شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
86 - كتاب الحدود
(كتاب الحدود) جمع حد وهو الحاجز بين الشيئين يمنع اختلاط
أحدهما بالآخر، وحدّ الزنا والخمر سمي به لكونه مانعًا
لمتعاطيه عن معاودة مثله مانعًا لغيره أن يسلك مسلكه، وفي
رواية أبي ذر تأخير البسملة عن لفظ كتاب.
(وما يحذر من الحدود) أي كتاب بيان أحكام الحدود وبيان
الحدود وبيان ما يحذر من الحدود ولأبي ذر عن المستملي باب
ما يحذر من الحدود وتطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي ولم
يذكر البخاري هنا حديثًا.
1 - باب لاَ يُشْرَبُ الْخَمْرُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الإِيمَانِ فِى الزِّنَا
هذا (باب) بالتنوين (لا يشرب الخمر) بضم التحتية وفتح
الراء مبنيًّا للمفعول والخمر رفع نائب الفاعل وللمستملي
فيما ذكره في الفتح وهو في اليونينية لأبي ذر باب الزنا
وشرب الخمر أي التحذير من تعاطيهما، وسقط لأبي ذر لا يشرب
الخمر (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: مما وصله ابن أبي
شيبة في كتاب الإيمان (ينزع منه) بضم أوله وفتح الزاي
والضمير في منه للزاني (نور الإيمان في الزنا). ورواه أبو
جعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس سمعت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من زنى نزع الله منه
نور الإِيمان من قلبه فإن شاء أن يرده إليه ردّه". وفي
حديث أبي هريرة مرفوعًا عند أبي داود: "إذا زنى الرجل خرج
منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه
الإيمان". ويحتمل أن يكون الذي نقص منه الحياء المعبر عنه
بالنور والحياء من الإِيمان.
6772 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى
وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ
وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ
مُؤْمِنٌ، وَلاَ
يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا
أَبْصَارَهُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ». وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ إِلاَّ النُّهْبَةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن بكير)
بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري وبكير اسم
جده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام
(عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري (عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن) بن
الحارث بن هشام المخزومي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) إذا استحله مع العلم
بتحريمه أو يسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة فإذا فارقها
عاد إليه أو هو من باب التغليظ للتنفير عنه أو معناه نفي
الكمال وإلا فالمعصية لا تخرج المسلم عن الإيمان خلافًا
للمعتزلة المكفرين بالذنب القائلين بتخليد العاصي في النار
(ولا يشرب الخمر حين يشربـ) ـه (وهو مؤمن) إذا استحله كما
مرّ
(9/447)
(ولا يسرق حين يسرق) ولأبي ذر ولا يسرق
السارق حين يسرق (وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة) بضم النون
مالاً منهوبًا جهرًا قهرًا ظلمًا لغيره (يرفع الناس إليه)
إلى الناهب (فيها أبصارهم) لا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا
إليه (وهو مؤمن) أو هو كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة
لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون في خفية
والانتهاب أشدّ لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة ولم
يذكر الفاعل في الشرب وما بعده ففيه كما قال ابن مالك حذف
الفاعل لدلالة الكلام عليه والتقدير: ولا يشرب الشارب
الخمر الخ .. ولا يرجع الضمير إلى الزاني لئلا يختص به بل
هو عام في كل من شرب، وكذا في الباقي وقد ذكر الفاعل في لا
يسرق في رواية أبي ذر كما مرّ.
والحديث أخرجه مسلم في الأشربة وابن ماجة في الفتن.
(وعن ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (عن سعيد بن المسيب
وأبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف كلاهما (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بمثله) أي بمثل حديث أبي بكرة عن أبي هريرة رضي
الله عنه هذا (إلا النهبة) فليست فيه.
2 - باب مَا جَاءَ فِى ضَرْبِ شَارِبِ الْخَمْرِ
(باب ما جاء في ضرب شارب الخمر).
6773 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح حَدَّثَنَا آدَمُ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَرَبَ فِى الْخَمْرِ
بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ
أَرْبَعِينَ. [الحديث 6773 - طرفه في: 6776].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي
الحوضي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة
(عن أنس) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) للتحويل.
قال البخاري بالسند إليه: (وحدّثنا آدم) ولأبي ذر: ابن أبي
إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة عن
أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضرب) أي أمر بالضرب (في الخمر بالجريد
والنعال) الباء في بالجريد باء الآلة والجريد سعف النخل
وسمي به لأنه جرد عن الخوص (وجلد) أي أمر بالجلد فيه (أبو
بكر) الصديق -رضي الله عنه- في خلافته (أربعين) جلدة، وهذا
لفظ طريق هشام عن قتادة وأما لفظ طريق شعبة فأخرجه البيهقي
في الخلافيات من طريق جعفر بن محمد القلانسي عن آدم شيخ
البخاري فيه بلفظ: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أتي برجل شرب الخمر فضربه بجريدتين نحوًا من
أربعين، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك فلما كان عمر استشار الناس
فقال له عبد الرَّحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون ففعله
عمر.
وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة
مثل رواية آدم إلا أنه قال: وفعله أبو بكر فلما كان عمر أي
في خلافته استشار الناس فقال عبد الرَّحمن بن عوف: أخف
الحدود ثمانون، وأمر به عمر ولم يقل عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين، نعم في رواية مسلم
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يضرب في
الخمر بالنعال والجريد أربعين، وقوله في الرواية السابقة:
نحوًا من أربعين قيل لا بدّ من تأويله بأنه إنما عبر بنحو
لعدم التساوي في الضرب والآلة، وإلاّ فالحدود إنما تكون
محدودة وكون الراوي حاكيًا ذلك عن واقعة لا يلزم منه أن
يكون تقريبًا بل تحديدًا وإن كان الراوي لم يحرر التحديد
فيه فغايته أن يكون أربعين فوجب القول بأنها الحد، لا سيما
وانضم إليها رواية مسلم السابقة ونحوها مما فيه الجزم
بالأربعين ونحو قد تأتي بمعنى مثل، وفي مسلم أيضًا من طريق
معاذ بن هشام عن أبيه ثم جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر
ودنا الناس من الريف والقرى قال: ما ترون في جلد الخمر؟
فقال عبد الرَّحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود قال:
فجلد عمر ثمانين والريف بكسر الراء كل أرض فيها زرع ونخل
أو ما قارب المياه من أرض العرب وغيرها، أو ما فيه زرع
وخصب أو هو الخصب والسعة في المأكل والمشرب، وعند النسائي
من طريق يزيد بن هارون عن شعبة فضربه بالنعال نحوًا من
أربعين ثم أتى به أبو بكر فصنع به مثل ذلك، ورواه همام عن
قتادة بلفظ. فأمر قريبًا من عشرين رجلاً فجلده كل رجل
جلدتين بالجريد أخرجه أحمد والبيهقي.
قال في الفتح: وبهذا يجمع بين ما اختلف فيه على شعبة وأن
جملة الضربات كانت نحو أربعين بجريدتين فتكون الجملة
ثمانين.
(9/448)
وفي مسلم من طريق حضين بحاء مهملة وضاد
معجمة مصغرًا ابن المنذر أن عثمان أمر عليًّا بجلد الوليد
بن عقبة في الخمر فقال لعبد الله بن جعفر: اجلده فجلده
فلما بلغ أربعين قال: أمسك جلد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد
عمر ثمانين وكل سنّة. وهذا
أحبّ إليّ ففيه الجزم بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جلد أربعين، وسائر الأخبار ليس فيه عدد إلا بعض
الروايات عن أنس ففيه نحو الأربعين والجمع بينهما أن
عليًّا أطلق الأربعين فهو حجة على من ذكرها بلفظ التقريب،
فمذهب الشافعية أن حدّ الحرّ أربعون جلدة لما سبق، وحدّ
غيره ولو مبعضًا عشرون على النصف من الحر كنظائره متوالية
في كل من الأربعين والعشرين بحيث يحصل بها زجر وتنكيل فلا
تفرق على الأيام والساعات لعدم الإِيلام، وللإِمام زيادة
على الحدّ إن رآه فيبلغ الحد ثمانين وغيره أربعين كما فعله
عمر -رضي الله عنه- ورآه عليّ -رضي الله عنه- قال: لأنه
إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وحدّ الافتراء
ثمانون. رواه الدارقطني فجعل سبب السبب سببًا وأجرى على
الأول ما أجرى على الآخر، والزيادة على الحدّ تعازير لا
حدّ وإلاّ لما جاز تركها.
واعترض بأن وضع التعزير النقص عن الحد فكيف يساويه؟ وأجيب:
بأن ذلك تعازير لأن ذلك لجنايات تولدت من الشارب. قال
الرافعي: وليس شافيًا فإن الجناية لم تتحقق حتى يعزر
والجنايات التي تتولد من الخمر لا تنحصر فلتجز الزيادة على
الثمانين وقد منعوها قال: وفي قصة تبليغ الصحابة الضرب
ثمانين ألفاظ مشعرة بأن الكل حد وعليه فحد الشارب مخصوص من
بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه ويتعلق بعضه باجتهاد
الإمام، ومذهب الحنفية والمالكية أن الثمانين حد وكذا عند
الحنابلة على الصحيح عندهم، وقد اختلف النقل عن الصحابة في
التحديد والتقدير في الحد، والذي تحصل من ذلك ستة. أحدها:
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يجعل في
ذلك حدًّا معلومًا بل كان يقتصر على ضرب الشارب على ما
يليق به. الثاني: أنه أربعون بغير زيادة. الثالث: مثله لكن
للإمام أن يبلغ به ثمانين وهل الزيادة من تمام الحد أو
تعزير قولان: الرابع: أنه ثمانون بغير زيادة عليها.
الخامس: كذلك وتجوز الزيادة تعزيرًا. السادس: إن شرب فجلد
ثلاث مرات فعاد فى الرابعة وجب قتله، وقيل إن شرب أربعًا
فعاد في الخامسة وجب قتله وهو قول شاذ.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود وكذا الترمذي وابن ماجة.
3 - باب مَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ الْحَدِّ فِى الْبَيْتِ
(باب من أمر بضرب الحد في البيت).
6774 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: جِىءَ
بِالنُّعَيْمَانِ أَوْ بِابْنِ النُّعَيْمَانِ شَارِبًا
فَأَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَنْ كَانَ بِالْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ قَالَ:
فَضَرَبُوهُ فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ
بِالنِّعَالِ.
وبه قال: (حدثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب)
بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي
مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله واسم أبي مليكة زهير بن
عبد الله بن جدعان (عن عقبة بن الحارث) بن عامر بن نوفل
أبي سروعة القرشي المكي هو من أفراد البخاري أنه
(قال: جيء بالنعيمان) بالتصغير (أو بابن النعيمان) بالشك
من الراوي وجيء بالبناء للمجهول وسبق في الوكالة أن الذي
جاء به هو عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- كما رواه
الإسماعيلي ولفظه جئت بالنعيمان (شاربًا) نصب على الحال أي
شاربًا مسكرًا أي متصفًا بالسكر لأنه حين جيء به لم يكن
شاربًا حقيقة بل كان سكران (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كان بالبيت) وفي نسخة من كان في
البيت (أن يضربوه قال) عقبة: (فضربوه فكنت أنا فيمن ضربه
بالنعال) بكسر النون.
وفي الحديث جواز ضرب الحدّ في البيوت سرًّا خلافًا لمن
منعه محتجًا بظاهر ما روي عن عمر في قصة ولده عبد الرَّحمن
أبي شحمة لما شرب بمصر فحدّه عمرو بن العاص في البيت أن
عمر -رضي الله عنه- أنكر عليه، وأحضر ولده أبا شحمة وضربه
الحد جهرًا كما رواه ابن سعد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح
عن ابن عمر مطوّلاً والجمهور على الاكتفاء وحملوا صنيع عمر
على المبالغة في تأديب ولده لا أن إقامة الحد لا تصح إلا
جهرًا.
والحديث سبق في الوكالة.
4 - باب الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ
(باب الضرب بالجريد والنعال) في شرب الخمر.
6775 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُتِىَ بِنُعَيْمَانَ أَوْ بِابْنِ نُعَيْمَانَ
وَهْوَ سَكْرَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ مَنْ فِى
الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ
وَالنِّعَالِ وَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال:
(9/449)
(حدّثنا وهيب بن خالد) بضم الواو ابن عجلان
الباهلي مولاهم أبو بكر البصري (عن أيوب) السختياني (عن
عبد الله بن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وهو جده (عن
عقبة بن الحارث) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بنعيمان) بضم النون (أو بابن
نعيمان) بضم النون أيضًا بالشك هل الذي أتي به نعيمان أو
ابنه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالنعيمان أو بابن
النعيمان بزيادة ألف ولام فيهما (وهو سكران) بعدم الصرف
(فشق) ذلك (عليه) زاده الله شرفًا لديه وعند النسائي فشق
على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشقة شديدة
(وأمر من في البيت أن يضربوه) الحد (فضربوه بالجريد
والنعال) قال عقبة (وكنت) بالواو ولأبي ذر فكنت (فيمن
ضربه) وفيه أن الحد يحصل بالضرب بالجريد والنعال وكذا
بالعصا المعتدلة وأطراف الثياب بعد فتلها حتى تشتد إذ
القصد الإيلام وكذا بالسوط وتمسك به من قال: يجوز إقامة
الحد على السكران في حال سكره، والجمهور على خلافه، وأولوا
الحديث بأن المراد ذكر سبب الضرب لا أن ذلك الوصف استمر به
في حال ضربه لأن المقصود بالضرب في الحد الإيلام ليحصل
الردع به.
وسبق في الباب الذي قبل هذا أن في كتاب الوكالة أن في
رواية للإسماعيلي جئت بالنعيمان من غير شك، وكذا عند
الزبير بن بكار وابن منده بغير شك أيضًا وهو النعيمان بن
عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك
بن النجار الأنصاري شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها، وكان
كثير المزاح يضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من مزاحه وهو صاحب سويبط بن حرملة فقال يومًا
له: لأغيظنك فجاء إلى أناس جلبوا ظهرًا فقال: ابتاعوا منا
غلامًا عربيًّا فارهًا وهو ذو لسان، ولعله يقول: أنا حرّ
فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لا تفسدوا عليّ غلامي فقالوا
بل نبتاعه منك بعشر قلائص فأقبل بها يسوقها وأقبل بالقوم
حتى عقلوه ثم قال: دونكم هذا هو فجاء القوم فقالوا قد
اشتريناك فقال سويبط: هو كاذب أنا رجل حرّ فقالوا قد
أخبرنا خبرك فطرحوا الحبل في رقبته وذهبوا به وجاء أبو بكر
فأخبر به فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص وأخذوه، فلما
عادوا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأخبروه الخبر ضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأصحابه حولاً.
وروي أنه جاء أعرابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه فقال
بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لنعيمان لو نحرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا إلى اللحم ويغرم
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثمنها قال:
فنحرها نعيمان ثم خرج الأعرابي فصاح به واعقرياه يا محمد،
فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال "من
فعل هذا": قالوا نعيمان فأتبعه يسأل عنه فوجدوه في دار
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب مستخفيًا فأشار إليه رجل
ورفع صوته يقول: ما رأيته يا رسول الله وأشار بإصبعه حيث
هو فأخرجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال له: "ما حملك على هذا"؟ قال: الذين دلوك عليّ يا رسول
الله هم الدين أمروا فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح وجهه ويضحك وغرم ثمنها وكان يشرب
الخمر فلما كثر ذلك منه قال له رجل من أصحاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعنك الله فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تفعل فإنه يحب الله
ورسوله".
6776 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ،
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَلَدَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو
بَكْرٍ أَرْبَعِينَ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي البصري
قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن
دعامة السدوسي (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: جلد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخمر
بالجريد والنعال وجلد أبو بكر) -رضي الله عنه- (أربعين)
ولا منافاة بين قوله ضرب وجلد لأن المراد من قوله جلد ضرب
فأصاب جلده وليس المراد ضربه بالجلد.
6777 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ
أَنَسٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ: «اضْرِبُوهُ» قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -: فَمِنَّا الضَّارِبُ
بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ
اللَّهُ قَالَ: لاَ تَقُولُوا هَكَذَا لاَ تُعِينُوا
عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ. [الحديث 6777 - طرفه في: 6781].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو ضمرة
أنس) أي ابن عياض (عن يزيد بن الهاد) هو يزيد من الزيادة
ابن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد نسبه
إلى جده الأعلى (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد
التيمي (عن أبي سلمة)
(9/450)
بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: أُتي) بضم الهمزة (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل) يحتمل أن يكون هو
النعيمان أو عبد الله الذي كان يلقب حمارًا والثاني أقرب
(قد شرب) خمرًا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(اضربوه) أي يذكر عددًا فقيل لأنه لم يكن محدودًا بعدد
مخصوص حينئذٍ (قال أبو هريرة رضي الله عنه فمنا الضارب
بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه) أي بعد فتله للإيلام
(فلما انصرف) من الضرب (قال بعض القوم) قيل إنه عمر -رضي
الله عنه- (أخزاك الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لا تقولوا هكذا) أي لا تدعوا عليه بالخزي وهو
الذل والهوان (لا تعينوا عليه الشيطان) لأن الشيطان يريد
بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه
بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان وقال البيضاوي: لا
تدعوا عليه بهذا الدعاء، فإن الله إذا أخزاه استحوذ عليه
الشيطان أو لأنه إذا سمع منكم انهمك في المعاصي وحمله
اللجاج والغضب على الإصرار فيصير الدعاء وصلة ومعونة في
إغوائه وتسويله.
والحديث أخرجه أبو داود في الحدود.
6778 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ سَمِعْتُ
عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ
عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: مَا
كُنْتُ لأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ، فَيَمُوتَ فَأَجِدَ
فِى نَفْسِى إِلاَّ صَاحِبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ
مَاتَ وَدَيْتُهُ وَذَلِكَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسُنَّهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي بفتح
المهملة والجيم ثم موحدة البصري قال: (حدّثنا خالد بن
الحارث) بن عبيد بن سالم الهجيمي البصري قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري قال: (حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر
الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي قال: (سمعت
عمير بن سعيد) بضم العين وفتح الميم في الأول وكسر العين
في الثاني (النخعي قال: سمعت علي بن أبي طالب -رضي الله
عنه-) أنه (قال: ما كنت لأقيم) اللام لتأكيد النفي (حدًّا
على أحد فيموت فأجد في نفسي) أي فأحزن عليه والفعلان
بالنصب كذا في الفرع ونص عليه في الفتح وقال الكرماني
فيموت بالنصب فأجد بالرفع وقوله فيموت مسبب عن أقيم وأجد
مسبب عن السبب والمسبب معًا والاستثناء في قوله (إلا صاحب
الخمر) منقطع فصاحب يجب نصبه إلا عند تميم أي لكن أجد من
حد صاحب الخمر إذا مات شيئًا، ويجوز أن يقدر ما أجد من موت
أحد يقام عليه الحد شيئًا إلا من موت صاحب الخمر فيكون
متصلاً قاله في شرح المشكاة وصاحب
الخمر أي شارب الخمر (فإنه لو مات وديته) بتخفيف الدال
المهملة أعطيت ديته لمن يستحقها. وعند النسائي وابن ماجة
من رواية الشعبي عن عمير بن سعيد قال: سمعت عليًّا يقول:
من أقمنا عليه حدًّا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في
الخمر.
وقال في المصابيح: فإن قلت: لا شك أن الاستثناء المتقدم
متصل وحكمه نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه ضرورة أن
الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس وحكم المستثنى منه عدم
الوجدان في النفس والثابت للمستثنى كونه يودى وليس نقيضًا
للأول. وأجاب: بأنه يلزم من القيام بديته ثبوت الوجدان في
النفس من أمره ولذلك يديه على تقدير موته فهو حينئذٍ جار
على القاعدة والمعنى فإنه لو مات وجدت في نفسي منه فوديته
فحذف السبب وأقام المسبب مقامه.
(وذلك) إشارة إلى قوله ما كنت لأقيم الخ (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يسنه) أي لم يقدر
فيه حدًّا مضبوطًا وقد اتفقوا على أن من وجب عليه حد فجلده
الإمام أو جلاده الحد الشرعي فمات فلا دية فيه ولا كفارة
على الإمام ولا على جلاده ولا في بيت المال إلا في حد
الخمر فعن عليّ ما تقدم، وقال الشافعي: إن ضرب بغير السوط
فلا ضمان وإن شرب بالسوط ضمن قبل الدّية وقيل قدر تفاوت ما
بين الجلد بالسوط وبغيره والدية في ذلك على عاقلة الإمام،
وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين. وقال الطيبي: ويحتمل
أن يراد بقوله لم يسنه الحد الذي يؤدّي إلى التعزير كما في
حديث أنس ومشاورة عمر عليًّا -رضي الله عنهما- قال: وتلخيص
المعنى أنه إنما خاف من سنة سنها عمر وقوّاها برأي عليّ لا
ما سنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود وكذا أبو داود وابن ماجة.
6779 - حَدَّثَنَا مَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الْجُعَيْدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ
السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى
بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِمْرَةِ أَبِى بَكْرٍ
وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إِلَيْهِ
بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ
آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا
عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ.
وبه قال:
(9/451)
(حدّثنا مكي بن إبراهيم) البلخي (عن
الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة ابن عبد الرَّحمن
التابعي الصغير (عن يزيد بن خصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح
الصاد المهملة بعدها تحتية ساكنة ثم فاء الكوفي وهو يزيد
بن عبد الله بن خصيفة (عن السائب) بالهمزة بعد الألف (ابن
يزيد) من الزيادة الكندي -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا
نؤتى) بضم النون وفتح الفوقية (بالشارب) الخمر (على عهد
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد كان
السائب صغيرًا جدًّا في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان ابن ست سنين فبعد أن يشارك
من كان يجالس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيما ذكر من ضرب الشارب فمراده بقوله كنا أي الصحابة -رضي
الله عنهم- ويحتمل أن يحضر مع أبيه أو غيره فيشاركهم في
ذلك فيكون الإسناد على حقيقته (وإمرة أبي بكر) بكسر الهمزة
وسكون الميم أي خلافته رضي الله
عنه (وصدرًا من خلافة عمر) -رضي الله عنه- أوائل خلافته
(فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا) فنضربه بها (حتى
كان آخر إمرة عمر) بنصب آخر لأبي ذر وبالرفع لغيره (فجلد
أربعين حتى إذا عتوا) بفتح العين المهملة والفوقية تجبروا
وانهمكوا في الطغيان وبالغوا في الفساد في شرب الخمر
(وفسقوا) أي خرجوا عن الطاعة (جلد ثمانين) سوطًا زاد عبد
الرَّزاق. وقال: هذا أدنى الحدود.
واستشكل قوله: حتى كان آخر إمرة عمر الخ هذا بما في سنن
أبي داود والنسائي من حديث عبد الرَّحمن بن أزهر في قصة
الشارب الذي ضربه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بحنين وفيه: فلما كان عمر كتب إليه خالد بن
الوليد أن الناس قد انهكموا في الشرب وتحاقروا العقوبة
قال: وعنده المهاجرون والأنصار فسألهم واجتمعوا على أن
يضربه ثمانين فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في
وسط إمارته فإن خالدًا مات في وسط خلافة عمر وظاهر قوله
حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين أن التحديد بها إنما وقع
في آخر خلافة عمر وليس كذلك لما في قصة خالد المذكورة.
وأجيب: بأن المراد بالغاية المذكورة استمرار الأربعين.
5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ
وَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنَ الْمِلَّةِ
(باب ما يكره من لعن شارب الخمر) بسكون العين والكراهة
للتنزيه عند قصد محض السب وللتحريم عند قصد معناه الأصلي
وهو الإِبعاد من رحمة الله (وأنه) أي الشارب (ليس بخارج)
بمعصيته بشربه (من الملة) الإسلامية فالنفي في حديث لا
يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن السابق نفي للكمال.
6780 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِى
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا
وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَلَدَهُ فِى الشَّرَابِ
فَأُتِىَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ
مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا
عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ويحيى هو ابن
عبد الله بن بكير المصري المخزومي قال: (حدثني) بالإفراد
(الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (خالد
بن يزيد) البجلي (عن سعيد بن أبي هلال) بكسر العين الليثي
المدني (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم الحبشي مولى عمر بن
الخطاب (عن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (أن رجلاً كان
على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
زمنه (كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارًا) باسم الحيوان
المعروف (وكان يضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بضم التحتية وسكون الضاد المعجمة وكسر المهملة
بأن يفعل أو يقول: في حضرته
المقدسة ما يضحك منه، وعند أبي يعلى من طريق هشام بن سعد
عن زيد بن أسلم بسند الباب أن رجلاً كان يلقب حمارًا وكان
يهدي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
العكة من السمن والعسل، فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أعط هذا
متاعه فما يزيد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
على أن يتبسم ويأمر به فيعطى وفي حديث عبد الله بن عمرو بن
حزم وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء
فقال: يا رسول الله هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبه يطلب
ثمنه. فقال: اعط هذا الثمن فيقول ألم تهده لي فيقول ليس
عندي فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه قال: وقد وقع نحو هذا
لنعيمان فيما ذكره الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة
والمزاح.
(وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جلده
في الشراب) أي بسبب شربه الشراب المسكر (فأتي) بضم الهمزة
(به يومًا) وقد شرب المسكر وكان في غزوة خيبر كما قاله
(9/452)
الواقدي (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (به فجلد) وللواقدي فأمر به فخفق بالنعال
وحينئذٍ فيكون معنى فجلد أي ضرب ضربًا أصاب جلده (فقال)
ولأبي ذر قال: (رجل من القوم) وعند الواقدي فقال عمر -رضي
الله عنه-: (اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به) بضم التحتية
وفتح الفوقية وما مصدرية أي ما أكثر إتيانه وللواقدي ما
أكثر ما يضرب وفي رواية معمر ما أكثر ما يشرب وما أكثر ما
يجلد (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تلعنوه فوالله ما علمت) أي الذي علمت (أنه) بفتح همزة
أن واسمها الضمير وخبرها (يحب الله ورسوله) وأن مع اسمها
وخبرها سد مسد مفعولي علمت لكونه مشتملاً على المنسوب
والمنسوب إليه، والضمير في أنه يعود إلى الموصول والموصول
مع صلته خبر مبتدأ محذوف تقديره هو الذي علمت والجملة جواب
القسم، قاله المظهري. قال الطيبي: وفيه تعسف، وقال صاحب
المطالع: ما موصولة وأنه بكسر الهمزة مبتدأ وقيل بفتحها
وهو مفعول علمت. قال الطيبي: فعلى هذا علمت بمعنى عرفت
وأنه خبر الموصول قال: وجعل ما نافية أظهر لاقتضاء القسم
أن يتلقى بحرف النفي وبأن وباللام بخلاف الموصول ولأن
الجملة القسمية جيء بها مؤكدة لمعنى النهي مقررة للإنكار،
ولأبي ذر عن الكشميهني إلا أنه بزيادة إلا وفتح همزة أنه
ولأبي ذر إنه بكسر الهمزة ورواية الكشميهني مؤيدة لقول
الطيبي إن جعلت ما نافية الخ كما قال بعد ذلك، ويؤيده أنه
وقع في شرح السنة فوالله ما علمت إلا أنه في رواية الواقدي
فإنه يحب الله ورسوله ولا إشكال فيها لأنها جاءت تعليلاً
لقوله لا تفعل.
وفي الحديث الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت
النهي عن لعنه وأنه لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة
الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أخبر أن المذكور يحب الله ورسوله مع ما صدر منه
وكراهة لعن شارب الخمر، وقيل المنع في حق من أقيم عليه
الحد لأن الحد كفر عنه الذنب، وقيل المنع مطلقًا في حق ذي
الزلة والجواز مطلقًا في حق المهاجرين، وصوّب ابن المنير
أن المنع مطلقًا في حق المعين والجواز في حق غير المعين
لأنه في حق غير المعين زجر عن تعاطي ذلك الفعل، واحتج
الإمام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في
المرأة
إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح
وتعقبه بعضهم بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به
على جواز التأسي بهم، ولئن سلمنا فليس في الحديث تسميتها.
وأجيب: بأن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع.
والحديث من إفراده.
6781 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِىَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ
يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ،
وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ
قَالَ رَجُلٌ: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله بن جعفر) المديني قال:
(حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة قال: (حدّثنا ابن الهاد) هو
عبد الله بن شداد بن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث
التيمي (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: أتي) بضم الهمزة (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكران) تقدم أنه
النعيمان أو ابن النعيمان بالتصغير فيهما وبالشك (فأمر
بضربه) ولأبي ذر عن المستملي فقام ليضربه قال في الفتح:
وهو تصحيف (فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا
من يضربه بثوبه فلما انصرف قال رجل) قيل إنه عمر بن الخطاب
رضي الله عنه: (ما له أخزاه الله) أي أذله (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) المسلم لأن الله إذا
أخزاه استحوذ عليه الشيطان، وقيل غير ذلك مما سبق قريبًا
في باب الضرب بالجريد والنعال.
وفي الحديث كلما قال القرطبي إن السكر بمجرده موجب للحدّ
لأن الفاء للتعليل كقوله: سها فسجد ولم يفصل هل سكر من ماء
عنب أو غيره ولا هل شرب قليلاً أو كثيرًا ففيه حجة للجمهور
على الكوفيين في التفرقة.
6 - باب السَّارِقِ حِينَ يَسْرِقُ
(باب السارق حين يسرق) بكسر الراء.
6782 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ
غَزْوَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى
الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى
وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ
مُؤْمِنٌ». [الحديث 6782 - طرفه في: 6809].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عمرو بن علي)
بفتح العين أي ابن بحر الصيرفي قال: (حدّثنا عبد الله بن
داود) بن عامر الكوفي قال: (حدّثنا فضيل بن غزوان) بضم
الفاء وفتح المعجمة مصغرًا وغزوان بفتح العين المعجمة
(9/453)
وسكون الزاي الكوفي (عن عكرمة) مولى ابن
عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يزني الزانمي حين يزني وهو مؤمن) إيمانًا كاملاً أو
يحمل على المستحل منع العلم بالحرمة في الشرع (ولا يسرق
حين يسرق) في يسرق ضمير مستتر مرفوع راجع إلى السارق الدال
عليه قوله يسرق بالالتزام لأن يسرق يستلزم سارقًا وحسن ذلك
تقدم نظيره وهو لا يزني الزاني وليس يرجع إلى الزاني لفساد
المعنى ولأبي ذر ولا يسرق السارق حين يسرق (وهو مؤمن) وسبق
في كتاب المظالم عن الفربري أنه قال وجدت بخط أبي جعفر
يعني وراق البخاري قال أبو عبد الله البخاري: تفسيره أن
ينزع منه يريد نور الإيمان اهـ.
والإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان ونوره
الأعمال الصالحة واجتناب المناهي فإذا زنى أو شرب الخمر أو
سرق ذهب نوره وبقي في الظلمة فإن تاب رجع إلى الله.
والحدي مرّ في المظالم والحدود وغيرهما.
7 - باب لَعْنِ السَّارِقِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ
(باب) حكم (لعين السارق إذا لم يسم) أي لم يعين.
6783 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ،
حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَعَنَ
اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ
يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» قَالَ
الأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ
وَالْحَبْلُ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا
يَسْوَى دَرَاهِمَ. [الحديث 6783 - طرفه في: 6799].
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدثني)
بالإفراد (أبي) حفص النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش)
سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (عن
أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) فيه جواز لعن غير
المعين من العصاة لأنه لعن الجنس مطلقًا ويحتمل أن يكون
خبرًا ليرتدع من سمعه عن السرقة ويحتمل أن لا يراد به
حقيقة اللعن بل التنفير فقط وقال في شرح المشكاة: لعل
المراد باللعن هنا الإهانة والخذلان كأنه قيل لما استعمل
أعز شيء عنده في أحقر شيء خذله الله حتى قطع (ويسرق الحبل)
بالحاء المهملة المفتوحة والموحدة الساكنة (فتقطع يده).
(قال الأعمش) بالسند السابق (كانوا) أي الراوون لهذا
الحديث (يرون) بفتح التحتية من الرأي ولأبي ذر بضمها من
الظن (أنه بيض الحديد) ولأبي ذر عن الكشميهني بيضة الحديد
أي التي تكون على رأس المقاتل (والحبل كانوا يرون) بفتح
أوله وضمه ما مر (أنه) أي الحبل المذكور
(منها) أي من الحبال (ما يسوى) بفتح التحتية والواو بينهما
سين مهملة ساكنة ولأبي ذر ما يساوي بضم ففتح فألف فكسر
(دراهم).
