شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
83 - كتاب الأيمان والنذور
(كتاب الأيمان) بفتح الهمزة جميع يمين واليمين خلاف اليسار
وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين
صاحبه، وقيل لحفظها المحلوف عليه كحفظ اليمين وتسمى ألية
وحلفًا، وفي الشرع تحقيق الأمر المحتمل أو توكيده بذكر اسم
من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته. هذا إن قصد اليمين
الموجبة للكفارة وإلاّ فيزاد أو ما أقيم مقامه ليدخل نحو
الحلف بالطلاق أو العتق وهو ما فيه حث أو منع أو تصديق،
وخرج بالتحقيق لغو اليمين بأن سبق لسانه إلى ما لم يقصده
بها أو إلى لفظها كقوله في حال غضبه أو صلة كلام لا والله
تارة وبلى والله أخرى، وبالمحتمل غيره كقوله: والله لأموتن
أو لا أصعد إلى السماء فليس بيمين لامتناع الحنث فيه بذاته
بخلاف والله لأصعدن السماء فإنه يمين تلزم به الكفارة
حالاً (و) كتاب (النذور) جمع نذر وهو مصدر نذر بفتح الذال
المعجمة ينذر بضمها وكسرها والنذر في اللغة الوعد بخير أو
شر وشرعًا التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع، وزاد بعضهم
مقصودة، وقيل إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر، ومنهم من قال:
إن يلزم نفسه بشيء تبرعًا من عبادة أو صدقة أو نحوهما.
وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من نذر أن
يعصي الله فلا يعصه فإنما سماه نذرًا باعتبار الصورة كما
قال في الخمر وبائعها مع بطلان البيع، ولذا قال في الحديث
الآخر: لا نذر في معصية.
1 - باب
1 - باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ
يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ
أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ
أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا
حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[المائدة: 89].
(قول الله تعالى) بالرفع وفي نسخة باب قول الله تعالى:
({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}) مصدر لغًا يلغو
لغوًا والباء فيه متعلقة بيؤاخذكم ومعناها السببية، واللغو
الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولغو اليمين الساقط
الذي لا يعتد به في الأيمان. قال: إمامنا الشافعي وغيره:
هو قول الرجل في عرض حديثه لا والله وبلى والله من غير قصد
لها، وقيل هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق ثم يظهر أنه
خلاف ذلك، وبه قال أبو حنيفة: والمعنى لا يعاقبكم بلغو
اليمين الذي يحلفه أحدكم ({ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان}) أي بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها، والمعنى ولكن
يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان
معلومًا عندهم أو بنكث ما عقدتم فحذف
(9/362)
المضاف ({فكفارته}) أي فكفارة الحنث الدال
عليه سياق الكلام وإن لم يجر له ذكر، أو فكفارة نكثه فتكون
ما موصولة اسمية وهو على حذف مضاف كما قدره الزمخشري
والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تستر الخطيئة ({إطعام
عشرة مساكين}) إطعام مصدر مضاف لمفعوله، وهو أن يملك كل
واحد منهم مدًّا من حب من غالب قوت بلده ({من أوسط ما
تطعمون أهليكم أو كسوتهم}) عطف على إطعام، والمراد ما يسمى
كسوة مما يعتاد لبسه كعرقية ومنديل ولو ملبوسًا لم تذهب
قوّته ولو لم يصلح للمدفوع إليه كقميص صغير وعمامته وإزاره
وسراويله الكبير وكحرير لرجل لا نحو خف مما لا يسمى كسوة
كدرع من حديد ونحوه ({أو تحرير رقبة}) عطف على إطعام وهو
مصدر مضاف لمفعوله أي أو إعتاق رقبة مؤمنة بلا عيب يخل
بالعمل والكسب وأو للتخيير ({فمن لم يجد}) إحدى الثلاث أو
كان غير رشيد ({فصيام ثلاثة أيام}) ولو مفرّقة ({ذلك})
المذكور ({كفارة أيمانكم إذا حلفتم}) وحنثتم ({واحفظوا
أيمانكم}) فبرّوا فيها ولا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيرًا
أو فلا تحلفوا أصلاً ({كذلك}) مثل ذلك البيان ({يبين الله
لكم آياته}) أعلام شريعته وأحكامه ({لعلكم تشكرون})
[المائدة: 89] نعمته فيها يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه،
وسقط لأبي ذر قوله {ولكن يؤاخذكم} الخ وقال: الآية إلى
قوله {لعلكم تشكرون}.
6621 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو
الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - لَمْ يَكُنْ يَحْنَثُ فِى
يَمِينٍ قَطُّ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ
الْيَمِينِ وَقَالَ: لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ،
فَرَأَيْتُ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ
الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) بكسر الفوقية (أبو الحسن)
المروزي المجاور قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن
الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن أبا
بكر) الصديق -رضي الله عنه- (لم يكن يحنث) أي لم يكن من
شأنه أن يحنث (في يمين قط) سبق في تفسير المائدة حديث ابن
حبان كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إذا حلف على يمين لم يحنث فرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذكره الترمذي في العلل المفرد وقال:
سألت محمدًا يعني البخاري عنه فقال: هذا خطأ، والصحيح كان
أبو بكر وكذلك رواه سفيان ووكيع عن
هشام بن عروة (حتى أنزل الله) عز وجل في كتابه العزيز
(كفارة اليمين) أي آيتها وهي قوله تعالى: {فكفارته إطعام
عشرة مساكين} [المائدة: 89] إلى آخرها (وقال: لا أحلف على
يمين) أي محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما،
والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ هو قبل اليمين
ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة، وفي مسلم لا
أحلف على أمر (فرأيت غيرها خيرًا منها) الرؤية هنا علمية
وغيرها مفعولها الأوّل وخيرًا الثاني، ومنها متعلق بخيرًا
وأعاد الضمير مؤنفثًا مع كون المحلوف مذكرًا باعتبار
المذكور لفظًا وهو اليمين، والمعنى لا أحلف على أمر فيظهر
لي بالعلم أو بغلبة الظن أن غير المحلوف عليه خير منه (إلا
أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) عن حكمها وما يترتب
عليها من الإثم. قيل هذا قاله الصديق -رضي الله عنه- لما
حلف لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما
قال، وأنزل الله براءتها وطابت نفوس المؤمنين وتاب الله
على من كان خاض في حديث الإفك وأنزل الله تعالى {ولا يأتل
أولو الفضل منكم والسعة} [النور: 22] الآية أي لا يحلف
أولو الفضل منكم أن لا يصلوا قراباتهم المساكين المهاجرين
فرجع الصديق إلى مسطح ما كان يصله به من النفقة.
والحديث من أفراده.
6622 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ
قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لاَ
تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ
مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ
غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ
عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا
فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ».
[الحديث 6622 - أطرافه في: 6677، 7146، 7147].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل) عارم السدوسي
قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي قال: (حدّثنا الحسن)
البصري قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن سمرة) بفتح السين
المهملة والراء بينهما ميم مضمومة ابن حبيب، وقيل كان اسمه
عبد كلال فغيره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. قال البخاري له: صحبة وكان إسلامه يوم الفتح
وشهد غزوة تبوك وافتتح سجستان وغيرها في خلافة عثمان ثم
نزل البصرة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث -رضي الله
عنه- أنه (قال: قال) لي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يا عبد الرَّحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة) بكسر الهمزة
(9/363)
مصدر أمر ولا ناهية، وتسأل مجزوم بالنهي
والإمارة مفعول به والفاعل مستتر يعود على عبد الرَّحمن
وكسرت اللام لالتقاء الساكنين أي لا تسأل الولاية (فإنك إن
أوتيتها) الفاء للعطف (عن مسألة) وجواب الشرط قوله (وكلت
إليها) بضم الواو وكسر الكاف وسكون اللام يقال وكله إلى
نفسه وكلاً ووكولاً وهذا الأمر موكول إليّ ومنه قول
النابغة:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
أي أن الإمارة أمر شاق لا يخرج عن عهدتها إلا أفراد من
الرجال فلا تسألها عن تشوّف نفس فإنك إن سألتها تركت معها
فلا يعينك الله عليها وحينئذٍ فلا يكون فيه كفاية لها ومن
كان هذا شأنه لا يولى (وإن أوتيتها من) ولأبي ذر عن
الكشميهني وإنك إن أوتيتها عن (غير مسألة أعنت عليها) وعن
يحتمل أن تكون بمعنى الباء أي بمسألة أي بسبب مسألة قال
امرؤ القيس:
تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل
أي بأسيل (وإذا حلفت على) محلوف (يمين فرأيت غيرها خيرًا
منها فكفّر عن يمنيك وائت الذي هو خير) ظاهره تقديم
التكفير على إتيان المحلوف عليه والرواية السابقة تأخيره،
ومذهب إمامنا الشافعي ومالك والجمهور جواز التقديم على
الحنث لكن يستحب كونه بعده، واستثنى الشافعي التكفير
بالصوم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم قبل وقتها كصوم رمضان،
واستثنى بعض أصحابه حنث المعصية كأن حلف لا يزني لما في
التقديم من الإعانة على المعصية والجمهور على الإجزاء لأن
اليمين لا يحرم ولا يحلل، ومنع أبو حنيفة وأصحابه وأشهب من
المالكية التقديم. لنا قوله فكفر عن يمينك وائت الذي هو
خير.
فإن قيل: الواو لا تدل على الترتيب. أجيب: برواية أبي داود
والنسائي فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير. فإن قلت: ما
مناسبة هذه الجملة للسابقة؟ أجيب: بأن الممتنع من الإمارة
قد يؤدي به الحال إلى الحلف على عدم القبول مع كون المصلحة
في ولايته.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأحكام وفي الكفارات،
ومسلم في الأيمان، وأبو داود في الخراج، والترمذي في
الأيمان، وأخرج النسائي قصة الإمارة في القضاء والسير وقصة
اليمين في الأيمان.
6623 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ
أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنَ
الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ
أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ»
قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ
ثُمَّ أُتِىَ بِثَلاَثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَحَمَلَنَا
عَلَيْهَا، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: أَوْ قَالَ:
بَعْضُنَا، وَاللَّهِ لاَ يُبَارَكُ لَنَا أَتَيْنَا
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ
حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُذَكِّرُهُ فَأَتَيْنَاهُ
فَقَالَ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ
حَمَلَكُمْ وَإِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ
أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا
إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ
خَيْرٌ، أَوْ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ
عَنْ يَمِينِى».
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد عارم بن الفضل قال:
(حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الأزرق أحد
الأعلام (عن غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة وسكون
التحتية وفتح جيم جرير الأزدي البصري من صغار التابعين (عن
أبي بردة) بضم الموحدة اسمه الحارث أو
عامر (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه
(قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
رهط) رجال دون العشرة (من الأشعريين) جمع أشعري نسبة إلى
الأشعر بن ادد بن يشجب، وقيل له الأشعر لأن أمه ولدته أشعر
(أستحمله) أي أطلب منه ما يحملنا من الإبل ويحمل أثقالنا
لأجل غزوة تبوك (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال) أبو موسى:
(ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم أتي) بضم الهمزة أي
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بثلاث ذود)
بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة ما بين
الثلاث إلى العشر. وقال أبو عبيد: هي من الإناث فلذا قال:
بثلاث ذود ولم يقل بثلاثة ذود (غر الذرى) بضم الغين
المعجمة وتشديد الراء جمع أغر وهو الأبيض الحسن والذرى بضم
الذال المعجمة وفتح الراء جمع ذروة بالكسر والضم وذروة كل
شيء أعلاه والمراد هنا الأسنمة (فحملنا) بفتح الفاء والحاء
والميم واللام (عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا
والله لا يبارك لنا) فيها (أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا)
بفتح اللام (فارجعوا بنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكره) بضم النون وكسر الكاف مشددة
بيمينه (فأتيناه) فذكرنا له (فقال: ما أنا حملتكم بل الله)
عز وجل (حملكم) أي إنما أعطيتكم من مال الله أو بأمر الله
لأنه كان يعطي بالوحي
(9/364)
(وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين
فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو
خير) منها (أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) أي لا
أحلف على موجب يمين لأن اليمين توجبه والموجب هو الذي
انعقد عليه الحلف وخبر إن جملة لا أحلف وجواب القسم محذوف
سد مسد خبر إن، ويحتمل أن يكون لا أحلف جواب القسم، وخبر
إن القسم، وجوابه إن شاء الله جملة معترضة لا محل لها وقدم
استثناء المشيئة وكان موضعه عقب جواب القسم، وذلك أن جواب
القسم جاء بلا وعقبه الاستثناء بإلاّ فلو تأخر استثناء
المشيئة حتى يجيء الكلام والله لا أحلف على يمين فأرى
غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير إن شاء الله لاحتمل
أن يرجع إلى قوله أتيت أو إلى قوله هو خير، فلما قدّمه
انتفى هذا التخيل، وأيضًا ففي تقديمه اهتمام به لأنه
استثناء مأمور به شرعًا، وينبغي أن يبادر بالمأمور به
والتعليق بالمشيئة هنا الظاهر أنه للتبرك، وإلاّ فحقيقته
ترفع القسم المقصود هنا لتأكيد الحكم وتقرير وهل يحكم على
اليمين المقيدة بتعليق المشيئة إذا قصد بها التعليق أنها
منعقدة أو لم تنعقد أصلاً فيه خلاف لأصحابنا. وقوله: أو
أتيت إما شك من الراوي في تقديم أتيت على كفرت والعكس،
وإما تنويع من الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إشارة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في كفارات الأيمان، وسبق
مطوّلاً في كتاب الخمس، وأخرجه مسلم في الأيمان وكذا أبو
داود والنسائي وأخرجه ابن ماجة في الكفارات.
6624 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا
أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ
السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن
إبراهيم) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه أو
هو ابن نصر قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد
الأعلام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن
همام بن منبه) الصنعاني أنه (قال: هذا ما حدّثنا أبو
هريرة) -رضي الله عنه- ولأبي ذر به أبو هريرة (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(نحن الآخرون) المتأخرون وجودًا في الدنيا (السابقون)
الأمم (يوم القيامة) حسابًا ودخولاً للجنة.
6625 - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «وَاللَّهِ لأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ
بِيَمِينِهِ فِى أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ
أَنْ يُعْطِىَ كَفَّارَتَهُ الَّتِى افْتَرَضَ اللَّهُ
عَلَيْهِ».
(فقال) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: وقال (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله لأن) بفتح
اللام وهي لتأكيد القسم (يلج) بفتح التحتية واللام والجيم
المشددة من اللجاج وهو الإصرار على الشيء مطلقًا أي لأن
يتمادى (أحدكم بيمينه) الذي حلفه (في) أمر بسبب (أهله) وهم
يتضررون بعدم حنثه ولم يكن معصية (آثم له) بفتح الهمزة
الممدودة والمثلثة أشد إثمًا للحالف المتمادي (عند الله من
أن) يحنث و (يعطي كفارته التي افترضـ) ـها (الله) عز وجل
(عليه) فينبغي له أن يحنث ويفعل ذلك ويكفر فإن تورع عن
ارتكاب الحنث خشية الإثم أخطأ بإدامة الضرر على أهله لأن
الإثم في اللجاج أكثر منه في الحنث على زعمه أو توهمه.
وقال ابن المنير: وهذا من جوامع الكلم وبدائعه، ووجهه أنه
إنما تحرجوا من الحنث والحلف بعد الوعد المؤكد باليمين،
وكان القياس يقتضي أن يقال لجاج أحدكم آثم له من الحنث،
ولكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل عن
ذلك إلى ما هو لازم الحنث وهو الكفارة لأن المقابلة بينها
وبين اللجاج أفحم للخصم وأدل على سوء نظر المتنطع الذي
اعتقد أنه تحرج من الإِثم، وإنما تحرج من الطاعة والصدقة
والإحسان وكلها تجتمع في الكفارة ولهذا عظم شأنها بقوله
التي افترض الله عليه، وإذا صح أن الكفارة خير له ومن
لوازمها الحنث صح أن الحنث خير له، ولأن يلج أحدكم بيمينه
في أهله أي لأن يصمم أحدكم في قطيعة أهله ورحمة بسبب يمينه
التي حلفها على ترك برهم آثم له عند الله من كذا انتهى.
وفي هذا الحديث أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا
كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه، فإن
حلف على ارتكاب معصية كترك واجب عيني وفعل حرام عصى بحلفه
ولزمه حنث وكفارة إذا لم يكن له طريق سواه، وإلاّ فلا كما
لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقًا بأن يعطيها من
صداقها أو يقرضها ثم يبرئها لأن
(9/365)
الغرض حاصل مع بقاء التعظيم وإن حلف على
ترك مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب سن ترك
حنثه لما فيه من تعظيم اسم الله نعم إن تعلق بتركه أو عله
غرض ديني كأن حلف أن لا يمس طيبًا ولا
يلبس ناعمًا فقيل: يمين مكروهة، وقيل: يمين طاعة اتباعًا
للسلف في خشونة العيش، وقيل: يختلف باختلاف أحوال الناس
وقصودهم وفراغهم. قال الرافعي والنووي: وهو الأصوب وإذا
حلف على ترك مندوب كسنة ظهر أو فعل مكروه كالالتفات في
الصلاة سنّ حنثه وعليه الكفارة أو على فعل مندوب أو ترك
مكروه كره حنثه وعليه بالحنث كفارة.
ومناسبة الحديث لما ترجم له في قوله: لأن يلج الخ، وقوله:
نحن الآخرون السابقون يوم القيامة طرف من حديث سبق من غير
هذا الوجه عن أبي هريرة في أول كتاب الجمعة، وقد كرر
البخاري هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة
همام من رواية معمر عنه وهو أول حديث في النسخة، وكان همام
يعطف عليه بقية الأحاديث بقوله وقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
6626 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ يَعْنِى ابْنَ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ،
عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنِ اسْتَلَجَّ فِى أَهْلِهِ بِيَمِينٍ،
فَهْوَ أَعْظَمُ إِثْمًا لِيَبَرَّ» يَعْنِى
الْكَفَّارَةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق يعني
ابن إبراهيم) وسقط لأبي ذر يعني ابن إبراهيم: وقال في
الفتح: جزم أبو علي الغساني بأنه ابن منصور وصنيع أبي نعيم
في مستخرجه يقتضي أنه إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله. وقال
العيني: وأما النسخة التي فيها يعني ابن إبراهيم فما أزالت
الإبهام لأن في مشايخ البخاري إسحاق بن إبراهيم بن نصر
وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن وإسحاق بن إبراهيم
الصوّاف وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه فالصواب
أنه ابن منصور قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي بتخفيف
الحاء المهملة وبعد الألف ظاء مشالة معجمة، وقد حدث عنه
البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وبواسطة في كتاب الحج
وغيره قال: (حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام الحبشي
الأسود (عن يحيى) بن أبي كثير بالمثلثة (عن عكرمة) مولى
ابن عباس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من استلج) بسين مهملة ساكنة ففوقية ثم لام مفتوحتين ثم
جيم مشدّدة استفعل من اللجاج أي من استدام (في أهله بيمين)
حلفه في أمر يتعلق بهم يضرهم به (فهو) أي استدامته على
اليمين مع تضرر أهله (أعظم إثمًا) من حنثه (ليبر) بكسر
اللام وفتح التحتية بعدها موحدة فراء مشددة واللام للأمر
بلفظ أمر الغائب من البرّ أي ليترك اللجاج ويفعل المحلوف
عليه ويبر (يعني) بالبر (الكفارة) عن اليمين الذي حلفه
ويفعل المحلوف عليه إذ الإضرار بالأهل أعظم إثمًا من حنث
اليمين، وذكر الأهل في الحديثين خرج مخرج الغالب وإلاّ
فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: ليس بفتح اللام وسكون التحتية بعدها سين
مهملة تغني الكفارة بضم الفوقية وسكون الغين المعجمة بعدها
نون مكسورة، والكفارة رفع أي أن الكفارة لا تغني عن ذلك
وهو خلاف المراد، فالأولى أوضح. وقيل في توجيه هذه الأخيرة
أن المفضل عليه
محذوف، والمعنى أن الاستلجاج أعظم إثمًا من الحنث، والجملة
استئنافية، المراد أن ذلك الإثم لا تغني عنه كفارة. وقال
ابن حزم: لا جائز أن يحمل على اليمين الغموس لأن الحالف
بها لا يسمى مستلجًا في أهله بل صورته أن يحلف أن يحسن إلى
أهله ولا يضرهم، ثم يريد أن يحنث ويلج في ذلك فيضرهم ولا
يحسن إليهم ويكفر عن يمينه فهذا مستلج بيمينه في أهله آثم،
ومعنى قوله لا تغني الكفارة أن الكفارة لا تحبط عنه إثم
إساءته إلى أهله ولو كانت واجبة عليه، وإنما هي متعلقة
باليمين التي حلفها. قال ابن الجوزي: قوله ليس تغني
الكفارة كأنه أشار به إلى أن إثمه في قصده أن لا يبر ولا
يفعل الخير فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك القصد.
2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «وَايْمُ اللَّهِ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
يمينه (وايم الله) من ألفاظ القسم كقوله لعمر الله وعهد
الله وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي قسمي أو يميني أو
لازم لي وفيها لغات كثيرة
(9/366)
وتفتح همزتها وتكسر وهمزتها همزة وصل وقد
تقطع ونحاة الكوفة يقولون إنها جمع يمين وغيرهم يقولون هي
اسم موضوع للقسم. وقال المالكية والحنفية: إنها يمين، وقال
الشافعية: إن نوى اليمين انعقد وإن نوى غير اليمين لم
ينقعد يمينًا وإن أطلق فوجهان أصحهما لا ينقعد، وعن أحمد
روايتان أصحهما الانعقاد، وحكى الغزالي في معناها وجهين:
أحدهما أنه كقوله بالله، والثاني وهو الراجح أنه كقوله:
أحلف بالله.
6627 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ
زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِى إِمْرَتِهِ فَقَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِى إِمْرَتِهِ،
فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِى إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ
قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا
لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ
إِلَىَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ
بَعْدَهُ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (عن
إسماعيل بن جعفر) وفي نسخة باليونينية: حدّثنا إسماعيل بن
جعفر المدني (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن ابن عمر
-رضي الله عنهما-) أنه (قال: بعث رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا) وهو البعث الذي أمر
بتجهيزه عند موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأنفذه أبو بكر -رضي الله عنه- بعده (وأمّر عليهم) بتشديد
الميم جعل عليهم أميرًا (أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في
إمرته) بكسر الهمزة وسكون الميم، ولأبي ذر عن الكشميهني في
إمارته وكان أشدهم في ذلك كلامًا عياش بن أبي ربيعة
المخزومي فقال: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين وكان فيهم
أبو بكر وعمر فسمع عمر ذلك فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(إن كنتم تطعنون في إمرته) بضم العين وفتحها في الفرع
كأصله قيل وهما لغتان (فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه) زيد
بن حارثة (من قبل) في غزوة مؤتة (وايم الله) أي أحلف بالله
(إن كان)
زيد (لخليقًا) بفتح اللام والخاء المعجمة وبالقاف لجديرًا
(للإمارة) بكسر الهمزة (وإن كان لمن أحب الناس إليّ)
بتشديد الياء (وإن هذا) أسامة ابنه (لمن أحب الناس إلي
بعده).
والحديث سبق في مناقب زيد.
3 - باب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
وَقَالَ سَعْدٌ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ».
وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ هَا
اللَّهِ إِذًا يُقَالُ وَاللَّهِ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ.
هذا (باب) بالتنوين (كيف كانت يمين النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي كان يواظب على القسم بها أو
يكثر.
(وقال سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص مما وصله المؤلّف في
مناقب عمر -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أيها يا ابن الخطاب (والذي نفسي
بيده) أي قدرته وتصريفه: (ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط
إلا سلك فجًّا غير فجك).
(وقال أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري مما سبق موصولاً
في باب من لم يخمس الأسلاب من كتاب الخمس (قال أبو بكر)
-رضي الله عنه- (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) عام حنين (لاها الله) بالوصل أي لا والله
(إذًا) بالتنوين جواب وجزاء أي لا والله إذا صدق لا يكون
كذا، وتمامه لا يعمد يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيعطيك سلبه فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق فاعطه
الحديث، وسبق في الباب المذكور قال البخاري: (يقال والله)
بالواو (وبالله) بالموحدة (وتالله) بالفوقية يريد أنها
حروف قسم فالأولان يدخلان على كل ما يقسم به والثالث لا
يدخل إلا على الجلالة الشريفة. نعم سمع شاذًا ترب الكعبة
وتالرحمن. ونقل الماوردي أن أصل حروف القسم الواو ثم
الموحدة ثم المثناة، ونقل ابن الصباغ عن أهل اللغة أن
الموحدة هي الأصل وأن الواو بدل منها وأن المثناة بدل من
الواو، وقوّاه ابن الرفعة بأن الباء تعمل في الضمير بخلاف
الواو، ولو قال الله مثلاً بتثليث آخره أو تسكينه لأفعلن
كذا فكناية إن نوى بها اليمين فيمين وإلاّ فلا واللحن لا
يمنع الانعقاد، ولو قال: أقسمت أو قسم أو حلفت أو أحلف
بالله لأفعلن كذا فيمين لأنه عرف الشرع. قال تعالى:
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] إلا إن نوى
خبرًا ماضيًا في صيغة الماضي أو مستقبلاً في المضارع فلا
يكون يمينًا لاحتمال ما نواه.
6628 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ وَمُقَلِّبِ
الْقُلُوبِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي (عن
سفيان) الثوري (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف
(عن سالم عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كانت
يمين
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي يحلف بها
(لا ومقلب القلوب) بالإعراض والأحوال. قال الراغب: تقليب
الله القلوب والأبصار صرفها عن رأي إلى رأي
(9/367)
والتقليب الصرف وسمي قلب الإنسان لكثرة
تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح
والعلم والشجاعة. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: القلب
جزء من البدن خلقه الله وجعله للإنسان محل العلم والكلام
وغير ذلك من الصفات الباطنة وجعل ظاهر البدن محل التصرفات
الفعلية والقولية ووكل به ملكًا يأمره بالخير وشيطانًا
يأمره بالشر فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه
والقضاء والقدر مسيطر على الكل والقلب يتقلب بين الخواطر
الحسنة والسيئة والمحفوظ من حفظه الله تعالى، وقد تمسك
بهذا الحديث من أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله
تعالى فحنث ولا نزاع في أصل ذلك، وإنما اختلف في أي صفة
تنعقد بها اليمين، والتحقيق أنها مختصة بالصفة التي لا
يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب.
والحديث سبق في باب: يحول بين المرء وقلبه.
6629 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا
هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِى
بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ
اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن عبد الملك) بن عمير
الكوفي (عن جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(إذا هلك) أي مات (قيصر) وهو هرقل ملك الروم (فلا قيصر
بعده) يملك مثل ما ملك (وإذا هلك) أي مات (كسرى) أنوشروان
بن هرمز ملك الفرس (فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده) أي
بقدرته يصرفها كيف يشاء أو الذي أعبده وهذا موضع الترجمة
(لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) عز وجل وفيه علم من أعلام
النبوة إذ وقع كما أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
والحديث سبق في الجهاد.
6630 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا
هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ
قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى
سَبِيلِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي
الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) في العراق (وإذا هلك قيصر
فلا قيصر بعده) في الشام وهذا قاله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوب أصحابه من قريش
وتبشيرًا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين
لأنهم كانوا يأتونهما للتجارة، فلما أسلموا خافوا انقطاع
سفرهم إليها فأما كسرى فقد مزق الله ملكه بدعائه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مزق كتابه ولم يبق له
بقية وزال ملكه من جميع الأرض، وأما قيصر فإنه لما ورد
عليه كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أكرمه ووضعه في المسك فدعا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يثبت الله ملكه فثبت ملكه في الروم وانقطع
عن الشام (والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل
الله) عز وجل بفتح قاف تنفقن أي مالهما المدفون أو الذي
جمع وادخر، وقد وقع ذلك كما أخبر الصادق -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وقال أهل التاريخ: كان في القصر الأبيض لكسرى ثلاثة آلاف
ألف ألف ألف ثلاث مرّات غير أن رستم لما مرّ منهزمًا حمل
معه نصف ما كان في بيوت الأموال وترك النصف فنقله المسلمون
فأصاب الفارس اثني عشر ألفًا.
والحديث سبق في علامات النبوّة.
