شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
85 - كتاب الفرائض
(كتاب الفرائض) أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى
مفروضة أي مقدرة لما فيها من السهام المقدّرة فغلبت على
غيرها، والفرض لغة التقدير وشرعًا هنا نصيب مقدّر شرعًا
للوارث، ثم قيل للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض والعالم
به فرضي، وفي الحديث أفرضكم زيد أي أعلمكم بهذا النوع،
وعلم الفرائض كما نقل عن أصحاب الشافعي ينقسم إلى ثلاثة
علوم. علم الفتوى وعلم النسب وعلم الحساب والأنصباء
المقدرة في كتاب الله تعالى ستة النصف ونصفه ونصف نصفه
والثلثان ونصفه ونصف نصفه.
1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ
اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ
وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ
لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ
إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ
تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً
مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا *
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ
لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ
رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ
أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِى
الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ
غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَلِيمٌ} [النساء الآيتان: 11 - 12].
(باب قول الله تعالى: {يوصيكم الله}) يعهد إليكم ويأمركم
({في أولادكم}) في شأن ميراثهم وهذا إجمال تفصيله ({للذكر
مثل حظ الأنثيين}) أي للذكر مهم أي من أولادكم فحذف
الراجع إليه لأنه مفهوم كقوله السمن منوان بدرهم وبدأ بذكر
ميراث الأولاد لأن تعلق الإنسان بولده أشد التعلقات وبدأ
بحظ الذكر، ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر، أو للأنثى نصف
حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك ولأنهم كانوا يورثون
المذكور دون الإِناث وهو السبب لورود الآية فقيل كفى
المذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يتمادى في حظهم حتى
يحرمن مع إدلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به والمراد به
حال الاجتماع أي إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان
كما أن لهما سهمين، وأما في حال الانفراد فالابن يأخذ
المال كله والبنتان يأخذان الثلثين والدليل عليه أنه اتبعه
حكم الانفراد بقوله ({فإن كن نساء}) أي فإن كانت الأولاد
نساء خلصًا يعني بنات ليس معهن ابن ({فوق اثنتين}) خبر ثان
لكان أو صفة لنساء أي نساء زائدات على ثنتين ({فلهن ثلثا
ما ترك}) أي الميت ({وإن كانت واحدة فلها النصف}) أي وإن
كانت المولودة منفردة. وفي الآية دلالة على أن المال كله
للذكر إذا لم يكن معه أنثى لأنه جعل للذكر مثل حظ الأنثيين
وقد جعل للأنثى النصف إذا كانت منفردة فعلم أن للذكر في
حال الانفراد ضعف النصف وهو الكل والضمير في قوله
({ولأبويه}) للميت والمراد الأب والأم إلا أنه غلب المذكر
({لكل واحد منهما السدس}) بدل من أبويه بتكرير العامل
وفائدة هذا البدل أنه لو قيل ولأبويه السدس لكان ظاهره
اشتراكهما فيه ولو قيل ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين
عليهما على السوية وعلى خلافها، ولو قيل لكل واحد من أبويه
السدس لذهبت فائدة التأكيد وهو التفصيل بعد الإجمال والسدس
مبتدأ خبره لأبويه والبدل متوسط بينهما للبيان ({مما ترك
إن كان له ولد}) ذكر أو أنثى ({فإن لم يكن له ولد وورثه
أبواه فلأمه الثلث}) مما ترك والمعنى وورثه أبواه فحسب
لأنه إذا
(9/421)
ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما
يبقى بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك لأن الأب أقوى من
الأم في الإرث بدليل أن له ضعف حظها إذا خلصا فلو ضرب لها
الثلث كاملاً لأدّى إلى حط نصيبه عن نصيبها فإن امرأة لو
تركت زوجًا وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي
للأب حازت الأم سهمين والأب سهمًا واحدًا فينقلب الحكم إلى
أن يكون للأنثى مثل حظ المذكرين ({فإن كان له}) أي للميت
({إخوة فلأمه السدس}) إخوة: أعم من أن يكونوا ذكورًا أو
إناثًا أو بعضهم ذكورًا وبعضهم إناثًا فهو من باب التغليب
والجمهور على أن الأخوة، وإن كان بلفظ الجمع يقعون على
الاثنين فيحجب الأخوان أيضًا الأم من الثلث إلى السدس
خلافًا لابن عباس ولا يحجب الأخ الواحد ({من بعد وصية})
متعلق بما سبق من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وحده
كأنه قيل قسمة هذه الأنصباء من بعد وصية ({يوصي بها أو
دين}). واستشكل بأن الدين مقدم على الوصية في الشرع وقدمت
الوصية على الدين في التلاوة، وأجيب: بأن أو لا تدل على
الترتيب فتقدير من بعد وصية يوصي بها أو دين من بعد أحد
هذين الشيئين الوصية أو الدين ولما كانت الوصية تشبه
الميراث لأنها صلة بلا عوض فكان إخراجها مما يشق على
الورثة، وكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين قدمت على
الدين ليسارعوا إلى إخراجها مع الدين.
({آباؤكم}) مبتدأ ({وأبناؤكم}) عطف عليه والخبر ({لا
تدرون}) وقوله ({أيهم}) مبتدأ خبره ({أقرب لكم}) والجملة
نصب بتدرون ({نفعًا}) تمييز والمعنى فرض الله الفرائض على
ما هو عنده حكمة ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم
أنفع فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة والتفاوت في السهام
بتفاوت المنافع، وأنتم لا تدرون تفاوتها فتولى الله ذلك
فضلاً منه ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة
المقادير، والجملة اعتراض مؤكدة لا موضع لها من الإعراب
({فريضة}) نصب نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضًا ({من
الله إن الله كان عليمًا}) بالأشياء قبل خلقها ({حكيمًا})
في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها. ({ولكم نصف ما ترك
أزواجكم}) أي زوجاتكم ({وإن لم يكن لهن ولد}) ابن أو بنت
({فإن كان لهن ولد}) منكم أو من غيركم ({فلكم الربع مما
تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم
إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم
من بعد وصية توصون بها أو دين}) والواحدة والجماعة سواء في
الربع والثمن جعل ميراث الزوج ضعف ميراث الزوجة لدلالة
قوله للذكر مثل حظ الأنثيين ({وإن كان رجل}) يعني الميت
({يورث}) أي يورث منه صفة لرجل ({كلالة}) خبر كان أي وإن
كان رجل موروث منه كلالة أو يورث خبر كان وكلالة حال من
الضمير في يورث والكلالة تطلق على من لم يخلف ولدًا ولا
والدًا وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين وهو في
الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوّة من الإعياء فكأنه
يصير الميراث للوارث من بعد إعيائه ({أو امرأة}) عطف على
رجل ({وله أخ أو أخت}) أي لأم ({فلكل واحد منهما السدس فإن
كانوا أكثر من ذلك}) من واحد ({فهم شركاء في الثلث}) لأنهم
يستحقون بقرابة الأم وهي لا ترث أكثر من الثلث، ولهذا لا
يفضل الذكر منهم على الأنثى ({من بعد وصية يوصي بها أو
دين}) وكرّرت الوصية لاختلاف الموصين فالأول الوالدان
والأولاد والثاني الزوجة والثالث الزوج والرابع الكلالة
({غير مضار}) حال أي يوصي بها وهو غير مضار لورثته وذلك
بأن يوصي زيادة على الثلث أو لوارث ({وصية من الله}) مصدر
مؤكد أي يوصيكم بذلك وصية ({والله عليم}) بمن جار أو عدل
في وصيته ({حليم}) [النساء: 11 - 12] على الجائر لا يعاجله
بالعقوبة وسقط في رواية أبي ذر من قوله للذكر الخ وقال:
بعد قوله {في أولادكم} إلى قوله {وصية من الله والله عليم
حليم}.
6723 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ:
مَرِضْتُ فَعَادَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ،
فَأَتَانِى وَقَدْ أُغْمِىَ عَلَىَّ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَبَّ
عَلَىَّ وَضُوءَهُ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى كَيْفَ أَقْضِى فِى
مَالِى؟ فَلَمْ يُجِبْنِى بِشَىْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ
الْمَوَارِيثِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن المنكدر). الهدير
التيمي المدني الحافظ أنه (سمع) ولأبي ذر عن الحموي
(9/422)
والمستملي قال:
سمعت (جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنهما- (يقول:
مرضت فعادني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبو
بكر) -رضي الله عنه- (وهما ماشيان) الواو فيه للحال
(فأتاني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر عن
الكشميهني فأتياني أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبو بكر (وقد أغمي عليّ) بتشديد الياء (فتوضأ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصبّ عليّ)
بتشديد الياء (وضوءه) بفتح الواو أي ماء وضوئه (فأفقت) من
إغمائي (فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضي)
بفتح الهمزة وكسر الضاد المعجمة (في مالي فلم يجبني بشيء
حتى نزلت آية المواريث) بالجمع ولأبي ذر الميراث بالإفراد
وهي {يوصيكم الله في أولادكم} إلى الآخر وزاد مسلم عن عمرو
الناقد عن سفيان بن عيينة في آخر الحديث {يستفتونك قل الله
يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] وهذه الزيادة مدرجة في
الحديث. وحديث الباب سبق في الطب.
2 - باب تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ
عَامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ، يَعْنِى
الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ
(باب تعليم الفرائض: وقال عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله
عنه-: (تعلموا) أي العلم فيدخل فيه علم الفرائض (قبل
الظانين يعني الذين يتكلمون بالظن) ويحتمل أن يكون مراد
عقبة بقوله: تعلموا علم الفرائض المخصوص لشدة الاهتمام به،
وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: تعلموا
الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض
حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما.
أخره أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم، وعند الترمذي
من حديث أبي هريرة: تعلموا الفرائض فإنها نصف العلم وأنه
أول ما ينزع من أمتي، قيل لأن للإنسان حالتين حالة حياة
وحالة موت والفرائض تتعلق بأحكام الموت.
6724 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ
فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا
وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري ويقال
له التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن
خالد البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه)
طاوس اليماني (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إياكم والظن) أي احذروا الظن المنهي عنه الذي لا يستند
إلى أصل أو الظن السوء بالمسلمين لا ما يتعلق بالأحكام
(فإن الظن أكذب الحديث).
واستشكل بأن الكذب لا يقبل الزيادة والنقصان فكيف عبر
بأفعل التفضيل؟ وأجيب: بأن معناه الظن أكثر كذبًا من سائر
الأحاديث. فإن قلت: الظن ليس بحديث أجيب: بأنه حديث نفساني
والمعنى الحديث الذي منشؤه الظن أكثر كذبًا من غيره.
(ولا تحسسوا) بالحاء المهملة (ولا تجسسوا) بالجيم ما تطلبه
لغيرك والأول ما تطلبه لنفسك أو بالجيم البحث عن بواطن
الأمور وأكثر ما يقال في الشر أو بالجيم في الخير وبالحاء
في الشر أو معناهما واحد وهو تطلب الأخبار (ولا تباغضوا
ولا تدابروا) بحذف إحدى التاءين فيهما أي لا تقاطعوا ولا
تهاجروا (وكونوا عباد الله إخوانًا).
ومطابقة هذا الحديث لأثر عقبة ظاهرة، والحديث سبق في باب
لا يخطب على خطبة أخيه من كتاب النكاح.
3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا
نورث) أي معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) ما موصول وتركنا
صلته وصدقة بالرفع خبر ما أو يقدر فيه هو أي الذي تركناه
هو صدقة.
6725 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ
فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -
أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا مِنْ فَدَكَ
وَسَهْمَهُمَا مِنْ خَيْبَرَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
هشام) هو ابن يوسف اليماني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) بفتح
الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد
بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها-
(أن فاطمة) الزهراء البتول (والعباس) بن عبد المطلب
(عليهما السلام أتيا أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- بعد
وفاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(يلتمسان) يطلبان منه (ميراثهما من رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهما حينئذٍ يطلبان) منه
(أرضيهما من فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بالصرف وعدمه
بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل (وسهمهما) ولأبي ذر عن
الكشميهني وسهمه بالإفراد (من خيبر) بعدم الصرف مما ترك
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
6726 - فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ
آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
وَاللَّهِ لاَ أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُهُ فِيهِ
إِلاَّ صَنَعْتُهُ قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ
تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ.
(فقال لهما أبو بكر) -رضي الله عنه-:
(9/423)
(سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول: لا نورث) بضم النون وفتح الراء مخففة
وعند النسائي من حديث الزبير إنّا معاشر الأنبياء لا نورث
(ما تركنا صدقة) بالرفع خبر ما الموصول كما مرّ وجوّز
بعضهم النصب، وفيه بحث سبق في الخمس فلا نطيل به فليراجع،
وفي العلل للدارقطني من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها
السلام عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: الأنبياء لا
يورثون والحكمة في أن لا يورثوا أن الله بعثهم مبلغين
رسالته
وأمرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجرًا قال تعالى {قل لا
أسألكم عليه أجرًا} [الأنعام: 90] وقال نوح وهود وغيرهما
نحو ذلك فكانت الحكمة أن لا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا
المال لوارثهم، وأما قوله تعالى {وورث سليمان داود}
[النمل: 16] فحملوه على العلم والحكمة وكذا قول زكريا فهب
لي من لدنك وليًّا يرثني (إنما يأكل آل محمد) عليه الصلاة
والسلام (من) بعض (هذا المال) بقدر حاجتهم وما بقي منه
للمصالح وليس المراد أنهم لا يأكلون إلا منه ومن للتبعيض.
(قال أبو بكر: والله لا أدع) لا أترك (أمرًا رأيت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنعه فيه) في
المال (إلا صنعته. قال: فهجرته فاطمة) -رضي الله عنها- أي
هجرت أبا بكر -رضي الله عنه- (فلم تكلمه حتى ماتت) قريبًا
من ذلك بنحو ستة أشهر وليس المراد الهجران المحرّم من ترك
السلام ونحوه، بل المراد أنها انقبضت عن لقائه قاله في
الكواكب.
والحديث سبق في الخمس.
6727 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ،
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة والموحدة
المخففة وبعد الألف نون أبو إسحاق الوراق الأزدي قال:
(أخبرنا ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن يونس) بن يزيد
الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن
عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث ما تركنا) هو (صدقة). قال ابن المنير في الحاشية:
يستفاد منه أن من قال: داري مثلاً صدقة لا تورث أنها تكون
حبسًا ولا يحتاج إلى التصريح بالوقف والحبس قال في الفتح:
وهو حسن لكن هل يكون ذلك صريحًا أو كناية يحتاج إلى نيّة.