قال في الكواكب: أي ثلاثة كأنه نظر إلى أن أقل الجمع ثلاثة
وتعقب الأعمش ابن قتيبة فقال قوله في هذا الحديث أن البيضة
بيضة الحديد التي تجعل في الرأس في الحرب، وإن الحبل من
حبال السفن تأويل لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب لأن
كل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة، وهذا ليس موضع تكثير
لما يسرقه السارق ولا من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح
الله فلانًا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وتعرض للعقوبة
بالغلول في جراب مسك وإنما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه
الله تعرض لقطع اليد في حبل رث أو في كبة شعر أو رداء خلق
وكل ما كان نحو ذلك كان أبلغ اهـ.
وتبعه الخطابي وعبارته تأويل الأعمش هذا غير مطابق للحديث
ومخرج الكلام وإنما وجه الحديث وتأويله ذم السرقة وتهجين
أمرها وتحذير سوء عاقبتها فيما قل وكثر من المال يقول إن
سرقة الشيء اليسير الذي لا قيمة له كالبيضة المذرة والحبل
الخلق الذي لا قيمة له إذا تعاطاها فاستمرت به العادة لم
ينشب أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقهما حتى يبلغ قدر ما
تقطع فيه اليد فتقطع يده يقول فليحذر هذا الفعل وليتوقه
قبل أن تملكه العادة ويتمرن عليها ليسلم من عاقبته اهـ.
لكن أخرج ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن علي أنه قطع يد سارق في بيضة حديد ثمنها ربع
دينار قال في الفتح: رجاله ثقات مع انقطاعه ولعل هذا مستند
التأويل الذي أشار إليه الأعمش: وقال الكرماني: غرض الأعمش
أنه لا قطع في الشيء القليل بل النصاب كربع دينار.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود والنسائي في
(9/454)
القطع وابن ماجة في الحدود.
8 - باب الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الحدود كفارة).
6784 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى
إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
مَجْلِسٍ فَقَالَ: «بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا
بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا».
وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا. «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ
أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ،
إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) غير منسوب وجزم أبو نعيم
في المستخرج أنه الفريابي أو هو البيكندي قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر أخبرنا (ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن أبي إدريس) عائذ الله بالذال المعجمة
(الخولاني) بالخاء المعجمة (عن عبادة بن الصامت -رضي الله
عنه-) أنه (قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في مجلس فقال):
(بايعوني) بكسر التحتية أي عاقدوني (على) التوحيد (أن لا
تشركوا بالله شيئًا و) على أن (لا تسرقوا) حذف المفعول
ليدل على العموم (ولا تزنوا وقرأ هذه الآية كلها) وهي قوله
تعالى في سورة الممتحنة: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات
يبايعنك} [الممتحنة: 12] الآية (فيمن وفي منكم) بتخفيف
الفاء (فأجره على الله) فضلاً (ومن أصاب من ذلك شيئًا) غير
الشرك (فعوقب به) أي بسببه (فهو) أي العقاب (كفارته) فلا
يعاقب عليه في الآخرة زاد الترمذي من حديث علي وصححه:
فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة واستشكل
بحديث أبي هريرة عند البزار وصححه الحاكم أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لا أدري الحدود كفارة
لأهلها أم لا وأجيب بأن حديث الباب أصح إسنادًا، وبأن
الحاكم لا يخفى تساهله في التصحيح وسبق في كتاب الإيمان
مزيد بحث لذلك فليراجع (ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله
عليه إن شاء غفر له) بفضله (وإن شاء عذبه) بعدله.
والحديث سبق في الإِيمان ما مرّ.
9 - باب ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى، إِلاَّ فِى حَدٍّ أَوْ
حَقٍّ
هذا (باب) بالتنوين (ظهر المؤمن حمى) أي محمي محفوظ عن
الإيذاء (إلا في حدّ) وجب عليه (أو حق) لآدمي.
6785 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبِى
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ:
«أَلاَ أَىُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً»؟
قَالُوا: أَلاَ شَهْرُنَا هَذَا؟ قَالَ: «أَلاَ أَىُّ
بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً»؟ قَالُوا: أَلاَ
بَلَدُنَا هَذَا؟ قَالَ: «أَلاَ أَىُّ يَوْمٍ
تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً»؟ قَالُوا: أَلاَ
يَوْمُنَا هَذَا؟ قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى قَدْ حَرَّمَ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
وَأَعْرَاضَكُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ
هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ
هَلْ بَلَّغْتُ»؟ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ
أَلاَ نَعَمْ. قَالَ: «وَيْحَكُمْ -أَوْ وَيْلَكُمْ- لاَ
تَرْجِعُنَّ بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن عبد
الله) قال الحاكم: هو الذهلي فيكون نسبه لجدّه واسم أبيه
يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أو هو محمد بن عبد الله
بن أبي الثلج بالمثلثة والجيم قال: (حدّثنا عاصم بن علي)
الواسطي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد عن)
أخيه (واقد بن محمد) بالقاف أنه قال: (سمعت أبي) محمد بن
زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (قال عبد الله) بن عمر
بن الخطاب -رضي الله عنهما-: (قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) بمنى في خطبته
التي خطبها يوم النحر:
(ألا) بالتخفيف للتنبيه (أيّ شهر تعلمونه أعظم حرمة)؟ برفع
أي (قالوا: ألا) بالتخفيف (شهرنا هذا) الحجة (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا أي بلد تعلمونه أعظم
حرمة قالوا: ألا بلدنا هذا) البلد الحرام (قال: ألا أي يوم
تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا). يوم النحر في
الكواكب: فإن قلت: صح إن أفضل الأيام يوم عرفة. وأجاب بأن
المراد باليوم وقت أداء المناسك وهما في حكم شيء واحد
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإن الله
تبارك وتعالى) سقط لأبي ذر ما بعد الجلالة الشريفة (قد حرم
دماءكم) ولأبي ذر قد حرم عليكم ودماءكم (وأموالكم
وأعراضكم) بفتح الهمزة (ألا بحقها كحرمة يومكم هذا في
بلدكم هذا في شهركم هذا ألا) بالتخفيف (هل بلغت) قال ذلك
(ثلاثًا كل ذلك يجيبونه) أي الصحابة (ألا نعم) بلغت (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ويحكم) بالحاء
المهملة كلمة رحمة (أو) قال (ويلكم) كلمة عذاب (لا ترجعن)
بضم العين وبالنون الثقيلة خطاب للجماعة ولمسلم لا ترجعوا
(بعدي) بعد موقفي هذا أو بعد وفاتي (كفارًا) أي لا يكفر
بعضكم بعضًا فتستحلوا القتال أو لا تكن أفعالكم أفعال
الكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب جملة مستأنفة
مبنية لقوله:
لا ترجعوا بعدي كفارًا.
والحديث سبق في الحج في باب الخطبة أيام منى والله أعلم.
10 - باب إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالاِنْتِقَامِ
لِحُرُمَاتِ اللَّهِ
(باب) وجوب (إقامة الحدود و) وجوب (الانتقام لحرمات الله).
6786 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا
خُيِّرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ
يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا
مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ
يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ
اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير
المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم
العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن
عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: ما
خير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الخاء
(9/455)
المعجمة وتشديد التحتية المكسورة (بين
أمرين) من أمور الدنيا (إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثم)
ولغير الكشميهني ما لم يأثم.
قال الكرماني فإن قلت: كيف يخير النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمرين أحدهما إثم؟ وأجاب: بأن
التخيير إن كان من الكفار فظاهر وإن كان من الله والمسلمين
فمعناه ما لم يؤد إلى إثم كالتخيير في المجاهدة في العبادة
والاقتصاد فيها فإن المجاهدة بحيث تجر إلى الهلاك لا تجوز
اهـ.
ونحوه أجاب به ابن بطال والأقرب كما قال في الفتح إن فاعل
التخيير الآدمي وهو ظاهر وأمثلته كثيرة ولا سيما إذ صدر من
كافر.
(فإذا كان الإثم كان أبعدهما) أي أبعد الأمرين (منه)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والله ما انتقم)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لنفسه في شي له يؤتى
إليه قط) بضم التحتية وفتح الفوقية (حتى تنتهك) بضم
الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة (حرمات
الله) بارتكاب معاصيه (فينتقم لله) بالرفع أي فهو ينتقم،
ولأبي ذر فينتقم بالنصب عطفًا على تنتهك.
والحديث سبق في باب صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
11 - باب إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الشَّرِيفِ
وَالْوَضِيعِ
(باب) وجوب (إقامة الحدود على الشريف والوضيع).
6787 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ أُسَامَةَ كَلَّمَ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى امْرَأَةٍ فَقَالَ:
«إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ
كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ،
وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ
فَاطِمَةُ فَعَلَتْ ذَلِكَ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله
عنها- (أن أسامة) بن زيد (كلم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للشفاعة (في امرأة) اسمها فاطمة
المخزومية وكانت سرقت حليًّا فقالوا من يكلم فيها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لا تقطع يدها لم
يجسر أحد أن يكلمه في ذلك فكلمه أسامة بن زيد (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنما هلك من كان قبلكم إنهم) أي لأنهم (كانوا يقيمون الحد
على الوضيع ويتركون الشريف) فلا يقيمون عليه الحد، ولأبي
ذر عن الكشميهني ويتركون على الشريف أي يتركون إقامة الحد
على الشريف (والذي نفسي بيده لو) فعلت (فاطمة) -رضي الله
عنها- بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لو أن فاطمة (فعلت ذلك لقطعت
يدها).
والحديث سبق في بني إسرائيل والمناقب وأخرجه أصحاب السنن
الأربعة ومسلم.
12 - باب كَرَاهِيَةِ الشَّفَاعَةِ فِى الْحَدِّ إِذَا
رُفِعَ إِلَى السُّلْطَانِ
(باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان).
6788 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ
الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِى سَرَقَتْ
فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ
إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِى
حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ
فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ
قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ
تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا
عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ
بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) بفتح السين في الأول
وضمها في الثاني البزاز بزايين أولاهما مشددة البغدادي
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله
عنها- أن قريشًا) أي من أدرك ذلك منهم بمكة عام الفتح
والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقيم بمكة مما
في مسلم وقريشًا بالتنوين مصروفًا على إرادة الحي ولو أريد
القبيلة منع (أهمتهم المرأة) فاطمة بنت الأسود بن عبد
الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهي بنت أخي أبي سلمة
بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم
المؤمنين قتل أبوها كافرًا يوم بدر قتله حمزة ووهم من زعم
أن له صحبة (المخزومية) نسبة إلى مخزوم بن يقظة بفتح
التحتية والقاف بعدها ظاء معجمة مشالة ابن مرة بن كعب بن
لؤي بن غالب ومخزوم أخو كلاب بن مرة الذي ينسب إليه بنو
عبد مناف (التي سرقت) وفي ابن ماجة: أنها سرقت قطيفة من
بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعند
ابن سعد من مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليًّا وجمع
بينهما بأن الحلي كان في القطيفة، وفي مسلم أنها كانت
تستعير المتاع وتجحده لكن القطع بالسرقة لا بجحد المتاع
خلافًا للإمام أحمد والجمهور على أن جحد المتاع ذكر
للتعريف جميعًا للروايات أو رواية الجحد شاذة لا يعمل بها
لمخالفتها الباقي، ولذا لم يذكرها البخاري وإنما انفرد بها
مسلم ومعنى أهمتهم أي صيرتهم ذوي هم خوفًا من لحوق العار
وافتضاحهم بها بين القبائل وظنوا إمكان الشفاعة في مثل ذلك
فلما جاء أهلها إلى من يشفع لهم فيها عند رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(فقالوا: من يكلم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي يشفع أن لا تقطع إما عفوًا وإما بفداء (ومن
(9/456)
يجترئ) بالجيم والهمزة أي من يتجاسر (عليه)
بطريق الإدلال (إلا أسامة) ولأبي ذر إلا أسامة بن زيد
وأسامة بالرفع على الفاعلية فيحتاج إلى ضمير من جملة يجترئ
يعود على من لأن من مبتدأ والخبر الجملة فلا بدّ من ضمير
يعود على المبتدأ وهو الضمير المجرور والتقدير وأي شخص
يجترئ كما يجترئ أسامة عليه، والمعنى لا يجترئ عليه منا
أحد لمهابته ولما لا تأخذه في دين الله رأفة وما يجترئ
عليه إلا أسامة وعليه يتعلق بيجترئ ونظير هذا التركيب هنا
قوله تعالى {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135]
قال أبو البقاء: من مبتدأ ويغفر خبره وإلاّ الله فاعل يغفر
أو بدل من المضمر فيه وهو الوجه لأنك إذا جعلت الله فاعلاً
احتجت إلى تقدير ضمير أي ومن يغفر الذنوب غير الله، لكن
قال في الدر: جعله الجلالة فاعلاً يقرب من الغلط فإن
الاستفهام هنا لا
يراد به حقيقته إنما يراد به النفي، والوجه أن الجلالة بدل
من الضمير ويصح أن يكون أسامة مرفوعًا على أنه بدل من فاعل
يجترئ وهو وجه الإعراب كما قال أبو البقاء، ويجوز النصب
على الاستثناء ووقع في حديث مسعود بن الأسود فجئنا إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا نحن
نفديها بأربعين أوقية فقال تطهر خير لها فلما سمعنا لين
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتينا أسامة،
وفي رواية يونس السابقة في الفتح ففزع قومها إلى أسامة،
وفي رواية أيوب بن موسى في الشهادات فلم يجترئ أحد أن
يكلمه إلا أسامة (حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بكسر الحاء المهملة أي محبوبه ويجري عليه
إعراب أسامة إن كان مرفوعًا فنعته مرفوع وإن كان منصوبًا
فنعته منصوب ويجوز البدل (فكلم) أسامة (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(أتشفع) بهمزة الاستفهام وفيها معنى الإنكار والجملة
معمولة للقول، وفي رواية يونس فكلمه فتلوّن وجه رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أتشفع (في) ترك
(حدّ من حدود الله ثم قام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضلّ من قبلكم)
وفي رواية أبي الوليد هلك وفي رواية سفيان عند النسائي
إنما هلك بنو إسرائيل ولأبي ذر عن الكشميهني من كان قبلكم
(إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه) فلا يحدونه (وإذا سرق
الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد) قال ابن دقيق العيد الظاهر
أن هذا الحصر ليس عامًّا فإنّ بني إسرائيل كانت فيهم أمور
كثيرة تقتضي الإهلاك، فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك
بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر في حد السرقة (وأيم
الله) مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي قسمي أو يميني أو
لازم لي (لو أن فاطمة) -رضي الله عنها- (بنت محمد) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سرقت لقطع محمد يدها).
وعند ابن ماجة عن محمد بن رمح شيخه في هذا الحديث سمعت
الليث يقول: عقب هذا الحديث قد أعاذها الله من أن تسرق،
وكل مسلم ينبغي له أن يقول مثل هذا فينبغي أن لا يذكر هذا
الحديث في الاستدلال ونحوه إلا بهذه الزيادة، ووقع للشافعي
رحمة الله عليه أنه لما ذكر هذا الحديث قال: فذكر عضوًا
شريفًا من امرأة شريفة فاستحسنوا ذلك منه لما فيه من الأدب
البالغ، وفي قوله لقطع محمد يدها التجريد، وإنما خص
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة بالذكر لأنها
أعز أهله عنده فأراد المبالغة في تثبيت إقامة الحدّ على كل
مكلف وترك المحاباة في ذلك ولأن اسم السارقة وافق اسمها
-رضي الله عنها- فناسب أن يضرب المثل بها. وزاد في رواية
يونس السابقة في غزوة الفتح ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت
فقطعت يدها. وفي حديث ابن عمر عند النسائي: قم يا بلال فخذ
بيدها فاقطعها وزاد أبو داود في تعليقه عن محمد بن عبد
الرَّحمن فشهد عليها وزاد يونس أيضًا. قالت عائشة: فحسنت
توبتها بعد وتزوجت، وفي الحديث منع الشفاعة في الحدود وهو
مقيد في الترجمة بما إذا رفع إلى السلطان، وفي مرسل حبيب
بن أبي ثابت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
لأسامة لما شفع: "أتشفع في حدّ فإن الحدود إذا انتهت فليس
لها مترك". وعند الدارقطني من حديث الزبير مرفوعًا اشفعوا
ما لم يصل إلى الوالي
(9/457)
فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه
قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي
الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وإن على السلطان إذا
بلغته أن يقيمها.
13 - باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَفِى كَمْ يُقْطَعُ؟ وَقَطَعَ
عَلِىٌّ مِنَ الْكَفِّ وَقَالَ قَتَادَةُ فِى امْرَأَةٍ
سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا: لَيْسَ إِلاَّ ذَلِكَ.
(باب قول الله تعالى {والسارق والسارقة}) ارتفعا بالابتداء
والخبر محذوف تقديره فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أو
الخبر ({فاقطعوا أيديهما}) [المائدة: 38] أي يديهما.
والمراد اليمينان بدليل قراءة عبد الله والسارقون
والسارقات فاقطعوا أيمانهم رواه الترمذي ودخول الفاء
لتضمنهما معنى الشرط لأن المعنى، والذي سرق والذي سرقت
فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول تضمن معنى الشرط وبدأ
بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهي في الرجال أكثر وقدمت
الزانية على الزاني لأن داعية الزنا في الإناث أكثر، ولأن
الأنثى سبب في وقوع الزنا إذ لا يتأتى غالبًا إلا
بطواعيتها وأتى بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن
المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر
إلى الجنسين المتلفظ بهما. وقال القرطبي أبو عبد الله:
أوّل من حكم بقطع السارق في الجاهلية الوليد بن المغيرة
وأمر الله تعالى بقطعه في الإسلام فكان أوّل سارق قطعه
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الإسلام
من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء
مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم، وقطع أبو بكر يد
الفتى الذي سرق العقد وقطع عمر يد ابن سمرة أخي عبد
الرَّحمن بن سمرة والسرقة بفتح السين وكسر الراء ويجوز
إسكانها مع فتح السين وكسرها، والأصل في القطع بها قبل
الإجماع الآية السابقة، وأركان السرقة الموجبة للقطع سرقة
وسارق ومسروق فأما السرقة فهي أخذ مال خفية ليس للآخذ أخذه
من حرز مثله فلا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد لنحو وديعة وعند
الترمذي مما صححه ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع
وأما السارق فشرطه أن يكون ملتزمًا للأحكام عالمًا
بالتحريم مختارًا بغير إذن وأصالة فلا يقطع حربي ولو
معاهدًا ولا صبي ومجنون ومكره ومأذون له وأصيل وجاهل
بالتحريم قرب عهده بالإسلام أو بعد عن العلماء ويقطع مسلم
وذمي بمال مسلم وذمي.
(و) أما المسروق فاختلف (في كم يقطع) فعند الشافعية في ربع
دينار خالص أو قيمته، وعند المالكية يقطع بسرقة طفل من حرز
مثله بأن يكون في دار أهله أو بربع دينار ذهبًا فصاعدًا أو
ثلاثة دراهم فضة فأكثر فإن نقص فلا قطع وعند الحنفية عشر
دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم مضروبة. وقال الحنابلة يقطع
بجحد عارية وسرقة ملح وتراب وأحجار ولبن وكلا وسرجين طاهر
وثلج وصيد لا بسرقة ماء وسرجين نجس ويقطع طرار وهو الذي
يبط الجيب وغيره ويأخذ منه أو بعد سقوطه نصابًا وبسرقة
مجنون ونائم وأعجمي لا يميز ولو كان كبيرًا.
(وقطع عليّ) -رضي الله عنه- (من الكف) وفي الفتح أن في
نسخة من البخاري وقطع عليّ الكف بإسقاط حرف الجرّ وعند
الدارقطني موصولاً أن عليًّا قطع من المفصل، وذكر الشافعي
رحمه
الله في كتاب الاختلاف أن عليًّا كان يقطع من يد السارق
الخنصر والبنصر والوسطى خاصة ويقول: أستحيي من الله أن
أتركه بلا عمل، وعند الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر
بقطع السارق الذي سرق رداء صفوان من المفصل أي مفصل الكوع
قال ابن الرفعة: وادعى الماوردي أنه فعل مجمع عليه والمعنى
فيه أن البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع ولذا يجب في
الكف دية اليد وفيما زاد حكومة.
(وقال قتادة) فيما وصله الإمام أحمد في تاريخه كما قاله
مغلطاي في شرحه: (في امرأة سرقت فقطعت شمالها ليس إلا ذلك)
فلا يقطع بعد ذلك يمينها والجمهور على أن أوّل شيء يقطع من
السارق اليد اليمنى لقراءة ابن مسعود شاذة فاقطعوا
أيمانهما والقراءة الشاذة كخبر الواحد في الاحتجاج بها
فالقول بإجزاء لشمال مطلقًا شاذ كما هو ظاهر ما نقل هنا عن
قتادة، وفي الموطأ إن كان عمدًا أوجب القصاص على القاطع
ووجب قطع اليمنى
(9/458)
وإن كان خطأ وجبت الدّية وتجزئ عن السارق،
وكذا قال أبو حنيفة: وعن الشافعية لو قال: مستحق يمين
للجاني فقطعها المستحق فمهدرة سواء علم القاطع أنها اليسار
أم لا أو قصد جعلها عنها ظانًّا إجزاءها أو أخرجها دهشًا
وظناها اليمين أو ظن القاطع الأجزاء فدية لليسار لأنه لم
يبذلها مجانًا فلا قود لها لتسليط مخرجها بجعلها عوضًا في
الأولى وللدهشة القريبة في مثل ذلك في الثانية بقسميها،
ويبقى قود اليمين في المسائل الثلاث لأنه لم يستوفه ولا
عفا عنه لكنه يؤخر حتى تندمل يساره إلا في ظن القاطع
الأجزاء عنها فلا قود لها بل يجب لها دية وهذا كله في
القصاص، فلو كان إخراج اليسار وقطعها في حد السرقة أجزأت
عن اليمين إذا فعل المقطوع ذلك لدهشة أو لظن إجزائها عن
اليمين، فلو قصد بإخراجها إباحتها لم تقع حدًّا. كذا
استدركه القاضي حسين على الأصحاب وحمل إطلاقهم عليه وتبعه
عليه في الوجيز والحاوي وإطلاق الأصحاب يقتضي وقوعه حدًّا
مطلقًا لأن القصد منه التنكيل، وقد حصل بخلاف القصاص فإن
مبناه على المماثلة.
6789 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُقْطَعُ الْيَدُ
فِى رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». تَابَعَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ
وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ. [الحديث 6789 - طرفاه في:
6790، 6791].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا
إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن
بن عوف (عن ابن شهاب) الزهري (عن عمرة) بنت عبد الرَّحمن
الأنصارية (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تقطع اليد) السارقة (في) سرقة (ربع دينار) ذهبًا
(فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة.
والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في
الحدود والنسائي في القطع.
(تابعه) ولأبي ذر وتابعه أي تابع إبراهيم بن سعد (عبد
الرَّحمن بن خالد) الفهمي المصري مما وصله الذهلي في
الزهريات (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم مما
وصله أبو عوانة في صحيحه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد
عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه (ومعمر) بفتح الميمين ابن راشد
مما وصله الإمام أحمد عن عبد الرزاق عنه الثلاثة (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب.
6790 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِى رُبُعِ دِينَارٍ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) واسم أبي أويس عبد
الله بن عبد الله الأصبحي ابن أخت الإمام مالك بن أنس
وصهره على ابنته (عن ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس)
بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن
عروة بن الزبير) بن العوّام (وعمرة) بنت عبد الرَّحمن
كلاهما (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: تقطع يد السارق في
ربع دينار) وهذا مما يحتج به للشافعية في التحديد بربع
الدينار.
6791 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِىِّ،
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَتْهُ
أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُمْ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«يُقْطَعُ فِى رُبُعِ دِينَارٍ».
وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة البصري يقال
له صاحب الأديم قال: (حدّثنا بعد الوارث) بن سعيد البصري
قال: (حدّثنا الحسين) بن ذكوان المعلم البصري (عن يحيى)
ولأبي ذر عن يحيى بن أبي كثير بالمثلثة (عن محمد بن عبد
الرَّحمن الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرَّحمن) أنها (حدثته
أن عائشة -رضي الله عنها- حدثتهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(يقطع) بالتحتية ولأبي ذر تقطع اليد بالفوقية وبزيادة اليد
(في ربع دينار). كذا رواه مختصرًا. وأخرجه أبو داود عن
أحمد بن صالح عن ابن وهب بلفظ القطع في ربع دينار فصاعدًا
والنسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس بلفظ يد
السارق في ربع دينار فصاعدًا، وأخرجه الطحاوي من رواية
جماعة عن عمرة موقوفًا على عائشة قال ابن عيينة: ورواية
يحيى مشعرة بالرفع ورواية الزهري صريحة فيه وهو أحفظهم،
وكأن البخاري أراد الاستظهار لرواية الزهري عن عمرة
بموافقة محمد بن عبد الرَّحمن الأنصاري عنها لما وقع في
رواية ابن عيينة عن الزهري من الاختلاف في لفظ المتن هل هو
من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من فعله؟
وفي رواية يحيى بن يحيى وجماعة عن ابن عيينة كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقطع
(9/459)
السارق في ربع دينار فصاعدًا. ورواه
الشافعي والحميدي وجماعة عن ابن عيينة بلفظ قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تقطع اليد" الحديث
قاله في الفتح.
6792 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ
تُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ فِى ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ
أَوْ تُرْسٍ.
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن
أبي شيبة واسمه إبراهيم العبسي الكوفي أخو أبو بكر بن أبي
شيبة قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن
سليمان (عن هشام) ولأبي ذر زيادة ابن عروة (عن أبيه) عروة
بن الزبير أنه (قال: أخبرتني) بتاء التأنيث والإفراد
(عائشة) -رضي الله عنها- (أن يد السارق لم تقطع على عهد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا في ثمن
مجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون مفعول من
الاجتنان وهو الاستتار والاختفاء مما يحاذره المستتر وكسرت
ميمه لأنه آلة في ذلك قال عمر بن أبي ربيعة:
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
وفيه شاهد على حذف الهاء في ثلاثة لأنه عدد شخوص فحمله على
المعنى لأنه أراد بالشخوص المرأة فأنث العدد لذلك وصف أنه
استتر بثلاث نسوة عن أعين الرقباء واستظهر في محل التخلص
منهم بهن والكاعب التي نهد ثديها والمعصر الداخلة في عصر
شبابها (حجفة) بحاء مهملة فجيم ففاء مفتوحات عطف بيان
للمجن وهي الدرقة وتكون من خشب أو من عظم وتغلف بالجلد (أو
ترس) بضم الفوقية وسكون الراء بعدها مهملة هو كالحجفة إلا
أنه يطابق فيه بين جلدين والشك من الراوي والغالب أن ثمنه
لا ينقص عن ربع دينار.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود.
0000 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ مِثْلَهُ. [الحديث 6792 - طرفاه في: 6793،
6794].
وبه قال: (حدّثنا عثمان) هو ابن أبي شيبة قال: (حدّثنا
حميد بن عبد الرَّحمن) بن حميد الرؤاسي قال: (حدّثنا هشام
عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها-
(مثله) أي مثل الحديث السابق عن عثمان.
6793 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ
يَدُ السَّارِقِ فِى أَدْنَى مِنْ حَجَفَةٍ، أَوْ تُرْسٍ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو ثَمَنٍ. رَوَاهُ وَكِيعٌ
وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلاً.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد
الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لم تكن تقطع
يد السارق في أدنى) أي في أقل (من) سرقة (حجفة أو ترس)
بالشك (كل واحد منهما) من الحجفة والترس (ذو ثمن) رفع خبر
المبتدأ الذي هو كل واحد والتنوين في ثمن للتنكير أي ثمن
يرغب فيه احترازًا
عن الشيء التافه وليس المراد ترسًا بعينه ولا حجفة بعينها،
وإنما المراد الجنس والقطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن
المجن سواء كان ثمن المجن كثيرًا أو قليلاً والاعتماد إنما
هو على الأقل فيكون نصابًا فلا تقطع فيما دونه.
(رواه) أي الحديث المذكور (وكيع) هو ابن الجراح الكوفي
فيما رواه ابن أبي شيبة (وابن إريس) عبد الله الأودي
الكوفي فيما وصله الدارقطني والبيهقي كلاهما (عن هشام عن
أبيه) عروة بن الزبير (مرسلاً) ولفظ الأول عن هشام بن عروة
عن أبيه قال: كان السارق في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقطع في ثمن المجن وكان المجن يومئذٍ
له ثمن ولم يكن يقطع في الشيء التافه، والثاني مثل سياق
أبي سلمة الآتي بعد.
6794 - حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: لَمْ
تُقْطَعْ يَدُ سَارِقٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ
الْمِجَنِّ تُرْسٍ أَوْ حَجَفَةٍ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا ذَا ثَمَنٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يوسف بن
موسى) بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد قال: (حدّثنا أبو
أسامة) حماد بن أسامة (قال هشام بن عروة: أخبرنا) أي قال:
أخبرنا هشام بن عروة (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت: لم تقطع يد سارق على عهد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أدنى) أقل (من ثمن المجن
ترس) بيان (أو حجفة) بتقديم الحاء المهملة على الجيم
والفتح فيهما وتاليهما (وكان كل واحد منهما ذا ثمن) بنصب
ذا فيما وقفت عليه من الأصول المعتمدة وهي مصلحة في الفرع
على كشط، وقال في فتح الباري: أنه كذا ثبت في الأصول قال:
وأفاد الكرماني أنه وقع في بعض النسخ وكان كل واحد منهما
ذو ثمن بالرفع وخرجه على تقدير ضمير الشأن في كان اهـ.
قلت: وظن العيني أن قول الحافظ ابن حجر ذلك في رواية عبدة
عن هشام فقال متعقبًا له بما نصه
(9/460)
وقال بعضهم: وكان كل واحد منهما ذا ثمن
فزاد لفظ وكان ونصب ذا ثم قال: كذا ثبت في الأصول ثم قال:
وأفاد الكرماني الخ ثم قال: قلت هذا التصرف منهما ما أبعده
أما قول هذا القائل كذا ثبت في الأصول فغير مسلم بل الذي
ثبت في الأصول هو العبارة التي ذكرتها يعني لفظ رواية عبدة
لأنها على القاعدة السالمة عن الزيادة فيه المؤدية إلى
تقدير شيء قال: وأما كلام الكرماني بأنه وقع في بعض النسخ
فغير مسلم أيضًا لأن مثل هذا الذي يحتاج فيه إلى تأويل
غالبًا من النساخ الجهلة اهـ.
وهذا ذهول لأن الحافظ ابن حجر إنما قال ذلك في رواية أبي
أسامة لا في رواية عبدة. ولفظه: ورواية أبي أسامة عن هشام
جامعة بين الروايتين المذكورتين أولاً وقوله فيها وكان كل
واحد منهما ذا ثمن الخ وفد ذكر العيني -رحمه الله- رواية
أبي أسامة بلفظها على عادته وفيها وكان
كل واحد منهما ذا ثمن بالنصب كما مر ثم قال بعد تعريف
الرواة: وبقية الشرح قد مرت عن قريب.
والحديث رواه مسلم وقوله ورواه وكيع وابن إدريس مؤخر عن
طريق أبي أسامة عند غير أبي ذر.
6795 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَطَعَ فِى مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ.
تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ اللَّيْثُ:
حَدَّثَنِي نَافِعٌ قِيمَتُُه. [الحديث 6795 - أطرافه في:
6796، 6797، 6798].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (مالك بن أنس) الأصبحي أمام الأئمة (عن نافع مولى
عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع) أمر
بقطع يد سارق بحذف المفعول (في) سرقة (مجن) حذف المضاف
وأقام المضاف إليه مقامه وفي معناها السببية (ثمنه) مبتدأ
خبره (ثلاثة دراهم) أي فضة وأدخل التاء في ثلاثة لأنه عدد
مذكر. وقال ابن حجر -رحمه الله- أورد هذا الحديث من حديث
مالك قال ابن حزم: لم يروه عن ابن عمر غير نافع وقال ابن
عبد البر: هو أصح حديث روي في ذلك (تابعه محمد بن إسحاق)
عن نافع في قوله ثمنه وروايته موصولة عند الإسماعيلي من
طريق عبد الله بن المبارك عن مالك ومحمد بن إسحاق وعبيد
الله بن عمر ثلاثتهم عن نافع عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله مسلم عن قتيبة محمد
بن رمح عنه (حدثني) بالإفراد (نافع) كالجماعة لكنه قال:
(قيمته) بدل قولهم ثمنه وقيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة
في شراء الشيء وهذه المتابعة، وقول الليث الخ ثابتان لأبي
ذر هنا.
6796 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَطَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِى مِجَنٍّ قِمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
جويرية) بضم الجيم وفتح الواو مصغرًا ابن أسماء الضبعي (عن
نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال قطع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمر بقطع يد سارق
(في) سرقة (مجن ثمنه ثلاثة دراهم) وقد روي أن بلالاً هو
الذي باشر قطع يد فاطمة المخزومية فيحتمل أنه كان موكلاً
بذلك ويحتمل غيره ولم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- باشر القطع بنفسه.
