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في البيوع وفي صفة
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طريق
حميد عن أنس بلفظ: (سموا اسمي ولا تكتنوا بكنيتي).
6197 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -
رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِى، وَلاَ
تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى، وَمَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ
فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ
صُورَتِى، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا،
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو موسى التبوذكي
قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري
قال: (حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد
المهملتين بعدها تحتية ساكنة فنون عثمان بن عاصم
الأسدي الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(سموا) أبناءكم (باسمي ولا تكتنوا) بسكون الكاف، ولأبي
ذر ولا تكنوا بفتح الكاف بعدها نون مشددة
(9/113)
وأصله تتكنوا فحذفت إحدى التاءين (بكنيتي)
ولأبي ذر عن الكشميهني بكنوتي بالواو (ومن رآني) أي
رأى مثال صورتي (في المنام فقد رآني) قال في شرح
المشكاة: الشرط والجزاء اتحدا فدل على التناهي في
المبالغة أي من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها لا
شبهة ولا ارتياب فيما رأى. وقال غيره: فقد رآني ليس
بجزاء الشرط حقيقة بل لازمه نحو: فليستبشر فإنه قد
رآني والحق أن ما يراه مثال حقيقة روحه المقدسة التي
هي محل النبوّة وما يراه من الشكل ليس هو روح النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا شخصه بل هو
مثال له على التحقيق (فإن الشيطان لا يتمثل) لا يتصوّر
(صورتي) هذا كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم، ولأبي ذر
عن الكشميهني في صورتي.
وبقية المباحث المتعلقة بهذا تأتي إن شاء الله تعالى
بعون الله وقوته في كتاب التعبير: وقوله: ومن رآني الخ
حديث آخر جمعه مع سابقه ولاحقه بالإسناد السابق (ومن)
ولأبي ذر فمن بالفاء بدل الواو (كذب عليّ متعمدًا
فليتبوأ مقعده) أي فليتخذ موضعًا لمقامه (من النار)
وتقدّم في كتاب العلم شيء من مباحثه والله الموفق.
6198 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ،
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِى
غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ
فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ
وَدَفَعَهُ إِلَىَّ. وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِى
مُوسَى.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن دكين أبو كريب
الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن
أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء
وبعد التحتية الساكنة دال
مهملة (ابن أبي بردة عن) جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة
وسكون الراء عامر وقيل الحارث (عن أبي موسى) عبد الله
بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: ولد لي غلام
فأتيت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فسماه إبراهيم فحنكه) أي دلك سقف فمه (بتمرة) بعد أن
مضغها عقب تسميته إبراهيم كاسم خليل الله (ودعا له
بالبركة ودفعه إليّ) بتشديد التحتية (وكان) إبراهيم
هذا (أكبر ولد أبي موسى) قال في الفتح: وهذا يشعر بأن
أبا موسى كني قبل أن يولد له وإلاّ فلو كان الأمر على
ذلك لكني بابنه إبراهيم المذكور ولم ينقل أنه كان يكنى
أبا إبراهيم، والحديث مرّ في العقيقة.
6199 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ
سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ:
انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ.
رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي قال: (حدّثنا زائدة حدّثنا زياد بن علاقة)
بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وبالقاف الثعلبي قال:
(سمعت المغيرة بن شعبة) الثقفي شهد الحديبية وولي
الكوفة غير مرة -رضي الله عنه- (قال: انكسفت الشمس يوم
مات إبراهيم) ابن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سنة عشر كما جزم به الواقدي وقال: يوم
الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الأول (رواه) أي هذا
الحديث (أبو بكرة) نفيع (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في الكسوف لكن
ليس فيه يوم مات إبراهيم، وفي هذه الأحاديث جواز
التسمية بأسماء الأنبياء، وقد ثبت عن سعيد بن المسيب
أنه قال: أحب الأسماء إلى الله تعالى أسماء الأنبياء.
110 - باب تَسْمِيَةِ الْوَلِيدِ
(باب) حكم (تسمية الوليد) بفتح الواو وكسر اللام بعدها
تحتية ساكنة فدال مهملة.
6200 - أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ
دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ: لَمَّا رَفَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ:
«اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ،
وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى
رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ مِنَ
المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى
مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ
كَسِنِى يُوسُفَ».
وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو نعيم الفضل
بن دكين) سقط لأبي ذر الفضل بن دكين قال: (حدّثنا ابن
عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن
سعيد) أي ابن المسيب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
أنه (قال: لما) بتشديد الميم (رفع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه من الركعة قال) بعد
قوله سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد:
(اللهم أنج الوليد) بقطع همزة أنج مفتوحة مجزوم بالطلب
وكسر للساكنين (ابن الوليد) بن المغيرة المخزومي (و)
أنج (سلمة بن هشام) أخا أبي جهل بن هشام (و) أنج (عياش
بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل لأمه (و) أنج (المستضعفين
بمكة من المؤمنين) من عطف العام على الخاص وسقط قوله
من المؤمنين من اليونينية: (اللهم اشدد) بهمزة وصل
(وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة ثم
همزة أي اشدد بأسك أو عقوبتك (على) كفار قريش أولاد
(مضر) بن نزار بن معد بن عدنان (اللهم اجعلها) أي
الموطأة أو الأيام أو السنين وقد نصوا على جواز عود
الضمير على المتأخر لفظًا ورتبة إذا كان مخبرًا عنه
بخبر يفسره كقوله: {إن هي إلا حياتنا الدنيا}
[الأنعام: 29]
(9/114)
وما نحن فيه من هذا القبيل أي واجعل السنين
(عليهم سنين كسني يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام في
القحط وبلوغ غاية الجهد والضراء، وموضع الترجمة قوله:
الوليد بن الوليد على ما لا يخفى.
وأما حديث ابن مسعود عند الطبراني نهى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسمي الرجل
عبده أو ولده حربًا أو برة أو وليدًا فسنده ضعيف
جدًّا. وفي حديث معاذ بن جبل عند الطبراني أيضًا قال:
خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فذكر حديثًا فيه قال الوليد: اسم فرعون
هادم شرائع الإسلام يبوء بدمه رجل من أهل بيته وسنده
ضعيف جدًّا وفسر بالوليد بن يزيد بن عبد الملك لفتنة
الناس به حتى خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت الفتن على
الأمة بسبب ذلك وكثر فيهم القتل.
وحديث الباب مرّ في باب يهوي بالتكبير من كتاب الصلاة.
111 - باب مَنْ دَعَا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ مِنِ اسْمِهِ
حَرْفًا
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:
لِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«يَا أَبَا هِرٍّ».
(باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفًا) بتخفيف قاف
فنقص (وقال أبو حازم) سلمان الأشجعي الكوفي مما وصله
المؤلّف في الأطعمة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال
لي النبي) ولأبي ذر عن أبي هريرة عن النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا أبا هرّ) بكسر الهاء
وتشديد الراء وفي اليونينية بفتحها فنقل اللفظ من
التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير فهو وإن كان
نقصانًا من اللفظ ففيه زيادة في المعنى قاله ابن بطال.
6201 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -
رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَائِشَ
هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» قُلْتُ
وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ:
وَهْوَ يَرَى مَا لاَ نَرَى.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم أنه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد
الرحمن) بن عوف (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام) بفتح الشين من عائش
ويجوز ضمها وبإسقاط هاء التأنيث على الترخيم، وهذا
ونحوه يجوز ترخيمه مطلقًا مما هو علم كفاطمة أو غير
علم كجارية زائدًا على ثلاثة أحرف أو كان على ثلاثة
فقط كشاة تقول: يا فاطم ويا جاري ويا شا، ومنه قاله يا
شا ادجني بحذف ياء التأنيث للترخيم، وأما ما ليس بمؤنث
بالهاء فلا يرخم إلا بشرط أن يكون
رباعيًّا فأكثر وأن يكون علمًا وأن لا يكون مركبًا
تركيب إضافة ولا إسناد، وذلك كعثمان وجعفر فنقول: يا
عمّ ويا جعف فلا يرخم نحو زيد وقائم وقاعد وعبد شمس
وشاب قرناها وما ركب تركيب مزج فيرخم بحذف عجزه فتقول
فيمن اسمه معد يكرب يا معدي (قلت) ولأبي ذر قالت
(وعليه السلام ورحمة الله. قالت: وهو) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يرى ما لا ترى) ولأبي ذر: أرى
بالهمز بدل النون والرؤية أمر يخلقه الله في الرائي
فإن خلقها فيه رأى، وإلاّ فلا فلذا اختص بها -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رؤية جبريل حينئذ دون
عائشة.
والحديث مرّ في المناقب.
6202 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى
قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ:
كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِى الثَّقَلِ وَأَنْجَشَةُ
غُلاَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَسُوقُ بِهِنَّ فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَنْجَشَ،
رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي
الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن
خالد قال: (حدّثنا أيوب) هو السختياني (عن أبي قلابة)
عبد الله بن زيد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال:
كانت أم سليم) هي أم أنس (في الثقل) بفتح المثلثة
والقاف متاع المسافر (وأنجشة) الحبشي (غلام النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسوق بهن)
بالنساء (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يا أنجش) بإسقاط الهاء وفتح الشين المعجمة وضمها
مرخمًا (رويدك سوقك بالقوارير) أي لا تعجل في سوق
النساء فإنهن كالقوارير في سرعة الانفعال والتأثر.
والحديث مرّ في باب ما يجوز من الشعر.
112 - باب الْكُنْيَةِ لِلصَّبِىِّ وَقَبْلَ أَنْ
يُولَدَ لِلرَّجُلِ
(باب) جواز (الكنية للصبي) وسقط باب لغير أبي ذر
فالكنية رفع (و) جواز الكنية (قبل أن يولد للرجل)
ولأبي ذر عن الكشميهني قبل أن يلد الرجل.