6728 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِى
مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ
عَلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى
أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ
فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ
ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ
بَيْنِى وَبَيْنَ هَذَا؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ
الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا
صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ فَقَالَ الرَّهْطُ: قَدْ
قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ
فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ
قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّى أُحَدِّثُكُمْ عَنْ
هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَا الْفَىْءِ
بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ عَزَّ
وَجَلَّ: {مَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} -إِلَى قَوْلِهِ-
{قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللَّهِ
مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا
عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهُ وَبَثَّهَا فِيكُمْ
حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى
أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ
يَأْخُذُ مَا بَقِىَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ،
فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ
هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ
لِعَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ
تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. فَتَوَفَّى اللَّهُ
نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضَهَا، فَعَمِلَ بِمَا
عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ:
أَنَا وَلِىُّ وَلِىِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ
فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِى
وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ
جِئْتَنِى تَسْأَلُنِى نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ
وَأَتَانِى هَذَا يَسْأَلُنِى نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ
أَبِيهَا فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا
إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّى قَضَاءً
غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ
السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِى فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ
ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا
فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ونسبه
لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد
الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني)
بالإفراد (مالك بن يوسف بن الحدثان) بفتح الحاء والدال
المهملتين والمثلثة قال ابن شهاب (وكان محمد بن جبير بن
مطعم ذكر لي ذكرًا من حديثه) أي من حديث مالك بن أوس (ذلك)
الآتي ذكره (فانطلقت حتى دخلت عليه) أي على مالك بن أوس
حتى أسمع منه بلا واسطة (فسألته) عن ذلك الحديث (فقال:
انطلقت حتى ادخل على عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فأتاه
حاجبه يرفى) بفتح الياء التحتية وسكون الراء وفتح الفاء
بعدها تحتية خطأ، ولأبي ذر بالألف بدل التحتية بغير همز في
الفرع كأصله. وقال العيني كالكرماني بالهمز وغيره، وقال
الحافظ ابن حجر: وبالهمز روايتنا من طريق أبي ذر (فقال)
له: (هل لك) رغبة (في) دخول (عثمان) بن عفان عليك (وعبد
الرَّحمن) بن عوف (والزبير) بن العوّام (وسعد) بسكون العين
ابن أبي وقاص وزاد النسائي على الأربعة طلحة بن عبيد الله
(قال: نعم فأذن لهم) فدخلوا فسلموا وجلسوا (ثم قال): يرفى
لعمر -رضي الله عنه- (هل لك) رغبة (في علي) أي ابن أبي
طالب (وعباس)؟ أي ابن عبد المطلب (قال: نعم) فأذن لهما
فدخلا فسلما فجلسا (قال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقض
بيني وبين هذا) أي عليّ زاد في الخمس وهما يختصمان فيما
أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين
اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر (قال) عمر: (أنشدكم) بفتح
الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألكم (بالله الذي بإذنه
تقوم السماء) فوق رؤوسكم بلا محمد (والأرض) على الماء تحت
أقدامكم (هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث ما تركنا صدقة)
(9/424)
بالرفع خبر الموصول (يريد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) الزكية وكذا
غيره لقوله في الحديث الآخر "إنّا معاشر الأنبياء لا نورث"
فليس ذلك من الخصائص، وقيل إن قول عمر يريد نفسه أشار به
إلى أن النون في قوله: لا نورث للمتكلم خاصة لا للجميع،
وحكى ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن أكثر على
أن الأنبياء لا يورثون. وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن
أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن زكريا {وإني
خفت الموالي} [مريم: 5] قال: العصبة. وفي قوله {فهب لي من
لدنك وليًّا يرثني} [مريم: 6] قال يرث مالي ويرث من آل
يعقوب النبوّة. ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر
المال، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن رفعه مرسلاً رحم
الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله فيكون ذلك مما خصه
الله به، ويؤيده قول عمر يريد نفسه أي يريد اختصاصه بذلك.
(فقال الرهط) عثمان وأصحابه (قد قال) عليه الصلاة والسلام
(ذلك فأقبل) عمر -رضي الله عنه- (على عليّ وعباس) -رضي
الله عنهما- (فقال: هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك). أي لا نورث ما تركنا
صدقة. (قالا: قد قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(ذلك. قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله) تعالى
(قد كان خص رسوله) ولأبي ذر قد خص لرسوله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الفيء) أي الغنيمة (بشيء لم
يعطه أحدًا غيره) حيث خصصه كله به أو حيث حلل له الغنيمة
ولم تحل لغيره من الأنبياء (فقال عز وجل {ما أفاء الله على
رسوله}) إلى قوله ({قدير}) [الحشر: 6] (فكانت) بنو النضير
وخيبر وفدك (خالصة) ولأبي ذر عن الحموي خاصة (لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد فيها
غيره (والله) ولأبي ذر ووالله (ما احتازها) بحاء مهملة
وزاي مفتوحة من الحيازة ما جمعها (دونكم ولا استأثر) ما
تفرد (بها عليكم لقد أعطاكموه) أي الفيء ولأبي ذر عن
الكشميهني أعطاكموها أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة
والمثلثة المفتوحتين فرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال)
الذي تطلبان حصتكما منه (فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته
ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) بفتح الميم والعين بينهما جيم
ساكنة أي يصرفه مصرف (مال الله) أي مما هو في جهة مصالح
المسلمين (فعمل بذاك) بغير لام ولأبي ذر فعمل بذلك (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياته أنشدكم
بالله) بحرف الجر (هل تعلمون ذلك؟ قالوا) أي عثمان
وأصحابه: (نعم) نعلمه.
(ثم قال) عمر: (لعليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (أنشدكما
بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم) قال عمر: (فتوفى الله) عز
وجل (نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو
بكر) -رضي الله عنه-: (أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها) أي الخالصة (فعمل) فيها (بما
عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فيها (ثم توفى الله) عز وجل (أبا بكر فقلت: أنا وليّ وليّ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي
ذر وليّ الثانية (فقبضتها سنتين أعمل فيها ما) بغير موحدة
(عمل) فيها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (ثم جئتماني وكلمتكما
واحدة) متفقان لا نزاع بينكما (وأمركما جميع. جئتني) يا
عباس (تسألني نصيبك من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (وأتاني هذا) عليّ (يسألني نصيب امرأته) فاطمة
-رضي الله عنها- (من أبيها) صلوات الله وسلامه
عليه (فقلت) لكما (إن شئتما دفعتهما إليكما بذلك) أي بأن
تعملا فيها كما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبو بكر (فتلتسمان) بحذف أداة الاستفهام أي
أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي) ولأبي ذر عن
الكشميهني فوالذي (بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها
قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما) عنها (فادفعاها
إليّ) بتشديد الياء (فأنا كفيكماها) بفتح الهمزة.
فإن قلت: إذا كان عليّ وعباس أخذاها على الشرط المذكور
فيكف يطلبان بعد ذلك من عمر؟ أجيب: بأنهما اعتقدا أن عموم
قوله
(9/425)
لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه، وأما
مخاصمتها فلم تكن في الميراث بل طلبا أن تقسم بينهما
ليستقل كل منهما بالتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر لأن
القسمة إنما تقع في الاملاك، وربما تطاول الزمان فيظن أنه
ملكهما قاله الكرماني، وسبق مزيد لذلك في فرض الخمس.
6729 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ
أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا
مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِى وَمُؤْنَةِ
عَامِلِى فَهْوَ صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان
(عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي
الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(لا يقتسم) بتحتية ثم فوقية مفتوحتين بينهما قاف ساكنة
ولأبي ذر عن الكشميهني لا يقسم بإسقاط الفوقية (ورثتي
دينارًا) ولا غيره وميم يقتسم على الروايتين رفع خبر أي
ليس يقسم ورواه بعضهم بالجزم كأنه نهاهم أن خلف شيئًا لا
يقسم بعده فلا تعارض بين هذا وبين ما تقدم في الوصايا من
حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينارًا ولا درهمًا ويحتمل أن
يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين ويستفاد من
غيرهما لا يقسم أيضًا بطريق الإرث بل تقسم منافعه لمن ذكر
وقوله: ورثتي أي بالقوّة أي لو كنت ممن يورث، أو المراد لا
يقسم مال تركه لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون الحكم
معللاً بما به الاشتقاق وهو الإرث فالمنفي اقتسامهم بالإرث
عنه قاله الشيخ تقي الدين السبكي (ما تركت بعد نفقة نسائي)
قال السبكي: ويدخل فيه كسوتهن وسائر اللوازم أي كالمساكن
(ومؤونة عاملي) على الصدقات أو الخليفة بعدي أو الناظر في
الصدقات أو حافر قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فهو) أي المتروك بعدما ذكر (صدقة) والصدقة لا تحل لآله.
فإن قلت: ما وجه تخصيص النساء بالنفقة والمؤونة بالعمال
وهل بينهما فرق؟ أجاب الشيخ تقي الدين السبكي كما في
الفتح: بأن المؤونة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بذل
القوت قال: وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤونة والسرّ في
التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما
اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بدّ لهن من القوت
فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير
فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه اهـ ملخصًا.
والحديث سبق في الوصايا والخمس.
6730 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّىَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ
يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة)
بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن أزواج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أردن أن يبعثن عثمان)
بن عفان (إلى أبي بكر) -رضي الله عنه- (يسألنه ميراثهن) أي
من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت
عائشة: أليس قال) ولأبي ذر قد قال: (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نورث ما تركنا صدقة)
بالرفع كما مرّ، وقيل إن الحكمة في كونه لا يورث حسم
المادة في تمني الوارث موت المورث من أجل المال، وقيل لكون
النبي كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهو معنى الصدقة
العامة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج
والنسائي في الفرائض.
4 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من
ترك مالاً فلأهله).
6731 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى
أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -،
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ
يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ
مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال:
(أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد
الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي أحق بهم في كل شيء من
أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها (فمن مات)
منهم (وعليه دين) الواو للحال (ولم يترك) له (وفاء) أي ما
يفي بدينه (فعلينا قضاؤه). وهل هذا من خصائصه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(9/426)
أو يجب على ولاة الأمر بعده الراجح
الاستمرار، لكن وجوب الوفاء إنما هو من مال المصالح. قال
ابن بطال: فإن لم يعط الإمام عنه
من بيت المال لم يحبس عن دخول الجنة لأنه يستحق القدر الذي
عليه في بيت المال إلا إن كان دينه أكثر من القدر الذي في
بيت المال مثلاً (ومن ترك مالاً فلورثته) وهذا بالإجماع
ولأبي ذر عن الكشميهني فهو لورثته.
والحديث أخرجه مسلم أيضًا في الفرائض.
5 - باب مِيرَاثِ الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِذَا تَرَكَ رَجُلٌ أَوِ
امْرَأَةٌ بِنْتًا فَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَتَا
اثْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَإِنْ
كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِئَ بِمَنْ شَرِكَهُمْ
فَيُؤْتَى فَرِيضَتَهُ فَمَا بَقِىَ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ.
(باب ميراث الولد) ذكرًا كان أو أنثى ولدًا أو ولد ولد وإن
سفل (من أبيه وأمه وقال زيد بن ثابت) الأنصاري المدني -رضي
الله عنه- مما وصله سعيد بن منصور: (إذا ترك رجل أو امرأة
بنتًا فلها) أي للبنت (النصف) مما ترك أو تركت (وإن كانتا
اثنتين أو أكثر فلهن) الثلاث فأكثر أو البنتين الثلثان
(وإن كان معهن) أي البنات أو البنتين أخ (ذكر) من أبيهن
فلا فريضة لأحد منهم و (بدئ) بضم الموحدة وكسر الدال
المهملة بعدها همزة (بمن شركهم) بفتح المعجمة وكسر الراء
مخففة أي بمن شرك البنات والذكر فغلب التذكير على التأنيث
ممن له فرض مسمى كالأب (فيؤتي) ولأبي ذر فيعطي (فريضته فما
بقي) بعد فرض الأب مثلاً (فللذكر) أي يقسم بين الابن
والبنات للذكر (مثل حظ الأنثيين).
6732 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلْحِقُوا
الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِىَ فَهْوَ لأَوْلَى
رَجُلٍ ذَكَرٍ». [الحديث 6732 - أطرافه في: 6735، 6737،
6746].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا
ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس اليماني (عن ابن عباس
-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ألحقوا) بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة (الفرائض) جمع
فريضة فعيلة بمعنى مفعولة وهي الأنصباء المقدّرة في كتاب
الله وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف
نصفهما كما مرّ (بأهلها) المستحقين لها بنص القرآن أي
أوجبوا الفرائض لأهلها واحكموا بها لهم وجاءت العبارة في
أعلى درجات الفصاحة وأسنى غايات البلاغة مع استعمال المجاز
فيها لأن المعنى نيطوها بهم وألصقوها بمستحقيها (فما)
شرطية في موضع رفع على الابتداء والخبر قوله (بقي فهو
لأولى) بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة والفاء جواب
الشرط ولأبي ذر عن الكشميهني فلأولى (رجل ذكر) أقرب في
النسب إلى المورث دون الأبعد والوصف بالمذكورة مع أن الرجل
لا يكون إلا ذكرًا
للتوكيد، وتعقب بأن العرب إنما تؤكد حيث يفيد فائدة أما
تعيين المعنى في النفس وأما رفع توهم المجاز، وليس موجودًا
هنا وقيل هذا التوكيد لمتعلق الحكم وهو المذكورة لأن الرجل
قد يراد به معنى النجدة والقوّة في الأمر، فقد حكى سيبويه:
مررت برجل رجل أبوه فلذا احتاج الكلام لزيادة التوكيد بذكر
حتى لا يظن أن المراد به خصوص البالغ أو المراد به
الاحتراز عن الخنثى، وتعقب بأنه لا يخرج عن كونه ذكرًا أو
أنثى أو للتنبيه على أن الرجولية ليست هي المعتبرة بل مطلق
المذكورة حتى يدخل الصغير قاله في أساس البلاغة، أو
للتنبيه على سبب الاستحقاق بالعصوبة، والترجيح في الإرث
بكون الذكر له مثل حظ الأنثيين لأن الرجال تلحقهم مؤن
كثيرة بالقتال والقيام بالضيفان والعيال ونحو ذلك أو
للتنبيه على نفي توهم اشتراك الأنثى ولا يخفى بعده أو أنه
خرج مخرج الغالب ولا يخفى فساده لأن الرجل ذكر لا أن
الغالب فيه المذكورة والحديث أخرجه مسلم في الفرائض أيضًا
وكذا أبو داود والترمذي والنسائي.
6 - باب مِيرَاثِ الْبَنَاتِ
(باب ميرات البنات).