6631 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى
الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ
وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ
كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد) هو ابن
سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وبعد
المهملة هاء تأنيث ابن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه)
عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم) من أمور الآخرة
وشدّة أهوالها وما أعدّ في النار لمن دخلها وما في الجنة
من الثواب (لبكيتم) لذلك بكاء (كثيرًا ولضحكتم) ضحكًا
(قليلاً) جواب القسم السادّ مسدّ جواب لو لبكيتم الخ وفيه
كما في الفتح دلالة على اختصاصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بمعارف بصري وقلبية قد يطلع الله تعالى غيره
عليها من المخلصين من أمته، لكن بطريق الإجمال وأما
تفاصيلها فمما اختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فجمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع
الخشية القلبية استحضار العظمة الإلهية على وجه لم يكن
لغيره زاده الله تعالى شرفًا.
(9/368)
فإن قلت: الخطاب إما أن يكون للمؤمنين خاصة
أو عامًّا فإن كان الأول فليس ثمة ما يوجب تقليل الضحك
وتكثير البكاء لأن المؤمن وإن دخل النار فعاقبته الجنة لا
محالة مخلدًا فيها فمدة ما يوجب البكاء بالنسبة إلى ما
يوجب الضحك والسرور نسبة شيء يسير إلى شيء لا يتناهى، وذلك
يوجب العكس، وإن كان الثاني فليس للكافر ما يوجب الضحك
أصلاً. أجيب: بأن الخطاب للمؤمنين وخرج في مقام ترجيح
الخوف على الرجاء إخافة على الخاتمة.
والحديث سبق في الرقاق.
6632 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ، حَدَّثَنِى أَبُو
عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ
آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ
كُلِّ شَىْءٍ، إِلاَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ: «لاَ وَالَّذِى
نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ
نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ
وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الآنَ
يَا عُمَرُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي قال: (حدثني)
بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد
(حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة آخره
هاء تأنيث ابن شريح قال: (حدثني) بالإفراد (أبو عقيل) بفتح
العين وكسر القاف (زهرة بن معبد) بضم الزاي وسكون الهاء
بعدها راء مفتوحة ومعبد بفتح الميم والموحدة بينهما عين
مهملة ساكنة (أنه سمع جده عبد الله بن هشام) -رضي الله
عنه- القرشي التيمي له ولأبيه صحبة. قال البغوي: سكن
المدينة (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه-
(فقال له عمر: يا رسول الله) والله (لأنت أحب إليّ) بتشديد
الياء واللام لتأكيد القسم المقدر (من كل شيء إلا من نفسي)
ذكر حبه لنفسه بحسب الطبع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: لا) يكمل إيمانك (والذي نفسي بيده
حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عمر) -رضي الله عنه- لما علم أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو السبب في
نجاة نفسه من الهلكات (فإنه الآن والله) يا رسول الله
(لأنت أحب إليّ من نفسي) فأخبر بما اقتضاه الاختيار بسبب
توسط الأسباب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) له: (الآن) عرفت فنطقت بما يجب عليك (ياعمر).
وهذا الحديث ذكره في مناقب عمر بعين هذا السند لكنه اقتصر
منه على قوله: وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقط، وهو مما
انفرد البخاري بإخراجه.
6633 و 6634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى
مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ
أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحَدُهُمَا:
اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ الآخَرُ وَهْوَ
أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ
بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِى أَنْ
أَتَكَلَّمَ قَالَ: «تَكَلَّمْ» قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ
عَسِيفًا عَلَى هَذَا، قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ:
الأَجِيرُ، زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ
عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ
شَاةٍ وَجَارِيَةٍ، ثُمَّ إِنِّى سَأَلْتُ أَهْلَ
الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ مَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى
امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ
لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا
غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ» وَجَلَدَ
ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأُمِرَ أُنَيْسٌ
الأَسْلَمِىُّ أَنْ يَأْتِىَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ
اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني)
بالإفراد (مالك) هو الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن
عتبة) بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة (ابن مسعود عن
أبي هريرة) -رضي الله عنه- (وزيد بن خالد) الجهني المدني
من مشاهير الصحابة -رضي الله عنه- (أنهما أخبراه أن رجلين)
لم يسميا (اختصما إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله) تعالى
(وقال الآخر وهو أفقههما) جملة معترضة لا محل لها من
الإعراب وإنما كان أفقه لحسن أدبه باستئذانه أوّلاً أو
أفقه في هذه القصة لوصفها على وجهها أو كان أكثر فقهًا في
ذاته (أجل) بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام مخففة أي نعم
(يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله) عز وجل (وائذن لي أن
أتكلم قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(تكلم) بما في نفسك (قال: إن ابني كان عسيفًا) بالعين
المفتوحة والسين المكسورة المهملتين وبعد التحتية الساكنة
فاء فعيل بمعنى مفعول (على هذا) وعلى بمعنى اللام أي
أجيرًا لهذا أو بمعنى عند أي أجيرًا عند هذا أو أجيرًا على
خدمة هذا فحذف المضاف (قال مالك) الإمام -رحمه الله-
(والعسيف الأجير، زنى بامرأته فأخبروني) أي العلماء (أن
على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية) فمن للبدلية
زاد أبو ذر عن الكشميهني لي (ثم إني سألت أهل العلم) كان
يفتي في الزمن النبوي الخلفاء الأربعة وأبي ومعاذ وزيد بن
ثابت الأنصاريون فيما ذكره العذري بلاغًا (فأخبروني أن ما
على ابني) ما موصول بمعنى الذي والصلة على ابني أي الذي
استقرّ على ابني (جلد مائة وتغريب عام) أي ولاء لمسافة
القصر لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن (وإنما
الرجم على امرأته. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أما) بتخفيف الميم وهي ساقطة
للكشميهني (والذي) أي وحق الذي (نفسي بيده) فالذي مع صلته
وعائده مقسم به وجواب القسم (لأقضين بينهما
(9/369)
بكتاب الله) أي بما تضمنه كتاب الله أو
بحكم الله وهو أولى لأن الحكم فيه التغريب والتغريب ليس
مذكورًا في القرآن (أما غنمك وجاريتك فردّ عليك) أي
فمردودة فأطلق المصدر على المفعول نحو ثوب نسج اليمين أن
منسوج اليمن (وجلد ابنه) بالنصب على المفعولية وفي نسخة
وجلد بضم الجيم مبنيًّا للمفعول ابنه رفع نائب عن الفاعل
(مائة وغربه عامًا وأمر) بضم الهمزة (أنيس) بضم الهمزة
وفتح النون والرفع نائب عن الفاعل ابن الضحاك (الأسلمي)
صفة لأبي ذر أمر بفتح الهمزة أنيسًا نصب على المفعولية
الأسلمي (أن يأتي امرأة الآخر) فيعلمها بأن هذا الرجل
قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه به أو تعفو (فإن
اعترفت) بالزنا (رجمها) لأنها محصنة وللكشميهني فارجمها
فذهب إليها أنيس فسألها (فاعترفت) به فأخبر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فرجمها) أي فأمر برجمها
فرجمت.
وفيه أن مطلق الاعتراف يوجب الحدّ وهو مذهب مالك والشافعي
لقوله لأنيس: "فإن اعترفت فارجمها" فعلق الرجم على مجرد
الاعتراف وإنما كرّره على ماعز كما في حديثه لأنه شك في
عقله، ولهذا قال له: أبك جنون، وقال الحنفية: لا يجب إلا
بالاعتراف في أربعة مجالس، وقال أحمد: أربع في مجلس أو
مجالس والغرض من حديث الباب قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- "أما والذي نفسي بيده
لأقضين" ويأتي إن شاء الله تعالى في الحدود، وقد ذكره
المؤلّف في مواضع كثيرة مختصرًا في الصلح والأحكام
والوكالة والشروط والشهادات وغيرها.
6635 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِى يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى
بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ
أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرًا
مِنْ تَمِيمٍ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَغَطَفَانَ
وَأَسَدٍ خَابُوا وَخَسِرُوا» قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ:
«وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (عبد الله بن
محمد) الجعفي المسندي قال: (حدّثنا وهب) بفتح الواو وسكون
الهاء ابن جرير بن حازم الأزدي الحافظ قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في
الحديث (عن محمد بن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي
يعقوب الضبي ونسبه لجده (عن عبد الرَّحمن بن أبي بكرة)
بفتح الموحدة وسكون الكاف وبعد الراء تاء تأنيث الثقفي (عن
أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث بضم النون وفتح الفاء وسكون
التحتية بعدها عين مهملة ابن كلدة بفتحتين أسلم بالطائف ثم
نزل البصرة رضى الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(أرأيتم) أي أخبروني (إن كان أسلم) بن أفصى (وغفار) بكسر
الغين المعجمة وتخفيف الفاء (ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي
(وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء وبعد التحتية الساكنة نون
الأربعة قبائل مشهورة (خير من تميم وعامر بن صعصعة) وفي
أوائل المبعث من بني تميم وبني عامر (وغطفان) بفتح الغين
المعجمة والطاء المهملة والفاء (وأسد) وخبر إن قوله
(خابوا) بالخاء المعجمة والموحدة من الخيبة (وخسروا)
والضمير كما قال في الكواكب راجع إلى الأربعة الأقرب وهم
تميم الخ (قالوا: نعم) خابوا وخسروا وفي أوائل المبعث أن
القائل هو الأقرع بن حابس (فقال: والذي نفسي بيده إنهم) أي
أسلم وغفار ومزينة وجهينة (خير منهم) أي من تميم ومن بعدهم
والمراد خيرية المجموع على المجموع وإن جاز أن يكون من
المفضولين فرد أفضل من فرد الأفضلين.
والحديث سبق في المبعث.
6636 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ
عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ عَامِلاً فَجَاءَهُ الْعَامِلُ
حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِى فَقَالَ لَهُ:
«أَفَلاَ قَعَدْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ
فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ»؟ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشِيَّةً
بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَمَا
بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ:
هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِىَ لِى، أَفَلاَ
قَعَدَ
فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ
أَمْ لاَ؟ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ
يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ
كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ
بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً
جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ» فَقَالَ أَبُو
حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ
إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: وَقَدْ
سَمِعَ ذَلِكَ مَعِى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلُوهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن أبي حميد) بضم
الحاء المهملة قيل اسمه عبد الرَّحمن وقيل المنذر
(الساعدي) -رضي الله عنه- (أنه أخبره أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمل عاملاً) هو عبد الله
بن اللتبية بضم اللام وسكون الفوقية وكسر الموحدة وتشديد
التحتية على الصدقة (فجاءه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (العامل) ابن اللتبية (حين فرغ من عمله) فحاسبه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: يا رسول الله
هذا لكم وهذا أهدي لي فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (له):
(أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى) بهمزة الاستفهام
وضم التحتية وفتح الدال المهملة (لك أم لا.
(9/370)
ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو
أهله ثم قال أما بعد فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول
هذا من عملكم وهذا أهدي ليس أفلا قعد في بيت أبيه وأمه
فنظر هل يهدى له أم لا فوالذي نفس محمد بيده) وهذا موضع
الترجمة (لا يغل) بضم الغين المعجمة وتشديد اللام لا يخون
(أحدكم منها) من الصدقة (شيئًا إلا جاء به يوم القيامة)
حال كونه (يحمله على عنقه إن كان) الذي غله (بعيرًا جاء
به) حال كونه (له رغاء) بضم الراء وفتح الغين المعجمة
ممدودًا صفة لبعير أي صوت (وإن كانت) المغلولة (بقرة جاء
بها) يوم القيامة يحملها على عنقه (لها خوار) بضم الخاء
المعجمة وتخفيف الواو صوت (وإن كانت شاة جاء بها) يوم
القيامة يحملها على عنقه (تيعر) بفتح الفوقية وسكون
التحتية وفتح العين المهملة بعدها راء تصوّت (فقد بلغت) ما
أمرت به (فقال أبو حميد) الساعدي -رضي الله عنه- (ثم رفع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده)
بالإفراد (حتى إنا لننظر إلى عفرة إبطيه) بضم العين
المهملة وسكون الفاء وبالراء بياضهما المشوب بالسمرة.
(قال أبو حميد) الساعدي -رضي الله عنه- بالسند المذكور
(وقد سمع ذلك) الحديث (معي زيد بن ثابت) أبو سعيد الأنصاري
كاتب الوحي (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فسلوه) بفتح السين من غير همز.
والحديث سبق في باب من لم يقبل الهدية لعلة من كتاب الهبة.
6637 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ
هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ
مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ
قَلِيلاً».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن
موسى) الفراء أبو إسحاق الرازي المعروف بالصغير قال:
(أخبرنا هشام هو ابن يوسف) الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد
(عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه
(قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم) من أهوال يوم
القيامة (لبكيتم) بفتح الكاف (كثيرًا ولضحكتم قليلاً) وكل
من كان لله أعرف كان أخوف.
وسبق متن الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- في هذا الباب.
6638 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى
ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ فِى
ظِلِّ الْكَعْبَةِ: «هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»،
قُلْتُ: مَا شَأْنِى أَيُرَى فِىَّ شَىْءٌ مَا شَأْنِى؟
فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ فَمَا اسْتَطَعْتُ
أَنْ أَسْكُتَ وَتَغَشَّانِى مَا شَاءَ اللَّهُ فَقُلْتُ:
مَنْ هُمْ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ: «الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً إِلاَّ مَنْ قَالَ:
هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران
الكوفي (عن المعرور) بفتح الميم وسكون العين المهملة
وراءين مهملتين بينهما واو ساكنة ابن سويد الأسدي (عن أبي
ذر) جندب بن جنادة الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال:
انتهيت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهو
يقول في ظل الكعبة): كذا في اليونينية وفي نسخة: وهو في ظل
الكعبة يقول:
(هم الأخسرون ورب الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة) مرتين،
وهذا موضع الترجمة. قال أبو ذرة (قلت ما شأني)؟ ما حالي
(أيرى) بضم التحتية (فيّ) بتشديد الياء (شيء) أيظن في نفسي
شيء يوجب الأخسرية وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي
أيرى بالتحتية المفتوحة يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيّ بتشديد الياء شيئًا (ما شأني) ما
حالي (فجلست إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(وهو يقول فما استطعت أن أسكت وتغشاني) بفتح الغين والشين
المشددة المعجمتين (ما شاء الله فقلت: من هم بأبي أنت
وأمي) مفدّي (يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا
وهكذا) ثلاث مرات أي إلاّ من أنفق ماله أمامًا ويمينًا
وشمالاً على المستحقين فعبّر عن الفعل بالقول.
والحديث أخرجه البخاري مقطعًا في الزكاة بلفظ انتهيت إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: والذي
نفسي بيده أو والذي لا اله غيره أو كما حلف ما من رجل يكون
له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم
القيامة الحديث، وأخرجه مسلم في الزكاة والترمذي وقال: حسن
صحيح.
6639 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ سُلَيْمَانُ
لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً
كُلُّهُنَّ تَأْتِى بِفَارِسٍ
يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ:
إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،
فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ
إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ،
وَايْمُ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ: لَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ
فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قال سليمان) بن داود عليهما السلام (لأطوفن) والله لأطوفن
(الليلة على تسعين امرأة)
(9/371)
أي لأجامعهن، وتسعين بفوقية قبل السين، وفي
رواية في كتاب الأنبياء سبعين بموحدة بعد السين، وفي مسلم
ستون ويروى مائة ولا منافاة لأنه مفهوم عدد (كلهن تأتي
بفارس يجاهد في سبيل الله) عز وجل. وفي رواية أخرى. فتحمل
كل واحدة وتلد غلامًا فارسًا يقاتل في سبيل الله، وحينئذٍ
فيكون في هذه الرواية حذف أو لا حذف فيها ويكون قوله فتأتي
مسببًا عن الطوفان لأنه مسبب عن الحمل والحمل عن الوطء،
وسبب السبب سبب وإن كان بواسطة. وجزم بذلك لغلبة رجائه
لقصد الأجر (فقال له صاحبه) قرينه أو الملك (إن شاء الله)
ولأبي ذر قل إن شاء الله (فلم يقل إن شاء الله) نسيانًا
(فطاف عليهن) جامعهن (جميعًا فلم تحمل منهن إلا امرأة
واحدة جاءت بشق رجل) بكسر الشين بنصف ولد وعبر بالرجل
بالنظر إلى ما يؤول إليه قيل إنه الجسد الذي ذكره الله أنه
ألقي على كرسيه (وايم الذي نفس محمد بيده) فيه جواز إضافة
ايم إلى غير لفظ الجلالة ولكنه نادر (لو قال: إن شاء الله
لجاهدوا في سبيل الله) عز وجل حال كونهم (فرسانًا أجمعون)
تأكيد لضمير الجمع في قوله: لجاهدوا، وقد أنسى الله تعالى
سليمان عليه السلام الاستثناء ليمضي قدره السابق.
والحديث سبق في الجهاد في باب من طلب الولد للجهاد، وباب
قول الله {ووهبنا لداود سليمان} [ص: 30] في كتاب الأنبياء.
6640 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ قَالَ: أُهْدِىَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ
النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْجَبُونَ مِنْ
حُسْنِهَا وَلِينِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا»؟
قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «وَالَّذِى
نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِى الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِنْهَا». لَمْ يَقُلْ شُعْبَةُ وَإِسْرَائِيلُ
عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) قال الغساني هو ابن سلام قال:
(حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء الساكنة والصاد المهملتين
بينهما واو مفتوحة سلام بالتشديد ابن سليم (عن أبي إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله
عنه- أنه (قال: أهدي) بضم الهمزة (إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرقة) بفتح السين المهملة
والراء والقاف وبالرفع مفعول ناب عن فاعله قطعة (من
حرير) أبيض جيد وفي المناقب من طريق شعبة عن أبي إسحاق
أهديت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلة حرير
وفي حديث أنس في الهبة أهداها له أكيدر دومة (فجعل الناس
يتداولونها بينهم ويعجبون من حسنها ولينها فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم (أتعجبون منها)؟
قالوا: (نعم يا رسول الله قال: والذي نفسي بيده لمناديل
سعد) بسكون العين ابن معاذ بن النعمان الأشهلي سيد الأوس
-رضي الله عنه- (في الجنة خير منها) من سرقة الحرير،
وللكشميهني من هذا، ولعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال ذلك استمالة لقلب سعد أو أن المتعجبين من
الأنصار فقال لهم: منديل سيدكم خير منه وفيه منقبة له لا
تخفى وقد سبق الحديث في الهبة والمناقب واللباس (لم يقل
شعبة) بن الحجاج فيما رواه في المناقب (و) كذا (إسرائيل)
فيما رواه في اللباس كلاهما (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي
(والذي نفسي بيده) فانفرد أبو الأحوص في روايته عن أبي
إسحاق السبيعي بها.
6641 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله
عنها - قَالَتْ: إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ مِمَّا
عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ -أَوْ خِبَاءٍ-
أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ
أَخْبَائِكَ -أَوْ خِبَائِكَ- شَكَّ يَحْيَى، ثُمَّ مَا
أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَهْلُ أَخْبَاءٍ -أَوْ خِبَاءٍ-
أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ
أَخْبَائِكَ -أَوْ خِبَائِكَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَأَيْضًا
وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ
فَهَلْ عَلَىَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِى لَهُ،
قَالَ: «لاَ إِلاَّ بِالْمَعْرُوفِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف
اسم جده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي
(عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم أنه قال: (حدثني)
بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
إن هند بنت عتبة بن ربيعة) بضم عين عتبة وسكون الفوقية
القرشية أم معاوية بن أبي سفيان أسلمت يوم الفتح -رضي الله
عنها- (قالت: يا رسول الله ما كان مما على ظهر الأرض أهل
أخباء) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وتخفيف الموحدة
ممدودًا (أو خباء) بكسر الخاء بالشك هل هو بصيغة الجمع أو
الإفراد، والخباء أحد بيوت العرب من وبر أو صوف لا من شعر
ويكون على عمودين أو ثلاثة (أحب) نصب خبر كان (إليّ)
بتشديد الياء (من أن يذلوا) بفتح التحتية وكسر الذال
المعجمة وسقط لفظ من في نسخة وعليها ضرب في اليونينية (من
أهل أخبائك) بفتح الهمزة (أو خبائك) بإسقاطها (شك يحيى) بن
بكير شيخ البخاري (ثم ما أصبح اليوم أهل أخباء أو خباء أحب
إليّ أن) ولأبي ذر عن الكشميهني من أن (يعزوا) بفتح
التحتية وكسر العين (من أهل أخبائك) بالخاء المعجمة
والموحدة
(9/372)
كالسابق وفي اليونينية هذه أحيائك بالمهملة
والتحتية (أو خبائك) بالشك كذلك وأن في الموضعين مصدرية أي
من ذلهم ومن عزهم (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(وأيضًا) ستريدين من ذلك (والذي نفس محمد بيده) لأن
الإيمان إذا تمكن في القلب زاد الحب لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، أو وأنا أيضًا
بالنسبة إليك مثل ذلك والأول أوجه (قالت: يا رسول الله إن
أبا سفيان) بن حرب تعني زوجها (رجل مسّيك) بكسر الميم
والسين المهملة المشددة وبفتح الميم وتخفيف السين وهو أصح
عند أهل العربية، والأول أشهر عند المحدثين أي بخيل يمسك
ما في يده لا يخرجه لأحد. قال القرطبي: وبخله إنما هو
بالنسبة إلى امرأته وولده لا مطلقًا لأن الإنسان قد يفعل
هذا مع أهل بيته لأنه يرى غيرهم أحوج وأولى، وإلاّ فأبو
سفيان لم يكن معروفًا بالبخل فلا دلالة في هذا الحديث على
بخله مطلقًا (فهل عليّ) بتشديد الياء (حرج) إثم (أن أطعم)
بضم الهمزة وكسر العين (من الذي له؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) حرج عليك (إلا) بالتشديد أن
تطعمي من ماله (بالمعروف) أي القدر الذي عرف بالعادة أنه
كفاية ويفسر المعروف في كل موضع بحسبه، ولأبي ذر لا
بالمعروف فتكون الباء متعلقة بالإنفاق لا بالنفي.
والحديث مرّ في باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها من
كتاب النفقات.
6642 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا
شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو
بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضِيفٌ
ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ يَمَانٍ إِذْ قَالَ
لأَصْحَابِهِ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «أَفَلَمْ تَرْضَوْا
أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قَالُوا:
بَلَى. قَالَ: «فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
إِنِّى لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (أحمد بن
عثمان) الأودي الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم
الشين المعجمة وفتح الراء بعدها تحتية ساكنة فمهملة ومسلمة
بفتح الميمين الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم عن أبيه) يوسف
بن إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي
أنه (قال: سمعت عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي المخضرم
(قال: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-
قال: بينما) بالميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مضيف) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة بعدها
تحتية ساكنة ففاء أي مسند (ظهره إلى قبة من ادم) جلد
(يمان) أصله يمني فقدم إحدى الياءين على النون وقلب ألفًا
فصار مثل قاض، ولأبي ذر يماني على الأصل (إذ قال لأصحابه):
(أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى) فيه أن بلى
يجاب بها في الاستفهام كما في مسلم أنت الذي لقيتني بمكة
فقال له المجيب بلى، ولكن هذا عندهم قليل فلا يقاس عليه
(قال: أفلم ترضوا) ولأبي ذر: أفلا ترضون (أن تكونوا ثلث
أهل الجنة؟ قالوا: بلى قال) عليه الصلاة والسلام: (فوالذي
نفس محمد بيده) ولأبي ذر عن الكشميهني في يده في تصريفه
(إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) ذكر ذلك بالتدريج
ليكون أعظم لسرورهم.
والحديث سبق في باب كيف الحشر من الرقاق.
6643 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى
سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ: {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا
أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ
الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ
إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن عن أبيه) عبد الله بن أبي
صعصعة (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (أن رجلاً) هو
أبو سعيد نفسه (سمع رجلاً) هو قتادة بن النعمان (يقرأ {قل
هو الله أحد} يرددها فلما أصبح) أبو سعيد (جاء إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي
سمعه من قتادة (له وكان الرجل) بالهمز وتشديد النون
(يتقالها) بتشديد اللام يعتقد أنها قليلة في العمل (فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) لأنه قصص وأخبار
وصفات لله تعالى، وسورة الإخلاص متمحضة لله تعالى وصفاته
فهي ثلثه فقارئها له ثواب قراءة ثلث القرآن وقراءة الثلث
لها عشرة أمثالها والثواب بقدر النصب والفضل لله، وظاهر
الأحاديث أن من قرأها حصل له ثواب مثل من قرأ ثلث القرآن،
وفي باب فضل {قل هو الله أحد} بعد التفسير الإشارة لذلك.
6644 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ،
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَالَّذِى نَفْسِى
بِيَدِهِ إِنِّى لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِى إِذَا مَا
رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق) هو ابن
راهويه قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة والموحدة
المشددة ابن هلال الباهلي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى
العوذي فال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس بن
مالك -رضي الله عنه-
(9/373)
أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(أتموا الركوع والسجود فو) الله (الذي نفسي بيده إني
لأراكم) بفتح الهمزة (من بعد) أي من وراء (ظهري إذا ما
ركعتم وإذا ما سجدتم) أي إذا ركعتم وإذا سجدتم فما زائدة
فيهما والرؤية هنا رؤية إدراك وهي لا تتوقف على وجود آلتها
التي هي العين ولا شعاع ولا مقابلة وهذا بالنسبة إلى
القديم العالي أما المخلوق فتتوقف صفة الرؤية في حقه على
الحاسة والمقابلة والشعاع، ومن ثم كان خرق عادة في حقه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخالق البصر في العين
قادر على خلقه في غيرها.
وفي المواهب اللدنية مما جمعته ما يكفي ويشفي، والحديث سبق
في الصلاة.
6645 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ
الأَنْصَارِ أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَعَهَا أَوْلاَدٌ لَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى
بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ» قَالَهَا
ثَلاَثَ مِرَارٍ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا وهب بن
جرير) الأزدي الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن
هشام بن زيد عن) جده (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن
امرأة من الأنصار) قال في الفتح: لم أقف على اسمها (أتت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها
(معها أولاد لها) لم يعرف ابن حجر أسماءهم، ولأبي ذر عن
الكشميهني أولادها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(والذي نفسي بيده إنكم لأحب الناس إليّ) بتشديد الياء
(قالها ثلاث مرار) قال في الكواكب الخطاب في قوله إنكم
لجنس المرأة وأولادها يعني الأنصار وهو عام مخصص بدلائل
أخر فلا يلزم منه أن يكون الأنصار أفضل من المهاجرين
عمومًا ومن المعمرين خصوصًا.
والحديث سبق في فضل الأنصار.
4 - باب لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ
هذا (باب) بالتنوين قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (لا تحلفوا بآبائكم).
6646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -
رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
وَهْوَ يَسِيرُ فِى رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ:
«أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا
بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ
أَوْ لِيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
الإمام ابن أنس الأصبحي (عن نافع) أبي عبد الله الفقيه
(عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أدرك عمر بن
الخطاب) -رضي الله عنه- (وهو يسير في ركب) راكبي الإبل
عشرة فصاعدًا حال كونه (يحلف بأبيه) الخطاب (فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ألا) بالتخفيف (إن الله) عز وجل (ينهاكم أن تحلفوا
بآبائكم) وفي مصنف ابن أبي شيبة من طريق عكرمة قال: قال
عمر -رضي الله عنه-: حدث قومًا حديثًا فقلت لا وأبي فقال
رجل من خلفي: لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لو أن أحدكم
حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم" قال الحافظ ابن
حجر: وهذا مرسل يتقوى بشواهد، وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفلح وأبيه إن صدق، فقال ابن عبد البر
إن هذه اللفظة منكرة غير محفوظة تردّها الآثار الصحاح،
وقيل إنها مصحفة من قوله والله وهو محتمل، ولكن مثل هذا لا
يثبت بالاحتمال لا سيما وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر
الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال: وأبيك ما
ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره، وفي مسلم مرفوعًا
أن رجلاً سأله أي الصدقة أفضل؟ فقال:
وأبيك لأنبئنك أو لأحدّثنك وأحسن الأجوبة ما قاله البيهقي
وارتضاه النووي وغيره أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم
من غير أن يقصدوا به القسم والنهي إنما ورد في حق من قصد
حقيقة الحلف أو أن في الكلام حذفًا أي أفلح ورب أبيه قاله
البيهقي أيضًا (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) بضم
الميم ومن شرطية في موضع رفع بالابتداء وكان واسمها وخبرها
في محل الخبر، والمعنى من كان مريدًا للحلف فليحلف بالله
لا بغيره من الآباء وغيرهم، وحكمته أن الحلف بالشيء يقتضي
تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله تعالى وحده وظاهره
تخصيص الحلف بالله خاصة لكن اتفقوا على أنه ينعقد بما اختص
الله تعالى به ولو مشتقًا ولو من غير أسمائه الحسنى كوالله
ورب العالمين والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده إلا أن
يريد به غير اليمين فيقبل منه كما في الروضة كأصلها أو بما
هو فيه تعالى عند الإِطلاق أغلب كالرحيم والخالق والرزاق
والرب ما لم يرد بها غيره تعالى لأنها تستعمل في غيره
مقيدة كرحيم القلب وخالق الإفك ورازق الجيش ورب الإِبل أو
بما هو فيه تعالى، وفي غيره سواء كالموجود والعالم والحي
إن أراده تعالى
(9/374)
بها بخلاف ما إذا أراد بها غيره أو أطلق
لأنها لما أطلقت عليهما سواء أشبهت الكنايات وبصفته
الذاتية كعظمته وعزته وكبريائه وكلامه ومشيئته وعلمه
وقدرته وحقه إلا أن يريد بالحق العبادات أو بعلمه وقدرته
المعلوم والمقدور وظاهر قوله فليحلف بالله الإذن في الحلف،
ولكن قال الشافعية: يكره لقوله تعالى {ولا تجعلوا الله
عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] إلا في طاعة من فعل واجب أو
مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة، وفي دعوى عند حاكم، وفي
حاجة كتوكيد كلام كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "فوالله لا يمل الله حتى تملوا" أو تعظيم أمر
كقوله: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم
كثيرًا" فلا يكره فيهما.
