شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
84 - كتاب كفارات الأيمان
1 - باب وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:
89] وَمَا أَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِينَ نَزَلَتْ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَيُذْكَرُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ. مَا كَانَ فِى
الْقُرْآنِ أَوْ أَوْ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ وَقَدْ
خَيَّرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَعْبًا فِى الْفِدْيَةِ.
(باب كفارات الأيمان) سقط لأبي ذر لفظ باب وثبت للكشميهني
والحموي كتاب الخ ولأبي ذر عن المستملي كتاب الكفارات جمع
كفارة من الكفر وهو الستر لأنها تستر الذنب ومنه الكافر
لأنه يستر الحق ويسمى الليل كافرًا لأنه يستر الأشياء عن
العيون (وقول الله تعالى: {فكفارته}) أي فكفارة معقود
الأيمان ({إطعام عشرة مساكين}) [المائدة: 89] بإعطاء كل
مسكين مدًّا من جنس الفطرة أو مسمى كسوة مما يعتاد لبسه
كمقنعة ومنديل أو إعتاق رقبة مؤمنة فإن عجز عن كلٍّ من
الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام ولو مفرقة (وما أمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بن كعب بن عجرة كما
في الحديث اللاحق (حين نزلت: {فدية من صيام}) أي إذا حلق
رأسه وهو محرم فعليه
(9/410)
صيام ثلاثة أيام ({أو صدقة}) على ستة
مساكين نصف صاع من بر ({أو نسك) [البقرة: 196] شاة مصدر أو
جمع نسيكة.
(ويذكر عن ابن عباس) رضى الله عنهما فيما وصله سفيان
الثوري في تفسيره عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس
(وعطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله الطبري أيضًا من طريق
ابن جريج (وعكرمة) مولى ابن عباس مما وصله الطبري أيضًا من
طريق داود بن أبي هند عنه (ما كان في القرآن أو أو) بفتح
الهمزة وسكون الواو فيهما نحو قوله تعالى: {ففدية من صيام
أو صدقة أو نسك} (فصاحبه بالخيار وقد خير النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعبًا في الفدية) على ما يأتي
إن شاء الله تعالى الآن.
6708 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
أَبُو شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُهُ، يَعْنِى النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ادْنُ» فَدَنَوْتُ
فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ،
قَالَ: «{فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ
نُسُكٍ}». [البقرة: 196] وَأَخْبَرَنِى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ
أَيُّوبَ قَالَ: صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَالنُّسُكُ
شَاةٌ، وَالْمَسَاكِينُ سِتَّةٌ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن
نافع الأصغر الحناط بالمهملة والنون الأسدي ويقال له
الهذلي البصري (عن ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون
الواو عبد الله واسم جده ارطبان الأنصاري (عن مجاهد) أي
ابن جبر (عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى) بفتح اللامين
الأنصاري المدني ثم الكوفي (عن كعب بن عجرة) بضم العين
المهملة وسكون الجيم وفتح الراء -رضي الله عنه- أنه (قال:
أتيته يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال):
(ادن) أي اقرب (فدنوت فقال: أيؤذيك) ولأبي ذر أتؤذيك
بالفوقية بدل التحتية (هوامّك) بتشديد الميم للساكنين جمع
هامة بالتشديد تطلق على كل ما يدب من الحيوان كالقمل وشبهه
وكان القمل يتناثر على وجهه (قلت) ولأبي ذر قلت: (نعم.
قال): احلق رأسك وعليك ({فدية}) مرفوع مبتدأ خبره محذوف أي
عليك فدية أو خبر مبتدأ محذوف أي فالواجب عليك فدية ({من
صيام أو صدقة أو نسك}).
قال أبو شهاب بالسند الأول: (وأخبرني) بالإفراد (ابن عون)
عبد الله (عن أيوب) السختاني أنه (قال: الصيام ثلاثة أيام
والنسك شاة والمساكين ستة) إي إطعام ستة مساكين قال ابن
بطال: وإنما ذكر البخاري حديث كعب هنا من أجل التخيير
فإنها وردت في كفارة اليمين كما وردت في كفارة الأذى. وقال
ابن المنير: يحتمل أن يكون البخاري أدخل حديث كعب هنا
موافقة لمن قال إن الإطعام نصف صاع في الكفارة كالفدية
فنبه على حمل المطلق على المقيد لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نص في الفدية على أنها نصف صاع ولم
يثبت عنه نص في قدر طعام الكفارة وهذا من أنصاف البخاري
لأنه كثيرًا ما يخالف الكوفيين إلا أن يظهر الحق معهم.
اهـ.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن فيه التخيير كما في
كفارة الأيمان.
والحديث سبق في الحج.
2 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى:
{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ
وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهْوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
[التحريم: 2] مَتَى تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْغَنِىِّ
وَالْفَقِيرِ؟.
(باب قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}) ما
تحللونها به وهو الكفارة ({والله مولاكم}) سيدكم ومتولي
أموركم وقيل مولاكم أولى بكم من أنفسكم فكانت نصيحته أنفع
لكم من نصائحكم لأنفسكم ({وهو العليم}) ما يصلحكم فيشرعه
لكم ({الحكيم}) [التحريم: 2] فيما أحل وحرم.
(متى تجب الكفارة على الغني والفقير) ولأبي ذر باب متى تجب
الكفارة على الغني والفقير، وقول الله تعالى: {قد فرض الله
لكم تحلة أيمانكم} إلى قوله {العليم الحكيم}.
6709 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ:
سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: هَلَكْتُ قَالَ: «مَا شَأْنُكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ
عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «تَسْتَطِيعُ
تُعْتِقُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ
تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟
قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ
سِتِّينَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «اجْلِسْ»
فَجَلَسَ فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ
الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ قَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ
بِهِ» قَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَضَحِكَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى
بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ: «أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال) سفيان بن
عيينة (سمعته من فيه) أي من فم الزهري أي ليس معنعنًا
موهمًا للتدليس (عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري
(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) قيل هو
سلمة بن صخر البياضي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) أي فعلت ما هو سبب لهلاكي (قال
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له):
(ما) ولأبي ذر: وما (شأنك قال: وقعت على امرأتي في رمضان)
أي وطئتها كما في حديث آخر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- له (تستطيع تعتق) بضم الفوقية ولأبي ذر عن
الكشميهني أن تعتق (رقبة قال: لا) أستطيع (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فهل تستطيع أن تصوم شهرين
متتابعين قال: لا) أستطيع (قال) عليه الصلاة
(9/411)
والسلام (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا
قال: لا، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له
(أجلس فجلس فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعرق) بفتح العين المهملة والراء (فيه تمر
والعرق المكتل الضخم) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية
يسع خمسة عشر صافعا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- له (خذ هذا) العرق بتمره (فتصدق به) بالتمر
(قال) أتصدق به (على) شخص (أفقر منا) ولأبي ذر مني (فضحك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت) ظهرت
(نواجذه) بالذال المعجمة آخر الأسنان أو هي الأضراس تعجبًا
من حاله ثم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(اطعمه عيالك).