والحديث من أفراده.
6797 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: قَطَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ
دَرَاهِمَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص
بن عمر بن الخطاب أنه (قال: حدثني) بالإفراد (نافع عن)
مولاه (عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: قطع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر بقطع يد
سارق (في) سرقة (مجن ثمنه ثلاثة دراهم).
6798 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
- رضى الله عنهما - قَالَ: قَطَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ سَارِقٍ فِى مِجَنٍّ
ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ
قِيمَتُهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إبراهيم بن
المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد
المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض قال: (حدّثنا موسى بن
عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن نافع أن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما- قال: قطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يد سارق في) سرقة (مجن ثمنه ثلاثة دراهم)
والثمن في الأصل ما يقابل به الشيء في عقد البيع، وله ضابط
في الفقه مشهور، وليس المراد به حقيقته بل ما ذكر في
الرواية الأخرى وهو القيمة وأطلق عليها ثمنًا مجازًا أو
لتساويهما في ذلك الوقت أو في ظن الراوي أو باعتبار الغلبة
والدراهم جمع درهم بكسر الدال وفيه ثلاث لغات أفصحها فتح
الهاء، والثاني كسرها، والثالث درهام بزيادة ألف بعد الهاء
قال الشاعر:
(9/461)
لو أن عند مائتي درهام ... لجاز في إنفاقها
خاتامي
واختلف في القدر الذي يقطع به السارق على مذاهب، فقيل في
كل قليل وكثير تافه وغير تافه ونقل عن ابن بنت الشافعي،
وقيل في كل قليل وكثير إلا في التافه فلا وقيل لا يجب إلا
في أربعين درهمًا أو أربعة دنانير، وقيل في درهمين وقيل
فيما زاد على درهمين ولم يبلغ الثلاثة، وقيل في ثلاثة
دراهم ويقوّم ما عداها بها وهو رواية عن أحمد، وحكاه
الخطابي عن مالك، وقيل مثله إلا أنه إن كان المسروق ذهبًا
فنصابه ربع دينار وإن كان غيرهما فإن بلغت قيمته ثلاثة
دراهم قطع به إلا لم يقطع ولو كان نصف دينار وهو قول مالك
المعروف عند أصحابه وهو رواية عن أحمد، وقيل مثله إلا إن
كان المسروق غيرهما قطع به إذا بلغت قيمة أحدهما وهو
المشهور عن أحمد. وقيل مثله لكن لا يكتفى بأحدهما إذا كانا
غالبين فلو كان أحدهما غالبًا فالمعوّل عليه وهو قول بعض
المالكية، وقيل ربع دينار أو ما بلغ قيمته من فضة أو عرض
وهو مذهب الشافعية، وقيل أربعة دراهم نقله القاضي عياض عن
بعض الصحابة، وقيل ثلث دينار، وقيل خمسة دراهم وقيل عشرة
دراهم أو ما بلغ قيمتها من ذهب أو عرض وهو قول الحنفية،
وقيل دينار أو ما بلغ
قيمته من فضة أو عرض، وقيل ربع دينار فصاعدًا من الذهب
ويقطع في القليل والكثير من الفضة والعروض، واحتج له بأن
التحديد في الذهب ثبت صريحًا في حديث عائشة ولم يثبت
التحديد صريحًا في غيره فبقي عموم الآية على حاله فيقطع
فيما قلّ أو كثر إلا في التافه وهو موافق للشافعي إلا في
قياس أحد النقدين على الآخر، وأيّده الشافعي بأن الصرف
يومئذٍ كان موافقًا لذلك، واستدلّ بأن الدّية على أهل
الذهب ألف دينار وعلى أهل الفضة اثنا عشر ألف درهم (تابعه
محمد بن إسحاق. وقال الليث: حدثني نافع قيمته) سبق هذا عقب
حديث إسماعيل عن مالك عن نافع وأنه ثابت عقبه لأبي ذر وهو
ساقط له هنا ثابت لغيره.
6799 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ
الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ
فَتُقْطَعُ يَدُهُ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران
الكوفي (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (قال: سمعت أبا
هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لعن الله السارق) فيه جواز لعن غير المعين من العصاة لأنه
لعن الجنس مطلقًا أو المراد منه الإهانة والخذلان كأنه لما
استعمل أعز شيء عنده في أحقر شيء خذله الله حتى قطع (يسرق
البيضة) من الحديد التي تبلغ قيمتها ربع دينار فصاعدًا
(فتقطع يده وشرق الحبل) الذي تبلغ قيمته ربع دينار فصاعدًا
(فتقطع يده) ففيه إشارة إلى ترجيح تأويل الأعمش السابق في
باب لعن السارق إذا لم يسم.
14 - باب تَوْبَةِ السَّارِقِ
(باب توبة السارق) إذا تاب.
6800 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ يَدَ
امْرَأَةٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَتْ تَأْتِى بَعْدَ
ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَابَتْ وَحَسُنَتْ
تَوْبَتُهَا.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال:
حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله (عن
يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير
(عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع يد امرأة) أي أمر بقطع يدها
واسمها فاطمة المخزومية كما مر (قالت عائشة) -رضي الله
عنها- بالسند المذكور: (وكانت) -رضي الله عنها- (تأتي بعد
ذلك) إليّ
(فأرفع حاجتها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فتابت) من السرقة (وحسنت توبتها) ووصف التوبة
بالحسن يقتضي رفع الفسوق عنه وقبول شهادته.
والحديث سبق في الشهادات مطوّلاً.
6801 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى
إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه
- قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ فَقَالَ: «أُبَايِعُكُمْ
عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ
تَسْرِقُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ وَلاَ
تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ
وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِى فِى مَعْرُوفٍ فَمَنْ
وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ
مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِى الدُّنْيَا، فَهْوَ
كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ
فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ
شَاءَ غَفَرَ لَهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا
تَابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا قُطِعَ يَدُهُ قُبِلَتْ
شَهَادَتُهُ، وَكُلُّ مَحْدُودٍ كَذَلِكَ إِذَا تَابَ
قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال:
(حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قاضيها قال: (أخبرنا معمر)
هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي
إدريس) عائذ الله بن عبد الله (عن عبادة بن الصامت -رضي
الله عنه-) أنه (قال: بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) قال أبو عبيد: ما دون العشرة
وقيل إلى ثلاثة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا) حذف
المفعول ليعم (ولا تقتلوا أولادكم)
(9/462)
يريد وأد البنات ولأبي ذر ولا تسرقوا ولا
تزنوا ولا تقتلوا أولادكم (ولا تأتوا ببهتان) بكذب يبهت
سامعه أي يدهشه لفظاعته كالرمي بالزنا (تفترونه بين أيديكم
وأرجلكم) أي من قبل أنفسكم فكنى باليد والرجل عن الذات لأن
معظم الأفعال بهما (ولا تعصوني) ولأبي ذر ولا تعصوا (في
معروف) وهو ما عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا (فمن وفى)
بالتخفيف ويشدد أي ثبت على العهد (منكم فأجره على الله)
فضلاً ووعدًا بالجنة (ومن أصاب) منكم أيها المؤمنون (من
ذلك شيئًا) غير الشرك (فأخذ به) أي فعوقب به (في الدنيا)
بأن أقيم عليه الحد (فهو) أي العقاب (كفارة له) فلا يعاقب
عليه في الآخرة (وطهور) يطهره الله به من دنس المعصية وإذا
وصف بالتطهير مع التوبة عاد إلى ما كان عليه قبل فتقبل
شهادته (ومن ستره الله فذلك) مفوّض (إلى الله إن شاء عذبه)
بعدله (وإن شاء غفر له) بفضله.
(قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى-: (إذا تاب
السارق بعدما قطع) ولأبي ذر عن الكشميهني وقطعت (يده قبلت
شهادته وكل محدود كذلك إذا تاب قبلت شهادته): ولأبي ذر عن
الكشميهني: وكذلك كل الحدود إذا تاب أصحابها قبلت شهادتهم،
وقول البخاري هذا ثابت في رواية الكشميهني ساقط في رواية
غيره، والله الموفق والمعين.
(9/463)
15 - باب المحاربين
من أهل الكفر والردة
(باب المحاربين) بكسر الراء (من أهل الكفر والردة) زاد
النسفيّ في روايته ومن يجب عليه الحدّ في الزنا.
قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ
يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى
الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ
تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33].
(وقول الله تعالى): بثبوت الواو والجرّ لأبي ذر ولغيره قول
الله تعالى بالحذف والرفع على الاستئناف ({إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله}) يحاربون الله أي يحاربون أولياءه
كذا قرّره الجمهور، وقال الزمخشري: يحاربون رسول الله
ومحاربة المسلمين في حكم محاربته أي المراد الإخبار بأنهم
يحاربون رسول الله وإنما ذكر اسم الله تعالى تعظيمًا
وتفخيمًا لمن يحارب ({ويسعون في الأرض فسادًا}) مصدر واقع
موقع الحال أي يسعون في الأرض مفسدين أو مفعول من أجله أي
يحاربون ويسعون لأجل الفساد وخبر جزاء قوله: ({أن يقتلوا})
وما عطف عليه قصاصًا من غير صلب إن أفردوا القتل ({أو
يصلبوا}) مع القتل إن جمعوا بين القتل وأخذ المال وهل يقتل
ويصلب أو يصلب حيًّا وينزل ويطعن حتى يموت خلاف ({أو تقطع
أيديهم وأرجلهم}) إن أخذوا المال ولم يقتلوا ({من خلاف})
حال من الأيدي والأرجل أي مختلفة فتقطع أيديهم اليمنى
وأرجلهم اليسرى ({أو ينفوا من الأرض}) [المائدة: 33] ينفوا
من بلد إلى آخر وفسر أبو حنيفة رحمة الله عليه النفي
بالحبس وأو للتنويع أو للتخيير، فالإمام مخيّر بين هذه
العقوبات في قاطع الطريق، وسقط لأبي ذر من قوله {ويسعون}
الخ وقال بعد قوله: {ورسوله} الآية، والجمهور على أن هذه
الآية نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد
ويقطع الطريق، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين.
وقال الضحاك: نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد فنقضوا
العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا. وقال الكلبي: نزلت في قوم
هلال بن عويمر وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي على
أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن مرّ بهلال بن عويمر إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو آمن لا
يهاج فمرّ قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم
من قوم هلال
(10/2)
بن عويمر ولم يكن هلال شاهدًا فنهدوا إليهم
فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزل جبريل بالقضية، ولهذا ذهب
البخاري إلى أن الآية نزلت في أهل الكفر والردة.
6802 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ،
حَدَّثَنِى أَبُو قِلاَبَةَ الْجَرْمِىُّ، عَنْ أَنَسٍ -
رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ
فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ
أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ
أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا،
فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا
وَاسْتَاقُوا فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ فَأُتِىَ بِهِمْ
فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ
أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
الوليد بن مسلم) الأموي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد
الرَّحمن قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير)
بالمثلثة قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (أبو قلابة) عبد
الله بن زيد (الجرميّ) بفتح الجيم وسكون الراء (عن أنس
-رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة ست (نفر) من الثلاثة إلى العشرة
من الرجال (من عكل) بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة
معروفة (فأسلموا فاجتووا المدينة) بالجيم الساكنة وفتح
الفوقية والواو الأولى وضم الثانية أي أصابهم الجوى وهو
داء الجوف إذا تطاول أو كرهوا الإقامة بها لسقم أصابهم
(فأمرهم) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا أبوالها وألبانها) للتداوي
(ففعلوا) الشرب المذكور (فصحوا) من ذلك الداء (فارتدوا) عن
الإسلام (وقتلوا رعاتها) أي رعاة الإبل، وسبق في الوضوء
وقتلوا راعي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأنه يسار النوبي (واستاقوا) بحذف المفعول ولأبي ذر
واستاقوا الإبل (فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (في آثارهم) بمدّ الهمزة أي وراءهم الطلب عشرين
أميرهم كرز فأدركوهم فأخذوا (فأتي بهم) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسارى (فقطع أيديهم وأرجلهم)
من خلاف (وسمل) بفتح المهملة والميم واللام فقأ (أعينهم)
أي أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لأنه
باشر ذلك بنفسه الزكية (ثم لم يحسمهم) بسكون الحاء وكسر
السين المهملتين أي لم يكوِ مواضع القطع لينقطع الدم بل
تركهم (حتى ماتوا).
وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث قال: فبلغنا أن هذه
الآية نزلت فيهم {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله}
[المائدة: 33] الآية. وأخرج الطبري من طريق ابن عبادة عن
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في آخر قصة العرنيين
قال: فذكر لنا هذه الآية نزلت فيهم {إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله} وعند الإسماعيلي من طريق مروان بن
معاوية عن معاوية بن أبي العباس عن أيوب عن أبي قلابة عن
أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله
تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: هم من
عكل، وفي الصحيحين أنهم كانوا من عكل وعرينة.
والحديث سبق في باب أبوال الإِبل في كتاب الوضوء.
16 - باب لَمْ يَحْسِمِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ
الرِّدَّةِ حَتَّى هَلَكُوا
هذا (باب) بالتنوين (لم يحسم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يكوِ موضع القطع من (المحاربين من
أهل الردّة حتى هلكوا) لأنه أراد إهلاكهم فأما من قطع في
سرقة مثلاً فإنه يجب حسمه لأنه لا يؤمن معه التلف غالبًا
ينزف الدم قاله ابن بطال.
6803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو
يَعْلَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِى
الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ
حَتَّى مَاتُوا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصلت) بفتح الصاد المهملة وسكون
اللام بعدها فوقية (أبو يعلى) التوزي بفتح الفوقية وتشديد
الواو بعدها زاي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم (قال:
حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد فيهما (الأوزاعي) عبد
الرَّحمن (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي قلابة) عبد الله
الجرمي (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع) أي أمر بقطع أيدي (العرنيين)
وأرجلهم لما قتلوا راعي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستاقوا الإبل (ولم يحسمهم) لم يكوِ
مواضع القطع (حتى ماتوا) والعرنيون منسوبون إلى عرينة
قبيلة.
وسبق في الباب الذي قبل هذا الباب أنهم من عكل وفي المغازي
أن ناسًا من عكل وعرينة، وإنما لم يحسمهم لأنهم كانوا
كفارًا والله أعلم.
17 - باب لَمْ يُسْقَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُحَارِبُونَ
حَتَّى مَاتُوا
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لم يسق) بضم التحتية وفتح
القاف مبنيًّا للمفعول (المرتدون) رفع نائب عن الفاعل
(المحاربون) أي لم يسق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- المرتدين من المحاربين (حتى ماتوا).
6804 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ
وُهَيْبٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ
أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانُوا فِى الصُّفَّةِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِنَا رِسْلاً فَقَالَ:
«مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»
فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا
حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِىَ
وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّرِيخُ فَبَعَثَ
الطَّلَبَ فِى آثَارِهِمْ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ
حَتَّى أُتِىَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ
فَكَحَلَهُمْ بِهَا، وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ
وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِى الْحَرَّةِ
يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن وهيب) بضم
الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن أيوب) السختياني (عن أبي
قلابة) عبد الله الجرمي (عن أنس
(10/3)
-رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم رهط) رجال
دون العشرة (من عكل) القبيلة المشهورة (على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة ست من الهجرة (كانوا في
الصفة) وهي السقيفة التي كانت في المسجد النبوي يأوي إليها
الغرباء وفقراء المهاجرين (فاجتووا المدينة) استوخموها
(فقال) قائل منهم وفي نسخة فقالوا: (يا رسول الله أبغنا)
بهمزة قطع مفتوحة وسكون الموحدة وكسر الغين المعجمة اطلب
لنا (رسلاً) بكسر الراء وسكون السين المهملة لبنًا (فقال):
ولأبي ذر قال:
(ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر قال في الفتح:
فيه تجريد، وسياق الكلام يقتضي أن يقول بإبلي، ولكنه كقول
كبير القوم يقول لكم الأمير مثلاً، ومنه قوله الخليفة يقول
لكم أمير المؤمنين، وتعقبه العيني بأنه التفات لا تجريد
(فأتوها) أي أتى
العكليون الإبل (فشربوا ألبانها وأبوالها حتى صحّوا) من
الدواء (وسمنوا) بعد الهزال (وقتلوا) ولأبي ذر عن
الكشميهني فقتلوا (الراعي) يسارًا النوبي (واستاقوا الذود)
بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة ما بين
الثلاثة إلى العشرة من الإبل (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصريخ) بالصاد المهملة آخره خاء
معجمة والرفع على الفاعلية أي مستغيث (فبعث الطلب) بفتحتين
جمع الطالب (في آثارهم فما ترجل) بالراء والجيم فما ارتفع
(النهار حتى أتي بهم) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فأمر بمسامير فأحميت) بالنار (فكحلهم بها وقطع
أيديهم وأرجلهم وما حسمهم) بالحاء والسين المهملتين ما كوى
مواضع القطع من أيديهم وأرجلهم لأنهم كانوا كفارًا (ثم
ألقوا في الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة أرض
ذات حجارة سود (يستسقون) يطلبون الماء يشربونه (فما سقوا
حتى ماتوا) بضم السين المهملة والقاف لأنهم كفار أو لكفرهم
نعمة السقي التي أنعشتهم من المرض الذي كان بهم (قال أبو
قلابة) عبد الله الجرمي بالسند السابق (سرقوا) الإبل
(وقتلوا) الراعي (وحاربوا الله ورسوله) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
18 - باب سَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَعْيُنَ الْمُحَارِبِينَ
(باب سمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح
السين المهملة وسكون الميم مصدر مضاف لفاعله وهو النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقوله (أعين
المحاربين) نصب على المفعولية، ولأبي ذر باب بالتنوين أي
هذا باب يذكر فيه سمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بفتح السين والميم بلفظ الماضي والنبي فاعله
وتاليه مفعوله.
6805 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ -أَوْ
قَالَ عُرَيْنَةَ- وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: مِنْ
عُكْلٍ، قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلِقَاحٍ،
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَيَشْرَبُوا مِنْ
أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَشَرِبُوا حَتَّى إِذَا
بَرِئُوا قَتَلُوا الرَّاعِىَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ
فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
غُدْوَةً، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِى إِثْرِهِمْ، فَمَا
ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى جِىءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ
فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ
أَعْيُنَهُمْ فَأُلْقُوا بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلاَ
يُسْقَوْنَ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: هَؤُلاَءِ قَوْمٌ سَرَقُوا
وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ابن جميل بن
طريف أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا حماد) هو ابن
زيد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله الجرمي
(عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رهطًا) بفتح الراء
وسكون الهاء دون العشرة (من عكل) بضم العين المهملة وسكون
الكاف قبيلة مشهورة (أو قال: عرينة) بضم العين المهملة
وفتح الراء وسكون التحتية وفتح النون قبيلة أيضًا ولأبي ذر
أو قال: من عرينة (ولا أعلمه إلا قال: من عكل قدموا
المدينة) سنة ست فاستوخموها (فأمر لهم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلقاح) بكسر اللام بعدها قاف
وبعد الألف حاء مهملة جمع لقحة وهي الناقة الحلوب وكانت
خمس عشرة لقحة (وأمرهم أن يخرجوا) إليها (فيشربوا من
أبوالها وألبانها) ليتداووا بذلك من داء بطونهم (فشربوا)
من أبوالها وألبانها (حتى إذا برؤوا)
بكسر الراء وتفتح من ذلك الداء (قتلوا الراعي) يسارًا
النوبي (واستاقوا النعم) بفتح النون والعين واحد الأنعام
أي الإبل (فبلغ النبي) ولأبي ذر فبلغ ذلك النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غدوة) بضم الغين المعجمة
وسكون الدال المهملة (فبعث الطلب) أي سرية أميرها كرز بن
جابر لطلبهم (في أثرهم) بكسر الهمزة وسكون المثلثة (فما
ارتفع النهار حتى جيء بهم) ولأبي ذر عن الكشميهني حتى أتي
بهم إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأمر بهم
فقطع أيديهم وأرجلهم) بفتح القاف والطاء وأيديهم نصب على
المفعولية وأرجلهم عطف عليه، ولأبي ذر عن الكشميهني فقطع
بضم القاف وكسر
(10/4)
الطاء أيديهم مفعول نائب عن فاعله وتاليه
عطف عليه (وسمر) بفتحتين وتخفيف الميم (أعينهم) نصب مفعول،
ولأبي ذر وسمر بضم السين وكسر الميم مشددة أعينهم رفع نائب
فاعل. قال القاضي عياض: سمر العين بالتخفيف كحلها بالمسمار
الحديد المحمى وبالتشديد في بعض النسخ والأول أوجه
(فألقوا) بضم الهمز بعد الفاء (بالحرة) الأرض المعروفة
خارج المدينة حال كونهم (يستسقون فلا يسقون) وقال في
الكواكب: وكانت قصتهم قبل نزول الحدود والنهي عن المثلة،
وقيل ليس منسوخًا وإنما فعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ما فعل قصاصًا، وقيل النهي عن المثلة نهي تنزيه
(قال أبو قلابة: هؤلاء) أي العكليون أو العرنيون (قوم
سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله).
19 - باب فَضْلِ مَنْ تَرَكَ الْفَوَاحِشَ
(باب فضل من ترك الفواحش) جمع فاحشة وهي كل ما اشتدّ قبحه
من الذنوب فعلاً أو قولاً ويطلق في الغالب على الزنا. قال
تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} [الإسراء: 32].
6806 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ
خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ
عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ
إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى
عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِى خَلاَءٍ
فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى
الْمَسْجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ، وَرَجُلٌ
دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى
نَفْسِهَا قَالَ: إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ
تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ
شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بالتخفيف ولأبي ذر
بالتشديد كذا نسبه في الفرع كأصله وقال في الفتح: حدّثنا
محمد غير منسوب فقال أبو علي الغساني وقع في رواية الأصيلي
محمد بن مقاتل، وفي رواية القابسي محمد بن سلام والأول هو
الصواب لأن محمد مقاتل معروف بالرواية عن عبد الله بن
المبارك. قال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من ذلك أن لا يكون
هذا الحديث الخاص عند ابن سلام، والذي أشار إليه الجياني
قاعدة في تفسير من أبهم واستمر إبهامه فيكون كثرة أخذه
وملازمته قرينة في تعيينه، أما إذا ورد التنصيص عليه فلا
وقد صرح أيضًا بأنه محمد بن
سلام أبو ذر في روايته عن شيوخه الثلاثة وكذا هو في معظم
النسخ من رواية كريمة وأبي الوقت قال: (أخبرنا عبد الله)
بن المبارك (عن عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما ابن حفص
بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن خبيب بن عبد الرَّحمن) بضم
الخاء المعجمة وفتح الباء الأولى الأنصاري المدني (عن حفص
بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(سبعة) أي من الأشخاص ليدخل النساء فيما يمكن أن يدخلن فيه
شرعًا والتقييد بالسبعة لا مفهوم له فقد روي غيرها والذي
تحصل من ذلك اثنان وتسعون سبقت الإشارة إليها في الزكاة
وقوله سبعة مبتدأ خبره (يظلهم الله يوم القيامة في ظله) أي
ظل عرشه (يوم لا ظل إلا ظله) ظل العرش. أحدها (إمام عادل)
يضع الشيء في محله، وعادل اسم فاعل من عدل يعدل فهو عادل
(و) ثانيها (شاب نشأ في عبادة الله) زاد الجوزقي من رواية
حماد بن زيد حتى توفي على ذلك لأن عبادته أشق من غيره
لغلبة شهوته (و) ثالثها (رجل ذكر الله في خلاء) بفتح الخاء
المعجمة فلام فألف فهمزة ممدودًا في موضع وحده إذ لا يكون
ثمّ شائبة رياء وفي نسخة خاليًا أي من الناس أو من
الالتفات إلى غير المذكور وإن كان في ملأ (ففاضت) بفاءين
فألف فضاد معجمة أي سألت (عيناه) من خشية الله كما زاده
الجوزقي في روايته أو من الشوق إليه تعالى وإسناد الفيض
إلى العين مع أن الفائض هو الدمع لا العين مبالغة لأنه يدل
على أن العين صارت دمعًا فياضًا (و) رابعها (رجل قلبه معلق
في المسجد) بالإفراد ولأبي ذر في المساجد أي من شدة حبه
لها وإن كان خارجًا عنها وهو كناية عن انتظاره أوقات
الصلاة (و) خامسها (رجلان تحابّا في الله) أي بسببه لا
لغرض دنيوي ولم يقل في هذه الرواية اجتمعا عليه وتفرقا
عليه (و) سادسها (رجل دعته) طلبته (امرأة ذات منصب) بفتح
الميم وسكون النون وكسر الصاد المهملة صاحبة نسب شريف
(وجمال إلى نفسها) إلى الزنا (قال) ولأبي ذر فقال (إني
أخاف الله) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (و) سابعها
(رجل تصدّق) بصدقة تطوعًا (فأخفاها) ولأبي ذر تصدق فأخفى
(حتى لا تعلم شماله ما صنعت) وفي الزكاة وغيرها ما تنفق
(يمينه) كأن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع
له مثلاً درهمًا فيما يساوي نصف درهم فهي في الصورة مبايعة
وفي
(10/5)
الحقيقة صدقة.
والحديث سبق في الصلاة والزكاة والرقاق.
6807 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ،
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىٍّ ح وَحَدَّثَنِى خَلِيفَةُ،
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ
تَوَكَّلَ لِى مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ
لَحْيَيْهِ، تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) المقدّمي قال: (حدّثنا
عمر بن علي) بضم عين الأول عم محمد الراوي عنه وهو مدلس
لكنه صرح بالتحديث (ح).
قال البخاري (وحدثني) بالإفراد (خليفة) بن خياط واللفظ له
قال: (حدّثنا عمر بن علي) بضم عين عمر قال: (حدّثنا أبو
حازم) سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء
والعين فيهما (الساعدي) -رضي الله عنه- أنه قال (قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من توكل) أي من تكفل (لي ما بين رجليه) فرجه (وما بين
لحييه) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة منبت اللحية
والأسنان وثني باعتبار أن له أعلى وأسفل أي لسانه إذ أكثر
بلاء الإنسان من الفرج واللسان (توكلت) تكفلت (له بالجنة)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الجنة بإسقاط حرف الجر أي
ضمنت له الجنة.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن من حفظ لسانه وفرجه يكون
له فضل من ترك الفواحش أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.
20 - باب إِثْمِ الزُّنَاةِ
قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَزْنُونَ وَلاَ
تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ
سَبِيلاً}.
(باب إثم الزناة) بضم الزاي جمع زانٍ كعصاة جمع عاصٍ (قول
الله) بالرفع على الاستئناف، ولأبي ذر وقول الله (تعالى)
بالجر عطفًا على المجرور السابق في سورة الفرقان ({ولا
يزنون}) [الفرقان: 68] وأولها: {والذين لا يدعون مع الله
إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا
يزنون} [الفرقان: 68] قال القاضي ناصر الدين: نفى عنهم
أمهات المعاصي بعد ما أثبت لهم أصول الطاعات إظهارًا لكمال
إيمانهم وإشعارًا بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك
وتعريضًا للكفرة بأضداده، وقول الله تعالى في سورة
الإسراء: {ولا تقربوا الزنا}) بالقصر على الأكثر والمدّ
لغة وهي نهي عن دواعي الزنا كالمس والقبلة ونحوهما ولو
أريد النهي عن نفس الزنا لقال: ولا تزنوا ({إنه كان
فاحشة}) معصية مجاوزة حدّ الشرع والعقل ({وساء سبيلاً})
[الإسراء: 32] وبئس طريقًا طريقه، وسقط لأبي ذر وساء
سبيلاً.
6808 - أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَنَسٌ قَالَ:
لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ
بَعْدِى سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ
-وَإِمَّا قَالَ- مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَنَّ
يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ
الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَيَقِلَّ الرِّجَالُ
وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِلْخَمْسِينَ
امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ».
وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (داود بن شبيب) بفتح
المعجمة وكسر الموحدة الأولى أبو سليمان الباهلي البصري
قال: (حدّثنا همام) أبو يحيى البصري (عن قتادة) بن دعامة
أنه قال (أخبرنا أنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (قال:
لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكموه أحد بعدي) لأنه كان آخر
الصحابة موتًا بالبصرة (سمعته من النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(لا تقوم الساعة وإما) بكسر الهمزة وتشديد الميم (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من أشراط الساعة)
أي من علاماتها (أن يرفع العلم) بموت العلماء (ويظهر
الجهل) بفتح التحتية (ويشرب الخمر) بضم التحتية مبنيًّا
للمفعول أي يكثر شربه (ويظهر الزنا) أي يفشو (ويقل الرجال)
لكثرة القتل فيهم بسبب الفتن (ويكثر النساء حتى يكون
للخمسين) بلامين أولاهما مكسورة، ولأبي ذر لخمسين (امرأة
القيّم الواحد) هل المراد بالخمسين الحقيقة أو المجاز عن
الكثرة سبق الإلمام بذلك في كتاب العلم، ويحتمل أن يكون
المراد بالقيّم من يقوم عليهن سواء كنّ موطوءات أم لا، أو
أن ذلك يكون في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله
فيتزوج الواحد بغير عدد جهلاً بالحكم الشرعي.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ويظهر الزنا لأن معناه
أنه يشتهر بحيث لا يتكاتم به لكثرة من يتعاطاه، والحديث من
أفراده.
6809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا
الْفُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزْنِى
الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ
حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ
يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَقْتُلُ وَهْوَ
مُؤْمِنٌ». قَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ:
كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ؟ مِنْهُ قَالَ: هَكَذَا
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنْ
تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ
أَصَابِعِهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي بالنون
المفتوحة والزاي البصري المعروف بالزمن قال: (أخبرنا إسحاق
بن يوسف) الواسطي الأزرق قال: (أخبرنا الفضيل) بضم الفاء
وفتح الضاد المعجمة (ابن غزوان) بفتح الغين المعجمة وسكون
الزاي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن) فيه نفي الإيمان في
حالة ارتكاب الزنا ومقتضاه أنه يعود إليه الإيمان بعد
فراغه وهذا هو الظاهر أو أنه يعود إليه إذا أقلع الإقلاع
الكلي فلو فرغ مصرًّا على تلك المعصية فهو كالمرتكب فيتجه
أن نفي الإيمان عنه مستمر
(10/6)
ويؤيده قول ابن عباس الآتي في هذا الباب إن
شاء الله تعالى (ولا يسرق) السارق (حين يسرق وهو مؤمن ولا
يشرب) الشارب (حين يشرب) المسكر (وهو مؤمن ولا يقتل)
القاتل مؤمنًا بغير حق (وهو مؤمن).
(قال عكرمة) بالسند السابق: (قلت لابن عباس) -رضي الله
عنهما-: (كيف ينزع) بضم التحتية وفتح الزاي (منه الإيمان)؟
عند ارتكابه الزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس (قال:
هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها) وفي حديث أبي داود
والحاكم بسند صحيح من طريق سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة
رفعه: إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة
فإذا أقلع رجع إليه الإيمان. وعند الحاكم من طريق ابن
حجيرة أنه سمع أبا هريرة رفعه: من زنى أو شرب
الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان قميصه عن
رأسه (فإن تاب) المرتكب من ذلك (عاد إليه) الإيمان (هكذا
وشبك بين أصابعه).
وأخرج الطبري من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس
-رضي الله عنهما- قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
فإذا زايل رجع إليه الإيمان ليس إذا تاب منه ولكن إذا تأخر
عن العمل به، ويؤيده أن المصرّ وإن كان إثمه مستمرًا لكن
ليس إثمه كمن باشر العمل كالسرقة مثلاً. وقال الطيبي:
يحتمل أن يكون الذي نقص من الإيمان المذكور الحياء وهو
المعبر عنه في الحديث الآخر بالنور، وقد سبق حديث الحياء
من الإيمان فيكون التقدير: لا يزني حين يزني الخ .. وهو
يستحيي من الله لأنه لو استحيا منه وهو يعرف أنه شاهد حاله
لم يرتكب ذلك وإلى ذلك تصح إشارة ابن عباس بتشبيك أصابعه
ثم إخراجها منها ثم إعادتها إليها.