6203 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِى
أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ
فَطِيمٌ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا
عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»؟ نُغَرٌ كَانَ
يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ
فِى بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى
تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ
وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد
الوارث) بن عبد الحميد الثقفي (عن أبي التياح) يزيد بن
حميد (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس
خلقًا) بضم الخاء المعجمة وقال: هذا توطئة لقوله (وكان
لي أخ) من أمه أم سليم (يقال له أبو
عمير) بضم العين وفتح الميم ابن أبي طلحة زيد بن سهل
الأنصاري وكان اسمه عبد الله فيما جزم به الحاكم أبو
أحمد، وقيل اسمه حفص
(9/115)
كما عند ابن الجوزي في الكنى مات على عهد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعن أنس
قال: كان لأبي طلحة ابن يشتكي فخرج أبو طلحة في بعض
حاجاته فقبض الصبي الحديث وهذا هو الصبي المقبوض قال
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "بارك الله لكما
في ليلتكما" فولدت له بعد ذلك عبد الله بن أبي طلحة
فبورك فيه وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
الفقيه وإخوته كانوا عشرة كلهم حمل عنه العلم (قال:
أحسبه) أظنه (فطيم) بالرفع صفة لقوله لي أخ وأحسبه
اعتراض بين الصفة والموصوف أي مفطوم بمعنى فصل رضاعه
ولأبي ذر فطيمًا بالنصب مفعولاً ثانيًا لأحسب (وكان)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا جاء)
إلى أم سليم (قال) لأبي عمير يمازحه:
(يا أبا عمير ما فعل النغير) تصغير نغر بضم النون وفتح
النون المعجمة (كان يلعب) أي يتلهى (به) أبو عمير وكان
قد مات وحزن عليه والنغير طائر يشبه العصفور وقيل فراخ
العصافير قال عياض والراجح أنه طائر أحمر المنقار وفي
رواية ربعي فقالت أم سليم: ماتت صعوته التي كان يلعب
بها فقال النبي: يا أبا عمير ما فعل النغير قال أنس:
(فربما حضر) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط) بكسر
الموحدة (الذي تحته فيكنس وينضح) مبنيان للمفعول
والنضح بالضاد المعجمة ثم الحاء المهملة الرش بالماء
(ثم يقوم) عليه الصلاة والسلام (ونقوم خلفه فيصلّي
بنا).
وفي الحديث جواز تكنية الصغير، والحديث مطابق للجزء
الأول من الترجمة، وقول صاحب الفتح والركن الثاني
مأخوذ بالإلحاق بطريق الأولى، تعقبه في عمدة القاري
فقال: هذا كلام غير موجه لأن جواز التكني للصبي لا
يستلزم التكني للرجل قبل أن يولد له فكيف يصح الإلحاق
به فضلاً عن الأولوية؟ والظاهر أنه لم يظفر بحديث على
شرطه مطابق للجزء الثاني فلذلك لم يذكر له شيئًا. وقال
ابن بطال: بناء اللقب والكنية إنما هو على معنى
التكرمة والتفاؤل له أن يكون أبًا وأن يكون له ابن
وإذا جاز للصبي في صغره فالرجل قبل أن يولد له أولى
بذلك اهـ.
وفي حديث صهيب عند أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم أن عمر
قال له: مالك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد قال: إن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كناني وعن علقمة
عن ابن مسعود عند الطبراني بسند صحيح أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كناه أبا عبد الرحمن،
وقال بعضهم: بادروا أبناءكم بالكنى قبل أن تغلب عليها
الألقاب.
وحديث الباب فيه فوائد جمعها أبو العباس بن القاص من
الشافعية في جزء مفرد وسبقه إلى ذلك أبو حاتم الرازي
أحد أئمة الحديث ثم الترمذي في الشمائل ثم الخطابي.
113 - باب التَّكَنِّى بِأَبِى تُرَابٍ وَإِنْ كَانَتْ
لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى
(باب) جواز (التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى)
سابقة قبل ذلك.
6204 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِىٍّ - رضى
الله عنه - إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ
لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو
تُرَابٍ إِلاَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ
فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ إِلَى الْمَسْجِدِ
فَجَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَتْبَعُهُ فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ
فِى الْجِدَارِ فَجَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَامْتَلأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا
فَجَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ
يَقُولُ: «اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ».
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون
الخاء المعجمة وفتح اللام البجلي الكوفي قال: (حدّثنا
سليمان) بن بلال قال: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم)
سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري أنه
(قال: إن كانت أحب أسماء عليّ -رضي الله عنه- إليه
لأبو تراب) إن مخففة من الثقيلة ولفظ كانت زائدة
كقوله:
وجيران لنا كانوا كرام
وأحب منصوب اسم إن وإن كانت مخففة لأن تخفيفها لا يوجب
إلغاءها قاله في الكواكب، وأنث كانت باعتبار الكنية.
وقال السفاقسي: أنث على تأنيث الأسماء مثل: {وجاءت كل
نفس} [ق: 21] وفيه إطلاق الاسم على الكنية واللام في
لأبو تراب للتأكيد (وإن كان ليفرح) بلام التأكيد أيضًا
وإن مخففة من الثقيلة أيضًا والضمير لعلي (أن يدعى
بها) بضم أوله وفتح العين أن ينادى بها ولأبي الوقت أن
يدعاها، وللحموي والمستملي أن يدعوها بضم العين بعدها
واو فهاء أي يذكرها وفي الفتح عن رواية النسفيّ أن
ندعوها بنون بدل الياء أي نذكرها (وما سماه أبو تراب
إلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) برفع
أبو على الحكاية وصوّب النصب السفاقسي على المفعولية
وهو ظاهر نعم قيل إن في بعض النسخ بالنصب كذلك وسبب
تكنيته بها أنه (غاضب يومًا فاطمة) زوجته -رضي الله
عنهما- (فخرج) من عندها خشية أن
(9/116)
يبدو منه في حالة الغيظ ما لا يليق بجناب
فاطمة فحسم مادة الكلام إلى أن تسكن فورة الغضب من كل
منهما (فاضطجع إلى الجدار إلى المسجد) كذا في رواية
النسفيّ كما قاله في الفتح، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي إلى الجدار في المسجد بلفظ في بدل إلى في
الثاني، وللكشميهني في جدار المسجد (فجاء النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبعه) بسكون
الفوقية مخففًا كذا في فرع اليونينية كهي قال في الفتح
قوله يتبعه بتشديد المثناة من الإتباع، وقال العيني:
ويروى من الثلاثي، ولأبي ذر عن الكشميهني: يبتغيه
بموحدة ساكنة فمثناة فوقية فغين معجمة من الابتغاء أي
يطلبه (فقال):
(هوذا) أي عليّ (مضطجع في الجدار فجاءه النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه قد (امتلأ
ظهره ترابًا فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس يا أبا
تراب) فاشتق له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من حالته هذه الكنية. قال الخليل: يقال لمن
كان قائمًا اقعد ولمن كان نائمًا أجلس، وتعقبه ابن
دحية بحديث الموطأ حيث قال للقائم اجلس، وفيه كرم خلق
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه توجه
نحو علي ليترضاه ومسح التراب عن ظهره ليبسطه وداعبه
بالكنية المذكورة ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع
رفيع
منزلتها عنده ففيه استحباب الرفق بالأصهار وترك
معاتبتهم إبقاء لمودتهم، وفيه أيضًا أن أهل الفضل قد
يقع بينهم وبين أزواجهم ما جبل الله عليه البشر من
الغضب وليس ذلك بعيب وفيه جواز تكنية الشخص بأكثر من
كنية فإن عليًّا كانت نيته أبا الحسن.
114 - باب أَبْغَضِ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ
(باب أبغض الأسماء إلى الله) عز وجل.
6205 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ
اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن
هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي
ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخنى)
بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فنون مفتوحة بعدها ألف
مقصورة أي أفحش من الخنى وهو الفحش، ولأبي ذر عن
المستملي: أخنع بالعين المهملة بدل الألف أي أذل وأوضع
(الأسماء) وفي مسلم عن أبي هريرة من وجه بلفظ أبغض،
وفي لفظ أبغض، وفي لفظ أخبث الأسماء (يوم القيامة عند
الله رجل تسمى ملك الأملاك) بكسر اللام والأملاك جمع
ملك بالكسر وبالفتح جمع مليك، ولأبي ذر بملك الأملاك
بزيادة موحدة أي سمى نفسه بذلك أو سمي بذلك فرضي به،
واستمر عليه وذلك لأن هذا من صفات الحق جل جلاله وذلك
لا يليق بمخلوق والعباد إنما يوصفون بالذل والخضوع
والعبودية.
قال في المصابيح، فإن قلت: كيف جاز جعل رجل خبرًا عن
أخنى الأسماء؟ وأجاب: بأنه على حذف مضاف أي اسم رجل
تسمى ملك الأملاك اهـ.
وزاد في شرح المشكاة أن يراد بالاسم المسمى مجازًا أي
أخنى الرجال رجل كقوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى}
[الأعلى: 1] وفيه من المبالغة أنه إذا قدس اسمه عما لا
يليق به فكان ذاته بالتقديس أولى وهنا إذا كان الاسم
محكومًا عليه بالهوان والصغار فكيف بالمسمى، وإذا كان
حكم المسمى ذلك فكيف بالمسمي.
والحديث من أفراده.