وفي الحديث أن كفارة الوقاع مرتبة إعتاق ثم صوم ثم إطعام
وتجب نيتها بأن ينوي الإعتاق، وكذا باقيها عن الكفارة
لتتميز عن غيرها كنذر فلا يكفي الإعتاق الواجب عليه مثلاً
وإن
لم يكن عليه غيرها، ومراد البخاري كما قال ابن المنير
التنبيه على أن الكفارة إنما تجب بالحنث كما أن كفارة
المواقع في نهار رمضان إنما كانت باقتحام الذنب، وأشار إلى
أن الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة لأن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم فقره وأعطاه مع ذلك ما
يكفر به كما لو أعطى الفقير ما يقضي به دينه قال: ولعله
كما نبه على احتجاج الكوفيين بالفدية نبه هنا على ما احتج
به من خالفهم من إلحاقها بكفارة المواقع وأنها مدّ لكل
مسكين. اهـ.
ومذهب الشافعي أن له تقديم الكفارة بلا صوم على أحد سببيها
لأنه حق مالي تعلق بسببين فجاز تقديمها على أحدهما كالزكاة
فتقدم على الحنث ولو كان حرامًا كالحنث بترك واجب أو فعل
حرام وعلى عود في ظهار كأن ظاهر من رجعية ثم كفر ثم راجعها
وكأن طلق رجعيًّا عقب ظهاره ثم كفر ثم راجع، وأما الصوم
فلا يقدم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم على وقت وجوبها بغير
حاجة كصوم رمضان.
والحديث سبق في الصوم.
3 - باب مَنْ أَعَانَ الْمُعْسِرَ فِى الْكَفَّارَةِ
(باب من أعان المعسر في الكفارة) الواجبة عليه.
6710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟
قَالَ: وَقَعْتُ بِأَهْلِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «تَجِدُ
رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ
تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ:
«فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»؟
قَالَ: لاَ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
بِعَرَقٍ، وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ:
«اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ
مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَالَّذِى بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ
أَحْوَجُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ
أَهْلَكَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) البصري قال: (حدّثنا عبد
الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد
(عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن
عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل)
اسمه كما سبق سلمة بن صخر أو هو سلمان بن صخر أو هما
واقعتان سبق ذلك في الصيام (إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت)
وفي بعض الطرق أهلكت (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- له:
(وما ذاك)؟ الذي أهلكك (قال: وقعت بأهلي) جامعت امرأتي
(في) نهار (رمضان. قال) عليه الصلاة والسلام: (تجد رقبة)
تعتقها استفهام محذوف الأداة والمراد الوجود الشرعي فيدخل
فيه القدرة بالشراء (قال: لا) أجد (قال هل) ولأبي ذر فهل
(تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟
قال: لا) وعند البزار من رواية إسحاق وهل لقيت ما لقيت إلا
من الصوم (قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا)
وهل هذه الخصال على الترتيب أو التخيير؟ قال البيضاوي: رتب
الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد
الثاني فدلّ على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان
وجواب السؤال فتنزل منزلة الشرط وقال مالك: بالتخيير (قال:
فجاء رجل من الأنصار) لم أقف على اسمه (بعرق والعرق) بفتح
العين المهملة والراء آخره قاف (المكتل) بكسر الميم وفتح
الفوقية بينهما كاف ساكنة (فيه تمر فقال) عليه الصلاة
والسلام له (اذهب بهذا) التمر (فتصدق به قال) ولأبي ذر عن
الكشميهني فقال (على) ولأبي ذر أعلى أي أتصدق به على أحد
(أحوج منا يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما بين لابتها
أهل بيت أحوج منا) ولابتيها بغير همز تثنية لابة يريد
الحرتين أرضًا ذات حجارة سود والمدينة بينهما وزاد في
الرواية السابقة قريبًا فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت نواجذه (ثم قال: اذهب فأطعمه
أهلك) بقطع همزة فأطعمه أي أطعم ما في المكتل من التمر من
تلزمك نفقته أو زوجك أو مطلق أقاربك.
(9/412)
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة فكما جاز
إعانة المعسر بالكفارة عن وقاعه في نهار رمضان كذلك يجوز
إعانة المعسر بالكفارة عن يمينه إذا حنث فيه، وقد قيل إن
هذا الحديث استنبط منه بعضهم ألف مسألة وأكثر.
4 - باب يُعْطِى فِى الْكَفَّارَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ
قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا
هذا (باب) بالتنوين (يعطي) الشخص الذي وجبت عليه الكفارة
(في الكفارة) إذا كانت عن يمين (عشرة مساكين) كما في
القرآن (قريبًا كان) المسكين (أو بعيدًا) فالتذكير في
قريبًا وبعيدًا باعتبار لفظ مسكين ولذا قال: كان دون كانت
ولا كانوا أو لأن فعيلاً يستوي فيه التذكير والتأنيث كما
في قوله: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56].
6711 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدٍ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
هَلَكْتُ قَالَ: «وَمَا شَأْنُكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى
امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا
تُعْتِقُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ
تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟
قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ
سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: لاَ أَجِدُ، فَأُتِىَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ
فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ»
فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ
لاَبَتَيْهَا أَفْقَرُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: «خُذْهُ
فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد)
بالتصغير ابن عبد الرَّحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
أنه (قال: جاء رجل) من بني بياضة اسمه سلمة بن صخر أو
أعرابي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال) يا رسول الله
(هلكت) وفي رواية عائشة في الصوم أنه احترق وأطلق ذلك
لاعتقاده أن مرتكب الإثم يعذب بالنار فهو مجاز عن العصيان
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(وما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي) جامعتها (في) نهار
(رمضان. قال): ولأبي ذر فقال (هل تجد ما تعتق)؟ بضم
الفوقية (رقبة قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين
متتابعين؟ قال: لا) سقط قوله قال فهل إلى آخره (قال: فهل
تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا أجد) قال أبو هريرة:
(فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرق فيه
تمر فقال خد هذا) التمر (فتصدق به) على ستين مسكينًا
(فقال: أعلى) أي أتصدق به على أحد (أفقر منا ما بين
لابتيها) حرتي المدينة (أفقر منا. ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خذه) أي التمر (فأطعمه أهلك).