6733 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ
بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ
بِمَكَّةَ مَرَضًا فَأَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ
فَأَتَانِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّ لِى مَالاً كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِى إِلاَّ
ابْنَتِى أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى؟ قَالَ:
«لاَ»، قَالَ: قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ:
الثُّلُثُ قَالَ: «الثُّلُثُ كَبِيرٌ إِنَّكَ إِنْ
تَرَكْتَ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ
تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ
لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى
اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِى امْرَأَتِكَ» فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِى فَقَالَ:
«لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِى فَتَعْمَلَ عَمَلاً تُرِيدُ بِهِ
وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً
وَدَرَجَةً، وَلَعَلَّ أَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِى حَتَّى
يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ،
لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ» يَرْثِى لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
مَاتَ بِمَكَّةَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن
مسلم قال: (أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد بن أبي وقاص)
بسكون عين سعد (عن أبيه) سعد -رضي الله عنه- أنه (قال:
مرضت بمكة مرضًا فأشفيت) بهمزة قطع مفتوحة وسكون المعجمة
بعدها فاء أي فأشرفت (منه على الموت فأتاني النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في عام حجة الوداع أو عام
الفتح حال كونه (يعودني) مضارع عاد المريض إذا زاره (فقلت)
له: (يا رسول الله إن لي مالاً كثيرًا) بالمثلثة
(9/427)
(وليس يرثني إلا ابنتي) أم الحكم الكبرى
والحصر هنا حصر خاص فقد كان له ورثة بالتعصيب من بني عمه
فالتقدير ولا يرثني بالفرض إلا ابنتي فإن كان له زوجة،
فالتقدير ولا
يرثني من الأولاد إلا ابنتي (أفأتصدق بثلثي مالي)؟ الهمزة
للاستفهام والفعل معها مستفهم عنه والفاء عاطفة وكان حقها
أن تتقدم فعارضها الاستفهام وله صدر الكلام ومبحثه سبق في
أوائل هذا الشرح في أو مخرجيّ هم وبثلثي يتعلق بأتصدّق
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا) حرف جواب وهي بمعناها تسدّ مسدّ الجملة أي لا تتصدق
بكل الثلثين (قال) سعد: (قلت) يا رسول الله (فالشطر)؟
بالرفع لأبي ذر على الابتداء والخبر محذوف أي فالشطر أتصدق
به وبالجر كما في الفرع كأصله عطفًا على قوله بثلثي وقال
ابن فرحون كما في قوله خير من جواب كيف أصبحت وفي الحديث
صلاة الرجل في الجماعة، وفي رواية جماعة تضعف على صلاته في
بيته خمس وعشرين ضعفًا أي بخمس وعشرين، وفيه أيضًا أن لي
جارين إلى من أهدي فقال أقربهما منك بابًا أي إلى أقربهما،
وضبطه الزمخشري في الفائق بالنصب بفعل مضمر أي أوجب الشطر،
وقال السهيلي في أماليه: الخفض أظهر من النصب لأن النصب
بإضمار فعل والخفض مردود على قوله بثلثي، وقال في العدة
ولو روي بالنصب صح بتقدير أفأتصدق بالشطر ثم حذف حرف الجرّ
والمراد بالشطر النصف (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لا قلت: الثلث)؟ بالرفع أو الجرّ كما مر
ويجوز النصب لكن المرجع الرواية (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الثلث كبير) بالموحدة أجره (إنك)
بكسر الهمزة على الاستئناف والجملة معلل بها كما في قوله
تعالى {إن النفس لأمّارة بالسوء} [يوسف: 53] يجوز الفتح
بتقدير حرف الجر أي لأنك (إن تركت ولدك أغنياء خير من أن
تتركهم عالة) بتخفيف اللام فقراء (يتكففون الناس) يسألونهم
بأكفهم، وهمزة إن تركت مكسورة على الشرطية وجزاء الشرط
قوله خير أي فهو خير فيكون قد حذف المبتدأ مقرونًا بالفاء
وأبقى الخبر (وإنك لن تنفق نفقة) بمعنى منفقًا اسم مفعول
كالخلق بمعنى المخلوق وزاد في رواية تبتغي بها وجه الله أي
ثوابه (إلا أجرت عليها) بضم الهمزة وكسر الجيم فعل ماض
مبني لما لم يسم فاعله (حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك)
تؤجر عليها (فقلت: يا رسول الله أخلف) بحذف همزة الاستفهام
أي أأبقى بمكة متخلفًا (عن هجرتي) قاله إشفاقًا من موته
بمكة بعد أن هاجر منها وتركها لله فخاف أن يقدح ذلك في
هجرته أو في ثوابها أو خاف من مجرّد تخلفه عن أصحابه بسبب
مرضه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لن
تخلف بعدي فتعمل عملاً تريد به وجه الله) عز وجل (إلا
ازددت به رفعة ودرجة) فتعمل منصوب عطفًا على تخلف. ويجوز
أن يكون منصوبًا بإضمار أن في جواب النفي لأن الفاء فيها
معنى السببية، فالتقدير أنك إن تخلف يكن ذلك التخلف سببًا
لفعل خير وهو زيادة الرفعة والدرجة ويحسن ذلك مع تقدير
الشرط ويجوز أن يكون في الكلام شرط مقدر لأنه لما سأل فقال
أأخلف فتبطل هجرتي قال له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إنك إن تخلف بسبب المرض ويكون علمًا من أعلام
النبوة ثم حذف إن تخلف وعطف عليه فتعمل عملاً تريد به وجه
الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ويدل على هذا الحذف قوله
(ولعل) ولأبي ذر ولعلك (أن تخلف بعدي) بأن يطول عمرك (حتى)
حرف غاية ونصب أي إلى أن (ينتفع بك أقوام) بفتح التحتية
وكسر الفاء (ويضرّ بك آخرون) بضم التحتية وفتح الضاد
المعجمة، وقوله: ولعل وإن كانت هنا بمعنى عسى لكن وقع ذلك
يقينًا علم من أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فإن سعدًا
-رضي الله عنه- عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة حتى فتح
العراق وغيره وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به
الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وسبيت نساؤهم
وأولادهم وغنمت أموالهم. قال الزهري فيما رواه أبو داود
والطيالسي عن إبراهيم بن سعد عنه (لكن) ولأبي ذر ولكن
(البائس) الشديد الفقر والحاجة
(9/428)
(سعد بن خولة) والبائس مبتدأ وسعد بدل منه
أو عطف بيان وابن خولة صفة لسعد وخبر المبتدأ محذوف أن
أتوجع له أو يغفر الله له، ثم فسر الراوي ما حذفه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (يرثي له رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح التحتية
وسكون الراء وكسر المثلثة من يرثي له (أن مات بمكة) بفتح
الهمزة وأن معمولة ليرثي على أن المحل مجرور بلام التعليل
أي لأجل موته بالأرض التي هاجر منها فهو مفعول له.
(قال سفيان: وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي) هاجر
إلى الحبشة الهجرة الثانية بدري توفي بمكة في حجة الوداع
في الأصح والحديث سبق في الجنائز.
6734 - حَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ،
عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَتَانَا مُعَاذُ
بْنُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ مُعَلِّمًا وَأَمِيرًا،
فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّىَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ
وَأُخْتَهُ فَأَعْطَى الاِبْنَةَ النِّصْفَ وَالأُخْتَ
النِّصْفَ. [الحديث 6734 - طرف في: 6741].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع لأبي ذر ولغيره بالإفراد (محمود)
ولأبي ذر محمود بن غيلان المروزي قال: (حدّثنا أبو النضر)
بالضاد المعجمة هاشم التميمي الملقب بقيصر قال: (حدّثنا
أبو معاوية شيبان) بالشين المعجمة ابن عبد الرَّحمن النحوي
المؤدّب التميمي مولاهم البصري (عن أشعث) بالشين المعجمة
والعين المهملة والمثلثة ابن أبي الشعثاء (عن الأسود بن
يزيد) بن قيس النخعي أنه (قال: أتانا معاذ بن جبل) -رضي
الله عنه- (باليمن معلمًا) بكسر اللام (وأميرًا فسألناه عن
رجل توفي وترك ابنته وأخته فأعطى الابنة النصف والأخت
النصف) وهذا إجماع من العلماء وهو نص القرآن.
والحديث أخرجه أبو داود في الفرائض.
7 - باب مِيرَاثِ ابْنِ الاِبْنِ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنٌ
وَقَالَ زَيْدٌ: وَلَدُ الأَبْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ
الْوَلَدِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ ذَكَرُهُمْ
كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ يَرِثُونَ
كَمَا يَرِثُونَ، وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ وَلاَ
يَرِثُ وَلَدُ الاِبْنِ مَعَ الاِبْنِ.
(باب) بيان (ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن) للميت.
(وقال): سقطت الواو لأبي ذر (زيد) هو ابن ثابت الأنصاري
مما وصله سعيد بن منصور (ولد الأبناء بمنزلة الولد) للصلب
(إذا لم يكن دونهم) أي بينهم وبين الميت (ولد) للصلب (ذكر)
كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني واحترز به عن الأنثى
(ذكرهم) أي ذكر ولد الأبناء
(كذكرهم) كذكر (الأبناء وأنثاهم) أي وأنثى ولد الأبناء
(كأنثاهم) كأنثى الأبناء (يرثون) أولاد الأبناء (كما
يرثون) الأبناء (ويحجبون) من دونهم في الطبقة (كما يحجبون)
الأولاد من دونهم (ولا يرث ولد الابن مع الابن) تأكيد
لسابقه، فإن حجب ولد الابن مع الابن مفهوم من قوله: إذا لم
يكن دونهم الخ.
6735 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ
بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِىَ فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) أبو عمرو الفراهيدي
قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد بن عجلان البصري
قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن
عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألحقوا الفرائض بأهلها) أي أعطوها لهم فأعطوا كل ذي فرض
فرضه المسمى له في الكتاب والسنة (فما بقي) بعد الفرائض
(فلأولى رجل ذكر) أولى من الولي بسكون اللام وهو القرب أي
فما بقي فلأقرب أقارب الميت إذا كان ذلك الأقرب رجلاً
ذكرًا، وسبق ما فيه قريبًا. وقيل الوصف بالمذكورة إشعار
بأنها المعتبر في العصوبة لا الرجولية بمعنى البلوغ على ما
كان عليه أهل الجاهلية وعن بعض العلماء أن ذكر صفة أولى لا
صفة رجل والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال: هو لقريب
الميت ذكر من جهة رجل وصلب لا من جهة رحم وبطن، فالأولى من
حيث المعنى مضاف إلى الميت ومن حيث اللفظ مضاف إلى رجل،
وقد أشير بذكر الرجل إلى جهة الأولوية كما يقال هو أخوك
أخو الرخاء لا أخو الشدة، والمقصود نفي الميراث عن الأولى
الذي هو من جهة الأم كالخال فأفاد بوصف الأولى بذكر نفي
الميراث عن النساء بالعصوبة من الأوليين للميت من جهة
الصلب ذكره في المصابيح وهو ملخص من كلام السهيلي وتعقب
لما يطول ذكره.
والحديث سبق ذكره قريبًا والله الموفق والمعين.
قال العيني: وفائدة إعادته هنا الإشارة إلى أن ولد الأبناء
بمنزلة الولد وأنه روى هذا الحديث عن شيخين موسى بن
إسماعيل عن وهيب والآخر مسلم بن إبراهيم عن وهيب أيضًا.
8 - باب مِيرَاثِ ابْنَةِ ابْنٍ مَعَ ابْنَةٍ
(باب) بيان (ميراث ابنة ابن) ولأبي ذر ابنة الابن (مع)
وجود (ابنة) ولأبي ذر عن الكشميهني مع بنت.
6736 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
أَبُو قَيْسٍ، سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ قَالَ:
سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ
وَأُخْتٍ فَقَالَ: لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ
النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِى
فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِى
مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ
أَقْضِى فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ
ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِىَ
فَلِلأُخْتِ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ
بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لاَ تَسْأَلُونِى مَا
دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. [الحديث 6736 - طرفه في:
6742].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا أبو قيس) عبد الرَّحمن
(9/429)
بن ثروان بفتح المثلثة وسكون الراء بعدها
واو فألف فنون قال: (سمعت هزيل بن شرحبيل) بضم الهاء وفتح
الزاي وسكون التحتية بعدها لام وشرحبيل بضم الشين المعجمة
وفتح الراء بعدها حاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة فتحتية
ساكنة فلام الأودي الكوفي المخضرم (قال): ولأبي ذر يقول
(سئل) بضم السين (أبو موسى) الأشعري رضي الله تعالى عنه
(عن ابنة) ولأبي ذر عن بنت (وابنة ابن وأخت فقال) مجيبًا:
(للابنة) ولأبي ذر للبنت (النصف، وللأخت النصف، وائت ابن
مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- فسله وقال ذلك استثباتًا
(فسيتابعني) على ذلك قاله ظنًّا منه لأنه اجتهد في ذلك
(فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى) بضم سين سئل وضم
همزة أخبر مبنيين للمفعول (فقال) مجيبًا: (لقد ضللت إذًا)
إن قلت بحرمان بنت الابن (وما أنا من المهتدين) وما أنا من
الهدى في شيء (أقضي) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (فيها بما
قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للابنة
النصف ولابنة الابن) والذي في اليونينية ولابنة ابن (السدس
تكملة الثلثين وما بقي) وهو الثلث (فللأخت) قال هزيل:
(فأتينا أبا موسى) الأشعري (فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال:
لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم) بفتح الحاء المهملة
وسكون الموحدة ورجح الجوهري كسر الحاء وبه جزم الفراء
وقال: إنه يسمى باسم الحبر الذي يكتب به. وقال أبو عبيد
الهروي: هو العالم بتحبير الكلام وتحبير الكلام تحسينه وهو
بالفتح في رواية جمع المحدثين وأنكر الكسر أبو الهيثم ولا
خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود، وفي جواب أبي موسى
هذا إشعار بأنه رجع عما قاله.
والحديث أخرجه أبو داود في الفرائض وكذا الترمذي والنسائي
وابن ماجة.
9 - باب مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الأَبِ وَالإِخْوَةِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ
الزُّبَيْرِ الْجَدُّ أَبٌ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَا
بَنِى آدَمَ} {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] وَلَمْ يُذْكَرْ
أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِى زَمَانِهِ
وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُتَوَافِرُونَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
يَرِثُنِى ابْنُ ابْنِى دُونَ إِخْوَتِى، وَلاَ أَرِثُ
أَنَا ابْنَ ابْنِى وَيُذْكَرُ، عَنْ عُمَرَ وَعَلِىٍّ،
وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ.
(باب) بيان حكم (ميراث الجد) من قبل الأب (مع الأب
والأخوة) الأشقاء ومن الأب.
(وقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- مما وصله الدارمي
بسند على شرط مسلم عن أبي سعيد الخدري (وابن عباس) -رضي
الله عنهما- مما أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب
الفرائض من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس
والدارمي بسند صحيح عن طاوس
عنه (وابن الزبير) عبد الله مما سبق موصولاً في المناقب:
(الجد أب) أي حكمه حكمه عند عدمه فكما أن الأب يرث بالفرض
مع وجود فرع ذكر وارث وفرضه السدس، ويرث بتعصيب مع فقد فرع
وارث، ويرث بالفرض والتعصيب معًا مع فرع أنثى وارث فله
السدس فرضًا والباقي بعد فرضها يأخذه بالتعصيب كذلك الجد
للأب إلا في مسائل وهي أن بني العلات والأعيان يسقطون
بالأب ولا يسقطون بالجد إلا عند أبي حنيفة والأم مع أحد
الزوجين والأب تأخذ ثلث ما يبقى ومع الجد ثلث الجميع لأنه
لا يساويها في الدرجة بخلاف الأب إلا عند أبي يوسف فإن
عنده الجد كالأب وأم الأب وإن علت تسقط بالأب ولا تسقط
بالجد لأنها لم تدل به بخلافها في الأب، وإن تساويا في أن
كلاًّ منهما يسقط أم نفسه والمعتق إذا ترك أبا المعتق
وابنه فسدس الولاء للأب والباقي للابن عند أبي يوسف
وعندهما كله للابن ولو ترك ابن المعتق وجده فالولاء كله
للابن.
(وقرأ ابن عباس) -رضي الله عنهما- مستدلاً لقوله الجد أبي
قوله تعالى: ({يا بني آدم}) فأطلق على آدم أبًا وهو جدنا
الأعلى فإطلاقه على أبي الأب أولى وقوله تعالى: ({واتبعت
ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب}) [يوسف: 38] فأطلق عليهم
آباؤهم أجداد (ولم يذكر) بفتح التحتية بالبناء للفاعل وقال
في الفتح للمجهول قلت وهو الذي في اليونينية: {إن أحدًا
خالف أبا بكر} -رضي الله عنه- فيما قاله إن الجد حكمه حكم
الأب (في زمانه وأصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- متوافرون) فيهم كثرة وهو إجماع سكوتي فيكون حجة
ونقل أيضًا ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله سعيد بن منصور
من طريق عطاء عنه: (يرثني ابن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا
ابن ابني) أي
(9/430)
فلم لا يرث الجد فهو رد على من حجب الجد
بالأخوة أو المعنى فلم لا يرث الجد وحده دون الأخوة كما في
العكس فهو رد على من قال: بالشركة بينهما. وقال ابن عبد
البر: أي لما كان ابن الابن كالابن عند عدم الابن كان أبو
الأب عند عدم الابن كالأب.