6206 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ:
«أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ:
غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ
رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ». قَالَ
سُفْيَانُ: يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ
شَاهْ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن
ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (رواية) نصب على التمييز أي من حيث
الرواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه (قال):
(أخنع اسم) بالعين أي أشدّ ذلاًّ (عند الله) وفي
الرواية السابقة يوم القيامة والتقييد بيوم القيامة مع
أن حكمه في الدنيا كذلك للإشعار بترتب ما هو مسبب عنه
من إنزال الهوان وحلول العقاب. (وقال سفيان) بن عيينة
بالسند السابق: (غير مرة أخنع الأسماء) بالعين (عند
الله رجل تسمى بملك الأملاك) بكسر اللام وزاد ابن أبي
شيبة في روايته عند مسلم لا مالك إلا الله وهو استئناف
لبيان تعليل تحريم التسمية بهذا الاسم فنفى جنس الملاك
بالكلية لأن المالك الحقيقي ليس إلا هو ومالكية الغير
(9/117)
عارية مستردة إلى مالك الملوك فمن تسمى
بهذا الاسم نازع الله في رداء كبريائه واستنكف أن يكون
عبد الله فيكون له الخزي والنكال (قال سفيان) أيضًا
(يقول غيره). أي غير أبي الزناد (تفسيره) بالفارسية أي
ملك الأملاك (شاهان) لين معجمة مفتوحة فألف فنون ساكنة
(شاه) بشين معجمة فألف فهاء ساكنة وليست هاء تأنيث،
وعند أحمد قال: سفيان مثل شاهان شاه، وزاد الإسماعيلي
من رواية محمد بن الصباح عن سفيان مثل ملك الصين وقد
كانت التسمية بذلك كثرت في ذلك الزمان فنبه سفيان على
أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك
بل كل ما أدى إلى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم،
وزعم بعضهم أن الصواب شاه شاهان بالتقديم والتأخير،
وليس كذلك لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على
المضاف فإذا أرادوا قاضي القضاة بلسانهم؟ قالوا:
موبذان موبذ فموبذ هو القاضي وموبذان جمعه، وكذا شاه
هو الملك وشاهان هو الملوك، ويؤخذ من الحديث تحريم
التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد التشديد ويلحق به ما
في معناه كأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير
الأمراء، وهل يلحق به من تسمى بأقضى القضاة؟ فقال
الزمخشري في كشافه عند قوله تعالى: {أحكم الحاكمين}
[هود: 45] بالمنع من أن يلقب بأقضى القضاة وتعقبه ابن
المنير بحديث "أقضاكم عليّ وقد وجدت التسمية بقاضي
القضاة في العصر القديم من عهد أبي يوسف صاحب الإمام
أبي حنيفة رحمه الله، وكان الماوردي يلقب بأقضى القضاة
مع منعه من تلقيب الملك الذي كان في زمانه بملك
الملوك. وقال العيني: يمتنع أن يقال أقضى القضاة لأن
معناه أحكم الحاكمين، وهذا أبلغ من قاضي القضاة لأنه
أفعل تفضيل قال: ومن جهل أهل زماننا من مسطري سجلات
القضاة يكتبون للنائب أقضى القضاة وللقاضي الكبير قاضي
القضاة.
115 - باب كُنْيَةِ الْمُشْرِكِ
وَقَالَ مِسْوَرٌ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِلاَّ أَنْ
يُرِيدَ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ».
(باب) حكم (كنية المشرك. وقال مسور): بكسر الميم وسكون
السين المهملة ابن مخرمة ومما وصله البخاري في أواخر
كتاب النكاح في باب ذب الرجل عن ابنته (سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول)
وهو على المنبر إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن
ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم
لا آذن (إلا أن يريد ابن أبي طالب) أن يطلق ابنتي
وينكح ابنتهم الحديث. فذكر أبا طالب المشرك بكنيته في
غيبته وكان اسمه عبد مناف.
6207 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى أَخِى، عَنْ سُلَيْمَانَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ
فَدَكِيَّةٌ، وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ
بْنَ عُبَادَةَ فِى بَنِى حَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا
بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ
سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ فَإِذَا فِى الْمَجْلِسِ
أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ
عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِى
الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ،
فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ،
خَمَّرَ ابْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ:
لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ ثُمَّ
وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ
عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ لاَ
أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ
تُؤْذِنَا بِهِ فِى مَجَالِسِنَا فَمَنْ جَاءَكَ
فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا فِى
مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ
الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى
كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْفِضُهُمْ
حَتَّى سَكَتُوا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَابَّتَهُ فَسَارَ
حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَىْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو
حُبَابٍ» يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ قَالَ
كَذَا وَكَذَا فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَىْ
رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ اعْفُ عَنْهُ
وَاصْفَحْ، فَوَالَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِى أَنْزَلَ
عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ
الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ
بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ
بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ
فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا أَمَرَهُمُ
اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ} [آل عمران: 186] الآيَةَ وَقَالَ: {وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: 109]
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَتَأَوَّلُ فِى الْعَفْوِ عَنْهُمْ مَا
أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ،
فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهَا
مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ
قُرَيْشٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ
غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيدِ
الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَىٍّ
ابْنُ سَلُولَ: وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
عَبَدَةِ الأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ
فَبَايِعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمُوا.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم قال البخاري: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بواو
العطف على السند السابق
(إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (أخي)
عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق)
هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق واسمه محمد بن عبد
الرحمن بن أبي بكر الصديق (عن ابن شهاب) الزهري (عن
عروة بن الزبير) بن العوّام (أن أسامة بن زيد -رضي
الله عنهما- أخبره أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب على حمار عليه قطيفة) كساء
(فدكية) بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف والتحتية
المشدّدة نسبة لقرية قرب المدينة تسمى فدك ولأبي ذر
على قطيفة فدكية (وأسامة) بن زيد (وراءه) حال كونه
(يعود سعد بن عبادة في) منازل (بني حارث بن الخزرج)
بغير ألف ولام في حارث (قبل وقعة بدر فسارا) أي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسامة (حتى مرّا
بمجلس فيه عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة
وتشديد التحتية منوّنة (ابن سلول) برفع ابن صفة لعبد
الله لأن سلول أم عبد الله وهي بفتح السين المهملة
(وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي) بضم التحتية وسكون
السين المهملة أي قبل أن يظهر إسلامه ولم يسلم قط
(فإذا في المجلس أخلاط) بالخاء المعجمة الساكنة أنواع
(من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان) بالمثلثة وجر
عبدة بدلاً مما قبله (واليهود) عطف على عبدة أو على
المشركين (وفي المسلمين) ولأبي ذر عن الكشميهني وفي
المجلس بدل وفي المسلمين (عبد الله بن رواحة) بفتح
الراء والواو المخففة والحاء المهملة الخزرجي الأنصاري
الشاعر
(9/118)
فلما غشيت المجلس (عجاجة الدابة) بفتح
العين المهملة والجيمين بينهما ألف مخففًا أي غبارها
(خمر) بفتح الخاء المعجمة والميم المشدّدة بعدها راء
غطى (ابن أبي) عبد الله (أنفه بردائه وقال: لا تغبروا
علينا) بالموحدة بعد المعجمة أي لا تثيروا علينا
الغبار (فسلم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عليهم) ناويًا المسلمين (ثم وقف فنزل) عن
الدابة (فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال له
عبد الله بن أبي ابن سلول) للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أيها المرء لا) شيء (أحسن مما
تقول) بفتح الهمزة والسين المهملة بينهما حاء مهملة
ساكنة أفعل تفضيل اسم لا وخبرها شيء المقدر (إن كان
حقًّا) ويجوز أن تكون إن كان حقًّا شرطًا ولأبي ذر عن
الكشميهني لا أحسن بضم الهمزة وكسر السين ما تقول
بإسقاط الميم الأولى (فلا تؤذنا) مجزوم بحذف حرف العلة
وعلى القول بأن إن كان حقًّا شرط فجزاؤه فلا تؤذنا
(به) بقولك (في مجالسنا) بالجمع (فمن جاءك فاقصص عليه.
قال عبد الله بن رواحة) -رضي الله عنه- (بلى يا رسول
الله فاغشنا) بهمزة وصل وفتح الشين المعجمة زاد أبو ذر
عن الكشميهني به أي بقولك (في مجالسنا) بالجمع (فإنا
نحب ذلك، فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا
يتثاورون) بالتحتية ثم الفوقية ثم المثلثة المفتوحات
أي قاربوا أن يثب بعضهم على بعضهم فيقتتلوا (فلم يزل
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يخفضهم) بالخاء والضاد المعجمتين بينهما فاء مشددة
مكسورة وفي اليونينية بفتح التحتية وسكون الخاء
المعجمة يسكتهم (حتى سكتوا) بالفوقية من السكوت
وللحموي والمستملي سكنوا بالنون بدل الفوقية (ثم ركب
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دابته
فسار حتى دخل على سعد بن عبادة) يعوده (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أي سعد) وفي تفسير آل عمران يا سعد (ألم تسمع ما قال
أبو حباب) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة الأولى
المخففة (يريد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(عبد الله بن أبي) وهذا موضع الترجمة لأن عبد الله لم
يكن يظهر الإسلام فذكره النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكنيته في غيبته (قال: كذا وكذا
فقال سعد بن عبادة: أي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
يا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بأبي أنت) أي مفدي بأبي (اعف عنه واصفح فو) الله (الذي
أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك)
بفتح الهمزة والزاي (ولقد اصطلح أهل هذه البحرة) بفتح
الموحدة وسكون الحاء المهملة البلدة وهي المدينة
النبوية ولأبي ذر عن الكشميهني البحيرة بضم الموحدة
مصغرًا (على أن يتوّجوه) بتاج الملك (ويعصبوه
بالعصابة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعصابة أي
بعصابة الملك (فلما ردّ الله ذلك) الذي اصطلحوا عليه
(بالحق الذي أعطاك رق) غص ابن أبي (بذلك) الحق الذي
أعطاك (فذلك) الحق الذي (فعل به ما رأيت) من فعله
وقوله القبيح (فعفا عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- (يعفون
عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على
الأذى. قال الله تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا
الكتاب}) [آل عمران: 186] يعني اليهود والنصارى
(الآية. وقال) تعالى: ({ودّ كثير من أهل الكتاب})
[البقرة: 109] الآية (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتأول في العفو عنهم ما أمره الله
به) والتأويل تفسير ما يؤول إليه الشيء (حتى أذن)
تعالى (له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فيهم) بالقتال فترك العفو عنهم بالنسبة للقتال (فلما
غزا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بدرًا فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفار وسادة
قريش) جمع صنديد وهو السيد الشجاع (فقفل) بالفاء أي
رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأصحابه) من بدر (منصورين) على الكفار (غانمين معهم
أسارى) بضم الهمزة (من صناديد الكفار وسادة قريش قال
ابن أبي) بالتنوين (ابن سلول) برفع ابن (ومن معه من
المشركين عبدة الأوثان) لما رأوا نصر المسلمين
ومغنمهم: (هذا أمر قد توجه) أي ظهر وجهه (فبايعوا)
بكسر التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على الإسلام فأسلموا) بفتح اللام، ولأبي
ذر: وأسلموا بالواو وكسر اللام.