قال ابن المنير: ليس في الحديث إلا قوله اطعمه أهلك لكن
إذا جاز إعطاء الأقرباء فالبعداء أجوز وقاس كفارة اليمين
على كفارة الجماع في الصيام في إجازة الصرف إلى الأقرباء
اهـ. وهو على رأي من حمل قوله أطعمه أهلك على أنه في
الكفارة، وأما من حمله على أنه أعطاه التمر المذكور في
الحديث لينفقه على أهله وتستمر الكفارة في ذمته إلى أن
يحصل له اليسار فلا يتجه الإلحاق وكذا على قول من يقول
بالإسقاط عن المعسر مطلقًا قاله في الفتح، وفي رواية ابن
إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك أي لا عن الكفارة بل
هي تمليك مطلق بالنسبة إليه وإلى عياله وكان ذلك من مال
الصدقة وأما حديث عليّ فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك
فضعيف لا يحتج به، وقد ورد الأمر بالقضاء كما في حديث عند
البيهقي.
5 - باب صَاعِ الْمَدِينَةِ وَمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَرَكَتِهِ وَمَا تَوَارَثَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ
(باب) بيان (صاع المدينة) الذي يجب الإخراج به في الواجبات
لأن التشريع وقع أولاً على ذلك (و) بيان (مد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبركته) أي المد أو كل منهما
أو المراد بركته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
دعائه حيث دعا: اللهم بارك لهم في مكيالهم ومدّهم وصاعهم.
(وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنًا بعد قرن).
6712 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِىُّ،
حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ
السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ
فِى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن
أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال:
(حدّثنا القاسم بن مالك المزني) بضم الميم وفتح الزاي وكسر
النون قال: (حدّثنا الجعيد بن عبد الرَّحمن) بضم الجيم
وفتح العين المهملة بعدها تحتية ساكنة فدال مهملة
الكندي (عن السائب بن يزيد) الكندي ويقال الليثي ويقال
الأزدي المدني أنه (قال: كان الصاع على عهد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مدًّا وثلثًا بمدكم اليوم
فزيد فيه) في الصاع (في زمن عمر بن عبد العزيز) قال ابن
بطال: فيما نقله في الفتح: هذا يدل على أن مدهم حين حدّث
به السائب كان أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل
وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بدليل أن مدّه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رطل وثلث وصاعه أربعة
أمداد، ثم قال: وأما مقدار ما زيد فيه في زمن عمر بن عبد
العزيز فلا نعلمه وإنما الحديث يدل على أن مدّهم ثلاثة
أمداد بمدّه اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: ومن لازم ما قال
(9/413)
أن يكون صاعهم ستة عشر رطلاً لكنه لعله لم
يعلم مقدار الرطل عندهم إذ ذاك اهـ.
والمدّ كما مرّ رطل وثلث بالبغدادي وهو مائة وثمانية
وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وحينئذ فيكون الصاع
ستمائة درهم وخمسة وثمانين وخمسة أسباع درهم كما صححه
النووي، وعند أبي حنيفة أن الصاع ثمانية أرطال لنا ما نقل
الخلف عن السلف بالمدينة وهم أعرف بمثل ذلك كما قال مالك
مستدلاًّ به على أبي يوسف في مناظرته له بحضرة الرشيد فرجع
أبو يوسف في ذلك إليه.
والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الاعتصام، وأخرجه
النسائي في الزكاة.
6713 - حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ
الْجَارُودِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ وَهْوَ
سَلْمٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ
ابْنُ عُمَرَ يُعْطِى زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُدِّ
الأَوَّلِ وَفِى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو
قُتَيْبَةَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ
مُدِّكُمْ، وَلاَ نَرَى الْفَضْلَ إِلاَّ فِى مُدِّ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ
لِى مَالِكٌ: لَوْ جَاءَكُمْ أَمِيرٌ فَضَرَبَ مُدًّا
أَصْغَرَ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِأَىِّ شَىْءٍ كُنْتُمْ تُعْطُونَ؟ قُلْتُ:
كُنَّا نُعْطِى بِمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَفَلاَ تَرَى أَنَّ الأَمْرَ
إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟.
وبه قال: (حدّثنا منذر بن الوليد الجارودي) بالجيم قال:
(حدّثنا أبو قتيبة وهو سلم) بفتح السين المهملة وسكون
اللام الشعيري بفتح المعجمة وكسر المهملة البصري أصله من
خراسان قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة ابن أنس الأصبحي
(عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر) -رضي الله
عنه- (يعطي زكاة رمضان) أي صدقة الفطر منه (بمدّ النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو رطل وثلث
بالبغدادي وهو مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع
درهم كما مرّ (المد الأول) بالجر صفة لازمة لمدّ النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأراد نافع بذلك أنه
كان لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام وهو أكبر من مدّ النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثلثي مدّ إذ مدّ
هشام رطلان والصاع منه ثمانية أرطال (وفي كفارة اليمين
بمدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يكن
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا مدّ واحد.
(وقال أبو قتيبة): سلم المذكور بالسند السابق (قال لنا
مالك) الإمام: (مدنا) المدني وإن كان دون مد هشام في القدر
فإنه (أعظم من مدكم) في البركة الحاصلة فيه بدعاء النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولا نرى
الفضل إلا في مدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وإن كان مد هشام أفضل بحسب الوزن قال أبو
قتيبة سلم أيضًا (وقال لي مالك) الإمام: (لو جاءكم أمير
فضرب مدًّا أصغر من مد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بأي شيء كنتم تعطون)؟ الفطرة والكفارة قال أبو
قتيبة: (قلت) له: (كنا نعطي) ذلك (بمد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) مالك: (أفلا ترى أن
الأمر إنما يعود إلى مد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لأنه إذا تعارضت الأمداد الثلاثة الأوّل
والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه
وإن لم يقع وهو دون الأوّل كان الرجوع إلى الأوّل أولى
لأنه الذي تحققت شرعيته لنقل أهل المدينة له قرنًا بعد قرن
وجيلاً بعد جيل وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا إلى قول مالك
كما مرّ.
والحديث من أفراده وهو غريب ما رواه عن مالك إلا أبو قتيبة
ولا عنه إلا المندر.
6714 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى مِكْيَالِهِمْ
وَصَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال:
(أخبرنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(اللهم بارك لهم) أي أهل المدينة (في مكيالهم وصاعهم
ومدهم) البركة بمعنى النماء والزيادة قال الإمام أبو زكريا
النووي الظاهر أن المراد البركة في نفس المكيل بالمدينة
بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها. قلت: وقد رأيت
من ذلك في سنة خمس وتسعين وثمانمائة العجب العجاب فالله
تعالى لوجهه الكريم يردني إليها ردًّا جميلاً ويجعل وفاتي
بها على الكتاب والسنّة في عافية بلا محنة ويعتق رقبتي من
النار بمنه وكرمه.