6647 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
قَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ عُمَرَ:
يَقُولُ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ
تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا
حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا. قَالَ
مُجَاهِدٌ: {أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ} يَأْثُرُ عِلْمًا.
تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالزُّبَيْدِىُّ وَإِسْحَاقُ
الْكَلْبِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير
بضم العين المهملة وفتح الفاء مولى الأنصار المصري قال:
(حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد
الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: قال سالم) هو ابن
عبد الله بن عمر (قال ابن عمر: سمعت عمر) -رضي الله عنه-
(يقول: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) جملة ينهاكم في محل
رفع خبر إن وأن مصدرية في محل نصب أو جرّ بتقدير حرف الجر
أي ينهاكم عن أن تحلفوا الأوّل للخليل والكسائي والثاني
لسيبويه وحكم غير الآباء من سائر الخلق كحكم الآباء في
النهي، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي
وقال حسن وصححه الحاكم أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة.
فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من حلف بغير الله فقد
كفر أو أشرك" والتعبير بذلك للمبالغة في الزجر والتغليظ
وهل النهي للتحريم أو التنزيه المشهور عند المالكية
الكراهة وعند الحنابلة التحريم وجمهور الشافعية أنه
للتنزيه. وقال إمام الحرمين: الذهب القطع بالكراهة. وقال
غيره بالتفصيل فإن اعتقد فيه من التعظيم ما يعتقده في الله
حرم الحلف به وكفر بذلك الاعتقاد أما إذا حلف بغير الله
لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا
يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه.
(قال عمر) -رضي الله عنه-: (فوالله ما حلفت بها) أي بأبي
(منذ سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ومنذ ظرف مضاف إلى الجملة بتقدير زمان أي ما حلفت بها منذ
زمن سماعي للنهي عنها حال كوني (ذاكرًا) أي عامدًا (ولا
آثرًا) بهمزة ممدودة فمثلثة مكسورة أي حاكيًا عن غيري أي
ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري واستشكل هذا التفسير
لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفًا.
وأجيب: باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفًا أي ولا ذكرتها
آثرًا عن غيري أن يكون ضمن حلفت معنى تكلمت أو معناه يرجع
إلى معنى التفاخر بالآباء والإكرام لهم فكأنه قال: ما حلفت
بآبائي ذاكرًا لمآثرهم.
(قال مجاهد) فيما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن
أبي نجيح في تفسير قوله تعالى ({أو أثارة من علم})
[الأحقاف: 4] وفي نسخة أو أثرة بإسقاط الألف بعد المثلثة
وفي هامش الفرع كأصله قرئ بضم الهمزة وسكون المثلثة
وبفتحهما أي (يأثر علمًا) بضم المثلثة واختلف في معنى هذه
اللفظة ومحصل ما ذكر في ذلك ثلاثة أقوال أحدها البقية
والأصل أثرت الشيء آثره أثارة كأنها بقية تستخرج فتثار
الثاني من الأثر وهو الرواية الثالث من الأثر وهي العلامة
(تابعه) أي تابع يونس (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن
خالد مما رواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (والزبيدي)
محمد بن الوليد مما وصله النسائي (وإسحاق) بن يحيى
(الكلبي) الحمصي مما هو في مشيخته المروية من طريق أبي بكر
أحمد بن إبراهيم بن شاذان الثلاثة (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله الحميدي في
مسنده (ومعمر) هو ابن راشد مما وصله أبو داود كلاهما (عن
الزهري عن سالم عن ابن عمر) أنه (سمع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر).
وفي هذا الحديث الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خص في
حديث ابن عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور
(9/375)
أو خص لكونه كان غالبًا عليهم لقوله في
الرواية الأخرى: وكانت قريش تحلف بآبائها، ويدل على
التعميم قوله: من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله فلو حلف
بغيره تعالى سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم كالأنبياء
والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والآباء والكعبة أو
كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والإِذلال
كالشياطين والأصنام لم تنعقد يمينه. قال الطبري: من حلف
بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه
الاستغفار لإقدامه على ما نهي عنه ولا كفارة في ذلك نعم
استثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف
بنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:
تنعقد به اليمين وتجب الكفارة بالحنث به لأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد ركني الشهادة الذي لا تتم
إلا به، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه كالليل
والنهار ليعجب بها المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظم شأنها
عندهم ولدلالتها على خالقها، وأما المخلوق فلا يقسم إلا
بالخالق قال:
ويقبح من سواك الشيء عندي ... وتفعله فيحسن منك ذاك
6648 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال:
(حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي قال: (قال: حدّثنا
عبد الله بن دينار) أنه (قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما يقول): ولأبي ذر قال (قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تحلفوا بآبائكم) قال المهلب: كانت العرب في الجاهلية
تحلف بآبائهم وآلهتهم فأراد الله تعالى أن ينسخ من قلوبهم
وألسنتهم ذكر كل شيء سواه ويبقي ذكره تعالى لأنه الحق
المعبود.
6649 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ
وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ
بَيْنَ هَذَا الْحَىِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَيْنَ
الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ فَكُنَّا عِنْدَ أَبِى
مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ
لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَيْمِ
اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِى فَدَعَاهُ
إِلَى الطَّعَامِ فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ
شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهُ
فَقَالَ: قُمْ فَلأُحَدِّثَنَّكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّى
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ
نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ
وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ»، فَأُتِىَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبِ
إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: «أَيْنَ النَّفَرُ
الأَشْعَرِيُّونَ»؟
فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا
انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا حَلَفَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ
يَحْمِلُنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ
حَمَلَنَا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ، وَاللَّهِ لاَ نُفْلِحُ
أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّا
أَتَيْنَاكَ لِتَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ
تَحْمِلَنَا، وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنَا، فَقَالَ:
«إِنِّى لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ
حَمَلَكُمْ، وَاللَّهِ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى
غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ
خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب)
بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة)
بكسر القاف وفتح الموحدة عبد الله بن زيد الجرمي (والقاسم)
بن عاصم (التيمي) البصري كلاهما (عن زهدم) بفتح الزاي
وسكون الهاء بعدها دال مهملة مفتوحة ثم ميم بوزن جعفر بن
مضرب الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أبي مسلم البصري أنه
(قال: كان بين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء
قبيلة من قضاعة (وبين الأشعريين ودّ) بضم الواو وتشديد
المهملة محبة (وإخاء) بكسر الهمزة وتخفيف المعجمة والمدّ
(فكنا عند أبي
موسى الأشعري) -رضي الله عنه- (فقرب إليه طعام فيه لحم
دجاج) ليأكل منه (وعنده رجل من بني تيم الله أحمر) اللون
(كأنه من الموالي) وتيم بفتح الفوقية وسكون التحتية حي من
بني بكر وثبت لفظ بني لأبي ذر عن الحموي والمستملي (فدعاه)
أبو موسى (إلى الطعام فقال: إني رأيته) يعني جنس الدجاج
(يأكل شيئًا) قذرًا (قذرته) بكسر الذال المعجمة أي كرهت
أكله (فحلفت أن لا آكله) وفي الترمذي عن قتادة عن زهدم
قال: "دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجًا فقال: ادن فكل
فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يأكله"، ففيه أن الرجل المبهم هو زهدم نفسه (فقال) له أبو
موسى (قم فلأحدثنك) بنون التوكيد أي فوالله لأحدثنك (عن
ذاك) ولأبي ذر عن ذلك باللام (إني أتيت رسول الله) ولأبي
ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر)
جماعة من الرجال ما بين الثلاثة إلى العشرة (من الأشعرين
نستحمله) نطلب منه إبلاً تحملنا وأثقالنا (فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) زاد أبو ذر عليه
(فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم
الهمزة فأتي (بنهب إبل) إضافة نهب لتاليه أي من غنيمة
(فسأل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنا فقال أين
النفر الأشعريون) فحضرنا (فأمر لنا بخمس ذود) بفتح المعجمة
وسكون الواو بعدها مهملة مجرور بالإضافة من الإبل ما بين
الثلاث إلى العشر (غر الذرى) بضم الذال المعجمة وفتح الراء
والغر بالغين المعجمة المضمومة وتشديد الراء بيض الأسنمة
(فلما انطلقنا) من عنده بها (قلنا ما صنعنا حلف رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحملنا)
وللكشميهني أن لا يحملنا (وما عنده ما يحملنا ثم حملنا)
بفتحات (تغفلنا) بسكون اللام (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
(9/376)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) أي طلبنا غفلته
في يمينه الذي حلف لا يحملنا (والله لا نفلح أبدًا فرجعنا
إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلنا له) يا
رسول الله وسقط لأبي ذر لفظ له (إنا أتيناك لتحملنا فحلفت
أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا فقال: إني لست أنا حملتكم
ولكن الله حملكم والله لا أحلف على يمين) على محلوف يمين
(فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) من الذي
حلفت عليه (وتحللتها) بالكفارة.
قال في المصابيح: الظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم يحلف على عدم حملانهم مطلقًا لأن مكارم
أخلاقه ورأفته ورحمته بالمؤمنين تأبى ذلك، والذي يظهر لي
أن قوله: وما عندي ما أحملكم جملة حالية من فاعل الفعل
المنفي بلا أو مفعوله أي لا أحملكم في حالة عدم وجداني
لشيء أحملكم عليه أي: أنه لا يتكلف حملهم بقرض أو غيره لما
رآه من المصلحة المقتضية لذلك فحمله لهم على ما جاءه من
مال الله لا يكون مقتضيًا لحنث فيكون قوله: إني والله لا
أحلف على يمين فأرى غيرها إلى آخره تأسيس قاعدة في الأيمان
لا أنه ذكر ذلك لبيان أنه حنث في يمينه وأنه يكفرها اهـ.
وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى في باب اليمين فيما لا
يملك.
ومطابقة الحديث للترجمة قال الكرماني: من حيث إنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف في هذه القصة مرتين
أوّلاً عند الغضب ومرة عند الرضا ولم يحلف إلا بالله، فدلّ
على أن الحلف إنما هو بالله على الحالتين وستكون لنا عودة
إن شاء الله تعالى بعون الله إلى بقية مباحث هذا الحديث في
كفارات الأيمان وغيرها.
5 - باب لاَ يُحْلَفُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، وَلاَ
بِالطَّوَاغِيتِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يحلف) بضم أوّله وفتح
ثالثه (باللات) بتشديد اللام (والعزى) بضم العين المهملة
وتشديد الزاي المفتوحة (ولا يحلف بالطواغيت) بالمثناة
الفوقية جمع طاغوت صنم، وقيل شيطان وأصله طغيوت قدمت الياء
على الغين فصار طيغوت ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانتاح
ما قبلها، والألف واللام في اللات زائدة لازمة فأما قوله
إلى لاتها فحذفت للإِضافة، وهي هي والعزى علمان بالوضع أو
صفتان غالبتان خلاف ويترتب على ذلك جواز حذف أل وعدمه. فإن
قلنا: إنهما ليسا وصفين في الأصل فلا تحذف منهما أل، وإن
قلنا إنهما صفتان وأن أل للمح الصفة جاز، وبالتقديرين فأل
زائدة. واختلف في تاء اللات فقيل أصل وأصله من لات يليت
فألفها عن ياء، وقيل زائدة وهي من لوى يلوي لأنهم كانوا
يلوون أعناقهم إليها أو يلتوون أي يعتكفون عليها، وأصلها
لوية فحذفت لامها فألفها على هذا من واو وهو اسم صنم كان
لثقيف بالطائف، وقيل بعكاظ والعزى فعلى من العز وهي تأنيث
الأعز كالفضلى والأفضل وهو اسم صنم، وقيل شجرة كانت تعبد
فبعث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليها خالد بن
الوليد فقطعها فجعل يضربها بالفأس ويقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
6650 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِى حَلِفِهِ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى
فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ
لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) أبو عبد
الرَّحمن قاضي صنعاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن
الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي
هريرة رضى الله عنه عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من حلف) بغير الله (فقال في حلفه) بكسر اللام (باللات
والعزى) بموحدة في الأولى وواو في الثانية، ولأبي ذر: بواو
بدل الموحدة أي في الأولى كيمين المشركين (فليقل لا إله
إلا الله) قال في شرح المشارق: لأن الحلف إنما هو بالله
فإذا حلف باللات والعزى فقد ساوى الكفار في ذلك فأمر أن
يتدارك ذلك بكلمة التوحيد كذا في بعض الشروح، ومقتضاه أنه
يكفر بذلك وهو كذلك إن كان حلفه به لكونه معبودًا ويكون
الأمر للوجوب وإن كان لغير ذلك كما يقول الرجل وحياتك
لأفعلن كذا، فأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إنما يكون لشبهه بمن يعبدهما وهل يكفر بذلك فيباح دمه
وتبين امرأته ويبطل حجه فيه كلام اهـ.
(ومن قال لصاحبه تعال) بفتح اللام (أقامرك) بالجزم جواب
الأمر
(9/377)
(فليتصدق) ندبًا بشيء تكفيرًا للخطيئة التي
قالها ودعا إليها لأنه وافق الكفار في لعبهم ويتأكد ذلك في
حق من لعب بطريق الأولى.
والحديث سبق في تفسير سورة النجم بلفظ الأسناذ والمتن وسبق
أيضًا في الأدب والاستئذان.
6 - باب مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّىْءِ وَإِنْ لَمْ
يُحَلَّفْ
(باب من حلف على الشيء) يفعله أو لا يفعله حلف على ذلك
(وإن لم يحلف) بضم التحتية وفتح اللام المشددة مبنيًّا
للمجهول.
6651 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ يَلْبَسُهُ
فَيَجْعَلُ فَصَّهُ فِى بَاطِنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ
النَّاسُ خَوَاتِيمَ ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى
الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: «إِنِّى كُنْتُ أَلْبَسُ
هَذَا الْخَاتِمَ وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ»
فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَلْبَسُهُ
أَبَدًا» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) عبد الله
-رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اصطنع) أي أمر أن يصنع له (خاتمًا من ذهب وكان
يلبسه فيجعل) ولأبي ذر فجعل (فصه) بفتح الفاء أفصح وبالصاد
المهملة (في باطن كفه فصنع الناس) زاد أبو ذر عن الكشميهني
خواتيم أي من ذهب (ثم إنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (جلس على المنبر فنزعه) جملة جلس في موضع خبر
إن وجملة نزعه معطوفة على التي قبلها (فقال): عطف أو في
موضع الحال أي جلس وقد قال: فيكون قوله قبل جلوسه أو مع
جلوسه ومعمول القول:
(إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل) أي من داخل
كفي (فرمى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (به)
بالخاتم ولم يستعمله (ثم قال: والله لا ألبسه أبدًا) لأنه
حرم يومئذٍ (فنبذ الناس) فطرحوا (خواتيمهم) وأراد -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحلفه تأكيد الكراهة في نفوس
أصحابه وغيرهم ممن بعدهم. وقال المهلب: إنما كان -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحلف في تضاعيف كلامه وكثير
من فتواه متبرعًا بذلك لنسخ ما كانت عليه الجاهلية في
الحلف بآبائهم وآلهتهم ليعرفهم أن لا محلوف به سوى الله
تعالى، وليتدربوا على ذلك حتى ينسوا ما كانوا عليه من
الحلف بغيره تعالى. وقال ابن المنير: مقصود الترجمة أن
يخرج مثل هذا من قوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة
لأيمانكم} [الأحقاف: 4] يعني على أحد التأويلات فيها لئلا
يتخيل أن الحالف قبل أن يستحلف يرتكب النهي فأشار إلى أن
النهي يختص بما ليس فيه قصد صحيح كتأكيد الحكم كالذى ورد
في حديث الباب في منع لبس خاتم الذهب اهـ. وإطلاق
بعض الشافعية كراهية الحلف من غير استحلاف فيما لم يكن
طاعة ينبغي أن يقال فيما لم يكن مصلحة بدل قوله طاعة كما
لا يخفى.
والحديث سبق في كتاب اللباس.
7 - باب مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةِ الإِسْلاَمِ
وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ حَلَفَ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى
الْكُفْرِ.
(باب من حلف بملة) بكسر الميم وتشديد اللام دين وشريعة
(سوى الإسلام) ولغير أبي ذر سوى ملة الإسلام كاليهودية
والنصرانية والمجوسية والصابئة وأهل الأديان والدهرية
والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة هل يكفر الحالف بذلك أم
لا؟
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
الحديث السابق قبل: (من حلف باللات والعزى فليقل لا إله
إلا الله ولم ينسبه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(إلى الكفر) لأنه اقتصر على الأمر بقوله: لا إله إلا الله
ولو كان ذلك يقتضي الكفر لأمره بتمام الشهادتين.
6652 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ
ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ
مِلَّةِ الإِسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ
نَفْسَهُ بِشَىْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ،
وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا
بِكُفْرٍ، فَهْوَ كَقَتْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين
المهملة واللام المشددة العمي أبو الهيثم الحافظ أخو بهز
قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن
أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام
وبالموحدة عبد الله بن زيد الجرمي (عن ثابت بن الضحاك)
الأنصاري وهو ممن بايع تحت الشجرة -رضي الله عنه- أنه
(قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من حلف بغير ملة الإسلام) كان يقول إن فعلت كذا فأنا
يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولمسلم: من حلف على يمين
بملة غير الإسلام وعلى بمعنى الباء أو التقدير من حلف على
شيء بيمين فحذف المجرور وعدى الفعل بعلى بعد حذف الباء وفي
كتاب الجنائز من البخاري من طريق خالد الحذاء عن أبي
قلابة: من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا وجواب
الشرط قوله (فهو كما قال) وهو مبتدأ، وكما قال في موضع
الخبر أي فهو كائن كما قال وظاهره أنه يكفر بذلك، ويحتمل
أن يكون المراد التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم كأنه
قال: فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال والتحقيق أنه لا
تنعقد يمينه ولا يكفر
(9/378)
إن قصد تبعيد نفسه عن الفعل أو أطلق كما
اقتضاه كلام النووي في الأذكار وليقل لا إله إلا الله
ويستغفر ولا كفارة عليه، وهل يحرم ذلك عليه أو يكره
تنزيهًا؟ المشهور الثاني وإن قصد الرضا
بذلك إذا فعله فهو كافر في الحال، وقوله: كاذبًا متعمدًا
يستفاد منه أن الحالف المتعمد إن كان مطمئن القلب
بالإِيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر
وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك الملة لكونها حقًّا كفر، وإن
قاله لمجرد التعظيم لها باعتبار ما كان قبل النسخ فلا
يكفر.
(ومن قتل نفسه بشيء) ولمسلم بحديدة (عذب به) بذلك الذي قتل
نفسه به (في نار جهنم) قال الشيخ تقي الدين: وهو من باب
مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية وفيه أن جناية
الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست
له ملكًا مطلقًا بل هي لله فلا يتصرف فيها إلا فيما أذن
فيه (ولعن المؤمن) بأن يدعو عليه باللعن (كقتله) في
التحريم أو العقاب، وأبدى الشيخ تقي الدين في ذلك سؤالاً
وهو أن يقال إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا أو في
أحكام الآخرة لا سبيل إلى الأول لأن قتله يوجب القصاص
ولعنه لا يوجب ذلك، وأما أحكام الآخرة فإما أن يراد
التساوي في الإثم أو في العقاب وكلاهما مشكل لأن الإثم
يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل وليس إذهاب الروح في المفسدة
كمفسدة الأذى باللعن وكذلك العقاب يتفاوت بحسب تفاوت
الجرائم. وقال المازري فيما نقله عنه القاضي عياض: الظاهر
من الحديث تشبيهه في الإثم وهو تشبيه واقع لأن اللعنة قطع
عن الرحمة والموت قطع عن التصرف. قال القاضي عياض: وقيل
لعنه يقتضي قصد إخراجه من المسلمين ومنعهم منافعه وتكثير
عددهم به كما لو قتله وقيل لعنه يقتضي قطع منافعه الأخروية
عنه وبعده بإجابة لعنه وهو كمن قتل في الدنيا وقطعت منافعه
فيها وقيل معناه استواؤهما في التحريم.
قال في المصابيح: هذا يحتاج إلى تخليص ونظر فأما ما حكاه
عن المازري من أن الظاهر من الحديث تشبيهه في الإِثم وكذلك
ما حكاه من أن معناه استواؤهما في التحريم، فهذا يحتمل
أمرين. أحدهما: أن يقع التشبيه والاستواء في أصل التحريم
والإثم، والثاني: أن يقع في مقدار الإثم، فأما الأول فلا
ينبغي أن يحمل عليه لأن كل معصية قلت أو عظمت فهي مشابهة
ومساوية للقتل في أصل التحريم ولا يبقى في الحديث كبير
فائدة مع أن المفهوم منه تعظيم أمر اللعنة بتشبيهها
بالقتل، وأما الثاني فقد بيّنا ما فيه من الإِشكال وهو
التفاوت في المفسدة بين إزهاق الروح وبين الأذى باللعنة.
وأما ما حكاه المازري من أن اللعنة قطع الرحمة والموت قطع
التصرف فالكلام عليه من وجهين. أحدهما: بأن نقول اللعنة قد
تطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعل الله وعلى هذا يقع في
التشبيه، والثاني أن تطلق اللعنة على فعل اللاعن وهو طلبه
لذلك الإبعاد فقوله لعنه الله مثلاً ليس بقطع عن الرحمة
بنفسه ما لم تتصل به إجابة، فيكون حينئذٍ سببًا إلى قطع
التصرف ويكون نظيره التسبب إلى القتل غير أنهما يفترقان في
أن التسبب إلى القتل بمباشرة مقدمات تفضي إلى الموت بمطرد
العادة فلو كانت مباشرة اللعنة مفضية إلى الإبعاد الذي هو
اللعن دائمًا لاستوى اللعن مع مباشرة مقدمات القتل أو زاد
عليها، وبهذا يتبين لك الإيراد على ما حكاه القاضي من أن
لعنه له
يقتضي قصد إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتله فإن قصد
إخراجه لا يستلزم إخراجه كما تستلزم مقدمات القتل، وكذلك
أيضًا ما حكاه من أن لعنه يقتضي قطع منافعه الأخروية عنه
إنما يحصل ذلك بإجابة الدعوة، وقد لا يجاب في كثير من
الأوقات فلا يحصل انقطاعه عن منافعه كما يحصل بقتله ولا
استواء القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدمات
القتل المفضية إليه في مطرد العادة، والذي يمكن أن يقرر به
ظاهر الحديث في استوائهما في الإِثم أنا نقول لا نسلم أن
مفسدة اللعنة مجرد أذاه بل فيها مع ذلك تعريضه لإجابة
الدعوة فيه بموافقة ساعة لا يسأل الله فيها شيئًا
(9/379)
إلا أعطاه كما دل عليه الحديث من قوله عليه
الصلاة والسلام "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على
أموالكم ولا تدعوا على أولادكم لا توافقون ساعة" الحديث:
وإذا كان عرّضه باللعنة لذلك ووقعت الإجابة وإبعاده من
رحمة الله كان ذلك أعظم من قتله لأن القتل تفويت الحياة
الفانية قطعًا والإبعاد من رحمة الله أعظم ضررًا بما لا
يحصى، وقد يكون أعظم الضررين على سبيل الاحتمال مساويًا أو
مقاربًا لأخفهما على سبيل التحقيق ومقادير المصالح
والمفاسد وأعدادهما أمر لا سبيل للبشر إلى الاطّلاع على
حقائقه اهـ.
وزاد في الأدب من البخاري من طريق علي بن المبارك عن يحيى
بن أبي كثير عن أبي قلابة وليس على ابن آدم نذر فيما لا
يملك، ولمسلم ومن حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع
بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان
ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة (ومن
رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله).
8 - باب لاَ يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَهَلْ
يَقُولُ أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يقول) الشخص في كلامه (ما
شاء الله وشئت) بفتح التاء في الفرع كأصله وفي غيرهما
بضمها على صيغة المتكلم من الماضي وإنما منع من ذلك لأن
فيه تشريكًا في مشيئة الله تعالى وهي منفردة بالله سبحانه
وتعالى بالحقيقة وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز، وفي حديث
النسائي وابن ماجة من رواية يزيد بن الأصم عن ابن عباس
رفعه: "إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن يقول:
ما شاء الله ثم شئت" قال الخطابي: أرشدهم -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الأدب في تقديم مشيئة الله على
مشيئة من سواه واختارها بثم التي هي للنسق والتراخي بخلاف
الواو التي هي للاشتراك (وهل يقول) الشخص (أنا بالله ثم
بك) نعم يجوز لأن ثم اقتضت سبقية مشيئة الله على مشيئة
غيره.
6653 - وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى
عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«إِنَّ ثَلاَثَةً فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَرَادَ اللَّهُ
أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ
فَقَالَ: تَقَطَّعَتْ بِى الْحِبَالُ فَلاَ بَلاَغَ لِى
إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
(وقال عمرو بن عاصم): بفتح العين وسكون الميم مما وصله في
ذكر بني إسرائيل فقال: حدّثنا أحمد بن إسحاق حدّثنا عمرو
بن عاصم قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي قال:
(حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) اسمه زيد الأنصاري
وثبت ابن أبي طلحة لغير أبي ذر قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن
بن أبي عمرة) بفتح العين المهملة وسكون الميم واسمه عمرو
الأنصاري قاضي أهل المدينة (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه-
(حدثه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(إن ثلاثة في بني إسرائيل) أبرص وأقرع وأعمى لم يسموا
(أراد الله) عز وجل (أن يبتليهم) أي يختبرهم (فبعث إليهم
ملكًا فأتى الأبرص) الذي ابيض جسده بعد مسح الملك فذهب عنه
البرص وأعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا وإبلاً أو بقرًا
(فقال) له: إني رجل مسكين (تقطعت بي الحبال) بحاء مهملة
مكسورة ثم موحدة مخففة جمع حبل أي الأسباب التي يقطعها في
طلب الرزق ولأبي ذر عن الكشميهني الجبال بالجيم وهو تصحيف
(فلا بلاغ) فلا كفاية (لي إلا بالله) الذي أعطاك اللون
الحسن والجلد الحسن والمال (ثم بك فذكر الحديث) السابق
بتمامه. وقال المهلب: إنما أراد البخاري أن قوله ما شاء
الله ثم شئت جائزًا استدلالاً بقوله أنا بالله ثم بك،
وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى بأسًا
أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، وكان يقول أعوذ بالله وبك
ويجيز أعوذ بالله ثم بك.
9 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ فِى
الرُّؤْيَا قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ».
هذا (باب قول الله تعالى {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}
[الأنعام: 109] أي حلف المنافقون بالله وهو جهد اليمين
لأنهم بذلوا فيها مجهودهم وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه
إذا بلغ أقصى وسعها، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية
شدتها ووكادتها. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: من قال
بالله فقد جهد بيمينه، وأصل أقسم جهد اليمين أقسم يجهد
اليمين جهدًا فحذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافًا
إلى المفعول كقوله: {فضرب الرقاب} [محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 4] وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه
قال: جاهدين أيمانهم.