والحديث مرّ في تفسير
(9/119)
سورة آل عمران.
6208 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
نَوْفَلٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا
طَالِبٍ بِشَىْءٍ؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ
وَيَغْضَبُ لَكَ، قَالَ: «نَعَمْ هُوَ فِى ضَحْضَاحٍ
مِنْ نَارٍ، لَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِى الدَّرَكِ
الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال:
(حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن عبد الله بن الحارث بن
نوفل عن عباس بن عبد المطلب) -رضي الله عنه- أنه (قال:
يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك)
بفتح التحتية وضم الحاء المهملة وسكون الواو وبالطاء
المهملة يحفظك ويرعاك (ويغضب لك)؟ لأجلك (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(نعم) نفعته (هو في ضحضاح) بضادين معجمتين وحاءين
مهملتين (من نار) موضع قريب
القعر خفيف العذاب (لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من
النار) أي في الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات
سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض.
وفي هذا الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سمع تكنية أبي طالب من العباس فأقره، وقد
جوّزوا ذكر الكافر بكنيته إذا كان لا يعرف إلا بها كما
في أبي طالب، أو كان على سبيل التألف رجاء إسلامهم، أو
تحصيل منفعة منهم لا على سبيل التكريم فإنا مأمورون
بالإغلاظ عليهم، وأما ذكر أبي لهب بالكنية دون اسمه
عبد العزى فقيل لاجتناب نسبته إلى عبودية الصنم وقيل
للإشارة إلى أنه سيصلّى نارًا ذات لهب.
والحديث سبق في ذكر أبي طالب.
116 - باب الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ: سَمِعْتُ أَنَسًا مَاتَ ابْنٌ
لأَبِى طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ الْغُلاَمُ؟ قَالَتْ
أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ
يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ.
هذا (باب) بالتنوين (المعاريض) من التعريض خلاف
التصريح (مندوحة) بفتح الميم وسكون النون وضم الدال
وبالحاء المهملتين أي في المعاريض من الاتساع ما يغني
(عن الكذب. وقال إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة زيد
الأنصاري مما سبق موصولاً في الجنائز (سمعت أنسًا)
-رضي الله عنه- يقول (مات ابن لأبي طلحة فقال: كيف
الغلام)؟ وكان جاهلاً بموته (قالت أم سليم): أم الغلام
(هدأ نفسه) بفتح الهاء والدال المهمملة بعدها همزة
ونفسه بفتح الفاء واحد الأنفاس أي سكن نفسه وانقطع
بالموت (وأرجو أن يكون قد استراح) من بلاء الدنيا وألم
أمراضها (وظن) أبو طلحة (أنها صادقة) باعتبار ما فهمه
من كلامها لأن مفهومه أن الصبي تعافى لأن النفس إذا
سكن أشعر بالنوم والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو
خفته، فالمرأة صادقة باعتبار مرادها وأما خبرها بذلك
فهو غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة، فمن ثم قال
الراوي: وظن أنها صادقة ومثل ذلك لا يسمى كذبًا على
الحقيقة بل مندوحة عن الكذب.
6209 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى مَسِيرٍ لَهُ فَحَدَا الْحَادِى
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ
بِالْقَوَارِيرِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن ثابت البناني) بضم الموحدة (عن أنس بن
مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسير له فحدا الحادي)
أنجشة الحبشي والحدو سوق الإبل والغناء لها (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ارفق يا أنجشة ويحك بالقوارير) متعلق بقوله ارفق،
ولأبي ذر: ويحك القوارير بإسقاط الجار ونصب القوارير
أي النساء فهو من المعاريض وهي التورية بالشيء عن
الشيء كما مر معناه.
والحديث سبق قريبًا.
6210 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى
الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ فِى سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو
بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُوَيْدَكَ يَا
أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو
قِلاَبَةَ: يَعْنِى النِّسَاءَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ابن زيد (عن
ثابت) البناني (عن أنس و) عن حماد بن زيد عن (أيوب)
السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس
-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان في سفر وكان غلام يحدو بهن) أي بالنساء
(يقال له أنجشة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(رويدك) نصب على الإغراء أو مفعول بفعل مضمر أي الزم
رويدك أو المصدر أي أرود رويدك أي أمهل (يا أنجشة
سوقك) نصب على الظرفية أي في سوقك (بالقوارير قال أبو
قلابة) بالسند (يعني) بالقوارير (النساء).
6211 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ،
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ،
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ
لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَادٍ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ
الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ لاَ
تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ» قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِى
ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق أخبرنا حبان) قال في المقدمة:
قال أبو علي الجياني: لم أجد إسحاق هذا منسوبًا عن أحد
من رواة الكتاب، ولعله إسحاق بن منصور فإن مسلمًا قد
روى في صحيحه عن حبان بن هلال. قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله: رأيته في رواية أبي على محمد بن عمر الشبوي
في باب البيعان بالخيار قد قال فيه: حدّثنا
(9/120)
إسحاق بن منصور حدّثنا حبان فهذه قرينة
تقوّي ما ظنه أبو علي اهـ.
وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة آخره نون ابن
هلال الباهلي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار
قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس بن
مالك) -رضي الله عنه- (قال: كان لنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاد) بالتنوين من غير تحتية (يقال
له أنشجة وكان حسن الصوت فقال له النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد سمعه يحدو بالنساء:
(رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير) بجزم تكسر على
النهي كسر للساكنين (قال قتادة) بالسند (يعني)
بالقوارير (ضعفة النساء) لسرعة التأثر فيهن.
6212 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى قَتَادَةُ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ
فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لأَبِى طَلْحَةَ فَقَالَ:
«مَا رَأَيْنَا مِنْ شَىْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ
لَبَحْرًا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين وتشديد
الدال الأولى المهملة ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن
سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه (قال: حدثني)
بالإفراد (قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله
عنه- أنه (قال: كان بالمدينة فزع) بفتح الفاء والزاي
بعدها مهملة خوف فاستغاثوا (فركب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا) اسمه مندوب (لأبي
طلحة) زيد بن سهل زوج أم سليم واستبرأ الخبر (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رجع:
(ما رأينا من شيء) يقتضي نوعًا (وإن وجدناه) أي الفرس
(لبحرًا) بلام التأكيد وإن مخففة من الثقيلة وبحرًا
المفعول الثاني لوجدنا وشبه الفرس بالبحر لسعة خطوه
وسرعة جريه. قال في فتح الباري: وكأن البخاري استشهد
بحديثي أنس لجواز التعريض والجامع بين التعريض وبين ما
دلا عليه استعمال اللفظ في غير ما وضع له لمعنى جامع
بينهما. وقال ابن المنير في شرح التراجم: حديث
القوارير والفرس ليسا من المعاريض بل من المجاز فكان
البخاري لما رأى ذلك جائزًا قال: فالمعاريض التي هي
حقيقة أولى بالجواز اهـ. ومحل جواز استعمال المعاريض
إذا كانت فيما يخلص من الظلم أو يحصل الحق وأما
استعمالها في إبطال حق أو تحصيل باطل فلا يجوز.
والحديث سبق في الجهاد.
117 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّىْءِ لَيْسَ
بِشَىْءٍ وَهْوَ يَنْوِى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِلْقَبْرَيْنِ:
"يُعَذَّبَانِ بِلاَ كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ".
(باب قول الرجل للشيء) الموجود (ليس بشيء وهو) أي
والحال أنه (ينوي أي ليس بحق. وقال ابن عباس) -رضي
الله عنهما- مما وصله المؤلّف في كتاب الطهارة (قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقبرين:
يعذبان) بفتح الذال المعجمة المشدّدة (بلا كبير) نفي
(وإنه لكبير) إثبات فكأنه قال لشيء ليس بشيء وهذا
التعليق ثابت لأبوي الوقت وذر ساقط لغيرهما.