6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ} [المائدة: 98] وَأَىُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟
هذا (باب قول الله تعالى) في آية كفارة اليمين من سورة
المائدة ({أو تحرير رقبة}) [المائدة: 89] قال الحنفية:
مؤمنة أو كافرة لإطلاق النص إلا في كفارة القتل فإن الله
قيد الرقبة فيها بالإيمان وشرط الشافعي -رحمه الله-
الإيمان لجميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع
في نهار رمضان حملاً للمطلق على المقيد كما أن الله تعالى
قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال {وأشهدوا ذوي عدل منكم}
[الطلاق: 2] وأطلق في موضع فقال: {واستشهدوا شهيدين من
رجالكم} [البقرة: 282] ثم العدالة شرط في جميعها حملاً
للمطلق على المقيد كذلك هذا (وأي الرقاب أزكى) فيه إيماء
إلى حديث أبي ذر السابق في أوائل
(9/414)
العتق. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها
ثمنًا وأنفسها عند أهلها، وكأن المؤلّف أشار بذلك إلى
موافقة الحنفية لأن أفعل
التفضيل يقتضي الاشتراك في أصل الحكم، وقال ابن المنير: لم
يترجم على عتق الرقبة في الكفارة لأنه لم يجد نصًّا في
اشتراط الإيمان في كفارة الإيمان فأورد الترجمة محتملة،
وذكر أن الفضل والمزية لعتق المؤمنة فنبه على مجال النظر
فلقائل أن يقول: إذا تفاوت العتق وكان أفضله عتق المؤمنة،
ووجب علينا عتق الرقبة في اليمين كان الأخذ بالأفضل أحوط
للذمة وإلاّ كان المكفر بغير المؤمن على شك في براءة
الذمة. قال: وهذا أوضح من الاستشهاد بحمل المطلق على
المقيد في كفارة القتل لظهور الفرق بالتغليظ هنالك.
6715 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ
بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ
مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ
حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدٍ ابْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً
أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ
النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا
داود بن رشيد) بضم الراء وفتح الشين المعجمة البغدادي قال:
(حدّثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي الدمشقي (عن أبي
غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة (محمد بن
مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة
(عن زيد بن أسلم) أبي أسامة العدوي مولى عمر بن الخطاب (عن
علي بن حسين) بضم الحاء ابن علي بن أبي طالب المعروف بزين
العابدين (عن سعيد بن مرجانة) بفتح الميم وسكون الراء وفتح
الجيم وبعد الألف نون اسم أمه واسم أبيه عبد الله العامري
(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من أعتق رقبة مسلمة) وفي العتق أيما رجل أعتق امرأ مسلمًا
(أعتق منه عضوًا من النار) سقط منه الثانية هنا وفي مسلم
عضوًا منه من النار (حتى فرجه بفرجه) حتى هنا عاطفة بمنزلة
الواو إلا أنها تفارقها من ثلاثة أوجه. أحدها أن المعطوف
حتى ثلاثة شروط أن يكون ظاهرًا لا مضمرًا وأن يكون إما
بعضًا من جمع قبلها كقدم الحاج حتى المشاة أو جزءًا من كل
نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو كجزء نحو: أعجبتني الجارية
حتى حديثها ويمتنع حتى ولدها، والذي يضبط ذلك أنها تدخل
حيث يصح دخول الاستثناء وتمتنع حيث يمتنع ولذا يمتنع ضربت
الرجلين حتى أفضلهما وإنما جاز حتى نعله ألقاها لأن
الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله وأن يكون غاية لما
قبلها إما زيادة أو نقص فالأوّل نحو مات الناس حتى
الأنبياء والثاني نحو زارك الناس حتى الحجامون قاله في
المغني، والشروط الثلاثة موجودة في هذا الحديث فقوله رقبة
ظاهر منصوب، وقوله فرجه جزء مما قبله وهو غاية لما قبلها
وخص الفرج بالذكر لأنه على أكبر الكبائر بعد الشرك.
والحديث سبق في أوائل العتق.
7 - باب عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ
وَالْمُكَاتَبِ فِى الْكَفَّارَةِ وَعِتْقِ وَلَدِ
الزِّنَا وَقَالَ طَاوُسٌ: يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ
الْوَلَدِ
(باب) حكم (عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة و)
حكم (عتق ولد الزنا. وقال طاوس): هو ابن كيسان (يجزئ
المدبر وأم الولد) وهذا وصله ابن أبي شيبة من طريقه بلفظ
يجزئ عتق المدبر في الكفارة وأم الولد في الظهار اهـ.
وقال مالك: لا يجزئ في الكفارة مدبر ولا أم ولد ولا معلق
عتقه لأنه ثبت لهم عقد حرية لا سبيل إلى رفعه والواجب في
الكفارة تحرير رقبة وهو قول الكوفيين. وقال الشافعي: يجزئ
عتق المدبر وعند البيهقي بسند صحيح عن الزهري أخبرني أبو
حسن مولى عبد الله بن الحارث، وكان من أهل العلم والصلاح
أنه سمع امرأة تقول لعبد الله بن نوفل تستفتيه في غلام لها
ابن زنية تعتقه في رقبة كانت عليها فقال: لا أراه يجزئك
سمعت عمر يقول لأن أحمل على نعلين في سبيل الله أحب إلي من
أن أعتق ابن زنية لكن في الموطأ عن أبي هريرة أنه أفتى
بعتق ولد الزنا وعن ابن عمر أنه أعتق ابن زنا. وقال
الجمهور: يجزئ عتقه وكرهه علي وابن عباس وابن عمرو بن
العاص أخرجه ابن أبي شيبة عنهم بأسانيد لينة.
6716 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ
رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ
مِنِّى»؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ
بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم
قال: (أخبرنا ابن زيد) أي ابن درهم (عن عمرو) بفتح العين
ابن دينار (عن جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري (أن رجلاً
من الأنصار) هو أبو مذكور (دبر مملوكًا له) اسمه يعقوب أي
علق عتقه بموته (ولم يكن له مال
(9/415)
غيره فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن النحام) بضم النون وفتح
العين المهملة والنحام بفتح النون والحاء المهملة المشددة
(بثمانمائة درهم) قال عمرو بن دينار وكان بيعه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له بحكم ولايته على الرعية
والنظر في مصالحهم (فسمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري
(يقول): كان المدبر (عبدًا قبطيًا) بكسر القاف وسكون
الموحدة نسبة إلى قبط مصر (مات عام أول) بفتح اللام على
البناء وهو من إضافة الموصوف لصفته وله نظائر والبصريون
يقدّرونه عام الزمن الأول أو نحوه ووجه المطابقة، قال
الكرماني: لأنه إذا جاز بيع المدبر جاز إعتاقه وقاس الباقي
عليه.
والحديث أخرجه أيضًا في الإكراه وسبق في البيع والعتق
وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور.
