شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
87 - كتاب الدّيات
(كتاب الدّيات) بتخفيف التحتية جمع دية وهي المال الواجب
بالجناية على الحرّ في نفس أو فيما دونها وهاؤها عوض عن
فاء الكلمة وهي مأخوذة من الودي وهو دفع الدّية يقال وديت
القتيل أديه وديًا (وقول الله تعالى): بالرفع قال في الفتح
سقطت
(10/40)
الواو لأبي ذر والنسفيّ اهـ.
قلت والذي في الفرع كأصله علامة أبي ذر على الواو من غير
علامة السقوط وفي مثلها يشير إلى ثبوتها عند من رقم
علامته.
1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:
93]
({ومن يقتل مومنًا متعمدًا}) حال من ضمير القاتل أي قاصدًا
قتله لإيمانه وهو كفر أو قتله مستحلاً لقتله وهو كفر أيضًا
({فجزاؤه جهنم}) [النساء: 93] إن جازاه والخلود المذكور
بعد المراد به طول المقام.
6861 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ
أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ
نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ:
«ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»
قَالَ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِىَ
بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى
حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثامًا} [الفرقان: 68].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الضبي القاضي (عن
الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن
سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) بفتح العين وسكون الميم في الأول
وضم المعجمة وفتح الراء
وسكون المهملة وكسر الموحدة آخره لام الهمداني الكوفي أنه
(قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال رجل: يا
رسول الله) هو عبد الله بن مسعود كما في باب إثم الزناة
بلفظ عن عبد الله قال قلت: يا رسول الله (أي الذنب أكبر
عند الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أن تدعو لله ندًّا) بكسر النون وتشديد المهملة مثلاً
وشريكًا (وهو) أي والحال أنه (خلقك قال) ابن مسعود (ثم
أيّ؟) قال الزركشي بالتنوين والتشديد على رأي ابن الخشاب
قال في المصابيح: بل وعلى قول كل ذي فطرة سليمة وقد سبق
الردّ على من أوجب الوقف عليه بالسكون ولم يجز تنوينه بما
فيه مقنع في كتاب الصلاة أي أيّ شيء أكبر من الذنوب بعد
الكفر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم أن
تقتل ولدك أن) ولأبي ذر عن الكشميهني خشية أن (يطعم معك)
لأنك لا ترى الرزق من الله وقول الكرماني لا مفهوم له لأن
القتل مطلقًا أعظم تعقبه في الفتح بأن لا يمتنع أن يكون
الذنب أعظم من غيره وبعض أفراده أعظم من بعض (قال) ابن
مسعود: يا رسول الله (ثم أيّ؟) كذا في اليونينية وسبق
توجيهه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم إن
تزاني بحليلة) بالموحدة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر
حليلة (جارك) بالحاء المهملة أي زوجة جارك (فأنزل الله عز
وجل تصديقها) أي تصديق المسألة أو الأحكام أو الواقعة
وتصديقها مفعول له: ({والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر
ولا يقتلون النفس التي حرم الله}) قتلها ({إلا بالحق})
متعلق بالفعل المحذوف أو بلا يقتلون ({ولا يزنون ومن يفعل
ذلك}) أي ما ذكر من الثلاثة ({يلق أثامًا}) [الفرقان: 68]
أي عقوبة، وسقط لابن عساكر من قوله: ({ولا يزنون وقال بعد
{إلا بالحق} الآية. ولأبي ذر {ولا يزنون} الآية وثبت {يلق
أثامًا} للأصيلي ولغير من ذكر بعد قوله: {ومن يفعل ذلك}
الآية.
6862 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ
أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ
دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا». [الحديث: 6862
- طرفه في: 6863].
وبه قال: (حدّثنا عليّ) غير منسوب وهو ابن الجعد الجوهري
الحافظ وليس هو ابن المديني لأنه لم يدرك إسحاق بن سعيد
قال: (حدّثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن
أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لن يزال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا يزال (المؤمن
في فسحة) بضم الفاء وسكون السين وفتح الحاء المهملتين أي
سعة (من دينه) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية بعدها نون
من الدين (ما لم يصب دمًا حرامًا) بأن يقتل نفسًا بغير حق
فإنه يضيق عليه دينه لما أوعد الله على القتل عمدًا بغير
حق بما توعد به الكافر.
وفي معجم الطبراني الكبير من حديث ابن مسعود بسند رجاله
ثقات إلا أن فيه انقطاعًا مثل حديث ابن عمر موقوفًا، وزاد
في آخره: فإذا أصاب دمًا حرامًا نزع منه الحياء، ولأبي ذر
عن
الكشميهني: لن يزال المؤمن في فسحة من ذنبه بذال معجمة
مفتوحة فنون ساكنة بعدها موحدة أي يصير في ضيق بسبب ذنبه
لاستبعاده العفو عنه لاستمراره في الضيق المذكور والفسحة
في الذنب قبوله للغفران بالتوبة، فإذا وقع القتل ارتفع
القبول قاله ابن العربي. قال في الفتح: وحاصله أنه فسره
على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل انتهى.
والحديث من أفراده.
6863 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ
الَّتِى لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا
سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (أحمد بن
يعقوب) المسعودي الكوفي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا
(إسحاق) ولأبي ذر والأصيلي وابن
(10/41)
عساكر إسحاق بن سعيد قال: (سمعت أبي) سعيد
بن عمرو بن سعيد بن العاص (يحدث عن عبد الله بن عمر) -رضي
الله عنه- موقوفًا (قال: إن من ورطات الأمور) بفتح الواو
وسكون الراء من ورطات مصححًا عليه في الفرع كأصله وقال ابن
مالك صوابه تحريكها مثل تمرة وتمرات وركعة وركعات وهي جمع
ورطة بسكون الراء وهي (التي لا مخرج) بفتح الميم والراء
بينهما معجمة آخره جيم (لمن أوقع نفسه فيها) بل يهلك فلا
ينجو (سفك الدم) نصب بأن أي إراقة الدم (الحرام بغير حله)
أي بغير حق من الحقوق المحلة للسفك، وقوله: بغير حله بعد
قوله الحرام للتأكيد والمراد بالسفك القتل بأيّ صفة كانت
لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبر به، وفي الترمذي وقال
حسن عن عبد الله بن عمر وزوال الدنيا كلها أهون عند الله
من قتل رجل مسلم.
6864 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِى
الدِّمَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام
العبسي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي
وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-
أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أول) بالرفع مبتدأ (ما يقضى) بضم أوّله وفتح الضاد
المعجمة مبنيًّا للمفعول في محل الصفة وما نكرة موصوفة
والعائد الضمير في يقضي أي أول قضاء يقضى (بين الناس) أي
يوم القيامة كما في مسلم (في الدماء). قال ابن فرحون: في
الدماء في محل رفع خبر عن أول فيتعلق حرف الجر بالاستقرار
المقدّر فيكون التقدير أول قضاء يقضى كائن أو مستقر في
الدماء قال: ولا يصح أن يكون يوم في محل الخبر لأن التقدير
يصير أوّل قضاء يقضى كائن يوم القيامة لعدم الفائدة فيه
ولا منافاة بين قوله هنا أول ما يقضى في الدماء وبين قوله
في حديث النسائي عن أبي هريرة
مرفوعًا: أول ما يحاسب به العبد الصلاة، لأن حديث الباب
فيما بينه وبين غيره من العباد والآخر فيما بينه وبين ربه
تعالى.
6865 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا
عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِىٍّ
حَدَّثَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِىَّ
حَلِيفَ بَنِى زُهْرَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَقِيتُ كَافِرًا
فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ يَدِى بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا،
ثُمَّ لاَذَ بِشَجَرَةٍ وَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ
آقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقْتُلْهُ»
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ طَرَحَ إِحْدَى
يَدَىَّ ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ مَا قَطَعَهَا أَأَقْتُلُهُ
قَالَ: «لاَ تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ
بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ
بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِى
قَالَ:».
وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ: عَنْ سَعِيدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمِقْدَادِ «إِذَا كَانَ رَجُلٌ
مُؤْمِنٌ يُخْفِى إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ
فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ فَكَذَلِكَ كُنْتَ
أَنْتَ تُخْفِى إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
بن أبي روّاد العتكي المروزي الحافظ قال: (حدّثنا) ولأبي
ذر أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر: أخبرنا (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد
بن مسلم أنه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (عطاء
بن يزيد) الليثي (أن عبيد الله) يضم العين (ابن عديّ) بفتح
العين وكسر الدال المهملتين آخره تحتية مشددة ابن الخيار
بكسر المعجمة وتخفيف التحتية النوفلي (حدّثه أن المقداد بن
عمرو) بفتح العين (الكندي) المعروف بابن الأسود (حليف بني
زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء (حدّثه وكان) المقداد -رضي
الله عنه- (شهد بدرًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه قال: يا رسول الله أن) حرف شرط (لقيت
كافرًا) ولأبي ذر والأصيلي أني بصيغة الإخبار عن الماضي
فيكون سؤاله عن شيء وقع قالوا والذي في نفس الأمر بخلافه
وإنما سأل عن حكم ذلك إذا وقع ويؤيده رواية غزوة بدر بلفظ
أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار (فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف
فقطعها ثم لاذ) بمعجمة أي التجأ (بشجرة) مثلاً ولأبي ذر عن
الكشميهني ثم لاذ مني بشجرة أي منع نفسه مني بها (وقال:
أسلمت لله) أي دخلت في الإسلام (أأقتله بعد أن قالها؟) أي
كلمة أسلمت لله (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا تقتله) بالجزم بعد أن قالها (قال: يا رسول الله فإنه
طرح) أي قطع بالسيف (إحدى يدي) بتشديد الياء (ثم قال ذلك)
القول وهو أسلمت لله (بعدما قطعها أأقتله؟) بهمزة
الاستفهام كالسابق (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تقتله
فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) قال الكرماني فيما
نقله عنه في الفتح: القتل ليس سببًا لكون كل منهما بمنزلة
الآخر لكنه مؤوّل عند النجاة بالإخبار أي هو سبب لإخباري
لك بذلك وعند البيانيين المراد لازمه كقوله يباح دمك إن
عصيت
والمعنى أنه بإسلامه معصوم الدم فلا تقطع يده بيدك التي
قطعها في حال كفره (وأنت بمنزلته
(10/42)
قبل أن يقول كلمته) أسلمت لله (التي
قالها)، والمعنى كما قاله الخطابي إن الكافر مباح الدم
بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصون الدم كالمسلم
فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحًا بحق القصاص
كالكافر بحق الدين، وليس المراد إلحاقه به في الكفر كما
تقول الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة، وحاصله اتحاد
المنزلتين مع اختلاف المأخذ فالأول أنه مثلك في صون الدم،
والثاني أنك مثله في الهدر، وقيل معناه أنه مغفور له
بشهادة التوحيد كما أنك مغفور لك بشهود بدر، وفي مسلم من
رواية معمر عن الزهري في هذا الحديث أنه قال: لا إله إلا
الله.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الأيمان وأبو داود في الجهاد
والنسائي في السير.
(وقال حبيب بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم القصاب
الكوفي لا يعرف اسم أبيه (عن سعيد) بكسر العين ابن جبير
(عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمقداد) المعروف
بابن الأسود:
(إذا كان رجل مؤمن) ولأبي ذر عن الكشميهني رجل ممن (يخفي
إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته) قال في الكواكب
فإن قلت: كيف يقطع يده وهو ممن يكتم إيمانه؟ وأجاب: بأنه
فعل ذلك دفعًا للصائل قال أو السؤال كأنه على سبيل الفرض
والتمثيل لا سيما وفي بعضها إن لقيت بحرف الشرط (فكذلك كنت
أنت تخفي إيمانك بمكة قبل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
من قبل.
وهذا التعليق وصله البزار والطبراني في الكبير.
2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا}
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلاَّ
بِحَقٍّ حَيِىَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا
(باب قول الله تعالى) سقط ما بعد الباب لأبي ذر ({ومن
أحياها} قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- معناها فيما وصله
ابن أبي حاتم (من حرم قتلها إلا بحق) من قصاص ({فكأنما
أحيا الناس جميعًا}) [المائدة: 32] لسلامتهم منه ولغير
الأصيلي وأبي ذر عن المستملي حيي الناس منه جميعًا،
والمراد من هذه الآية قوله: {من قتل نفسًا بغير نفس أو
فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا} [المائدة: 32] كما
يدل عليه ما في أول حديث الباب من قوله: إلا كان على ابن
آدم الأوّل كفل منها وفيها تغليظ أمر القتل والمبالغة في
الزجر عنه من جهة أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في
استيجاب غضب الله وعقابه. وقال الحسن: المعنى أن قاتل
النفس الواحدة يصير إلى النار كما لو قتل الناس جميعًا.
وقال في المدارك: ومن أحياها ومن استنقذها من بعض أسباب
الهلكة من قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك وجعل قتل
الواحد كقتل الجميع وكذلك الإحياء ترغيبًا وترهيبًا لأن
المتعرض لقتل النفس إذا تصوّر أن قتلها كقتل
الناس جميعًا عظم ذلك عليه فثبطه وكذا الذي أراد إحياءها
إذا تصور أن حكمه حكم إحياء جميع الناس رغب في ذلك.
6867 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ
مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ
الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا».
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وفتح
الصاد المهملة ابن عقبة أبو عامر السوائي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله
بن مرة) بضم الميم وفتح الراء مشددة الخارفي بالخاء
المعجمة والراء والفاء المكسورتين الكوفي (عن مسروق) هو
ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (عن عبد الله) بن مسعود
(-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تقتل نفس) أي ظلمًا كما في رواية حفص بن غياث (إلا كان
على ابن آدم الأول) قابيل (كفل) بكسر الكاف وسكون الفاء
نصيب (منها) زاد في الاعتصام: وربما قال سفيان من دمها
وزاد في آخره لأنه أول من سن القتل.
والحديث سبق في خلق آدم وأخرجه مسلم في الحدود.
6868 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَخْبَرَنِى عَنْ
أَبِيهِ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال واقد بن عبد الله):
بالقاف نسبه أبو الوليد شيخ المؤلّف لجده فقول أبي ذر وقع
هنا واقد بن عبد الله والصواب واقد بن محمد بن زيد بن عبد
الله بن عمر هو كذلك لكن لما وقع وجه وهو نسبته لجده ووقع
للمصنف في الأدب من رواية خالد بن الحارث عن شعبة فقال عن
واقد بن محمد (أخبرني) بالإفراد (عن أبيه) محمد بن زيد
وهذا من تقديم الاسم على الصيغة والتقدير حدّثنا شعبة
أخبرني واقد بن عبد الله عن أبيه محمد أنه (سع عبد الله بن
عمر)
(10/43)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) في حجة الوداع عند جمرة
العقبة واجتماع الناس للرمي وغيره:
(لا ترجعوا بعدي) لا تصيروا بعد موقفي أو موتي (كفارًا
يضرب بعضكم رقاب بعض) مستحلين لذلك أو لا تكن أفعالكم
شبيهة بأفعال الكفار في ضرب رقاب المسلمين أو المراد الزجر
عن الفعل وليس ظاهره مرادًا وقوله يضرب بالرفع على
الاستئناف بيانًا لقوله لا ترجعوا أو حالاً من ضمير لا
ترجعوا أو صفة ويجوز جزمه بتقدير شرط أي فإن ترجعوا يضرب.