(وقال ابن عباس) مما وصله المؤلّف مطوّلاً في كتاب التعبير
بلفظ: إن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: إني رأيت الليلة في المنام عكة تنظف من
السمن والعسل الحديث، وفيه تعبير أبي بكر
(9/380)
لها، وقوله للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأخبرني يا رسول الله أصبت أم أخطأت؟ فقال:
أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا (قال أبو بكر) الصديق -رضي الله
عنه-: (فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في) تعبير
(الرؤيا) أي يشدّد في اليونينية نون لتحدثني (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا تقسم) وقوله هنا في
الرؤيا من كلام البخاري إشارة إلى ما اختصره من الحديث،
والغرض منه قوله: لا تقسم إشارة إلى الردّ على من
قال إن من قال: أقسمت انعقد يمينًا وقد أمر -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإبرار المقسم، فلو كانت
أقسمت يمينًا لأبرّ أبا بكر حين قالها. وقال في الكواكب:
إنما يندب إبرار المقسم عند عدم المانع فكان له -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مانع منه وقيل كان في بيان
مفاسد كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير بمعونة الله
تعالى. وقال الشافعية: لو قال أقسمت أو أقسم أو حلفت أو
أحلف بالله لأفعلن كذا فهو يمين لأنه عرف الشرع قال تعالى:
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] إلا إن نوى
خبرًا ماضيًا في صيغة الماضي أو مستقبلاً في المضارع فلا
يكون يمينًا لاحتمال ما نواه، وأما قوله لغيره: أقسم عليك
بالله أو أسألك بالله لتفعلن كذا فيمين إن أراد يمين نفسه
فيسن للمخاطب إبراره فيها بخلاف ما إذا لم يردها ويحمل على
الشفاعة في فعله.
6654 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ،
عَنِ الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ،
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ
الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِبْرَارِ
الْمُقْسِمِ.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبعد
التحتية الساكنة صاد مهملة ابن عقبة العامري السوائي قال:
(حدّثنا سفيان) الثوري (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين
المعجمة وفتح العين المهملة بعدها مثلثة ابن أبي الشعثاء
سليم بن الأسود الكوفي (عن معاوية بن سويد) بضم السين
المهملة وفتح الواو (ابن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وكسر
الراء مشددة بعدها نون الكوفي وسقط ابن مقرن لأبي ذر (عن
البراء) بن عازب رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح).
قال البخاري: (وحدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) الملقب
ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن أشعث عن معاوية بن سويد بن مقرن من
البراء -رضي الله عنه-) أنه (قال: أمرنا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإبرار المقسم) بكسر السين
وضم الميم في الفرع اسم فاعل أي بفعل ما أراده الحالف
ليصير بذلك بارًّا، وقيل السين مفتوحة أي الأقسام والمصدر
قد يأتي للمفعول مثل أدخلته مدخلاً بمعنى الإِدخال.
وهذا طرف من حديث أورده البخاري في اللباس والاستئذان
والجنائز والمظالم والطب والنذور والنكاح والأشربة.
6655 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، سَمِعْتُ أَبَا
عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّ ابْنَةً
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
وَسَعْدٌ وَأُبَىٌّ: إِنَّ ابْنِى قَدِ احْتُضِرَ
فَاشْهَدْنَا، فَأَرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ:
«إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى وَكُلُّ شَىْءٍ
عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَتَحْتَسِبْ»
فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَقَامَ
وَقُمْنَا مَعَهُ فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إِلَيْهِ
فَأَقْعَدَهُ فِى حَجْرِهِ وَنَفْسُ الصَّبِىِّ تَقَعْقَعُ
فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا
اللَّهُ فِى قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ،
وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ
الرُّحَمَاءَ».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد (عاصم
الأحول) بن سليمان أبو عبد الرَّحمن البصري الحافظ قال:
(سمعت أبا عثمان) عبد الرَّحمن النهدي (يحدث عن أسامة) بن
زيد -رضي الله عنهما- (أن ابنة) اسمها زينب، ولأبي ذر عن
الكشميهني أن بنتا (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أرسلت إليه ومع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة بن زيد) وسقط لأبي ذر: ابن زيد
وكان الأصل أن يقول وأنا معه لكنه من باب التجريد (وسعد)
بسكون العين ابن عبادة الخزرجي (وأبي) بضم الهمزة وفتح
الموحدة وتشديد التحتية ابن كعب الأنصاري، وفي نسخة الحافظ
أبي ذر وأبي بفتح الهمزة وكسر الموحدة مضافًا إلى ياء
المتكلم أو أبي بضم الهمزة وفتح الموحدة على الشك والصواب
الثاني من غير شك (إن ابني) هو علي بن أبي العاص بن الربيع
أو عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو هو محسن ابن فاطمة الزهراء
أو هي أمامة بنت زينب لأبي العاص بن الربيع ومبحث ذلك سبق
في الجنائز (قد احتضر) بضم الفوقية أي حضره الموت وسقط لفظ
قد لأبي ذر (فاشهدنا) بهمزة وصل وفتح الهاء (فأرسل)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقرأ) بفتح الياء
عليها (السلام ويقول):
(إن لله ما أخذ) أي الذي أراد أن يأخذه (وما أعطى وكل شيء
عنده مسمى) أي مؤجل مقدر (فلتصبر وتحتسب) أي تنوي بصبرها
طلب الثواب من ربها ليحتسب لها ذلك من عملها الصالح
(9/381)
(فأرسلت إليه تقسم عليه) ليأتينها (فقام)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقمنا معه فلما قعد
رفع إليه) الصبي أو الصبية (فأقعده) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في حجره ونفس الصبي) أو الصبية
(تقعقع) بحذف إحدى التاءين أي تضطرب وتتحرك (ففاضت عينا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالبكاء
(فقال سعد) أي ابن عبادة (ما هذا) البكاء (يا رسول الله)
وأنت تنهى عنه وهو استفهام عن الحكمة لا إنكار (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا) البكاء ولأبي
ذر هذه الدمعة (رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده
وإنما يرحم الله) عز وجل (من عباده الرحماء) نصب على أن ما
كافة.
والحديث سبق في الجنائز.
6656 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ تَمَسُّهُ
النَّارُ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن
ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد) زاد في الجنائز
من حديث أنس لم يبلغوا الحنث (تمسه النار إلا تحلة القسم)
بفتح الفوقية وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة أي
تحليلها قال في الكواكب: والمراد بالقسم ما هو مقدر في
قوله تعالى {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] أي والله ما
منكم والمستثنى منه تمسه لأنه في حكم البدل من لا يموت
فكأنه قال: لا تمس النار من مات له ثلاثة إلا بقدر الورود.
والحديث مرّ في الجنائز.
6657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى
غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ
خَالِدٍ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ
ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ
لأَبَرَّهُ وَأَهْلِ النَّارِ كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ
مُسْتَكْبِرٍ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدثني)
بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (غندر) محمد بن جعفر قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن معبد بن خالد) بفتح الميم
والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة الجدلي القيسي الكوفي
القاص أنه قال: (سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة
والمثلثة الخزاعي -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(ألا) بالتخفيف (أدلكم على أهل الجنة) هم (كل ضعيف) فقير
(متضعف) بكسر العين أي متواضع وبالفتح ضبطها الدمياطي.
وقال النووي: إنه رواية الأكثرين أي يستضعفه الناس
ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا ولم يضبطه في اليونينية ولا
في الفرع وكتب فوقه كذا، وفي علوم الحديث للحاكم عن ابن
خزيمة أنه سئل عن المراد بالضعيف هنا فقال: الذي يبرئ نفسه
من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين مرة (لو
أقسم على الله لأبرّه) أي لو حلف على شيء أن يقطع طمعًا في
كرم الله بإبراره لأبره وأوقعه لأجله (وأهل النار) هم (كل
جوّاظ) بفتح الجيم والواو المشددة وبعد الألف ظاء معجمة
الكثير اللحم الغليظ الرقبة المختال في مشيته (عتل) بضم
العين المهملة والفوقية وتشديد اللام فظ غليظ أو شديد
الخصومة أو المجموع المنوع (مستكبر) عن الحق.
والحديث سبق في تفسير سورة ن من التفسير.
10 - باب إِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَوْ شَهِدْتُ
بِاللَّهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال) الشخص: (أشهد بالله
أو شهدت بالله) لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا هل يكون يمينًا
نعم هو يمين عند الحنفية والحنابلة ولو لم يقل بالله لقوله
تعالى {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله}
[المنافقون: 1] ثم قال تعالى: {اتخذوا أيمانهم جنة}
[المجادلة: 16] فدلّ على أنهم استعملوا ذلك في اليمين وعند
الشافعية إذا لم يرد بالمضارع الوعد
بالحلف وبالماضي الإخبار عن حلف ماض فإن أراد ذلك لم يكن
يمينًا فإن لم يذكر الله تعالى يعني اسمه أو صفته فليس
بيمين لفقد المحلوف به وأجيب عن آية المنافقين بأنها ليست
صريحة لاحتمال أن يكونوا حلفوا مع ذلك.
6658 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ النَّاسِ
خَيْرٌ؟ قَالَ: «قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ
تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ
شَهَادَتَهُ» قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانَ أَصْحَابُنَا
يَنْهَوْنَا وَنَحْنُ غِلْمَانٌ أَنْ نَحْلِفَ
بِالشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ.
وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين أبو محمد الطلحي
الكوفي قال: (حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة ابن عبد الرَّحمن
النحوي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن
عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن عبد الله) بن
مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين وكسر الهمزة ولم يعين
السائل (أي الناس خير؟ قال) أهل:
(قرني) الذين أنا فيهم (ثم) أهل القرن (الذين يلونهم ثم)
أهل القرن (الذين يلونهم) مرتين (ثم يجيء قوم
(9/382)
تسبق شهادة أحدهم) برفع شهادة على الفاعلية
(يمينه) نصب على المفعولية (و) تسبق (يمينه) رفع (شهادته)
نصب قال القاضي البيضاوي: أي يحرصون على الشهادات مشغوفين
بترويجها يحلفون على ما يشهدون به فتارة يحلفون قبل أن
يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون، ويحتمل أن يكون مثلاً في
سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما والتسرع فيهما حتى
لا يدري بأيهما يبتدئ وكأنهما يتسابقان لقلة مبالاته
بالدين وقال الطحاوي: أي يكثرون الإيمان في كل شيء حتى
يصير لهم عادة فيحلف أحدهم حيث لا يراد منه اليمين ومن قبل
أن يستحلف، وقال بعضهم أي يحلف على تصديق شهادته، وقال
النووي: واحتج به المالكية في رد شهادة من حلف معها
والجمهور على أنها لا ترد.
والحديث مضى في الشهادات والرقاق.
(قال إبراهيم) النخعي بالسند السابق: (وكان أصحابنا) أي
مشايخنا (ينهونا) ولأبي ذر ينهوننا بنونين بعد الواو (ونحن
غلمان) وفي الفضائل ونحن صغار (أن نحلف بالشهادة والعهد)
أي عن أن يقول أحدنا أشهد بالله أو عليّ عهد الله ما كان
كذا حتى لا يكون ذلك لهم عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما
لا يصلح.
11 - باب عَهْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(باب عهد الله عز وجل) أي قول الشخص عليّ عهد الله لأفعلن
كذا.
6659 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ
وَمَنْصُورٍ
عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه -
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ
بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ -أَوْ قَالَ- أَخِيهِ لَقِىَ
اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَصْدِيقَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللَّهِ} [آل عمران: 77].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن
بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان أبو بكر العبدي
مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم
أبي عدي إبراهيم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان)
بن مهران الأعمش (ومنصور) هو ابن المعتمر كلاهما (عن أبي
وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(من حلف على يمين) على محلوف يمين ويحتمل أن تكون على
بمعنى الباء كقوله تعالى: {حقيق علي} [الأعراف: 105]
بتشديد الياء (كاذبة) صفة ليمين (ليقتطع) ليؤخذ (بها مال
رجل مسلم) أو ذمي أو معاهد ونحوه أو امرأة (أو قال: أخيه)
في الإسلام أو البشرية والشك من الراوي بغير حق بل بمجرد
يمينه المحكوم بها في ظاهر الشرع وجواب من قوله (لقي الله)
عز وجل (وهو عليه غضبان) لا ينصرف للصفة وزيادة الألف
والنون وهو اسم فاعل من غضب يقال رجل غضبان وامرأة غضبى
وغضابى، والغضب من المخلوقين هو شيء يداخل قلوبهم ويكون
محمودًا كالغضب لله ومذمومًا وهو ما يكون لغير الله،
وإطلاقه على الله يحتمل أن يراد به آثاره ولوازمه كالعذاب
فيكون من صفات الأفعال أو هو على إرادة الانتقام فيكون من
صفات الذات (أنزل الله) عز وجل (تصديقه {إن الذين يشترون
بعهد الله}) [الأعراف: 77] المصدر مضاف إلى الفاعل أي بما
عهد الله إليهم أو إلى المعول أي إن الذين يستبدلون بما
عاهدوا عليه من الأيمان.
6660 - قَالَ سُلَيْمَانُ فِى حَدِيثِهِ فَمَرَّ
الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ عَبْدُ
اللَّهِ؟، قَالُوا لَهُ: فَقَالَ الأَشْعَثُ: نَزَلَتْ
فِىَّ وَفِى صَاحِبٍ لِى فِى بِئْرٍ كَانَتْ بَيْنَنَا.
(قال سليمان) بن مهران الأعمش (في حديثه: فأمر الأشعث بن
قيس) الكندي وعبد الله يحدثهم (قال: ما يحدثكم عبد الله)
بن مسعود (قالوا له): كان يحدّثنا بكذا وكذا (فقال الأشعث
نزلت فيّ) بتشديد الياء هذه الآية (وفي صاحب لي في بئر
كانت بيننا) وفي حديث الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين
رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي مسلم في أرض باليمن ولا يمتنع أن
تكون المخاصمة في المجموع فمرة ذكرت الأرض لأن البئر داخلة
فيها ومرة ذكرت البئر هي المقصودة لسقي الأرض.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله بعهد الله فمن حلف بالعهد
حنث لزمته كفارة عند مالك والكوفيين وأحمد، وقال الشافعي:
لا يكون يمينًا إلا إن نواه قاله ابن المنذر.
والحديث سبق في كتاب الشرب في باب الخصومة في البئر.
12 - باب الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ
وَكَلِمَاتِهِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ»
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ
وَجْهِى عَنِ النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ
غَيْرَهَا» وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ لَكَ
ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» وَقَالَ أَيُّوبُ:
«وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِى، عَنْ بَرَكَتِكَ».
(باب الحلف بعزة الله) عز وجل (وصفاته) كالخالق والسميع
والبصير والعليم (وكلماته) ولأبي ذر وكلامه كالقرآن أو بما
أنزل الله وفيه عطف العام على الخاص والخاص على العام لأن
الصفات أعم من العزة والكلام والإيمان تنقسم إلى صريح
(9/383)
وكناية ومتردد بينهما وهو الصفات وهل تلتحق
الكناية بالصريح فلا تحتاج إلى قصد أم لا والراجح أن صفات
الذات منها ما يلتحق بالصريح فلا تنفع معها التورية إذا
تعلق به حق آدمي وصفات الفعل تلتحق بالكناية فعزة الله من
صفات الذات وكذا جلاله وعظمته.
(وقال ابن عباس) مما وصله المؤلّف في التوحيد (كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول أعوذ بعزتك)
استدل به على الحلف بعزة الله لأنه وإن كان بلفظ الدعاء
لكنه لا يستعاذ إلا بالله أو بصفة من صفاته كذا قال في
الفتح. وقال ابن المنير في حاشيته أعوذ بعزتك دعاء وليس
بقسم ولكنه لما كان المقرر أنه يستعاذ إلا بالقديم ثبت
بهذا أن العزة من الصفات القديمة لا من صفات العل فتنعقد
اليمين بها.
(وقال أبو هريرة) مما سبق في صفات الحشر من كتاب الرقاق
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبقى رجل
بين الجنة والنار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار لا وعزتك
لا أسألك غيرها) ذكره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مقررًا له فيكون حجة في الحلف به.
(وقال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله) عز وجل (لك ذلك
وعشرة أمثاله وقال أيوب) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (وعزتك لا غنى لي عن بركتك) بكسر المعجمة وفتح
النون مقصورًا أي لا استغناء أو لا بد ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي لا غناء بفتح الغين المعجمة والمد والأول أولى
لأن معنى الممدود الكفاية يقال ما عند فلان غناء أي لا
يغتنى به.
6661 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ،
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى
يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطْ
قَطْ وَعِزَّتِكَ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ».
رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شيبان)
بفتح الشين المعجمة والموحدة بينهما تحتية ساكنة ابن عبد
الرَّحمن النحوي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن
مالك) رضي الله عنه وسقط ابن مالك لأبي ذر أنه قال: (قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تزال جهنم تقول) بلسان القال مستفهمة (هل من مزيد) في
أي لا أسع غير ما امتلأت به أو هل من زيادة فأزاد (حتى يضع
رب العزة) جل وعلا (فيها قدمه) هو من المتشابه وقيل فيه هم
الذين قدمهم الله لها من شرار خلقه فهم قدم الله للنار كما
أن المسلمين قدمه للجنة، والقدم كل ما قدمت من غير أو شر
وتقدمت لفلان فيه قدم أي تقدم من خير أو شر، وقيل وضع
القدم على الشيء مثل للردع والقمع فكأنه قال: يأتيها أمر
الله فيكفها من طلب المزيد، وقيل أراد به تسكين فورتها كما
يقال للأمر تريد إبطاله وضعته تحت قدمي (فتقول) جهنم إذا
وضع فيها قدمه (قط قط) بسكون الطاءين وكسرهما مع التخفيف
فيهما والتكرار للتأكيد أي حسب حسب قد اكتفيت (وعزتك
ويزوى) بضم التحتية وسكون الزاي وفتح الواو يجمع ويقبض
(بعضها إلى بعض رواه) أي الحديث (شعبة) بن الحجاج (عن
قتادة) بن دعامة. قال الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلاني:
وأصله روايته في تفسير سورة ق، وأشار بذلك إلى أن الرواية
الموصولة عن أنس بالعنعنة لكن شعبة ما كان يأخذ عن شيوخه
الذين ذكر عنهم التدليس إلا ما صرحوا فيه بالتحديث.
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار والترمذي في التفسير
والنسائي في النعوت.
13 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَعَمْرُ اللَّهِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَمْرُكَ لَعَيْشُكَ.
(باب قول الرجل لعمر الله) لأفعلن كذا لعمرك مبتدأ محذوف
الخبر وجوبًا ومثله لأيمن الله ولأفعلنّ جواب القسم
وتقديره لعمرك قسمي أو يميني والعمر والعمر بالفتح والضم
هو البقاء إلا أنهم التزموا الفتح في القسم. قال الزجاج
لأنه أخف عليهم وهم يكثرون القسم بلعمري ولعمرك وله أحكام
منها: أنه متى اقترن بلام الابتداء لزم فيه الرفع
بالابتداء وحذف خبره لسدّ جواب القسم مسدّه، ومنها أنه
يصير صريحًا في القسم أي يتعين فيه بخلاف غيره نحو عهد
الله وميثاقه، ومنها أنه يلزم فتح عينه فإن لم يقترن به
لام الابتداء جاز نصبه بفعل مقدر نحو عمر الله لأفعلن
ويجوز حينئذٍ في الجلالة الشريفة وجهان النصب والرفع
فالنصب على أنه مصدر مضاف لفاعله وفي ذلك معنيان. أحدهما:
أن الأصل أسألك بتعميرك الله أي بوصفك الله تعالى بالبقاء
ثم حذف زوائد
(9/384)
المصدر، والثاني أن المعنى عبادتك الله
والعمر العبادة وأما الرفع فعلى أنه مضاف لمفعوله قال
الفارسي معناه عمرك الله تعميرًا وجاز أيضًا ضم عينه وينشد
بالوجهين قوله:
أيها المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يلتقيان
ويجوز دخول باء الجر نحو بعمرك لأفعلن قال:
رقي بعمركم لا تهجرينا ... ومنينا المنى ثم امطلينا
وهو من الأسماء اللازمة للإضافة فلا يقطع عنها وزعم بعضهم
أنه لا يضاف إلى الله تعالى وقد سمعت قال الشاعر:
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
ومنع بعضهم إضافته إلى ياء المتكلم لأنه حلف بحياة المقسم
وقد ورد ذلك قال النابغة:
لعمري وما عمري عليّ بهين ... لقد نطقت بطلاً عليَّ
الأقارع
وقد اختلف هل تنعقد بها اليمين فعن المالكية والحنفية
تنعقد لأن بقاء الله من صفات ذاته. وعن مالك لا يعجبني
اليمين بذلك، وقال الشافعي: لا يكون يمينًا إلا بالنية
لأنه يطلق على العلم وعلى الحق وقد يراد بالعلم المعلوم
وبالحق ما أوجبه الله وعن أحمد في الراجح كالشافعي. وأجيب
عن الآية بأن لله أن يقسم من خلقه بما يشاء وليس ذلك لهم
لثبوت النهي عن الحلف بغير الله.
(قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي حاتم
(لعمرك) أي (لعيشك) والحياة والعيش واحد.
6662 - حَدَّثَنَا الأُوَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ:
سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ
بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ
مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ وَكُلٌّ حَدَّثَنِى
طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُبَىٍّ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ
فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: لَعَمْرُ اللَّهِ
لَنَقْتُلَنَّهُ.
وبه قال: (حدّثنا الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون
التحتية وكسر السين المهملة بعدها تحتية مشددة عبد العزيز
المدني قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرَّحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري (ح) لتحويل السند قال البخاري:
(وحدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي قال: (حدّثنا عبد الله
بن عمر النميري) بضم النون وفتح الميم مصغرًا قال: (حدّثنا
يونس) بن يزيد الأيلي (قال: سمعت الزهري قال: سمعت عروة بن
الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص)
الليثي (وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن
مسعود الأربعة يحدثون (عن حديث عائشة زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك) بكسر
الهمزة (ما قالوا فبرأها الله) تعالى بما أنزله في سورة
النور (وكل) من الأربعة عروة ومن بعده (حدثني) بالإفراد
(طائفة) قطعة (من الحديث) زاد أبو ذر عن الكشميهني وفيه أي
في الحديث المروي طويلاً في المغازي (فقام النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستعذر) طلب من يعذره (من
عبد الله بن
أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة ابن سلول أي من ينصف منه
(فقام أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما (فقال لسعد بن عبادة)
سيد الخزرج: (لعمر الله لنقتلنه) بالنون المفتوحة وسكون
القاف ولام التأكيد والنون المشدّدة.
والحديث سبق في المغازي والتفسير والغرض منه قول أسيد لعمر
الله لنقتلنه.
14 - باب {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى
أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ
قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225].
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى في سورة البقرة ({لا
يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}) ما يجري على اللسان من
غير قصد للحلف نحو لا والله وبلى والله ({ولكن يؤاخذكم بما
كسبت قلوبكم}) يعاقبلم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد
إلى الكذب في اليمين وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما
يقوله وهو اليمين الغموس، وتمسك الشافعي -رحمه الله- بهذا
النص على وجوب الكفارة في اليمين الغموس لأن كسب القلب
العزم والقصد فذكر المؤاخذة بكسب القلب. وقال: في آية
المائدة {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89]
وعقد اليمين محتمل لأن يكون المراد منه عقد القلب به ولأن
يكون المراد به العقد الذي يضاده الحل فلما ذكر هنا قوله
{بما كسبت قلوبكم} علمنا أن المراد من ذلك العقد هو عقد
القلب، وأيضًا ذكر
(9/385)
المؤاخذة هنا ولم يبين تلك المؤاخذة ما هي
وبينها في آية المائدة بقوله (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان) فكفارته فبين أن المؤاخذة هي الكفارة فكل مؤاخذة
من هاتين الآيتين مجملة من وجه مبينة من وجه آخر فصارت كل
واحدة منهما مفسرة للأخرى من وجه وحصل من كل واحدة منهما
أن كل يمين ذكرت على سبيل الجدّ وربط القلب بها، فالكفارة
فيها ويمين الغموس كذلك كانت الكفارة واجبة فيها ({والله
غفور حليم}) [البقرة: 225] حيث لم يؤاخذكم باللغو في
أيمانكم، وسقط لأبي ذر من قوله (ولكن) الخ وقال الآية:
6663 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ
بِاللَّغْوِ} [البقرة: 225] قَالَ: قَالَتْ: أُنْزِلَتْ
فِى قَوْلِهِ لاَ وَاللَّهِ بَلَى وَاللَّهِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن
المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان
(عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن
الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت في قوله
تعالى ({لا يؤاخذكم الله باللغو}) [البقرة: 225] زاد أبو
ذر فى أيمانكم (قال: قالت أنزلت في قوله لا والله وبلى
والله) وبه تمسك الشافعي أيضًا لكونها شهدت التنزيل فهي
أعلم من غيرها بالمراد وقد جزمت بأنها نزلت في قول لا
والله وبلى والله، وقد صرح برفعه عن عائشة في حديثها
المروي في سنن أبي داود من طريق إبراهيم الصائغ عن
عطاء عنها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: "لغو اليمين هو كلام الرجل في يمين كلا
والله وبلى والله". وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء
وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه.
15 - باب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِى الأَيْمَانِ. وَقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5]
وَقَالَ {لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73]
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا حنث) بكسر النون
وبالمثلثة الحالف حال كونه (ناسيًا في الأيمان) هل تجب
عليه الكفارة أو لا (وقول الله تعالى {وليس عليكم جناح
فيما أخطأتم به}) [الأحزاب: 5] أي لا إثم عليكم فيما
فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي وسقطت الواو
لأبي ذر (وقال) تعالى: ({لا تؤاخذني بما نسيت}) [الكهف:
73] بالذي نسيته أو بنسياني ولا مؤاخذة على الناسي.
6664 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا
مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا زُرَارَةُ
بْنُ أَوْفَى، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى عَمَّا وَسْوَسَتْ
أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ
أَوْ تَكَلَّمْ».
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) السلمي بضم السين قال:
(حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين
المهملتين ابن كدام بكسر الكاف وتخفيف المهملة قال:
(حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا زرارة بن أوفى) بضم
الزاي وتخفيف الراء وأوفى بالفاء وفتح الهمزة العامري قاضي
البصرة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (يرفعه) إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسبق في العتق من
رواية سفيان من مسعر بلفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدل قوله هنا يرفعه (قال):
(إن الله) عز وجل (تجاوز لأمتي عما وسوست أو) قال (حدثت به
أنفسها) بالنصب للأكثر وبالرفع لبعضهم أي بغير اختيارها
كقوله تعالى: {ونعلم ما توسوس به نفسه} [ق: 16] (ما لم
تعمل به) بالذي وسوست أو حدّثت (أو تكلم) بفتح الميم بلفظ
الماضي. وقال الكرماني، وتبعه العيني بالجزم قال: وأراد أن
الوجود الذهني لا أثره له وإنما الاعتبار بالوجود القولي
في القوليات والعملي في العمليات.
فإن قلت: ليس في الحديث ذكر النسيان الذي ترجم به. أجيب:
بأن مراد البخاري إلحاق ما يترتب على النسيان بالتجاوز
لأنه من متعلقات عمل القلب، وظاهر الحديث أن المراد بالعمل
عمل الجوارح لأن المفهوم من لفظ ما لم تعمل يشعر بأن كل
شيء في الصدر لا يؤاخذ به سواء توطن أو لم يتوطن، وفي
الحديث إشارة إلى عظم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها
لقوله: تجاوز لأمتي واختصاصها بذلك.
والحديث سبق في الطلاق والعتاق.
6665 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ
مُحَمَّدٌ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ
ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ،
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ إِذْ
قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ
قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ
كَذَا وَكَذَا لِهَؤُلاَءِ الثَّلاَثِ فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «افْعَلْ وَلاَ
حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ فَمَا سُئِلَ
يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ افْعَلْ
وَلاَ حَرَجَ».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة
المؤذن البصري (أو) حدّثنا (محمد) هو ابن يحيى الذهلي
(عنه) عن عثمان بن الهيثم وكل من عثمان بن الهيثم ومحمد
الذهلي شيخ البخاري وكذا وقع مثل هذا في باب الذريرة أواخر
كتاب اللباس (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه
(قال: سمعت ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (يقول: حدثني)
بالإفراد (عيسى بن طلحة) بن عبيد الله بضم العين التيمي
(أن عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما- (حدّثه
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينما)
بالميم (هو يخطب يوم النحر) بمنى على ناقته (إذ قام إليه
(9/386)
رجل) لم يسم (فقال: كنت أحسب يا رسول الله
كذا وكذا قبل كذا وكذا) أي حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن
أرمي كما في مسلم من رواية يحيى بن سعيد الأموي عن ابن
جريج (ثم قام آخر فقال: يا رسول الله كنت أحسب كذا وكذا
لهؤلاء) لأجل هؤلاء (الثلاث) الحلق والنحر والرمي (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لكل من
الرجلين (افعل ولا حرج) لا إثم ولا فدية في التقديم
والتأخير (لهن) لأجل هؤلاء الثلاث (كلهن يومئذٍ فما سئل)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يومئذٍ عن شيء) من
الرمي والنحر والحلق قدم ولا أخر (إلا قال افعل افعل) كذا
بالتكرار مرتين لأبي ذر عن الحموي وسقط الثاني لغيره أي
افعل ذلك التقديم والتأخير (ولا حرج) عليك مطلقًا.