8 - باب إِذَا أَعْتَقَ فِى الْكَفَّارَةِ لِمَنْ يَكُونُ
وَلاَؤُهُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أعتق عبدًا بينه وبين آخر) أي في
الكفارة وهذا الباب وترجمه ثبتا في رواية أبي ذر عن
المستملي وحده من غير ذكر آية ولا حديث ويحتمل أنه لم يجد
حديثًا في الباب على شرطه أو غير ذلك وحكم الباب أنه إذا
أعتق عبدًا بينه وبين آخر عن الكفارة فإن كان موسرًا أجزاه
وضمن لشريكه حصته بخلاف ما إذا كان معسرًا وهو قول أبي
يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجزئه مطلقًا.
ومباحث المسألة في كتب الفقه فلتراجع.
8 - باب إِذَا أَعْتَقَ فِى الْكَفَّارَةِ لِمَنْ يَكُونُ
وَلاَؤُهُ؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أعتق) شخص (في الكفارة)
رقيقًا (لمن يكون ولاؤه)؟ بفتح الواو والمدّ وهو في الشرع
عصوبة سببها زوال الملك عن الرقيق بالحرية.
6717 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ
تَشْتَرِىَ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهَا الْوَلاَءَ،
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا إِنَّمَا الْوَلاَءُ
لِمَنْ أَعْتَقَ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة بضم العين مصغرًا (عن
إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد خال إبراهيم النخعي
(عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها أرادت أن تشتري بريرة)
بفتح الموحدة (فاشترطوا) أي أهلها (عليها) على عائشة
(الولاء) أي أن يكون الولاء لهم (فذكرت) عائشة (ذلك)
الاشتراط (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال) لها:
(اشتريها) فأعتقيها (إنما) ولأبي ذر فإنما (الولاء أعتق)
يستفاد من التعبير بإنما إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما
عداه فمن أعتق من به رق ولو بكتابة أو تدبير أو سراية
فولاؤه له ولعصبته بنفسه لقوله هنا: إنما الولاء لمن أعتق.
وقيس عليه غيره ويقدم منهم بفوائد من الإِرث وولاية
التزويج الأقرب فالأقرب كما في النسب، وفي صحيح ابن حبان
وصححه الحاكم الولاء لحمة كلحمة النسب ويدخل في قوله: إنما
الولاء لمن أعتق ما لو أعتق العبد المشترك فإنه إن كان
موسرًا صح وضمن لشريكه حصته، ولا فرق بين أن يعتقه مجانًا
أو عن الكفارة وعن أبي حنيفة لا يجزئه عتق المشترك عن
الكفارة.
والحديث سبق في الطلاق وغيره ويأتي إن شاء الله تعالى في
الفرائض، وأخرجه النسائي في الزكاة والطلاق والفرائض.
9 - باب الاِسْتِثْنَاءِ فِى الأَيْمَانِ
(باب) بيان أحكام (الاستثناء في الأيمان) والمراد به هنا
التعليق على المشيئة كأن يقول والله لأفعلن كذا إن شاء
الله أو لا أفعل كذا إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله.
6718 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى
بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِى مُوسَى
الأَشْعَرِىِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنَ
الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ
أَحْمِلُكُمْ مَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ» ثُمَّ
لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأُتِىَ بِإِبِلٍ فَأَمَرَ
لَنَا بِثَلاَثَةِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ
بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لاَ يُبَارِكُ اللَّهُ لَنَا
أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا
فَحَمَلَنَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْنَا ذَلِكَ
لَهُ فَقَالَ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلِ اللَّهُ
حَمَلَكُمْ، إِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ
أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا
مِنْهَا، إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى وَأَتَيْتُ
الَّذِى هُوَ خَيْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن غيلان بن جرير) بفتح الغين
المعجمة وسكون التحتية الأزدي (عن أبي بردة بن أبي موسى
عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله
عنه- أنه (قال: أتيت رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) قال أبو عبيدة ما دون
العشرة (من الأشعريين أستحمله) أي أطلب منه ما يحملنا
وأثقالنا لغزوة تبوك (فقال):
(والله) ولأبي ذر عن الكشميهني لا والله (لا أحملكم ما)
ولأبي ذر وما (عندي ما أحملكم) عليه (ثم لبثنا) بكسر
الموحدة مكثنا (ما شاء الله) عز وجل (فأتي) بضم الهمزة
وكسر الفوقية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإبل)
وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي بشائل بشين معجمة
وبعد الألف همزة فلام قطيع من الإِبل (فأمر لنا) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بثلاثة ذود) بالإِضافة وفتح
الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة
(9/416)
من الثلاث إلى العشر من النوق، وسبق في
المغازي بلفظ خمس ذود وجمع باحتمال أنه أمر لهم أولاً
بثلاث ذود ثم زادهم اثنين، ولأبي ذر: بثلاث ذود وهو الصواب
لأن الذود مؤنث والتذكير باعتبار لفظ ذود (فلما انطلقنا)
بها (قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله لنا أتينا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نستحمله فحلف لا
يحملنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن لا يحملنا
(فحملنا) بفتحات زاد فيما سبق تغفلنا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه والله لا نفلح أبدًا
(فقال أبو موسى: فأتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فذكرنا ذلك له) سقط لأبي ذر لفظ له (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما أنا حملتكم بل
الله حملكم) أي شرع لكم ما حصل به الحمل بعد اليمين وهو
الكفارة أو أتاني بما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي
ما أحملكم عليه. قال المازري: (إني والله إن شاء الله)
وجواب القسم قوله (لا أحلف على يمين) وإن شاء الله معترض
والقسمية خبر إن وقوله: على يمين أي محلوف يمين (فأرى)
بفتح الهمزة (غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت
الذي هو خير) زاد الحموي
والمستملي بعد قوله هو خير وكفرت فكرر لفظ التكفير وإثباته
في الأول قد يفيد جواز تقديم الكفارة على الحنث.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: إني والله إن شاء الله،
لكن قال أبو موسى المديني في كتابه الثمين في استثناء
اليمين فيما نقله في فتح الباري: لم يقع قوله إن شاء الله
في أكثر الطرق لحديث أبي موسى. قال الحافظ ابن حجر: وسقط
لفظ والله من نسخة ابن المنير فاعترض بأنه ليس في حديث أبي
موسى يمين وليس كما ظن بل هي ثابتة في الأصول، وإنما أراد
البخاري بإيراده بيان صيغة الاستثناء بالمشيئة قال: وأشار
أبو موسى المديني في الكتاب المذكور إلى أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالها للتبرك لا للاستثناء
وهو خلاف الظاهر واشترط في الاستثناء أن يتصل بالمستثنى
منه عرفًا فلا يضر سكتة تنفس وعي وتذكر وانقطاع صوت بخلاف
الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي ولو يسيرًا ونقل ابن المنذر
الاتفاق على اشتراط التلفظ بالاستثناء وأنه لا يكفي القصد
إليه بغير لفظ، وعن الحسن وطاوس أن له أن يستثني ما دام في
المجلس، وعن الإمام أحمد نحوه، وقال: ما دام في ذلك الأمر،
وعن إسحاق مثله وقال: إلا أن يقع سكوت، وعن سعيد بن جبير
إلى أربعة أشهر، وعن ابن عباس شهر، وعن سنة وعنه أبدًا.