والحديث سبق في العلم ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله
وقوّته في كتاب الفتن.
6869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ
مُدْرِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو
بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَجَّةِ
الْوَدَاعِ اسْتَنْصِتِ النَّاسَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى
كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». رَوَاهُ
أَبُو بَكْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة
ابن عثمان أبو بكر العبدي مولاهم الحافظ بندار قال:
(حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج
(عن عليّ بن مدرك) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء
النخعي الكوفي أنه (قال: سمعت أبا زرعة) هرمًا بفتح الهاء
وكسر الراء (ابن عمرو بن جرير عن) جده (جرير) بفتح الجيم
بن عبد الله أسلم في رمضان سنة عشر -رضي الله عنه- أنه
(قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في حجة الوداع):
(استنصت الناس) أي اطلب منهم الإنصات ليسمعوا الخطبة ثم
قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن أنصتوا
(لا ترجعوا بعدي كفارًا) أي كالكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض)
فيه استعمال رجع كصار معنى وعملاً قال ابن مالك -رحمه
الله- وهو مما خفي على أكثر النحويين (رواه) أي قوله في
الحديث لا ترجعوا بعدي كفارًا (أبو بكرة) نفيع الثقفي
الصحابي -رضي الله عنه- فيما سبق مطوّلاً في الحج (وابن
عباس) -رضي الله عنهما- فيما سبق أيضًا في الحج كلاهما (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
6870 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - أَوْ قَالَ- الْيَمِينُ
الْغَمُوسُ» شَكَّ شُعْبَةُ، وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: «الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،
وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -أَوْ
قَالَ- وَقَتْلُ النَّفْسِ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف
بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن فراس) بفاء مكسورة
فراء بعدها ألف فسين مهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء
المعجمة وبعد الألف راء ففاء (عن الشعبي) بفتح الشين
المعجمة وسكون العين المهملة بعدها موحدة مكسورة عامر (عن
عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنهما-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال): ولأبي ذر عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وللأصيلي قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(الكبائر) وهي كل ما توعد عليه بعقاب (الإشراك بالله) أي
اتخاذ الله غيره تعالى (وعقوق الوالدين) بعصيان أمرهما
وترك خدمتهما (أو قال: اليمين الغموس) بفتح الغين المعجمة
وهو الحلف على ماض متعمدًا للكذب أو أن يحلف كاذبًا ليذهب
بمال غيره وسمي غموسًا لأنه يغمس
صاحبه في الإثم أو النار أو الكفارة (شك شعبة) بن الحجاج
وفي الأيمان والنذور واليمين الغموس بالواو من غير شك.
(وقال معاذ) بضم الميم آخره ذال معجمة ابن معاذ أيضًا
العنبري (حدّثنا شعبة) بن الحجاج فيما وصله الإسماعيلي
(قال: الكبائر) هي (الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق
الوالدين أو قال وقتل النفس). بدل عقوق الوالدين شك شعبة
أيضًا، وجوّز الكرماني أن يكون هذا التعليق من مقول ابن
بشار فيكون موصولاً.
6871 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ سَمِعَ أَنَسًا - رضى
الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَبَائِرُ» وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ
الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ -أَوْ قَالَ-
وَشَهَادَةُ الزُّورِ».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج أبو يعقوب
المروزي قال: (حدّثنا ولأبي ذر أخبرنا (عبد الصمد) بن عبد
الوارث العنبري البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال:
(حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر) أي ابن أنس
أنه (سمع) جده (أنسًا) ولأبي ذر أنس بن مالك (-رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(الكبائر) قال البخاري بالسند إليه: (وحدّثنا) بالجمع
ولأبي ذر حدّثني (عمرو) بفتح العين زاد أبو ذر وهو ابن
مرزوق قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (عن
ابن أبي بكر) هو عبيد الله (عن) جده (أنس بن مالك) -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس) بغير
حق (وعقوق الوالدين وقول الزور -أو قال- وشهادة الزور)
بالشك من الراوي وفي الحديث دلالة على انقسام
(10/44)
الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر ويؤخذ منه
ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها، ولا
يلزم من كون هذه المذكورات أكبر الكبائر استواء رتبتها في
نفسها فالإشراك أكبر الذنوب ولا يقال كيف عدّ الكبائر
أربعًا أو خمسًا وهي أكثر لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم يتعرض للحصر بل ذكر -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كل مجلس ما أوحي إليه أو سنح له
باقتضاء حال السائل وتفاوت الأوقات.
والحديث سبق في الشهادات والأدب وأخرجه مسلم في الأيمان
والترمذي في البيوع والتفسير والنسائي في القضاء والتفسير
والقصاص.
6872 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، حَدَّثَنَا أَبُو
ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ - رضى الله عنهما - يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ: فَصَبَّحْنَا
الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ قَالَ: وَلَحِقْتُ أَنَا
وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، قَالَ:
فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِىُّ فَطَعَنْتُهُ
بِرُمْحِى حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا
بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ لِى: «يَا أُسَامَةُ
أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا
كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ
قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» قَالَ: فَمَا زَالَ
يُكَرِّرُهَا عَلَىَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ
أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم
وزرارة بضم الزاي وفتح الراءين بينهما ألف مخففًا ابن واقد
الكلابي النيسابوري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي
أخبرنا (هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم
الموحدة وفتح المعجمة الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر
والأصيلي أخبرنا (حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين
ابن عبد الرحمن الواسطي التابعي الصغير قال: (حدّثنا أبو
ظبيان) بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة وتخفيف التحتية
حصين أيضًا ابن جندب المذحجي بضم الميم وسكون الذال
المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها جيم التابعي الكلبير
(قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة) بالمثلثة مولى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رضي الله عنهما
يحدث قال: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى الحرقة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء
والقاف قبيلة (من جهينة) في رمضان سنة سبع أو ثمان (قال:
فصبحنا القوم) أتيناهم صباحًا بغتة قبل أن يشعروا بنا
فقاتلناهم (فهزمناهم قال) أسامة: (ولحقت أنا ورجل من
الأنصار) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه (رجلاً منهم)
اسمه مرداس بن عمرو الفدكي أو مرداس بن نهيك الفزاري (قال)
أسامة: (فلما غشيناه) بفتح الغين وكسر الشين المعجمتين
لحقناه (قال: لا إله إلا الله قال) أسامة (فكف عنه
الأنصاري فطعنته) ولأبى ذر والأصيلي وابن عساكر وطعنته
بالواو بدل الفاء (برمحي حتى قتلته قال: فلما قدمنا)
المدينة (بلغ ذلك) أي قتلي له بعد قوله لا إله إلا الله
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) أسامة
(فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يا أسامة أقتلته بعدما) ولأبي ذر عن الكشميهني بعد أن
(قال لا إله إلا الله قال) أسامة (قلت: يا رسول الله وإنما
كان متعوّذًا) بكسر الواو المشددة بعدها معجمة أي لم يكن
قاصدًا للإيمان بل كان غرضه التعوّذ من القتل (قال: أقتلته
بعد أن) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر بعدما (قال لا إله
إلا الله). وفي مسلم من حديث جندب بن عبد الله أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: كيف تصنع بلا إله إلا
الله إذا جاءت يوم القيامة (قال) أسامة (فما زال)
(يكرّرها) أي يكرّر مقالته أقتلته بعد أن قال لا إله إلا
الله (علي) بتشديد الياء (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل
ذلك اليوم) لآمن من جريرة هذه الفعلة ولم يتمن أن لا يكون
مسلمًا قبل ذلك، وإنما تمنى أن يكون إسلامه ذلك اليوم لأن
الإسلام يجبّ ما قبله.
6873 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ أَبِى
الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ: إِنِّى مِنَ
النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا،
وَلاَ نَزْنِىَ، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَقْتُلَ النَّفْسَ
الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ، وَلاَ نَنْتَهِبَ وَلاَ نَعْصِىَ
بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَإِنْ غَشِينَا مِنْ
ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال:
(حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (يزيد) بن أبي حبيب
المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله (عن الصنابحي) بضم
الصاد المهملة بعدها نون فألف فموحدة فحاء مهملة مكسورتين
عبد الرحمن بن عسيلة بمهملتين مصغرًا (عن عبادة بن الصامت
رضي الله عنه) أنه (قال: إني من النقباء الذين بايعوا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة
بمنى وكانوا اثني عشر نقيبًا (بايعناه على) التوحيد (أن لا
نشرك بالله شيئًا ولا نزني ولا نسرق) أي شيئًا ففيه حذف
المفعول ليدل على العموم (ولا نقتل النفس التي حرم الله)
إلا بالحق (ولا ننتهب) بفوقية قبل الهاء المكسورة من
الانتهاب، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولا ننهب بإسقاط الفوقية
وفتح الهاء من النهب كذا في الفرع، والذي في اليونينية ولا
نبهت بنون مفتوحة
(10/45)
فموحدة ساكنة فهاء مفتوحة ففوقية (ولا
نعصي) بالعين والصاد المهملتين أي في المعروف كما في الآية
(بالجنة) متعلق بقوله بايعناه أي بايعناه بالجنة، ولأبي ذر
عن الكشميهني ولا نقضي بالقاف والضاد المعجمة بدل
المهملتين بالجنة يتعلق بقوله ولا نقضي بالقاف أي ولا نحكم
بالجنة من قبلنا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فالجنة
بالفاء بدل الموحدة والرفع أي فلنا الجنة إن تركنا ما ذكر
من الإشراك وما بعده (إن غشينا) بفتح الغين وكسر الشين
المعجمة كذا في الفرع وفي اليونينية وغيرها وعليه شرح
الكرماني وتبعه العيني إن فعلنا ذلك أي ترك الإشراك وما
بعده (فإن غشينا) بزيادة الفاء أي فعلنا (من ذلك) المبايع
على تركه (شيئًا كان قضاء ذلك) أي حكمه (إلى الله) إن شاء
عاقب إن شاء عفا عنه.
قال في الفتح وظاهر الحديث أن هذه البيعة على هذه الكيفية
كانت ليلة العقبة وليس كذلك وإنما كانت ليلة العقبة على
المنشط والمكره في العسر واليسر إلى آخره. وأما البيعة
المذكورة هنا فهي التي تسمى بيعة النساء وكانت بعد ذلك
بمدة فإن آية النساء التي فيها البيعة المذكورة نزلت بعد
عمرة الحديبية في زمن الهدنة وقبل فتح مكة فكأن البيعة
التي وقعت للرجال على وفقها كانت عام الفتح انتهى.
وقد وقع الإلمام بشيء من هذا في كتاب الإيمان من هذا الشرح
فليراجع.
6874 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى
الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ
فَلَيْسَ مِنَّا». رَوَاهُ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 6874 - طرفه
في: 7070].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال:
(حدّثنا جويرية) بضم الجيم وفتح الواو مخففًا ابن أسماء
(عن نافع عن) مولاه (عبد الله رضي الله عنه) ولأبي ذر
زيادة ابن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من حمل علينا السلاح) أي قاتلنا (فليس منا) إن استباح ذلك
أو أطلق ذلك اللفظ مع احتمال إرادة أنه ليس على الملة
للمبالغة في الزجر والتخويف وقوله علينا يخرج به ما إذا
حمله للحراسة لأنه يحمله لهم لا عليهم (رواه) أي الحديث
المذكور (أبو موسى) عبد الله بن قيس (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سيأتي إن شاء الله تعالى
موصولاً في كتاب الفتن بعون الله وقوّته.
6875 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ
وَيُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ
قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِى
أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ: قُلْتُ: أَنْصُرُ
هَذَا الرَّجُلَ قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا
فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ» قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ
الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى
قَتْلِ صَاحِبِهِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي البصري
قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الأزرق قال:
(حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة أبو بكر السختياني الإمام
(ويونس) بن عبيد بضم العين أحد أئمة البصرة كلاهما (عن
الحسن) البصري (عن الأحنف) بالحاء المهملة بعدها نون ففاء
(ابن قيس) السعدي البصري واسمه الضحاك والأحنف لقبه أنه
(قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل) أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب -رضي الله عنه- في وقعة الجمل وكان الأحنف تخلف عنه
(فلقيني أبو بكرة) نفيع بن الحارث (فقال) لي: (أين تريد؟
قلت) له (أنصر هذا الرجل) عليًّا رضي الله عنه (قال: ارجع
فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(إذا التقى المسلمان بسيفيهما) بالتثنية فضرب كل واحد
منهما الآخر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بسيفهما
بالإفراد (فالقاتل) بالفاء جواب إذا، ولأبي ذر: القاتل
بإسقاطها نحو:
من يفعل الحسنات الله يشكرها.
(والمقتول في النار). إذا كان قتالهما بلا تأويل بل على
عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلاً فأما من قاتل أهل البغي أو
دفع الصائل فقتل فلا أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن
اجتهاد لإصلاح الدين وحمل أبو بكرة الحديث على عمومه حسمًا
للمادة قال أبو بكرة (قلت: يا رسول الله هذا القاتل فما
بال المقتول؟ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أنه) أي المقتول (كان حريصًا على قتل صاحبه). فيه أن من
عزم على المعصية يأثم ولو لم يفعلها كما استدلّ به
الباقلاني وأتباعه. وأجيب: بأن هذا شرع في الفعل والاختلاف
إنما هو فيمن عزم ولم يفعل شيئًا.
وهذا الحديث سبق في كتاب الإيمان.
3 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ
عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ
تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى
بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178]
(باب قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب}) أي فرض
({عليكم القصاص في القتلى}) جمع قتيل والمعنى فرض عليكم
اعتبار المماثلة والمساواة
(10/46)
بين القتلى ({الحرّ بالحرّ}) مبتدأ وخبر أي
الحرّ مأخوذ أو مقتول بالحر ({والعبد بالعبد والأنثى
بالأنثى فمن عفي له من}) جهة ({أخيه شيء}) من العفو لأن
عفا لازم وفائدته الإشعار بأن بعض العفو كالعفو التام في
إسقاط القصاص والأخ ولي المقتول وذكره بلفظ الأخوة بعثًا
له على العطف لما بينهما من الجنسية والإسلام ({فاتباع})
أي فليكن اتباع أو فالأمر اتباع ({بالمعروف}) أي يطالب
العافي القاتل بالدّية مطالبة جميلة ({وأداء}) وليؤدّ
القاتل بدل الدم ({إليه}) إلى العافي ({بإحسان}) بأن لا
يمطله ولا يبخسه ({ذلك}) الحكم المذكور من العفو وأخذ
الدّية ({تخفيف من ربكم ورحمة}) فإنه كان في التوراة القتل
لا غير وفي الإنجيل العفو لا غير وأبيح لنا القصاص والعفو
وأخذ المال بطريق الصلح توسعة وتيسيرًا ({فمن اعتدى بعد
ذلك}) التخفيف فتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو
القتل بعد أخذ الدّية أو العفو ({فله عذاب أليم}) [البقرة:
178] في الآخرة، وسقط لأبي ذر من قوله: (الحرّ بالحرّ) إلى
آخرها وقال بعد قوله: {في القتلى} الآية وسقط للأصيلي من
قوله: {الحرّ بالحرّ} وقال إلى قوله: ({أليم}) وقال ابن
عساكر في روايته {إلى عذاب أليم} وزاد الأصيلي في الترجمة،
وإذا لم يزل يسأل القاتل بضم التحتية من يسأل حتى أقر
والإقرار في الحدود ولم يذكر المؤلّف حديثًا في هذا الباب.