والحديث سبق في العلم بلفظ: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه
فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال: "اذبح
ولا حرج" فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال:
(ارم ولا حرج) وكذا هو في باب الفتيا على الدابة عند
الجمرة من كتاب الحج.
6666 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ
عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ قَالَ: «لاَ
حَرَجَ» قَالَ آخَرُ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ
قَالَ: «لاَ حَرَجَ» قَالَ آخَرُ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ
أَرْمِىَ قَالَ: «لاَ حَرَجَ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس الحافظ أبو عبد الله اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا
أبو بكر) ولأبي ذر أبو بكر بن عياش بالمثناة التحتية
والشين المعجمة ابن سالم الأزدي الكوفي المقرئ الحناط
بالحاء المهملة والنون المشدّدة مشهور بكنيته والأصح أنها
اسمه ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح (عن
عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء بعدها تحتية
ساكنة فعين مهملة أبي عبد الله الأسدي المكي سكن الكوفة
(عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-)
أنه (قال: قال رجل) أي يسم (للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زرت) أي طفت طواف الزيارة (قبل أن
أرمي) الجمرة (قال) عليه الصلاة والسلام:
(لا حرج) لا إثم عليك (قال آخر) لم يسم: (حلقت) شعر رأسي
(قبل أن أذبح) هديي (قال لا حرج) عليك (قال آخر) ثالث لم
يسم (ذبحت) هديي (قبل أن أرمي) الجمرة (قال: لا حرج) عليك.
والحديث سبق بالحج.
6667 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يُصَلِّى
وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ
فَقَالَ لَهُ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»
فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ
ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» قَالَ فِى
الثَّالِثَةِ: فَأَعْلِمْنِى قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى
الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ
الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ
مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ
قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِىَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِسًا،
ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ
حَتَّى تَسْتَوِىَ قَائِمًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِى
صَلاَتِكَ كُلِّهَا».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن
منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن
عمر) العمري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- (أن رجلاً) اسمه خلاد بن رافع (دخل
المسجد يصلّي) ولأبي ذر عن الكشميهني فصلّى بالفاء بدل
التحتية (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في ناحية المسجد فجاء) الرجل (فسلم عليه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال له) بعدما ردّ عليه السلام:
(ارجع صل فإنك لم تصل) نفي للحقيقة الشرعية ولا شك في
انتفائها بانتفاء ركن أو شرط منها وفي رواية أعد صلاتك
(فرجع) الرجل (فصلّى ثم سلم) عليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له (وعليك) السلام (ارجع فصل
فإنك لم تصل) فرجع فصلّى ثم (قال) الرجل (في الثالثة
فأعلمني) بقطع الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني في الثانية أو
الثالثة فأعلمني أي يا رسول الله (قال) عليه الصلاة
والسلام: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) بهمزة قطع
مفتوحة (ثم استقبل القبلة فكبر) تكبيرة الإحرام (واقرأ بما
تيسر معك من القرآن) ما موصولة ومعك متعلق بتيسر أو بحال
من القرآن ومن تبعيضية ويبعد أن يتعلق من القرآن باقرأ
لأنه لا يجب عليه ولا يستحب له أن يقرأ جميع ما تيسر له من
القرآن
ولأحمد وابن حبان ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت (ثم
اركع حتى) إلى أن (تطمئن) أي تسكن حال كونك (راكعًا ثم
ارفع رأسك حتى تعتدل) حال كونك (قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن)
حال كونك (ساجدًا ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن) حال كونك
(جالساً ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا ثم ارفع حتى
تستوي) حال كونك (قائمًا ثم افعل ذلك) المذكور من التكبير
وما بعده (في صلاتك كلها) فرضًا ونفلاً على اختلاف أوقاتها
وأسمائها أو أكد الصلاة بكل لأنها أركان
(9/387)
متعددة.
والحديث سبق في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم وليس فيه
مطابقة لما ترجم له هنا نعم في باب وجوب القراءة والذي
بعثك بالحق ما أحسن غيره فبذا تحصل المطابقة، وأورد المصنف
هذه الرواية هنا العارية عن هذه الزيادة تشحيذًا للأذهان
-رحمه الله تعالى- ما أدق نظره.
6668 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِى الْمَغْرَاءِ،
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -
قَالَتْ: هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزِيمَةً
تُعْرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ أَىْ عِبَادَ
اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ
هِىَ وَأُخْرَاهُمْ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ
فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فَقَالَ: أَبِى أَبِى قَالَتْ:
فَوَاللَّهِ مَا انْحَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ
حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ:
فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِى حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةٌ
حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ.
وبه قال: (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بالفاء المفتوحة
والراء الساكنة والمغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة
والراء ممدود الكندي الكوفي قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بضم
الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي (عن هشام بن
عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: هزم) بضم الهاء وكسر الزاي (المشركون يوم) وقعة
(أُحُد هزيمة تعرف فيهم فصرخ إبليس) يخاطب المسلمين (أي
عباد الله) احذروا (أخراكم) الذين من ورائكم فاقتلوهم أراد
أن يقتل المسلمون بعضهم بعضًا ولأبي ذر: آخركم (فرجعت
أولاهم) لقتال أخراهم ظانين أنهم من المشركين (فاجتلدت)
بالجيم فاقتتلت (هي وأخراهم فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو
بأبيه) اليمان يقتله المسلمون يظنونه من المشركين (فقال)
حذيفة لهم: هذا (أبي) هذا (أبي) لا تقتلوه (قالت) عائشة:
(فوالله ما انحجزوا) بالنون الساكنة والحاء المهملة والجيم
المفتوحتين والزاي المضمومة كذا في اليونينية وفي غيرها ما
احتجزوا بفوقية بين الحاء والجيم من غير نون أي ما انفصلوا
عنه (حتى قتلوه) وعند ابن إسحاق: وأما اليمان فاختلفت
أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة: قتلتم أبي،
قالوا: والله ما عرفناه (فقال حذيفة) معتذرًا عنهم: (غفر
الله لكم. قال عروة) بن الزبير: (فوالله ما زالت في حذيفة
منها) من قتلة أبيه (بقية حتى لقي الله) عز وجل أي بقية من
حزن وتحسر من قتل أبيه كذا قرره الكرماني، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي بقية خير بالإضافة إلى خير الساقطة من
الرواية الأخرى أي: استمر الخير فيه من الدعاء والاستغفار
لقاتل أبيه، واعترض في الفتح على الكرماني في تفسيره بقية
بالحزن والتحسر فقال: إنه وهم سبقه غيره إليه، وإن الصواب
أن المراد أنه حصل له خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه
خطأ غفر الله
لكم فاستمر ذلك الخير فيه إلى أن مات، وتعقبه العيني قال:
إن نسبة الكرماني إلى الوهم وهم لأن الكرماني إنما فسره
على رواية الكشميهني والأقرب فيها ما فسره لأنه تحسر على
قتل أبيه على يد المسلمين غاية التحسر. وأجاب في انتقاض
الاعتراض بأنه لم ينكر أنه تحسر وإنما تفسير خير بالتحسر.
قيل مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر على الذين قتلوا
اليمان لجهلهم فجعل الجهل هنا كالنسيان فمن ثم ناسب دخول
الحديث هنا مع أنه فيه اليمين وهو قول حذيفة فوالله.
والحديث سبق في باب ذكر حذيفة من آخر المناقب.
6669 - حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ حَدَّثَنِى عَوْفٌ، عَنْ خِلاَسٍ وَمُحَمَّدٍ
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ
أَكَلَ نَاسِيًا وَهْوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ
فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يوسف بن
موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد
بن أسامة قال: (حدثني) بالإفراد (عوف) بفتح العين المهملة
وسكون الواو بعدها فاء الأعرابي (عن خلاس) بكسر الخاء
المعجمة وتخفيف اللام وبعد الألف سين مهملة ابن عمرو
الهجري (ومحمد) هو ابن سيرين كلاهما (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(من أكل) حال كونه (ناسيًا وهو) أي والحال أنه (صائم فليتم
صومه) الفاء جواب الشرط واللام لام الأمر وهي بعد الواو
والفاء ساكنة ويتم من أتم مضاعف الآخر مفتوح ويجوز كسره
على التقاء الساكنين وتسميته صومًا والأصل الحقيقة الشرعية
دليل على عدم القضاء (فإنما أطعمه الله) عز وجل (وسقاه)
فليس له مدخل بوجه بخلاف المعتمد وفيه دلالة على عدم تكليف
الناسي.
ومرّ الحديث في باب الصائم إذا أكل أو شرب من كتاب الصوم.
6670 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الأَعْرَجِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ
فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ
فَمَضَى فِى صَلاَتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ
انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ
يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف
التحتية عبد الرَّحمن العسقلاني الخراساني الأصل قال:
(حدّثنا ابن أبي ذئب)
(9/388)
محمد بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي ذئب
(عن الزهري) محمد بن مسلم (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن
هرمز (عن عبد الله ابن بحينة) بضم
الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها نون فهاء
تأنيث اسم أمه واسم أبيه مالك بن القشب بكسر القاف وسكون
الشين المعجمة بعدها موحدة الأزدي حليف بني المطلب -رضي
الله عنه- أنه (قال: صلّى بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الظهر (فقام في الركعتين الأوليين
قبل أن يجلس) معطوف على صلّى وفي في قوله في الركعتين
بمعنى من كقوله:
ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال.
ويحتمل أن تكون على بابها أي قام في جلوس الركعتين قبل أن
يتمهما والأوليين بضم الهمزة وسكون الواو وتحتيتين (فمضى)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في صلاته فلما قضى
صلاته) أي قارب ذلك وإلا فالتسليمة الأولى من نفس الصلاة
عند الجمهور وكذا الثانية على المرجح عندنا وقرينة المجاز
قوله (انتظر الناس تسليمه فكبّر وسجد) بالواو ولأبي ذر
فسجد بالفاء للسهو (قبل أن يسلم ثم رفع رأسه) من السجود
(ثم كبّر وسجد) ثانيًا (ثم رفع رأسه) من السجود (وسلم).
ومطابقة الحديث من حيث أن فيه ترك القعدة الأولى ناسيًا.
والحديث مرّ في سجود السهو من أواخر كتاب الصلاة.
6671 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ
عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا
مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ صَلاَةَ
الظُّهْرِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا قَالَ مَنْصُورٌ:
لاَ أَدْرِى إِبْرَاهِيمُ وَهِمَ أَمْ عَلْقَمَةُ، قَالَ:
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ
نَسِيتَ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا
وَكَذَا قَالَ: فَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ:
«هَاتَانِ السَّجْدَتَانِ لِمَنْ لاَ يَدْرِى زَادَ فِى
صَلاَتِهِ أَمْ نَقَصَ فَيَتَحَرَّى الصَّوَابَ فَيُتِمُّ
مَا بَقِىَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق بن
إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع عبد العزيز بن عبد الصمد)
العمي بفتح العين المهملة وتشديد الميم المكسورة وسقط لفظ
أنه اختصارًا على عادتهم قال: (حدّثنا منصور) هو ابن
المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن ابن
مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه- أن نبي الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بهم صلاة الظهر فزاد أو
نقص منها. قال منصور) هو ابن المعتمر المذكور (لا أدري
إبراهيم) النخعي (وهم) بفتح الواو وكسر الهاء أي غلط وسها
في الزيادة والنقصان (أم علقمة) بن قيس وهم وجزم في رواية
جرير عن منصور المذكورة في أبواب القبلة بأن إبراهيم هو
الذي تردد ولفظه قال: قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص
(قال: قيل) له لما سلم (يا رسول الله أقصرت الصلاة أم
نسيت) بهمزة الاستفهام الإخباري (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(وما ذاك قالوا: صليت كذا وكذا) كناية عما وقع إما زائد
على المعهود أو ناقص منه (قال)
ابن مسعود: (فسجد بهم سجدتين) لما تذكر أنه نسي (ثم قال)
عليه الصلاة والسلام: (هاتان السجدتان لمن لا يدري زاد في
صلاته أم نقص فيتحرى) بإثبات الياء خطًّا ولأبي ذر فيتحر
(الصواب) بإسقاطها أي يجتهد في تحقيق الحق بأن يأخذ بالأقل
(فيتم) بضم الميم مشددة ولأبي ذر مفتوحة ولأبي الوقت ثم
يتم (ما بقي) عليه (ثم يسجد سجدتين) للسهو ندبًا.
قيل والمطابقة بين الحديث والترجمة من قوله: أنسيت ولا
يخفى ما فيه وقيل ذكر هذا الحديث استطرادًا بعد الحديث
السابق. وقال في الكواكب بعد قوله وهم: أي في الزيادة
والنقصان لفظ أقصرت صريح في أنه نقص ولكنه وهم من الراوي،
والصواب ما تقدم في الصلاة بلفظ أحدث في الصلاة شيء قال:
وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا الخ وقال في باب سجود السهو عن
أبي هريرة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انصرف
من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت قال:
ويحتمل أن يجاب بأن المراد من القصر لازمه وهو التغيير
فكأنه قال: أغيرت الصلاة عن وضعها.
والحديث سبق في باب التوجه نحو القبلة وفي باب سجود السهو.
6672 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قَالَ لاَ
تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ
أَمْرِى عُسْرًا} قَالَ: «كَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى
نِسْيَانًا».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح
العين قال: (حدثني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن
عباس) -رضي الله عنهما- (فقال: حدّثنا أبي بن كعب) حذف
مقول سعيد بن جبير وهو ثابت في تفسير سورة الكهف وغيرها
بلفظ قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب
الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عباس: كذب
(9/389)
عدوّ الله حدثني أبي بن كعب (أنه سمع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): كذا لأبي
ذر عن الحموي والمستملي وله عن الكشميهني يقول:
(لا تؤاخذني) فيه حذف أيضًا كثير يطول ذكره وتقديره يقول
في تفسير قوله تعالى ({لا تؤاخدني بما نسيت}) أي من وصيتك
({ولا ترهقني من أمري عسر}) [الكهف: 73] لا تضايقني بهذا
القدر فتعسر مصاحبتك (قال): ولأبي ذر فقال: أي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كانت الأولى من موسى
نسيانًا) أي عند إنكار خرق السفينة كان ناسيًا لما شرط
عليه الخضر في قوله: {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه
ذكرًا} [الكهف: 70] وإنما أخذه بالنسيان مع عدم المؤاخذة
به شرعًا عملاً بعموم شرطه فلما اعتذر بالنسيان علم أنه
خارج بحكم الشرع من عموم الشرط وبهذا التقرير يتجه إيراد
هذا الحديث في هذه الترجمة قاله في فتح الباري.
6673 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَتَبَ إِلَىَّ
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ
قَالَ: قَالَ: الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَكَانَ عِنْدَهُمْ
ضَيْفٌ لَهُمْ فَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ
أَنْ يَرْجِعَ لِيَأْكُلَ ضَيْفُهُمْ، فَذَبَحُوا قَبْلَ
الصَّلاَةِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ
الذَّبْحَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى عَنَاقٌ
جَذَعٌ عَنَاقُ لَبَنٍ، هِىَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ،
فَكَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَقِفُ فِى هَذَا الْمَكَانِ عَنْ
حَدِيثِ الشَّعْبِىِّ، وَيُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيَقِفُ فِى هَذَا
الْمَكَانِ وَيَقُولُ: لاَ أَدْرِى أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ
غَيْرَهُ أَمْ لاَ. رَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(قال أبو عبد الله) البخاري بالسند السابق إليه وسقط ذلك
لأبي ذر (كتب إليّ) بتشديد الياء (محمد بن بشار) بالشين
المعجمة المشددة المعروف ببندار، ولأبي ذر: كتب إليّ من
محمد بن بشار فزاد لفظة من، وقد أورده بصيغة المكاتبة
ولعله لم يسمع منه هذا الحديث فرواه عنه بالمكاتبة وقد
أخرج أصل الحديث من عدة طرق أخرى موصولة كما تقدم في
العيدين وغيره ولم يقع له صيغة المكاتبة في صحيحه الجامع
عن أحد من مشايخه إلا في هذا الموضع نعم أخرج بصيغة
المكاتبة كثيرًا من رواية التابعي عن الصحابي ومن رواية
غير التابعي عن التابعي ونحو ذلك، وقد ذكرت حكم المكاتبة
ومبحثها في الفصل الثالث من مقدمة هذا الشرح، وقد أخرج
الحديث أبو نعيم من رواية الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمد
بن بشار بندار قال: (حدّثنا معاذ بن معاذ) التميمي العنبري
الحافظ قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) بفتح العين
المهملة وسكون الواو محمد (عن الشعبي) عامر بن شراحيل أنه
(قال: قال البراء بن عازب) -رضي الله عنهما- (وكان عندهم
ضيف لهم) بإثبات الواو قبل كان وعند الإِسماعيلي بإسقاطها
(فأمر أهله أن يذبحوا قبل أن يرجع) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي قبل أن يرجعهم بفتح الياء أي قبل أن يرجع إليهم
وظاهره أن ذلك وقع للبراء لكن المشهور أن ذلك لخاله أبي
بردة بن نيار كما في الأضاحي من طريق زبيد عن الشعبي عن
البراء قال في الكواكب: أبو بردة هو خاله وكانوا أهل بيت
واحد فتارة نسب إلى نفسه وأخرى إلى خاله (ليأكل ضيفهم
فذبحوا قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد (فذكروا ذلك) الذبح
قبل الصلاة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأمره أن يعيد الذبح فقال: يا رسول الله عندي عناق) بفتح
العين المهملة وتخفيف النون أنثى من أولاد المعز (جذع)
بفتح الجيم والمعجمة طعنت في السنة الثالثة صفة لعناق
(عناق لبن) بالإضافة بدل من عناق الأول (هي خير من شاتي
لحم) بالتثنية زاد في رواية فرخص له في ذلك وفي رواية
الإِسماعيلي قال البراء: يا رسول الله وهذا صريح في أن
القصة وقعت للبراء. قال ابن حجر: فلولا اتحاد المخرج لأمكن
التعدد، لكن القصة متحدة والسند متحد من رواية الشعبي عن
البراء والاختلاف من الرواة عن الشعبي فكأنه وقع في هذه
الرواية اختصار وحذف، ويحتمل أن يكون البراء شارك خاله في
سؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن القصة
فنسبت كلها إليه تجوّزًا (وكان ابن عون) محمد الراوي (يقف
في هذا المكان عن حديث الشعبي) عامر (ويحدث عن محمد بن
سيرين بمثل هذا الحديث ويقف في هذا المكان) أي يترك تكملته
(ويقول): ولأبي ذر فيقول (لا أدري أبلغت الرخصة) وهي قوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضح بالعناق
الذي عندك (غيره أم لا لله)؟ أي غير البراء (رواه أيوب)
السختياني (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس) -رضي الله عنه-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وهذا وصله المؤلّف في أوائل الأضاحي ومطابقة الحديث
للترجمة لم أفقهها والله الموفق.
6674 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ
جُنْدَبًا قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ عِيدٍ، ثُمَّ خَطَبَ
ثُمَّ قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ فَلْيُبَدِّلْ مَكَانَهَا،
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري قاضي مكة
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن
(9/390)
الأسود بن قيس) العبدي الكوفي أنه (قال:
سمعت جندبًا) بضم الجيم وفتح الدال المهملة وبالباء
الموحدة ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال:
شهدت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عيد)
أي عيد الأضحى (ثم خطب ثم قال):
(من ذبح) أي قبل الصلاة (فليبدل مكانها) بضم التحتية وفتح
الموحدة وتشديد الدال كذا في اليونينية وفي نسخة فليبدل
بسكون الموحدة وتخفيف الدال أي فليذبح غيرها (ومن لم يكن
ذبح) قبل الصلاة (فليذبح) بعدها (باسم الله) وهذا ثابت في
رواية أبي ذر.
ومناسبة الحديث والذي قبله للترجمة قال الكرماني وتبعه
العيني وابن حجر الإشارة إلى التسوية بين الجاهل بالحكم
والناسي في وقت الذبح فليتأمل.
16 - باب الْيَمِينِ الْغَمُوسِ
{وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ
فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ
بِمَا صَدَدْتُمْ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ} النحل: 94] دَخَلاً مَكْرًا وَخِيَانَةً.
(باب) حكم (اليمين الغموس) بفتح الغين المعجمة وضم الميم
وبعد الواو الساكنة سين مهملة فعول بمعنى فاعل لأنها تغمس
صاحبها في الإِثم ثم في النار وقول الله تعالى في سورة
النحل: ({ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم}) دخلاً مفعول
ثان لتتخذوا والدخل الفساد والدغل وقال: الواحدي الغش
والخيانة وقيل ما أدخل في الشيء على فساد ({فتزل قدم}) أي
فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام ({بعد ثبوتها وتذوقوا
السوء}) في الدنيا ({بما صددتم}) بصدودكم ({عن سبيل الله})
وخروجكم عن الدين ({ولكم عذاب عظيم}) [النحل: 94] في
الآخرة قال في الكشاف: وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل
قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه فكيف فأقدام
كثيرة. قال أبو حيان: الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث
هو مجموع وتارة يلحظ فيه اعتبار كل فرد فرد فإذا لوحظ فيه
المجموع كان الإِسناد معتبرًا فيه الجمعية، إذا لوحظ فيه
كل فرد فرد كان الإسناد مطابقًا للفظ الجمع كثيرًا فيجمع
ما أسند إليه ومطابقًا لكل فرد
فرد فيفرد كقوله تعالى {وأعتدت لهن متكأ وآتت} [يوسف: 31]
أفرد متكأ لما كان لوحظ في قوله لهن معنى لكل واحدة، ولو
جاء مرادًا به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع
المتكأ وعلى هذا المعنى يحمل قول الشاعر:
فإني رأيت الضامرين متاعهم ... يموت ويفنى فارضخي من
وعائيا
أي: رأيت كل ضامر ولذلك أفرد الضمير في يموت ويفنى ولما
كان المعنى لا يتخذ كل واحد واحد منكم جاء فتزل قدم مراعاة
لهذا المعنى، ثم قال: وتذوقوا السوء مراعاة للمجموع أو
للفظ الجمع على الوجه الكثير إذا قلنا إن الإسناد لكل فرد
فرد فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الإيمان دخلاً
باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد فرد ودل على ذلك بإفراد
قدم وبجمع الضمير في تذوقوا وتعقبه تلميذه شهاب الدين
السمين فقال بهذا التقرير الذي ذكره يفوت المعنى الجزل
الذي اقتنصه الزمخشري من تنكير قدم وإفرادها وأما البيت
المذكور فإن النحويين خرجوه على أن المعنى يموت من ثم ومن
ذكر فأفرد الضمير لذلك لا لما ذكر اهـ.
ولم يذكر في غير رواية أبي ذر الآية كلها بل إلى قوله بعد
ثبوتها كذا في الفرع وأصله وقال في الفتح وساق في رواية
كريمة إلى عظيم (دخلاً) قال قتادة أي: (مكرًا وخيانة)
أخرجه عبد الرزاق ومناسبة الآية لليمين الغموس ورود الوعيد
على من حلف كاذبًا متعمدًا.
6675 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا
النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا فِرَاسٌ
قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ،
وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» [الحديث 6675 - طرفاه في: 6870 و
6920].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي
المجاور بمكة قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (النضر)
بالضاد المعجمة الساكنة ابن شميل بضم الشين المعجمة قال:
(أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا فراس) بكسر الفاء
وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى المكتب (قال:
سمعت الشعبي) عامرًا يحدث (عن عبد الله بن عمرو) بفتح
العين ابن العاص (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الكبائر) جمع كبيرة وهي ما توعد عليها (الإشراك بالله)
باتخاذ إله غيره (وعقوق الوالدين) بعصيان أمرهما وترك
خدمتهما (وقتل النفس) التي حرم الله إلا بالحق (واليمين
الغموس) بأن يحلف على الماضي متعمدًا للكذب كأن يقول:
والله ما فعلت كذا أو فعلت كذا نفيًا وإثباتًا وهو يعلم
أنه ما فعله أو فعله أو الغموس
(9/391)
أن يحلف كاذبًا ليذهب بمال أحد ويأتي إن
شاء الله تعالى عدّ الكبائر ومباحثها في كتاب الحدود بعون
الله تعالى.
والحديث أخرجه أيضًا في الدّيات واستتابة المرتدين
والترمذي في التفسير والنسائي فيه وفي القصاص والمحاربة.
17 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ
لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ
يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ
عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا
وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ
اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [النحل: 95]
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ
تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ
جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل: 91].
(باب قول الله تعالى) في سورة آل عمران: ({إن الذين
يشترون}) يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدون عليه من
الأيمان بالرسول ({وأيمانهم}) وبما حلفوا به من قولهم
لنؤمنن به ولننصرنه ({ثمنًا قليلاً}) متاع الدنيا ({أولئك
لا خلاق لهم}) لا نصيب لهم ({في الآخرة}) ونعيمها وهذا
مشروط بالإجماع بعدم التوبة فإن تاب سقط الوعيد ({ولا
يكلمهم الله}) كلامًا يسرهم ({ولا ينظر إليهم يوم
القيامة}) نظر رحمة ولا ينيلهم خيرًا وليس المراد منه
النظر بتقليب الحدقة إلى المرئي تعالى الله عن ذلك ({ولا
يزكيهم}) ولا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة أو لا يثني
عليهم كما يثني على أوليائه كثناء المزكي للشاهد والتزكية
من الله قد تكون على ألسنة الملائكة كما قال تعالى:
{والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم
فنعم عقبى الدار} [الرعد: 24] وقد تكون بغير واسطة إما في
الدنيا كما قال تعالى {التائبون العابدون} [التوبة: 112]
وأما في الآخرة كما قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم}
[يس: 58].
ثم لما بين تعالى حرمانهم مما ذكر من الثواب بين كونهم في
العقاب فقال: ({ولهم عذاب أليم}) [آل عمران: 77] مؤلم كذا
في رواية كريمة سياق الآية إلى آخرها وقال في رواية أبي
ذر: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم} الآية. واستفيد
من الآية أن العهد غير اليمين لعطف العهد عليه.
(وقوله) ولأبي ذر وقول الله تعالى (جل ذكره {ولا تجعلوا
الله عرضة لأيمانكم}) فعلة بمعنى المفعولة كالقبضة والغرفة
أي لا تجعلوه معرضًا للحلف من قولهم فلان عرضة لكذا أي
معرّض. قال كعب:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام
مجهول
وقال حسان:
هم الأنصار عرضتها اللقاء
وهما بمعنى معرّض لكذا أو اسم لما تعرضه على الشيء فيكون
من عرض العود على الإناء
فيعترض دونه ويصير حاجزًا ومانعًا، والمعنى على هذا النهي
أن يحلفوا بالله على أنهم لا يبرون ولا يتقون ويقولون لا
نقدر نفعل ذلك لأجل حلفنا أو من العرضة وهي القوّة والشدة
يقال جمل عرضة للسفر أي قويّ عليه وقال الزبير:
فهذي لأيام الحروب وهذه ... للهوى وهذي عرضة لارتحالنا
أي قوّة وعدة أي لا تجعلوا اليمين بالله قوّة لأنفسكم في
الامتناع من البر وقوله ({أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين
الناس}) عطف بيان لأيمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي
هي البر والتقوى والإِصلاح بين الناس واللام تتعلق بالفعل
أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخًا، ويجوز أن تكون اللام
تعليلية ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا
الله لأجل أيمانكم عرضة لأن تبروا وفي ذلك نهي عن الجراءة
على الله بكثرة الحلف به، وذلك لأنه من أكثر ذكر شيء في
معنى من المعاني فقد جعله عرضة له يقول الرجل: قد جعلتني
عرضة للومك. قال الشاعر:
ولا تجعليني عرضة للوائم
وقد ذم الله من أكثر الحلف بقوله {ولا تطع كل حلاف مهين}
وقال تعالى {واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89] وكان الخلف
يمدحون بالإقلال من الحلف والحكمة في الأمر بتقليل الإيمان
أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ولا
يبقى لليمين في قلبه وقع فلا يؤمن من إقدامه على الإيمان
الكاذبة فيختل ما هو الغرض الأصلي من اليمين، وأيضًا كلما
كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله تعالى كان أكمل في العبودية
ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعظم وأعلى
عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية ({والله
سميع}) لأيمانكم ({عليم}) [البقرة: 224] بنياتكم، وسقط
لأبي ذر من قوله (أن تبروا) إلى آخر الآية.