6213 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ،
أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى يَحْيَى
بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ:
قَالَتْ عَائِشَةُ سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ
الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسُوا بِشَىْءٍ»
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ
يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّىْءِ يَكُونُ حَقًّا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ
يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيَقُرُّهَا فِى أُذُنِ
وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا
أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن سلام)
السلمي مولاهم البخاري البيكندي قال: (أخبرنا مخلد بن
يزيد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة ويزيد
من الزيادة الحرّاني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك
بن عبد العزيز (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(أخبرني) بالإفراد (يحيي بن عروة) بن الزبير بن
العوّام (أنه سمع) أباه (عروة يقول: قالت عائشة)
-رضي الله عنها- (سأل أناس) ذكر في مسلم ممن سأل
معاوية بن الحكم السلمي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكهان) بضم الكاف وتشديد
الهاء جمع كاهن وهو من يدعي علم الأخبار المستقبلة
(فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ليسوا بشيء) فيما يتعاطونه من علم الغيب أي ليس قولهم
بصحيح يعتمد عليه كما يعتمد قول النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي يخبر عن الوحي (قالوا: يا
رسول الله فإنهم يحدثون أحيانًا بالشيء) من الغيب
(يكون حقًّا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: تلك الكلمة من الحق يخطفها) بكسر الطاء في
الفرع مصلحة والمشهور فتحها وفي اليونينية كشط الخفضة
ولم يضبط الطاء أي يأخذها (الجني) بسرعة (فيقرها) بفتح
التحتية وضم القاف مصححًا عليها في الفرع كأصله
وبتشديد الراء أي يصوّت بها (في أذن وليه) الكاهن (قرّ
الدجاجة) بتثليث الدال المهملة حكاه ابن معين الدمشقي
وابن مالك وغيرهما، وقرّ الدجاجة صوتها إذا قطعته
ويروى بالزاي بدل الدال واختارها التوربشتي وردّ رواية
الدال. قال في شرح المشكاة: لا ارتياب أن قرّ الدجاجة
مفعول مطلق وفيه
(9/121)
معنى التشبيه فكما يصح أن يشبه إيراد ما
اختطفه من الكلام في أذن الكاهن بصب الماء في القارورة
يصح أن يشبه ترديد كلام الجني في أذن الكاهن بترديد
الدجاجة صوتها في أذن صواحبها كما نشاهد الذيكة إذا
وجدت شيئًا فتقرّ وتسمع صواحبها فيجتمعن عليها وباب
التشبيه باب واسع لا يفتقر إلا إلى العلاقة على أن
الاختطاف هاهنا مستعار للكلام من خطف الطير فتكون
الدجاجة أنسب من القارورة لحصول الترشيح في الاستعارة.
قال: ويؤيد ما ذهبنا إليه قول ابن الصلاح أن الأصل قرّ
الدجاجة بالدال فصحف إلى قرّ الزجاجة بالزاي (فيخلطون
فيها) في الكلمة التي سمعها استراقًا من الوحي (أكثر
من مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة وقوله فيخلطون
جمع بعد الإفراد نظرًا إلى الجنس.
والحديث مرّ في باب الكهانة من الطب.
118 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى
الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ
رُفِعَتْ} [الغاشية: 17 - 18]، وَقَالَ أَيُّوبُ عَنِ
ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ: عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ.
(باب) جواز (رفع البصر إلى السماء) وقوله تعالى:
({أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}) طويلة ثم تبرك حتى
تركب ويحمل عليها ثم تقوم ({وإلى السماء كيف رفعت})
[الغاشية: 17 - 18] رفعًا بعيد المدى بلا مساك ولا عمد
ثم نجومها تكثر حتى لا تدخل في حساب الخلق، وتخصيص
هذين والآيتين بعدهما وهما الجبال والأرض باعتبار أن
هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال والمرء إنما
يستدل بما تكثر مشاهدته له والعرب تكون في البوادي
ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل فهي أعز
أموالهم وهم لها أكثر استعمالاً منهم لسائر الحيوانات،
ولأنها مجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان وهي
الغسل والدر والحمل والركوب
والأكل بخلاف غيرها، ولأن خلقها أعجب من غيرها فإنه
سخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تمانع صغيرًا
وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار، وجعلها بحيث تبرك
حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت وتجرّه إلى
البلاد الشاسعة، وصبرها على احتمال العطش حتى أن
أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعدًا، وجعلها ترعى كل
نابت في البراري ما لا يرعاه سائر البهائم. وغرض
البخاري من هذه الآية ذكر السماء لينص على جواز رفع
البصر إليها، وأما النهي عن رفع البصر إلى السماء في
الصلاة فخاص بها لما هو مطلوب فيها من الخشوع وجمع
الهمة وتطهير السر من السوى بحيث لا يكون فيه متسع
لغيرها إذ المصلي يناجي ربه.
(وقال أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن ابن أبي
مليكة) عبد الله (عن عائشة) -رضي الله عنها-: (رفع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه إلى
السماء) وصله أحمد وهو طرف من حديث أوّله مات رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي
ويومي وبين سحري ونحري الحديث وفيه فرفع بصره إلى
السماء وقال: "الرفيق الأعلى" وهو عند البخاري في
الوفاة النبوية من طريق حماد بن زيد عن أيوب بلفظ فرفع
رأسه إلى السماء. وهذا التعليق ثبت في رواية المستملي
والكشميهني وسقط لغيرهما.
6214 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
يَقُولُ: أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّى
الْوَحْىُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى، سَمِعْتُ صَوْتًا
مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِى إِلَى السَّمَاءِ،
فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ
عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ».
وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) ولأبي ذر: يحيى بن بكير
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم
العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال:
سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (يقول: أخبرني)
بالإفراد (جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- (أنه
سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول: ثم فتر عني الوحي) احتبس بعد نزول {اقرأ باسم
ربك} [الأعلى: 1] ثلاث سنين أو سنتين ونصفًا (فبينما)
بالميم وفي اليونيية بإسقاطها (أنا أمشي) وجواب بينما
(سمعت صوتًا من السماء) في أثناء أوقات المشي (فرفعت
بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء) هو
جبريل (قاعد على كرسي بين السماء والأرض) الحديث.
وسبق في بدء الوحي أول الكتاب.
6215 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى شَرِيكٌ، عَنْ
كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -
قَالَ: بِتُّ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا
فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ
بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ:
{إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى
الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم
بن أبي مريم قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي
كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (شريك) بفتح الشين
المعجمة ابن عبد الله بن أبي نمر (عن كريب) بضم الكاف
ابن أبي مسلم مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: بت في بيت ميمونة) أم المؤمنين
خالته -رضي الله عنها- (والنبي
(9/122)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عندها) في نوبتها (فلما كان ثلث الليل الآخر) بمد
الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني الأخير بقصر الهمزة
وزيادة تحتية بعد المعجمة (أو بعضه) شك من الراوي
(قعد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظر إلى
السماء فقرأ عشر آيات من سورة آل عمران ({إن في خلق
السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات}) لأدلة
واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر ({لأولي الألباب})
[آل عمران: 190] لمن خلص عقله عن الهوى خلوص اللب عن
القشر فيرى أن العرض المحدث في الجواهر يدل على حدوث
الجواهر لأن جوهرًا ما لا يخلو عن عرض حادث وما لا
يخلو عن الحادث فهو حادث، ثم حدوثها يدل على محدثها
وذا قديم وإلا لاحتاج إلى محدث آخر إلى ما لا يتناهى
وحسن صنعه يدل على علمه وإتقانه يدل على حكمته وبقاؤه
يدل على قدرته قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها" رواه (1)
ويحكى أن في بني إسرائيل من إذا عبد الله ثلاثين سنة
أظلته سحابة فعبدها فتى فلم تظله فقالت له أمه: لعل
فرطة فرطت منك في مدتك قال: ما أذكر. قالت: لعلك نظرت
مرة إلى السماء ولم تعتبر. قال: لعل. قالت: فما أتيت
إلا من ذاك.
والحديث مرّ في أبواب الوتر وتفسير سورة آل عمران،
ومطابقته للترجمة لا خفاء فيها، وسقط لأبي ذر
({واختلاف الليل والنهار}) الخ. وقال: بعد قوله
({والأرض}) الآية.
119 - باب نَكْتِ الْعُودِ فِى الْمَاءِ وَالطِّينِ
(باب) ذكر (نكت العود) بفتح النون وبعد الكاف الساكنة
فوقية يقال نكت في الأرض إذا ضرب فأثر فيها ولأبي ذر
من نكت العود (في الماء والطين).
6216 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّهُ كَانَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَفِى يَدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُودٌ
يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، فَجَاءَ
رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «افْتَحْ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ» فَذَهَبْتُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ
فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ
اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: «افْتَحْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَإِذَا عُمَرُ فَفَتَحْتُ
لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ
رَجُلٌ آخَرُ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ:
«افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى
تُصِيبُهُ -أَوْ تَكُونُ-» فَذَهَبْتُ فَإِذَا
عُثْمَانُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ
فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِى قَالَ: قَالَ اللَّهُ
الْمُسْتَعَانُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن عثمان بن غياث) بكسر الغين
المعجمة آخره مثلثة البصري قال: (حدّثنا أبو عثمان)
عبد الرحمن بن ملّ (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس
الأشعري -رضي الله عنه- (أنه كان مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حائط من حيطان
المدينة) في بستان من بساتينها وكان فيه بئر أريس كما
في الرواية الأخرى (وفي يد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عود يضرب به بين الماء والطين)
ويحتمل أن يكون هذا العود هو المحضرة التي كان -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوكأ عليها ولأبي ذر عن
الكشميهني في الماء والطين (فجاء رجل يستفتح) يطلب أن
يفتح له باب الحائط ليدخل فيه (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن استأذنه (افتح)
زاد أبو ذر عن الكشميهني له (وبشره بالجنة فذهبت فإذا
أبو بكر) الصديق ولأبي ذر عن الكشميهني فإذا هو أبو
بكر (ففتحت له وبشرته بالجنة فاستفتح رجل آخر فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (افتح له وبشره
بالجنة فإذا) هو (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-
(ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح وجل آخر وكان)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (متكئًا فجلس
فقال: افتح) زاد أبو ذر له (وبشره بالجنة على بلوى)
غير منوّن أي مع بلوى (تصيبه) هي قتله في الدار (أو
تكون فذهبت فإذا) هو (عثمان ففتحت) ولأبي ذر فقمت
ففتحت (له وبشرته بالجنة فأخبرته) بالفاء ولأبي ذر
وأخبرته (بالذي قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على بلوى تصيبه (قال) عثمان (الله
المستعان) أي على مرارة الصبر على ما أنذر به -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من البلاء.
وفيه علم من أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حيث وقع ما أشار إليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وموافقة الحديث للترجمة لا تخفى،
والنكت بالعصا يقع كثيرًا عند التفكّر في شيء لكن لا
يسوغ استعماله إلا فيما لا يضر فلو ضر بجدار أو غيره
منع.