4 - باب سُؤَالِ الْقَاتِلِ حَتَّى يُقِرَّ وَالإِقْرَارِ
فِى الْحُدُودِ
(باب سؤال) الإمام (القاتل) أي المتهم به ولم تقم عليه به
بيّنة (حتى يقر) فيقيم عليه الحدّ (والإقرار في الحدود)
قال في الفتح كذا للأكثر، ووقع للنسفي وكريمة وأبي نعيم في
المستدرك بحذف الباب وبعد قوله عذاب أليم وإذا لم يزل يسأل
القاتل حتى أقر والإقرار في الحدود قال: وصنيع الأكثر
أشبه.
6876 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى
الله عنه - أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ
بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا
أَفُلاَنٌ أَوْ فُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّىَ الْيَهُودِىُّ
فَأُتِىَ بِهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ
فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ.
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون
الأنماطي البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الحافظ
(عن قتاة) بن دعامة أما الخطاب السدوسي الأعمى الحافظ
المفسر (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن يهوديًّا) لم
يسم (رضّ) بفتح الراء والضاد المعجمة المشددة رضخ ودق (رأس
جارية) أمة أو حرة لم تبلغ وفي بعض طرق الحديث أنها كانت
من الأنصار (بين حجرين فقيل لها) أي قال لها رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(من فعل بك هذا؟) الرض (أ) فعله (فلان أو فلان) ومن
استفهامية محلها رفع بالابتداء وخبرها في فعلها والعائد
الضمير في فعل وهذا مفعول به ولا يظهر إعراب في المبتدأ
لأنه من أسماء الاستفهام التي بنيت لتضمنها معنى حرف
الاستفهام وكذا لا يظهر إعراب في المفعول لأنه من أسماء
الإشارة وبك يتعلق بفعل وفلان مصروف.
قال ابن الحاجب: فلان وفلانة كناية عن أسماء الأناسي وهي
أعلام، والدليل على علميتها منع صرف فلانة وليس فيه إلا
التأنيث والتأنيث لا يمنع إلا مع العلمية ولأنه يمتنع من
دخول الألف واللام عليه انتهى.
قال ابن فرحون: وفلانة كما قال ممتنع وفلان منصرف وإن كان
فيه العلمية لتخلف السبب الثاني والألف والنون فيه ليستا
زائدتين بل هو موضوع هكذا، وقال في المجيد: وقل كناية عن
نكرة نحويًّا رجل وهو مختص بالنداء وفلة بمعنى يا امرأة
ولام فل ياء أو واو وليس مرخمًا من فلان خلافًا للفراء
ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط قولهم: فل كناية عن
العلم لفلان، وفي كتاب سيبويه أنه كناية عن النكرة بالنقل
عن العرب انتهى.
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فلان أو فلان بحذف همزة
الاستفهام، ولأبي ذر عن الكشميهني أفلان بهمزة الاستفهام
أم فلان بالميم بدل الواو (حتى) أي تكرر ذلك حتى (سمي) لها
(اليهودي) بضم السين وكسر الميم مشددة فاليهودي رفع نائب
عن الفاعل ولأبي ذر بفتح السين والميم مبنيًّا للفاعل
فاليهودي نصب على المفعولية زاد في الأشخاص والوصايا
فأومأت برأسها (فأتي به) بضم الهمزة وكسر الفوقية أي
اليهودي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم
يزل به حتى أقر) زاد أبو ذر عن الكشميهني به أي بالفعل
(فرضّ) بضم الراء أي دق (رأسه بالحجارة). وفي الأشخاص فرضخ
رأسه
(10/47)
بين حجرين.
والحديث مضى في الأشخاص والوصايا.
5 - باب إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قتل) شخص شخصًا (بحجر أو
بعصا) هل يقتل بما قتل به أو بالسيف.
6877 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ
بِالْمَدِينَةِ قَالَ: فَرَمَاهَا يَهُودِىٌّ بِحَجَرٍ
قَالَ: فَجِىءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فُلاَنٌ
قَتَلَكِ» فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَأَعَادَ عَلَيْهَا
قَالَ: «فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟» فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَقَالَ
لَهَا فِى الثَّالِثَةِ: «فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟» فَخَفَضَتْ
رَأْسَهَا فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) قال الكلاباذي هو محمد بن عبد الله
بن نمير وقال أبو علي بن السكن هو محمد بن سلام (قال:
أخبرنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمد أحد
الأعلام (عن شعبة) بن الحجاج الحافظ أبي بسطام العتكي أمير
المؤمنين في الحديث (عن هشام بن زيد بن أنس عن جده أنس بن
مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجت جارية) أمة أو حرة لم
تبلغ كالغلام في الذكر الذي لم يبلغ (عليها أوضاح) بفتح
الهمزة وسكون الواو وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف حاء
مهملة جمع وضح قال أبو عبيد حليّ الفضة (بالمدينة. قال)
أنس: (فرماها يهودي) لم يسم (بحجر قال) أنس: (فجيء بها إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبها رمق) بفتح
الراء والميم بعدها قاف أي بقية من الحياة (فقال لها رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(فلان قتلك فرفعت) أي المرأة (رأسها) أشارت بها لا (فأعاد)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليها قال: فلان
قتلك فرفعت) أي المرأة (رأسها) أن لا (فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لها: في الثالثة فلان قتلك
فخفضت رأسها) أي نعم فلان قتلني (فدعا به رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فسأله فاعترف (فقتله
بين الحجرين) بالألف واللام ويحتمل الجنسية والعهد وهو حجة
للجمهور أن القاتل يقتل بما قتل به ويؤيده قوله تعالى:
{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126]
وقوله تعالى: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:
194] وخالف الكوفيون محتجين بحديث البزار لا قول إلا
بالسيف وضعف، وقد ذكر البزار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده.
وقال ابن عدي طرقه كلها ضعيفة وعلى تقدير ثبوته فإنه على
خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود وأبو داود في الدّيات وكذا
النسائي وابن ماجة.
6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ
فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
[المائدة: 45].
(باب قول الله تعالى: {أن النفس بالنفس}) أول الآية وكتبنا
عليهم فيها أي وفرضنا على اليهود في التوراة أن النفس
مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق ({والعين})
مفقوءة ({بالعين والأنف}) مجدوع ({بالأنف والأذن}) مقطوعة
({بالأذن والسن}) مقلوعة ({بالسن
والجروح قصاص}) أي ذات قصاص ({فمن تصدق}) من أصحاب الحق
({به}) بالقصاص وعفا عنه ({فهو كفارة له}) فالتصدق به
كفارة للمتصدق بإحسانه ({ومن لم يحكم بما أنزل الله}) من
القصاص وغيره ({فأولئك هم الظالمون}) [المائدة: 45]
بالامتناع عن ذلك وهذه الآية الكريمة وإن وردت في اليهود
فإن حكمها مستمر في شريعة الإسلام لما ذهب إليه أكثر
الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي
متقررًا ولم ينسخ، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل
بالمرأة بعموم هذه الآية، واحتج أبو حنيفة أيضًا بعمومها
على قتل المسلم بالكافر الذمي وعلى قتل الحر بالعبد وخالفه
الجمهور فيهما لحديث الصحيحين لا يقتل مسلم بكافر، وقد حكي
الإمام الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك. قال
ابن كثير: ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصص
للآية، وسقط لأبي ذر والأنف إلى آخرها وقال بعد بالعين
الآية. وقال ابن عساكر إلى آخره وسقط للأصيلي من قوله
والعين.
6878 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ،
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى
ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِى،
وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن
غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله
بن مرة) الخارقي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله)
بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله) أن هي
المخففة من الثقيلة بدليل أنه عطف عليها الجملة التالية
ولأن الشهادة بمعنى العلم لأن شرطها أن يتقدمها علم أو ظن
فالتقدير أشهد أنه لا إله إلا الله فحذف اسمها وبقيت
الجملة في محل الخبر (وأني رسول الله) صفة ثانية ذكرت
لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين، وقال
(10/48)
في شرح المشكاة: الظاهر أن يشهد حال جيء به
مقيدًا للموصوف مع صفته إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في
حقن الدم (إلا بإحدى) خصال (ثلاث): وحرف الجر متعلق بحال
والتقدير إلا متلبسًا بفعل إحدى ثلاث فيكون الاستثناء
مفرغًا لعمل ما قبل إلا فيما بعدها ثم إن المستثنى منه
يحتمل أن يكون من الدم فيكون التقدير لا يحل دم امرئ مسلم
إلا دمه متلبسًا بإحدى الثلاث ويحتمل أن يكون الاستثناء من
امرئ فيكون التقدير لا يحل دم امرئ مسلم إلا أمرًا متلبسًا
بإحدى ثلاث خصال فمتلبسًا حال من امرئ وجاز لأنه وصف
(النفس بالنفس) بالجر والرفع فيحل قتلها قصاصًا بالنفس
التي قتلتها عدوانًا وظلمًا وهو مخصوص بولي الدم لا يحل
قتله لأحد سواه فلو قتله غيره لزمه القصاص والباء في
بالنفس للمقابلة (والثيب) أي المحصن المكلف الحر ويطلق
الثيب على الرجل والمرأة بشرط التزوّج والدخول (الزاني)
يحل قتله بالرجم فلو قتله مسلم غير الإمام فالأظهر عند
الشافعية لا قصاص على قاتله لإباحة دمه
والزاني بالياء على الأصل ويروى بحذفها اكتفاء بالكسر
كقوله تعالى: {الكبير المتعال} [الرعد: 9] (والمارق)
الخارج (من الدين) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني والمفارق
لدينه التارك له (التارك الجماعة) من المسلمين، ولأبي ذر
وابن عساكر: للجماعة بلام الجر، وفي شرح المشكاة: والتارك
للجماعة صفة مؤكدة للمارق أي الذي ترك جماعة المسلمين وخرج
من جملتهم وانفرد عن زمرتهم، واستدلّ بهذا الحديث على أن
تارك الصلاة لا يقتل بتركها لكونه ليس من الأمور الثلاثة
وقد اختلف فيه والجمهور على أنه يقتل حدًّا لا كفرًا بعد
الاستتابة "فإن تاب وإلاّ قتل". وقال أحمد وبعض المالكية
وابن خزيمة من الشافعية: إنه يكفر بذلك ولو لم يجحد
وجوبها، وقال الحنفية: لا يكفر ولا يقتل لحديث عبادة عند
أصحاب السنن وصححه ابن حبان مرفوعًا: خمس صلوات كتبهن الله
على العباد الحديث. وفيه: ومن لم يأت بهن فليس له عند الله
عهد إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنة والكافر لا يدخل
الجنة. وتمسك الإمام أحمد بظواهر أحاديث وردت في تكفيره
وحملها من خالفه على المستحل جمعًا بين الأخبار واستثنى
بعضهم مع الثلاثة قتل الصائل فإنه يجوز قتله للدفع.
والحديث أخرجه مسلم وأبو داود في الحدود والترمذي في
الدّيات والنسائي في المحاربة.
7 - باب مَنْ أَقَادَ بِالْحَجَرِ
(باب من أقاد) أي اقتص (بالحجر).
6879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ
يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا،
فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِىءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِهَا رَمَقٌ
فَقَالَ: «أَقَتَلَكِ فُلاَنٌ؟» فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا
أَنْ لاَ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ
بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ
فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ، فَقَتَلَهُ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِحَجَرَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار
قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده (أنس -رضي الله عنه- أن
يهوديًّا) لم يسم (قتل جارية على أوضاح) بضاد محجمة وحاء
مهملة حلي من فضة (لها فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبها رمق) بعض الحياة
(فقال) لها:
(أقتلك) بهمزة الاستفهام أي فلان وأسقطه للعلم به. نعم ثبت
في اليونينية (فأشارت برأسها أن لا) بنون بدل الياء
وكلاهما يجيء لتفسير سابقه والمراد أنها أشارت إشارة مفهمة
يستفاد منها لو نطقت لقالت لا (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الثانية) ولأبي ذر وابن عساكر في
الثانية أي أقتلك فلان (فأشارت برأسها أن لا ثم سألها) س
(الثالثة فأشارت برأسها) إشارة مفهمة (إن نعم) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: أي نعم بالتحتية بدل النون وكلاهما كما
مر تفسير لما قبله والباء في برأسها في الثلاثة
باء الآلة (فقتله) فأمر بقتله بعد اعترافه (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقتل (بحجرين) وفي الباب
السابق بين الحجرين.
8 - باب مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ
النَّظَرَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من قتل) بضم الأول وكسر
الثاني (له قتيل) قال في الكواكب فإن قلت: الحي يقتل لا
القتيل لأن قتل القتيل محال؟ وأجاب: بأن المراد القتيل
بهذا القتل لا بقتل سابق قال ومثله يذكر في علم الكلام على
سبيل المغلطة قالوا: لا يمكن إيجاد موجود لأن الموجود إما
يوجده في حال وجوده فهو تحصيل الحاصل وأما حال العدم فهو
جمع بين النقيضين فيجاب
(10/49)
باختيار الشق الأوّل إذ ليس إيجادًا
للموجود بوجود سابق ليكون تحصيل الحاصل بل إيجاد له بهذا
الوجود وكذا حديث من قتل قتيلاً فله سلبه (فهو) أي ولي
القتيل (بخير النظرين) أما الدّية وأما القصاص.
6880 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ،
عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا حَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى،
حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلاً
مِنْ بَنِى لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ
الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ
وَالْمُؤْمِنِينَ أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ
قَبْلِى وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِى، أَلاَ وَإِنَّمَا
أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا
سَاعَتِى هَذِهِ حَرَامٌ لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ
يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلاَّ
مُنْشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ
النَّظَرَيْنِ، إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ» فَقَامَ
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ
فَقَالَ: اكْتُبْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اكْتُبُوا
لأَبِى شَاهٍ» ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّمَا
نَجْعَلُهُ فِى بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِلاَّ
الإِذْخِرَ».
وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْبَانَ فِى الْفِيلِ
قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِى نُعَيْمٍ: الْقَتْلَ وَقَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ: إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
شيبان) بفتح الشين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة
فألف فنون ابن عبد الرحمن النحوي البصري نزيل الكوفة (عن
يحيى) بن أبي كثير الطائي واسم أبي كثير صالح (عن أبي
سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
(أن خزاعة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي المخففة وبعد
الألف عين مهملة القبيلة المشهورة (قتلوا رجلاً) وكانت
خزاعة قد غلبوا على مكة وحكموا فيها ثم أخرجوا منها فصاروا
في ظاهرها ورواية شيبان في باب كتابة العلم من كتاب العلم
قال المؤلّف محوّلاً للسنة.