(وقوله جل
(9/392)
ذكره {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً})
عرضًا من الدنيا يسيرًا ({إن ما عند الله}) من ثواب الآخرة
({هو خير لكم إن كنتم تعلمون}) [النحل: 95] وقوله تعالى:
({وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}) هي البيعة لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام إن الذين
يبايعونك إنما يبايعون الله ((ولا تنقضوا الإيمان بعد
توكيدها}) بعد توثيقها باسم الله ({وقد جعلتم الله عليكم
كفيلاً}) [النحل: 91] شاهدًا ورقيبًا، وفي رواية أبي ذر
{ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً} إلى قوله {ولا تنقضوا
الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} قال في
الفتح: وسقط ذلك لجميعهم ووقع فيه تقديم وتأخير والصواب
قوله {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله
عليكم كفيلاً} إلى قوله {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا
قليلاً} ووقع في رواية النسفيّ بعد قوله عز وجل {عرضة
لأيمانكم} ما نصه وقوله {ولا تشتروا يعده الله ثمنًا
قليلاً} الآية وقوله {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} الآية.
6676 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ
امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ
غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ
ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان
الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود
-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من حلف على) موجب (يمين صبر) بإضافة يمين لصبر مصححًا
عليها في الفرع كأصله لما بينهما من الملابسة والأكثر على
تنوين يمين فيكون صبر صفة له مصدر بمعنى المفعول أي مصبورة
كما في الرواية الأخرى على يمين مصبورة فيكون على التجوّز
بوصف اليمين بذلك لأن اليمين الصبر هي التي يلزم الحاكم
الخصم بها والمصبور في الحقيقة الحالف لا اليمين، أو
المراد أن الحالف هو الذي صبر نفسه وحبسها على هذا الأمر
العظيم الذي لا يصبر أحد عليه فالحالف هو الصابر واليمين
مصبورة أي مصبور عليها. وزاد المؤلّف في الأشخاص من رواية
أبي معاوية وفي الشرب من رواية أبي حمزة كلاهما عن الأعمش
هو فيها فاجر لكن رواية أبي معاوية هو عليها فاجر وكأن
فيها حذفًا تقديره هو في الإقدام عليها كاذب حال كونه
(يقتطع بها) بسبب اليمين (مال امرئ مسلم) أو ذمي ونحوه وفي
صحيح مسلم حق امرئ مسلم بيمينه (لقي الله وهو عليه غضبان)
جواب من وغضبان لا ينصرف لزيادة الألف والنون أي فيعامله
معاملة المغضوب عليه فيعذبه (أنزل الله) عز وجل (تصديق
ذلك) {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانكم ثمنًا قليلاً}
[آل عمران: 77] (إلى آخر الآية) ليس في رواية أبي ذر إلى
آخر الآية. وفي مسلم والترمذي: عن أبي وائل عن عبد الله من
طريق جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين مرفوعًا: "من
حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه" الحديث. ثم قرأ علينا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وظاهره أن
الآية نزلت قبل وسبق في تفسير سورة آل عمران أنها نزلت
فيمن أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذبًا فيحتمل أنها نزلت
في الأمرين معًا.
6677 - فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا
حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالُوا: كَذَا
وَكَذَا، قَالَ: فِىَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِى بِئْرٌ فِى
أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ
عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى
يَمِينِ صَبْرٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا
مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ».
(فدخل الأشعث بن قيس) المكان الذي كانوا به (فقال: ما
حدثكم أبو عبد الرَّحمن) عبد الله بن مسعود (فقالوا) ولأبي
ذر قالوا (كذا وكذا. قال) الأشعث (في) بتشديد التحتية
(أنزلت) هذه الآية (كانت) وللحموي والمستملي كان (لي بئر
في أرض ابن عم لي) اسمه معدان وقيل جرير بن الأسود الكندي
ولقبه الجفشيش بفتح الجيم وسكون الفاء وبالشينين المعجمتين
بينهما تحتية ساكنة، وفي رواية أبي معاوية كان بيني وبين
رجل من اليهود أرض فجحدني ولا تضاد بين قوله ابن عم لي
وقوله من اليهود لأن جماعة من أهل اليمن كانوا تهودوا وقد
ذكر أنه أسلم فيقال إنما وصفه الأشعث بذلك باعتبار ما كان
عليه أولاً (فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي فادعيت عليه (فقال) لي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(بينتك أو يمينه) بالرفع فيهما إما فاعل بفعل مقدر أي تحضر
بينتك تشهد لك أو فحقك يمينه فيمينه خبر مبتدأ محذوف أو لك
يمينه فيكون مبتدأ والخبر في الجار والمجرور، ويحتمل أن
يكون بينتك خبر مبتدأ محذوف أي الواجب بينتك أو يمينه إن
لم يكن لك بيّنة. قال الأشعث: (فقلت: إذًا يحلف عليها)
(9/393)
على البئر (يا رسول الله) وإذا حرف جواب
ينصب الفعل المضارع بشروط ثلاثة: أن يكون أوّلاً فلا يعتمد
ما بعدها على ما قبلها كما تقول في جواب من قال: أزورك
إذًا أكرمك بالنصب فإن اعتمد ما بعدها على ما قبلها رفعت
نحو قولك: أنا إذًا أكرمك. الثاني: أن يكون مستقلاً فلو
كان حالاً وجب الرفع نحو قولك لمن قال: جاء الحاج إذًا
أفرح تريد الحالة التي أنت فيها. الثالث: أن لا يفصل
بينهما وبين الفعل بفاصل ما عدا القسم والنداء ولا، فإن
دخل عليها حرف عطف جاز في الفعل الرفع والنصب والرفع أكثر
نحو قوله تعالى: ({وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً}
[الإسراء: 76] والفعل هنا في الحديث إن أريد به الحال فهو
مرفوع وإن أريد به الاستقبال فهو منصوب وكلاهما في الفرع
كأصله والرفع رواية غير أبي ذر وفي رواية أبي معاوية إذن
يحلف ويذهب بمالي، وفي رواية أبي معاوية قال: ألك بيّنة؟
فقلت: لا فقال لليهودي احلف وفي رواية أي حمزة فقال لي:
شهودك؟ قلت: ما لي شهود. قال: فيمينه، وفي رواية أي وائل
من طريق ولده علقمة فانطلق ليحلف (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من حلف على يمين صبر)
بالإضافة أو بالتنوين كما مر (وهو) أي والحال أنه (فيها
فاجر) أي كاذب وقيد به ليخرج الجاهل والناسي والمكره
(يقتطع بها) أي بسبب يمينه (مال امرئ مسلم) ويقتطع يفتعل
من القطع كأنه قطعه عن صاحبه أو أخذ قطعة من ماله بالحلف
المذكور (لقي الله) تعالى (يوم القيامة وهو عليه غضبان).
وفي الحديث سماع الحاكم الدعوى فيما لم يره إذا وصف وحدد
وعرفه المتداعيان لكن لم يقع في الحديث تصريح بوصف ولا
تحديد، فاستدلّ به القرطبي على أن الوصف والتحديد ليسا
بلازمين لذاتهما بل يكفى في صحة الدعوى تمييز المدعى به
تمييزًا ينضبط به. قال في الفتح: ولا يلزم من ترك ذكر
التحديد والوصف في الحديث أن لا يكون ذلك وقع ولا يستدل
بسكوت الراوي عنه بأنه لم يقع بل يطالب من جعل ذلك شرطًا
بدليله فإذا ثبت حمل على أنه ذكر في الحديث ولم ينقله
الراوي.
وسبق كثير من فوائد هذا الحديث في الشرب والأشخاص ويأتي في
الأحكام إن شاء الله تعالى.
18 - باب الْيَمِينِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِى
الْمَعْصِيَةِ، وَفِى الْغَضَبِ
(باب) حكم (اليمين فيما لا يملك) الحالف (و) اليمين (في
المعصية و) اليمين (في) حالة (الغضب) وسقط لأبي ذر لفظة
في.
6678 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: أَرْسَلَنِى أَصْحَابِى إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَسْأَلُهُ الْحُمْلاَنَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ
أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَىْءٍ» وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ
غَضْبَانُ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ: «انْطَلِقْ إِلَى
أَصْحَابِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ أَوْ إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَحْمِلُكُمْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
العلاء) بفتح العين المهملة والمد ابن كريب أبو كريب
الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة
(عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله (عن) جده
(أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث (عن)
أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-
أنه (قال: أرسلني أصحابي) الأشعريون (إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند إرادة غزوة تبوك (أسأله
الحملان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم أي أن يحملنا على
إبل (فقال):
(والله لا أحملكم على شيء) زاد في باب الكفارة وما عندي ما
أحملكم وكذا هو في باب لا تحلفوا بآبائكم كما سبق
(ووافقته) عليه الصلاة والسلام (وهو غضبان) وفي غزوة تبوك
وهو غضبان ولا أشعر ورجعت حزينًا من منع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن مخافة أن يكون النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد في نفسه في فرجعت
إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالاً أي
عبد الله بن قيس فأجبته فقال: أجب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك (فلما أتيته) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: انطلق إلى أصحابك فقل)
لهم (إن الله) عز وجل (أو إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم) وفي غزوة تبوك فلما أتيتيه
قال: خذ هذين القرينين وهذين القرينين لستة أبعرة ابتاعهن
حينئذٍ من سعد فانطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو إن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم على
هؤلاء الأبعرة الحديث بتمامه في المغازي بالسند المذكور
هنا، وقد فهم ابن بطال
(9/394)
-رحمه الله تعالى- عن البخاري أنه نحا بهذه
الترجمة لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل
ملك الرقبة ونحو ذلك كأن حلف على أن لا يهب أو لا يتصدق أو
لا يعتق، وهو في هذه الحالة لا يملك شيئًا من ذلك، ثم حصل
له فوهب أو تصدق أو أعتق فعند جماعة الفقهاء تلزمه الكفارة
كما في قصة الأشعريين، ولو حلف أن لا يهب أو لا يتصدق ما
دام معدمًا وجعل العدم علة لامتناعه من ذلك، ثم حصل له مال
بعد ذلك لم تلزمه كفارة إن وهب أو تصدق لأنه إنما أوقع
يمينه على حالة العدم لا على حالة الوجود ولو
حلف أن يعتق ما لا يملكه إن ملكه في المستقبل فقال مالك:
إن عين أحدًا أو قبيلة أو جنسًا لزمه العتق وإن قال كل
مملوك أملكه أبدًا حر لم يلزمه عتق وكذلك في الطلاق إن عين
قبيلة أو بلدة أو صفة ما لزمه الحنث وإن لم يعين لم يلزمه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلزمه الطلاق والعتق عمم أو خصص
وقال الشافعي لا يلزمه لا ما خص ولا ما عم.
ويأتي مزيد بحث لهذا الحديث إن شاء الله تعالى في آخر هذا
الباب بعون الله تعالى.
6679 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح.
وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ
الأَيْلِىُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ
عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا
فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا كُلٌّ حَدَّثَنِى
طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ
الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] الْعَشْرَ
الآيَاتِ كُلَّهَا فِى بَرَاءَتِى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ
لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى
مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِى قَالَ
لِعَائِشَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو
الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى
الْقُرْبَى} [النور: 22] الآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
بَلَى وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ
لِى فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِى كَانَ
يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا
عَنْهُ أَبَدًا.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله الأويسي قال:
(حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن
عوف (عن صالح) أي ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (ح) لتحويل السند قال البخاري بالسند السابق أول
هذا المجموع إليه.
(وحدّثنا الحجاج) بن منهال قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر
النميري) بضم النون وفتح الميم قال: (حدّثنا يونس بن يزيد
الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام نسبة إلى
مدينة إيلة على ساحل بحر القلزم (قال: سمعت الزهري) محمد
بن مسلم بن شهاب (قال: سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام
(وسعيد بن المسيب) المخزومي (وعلقمة بن وقاص) الليث (وعبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون
الفوقية ابن مسعود الفقيه الأعمى (عن حديث عائشة) -رضي
الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله)
عز وجل (مما قالوا) بما أنزله في التنزيل (كل) من الأربعة
(حدثني) بالإفراد (طائفة من الحديث) قطعة منه (فأنزل الله)
عز وجل ({إن الذين جاؤوا بالإفك}) [النور: 11] والإفك أبلغ
ما يكون من الكذب والافتراء والمراد ما أفك به على عائشة
-رضي الله عنها-، والعصبة الجماعة من العشرة إلى الأربعين
واعصوصبوا اجتمعوا وقوله منكم أي من المسلمين (العشر
الآيات كلها في براءتي. فقال أبو بكر الصديق) -رضي الله
عنه- (وكان ينفق على مسطح لقرابته منه) وكان ابن خالته
(والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا) سقط أبدًا لغير أبي
ذر (بعد الذي قال لعائشة) عن عائشة من الإفك (فأنزل
الله) عز وجل ({ولا يأتل}) ولا يحلف من ائتلى إذا حلف
افتعال من الألية ({وأولو الفضل منكم}) في الدين
({والسعة}) في الدنيا ({أن يؤتوا}) أي لا يؤتوا ({أولي
القربى}) [النور: 22] (الآية) كذا رأيته في الفرع وفي
القربى وفي هامشه ما نصه في اليونينية مكتوب القربة وليس
عليها تمريض ولا ضبة ومضبوطة بفتح التاء المنقلبة عن الهاء
فالله أعلم أنه سهو فليحرّر اهـ. قلت وكذا رأيته في
اليونينية وهذا مخالف للتلاوة وفي كثير من الأصول القربى
كالتنزيل وهو الصواب (قال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (بل
والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي
كان ينفقـ) ـها (عليه وقال: والله لا أنزعها عنه أبدًا).
وهذا موضع الترجمة لأن الصديق -رضي الله عنه- كان حالفًا
على ترك طاعة فنهي عن الاستمرار على ما حلف عليه فيكون
النهي عن الحلف على فعل المعصية أولى، والظاهر من حاله عند
الحلف أن يكون قد غضب على مسطح من أجل خوضه في الإفك.
6680 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ
قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ
فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ
فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى
غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ
خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين
بينهما عبد الله بن عمرو المقعد التميمي المنقري مولاهم
البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري قال:
(حدّثنا أيوب) السختياني (عن القاسم) بن عاصم
(9/395)
التميمي ويقال الكليني بنون بعد التحتية
(عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن
مضرب الجرمي أنه (قال: كنا عند أبي موسى الأشعري) -رضي
الله عنه- (فقال أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين فوافقته) بالقاف بعد الفاء
(وهو غضبان فاستحملناه) طلبنا أن يحملنا وأثقالنا على إبل
لغزوة تجوك (فحلف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(أن لا يحملنا ثم قال) أي بعد أن أتي بنهب إبل من غنيمة
وأمر لهم بخمس ذود وانطلقوا فقالوا: تغفلنا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه ورجعوا إليه
وذكروا له ذلك وقال: إني لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم
(والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين (فأرى
غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه
(وتحللتها) بالكفارة وقوله وهو غضبان مطابق لبعض الترجمة
ووافق أنه حلف على شيء ليس عنده. وقال ابن المنير: لم يذكر
البخاري في الباب ما يناسب ترجمة اليمين على المعصية إلا
أن يريد يمين أبي بكر على قطيعة مسطح وليست بقطيعة، بل هي
عقوبة له على ما ارتكبه من المعصية بالقذف، ولكن يمكن أن
يكون حلف على خلاف الأولى فإذا نهى عن ذلك حتى أحنث نفسه
وفعل ما فعل على تركه فمن حلف على المعصية يكون أولى قال:
ولهذا يقضى بحنث من حلف على معصية من قبل أن يفعلها
فالحديث مطابق للترجمة. قال ابن بطال: لأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف حين لم يملك ظهرًا يحملهم
عليه فلما طرأ الملك حملهم. قال ابن المنير: وفهم ابن بطال
عن
البخاري أنه نحا لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو
الحرية قبل ملك الرقبة، والظاهر من قصد البخاري غير هذا
وهو: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف أن
لا يحملهم فلما حملهم وراجعوه في يمينه قال: ما أنا حملتكم
ولكن الله حملكم فبين أن يمينه إنما انعقدت فيما يملكه فلو
حملهم على ما يملكه لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملك
ملكًا خاصًّا وهو مال الله، وبهذا لا يكون عليه الصلاة
والسلام قد حنث في يمينه.
وأما قوله في عقب ذلك: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا
منها فتأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت
ترك ما حلفت عليه خيرًا منه لأحنثت نفسي وكفرت عن يميني.
قال: وهم إنما سألوه ظنًّا أنه يملك حملانًا فحلف لا
يحملهم على شيء يملكه لكونه كان حينئذٍ لا يملك شيئًا من
ذلك قال: ولا خلاف أن من حلف على شيء وليس في ملكه أنه لا
يفعل فعلاً معلقًا بذلك الشيء مثل قوله: والله لئن ركبت
هذا البعير لأفعلن ذا لبعير لا يملكه فلو ملكه وربه حنث
وليس هذا من تعليق اليمين على الملك ولو قال: والله لا
وهبتك هذا الطعام وهو لغيره فملكه فوهبه له فإنه يحنث ولا
يجري فيه الخلاف الذي جرى في تعليق الطلاق على الملك، وإن
كان ظاهر ترجمة البخاري أن من حلف على ما لا يملك مطلقًا
نوى أو لم ينو ثم ملكه لم يلزمه اليمين اهـ.
قال في فتح الباري: وليس ما قاله ابن بطال ببعيد بل هو
أظهر أي مما قاله ابن المنير، وذلك أن الصحابة الذين سألوا
الحملان فهموا أنه حلف، وأنه فعل خلاف ما حلف أنه لا يفعله
فلذلك لما أمر لهم بالحملان بعد قالوا: تغفلنا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه وظنوا أنه نسي
حلفه الماضي فأجابه بأنه لم ينس ولكن الذي فعله خير مما
حلف عليه، وأنه إذا حلف فرأى خيرًا من يمينه فعل الذي حلف
أن لا يفعله وكفر عن يمينه والله الموفق.
19 - باب إِذَا قَالَ وَاللَّهِ لاَ أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ
فَصَلَّى أَوْ قَرَأَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ
حَمِدَ أَوْ هَلَّلَ فَهْوَ عَلَى نِيَّتِهِ
وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَفْضَلُ الْكَلاَمِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،
وَاللَّهُ أَكْبَرُ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: كَتَبَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
هِرَقْلَ: «تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ»، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «كَلِمَةُ التَّقْوَى
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال) شخص (والله لا
أتكلم اليوم) مثلاً (فصلّى) فرضًا أو نفلاً (أو قرأ)
القرآن (أو سبح أو كبر أو حمد أو هلّل) قال: لا إله إلا
الله (فهو على نيته) فإن قصد الكلام العرفي لا يحنث وإن
قصد التعميم حنث فإن لم ينو فالجمهور على عدم الحنث. قال
في الروضة: حلف لا يتكلم حنث بترديد الشعر على نفسه لأن
الشعر كلام ولا يحنث بالتسبيح والتهليل والدعاء على الصحيح
لأن اسم الكلام عند الإطلاق ينصرف إلى كلام الآدميين في
محاوراتهم، وقيل يحنث لأنه يباح للجنب فهو كسائر الكلام
(9/396)
ولا يحنث بقراءة القرآن. وقال القفال في
شرح التلخيص: لو قرأ التوراة الموجودة اليوم لم يحنث لأنا
نشك في أن الذي قرأه مبدل أم لا. اهـ.
وعن الحنفية يحنث، وقال ابن المنير: معنى قول البخاري فهو
على نيته أي العرفية. قال: ويحتمل أن يكون مراده أنه لا
يحنث بذلك إلا إن نوى إدخاله في نيته فيؤخذ منه حكم
الإطلاق قال: ومن فروع المسألة لو حلف لا كلمت زيدًا ولا
سلمت عليه فصلّى خلفه فسلم الإمام فسلم المأموم التسليمة
التي يخرج بها من الصلاة فلا يحنث بها جزمًا بخلاف
التسليمة التي يرد بها على الإمام فلا يحنث أيضًا لأنها
ليست مما ينويه الناس عرفًا وفيه الخلاف اهـ.
وقال النووي: ولو صلّى الحالف خلف المحلوف عليه فسبح لسهوه
أو فتح عليه القراءة لم يحنث ولو قرأ آية فهم المحلوف عليه
سنها مقصوده فإن قصد القراءة لم يحنث وإلاّ فيحنث.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضل
الكلام أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر) أخرجه النسائي موصولاً من حديث أبي هريرة وغرض
البخاري من سياق هذا التعليق بيان أن الأذكار ونحوها كلام
فيحنث بها.
(وقال أبو سفيان) صخر بن حرب مما سبق موصولاً في حديث هرقل
في أوائل الصحيح (كتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى هرقل: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)
لفظ كلمة من باب إطلاق البعض على الكل. (وقال مجاهد) فيما
وصله عبد بن حميد من طريق منصور بن المعتمر عنه موقوفًا
(كلمة التقوى لا إله إلا الله) فسماها كلمة مع اشتمالها
على كلمات.
6681 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ
أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «قُلْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ
اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب عن أبيه)
المسيب بن حزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المخزومي
أنه (قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له:
(قل لا إله إلا الله كلمة) بالنصب من موضع لا إله إلا الله
ويجوز الرفع بتقدير هو (أحاج) بضم الهمزة وفتح الحاء
المهملة وبعد الألف جيم مشددة أصله أحاجج أي أظهر (لك بها)
الحجة (عند الله) يوم القيامة فيه أيضًا إطلاق الكلمة على
الكلام.
والحديث سبق في قصة أبي طالب في آخر فضائل الصحابة.
6682 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ
الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ
ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى
الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ
اللَّهِ الْعَظِيمِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني قال:
(حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن
غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي الضبي مولاهم أبو عبد
الرَّحمن الكوفي قال: (حدّثنا عمارة بن القعقاع) بضم العين
المهملة وتخفيف الميم والقعقاع بقافين مفتوحتين وعينين
مهملتين أولاهما ساكنة ابن شبرمة بضم الشين المعجمة والراء
بينهما موحدة ساكنة الضبي بالمعجمة والموحدة المشددة
الكوفي (عن أبي زرعة) هرم البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(كلمتان خفيفتان على اللسان) للين حروفهما (ثقيلتان في
الميزان) حقيقة إذ الأعمال عند أهل السنة تجسم حينئذٍ وفيه
تحريض وتعريض بأن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة
وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان ثقل غيرها
من التكاليف فلا تتركوها (حبيبتان إلى الرَّحمن) محبوبتان
أي يحب قائلهما فيجزل له من الثواب ما يليق بكرمه (سبحان
الله وبحمده) أي أنزه الله تعالى تنزيهًا عما لا يليق به
سبحانه وتعالى متلبسًا بحمدي له من أجل توفيقه لي للسبيح
(سبحان الله العظيم) ذكر أوّلاً لفظ الجلالة الذي هو اسم
للذات المقدسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء
الحسنى، ثم وصفه بالعظيم الذي هو شامل لسلب ما لا يليق به
وإثبات ما يليق به إذ العظمة المطلفة الكاملة مستلزمة لعدم
الشريك والتجسم ونحوه وللعلم بكل المعلومات والقدرة على كل
المقدورات إلى غير ذلك، وإلاّ لم يكن عظيمًا مطلقًا وكرر
التسبيح للإشعار بتنزيهه على الإطلاق وتأتي بقية مباحث ذلك
إن شاء الله تعالى
(9/397)
في آخر الكتاب بعون الله ومنه وكرمه.
وسبق الحديث في كتاب الدعوات.
6683 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كَلِمَةً وَقُلْتُ أُخْرَى: «مَنْ مَاتَ يَجْعَلُ لِلَّهِ
نِدًّا أُدْخِلَ النَّارَ» وَقُلْتُ أُخْرَى: «مَنْ مَاتَ
لاَ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري
البصري التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال
(حدّثنا الأعمش) سليمان (عن شقيق) بفتح الشين وكسر القاف
أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-)
أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كلمة وقلت) أنا (أخرى) قال -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من مات يجعل الله ندًّا) بكسر النون
وتشديد الدال المهملة مثلاً ونظيرًا وشريكًا (أدخل النار)
بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة أي وخلد فيها (وقلت) أنا
كلمة
(أخرى من مات لا يجعل لله فإذا أدخل الجنة) وإن دخل النار
لذنب فدخوله الجنة محقق لا بدّ منه، وإنما قال: ابن مسعود
ذلك لأنه إذا انتفى الشرك انتفى دخول النار بسببه.
والحديث سبق في الجنائز فيه كالسابق إطلاق الكلمة على
بالكلام.
20 - باب مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ
شَهْرًا، وَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
(باب) حكم (من حلف أن لا يدخل على أهله) زوجته أو أعم
(شهرًا) وهو في أوّل جزء منه (وكان الشهر تسعًا وعشرين) ثم
دخل فإنه لا يحنث اتفاقًا فإن كان حلفه في أثناء الشهر
ونقص هل يجب تلفيق الشهر ثلاثين أو يكتفي بتسع وعشرين
الجمهور على الأول.
6684 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتِ انْفَكَّتْ
رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِى مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ
تِسْعًا وَعِشْرِينَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو
بن أويس قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) المدني (عن حميد)
الطويل البصري مولى طلحة الطلحات (عن أنس) -رضي الله عنه-
أنه (قال: آلى) بمد الهمزة المفتوحة وفتح اللام مخففة
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه)
أي حلف لا يدخل عليهن شهرًا (وكانت انفكت رجله) الكريمة
(فأقام في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم
الراء بعدها موحدة مفتوحة غرفة (تسعًا وعشرين ليلة)
بأيامها (ثم نزل) عليه الصلاة والسلام من المشربة، وفي
حديث أم سلمة في الصوم فلما مضى تسعة وعشرون يومًا غدا وهو
بالمعجمة أي ذهب أول النهار (فقالوا): وفي مسلم فقالت
عائشة: (يا رسول الله آليت) أي حلفت أن لا تدخل علينا
(شهرًا فقال):
(إن الشهر يكون تسعًا وعشرين) يومًا.
والحديث سبق في الصوم والإيلاء.
21 - باب إِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ نَبِيذًا فَشَرِبَ
طِلاَءً أَوْ سَكَرًا أَوْ عَصِيرًا لَمْ يَحْنَثْ فِى
قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَنْبِذَةٍ
عِنْدَهُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا حلف) شخص (أن لا يشرب
نبيذًا) بالذال المعجمة متخذًا من تمر أو زبيب أو نحوهما
بأن وضع عليه ماء وترك حتى خرجت حلاوته أسكر أم لا (فشرب
طلاء) بكسر الطاء المهملة وتخفيف اللام وبالمد ولأبي ذر عن
الكشميهني الطلاء بالتعريف ما طبخ من عصير العنب زاد
الحنفية وذهب ثلثه فإن ذهب نصفه فهو المنصف وإن
طبخ أدنى طبخ فهو الباذق (أو) شرب (سكرًا) بفتح المهملة
والكاف خمرًا معتصرًا من العنب هكذا رواه الإثبات ومنهم من
يرويه بضم السين وسكون الكاف يريد حالة السكر فيجعلون
التحريم للسكر لا لنفس المسكر فيبيحون قليله الذي لا يسكر
والمشهور الأول (أو) شرب (عصيرًا) ما عصر من العنب (لم
يحنث في قول بعض الناس) أي أبي حنيفة وأصحابه (وليست)
بالفوقية بعد السين ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وليس
(هذه) المذكورات الطلاء والسكر والعصير (بأنبذة عنده) عند
أبي حنيفة وأصحابه لأن النبيذ في الحقيقة ما نبذ في الماء
ونقع فيه ومنه سمي المنبوذ منبوذًا لأنه نبذ أي طرح
واعترضه العيني بأنه يحتاج إلى دليل ظاهر أن هذا نقل عن
أبي حنيفة، ولئن سلمنا ذلك فمعناه أن كل واحد من الثلاثة
يسمى باسم خاص كما مرّ، وإن كان يطلق عليها اسم النبيذ في
الأصل.