6810 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ،
وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ
يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ،
وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن ذكوان)
بالذال المعجمة أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) كامل أو محمول على
المستحل مع العلم بالتحريم أو هو خبر بمعنى النهي أو أنه
شابه الكافر في عمله وموقع التشبيه أنه مثله في جواز قتاله
في تلك الحالة ليكف عن المعصية ولو أدى إلى قتله (ولا
يسرق) السارق (حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب) أي الخمر (حين
يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة) على فاعلها (بعد) أي بعد
ذلك. وقد تضمن الحديث التحري من ثلاثة أمور هي أعظم أصول
المفاسد وأضدادها من أصول المصالح وهي استباحة الفروج
المحرمة، وما يؤدي إلى اختلال العقل، وخص الخمر بالذكر في
الرواية الأخرى لكونها أغلب الوجوه في ذلك، والسرقة لكونها
أعلى الوجوه التي يؤخذ بها مال الغير بغير حق.
6811 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى مَنْصُورٌ
وَسُلَيْمَانُ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَيْسَرَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ
تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ
أَىٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ
يَطْعَمَ مَعَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: «أَنْ
تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». قَالَ يَحْيَى:
وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى وَاصِلٌ، عَنْ أَبِى
وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
مِثْلَهُ، قَالَ عَمْرٌو: فَذَكَرْتُهُ
لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ حَدَّثَنَا عَنْ سُفْيَانَ،
عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ وَوَاصِلٍ، عَنْ أَبِى
وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَيْسَرَةَ قَالَ: دَعْهُ دَعْهُ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم
الفلاس قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري قال: (حدثني) بالإفراد (منصور) هو ابن
المعتمر (وسليمان) بن مهران الأعمش كلاهما (عن أن وائل)
شقيق بن سلمة (عن أن ميسرة) عمرو بن شرحبيل (عن عبد الله)
بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت يا رسول الله أي
الذنب أعظم)؟ عند الله، وعن أحمد أي الذنب أكبر؟ (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أن تجعل لله ندًّا) بكسر النون وتشديد الدال المهملة
مثلاً وشريكًا (وهو خلقك) الواو للحال. قال المظهري: أكبر
الذنوب أن تدعو لله شريكًا مع علمك بأنه لم يخلقك أحد غير
الله (قلت): يا رسول الله (ثم أي)؟ بالتنوين عوضًا عن
المضاف إليه وأصله: ثم أي شيء من الذنوب أكبر بعد الكفر؟
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن تقتل ولدك
من أجل أن يطعم معك) بفتح التحتية والعين ولغير الكشميهني
أن تقتل ولدك أجل بإسقاط حرف الجر ونصب أجل على نزع الخافض
ولا خلاف أن أكبر الذنوب بعد الكفر قتل النفس المسلمة بغير
حق لا سيما قتل الولد خصوصًا قتله خوف الإطعام فإنه ذنب
آخر أيضًا لأنه بفعله لا يرى الرزق في الله تعالى (قلت: ثم
أي)؟ أعظم عند الله (قال: أن تزاني حليلة جارك) بضم
الفوقية
(10/7)
وبعد الزاي ألف، وللمستملي والكشميهني أن
تزني بحليلة جارك. والحليلة بحاء مهملة زوجة جارك التي يحل
له وطؤها أو التي تحل معه في فراشه، فالزنا ذنب كبير
خصوصًا من سكن جوارك والتجأ بأمانتك وثبت بينك وبينه حق
الجوار، وفي الحديث: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت
أنه سيورثه، فالزنا بزوجة الجار يكون زنا وإبطال حق الجوار
والخيانة معه فيكون أقبح وإذا كان الذنب أقبح يكون الإثم
أعظم.
والحديث سبق في التفسير ويأتي إن شاء الله تعالى في
التوحيد.
(قال يحيى) بن سعيد القطان (وحدّثنا سفيان) الثوري قال:
(حدثني) بالإفراد (واصل) هو ابن حيان بالتحتية المشددة
المعروف بالأحدب (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله)
بن مسعود أنه قال (قلت: يا رسول الله) فذكر (مثله) أي مثل
الحديث السابق.
(قال عمرو) بفتح العين ابن علي الفلاس (فذكرته) أي الحديث
المذكور (لعبد الرَّحمن) بن مهدي (وكان) أي والحال أن عبد
الرَّحمن كان (حدّثنا) بهذا الحديث (عن سفيان) الثوري (عن
الأعمش) سليمان (و) عن (منصور) أي ابن المعتمر (و) عن
(واصل) الأحدب الثلاثة (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي
ميسرة) عمرو بن شرحبيل (قال) عبد الرَّحمن بن مهدي: (دعه
دعه) مرتين أي اترك هذا الإسناد الذي ليس فيه ذكر أبي
ميسرة بين أبي وائل وبين عبد الله بن مسعود.
قال في الفتح: والحاصل أن الثوري حدّث بهذا الحديث عن
ثلاثة أنفس حدثوه به عن أبي وائل فأما الأعمش ومنصور
فأدخلا بين أبي وائل وبين ابن مسعود أبا ميسرة، وأما وأصل
فحذفه فضبطه يحيى القطان عن سفيان هكذا مفصلاً، وأما عبد
الرَّحمن فحدّث به أولاً بغير تفصيل فحمل رواية واصل على
رواية منصور والأعمش فجمع الثلاثة وأدخل أبا ميسرة في
السند، فلما ذكر له عمرو بن علي أن يحيى فصله كأنه تردّد
فيه فاقتصر على التحديث به عن سفيان عن منصور والأعمش حسب
وترك طريق واصل، وهذا معنى قوله: دعه دعه أي اتركه والضمير
للطريق التي اختلفا فيها وهي رواية واصل، وقد زاد الهيثم
بن خلف في روايته فيما أخرجه الإسماعيلي عنه عن عمرو بن
علي بعد قوله: دعه فلم يذكر فيه واصلاً بعد ذلك فعرف أن
معنى قوله دعه أي اترك السند الذي ليس فيه ذكر أبي ميسرة.
وقال في الكواكب: حاصله أن أبا وائل وإن كان قد روى كثيرًا
عن عبد الله فإن هذا الحديث لم يروه عنه. قال: وليس المراد
بذلك الطعن عليه لكن ظهر له ترجيح الرواية بإسقاط الواسطة
لموافقة الأكثرين، والذي جنح إليه في فتح الباري أنه إنما
تركه لأجل التردد فيه في كلام يطول ذكره والله الموفق
والمعين.
21 - باب رَجْمِ الْمُحْصَنِ
وَقَالَ الْحَسَنُ مَنْ زَنَى بِأُخْتِهِ حَدُّهُ حَدُّ
الزَّانِى.
(باب رجم المحصن).
إذا زنى، والمحصن بفتح الصاد من الإحصان وهو من الثلاثة
التي جئن نوادر. يقال: أحصن فهو محصن وأسهب فهو مسهب وألقح
فهو ملقح وتكسر الصار على القياس فمعنى المفتوح أحصن نفسه
بالتزوّج عن عمل الفاحشة والمحصن المتزوّج والمراد به من
جامع في نكاح صحيح.
(وقال الحسن) البصري، ولأبي ذر عن المستملي كما في الفرع
كأصله، وقال في الفتح عن الكشميهني وحده وقال منصور: دل
الحسن وزيفوه (من زنى بأخته حده حدّ الزاني) ولأبي ذر عن
الكشميهني حدّ الزنا أي كحدّ الزنا وهو الجلد، وعند ابن
أبي شيبة عن حفص بن غياث قال: سألت عمرًا ما كان الحسن
يقول فيمن تزوّج ذات محرم وهو يعلم؟ قال: عليه الحدّ.
6812 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ
يُحَدِّثُ عَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه حِينَ رَجَمَ
الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ: قَدْ رَجَمْتُهَا
بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (حدّثنا سلمة بن كهيل) بضم الكاف وفتح الهاء
الحضرمي أبو يحيى الكوفي (قال: سمعت الشعبي) عامر بن
شراحيل (يحدّث عن علي -رضي الله عنه- حين رجم المرأة)
شراحة الهمدانية بضم الشين المعجمة
وتخفيف الراء بعدها حاء مهملة والهمدانية بفتح الهاء وسكون
الميم بعدها دال مهملة (يوم الجمعة) وفي رواية علي بن
الجعد أن عليًّا أتي بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها
يوم الجمعة
(10/8)
وكذا عند النسائي من طريق بهز بن أسد عن
شعبة (وقال: قد رجمتها بسنّة رسول الله) ولأبي ذر لسنّة
رسول الله بلام بدل الموحدة (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) زاد علي بن الجعد عن شعبة عن سلمة عند
الإسماعيلي وجلدتها بكتاب الله وتمسك به من قال: إن الزاني
المحصن يجلد ثم يرجم، وإليه ذهب أحمد في رواية عنه. وقال
الجمهور: لا يجمع بينهما وهو رواية عن أحمد قال المرداوي
في تنقيح المقنع: ولا يجلد قبل الرجم، وقد ثبت في قصة ماعز
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجمه ولم
يذكر الجلد قال إمامنا الشافعي رحمه الله: فدلت السُّنّة
على أن الجلد ثابت على البكر وساقط عن الثيب، وقيل إن
الجمع بين الجلد والرجم خاص بالشيخ والشيخة لحديث: الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
والحديث أخرجه النسائي في الرجم.
6813 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ
الشَّيْبَانِىِّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
أَبِى أَوْفَى هَلْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ:
قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ أَمْ بَعْدُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِى.
[الحديث 6813 - طرفه في: 6840].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) هو
ابن شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله
الطحان (عن الشيباني) بفتح الشين المعجمة سليمان أبي إسحاق
بن أبي سليمان فيروز أنه قال: (سألت عبد الله بن أبي أوفى)
اسمه علقمة الأسلمي -رضي الله عنه- (هل رجم رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال نعم. قلت: قبل)
نزول (سورة النور) يريد قوله تعالى: {الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] (أم بعد)؟
ولأبي ذر عن الكشميهني أم بعدها؟ (قال) ابن أبي أوفى: (لا
أدري) رجم قبل نزولها أم بعده وقد قام الدليل على أن الرجم
وقع بعد نزول سورة النور، لأن نزولها كان في قصة الإفك سنة
أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك لأن أبا هريرة
حضره، وإنما أسلم سنة سبع وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى
المدينة سنة تسع، وفائدة هذا السؤال أن الرجم إن كان وقع
قبلها فيحتمل أن يدعي نسخه بالتنصيص فيها على أن حدّ
الزاني الجلد، وإن كان بعدها فيستدل به على نسخ الجلد في
حق المحصن، لكن عورض بأنه من نسخ الكتاب والسنّة وفيه
خلاف. وأجيب: بأن الممنوع نسخ الكتاب بالسنّة إذا جاءت من
طريق الآحاد وأما السُّنّة المشهورة فلا، وأيضًا فلا نسخ
وإنما هو مخصص بغير المحصن.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود.
6814 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ، أَنَّ
رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَ وَكَانَ
قَدْ أُحْصِنَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (محمد بن مقاتل)
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال:
(أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري أنه (قال: حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد فيهما
(أبو سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن جابر بن عبد الله
الأنصاري) -رضي الله عنهما- (أن رجلاً من أسلم) اسمه ماعز
بن مالك الأسلمي (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فحدثه أنه) ولأبي ذر عن الكشميهني أن (قد زنى
فشهد) أي أقرّ (على نفسه) بالزنا (أربع شهادات فأمر به
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجم وكان
قد أحصن) بالبناء للمفعول فيهما، ولأبي ذر أحصن بفتح
الهمزة والصاد.
والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي في الحدود والنسائي
في الجنائز.
22 - باب لاَ يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ
وَقَالَ عَلِىٌّ لِعُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ
رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ
الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى
يَسْتَيْقِظَ؟.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يرجم) الرجل (المجنون و)
لا المرأة (المجنونة) إذا زنيا في حالة الجنون إجماعًا فلو
طرأ الجنون بعده، فالجمهور أنه لا يؤخر إلى الإقامة لأنه
يراد به التلف فلا معنى للتأخير بخلاف الجلد فإنه يراد به
الإيلام فيؤخر.
(وقال علي) هو ابن أبي طالب (لعمر) بن الخطاب -رضي الله
عنهما- وقد أتي بمجنونة وهي حبلى فأراد أن يرجمها (أما
علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق) من جنونه (وعن
الصبي حتى يدرك) الحلم (وعن النائم حتى يستيقظ) من نومه
وصله البغوي في الجعديات موقوفًا وهو مرفوع حكمًا، وهو عند
أبي داود والنسائي وابن حبان مرفوعًا عن ابن عباس: مرّ علي
بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت فأمر عمر برجمها
فردّها عليّ وقال لعمر: أما تذكر أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رفع القلم عن ثلاثة عن
المجنون المغلوب على عقله وعن الصبي حتى يحتلم وعن النائم
حتى يستيقظ" قال: صدقت فخلى عنها. هذه رواية جرير بن حازم
عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن
(10/9)
عباس عند أبي داود، وسندها متصل، لكن أعلّه
النسائي بأن جرير بن حازم حدث بمصر أحاديث غلط فيها، لكن
له شاهد من حديث أبي إدريس الخولاني أخبرني غير واحد من
الصحابة منهم شداد بن أوس وثوبان أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رفع القلم في الحد عن
الصغير حتى يكبر وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى
يفيق وعن المعتوه الهالك" أخرجه الطبراني، وقد أخذ العلماء
بمقتضى ذلك لكن ذكر ابن حبان أن المراد برفع القلم ترك
كتابة الشر عنهم دون الخير قال
الحافظ زين الدين العراقي: هو ظاهر في الصبي دون المجنون
والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلاً لصحة العبادة منه
لزوال الشعور فالذي ارتفع عن الصبي قلم المؤاخذة لا قلم
الثواب لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمرأة
لما سألته ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر.
6815 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى
سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى
الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنِّى زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ
عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى
نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ»؟
قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ أَحْصَنْتَ»؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد
الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم
العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (وسعيد بن المسيب)
بن حزم الإمام أبي محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد
التابعين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى
رجل) هو ماعز بن مالك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو في المسجد) حال من رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والجملة التالية معطوفة على
أتى (فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه) عليه
الصلاة والسلام (حتى ردّد عليه أربع مرات) بدالين أولهما
مشددة ولأبي ذر عن الكشميهني حتى رد لإسقاط الدال الثانية
(فلما شهد) أقرّ (على نفسه أربع شهادات) ولأبي ذر: أربع
مرات وجواب لما قوله (دعاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال) له:
(أبك جنون) بهمزة الاستفهام وجنون مبتدأ أو الجار متعلق
بالخبر والمسوّغ للابتداء بالنكرة تقدم الخبر في الظرف
وهمزة الاستفهام (قال: لا) ليس بي جنون (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فهل أحصنت)؟ تزوجت (قال:
نعم) أحصنت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: اذهبوا به) الباء للتعدية أو الحال أي اذهبوا
مصاحبين له (فارجموه) وقد تمسك بهذا الحنفية والحنابلة في
اشتراط الإقرار أربع مرات، أنه لا يكتفي بما دونها قياسًا
على الشهود.
وأجيب: عن المالكية والشافعية في عدم اشتراط ذلك بما فى
حديث العسيف من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ولم يقل
فإن اعترفت أربع مرات، وبحديث رجم الغامدية بالغين المعجمة
والميم المكسورة بعدها دال مهملة إذ لم ينقل أنه تكرر
إقرارها وأما التكرار هنا فإنما كان للاستثبات والتحقيق
والاحتياط في درء الحد بالشبه كقوله "أبك جنون" فإنه من
التثبت ليتحقق حاله أيضًا فإن الإنسان غالبًا لا يصر على
إقرار ما يقتضي هلاكه من غير سؤال مع أن له طريقًا إلى
سقوط الإثم بالتوبة. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم ثم سأل
قومه فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا لا يرى
أنه لا يخرجه منه إلا أن من يقام فيه الحدّ، وهذا مبالغة
في تحقيق حاله وفي صيانة دم المسلم فيبنى الأمر عليه لا
على مجرد إقراره بعدم الجنون فإنه لو كان
مجنونًا لم يفد قوله إنه ليس به جنون لأن إقراره المجنون
غير معتبر، فهذه هي الحكمة في سؤاله عنه قومه وقال
القرطبي: إن ذلك قاله لما ظهر عليه من الحال الذي يشبه حال
المجنون وذلك أنه دخل منتفش الشعر ليس عليه رداء يقول:
زنيت فطهرني كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة، واسم
المرأة التي زنى بها فاطمة فتاة هزال، وقيل منيرة، وفي
طبقات ابن سعد مهيرة.
6816 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ
رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا
أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ
بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ.
(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق: (فأخبرني)
بالإفراد (من سمع جابر بن عبد الله) قال في الفتح: صرح
يونس ومعمر في روايتهما بأنه أبو سلمة بن عبد الرَّحمن
فكأن الحديث كان عند أبي سلمة عن أبي هريرة كما عند سعيد
بن المسيب وعنده زيادة عليه عن جابر (قال: فكنت فيمن ربه
فرجناه بالمصلّى) مكان صلاة العيد والجنائز وخبر كان في
المجرور ومن بمعنى الذي وصلتها جملة
(10/10)
رجمه والمعنى في جماعة من رجمه، وأعاد
الضمير على لفظ من ولو أعاده على معناها لقال فيمن رجموه.
وفي الكلام تقديم وتأخير أي: فرجمناه بالمصلّى فكنت فيمن
رجمه أو يقدر فكنت فيمن أراد حضور رجمه فرجمناه (فلما
أذلقته الحجارة) بالذال المعجمة والقاف أصابته بحدّها
وبلغت منه الجهد حتى قلق وجواب لما قوله (هرب فأدركناه
بالحرة) الحاء المهملة المفتوحة والراء المشدّدة موضع ذو
حجارة سود ظاهر المدينة (فرجمناه) زاد معمر في روايته
الآتية إن شاء الله تعالى قريبًا حتى مات قال في مقدمة
الفتح: والذي رجمه لما هرب فقتله عبد الله بن أنيس، وحكى
الحاكم عن ابن جريج أنه عمر، وكان أبو بكر الصديق رأس
الذين رجموه ذكره ابن سعد، وفي حديث نعيم بن هزال: هلا
تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه أخرجه أبو داود وصححه
الحاكم والترمذي وهو حجة للشافعي ومن وافقه أن الهارب من
الرجم إذا كان بالإقرار يسقط عن نفسه الرجم، وعند المالكية
لا يترك إذا هرب بل يتبع ويرجم لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يلزمهم ديته مع أنهم قتلوه بعد
هربه. وأجيب: بأنه لم يصرح بالرجوع وقد ثبت عليه الحدّ،
وعند أبي داود من حديث بريدة قال: كنا أصحاب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نتحدّث أن ماعزًا
والغامدية لو رجعا لم يطلبهما.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرجم.
23 - باب لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (للعاهر) أي للزاني (الحجر).
6817 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدٌ
وَابْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ
الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِى مِنْهُ يَا
سَوْدَةُ». زَادَ لَنَا قُتَيْبَةُ عَنِ اللَّيْثِ:
وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: اختصم سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (وابن زمعة)
عبد في ابن وليدة زمعة وكان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن
وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد
فقال: ابن أخي عهد إليّ فيه فتساوقا إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله إن
أخي كان عهد إليّ فيه فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة
أبي ولد على فراشه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(هو لك يا عبد بن زمعة) بضم عبد ونصب ابن (الولد للفراش)
أي لصاحب الفراش (واحتجبي منه) من ابن وليدة زمعة واسمه
عبد الرَّحمن (يا سودة) استحبابًا للاحتياط، وسودة هي بنت
زمعة أم المؤمنين -رضي الله عنها-. قال البخاري بالسند
إليه: (زاد لنا قتيبة) بن سعيد، وسقط لنا لأبي ذر، وقال في
البيوع: حدّثنا قتيبة (عن الليث) بن سعد (وللعاهر الحجر).
6818 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».
وبه قال: (حدّثنا آدَمُ) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة)
-رضي الله عنه- يقول (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(الولد للفراش) حرة كانت أو أمة (وللعاهر الحجر) سبق في
الفرائض وغيرها أن المراد بقوله الحجر الخيبة أي لا حق له
في النسب، وقيل معناه وللزاني الرجم بالحجر وأنه استبعد
بأن ذلك ليس لجميع الزناة بل للمحصن، لكن في ترجمة البخاري
هنا إيماء إلى ترجيح القول بأن الرجم بالحجر فيكون المراد
منه أن الرجم مشروع للزاني المحصن والله أعلم.
والحديث سبق في مواضع.
24 - باب الرَّجْمِ فِى الْبَلاَطِ
(باب الرجم في البلاط) ولأبي ذر عن الكشميهني، وفي الفتح
وتبعه في العمدة عن المستملي بالبلاط بالموحدة بدل في
والباء ظرفية أيضًا موضع معروف عند باب المسجد النبوي وكان
مفروشًا بالبلاط وليس المراد الآلة التي يرجم بها.
6819 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى
الله عنهما - قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَهُودِىٍّ وَيَهُودِيَّةٍ
قَدْ أَحْدَثَا جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا تَجِدُونَ
فِى كِتَابِكُمْ»؟ قَالُوا: إِنَّ أَحْبَارَنَا أَحْدَثُوا
تَحْمِيمَ الْوَجْهِ وَالتَّجْبِيَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ سَلاَمٍ: ادْعُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
بِالتَّوْرَاةِ، فَأُتِىَ بِهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ
يَدَهُ عَلَى
آيَةِ الرَّجْمِ وَجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا
بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ
فَإِذَا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ فَأَمَرَ بِهِمَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَرُجِمَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرُجِمَا عِنْدَ
الْبَلاَطِ فَرَأَيْتُ الْيَهُودِىَّ أَجْنَأَ عَلَيْهَا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عثمان) ولأبي ذر زيادة ابن كرامة
العجلي الكوفي وهو من أفراده قال: (حدّثنا خالد بن مخلد)
بفتح الميم واللام المخففة بينهما خاء معجمة ساكنة
القطواني الكوفي أحد مشايخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة
(عن سليمان) بن بلال أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله
بن دينار) المدني (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال:
أتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم
الهمزة مبنيًّا للمفعول (بيهودي) أي يسم (ويهودية) اسمها
بسرة كما ذكره ابن العربي في أحكام القرآن (وقد أحدثنا
جميعًا)
(10/11)
أي فعلاً أمرًا فاحشًا وهو الزنا (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لهم) أي لليهود:
(ما تجدون في) التوراة (كتابكم قالوا: إن أحبارنا) بالحاء
المهملة والموحدة أي علماءنا (أحدثوا) ابتكروا (تحميم
الوجه) أي تسويده بالفحم (والتجبية) بالفوقية المفتوحة
والجيم الساكنة والموحدة المكسورة هو الإركاب معكوسًا وقيل
أن يحمل الزانيان على حمار مخالفًا بين وجوههما، وقال في
الفتح: المعتمد ما قاله أبو عبيدة التجبية أن يضع اليدين
على الركبتين وهو قائم فيصير كالراكع، وقال الفارابي: جبّى
بفتح الجيم وتشديد الموحدة قام قيام الراكع وهو عريان.
(قال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام (ادعهم يا رسول الله
بالتوراة فأتي بها) بضم الهمزة (فوضع أحدهم) هو عبد الله
بن صوريا (يده على آية الرجم) المكتوبة في التوراة (وجعل
يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال ابن سلام: ارفع يدك) عنها
فرفعها (فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يرجما (فرجما)
بعد إخراجهما إلى محل الرجم وإنما فعل ذلك إقامة للحجة
عليهم وإظهارًا لما كتموه وبدلوه لا ليعرف الحكم ولا
لتقليدهم.
(قال ابن عمر) -رضي الله عنهما- بالسند السابق: (فرجما عند
البلاط) بين السوق والمسجد النبوي وفائدة ذكر البلاط
الإشارة إلى جواز الرجم من غير حفيرة لأن المواضع المبلطة
لم تحفر غالبًا أو أن الرجم يجوز في الأبنية ولا يختص
بالمصلّى ونحوه مما هو خارج المدينة (فرأيت اليهودي أجنأ
عليها) بفتح الهمزة والنون بينهما جيم ساكنة آخره همزة
مفتوحة أي أكب، ولأبي ذر: أحنى بالحاء المهملة مقصورًا
ومعناهما واحد يعني أكب عليها يقيها الحجارة.
والحديث أخرجه مسلم.
25 - باب الرَّجْمِ بِالْمُصَلَّى
(باب الرجم بالمصلّى) أي عند مصلّى العيد والجنائز وهي من
جهة بقيع الغرقد.
6820 - حَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ
عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ
أَسْلَمَ جَاءَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى
شَهِدَ عَلَى
نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبِكَ جُنُونٌ»؟
قَالَ: لاَ. قَالَ: «آحْصَنْتَ» قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ
بِهِ فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ
الْحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ. لَمْ يَقُلْ يُونُسُ وَابْنُ
جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمود)
وللنسفي محمود بن غيلان وهو المروزي قال: (حدّثنا عبد
الرَّزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر
الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين
مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي
سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن جابر) هو ابن عبد الله
الأنصاري -رضي الله عنهما- (أن رجلاً من أسلم) اسمه ماعز
بن مالك (جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فاعترف بالزنا فأعرض عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حتى شهد) أقر (على نفسه) به (أربع مرات، فقال
له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أبك جنون قال: لا قال: آحصنت) بمد الهمزة أي أتزوجت ودخلت
بها وأصبتها (قال: نعم فأمر به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فرجم بالمصلّى) أي عندها (فلما أذلقته) بالذال
المعجمة والقاف أوجعته (الحجارة) أي حجارة الرمي فأل للعهد
(فرّ) بالفاء المفتوحة والراء المشددة أي هرب (فأدرك) بضم
الهمزة بالحرة (فرجم حتى مات فقال له النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيرًا) أي ذكره بخير وفي حديث
بريدة عند مسلم فكان الناس فيه فريقين قائل يقول هلك لقد
أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ماعز،
وفيه: لقد تاب توبة لم قسمت على أمة لوسعتهم. وفي حديث أبي
عزيزة عند النسائي: لقد رأيته بين أنهار الجنة ينغمس. قال:
يعني يتنعم، وفي حديث أبي ذر عند أحمد قد غفر له وأدخله
الجنة (وصلّى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليه)
خالف محمود بن غيلان عن عبد الرزاق محمد بن يحيى الذهلي
وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره لم يصل عليه (و) قال
البخاري: (لم يقل يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله المؤلّف
في باب رجم المحصن (وابن جريج) فيما وصله مسلم في روايتهما
(عن الزهري) محمد بن مسلم (فصلّى عليه). وزاد في رواية
المستملي وحده عن الفربري. سئل أبو عبد الله البخاري هل
قوله فصلّى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر أي ابن راشد
قيل للبخاري أيضًا هل رواه غير معمر قال: لا. قال الحافظ
ابن حجر: واعترض على البخاري في جزمه بأن معمرًا روى هذه
الزيادة مع أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد
الرزاق، وقد خالفه العدد الكثير من
(10/12)
الحفاظ فصرحوا بأنه لم يصلِّ عليه، لكن ظهر
لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد، فقد أخرج
عبد الرزاق أيضًا وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي
أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال: فقيل يا رسول الله
أتصلي عليه؟ قال: لا. فلما كان من الغد قال: "صلوا على
صاحبكم" فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والناس. قال الحافظ ابن حجر: فهذا الخبر يجمع
الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم
ورواية الإثبات على أنه صلّى في اليوم الثاني، وقد اختلف
في هذه المسألة فالمعروف عن مالك أنه يكره للإمام وأهل
الفضل الصلاة على المرجوم ردعًا لأهل المعاصي وهو قول
أحمد، وعند الشافعي لا يكره وهو قول الجمهور.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الحدود وأخرجه أبو داود
والترمذي والنسائي.
26 - باب مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا دُونَ الْحَدِّ فَأَخْبَرَ
الإِمَامَ
فَلاَ عُقُوبَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِذَا جَاءَ
مُسْتَفْتِيًا قَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ ابْنُ
جُرَيْجٍ: وَلَمْ يُعَاقِبِ الَّذِى جَامَعَ فِى
رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَاقِبْ عُمَرُ صَاحِبَ الظَّبْىِ.
وَفِيهِ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب من أصاب ذنبًا دون الحد) أي ارتكب ذنبًا لا حد له
شرعًا كالقبلة والغمرّة (فأخبر الإمام) به (فلا عقوبة عليه
بعد التوبة إذا جاء) إلى الإمام حال كونه (مستفتيًا) بسكون
الفاء طالبًا جواب ذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني مستعتبًا
بالعين المهملة الساكنة بدل الفاء وبعد الفوقية موحدة بدل
التحتية من الاستعتاب وهو طلب الرضا وإزالة العتب. وقال في
العمدة وللكشميهني: مستغيثًا بالغين المعجمة المكسورة
والمثلثة بعد التحتية من الاستغاثة وهي طلب الغوث، وزاد في
الفتح عن الكشميهني مستعينًا بالسين المهملة والنون قبل
الألف، وفي نسخة مما في الفرع كأصله مستقيلاً بالقاف بدل
الفوقية وبعدها تحتية فلام ألف أي طالبًا للإقالة، وغرض
البخاري أن الصغيرة بالتوبة يسقط عنها التعزير.
(قال عطاء): هو ابن أبي رباح (لم يعاقبه النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لم يعاقب الذي أخبره أنه
وقع في معصية بل أمهله حتى صلّى معه ثم أخبره أن صلاته
كفرت ذنبه (وقال ابن جريج) عبد الملك: (ولم يعاقب) النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الذي جامع) أهله
(في) نهار (رمضان) بل أعطاه ما يكفر به (ولم يعاقب عمر) بن
الخطاب -رضي الله عنه- (صاحب الظبي) قبيصة بن جابر إذ
اصطاد ظبيًا وهو محرم وإنما أمره بالجزاء ولم يعاقبه عليه
وهذا وصله سعيد بن منصور بسند صحيح عن قبيصة (وفيه) أي وفي
معنى الحكم المذكور في الترجمة (عن أبي عثمان) عبد
الرَّحمن بن مل النهدي (عن ابن مسعود) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن
أبي مسعود قال الحافظ ابن حجر: وهو غلط والصواب ابن مسعود
وزاد أبو ذر عن الكشميهني بعد قوله وسلم مثله وهي زيادة لا
حاجة إليها لأنه يصير ظاهره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعاقب صاحب الظبي، وهذا وصله
المؤلّف في باب الصلاة كفارة في أوائل كتاب المواقيت من
رواية سليمان التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود بلفظ: إن
رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره فأنزل الله تعالى {أقم الصلاة
طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}
[هود: 114] فقال: يا رسول الله ألي هذا؟ قال: "لجميع أمتي
كلهم".
6821 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً
وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِى رَمَضَانَ فَاسْتَفْتَى رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
«هَلْ
تَجِدُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ
صِيَامَ شَهْرَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَأَطْعِمْ
سِتِّينَ مِسْكِينًا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن
عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رجلاً) اسم سلمة بن صخر فيما رواه ابن أبي شيبة وابن
الجارود وبه جزم عبد الغني، وتعقب بأن سلمة هو المظاهر في
رمضان، وإنما أتى أهله في الليل رأى خلخالها في القمر. قال
الحافظ ابن حجر: والسبب في ظنهم أنه المحترق أن ظهاره من
امرأته كان شهر رمضان وجامع ليلاً كما هو صريح في حديثه،
وأما المحترق ففيه رواية أبي هريرة أنه أعرابي وأنه جامع
نهارًا فتغايرا نعم اشتركا في قدر الكفارة وفي الإتيان
بالتمر وفي الإعطاء وفي قول كل منهما على أفقر منا (وقع
بامرأته في) نهار (رمضان فاستفتى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال) له:
(هل تجد رقبة) تعتقها (قال: لا) أجدها (قال: هل تستطيع
صيام شهرين قال: لا) أستطيع (قال: فأطعم ستين
(10/13)
مسكينًا).
6822 - وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَتَى
رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِى الْمَسْجِدِ قَالَ: احْتَرَقْتُ قَالَ: «مِمَّ ذَاكَ»؟
قَالَ: وَقَعْتُ بِامْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ قَالَ لَهُ:
«تَصَدَّقْ» قَالَ: مَا عِنْدِى شَىْءٌ فَجَلَسَ وَأَتَاهُ
إِنْسَانٌ يَسُوقُ حِمَارًا وَمَعَهُ طَعَامٌ قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: مَا أَدْرِى مَا هُوَ، إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَيْنَ
الْمُحْتَرِقُ»؟ فَقَالَ: هَا أَنَا ذَا قَالَ: «خُذْ
هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنِّى مَا
لأَهْلِى طَعَامٌ قَالَ: «فَكُلُوهُ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحَدِيثُ الأَوَّلُ
أَبْيَنُ قَوْلُهُ أَطْعِمْ أَهْلَكَ.