قال أبو البركات النفسي في مختصر الكشاف له: وهذا محمول
على تدارك التبرك بالاستثناء فأما الاستثناء المغير حكمًا
فلا يصح إلا متصلاً. ويحكى أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة
-رحمه الله- خالف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في
الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه، فقال أبو حنيفة:
هذا يرجع عليك أنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا
من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك؟ فاستحسن كلامه وأمر بإخراج
الطاعن فيه اهـ.
وقال ابن جرير: معنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة
أي إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه إن شاء الله وذكر ولو
بعد سنة فالسنة له أن يقول ذلك ليكون آتيًا بسنة
الاستثناء، حتى ولو كان بعد الحنث وليس مراده أن ذلك رافع
لحنث اليمين ومسقط للكفارة. قال ابن كثير: وهذا الذي قاله
ابن جرير -رحمه الله- هو الصحيح وهو الأليق بحمل كلام ابن
عباس عليه السلام والله أعلم وقال أبو عبيد: وهذا لا يؤخذ
على ظاهره لأنه يلزم منه أنه لا يحنث أحدًا في يمينه وأن
لا تتصور الكفارة التي أوجبها الله تعالى على الحالف، ولكن
وجه الخبر سقوط الإثم عن الحالف لتركه الاستثناء لأنه
مأمور به في قوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك
غدًا إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23] فقال ابن عباس إذا نسي
أن يقول إن شاء الله يستدركه ولم يرد أن الحالف إذا قال
ذلك بعد أن انقضى كلامه أن ما عقده باليمين ينحل. وحاصله
حمل الاستثناء المنقول عنه على لفظ إن شاء الله فقط، وحمل
إن شاء الله على التبرك، ومما يدل على اشتراط الاستثناء
بالكلام قوله في حديث الباب فليكفر عن يمينه فإنه لو كان
(9/417)
الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال
فليستثن لأنه أسهل من التفكير.
والحديث سبق في النذور.
6719 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، وَقَالَ: إِلاَّ كَفَّرْتُ يَمِينِى وَأَتَيْتُ
الَّذِى هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ
وَكَفَّرْتُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم قال:
(حدّثنا حماد) هو ابن زيد بالسند السابق (وقال) فيه: (إلاّ
كفرت يميني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن يميني (وأتيت
الذي هو خير) بتقديم كفرت (أو أتيت الذي هو خير وكفرت)
بتأخيرها فزيادة الترديد في هذه الطريق في تقديم الكفارة
وتأخيرها وكذا أخرجه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حماد بن
زيد بالترديد فيه أيضًا.
6720 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ
طَاوُسٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ
لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلٌّ
تَلِدُ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ
لَهُ صَاحِبُهُ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِى الْمَلَكَ، قُلْ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَسِىَ، فَطَافَ بِهِنَّ فَلَمْ
تَأْتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ بِوَلَدٍ إِلاَّ وَاحِدَةٌ
بِشِقِّ غُلاَمٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ
قَالَ: لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ
وَكَانَ دَرَكًا فِى حَاجَتِهِ وَقَالَ مَرَّةً: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لَوِ اسْتَثْنَى» وَحَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن هشام بن حجير) بضم الحاء المهملة وفتح
الجيم وسكون التحتية بعدها راء المكي (عن طاوس) هو ابن
كيسان الإمام أبو عبد الرَّحمن اليماني أنه (سمع أبا
هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال سليمان) بن داود عليهما
السلام والله (لأطوفن الليلة) جواب القسم والنون للتأكيد
وفي بعض طرق الحديث التصريح بالقسم والليلة نصب على
الظرفية (على تسعين امرأة) يقال طاف به يعني ألم به وقاربه
يعني لأجامعهن (كل) بالتنوين مشددًا أي منهن (تلد) فيه حذف
تقديره فتعلق فتحمل فتلد (غلامًا) ينشأ فيتعلم الفروسية و
(يقاتل في سبيل الله) عز وجل (فقال له صاحبه) الملك أو
قرينه أو صاحبه من البشر أو وزيره من الإنس أو من الجن
(قال سفيان) بن عيينة (يعني الملك قل إن شاء الله فنسي)
بفتح النون مخففًا لسابق القدر أن يقول إن شاء الله (فطاف
بهن) أي جامعهن (فلم تأت امرأة منهن بولد إلا واحدة بشق
غلام) بكسر الشين المعجمة وفي رواية للبخاري إلا واحدة
ساقط أحد شقيه (فقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالإسناد
السابق (يرويه) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه (قال لو قال) سليمان (إن شاء الله لم يحنث)
قيل هذا خاص بسليمان وأنه لو قالها لحصل مقصوده وليس
المراد أن كل من قالها وقع له أراد فقد قال: موسى عليه
السلام فى قصة الخضر ستجدني إن شاء الله صابرًا ولم يصبر
(وكان) قوله إن شاء الله (دركًا في حاجته) بفتح الدال
المهملة والراء أي لحاقًا لها وهو تأكيد لقوله لم يحنث
ولأبي ذر له في حاجته (وقال) أبو هريرة (مرة قال: رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لو استثنى) بدل قوله في الرواية الأولى إن شاء الله فاللفظ
مختلف والمعنى واحد وجواب لو محذوف أي لو استثنى لم يحنث
قال سفيان بن عيينة بالسند المذكور (وحدّثنا أبو الزناد)
عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (مثل
حديث أبي هريرة) الذي ساقه من طريق طاوس عن أبي هريرة ففيه
أن لسفيان فيه سندين إلى أبي هريرة هشام عن طاوس وأبو
الزناد عن الأعرج.
والحديث سبق في الجهاد وغيره لكن بغير هذا السند.
10 - باب الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ
(باب) جواز (الكفارة قبل الحنث وبعده).