6685 - حَدَّثَنِى عَلِىٌّ سَمِعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ
أَبِى حَازِمٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْرَسَ فَدَعَا النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ
الْعَرُوسُ خَادِمَهُمْ فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: هَلْ
تَدْرُونَ مَا سَقَتْهُ؟ قَالَ: أَنْقَعَتْ لَهُ تَمْرًا
فِى تَوْرٍ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَيْهِ
فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (علي) هو ابن
عبد الله المديني أنه (سمع عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء
المهملة والزاي يقول (أخبرني) بالإفراد (أبي) حازم سلمة بن
دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما
الساعدي الأنصاري (أن أبا أسيد) بضم الهمزة وفتح السين
مالك بن ربيعة الساعدي البدري (صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال إنه (أعرس) بهمزة مفتوحة وسكون
المهملة وبعد الراء سين مهملة أيضًا أي
(9/398)
لما اتخذ عروسًا ولأبي ذر عن الكشميهني
عرّس بتشديد الراء من غير همز (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي وأصحابه (لعرس فكانت العروس) أي
الزوجة (خادمهم) بغير مثناة فوقية يطلق على الذكر والأنثى
والعروس هي أم أسيد بنت وهب بن سلامة (فقال سهل) الساعدي
(للقوم) الذين حدثهم: (هل تدرون ما سقته) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر عن الكشميهني ماذا سقته
(قال: أنقعت له تمرًا في تور) بفتح المثناة الفوقية إناء
من صفر أو حجر (من الليل حتى أصبح عليه فسقته) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إياه) أي نقيع التمر وفيه
الرد على بعض الناس لأنه يقتضي تسمية ما قرب عهده
بالانتباذ نبيذًا، وإن خلّ شربه فالنقيع في حكم النبيذ
الذي لم يبلغ السكر والعصير من العنب الذي بلغ حد السكر في
معنى نبيذ التمر الذي بلغ حد السكر، والحاصل أن كل شيء
يسمى في العرف نبيذًا يحنث به إلا أن ينوي شيئًا بعينه
فيختص به والطلاء يطلق على المطبوخ من عصير العنب، وهذا قد
ينعقد فيكون دبسًا وربًا فلا يسمى نبيذًا أصلاً وقد يستمر
مائعًا ويسكر كثيره فيسمى في العرف نبيذًا، وكذلك السكر
يطلق على العصير قبل أن يتخمر.
والحديث سبق في باب الانتباذ من الأشربة.
6686 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى
خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ:
مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا ثُمَّ مَا
زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَتْ شَنًّا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد
الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا إسماعيل عن أبي
خالد) سعد أو هرمز البجلي (عن الشعبي) عامر (عن عكرمة)
مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن سودة) بنت
زمعة بن قيس (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها) بفتح
الميم وسكون السين المهملة جلدها (ثم ما زلنا ننبذ) ننقع
(فيه) التمر (حتى صارت) ولأبي ذر صار (شنًّا) بفتح الشين
المعجمة وتشديد النون قربة خلقة ولم يكونوا ينبذون إلا ما
يحل شربه ومع ذلك كان يطلق عليه اسم النبيذ.
والحديث من إفراده.
22 - باب إِذَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْتَدِمَ فَأَكَلَ
تَمْرًا بِخُبْزٍ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الأُدْمِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا حلف) شخص (أن لا يأتدم
فأكل تمرًا بخبز) هل يكون مؤتدمًا فيحنث أم لا (و) باب (ما
يكون منه الأدم) بضم الهمزة وسكون المهملة ولغير أبي الوقت
من الأدم.
6687 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا
شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى
لَحِقَ بِاللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) أبو أحمد البخاري البيكندي
قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الرَّحمن بن عابس)
بموحدة مكسورة وسين مهملة (عن أبيه) عابس بن ربيعة النخعي
(عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما شبع آل محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خبز برّ مأدوم)
مأكول بالأدم (ثلاثة أيام) متوالية (حتى لحق بالله) أي
توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال في الكواكب: فإن قلت: كيف دل الحديث على الترجمة؟
وأجاب: بأنه لما كان التمر غالب الأوقات موجودًا في بيت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانوا
شباعى منه علم أنه ليس أكل الخبز به ائتدامًا أو ذكر هذا
الحديث في هذا الباب بأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم ولم
يذكر غيره لأنه لم يجد حديثًا على شرطه يدل على الترجمة أو
يكون من جملة تصرفات النقلة على الوجه الذي ذكروه فهي
ثلاثة. وتعقبه في الفتح: بأن الثالث بعيد جدًّا والأول
مباين لمراد البخاري والثاني هو المراد لكن
بأن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير وهو أنه قال: مقصود
البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم إلا إذا أكل
بما اصطبع أي بالصاد والطاء المهملتين والموحدة والغين
المعجمة أي ائتدم به قال: ومناسبته لحديث عائشة أن المعلوم
أنها أرادت نفي الأدام مطلقًا بقرينة ما هو معروف من شظف
عيشهم فدخل فيه التمر وغيره، وتعقبه العيني فقال: لم يبين
أي في الفتح المراد ما هو والحديث لا يدل أصلاً على رد
الزاعم بهذا لأن لفظ مأدوم أعم من أن يكون الأدام فيه ما
يصطبغ به أو لا يصطبغ به.
والحديث مرّ في الأطعمة بأتم من هذا.
(وقال ابن كثير) محمد أبو عبد الله العبدي البصري شيخ
المؤلّف (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن
عن أبيه) عابس (أنه قال لعائشة) -رضي الله عنها-: (بهذا).
وأشار المؤلّف بهذا الحديث
(9/399)
إلى أن عابسًا لقي عائشة وسألها لرفع ما
يتوهم في العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع.
6688 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ
أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو
طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعِيفًا
أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ؟
فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ،
ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ
بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَهَبْتُ
فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ
عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَأَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ»
فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا»
فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى
جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو
طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ عِنْدَنَا
مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتِ: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى
لَقِىَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو طَلْحَةَ حَتَّى دَخَلاَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «هَلُمِّى يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ»
فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ
الْخُبْزِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً
لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ
لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ
قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلَ
الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ
أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك)
-رضي الله عنه- أنه (قال: قال أبو طلحة) زيد بن سهل
الأنصاري (لأم سليم) زوجته أم أنس (لقد سمعت صوت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضعيفًا أعرف فيه
الجوع) وفي مسلم فوجدته قد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض
أصحابه فقالوا من الجوع (فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم
فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخذت خمارًا) بكسر الخاء
المعجمة أي نصيفًا
(لها فلفت الخبز ببعضه) ببعض الخمار (ثم أرسلتني إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذهبت) بالخبز
(فوجدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال) لي (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أأرسلك أبو طلحة) بهمزة الاستفهام الاستخاري (فقلت نعم
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن
معه قوموا فانطلقوا) ولأبي الوقت قال أي أن فانطلقوا
(وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته) بمجيئهم
(فقال أبو طلحة) لأمي (يا أم سليم: قد جاء رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس) ولأبي ذر عن
الكشميهني والناس وليس (عندنا من الطعام ما نطعمهم) أي قدر
ما يكفيهم (فقالت) أم سليم (الله ورسوله أعلم) بقدر الطعام
فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يعلم بالمصلحة ما فعل ذلك
(فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة معه حتى دخلا) على أم سليم
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
لها: (هلمي) بفتح الهاء وضم اللام وكسر الميم مشددة هات
(يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز) الذي كانت أرسلته مع
أنس (قال) أنس: (فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بذلك الخبز ففت) بفتح الفاء الأولى وضم الثانية
وتشديد الفوقية (وعصرت أم سليم عكة لها) من جلد فيها سمن
(فآدمته) بمد الهمزة المفتوحة جعلته إدامًا للمفتوت بأن
خلطت ما حصل من السمن بالخبز المفتوت (ثم قال فيه رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء الله أن
يقول) وعند أحمد قال: بسم الله اللهم أعظم فيه البركة (ثم
قال) لأبي طلحة (ائذن لعشرة) أي من أصحابه بالدخول لأن
الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا
بعسر وضرر (فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال:
ائنذن لعشرة فأذن لهم فأكل القوم) ولأبي ذر فأكلوا حتى
شبعوا ثم خرجوا ثم قال: (ائذن لعشرة) فأكل القوم (كلهم
وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً) بالشك من الراوي
وعند مسلم من رواية سعد بن سعيد ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم
دعا فيه بالبركة فعاد كما كان، ولا يخفى أن المراد من
الحديث هنا قوله فأمر بالخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها
فآدمته. وفي حديث أبي داود والترمذي بسند حسن عن يوسف بن
عبد الله بن سلام رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال:
هذه إدام هذه. قال ابن المنير: قصة أم سليم هذه ظاهرة
المناسبة لأن السمن اليسير الذي فضل في قعر العكة لا تصطبغ
به الأقراص التي فتتها وإنما غايته أن يصير في الخبز من
طعم السمن فأشبه ما إذا خالط التمر عند الأكل ويؤخذ منه أن
كل شيء يسمى عند الإطلاق إدامًا فإن الحالف أن لا يأتدم
يحنث إذا أكله مع الخبز وهذا قول الجمهور.
والحديث علم من أعلام النبوّة وفيه منقبة لأم سليم وسبق في
علامات النبوّة.
23 - باب النِّيَّةِ فِى الأَيْمَانِ
(باب النية في الأيمان) بفتح الهمزة لا بالكسر.
6689 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ
يَقُولُ: أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ
سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ يَقُولُ:
سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
- رضى الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا
الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا
نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ
امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ
إِلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى
بن سعيد) الأنصاري (يقول: أخبرني) بالتوحيد (محمد بن
إبراهيم) التيمي (أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(9/400)
(إنما الأعمال بالنية) بالإفراد وأفردها
لأن المصدر المفرد يقوم مقام الجمع، وإنما يجمع
لاختلاف الأنواع وأصلها نوية فقلبت الواو ياء ثم أدغمت
في الياء بعدها وجملة إنما في محل مفعول بالقول وجملة
سمعت مثلها ليقول وسمع من الأفعال الصوتية إن تعلق
بالأصوات تعدى إلى مفعول واحد وإن تعلق بالذوات تعدى
إلى اثنين. الثاني: جملة مصدرة بفعل مضارع من الأفعال
الصوتية هذا اختيار الفارسي ومن وافقه، واختار ابن
مالك ومن وافقه أن تكون الجملة الفعلية في محل حال إن
كان المتقدم معرفة كما وقع هنا أو صفة إن كان المتقدم
نكرة قالوا: ولا يجوز سمعت زيدًا يضرب أخاك وإن تعدى
إلى ذات لعدم المسموع نعم قد يجوز بتقدير سمعت صوت ضرب
زيد وقد الممت بشيء من هذا المبحث أوّل الكتاب وذكرته
هنا لبعد العهد به والألف واللام في الأعمال للعهد أي
العبادات المفتقرة إلى نيّة فيخرج من ذلك نحو إزالة
النجاسة والتروكات كلها والأعمال مبتدأ بتقدير مضاف أي
إنما صحة الأعمال والخبر والاستقرار الذي يتعلق به حرف
الجرّ والباء في بالنية للتسبب أي إنما الأعمال ثابت
ثوابها بسبب النيات، ويحتمل أن تكون للإلصاق لأن كل
عمل تلتصق به نيته (وإنما لامرئ) رجل أو امرأة (ما
نوى) وفي رواية لكل امرئ، وما موصولة بمعنى الذي وجملة
نوى صلة لا محل لها والعائد ضمير مفعول محذوف تقديره
ما نواه وإنما حذف لأنه ضمير منصوب متصل بالفعل ليس في
الصلة ضمير غيره، ويجوز أن تكون ما موصوفة فيكون
التقدير وإنما لامرئ جزاء شيء نواه فترجع الصلة صفة
والعائد على حاله، ويجوز أن تكون مصدرية حرفًا على
المختار فلا تحتاج إلى عائد على الصحيح والتقدير لكل
امرئ جزاء نيته والفاعل المقدر في نوى ضمير مرفوع متصل
مستتر تقديره لكل امرئ الذي نواه هو.
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر: وإلى
رسوله من شرطية موضعها رفع بالابتداء وبنيت لتضمنها
معنى حرف الشرط وخبرها في فعلها وقيل في جوابها وقيل
حيث كان الضمير العائد وقيل في فعلها وجوابها معًا
وكان ناقصة اسمها هجرته أي في تبين أو ظهر في الوجود
أن هجرته لله وإلى لانتهاء الغاية أي إلى رضا الله
ورسوله (فهجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر وإلى رسوله
الفاء سببية وهي جواب الشرط وجواب الشرط إذا كان جملة
اسمية فلا بد من الفاء أو إذا كقوله تعالى {وإن تصبهم
سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم: 36]
وقاعدة
الشرط وجوابه اختلافهما فيكون الجزاء غير الشرط نحو من
أطاع أثيب ومن عصى عوقب ووقع هنا جملة الشرط هي جملة
الجزاء بعينها فهي بمثابة قولك من أكل أكل ومن شرب شرب
وذلك غير مفيد لأنه من تحصيل الحاصل. وأجيب: بأنه وإن
اتحدا في اللفظ لم يتحدا في المعنى، والتقدير فمن كانت
هجرته إلى الله ورسوله قصدًا فهجرته إلى الله ورسوله
ثوابًا وأجرًا قال ابن مالك من ذلك قوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث حذيفة ولو مت مت
على غير الفطرة وجاز ذلك لتوقف الفائدة على الفضلة
ومنه قوله تعالى {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء:
7] فلولا قوله في الأوّل على غير الفطرة وفي الثاني
لأنفسكم ما صح ولم يكن في الكلام فائدة.
(ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها
فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهجرته جواب الشرط ولم يقل
فهجرته إلى دنيا كما قال في الشرط والجزاء الأوّل
إشارة إلى تحقير الدنيا. قال في الفتح: ومناسبة ذكر
الحديث هنا أن اليمين من جملة الأعمال فيستدل به على
تخصيص الألفاظ بالنية زمانًا ومكانًا وإن لم يكن في
اللفظ ما يقتضي ذلك فمن حلف أن لا يدخل دار زيد في شهر
أو سنة مثلاً أو حلف أن لا يكلم زيدًا مثلاً، وأراد في
منزله دون غيره فلا يحنث إذا دخل بعد شهر أو سنة في
الأولى ولا إذا كلمه في دار أخرى في الثانية ولو أحلفه
الحاكم على حق ادّعى عليه به انعقدت يمينه على ما نواه
الحاكم ولا تنفعه التورية اتفاقًا فإن حلف بغير
استحلاف حاكم نفعته التورية لكنه إن
(9/401)
أبطل بها حق غيره أثم وإن لم يحنث ولو حلف
بالطلاق نفعته التورية وإن حلفه الحاكم لأن الحاكم ليس
له أن يحلفه بذلك قاله النووي والحديث سبق في مواضع.
ولما فرغ من ذكر الإيمان شرع يذكر أبواب النذور فقال:
24 - باب إِذَا أَهْدَى مَالَهُ عَلَى وَجْهِ
النَّذْرِ وَالتَّوْبَةِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أهدى) شخص (ماله) أي
تصدق به (على وجه النذر والتوبة) بالمثناة الفوقية
والموحدة المفتوحتين بينهما واو ساكنة وللكشميهني
والقربة بالقاف المضمومة والراء الساكنة بدل الفوقية
والواو والجواب محذوف تقديره هل ينفذ ذلك إذا أنجزه أو
علقه والنذر بالذال المعجمة هو لغة الوعد بشرط أو
التزام ما ليس بلازم أو الوعد بخير أو شر وشرعًا
التزام قربة لم تتعين وأركانه صيغة ومنذور وناذر وشرطه
في الناذر إسلام واختيار ونفوذ تصرف فيما ينذره فيصح
من السكران لا من الكافر لعدم أهليته للقربة ولا من
مكره ولا ممن لا ينفذ تصرفه. وفي الصيغة لفظ يشعر
بالالتزام كلّله عليّ كذا أو عليّ كذا كعتق وصوم وصلاة
فلا يصح إلا بالنية كسائر العقود، وفي النذور كونه
قربة لم تتعين نفلاً كانت أو فرض كفاية لم يتعين كعتق
وعبادة فلو نذر غير القربة من واجب عيني كصلاة الظهر
مثلاً أو معصية كشرب خمر أو مكروه صوم الدهر لمن خاف
به الضرر أو فوت حق أو مباح كقيام وقعود سواء نذر فعله
أو تركه لم يصح نذره ولم يلزمه بمخالفته كفارة والنذر
ضربان نذر لجاج وهو التمادي في الخصومة ويسمى نذر
اللجاج
والغضب بأن يمنع نفسه أو غيرها من شيء أو يحث عليه أو
يحقق خبرًا غضبًا بالتزام قربة كإن كلمته أو إن لم
أكلمه أو إن لم يكن الأمر كما قلته فعليَّ كذا، وفيه
عند وجود الصفة ما التزمه أو كفارة يمين ونذر تبرر بأن
يلتزم قربة بلا تعليق كعليّ كذا، وكقول من شفي من مرضه
لله عليّ كذا لما أنعم الله عليّ من شفائي من مرضي أو
يتعلق بحدوث نعمة أو ذهاب نقمة كإن شفى الله مريضي
فعليّ كذا فيلزمه ذلك حالاً إن لم يعلقه أو عند وجود
الصفة إن علقه.
6690 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ
كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِىَ - قَالَ: سَمِعْتُ
كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِى حَدِيثِهِ: {وَعَلَى
الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]
فَقَالَ فِى آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِى
أَنِّى أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ
مَالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري المعروف بابن
الطبراني كان أبوه من طبرستان قال: (حدّثنا ابن وهب)
عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن
يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (عبد الرَّحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك)
الأنصاري أبو الخطاب المدني ولأبي ذر كما في اليونينية
أخبرني عبد الرَّحمن بن عبد الله عن عبد الله بن كعب
بن مالك (وكان) عبد الله (قائد كعب) أبيه (من) بين
(بنيه حين عمي) وكان بنوه أربعة عبد الله وعبد
الرَّحمن ومحمد وعبيد الله (قال: سمعت) أبي (كعب بن
مالك في حديثه) الطويل في قصة تخلفه عن غزوة تبوك
السوق هنا مختصرًا ({وعلى الثلاثة الذين خلفوا})
[التوبة: 118] (فقال في آخر حديثه إنّ من) شكر (توبتي
أن أنخلع) أي أن أعرى (من مالي) كما يعرى الإنسان إذا
خلع ثوبه (صدقة إلى الله ورسوله) إلى بمعنى اللام أي
صدقة خالصة لله ورسوله أو تتعلق بصفة مقدّرة أي صدقة
واصلة إلى الله أي إلى ثوابه وجزائه وإلى رسوله أي إلى
رضاه وحكمه وتصرفه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(امسك) بكسر المهملة (عليك بعض مالك فهو خير لك) فى
سنن أبي داود من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله
إلى الله وإلى رسوله صدقة قال: لا. قلت فثلثه قال: نعم
والضمير عائد على المصدر المستفاد من أمسك أي إمساكك
بعض مالك خير لك من أن تتضرر بالفقر والفاء في فهو
جواب شرط مقدّر أي أن تمسك فهو خير لك.
واستشكل إيراد هذا الحديث في النذور لأن كعبًا لم يصرح
بلفظ النذر ولا بمعناه والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر
في صدور النذر منه، وإنما الظاهر أنه يؤكد أمر توبته
بالتصدق بجميع ماله شكرًا لله تعالى على ما أنعم به
عليه. وأجيب: بأن المناسبة للترجمة أن معنى الترجمة أن
من أهدى أو تصدق بجميع ماله إذا تاب من ذنب أو إذا نذر
هل ينفذ ذلك إذ أنجزه أو علقه. وقصة
كعب هذه منطبقة على التنجيز لكنه لم يصدر منه تنجيز
وإنما استشار
(9/402)
فأشير عليه فإمساك البعض، واختلف في هذه
المسألة فقيل يلزمه الثلث إذا نذر التصدق بجميع ماله،
وقيل يلزمه جميع ماله، وقيل إن علقه بصفة فالقياس
إخراجه كله قاله أبو حنيفة، وقال إن كان نذر تبرر كإن
شفى الله مريضي لزمه كله وإن كان لجاجًا وغضبًا فهو
بالخيار بين أن يفي بذلك كله أو يكفر كفارة يمين وهو
قول الشافعي.
25 - باب إِذَا حَرَّمَ طَعَامَهُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى
مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
[التحريم: 1، 2] وَقَوْلُهُ: {لاَ تُحَرِّمُوا
طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة:
87].
هذا (باب) بالتنوين (إذا حرم) شخص (طعامه) ولأبي ذر
طعامًا كأن يقول طعام كذا حرام عليّ أو نذرت لله أو
لله عليّ أن لا آكل كذا أو لا أشرب كذا وهذا من نذر
اللجاج والراجح عدم الانعقاد إلا أن قرنه بحلف فيلزمه
كفارة يمين.
(وقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك}) من شرب العسل أو مارية القبطية ({تبتغي مرضاة
أزواجك والله غفور رحيم}) قال في فتوح الغيب. تبتغي
إما تفسير لتحرم أو حال أو استئناف والفرق أنه على
التفسير ابتغاء مرضاتهنّ عين التحريم ويكون هو المنكر
وإنما ذكر التحريم للإبهام تفخيمًا وتهويلاً فإن
ابتغاء مرضاتهنّ عين التحريم ويكون هو المنكر وإنما
ذكر التحريم للإبهام تفخيمًا وتهويلاً فإن ابتغاء
مرضاتهن من أعظم الشؤون وعلى الحال الإنكار وارد على
المجموع دفعة واحدة، ويكون هذا التقييد مثل التقييد في
قوله {لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة} [آل عمران:
130] وعلى الاستئناف لا يكون الثاني عين الأول لأنه
سؤال عن كيفية التحريم كأنه لما قيل له {لم تحرم ما
أحل الله لك} قال: كيف أحرّم؟ فأجيب تبتغي مرضاة
أزواجك وفيه تكرير الإنكار والتفسير الأول يعني
التفسير هو التفسير لما جمع من التفخيم والتعظيم ولذلك
أردفه بقوله: ({والله غفور رحيم}) جبرانًا له. فإن
قلت: تحريم ما أحل الله غير ممكن فكيف قال لم تحرم ما
يحل الله لك؟ أجيب بأن المراد بهذا التحريم هو
الامتناع من الانتفاع لا اعتقاد كونه حرامًا بعدما
أحله الله ({قد فرض الله لكم}) أي بين الله لكم ({تحلة
أيمانكم}) [التحريم: 1، 2] بالكفاءة أو شرع لكم
الاستثناء في أيمانكم وذلك أن يقول إن شاء الله عقبها
حتى لا يحنث وسقط لأبي ذر من قوله {والله غفور رحيم}
الخ.
(وقوله) تعالى: ({لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم})
[المائدة: 87] ما طاب ولذ من الحلال أي لا تمنعوا
أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا
مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا.
6691 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ
عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ
تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ
جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً، فَتَوَاصَيْتُ
أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَلْتَقُلْ: إِنِّى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ،
أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا
فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لاَ بَلْ شَرِبْتُ
عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ
لَهُ» فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]
{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4]
لِقَوْلِهِ «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً». وَقَالَ لِى
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ «وَلَنْ
أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ فَلاَ تُخْبِرِى
بِذَلِكَ أَحَدًا».
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد) أي ابن الصباح
الزعفراني قال: (حدّثنا الحجاج بن محمد) المصيصي (عن
ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: زعم
عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع عبيد بن عمير)
بالتصغير فيهما الليثي (يقول: سمعت عائشة) -رضي الله
عنها- (تزعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان يمكث عند) أم المؤمنين (زينب بنت جحش
ويشرب عندها عسلاً فتواصيت أنا وحفصة) أم المؤمنين بنت
عمر (أن أيتنا) ولأبي ذر أن بتخفيف النون أيتنا بالرفع
(دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فلتقل) له (إني أجد منك ريح مغافير) بفتح الميم والغين
المعجمة وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية ساكنة فراء صمغ
له رائحة كريهة ينضجه شجر يسمى العرفط (أكلت مغافير)
استفهام محذوف الأداة (فدخل على إحداهما) قال ابن حجر:
لم أقف على تعيينها ويحتمل أن تكون حفصة (فقالت ذلك
له) أي إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير (فقال)
عليه الصلاة والسلام:
(لا) ما أكلت مغافير وكان يكره الرائحة الخبيثة (بل
شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت {يا
أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} {إن تتوبا إلى
الله}) [التحريم: 1 - 4] خطاب (لعائشة وحفصة) على طريق
الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما وجواب الشرط محذوف
والتقدير إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ({وإذ أسر
النبي إلى بعض أزواجه}) حفصة ({حديثًا}) [التحريم: 3]
سقط قوله حديثًا من اليونينية وثبت في غيرها (لقوله)
عليه الصلاة والسلام (بل شربت عسلاً) أي الحديث المسر
كان ذلك القول قال البخاري بالسند إليه:
(وقال لي إبراهيم بن موسى): أبو إسحاق الرازي الصغير
وسبق في التفسير بلفظ حدّثنا إبراهيم بن موسى (عن
هشام) أي ابن يوسف عن ابن جريج بالسند المذكور إلى
قوله: (ولن أعود له) للشرب فزاد قوله (وقد حلفت)
(9/403)
على عدم شرب العسل (فلا تخبري بذلك أحدًا).
وسبق الحديث في الطلاق بعين هذا الإسناد والمتن.
26 - باب الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}
[الإنسان: 7].
(باب) حكم (الوفاء بالنذر) أي فعله (وقوله) تعالى
({يوفون بالنذر} [الإنسان: 70] أي بما أوجبوا على
أنفسهم مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن
من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه
الله عليه أوفى ويؤخذ منه أن الوفاء بالنذر قربة
للثناء على فاعله لكنه مخصوص بنذر التبرر.
6692 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا
فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - يَقُولُ: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ؟
إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلاَ
يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ
الْبَخِيلِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي بضم الواو
وفتح الحاء المهملة المخففة وبعد الألف ظاء معجمة
مكسورة قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح
اللام آخره حاء مهملة قال (حدّثنا سعيد بن الحارث)
الأنصاري قاضي المدينة (أنه سمع ابن عمر -رضي الله
عنهما- يقول: أو لم ينهوا عن النذر) بضم التحتية وفتح
الهاء وفيه حذف ذكره الحاكم في المستدرك من طريق
المعافى بن سليمان، والإسماعيلي من طريق أبي عامر
العقدي ومن طريق أبي داود واللفظ له قالا: حدّثنا فليح
عن سعيد بن الحارث قال: كنت عند ابن عمر فأتاه مسعود
بن عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال: يا أبا عبد
الرَّحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر
بأرض فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي
لئن الله سلم ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى فقدم
علينا وهو مريض ثم مات فما تقول؟ فقال ابن عمر: أو لم
تنهوا عن النذر ثم قال: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن النذر لا يقدم شيئًا) من قدر الله ومشيئته (ولا
يؤخر) بحذف ضمير النصب أي لا يؤخره (وإنما يستخرج
بالنذر من البخيل) أي لا يأتي بهذه القربة تطوعًا
ابتداء بل مقابلة لشفاء المريض ونحوه ذكره النووي
وغيره، والحديث من أفراده.
6693 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: «إِنَّهُ
لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ
مِنَ الْبَخِيلِ».
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان الكوفي سكن
مكة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن
المعتمر أنه قال: (أخبرنا عبد الله بن مرة) بضم الميم
وتشديد الراء
الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء الهمداني بسكون
الميم الكوفي (عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما-
أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن النذر) أي عن عقد النذر (وقال):
(إنه لا يرد شيئًا) تعليل للنهي وصرح في هذا الحديث
بالنهي بخلاف السابق وهل النهي للتحريم على الأصل أو
لا فمنهم من تأوّله على الكراهة لأنه لو كان المراد به
التحريم لبطل حكمه وسقط لزوم الوفاء به لأنه بالنهي
للتحريم يصير معصية ولا يلزم وأيضًا فلو كان كذلك ما
أمر الله أن يوفى به، ولأحمد به فاعله لكنه ورد النهي
عنه تعظيمًا لشأنه لئلا يستهان به فيفرط في الوفاء به،
وحمله القرطبي على التحريم في حق من يخاف عليه أن
يعتقد أن النذر يوجب ذلك الغرض أو أن الله تعالى يفعله
لذلك قال: والأول يقارب الكفر، والثاني خطأ صراح وأما
من لا يعتقد ذلك فهو محمول على التنزيه فيكون مكروهًا
وهو ما نص عليه الشافعي، لكن قال القاضي حسين والمتولي
والغزالي والرافعي: إنه قربة لقوله تعالى {وما أنفقتم
من نفقة أو نذرتم من نذر} [البقرة: 27] الآية. ولأنه
وسيلة إلى القربة فيكون قربة.
قال في الفتح: وذهب أكثر الشافعية ونقله أبو علي
السنجي عن نص الشافعي إلى أنه مكروه لثبوت النهي عنه،
وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم ابن دقيق العيد،
وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية
بالكراهة قال: واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم
يقصد به خالص القربة وإنما قصد أن ينفع نفسه أو يدفع
عنها ضررًا بما التزم وجزم الحنابلة بالكراهة وعندهم
رواية في أنها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في صحتها
انتهى.