(وقال عبد الله بن رجاء) ضد الخوف ابن المثنى شيخ المؤلّف
ووصله البيهقي من طريق هشام بن علي السيرافي عنه قال:
(حدّثنا حرب) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها موحدة ابن
شداد ولفظ الحديث له (عن يحيى) بن أبي كثير أنه قال:
(حدّثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا أبو هريرة)
-رضي الله عنه- (أنه) أي أن الشأن (عام فتح مكة قتلت خزاعة
رجلاً) لم يسم (من بني ليث) بالمثلثة القبيلة المشهورة
المنسوبة إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن
إلياس بن مضر (بقتيل لهم في الجاهلية) اسمه أحمر واسم
الخزاعي الذي قتل خراش بالخاء والشين المعجمتين بينهما راء
بألف ابن أمية وذكر ابن هشام أن المقتول من بني ليث اسمه
جندب بن الأكوع. قال في الفتح: ورأيت في الجزء الثالث من
فوائد أبي علي بن خزيمة أن اسم الخزاعي القاتل هلال بن
أمية فإن ثبت فلعل هلالاً لقب خراش. وفي مغازي ابن إسحاق
حدّثني سعيد بن أي سندر الأسلمي عن رجل من قومه قال: كان
معنا رجل يقال له أحمر وكان شجاعًا وكان إذا نام غطّ فإذا
طرقهم شيء صاحوا به فيثور مثل الأسد فغزاهم قوم من هذيل في
الجاهلية فقال لهم ابن الأثوع: بالثاء المثلثة والعين
المهملة لا تعجلوا حتى أنظر فإن كان أحمر فيهم فلا سبيل
إليهم فاستمع إليهم فإذا غطيط أحمر فمشى إليه حتى وضع
السيف في صدره فقتله وأغاروا على الحيّ فلما كان عام
الفتح، وكان الغد من يوم الفتح أتى ابن الأثوع الهذلي حتى
دخل مكة وهو على شركه فرأته خزاعة فعرفوه فأقبل خراش بن
أمية فقال افرجوا عن الرجل فطعنه بالسيف في بطنه فوقع
قتيلاً (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال): وفي رواية شيبان في العلم فأخبر بذلك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فركب راحلته
فخطب فقال:
(إن الله حبس) منع (عن مكة الفيل) بالفاء والتحتية الحيوان
المعروف المشهور في قصة أبرهة وهي أنه لما غلب على اليمن
وكان نصرانيًّا بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها فاستغفل
بعض العرب الحجبة وتغوط فيها وهرب فغضب أبرهة وعزم على
تخريب الكعبة فتجهز في جيش كثيف واستصحب معه فيلاً عظيمًا
فلما قرب من مكة قدم الفيل فبرك الفيل وكانوا كلما قدموه
نحو الكعبة تأخر وأرسل الله عليهم طيرًا مع كل واحد ثلاثة
أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره ألقوها عليهم فلم يبق
أحد منهم إلا أصيب وأخذته الحكة فكان لا يحك أحد منهم جلده
إلا تساقط لحمه (وسلط عليهم) على أهل مكة (رسوله) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والمؤمنين) رضي الله عنهم
(ألا) بالتخفيف إن الله قد حبس عنها (وأنها لم تحل) بفتح
فكسر (لأحد قبلي) الجار يتعلق بتحل وقيل يتعلق بخبر كان
تقديره أي لا تحل لأحد كان كائنًا (ولا تحل لأحد من بعدي)
برفع تحل وزيادة من قبل بعدي والذي في اليونينية ولا تحل
لأحد بعدي بإسقاط من (ألا) بالتخفيف وفتح الهمزة (وإنما)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إنها بالهاء بدل الميم (أحلت
لي) أن أقاتل فيها (ساعة من نهار) ما بين طلوع الشمس وصلاة
العصر (ألا) بالتخفيف (وإنها ساعتي هذه حرام) قوله وإنها
ساعتي إن
(10/50)
واسمها وساعتي الخبر وهذه يحتمل أن تكون
بدلاً من ساعتي أو عطف بيان ويحتمل أن يكون الكلام تم عند
قوله ساعتي ثم ابتدأ فقال هذه أي مكة حرام ويكون قد
حذف صفة ساعتي أي إنها ساعتي التي أنا فيها وعلى الأول
يكون قوله حرام خبر مبتدأ محذوف أي هي حرام (لا يختلى) بضم
التحتية وسكون المعجمة وفتح الفوقية واللام لا يجز (شوكها)
إلا المؤذي (ولا يعضد) بالضاد المعجمة مبنيًّا للمفعول لا
يقطع (شجرها ولا يلتقط) بفتح التحتية مبنيًّا للفاعل
(ساقطتها) نصب مفعول أي ما سقط فيها بغفلة مالكه (إلا
منشد) فليس لواجدها سوى التعريف فلا يملكها عند الشافعية
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا تلتقط بضم الفوقية
مبنيًّا للمفعول ساقطتها رفع نائب عن الفاعل إلا لمنشد
بزيادة لام قبل الميم والاستثناء مفرغ لأنه متعلق بتلتقط
ساقطتها فتلتقط بمعنى تباح أي لا تباح لقطتها أو لا تجوز
إلا لمنشد فهو ملموح منه معنى فعل آخر (ومن قتل قتيل) أي
ومن قتل له قريب كان حيًّا فصار قتيلاً بذلك القتل. وقال
في العمدة: قتيل فعيل بمعنى مفعول سمي بما آل إليه حاله
وهو في الأصل صفة لمحذوف أي لوليّ قتيل ويحتمل أن يضمن قتل
معنى وجد له قتيل. قال: ولا يصح هذا التقدير في قوله عليه
السلام من قتل قتيلاً فله سلبه، والأول من قبيل تسمية
العصير خمرًا وجواب من الشرطية قوله (فهو) أي المقتول له
(بخير النظرين إما يودى) بضم التحتية وسكون الواو وفتح
الدال المهملة أي يعطي القاتل أو أولياؤه لأولياء المقتول
الدّية (وإما يقاد) بضم أوله والرفع أي يقتل قال المهلب
وغيره يستفاد منه أن الولي إذا سئل في العفو على مال إن
شاء قبل ذلك وإن شاء اقتص وعلى الولي اتباع الأولى في ذلك
وليس فيه ما يدل على إكراه القاتل على بذل الدّية ولأبي ذر
إما أن يودي بزيادة أن قوله اما أن يقاد (فقام رجل من أهل
اليمن يقال له أبو شاه) بالشين المعجمة بعدها ألف فهاء وهو
في محل صفة ثانية وتركيبه تركيب إضافي كأبي هريرة (فقال
اكتب لي يا رسول الله) الخطبة التي سمعتها منك (فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتبوا) الخطبة
(لأبي شاه) قال ابن دقيق العيد كان قد وقع الاختلاف في
الصدر الأول في كتابة غير القرآن وورد فيه نهي ثم استقرّ
الأمر بين الناس على الكتابة لتقييد العلم بها وهذا الحديث
يدل على ذلك لإذنه عليه الصلاة والسلام لأبي شاه (ثم قام
رجل من قريش) هو العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-
(فقال: يا رسول الله):
(إلا الإذخر) بكسر الهمزة وبالمعجمتين الحشيش المعروف ذا
العرف الطيب (فإنما) بالميم بعد النون (نجعله في بيوتنا)
للسقف فوق الخشب (وقبورنا) لنسد به فرج اللحد المتخللة بين
اللبنات والاستثناء من محذوف يدل عليه ما قبله تقديره حرم
الشجر والخلا إلا الإذخر فيكون استثناء متصلاً (فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بما أوحي إليه
(إلا الإذخر وتابعه) أي تابع حرب بن شداد (عبيد الله) بضم
العين ابن موسى بن باذام الكوفي شيخ المؤلّف في روايته (عن
شيبان) بن عبد الرحمن عن يحيى عن أبي سلمة (في الفيل)
بالفاء وهذه المتابعة وصلها مسلم (قال): ولأبي ذر وقال:
(بعضهم) هو الإمام محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري (عن أبي
نعيم) الفضل بن دكين (القتلى) بالقاف والفوقية.
(وقال عبيد الله) بضم العين ابن موسى بن باذام في روايته
عن شيبان بالسند المذكور: (إما أن يقاد) بضم التحتية (أهل
القتيل) أي يؤخذ لهم بثأرهم. وهذا وصله مسلم بلفظ إما أن
يعطي الدّية وإما أن يقاد أهل القتيل.
6881 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَتْ فِى بَنِى
إِسْرَائِيلَ قِصَاصٌ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ،
فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إِلَى هَذِهِ
الآيَةِ {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ
الدِّيَةَ فِى الْعَمْدِ قَالَ: {فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ} أَنْ يَطْلُبَ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّىَ
بِإِحْسَانٍ.
وبه قال: (حدّثنا قنية بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن
عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن مجاهد) هو ابن
جبر (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كانت في بني
إسرائيل قصاص) قال في الفتح: أنث كانت باعتبار معنى القصاص
وهو المماثلة والمساواة وقال العيني باعتبار معنى المقاصة:
(ولم تكن فيهم الدّية) وكانت في شريعة عيسى عليه السلام
الدّية فقط ولم يكن فيها قصاص فإن ثبت
(10/51)
ذلك امتازت شريعة الإسلام بأنها جمعت
الأمرين فكانت وسطى لا إفراط ولا تفريط (فقال الله) تعالى
في كتابه: (لهده الأمة {كتب عليكم القصاص في القتلى})
[البقرة: 178] إلى هذه الآية ({فمن عفي له من أخيه شيء})
[البقرة: 178] (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مفسرًا
لقوله تعالى: {فمن عفي} (فالعفو أن يقبل) وليّ المقتول
(الدية في العمد) ويترك الدم (قال) ابن عباس أيضًا:
{فاتباع بالمعروف} [البقرة: 178] هو (أن يطلب) ولي المقتول
الدّية من القاتل (بمعروف) ولأبي ذر أن يطلب بضم التحتية
وفتح اللام مبنيًّا للمفعول (ويؤدّي) القاتل الدّية
(بإحسان). وذكر الطبري عن الشعبي أن هذه الآية نزلت في
حيّين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الشرف فكانوا
يتزوجون من نسائهم بغير مهر وإذا قتل منهم عبد قتلوا به
حرًّا أو امرأة قتلوا بها رجلاً.
تنبيه:
قال في الفتح قوله فقال الله لهذه الأمة: {كتب عليكم
القصاص في القتلى} إلى هذه الآية {فمن عفي له من أخيه شيء}
كذا وقع في رواية قتيبة ووقع هنا عند أبي ذر وأكثر ووقع
هنا في رواية النسفيّ والقابسي إلى قوله: {فمن عفي له من
أخيه شيء} ووقع في رواية ابن أبي عمر في مسنده ومن طريقه
أبو نعيم في المستخرج إلى قوله في هذه الآية، وبهذا يظهر
المراد وإلا فالأول يوهم أن قوله فمن عفي له في آية تلي
الآية المبدوء بها وليس كذلك انتهى.
9 - باب مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ
(باب) حكم (من طلب دم امرئ بغير حق).
6882 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ،
حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَبْغَضُ النَّاسِ
إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِى الْحَرَمِ،
وَمُبْتَغٍ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ،
وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ
دَمَهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي حسين) هو عبد
الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بضم الحاء المهملة النوفلي
نسبه إلى جده قال: (حدّثنا نافع بن جبير) بضم الجيم مصغرًا
ابن مطعم القرشي (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(أبغض الناس إلى الله) أبغض أفعل التفضيل بمعنى المفعول من
البغض وهو شاذ ومثله أعدم من العدم إذا افتقر وإنما يقال
أفعل من كذا للمفاضلة في الفعل الثاني وقال في الصحاح
وقولهم ما أبغضه لي شاذ لا يقاس عليه والبغض من الله إرادة
إيصال المكروه والمراد بالناس المسلمون (ثلاثة) امرؤ
(ملحد) بضم الميم وسكون اللام وكسر الحاء بعدها دال
مهملتين مائل عن القصد (في الحرام) المكي. قال سفيان
الثوري في تفسيره عن السدي عن مرة عن عبد الله يعني ابن
مسعود: ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه ولو أن رجلاً بعدن
أبين همّ أن يقتل رجلاً بهذا البيت لأذاقه الله من عذاب
أليم، وفي تفسير ابن أبي حاتم: حدّثنا أحمد بن سنان حدّثنا
يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن السدّي أنه سمع مرّة يحدث عن
عبد الله يعني ابن مسعود في قوله تعالى: {ومن يرد فيه
بإلحاد بظلم} [الحج: 25] قال لو أنّ رجلاً أراد فيه بإلحاد
بظلم وهو بعدن أبين لأذاقه الله من العذاب الأليم. قال
شعبة: هو رفعه لنا وأنا لا أرفعه لكم. قال يزيد: هو قد
رفعه، ورواه أحمد عن يزيد بن هارون به. قال الحافظ ابن
كثير: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري. ووقفه أشبه من
رفعه ولهذا صمم شعبة على وقفه من كلام ابن مسعود وكذا رواه
إسباط وسفيان الثوري عن السدي عن مرّة عن ابن مسعود انتهى.
واستشكل فإن ظاهره أنّ فعل الصغيرة في المحرم المكي أشدّ
من فعل الكبيرة في غيره. وأجيب: بأن الإلحاد في العرف
مستعمل في الخارج عن الدين فإذا وصف به من ارتكب معصية كان
في ذلك إشارة إلى عظمها وقد يؤخذ ذلك من سياق قوله تعالى:
{ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج: 25]
فإن الإتيان بالجملة الاسمية يفيد ثبوت الإلحاد ودوامه
والتنوين للتعظيم فيكون إشارة إلى عظم الذنب، وقال ابن
كثير: أي يهتم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار، وقوله:
(بظلم) أي عامدًا قاصدًا أنه ظلم ليس بمتأوّل، وقال ابن
عباس فيما رواه عنه عليّ بن أبي طلحة (بظلم) بشرك. وقال
مجاهد: أن يعبد غير الله وهذا من خصوصيات المحرم فإنه
يعاقب الناوي فيه الشر إذا كان عازمًا عليه ولو لم يوقعه.
(و) ثاني الثلاثة الذين هم أبغض الناس إلى الله (مبتغ) بضم
الميم وسكون الموحدة وبعد الفوقية غين معجمة طالب (في
الإسلام
(10/52)
سنة الجاهلية) اسم جنس يعم جميع ما كان
عليه أهل الجاهلية من الطيرة والكهانة والنوح وأخذ الجار
بجاره وأن يكون له الحق عند شخص فيطلبه من
غيره، (ومطلب دم امرئ بغير حق) بضم الميم وتشديد الطاء
وكسر اللام بعدها موحدة مفتعل من الطلب أي متطلب فأبدلت
التاء طاء وأدغمت في الطاء أي المتكلف للطلب المبالغ فيه
(ليهريق دمه) بضم التحتية وفتح الهاء وتسكن وخرج بقوله
بغير حق من طلب بحق كالقصاص مثلاً.