6721 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ
الْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِىِّ
قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى وَكَانَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ هَذَا الْحَىِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ وَمَعْرُوفٌ
قَالَ: فَقُدِّمَ طَعَامٌ قَالَ: وَقُدِّمَ فِى طَعَامِهِ
لَحْمُ دَجَاجٍ قَالَ: وَفِى الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِى
تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ، كَأَنَّهُ مَوْلًى قَالَ: فَلَمْ
يَدْنُ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: ادْنُ فَإِنِّى قَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إِنِّى رَأَيْتُهُ
يَأْكُلُ شَيْئًا قَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ
أَطْعَمَهُ أَبَدًا، فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ عَنْ
ذَلِكَ، أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ
أَسْتَحْمِلُهُ وَهْوَ يُقْسِمُ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ
الصَّدَقَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: أَحْسِبُهُ قَالَ وَهْوَ
غَضْبَانُ، قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا
عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ» قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأُتِىَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِنَهْبِ إِبِلٍ فَقِيلَ: «أَيْنَ هَؤُلاَءِ
الأَشْعَرِيُّونَ أَيْنَ هَؤُلاَءِ الأَشْعَرِيُّونَ»؟
فَأَتَيْنَا فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ
الذُّرَى قَالَ: فَانْدَفَعْنَا فَقُلْتُ لأَصْحَابِى:
أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا فَحَمَلَنَا نَسِىَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ
وَاللَّهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ
أَبَدًا ارْجِعُوا بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْنُذَكِّرْهُ يَمِينَهُ،
فَرَجَعْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاكَ
نَسْتَحْمِلُكَ فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، ثُمَّ
حَمَلْتَنَا فَظَنَنَّا أَوْ فَعَرَفْنَا أَنَّكَ نَسِيتَ
يَمِينَكَ قَالَ: «انْطَلِقُوا فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ
اللَّهُ إِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ
عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ
أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».
تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ
أَبِى قِلاَبَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ
الْكُلَيْبِىِّ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن بحجر) بحاء مهملة مضمومة فجيم
ساكنة فراء السعدي قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم)
المعروف بأمه علية (عن أيوب) السختياني (عن القاسم) بن
عاصم (التميمي عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال
المهملة بعدها ميم (الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء أنه
(قال: كنا عند أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي
الله عنه- (وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم
وسكون الراء والحي بالفتح ولغير أبي ذر بالكسر (إخاء) بكسر
الهمزة في أوله وفتح الخاء المعجمة والمدّ أي صداقة
(ومعروف) أي إحسان ولأبي ذر عن الكشميهني: وكان بيننا
وبينهم هذا الحي فزاد الضمير وقدمه على ما يعود عليه.
وقال في الكواكب، فإن قلت: الظاهر أن يقال بينه يعني أبا
موسى أي لأن زهدمًا من جرم فلو كان من الأشعريين لاستقام
الكلام قال: وقد تقدم على الصواب في باب: لا تحلفوا
بآبائكم حيث قال كان بين هذا الحي وبين الأشعريين ودّ.
وأجاب: باحتمال أنه جعل نفسه من أتباع أبي موسى كواحد من
الأشاعرة فأراد بقوله بيننا أبا موسى وأتباعه وكأنه مولى
أي لم يكن من العرب الخلص.
(قال)
(9/418)
زهدم (فقدم طعام) بين يدي أبي موسى ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي طعامه أي طعام أبي موسى (قال: وقدم
في طعامه لحم دجاج قال: وفي القوم رجل من بني تيم الله)
قبيلة معروفة من قضاعة (أحمر كأنه مولى) قال الحافظ ابن
حجر في المقدمة: لم أعرف اسمه، وقد قيل إنه زهدم الراوي
(قال: فلم يدن) أي فلم يقرب من الطعام (فقال له أبو موسى)
الأشعري: (إذن) أقرب (فإني قد رأيت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل منه) أي من جنس الدجاج
(قال) الرجل (إني رأيته يأكل شيئًا) قذرًا (قذرته) بكسر
الذال المعجمة أي كرهته (فحلفت أن لا أطعمه أبدًا فقال)
أبو موسى للرجل: (ادن) اقرب (أخبرك) بضم الهمزة والجزم
جواب الأمر (عن ذلك) أي عن الطريق في حل اليمين (أتينا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط من
الأشعريين أستحمله) أطلب منه ما يحملنا وأثقالنا لغزوة
العسرة (وهو يقسم نعمًا من نعم الصدقة) بفتح النون والعين
المهملة فيهما.
(قال أيوب) السختياني بالسند السابق (أحسبه) أي أحسب
القاسم التيمي (قال: وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (غضبان قال):
(والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) زاد الكشميهني عليه
(قال) أبو موسى: (فانطلقنا فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنهب إبل) بإضافة نهب لما بعده من
غنيمة، وفي رواية أبي بردة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ابتاع الإبل التي حملهم عليها من سعد فيجمع
باحتمال أن تكون الغنيمة لما حصلت حصل لسعد منها ذلك
فاشتراه منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحملهم
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقيل أين هؤلاء
الأشعريون أين هؤلاء الأشعريون) بالتكرار مرتين في رواية
أبي ذر وفي رواية أبي يزيد فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت
بلالاً ينادي أي عبد الله بن قيس فأجبته فقال: أجب رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك (فأتينا
فأمر لنا) عليه الصلاة والسلام (بخمس ذود) بالإضافة وفي
المغازي بستة أبعرة وذكر القليل لا ينفي الكثير (غر الذرى)
بضم الذال المعجمة وفتح الراء أي الأسنمة (قال: فاندفعنا)
أي سرنا مسرعين (فقلت لأصحابي أتينا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم
يرسل إلينا فحملنا) بفتحات (نسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه والله لئن تغفلنا) بسكون اللام
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) أي
أخذنا منه ما أعطانا في حال غفلته عن يمينه من غير أن
نذكره بها (لا نفلح أبدًا ارجعوا بنا إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلنذكره) بسكون اللام
والجزم (يمينه فرجعنا) إليه (فقلنا: يا رسول الله أتيناك
نستحملك فحلفت أن لا تحملنا ثم حملتنا فظننا أو فعرفنا)
بالشك من الراوي (أنك نسيت يمينك) ولأبي يعلى من رواية مطر
عن زهدم فكرهنا أن تنسيكها فقال: والله إني ما نسيتها
وأخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه أبو يعلى ولم يسق منه
إلا
قوله قال والله ما نسيتها (قال: انطلقوا فإنما حملكم الله)
عز وجل فيه إزالة المنة عنهم وإضافة النعمة لمالكها الأصلي
ولم يرد أنه لا صنع له أصلاً فى حملهم لأنه لو أراد ذلك ما
قال: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي على
محلوف يمين كما مر فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة والمراد
ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه فهو من مجاز الاستعارة ويجوز
أن يكون فيه تضمين ففي النسائي إذا حلفت بيمين ورجح الأول
بقوله (فأرى غيرها خيرًا منها) لأن الضمير في غيرها لا يصح
عوده على اليمين. وأجيب: بأنه يعود على معناها المجازي
للملابسة أيضًا وقال: في النهاية الحلف هو اليمين فقوله
أحلف أي اعقد شيئًا بالعزم وقوله على يمين تأكيد لعقده
وإعلام بأنها ليست لغوًا. قال في شرح المشكاة: ويؤيده
رواية النسائي ما على الأرض يمين احلف عليها الحديث قال:
فقوله احلف عليها صفة مؤكدة لليمين قال: والمعنى لا أحلف
يمينًا جزمًا لا لغو فيها ثم يظهر لي أمر آخر يكون فعله
خيرًا من المضي في اليمين المذكور (إلا أتيت الذي هو
(9/419)
خير وتحللتها) أي كفرتها.