والذي رأيته في شرح مختصر الشيخ خليل للشيخ بهرام
المالكي: إن النذر المطلق وهو الذي يوجبه الإنسان على
نفسه ابتداء شكرًا له تعالى مندوب قال ابن رشد: وهو
مذهب مالك، وأما المكرر وهو ما إذا نذر صوم كل خميس أو
كل اثنين أو نحو ذلك فمكروه قال في المدونة: مخافة
التفريط في الوفاء به واختلف في النذر المعلق في شرط
كقوله إن شفى الله مريضي أو نجاني من كذا أو رزقني كذا
فعليّ المشي إلى مكة أو صدقة كذا أو نحو
(9/404)
ذلك هل هو مكروه، وإليه ذهب الباجي وابن
شاس وغيرهما أو لا وإليه ذهب صاحب البيان انتهى.
وفرق بغضهم بين نذر اللجاج والغضب فحمل النهي الوارد
عليه وبين نذر التبرر إذ هو كما مرّ وسيلة إلى طاعة
وإذا كانت وسيلة الطاعة فيشكل القول بالكراهة على ما
لا يخفى، ويحتمل أن يكون سبب ذلك أن الناذر لما لم
يبذل القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار
كالمعارضة التي تقدح في نيّة المتقرب ويشير إلى هذا
التأويل قوله إنه لا يرد شيئًا (ولكنه يستخرج به) أي
بالنذر (من البخيل ما لم يكن يريد أن يخرجه).
والحديث مضى في القدر.
6694 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
يَأْتِى ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَىْءٍ لَمْ يَكُنْ
قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى
الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ
بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِى عَلَيْهِ مَا لَمْ
يَكُنْ يُؤْتِى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو
الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن
بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يأتي ابن آدم النذر بشيء) بنصب ابن على المفعولية
والنذر بالرفع على الفاعلية (لم يكن قدر له) بضم القاف
مبنيًّا للمفعول والجملة صفة لقوله بشيء وفي نسخة بغير
الفرع وعليها شرح في فتح الباري وهو في اليونينية لأبي
ذر لم أكن قدرته قال: وهذا من الأحاديث القدسية لكن
سقط منه التصريح بنسبته إلى الله تعالى (ولكن يلقيه
النذر إلى القدر قد قدر له) بضم القاف وكسر المهملة
المشددة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر قدرته له (فيستخرج
الله به) بالنذر (من البخيل) فيه التفات على رواية لم
أكن قدرته إذ كان نسق الكلام أن يقال فأستخرج به
ليوافق قوله قدرته (فيؤتي) بكسر المثناة الفوقية،
ولأبي ذر: فيؤتيني وله عن الحموي والمستملي يؤتيني
بحذف الفاء وله أيضًا عن الكشميهني يؤتني بحذف الياء
للجزم بدل من قوله يكن المجزوم بلم أي يعطني (عليه) أي
على ذلك الأمر الذي بسببه نذر كالشفاء (ما لم يكن
يؤتى) يعطي (عليه من قبل) أي من قبل النذر.
27 - باب إِثْمِ مَنْ لاَ يَفِى بِالنَّذْرِ
(باب إثم من لا يفي بالنذر) قال في الفتح وسقط لغير
أبي ذر لفظ إثم:
6695 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ
شُعْبَةَ، حَدَّثَنِى أَبُو جَمْرَةَ، حَدَّثَنَا
زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ
بْنَ حُصَيْنٍ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُكُمْ
قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ: لاَ أَدْرِى ذَكَرَ
ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا بَعْدَ قَرْنِهِ: «ثُمَّ
يَجِىءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ،
وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ
وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ
السِّمَنُ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) القطان
ولأبي ذر عن يحيى بن سعيد (عن شعبة) بن الحجاج أنه
قال: (حدثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم والراء
المفتوحة بينهما ميم ساكنة نصر بن عمران قال: (حدّثنا
زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال
المهملة بعدها ميم ومضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة
وكسر الراء المشددة بعدها موحدة (قال: سمعت عمران بن
حصين) الخزاعي أسلم مع أبي هريرة وكانت الملائكة تسلم
عليه -رضي الله عنه- (يحدّث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خيركم) أهل (قرني) الذين أنا فيهم وهم الصحابة (ثم
الذين يلونهم) وهم التابعون (ثم الدين يلونهم) وهم
أتباع التابعين (قال عمران) بن حصين -رضي الله عنه-:
(لا أدري ذكر) عليه الصلاة والسلام (ثنتين أو ثلاثًا)
ولأبي ذر اثنتين أو ثلاثة (بعد قرنه ثم يجيء قوم
ينذرون) بفتح أوّله وكسر المعجمة وضمها (ولا يفون)
بفتح التحتية بالنذر ولأبي ذر عن الكشميهني يوفون بضم
أوّله وواو قبل الفاء (ويخونون ولا يؤتمنون) لأنهم
يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يأمنهم أحد بعد ذلك
(ويشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة بدون
التحميل أو يؤدّونها بدون الطلب (ويظهر فيهم السمن)
بكسر المهملة وفتح الميم يتكثرون بما ليس فيهم من
الشرف أو يجمعون الأموال أو يغفلون عن أمر الدين أو هو
على حقيقته في معناه لكن إذا كان مكتسبًا لا خلقيًّا.
والحديث سبق في الشهادات وفضائل الصحابة والرقاق.
28 - باب النَّذْرِ فِى الطَّاعَةِ {وَمَا
أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ
نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة: 270]
(باب) حكم (النذر في الطاعة) وقوله تعالى ({وما أنفقتم
من نفقة}) في سبيل الله أو في سبيل الشيطان ({أو نذرتم
من نذر}) في طاعة الله أو معصيته ({فإن الله يعلمه})
لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه. والجملة جواب الشرط إن
كانت ما شرطية أو زائدة في الخبر إن كانت موصولة ووحد
الضمير في قوله يعلمه والسابق شيئان النفقة والنذر لأن
العطف بأو وهي لأحد الشيئين تقول زيد أو عمرو
(9/405)
أكرمته ولا يجوز كرمتهما بل يجوز أن تراعي
الأول نحو زيد أو هند منطلق أو الثاني نحو زيد أو هند
منطلقة، والآية من هذا ولا يجوز أن تقول منطلقان ({وما
للظالمين}) الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون أموالهم في
المعاصي أو ينذرون في المعاصي أو لا يفون بالنذور ({من
أنصار}) [البقرة: 270] من ينصرهم من الله ويمنعهم من
عقابه وسقط لأبي ذر قوله {فإن الله يعلمه} إلى آخر
الآية.
6696 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
مَالِكٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ
فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ
يَعْصِهِ». [الحديث 6696 - طرفه في 6700].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة (عن طلحة بن عبد الملك)
الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن القاسم) بن محمد
بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (عن عائشة -رضي
الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من نذر أن يطيع الله) عز وجل كأن يصلّي الظهر مثلاً
في أول وقته أو يصوم نفلاً كيوم الخميس ونحوه من
المستحب من العبادات البدنية والمالية (فليطعه) بالجزم
جواب الشرط والأمر
للوجوب ومقتضاه أن المستحب ينقلب بالنذر واجبًا ويتقيد
بما قيده به الناذر (ومن نذر أن يعصيه) ولأبي ذر: أن
يعصي الله كشرب الخمر (فلا يعصه) والمعنى من نذر طاعة
الله وجب عليه الوفاء بنذره ومن نذر أن يعصيه حرم عليه
الوفاء بنذره لأن النذر مفهومه الشرعي إيجاب المباح
وهو إنما يتحقق في الطاعات، وأما المعاصي فليس فيها
شيء مباح حتى يجب بالنذر فلا يتحقق فيها النذر.
والحديث أخرجه أبو داود في النذر وكذا الترمذي
والنسائي وأخرجه ابن ماجة في الكفارات.
29 - باب إِذَا نَذَرَ أَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ
إِنْسَانًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا نذر) شخص (أو حلف أن
لا يكلم إنسانًا في الجاهلية) قبل الإسلام (ثم أسلم)
الناذر هل يجب عليه الوفاء أو لا؟
6697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو
الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنِّى نَذَرْتُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ
لَيْلَةً فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ: «أَوْفِ
بِنَذْرِكَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال:
(أخبرنا عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما العمري (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر أن) أباه (عمر) -رضي
الله عنهما- (قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية)
أي الحال التي كنت عليها قبل الإِسلام من الجهل بالله
ورسوله وشرائع الدين وغير ذلك (أن أعتكف) أي الاعتكاف
(ليلة) لا يعارضه رواية يوفما لأن اليوم يطلق على مطلق
الزمان ليلاً كان أو نهارًا أو أن النذر كان ليوم
وليلة، ولكن يكتفى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر فرواية
يوم أي بليلته ورواية ليلة أي مع يومها، فعلى الأول
يكون حجة على من شرط الصوم في الاعتكاف لأن الليل ليس
محلاًّ للصوم (في المسجد الحرام) حول الكعبة ولم يكن
إذ ذاك جدار يحوط عليها (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(أوف بنذرك) بفتح الهمزة وهذا تمسك به من قال بصحة نذر
الكافر ومن منع وهو الصحيح يحمل الحديث على أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأمره
بالاعتكاف إلا تشبيهًا بما نذر لا عين ما نذر وتسميته
بالنذر من مجاز التشبيه أو من مجاز الحذف.
والحديث سبق في آخر الاعتكاف وسبق في غزوة حنين تعيين
زمن سؤال عمر ولفظه لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نذر كان نذره
في الجاهلية اعتكاف وفي فرض الخمس قال عمر: فلم أعتكف
حتى كان بعد حنين.
30 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ
وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا
عَلَى نَفْسِهَا صَلاَةً بِقُبَاءٍ فَقَالَ: صَلِّى
عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
(باب) حكم (من مات وعليه نذر) هل يقضى عنه أم لا (وأمر
ابن عمر) -رضي الله عنهما- (امرأة جعلت أمها على نفسها
صلاة بقباء) بالصرف (فقال) لها: (صلي عنها. وقال ابن
عباس) -رضي الله عنهما- (نحوه) أي نحو قول ابن عمر مما
وصله مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على
نفسها مشيًا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأتى عبد
الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها. وأخرجه ابن أبي
شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن ابن عباس
قال: إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه، ومن طريق عون بن
عبد الله بن عتبة أن امرأة نذرت أن تعتكف عشرة أيام
فماتت ولم تعتكف فقال ابن عباس: اعتكفي عن أمك، لكن في
الموطأ قال مالك: إنه بلغه أن ابن عمر كان يقول: لا
يصلّي أحد عن أحد
(9/406)
ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائي نحوه
عن ابن عباس وجمع بأن الإِثبات في حق من مات والنفي في
حق الحيّ.
6698 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ الأَنْصَارِىَّ اسْتَفْتَى النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَذْرٍ كَانَ
عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ،
فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا فَكَانَتْ
سُنَّةً بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم
العين (ابن عبد الله) ولأبي ذر زيادة ابن عتبة (أن عبد
الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن سعد بن
عبادة الأنصاري) -رضي الله عنه- (استفتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نذر كان على أمه) عمرة
(فتوفيت قبل أن تقضيه) والنذر المذكور قيل كان صيامًا
وقيل كان عتقًا وقيل صدقة وقيل نذرًا مطلقًا أو كان
معينًا عند سعد (فأفتاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أن يقضيه عنها) قال الزهري (فكانت سنة
بعد) أي صار قضاء الوارث ما على الموروث طريقة شرعية
وهو أعم من أن يكون وجوبًا أو ندبًا كذا قاله في الفتح
تبعًا للكواكب. قال العيني: معنى التركيب ليس كذلك
وإنما معناه فكانت فتوى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة يعمل بها بعد إفتائه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك، والضمير في كانت
يرجع إلى الفتوى بدليل قوله فأفتاه وهو من قبيل قوله
{اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي فإن العدل
يدل عليه قوله اعدلوا والجمهور على أن من مات وعليه
نذر ماليّ أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا
إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث، ويحتمل أن
يكون سعد قضى نذر أمه من تركتها إن كان ماليًا أو تبرع
به.
والحديث يأتي في الحيل أيضًا إن شاء الله تعالى.
6699 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِى بِشْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَتَى
رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِى نَذَرَتْ أَنْ
تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ
عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ»؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَاقْضِ اللَّهَ فَهْوَ أَحَقُّ
بِالْقَضَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين
المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري أنه (قال:
سمعت سعيد بن جبير) يحدث (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: أتى رجل) هو عقبة بن عامر الجهني
-رضي الله عنه- (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال له): يا رسول الله (إن أختي) لم تسم
(نذرت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قد نذرت (أن تحج
وإنها ماتت) ولم تف بنذرها (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو كان عليها دين) لمخلوق (أكنت قاضيه)؟ عنها (قال:
نعم قال: فاقض الله) حقه (فهو أحق بالقضاء). من الخلق
وسبق في باب الحج عن الميت بلفظ أنّ امرأة قالت إن أمي
نذرت الخ ولا منافاة لاحتمال وقوع الأمرين معًا كما
قاله الكرماني وسبق ذلك في الباب المذكور.
31 - باب النَّذْرِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِى
مَعْصِيَةٍ
(باب) حكم (النذر فيما لا يملك) الناذر (و) حكم النذر
(في معصية) ولأبي ذر عن المستملي ولا في معصية.
6700 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ،
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ،
وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد
البصري (عن مالك) الإمام (عن طلحة بن عند الملك)
الأيلي (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي
الله عنهم- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من نذر أن يطيع الله) عز وجل (فليطعه ومن نذر أن
يعصيه فلا يعصيه). فيه دليل على أن من نذر طاعة يلزمه
الوفاء به ولا يلزمه الكفارة فلو نذر صوم العيد لا يجب
عليه شيء ولو نذر نحر ولده فباطل وإليه ذهب مالك
والشافعي فأما إذا نذر مطلقًا كان قال: علي نذر ولم
يسم شيئًا فعليه كفارة اليمين وكذا إن نذر شيئًا لم
يطقه.
ومطابقة الحديث للترجمة في الجزء الثاني لا في الأول،
وقبل يؤخذ وسبق الحديث قريبًا.
6701 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا
نَفْسَهُ». وَرَآهُ يَمْشِى بَيْنَ ابْنَيْهِ. وَقَالَ
الْفَزَارِىُّ: عَنْ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِى ثَابِتٌ،
عَنْ أَنَسٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل البصري (عن
ثابت) البناني ولأبي ذر حدثني بالإفراد ثابت (عن أنس)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لشيخ قيل هو أبو إسرائيل كما
نقله مغلطاي عن الخطيب:
(إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه ورآه يمشي بين ابنيه)
لم يسميا قال: ما بال هذا قالوا: نذر أن يمشي فأمره أن
يركب لعجزه عن المشي (وقال الفزاري): بفتح الفاء
والزاي المخففة وبعد الألف راء مكسورة مروان بن معاوية
مما وصله في الحج (عن حميد) الطويل أنه قال: (حدثني)
بالإفراد (ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه-
وأشار بهذا إلى أن
(9/407)
حميدًا صرح بالتحديث كما في رواية أبي ذر
في الطريق الأولى.
6702 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ
بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل (عن ابن جريج) عبد
الملك بن عبد العزيز (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول)
المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرَّحمن
اليماني من أبناء الفرس (عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رأى رجلاً يطوف بالكعبة) وآخر يقوله (بزمام أو غيره)
أو غير زمام (فقطعه) والشك من الراوي.
6703 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ
الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ وَهْوَ يَطُوفُ
بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا
بِخِزَامَةٍ فِى أَنْفِهِ فَقَطَعَهَا النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ ثُمَّ
أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي
الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (أن ابن جريج)
عبد الملك (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان
الأحول أن طاوسًا أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ
وهو) أي والحال أنه (يطوف بالكعبة بإنسان) حال كونه
(يقود إنسانًا بخزامة في أنفه) بكسر الخاء المعجمة
وفتح الزاي المخففة حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز
الذي بين منخري البعير يشدّ بها الزمام ليسهل انقياده
إذا كان صعبًا ولم يسم واحد من الإنسانين المذكورين،
ويحتمل أن يكونا بشرًّا وابنه طلقًا كما في الطبراني
كما سبق في باب الكلام في الطواف من الحج (فقطعها) أي
الخزامة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بيده ثم أمره) أي القائد (أن يقوده بيده).
فإن قلت: ما المطابقة بين هذا الحديث والترجمة؟ أجيب:
بأن في رواية النسائي من وجه آخر عن ابن جريج التصريح
بأنه نذر ذلك.
والحديث سبق في الحج وذكره هنا من وجهين الأول بعلوّ
والثاني بنزول كما ترى.
6704 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ
فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ
وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَتَكَلَّمَ
وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ
وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري
قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال:
(حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن
ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: بينا) بغير ميم
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) أي
يوم الجمعة كما عند الخطيب في المبهمات وجواب بينا
قوله (إذا هو برجل قائم) زاد أبو داود في الشمس (فسأل)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنه) أي عن اسمه
أو عن حاله (فقالوا): هو (أبو إسرائيل) قيل اسمه قشير
بقاف وشين معجمة مصغر، وقيل يسير بتحتية ثم مهملة مصغر
أيضًا وقيل قيصر بقاف وصاد مهملة باسم ملك الروم وقيل
بالسين المهملة مصغر أيضًا وقيل بغير راء في آخره.
وزاد الخطيب في مبهماته فقال: إنه رجل من قريش وقال
ابن الأثير في الصحابة كغيره أنه أنصاري. قال في
الفتح: والأوّل أولى يعني كونه قرشيًّا ولا يشاركه أحد
من الصحابة في كنيته (نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل)
من الشمس (ولا يتكلم ويصوم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مره) أي مر أبا إسرائيل ولأبي داود مروه (فليتكلم
وليستظل) من الشمس (وليقعد وليتم صومه) لأنه قربة
بخلاف البواقي والظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- علم منه أن الصوم لا يشق عليه.
والحديث أخرجه أبو داود في الأيمان وابن ماجة في
الكفارات.
(قال عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي: (حدّثنا أيوب)
السختياني (عن عكرمة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرسلاً لم يذكر ابن عباس. قال في
الفتح: تمسك بهذا من يرى أن الثقات إذا اختلفوا في
الوصل والإرسال يرجح قول من وصل لما معه من زيادة
العلم إلا أن وهيبًا وعبد الوهاب ثقتان، وقد وصله وهيب
وأرسله عبد الوهاب وصححه البخاري مع ذلك، والذي عرفناه
بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل في هذه الصورة
بقاعدة مطردة بل يدور مع الترجيح إلا إن استووا فيقدم
الوصل، والواقع هنا أن من وصله أكثر ممن أرسله. قال
الإسماعيلي: وصله مع وهيب عاصم بن هلال والحسن بن أبي
جعفر وأرسله مع عبد الوهاب خالد الواسطي. قال الحافظ
ابن حجر رحمه الله: وخالد متقن وفي عاصم والحسن مقال
فيستوي الطرفان فيرجح
الوصل، وقد جاء الحديث المذكور من وجه آخر فازداد قوّة
أخرجه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي إسرائيل.
32 - باب مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامًا
فَوَافَقَ النَّحْرَ أَوِ الْفِطْرَ
(باب) حكم (من نذر أن يصوم أيامًا) معينة (فوافق النحر
أو الفطر) هل يجوز له الصيام أو البدل أو الكفارة.
6705 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ،
حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ أَبِى حُرَّةَ الأَسْلَمِىُّ
أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لاَ يَأْتِىَ
عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلاَّ صَامَ فَوَافَقَ يَوْمَ
أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لَمْ يَكُنْ
يَصُومُ يَوْمَ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَلاَ يَرَى
صِيَامَهُمَا.
وبه قال:
(9/408)
(حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء
بن مقدم (المقدمي) بضم الميم وفتح القاف والدال
المهملة المشددة الثقفي مولاهم البصري قال: (حدّثنا
فضيل بن سليمان) النميري بالنون مصغرًا أبو سليمان
البصري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) مولى آل الزبير
قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (حكيم بن أبي
حرة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء المشددة (الأسلمي)
المدني وأبو حرة لا يعرف اسمه وليس له في البخاري إلا
هذا الحديث أورده متابعة لزياد بن جبير في الطريق التي
بعد (أنه سمع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) حال
كونه (سئل) بضم السين وكسر الهمزة مبنيًّا للمفعول لم
يسم السائل فيحتمل أن يكون رجلاً وأن يكون امرأة (عن
رجل نذر أن لا يأتي عليه يوم إلا صام فوافق يوم أضحى)
بفتح الهمزة (أو فطر) تحتمل أو الشك أو التقسيم (فقال)
ابن عمر -رضي الله عنهما-: ({لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21] قدوة (لم يكن) رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يصوم يوم الأضحى
و) لا يوم (الفطر ولا يرى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (صيامهما). وقال في الكواكب قوله: ولا نرى
بلفظ المتكلم فيكون من جملة مقول عبد الله أي المخبر
به عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي بعضها
يرى بلفظ الغائب وفاعله عبد الله وقائله حكيم. قال
الحافظ ابن حجر: وقع في رواية يوسف بن يعقوب القاضي
بلفظ لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر
بصيامهما فتعين الاحتمال الأول يعني أنه من مقول ابن
عمر اهـ.
وقد أجمعوا على أنه لا يجوز صوم يوم عيد الفطر ولا عيد
النحر لا تطوّعًا ولا نذرًا ولو نذر لم ينعقد نذره عند
الجمهور وعند الحنابلة روايتان في وجوب القضاء. وقال
أبو حنيفة: لو أقدم فصام وقع ذلك عن نذره.
6706 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ
زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ
عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أَنْ
أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاَثَاءَ، أَوْ أَرْبِعَاءَ
مَا عِشْتُ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ
النَّحْرِ فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ
النَّذْرِ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ
فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ، لاَ يَزِيدُ
عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي أحد
الأعلام قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح
الراء آخره عين مهملة مصغرًا البصري (عن يونس) بن عبيد
أحد أئمة البصرة (عن زياد بن جبير) بضم الجيم وفتح
الموحدة ابن حية بالتحتية المشددة ابن مسعود بن معتب
البصري أنه (قال: كنت مع ابن عمر) -رضي الله عنهما-
(فسأله رجل) أي يسم (فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء
أو أربعاء ما عشت) بكسر الموحدة في أربعاء والمدّ مع
الهمزة لا ينصرف كسابقه لألف التأنيث فيهما كحمراء
ويجمعان على ثلاثاوات وأربعاوات ويوم بغير تنوين
لإضافته لما بعده (فوافقت هذا اليوم يوم النحر فقال)
ابن عمر: (أمر الله) عز وجل (بوفاء النذر) حيث قال
تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] (ونهينا) بضم
النون وكسر الهاء (أن نصوم) هذا اليوم (يوم النحر) وفي
باب صوم يوم النحر من كتاب الصيام: ونهى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم هذا اليوم (فأعاد
عليه) أي فأعاد الرجل السؤال على ابن عمر (فقال مثله)
أي مثل القول الأول (لا يزيد عليه) ورعًا منه حيث توقف
في الجزم بأحد الجوابين لتعارض الدليلين عنده لكن سياق
الكلام يقتضي ترجيحه للمنع.
وبقية مبحث ذلك سبقت في الصيام من الباب المذكور.
33 - باب هَلْ يَدْخُلُ فِى الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ
الأَرْضُ وَالْغَنَمُ وَالزُّرُوعُ وَالأَمْتِعَةُ؟
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ: لِلنَّبِىِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَبْتُ أَرْضًا
لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ، أَنْفَسَ مِنْهُ. قَالَ:
«إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ
بِهَا» وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ أَمْوَالِى
إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةَ
الْمَسْجِدِ.
هذا (باب) بالتنوين (هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض
والغنم والزروع) بلفظ الجمع، ولأبي ذر: والزرع
(والأمتعة).
(وقال ابن عمر، قال عمر) -رضي الله عنه- فيما وصله
المؤلّف في الوصايا (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أصبت أرضًا) وكان بها نخل، وعند أحمد من
رواية أيوب أن عمر أصاب من يهود بني حارثة أرضًا يقال
لها ثمغ بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها غين معجمة أرض
تلقاء المدينة (لم أصب مالاً قط أنفس) أجود (منه)
والنفيس الجيد المغتبط به وسمي نفيسًا لأنه يأخذ
بالنفس وفيه إطلاق المال على الأرض فيطلق على كل متمول
كما هو المعروف من كلام العرب قال تعالى: {ولا تؤتوا
السفهاء أموالكم}
[النساء: 5] فلم يخص شيئًا دون شيء وقال بعضهم: هو
العين كالذهب والفضة وقيل غير ذلك (قال) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر بعد أن قال له فكيف
تأمرني به كما في الوصايا: (إن شئت حبست) بالتخفيف وفي
اليونينية بالتشديد أي
(9/409)
وقفت (أصلها وتصدقت بها) أي بثمرها.
(وقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري -رضي الله عنه-
مما وصله أيضًا في الوصايا (للنبي: -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحب أموالي إليّ) بتشديد الياء
(بيرحاء) بفتح الموحدة وسكون التحتية وضم الراء وفتحها
بالصرف، ولأبي ذر بعدمه وفيها لغات أخرى كثيرة سبقت في
الزكاة وهذا الاسم (لحائط له) فاللام للتبيين كهي في
نحو: (هيت لك} [يوسف: 23] والحائط البستان (مستقبلة
المسجد) أنث باعتبار البقعة.
6707 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ،
عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِىِّ، عَنْ أَبِى
الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ،
فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً إِلاَّ
الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، فَأَهْدَى
رَجُلٌ مِنْ بَنِى الضُّبَيْبِ يُقَالُ لَهُ:
رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلاَمًا يُقَالُ لَهُ:
مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى وَادِى الْقُرَى، حَتَّى
إِذَا كَانَ بِوَادِى الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ
يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ،
فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«كَلاَّ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ
الَّتِى أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ
لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ
نَارًا» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ
بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «شِرَاكٌ مِنْ
نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (مالك) إمام الأئمة (عن ثور بن زيد) بالمثلثة
(الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية (عن أبي
الغيث) سالم (مولى ابن مطيع) بضم الميم وكسر الطاء
المهملة بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر) أي يحضر أبو
هريرة غزوة خيبر إلا بعد الفتح (فلم نغنم ذهبًا ولا
فضة إلا الأموال والثياب والمتاع) كذا في الفرع وأصله
وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة والثياب
بإثبات الواو كالذي بعده. وقال في الفتح: إلاّ الأموال
المتاع والثياب كذا للأكثر أي بحذف الواو من المتاع
قال ولابن القاسم والقعنبي والمتاع بالعطف قال وقال
بعضهم في تنزيل ذلك على لغة دوس أي القائلين أن المال
غير العين كالعروض والثياب نظر لأنه استثنى الأموال من
الذهب والفضة فدلّ على أنه منها إلا أن يكون منقطعًا
فتكون إلا بمعنى لكن كذا قال الحافظ ابن حجر، والذي
يظهر أن الاستثناء من الغنيمة التي في قوله: فلم نغنم
فنفى أن يكونوا غنموا وأثبت أنهم غنموا المال فدلّ على
أن المال عنده غير العين وهو المطلوب (فأهدى رجل من
بني الضبيب) بضاد مضمومة معجمة وباءين موحدتين أولاهما
مفتوحة بينهما تحتية ساكنة (يقال له رفاعة بن زيد)
بكسر الراء وتخفيف الفاء ابن وهب الجذامي ثم الضبيبي
ممن وفد على
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لرسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا يقال
له مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين
وكان أسود (فوجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح واو فوجه، وقال العيني كالكرماني
بالبناء للمجهول، وفي غزوة خيبر من المغازي ثم انصرفنا
مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(إلى وادي القرى) بضم القاف وفتح الراء مقصورًا موضع
بقرب المدينة (حتى إذا كان بوادي القرى بينما) بميم
بلا فاء (مدعم يحط رحلاً لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سهم عائر) بالعين المهملة
وبعد الألف همزة فراء لا يدرى راميه فأصابه (فقتله
فقال الناس: هنيئًا له الجنة) وفي المغازي هنيئًا له
الشهادة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(كلاًّ والذي نفسي بيده إن الشملة) بفتح الشين المعجمة
وسكون الميم الكساء (التي أخذها يوم خيبر من المغانم
لم تصبها المقاسم) وإنما غلّها (لتشتعل) بنفسها (عليه
نارًا) تعذيبًا له لغلوله أو أنها سبب لعذابه في النار
(فلما سمع ذلك الناس جاء رجل) أي أعرف اسمه (بشراك أو
شراكين) بكسر الشين فيهما سير أو سيرين يكونان على ظهر
القدم عند لبس النعل (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (شراك
من نار أو شراكان من نار).
والحديث مرّ في المغازي.
|