والحديث مرّ في المناقب والله الموفق.
120 - باب الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّىْءَ بِيَدِهِ فِى
الأَرْضِ
(باب) ذكر (الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض) ينكت
بالفوقية.
6217 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ
عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ عَنْ
عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
جَنَازَةٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ الأَرْضَ بِعُودٍ
فَقَالَ: «لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ
فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
فَقَالُوا: أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا
فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}
[الليل: 5] الآيَةَ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن
بشار) بالموحدة والمعجمة بندار قال: (حدّثنا ابن أبي
عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن شعبة) بن
الحجاج (عن سليمان) هو الأعمش لا التيمي (ومنصور) هو
ابن المعتمر (عن سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول
وضمها في الثاني الكوفي السلمي ختن أبي
_________
(1) هكذا بيض له المؤلف، ويؤخذ من تفسير ابن كثير أن
الراوي هو عبد بن حميد وابن حبان ا. هـ.
(9/123)
عبد الرحمن السلمي (عن أبي عبد الرحمن) عبد
الله بن حبيب (السلمي) المقري الكوفي (عن عليّ -رضي
الله عنه-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جنازة) في البقيع (فجعل ينكت
الأرض) بالفوقية ولأبي ذر في الأرض (بعود) وفي الجنائز
فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته
وهذا الفعل يقع غالبًا ممن يتفكّر في شيء يريد استحضار
معانيه (فقال):
(ليس منكم من أحد إلا وقد فرغ) بضم الفاء وكسر الراء
(من مقعده من الجنة والنار) ومن بيانية (فقالوا): وفي
الجنائز فقال رجل، وفسر بعلي وبسراقة بن جعشم وبعمر
(أفلا نتكل) نعتمد زاد في الجنائز على كتابنا وندع
العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل
السعادة وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى
عمل أهل الشقاوة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (اعملوا فكل) من أهل السعادة والشقاوة
(ميسر) أي لما خلق له ({فأما من أعطى واتقى}) [الليل:
5] الآية) واستدلّ بذلك على إمكان معرفة الشقي من
السعيد في الدنيا لأن العمل علامة على الجزاء فيحكم
بظاهر الأمر وأمر الباطن إلى الله تعالى.
121 - باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ
التَّعَجُّبِ
(باب التكبير والتسبيح عند التعجب).
6218 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَتْنِى هِنْدُ
بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - رضى الله
عنها - قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «سُبْحَانَ
اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا
أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ
الْحُجَرِ»؟ يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ «حَتَّى
يُصَلِّينَ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ
فِى الآخِرَةِ» وَقَالَ ابْنُ أَبِى ثَوْرٍ: عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِىِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَّقْتَ
نِسَاءَكَ؟ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم أنه قال: (حدثتني) بالفوقية بعد المثلثة مع
الإفراد (هند بنت الحارث) الفراسية بكسر الفاء وبالسين
المهملة بعد الراء والألف (أن أم سلمة) هند بنت أبي
أمية أم المؤمنين (رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة (فقال):
(سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن) أي خزائن الرحمة
(وماذا أنزل من الفتن) من العذاب، وقيل المراد
بالخزائن إعلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بما سيفتح على أمته من الأموال بالغنائم من البلاد
التي يفتحونها وأن الفتن تنشأ عن ذلك، ماذا استفهام
متضمن معنى التعجب، ولأبي ذر: من الفتنة بالإفراد (من
يوقظ صواحب الحجر يريد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (به أزواجه) -رضي الله عنهن- (حتى يصلّين
رب كاسية) عرفتها (في الدنيا) ثيابًا رقيقة لا تمنع
إدراك البشرة (عارية) معاقبة (في الآخرة) بفضيحة
التعري (وقال ابن
أبي ثور): بالمثلثة هو عبيد الله بن عبد الله بن أبي
ثور مما وصله المؤلّف في العلم (عن ابن عباس عن عمر)
-رضي الله عنهم- أنه (قال: قلت للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلقت نساءك)؟ بإسقاط أداة
الاستفهام (قال: لا) لم أطلقهن قال عمر: (قلت) متعجبًا
(الله أكبر).
6219 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ
صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا
جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَزُورُهُ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِى
الْمَسْجِدِ فِى الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ مِنْ
رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً مِنَ
الْعِشَاءِ ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ
الَّذِى عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ
بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى
رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِىَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ»
قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا مَا قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّى
خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب قال البخاري (ح).
(وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد
(أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي
عتيق عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن علي بن
الحسين) بضم الحاء وفتح السين زين العابدين (أن صفية
بنت حييّ زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أخبرته أنها جاءت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تزوره وهو)
أي والحال أنه (معتكف في المسجد في العشر الغوابر)
بفتح الغين المعجمة والواو وبعد الألف موحدة فراء
البواقي (من رمضان) وتطلق الغوابر على المواضي وهو من
الأضداد (فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت تنقلب)
تنصرف إلى بيتها (فقام معها النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد
الذي عند مسكن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بهما رجلان من الأنصار) أي
يسميا (فسلما على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثم نفذا) بفتح النون والفاء والذال المعجمة
مضيا (فقال لهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(على رسلكما) بكسر الراء وسكون السين المهملة هينتكما
(إنما هي صفية بنت حييّ فقالا: سبحان الله يا رسول
الله) أي تنزه الله أن يكون رسوله متهمًا بما لا ينبغي
أو كناية عن تعجبهما من هذا القول المذكور بقرينة قوله
(وكبر عليهما) بضم الموحدة أي عظم وشق (ما قال) وسقط
لغير أبي ذر قوله ما قال: (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن
(9/124)
الشيطان يجري) بالجيم والراء (من ابن آدم)
ولأبي ذر يبلغ من الإنسان (مبلغ الدم) أي كمبلغ الدم
ووجه التشبيه كما في الكواكب عدم المفارقة وكمال
الاتصال (وإني خشيت) عليكما (أن يقذف) الشيطان (في
قلوبكما) شيئًا تهلكان بسببه، وأشار المصنف بسياق ما
ذكره هنا إلى الرد على من منع استعمال ذلك عند التعجب
وقد وردت أحاديث
كثيرة صحيحة في قوله: سبحان الله عند التعجب، وقد وقع
حديث صفية هذا مؤخرًا في رواية غير أبي ذر آخر هذا
الحديث كما ترى والله أعلم.
وقد سبق في الاعتكاف في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه
وفي صفة إبليس وفي الخمس.
122 - باب النَّهْىِ عَنِ الْخَذْفِ
(باب) بيان (النهي عن الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال
المعجمتين وبالفاء وهو رمي الحصى بالأصابع.
6220 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ
الأَزْدِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ الْمُزَنِىِّ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَذْفِ،
وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلاَ
يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ
وَيَكْسِرُ السِّنَّ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت عقبة بن
صهبان) بضم العين وسكون القاف في الأول وضم الصاد
المهملة وسكون الهاء في الثاني (الأزدي) بفتح الهمزة
وسكون الزاي والدال مهملة نسبة إلى أزد بن الغوث قبيلة
(يحدث عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين
المعجمة والفاء المشددة (المزني) نسبة إلى مزينة بنت
كلب قبيلة كبيرة أنه (قال):
(نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
الخذف) قال ابن بطال: هو الرمي بالسبابة والإبهام
(وقال) عليه الصلاة والسلام (إنه لا يقتل الصيد) بل
ربما تلف لغير مأكلة وذلك منهي عنه (ولا ينكأ العدوّ)
بالهمز وفتح أوله وللأربعة ولا ينكى بغير همز مع كسر
الكاف وقال: القاضي عياض في مشارقه الرواية بفتح الكاف
مهموز الآخر وهي لغة والأشهر ينكى أي بغير همز مع كسر
الكاف ومعناه المبالغة في الأذى (وإنه يفقأ العين) أي
يقلعها (وبكسر السن) والغرض النهي عن أذى المسلمين وهو
من آداب الإسلام.
والحديث مرّ في الصيد وغيره.
123 - باب الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ
(باب) مشروعية (الحمد للعاطس) والحكمة فيه كما قاله
الحليمي أن العطاس يدفع الأذى عن الدماغ الذي فيه قوّة
الفكر، ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس وبسلامته
تسلم الأعضاء فيظهر بهذا أنه نعمة جليلة يناسب أن
تقابل بالحمد لما فيه من الإقرار لله بالحق والقدرة
وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع.
6221 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: عَطَسَ رَجُلاَنِ
عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ
الآخَرَ فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: «هَذَا حَمِدَ اللَّهَ
وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ». [الحديث 6221 - طرفه
في: 6225].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي
البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا
سليمان) بن طرخان التيمي (عن أنس بن مالك -رضي الله
عنه-) أنه (قال: عطس) بفتح الطاء المهملة (رجلان) هما
عامر بن الطفيل وابن أخيه كما في الطبراني من حديث سهل
بن سعد (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فشمت أحدهما) فقال له: يرحمك الله (ولم
يشمت الآخر) بالشين المعجمة والميم المشددة في
الكلمتين وأصله إزالة شماتة الأعداء والتفعيل للسلب
نحو: جلدت البعير أي أزلت جلده فاستعمل للدعاء بالخير
لتضمنه ذلك فكأنه دعا له أن لا يكون في حالة من يشمت
به، أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوءه
فشمت هو بالشيطان، وفي اليونينية فسمت أحدهما ولم يسمت
الآخر بالسين المهملة فيهما. قال أبو ذر: بالسين
المهملة في كل موضع عند الحموي أي دعا له بأن يكون لم
سمت حسن، وقيل إنه أفصح. وقال القاضي أبو بكر بن
العربي: المعنى في اللفظين بديع وذلك أن العاطس ينحل
كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه فكأنه إذا
قيل له يرحمك الله كان معناه أعطاك الله رحمة يرجع بها
بدنك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير
تغيير، فإن كان السمت بالمهملة فمعناه رجع كل عضو إلى
سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله
شوامته أي قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن
الاعتدال. قال: وشوامت كل شيء قوائمه التي بها قوامه
فقوام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سلمت
وقوام الآدمي بسلامة قوائمه التي بها قوامه وهو رأسه
وما يتصل به من عنق وصدر اهـ.