(ويذكر) بضم أوّله للمجهول بصيغة التمريض (عن عمر) بن
الخطاب (وعلي) هو ابن أبي طالب (وابن مسعود) عبد الله
(وزيد) أي ابن ثابت -رضي الله عنهم- (أقاويل) بالرفع مفعول
ناب عن الفاعل (مختلفة) فكان عمر يقاسم الجد مع الأخ
والأخوين فإذا زادوا أعطاه الثلث وكان يعطيه مع الولد
السدس رواه الدارمي. وأخرج البيهقي بسند صحح أن عمر قضى أن
الجد يقاسم الأخوة للأب والأخوة للأم ما كانت القاسمة
خيرًا له من الثلث، فإن كثرت الأخوة أعطى الجد الثلث، وفي
فوائد أبي جعفر الرازي بسند صحيح إلى ابن عون عن محمد بن
سيرين سألت عبيدة بن عمرو عن الجد فقال: قد حفظت عن عمر في
الجد مائة قضية مختلفة، لكن استبعد بعضهم هذا عن عمر،
وتأول البزار صاحب المسند قوله قضية مختلفة على اختلاف حال
من يرث مع الجد كأن يكون أخ واحد أو أكثر أو أخت واحدة أو
أكثر، ويرد هذا التأويل ما أخرجه يزيد بن هارون في كتاب
الفرائض عن عبيدة بن عمرو قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد
مائة
قضية كلها ينقض بعضها بعضًا، وأما علي فأخرج ابن أبي شيبة
ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي كتب ابن عباس إلى علي
يسأله عن ستة أخوة وجد فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح
كتابي، وعند ابن أبي شيبة عن علي أنه أفتى في جد وستة أخوة
فأعطى الجد السدس، وأما عبد الله بن مسعود فأخرج الدارمي
بسند صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي قال: دخلت على شريح وعنده
عامر يعني الشعبي في فريضة امرأة منا تسمى العالية تركت
زوجها وأمها وأخاها لأبيها وجدها فذكر قصة وفيها أن ابن
مسعود جعل للزوج ثلاثة أسهم النصف وللأم ثلث ما بقي وهو
السدس من رأس المال، وللأخ سهمًا وللجد سهمًا. وفي كتاب
الفرائض لسفيان الثوري كان عمر وابن مسعود يكرهان أن يفضلا
أبًا على جد، وأما زيد فروى عبد الرزاق من طريق إبراهيم
قال: كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الأخوة إلى الثلث فإذا
بلغ الثلث أعطاه إياه وللأخوة ما بقي ويقاسم الأخ للأب ثم
يرد على أخيه ويقاسم بالأخوة من الأب مع الأخوة الأشقاء
ولا يورث الأخوة للأب شيئًا ولا يعطي أخًا لأم مع الجد
شيئًا. قال ابن عبد البر: تفرد زيد من بين الصحابة في
معادلته الجد بالأخوة للأب مع الأخوة الأشقاء وخالفه كثير
من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض في ذلك لأن الأخوة
من الأب لا يرثون مع الأشقاء فلا معنى لإدخالهم معهم لأنه
حيف على الجد في المقاسمة قال: وقد سأل ابن عباس زيدًا عن
ذلك فقال: إنما أقول في ذلك برأيي كما تقول أنت برأيك اهـ.
وهو محجوب بالأب لإدلائه به ويرث مع الابن وابن الابن وإن
سفل السدس فرضًا ومع البنتين أو بنتي الابن وإن سفل
فصاعدًا السدس فرضًا وما بقي تعصيبًا ولا ترث معه الأخوة
والأخوات لأم فإن كانوا للأم وأب أو لأب وليس معهم صاحب
فرض فله الأحظّ من مقاسمتهم وأخذ جميع الثلث فالقسمة لأنه
كالأخ في إدلائه بالأب والثلث لأنه إذا اجتمع مع الأم أخذ
ضعفها فله الثلثان ولها الثلث والأخوة لا ينقصونها عن
السدس، فوجب أن لا ينقصوا الجد عن ضعفه وهو الثلث وبعد
الأخوة والأخوات لأب وأم عليه الأخوة والأخوات لأب في
الحساب ولا يرث معهم إلا إذا تمحض أولاد الأبوين إناثًا
فما زاد على فرضهن لأولاد الأب، فلو كان مع الجد شقيقة وأخ
وأخت لأب فتعد الشقيقة الأخ والأخت على الجد فتستوي له
المقاسمة وثلث الباقي فله سهمان من ستة وتأخذ الشقيقة
النصف ثلاثة يبقى واحد على ثلاثة لا يصح ولا يوافق تضرب
ثلاثة في ستة فتصح من ثمانية عشر، فإن كان معهم صاحب
(9/431)
فرض فللجد الأحظّ من المقاسمة وثلث الباقي
وسدس التركة وقد لا يبقى بعد الفرض شيء كبنتين وأم وزوج
فيفرض للجد سدس، ويزاد في العول فتعول هذه المسألة إلى
خمسة عشر، وقد يبقى سدس كبنتين وأم فيفوز الججد به لأنه لا
ينقص عنه إجماعًا إذا ورث، وتسقط الأخوة والأخوات في هذه
الأحوال الثلاث لاستغراق ذوي الفروض التركة، وقد أجمعوا
على أن الجد لا يرث مع وجود الأب ولا ينقص عن السدس إلا في
الأكدرية وهي زوج وأم وأخت لغير أم وجد، فللزوج النصف
وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف بتعول المسألة من
ستة إلى
تسعة، ثم يقسم للجد والأخت نصيباهما وهما أربعة أثلاثًا له
الثلثان ولها الثلث، فيضرب مخرجه في التسعة فتصح المسألة
من سبعة وعشرين فللزوج تسعة وللأم ستة وللأخت أربعة وللجد
ثمانية، وإنما فرض للأخت مع الجد ولم يعصبها فيما بقي
لنقصه بتعصيبها فيه عن السدس فرضه واقتسام فرضيهما كما
تقدم بالتعصيب ولو كان بدل الأخت أخ سقط أو أختان فللأم
السدس ولهما السدس الباقي، وسميت الأكدرية لأنها كدرت على
زيد مذهبه لمخالفتها القواعد وقيل لأن سائلها اسمه أكدر.
6737 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلْحِقُوا
الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِىَ فَلأَوْلَى رَجُلٍ
ذَكَرٍ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو وابن خالد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن
أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ألحقوا) بكسر الحاء المهملة (الفرائض بأهلها فما بقي
فلأولى رجل ذكر). قال الطيبي: أوقع الموصوف مع الصفة موقع
العصبة كأنه قيل فما بقي فهو لأقرب عصبة والعصبة يسمى بها
الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كما قاله المطرّزي وغيره
وسموا عصبة لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد
بهم، والعصبة الأقارب من جهة الأب من لا مقدر له من الورثة
ويدخل فيه من يرث بالفرض، والتعصيب كالأب والجد من جهة
التعصيب فيرث التركة أو ما فضل عن الفرض إن كان معه ذو
فرض، وجملة عصبات النسب الابن والأب ومن يدلي بهم ويقدم
منهم الأبناء ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب ثم الجد والأخوة
للأبوين أو للأب وهم في درجتهم. وقال البغوي: في الحديث
دليل على أن بعض الورثة يحجب البعض والحجب نوعان. حجب
نقصان وحجب حرمان ووجه دخوله في هذا الباب أنه دل على أن
الذي يبقى بعد الفرض يصرف لأقرب الناس إلى الميت فكان الجد
أقرب فيقدم.
وقال: الكرماني، فإن قلت: حق الترجمة أن يقال ميراث الجد
مع الأخوة إذ لا دخل لقوله مع الأب فيها. قلت: غرضه بيان
مسألة أخرى وهي أن الجد لا يرث مع الأب وهو محجوب به كما
يدل عليه قوله فلأولى رجل.
والحديث سبق قريبًا.
6738 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الَّذِى قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ
كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً
لاَتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ
-أَوْ قَالَ خَيْرٌ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا -أَوْ
قَالَ- قَضَاهُ أَبًا».
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة
ساكنة عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد قال:
(حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني
(عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: أما
الذي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فيه:
(لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً) أرجع إليه في الحاجات
وأعتمد عليه في المهمات (لاتخذته) يعني أبا بكر الصديق
-رضي الله عنه- وإنما الذي ألجأ إليه وأعتمد في كل الأمور
عليه هو الله تعالى (ولكن أخوة الإسلام أفضل). فإن قلت:
كيف تكون أخوة الإسلام أفضل والخلة تستلزمها وتزيد عليها؟
أجيب: بأن المراد أن مودة الإسلام مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من مودته مع غيره والذي
في اليونينية خلة الإِسلام أفضل (أو قال خير) شك من الراوي
(فإنه) يعني أبا بكر (أنزله) أي أنزل الجد (أبًا) في
استحقاق الميراث (أو قال قضاه أبًا) بالشك من الراوي أي
حكم بأنه كالأب.
والحديث سبق في باب الخوخة والممر في المسجد وفي المناقب،
لكن ليس بلفظ أما الذي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا قوله فإنه أنزله أبًا. نعم في
المناقب من طريق أيوب
(9/432)
عن عبد الله بن أبي مليكة قال: كتب أهل
الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال أما الذي قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لو كنت متخذًا
من هذه الأمة خليلاً لاتخذته" أنزله أبًا يعني أبا بكر.
10 - باب مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ
(باب ميراث الزوج مع الولد وغيره) من الوارثين.
6739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ
وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ الْمَالُ
لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ،
فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ
لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ
لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ،
وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَلِلزَّوْجِ
الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد أبو عبد الله
الفريابي من أهل خراسان سكن قيسارية من أرض الشأم (عن
ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري (عن ابن أبي نجيح) عبد الله
واسم أبي نجيح يسار المكي (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن
ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان المال) المخلف
عن الميت (للولد) ميراثًا (وكانت الوصية) في أوّل الإسلام
واجبة (للوالدين) على ما يراه الموصي (فنسخ الله) عز وجل
(من ذلك) بآية الفرائض (ما أحب) أي ما أراد (فجعل للذكر
مثل حظ الأنثيين) لفضله واختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى
من الجهاد وغيره {وجعل للأبوين} مع وجود الولد (لكل واحد
منهما السدس وجعل للمرأة) مع وجود الولد (الثمن و) عند
عدمه (الربع وللزوج) عند عدم الولد (الشطر) وهو النصف (و)
عند وجوده (الربع) قال
ابن المنير: استشهاد البخاري بحديث ابن عباس هذا مع أن
الدليل من الآية واضح إشارة منه إلى تقرير سبب نزول الآية
وأنها على ظاهرها غير مؤوّلة ولا منسوخة انتهى وولد الابن
وإن نزل كالولد في قوله تعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن
لم يكن لهن ولد} [النساء: 12] جماعًا أو لفظ الولد يشمله
بناء على إعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ولو كان للزوجة فرع
غير وارث كرقيق أو وارث بعموم القرابة لا بخصوصها كفرع بنت
فللزوج النصف أيضًا واتفق على أن الزوج لا يحجب حجب حرمان
بل حجر نقصان.
11 - باب مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ
وَغَيْرِهِ
(باب) حكم (ميراث المرأة) أي الزوجة (والزوج مع الولد
وغيره) من الوارثين.
6740 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ
بَنِى لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ
أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا
بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّ مِيرَاثَهَا
لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى
عَصَبَتِهَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام ذو المكارم والأخلاق الحميدة (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (أنه قال: قضى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جنين امرأة من بني لحيان) بجيم
مفتوحة ونونين بينهما تحتية ساكنة بوزن عظيم حمل المرأة ما
دام في بطنها سمي بذلك الاستتارة فإن خرج حيًّا فهو ولد أو
ميتًا فهو سقط، وقد يطلق عليه جنين ولحيان بكسر اللام
وفتحها وسكون المهملة بعدها تحتية واسم المرأة قيل مليكة
بنت عويم أو عويمر بالراء ضربتها امرأة يقال لها أم عفيفة
بنت مروح بحجر أو بعمود فسطاط ضربة أو أكثر (سقط) جنينها
حال كونه (ميتًا بغرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء
(عبد أو أمة) أو للتنويع لا للشك (ثم إن المرأة التي قضى)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليها) ولأبي ذر عن
الكشميهني لها (بالغرة توفيت) وفي رواية بالديات من طريق
يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة
اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها
وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن ميراثها لبنيها) بتحتية ساكنة بعد
النون المكسورة (وزوجها) لا لعصبتها الذين عقلوا عنها
فللزوج الربع ولبنيها ما بقي (و) قضى -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن العقل) أي الدّية وهي الغرة (على
عصبتها) لأن الإجهاض كان منها خطأ أو شبه عمد.
ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدّيات
بعون الله تعالى، والحديث أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود
والنسائي.
12 - باب مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً
(باب ميراث الأخوات) للأبوين أو لأبي (مع البنات عصبة)
كالأخوة حتى لو خلف بنتًا وأختًا فللبنت النصف وللأخت
الباقي ولو خلف بنتين فصاعدًا وأختًا أو أخوات فللبنات
الثلثان، والباقي للأخت أو الأخوات ولو كان معهن زوج
فللبنتين الثلثان وللزوج الربع، والباقي للأخت أو الأخوات
وقوله عصبة بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هن عصبة ويجوز النصب
على الحال، وضبب في الفرع كأصله
(9/433)
على قوله عصبة.
6741 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ:
قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النِّصْفُ
لِلاِبْنَةِ، وَالنِّصْفُ لِلأُخْتِ، ثُمَّ قَالَ
سُلَيْمَانُ: قَضَى فِينَا وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة
العسكري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) بن
الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي
(عن الأسود) بن يزيد خال إبراهيم الراوي عنه أنه (قال: قضى
فينا معاذ بن جبل) وهو في اليمن (على عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان عليه الصلاة
والسلام أرسله إليهم أميرًا ومعلمًا (النصف للابنة والنصف)
الباقي (للأخت) قال شعبة (ثم قال سليمان) بن مهران الأعمش
بالسند السابق: (قضى فينا) أي معاذ (ولم يذكر) قوله السابق
(على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
والحاصل أن سليمان الأعمش رواه بإثبات قوله على عهد رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون له حكم
الرفع على الراجح في المسألة كما مرّ في الفصل الثالث من
مقدمة هذا الشرح وبحذف ذلك فيكون موقوفًا.
6742 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى
قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ:
لأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاِبْنَةِ النِّصْفُ،
وَلاِبْنَةِ الاِبْنِ السُّدُسُ، وَمَا بَقِىَ
فَلِلأُخْتِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (عمرو بن عباس)
بفتح العين وعباس بالموحدة البصري قال: (حدّثنا عبد
الرَّحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي
قيس) عبد الرَّحمن بن غزوان (عن هزيل) بضم الهاء وفتح
الزاي ابن شرحبيل أنه (قال: قال عبد الله) يعني ابن مسعود
في ابنة وابنة ابن وأخت (لأقضين فيها بقضاء النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(للابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي) وهو الثلث
(فللأخت) بالتعصيب وثبت لأبي ذر أو قال قال النبى -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث سبق قريبًا.
12 - باب مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً
(باب ميراث الأخوات والإخوة) الإناث والمذكور.
6743 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا -
رضى الله عنه - قَالَ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مَرِيضٌ، فَدَعَا
بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ نَضَحَ عَلَىَّ مِنْ
وَضُوئِهِ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّمَا لِى أَخَوَاتٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان) بن جبلة الملقب
بعبدان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي
قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) أنه
(قال: سمعت جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه- قال: دخل
عليّ) بتشديد الياء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) يعودني (وأنا مريض فدعا بوضوء) بفتح الواو
بماء يتوضأ به (فتوضأ ثم نضح) بالنون والضاد المعجمة
والحاء المهملة رش (علي) بتشديد الياء (من وضوئه) الماء
الذي توضأ به (فأفقت فقلت: يا رسول الله إنما لي أخوات
فنزلت آية الفرائض).