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في التاريخ
الصغير والطبراني في الأوسط (عن عمرو بن الحارث) بفتح
العين ابن يعقوب أبي أيوب الأنصاري مولاهم أحد الأعلام (عن
عبد الرَّحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر التيمي أبي
محمد الفقيه ابن الفقيه (عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن
العوّام (عن عباد بن عبد الله بن الزبير) هو ابن عم محمد
بن جعفر (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها قالت: (أتى رجل)
هو سلمة بن صخر إن صح (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في المسجد) بطيبة في رمضان (قال) ولأبي ذر
فقال: (احترقت) أطلق على نفسه أنه احترق لاعتقاده أن مرتكب
الإثم يعذب بالنار فهو مجاز عن العصيان أو أنه يحترق يوم
القيامة فجعل المتوقع كالواقع وعبّر عنه بالماضي (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(مم ذاك)؟ بغير لام (قال: وقعت بامرأتي) وطئتها (في) نهار
(رمضان. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له
تصدّق) فيه اختصار إذ الكفارة مرتبة فإن التصدق بعد
الإعتاق والصيام (قال: ما عندي شيء) أتصدق به (فجلس) الرجل
(فأتاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إنسان) أي
أعرف اسمه (يسوق حمارًا ومعه طعام قال): ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي فقال (عبد الرَّحمن) بن القاسم: (ما أدري
ما هو) أي الطعام في رواية أبي هريرة التصريح بأنه تمر في
مكتل (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال: أين المحترق)؟ أثبت له وصف الاحتراق إشارة إلى أنه
لو أصر على ذلك لاستحق ذلك (فقال: ها أنا ذا) يا رسول الله
(قال: خذ هذا) الطعام (فتصدق به) كفارة (قال: على أحوج
مني)؟ استفهام محذوف الأداة (ما لأهلي طعام. قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فكلوه). سقطت الهاء من
فكلوه لأبي ذر (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (الحديث الأول)
المروي عن أبي عثمان النهدي (أبين قوله أطعم أهلك) وسقط
قوله: قال أبو عبد الله الخ لأبي ذر.
27 - باب إِذَا أَقَرَّ بِالْحَدِّ
وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ لِلإِمَامِ أَنْ يَسْتُرَ
عَلَيْهِ؟.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أقرّ) شخص (بالحدّ) عند
الإمام (ولم يبين) كأن قال: إن أصبت ما يوجب الحدّ فأقمه
عليّ (هل للإمام أن يستر عليه)؟ أم لا.
6823 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِىُّ،
حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ
رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَصَبْتُ
حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ
عَنْهُ قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا
قَضَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الصَّلاَةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنِّى أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِىَّ كِتَابَ
اللَّهِ. قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا»؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ
ذَنْبَكَ -أَوْ قَالَ- حَدَّكَ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدثنا (عبد القدوس بن
محمد) أي ابن عبد الكبير بن شعيب بن الحبحاب بالحاءين
المهملتين والموحدتين البصري العطار من أفراد المؤلّف ليس
له في البخاري غير هذا الحديث قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو
بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم (الكلابي) بكسر الكاف
وبالموحدة الحافظ قال: (حدّثنا همام بن يحيى) العوذي
الحافظ قال: (حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن)
عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت عند النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءه رجل) هو أبو
اليسر بن عمرو واسمه كعب قاله في المقدمة (فقال: يا رسول
الله إني أصبت) فعلاً يوجب (حدًّا فأقمه عليّ. قال) أنس:
(ولم يسأله) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(عنه) أي لم يستفسره لأنه قد يدخل في التجسس المنهي عنه أو
إيثارًا للستر (قال) أنس:
(وحضرت الصلاة فصلّى) الرجل (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول
الله إني أصبت حدًّا فأقم فيّ كتاب الله) أي ما حكم به
تعالى في كتابه من الحدّ (قال):
(أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم. قال: فإن الله قد غفر لك
ذنبك -أو قال- حدّك) أي ما يوجب حدّك، والشك من الراوي،
ويحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطلع
بالوحي على أن الله قد غفر له لكونها واقعة عين وإلاّ لكان
يستفسره عن الحد ويقيمه عليه قاله الخطابي، وجزم النووي
وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر بدليل قوله: إنه
كفرته الصلاة بناء على أن الذي تكفره الصلاة من الذنوب
الصغائر لا الكبائر.
28 - باب هَلْ يَقُولُ الإِمَامُ لِلْمُقِرِّ: لَعَلَّكَ
لَمَسْتَ أَوْ غَمَزْتَ؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل يقول الإمام للمقر)
بالزنا (لعلك لمست) المرأة (أو غمزتـ) ـها بعينك أو بيدك.
6824 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا
أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -
قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ:
«لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ»؟
قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَنِكْتَهَا»؟ لاَ
يَكْنِى قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع (عبد
الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير)
(10/14)
بفتح الجيم قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم
بن زيد البصري (قال: سمعت يعلى بن حكيم) الثقفي مولاهم
البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: لما أتى ماعز بن مالك) الأسلمي (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال: إنه زنى فأعرض
عنه فأعاد عليه مرارًا فسأل قومه: أمجنون هو؟ قالوا: ليس
به بأس. أخرجه أحمد وأبو داود عن خالد الحذاء عن عكرمة عن
ابن عباس بسند على شرط البخاري (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له):
(لعلك قبّلت) المرأة فالمفعول محذوف للعلم به (أو غمزتـ)
ـها بعينك أو بيدك وعند الإِسماعيلي بلفظ لعلك قبلت أو
لمست (أو نظرت) إليها فأطلق على كل ذلك زنا لكنه لا حد في
ذلك (قال: لا يا رسول الله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أنكتها)؟ بهمزة استفهام فنون مكسورة فكاف
ساكنة ففوقية فهاء فألف من النيك (لا يكنى) بفتح التحتية
وسكون الكاف وكسر النون من الكناية أي أنه ذكر هذا اللفظ
صريحًا ولم يكنّ عنه بلفظ آخر كالجماع لأن الحدود لا تثبت
بالكنايات، وفي حديث نعيم بن هزال عند أبي داود هل
ضاجعتها؟ قال: نعم قال: فهل باشرتها؟ قال: نعم قال: هل
جامعتها؟ قال: نعم (قال) ابن عباس (فعند ذلك) الإقرار
بصريح الزنا (أمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(برجمه) وفيه جواز تلقين المقر في الحدود والتصريح بما
يستحيا من التلفظ به للحاجة الملجئة لذلك.
29 - باب سُؤَالِ الإِمَامِ الْمُقِرَّ هَلْ أَحْصَنْتَ؟
(باب سؤال الإمام) الأعظم أو نائبه (المقر) بالزنا (هل
أحصنت) أي تزوجت ووطئت.
6825 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ،
وَأَبِى سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ وَهْوَ فِى الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى زَنَيْتُ يُرِيدُ نَفْسَهُ
فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِى أَعْرَضَ
قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى زَنَيْتُ،
فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِى أَعْرَضَ
عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ
شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ «أَبِكَ جُنُونٌ»؟ قَالَ: لاَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «أَحْصَنْتَ»؟ قَالَ: نَعَمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح
الفاء وبعد التحتية الساكنة راء جد سعيد واسم أبيه كثير
أبو عثمان الأنصاري المصري الحافظ (قال: حدثني) بالإفراد
(الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (عبد
الرَّحمن بن خالد) أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن ابن السيب) سعيد (وأبي سلمة) بن عبد الرَّحمن
بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: أتى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من الناس) ليس من
أكابرهم ولا بالمشهور فيهم (وهو) أي والحال أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في المسجد فناداه يا رسول
الله: إني زنيت يريد نفسه) ليبين أنه لم يكن مستفتيًا من
جهة الغير بل مسند ذلك لنفسه (فأعرض عنه النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتنحى) بالحاء المهملة أي
انتقل الرجل (لشق وجهه) بكسر الشين المعجمة للجانب (الذي
أعرض قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة مقابلاً له (فقال: يا
رسول الله إني زنيت فأعرض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (عنه فجاء لشق وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي أعرض عنه فلما شهد على نفسه أربع
شهادات) أنه زنى وجواب لما قوله (دعاه النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أبك جنون) الهمزة للاستفهام وجنون مبتدأ والجار متعلق
بالخبر والمسوغ للابتداء بالنكرة تقدم الخبر في الظرف
وهمزة الاستفهام (قال: لا) ليس بي جنون (يا رسول الله.
فقال: أحصنت)؟ استفهام حذفت منه الأداة (قال: نعم) أحصنت
(يا رسول الله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(اذهبوا فارجموه). ولأبي ذر: اذهبوا به والباء باء
التعدية، ويحتمل الحال أي اذهبوا مصاحبين له فارجموه.
6826 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ
جَابِرًا قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ
بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ
حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ.
(قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق: (أخبرني) بالإفراد
(من سمع جابرًا) هو أبو سلمة بن عبد الرَّحمن (قال): وفي
نسخة يقول (فكنت فيمن رجمه) سبق أن تعلقت بالذوات كما هنا
تعدت إلى مفعولين الثاني فعل مضارع من الأفعال الصوتية،
وقيل هو في محل حال إن كان
الأوّل معرفة أو في محل صفة إن كان نكرة وخبر كان في
المجرور ومن بمعنى الذي وصلتها جملة رجمه والمعنى في جماعة
من رجمه وأعاد على لفظ ولو أعاد على معناها لقال فيمن
رجموه (فرجمناه بالمصلّى) أي عند مصلّى الجنائز بالبقيع
وفي الكلام تقديم وتأخير أي: فرجمناه بالمصلّى فكنت فيمن
رجمه أو كنت فيمن أراد حضور رجمه
(10/15)
فرجمناه (فلما أذلقته) بالذال المعجمة
الساكنة والقاف أقلقته أو أوجعته. وقال النووي: أي أصابته
بحدّها (الحجارة جمز) بفتح الجيم والميم والزاي وثب مسرعًا
وليس بالشديد العدو بل كالقفز، وفي حديث أبي سعيد فاشتد
واشتددنا خلفه (حتى أدركناه بالحرة) خارج المدينة
(فرجمناه) زاد في الرواية السابقة في باب الرجم بالمصلّى
حتى مات. وعند الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة: في قصة ماعز: فلما وجد مسّ الحجارة فرّ يشتد
حتى مرّ برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات.
وعند أبي داود والنسائي من رواية يزيد بن نعيم بن هزال عن
أبيه في هذه القصة وجد مسّ الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد
الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له وظيف بعير فرماه به
فقتله. قال في الفتح: وظاهر هذا يخالف رواية أبي هريرة
أنهم ضربوه معه ويجمع بأن قوله فقتله أي كان سببًا في
قتله.
وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لماعز لأنه استمر على طلب
إقامة الحدّ عليه مع توبته ليتم تطهيره ولم يرجع عن إقراره
مع أن الطبع البشري يقتضي أن لا يستمر، على الإقرار بما
يقتضي إزهاق نفسه فجاهد نفسه على ذلك وقوي عليها، وفيه
التثبت في إزهاق نفس المسلم والمبالغة في صيانته لما وقع
في هذه القصة من ترديده والإيماء إليه بالرجوع والإشارة
إلى قبول دعواه إن ادعى خطأ في معنى الزنا ومباشرة دون
الفرج مثلاً وأن إقرار المجنون لاغ.
30 - باب الاِعْتِرَافِ بِالزِّنَا
(باب) بيان حكم (الاعتراف بالزنا).
6827 و 6828 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ فِى
الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ،
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ
قَالاَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ
اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ
فَقَامَ خَصْمُهُ، وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ: اقْضِ
بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى قَالَ: «قُلْ»
قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى
بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ
وَخَادِمٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى جَلْدَ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَعَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا
بِكِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، الْمِائَةُ شَاةٍ
وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى
امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»
فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا قُلْتُ
لِسُفْيَانَ: لَمْ يَقُلْ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى
ابْنِى الرَّجْمَ فَقَالَ: أَشُكُّ فِيهَا مِنَ
الزُّهْرِىِّ فَرُبَّمَا قُلْتُهَا وَرُبَّمَا سَكَتُّ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من في الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب أي من فمه وعند الحميدي عن سفيان
حدّثنا الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم
العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أنه سمع أبا هريرة
وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (قالا: كنا عند
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو جالس في
المسجد (فقام رجل) أي من الأعراب كما في الشروط ولم يقف
الحافظ ابن حجر على اسمه ولا على اسم خصمه (فقال): يا رسول
الله (أنشدك الله) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين
المعجمة والدال المهملة أي أسألك الله أي بالله ومعنى
السؤال هنا القسم كأنه قال: أقسمت عليك بالله أو معناه
ذكرتك بتشديد الكاف وحينئذٍ فلا حاجة لتقدير حرف الجر فيه،
ولذا قال الفارسي: أجروه مجرى ذكرتك وإذا قلنا معناه سأل
كان متعديًا لمفعولين ليس ثانيهما المجرور بالباء لفظًا أو
تقديرًا كما يتوهمه كثير بل مفعوله الثاني ما يأتي بعده
فإذا قلت: أنشدك الله أن تكرمني فالمصدر المؤوّل من أن
تكرمني هو مفعوله الثاني وقس على ذلك، ولو قلنا معناه
ذكرتك الله فالمراد به الإِقسام عليه فهذان مفعولاه،
وحينئذٍ فما بعد على تقدير حرف جر. فإذا قيل: نشدتك الله
أن تكرمني كان معناه ذكرتك الله في إكرامي، ثم إن العرب
تأتي بعد هذا التركيب بإلاّ مع أن صورة لفظه إيجاب ثم
يأتون بعده بفعل ولا يستثنى فيقولون: أنشدك الله إلا فعلت
كذا، وذلك لأن المعنى على النفي والحصر فحسن الاستثناء،
وأما وقوع الفعل بعد إلا فعلى تأويله بالمصدر وإن لم يكن
فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إلى ذلك وهو من
المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الاسم كما قاله صاحب
المفصل. قال: وقد أوقع الفعل المتعدي موقع الاسم المستثنى
في قوله: أنشدك الله إلا ما فعلت، وتعقبه البرماوي بأن
تقييده بالفعل المتعدي لا معنى له. قال أبو حيان: فهو كلام
يعنون به النفي المحصور فيه المفعول. قال: وقد صرح بما
المصدرية مع الفعل بعد إلا يعني كما وقع في هذا الحديث بعد
أنشدك (إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله) أي لا أسألك بالله
إلا القضاء بيننا بكتاب الله.
قال في العدّة في المسألة مذهبان آخران حكاهما أبو حيان.
أحدهما أن إلا جواب القسم لأنها في الكلام على معنى الحصر
فدخلت هنا لذلك المعنى كأنك قلت: نشدتك بالله لا تفعل
شيئًا إلا كذا فحذف الجواب وترك ما يدل عليه، والثاني قاله
في البسيط أن إلا أيضًا جواب
(10/16)
للقسم، لكن على أن الأصل نشدتك الله
لتفعلنّ كذا ثم أوقعوا موقع المضارع الماضي ولم يدخلوا لام
التوكيد لأنها لا تدخل على الماضي فجعلوا بدلها إلا
وحملوها عليها فتلخص أن الاستثناء في هذا التريب مفرّغ،
وقوله بكتاب الله أي بما تضمنه كتاب الله أو أن المراد به
حكم الله المكتوب على المكلفين من الحدود والأحكام إذا
الرجم ليس في القرآن، ويحتمل أن يراد به القرآن وكان ذلك
قبل أن تنسخ آية الرجم لفظًا وإنما سألا أن يحكم بينهما
بحكم الله، وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل
بينهما بالحكم الصرف لا بالنصائح والترغيب فيما هو الأرفق
بهما إذ للحاكم أن يفعل ولكن برضا الخصمين.
(فقام خصمه وكان أفقه منه) يحتمل كما قال الحافظ الزين
العراقي أن يكون الراوي كان عارفًا بهما قبل أن يتحاكما
فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول مطلقًا أو في هذه القضية
الخاصة أو استدل بحسن أدبه في استئذانه أوّلاً وترك رفع
صوته إن كان الأوّل رفعه، والخصم في الأول مصدر خصمه يخصمه
إذا نازعه وغالبه، ثم أطلق على المخاصم وصار اسمًا له فلذا
يطلق على الواحد والاثنين والأكثر بلفظ واحد مذكرًا كان
المخاصم أو مؤنثًا لأنه بمعنى ذو كذا على قول البصريين في
رجل عدل ونحوه قال تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا
المحراب} [ص: 21] وربما ثني وجمع للتنبيه على فائدة تراد
في الكلام نحو لا تخف خصمان ونحو ذلك (فقال): يا رسول الله
(افض بيننا بكتاب الله وائذن لي) أي في أن أتكلم وفي رواية
ابن أبي شيبة عن سفيان حتى أقول (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(قل قال: إن ابني كان عسيفًا) بفتح العين وكسر السين
المهملتين وبالفاء أجيرًا (على هذا) أبي عنده أو على بمعنى
اللام كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها}. قال الكرماني، وتبعه
العيني والبرماوي: وهذا القول الخ من جملة كلام الرجل أي
الأول لا الخصم ولعله تمسك بقوله في الصلح، فقال الأعرابي
إن ابني بعد قوله في أول الحديث جاء أعرابي، وتعقبه في فتح
الباري كما سبق في الصلح بأن هذه الزيادة شاذة والمحفوظ ما
في سائر الطرق كما في رواية سفيان هنا فالاختلاف فيه على
ابن أبي ذئب (فزنى بامرأته) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمها
ولا اسم الابن (فافتديت منه بمائة شاة وخادم) بمائة شاة
يتعلق بافتديت، ومنه أي الرجم والشاة تذكر وتؤنث وأصلها
شاهة لأن تصغيرها شويهة وشوية والجمع شياه بالهاء تقول
ثلاث شياه إلى العشرة فإذا جاوزت فالتاء فإذا كثرت قلت هذه
شاء كثير بالهمزة ومن للبدلية كقوله تعالى: ({أرضيتم
بالحياة الدنيا من الآخرة} [التوبة: 38] أي بدل الآخرة (ثم
سألت رجالاً من أهل العلم) قال في الفتح: لم أقف على
أسمائهم ولا على عددهم (فأخبروني أن على ابني جلد مائة)
بإضافة جلد للاحقه كقوله: (وتغريب عام وعلى امرأته الرجم)
لإِحصانها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: و) حق (الذي نفسي بيده) فالذي مع صلته وعائده
مقسم به ونفسي مبتدأ وبيده في محل الخبر وبه متعلق حرف
الجر وجواب القسم قوله: (لأقضين بينكما بكتاب الله جل
ذكره) بتشديد النون للتأكيد ولأبي ذر بينكم بالجمع (المائة
شاة والخادم ردّ عليك) وفي الصلح الوليدة ولا تنافي بينهما
لأن الخادم يطلق على الذكر والأنثى، وقوله ردّ من إطلاق
المصدر على المفعول أي مردود نحو نسج اليمن أي منسوجة لذلك
كان بلفظ واحد للواحد والمتعدّد، وقوله المائة شاة هو على
مذهب الكوفيين والمعنى أنه يجب رد ذلك إليك وفيه دليل على
أن المأخوذ بالعقود الفاسدة كما في هذا الصلح الفاسد لا
يملك بل يجب رده على صاحبه. قال في العدة: وهو أجود مما
استدل به البخاري من حديث بلال أوّه عين الربا لا تفعل فإن
ذاك الحديث ليس فيه أمر بالرد إنما فيه النهي عن مثل هذا
(وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) وهذا يتضمن أن ابنه كان
بكرًا وأنه اعترف بالزنا فإن إقرار الأب عليه لا يقبل أو
يكون أضمر اعترافه أي إن كان ابنك اعترف بالزنا فعليه جلد
مائة وتغريب عام والسابق أوجه لأنه في مقام الحكم وقرينة
اعترافه
(10/17)
حضوره مع أبيه كما في الرواية الأخرى إن
ابني هذا وسكوته على ما
نسبه إليه وفي رواية عمر بن شعيب كان ابني أجيرًا لامرأة
هذا وابني لم يحصن فصرح بكونه بكرًا وفيه التغريب للبكر
الزاني وبه تمسك الشافعية خلافًا لأبي حنيفة فلا يقول به
لأن إيجابه زيادة على النص والزيادة على النص بخبر الواحد
نسخ فلا يجوز (واغد يا أنيس) بضم الهمزة وفتح النون آخره
سين مهملة مصغرًا ابن الضحاك الأسلمي على الأصح (على امرأة
هذا فإن اعترفت) بالزنا (فارجمها فغدا عليها فاعترفت
فرجمها). والمراد بالغدوّ الذهاب كما يطلق الرواح على ذلك
وليس المراد حقيقة الغدوّ وهو التبكير في أوّل النهار كما
لا يراد بالرواح التوجه نصف النهار، ويدل له رواية مالك
ويونس وصالح بن كيسان وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة
الآخر وإنما بعثه لإِعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها
بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه به أو تعفو إلا أن
تعترف بالزنا فلا يجب عليه حدّ القذف بل عليها حد الزنا
وهو الرجم لأنها كانت محصنة فذهب إليها أنيس فاعترفت به
فأمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجمها فرجمت.
قال النووي: كذا أوّله العلماء من أصحابنا وغيرهم ولا بدّ
منه لأن ظاهره أنه بعث لطلب إقامة حدّ الزنا وهو غير مراد
لأن حدّ الزنا لا يتجسس له بل يستحب تلقين المقر به الرجوع
فيتعين التأويل المذكور وفي الحديث أنه يستحب للقاضي أن
يصبر على قول أحد الخصمين احكم بيننا بالحق ونحوه إذا تعدى
عليه خصمه ونظير ذلك قوله تعالى حكاية عن قول الخصمين
اللذين دخلا على داود {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} [ص:
22] ويحتمل أن يكون ذلك على حد قوله تعالى: قل رب احكم
بالحق في أن المراد التعريض بأن خصمه على الباطل وأن الحكم
بالحق سيظهر باطله قال عليّ بن المديني:
(قلت لسفيان) بن عينة: (لم يقل) أي الرجل الذي قال إن ابني
كان عسيفًا في كلامه (فأخبروني أن على ابني الرجم فقال)
سفيان (أشك فيها) أي في سماعها وللمستملي الشك فيها (من
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فربما قلتها وربما سكت)
عنها.
والحديث مضى في الوكالة والشروط والنذور وغيرها وأخرجه
بقية الستة.
6829 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ:
قَالَ عُمَرُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ
زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لاَ نَجِدُ الرَّجْمَ فِى
كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ
أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلاَ وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى
مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ
أَوْ كَانَ الْحَمْلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ قَالَ سُفْيَانُ:
كَذَا حَفِظْتُ أَلاَ وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَمْنَا
بَعْدَهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله)
مصغرًا ابن عبد الله بن عتبة (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (لقد
خشيت) بفتح الخاء وكسر الشين المعجمتين خفت (أن يطول
بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله
فيضلوا) بفتح التحتية وكسر
الضاد المعجمة من الضلال (بترك فريضة أنزلها الله) تعالى
في كتابه العزيز في قوله: والشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة كما روي من طرق عدة متعاضدة أنها كانت
متلوّة فنسخت تلاوتها وبقي حكمها معمولاً به (ألا)
بالتخفيف (وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن) بفتح الهمزة
والصاد والواو وفي وقد للحال (إذا قامت البيّنة) بزناه (أو
كان الحمل) بالميم الساكنة ثابتًا ولأبي ذر الحبل بالموحدة
المفتوحة بدل الميم (أو الاعتراف) من الزاني أنه زنى.
(قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (كذا حفظت) جملة
معترضة بين قوله أو الاعتراف وقوله {ألا} بالتخفيف وقد رجم
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجمنا
بعده وهذا من قول عمر -رضي الله عنه-.
ومطابقة الحديث لما ترجم به من قوله وإن الرجم حق الخ.
31 - باب رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا
أَحْصَنَتْ
(باب رجم الحبلى من الزنا) ولأبي ذر في الزنا (إذا أحصنت)
بأن تزوّجت واتفقوا على أنها لا ترجم إلا بعد الوضع.
6830 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أَنَا فِى
مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
فِى آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَىَّ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِى فُلاَنٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ
مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا فَوَاللَّهِ مَا
كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ إِلاَّ فَلْتَةً فَتَمَّتْ،
فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّى إِنْ شَاءَ اللَّهُ
لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِى النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ
هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ
أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ
يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ
هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ، حِينَ تَقُومُ
فِى النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ
مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ
لاَ يَعُوهَا وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا،
فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ
الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ
وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا
فَيَعِى أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا
عَلَى مَوَاضِعِهَا فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ
أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِى عَقِبِ ذِى الْحَجَّةِ
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ
حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ
زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ
الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِى
رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلاً قُلْتُ
لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ:
لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ
يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ فَأَنْكَرَ عَلَىَّ وَقَالَ:
مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ
فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ
الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ
أَهْلُهُ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى قَائِلٌ لَكُمْ
مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِى أَنْ أَقُولَهَا لاَ أَدْرِى
لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَىْ أَجَلِى فَمَنْ عَقَلَهَا
وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ
رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِىَ أَنْ لاَ يَعْقِلَهَا فَلاَ
أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَّ: إِنَّ اللَّهَ
بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا
أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا
وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَمْنَا
بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ
يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ
فِى كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ
أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ
حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى، إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ
الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ ثُمَّ إِنَّا كُنَّا
نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ لاَ
تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ
تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ
أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَلاَ ثُمَّ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: لاَ تُطْرُونِى كَمَا أُطْرِىَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ وَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ
إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّ قَائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا فَلاَ
يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ
بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ فَلْتَةً، وَتَمَّتْ أَلاَ
وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ
وَقَى شَرَّهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ
الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِى بَكْرٍ مَنْ بَايَعَ
رَجُلاً عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلاَ
يُبَايَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ
يُقْتَلاَ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ
تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلاَّ أَنَّ الأَنْصَارَ، خَالَفُونَا
وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى
سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ
مَعَهُمَا وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِى
بَكْرٍ: فَقُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ
انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ
الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلَمَّا
دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ
صَالِحَانِ فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ
فَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا
هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ
أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمُ اقْضُوا أَمْرَكُمْ فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى
أَتَيْنَاهُمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، فَإِذَا
رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ
هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقُلْتُ:
مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً
تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ
أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ
اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ
قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا
مِنْ أَصْلِنَا، وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ
فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ
زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِى أُرِيدُ أَنْ
أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَىْ أَبِى بَكْرٍ، وَكُنْتُ
أُدَارِى مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ
أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ
فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ
فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّى وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا
تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِى فِى تَزْوِيرِى إِلاَّ
قَالَ: فِى بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا
حَتَّى سَكَتَ فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ
خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا
الأَمْرُ إِلاَّ لِهَذَا الْحَىِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ
أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا وَقَدْ رَضِيتُ
لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا
أَيَّهُمَا شِئْتُمْ،
فَأَخَذَ بِيَدِى وَبِيَدِ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرَّاحِ وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ
مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ
فَتُضْرَبَ عُنُقِى لاَ يُقَرِّبُنِى ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ
أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ
فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ تُسَوِّلَ
إِلَىَّ نَفْسِى عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لاَ أَجِدُهُ
الآنَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا
جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ
مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ
فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى
فَرِقْتُ مِنَ الاِخْتِلاَفِ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا
أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ
الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ
وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ
مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقُلْتُ:
قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ عُمَرُ:
وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ
أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِى بَكْرٍ خَشِينَا
إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ
يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا
بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى وَإِمَّا
نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً
عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ
يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ
يُقْتَلاَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن
إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم
العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس) -رضي
الله عنهما- أنه (قال: كنت أقرئ) أي أعلم (رجالاً من
المهاجرين) القرآن (منهم
(10/18)
عبد الرَّحمن بن عوف) ولم يعرف الحافظ ابن
حجر اسم أحد منهم غيره (فبينما) بالميم (أنا في منزله
بمنى) بالتنوين وكسر الميم (وهو عند عمر بن الخطاب) -رضي
الله عنه- (في آخر حجة حجها) عمر -رضي الله عنه- سنة ثلاث
وعشرين وجواب بينما قوله (إذ رجع إليّ) بتشديد الياء (عبد
الرَّحمن) بن عوف (فقال: لو رأيت رجلاً) قال في الفتح: لم
أقف على اسمه (أتى أمير المؤمنين اليوم) لرأيت عجبًا
فالجواب محذوف أو كلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى الجواب
(فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان) لم يسم (يقول: لو
قد مات عمر لقد بايعت فلانًا) قال في في مسند البزار
والجعديات بإسناد ضعيف: إن المراد بالذي يبايع له طلحة بن
عبيد الله ولم يسم القائل ولا الناقل قال: ثم وجدته في
الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن
معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه: قال عمر
بلغني أن الزبير قال: لو قد مات عمر لبايعنا عليًّا الحديث
وهذا أصح. وقال في الشرح: قوله لقد بايعت فلانًا هو طلحة
بن عبيد الله أخرجه البزار من طريق أبي معشر عن زيد بن
أسلم عن أبيه، وعن عمر مولى غفرة بضم الغين المعجمة وسكون
الفاء قالا قدم على أبي بكر مال فذكر قصة طويلة في قسم
الفيء ثم قال: حتى إذا كان من آخر السنة التي حج فيها عمر
قال بعض الناس: لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانًا
يعنون طلحة بن عبيد الله، ونقل ابن بطال عن المهلب أن الذي
عنوا أنهم يبايعونه رجل من الأنصار ولم يذكر مستنده، وأبدى
الكرماني سؤالاً هنا فقال فإن قلت: لو حرف لازم أن يدخل
على الفعل وهاهنا دخل على الحرف. وأجاب: بأن قد هاهنا في
تقدير الفعل إذ معناه لو تحقق موته أو قد مقحم.
(فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة) بفتح الفاء وسكون
اللام بعدها فوقية ثم تاء تأنيث أي فجأة أي من غير تدبر
(فتمت) أي المبايعة بذلك (فغضب عمر) -رضي الله عنه- زاد
ابن إسحاق عند ابن أبي شيبة غضبًا ما رأيته غضب مثله منذ
كان (ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس
فمحذرهم) بالميم في اليونينية وفي غيرها بالنون (هؤلاء
الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم) بفتح التحتية وسكون الغين
المعجمة وكسر الصاد المهملة منصوب بحذف النون، وفي رواية
مالك يغتصبوهم بزيادة تاء الافتعال، ويروى أن يغضبونهم
بالنون بعد الواو وهي لغة كقوله تعالى: {أو يعفو الذي بيده
عقدة النكاح} [البقرة: 238] بالرفع وهو تشبيههم أن بما
المصدرية فلا ينصبون بها أي الذين يقصدون أمورًا ليست من
وظيفتهم ولا مرتبتهم فيريدون أن يباشروها بالظلم والغضب
ولأر ذر عن الكشميهني: أن يعضبوهم بالعين المهملة والضاد
المعجمة وفتح أوّله.
(قال عبد الرَّحمن) بن عوف -رضي الله عنه- (فقلت: يا أمير
المؤمنين لا تفعل) ذلك فيه جواز الاعتراض على الإمام في
الرأي إذا خشي من ذلك الفتنة واختلاف الكلمة (فإن الموسم
يجمع رعاع الناس) براء مفتوحة وعينين مهملتين بينهما ألف
الجهلة الأراذل أو الشباب منهم (وغوغائهم) بغينين معجمتين
مفتوحتين بينهما واو ساكنة ممدودًا الكثير المختلط من
الناس، وقال في الفتح: أصله صغار الجراد حين يبدأ في
الطيران ويطلق على السفلة المسرعين إلى الشر (فإنهم هم
الذين يغلبون على قربك) بضم القاف وسكون الراء بعدها موحدة
أي المكان الذي يقرب منك. قال في الفتح: ووقع في رواية
الكشميهني وابن زيد المروزي على قرنك بكسر القاف وبعد
الراء نون بدل الموحدة قال: وهو خطأ انتهى. وعزاها في
المصابيح للأصيلي وقال: إن الأولى هي الظاهرة انتهى. والذي
في حاشية فرع اليونينية كأصلها معزوًّا لأبي ذر عن
الكشميهني قومك بالميم بدل النون، وفي رواية ابن وهب عن
مالك على مجلسك (حين تقوم في الناس) للخطبة لغلبتهم ولا
يتركون المكان القريب إليك لأولي النهي من الناس (وأنا
أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها) بضم التحتية وفتح الطاء
المهملة بعدها تحتية مكسورة مشددة من أطار الشيء إذا أطلقه
ولأبي ذر عن الحمويّ يطير بها بفتح التحتية وكسر الطاء
(10/19)
وسكون التحتية (عنك كل مطير) وفي نسخة كل
مطير بفتح الميم وكسر الطاء أي يحملونها على غير وجهها
(وأن لا يعوها) لا يعرفوا المراد منها (وأن لا يضعوها على
مواضعها) وقال في الكواكب وفي بعض الروايات: وأن لا
يضعونها بإثبات النون. قال: وترك النصب جائز مع النواصب
لكنه خلاف الأفصح وفيه أنه لا يوضع دقيق العلم إلا عند أهل
الفهم له والمعرفة بمواضعه دون العام (فأمهل) بقطع الهمزة
وكسر الهاء (حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسُّنّة
فتخلص) بضم اللام بعدها صاد مهملة مضمومة والذي في الفرع
وأصله فتخلص بالنصب مصححًا عليه أي تصل (بأهل الفقه وأشراف
الناس فتقول) بالنصب وصحح عليه في الفرع كأصله (ما قلت)
حال كونك (متمكنًا) بكسر الكاف منه (فيعي أهل العلم مقالتك
ويضعونها على مواضعها، فقال عمر) -رضي الله عنه- (أما)
بتخفيف الميم وألف بعدها حرف
استفتاح ولأبي ذر عن الكشميهني أم (والله) بحذف الألف (إن
شاء لأقومن بذلك أوّل مقام أقومه) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي أقوم (بالمدينة) بحذف الضمير (قال ابن عباس)
-رضي الله عنهما-: (فقدمنا المدينة) من مكة (في عقب ذي
الحجة) بفتح العين وكسر القاف عند الأصيلي وعنده غيره بضم
فسكون والأوّل أولى لأن الثاني يقال لما بعد التكملة
والأوّل لما قرب منها يقال جاء عقب الشهر بالوجهين إذا جاء
وقد بقيت منه بقية، وجاء عقبة بضم العين إذا جاء بعد تمامه
والواقع لأن قدوم عمر -رضي الله عنه- كان قبل أن ينسلخ ذو
الحجة في يوم الأربعاء.