وفي اليونينية لأبي ذر عن الحموي فسمت بالمهملة ولم
يشمت بالمعجمة اهـ.
وفي الأدب المفرد للمؤلّف وصححه ابن حبان
(9/125)
من حديث أبي هريرة: عطس رجلان عند النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدهما أشرف من
الآخر وإن الشريف لم يحمد الله فشمت أحدهما ولم يشمت
الآخر (فقيل له): يا رسول الله شمت هذا ولم تشمت الآخر
(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(هذا حمد الله) فشمته (وهذا لم يحمد الله) فلم أشمته،
ولأبي ذر عن الكشميهني لم يحمد بحذف الجلالة.
وفي حديث أبي هريرة المذكور أن هذا ذكر الله فذكرته
وأنت نسيت الله فنسيتك، والنسيان يطلق على الترك أيضًا
والسائل هو العاطس الذي لم يحمد الله كما سيأتي إن شاء
الله تعالى بما فيه من البحث قريبًا بعد ثلاثة أبواب
بعون الله وقوّته.
وفي الحديث مشروعية الحمد، وقوله في حديث أبي هريرة
الآتي إن شاء الله تعالى بعد بابين
فليقل الحمد لله ظاهر في الوجوب، لكن نقل النووي
الاتفاق على استحبابه، وأما لفظه فنقل ابن بطال وغيره
عن طائفة أنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث أبي
هريرة المذكور، وفي حديث أبي مالك الأشعري رفعه: "إذا
عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ومثله في حديث
علي عند النسائي، وحديث ابن عمر عند الترمذي والبزار
والطبراني.
وفي حديث ابن مسعود في الأدب المفرد للبخاري يقول:
الحمد لله رب العالمين، وعن علي موقوفًا مما رواه في
الأدب المفرد برجال ثقات من قال عند عطسة سمعها: الحمد
لله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع الضرس
ولا الأذن أبدًا وحكمه الرفع لأن مثله لا يقال من قبل
الرأي، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي مرفوعًا
بلفظ: "من بادر العاطس بالحمد لله عوفي من وجع الخاصرة
ولم يشك ضرسه أبدًا" وسنده ضعيف. وعن ابن عباس مما في
الأدب المفرد والطبراني بسند لا بأس به: إذا عطس الرجل
فقال: الحمد لله. قال الملك: رب العالمين فإن قال: رب
العالمين. قال الملك: يرحمك الله. وعن أم سلمة مما
أخرجه أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به: عطس
رجل عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال: الحمد لله، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يرحمك الله" وعطس آخر فقال:
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا
فيه، فقال: "ارتفع هذا على تسع عشرة درجة".
تنبيه:
قال الحافظ ابن حجر: لا أصل لما اعتاده الناس من
استكمال قراءة الفاتحة بعد العطاس، وكذا العدول عن
الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على
الحمد فمكروه.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب، وأبو داود في
الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في اليوم
والليلة، وابن ماجة في الأدب.
124 - باب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ.
(باب) مشروعية (تشميت العاطس إذا حمد الله فيه) أي في
تشميت العاطس حديث رواه (أبو هريرة) -رضي الله عنه-
وهذا ثابت لأبي ذر.
6222 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ
قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ
مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ:
أَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ:
أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ
الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةِ
الدَّاعِى، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَنَصْرِ
الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَهَانَا
عَنْ سَبْعٍ، عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ -أَوْ قَالَ
حَلْقَةِ الذَّهَبِ-، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ،
وَالدِّيبَاجِ، وَالسُّنْدُسِ، وَالْمَيَاثِرِ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث) باللام والمعجمة آخره
مثلثة ولأبي ذر أشعث (بن سليم) بضم السين مصغرًا أبي
الشعثاء المحاربي أنه (قال: سمعت معاوية بن سويد بن
مقرن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء مشددة بعدها
نون المزني (عن البراء) بن عازب (رضي الله عنه) أنه
(قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بسبع ونهانا عن سبع) بالموحدة بعد السين
فيهما (أمرنا بعيادة المريض) أي زيارته سواء كان
مسلمًا أو ذميًّا قريبًا كان للعائد أو جارًا له وفاء
بصلة الرحم وحق الجوار (واتباع الجنازة) بكسر الجيم في
الفرع بالمشي خلفها، وبه قال الحنفية. وعند الشافعية
الأفضل المشي أمامها وحملوا قوله: اتباع الجنازة على
الأخذ في طريقها والسعي لأجلها، وإنما ألجأهم لذلك
حديث ابن عمر عند أبي داود أنه رأى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر وعمر يمشون أمام
الجنازة (وتشميت العاطس) أي إذا حمد الله كما قال في
حديث الباب التالي، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل
مسلم سمعه أن يشمته وهو كقوله: أمرنا ظاهر في الوجوب
بل عند البخاري من حديث أبي هريرة خمس تجب على المسلم
للمسلم فذكر فيها التشميت وهو عند مسلم أيضًا، وقال به
جمهور أهل الظاهر، وقال أبو عبد الله في بهجة النفوس،
قال جماعة من علمائنا أي
(9/126)
المالكية أنه فرض عين وقوّاه ابن القيم في
حواشي السنن بأنه جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق
الدال عليه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، ويقول
الصحابي أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: ولا ريب أن الفقهاء يثبتون وجوب أشياء
كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء، وقال قوم: هو فرض كفاية
يسقط بفعل البعض، ورجحه أبو الوليد بن رشد، وقال به
الحنفية وجمهور الحنابلة. وقال الشافعية: مستحب على
الكفاية وقد خص من عموم الأمر من لم يحمد كما يأتي إن
شاء الله تعالى، والكافر كما في أبي داود وصححه الحاكم
عن أبي موسى أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجاء أن يقول: يرحمكم
الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم، وإذا تكرر
منه العطاس فزاد على الثلاث ففي حديث أبي هريرة عند
البخاري في الأدب المفرد قال: يشمته واحدة واثنتين
وثلاثًا فما كان بعد ذلك فهو زكام.
وروي مرفوعًا عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه مرفوعًا
أخرجه في الموطأ وهل يقول لمن تتابع عطاسه أنت مزكوم
في الثانية أو في الثالثة أو الرابعة؟ أقوال. والصحيح
في الثالثة، ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي
بك مرض وليس من العطاس المحمود الناشئ عن خفة البدن
فيدعى له بالعافية، وكذا يخص من العموم من كره التشميت
ويطرد ذلك في السلام والعيادة، وفيه تفصيل لابن دقيق
العيد فلا يمتنع إلا ممن خاف منه ضررًا كعادة سلاطين
مصر لا يشمت أحدهم إذا عطس، ولا يسلم عليه إذا دخل
عليه، وكذا عند الخطبة يوم الجمعة لأن التشميت يخل
بالإنصات المأمور به ومن عطس وهو يجامع أو في الخلاء
فيؤخر ثم يحمد ويشمته من سمعه.
(وإجابة الداعي) إلى وليمة النكاح إلا لمانع شرعي كفرش
حرير (وردّ السلام ونصر المظلوم) سواء كان مسلمًا أو
ذميًّا بالقول أو بالفعل (وإبرار المقسم) بميم مضمومة
وكسر السين أي تصديق
من أقسم عليك وهو أن تفعل ما سأله الملتمس وأقسم عليه
أن يفعله، ولأبي ذر عن الكشميهني القسم وبإسقاط الميم
وفتحتين.
(ونهانا عن سبع عن) لبس (خاتم الذهب أو قال: حلقة
الذهب) بسكون اللام والشك من الراوي (وعن لبس الحرير)
للرجال وسقط لفظ لبس لأبي ذر (والديباج) المتخذ من
الإبريسم (والسندس) ما رق من الديباج (والمياثر)
بالمثلثة جمع ميثرة بكسر الميم مفعلة من الوثار وأصلها
موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة الميم، وهي مراكب العجم
تعمل من حرير أو ديباج وتتخذ كالفراش الصغير وتحشى
بنحو قطن يجعلها الراكب تحته على السرج، فإن كانت من
حرير أو ديباج حرمت، والمناهي سبعة ذكر منها خمسة
وأسقط منها القسي وآنية الفضة وسبقا في اللباس.
والحديث مضى في الجنائز والمظالم واللباس والطب
والنكاح ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في
النذور.
125 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعُطَاسِ، وَمَا
يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُبِ
(باب ما يستحب من العطاس) بضم العين (وما يكره من
التثاوب) بالفوقية ثم المثلثة والواو بغير همز في
الفرع وأصله. قال في الكواكب؛ وهو بالهمز على الأصح
وهو تنفس ينفتح منه الفم من الامتلاء وثقل النفس
وكدورة الحواس.