ومطابقة الحديث فى قوله: إنما لي أخوات فإنه يقتضي أنه لم
يكن له ولد واستنبط منه المؤلّف الإخوة بطريق الأولى وقدم
الأخوات في الذكر للتصريح بهن في الحديث، وأما الإخوة
والأخوات من الأبوين إذا انفردوا فكأولاد الصلب للذكر جميع
المال وكذا للجماعة وللأخت الفردة النصف وللأختين فصاعدًا
الثلثان، فإن اجتمع الإخوة والأخوات فـ {للذكر مثل حظ
الأنثيين} بنص القرآن. وأما الإخوة والأخوات للأب عند
انفرادهم فكالإخوة والأخوات للأبوين إلا في المشتركة وهي
زوج وأم وأخوان لأم وأخوان لأبوين المسألة من ستة للزوج
النصف ثلاثة وللأم السدس سهم واحد وللأخوين من الأم الثلث
سهمان يشاركهما فيه الأخوان للأبوين، وأما الإخوة والأخوات
للأم فللواحدة منهن السدس سواء كان ذكرًا أو أنثى وللأثنين
فأكثر الثلث بينهم بالسوية سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا
ولا يفضل الذكر منهم على الأنثى.
والحديث سبق في أول الفرائض.
14 - باب
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى
الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا
اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ
كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ
تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [النساء:
176].
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({يستفتونك}) أي
يستخبرونك في الكلالة والاستفتاء طلب الفتوى يقال استفتيت
الرجل في المسألة فأفتاني إفتاءً وفتيًا وهما اسمان وضعا
موضع الإِفتاء ويقال أفتيت فلانًا في رؤيا رآها قال تعالى
{يوسف أيها الصدّيق أفتنا في سبع بقرات} [يوسف: 46] ومعنى
الإِفتاء إظهار المشكل ({قل الله يفتيكم في الكلالة})
متعلق بيفتيكم على إعمال الثاني وهو اختيار البصريين ولو
أعمل الأول لأضمر في الثاني، وله نظائر في القرآن كقوله
تعالى {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [الحاقة: 19] والكلالة الميت
الذي لا ولد له ولا والد وهو قول جمهور اللغويين، وقال به
علي وابن مسعود، أو الذي لا والد له فقط وهو قول عمر، أو
الذي لا ولد له فقط وهو قول بعضهم أو من لا يرثه أبي ولا
أم
(9/434)
وعلى هذه الأقوال، فالكلالة اسم للميت وقيل
الكلالة اسم للورثة ما عدا الأبوين والولد قاله قطرب،
واختاره أبو بكر -رضي الله عنه- وسموا بذلك لأن الميت
بذهاب طرفيه تكلله الورثة أي أحاطوا به من جميع جهاته. وفي
المراسيل لأبي داود عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد
الرَّحمن جاء رجل فقال: يا رسول الله ما الكلالة؟ قال: "من
لم يترك ولدًا ولا والدًا فتوريثه كلالة". وفي مدارك
التنزيل كان جابر بن عبد الله مريضًا فعاده رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني كلالة فكيف
أصنع في مالي؟ فنزلت ({وإن امرؤ هلك ليس له ولد}) رفع على
الصفة أي إن هلك امرؤ غير ذي ولد والمراد بالولد الابن وهو
مشترك يقع على الذكر والأنثى لأن الابن يسقط الأخت ولا
تسقطها البنت ({وله أخت}) لأبي وأم أو لأب ({فلها نصف ما
ترك}) أي الميت والفاء جواب إن ({وهو يرثها}) جملة لا محل
لها من الإعراب لاستئنافها وهي دالة على جواب الشرط وليست
جوابًا خلافًا للكوفيين وأبي زيد والضميران في قوله وهو
يرثها عائدان على لفظ امرؤ وأخت دون معناهما فهو من باب
قوله:
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب
والهالك: لا يرث فالمعنى وامرؤ آخر غير الهالك يرث أختًا
له أخرى ({إن لم يكن لها ولد}) أي ابن أي أن الأخ يستغرق
ميراث الأخت إن لم يكن للأخت ابن فإن كان لها ابن فلا شيء
للأخ وإن كان ولدها أنثى فللأخ ما فضل عن فرض البنات وهذا
في الأخ للأبوين أو للأب فأما الأخ من الأم فإنه لا يستغرق
الميراث ويسقط بالولد ({فإن كانتا}) أي الأختان يدل عليه
قوله وله أخت أي فإن كانت الأختان ({اثنتين}) أي فصاعدًا
({فلهما}) أو فلهن ({الثلثان مما ترك}) أي الميت ({وإن
كانوا إخوة}) أي وإن كان من يرث بالإخوة والمراد بالإخوة
الإخوة والأخوات تغليبًا لحكم المذكورة ({رجالاً ونساء})
ذكورًا وإناثًا ({فللذكر}) منهم ({مثل حظ الأنثيين}) حذف
منهم لدلالة المعنى عليه ({يبين الله لكم}) أي الحق فمفعول
يبين محذوف ({أن تضلوا}) مفعول من أجله على حذف مضاف
تقديره يبين الله لكم أمر الكلالة كراهة أن تضلوا فيها أي
في حكمها هذا تقدير المبرّد. وقال الكسائي والمبرد وغيرهما
من الكوفيين: أن لا محذوفة بعد أن والتقدير لئلا تضلوا
قالوا وحذف لا شائع ذائع كقوله:
رأينا ما رأى البصراء منها ... فآلينا عليها أن تباعا
أي أن لا تباعا ({والله بكل شيء عليم}) [النساء: 176] يعلم
الأشياء بكنهها قبل كونها وبعده وسقط لأبي ذر من قوله أن
امرؤ إلى الآخر، وقال بعد قوله في الكلالة الآية.
6744 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ -
رضى الله عنه - قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ
سُورَةِ النِّسَاءِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ
يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلاَلَةِ}.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن
باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق)
عمرو السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه
(قال: آخر آية نزلت) عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (خاتمة سورة النساء: {يستفتونك قل الله يفتيكم
في الكلالة}) [النساء: 176] وروي عن ابن عباس -رضي الله
عنهما- آخر آية نزلت آية الربا وآخر سورة نزلت {إذا جاء
نصر الله والفتح} [النصر: 1] وروي بعدما نزلت سورة النصر
عاش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامًا
ونزلت بعدها براءة وهي آخر سورة نزلت كاملة فعاش رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدها ستة أشهر ثم
نزلت في طريق حجة الوداع ({يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة}) [النساء: 176] فسميت آية الصيف لأنها نزلت فى
الصيف، ثم نزل وهو واقف بعرفات {اليوم أكملت لكم دينكم}
[المائدة: 3] فعاش بعدها أحدًا وثمانين يومًا ثم نزلت آية
الربا ثم نزلت {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} فعاش
بعدها أحدًا وعشرين يومًا.
وحديث الباب سبق في المغازي.
15 - باب ابْنَىْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلأُمِّ،
وَالآخَرُ زَوْجٌ
وَقَالَ عَلِىٌّ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلأَخِ مِنَ
الأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِىَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
(باب) حكم امرأة توفيت عن (ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر
زوج) وذلك أن يتزوج رجل امرأة فأتت منه بابن ثم تزوج أخرى
فأتت منه بابن آخر ثم فارق الثانية فتزوجها أخوه فأتت منه
ببنت فهي أخت
(9/435)
الثاني لأمه وابنة عمه فتزوجت هذه البنت
الابن الأول وهو ابن عمها ثم ماتت عن ابني عمها أحدهما
أخوها لأمها والآخر زوجها.
(وقال علي): هو ابن أبي طالب مما وصله سعيد بن منصور
(للزوج النصف وللأخ من الأم السدس وما بقي) وهو الثلث
(بينهما نصفان) بالسوية بالعصوبة فيكون للأوّل الثلثان
بالفرض والتعصيب وللآخر الثلث بالفرض والتعصيب، وقد وافق
عليًّا زيد بن ثابت والجمهور، وقال عمر وابن مسعود جميع
المال يعني الذي يبقى بعد نصيب الزوج للذي جمع القرابتين
فله السدس بالفرض والثلث الباقي بالتعصيب. قال في الروضة:
ولو تركت ثلاثة بني أعمام أحدهم زوج والثاني أخ لأم فعلى
المذهب للزوج النصف وللأخ للأم السدس والباقي بينهم
بالسوية وإن رجحنا الأخ للأم فللزوج النصف والباقي للأخ.
6745 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ
أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَمَالُهُ
لِمَوَالِى الْعَصَبَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ
ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلأُدْعَى لَهُ». الكَلُّ:
العِيَالُ.
وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا عبيد
الله) بضم العين ابن موسى وهو أيضًا شيخ البخاري (عن
إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح
الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح)
ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي أتولى أمورهم بعد
وفاتهم (فمن مات) منهم (وترك مالاً) الفاء في فمن تفسيرية
مفصلة لما أجمل من قوله أنا أولى بالمؤمنين (فماله لموالي
العصبة) الإضافة للبيان نحو شجر الأراك أي الموالي الذين
هم عصبة (ومن ترك كلاًّ) بفتح الكاف وتشديد اللام ثقلاً
كالدين والعيال (أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة مصدر بمعنى
الضائع كالطفل الذي لا شيء له (فأنا وليه) أقوم بمصالحه
(فلأدعى له) بلفظ أمر الغائب المجهول واللام مكسورة وقد
تسكن مع الفاء والواو غالبًا فيهما وإثبات الألف بعد العين
جائز والأصل عدم الإِشباع للجزم والمعنى فادعوني له أقوم
بكله وضياعه قال في الفتح والمراد بموالي العصبة: بنو العم
فسوى بينهم ولم يفضل أحدًا على أحد فهو حجة للجمهور في
التسوية بين بني العم (الكل العيال) كذا في رواية المستملي
كما في الفرع وأصله وزاد في الفتح وللكشميهني قال: وأصله
الثقل ثم استعمل في كل أمر يصعب والعيال فرد من أفراده.
6746 - حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا تَرَكَتِ
الْفَرَائِضُ، فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
وبه قال: (حدّثنا أمية بن بسطام) بضم الهمزة وفتح الميم
وتشديد التحتية وبسطام بكسر الموحدة وتفتح وسكون المهملة
البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء
آخره عين مهملة (عن روح) بفتح الراء آخره مهملة ابن القاسم
العنبري (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس) -رضي
الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى) بفتح
الهمزة فلأقرب (رجل ذكر) ووصف الرجل بالذكر تنبيهًا على
سبب استحقاقه وهو المذكورة التي هي سبب العصوبة، وسبب
الترجيح في الإرث، ولذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وحكمته
أن الرجال يلحقهم مؤن كثيرة كالقيام بالعيال والضيفان
وإرفاد القاصدين ومواساة السائلين وتحمل الغرامات إلى غير
ذلك.
والحديث مرّ قريبًا والله الموفق.
16 - باب ذَوِى الأَرْحَامِ
(باب) حكم (ذوي الأرحام) وهم كل قريب ليس بذي سهم ولا عصبة
واختلف هل يرثون أم لا وبالأول قال الكوفيون وأحمد محتجين
بقوله تعالى {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال:
75] وذو الأرحام هم أصناف جد وجدة ساقطان كأبي أم وأم أبي
أم وأن عليًّا وأولاد بنات لصلب أو لابن من ذكور وإناث
وبنات أخوة لأبوين أو لأب أو لأم وأولاد أخوات كذلك وبنو
أخوة لأم وعم لأم أي أخو الأب لأمه وبنات أعمام لأبوين أو
لأب أو لأم وعمات وأخوال وخالات ومدلون بهم أي ما عدا
الأول إذ لم يبق في الأول من يدلي به فمن انفرد منهم على
القول بتوريثهم إذ لم يوجد أحد من ذوي الفروض الذين يرد
عليهم حاز جميع المال ذكرًا كان أو أنثى، وفي كيفية
توريثهم مذهبان. أحدهما: وهو الأصح مذهب أهل التنزيل وهو
أن ينزل كل منهم من يدلي به، والثاني مذهب أهل القرابة وهو
(9/436)
تقويم الأقرب منهم إلى الميت ففي بنت بنت
وبنت بنت ابن المال على الأول بينهما أرباعًا وعلى الثاني
لبنت البنت لقربها إلى الميت.
6747 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
قُلْتُ لأَبِى أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ إِدْرِيسُ،
حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ}
{وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33]
قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ
يَرِثُ الأَنْصَارِىُّ الْمُهَاجِرِىَّ دُونَ ذَوِى
رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِى آخَى النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا
نَزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} قَالَ:
نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق بن
إبراهيم) بن راهويه (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة
(حدثكم إدريس) بن يزيد من الزيادة ابن عبد الرَّحمن الأودي
قال: (حدّثنا طلحة) بن مصرف بكسر الراء بعدها فاء (عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال في قوله
تعالى: ({ولكل}) أي ولكل أحد أو ولكل مال ({جعلنا موالي})
وراثًا يلونه ويحوزونه فالمضاف إليه محذوف وحذف البخاري
تاليه وهو قوله مما ترك الوالدان والأقربون ({والذين عاقدت
أيمانكم}) المعاقدة المحالفة والأيمان جمع يمين من اليد
والقسم وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم يد بعض
على الوفاء والتمسك بالعهد والمراد عقد الموالاة وهي
مشروعة والوراثة بها ثابتة عند عامة الصحابة -رضي الله
عنهم- (قال) أي ابن عباس: (كان المهاجرون حين قدموا
المدينة يرث الأنصاري المهاجري) برفع الأنصاري على
الفاعلية ونصب المهاجري على المفعولية وفي سورة النساء
بالعكس والمراد بيان الوراثة بينهما في الجملة قاله في
الكواكب. وقال في الفتح: والأولى أن يقرأ الأنصاري بالنصب
مفعول مقدم فتتحد الروايتان (دون ذوي رحمه) أي أقاربه
(للأخوة التي آخى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بينهم فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي}) [النساء:
33] (قال)
ابن عباس (نسختها {والذين عاقدت أيمانكم}) كذا في جميع
الأصول نسختها {والذين عاقدت أيمانكم} والصواب كما قاله
ابن بطال أن المنسوخة {والذين عاقدت أيمانكم} والناسخة
{ولكل جعلنا موالي} وكذا وقع في الكفالة، والتفسير من
رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة فلما نزلت {ولكلٍّ جعلنا
موالي} نسخت. وقال ابن المنير في الحاشية: الضمير في قوله
نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية والضمير في نسختها
وهو الفاعل المستتر يعود على قوله: {ولكل جعلنا موالي}
وقوله: {والذين عاقدت أيمانكم} بدل من الضمير وأصل الكلام
لما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت (والذين عاقدت أيمانكم)
وقال الكرماني: فاعل نسختها آية جعلنا والذين عاقدت منصوب
بإضمار أعني اهـ.
والمراد بإيراد الحديث هنا أن قوله تعالى: ({ولكل جعلنا})
نسخ حكم الميراث الذي دل عليه ({والذين عاقدت أيمانكم})
وقال ابن الجوزي: مراد الحديث المذكور أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان آخى بين المهاجرين
والأنصار فكانوا يتوارثون تلك الأخوة ويرونها داخلة في
قوله تعالى: {والذين عاقدت أيمانكم} فلما نزل قوله تعالى:
{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} نسخ الميراث
بين المتعاقدين وبقي النصرة والرفادة وجواز الوصية لهم.
والحديث أخرجه النسائي وأبو داود جميعًا في الفرائض.
17 - باب مِيرَاثِ الْمُلاَعَنَةِ
(باب ميراث الملاعنة).
بفتح العين في الفرع كأصله وقال الحافظ ابن حجر: بفتح
العين المهملة ويجوز كسرها، وقال العيني بكسرها وهي التي
وقع اللعان بينها وبين زوجها قال وقول بعضهم يعني الحافظ
ابن حجر بالفتح ويجوز الكسر الأمر بالعكس اهـ.