وقال الكرماني، فإن قلت: الإهراق هو المحظور المستحق لمثل
هذا الوعيد لا مجرد الطلب. وأجاب: بأن المراد الطلب
المترتب عليه المطلوب أو ذكر الطلب ليلزم في الإهراق
بالطريق الأولى ففيه مبالغة.
والحديث من أفراده.
10 - باب الْعَفْوِ فِى الْخَطَإِ بَعْدَ الْمَوْتِ
(باب العفو) من وليّ المقتول عن القاتل (في) القتل (الخطأ)
بأن لم يقصد كأن زلق فوقع عليه (بعد الموت) يتعلق بالعفو
أي بعد موت المقتول وليس المراد عفو المقتول إذ هو محال
كما لا يخفى.
6883 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ
مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَحَدَّثَنِى
مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ
يَحْيَى بْنُ أَبِى زَكَرِيَّا، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ:
صَرَخَ إِبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِى النَّاسِ يَا عِبَادَ
اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ عَلَى
أُخْرَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا الْيَمَانَ فَقَالَ
حُذَيْفَةُ: أَبِى أَبِى فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ:
غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ قَالَ: وَقَدْ كَانَ انْهَزَمَ
مِنْهُمْ قَوْمٌ حَتَّى لَحِقُوا بِالطَّائِفِ.
وبه قال: (حدّثنا فروة) بفتح الفاء وسكون الراء ولأبي ذر
وابن عساكر فروة بن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين
المعجمة بعدها راء ممدودًا الكندي الكوفي قال: (حدّثنا
عليّ بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وبعد الهاء
المكسورة راء أبو الحسن الكوفي الحافظ (عن هشام عن أبيه)
عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها قالت (هزم
المشركون يوم) وقعة (أحد) بضم الهاء وكسر الزاي وسقط لأبي
ذر والأصيلي وابن عساكر من قوله عن أبيه إلخ، ولفظ عليّ بن
مسهر سبق في باب من حنث ناسيًا من كتاب الأيمان والنذور
وحوّل المصنف السند فقال.
(وحدّثني) بالإفراد (محمد بن حرب) الواسطي النشائي بالنون
المكسورة والشين المعجمة بعدها مدّة كان يبيع النشاء قال:
(حدّثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا) وزاد ابن عساكر وأبو
ذر عن المستملي يعني الواسطي واللفظ له لا لعلي بن مسهر
(عن هشام عن) أبيه (عروة عن عائشة رضي الله عنها) أنها
(قالت: صرخ إبليس) بفتح الصاد المهملة والراء المخففة
بعدها معجمة (يوم) وقعة (أحد في الناس) الذين يقاتلون (يا
عباد الله) احذروا أو اقتلوا (أخراكم) بضم الهمزة وسكون
الخاء المعجمة (فرجعت أولاهم على أخراهم) بضم الهمزة فيهما
(حتى قتلوا اليمان) بفتح التحتية والميم المخففة وبعد
الألف نون مكسورة مصحح عليها في الفرع وفي غيره بفتحها
مصححًا
عليها أيضًا أي قتل المسلمون اليمان والد حذيفة (فقال
حذيفة): هذا (أبي أبي) مرتين لا تقتلوه فلم يسمعوا منه
(فقتلوه) خطأ ظانين أنه من المشركين (فقال حذيفة: غفر الله
لكم). قال في الكواكب: فدعا لهم وتصدق بديته على المسلمين
(قال: وقد كان انهزم منهم) أي من المشركين (قوم حتى لحقوا
بالطائف). البلد المشهور.
والحديث سبق في باب صفة إبليس من كتاب بدء الخلق.
11 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ
قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ
يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ
عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].
(باب قول الله تعالى) في سورة النساء: ({وما كان لمؤمن})
وما صح له ولا استقام وليس من شأنه ({أن يقتل مؤمناً})
ابتداء بغير حق ({إلاَّ خطأ}) صفة مصدر محذوف أي قتلاً خطأ
أو على الحال أي لا يقتله في شيء من الأحوال إلا حال الخطأ
أو مفعول له أي لا يقتله لعلة إلا للخطأ ({ومن قتل
مؤمنًا}) قتلاً ({خطأ فتحرير رقبة}) مبتدأ والخبر محذوف أي
فعليه تحرير رقبة أي عتقها والرقبة النسمة ({مؤمنة}) محكوم
بإسلامها قيل لما أخرج نفسًا مؤمنة من جملة الإحياء لزمه
أن يدخل نفسًا مثلها في جملة الأحرار لأن إطلاقها من قيد
الرقّ كإحيائها من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات إذ الرق
أثر من آثار الكفر والكفر موت حكمًا أو من كان ميتًا
فأحييناه وإنما وجب عليه ذلك لما ارتكبه من الذنب العظيم
وإن كان خطأ ({ودية مسلمة إلى أهله}) مؤدّاة إلى ورثته
عوضًا عما فاتهم من قريبهم يقتسمونها كما يقتسمون الميراث
لا فرق بينها وبين سائر التركات فيقضى منها الدين وتنفذ
الوصية إلى آخره وإنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله
({إلا أن يصدّقوا}) أي يتصدقوا عليه بالدّية أي يعفوا عنه
فلا تجب
(10/53)
({فإن كان}) المقتول خطأ ({من قوم عدوّ
لكم}) أعداء لكم أي كفرة محاربين والعدوّ يطلق على الجمع
({وهو}) أي المقتول (مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}) فعلى قاتله
الكفارة دون الدّية لأهله إذ لا وراثة بينه وبينهم لأنهم
محاربون ({وإن كان}) أي المقتول ({من قوم بينكم}) بين
المسلمين ({وبينهم ميثاق}) عهد ذمة أو هدنة ({فدية مسلمة
إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}) كالمسلم ولعله فيما إذا كان
المقتول معاهدًا أو كان له وارث مسلم ({فمن لم يجد}) رقبة
بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها ({فصيام شهرين})
فعليه صيام شهرين ({متتابعين}) لا إفطار بينهما بل يسرد
صومهما إلى آخرهما فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيص أو
نفاس استأنف ({توبة من الله}) أي قبولاً من الله ورحمة منه
من تاب الله عليه إذا قبل توبته يعني شرع ذلك توبة منه أو
فليتب توبة فهو نصب على
المصدر ({وكان الله عليمًا}) بما أمر ({حكيمًا}) [النساء:
92] فيما قدر وسقط لأبي ذر وابن عساكر من قوله: ({ومن قتل
مؤمنًا}) خطأ إلى ({حكيمًا}) وقالا بعد قوله: {إلا خطأ)
الآية وهذه الآية أصل في الدّيات فذكر فيها ديتين وثلاث
كفارات ذكر الدّية والكفارة بقتل المؤمن في دار الإسلام
والكفارة دون الدّية في قتل المؤمن في دار الحرب في صف
المشركين إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم، وذكر الدّية
والكفارة في قتل الذمي في دار الإسلام، ولم يذكر المؤلّف
في هذا الباب حديثًا عند الأكثر.
12 - باب إِذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ مَرَّةً قُتِلَ بِهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أقر) شخص (بالقتل مرة)
واحدة (قتل به) أي بذلك الإقرار وسقط لفظ باب للنسفي وقال
بعد قوله خطأ الآية وإذا أقر إلى آخره ثم ذكر الحديث كغيره
وحينئذٍ فيحتاج إلى مناسبة بين الآية والحديث ولم تظهر
أصلاً فالصواب كما في الفتح إثبات الباب كما في رواية غير
النسفيّ.
6884 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ،
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ
جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ
بِكِ هَذَا أَفُلاَنٌ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّىَ
الْيَهُودِىُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَجِىءَ
بِالْيَهُودِىِّ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُضَّ رَأْسُهُ
بِالْحِجَارَةِ وَقَدْ قَالَ هَمَّامٌ: بِحَجَرَيْنِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق) غير
منسوب. قال أبو علي الجياني: يشبه أن يكون ابن منصور قال:
(أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (حبان). وقال الحافظ ابن حجر:
ولا يبعد أن يكون إسحاق هذا ابن راهويه فإنه كثير الرواية
عن حبان أي بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال
الباهلي قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم
الأولى ابن يحيى بن دينار البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن
دعامة ولأبي ذر عن قتادة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك)
-رضي الله عنه- (أن يهوديًّا رضّ رأس جارية) دق رأسها (بين
حجرين فقيل) مبني لما لم يسم فاعله والقائم مقام الفاعل
ضمير المصدر أي قيل قول فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لها):
(من فعل بك هذا؟) استفهام ليعرف المتهم من غيره فيطالب فإن
اعترف أقيم عليه الحكم (أفلان أفلان) فعل بك ذلك (حتى سمي
اليهودي) بضم السين مبنيًّا للمفعول واليهودي رفع نائب
الفاعل (فأومأت) بالهمز بعد الميم (برأسها) أن نعم (فجيء
باليهودي) فسئل (فاعترف) بذلك فاعترف معطوف على محذوف
(فأمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرض
رأسه بالحجارة) بضم الراء من فرض مبنيًّا للمفعول والحجارة
بالجمع (وقد قال همام بحجرين) بالتثنية.
ومطابقة الحديث للترجمة مأخوذة من إطلاق قوله فجيء
باليهودي فاعترف فإنه لم يذكر فيه عددًا والأصل عدمه.
والحديث سبق في الأشخاص والوصايا والدّيات في باب من أقاد
بالحجر وأخرجه بقية الجماعة والله الموفق.
13 - باب قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ
(باب قتل الرجل بالمرأة).
6885 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتَلَ يَهُودِيًّا
بِجَارِيَةٍ قَتَلَهَا عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن
زريع) ضم الزاي وفتح الراء آخره مهملة مصغرًا قال: (حدّثنا
سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتاة) بن دعامة (عن
أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل يهوديًّا بجارية) بسببها (قتلها
على أوضاح لها) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها ضاد معجمة
فألف فحاء مهملة حلي من الدراهم الصحاح قاله الجوهري وسمي
به لأنه من الفضة وهي بيضاء والواضح البياض وصرح في رواية
بالحلي بدل الأوضاح.
ومطابقة الحديث للترجمة واضحة
(10/54)
وفيه دليل على أن القتل بالحجر والمثقل
الذي يحصل به القتل غالبًا يوجب القصاص وهو قول أكثر أهل
العلم كمالك والشافعي ولم ير بعضهم القصاص إذا كان القتل
بالمثقل وهو قول أصحاب أبي حنيفة.
14 - باب الْقِصَاصِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِى
الْجِرَاحَاتِ
وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ
بِالْمَرْأَةِ وَيُذْكَرُ، عَنْ عُمَرَ تُقَادُ
الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فِى كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ
نَفْسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْجِرَاحِ وَبِهِ قَالَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِبْرَاهِيمُ وَأَبُو
الزِّنَادِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَجَرَحَتْ أُخْتُ
الرُّبَيِّعِ إِنْسَانًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْقِصَاصُ».
(باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات. وقال أهل
العلم): أي جمهورهم (يقتل الرجل بالمرأة. ويذكر) بضم أوّله
(عن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (تقاد المرأة من الرجل)
بضم الفوقية بعدها قاف أي يقتص منها إذا قتلت الرجل (في
كل) قتل (عمد يبلغ نفسه) نفس الرجل (فما دونها) دون النفس
(من الجراح) في كل عضو من أعضائها عند قطعها من أعضائه
وهذا وصله سعيد بن منصور من طريق النخعي قال كان فيما جاء
به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر قال: جرح الرجال
والنساء سواء وسنده صحيح لكن لم يصح سماع النخعي من شريح،
فلذا ذكر المؤلّف أثر عمر بصيغة التمريض.
(وبه) أي بما رواه عمر -رضي الله عنه- (قال عمر بن عبد
العزيز وإبراهيم) النخعي أخرج
ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن جعفر بن برقان عن عمر بن
عبد العزيز عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال القصاص بين
الرجل والمرأة في العمد سواء (وأبو الزناد) عبد الله بن
ذكوان (عن أصحابه) كعبد الرحمن بن هرمز الأعرج والقاسم بن
محمد وعروة بن الزبير أخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن
أبي الزناد عن أبيه قال: وكل من أدركت من فقهائنا وذكر
السبعة في مشيخة سواهم أهل فقه وفضل ودين أنهم كانوا
يقولون: المرأة تقاد بالرجل عينًا بعين وأذنًا بأذن وكل
شيء من الجوارح على ذلك وإن قتلها قتل بها.
(وجرحت) بالجيم المفتوحة (أخت الربيع) بضم الراء وفتع
الموحدة وتشديد التحتية المكسورة بعدها عين مهملة بنت
النضر بنون مفتوحة فمعجمة ساكنة (إنسانًا فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: القصاص). بالرفع في
الفرع وفي غيره بالنصب على الإغراء، وللنسفي كتاب الله
القصاص. وهذا طرف من حديث أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة
عن ثابت عن أنس أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانًا قال
أبو ذر: كذا وقع هنا، والصواب الربيع بنت النضر عمة أنس،
وقيل: الصواب وجرحت الربيع بحذف لفظ أخت وهو موافق لما في
البقرة من وجه آخر عن أنس أن الربيع بنت النضر عمته كسرت
ثنية جارية، وقد جزم ابن حزم بأنهما قضيتان صحيحتان وقعتا
لامرأة واحدة إحداهما أنها جرحت إنسانًا فقضي عليها
بالضمان والأخرى أنها كسرت ثنية جارية فقضي عليها بالقصاص.
6886 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ:
لَدَدْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِى مَرَضِهِ فَقَالَ: «لاَ تَلُدُّونِى» فَقُلْنَا:
كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ
قَالَ: «لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ لُدَّ غَيْرَ
الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم
ولأبي ذر زيادة ابن بحر الباهلي الصيرفي البصري قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري
قال: (حدّثنا موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوني (عن عبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن
عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: لددنا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح اللام والدال المهملة
بعدها أخرى ساكنة ثم نون من اللدود أي جعلنا في أحد شقي
فمه بغير اختياره دواء (في مرضه) الذي توفي فيه (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا تلدوني) بضم اللام (فقلنا) امتناعه (كراهية المريض
للدواء) فرفع كراهية خبر مبتدأ محذوف ولأبي ذر كراهية
بالنصب مفعولاً له أي نهانا لكراهته الدواء أي لم ينهنا
نهي تحريم، بل كرهه كراهية المريض للدواء، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: الدواء بالألف واللام بدل لام الجر
(فلما أفاق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: لا
يبقى أحد منكم إلا لد) قصاصًا لفعلهم وعقوبة لهم لتركهم
امتثال نهيه
عن ذلك، وفيه إشارة إلى مشروعية القصاص من المرأة بما جنته
على الرجل لأن الذين لدوه كانوا رجالاً ونساء وقد ورد
التصريح في بعض طرقه بأنهم لدوا ميمونة وهي صائمة من أجل
عموم الأمر (غير العباس) بنصب غير ولأبي ذر بالرفع فلا
تلدوه (فإنه لم يشهدكم) أي يحضركم حالة اللدود.
وفي الحديث أخذ الجماعة بالواحد، وسبق في باب
(10/55)
مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ووفاته.