واختلف هل كفر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
يمينه المذكورة كما اختلف هل كفر في قصة حلفه على شرب
العسل أو على غشيان مارية فعن الحسن البصري أنه لم يكفر
أصلاً لأنه مغفور له وإنما نزلت كفارة اليمين تعليمًا
للأمة، وتعقب بحديث الترمذي عن عمر في قصة حلفه على العسل
أو مارية فعاتبه الله وجعل له كفارة يمين، وهذا ظاهر في
أنه كفر وإن كان ليس نصًّا في ردّ ما ادعاه الحسن ودعوى أن
ذلك كله تشريع بعيدة، وفي تفسير القرطبي عن زيد بن أسلم
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفر بعتق رقبة،
وعن مقاتل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعتق
رقبة في تحريم مارية، وقد اختلف لفظ الحديث فقد لفظ
الكفارة مرة وأخرها أخرى لكن بحرف الواو الذي لا يوجب
ترتيبًا نعم ورد في بعض الطرق بلفظ ثم التي تقتضي الترتيب
عند أبي داود والنسائي في حديث الباب، ولفظ أبي داود من
طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن فكفر عن يمينك
ثم ائت الذي هو خير وفي حديث عائشة عند الحاكم بلفظ ثم،
وفي حديث أم سلمة عند الطبراني نحوه ولفظه فليكفر عن يمينه
ثم ليفعل الذي هو خير وإذا علم هذا فليعلم أن للكفارة ثلاث
حالات. إحداها: قبل الحلف فلا يجزئ اتفاقًا. ثانيتها: بعد
الحلف والحنث فتجزئ اتفاقًا. ثالثتها بعد الحلف وقيل الحنث
فاختلف فيها فقال مالك وسائر فقهاء الأمصار: إلا أبا حنيفة
تجزئ قبله، لكن استثنى الشافعي الصيام فقال لا يجزئ إلا
بعد الحنث لأن الصيام من حقوق الأبدان، ولا يجوز تقديمها
قبل وقتها كالصلاة بخلاف العتق والكسوة والإطعام فإنها من
حقوق الأموال فيجوز تقديمها كالزكاة واحتج للحنفية بأنها
لما لم تجب صارت كالتطوّع والتطوع لا يجزئ عن الواجب
وبقوله تعالى {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة: 89]
فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم وأجاب المخالفون بأن التقدير
فإذا أردتم الحنث والخلاف كما قال القاضي عياض مبني على أن
الكفارة لحل اليمين أو لتكفير مأثمها بالحنث فعند الجمهور
أنها رخصة شرعها الله لحل ما عقد من اليمين فلذلك تجزئ قبل
وبعد. نعم استحب مالك والشافعي تأخيرها.
والحديث مرّ في مواضع كثيرة كالخمس والمغازي والذبائح،
ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في التوحيد.
(تابعه) أي تابع إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية
(حماد بن زيد) فيما وصله المؤلّف في فرض الخمس (عن أيوب)
السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (والقاسم
بن عاصم الكليبي) بضم الكاف وفتح اللام قال: في الفتح وهذه
المتابعة وقعت في الرواية عن القاسم فقط، ولكن زاد حماد
ذكر أبي قلابة مضمومًا إلى القاسم قال: والبخاري لم يدرك
حمادًا فالحديث من المعلقات.
0000 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ
وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب)
بن عبد المجيد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) الجرمي
(والقاسم التيمي عن زهدم بهذا) الحديث السابق.
0000 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
زَهْدَمٍ بِهَذَا.
(حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة
قال: (حدّثنا عبد الوارث) قال: (حدّثنا أيوب) السختياني
(عن القاسم) التيمي (عن زهدم بهذا) الحديث أيضًا.
6722 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْأَلِ
الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ
مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ
مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى
يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ
الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ، عَنْ يَمِينِكَ».
تَابَعَهُ أَشْهَلُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. وَتَابَعَهُ
يُونُسُ وَسِمَاكُ بْنُ عَطِيَّةَ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ،
وَحُمَيْدٌ وَقَتَادَةُ، وَمَنْصُورٌ وَهِشَامٌ،
وَالرَّبِيعُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن عبد
الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن
ذؤيب الذهلي النيسابوري الحافظ المشهور قال: (حدّثنا عثمان
بن عمر بن فارس) بضم عين عمر البصري قال: (أخبرنا ابن عون)
عبد الله (عن الحسن) البصري (عن عبد الرَّحمن بن سمرة)
بفتح المهملة وضم الميم القرشي سكن البصرة ومات بالكوفة
-رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تسأل الإمارة) بكسر الهمزة الإمرة (فإنك إن أعطيتها)
بضم الهمزة (عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة
وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف مخففة وضم همزة
أعطيتها وأعنت أي وكلت إلى نفسك وعجزت (وإذا حلفت على
يمين) محلوف يمين (فرأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير
وكفر عن يمينك).
والحديث سبق
(9/420)
في أول كتاب الأيمان والنذور.
(تابعه) أي تابع عثمان بن عمر فيما وصله أبو عوانة والحاكم
والبيهقي (أشهل) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح
الهاء وبعدها لام الجمحي مولاهم أبو عمرو وقيل أبو حاتم
مصري ولأبي ذر أشهل بن حاتم (عن ابن عون) عبد الله
(وتابعه) أي تابع عبد الله بن عون (يونس) بن عبيد بن دينار
العبدي البصري مما وصله المؤلّف في كتاب الأحكام في باب من
سأل الإمارة وكل إليها (وسماك بن عطية) بكسر السين المهملة
وتخفيف الميم وبعد الألف كاف ابن عطية المربدي من أهل
البصرة مما وصله مسلم (وسماك بن حرب) أبو المغيرة الكوني
مما وصله عبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته والطبراني
في الكبير (وحميد) بضم الحاء ابن أبي حميد الطويل مما وصله
مسلم (وقتادة) بن دعامة مما وصله مسلم (ومنصور) هو ابن
المعتمر مما وصله مسلم أيضًا (وهشام) هو ابن حسان القردوسي
مما وصله أبو نعيم في مستخرج مسلم (والربيع) هو ابن مسلم
الجمحي البصري كما جزم به الدمياطي. وقال ابن حجر الحافظ:
والذي يغلب على ظني أنه صبيح ثم ذكر عدة أحاديث من طرق تدل
له ووقع في نسخة من رواية أبي ذر وهو مكتوب في فرع
اليونينية، وحميد عن قتادة وهو خطأ والصواب وحميد وقتادة
بالواو كما سبق. |