(فلما كان يوم الجمعة) برفع يوم أو بالنصب على الظرفية
(عجلنا الرواح) بنون الجمع وللأصيلي وأبي ذر وأبي الوقت
عجلت بتاء المتكلم وللكشميهني بالرواح، وزاد سفيان فيما
رواه البزار وجاءت الجمعة وذكرت ما حدثني عبد الرَّحمن بن
عوف فهجرت إلى المسجد (حين زاغت الشمس) زالت عند اشتداد
الحرّ (حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون
وفتح الفاء أحد العشرة (جالساً إلى ركن المنبر) وقوله: حتى
أجد بالنصب مصلحة على كشط في الفرع وكذا رأيت النصب في
اليونينية. وقال في الكواب: بالرفع. قال ابن هشام: لا يرفع
الفعل بعد حتى إلا إذا كان حالاً ثم إن كانت حاليته
بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب كقوله: سرت حتى أدخلها
إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، وإن كانت حاليته ليست
حقيقية بل كانت محكية جاز نصبه إذا لم تقدر الحكاية نحو:
وزلزلوا حتى يقول الرسول: وقراءة نافع بالرفع بتقدير حتى
حالتهم حينئذٍ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا
(فجلست حوله) وفي رواية الإسماعيلي حذوه وفي رواية معمر
فجلست إلى جنبه (تمس ركبتي ركبته فلم أنشب) بفتح الهمزة
والشين المعجمة بينهما نون ساكنة آخره موحدة أي أمكث (أن
خرج عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- بفتح همزة إن أي خرج من
مكانه إلى جهة المنبر (فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد
بن عمرو بن نفيل): ليستعد ويحضر فهمه (ليقولن العشية مقالة
لم يقلها منذ استخلف) وفي رواية مالك لم يقلها أحد (قط
قبله فأنكر عليّ) بتشديد الياء استبعادًا لذلك منه لأن
الفرائض والسنن قد تقرّرت، وزاد سفيان فغضب سعيد (وقال: ما
عسيت أن يقول ما لم يقل قبله) وكان القياس كما نبه عليه
الكرماني وتبعه البرماوي أن يقول ما عسى أن يقول فكأنه في
معنى رجوت وتوقعت (فجلس عمر) -رضي الله عنه- (على المنبر
فلما سكت المؤذنون) بالفوقية بعد الكاف من السكوت ضد النطق
وضبطها الصغاني سكب بالموحدة بدل الفوقية أي أذنوا فاستعير
السكب للإِضافة في الكلام كما يقال أفرغ في أذني كلامًا أي
ألقى وصب (قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد
فإني قائل لكم مقالة قد قدّر لي) بضم القاف مبنيًّا
للمفعول (أن أقولها لا أدري لعلها بين أيدي أجلي) بقرب
وفاتي وهذا من موافقات عمر -رضي الله عنه- التي جرت على
لسانه فوقعت كما قال
(10/20)
وفي رواية أبي معشر عند البزار أنه قال في
خطبته هذه: فرأيت رؤيا وما ذاك إلا عند اقتراب أجلي رأيت
ديكًا نقرني، وفي مرسل سعيد بن المسيب مما في الموطأ أن
عمر لما صدر من الحج دعا
الله أن يقبضه إليه غير مضيع ولا مفرط. وقال في آخر القصة:
فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر -رضي الله عنه- (فمن
عقلها) بفتح العين المهملة والقاف (ووعاها) حفظها (فليحدث
بها حيث انتهت به راحلته) فيه الحض لأهل العلم والضبط على
التبليغ والنشر في الأسفار (ومن خشي أن لا يعقلها) بكسر
الشن والقاف (فلا أحل) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة
(لأحد) كان الأصل أن يقول لا أحل له ليرجع الضمير إلى
الموصول لكن لما كان القصد الربط قام عموم أحد مقام الضمير
(أن يكذب علي) بتشديد الياء (إن الله) عز وجل بعث محمدًا
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق وأنزل عليه
الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه قال ذلك توطئة لما سيقوله رفعًا للريبة ودفعًا للتهمة
(فكان مما) ولأبي ذر عن الكشميهني: فيما بالفاء بدل الميم
(أنزل الله) في الكتاب (آية الرجم) وهي الشيخ والشيخة إذا
زنيا فارجموهما البتة وآية بالنصب والرفع في اليونينية
وقال الطيبي بالرفع اسم كان وخبرها من التبعيضية في قوله
مما ففيه تقديم الخبر على الاسم وهو كثير (فقرأناها
وعقلناها ووعيناها) ثم نسخ لفظها وبقي حكمها (فلذا رجم
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمر
برجم المحصنين (ورجمنا بعده فأخشى) فأخاف (إن) بكسر الهمزة
(طال بالناس زمان أن يقول) بفتح الهمزة (قائل) منهم:
(والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا) بفتح
التحتية (بترك فريضة أنزلها الله) تعالى في كتابه في الآية
المذكورة المنسوخة (والرجم في كتاب الله حق) في قوله تعالى
{أو يجعل الله لهن سبيلاً} [النساء: 15] بين النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن المراد به رجم الثيب وجلد
البكر ففي مسند أحمد من حديث عبادة بن الصامت قال: أنزل
الله تعالى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ذات يوم فلما أسري عنه قال: خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلاً الثيب بالثيب والبكر بالبكر. الثيب: جلد مائة ورجم
بالحجارة، والبكر: جلد مائة ثم نفي سنة ورواه مسلم وأصحاب
السنن من طرق بلفظ: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلاً. البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب جلد
مائة، والرجم قال في شرح المشكاة: التكرير في قوله: خذوا
عني يدل على ظهور أمر قد خفي شأنه وأبهم فإن قوله قد جعل
الله لهن سبيلاً مبهم في التنزيل ولم يعلم ما تلك السبيل
أي الحدّ الثابت في حق المحصن وغيره، وقوله: البكر بالبكر
بيان للمبهم وتفصيل للمجمل مصداقًا لقوله تعالى: {وأنزلنا
إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] وقد ذهب
الإمام أحمد إلى القول بمقتضى هذا الحديث وهو الجمع بين
الجلد والرجم في حق الثيب، وذهب الجمهور إلى أن الثيب
الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد لأنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجم ماعزًا والغامدية واليهوديين ولم
يجلدهم فدلّ على أن الجلد ليس بمحتم بل هو منسوخ، فعلم أن
الرجم في كتاب الله حق (على من رنى إذا أحصن) بضم الهمزة
أي تزوّج وكان بالغًا عاقلاً (من الرجال والنساء إذا قامت
البيّنة) بالزنا بشرطها المقرر في الفروع (أو كان الحبل)
بفتح الحاء المهملة والموحدة أي وجدت المرأة الخلية من زوج
أو سيد حبلى ولم تذكر شبهة ولا إكراهًا (أو) كان
(الاعتراف) أي الإقرار بالزنا والاستمرار عليه (ثم إنا كنا
نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله) عز وجل مما نسخت تلاوته وبقي
حكمه (أن لا ترغبوا عن آبائكم) فتنتسبوا إلى غيرهم (فإنه
كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) إن
استحللتموه أو هو للتغليظ (أو إن كفرًا بكم أن ترغبوا عن
آبائكم) بالشك فيما كان من القرآن (ألا) بالتخفيف حرف
استفتاح كلام غير السابق (ثم) وفي رواية مالك ألا و (إن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا
تطروني) بضم الفوقية وسكون المهملة لا تبالغوا في مدحي
بالباطل (كما أطري) بضم الهمزة (عيسى ابن مريم) وفي رواية
سفيان
(10/21)
كما أطرت النصارى عيسى في جعله إلهًا مع
الله أو ابن الله (وقولوا عبد الله ورسوله) وفي رواية
مالك: فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله، ووجه
إيراد عمر ذلك هنا أنه خاف على من لا قوّة له في الفهم أن
يظن بشخص استحقاقه الخلافة فيقوم في ذلك مع أن المذكور لا
يستحق فيظن به ما ليس فيه فيدخل في النهي، أو أن الذي وقع
منه في مدح أبي بكر ليس من الإِطراء المنهي عنه، ولذا قال:
ليس فيكم مثل أبي بكر.
(ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول والله لو مات) ولأبي
ذر: لو قد مات (عمر بايعت فلانًا فلا يغترن) بتشديد الراء
والنون (امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة) أي
فجأة من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاوروا، أو
المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار
فبايعوا أبا بكر بحضرتهم، وقال ابن حبان: إنما كانت فلتة
لأن ابتداءها كان من غير ملأ كثير (وتمت ألا) بالتخفيف
(وإنها كانت كذلك) أي فلتة (ولكن الله) بتشديد النون أو
تخفيفها (وقى) بتخفيف القاف أي دفع (شرها وليس منكم) ولأبي
ذر فيكم (من تقطع الأعناق) أي أعناق الإبل من كثرة السير
(إليه مثل أبي بكر) في الفضل والتقدم لأنه سبق كل سابق فلا
يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر رضي الله عنه من
المبايعة له أوّلاً في الملأ اليسير ثم اجتماع الناس إليه
وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه لما اجتمع فيه
من الصفات المحمودة من قوّته في الله ولين جانبه للمسلمين
وحسن خلقه وورعه التام فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا
إلى مشاورة أخرى وليس غيره في ذلك مثله (من بايع رجلاً عن)
ولأبي ذر عن الكشميهني كما في الفرع وأصله: من (غير مشورة
من المسلمين) بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو
وبسكون الشين وفتح الواو (فلا يبايع هو ولا الذي بايعه)
بالموحدة وفتح الياء قبل العين فيهما كذا في الفرع وأصله،
وفي فتح الباري فلا يبايع بالموحدة وجاء بالمثناة الفوقية
وهو أولى لقوله هو ولا الذي تابعه اهـ. أي من الأتباع
(تغرة أن يقتلا) أي المبايع والمبايع، وقوله: تغرة بمثناة
فوقية مفتوحة وغين معجمة مكسورة وراء مشددة بعدها هاء
تأنيث مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر. قال في المصابيح:
والذي يظهر لي في إعرابه أن يكون تغرة حالاً على المبالغة
أو على حذف مضاف أي: ذا تغرة أي مخافة أن يقتلا فحذف
المضاف الذي هو مخافة وأقيم المضاف إليه مقامه وهو تغرة،
والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما
للقتل (وأنه) بكسر الهمزة (قد كان من خبرنا) بموحدة مفتوحة
(حين توفى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أن الأنصار خالفونا) بفتح الهمزة خبر كان وفي رواية أبي ذر
عن المستملي من خيرنا بالتحتية الساكنة بدل الموحدة يعني
أبا بكر رضي الله عنه أن الأنصار بكسر الهمزة على أن
ابتداء كلام آخر، وفي الفرع كأصله إلا أن الأنصار بكسر
الهمزة وتشديد اللام، وقال العيني: إنها بالتخفيف لافتتاح
الكلام ينبه بها المخاطب على ما يأتي وأنها على
رواية غير المستملي معترضة بين خبر كان واسمها، وسقطت لفظة
ألا لأبي ذر كما في الفرع وأصله.
(واجتمعوا بأسرهم) بأجمعهم (في سقيفة بني ساعدة) بفتح
السين وكسر العين وفتح الدال المهملات أي صفتهم وكانوا
يجتمعون عندها لفصل القضايا وتدبير الأمور (وخالف عنا عليّ
والزبير ومن معهما) فلم يجتمعوا معنا عندها حينئذٍ (واجتمع
المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق
بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار) وفي رواية جويرية عن
مالك: فبينا نحن في منزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا برجل ينادي من وراء الجدار: أخرج
إليّ يا ابن الخطاب. فقلت: إليك إني مشغول. قال: أخرج إليّ
إنه قد حدث أمر إن الأنصار اجتمعوا فأدركهم قبل أن يحدثوا
أمرًا يكون بينكم فيه حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق (فانطلقنا
نريدهم) زاد جويرية فلقينا أبا عبيدة بن الجراح فأخذ أبو
بكر بيده يمشي بيني وبينه (فلما دنونا) قربنا (منهم لقينا)
بكسر القاف وفتح الياء منهم
(10/22)
(رجلان صالحان) عويم بن ساعدة ومعن بن عدي
الأنصاري كما سماهما المصنف في غزوة بدر، وكذا رواه البزار
في مسند عمر. قال في المقدمة: وفيه ردّ على من زعم أن عويم
بن ساعدة مات في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فذكرا ما تمالى) ولأبي ذر: ما تمالأ بالهمزة
أي اتفق (عليه القوم) من أنهم يبايعون لسعد بن عبادة
(فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد
إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم)
لا بعد أن زائدة (اقضوا أمركم) وفي رواية سفيان: أمهلوا
حتى تقضوا أمركم (فقلت: والله لنأتينهم فانطلقنا حتى
أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمّل) بتشديد الميم
الثانية مفتوحة أي متلفف بثوبه (بين ظهرانيهم) بفتح الظاء
المعجمة والنون في وسطهم (فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن
عبادة. فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك) بضم التحتية وفتح العين
المهملة أي يحصل له الوعك وهو حمى بنافض ولذا زمّل في ثوب.
(فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم) قال في المقدمة: قيل هو
ثابت بن قيس بن شماس وهو الظاهر لأنه خطيب الأنصار (فأثنى
على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله)
لدينه (وكتيبة الإسلام) بمثناة فوقية فموحدة وفتح الكاف
بوزن عظيمة الجيش المجتمع (وأنتم معشر المهاجرين) ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي معاشر المهاجرين (رهط) من ثلاثة إلى
عشرة أي فأنتم قليل بالنسبة إلى الأنصار (وقد دفت) بفتح
الدال المهملة والفاء المشددة سارت (دافة) بزيادة ألف بين
الدال والفاء رفقة قليلة من مكة إلينا من الفقر (من قومكم)
أيها المهاجرون (فإذا هم يريدون أن يختزلونا) بفتح التحتية
وسكون الخاء المعجمة وفتح الفوقية وكسر الزاي بعدها لام
يقطعونا (من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر) أي من الإمارة
ويستأثروا بها علينا ويحضنونا بالحاء المهملة الساكنة وضم
الضاد المعجمة وتكسر، ولأبي ذر عن المستملي: أي يخرجونا
قاله أبو عبيدة كذا في الفرع وأصله أي يخرجونا مع قوله
قاله أبو عبيدة يقال: حضنه واحتضنه عن الأمر أخرجه في
ناحية عنه واستبد به أو حبسه عنه، وفي رواية أبي عليّ بن
السكن مما في فتح الباري يحتصونا بمثناة فوقية قبل الصاد
المهملة المشدّدة. قال: وللكشميهني يحصونا بإسقاط الفوقية
وهي بمعنى الاقتطاع
والاستئصال قال عمر -رضي الله عنه-: (فلما سكت) خطيب
الأنصار (أردت أن أتكلم وكنت زوّرت) بفتح الزاي والواو
المشددة بعدها ساكنة هيأت وحسنت ولأبي ذر قد زوّرت (مقالة
أعجبتني أريد) ولأبي ذر عن الكشميهني أردت (أن أقدمها بين
يدي أبي بكر) قال الزهري فيما رأيته في اللامع: أراد عمر
بالمقالة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم يمت (وكنت أداري) بضم الهمزة وكسر الراء
بعدها تحتية وللأصيلي أدارئ بالهمز أدافع (منه بعض) ما
يعتريه من (الحدّ) بالحاء المفتوحة والدال المشددة
المهملتين أي الحدّة كالغضب ونحوه (فلما أردت أن أتكلم.
قال أبو بكر) رضي الله- عنه: (على رسلك) بكسر الراء وسكون
السين المهملة أي استعمل الرفق والتؤدة (فكرهت أن أغضبه)
بضم الهمزة وسكون الغين وكسر الضاد المعجمتين وبالموحدة،
ولأبي ذر عن الكشميهني: أن أعصيه بفتح الهمزة وبالعين
والصاد المهملتين ثم التحتية (فتكلم أبو بكر) -رضي الله
عنه- (فكان هو أحلم مني) أحلم بالحاء المهملة الساكنة
واللام المفتوحة من الحلم وهو الطمأنينة عند الغضب (وأوقر)
بالقاف من الوقار التأني في الأمور والرزانة عند التوجه
إلى المطالب (والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا
قال في بديهته مثلها أو أفضل) زاد الكشميهني منها (حتى سكت
فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل) زاد ابن إسحاق
في روايته عن الزهري أنا والله يا معشر الأنصار ما ننكر
فضلكم ولا بلاءكم في الإسلام ولا حقكم الواجب علينا (ولن
يعرف) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (هذا الأمر) أي الخلافة
(إلا لهذا الحيّ من قريش هم) أي قريش، ولأبي ذر عن
الكشميهني: هو أي
(10/23)
الحي (أوسط العرب) أعدلها وأفضلها (نسبًا
ودارًا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا) بكسر
المثناة التحتية (أيهما شئتم) فإن قلت: كيف جاز لأبي بكر
أن يقول ذلك وقد جحله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إمامًا في الصلاة وهي عمدة الإسلام؟ أجيب: بأنه قاله
تواضعًا وأدبًا وعلمًا منه أن كلاًّ منهما لا يرى نفسه
أهلاً لذلك مع وجوده وأنه لا يكون للمسلمين إلا إمام واحد.
قال عمر: (فأخذ) أبو بكر (بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح
وهو) أي أبو بكر (جالس بيننا فلم أكره مما قال) أي أبو بكر
(غيرها كان والله أن أقدم) بضم الهمزة وفتح الدال المشددة
(فتضرب عنقي لا يقرّبني) بضم أوله وفتح القاف (ذلك) الضرب
لعنقي (من إثم) أي ضربًا لا أعصي الله به (أحب إلي) بتشديد
الياء (من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر) -رضي الله عنه-
(اللهم إلا أن تسوّل) بكسر الواو المشددة أي تزين (إليّ)
بالهمزة وتشديد الياء ولأبي ذر لي (نفسي عند الموت شيئًا
لا أجده الآن فقال قائل الأنصار): حباب بن المنذر بضم
الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى البدري، ولأبي ذر عن
الكشميهني من الأنصار (أنا جذيلها المحكك) بضم الجيم وفتح
الذال المعجمة مصغر الجذل بفتح الجيم وكسرها وسكون المعجمة
وهو أصل الشجر ويراد به هنا الجذع الذي تربط إليه الإبل
الجرباء وتنضم إليه لتحتك والتصغير للتعظيم والمحكك بضم
الميم وفتح الحاء وفتح الكاف الأولى مشددة اسم مفعول ووصفه
بذلك لأنه صار أملس لكثرة ذلك يعني أنا ممن يستشفى به كما
تستشفي الإبل الجرباء بهذا الاحتكاك (وعذيقها) بالذال
المعجمة والقاف مصغر عذق بفتح العين وسكون المعجمة النخلة
وبالكسر العرجون (المرجّب) بضم الميم وفتح الراء
والجيم المشدّدة بعدها موحدة اسم مفعول من قولك رجبت
النخلة ترجيبًا إذا دعمتها ببناء أو غيره خشية عليها
لكرامتها وطولها وكثرة حملها أن تقع أو ينكسر شيء من
أغصانها أو يسقط شيء من حملها، وقيل هو ضم أعذاقها إلى
سعفها وشدها بالخوص لئلا تنفضها الريح أو هو وضع الشوك
حولها لئلا تصل إليها الأيدي المتفرقة (منا) معشر الأنصار
(أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط) بفتح اللام
والغين المعجمة الصوت والجلبة (وارتفعت الأصوات حتى فرقت)
بكسر الراء خفت (من الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر)
أبايعك (فبسط يده). وأخرج النسائي من طريق عاصم عن زر بن
حبيش بسند حسن أن عمر قال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أبا
بكر أن يؤم بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟
فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. وعند الترمذي وحسنه
ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد قال: قال أبو بكر:
ألست أحق الناس بهذا الأمر؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب
كذا؟ وأخرج الذهلي في الزهريات بسند صحيح عن ابن عباس عن
عمر قال: قلت يا معشر الأنصار إن أولى الناس بنبي الله
ثاني اثنين إذ هما في الغار ثم أخذت بيده (فبايعته وبايعه
المهاجرون ثم بايعته الأنصار) بفوقية ساكنة بعد العين
(ونزونا) بنون وزاي مفتوحتين وثبنا (على سعد بن عبادة فقال
قائل منهم): لم يسم (قتلتم سعد بن عبادة) أي صيرتموه
بالخذلان وسلب القوة كالمقتول قال عمر (فقلت: قتل الله سعد
بن عبادة) إخبار عما قدره الله تعالى من منعه الخلافة أو
دعاء عليه لكونه لم ينصر الحق، واستجيب له فقيل إنه تخلف
عن البيعة وخرج إلى الشأم فوجد ميتًا في مغتسله وقد اخضرّ
جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ولا يرونه:
قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عبادة
فرميناه بسهمين ... فلم نخط فؤاده
(قال عمر) -رضي الله عنه-: (وإنا) بكسر الهمزة وتشديد
النون (والله ما وجدنا فيما حضرنا) بسكون الراء. قال
الكرماني، وتبعه البرماوي والعيني: أي من دفن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(10/24)
(من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر) -رضي الله
عنه- لأن إهمال أمر المبايعة كان يؤدي إلى الفساد الكليّ،
وأما دفنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان
العباس وعلي وطائفة مباشرين لذلك. وقال في الفتح: فيما
حضرنا بصيغة الفعل الماضي ومن أمر في موضع المفعول أي
حضرنا في تلك الحالة أمور فما وجدنا منها أقوى من مبايعة
أبي بكر، والأمور التي حضرت حينئذٍ الاشتغال بالمشاورة
واستيعاب من يكون أهلاً لذلك قال: وجعل بعض الشراح فيها
الاشتغال بتجهيزه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مشكل بدفنه وهو محتمل، لكن ليس في سياق القصة إشعار به بل
تعليل عمر يرشد إلى الحصر فيما يتعلق بالاستخلاف وهو قوله:
(خشينا) أي خفنا (إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا
رجلاً منهم بعدنا فإما بايعناهم) بالموحدة أوله وللكشميهني
تابعناه بالمثناة الفوقية والموحدة قبل الغين (على ما لا
نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد) ولأبي ذر والأصيلي فسادًا
بالنصب خبر كان (فمن بايع رجلاً على غير
مشورة) بضم المعجمة (من المسلمين فلا يتابع) بضم التحتية
وفتح الفوقية وبعد الألف موحدة والجزم على النهي وفي
اليونينية بالرفع (هو ولا الذي بايعه) بالموحدة وبعد الألف
تحتية (تغرّة) بفتح الفوقية وكسر المعجمة وتشديد الراء
مفتوحة بعدها هاء تأنيث منونة مخافة (أن يقتلا) فلا يطمعن
أحد أن يبايع وتتم له المبايعة كما وقع لأبي بكر الصديق
-رضي الله عنه-.
ومطابقة الحديث لما ترجم به في قوله: إذا أحصن من الرجال
والنساء إذا قامت البيّنة.
32 - باب الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا
رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا
طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِى لاَ يَنْكِحُ
إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ
يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2 - 3]
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأْفَةٌ: فِى إِقَامَةِ
الْحُدُودِ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (البكران) بكسر الموحدة من
الرجال والنساء وهما من لم يجامع في نكاح صحيح إذا زنيا
(يجلدان) خبر المبتدأ الذي هو البكران (وينفيان {الزانية
والزاني}) مرفوعان على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض
عليكم الزانية والزاني أي جلدهما أو الخبر ({فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة}) ودخلت الفاء في فاجلدوا لتضمنهما
معنى الشرط إذ اللام بمعنى الذي وتقديره: التي زنت والذي
زنى فاجلدوهما والخطاب للأئمة لأن إقامة الحدّ من الدين
وهو على الكل، وقدم الزانية لأن الزنا في الأغلب يكون
بتعريضها للرجل وعرض نفسها عليه والجلد حكم يخص من ليس
بمحصن لما دلّ على أن حدّ المحصن هو الرجم وزاد الشافعي
عليه تغريب الحر سنة للحديث وليس في الآية ما يدفعه لينسخ
أحدهما الآخر ({ولا تأخذكم بهما رأفة}) رحمة ({في دين
الله}) في طاعته إقامة حدوده فتعطلوه أو تسامحوا فيه ({إن
كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}) يوم البعث فإن الإيمان
يقتضي الجد في طاعة الله والاجتهاد في إقامة أحكامه
({وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}) ثلاثة أو أربعة عدد
شهود الزنا زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر ما
ينكل التعذيب ({الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة
والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}) أي المناسب لكل
منهما ما ذكر لأن المشاكلة علة الإلفة ({وحرم ذلك}) أي
نكاح الزواني ({على المؤمنين}) [النور: 2، 3] الأخيار نزل
ذلك في ضعفة المهاجرين لما هموا أن يتزوجوا بغايا يكرين
أنفسهن لينفقن عليهم من اكتسابهن على عادة الجاهلية فقيل
التحريم خاص بهم، وقيل عام ونسخ بقوله: {وانكحوا الأيامى
منكم} [النور: 32] وسقط لأبي ذر من قوله (إن كنتم تؤمنون)
إلخ وقال بعد قوله: {في دين الله} الآية. (قال ابن عيينة)
سفيان في تفسير قوله: (رأفة: إقامة الحدود) ولأبي ذر: في
إقامة الحدّ.
6831 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ
فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ: جَلْدَ مِائَةٍ
وَتَغْرِيبَ عَامٍ.
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو
غسان الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن سلمة قال:
(أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود
(عن زيد بن خالد الجهني) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر فيمن زنى)
رجل أو امرأة (ولم يحصن) بضم أوّله وفتح الصاد (جلد مائة)
بنصب جلد على نزع الخافض (وتغريب عام) ولاء إلى مسافة
القصر لأن المقصود إيحاشه بالبعد
(10/25)
عن الأهل والوطن فأكثر إن رآه الإمام لأن
عمر غرّب إلى الشأم، وعثمان إلى مصر، وعليًّا إلى البصرة،
ولا يكفي تغريبه إلى ما دون مسافة القصر إذ لا يتم الإيحاش
المذكور به لأن الأخبار تتواصل إليه حينئذٍ. وحكى ابن نصر
في كتاب الإجماع: الاتفاق على نفي الزاني إلا عند الكوفيين
وعليه الجمهور، وادعى الطحاوي أنه منسوخ، واختلف القائلون
بالتغريب فقال الشافعي بالتعميم للرجل والمرأة، وفي قول له
لا ينفى الرقيق، وخص مالك النفي بالرجل وقيده بالحر، وعن
أحمد روايتان واحتج من شرط الحرية بأن في نفي العبد عقوبة
لمالكه لمنعه منفعته مدة نفيه وتصرف الشرع يقتضي أن لا
يعاقب غير الجاني.
وهذا الحديث سبق في الشهادات في باب شهادة القاذف واختصر
عبد العزيز من السند ذكر أبي هريرة ومن المتن سياق قصة
العسيف واقتصر منها على ما ذكره، ويحتمل أن يكون ابن شهاب
اختصره لما حدث به عبد العزيز قاله في الفتح.
6832 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِى عُرْوَةَ بْنُ
الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَرَّبَ، ثُمَّ
لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةَ.
(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق (وأخبرني)
بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عمر بن الخطاب)
-رضي الله عنه- (غرّب) وهذا منقطع لأن عروة لم يسمع من عمر
لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه النسائي والترمذي وصححه
ابن خزيمة والحاكم من رواية عبيد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضرب
وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب (ثم لم تزل)
بفتح الفوقية والزاي (تلك السُّنة) بضم السين المهملة زاد
عبد الرزاق في روايته عن مالك حتى غرب مروان ثم ترك الناس
ذلك.
6833 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى
الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ
بِنَفْىِ عَامٍ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي سيد
التابعين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى فيمن زنى ولم
يحصن) بفتح الصاد مبنيًّا للمفعول (بنفي عام بإقامة الحدّ
عليه) أي ملتبسًا بها جامعًا بينهما فالباء بمعنى مع، وفي
رواية النسائي أن ينفى عامًّا مع إقامة الحد عليه، وكذا
أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن الليث، والمراد
بإقامة الحد ما ذكر في رواية عبد العزيز جلد المائة، وأطلق
عليها الحدّ لكونها بنص القرآن، وقد تمسك بهذه الرواية من
ذهب إلى أن النفي تعزير وأنه ليس جزءًا من الحد. وأجيب:
بأن الحديث يفسر بعضه بعضًا وقد وقع التصريح في قصة العسيف
من لفظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن عليه
جلد مائة وتغريب عام وهو ظاهر في كون الكل حده ولم يختلف
على رواته في لفظه فهو أرجح من حكاية الصحابي مع الاختلاف.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في الرجم.
33 - باب نَفْىِ أَهْلِ الْمَعَاصِى وَالْمُخَنَّثِينَ
(باب نفي أهل المعاصي والمخنثين) بفتح الخاء المعجمة
والنون.
6834 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُخَنَّثِينَ مِنَ
الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَ:
أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ وَأَخْرَجَ فُلاَنًا
وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا
هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (عن
عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المخنثين من الرجال) وهم المتشبهون في كلامهم بالنساء
تكسرًا وتعطفًا لا من يؤتى (و) لعن (المترجلات من النساء)
اللاتي يتشبهن بالرجال تكلفًا. (وقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أخرجوهم من بيوتكم وأخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فلانًا) هو أنجشة العبد الحادي، وعند أبي داود
من طريق أبي هاشم عن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه
فقال: ما بال هذا؟ قيل: يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى
النقيع يعني بالنون (وأخرج عمر) -رضي الله عنه- (فلانًا).
هو ماتع بفوقية بعد الألف وقيل إنه بالنون، وسقط لغير أبي
ذرّ لفظ عمر، وحينئذٍ فالعامل في الأول والثاني النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الكرماني: هما
يعني اللذين أخرجهما -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ماتع وهيت بكسر الهاء وسكون التحتية بعدها فوقية. وفي كتاب
المغرّبين لأبي الحسن المدايني من طريق الوليد بن سعد قال:
سمع عمر قومًا
(10/26)
يقولون أبو ذؤيب أحسن أهل المدينة فدعا به
فقال: أنت لعمري فأخرج من المدينة فقال: إن كنت مخرجي فإلى
البصرة حيث أخرجت ابن عمر نصر بن حجاج وساق قصة جعدة
السلمي وأنه كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن
حتّى كتب
بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرجه، وإذا ثبت النفي في حق
من لم يقع منه كبيرة فوقوعه فيمن أتى بكبيرة أولى، وعن
مسلمة بن محارب عن إسماعيل بن مسلم أن أمية بن يزيد الأسدي
ومولى مزينة كانا يحتكران الطعام بالمدينة فأخرجهما عمر
-رضي الله عنه-.
والحديث سبق في اللباس وأخرجه أبو داود في الأدب وأخرجه
الترمذي والنسائي أيضًا.
34 - باب مَنْ أَمَرَ غَيْرَ الإِمَامِ بِإِقَامَةِ
الْحَدِّ غَائِبًا عَنْهُ
(باب من أمر غير الإمام) الأوجه كلما نبه عليه في الكواكب
أن يقول من أمره الإمام (بإقامة الحد) على مستحقه حال كون
الغير أو المقام عليه الحدّ (غائبًا عنه) عن الإمام. وقول
الكرماني: إن في قول البخاري من أمر غير الإمام تعجرفًا.