6223 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ،
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ
الْمَقْبُرِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -
رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ
فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ
فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا
اسْتَطَاعَ فَإِذَا قَالَ: هَا ضَحِكَ مِنْهُ
الشَّيْطَانُ».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي اياس) بكسر الهمزة وتخفيف
التحتية العسقلاني أصله خراساني يكنى أبا الحسن ونشأ
ببغداد قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد
الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن
سعد المدني قال: (حدّثنا سعيد المقبري) بضم الموحدة
(عن أبيه) كيسان المدني مولى أم شريك (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن الله يحب العطاس) الذي لا ينشأ عن زكام لأنه يكون
من خفة البدن وانفتاح السدد وذلك مما يقتضي النشاط
لفعل الطاعة والخير (ويكره التثاؤب) لأنه يكون عن غلبة
امتلاء البدن والإكثار من الأكل والتخليط فيه فيؤدي
إلى الكسل والتقاعد عن العبادة وعن
(9/127)
الأفعال المحمودة فالمحبة والكراهة
المذكوران منصرفان إلى ما ينشأ عن سببهما (فإذا عطس)
بفتح الطاء (فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته)
احتج به من قال بالوجوب وسبق ما فيه في الباب قبله
(وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان) لأنه الذي يزين
للنفس شهوتها من امتلاء البدن بكثرة المآكل
(فليرده) الذي يتثاوب (ما استطاع) إما بوضع يده على
فمه أو بتطبيق الشفتين (فإذا قال ها) هي حكاية صوت
المتثاوب (ضحك منه الشيطان) فرحًا بتشويه صورته.
والحديث سبق في بدء الخلق.
126 - باب إِذَا عَطَسَ كَيْفَ يُشَمَّتُ؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا عطس) أحد (كيف يشمت)
بفتح الميم المشددة على صيغة المجهول.
6224 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى
صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ -أَوْ
صَاحِبُهُ- يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ
يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ
وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان الهندي
الحافظ قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد
العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بكسر الجيم
بعدها شين معجمة مضمومة المدني نزيل بغداد قال:
(أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن دينار) المدني
العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن مولى ابن عمر (عن أبي
صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله) وعند أبي داود عن
موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز المذكور بلفظ فليقل
الحمد لله على كل حال (وليقل له أخوه) في الإسلام (أو
صاحبه) شك من الراوي (يرحمك الله) يحتمل أن يكون دعاء
بالرحمة وأن يكون خبرًا على طريق البشارة قاله ابن
دقيق العيد. قال: فكأن المشمت بشر العاطس بحصول الرحمة
له في المستقبل بسبب حصولها له في الحال لكونها دفعت
ما يضره، وفي الحديث أنه يخصه بالدعاء، وفي شعب
الإيمان للبيهقي وصححه ابن حبان من طريق حفص بن عاصم
عن أبي هريرة رفعه: لما خلق الله آدم عطس فألهمه ربه
أن قال: الحمد لله، فقال له ربه: يرحمك ربك. وأخرج
الطبري عن ابن مسعود قال: يقول يرحمنا الله وإياكم،
وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بنحوه، وفي الأدب
المفرد بسند صحيح عن أبي جمرة بالجيم عن ابن عباس: إذا
شمت يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله.
قال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث يقتضي أن السُّنّة لا
تتأدى إلا بالمخاطبة، وأما ما اعتاده كثير من الناس من
قولهم للرئيس يرحم الله سيدنا فخلاف السُّنّة، وبلغني
عن بعض الفضلاء أنه شمت رئيسًا فقال: يرحمك الله يا
سيدنا فجمع الأمرين وهو حسن (فإذا قال له: يرحمك الله
فليقل) له جوابًا عن التشميت (يهديكم الله ويصلح
بالكلم) حالكم أو شأنكم.
قال في الكواكب: اعلم أن الشارع إنما أمر العاطس
بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما احتقن في دماغه
من الأبخرة. قال الأطباء: العطسة تدل على قوة طبيعة
الدماغ وصحة مزاجه فهي نعمة، وكيف لا وهي جالبة للخفة
المؤدّية إلى الطاعات فاستدعى الحمد عليها، ولما كان
ذلك بغير الوضع الشخصي لحصول حركات غير مضبوطة بغير
اختيار، ولهذا قيل إنها زلزلة البدن أريد إزالة ذلك
الانفعال عنه بالدعاء له والاشتغال بجوابه ولما دعا له
كان مقتضى {وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها}
[النساء: 86] أن يكافئه بأكثر منها فلهذا أمر
بالدعوتين الأولى لفلاح الآخرة وهو الهداية المقتضية
له، والثانية لصلاح حاله في الدنيا وهو إصلاح البال
فهو دعاء له بخير الدارين وسعادة المنزلتين، وعلى هذا
قس أحكام الشريعة وآدابها اهـ.
وقد ذهب الكوفيون إلى أنه يقول: يغفر الله لنا ولكم،
وهذا أخرجه الطبري عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما. قال
ابن بطال: ذهب مالك والشافعي إلى أن يتخير بين
اللفظتين. وقال ابن رشد: الثاني أولى لأن المكلف محتاج
إلى طلب المغفرة والجمع بينهما أحسن إلا للذمي.
والحديث أخرجه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم
والليلة.
127 - باب لاَ يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ إِذَا لَمْ
يَحْمَدِ اللَّهَ
هذا (باب) بالتنوين (لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله)
بفتح ميم يشمت على صيغة المجهول وسقط باب لأبي ذر.
6225 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
التَّيْمِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه
- يَقُولُ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَشَمَّتَ
أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ فَقَالَ
الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ
تُشَمِّتْنِى؟ قَالَ: «إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ
وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سليمان)
(9/128)
بن طرخان (التيمي) أبو المعتمر نزل البصرة
(قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: عطس) بفتح
الطاء (رجلان عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الرجل)
العاطس الذي لم يشمت (يا رسول الله شمّت هذا ولم
تشمتني. قال):
(إن هذا حمد الله ولم تحمد الله). وفي الطبراني من
حديث سهل أن الرجلين هما عامر بن الطفيل بن مالك وابن
أخيه، وكان عامر قدم المدينة ووقع بينه وبين ثابت بن
قيس بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كلام، ثم عطس ابن أخيه فحمد فشمته النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم عطس عامر فلم يحمد
فلم يشمته فسأله، ومات عامر هذا كافرًا فكيف يخاطب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: يا
رسول الله فيحتمل كما قال في الفتح: أن يكون قالها غير
معتقد بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون، وأشار المصنف
-رحمه الله- بهذه الترجمة إلى أن الحكم عام وليس
مخصوصًا بالرجل الذي وقع له ذلك وإن كانت واقعة حال لا
عموم فيها، لكن ورد الأمر بذلك فيما أخرجه مسلم من
حديث أبي موسى بلفظ: إذا عطس أحدكم فشمّتوه، وإن لم
يحمد الله فلا تشمتوه، وهل هذا النهي للتحريم أو
التنزيه؟ الجمهور على أنه للتنزيه. قال النووي: يستحب
لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره الحمد ليحمد فيشمته.
(لطيفة):
أخرج ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن
أنه كان في سفينة فسمع عاطسًا على الشط حمد فاكترى
قاربًا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمّته ثم رجع فسئل
عن ذلك فقال: لعله يكون مجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا
قائلاً يقول: يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة
من الله بدرهم ذكره في الفتح.
128 - باب إِذَا تَثَاوَبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى
فِيهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا تثاوب) بالواو،
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تثاءب بالهمز (فليضع يده
على فيه) ليغطي بها ما انفتح منه حفظًا له عن الانتفاح
بسبب ذلك ويحصل ذلك بنحو الثوب أيضًا مما يحصل به
الغرض.
6226 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ،
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ
فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ
حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ
لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ
فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاوَبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ
أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ
الشَّيْطَانُ».
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي التيمي مولاهم
قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن
سعيد المقبري عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال): (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب)
بالهمزة مصححًا عليه في الفرع وأصله، وقد أنكر الجوهري
كونه بالواو فقال: تقول تثاءبت على تفاعلت ولا تقل
تثاوبت. وقال غير واحد: إنهما لغتان وبالهمز والمد
أشهر (فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقًّا على كل مسلم
سمعه أن يقول له يرحمك الله) أي حقًّا في حسن الآداب
ومكارم الأخلاق (وأما التثاؤب) بالواو (فإنما هو من
الشيطان) قال ابن العربي: كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى
الشيطان لأنه بواسطته وذلك بالامتلاء من الأكل الناشئ
عنه التكاسل وهو بواسطة الشيطان (فإذا تثاءب أحدكم
فليردّه ما استطاع) أي يأخذ في أسباب رده وليس المراد
أنه يملك دفعه لأنه الذي وقع لا يرد حقيقة أو المعنى
إذا أراد أن يتثاوب (فإن أحدكم إذا تثاءب) بالهمز
مصححًا عليه في الفرع (ضحك منه الشيطان) حقيقة أو
مجازًا عن الرضا به، والأصل الأول إذ لا ضرورة تدعو
إلى العدول عن الحقيقة، وفي مسلم من
حديث أبي سعيد: فإن الشيطان يدخل، وهذا يحتمل أن يراد
الدخول حقيقة وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم
لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا لله تعالى والمتثاوب
في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه
حقيقة، ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه
لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون تمكن منه.
وفي حديث أبي سعيد المقبري عن أبيه عند ابن ماجة: إذا
تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يعوي فإن الشيطان
يضحك منه. ويعوي بالعين المهملة فشبه التثاؤب الذي
يسترسل معه بعواء الكلب تنفيرًا عنه واستقباحًا له،
فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي، والمتثاوب إذا
أفرط في التثاؤب شابهه، ومن ثم تظهر النكتة في كونه
يضحك منه لأنه صيره ملعبة له بتشويه خلقته في تلك
الحالة
(9/129)
ولم يتعرض لأبي اليدين يضعها، وقع في صحيح أبي عوانة
أنه قال عقب الحديث: ووضع سهيل يعني راويه عن أبي سعيد
عن أبيه يده اليسرى على فيه، وهو محتمل لإرادة التعليم
خوف إرادة وضع اليمنى بخصوصها، وفي حديث أبي هريرة من
طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه التثاؤب في الصلاة
من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع، فقيّد
بحالة الصلاة فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد
وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته،
ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد، ولا يلزم من ذلك
أن لا يكره في غير حالة الصلاة ويؤيد كراهته مطلقًا
كونه مطلقًا وبذلك صرح النووي.
|