والمراد بيان ما ترثه من ولدها الذي لاعنت عليه.
6748 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا
مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله
عنهما أَنَّ رَجُلاً لاَعَنَ امْرَأَتَهُ فِى زَمَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ
الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن قزعة)
بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجاز قال: (حدّثنا
مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي
الله عنهما- أن رجلاً) اسمه عويمر (لا عن امرأته) خولة بنت
قيس (في زمن النبي) بغير ألف بعد الميم في زمن ولأبي ذر في
زمان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وانتفى
من ولدها ففرق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بينهما) بين المتلاعنين (وألحق الولد بالمرأة) فترثه أمه
وإخوته منها فإن فضل شيء فهو لبيت المال وهذا قول زيد بن
ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء الأمصار. قال الإمام مالك
وعلى ذلك أدركت أهل العلم، وعند أبي
داود من مرسل مكحول من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميراث
ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها، وعند
(9/437)
أصحاب السنن الأربعة وحسنه الترمذي وصححه
الحاكم عن واثلة رفعه: تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها
ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه، وفيه عمر بن روبة بضم
الراء وسكون الواو بعدها موحدة مختلف فيه ووثقه أحمد وله
شاهد من حديث ابن عمر عند ابن المنذر، وفي اللعان من حديث
سهل بن سعد ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها
ما فرض الله له.
وحديث الباب سبق في مواضع كالتفسير والملاعنة.
18 - باب الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ
أَمَةً
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الولد للفراش) بكسر الفاء أي
لصاحب الفراش (حرة كانت) أي المستفرشة (أو أمة).
6749 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ
عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ
زَمْعَةَ مِنِّى فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ
عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِى
عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ
فَقَالَ: أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى وُلِدَ عَلَى
فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
ابْنُ أَخِى قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ، فَقَالَ
عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى
وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ
زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ
الْحَجَرُ»، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ:
«احْتَجِبِى مِنْهُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ
فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم
التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير
(عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان عتبة) بضم
العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة ابن أبي وقاص (عهد إلى
أخيه سعد) اختلف في صحبته وجزم السفاقسي والدمياطي أنه مات
كافرًا وقوله عهد بفتح العين وكسر الهاء أي أوصاه (أن ابن
وليدة زمعة) بفتح الواو وكسر اللام أي جارية زمعة بفتح
الزاي وسكون الميم وقد تفتح ابن قيس ولم تسم الوليدة نعم
ذكر مصعب الزبيري وابن أخيه الزبيري في نسب قريش أنها كانت
أمة يمانية وأما ولدها فعبد الرَّحمن (مني) أي ابني
(فاقبضه إليك) بكسر الموحدة (فلما كان عام الفتح) بنصب عام
بتقدير في وبالرفع اسم كان (أخذه سعد فقال) هذا (ابن أخي)
عتبة (عهد إليّ فيه) بتشديد الياء من إليّ (فقام عبد بن
زمعة فقال) هو (أخي وابن وليدة أبي) أي جارية أبي زمعة
(ولد على فراشه) من أمته المذكورة، وقد كانت عادة الجاهلية
إلحاق النسب بالزنا، وكانوا يستأجرون الإماء للزنا فمن
اعترفت الأم أنه له ألحق به ولم
يقع إلحاق بأن وليدة زمعة في الجاهلية، وقيل كانت موالي
الولائد يخرجونهن للزنا ويضربون عليهن الضرائب وكانت وليدة
زمعة كذلك. قال في الفتح: والذي يظهر في سياق القصة أنها
كانت أمة مستفرشة لزمعة فزنى بها عتبة، وكانت عادة
الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إن استحلقه لحقه وإن نفاه
انتفى عنه وإن ادعاه غيره كان مردّ ذلك إلى السيد أو
القافة فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة فاختصم فيه
(فتساوقا) أي تماشيا وتلازما بحيث أن كلاًّ منهما كان
كالذي يسوق الآخر (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله) هذا (ابن أخي قد كان)
أخي عتبة (عهد إليّ فيه) أنه ابنه (فقال عبد بن زمعة) هو
(أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه) سقط قوله فقال سعد الخ
لأبي ذر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(هو) أي الولد (لك يا عبد) بالضم ويفتح (ابن زمعة) بنصب
ابن أبي هو أخوك إما بالاستلحاق وإما بالقضاء بعلمه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن زمعة كان صهره أو
هو لك ملكًا لأنه ابن وليدة أبيه من غيره لأن زمعة لم
يقربه ولا شهدت به القافة عليه، والأصول تدفع قول ابنه فلم
يبق إلا أنه عبد تبعًا لأمه قاله ابن جرير: وقال الطحاوي:
معناه هو بيدك تدفع بها غيرك حتى يأتي صاحبه لا أنه ملك لك
بدليل أمر سورة بالاحتجاب، ويؤيد الأول رواية البخاري في
المغازي هو لك فهو أخوك يا عبد لكن في مسند أحمد وسنن
النسائي ليس لك بأخ لكن أعلها البيهقي. وقال المنذري إنها
زيادة غير ثابتة. وقال البيهقي: معنى قوله ليس لك بأخ أي
شبيهًا فلا يخالف قوله لعبد هو أخوك. وقال في الفتح: أو
معنى قوله ليس لك بأخ بالنسبة للميراث من زمعة لأن زمعة
مات كافرًا وخلف عبد بن زمعة والولد المذكور وسودة فلا حق
لسودة في إرثه بل حازه عبد قبل الاستلحاق فإذا استلحق
الابن المذكور شاركه في الإرث دون سودة فلذا قال لعبد: هو
أخوك، وقال لسودة ليس لك بأخ (الولد للفراش) أي لصاحب
الفراش فهو على حذف مضاف أي زوجًا كان أو مولى حرة كانت أو
أمة (وللعاهر) وللزاني (الحجر) أي لا حق له في النسب
كقولهم له التراب
(9/438)
عبر به عن الخيبة أي لا شيء له وقيل معناه
وللزاني الرجم بالحجر واستبعد بأن ذلك ليس لجميع الزناة بل
للمحصن بخلاف حمله على الخيبة فإنه على عمومه وأيضًا
الحديث إنما هو في نفي الولد عنه لا في رجمه (ثم قال)
صلوات الله وسلامه عليه: (لسودة بنت زمعة) أم المؤمنين
-رضي الله عنها- (احتجبي منه) أي من عبد الرَّحمن
استحبابًا للاحتياط (لما رأى) بكسر اللام وتخفيف الميم أي
لأجل ما رأى (من شبهه) البين (بعتبة فلما رآها) عبد
الرَّحمن (حتى لقي الله) عز وجل.
وفي الحديث أن الاستلحاق لا يختص بالأب بل للأخ أن يستحلق
وهو قول الشافعية وجماعة بشرط أن يكون الأخ حائزًا أو
يوافقه باقي الورثة وإمكان كونه من المذكور وأن يكون يوافق
على ذلك إن كان بالغًا وعاقلاً وأن لا يكون معروف الأب.
والحديث سبق في البيوع والوصايا والمغازي ويجيء في الأحكام
إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته وكرمه.
6750 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ
الْفِرَاشِ». [الحديث 6750 - طرفه في: 6818].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد البصري قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن
زياد) القرشي الجمحي مولاهم (أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله
عنه- يقول (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(الولد لصاحب الفراش) كذا في هذه الرواية، وللحديث سبب غير
قصة ابن زمعة، فقد أخرجه أبو داود وغيره من رواية حسين
المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال
لما فتحت مكة إن فلانًا ابني فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا دعوة في الإسلام ذهب أمر
الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الأثلب" قيل: ما الأثلب؟
قال: "الحجر". وقد دل حديث ابن زمعة على أن الأمة تصير
فراشًا بالوطء فإذا اعترف السيد بوطء أمته أو ثبت ذلك
بطريق شرعيّ ثم أتت بولد لمدة الإمكان بعد الوطء لحقه من
غير استلحاق كما في الزوجة، لكن الزوجة تصير فراشًا بمجرد
العقد فلا يشترط في الاستلحاق إلا الإمكان لأنها تراد
للوطء، فجعل العقد عليها كالوطء بخلاف الأمة فإنها تراد
لمنافع أخرى فاشترط في حقها هذا قول الجمهور، وعن الحنفية
لا تصير الأمة فراشًا إلا إذا ولدت من السيد ولدًا ولحق به
فمهما ولدت بعد ذلك لحقه إلا أن ينفيه، وعن الحنابلة من
اعترف بالوطء فأتت منه لمدة الإمكان لحقه وإن ولدت منه
أولاً فاستحلقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار مستأنف على
الراجح عندهم، ونقل عن الشافعي رحمة الله تعالى عليه أنه
قال: إن لقوله الولد للفراش معنيين أحدهما ما لم ينفه فإذا
نفاه بما شرع له كاللعان انتفى عنه، والثاني إذا تنازع رب
الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش. قال في فتح الباري:
الثاني ينطبق على خصوص الواقعة، والأول أعمّ قال: وحديث
الولد للفراش قال ابن عبد البر: من أصح ما يروى عن
النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد جاء عن بضعة
وعشرين نفسًا من الصحابة والله الموفق.
19 - باب الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمِيرَاثُ
اللَّقِيطِ
وَقَالَ عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الولاء لمن أعتق و) باب ذكر
فيه (ميراث اللقيط) وهو صغير أو مجنون منبوذ لا كافل له.
(وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (اللقيط حر) لأن غالب
الناس أحرار إلا أن تقام بينة برقه متعرضة لسبب الملك كإرث
وشراء فلا يكفي مطلق الملك لأنا لا نأمن أن يعتمد الشاهد
ظاهر اليد وفارق غيره كثوب ودار بأن أمر الرق خطر فاحتيط
فيه وولاؤه لبيت المال عند مالك والشافعي وأحمد لحديث:
"إنما الولاء لمن أعتق" إذ مقتضاه أن من لم يعتق لا ولاء
له إذ العتق
يقتضي سبق ملك واللقيط من دار الإسلام لا يملكه الملتقط،
وعن عليّ اللقيط يوالي من شاء، وبه قال الحنفية فإن عقل
الذي والاه عن جناية لم يكن له أن ينقل عنه ويرثه.
وأثر عمر هذا سبق معلمًا بتمامه في أوائل الشهادات.
6751 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اشْتَرَيْتُ
بَرِيرَةَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «اشْتَرِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ
أَعْتَقَ» وَأُهْدِىَ لَهَا شَاةٌ فَقَالَ: «هُوَ لَهَا
صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» قَالَ الْحَكَمُ: وَكَانَ
زَوْجُهَا حُرًّا، وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) أبو عمر الحوضي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين
وفتح الفوقية مصغرًا (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن
يزيد والثلاثة تابعيون كوفيون (عن عائشة) -رضي الله عنها-
أنها (قالت
(9/439)
اشتريت بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء
الأولى (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اشتريها فإن الولاء لمن أعتق) فلا ولاية لملتقط كما مرّ،
وأما قول عمر -رضي الله عنه- لأبي جميلة في الذي التقطه
اذهب فهو حرّ وعلينا نفقته ولك ولاؤه فمراده أنت الذي
تتولى تربيته والقيام بأمره فهي ولاية الإسلام لا ولاية
العتق (وأهدي) بضم الهمزة (لها) أي لبريرة (شاة) سقط قوله
لأبي ذر (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هو)
أي لحم الشاة (لها صدقة ولنا هدية قال الحكم) بن عتيبة
بالسند السابق (وكان زوجها) مغيث (حرًّا) قال البخاري:
(وقول الحكم مرسل) ليس بمسند إلى عائشة راوية الخبر، وقال
الإسماعيلي هو مدرج (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما
سبق موصولاً في الطلاق في ابن خيار الأمة تحت العبد (رأيته
عبدًا) وهذا أصح من السابق لأنه حضر ذلك فيرجح على قول من
لم يحضره ولم يولد الحكم إلا بعد ذلك بدهر طويل.
6752 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أويس ابن أخت
إمام الأئمة مالك (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الأصبحي
إمام دار الهجرة (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إنما الولاء لمن أعتق) الولاء مبتدأ خبره لمن أعتق أي
كائن أو مستقر لمن أعتق ومن موصولة وأعتق في محل الصلة
والعائد ضمير الفاعل.
20 - باب مِيرَاثِ السَّائِبَةِ
(باب ميراث السائبة) بسين مهملة بعدها ألف فهمزة فموحدة
بوزن فاعلة العبد الله يقول له سيده: لا ولاء لأحد عليك أو
أنت سائبة يريد بذلك عتقه وأن لا ولاء لأحد عليه، وقد يقول
له أعتقتك سائبة أو أنت حرّ سائبة ففي الصيغتين الأوليين
يفتقر في عتقه إلى نية وفي الأخيرتين يعتق والجمهور على
كراهته.
6753 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ لا يُسَيِّبُونَ،
وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) السوائي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن أبي قيس) عبد الرَّحمن بن ثروان
بالمثلثة المفتوحة والراء الساكنة وبعد الواو ألف فنون
الأودي (عن هزيل) بضم الهاء وفتح الزاي ابن شرحبيل (عن عبد
الله) بن مسعود -رضي الله عنه- زاد الإسماعيلي بسنده إلى
هزيل قال: جاء رجل إلى عبده الله فقال: إني أعتقت عبدًا لي
سائبة فمات فترك مالاً ولم يدع وارثًا فقال عبد الله (قال:
إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون)
وزاد الإسماعيلي أيضًا وأنت ولي نعمته فلك ميراثه فإن
تأثمت أو تحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال
وبهذا الحكم في السائبة قال الشافعي.
6754 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ أَنَّ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ
لِتُعْتِقَهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى اشْتَرَيْتُ
بَرِيرَةَ لأُعْتِقَهَا، وَإِنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ
وَلاَءَهَا فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ
لِمَنْ أَعْتَقَ» أَوْ قَالَ: «أَعْطَى الثَّمَنَ» قَالَ:
فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا قَالَ: وَخُيِّرَتْ
فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَالَتْ: لَوْ أُعْطِيتُ كَذَا
وَكَذَا مَا كُنْتُ مَعَهُ، قَالَ الأَسْوَدُ: وَكَانَ
زَوْجُهَا حُرًّا. قَوْلُ الأَسْوَدِ: مُنْقَطِعٌ،
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَأَيْتُهُ عَبْدًا أَصَحُّ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن
إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (أن عائشة رضي الله
عنها اشترت بريرة لتعتقها) بضم الفوقية الأولى (واشترط
أهلها ولاءها) أن يكون لهم (فقالت: يا رسول الله إني
اشتريت بريرة لأعتقها وإن أهلها يشترطون ولاءها فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أعتقيها) بعد أن تشتريها (فإنما الولاء لمن أعتق) سواء
كان سائبة أو غيرها (أو قال) عليه الصلاة والسلام لها
(أعطى الثمن) بالشك من الراوي (قال: فاشترتها فأعتقتها قال
وخيرت) بضم الخاء المعجمة لما عتقت ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي نفسها أي خيرت لما عتقت بين فسخ نكاحها وإمضاء
النكاح واختيار الزوج (فاختارت نفسها وقالت: لو أعطيت) بضم
الهمزة وكسر
الطاء المهملة أي لو أعطاني مغيث (كذا وكذا) من المال (ما
كنت معه) أي ما كنت أصحبه ولا أقمت عنده.