15 - باب مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ أَوِ اقْتَصَّ دُونَ
السُّلْطَانِ
(باب من أخذ حقه) من جهة غريمه (أو اقتص) منه في نفس أو
طرف (دون السلطان).
6887 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ،
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (أن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (حدّثه أنه سمع
أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: إنه سمع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(نحن الآخرون) في الدنيا (السابقون) وزاد أبو ذر يوم
القيامة.
6888 - وَبِإِسْنَادِهِ «لَوِ اطَّلَعَ فِى بَيْتِكَ
أَحَدٌ، وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ
فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ»
[الحديث 6888 - طرفه في: 6902].
(وبإسناده) أي الحديث السابق إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (لو اطلع) بتشديد الطاء (في
بيتك أحد ولم تأذن له) أن يطلع فيه (خذفته) بالخاء والذال
المعجمتين المفتوحتين ففاء رميته (بحصاة) أي بأن جعلها بين
إبهامه وسبابته (ففقأت عينه) فقلعتها أو أطفأت ضوءها ولأبي
ذر حذفته بالحاء المهملة بدل المعجمة قال القرطبي الرواية
بالمهملة خطأ لأن في نفس الخبر أنه الرمي بالحصاة وهو
بالمعجمة جزمًا (ما كان عليك من جناح). بضم الجيم من إثم
ولا مؤاخذة. وفي رواية صححها ابن حبان والبيهقي: فلا قول
ولا دية وهذا مذهب الشافعية، وعبارة النووي ومن نظر إلى
حرمه في داره من كوّة أو ثقب فرماه بخفيف كحصاة فأعماه أو
أصاب قرب عينه فجرحه فمات فهدر بشرط عدم محرم وزوجة للناظر
اهـ.
والمعنى فيه المنع من النظر وإن كانت حرمه مستورة أو
منعطفة لعموم الأخبار ولأنه لا يدري متى تستتر وتنكشف
فيحسم باب النظر وخرج بالدار المسجد والشارع ونحوهما،
وبالثقب الباب والكوّة الواسعة، والشباك الواسع العيون
ويقرب عينه ما لو أصاب موضعًا بعيدًا عنها فلا يهدر في
الجميع. وقال المالكية الحديث خرج مخرج التغليظ وقوله في
الحديث ولم يأذن احتراز عمن اطلع بإذن.
6889 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ
حُمَيْدٍ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِى بَيْتِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَدَّدَ إِلَيْهِ
مِشْقَصًا فَقُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل (أن رجلاً) هو الحكم بن
أبي العاص (اطلع) بتشديد الطاء (في بيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسدد) بالسين المهملة وتشديد
الدال المهملة الأولى كذا لأبي ذر والأصيلي أي صوّب (إليه)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مشقصًا) بكسر
الميم وسكون الشين المعجمة بعدها قاف مفتوحة فصاد مهملة
منصوب على المفعولية النصل العريض ولأبي ذر عن الحموي
والباقين فشدد بالشين المعجمة قال عياض هو وهم قال يحيى
(فقلت) لحميد (من حدثك بهدا) الحديث؟ (قال): حدّثني به
(أنس بن مالك) -رضي الله عنه-.
وهذا الحديث صورته في الأول مرسل لأن حميدًا لم يدرك
القصة. وقوله: فقلت من حدثك بهذا؟ قال: أنس يدل على أنه
مسند موصول.
16 - باب إِذَا مَاتَ فِى الزِّحَامِ أَوْ قُتِلَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا مات) شخص (في الزحام أو
قتل) ولابن بطال زيادة به أي بالزحام.
6890 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ
هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ أَىْ عِبَادَ
اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ
هِىَ وَأُخْرَاهُمْ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ
بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ: أَىْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِى
أَبِى قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى
قَتَلُوهُ قَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ
عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِى حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ
حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا ولأبي ذر
أخبرنا (إسحاق بن منصور) الكوسج الحافظ قال: (أخبرنا)
ولأبي ذر حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال هشام:
أخبرنا) هو من تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز أي
قال أبو أسامة أخبرنا هشام (عن أبيه) عروة بن الزبير بن
العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لما كان
يوم) وقعة (أُحُد هزم المشركون) بضم الهاء وكسر الزاي
مبنيًّا للمفعول (فصاح إبليس) في المسلمين (أي عباد الله)
قاتلوا (أخراكم فرجعت أولاهم) لأجل قتال أخراهم ظانين أنهم
من المشركين (فاجتلدت) بالجيم الساكنة فالفوقية فاللام
فالدال المهملة المفتوحات ففوقية فاقتتلت (هي وأخراهم،
فنظر حذيفة) بن اليمان (فإذا هو بأبيه اليمان) يقتله
المسلمون يظنونه من المشركين (فقال: أي عباد) هذا (أبي)
هذا (أبي) لا تقتلوه (قالت) عائشة (فوالله ما احتجزوا)
بالحاء المهملة الساكنة ثم الفوقية والجيم المفتوحتين
والزاي أي ما انفصلوا أو ما انكفوا عنه أو ما تركوه (حتى
قتلوه. فقال حذيفة) معتذرًا عنهم لكونهم قتلوه ظانين
أنه من المشركين (غفر الله لكم. قال عروة) بالسند المذكور
(فما زالت في حذيفة منه) أي من ذلك
(10/56)
الفعل وهو العفو أو من قتلهم لأبيه (بقية)
أي من حزن على أبيه ولأبي ذر والأصيلي بقية خير أي من دعاء
واستغفار لقاتل أبيه (حتى لحق بالله) عز وجل.
وعند السراج في تاريخه من طريق عكرمة أن والد حذيفة قتل
يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجاله
ثقات مع إرساله، وفي المسألة مذاهب فقيل تجب ديته في بيت
المال لأنه مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت
مال المسلمين، وقيل تجب على جميع من حضر لأنه مات بفعلهم
فلا يتعداهم إلى غيرهم. وقال الشافعي: يقال لوليه ادّع على
من شئت واحلف فإن حلفت استحقيت الدّية، وإن نكلت حلف
المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة وتوجيهه أن الدم لا
يجب إلا بالطلب. وقال مالك دمه هدر لأنه إذا لم يعلم قاتله
بعينه استحال أن يؤخذ به أحد.
17 - باب إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلاَ دِيَةَ لَهُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قتل) شخص (نفسه خطأ فلا
دية له) قال الإسماعيلي ولا إذا قتلها عمدًا أي فلا مفهوم
لقوله خطأ. قال في الفتح: والذي يظهر أن البخاري إنما قيد
بالخطأ لأنه على الخلاف.
6891 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْهُمْ: أَسْمِعْنَا يَا عَامِرُ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ
فَحَدَا بِهِمْ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنِ السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرٌ
فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللَّهُ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَلاَّ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأُصِيبَ صَبِيحَةَ
لَيْلَتِهِ فَقَالَ الْقَوْمُ: حَبِطَ عَمَلُهُ قَتَلَ
نَفْسَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ
عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا
نَبِىَّ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى زَعَمُوا أَنَّ
عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: «كَذَبَ مَنْ
قَالَهَا، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّهُ
لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ وَأَىُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي الحافظ
قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مولى سلمة بن
الأكوع (عن) مولاه (سلمة) بن الأكوع أبي مسلم واسم الأكوع
سنان بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر) قرية كانت
لليهود على نحو أربع مراحل من المدينة (فقال رجل منهم): هو
أسيد بن حضير (أسمعنا) بكسر الميم (يا عامر) هو ابن سنان
عم سلمة بن الأكوع (من هنيهاتك) بضم الهاء وفتح النون
وسكون التحتية بعدها هاء فألف ففوقية فكاف أراجيزك ولابن
عسكر وأبي ذر عن الكشميهني من هنياتك بتحتية مشددة بدل
الهاء الثانية تصغير هناتك واحدة هناة وتقلب الياء هاء كما
في الرواية الأولى (فحدا) عامر (بهم) أي ساقهم منشدًا
للأراجيز يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
إلى آخر الأبيات.
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من
السائق؟ قالوا) هو (عامر. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (رحمه الله قالوا: يا رسول الله هلا أمتعتنا
به؟) بهمزة مفتوحة وسكون الميم بحياة عامر قبل إسراع الموت
له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال مثل
ذلك لأحد ولا استغفر لإنسان قط يخصه بالاستغفار عند القتال
إلا استشهد، وفي غزوة خيبر قال رجل من القوم: وجبت يا نبي
الله لولا أمتعتنا به، ووقع في مسلم أن هذا الرجل هو عمر
بن الخطاب (فأصيب) عامر (صبيحة ليلته) تلك وذلك أن سيفه
كان قصيرًا فتناول به يهوديًا ليضربه به فرجع ذبابه فأصاب
ركبته، ولم يذكر في هذه الطريق كيفية قتله على عادته -رحمه
الله- في ذكر الترجمة بالحكم، ويكون قد أورد ما يدل على
ذلك صريحًا في مكان آخر حرصًا على عدم التكرار بغير فائدة
وليبعث الطالب على تتبع طرق الحديث والاستكثار منها ليتمكن
من الاستنباط (فقال القوم): ومنهم أسيد بن حضير كما عند
المؤلّف في الأدب (حبط عمله) بكسر الموحدة أي بطل لأنه
(قتل نفسه فلما رجعت وهم يتحدثون أن عامرًا حبط عمله) قال
سلمة (فجئت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقلت: يا نبي الله) ولأبي ذر يا رسول الله (فداك) بفتح
الفاء (أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله. فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كذب من قالها) أي كلمة حبط
عمله (إن له لأجرين) أجر الجهد في الطاعة وأجر الجهاد في
سبيل الله واللام في لأجرين للتأكيد (اثنين) تأكيد لأجرين
(إنه لجاهد) مرتكب للمشقة في الخير (مجاهد) في سبيل الله
عز وجل (وأي قتل) بفتح القاف وسكون الفوقية (يزيده عليه)
أي يزيد الأجر على أجره، ولأبي ذر عن الكشميهني: وأي قتيل
بكسر الفوقية وزيادة تحتية ساكنة يزيد عليه بإسقاط الهاء
من يزيده، وللأصيلي وأي قتيل يزيده.
وهذا الحديث حجة لجمهور أن من قتل نفسه لا يجب فيه شيء إذ
لم ينقل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوجب في
هذه القصة شيئًا وقال الكرماني: والظاهر أن قوله أي في
الترجمة فلا دية له لا وجه له
(10/57)
وموضعه اللائق به الترجمة السابقة أي إذا
مات في الزحام فلا دية له على المزاحمين لظهور أن قاتل
نفسه لا دية له، ولعله من تصرفات النقلة عن نسخة الأصل.
وهذا الحديث هو التاسع عشر من ثلاثيات البخاري، وسبق في
المغازي والأدب والمظالم والذبائح والدعوات، وأخرجه مسلم
وابن ماجة.
18 - باب إِذَا عَضَّ رَجُلاً فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا عض) رجل (رجلاً فوقعت
ثناياه) ثنايا العاضّ.
6892 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ
فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ،
فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا
يَعَضُّ الْفَحْلُ لاَ دِيَةَ لَكَ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت
زرارة بن أوفى) العامري (عن عمران بن حصين) -رضي الله عنه-
(أن رجلاً) اسمه يعلى بن أمية (عضّ يد رجل) هو أجير يعلى
العاض كما عند النسائي مصرحًا به من رواية يعلى نفسه ولم
يسم الأجير (فنزع) المعضوض (يده من فمه) من فم العاض
وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي من فيه
بالتحتية بدل الميم وهو أكثر في اللغة وإن كانت الأولى
فاشية كثيرة (فوقعت ثنيتاه) بالفوقية بعد التحتية
بالتثنية، وللأصيلي وأبي ذر ثناياه بلفظ الجمع على رأي من
يجيز في الاثنين صيغة الجمع وليس للإنسان إلا ثنيتان
(فاختصموا) بلفظ الجمع لأن لكل مخاصم جماعة يخاصمون معه أو
لأن ضمير الجمع يقع على المثنى كقوله تعالى: {إذ دخلوا على
داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان} [ص: 22] (إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يتعلق باختصموا
وتعدى بإلى وإن كان اختصم لا يتعدى بإلى لأنه ملموح فيه
معنى تحاكموا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يعض أحدكم أخاه) بحذف همزة الاستفهام والأصل أيعض على
طريق الإنكار وحذفت كما حذفت من قوله تعالى: {وتلك نعمة
تمنّها عليّ} [الشعراء: 22] التقدير أو تلك نعمة والمعنى
أيعض أحدكم يد أخيه (كما يعض الفحل) الذكر من الإبل والكاف
نعت لمصدر محذوف أي أيعض أحدكم أخاه عضًّا مثل ما يعض
الفحل (لا دية لك) لا نافية ودية مبني مع لا ومحل لا مع
اسمها رفع بالابتداء والخبر في المجرور أو محذوف على مذهب
الأكثرين، فيكون لك في محل صفة والتقدير لا دية كائنة لك
موجودة وفي رواية ابن عساكر في نسخة وأبي ذر عن الحموي
والمستملي له بالهاء بدل كاف لك. قال النووي: ولو عضت يده
خلصها بالأسهل من فك لحييه وضرب شقه فإن عجز فسلّها فندرت
أسنانه أي سقطت فهدر أي لأن العض لا يجوز بحال.
والحديث أخرجه مسلم في الدّيات والنسائي في القصاص وابن
ماجة في الدّيات أيضًا.
6893 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: خَرَجْتُ فِى غَزْوَةٍ فَعَضَّ رَجُلٌ فَانْتَزَعَ
ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز المكي (عن عطاء) هو ابن أبي رباح
المكي (عن صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن منية بضم الميم
وسكون النون وفتح التحتية اسم أمه واسم أبيه أمية بضم
الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية التميمي الحنظلي -رضي
الله عنه- أنه (قال: خرجت في غزوة) بسكون الزاي بعدها واو
أي غزوة تبوك ولأبي ذر عن الكشميهني في غزاة بفتح الزاي
بعدها ألف بدل الواو (فعضّ رجل) أي رجلاً آخر (فانتزع) أي
يده فأندر (ثنيته فأبطلها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي حكم أن لا ضمان على المعضوض بشرط تألمه وأن
لا يمكنه تخليص يده بغير ذلك من ضرب أو فك لحييه ليرسلها
ومهما أمكن التخلص بدون ذلك فعدل عنه إلى الأثقل لم يهدر.
19 - باب السِّنِّ بِالسِّنِّ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (السن) تقلع (بالسن) وفي نسخة
بإضافة الباب لتاليه.
6894 - حَدَّثَنَا الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ،
عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ ابْنَةَ النَّضْرِ
لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَأَتَوُا
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ
بِالْقِصَاصِ.