قال البرماوي: لا عجرفة فيه إذ عادة البخاري التعميم في
المعنى فيقول: باب من فعل كذا فيكون الفاعل لذلك معينًا
إشارة إلى أن الحكم عام فقوله من أمر هو الإمام، وقوله غير
الإمام أي غيره فأقام الظاهر مقام المضمر لأنه لم يكن قد
صرّح به ولكن التركيب غير واضح.
6835 - 6836 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ،
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ
خَالِدٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ
جَالِسٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بِكِتَابِ
اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ لَهُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ بِكِتَابِ اللَّهِ إِنَّ ابْنِى كَانَ
عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ
فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ
فَافْتَدَيْتُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ
سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَزَعَمُوا أَنَّ مَا عَلَى
ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ:
«وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا
بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْغَنَمُ وَالْوَلِيدَةُ
فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ
وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ فَاغْدُ
عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» فَغَدَا أُنَيْسٌ
فَرَجَمَهَا.
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن عليّ) الواسطي قال: (حدّثنا ابن
أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن
عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة ابن مسعود (عن
أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (أن
رجلاً من الأعراب) لم يسم (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس) في المسجد (فقال: يا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقض) أي بيننا
(بكتاب الله) أي بحكم الله الذي قضى به على المكلفين (فقام
خصمه) لم يسم (فقال: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله
ان ابني كان عسيفًا) أجيرًا (على هذا) أي له فعلى بمعنى
اللام، وهذا من قول الخصم لا من قول الأعرابي خلافًا لما
قرره الكرماني وتبعه العيني والبرماوي كما نبه عليه في
الفتح وسبق قريبًا في باب الاعتراف بالزنا (فزنى بامرأته
فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت) أي منه (بمائة من
الغنم ووليدة) وفي باب الاعتراف بالزنا وخادم (ثم سألت أهل
العلم فزعموا) وفي الباب المذكور فأخبروني (أن ما على ابني
جلد مائة وتغريب عام) لأنه كان بكرًا وأقرّ بالزنا (فقال)
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(و) الله (الذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما
الغنم والوليد فردّ) فمردود (عليك وعلى ابنك جلد مائة
وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس) بضم الهمزة وفتح النون
مصغرًا (فاغد على امرأة هذا) فاذهب إليها فإن اعترفت
بالزنا (فارجمها فغدا) فذهب (أنيس) إليها فاعترفت بالزنا
(فرجمها) لأنها كانت محصنة ولم يكن بعثه إليها لطلب إقامة
حدّ الزنا لأن حدّ الزنا لا يتجسس له بل يستحب تلقين المقر
الرجوع عنه وإنما بعثه ليعلمها بأن الرجل قذفها بابنه فلها
عليه حدّ القذف فتطالبه به أو تعفو عنه والله أعلم.
والحديث أخرجه في مواضع كثيرة كالأحكام والوكالة والشروط
وأخرجه بقية أصحاب الكتب الستة.
35 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ
مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا
أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ
نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ
لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا
خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء: 25].
(باب قول الله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً}) غنى
واعتلاء وأصله الفضل والزيادة وهو مفعول يستطع ({أن ينكح
المحصنات المؤمنات}) في موضع نصب بطولاً أو بفعل يقدر صفة
له أي ومن لم يستطع منكم أن يعتلي نكاح المحصنات أو من لم
يستطع غنى يبلغ به نكاح المحصنات يعني الحرائر لقوله:
({فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}) إمائكم
المؤمنات وفي ظاهره حجة للشافعي حيث حرّم نكاح الأمة على
من ملك صداق حرة ومنع نكاح الأمة الكتابية مطلقًا، وجوّزه
أبو حنيفة وأوّل التقييد في النص للاستحباب، واستدلّ بأن
الإيمان ليس بشرط في الحرائر اتفاقًا مع التقييد به
({والله أعلم بإيمانكم}) فاكتفوا بظاهر الإيمان فإنه
العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الأيمان فرب أمة تفضل
الحرّة فيه فمن حقكم أن تعتبروا فضل الإيمان فضل النسب،
والمراد تأنيسهم
(10/27)
بنكاح الإماء ومنعهم عن الاستنكاف عنه
ويؤيده ({بعضكم من بعض}) أي أنتم وأرقاؤكم متناسبون نسبكم
من آدم ودينكم الإسلام ({فانكحوهن بإذن أهلهن}) أي أربابهن
واعتبار إذنهنّ مطلقًا لا إشعار له على أن لهنّ أن يباشرن
العقد بأنفسهن حتى يحتج به الحنفية فالسيد هو ولي أمته لا
تزوّج إلا بإذنه وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوّج بغير
إذنه كما في الحديث: أيما عبد تزوّج بغير إذن مواليه فهو
مجاهر أي زان. وفي الحديث أيضًا: لا تزوّج المرأة نفسها
فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ({وأتوهن أجورهن
بالمعروف}) وأدوا إليهنّ
مهورهن بغير مطل وضرار وملاك مهورهنّ مواليهنّ فكان أداؤها
إليهنّ أداء إلى الموالي لأنهنّ وما في أيديهنّ مال
الموالي إذ التقدير فآتوا مواليهنّ فحذف المضاف ({محصنات})
عفائف حال من المفعول في وآتوهن ({غير مسافحات}) زوان
علانية ({ولا متخذات أخدان}) زوان سرًّا والأخدان الأخلاء
في السر ({فإذا أحصنّ}) بالتزويج ({فإن أتين بفاحشة}) زنا
({فعليهنّ نصف ما على المحصنات}) الحرائر ({من العذاب}) من
الحدّ وهو يدل على أن حدّ العبد نصف حدّ الحرّ وأنه لا
يرجم لأن الرجم لا يتنصف ({ذلك}) أي نكاح الإماء ({لمن خشي
العنت منكم}) لمن خاف الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة
({وإن تصبروا}) أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين ({خير
لكم والله غفور}) لمن يصبر ({رحيم}) [النساء: 25] بأن رخص
له وسقط لأبي ذر من قوله: ({المؤمنات}) إلى آخره وقال بعد:
({المحصنات}) الآية، وسقط أيضًا للأصيلي من قوله: ({والله
أعلم}) إلخ وقال بعد قوله: ({من فتياتكم المؤمنات}) إلى
قوله: ({وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم}) وزاد أبو ذر
عن المستملي غير مسافحات زواني ولا متخذات أخدان أخلاء،
وسبق ولم يذكر في هذا الباب حديثًا كما صرح به الإسماعيلي
بل اقتصر على الآية اكتفاء بها عن الحديث المرفوع، نعم
أدخل ابن بطال فيه حديث أبي هريرة التالي لهذا الباب.
باب إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا زنت الأمة) ما حكمها؟
وسقط الباب والترجمة للأصيلي وعليه شرح ابن بطال كما مرّ.
6837 - 6838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنِ
الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: «إِذَا
زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا
ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ
بِضَفِيرٍ».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِى بَعْدَ الثَّالِثَةِ
أَوِ الرَّابِعَةِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الدمشقي الأصل
قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) ولأبي ذر
زيادة ابن عتبة (عن أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني (-رضي
الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سئل عن الأمة إذا زنت) تحدّ أم لا. (ولم تحصن)
بفتح الصاد في محل الحال من فاعل زنت وصحبت الواو على
المختار عندهم وقد جاءت بغير واو في قوله تعالى: {فانقلبوا
بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} [آل عمران: 174] وسئل
مبني لما لم يسم فاعله وسئل يتعدى بعن وتقييد حدها
بالإحصان ليس بقيد وإنما هو حكاية حال والمراد بالإحصان
هنا ما هي عليه من عفة وحرية لا الإحصان بالتزويج لأن
حدّها الجلد سواء تزوّجت أم لا (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إذا) ولأبي الوقت: إن (زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها
ثم إن زنت فاجلدوها) إنما أعاد الزنا في الجواب غير مقيد
بالإحصان للتنبيه على أنه لا أثر له، وأن الموجب في الأمة
مطلق الزنا والخطاب في فاجلدوها لملاك الأمة فيدل على أن
السيد يقيم على عبده وأمته الحدّ ويسمع البيّنة عليهما،
وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والجمهور من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم خلافًا لأبي حنيفة في آخرين، واستثنى
مالك القطع في السرقة لأن في القطع مثلة فلا يؤمن السيد أن
يريد أن يمثل بعبده فيخشى أن يتصل الأمر بمن يعتقد أنه
يعتق بذلك فيمنع من مباشرته القطع سدًّا للذريعة (ثم
بيعوها) وأتى بثم لأن الترتيب مطلوب لمن يريد التمسك بأمته
الزانية وأما من يريد بيعها من أول مرة فله ذلك ولو في
قوله: (ولو بضفير) شرطية بمعنى أن أي وإن كان بضفير فيتعلق
بضفير بخبر كان المقدرة وحذف كان بعد لو هذه كثير، ويجوز
أن يكون التقدير ولو تبيعونها بضفير فيتعلق حرف الجر
بالفعل والضفير
(10/28)
بالضاد المعجمة والفاء فعيل بمعنى مفعول
وهو الحبل المضفور، وعبّر بالحبل للمبالغة في التنفير عنها
وعن مثلها لما في ذلك من الفساد والأمر ببيعها للندب عند
الشافعية والجمهور ولا يضر عطفه على الأمر بالحدّ مع كونه
للوجوب لأن دلالة الاقتران ليست بحجة عند غير المزني وأبي
يوسف، وزعم ابن الرفعة أنه للوجوب ولكن نسخ.
(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالسند السابق: (لا
أدري بعد الثالثة) وفي رواية أبعد بهمزة التسوية وأصلها
الاستفهام لكن لما كان المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم
وكذا المستفهم سميت بذلك أي لا أدري هل يجلدها ثم يبيعها
ولو بضفير بعد الزنية الثالثة (أو الرابعة). وفي الحديث أن
الزنا عيب يرد به الرقيق للأمر بالحط من قيمة المرقوق إذا
وجد منه الزنا كما جزم به النووي، وتوقف فيه ابن دقيق
العيد لجواز أن يكون المقصود الأمر بالبيع ولو انحطت
القيمة فيكون ذلك متعلقًا بأمر وجودي لا إخبارًا عن حكم
شرعي إذ ليس في الحديث تصريح بالأمر بالحط من القيمة
انتهى.
والحديث سبق في البيع في باب بيع العبد الزاني.
36 - باب لاَ يُثَرَّبُ عَلَى الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلاَ
تُنْفَى
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يثرب على الأمة) بضم
التحتية وفتح المثلثة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة كذا
لأبي ذر بكسرها ولغيره بفتحها أي لا يعنفها ولا يوبخها
(إذا زنت ولا تنفى) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفاء
صيانة لحق مالكها.
6839 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:
قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا
فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ
فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ
الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ».
تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد المقبري عن أبيه) كيسان
مولى بني ليث (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه) أي
كيسان (سمعه) أي سمع أبا هريرة (يقول: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا زنت الأمة فتبين) أي تحقق (زناها) وثبت (فليجلدهما)
أي سيدها الحدّ الواجب المعروف من صريح الآية. {فعليهن نصف
ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] (ولا يثرب) أي لا
يعيرها. قال البيضاوي: كان تأديب الزناة قبل مشروعية الحدّ
التثريب وحده فأمرهم بالحدّ ونهاهم عن الاقتصار على
التثريب، وقيل: المراد به النهي عن التثريب بعد الجلد فإنه
كفارة لما ارتكبته فلا يجمع عليها العقوبة بالحدّ والتعبير
(ثم إن زنت) أي الثانية (فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت
الثالثة فليبعها) ندبًا (ولو بحبل من شعر) قيد بالشعر لأنه
كان الأكثر في حبالهم. واستنبط من قوله فليبعها عدم النفي
لأن المقصود من النفي الإبعاد عن الوطن الذي وقعت فيه
المعصية وهو حاصل بالبيع (تابعه) أي تابع الليث (إسماعيل
بن أمية عن سعيد) المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في المتن
فقط لا في السند لأنه نقص منه قوله عن أبيه ورواية إسماعيل
وصلها النسائي من طريق بشر بن المفضل عن إسماعيل بن أمية،
ولفظه مثل لفظ الليث إلا أنه قال إن عادت فزنت فليبعها
والباقي سواء.
وحديث الباب سبق في البيوع والله أعلم.
37 - باب أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِحْصَانِهِمْ
إِذَا زَنَوْا وَرُفِعُوا إِلَى الإِمَامِ
(باب) بيان (أحكام أهل الذمة) اليهود والنصارى (و) بيان
(إحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام) بأنفسهم أو جاء بهم
غيرهم للدعوى عليهم.
6840 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ قَالَ:
سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى عَنِ
الرَّجْمِ فَقَالَ: رَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَقَبْلَ النُّورِ أَمْ
بَعْدَهُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِى.
تَابَعَهُ عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَالْمُحَارِبِىُّ وَعَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ
الشَّيْبَانِىِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَائِدَةُ.
وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري ويقال
له التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال:
(حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها
موحدة فألف فنون فتحتية سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي
قال: (سألت عبد الله بن أبي أوفى) واسمه علقمة بن خالد
الأسلمي (عن الرجم) أي عن حكم رجم من ثبت أنه زنى وهو محصن
(فقال: رجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقلت: أقبل) نزول آية سورة (النور) الزانية والزاني (أم)
رجم (بعده؟) بعد النزول، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعد
بضم الدال من غير ضمير (قال: لا أدري) فيه دلالة على أن
الصحابي الجليل قد يخفى عليه بعض الأمور الواضحة وأن
الجواب بلا أدري من العالم لا عيب عليه فيه بل يدل على
تحريه وتثبته (تابعه) أي تابع عبد الواحد (علي بن مسهر)
بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء بعدها راء أبو الحسن
القرشي
(10/29)
الكوفي فيما وصله ابن أبي شيبة (وخالد بن
عبد الله) الطحان فيما وصله المؤلّف في باب رجم المحصن
(والمحاربي) بضم الميم بعدها حاء مهملة وبعد الألف راء
مكسورة فموحدة عبد الرحمن بن محمد الكوفي (وعبيدة) بفتح
العين وكسر الموحدة وسكون التحتية (ابن حميد) بضم الحاء
المهملة وفتح الميم الضبي الكوفي فيما وصله الإسماعيلي
الأربعة (عن الشيباني) سليمان في روايته عن عبد الله بن
أبي أوفى (وقال بعضهم): هو عبيدة بن حميد أحد المذكورين
(المائدة) بدل سورة النور والمائدة رفع في رواية أبي ذر
ولغيره بالجر بتقدير سورة المائدة (والأول) القائل سورة
النور (أصح).
6841 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ
الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً
مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا
تَجِدُونَ فِى التَّوْرَاةِ فِى شَأْنِ الرَّجْمِ؟»
فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ
فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ
أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا
قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا
فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ
فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ
الرَّجُلَ يَحْنِى عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا
الْحِجَارَةَ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس بن عبد
الله أبو عبد الله الأصبحي ابن أخت مالك وصهره على ابنته
قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن نافع)
مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: إن اليهود) من خيبر وذكر ابن العربي عن الطبري
والثعلبي عن المفسرين منهم كعب بن الأشرف، وكعب بن أسعد،
وسعيد بن عمرو، ومالك بن الصيف، وكنانة بن أبي الحقيق،
وشاس بن قيس، ويوسف بن عازوراء (جاؤوا إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في السنة الرابعة في
ذي القعدة (فذكروا له أن رجلاً) لم يسم وفتحت أن لسدّها
مسدّ المفعول (منهم وامرأة) تسمى بسرة بضم الموحدة وسكون
المهملة (زنيا) وقوله منهم يتعلق بمحذوف صفة لرجل وصفة
المرأة محذوفة لدلالة ما تقدم عليه فالتقدير وامرأة منهم،
ويجوز أن يتعلق منهم بحال من ضمير الرجل والمرأة في زنيا
والتقدير أن رجلاً وامرأة زنيا منهم أي في حال كونهما من
اليهود، وعند أبي داود من طريق الزهري سمعت رجلاً من مزينة
ممن تتبع العلم وكان عند سعيد بن المسيب يحدّث عن أبي
هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض:
اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا
بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا
بها عند الله وقلنا فتيا نبي من أنبيائك قال: فأتوا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في المسجد
في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة
منهم زنيا (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ما تجدون في التوراة) ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وتجدون
جملة في محل الخبر والمبتدأ والخبر معمول للقول وتقدير
الاستفهام أي شيء تجدونه في التوراة فيتعلق حرف الجر
بمفعول ثان لتجدون (في شأن الرجم) إنما سألهم إلزامًا لهم
بما يعتقدونه في كتابهم الموافق لحكم الإسلام إقامة للحجة
عليهم. وإظهارًا لما كتموه وبدّلوه من حكم التوراة فأرادوا
تعطيل نصّها ففضحهم الله وذلك إما بوحي من الله إليه أنه
موجود في التوراة لم يغير وإما بإخبار من أسلم منهم كعبد
الله بن سلام كما يأتي (فقالوا: نفضحهم ويجلدون) بفتح
النون والمعجمة بينهما فاء ساكنة أي نجد أن نفضحهم ويجلدوا
فيكون نفضحهم معمولاً على الحكاية لنجد المقدّر أي ادعوا
أن ذلك في التوراة على زعمهم وهم كاذبون، ويحتمل أن يكون
ذلك مما فسروا به التوراة ويكون مقطوعًا عن الجواب أي
الحكم عندنا أن نفضحهم ويجلدوا فيكون خبر مبتدأ محذوف
بتقدير أن وإنما أتى بأحد الفعلين مبنيًّا للفاعل والآخر
مبنيًّا للمفعول إشارة إلى أن الفضيحة موكولة إليهم إلى
اجتهادهم أي نكشف مساوئهم، وفي رواية أيوب عن نافع في
التوحيد قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما. وفي رواية عبيد
الله بن عمر قالوا: نسوّد وجوههما ونحممهما ونخالف بين
وجوههما ويطاف بهما.
(قال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام (كذبتم إن فيها
الرجم) فائتوا بالتوراة (فأتوا بالتوراة فنشروها) أي فتحوا
التوراة وبسطوا (فوضع أحدهم) هو عبد الله بن صوريا (يده
على آية الرجم) منها (فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد
الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم) وقد
وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة
ولفظه: المحصن والمحصنة إذا
(10/30)
زنيا فقامت عليهما البيّنة رجما وإن كانت
المرأة حبلى تربّص بها حتى تضع ما في بطنها. وعند أبي داود
من حديث جابر: إنا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا
ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما. زاد البزار من
هذا الوجه فإن وجدوا الرجل مع المرأة في بيت أو في ثوب أو
على بطها فهي ريبة وفيها عقوبة (قالوا: صدق يا محمد فيها
آية الرجم) وفي رواية البزار قال يعني النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فما منعكم أن ترجموهما؟
قالوا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، وفي حديث البراء نجد
الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه
وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ فقلنا تعالوا نجتمع
على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد
مكان الرجم (فأمر بهما) بالزانيين (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجما) قال ابن عمر (فرأيت
الرجل يحني) بفتح التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر النون
بعدها تحتية والرؤية بصرية فيكون يحني في موضع الحال وقوله
(على المرأة) يتعلق به أي يعطف عليها (يقيها الحجارة)
يحتمل أن تكون الجملة بدلاً من يحني أو حالاً أخرى وأل في
الحجارة للعهد أي حجارة الرمي، ولأبي ذر عن المستملي
والكشميهني: يجنأ بجيم بدل الحاء المهملة وفتح النون بعدها
همزة. قال ابن دقيق العيد: إنه الراجح في الرواية أي
أكبّ عليها. وغرض المؤلّف أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان
وإلاّ لم يرجم اليهوديين، وإليه ذهب الشافعي وأحمد. وقال
المالكية ومعظم الحنفية: شرط الإحصان الإسلام وأجابوا عن
حديث الباب بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وإنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء
وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم فإن في
التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن. وأجيب: بأنه كيف
يحكم عليهم بما لم يكن في شرعه مع قوله تعالى: {وأن احكم
بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49] وفي قولهم وإن في
التوراة الرجم على من لم يحصن نظر لما تقدم من رواية
المحصن والمحصنة الخ ... ويؤيده أن الرجم جاء ناسخًا للجلد
كما تقدم تقريره ولم يقل أحد أن الرجم شرع ثم نسخ بالجلد،
وإذا كان أصل الرجم باقيًا منذ شرع فما حكم عليهما بالرجم
بمجرد حكم التوراة بل يشرعه الذي استمر حكم التوراة عليه.
والحديث سبق في باب علامات النبوة.
38 - باب إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ أَوِ امْرَأَةَ غَيْرِهِ
بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّاسِ هَلْ عَلَى
الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا فَيَسْأَلَهَا عَمَّا
رُمِيَتْ بِهِ؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا رمى) الرجل (امرأته
وامرأة غيره بالزنا عند الحاكم و) عند (الناس) كان يقول:
امرأتي أو امرأة فلان زنت (هل على الحاكم أن يبعث إليها)
أي إلى المرأة المرمية بالزنا (فيسألها عما رميت به) من
الزنا وجواب الاستفهام محذوف لم يذكره اكتفاء بما في
الحديث تقديره فيه خلاف والجمهور على أن ذلك بحسب ما يراه
الحاكم.
6842 - 6843 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ،
وَقَالَ الآخَرُ وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى
أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ: «تَكَلَّمْ» قَالَ: إِنَّ ابْنِى
كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا -قَالَ: مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ:
الأَجِيرُ- فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ
عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ
شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِى ثُمَّ إِنِّى سَأَلْتُ أَهْلَ
الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِى أَنَّ مَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى
امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ
لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا
غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ» وَجَلَدَ
ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا
الأَسْلَمِىَّ أَنْ يَأْتِىَ امْرَأَةَ الآخَرِ فَإِنِ
اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) إمام الأئمة، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن
عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن
أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (أنهما
أخبراه أن رجلين) أي يسميا (اختصما إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال
أحدها): يا رسول الله (اقض بيننا بكتاب الله) بحكم الله
الذي قضى به على المكلفين (وقال الآخر وهو أفقههما: أجل)
بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام أي نعم (يا رسول الله
فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) ولأبي ذر وأذن لي بإسقاط
الياء التي بعد الهمزة (أن أتكلم) استدلّ به على كونه أفقه
من الآخر (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تكلم قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا -قال مالك والعسيف
الأجير- فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت
منه بمائة شاة وبجارية لى) ولأبي ذر عن الكشميهني وجارية
لي بإسقاط الموحدة، وفي رواية عمرو بن شعيب فسألت من لا
يعلم فأخبرني أن على ابنك الرجم فافتديت منه (ثم إني سألت
أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام
وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بالتخفيف (و) الله (الذي نفسي
بيده لأقضين
(10/31)
بينكما بكتاب الله أما غنمك) المائة
(وجاريتك فردّ عليك) فمردودة عليك (وجلد ابنه مائة) أي أمر
من يجلده فجلده (وغرّبه) من موطن الجناية (عامًّا وأمر
أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر) ليعلمها أن الرجل
قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه أو تعفو عنه (فإن
اعترفت) أنه زنى بها (فارجمها) أي بعد إعلامي أو فوّض إليه
الأمر فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولهم يحكم، وقد دلّ
قوله فأمر بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فرجمت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هو الذي حكم فيها بعد أن أعلمه أنيس باعترافها قاله عياض،
ولأبي ذر رجمها فأتاها أنيس فاعلمها وكان لقوله فإن اعترفت
مقابلاً يعني فإن أنكرت فاعلمها أن لها مطالبة بحدّ القذف
فحذف لوجود الاحتمال فلو أنكرت وطلبت لأجيبت (فاعترفت)
بالزنا (فرجمها) بعد أن أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باعترافها مبالغة في الاستثبات مع أنه
كان علق له رجمها على اعترافها. وفي الحديث أن الصحابة
كانوا يفتون في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وفي بلده.
وذكر محمد بن سعد في طبقاته أن منهم أبا بكر وعمر وعثمان
وعليًّا وعبد الرحمن بن عوف وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل
وزيد بن ثابت وفيه أن الحدّ لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه
في الزنا والسرقة والحرابة وشرب المسكر، واختلف في القذف
والصحيح أنه كغيره. وإنما يجري الفداء في البدن كالقصاص في
النفس والأطراف.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة فيمن قذف امرأة غيره أما من
قذف امرأته فمأخوذ من كون زوج المرأة كان حاضرًا ولم ينكر
ذلك كذا في الفتح قال: وقد صحح النووي وجوب إرسال الإمام
إلى المرأة ليسألها عما رميت به، واحتج ببعث أنيس إلى
المرأة وتعقب بأنه فعل وقع في واقعة حال لا دلالة فيه على
الوجوب لاحتمال أن يكون سبب البعث ما وقع بين زوجها وبين
والد العسيف من الخصام والمصالحة على الحدّ واشتهار القصة
حتى صرح والد العسيف بما صرح به ولم ينكر عليه زوجها
فالإرسال إلى هذه يختص بمن كان على مثلها من التهمة القوية
بالفجور والله أعلم.
39 - باب مَنْ أَدَّبَ أَهْلَهُ أَوْ غَيْرَهُ دُونَ
السُّلْطَانِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا صَلَّى فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ
يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى
فَلْيُقَاتِلْهُ وَفَعَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ.
(باب من أدّب أهله) كزوجته وأرقائه (أو) أدّب (غيره) أي
غير أهله (دون) إذن (السلطان) له في ذلك.
(وقال أبو سعيد) سعد بن مالك بسكون العين الخدري فيما سبق
موصولاً في باب يردّ المصلي من مرّ بين يديه من كتاب
الصلاة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
إذا صلى فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفعه فإن أبى) امتنع
إلا أن يمر (فليقاتله. وفعله) أي دفع المارّ بين يديه حالة
صلاته (أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه-، وفعله مذكور في
الباب المذكور بلفظ: رأيت أبا سعيد يصلّي فأراد شاب أن
يجتاز بين يديه فدفعه أبو سعيد في صدره من غير استئذان
حاكم، ولذا لم ينكر عليه مروان بل استفهمه عن السبب فلما
ذكره له أقرّه عليه.
6844 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَبُو بَكْرِ - رضى الله عنه -
وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِى فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسَ
وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَعَاتَبَنِى وَجَعَلَ يَطْعُنُ
بِيَدِهِ فِى خَاصِرَتِى وَلاَ يَمْنَعُنِى مِنَ
التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ
التَّيَمُّمِ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه)
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) -رضي الله
عنها- أنها (قالت: جاء أبو بكر -رضي الله عنه-) في تفسير
سورة المائدة بهذا السند أنها قالت: خرجنا مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره حتى
إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول
الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس
معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى
ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وبالناس وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر (ورسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واضع رأسه على
فخدي) بالذال المعجمة قد نام (فقال: حبست رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) حبست (الناس
وليسوا على ماء) وليس معهم ماء (فعاتبني) أبو بكر (وجعل
يطعن) بضم العين (بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك)
ولأبي ذر عن الكشميهني من التحوّل بالواو واللام بدل الراء
والكاف (إلا مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) على فخذي (فأنزل الله) تعالى (آية التيمم) في
سورة المائدة.
وهذا
(10/32)
الحديث سبق في التفسير.
6845 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ
الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِى لَكْزَةً
شَدِيدَةً، وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِى قِلاَدَةٍ
فَبِى الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَوْجَعَنِى نَحْوَهُ،
لَكَزَ وَوَكَزَ: وَاحِدٌ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الكوفي نزيل مصر قال:
(حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال:
(أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري
(أن عبد الرحمن بن القاسم حدّثه عن أبيه) القاسم بن محمد
بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت:
أقبل أبو بكر) -رضي الله عنه- أي لما فقدت قلادتها وأقاموا
على غير ماء (فلكزني لكزة شديدة) بالزاي فيهما أي ضربني
ضربة شديدة (وقال: حبست الناس في قلادة) بكسر القاف (فبي
الموت) أي فالموت ملتبس بي (لمكان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على فخذي أخاف انتباهه من
نومه (وقد أوجعني) لكز أبي بكر إياي وقوله (نحوه) أي نحو
الحديث السابق وزاد أبو ذر عن المستملي (لكز ووكز): بالواو
بدل اللام (واحد). في المعنى وهو من كلام أي عبيدة قال:
اللكز الضرب بالجمع على الصدر، وقال أبو زيد في جميع الجسد
والجمع بضم الجيم وسكون الميم الضرب بجميع الأصابع
المضمومة يقال ضربه بجُمع كفه.
40 - باب مَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَقَتَلَهُ
(باب) حكم (من رأى مع امرأته رجلاً فقتله).
6846 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ، عَنِ
الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ
رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ
بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لأَنَا أَغْيَرُ
مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى».
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن
عمير (عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال
مهملة وللمستملي زيادة كاتب المغيرة (عن المغيرة) بن شعبة
أنه (قال: قال سعد بن عبادة) الأنصاري -رضي الله عنه- (لو
رأيت رجلاً مع امرأتي) أي غير محرم لها (لضربته بالسيف غير
مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء بعدها حاء
مهملة غير ضارب بعرضه بل بحدّه للقتل والإهلاك (فبلغ ذلك)
الذي قاله سعد (النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أتعجبون من غيرة سعد) بفتح الغين المعجمة. قال في الصحاح:
مصدر قولك غار الرجل على أهله يغار غيرًا وغيرة وغارًا أو
ورجل غيور وغيران وجمع غيور غير وجمع غيران غيارى وغيارى
ورجل مغيار وقوم مغايير، وامرأة غيور ونسوة غير، وامرأة
غيرى ونسوة غيارى، وقال الكرماني: الغيرة المنع أي تمنع من
التعلق بأجنبي بنظر أو غيره، وقال في النهاية: الغيرة
الحمية والأنفة يقال رجل غيور وامرأة غيور بلا تاء مبالغة
كشكور لأن فعولاً يستوي فيه الذكر والأنثى
(لأنا أغير منه) بلام التأكيد (والله أغير مني) وغيرة الله
تعالى منعه عن المعاصي، وقد اختلف في حكم من رأى مع امرأته
رجلاً فقتله فقال الجمهور: عليه القود، وقال الإمام أحمد:
إن أقام بيّنة أنه وجده مع امرأته فدمه هدر، وقال إمامنا
الشافعي: يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبًا
وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل، ولكن لا يسقط عنه القود
في ظاهر الحكم، وقال الداوديّ الحديث دال على وجوب القود
فيمن قتل رجلاً وجده مع امرأته لأن الله عز وجل وإن كان
أغير من عباده فإنه أوجب الشهود في الحدود فلا يجوز لأحد
أن يتعدى حدود الله ولا يسقط الدم بدعوى. وقال ابن حبيب:
إن كان المقتول محصنًا فالذي ينجي قاتله من القتل أن يقيم
أربعة شهداء أنه فعل بامرأته وإن كان غير محصن فعلى قاتله
القود وإن أتى بأربعة شهداء.
والحديث سبق في أواخر النكاح في باب الغيرة.
41 - باب مَا جَاءَ فِى التَّعْرِيضِ
(باب ما جاء في التعريض) بالعين المهملة آخره ضاد معجمة
وهو ضد التصريح.
6847 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ أَعْرَابِىٌّ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِى وَلَدَتْ
غُلاَمًا أَسْوَدَ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟»
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ
قَالَ: «فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
«فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟» قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ
قَالَ: «فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جاءه أعرابي) اسمه ضمضم بن قتادة رواه عبد الغني بن سعيد
في المبهمات وابن فتحون من طريقه وأبو موسى في الذيل، وعند
أبي داود من رواية ابن وهب أن أعرابيًّا من فزارة وكذا عند
بقية أصحاب الكتب الستة (فقال: يا رسول الله إن امرأتي) لم
أقف على اسمها (ولدت غلامًا) لم أقف على اسمه أيضًا (أسود)
صفة لغلام وهو لا ينصرف للوزن والصفة أي وأنا أبيض، فكيف
يكون ابني فعرض بأن
(10/33)
أمه أتت به من الزنا (فقال) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(هل لك من إبل قال) الرجل: (نعم، قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما ألوانها؟) ما مبتدأ من أسماء
الاستفهام وألوانها الخبر (قال) الرجل ألوانها (حمر) جمع
أحمر وأفعل فعلاء لا يجمع إلا على فعل (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيها) ولأبي ذر هل فيها أي
جمل (أورق) لا ينصرف كأسود في لونه بياض إلى سواد من
الورقة وهو اللون الرمادي ومنه قيل للحمامة ورقاء، ولأبي
ذر عن الحموي من أورق بزيادة من في اسم كان الذي هو أورق
وزيدت هنا لتقدم الاستفهام الذي هو بمعنى النفي وصح ذلك
فيها كما صح في قوله تعالى: {أو لم يروا أن الله الذي خلق
السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر}
[الأحقاف: 33] قالوا الباء زائدة في خبر إن لتقدم معنى
النفي على الجملة (قال) الرجل (نعم) فيها أورق (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأنّى) بفتح الهمزة
والنون المشددة أي من أين (كان ذلك) اللون الأورق وأبواها
ليسا بهذا اللون (قال) الرجل (أراه) بضم الهمزة أي أظنه
(عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف أي أصل من
النسب ومنه فلان معرق في النسب والحسب، وفي المثل: العرق
نزّاع، والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجر (نزعه) بفتح النون
والزاي والعين جذبه إليه وقلبه، وأخرجه من لون أبويه
والمعنى أن ورقها إنما جاء لأنه كان في أصولها البعيدة ما
كان في هذا اللون (قال) عليه الصلاة والسلام (فلعل ابنك
هذا نزعه عرق).