(قال الأسود) بن يزيد: (وكان زوجها حرًّا) قال البخاري:
(قول الأسود) هذا (منقطع) أي لم يصله بذكر عائشة فيه وفيه
جواز إطلاق المنقطع في موضع المرسل خلافًا لما اشتهر في
الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط منه من أثناء السند
واحد إلا في صورة سقط الصحابي بين التابعي والنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن ذلك يسمى المرسل، (وقول
ابن عباس) -رضي الله عنهما- (رأيته عبدًا أصح) إذ كان حضر
القصة وشاهدها بخلاف الأسود فإنه لم يدخل المدينة في عهد
النبي -صَلَّى اللَّهُ
(9/440)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وحديث الباب سبق في مواضع كثيرة والله الموفق والمعين.
21 - باب إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ
(باب إثم من تبرأ من مواليه).
6755 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِىٌّ - رضى
الله عنه - مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ
كِتَابُ اللَّهِ غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ:
فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا فِيهَا أَشْيَاءُ مِنَ
الْجِرَاحَاتِ وَأَسْنَانِ الإِبِلِ قَالَ: وَفِيهَا
الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ،
فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ
إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ
مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ،
وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا
أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن
مهران (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق
التيمي أنه (قال: قال علي -رضي الله عنه-: ما عندنا كتاب
نقرؤه) وفي باب حرم المدينة من آخر كتاب الحج ما عندنا شيء
(إلا كتاب الله) عز وجل (غير هذه الصحيفة) قال في الكواكب:
غير حال أو استثناء آخر وحرف العطف مقدر كما قال الشافعي
-رحمه الله- عليه التحيات المباركات الصلوات تقديره
والصلوات (قال) يزيد بن شريك: (فأخرجها) أي الصحيفة (فإذا
فيها أشياء) جمع شيء لا ينصرف. قال الكسائي: لكثرة
استعمالها (من الجراحات) بكسر الجيم أي من أحكام الجراحات
(وأسنان الإبل) بفتح همزة أسنان أي إبل الديات أو الزكاة
أو أعمّ (قال): ولأبي ذر وقال (وفيها المدينة) طيبة (حرم)
بفتحتين محرمة (ما بين عير) بفتح العين المهملة وسكون
التحتية بعدها راء جبل بالمدينة (إلى ثور) بفتح المثلثة
قيل إنه اسم جبل بها أيضًا وإن كان المشهور أنه بمكة، وقيل
الصحيح أن بدله أُحد أي ما بين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى أُحد ولأبي ذر إلى كذا بدل قوله إلى ثور
(فمن أحدث فيها حدثًا) مخالفًا لما جاء به النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو آوى) بمدّ الهمزة
(محدثًا) بضم الميم وكسر الدال المهملة أي من نصر جانيًا
وآواه وأجاره من خصمه أو حال بينه وبين أن يقتص منه (فعليه
لعنة الله) أي البعد من الجنة التي هي دار الرحمة في أول
أمره لا مطلقًا (و) لعنة (الملائكة والناس أجمعين لا يقبل)
بضم التحتية وفتح الموحدة (منه يوم القيامة صرف) فرض (ولا
عدل) نفل أو بالعكس أو غير ذلك مما سبق في الحج (ومن والى)
بفتح اللام اتخذ (قومًا) موالي (بغير إذن مواليه) ليس
الإذن لتقييد الحكم بعدم الإذن والقصر عليه وإنما ورد
الكلام بذلك على أنه الغالب (فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين لا يقبل) بضم التحتية (منه يوم القيامة صرف
ولا عدل) ولأبي ذر لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا
عدلاً (وذمة المسلمين واحدة) أي أمان المسلم للكافر صحيح
والمسلمون كنفس واحدة فيه (يسعى بها أدناهم) كالعبد
والمرأة فإذا أمن أحدهم حربيًّا لا يجوز لأحد أن ينقض ذمته
(فمن أخفر) بخاء معجمة ساكنة وفتح الفاء (مسلمًا) أي نقض
عهده (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل
منه يوم القيامة صرف ولا عدل).
وصحح ابن حبان من حديث عائشة مرفوعًا: "من تولى إلى غير
مواليه فليتبوأ مقعده من النار" قال ابن بطال فيما ذكره
عنه في فتح الباري: وفي الحديث أنه لا يجوز للمعتق أن يكتب
فلان ابن فلان بل يقول فلان مولى فلان، ويجوز له أن ينسب
إلى نسبه كالقرشي، وقال غيره: الأولى أن يفصح بذلك أيضًا
كأن يقول القرشي بالولاء أو مولاهم قال: وفيه إن من علم
ذلك وفعله سقطت شهادته لما يترتب عليه من الوعيد وتجب عليه
التوبة والاستغفار.
6756 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -
رضى الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ
هِبَتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن بيع الولاء وعن هبته) لأنه حق إرث المعتق من
العتيق وذلك لأنه غير مقدور التسليم قاله في الكواكب.
22 - باب إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ
وَكَانَ الْحَسَنُ لاَ يَرَى لَهُ وِلاَيَةً.
وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَيُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ
الدَّارِىِّ رَفَعَهُ قَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ
بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِى صِحَّةِ هَذَا
الْخَبَرِ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا أسلم على يديه) وللفربري والأكثر
رجل وللكشميهني الرجل بالتعريف والتنكير أولى والمعنى إذا
أسلم رجل على يدي رجل (وكان الحسن) البصري (لا يرى له)
للذي أسلم على يديه (ولاية) بكسر الواو ولأبي ذر بفتحها
لغتان ولأبي ذر عن الكشميهني ولاء بفتح الواو والهمزة بدل
الياء وبالمد وهذا الأثر وصله سفيان الثوري في جامعه،
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان ورواه
الدارمي عن أبي نعيم عن سفيان، وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا
من طريق يونس عن الحسن لا يرثه إلا إن شاء أوصى له بماله.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الولاء
لمن أعتق)
(9/441)
فخرج به من أسلم على يديه رجل لما في
الرواية الأخرى إنما الولاء لمن أعتق كما لا يخفى وسبق
موصولاً قريبًا.
(ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن تميم) هو ابن أوس بن
خارجة بن سواد اللخمي (الداري) نسبة إلى بني الدار ابن لخم
وكان من أهل الشأم أسلم سنة تسع من الهجرة وكان من أفاضل
الصحابة وله مناقب وفي العزم إفرادها بالتأليف أعانني الله
على ذلك على أحسن المسالك (رفعه) بالحركات ولأبي ذر رفعه
بسكون الفاء وضم العين أي رفع تميم الحديث إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد وصله البخاري في
تاريخه وأبو داود وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في
مسند عمر بن عبد العزيز تأليفه كلهم من طريق عبد العزيز بن
عمر بن عبد العزيز قال: سمعت عبيد الله بن موهب يحدث عن
عمر بن عبد العزيز بن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري أنه
قال: قلت يا رسول الله ما السنة في رجل يسلم على يد رجل من
المسلمين؟ (قال: هو أولى الناس بمحياه ومماته).
قال البخاري رحمه الله: (واختلفوا في صحة هذا الخبر) قال
بعضهم عن ابن موهب سمع تميمًا ولا يصح لقول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الولاء لمن أعتق"، وقال
الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن
عمر عن ابن موهب وابن موهب ليس بالمعروف ولا نعلمه لقي
تميمًا ومثل هذا لا يثبت، وقال الترمذي: إسناده ليس بمتصل
قال: وأدخل بعضهم بين ابن موهب وبين تميم قبيصة رواه يحيى
بن حمزة وقيل إنه تفرّد فيه بذكر قبيصة، ورواه أبو إسحاق
السبيعي بدون ذكر تميم أخرجه النسائي وقال ابن المنذر:
الحديث مضطرب هل هو عن ابن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة
وقال بعض الرواة فيه عن عبد الله بن موهب وبعضهم ابن موهب
وعبد العزيز راويه ليس بالحافظ. قال في الفتح: هو من رجال
البخاري كما في الأشربة لكنه ليس بالمكثر، وأما ابن موهب
فلم يدرك تميمًا، وأشار النسائي إلى أن الرواية التي وقع
التصريح فيها بسماعه من تميم خطأ ولكنه وثّقه بعضهم، نعم
صحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي وقال: إنه حديث حسن صحيح
المخرج ومتصل، وجزم البخاري في التاريخ بأنه لا يصلح
لمعارضة حديث "إنما الولاء لمن أعتق" ويؤخذ منه أنه لو صح
لما قاوم هذا الحديث وعلى التنزل فيتردد في الجمع هل يخص
عموم الحديث المتفق على صحته بهذا فيستثنى منه من أسلم أو
تؤوّل الأولوية في قوله أولى الناس بمعنى النصر والمعاونة
وما أشبه ذلك لا بالميراث ويبقى الحديث المتفق على صحته
على عمومه جنح الجمهور إلى الثاني وبه جزم ابن القصار،
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنه يستمر إن عقل عنه وإن لم يعقل
عنه فله أن يتحول عنه لغيره قاله في الفتح الباري.
6757 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِىَ جَارِيَةً
تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ
وَلاَءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لاَ يَمْنَعُكِ
ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (عن مالك) هو ابن
أنس الأصبحي إمام الأئمة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن
عمر) -رضي الله عنهما- (أن عائشة أم المؤمنين) -رضي الله
عنها- وسقط أم المؤمنين لأبي ذر (أرادت أن تشتري جارية) هي
بريرة (تعتقها) أي لأن تعتقها وهو بضم الفوقية (فقال
أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت لرسول الله) أي
ذكرت عائشة قولهم نبيعكها على أن ولاءها لنا ولأبي ذر
فذكرت ذلك لرسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال):
(لا يمنعك ذلك) بكسر الكاف ولأبي ذر عن الكشميهني لا
يمنعنك بالنون الثقيلة بعد العين (فإنما الولاء لمن أعتق)
اللام للاختصاص كما قاله الكرماني يعني أن الولاء مختص بمن
أعتق وبذل المال في إعتاقه. قال العيني: ويجوز أن تكون
للاستحقاق كهي في قوله تعالى: {ويل للمطففين} [المطففين:
1] واستحقاق المعتق الولاء لا ينافي استحقاق غيره ويجوز أن
تكون للصيرورة وصيرورة الولاء للمعتق لا تنافي صيرورته
لغيره.
6758 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اشْتَرَيْتُ
بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ
ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْطَى
الْوَرِقَ» قَالَتْ: فَأَعْتَقْتُهَا قَالَتْ: فَدَعَاهَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِى
كَذَا وَكَذَا مَا بِتُّ عِنْدَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا.
وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب. قال الحافظ ابن حجر:
وقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري محمد بن سلام
وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني محمد بن يوسف يعني البيكندي
قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) أي ابن
المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد خال
إبراهيم
(9/442)
(عن عائشة -رضي الله عنها-) أنه (قالت:
اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها) أن يكون لهم (فذكرت
ذلك) الاشتراط (للنبي) وتاء ذكرت ساكنة ففيه التفات أي
ذكرت عائشة ذلك للنبي ولأبي ذر لرسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق) بفتح الواو وكسر
الراء الفضة (قالت) عائشة (فأعتقتها قالت) عائشة أيضًا
(فدعاها) أي فدعا بريرة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخيّرها من زوجها) بين المقام معه أو
المفارقة (فقالت: لو أعطاني كذا وكذا) من المال (ما بت
عنده فاختارت) بالفاء ولأبي ذر واختارت (نفسها) وزاد أبو
ذر في روايته قال: وكان زوجها حرًّا، وقد سبق قبل باب من
وجه آخر أن القائل هو الأسود راويه عن عائشة وفي الباب
الذي قبله أن الحكم.
23 - باب مَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلاَءِ
(باب ما يرث النساء من الولاء).
6759 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِىَ
بَرِيرَةَ فَقَالَتْ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْوَلاَءَ؟ فَقَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا همام)
بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي الحافظ
(عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أرادت
عائشة) -رضي الله عنها- (أن تشتري بريرة) فاشترط أهلها أن
يكون ولاؤها لهم (فقالت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إنهم يشترطون الولاء) لهم (فقال النبي)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها:
(اشتريها فإنما الولاء لمن أعتق) فيه دلالة على أن النساء
إذا أعتقن يستحققن الولاء.
6760 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلاَءُ لِمَنْ
أَعْطَى الْوَرِقَ وَوَلِىَ النِّعْمَةَ».
وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) بتخفيف اللام على الأشهر واسمه
محمد قال: (أخبرنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح
أحد الأعلام (عن سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر
(عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة) -رضي
الله عنها- أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الولاء لمن أعطى الورق) الفضة ثمنًا (وولي النعمة) بكسر
اللام المخففة بالاعتاق بعد إعطاء الثمن لأن ولاية النعمة
التي يستحق بها الميراث لا تكون إلا بالعتق والحديث كما
قاله ابن بطال يقتضي أن الولاء لكل معتق ذكرًا كان أو
أنثى، وهو مجمع عليه وليس بين الفقهاء خلف أنه ليس للنساء
من الولاء إلا ما أعتقن أو جره إليهن من أعتق بولادة أو
عتق، وأشار بقوله لمن أعطى الورق إلى أن المراد بقوله لمن
أعتق أن يكون من عتق في ملكه حين العتق لا لمن باشر العتق
فقط. وقوله: وولي النعمة هو لفظ وكيع عن سفيان الثوري عن
منصور تفرّد بها الثوري كما نبه عليه في الفتح والله
الموفق والمعين.
24 - باب مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَابْنُ
الأُخْتِ مِنْهُمْ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (مولى القوم) أي عتيقهم (من
أنفسهم) في النسبة إليهم والميراث منه (وابن الأخت منهم)
لأنه ينسب إلى بعضهم وهي أمه فيرثهم توريث ذوي الأرحام على
القول به وثبت قوله منهم لأبي ذر عن الكشميهني.
6761 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَقَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ» أَوْ كَمَا قَالَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا معاوية بن قرة) بضم القاف وفتح الراء
المشددة ابن إياس بن هلال المدني البصري (وقتادة) بن دعامة
السدوسي كلاهما (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(مولى القوم من أنفسهم أو كما قال).
6762 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ابْنُ أُخْتِ
الْقَوْمِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ابن أخت القوم منهم أو) قال (من أنفسهم) في المعاونة
والانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك لا في الميراث، وتمسك به
من قال: بأن ذوي الأرحام يرثون كما ترث العصبات وهو قول
الحنفية وغيرهم، والشك من الراوي، وأورد الحديث هنا
مختصرًا وتامًّا في مناقب قريش في باب ابن أخت القوم منهم.
25 - باب مِيرَاثِ الأَسِيرِ
قَالَ: وَكَانَ شُرَيْحٌ يُوَرِّثُ الأَسِيرَ فِى أَيْدِى
الْعَدُوِّ وَيَقُولُ: هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ وَقَالَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَجِزْ وَصِيَّةَ
الأَسِيرِ وَعَتَاقَهُ، وَمَا صَنَعَ فِى مَالِهِ مَا لَمْ
يَتَغَيَّرْ عَنْ دِينِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ مَالُهُ
يَصْنَعُ فِيهِ مَا يَشَاءُ.
(باب) حكم (ميراث الأسير) في يد العدوّ وسواء عرف خبره أم
لا. (قال) أي البخاري (وكان شريح) بضم الشين المعجمة وفتح
الراء آخره حاء مهملة ابن الحارث القاضي الكندي الكوفي
(يورث الأسير) بفتح الواو وكسر الراء مشددة (في أيدي
العدوّ ويقول هو أحوج إليه) أي إلى ميراثه وهذا وصله ابن
أبي شيبة والدارمي (وقال عمر بن عبد العزيز) مما وصله عبد
الرزاق لإسحاق بن راشد فيما كتب إليه (أجز) بهمزة مفتوحة
فجيم مكسورة فزاي
(9/443)
مجزوم بالأمر (وصية الأسير) بنصب وصية على
المفعولية (وعتاقه) بفتح العين وبعد القاف هاء ولأبي ذر
وعتاقته بفوقية بعد القاف (وما صنع في ماله ما لم يتغير عن
دينه) دين الإسلام إلى غيره طائعًا (فإنما هو ماله يصنع
فيه ما يشاء). بلفظ المضارع، ولأبي ذر عن الكشميهني ما شاء
بلفظ الماضي.