وبه قال: (حدّثنا الأنصاري) محمد بن عبد الله المثنى
البصري قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-
أن ابنة النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة
واسمها الربيع بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية
المكسورة وهو جدّ أنس (لطمت جارية) وفي رواية الفزاري
السابقة في سورة المائدة جارية من الأنصار، وفي رواية
معتمر عند أبي داود امرأة بدل جارية، وفيه أن المراد
بالجارية المرأة الشابة لا الأمة الرقيقة (فكسرت ثنيتها)
فعرضوا عليهم الارش فأبوا فطلبوا العفو فأبوا (فأتوا) أي
أتى أهلها (النبي
(10/58)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
يطلبون القصاص (فأمر بالقصاص) وهو محمول على أن الكسر كان
منضبطًا وأمكن القصاص بأن ينشر بمنشار بقول أهل الخبرة
وهذا بخلاف غير السن من العظام لعدم الوثوق بالمماثلة
فيها. قال الشافعي: ولأن دون العظم حائلاً من جلد ولحم
وعصب تتعذر معه المماثلة، وهذا مذهب الشافعية والحنفية،
وقال المالكية: بالقود في العظام إلا ما كان مخوفًا أو كان
كالمأمومة والمنقلة والهاشمة ففيها الدّية.
وهذا الحديث العشرون من الثلاثيات.
20 - باب دِيَةِ الأَصَابِعِ
(باب دية الأصابع) هل هي مستوية أو مختلفة؟.
6895 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِى الْخِنْصَرَ
وَالإِبْهَامَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن
ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(هذه وهذه سواء) في الدّية (يعني الخنصر) بكسر المعجمة
وفتح المهملة (والإبهام) وفي رواية النسائي بحذف يعني،
وعند الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة: الأصابع
والأسنان سواء الثنية والضرس سواء، ولأبي داود والترمذي
أصابع اليدين والرجلين سواء، ولابن ماجة من حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده رفعه: الأصابع سواء كلهنّ فيه عشر عشر
من الإبل أي فلا فضل لبعض الأصابع على بعض وأصابع اليد
والرجل سواء كما عليه أئمة الفتوى، وفي حديث عمرو بن حزم
عند النسائي: وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من
الإبل. قال
الخطابي: وهذا أصل في كل جناية لا تضبط كميتها فإذا فات
ضبطها من جهة المعنى اعتبرت من حيث الاسم فتتساوى ديتها
وإن اختلف كمالها ومنفعتها ومبلغ فعلها فإن للإبهام من
القوة ما ليس للخنصر ومع ذلك فديتهما سواء ولو اختلفت
المساحة وكذلك الأسنان نفع بعضها أقوى من بعض وديتها سواء
نظرًا للاسم فقط.
والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في
الدّيات.
0000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار
قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) عمد واسم أبي عدي إبراهيم (عن
شعبة) بن الحجاج (عن قتاة عن عكرمة عن ابن عباس) أنه (قال:
سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه).
فعند ابن ماجة والإسماعيلي من رواية ابن أبي عدي المذكورة
بلفظ الأصابع سواء، وكذا أخرجاه من رواية ابن أبي عدي
أيضًا، لكن مقرونًا به غندر والقطان بلفظ الرواية الأولى
لكن بتقديم الإبهام على الخنصر.
وهذا الحديث الذي ساقه المؤلّف نزل به درجة لأجل وقوع
التصريح فيه بسماع ابن عباس من النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخرجه ابن ماجة.
21 - باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ
هَلْ يُعَاقِبُ أَوْ يَقْتَصُّ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ؟.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِىِّ فِى رَجُلَيْنِ
شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ عَلِىٌّ
ثُمَّ جَاءَا بِآخَرَ وَقَالاَ: أَخْطَأْنَا فَأَبْطَلَ
شَهَادَتَهُمَا وَأُخِذَا بِدِيَةِ الأَوَّلِ وَقَالَ:
لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أصاب قوم من رجل هل
يعاقب) بفتح القاف مبنيًّا للمفعول، وفي رواية يعاقبون
بلفظ الجمع وفي أخرى يعاقبوا بحذف النون لغة ضعيفة أي هل
يكافأ الذين أصابوه ويجازون على فعلهم كما وقع في اللدود
(أو يقتص) بالبناء للمفعول وفي اليونينية للفاعل فيهما
(منهم كلهم؟) إذا قتلوه أو جرحوه أو يتعين واحد ليقتص منه
ويؤخذ من الباقين الدّية والأول مذهب جمهور العلماء، وروي
الثاني عن عبد الله بن الزبير ومعاذ فلو قتله عشرة فله أن
يقتل واحد منهم ويأخذ من التسعة تسعة أعشار الدّية.
(وقال مطرف): بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء مشددة
بعدها فاء ابن طريف فيما رواه إمامنا الشافعي -رحمه الله-
عن سفيان بن عيينة عن مطرف (عن الشعبي) عامر (في رجلين) لم
يسميا (شهدا على رجل) لم يسم أيضًا (أنه سرق فقطعه) أي
فقطع يده (عليّ) -رضي الله عنه- لثبوت سرقته
عنده بشهادتهما (ثم جاءا) أي الشاهدان (بآخر) برجل آخر إلى
علي -رضي الله عنه- (وقالا): ولأبي ذر فقالا بالفاء بدل
الواو هذا الذي سرق وقد (أخطأنا) على الأول (فأبطل) علي
-رضي الله عنه- (شهادتهما) على الآخر كما في رواية
الشافعي، وفيه ردّ على من حمل الإبطال في قوله فأبطل
شهادتهما على إبطال شهادتيهما معًا الأولى لإقرارهما فيها
بالخطأ، والثانية لكونهما صارا متهمين فاللفظ وإن كان
محتملاً، لكن رواية
(10/59)
الشافعي عينت أحد الاحتمالين (وأخذا) بضم
الهمزة وكسر المعجمة بلفظ التثنية (بدية) يد الرجل (الأول)
ولفظ رواية الشافعي وأغرمهما دية الأول (وقال: لو علمت
أنكما تعمدتما) في شهادتكما الكذب (لقطعتكما) أي لقطعت
أيديكما. قال البخاري:
6896 - وَقَالَ لِى ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -
رضى الله عنهما - أَنَّ غُلاَمًا قُتِلَ غِيلَةً فَقَالَ
عُمَرُ: لَوِ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ
لَقَتَلْتُهُمْ، وَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ
أَبِيهِ: إِنَّ أَرْبَعَةً قَتَلُوا صَبِيًّا فَقَالَ
عُمَرُ مِثْلَهُ، وَأَقَادَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ
الزُّبَيْرِ وَعَلِىٌّ وَسُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ مِنْ
لَطْمَةٍ وَأَقَادَ عُمَرُ مِنْ ضَرْبَةٍ بِالدِّرَّةِ
وَأَقَادَ عَلِىٌّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَسْوَاطٍ، وَاقْتَصَّ
شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ وَخُمُوشٍ.
(وقال لي ابن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة محمد
المعروف ببندار (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد
الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر
(عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلامًا) اسمه أصيل كما رواه
البيهقي (قتل) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (غيلة) بكسر
الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها لام مفتوحة فهاء تأنيث
أي سرًّا أو غفلة وخديعة. قال في المقدمة: والقاتل أربعة
المرأة أم الصبي وصديقها وجاريتها ورجل ساعدهم ولم يسموا
(فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-: (لو اشترك فيها) أي
في هذه الفعلة أو التأنيث على إرادة النفس ولأبي ذر عن
الكشميهني فيه أي في قتله (أهل صنعاء لقتلتهم) صنعاء
بالمدّ بلد باليمن معروف. قال في الفتح: وهذا الأثر موصول
إلى عمر بأصح إسناد، وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الله
بن نمير عن يحيى القطان من وجه آخر عن نافع بلفظ أن عمر
قتل خمسة أو ستة برجل قتلوه غيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل
صنعاء لقتلتهم جميعًا.
(وقال مغيرة بن حكيم) الصنعاني: (عن أبيه) حكيم (أن أربعة)
بكسر الهمزة وتشديد النون (قتلوا صبيًّا فقال عمر مثله)
مثل قوله لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم، وهذا مختصر من
أثر وصله ابن وهب ومن طريقه قاسم بن أصبغ والطحاوي
والبيهقي، قال ابن وهب: حدّثني جرير بن حازم أن المغيرة بن
حكيم الصنعاني حدثه عن أبيه أن امرأة بصنعاء غاب عنها
زوجها وترك في حجرها ابنًا له من غيرها غلامًا يقال له
أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلاً فقالت له: إن هذا
الغلام يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها فاجتمع على
قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه ثم
قطّعوه أعضاء وجعلوه في عيبة بفتح العين وسكون التحتية
بعدها موحدة وعاء من أدم وطرحوه في ركية بفتح الراء وكسر
الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو
في ناحية القرية ليس فيها ماء فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف
الباقون فكتب يعلى وهو يومئذٍ أمير بشأنهم إلى عمر فكتب
عمر بقتلهم جميعًا. وقال: والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا
في قتله لقتلتهم أجمعين.
(وأفاد) بالقاف (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- فيما وصله
ابن أبي شيبة (وابن الزبير) عبد الله فيما وصله ابن أبي
شيبة ومسدد جميعًا (وعليّ) هو ابن أبي طالب مما وصله ابن
أبي شيبة (وسويد بن مقرّن) بضم الميم وفتح القاف وكسر
الراء مشددة بعدها نون المزني مما وصله ابن أبي شيبة (من
لطمة وأقاد عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (من ضربة
بالدرة) بكسر الدال المهملة وتشديد الراء آلة يضرب بها
(وأقاد عليّ) بن أبي طالب -رضي الله عنه- (من ثلاثة أسواط)
أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق فضيل بن عمرو
عن عبد الله بن معقل بكسر القاف قال: كنت عند عليّ فجاءه
رجل فسارّه فقال: يا قنبر بفتح القاف والموحدة بينهما نون
ساكنة آخره راء أخرج فاجلد هذا فجاء المجلود فقال: إنه زاد
عليّ ثلاثة أسواط فقال: صدق فقال: خذ السوط فاجلده ثلاثة
أسواط ثم قال: يا قنبر إذا جلدت فلا تتعد الحدود.
(واقتص شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء بعدها تحتية
ساكنة فمهملة ابن الحارث القاضي (من سوط وخموش) بضم الخاء
المعجمة والميم وبعد الواو معجمة الخدوش زنة ومعنى وهذا
وصله سعيد بن منصور في السوط وابن أبي شيبة في الخموش.
6897 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ
سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ
عَائِشَةُ لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَرَضِهِ، وَجَعَلَ يُشِيرُ
إِلَيْنَا لاَ تَلُدُّونِى قَالَ: فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ
الْمَرِيضِ بِالدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ
أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِى»؟ قَالَ: قُلْنَا كَرَاهِيَةٌ
لِلدَّوَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ
لُدَّ، وَأَنَا أَنْظُرُ، إِلاَّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ
لَمْ يَشْهَدْكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثنا موسى
بن أبي عائشة) الهمداني (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد
الله) بن عتبة بن مسعود أنه (قال: قالت عائشة) -رضي الله
عنها- (لددنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بدالين مهملتين جعلنا له دواء في أحد جانبي
فمه بغير اختياره
(10/60)
(في مرضه) الذي توفي فيه (وجعل يشير إلينا
لا تلدوني قال فقلنا) نهيه هذا ليس للإيجاب بل كرهه
(كراهية) ولغير أبي ذر كراهية بالرفع أي بل هو كراهية
(المريض بالدواء) بالموحدة (فلما أفاق) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال):
(ألم أنهكم) ولأبي ذر عن الكشميهني أنهكنّ بنون جمع الأناث
بدل ميم جمع الذكور (أن تلدوني) بضم اللام (قال: قلنا
كراهية للدواء) بالنصب وبالرفع منوّنًا، وللكشميهني كراهية
المريض
للدواء (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لا يبقى منكم أحد) من الرجال والنساء (إلا لد)
بضم اللام وتشديد المهملة (وأنا أنظر إلا العباس) -رضي
الله عنه- (فإنه لم يشهدكم).
قيل هذا الحديث لا يناسب الترجمة لأنه غير ظاهر في القصاص
لاحتمال أن يكون عقوبة لهم حيث خالفوا أمره عليه الصلاة
والسلام، وقال شارح التراجم أما القصاص من اللطمة والدرة
والأسواط فليس من الترجمة لأنه من شخص واحد وقد يجاب عنه
بأنه إذا كان القود يؤخذ من هذه المحقرات فكيف لا يقاد من
الجمع من الأمور العظائم كالقتل والقطع وما أشبه ذلك.
والحديث سبق قريبًا في باب القصاص بين الرجال والنساء.
22 - باب الْقَسَامَةِ
وَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ»
وَقَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: لَمْ يُقِدْ بِهَا
مُعَاوِيَةُ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى
عَدِىِّ بْنِ أَرْطَاةَ وَكَانَ أَمَّرَهُ عَلَى
الْبَصْرَةِ فِى قَتِيلٍ وُجِدَ عِنْدَ بَيْتٍ مِنْ
بُيُوتِ السَّمَّانِينَ إِنْ وَجَدَ أَصْحَابُهُ
بَيِّنَةً، وَإِلاَّ فَلاَ تَظْلِمِ النَّاسَ، فَإِنَّ
هَذَا لاَ يُقْضَى فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(باب القسامة) بفتح القاف مأخوذة من القسم وهو اليمين،
وقال الأزهري: القسامة اسم للأولياء الذين يحلفون على
استحقاق دم المقتول، وقيل: مأخوذة من القسمة لقسمة الأيمان
على الورثة واليمين فيها من جانب المدعي لأن الظاهر معه
بسبب اللوث المقتضي لظن صدقه وفي غير ذلك الظاهر مع المدعى
عليه فلذا خرج هذا عن الأصل.
(وقال الأشعث بن قيس) بالمثلثة الكندي مما وصله في
الشهادات وغيرها (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: شاهداك أو يمينه) برفع شاهداك خبر مبتدأ محذوف
أي المثبت لدعواك شاهداك أو يمينه عطف عليه.
(وقال ابن أبي مليكة): هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي
مليكة بضم الميم واسمه زهير مما وصله حماد بن سلمة في
مصنفه ومن طريقه ابن المنذر (لم يقد) بضم الياء التحتية
وكسر القاف من أقاد أي لم يقتص (بها) بالقسامة (معاوية) بن
أبي سفيان، وتوقف ابن بطال في ثبوته فقال: قد صح عن معاوية
أنه أقاد بها ذكر ذلك عنه أبو الزناد في احتجاجه على أهل
العراق. قال في الفتح: هو في صحيفة عبد الرحمن بن أبي
الزناد عن أبيه ومن طريقه أخرجه البيهقي وجمع بأن معاوية
لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك ولما وقعت لغيره
وكل الأمر في ذلك إليه فلفظ البيهقي عن خارجة بن زيد بن
ثابت قال: قتل رجل من الأنصار رجلاً من بني العجلان ولم
يكن في ذلك بيّنة ولا لطخ فأجمع رأي الناس على أن تحلف
ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه فركبت إلى معاوية في
ذلك، فكتب إلى سعيد بن العاص إن كان ما ذكره حقًّا فافعل
ما
ذكروه فدفعت الكتاب إلى سعيد فأحلفنا خمسين يمينًا ثم
أسلمه إلينا انتهى. فنسب إلى معاوية أنه أقاد بها لكونه
أذن في ذلك، ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم
رجع عن ذلك أو بالعكس.