قال الخطابي: وإنما سأله عن ألوان الإبل لأن الحيوانات
تجري طباع بعضها على مشاكلة بعض في اللون والخلقة وقد يندر
منها شيء لعارض فكذلك الآدمي يختلف بحسب نوادر الطباع
ونوازع العروق انتهى.
وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة
بل لا بدّ من تحقق وظهور دليل قويّ كأن لا يكون وطئها أو
أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها، واستدلّ به الشافعي
على أن التعريض بالقذف لا يعطى حكم التصريح فتبعه البخاري
حيث أورد هذا الحديث فليس التعريض قذفًا وإلاّ لما كان
تعريضًا. وقال المالكية: التعريض من غير الأب إذا أفهم
الرمي بالزنا أو اللواط أو نفي النسب كالتصريح في ترتب
الحدّ كقوله لمن يخاصمه: أما أنا فلست بزان أو لست بلائط
أو أبي معروف وهو ثمانون جلدة والحديث سبق في الطلاق.
42 - باب كَمِ التَّعْزِيرُ وَالأَدَبُ؟
هذا (باب) بالتنوين (كم التعزير والأدب) تنقسم كم إلى
استفهامية بمعنى أيّ عدد قليلاً كان أو كثيرًا وإلى خبرية
بمعنى عدد كثير والمراد هنا الأول والتعزير مصدر عزر. قال
في الصحاح: التعزير التأديب ومنه سمي الضرب دون الحدّ
تعزيرًا، وقال في المدارك: وأصل العزر المنع ومنه التعزير
لأنه منع من معاودة القبيح انتهى.
ومنه عزره القاضي أي أدّبه لئلا يعود إلى القبيح ويكون
بالقول والفعل بحسب ما يليق به، وأما الأدب فبمعنى التأديب
وهو أعمّ من التعزير لأن التعزير يكون بسبب المعصية بخلاف
الأدب ومنه تأديب الوالد وتأديب المعلم.
6848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى
حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ - رضى
الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ
جَلَدَاتٍ إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ».
[الحديث 6848 - طرفاه في: 6849، 6850].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي
حبيب) أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد (عن بكير بن عبد
الله) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن الأشج (عن سليمان بن
يسار) ضد اليمين (عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله)
الأنصاري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء هانئ بن
نيار بكسر النون وتخفيف التحتية الأوسي (-رضي الله عنه-)
أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(لا يجلد) بضم التحتية وسكون الجيم وفتح اللام جملة معمولة
للقول خبر بمعنى الأمر والفعل مبني لما لم يسم فاعله
والمفعول محذوف يدل عليه السياق أي لا يجلد أحد (فوق عشر
جلدات) بفتحات مصححًا عليه في الفرع كأصله (إلا في حدّ من
حدود الله). عز وجل والمجرور متعلق بيجلد فيكون الاستثناء
مفرغًا لأن ما قبل إلا عمل فيما بعدها ومن حدود الله متعلق
بصفة لحد والتقدير إلاّ في موجب حدّ من حدود الله تعالى.
قال في الفتح: ظاهره أن المراد بالحدّ ما ورد فيه
(10/34)
من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو
عقوبة مخصوصة والمتفق عليه من ذلك أصل الزنا والسرقة وشرب
المسكر والحرابة والقذف بالزنا والقتل والقصاص في النفس
والأطراف والقتل في الارتداد، واختلف في تسمية الأخيرين
حدًّا، واختلف في مدلول هذا الحديث فأخذ بظاهره الإمام
أحمد في المشهور عنه، وبعض الشافعية. وقال مالك والشافعي
وصاحبا أبي حنيفة: تجوز الزيادة على العشرة، ثم اختلفوا
فقال الشافعي لا يبلغ أدنى الحدود وهل الاعتبار بحدّ الحر
أو العبد؟ قولان: وقال الآخرون هو إلى رأي الإمام بالغًا
ما بلغ وأجابوا عن ظاهر الحديث بوجوه. منها الطعن فيه فإن
ابن المنذر ذكر في إسناده مقالاً، وقال الأصيلي اضطرب
إسناده فوجب تركه وتعقب بأن عبد الرحمن ثقة، وقد صرح
بسماعه في الرواية الآتية وإبهام الصحابي لا يضر، وقد اتفق
الشيخان على تصحيحه وهما العمدة في التصحيح، ومنها أن عمل
الصحابة بخلافه يقتضي نسخه، فقد كتب عمر إلى أبي موسى
الأشعري أن لا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطًا، وعن عثمان
ثلاثين وضرب عمر أكثر من الحدّ أو من مائة وأقره الصحابة.
وأجيب: بأنه لا يلزم في مثل ذلك النسخ. ومنها حمله على
واقعة عين بذنب معين أو رجل معين قاله الماوردي وفيه نظر.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود وكذا أبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة.
6849 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا
فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ
أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
جَابِرٍ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْرِ
ضَرَبَاتٍ، إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عليّ) بفتح العين وسكون الميم
الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم
الفاء وفتح المعجمة وسليمان بضم السين وفتح اللام النميري
الصيرفي البصري قال: (حدّثنا مسلم بن أبي مريم) السلمي
قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن جابر) الأنصاري
(عمن سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبهم
الصحابي وقد سماه حفص بن ميسرة وهو أوثق من فضيل بن سليمان
فيما أخرجه الإسماعيلي فقال عن مسلم بن أبي مريم عن عبد
الرحمن بن جابر عن أبيه، وقال الإسماعيلي: ورواه إسحاق بن
راهويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن مسلم بن أبي مريم عن
عبد الرحمن بن جابر عن رجل من الأنصار قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله: وهذا لا يعين أحد التفسيرين فإن كلاًّ من جابر
وأبي بردة أنصاري قال الإسماعيلي: لم يدخل الليث عن يزيد
بين عبد الرحمن وأبي بردة أحدًا وقد وافقه سعيد بن أبي
أيوب عن يزيد كذلك، وحاصل الاختلاف هل هو صحابي مبهم أو
مسمى الراجح الثاني ثم الراجح أنه أبو بردة بن نيار وهل
بين عبد الرحمن وأبي بردة واسطة وهو أبو جابر أو لا.
الراجح الثاني أيضًا أنه (قال):
(لا عقوبة فوق عشر ضربات) بسكون الشين وضربات بفتح الراء
(إلا في حدّ من حدود الله) عز وجل.
فائدة:
قال بعض المالكية في مؤدب الأطفال لا يزيد على ثلاث. قال
ابن دقيق العيد: وهذا تحديد يبعد إقامة الدليل المبين
عليه، ولعله أخذه من أن الثلاث اعتبرت في مواضع وفي ذلك
ضعف وقد يؤخذ هذا من حديث أول نزول الوحي فإن فيه أن جبريل
عليه السلام قال: اقرأ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "ما أنا بقارئ" فغطّه ثلاث مرات فأخذ منه أن
تنبيه المعلم للمتعلم لا يكون بأكثر من ثلاث.
6850 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا
حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، إِذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ جَابِرٍ، فَحَدَّثَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فَقَالَ:
حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الأَنْصَارِىَّ
قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ
أَسْوَاطٍ، إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الكوفي نزيل مصر قال:
(حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني)
بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (أن بكيرًا)
بضم الموحدة ابن عبد الله بن الأشجّ (حدّثه قال: بينما)
بالميم (أنا جالس عند سليمان بن يسار) ضد اليمين (إذ جاء
عبد الرحمن بن جابر فحدّث سليمان بن يسار) نصب على
المفعولية (ثم أقبل علينا سليمان بن يسار فقال: حدّثني)
بالإفراد (عبد الرحمن بن جابر أن أباه) جابر بن عبد الله
الأنصاري (حدّثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري) -رضي الله
عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(لا تجلدوا) بلفظ الجمع ولأبي الوقت لا يجلد مبنيًّا
للمفعول أحد (فوق عشرة أسواط) فوق ظرف وهو نعت لمصدر محذوف
أي جلدًا فوق عشرة مضاف إليه وأسواط جمع سوط أي فوق ضربات
سوط كما
(10/35)
تقول ضربته عشرة أسواط أي ضربات بسوط
فأقيمت الآلة مقام الضرب في ذلك، ومعنى الحديث بطرقه
الثلاثة واحد لكن ألفاظه مختلفة، ففي الأول عشر جلدات، وفي
الثاني عشر ضربات، وفي الثالث عشرة أسواط. (إلا في حدّ من
حدود الله) عز وجل.
6851 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوَاصِلُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَيُّكُمْ مِثْلِى إِنِّى أَبِيتُ
يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ» فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ
يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ
يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ فَقَالَ: «لَوْ
تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ بِهِمْ حِينَ
أَبَوْا.
تَابَعَهُ شُعَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَيُونُسُ
عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
خَالِدٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح
القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه
قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم أو
تنزيه أو ليس نهيًا بل إرشادًا راجعًا إلى مصلحة دنيوية
(عن الوصال) في الصوم فرضًا أو نفلاً وهو صوم يومين
فصاعدًا من غير أكل وشرب بينهما فإنه وصل الصوم بالصوم ولو
قلنا إنه بالليل يصير مفطرًا حكمًا (فقال له) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رجال من المسلمين) ولأبي ذر
عن الكشميهني رجل بالإفراد ولم يسم (فإنك يا رسول الله
تواصل، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أيكم مثلي) بكسر الميم وسكون المثلثة (إني أبيت يطعمني
ربي ويسقين) كذا بغير ياء بعد النون في الفرع كالمصحف
العثماني في سورة الشعراء وجملة يطعمني حالية أي يجعل فيه
قوة الطاعم والشارب أو هو على ظاهره بأن يطعم من طعام
الجنة ويسقى من شرابها والصحيح الأول لأنه لو كان حقيقة لم
يكن مواصلاً (فلما أبوا) امتنعوا (أن ينتهوا عن الوصال)
لظنهم أن النهي للتنزيه (واصل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بهم يومًا ثم يومًا) أي يومين ليبين لهم
الحكمة في ذلك (ثم رأوا الهلال فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لو تأخر) الشهر (لزدتكم) في الوصال
إلى أن تعجزوا عنه (كالمنكل بهم) بضم الميم وفتح النون
وكسر الكاف مشددة أي المعاقب لهم ولأبي ذر لهم باللام بدل
الموحدة (حين أبوا) امتنعوا عن الانتهاء عن الوصال.
وهذا موضع الترجمة وفيه كما قال المهلب أن التعزير موكول
إلى رأي الإمام لقوله: لو امتد الشهر لزدتكم فدلّ أن
للإمام أن يزيد على التعزير ما يراه لكن الحديث ورد في عدد
من الضرب متعلق بشيء محسوس، وهذا يتعلق بشيء متروك وهو
الإمساك عن المفطرات والألم فيه يرجع إلى التجويع والتعطيش
وتأثيرهما في الأشخاص متفاوت جدًّا، والظاهر أن الذين واصل
بهم كان لهم إقتدار على ذلك في الجملة فأشار إلى أن ذلك لو
تمادى حتى ينتهي إلى عجزهم عنه لكان هو المؤثر في زجرهم،
فيستفاد منه أن المراد من التعزير ما يحصل به الردع قاله
في الفتح.
قال في عمدة القارئ: والحديث بهذا الوجه من أفراده.
(تابعه) أي تابع عقيلاً (شعيب) هو ابن أبي حمزة فيما رواه
المؤلّف في باب التنكيل من كتاب الصيام (ويحيى بن سعيد)
الأنصاري فيما وصله الذهلي في الزهريات (ويونس) بن يزيد
فيما وصله مسلم الثلاثة في روايتهم (عن الزهري) محمد بن
مسلم (وقال عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر لهشام بن
عبد الملك بن مروان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سعيد)
بكسر العين ابن المسيب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فخالفهم عبد
الرحمن فقال: عن سعيد بن المسيب، وسيأتي الكلام على رواية
عبد الرحمن هذه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى بعون
الله وقوته.
6852 - حَدَّثَنِى عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِى
مَكَانِهِمْ حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عياش بن الوليد) بفتح العين
المهملة والتحتية المشددة وبعد الألف شين معجمة الرقام
البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي
قال: (حدّثنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة
ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن) أبيه (عبد
الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (أنهم كانوا يضربون) بضم
أوله وفتح ثالثه (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اشتروا طعامًا جزافًا) بكسر الجيم
وفتحها وضمها وفتح الزاي والكسر هو الذي في اليونينية فقط
أي من غير كيل ولا وزن والنصب
(10/36)
بتقدير شراء مجازفة أو على الحال (أن
يبيعوه) أي أن لا يبيعوه أو أن مصدرية أي يضربون لبيعهم
إياه (في مكانهم حتى يؤووه) حتى للغاية وأن مقدرة بعدها أي
إلى إيوائهم إياه (إلى رحالهم) أي منازلهم والمراد به
النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه وفيه جواز تأديب من خالف
الأمر الشرعي بتعاطي العقود الفاسدة ومشروعية إقامة
المحتسب في الأسواق قاله في فتح الباري.
والحديث سبق في البيوع.
6853 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى
عُرْوَةُ، عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا انْتَقَمَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ
مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
العتكي المروزي الحافظ أبو عبد الرحمن وعبدان لقبه قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس)
بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت: ما انتقم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ما عاقب أحدًا (لنفسه في شيء يؤتى إليه) بضم
التحتية وفتح الفوقية بل يعفو عنه كعفوه عن الذي جبذ
بردائه حتى أثر في كتفه الشريف (حتى ينتهك) بضم أوله وسكون
النون وفتح الفوقية والهاء أي يرتكب شيء (من حرمات الله)
عز وجل (فينتقم لله). لا لنفسه ممن ارتكب تلك الحرمة
وينتقم نصب عطف على المنصوب السابق.
والحديث مطابقته للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينتقم إذا انتهكت حرمة من حرم
الله إما بالضرب أو بغيره فهو داخل في باب التعزير
والتأديب، وسبق في صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأخرجه مسلم في الفضائل.
43 - باب مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ وَاللَّطْخَ
وَالتُّهَمَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ
(باب من أظهر الفاحشة) بأن يتعاطى ما يدل عليها عادة (و)
من أظهر (اللطخ) بفتح اللام وسكون الطاء المهملة بعدها خاء
معجمة قال الجوهري لطخه بكذا فتلطخ به أي لوّثه به فتلوّث
ولطخ فلان بشر أي رمي به (و) من أظهر (التهمة) بضم الفوقية
وفتح الهاء في الفرع وبسكونها (بغير بيّنة) ولا إقرار ما
حكمه؟.
6854 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ بْنُ عَبدِ اللهِ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ: شَهِدْتُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ
عَشْرَةَ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ زَوْجُهَا:
كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا. قَالَ: فَحَفِظْتُ
ذَاكَ مِنَ الزُّهْرِىِّ، إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا
فَهْوَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا كَأَنَّهُ
وَحَرَةٌ فَهُوَ، وَسَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ يَقُولُ:
جَاءَتْ بِهِ لِلَّذِى يُكْرَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني وثبت ابن عبد
الله لأبي ذر قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري)
محمد بن مسلم (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء في الأول والعين
في الثاني الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: شهدت
المتلاعنين) بفتح النون الأولى عويمر العجلاني وزوجته خولة
(وأنا ابن خمس عشرة) زاد أبو ذر سنة فذكر التمييز والواو
في وأنا للحال (فرّق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(بينهما فقال زوجها: كذبت عليها) يا رسول الله (إن
أمسكتها) فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطلاقها (قال) سفيان (فحفظت
ذاك) بغير لام المذكور بعد (من الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب (إن جاءت به) بالولد (كذا وكذا) أي أسود أعين ذا
إليتين (فهو) صادق عليها
(وإن جاءت به كذا وكذا) أحمر قصيرًا (كأنه وحرة) بفتح
الواو والحاء المهملة والراء دويبة كسام أبرص أو دويبة
حمراء تلصق بالأرض كالوزغة تقع في الطعام فتفسده فيقال
طعام وحر (فهو) كاذب ففيه الكناية والاكتفاء قال سفيان
(وسمعت الزهري يقول: جاءت به) أي بالولد (للذي يكره) بضم
أوله وفتح ثالثه وهو شبهه بمن رميت به.
والحديث سبق في الطلاق.
6855 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ
الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ:
هِىَ الَّتِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً
عَنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» قَالَ: لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ
أَعْلَنَتْ.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن
ذكوان (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق أنه
(قال: ذكر ابن عباس) -رضي الله عنهما- (المتلاعنين) بلفظ
التثنية (فقال عبد الله بن شداد) بالمعجمة والمهملتين
الأولى مشدّدة بينهما ألف الليثي (هي التي قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ولو كنت راجمًا امرأة عن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
من بالميم المكسورة بدل العين (غير بيّنة). لرجمتها. (قال)
ابن عباس (لا تلك امرأة أعلنت) بالفجور والحديث مر في
اللعان.
6856 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمَ، عَنِ الْقَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -
قَالَ: ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ
عَدِىٍّ: فِى ذَلِكَ قَوْلاً ثُمَّ انْصَرَفَ، وَأَتَاهُ
رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ
أَهْلِهِ فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلاَّ
لِقَوْلِى فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِى وَجَدَ
عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا
قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِى
ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ
خَدْلاً كَثِيرَ اللَّحْمِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ»
فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِى ذَكَرَ زَوْجُهَا
أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ
لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِى الْمَجْلِسِ: هِىَ الَّتِى قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ
رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، رَجَمْتُ هَذِهِ»
فَقَالَ: لاَ، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِى
الإِسْلاَمِ السُّوءَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الفهمي إمام المصريين قال: (حدّثنا) ولأبي
ذر: حدّثني بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبد
الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر
الصديق
(10/37)
كذا بإثبات قوله عن القاسم بن محمد في
رواية أبي ذر، وقال الحافظ ابن حجر: ووقع لبعضهم بإسقاط
القاسم بن محمد من السند وهو غلط وقد أسقطه العيني (عن ابن
عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: ذكر
التلاعن) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي المتلاعنان (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال عاصم بن عدي) بفتح العين المهملة
وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية العجلاني ثم البلوي (في
ذلك قولاً ثم انصرف فأتاه) أي أتى عاصمًا (رجل من قومه) هو
عويمر (يشكو أنه وجد مع أهله) امرأته (رجلاً) كذا لأبي ذر
بإثبات المفعول ولغيره بحذفه (فقال عاصم: ما ابتليت) بضم
الفوقية الأولى مبنيًّا للمفعول من الابتلاء (بهذا إلا
لقولي فذهب) عاصم (به) بالرجل الذي شكا له (إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي وجد
عليه امرأته وكان ذك الرجل مصفرًا) لونه (قليل اللحم سبط
العشر) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة وكسرها وصحح عليه
في الفرع كأصله نقيض الجعد (وكان الذي ادعى عليه أنه وجده
عند أهله آدم) بمد الهمزة اسمر شديد السمرة (خدلاً) بفتح
الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وللأصيلي خدلاً بكسرها
مع تخفيف اللام فيهما ممتلئ الساق غليظه (كثير اللحم، فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اللهم بيّن فوضعت) ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها
أنه وجده عندها فلاعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بينهما فقال رجل) هو عبد الله بن شداد (لابن
عباس في المجلس) مستفهمًا (هي) المرأة (التي قال النبي)
ولأبوي ذر والوقت قال رسول الله: (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو رجمت أحدًا بغير بيّنة رجمت هذه؟
فقال) ابن عباس (لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء)
لأنه لم يقم عليها البيّنة بذلك ولا اعترفت فدلّ على أن
الحد لا يجب بالاستفاضة قال في الفتح ولم أعرف اسم هذه
المرأة وكأنهم تعمدوا إبهامها سترًا عليها وعند ابن ماجة
بسند صحيح من حديث ابن عباس لو كنت راجمًا أحدًا بغير
بيّنة لرجمت فلانة فقد ظهر فيها الريبة في منطقها وهيئتها
ومن يدخل عليها.
44 - باب رَمْىِ الْمُحْصَنَاتِ
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً
أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ
الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور الآيتان: 4 - 5]
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] [النور: 6]
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا} [النور: 4] الآية.
(باب) حكم (رمي المحصنات) أي قذف الحرائر العفيفات (وقول
الله عز وجل: ({والذين يرمون المحصنات}) يقذفون بالزنا
الحرائر العفيفات المسلمات المكلفات والقذف يكون بالزنا
وبغيره والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقولوا يا زانية لذكر
المحصنات عقب الزواني ولاشتراط أربعة شهداء بقوله: ({ثم لم
يأتوا بأربعة شهداء}) على زناهن برؤيتهم ({فاجلدوهم}) أي
كل واحد منهم ({ثمانين جلدة}) إن كان القاذف حرًّا ونصب
ثمانين نصب المصادر وجلدة على التمييز ({ولا
تقبلوا لهم شهادة}) في شيء ({أبدًا}) ما لم يتب وعند أبي
حنيفة إلى آخر عمره ({وأولئك هم الفاسقون}) لإتيانهم كبيرة
({إلا الذين تابوا}) عن القذف ({من بعد ذلك وأصلحوا})
أعمالهم ({فإن الله غفور}) لهم قذفهم ({رحيم}) [النور: 4،
5] بهم بإلهامهم التوبة فيها ينتهي فسقهم وتقبل شهادتهم،
وسقط لأبي ذر من قوله: ({ثمانين جلدة}) إلى آخره وقال بعد
قوله: ({فاجلدوهم}) الآية. ({إن الذين يرمون}) بالزنا
({المحصنات}) العفائف ({الغافلات}) السليمات الصدور
النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم
يجربن الأمور ({المؤمنات}) بما يجب الإيمان به ({لعنوا في
الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}) [النور: 23] جعل القذفة
ملعونين في الدارين وتوعدهم بالعذاب الأليم العظيم في
الآخرة إن لم يتوبوا وقيل مخصوص بمن قذف أزواجه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لأبي ذر من قوله لعنوا
إلى آخر الآية وقال بعد المؤمنات الآية.
(وقول الله) تعالى: {والذين يرمون أزواجهم}) بالزنا ({ثم
لم يأتوا} الآية}). قال الحافظ أبو ذر الهروي: كذا وقع في
البخاري ثم لم والتلاوة ({ولم يكن}) وهذا ثابت في رواية
أبي ذر.
6857 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْتَنِبُوا
السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ،
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ
بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ
الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن
ثور بن زيد) بالمثلثة المدني (عن أبي الغيث) بالمعجمة
والمثلثة سالم مولى ابن مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه- (عن النبي
(10/38)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(اجتنبوا السبع الموبقات) بضم الميم وسكون الواو وكسر
الموحدة بعدها قاف فألف ففوقية المهلكات وسميت بذلك لأنها
سبب لإهلاك مرتكبها قاله المهلب والمراد بها الكبائر
(قالوا: يا رسول الله وما هن؟) الموبقات (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هن (الشرك بالله) بأن تتخذ
معه إلهًا غيره (والسحر) بكسر السين وسكون المهملتين وهو
أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة والذي عليه الجمهور أن
له حقيقة تؤثر بحيث تغير المزاج (وقتل النفسى التي حرم
الله) قتلها (إلا بالحق) كالقصاص والقتل على الردة والرجم
(وأكل الربا) وهو في اللغة الزيادة (وأكل مال اليتيم) بغير
حق (والتولي يوم الزحف) أي الإعراض والفرار يوم القتال في
الجهاد (وقذف المحصنات) بفتح الصاد جمع محصنة مفعولة أي
التي أحصنها الله من الزنا وبكسرها اسم فاعلة أي التي حفظت
فرجها من الزنا (المؤمنات) فخرج الكافرات (الغافلات)
بالغين المعجمة والفاء كناية عن البريئات لأن البريء غافل
عما بهت به من الزنا والتنصيص على عدد لا ينفي غيره، إذ
ورد في أحاديث أخر كاليمين الفاجرة
وعقوق الوالدين والإلحاد في المحرم والتعرب بعد الهجرة
وشرب الخمر وقول الزور والغلول والأمن من مكر الله والقنوط
من رحمة الله واليأس من روح الله والسرقة وترك التنزه. من
البول وشتم أبي بكر وعمر والنميمة ونكث العهد والصفقة
وفراق الجماعة.
واختلف في حدّ الكبيرة فقيل: كل ما أوجب الحد من المعاصي،
وقيل: ما توعد عليه بنص الكتاب أو السنة. وقال الشيخ عز
الدّين بن عبد السلام: لم أقف على ضابط للكبيرة يعني يسلم
من الاعتراض والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها إشعار
أصغر الكبائر المنصوص عليها. قال: وضبطها بعضهم بكل ذنب
قرن به وعيد أو لعن، وقال ابن الصلاح: لها أمارات منها
إيجاب الحد، ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في
الكتاب والسنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق، ومنها اللعن.
وقال أبو العباس القرطبي: كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو
سنة أو إجماع أنه كبيرة أو عظيم أو أخبر فيه بشدة العقاب
أو علق عليه الحد أو شدة النكير عليه فهو كبيرة. وقال ابن
عبد السلام أيضًا: إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر
والكبائر فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص
عليها فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر وإن
ساوت أدنى مفاسد الكبائر فهي من الكبائر، فحكم القاضي بغير
الحق كبيرة فإن شاهد الزور متسبب متوسل فإذا جعل السبب
كبيرة فالمباشرة أكبر من تلك الكبيرة، فلو شهد اثنان
بالزور على قتل موجب للقصاص فسلمه الحاكم إلى الوليّ فقتله
وكلهم عالمون بأنهم باطلون فشهادة الزور كبيرة والحكم بها
أكبر منها ومباشرة القتل أكبر من الحكم.
وحديث الباب سبق في الوصايا والطب.
45 - باب قَذْفِ الْعَبِيدِ
(باب) حكم (قذف العبيد) الأرقاء والإضافة فيه إلى المفعول
وطوي ذكر الفاعل أو إلى الفاعل.
6858 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى
نُعْمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهْوَ
بَرِىءٌ مِمَّا قَالَ: جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ
أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن
سعيد) القطان (عن فضيل بن غزوان) بضم الفاء وفتح المعجمة
في الأوّل وبفتح المعجمة وسكون الزاي وبعد الواو المفتوحة
ألف فنون في الثاني الضبي مولاهم (عن ابن أبي نعم) بضم
النون وسكون العين المهملة عبد الرحمن البجلي الزاهد (عن
أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت أبا القاسم
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من قذف مملوكه) وعند الإسماعيلي من قذف عبده بشيء (وهو)
أي والحال أنه (بريء مما
قال) سيده عنه (جلد) السيد (يوم القيامة) يوم الجزاء عند
زوال ملك السيد المجازي وانفراد الباري تعالى بالملك
الحقيقي والتكافؤ في الحدود ولا مفاضلة حينئذٍ إلا بالتقوى
(إلا أن يكون) المملوك (كما قال) السيد عنه فلا يجلد، وعند
النسائي من حديث ابن عمر: من قذف مملوكه كان لله في ظهره
حدّ يوم القيامة إن شاء أخذه إن شاء عفا عنه، وظاهره أنه
لا حدّ على السيد في الدنيا إذ لو وجب عليه لذكره.
وهذا الحديث
(10/39)
أخرجه مسلم في الأيمان والنذور وأبو داود في الأدب
والترمذي في البر والنسائي في الرجم.
46 - باب هَلْ يَأْمُرُ الإِمَامُ رَجُلاً فَيَضْرِبُ
الْحَدَّ غَائِبًا عَنْهُ وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ
هذا (باب) بالتنوين (هل يأمر الإمام رجلاً فيضرب الحد)
رجلاً وجب عليه الحدّ حال كونه (غائبًا عنه) عن الإمام بأن
يقول له اذهب إلى فلان الغائب فأقم عليه الحدّ (وقد فعله
عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- أخرجه سعيد بن منصور بسند
صحيح عنه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وفعله عمر بإسقاط
قد، وقال في الفتح: ثبت هذا الأثر في رواية الكشميهني.
6859 - 6860 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ
قَالاَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ
قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ
وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا
بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«قُلْ» فَقَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا فِى أَهْلِ
هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ
بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، وَإِنِّى سَأَلْتُ رِجَالاً
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى
جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ
هَذَا الرَّجْمَ فَقَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ
لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْمِائَةُ
وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَيَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى
امْرَأَةِ هَذَا فَسَلْهَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ
فَارْجُمْهَا» فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي قال:
(حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن
عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن
أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) -رضي الله عنهما- أنهما
(قالا: جاء رجل) من الإعراب لم يسم (إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (أنشدك
الله) فعل ومفعول ونصب الجلالة بإسقاط الخافض أي أقسم عليك
بالله (إلا قضيت بيننا بكتاب الله) الجملة من قضيت في محل
الحال وشرط الفعل الواقع حالاً بعد إلا أن يكون مقترنًا
بقد أو يتقدم إلا فعل منفي كقوله تعالى: {وما تأتيهم من
آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} [الأنعام: 4]
ولما لم يأت هنا شرط الحال. قال ابن مالك: التقدير ما
أسألك إلا فعلك فهي في معنى كلام آخر. قال ابن الأثير:
المعنى أسألك
وأقسم عليك أن ترفع نشيدتي أو صوتي بأن تلبي دعوتي
وتجيبني. وقال ابن مالك في شواهد التوضيح: التقدير ما
نشدتك إلا الفعل وبتقدير ابن مالك هنا وفي التسهيل يحصل
شرط الحال بعد إلا، وقوله بكتاب الله أي بحكم الله (فقام
خصمه) لم يسم (وكان أفقه منه) جملة معترضة لا محل لها من
الإعراب (فقال: صدق) يا رسول الله (اقض بيننا بكتاب الله
وأذن لي يا رسول الله) أن أقول (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قل) ما في نفسك أو ما عندك (فقال: إن ابني كان عسيفًا)
بالعين والسين المهملتين وبالفاء أجيرًا (في) خدمة (أهل
هذا فزنى بامرأته) معطوف على كان عسيفًا (فافتديت منه
بمائة شاة وخادم وإني سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني
أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإن على امرأة هذا الرجم
فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي
نفسي بيده) أي وحق الذي نفسي بيده فالذي مع صلته وعائده
مقسم به ونفسي مبتدأ وبيده في محل الخبر وبه يتعلق حرف
الجر وجواب القسم قوله: (لأقضين بينكما بكتاب الله) أي بما
تضمنه كتاب الله أو بحكم الله وهو أولى لأن الحكم فيه
التغريب والتغريب ليس مذكورًا في القرآن (المائة) شاة
(والخادم ردّ) أي مردود (عليك وعلى ابنك جلد مائة) جلد
مبتدأ والخبر في المجرور (وتغريب عام) مصدر غرب وهو مضاف
إلى ظرفه لأن التقدير أن يجلد مائة وأن يغرب عامًا وليس هو
ظرفًا على ظاهره مقدّرًا بفي لأنه ليس المراد التغريب فيه
حتى يقع في جزء منه بل المراد أن يخرج فيلبث عامًا فيقدّر
يغرب بيغيب أي يغيب عامًا (ويا أنيس) هو رجل من أسلم (اغدُ
على امرأة هذا) اذهب إليها متأمرًا عليها وحاكمًا عليها
واغد مضمن معنى اذهب لأنهم يستعملون الرواح والغدو بمعنى
الذهاب يقولون رحت إلى فلان وغدوت إلى فلان فيعدونها بإلى
بمعنى الذهاب، فيحتمل أن يكون أتى بعلى لفائدة الاستعلاء
(فسلها) بفتح السين وسكون اللام بلا همز هل تعفو عن الرجل
فيما ذكر عنها من القذف أو لا (فإن اعترفت) بالزنا
(فارجمها) فذهب أنيس إليها (فاعترفت) بالزنا (فرجمها) بعد
أن راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بما
له من التأمر عليها والحكم من قبله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما خص أنيسًا لأنه أسلميّ والمرأة
أسلمية والحديث سبق. |