6763 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ عَدِىٍّ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ
كَلاًّ فَإِلَيْنَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) هو ابن ثابت
الأنصاري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان
الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من ترك مالاً) بعد وفاته (فلورثته ومن ترك كلاًّ) بفتح
الكاف واللام المشددة عيالاً (فإلينا).
وهذا الحديث يؤيد قول الجمهور أن الأسير إذا وجب له ميراث
يوقف له لأنه إذا كان مسلمًا دخل تحت عموم قوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من ترك مالاً فلورثته" وعن
سعيد بن المسيب أنه لم يورث الأسير في أيدي العدوّ.
والحديث مرّ في الاستقراض.
26 - باب لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ
وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَإِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ
أَنْ يُقْسَمَ الْمِيرَاثُ فَلاَ مِيرَاثَ لَهُ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر
المسلم وإذا أسلم) الكافر (قبل أن يقسم الميراث) المخلف عن
أبيه أو أخيه (فلا ميراث له) لأن الاعتبار بوقت الموت لا
بوقت القسمة عند الجمهور.
6764 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى
الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ،
وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ابن
جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن علي بن حسين) المشهور بزين العابدين (عن عمر)
بضم العين (ابن عثمان) بن عفان القرشي العدوي، ولأبي ذر عن
عمرو بفتح العين بدل عمر ضمها وكلاهما ولد لعثمان واتفق
الرواة عن الزهري أن عمرو بن عثمان بفتح العين وسكون الميم
إلا أن مالكًا وحده قال عمر بضم أوله وفتح الميم (عن أسامة
بن زيد -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يرث المسلم الكافر) وذهب معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن
المسيب ومسروق إلى أنه يرث منه لقوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" وحجة
الجمهور هذا الحديث الصحيح. وأجابوا عن حديث: الإسلام يعلو
بأن معناه فضل الإِسلام وليس فيه تعرض للإِرث فلا يترك
النص الصريح لذلك (ولا) يرث (الكافر المسلم) إجماعًا ولا
يرث نحو مرتد كيهودي تنصّر أحدًا إذ ليس بينه وبين أحد
موالاة في الدين لأنه ترك دينًا يقر عليه ولا يقر على دينه
الذي انتقل إليه، ولا يورث لذلك كزنديق وهو من لا يتدين
بدين فلا يرث ولا يورث لذلك، وأما المسلم من المرتد فقال
مالك والشافعي: لا يرث المسلم المرتد، وقال أبو حنيفة
والثوري: يرثه، لكن قال أبو حنيفة: ما اكتسبه في ردته لبيت
المال وما اكتسبه في الإسلام فهو لورثته المسلمين، وأما
الكافران فيتوارثان وإن اختلفت ملتهما كيهودي ونصراني أو
مجوسي أو وثني، لأن الملل في البطلان كالملة الواحدة ومن
به رق ولو مدبرًا أو مكاتبًا فلا يرث ولا يورث لنقصه ولأنه
لو ورث الملك واللازم باطل إلا مبعضًا فيورث ما ملكه
بحريته لتمام ملكه عليه ولا شيء لسيده منه لاستيفاء حقه
مما اكتسبه بالرقية ولا يرث قاتل من مقتوله وإن لم يضمن
بقتله لحديث: ليس للقاتل شيء أي من الميراث. رواه الترمذي
بسند صحيح، ولأن الإرث للموالاة والقاتل قطعها ومن فقد وقف
ماله حتى تقوم بيّنة بموته أو يحكم بموته قاض بعد مضي مدة
من ولادته لا يعيش فوقها ظنًّا فيعطى ماله من يرثه حينئذ.
والحديث سبق في المغازي والله أعلم.
27 - باب مِيرَاثِ الْعَبْدِ النَّصْرَانِىِّ وَمُكَاتَبِ
النَّصْرَانِىِّ وَإِثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ
(باب ميراث العبد النصراني ومكاتب النصراني) ولأبي ذر
والمكاتب (وإثم من انتفى من ولده) ولأبي ذر باب من انتفى
من ولده ومذهب العلماء أن العبد النصراني إذا مات فماله
لسيده بالرق ولأن ملك العبد غير صحيح فيستحقه السيد لا
بطريق الميراث، وأما المكاتب فإن مات قبل أداء كتابته وكان
في ماله وفاء لباقي كتابته أخذ ذلك في كتابته فما فضل
فلبيت المال وأما إثم من انتفى من ولده ففي حديث أبي هريرة
مرفوعًا عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم
(9/444)
أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب
الله عنه، وفي سنده عبد الله بن يونس حجازي ما روى عنه سوى
يزيد بن الهاد، ولم يذكر المؤلّف حديثًا هنا، ولعله أراد
أن يلحق فيه ما هو على شرطه فاخترمته المنية قبل.
28 - باب مَنِ ادَّعَى أَخًا أَوِ ابْنَ أَخٍ
(باب) حكم (من ادّعى أخًا أو ابن أخ).
6765 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ
سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِى
غُلاَمٍ فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ
أَخِى عُتْبَةَ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَىَّ
أَنَّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ وَقَالَ عَبْدُ
بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِى يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ
عَلَى فِرَاشِ أَبِى مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا
بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ،
الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ
وَاحْتَجِبِى مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ»
قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن
الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اختصم سعد بن
أبي وقاص) مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري شهد
المشاهد كلها وهو أحد العشرة (وعبد بن زمعة) بن قيس بن عبد
شمس القرشي العامري أخو سودة بنت زمعة أم المؤمنين -رضي
الله عنهما- (في غلام) اسمه عبد الرَّحمن (فقال سعد: هذا)
الغلام عبد الرَّحمن (يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي
وقاص) ذكره ابن منده في الصحابة مستدلاً بقول أخيه سعد هنا
(عهد إليّ أنه ابنه انظر إلى شبهه) وليس في ذلك ما يدل على
إسلامه وقد اشتد إنكار أبي نعيم على ابن منده في ذلك وقال:
إنه الذي كسر رباعية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وما علمت له إسلامًا اهـ.
وبالجملة فليس في شيء من الآثار ما يدل على إسلامه بل فيها
ما يصرح بموته على الكفر والله أعلم.
(وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش
أبي) زمعة (من وليدته) أي أمته (فنظر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى شبهه فرأى شبهًا بيّنًا
بعتبة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(هو) أي الغلام أخ (لك يا عبد) ولأبي ذر: يا عبد بن زمعة
فألحقه عليه الصلاة والسلام به لما استلحقه لأن إقراره
قائم مقام الأب الميت في حياته فيثبت نسبه وقال مالك وأبو
حنيفة: لا يثبت. (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أي الخيبة
(واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة) تورعًا واحتياطًا (قالت:
فلم ير سودة) الغلام (قط) ولأبي ذر عن الكشميهني بعد قوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احتجبي منه. ورأيت
في هامش فرع اليونينية وقال: إنه منقول منها هذا الباب في
نسخة أبي ذر قبل باب ميراث العبد النصراني، ويليه أعني باب
ميراث العبد النصراني باب إثم من انتفى من ولده ورقّم على
باب من ادّعى أخًا أو ابن أخ علامة المستملي والكشميهني
انتهى.
29 - باب مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ
(باب من ادّعى) أي انتسب (إلى غير أبيه).
6766 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ
ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِى
عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ
أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد هو
ابن عبد الله) الطحان الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن
مهران الحذاء (عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن النهدي (عن
سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(من ادعى إلى غير أبيه وهو) أي والحال أنه (يعلم أنه غير
أبيه فالجنة عليه حرام) إن استحل ذلك أو هو محمول على
الزجر والتغليظ للتنفير عنه، واستشكل بأن جماعة من خيار
الأمة انتسبوا إلى غير آبائهم كالمقداد بن الأسود إذ هو
ابن عمرو. وأجيب: بأن الجاهلية كانوا لا يستنكرون أن يتبنى
الرجل غير أبيه الذي خرج من صلبه فينسب إليه ولم يزل ذلك
في أول الإسلام حتى نزل {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} ونزل:
{ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] فغلب على بعضهم النسب الذي
كان يدعى به قبل الإسلام فصار إنما يذكر للتعريف بالأشهر
من غير أن يكون من المدعو وتحول عن نسبه الحقيقي فلا
يقتضيه الوعيد إذ الوعيد المذكور إنما تعلق بمن انتسب إلى
غير أبيه على علم منه بأنه ليس أباه.
6767 - فَذَكَرْتُهُ لأَبِى بَكْرَةَ فَقَالَ: وَأَنَا
سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال أبو عثمان النهدي (فذكرته) أي الحديث (لأبي بكرة) نفيع
(فقال: وأنا سمعته أذناي) بفتح العين وسكون الفوقية (ووعاه
قلبي من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
والحديث تقدّم في غزوة حنين.
6768 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ
أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالصاد المهملة والغين المعجمة
بينهما موحدة مفتوحة (ابن الفرج) بالفاء والجيم الفقيه قال
ابن معين: كان أعلم خلق الله برأي مالك قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر أخبرنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني)
بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (عن جعفر بن
ربيعة) الكندي (عن عراك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء
وبعد الألف كاف ابن مالك
(9/445)
الغفاري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه) وانتسب لغيره (فهو
كفر) ولأبي ذر عن الكشميهني فقد كفر أي كفر النعمة، فليس
المراد الكفر الذي يستحق عليه الخلود في النار بل كفر حق
أبيه أي ستر حقه أو المراد التغليظ والتشنيع عليه إعظامًا
لذلك، وإلاّ فكل حق شرعي إذا ستر فستره كفر ولم يعبر في كل
ستر على حق بهذا اللفظ، وإنما عبّر به في المواضع التي
يقصد فيها الذم البليغ وتعظيم الحق الستور.
والحديث سبق في مناقب قريش.
30 - باب إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ ابْنًا
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا ادعت المرأة ابنًا)
بتشديد الدال المهملة من ادعت.
6769 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ
الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ
لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ وَقَالَتِ
الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا
إِلَى دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، فَقَضَى بِهِ
لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ
- عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ:
ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتِ
الصُّغْرَى: لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ
ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ،
إِلاَّ يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ: إِلاَّ
الْمُدْيَةَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن) عبد الرَّحمن بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(كانت امرأتان) أي يسميا (معهما ابناهما) أي يسميا أيضًا
(جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب)
الذئب (بابنك وقالت) ولأبي ذر فقالت (الأخرى إنما ذهب
بابنك فتحاكما) أي المرأتان وذكر باعتبار الشخصين ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي فتحاكمتا (إلى داود عليه السلام فقضى
به) بالولد الباقي (للكبرى) للمرأة الكبرى منهما لكونه كان
في يدها وعجزت عن إقامة البيّنة (فخرجتا على سليمان بن
داود عليهما السلام فأخبرتاه) بالقصة (فقال: ائتوني
بالسكين) بكسر السين وسميت سكينًا لأنها تسكن حركة الحيوان
(أشقه) أي الولد (بينهما) نصفين، وفي سنن النسائي الكبرى
فقالت الكبرى نعم اقطعوه (فقالت الصغرى) منهما له (لا
تفعل) ذلك (يرحمك الله هو ابنها) أي ابن الكبرى (فقضى به
للصغرى) لجزعها الدال على عظيم شفقتها، ولم يعمل بإقرارها
بأنه لصاحبتها. واستشكل نقض سليمان حكم أبيه داود. وأجيب:
بأنهما حكما بالوحي وحكم سليمان كان ناسخًا أو كان
بالاجتهاد، وجاز النقض لدليل أقوى، وتعقب الأول بأن سليمان
حينئذ لم يكن يوحى إليه إذ كان عمره حينئذ إحدى عشرة سنة.
(قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالسند السابق: (والله إن
سمعت) بكسر الهمزة أي ما سمعت (بالسكين قط إلا يومئذ وما
كنا نقول إلاّ المدية) بضم الميم وتكسر وتفتح وقيل لها
مدية لأنها تقطع مدى حياة الحيوان.
والحديث سبق في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء.
31 - باب الْقَائِفِ
(باب) حكم (القائف) بالقاف وآخره فاء وهو الذي يعرف الشبه
ويميز الأثر.
6770 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ
عَلَىَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ:
«أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إِلَى
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ:
إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد إمام المصريين (عن ابن شهاب) محمد الزهري
(عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دخل عليّ) بتشديد الياء البيت حال كونه (مسرورًا) حال كونه
(تبرق) تضيء وتستنير من السرور (أسارير وجهه) وهي الخطوط
التي في الجبهة واحدها سر وسرر وجمعها أسرار وأسرة وجمع
الجمع أسارير (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ألم تري) حرف جزم ومعه همزة التقرير وتري مجزوم به بحذف
النون والرؤية علمية وسدت إن في قوله (أن مجززًا) مسدّ
مفعوليها ولذا فتحت أن ومجززًا بضم الميم وفتح الجيم وكسر
الزاي الأولى المشددة وتفتح اسم إن وسمي مجززًا لأنه كان
يجز ناصية الأسير في زمن الجاهلية ويطلقه وهو ابن الأعور
بن جعدة المدلجي (نظر آنفًا) خبر إن وآنفًا بالمدّ ويقصر
زمان أي الساعة (إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن
هذه الأقدام عضها من) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لمن
(بعض) أي لكائنة من بعض أو مخلوقة من بعض كقوله تعالى:
{بعضكم من بعض} [النساء: 25] أي مخلوقون من بعض وسبب سروره
عليه الصلاة والسلام أن الجاهلية كانت تقدح في نسب أسامة
لكونه أسود شديد السواد لكون أمه كانت سوداء وزيد أبيض من
القطن، فلما قال مجزز ما قال مع اختلاف اللون سر
(9/446)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لكونه كافأ لهم
عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح وأبو داود في الطلاق
والترمذي في الولاء والنسائي في الطلاق.
6771 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ
مَسْرُورٌ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ
مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِىَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ
وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا
رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا؟ فَقَالَ: إِنَّ
هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن
عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن
عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: دخل عليّ رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم) أي يومًا
البيت وهو من إضافة المسمى إلى اسمه أو ذات مقحم (وهو
مسرور فقال):
(يا) ولأبي ذر: أي (عائشة ألم تري أن مجززًا المدلجي) بضم
الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام والجيم بعدها تحتية
نسبة إلى مدلج بن مرّة بن عبد مناف بن كنانة وكانت القيافة
فيهم، وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك وليس ذلك خاصًّا
بهم على الصحيح، فرُوِيَ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
كان فائقًا وقد كان قرشيًّا لا مدلجيًّا ولا أسديًّا (دخل
عليّ) بتشديد الياء وسقط لغير أبي ذر عليّ (فرأى أسامة)
زاد أبو ذر: ابن زيد (وزيدًا) أي ابن حارثة (وعليهما
قطيفة) أي كساء (قد غطيا رؤوسهما) بها (وبدت أقدامهما) أي
ظهرت (فقال: إن هذه الأقدام بعضها) كائنة أو مخلوقة (من
بعض).
وفي الحديث العمل بالقافة لتقريره -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال
الحنفية: الحكم بها باطل لأنها حدس، وذلك لا يجوز في
الشريعة، وليس في حديث الباب حجة في إثبات الحكم بها لأن
أسامة كان قد ثبت نسبه قبل ذلك فلم يحتج الشارع في إثبات
ذلك إلى قول احد، وإنما تعجب من إصابه مجزز.
ووجه إدخال هذا الحديث في كتاب الفرائض الردّ على من زعم
أن القائف لا يعتبر بقوله فإن من اعتبر قوله فعمل به لزم
منه حصول التوارث بين الملحق والملحق به. |