(وكتب عمر بن عبد العزيز) -رحمه الله تعالى- (إلى عديّ بن
أرطأة) بفتح الهمزة والطاء المهملة بينهما راء ساكنة وبعد
الألف هاء تأنيث غير منصرف الفزاريّ (وكان) ابن عبد العزيز
(أمّره) جعله أميرًا (على البصرة) سنة تسع وتسعين (في) أمر
(قتيل وجد) بضم الواو وكسر الجيم (عند بيت من بيوت
السمانين) الذين يبيعون السمن (إن وجد أصحابه) أي أصحاب
القتيل (بيّنة) يحكم بها (وإلاّ) أي وإن لم يجد أصحابه
بيّنة (فلا تظلم الناس) بالحكم في ذلك بغير بيّنة (فإن هذا
لا يفضي) بضم التحية وفتح الضاد المعجمة أي لا يحكم (فيه
إلى يوم القيامة) قال في الفتح: وقد اختلف على عمر بن عبد
العزيز في القود بالقسامة كما اختلف على معاوية فذكر ابن
بطال أن في مصنف حماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة أن عمر بن
عبد العزيز أقاد بالقسامة في إمرته على المدينة فيجمع بأنه
وإن يرى ذلك لما كان أميرًا على المدينة ثم رجع لما ولي
الخلافة.
6898 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ زَعَمَ أَنَّ
رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: سَهْلُ بْنُ أَبِى
حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ
انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا،
وَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلاً، وَقَالُوا لِلَّذِى
وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا، قَالُوا: مَا
قَتَلْنَا وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً، فَانْطَلَقُوا إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إِلَى
خَيْبَرَ فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلاً فَقَالَ:
«الْكُبْرَ الْكُبْرَ» فَقَالَ لَهُمْ: «تَأْتُونَ
بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ» قَالُوا: مَا لَنَا
بَيِّنَةٌ قَالَ: «فَيَحْلِفُونَ». قَالُوا: لاَ نَرْضَى
بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ
فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن
(10/61)
دكين قال: (حدّثنا سعيد بن عبيد) أبو
الهذيل الطائي الكوفي (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح
المعجمة وشار بالتحتية وتخفيف المهملة المدني أنه (زعم أن
رجلاً) أي قال إن رجلاً (من الأنصار يقال له سهل بن أبي
حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة وهو كما قال المزي
سهل بن عبد الله بن أبي حثمة واسم أبي حثمة عامر بن ساعدة
الأنصاري وعند مسلم من طريق ابن نمير عن سعيد بن بشير عن
سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه (أخبره أن نفرًا من قومه)
اسم جمع يقع على جماعة الرجال خاصة من الثلاثة إلى العشرة
لا واحد له من لفظه، والمراد بهم هنا محيصة بضم الميم وفتح
الحاء المهملة وتشديد التحتية المكسورة بعدها صاد مهملة
وأخوه حويصة بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد التحتية
المكسورة بعدها صاد مهملة ولدًا مسعود وعبد الله وعبد
الرحمن ولدا سهل (انطلقوا إلى خيبر) وفي رواية ابن إسحاق
عند ابن أبي عاصم فخرج عبد الله بن سهل في أصحاب له
يمتارون تمرًا. زاد سليمان بن بلال عند مسلم في زمن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي يومئذٍ صلح
وأهلها يهود الحديث والمراد أن ذلك وقع بعد فتحها
(فتفرّقوا فيها ووجدوا) بالواو ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فوجدوا (أحدهم قتيلاً) هو عبد الله بن سهل وفي
رواية بشر بن المفضل السابقة في الجزية فأتي محيصة إلى عبد
الله بن
سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه (وقالوا) أي النفر
(للذي) أي لأهل خيبر الذين (وجد) بضم الواو وكسر الجيم
(فيهم) عبد الله بن سهل قتيلاً: (قتلتم) ولأبي ذر عن
الحموي قد قتلتم (صاحبنا) وقوله للذي بحذف النون فهو كقوله
تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} [التوبة: 69] (قالوا) أي أهل
خيبر: (ما قتلنا) صاحبكم (ولا علمنا قاتلاً) له (فانطلقوا)
أي عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود (إلى
النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا
أحدنا) فيها (قتيلاً) وفي الأحكام وأقبل أي محيصة هو وأخوه
حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب ليتكلم وهو
الذي كان بخيبر وفي رواية يحيى بن سعيد فبدأ عبد الرحمن
يتكلم وكان أصغر القوم وزاد حماد بن زيد عن يحيى عند مسلم
في أمر أخيه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(الكبر الكبر) بضم الكاف وسكون الموحدة والنصب فيهما على
الإغراء وفي رواية الليث عند مسلم فسكت وتكلم صاحباه
وتكرير الكبر للتأكيد أي ليبدأ الأكبر بالكلام أو قدموا
الأكبر إرشادًا إلى الأدب في تقديم الأسن وحقيقة الدعوى
إنما هي لعبد الرحمن أخي القتيل لاحق فيها لابني عمه،
وإنما أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتكلم
الأكبر وهو حويصة لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى
بل سماع صورة القصة وعند الدعوى يدّعي المستحق أو المعنى
ليكن الكبير وكيلاً له (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (لهم) أي للثلاثة: (تأتون) بفتح النون من غير
تحتية ولأبي ذر عن المستملي تأتوني (بالبينة على من قتله
قالوا: ما لنا بيّنة). وعند النسائي من طريق عبيد الله بن
الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه وإن ابن محيصة
الأصغر أصبح قتيلاً على أبواب خيبر فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في: "أقم شاهدين على قتله
أدفعه إليك برمته" قال: يا رسول الله إني أصيب شاهدين
وإنما أصبح قتيلاً على أبوابهم، وقول بعضهم إن ذكر البيّنة
وهم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد علم أن
خيبر حينئذٍ لم يكن بها أحد من المسلمين أجيب عنه بأنه وإن
سلم أنه لم يسكن مع اليهود فيها من المسلمين أحد لكن في
القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرًا فيجوز أن
تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك.
فإن قلت: كيف عرضت اليمين على الثلاثة والوارث هو عبد
الرحمن خاصة واليمين عليه؟ أجيب: بأنه إنما أطلق الجواب
لأنه غير ملبس أن المراد به الوارث فكما سمع كلام الجميع
في صورة القتل وكيفيته كذلك أجابهم الجميع.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيحلفون) أي
اليهود أنهم ما قتلوه وفي رواية ابن عيينة عن يحيى تبرئكم
يهود بخمسين يحلفون
(10/62)
أي يخلصونكم من الأيمان بأن تحلفوهم فإذا
حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من
الأيمان وفيه البداءة بالمدعى عليهم (قالوا): يا رسول الله
(لا نرضى بأيمان اليهود) وفي رواية يحيى أتحلفون وتستحقون
قاتلكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم، فيحتمل أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلب البيّنة أولاً فلم يكن
لهم بيّنة فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا فعرض عليهم تحليف
المدعى عليهم فأبوا، وقد سقط من رواية حديث الباب تبدئة
المدعين باليمين واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من
ثقة حافظ فوجب قبولها وهي تقضي على من لم يعرفها وإلى
البداءة بالمدعين ذهب الشافعي وأحمد فإن أبوا ردت على
المدعى عليهم وقال بعكسه
أهل الكوفة وكثير من البصرة (فكره رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبطل دمه) بضم أوله وكسر
الطاء من أبطل أي كره أن يهدر دمه (فوداه) بلا همز مع
التخفيف (مائة) وللكشميهني بمائة (من إبل الصدقة). وفي
رواية يحيى بن سعيد من عنده فيحتمل أن يكون اشتراها من إبل
الصدقة بمال دفعه من عنده، أو المراد بقوله من عنده أي من
بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار
الانتفاع به مجانًا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات
البين. قال أبو العباس القرطبي: ورواية من قال من عنده أصح
من رواية من قال من إبل الصدقة، وقد قيل إنها غلط والأولى
أن لا يغلط الراوي ما أمكن، فيحتمل أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال
الفيء.
وفي الحديث مشروعية القسامة وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من
الصحابة والتابعين وعلماء الأمة كمالك والشافعي في أحد
قوليه وأحمد، وعن طائفة التوقف في ذلك فلم يروا القسامة
ولا أثبتوا فها في الشرع حكمًا وإليه نحا البخاري. قال
العيني: ذكر الحديث مطابقًا لما قبله في عدم القود في
القسامة وأن الحكم فيها مقصور على البيّنة واليمين كما في
حديث الأشعث.
والحديث سبق في الصلح والجزية.
6899 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِىُّ،
حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِى عُثْمَانَ، حَدَّثَنِى
أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ أَبِى قِلاَبَةَ، حَدَّثَنِى أَبُو
قِلاَبَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ
سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ
فَدَخَلُوا فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِى الْقَسَامَةِ؟
قَالَ: نَقُولُ الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ،
وَقَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَالَ لِى: مَا
تَقُولُ يَا أَبَا قِلاَبَةَ؟ وَنَصَبَنِى لِلنَّاسِ،
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ
الأَجْنَادِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ
خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ
بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى لَمْ يَرَوْهُ أَكُنْتَ
تَرْجُمُهُ؟ قَالَ: "لاَ" قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ
خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصَ
أَنَّهُ سَرَقَ أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ؟
قَالَ: "لاَ" قُلْتُ: فَوَاللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدًا
قَطُّ، إِلاَّ فِى إِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: رَجُلٌ قَتَلَ
بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ
إِحْصَانٍ، أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَارْتَدَّ عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ الْقَوْمُ: أَوَ
لَيْسَ قَدْ حَدَّثَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ فِى
السَّرَقِ، وَسَمَرَ الأَعْيُنَ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِى
الشَّمْسِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ،
حَدَّثَنِى أَنَسٌ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً
قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلاَمِ
فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ،
فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَفَلاَ تَخْرُجُونَ مَعَ
رَاعِينَا فِى إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا
وَأَبْوَالِهَا». قَالُوا: بَلَى، فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا
مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا
رَاعِىَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَرْسَلَ فِى آثَارِهِمْ فَأُدْرِكُوا فَجِىءَ بِهِمْ
فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِى الشَّمْسِ،
حَتَّى مَاتُوا قُلْتُ: وَأَىُّ شَىْءٍ أَشَدُّ مِمَّا
صَنَعَ هَؤُلاَءِ؟ ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ،
وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ:
وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ
فَقُلْتُ: أَتَرُدُّ عَلَىَّ حَدِيثِى يَا عَنْبَسَةُ
قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ جِئْتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ
وَاللَّهِ لاَ يَزَالُ هَذَا الْجُنْدُ بِخَيْرٍ مَا عَاشَ
هَذَا الشَّيْخُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ
فِى هَذَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ
الأَنْصَارِ فَتَحَدَّثُوا عِنْدَهُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ
مِنْهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقُتِلَ فَخَرَجُوا بَعْدَهُ
فَإِذَا هُمْ بِصَاحِبِهِمْ يَتَشَحَّطُ فِى الدَّمِ،
فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
صَاحِبُنَا كَانَ تَحَدَّثَ مَعَنَا فَخَرَجَ بَيْنَ
أَيْدِينَا فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِى الدَّمِ،
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «بِمَنْ تَظُنُّونَ أَوْ تَرَوْنَ
قَتَلَهُ؟» قَالُوا: نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ،
فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِ فَدَعَاهُمْ فَقَالَ:
«اْنْتُمْ قَتَلْتُمْ هَذَا؟» قَالُوا: لاَ. قَالَ:
«أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنَ الْيَهُودِ مَا
قَتَلُوهُ؟» فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا
أَجْمَعِينَ ثُمَّ يَنْتَفِلُونَ، قَالَ:
«أَفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ
مِنْكُمْ؟» قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ فَوَدَاهُ مِنْ
عِنْدِهِ قُلْتُ: وَقَدْ كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا
خَلِيعًا لَهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَطَرَقَ أَهْلَ
بَيْتٍ مِنَ الْيَمَنِ بِالْبَطْحَاءِ فَانْتَبَهَ لَهُ
رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ
فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ فَأَخَذُوا الْيَمَانِىَ فَرَفَعُوهُ
إِلَى عُمَرَ بِالْمَوْسِمِ، وَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا
فَقَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ خَلَعُوهُ، فَقَالَ يُقْسِمُ
خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوهُ، قَالَ: فَأَقْسَمَ
مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً، وَقَدِمَ رَجُلٌ
مِنْهُمْ مِنَ الشَّأْمِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقْسِمَ
فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ
فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ رَجُلاً آخَرَ، فَدَفَعَهُ إِلَى
أَخِى الْمَقْتُولِ، فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ، قَالُوا:
فَانْطَلَقَا وَالْخَمْسُونَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا حَتَّى
إِذَا كَانُوا بِنَخْلَةَ أَخَذَتْهُمُ السَّمَاءُ،
فَدَخَلُوا فِى غَارٍ فِى الْجَبَلِ فَانْهَجَمَ الْغَارُ
عَلَى الْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا، فَمَاتُوا
جَمِيعًا وَأَفْلَتَ الْقَرِينَانِ وَاتَّبَعَهُمَا
حَجَرٌ، فَكَسَرَ رِجْلَ أَخِى الْمَقْتُولِ، فَعَاشَ
حَوْلاً ثُمَّ مَاتَ، قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَقَادَ رَجُلاً بِالْقَسَامَةِ،
ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ مَا صَنَعَ، فَأَمَرَ بِالْخَمْسِينَ
الَّذِينَ أَقْسَمُوا، فَمُحُوا مِنَ الدِّيوَانِ
وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّأْمِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (إسماعيل بن
إبراهيم) المشهور بابن علية اسم أمه (الأسدي) بفتح السين
المهملة نسبة إلى بني أسد بن خزيمة قال: (حدّثنا الحجاج بن
أبي عثمان) ميسرة أو سالم البصري المعروف بالصواف قال:
(حدّثني) بالإفراد (أبو رجاء) سلمان (من) موالي (آل أبي
قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد الجرمي
بفتح الجيم وسكون الراء قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو
قلابة) عبد الله (أن عمر بن عبد العزيز) -رحمه الله- في
زمن خلافته (أبرز) أظهر (سريره) الذي جرت عادة الخلفاء
بالاختصاص بالجلوس عليه إلى ظاهر داره (يومًا للناس ثم أذن
لهم) في الدخول عليه ظاهر داره (فدخلوا) عليه (فقال) لهم
(ما تقولون في القسامة؟ قال) قائل منهم كذا في الفرع كأصله
وفي غيرهما قالوا (نقول القسامة القود بها حق) أي واجب
(وقد أفادت بها الخلفاء) كمعاوية بن أبي سفيان وعبد الله
بن الزبير وعبد الملك بن مروان قال أبو قلابة (قال لي ما
تقول يا أبا قلابة)؟ فيها (ونصبني للناس) أي أبرزني
لمناظرتهم أو لكونه كان خلف السرير فأمره
أن يظهر (فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد) بفتح
الهمزة وسكون الجيم بعدها نون، ولابن ماجة وصححه ابن خزيمة
في غسل الأعقاب. قال أبو صالح فقلت لأبي عبد الله: من
حدثك؟ قال: أمراء الأجناد خالد بن الوليد ويزيد بن أبي
سفيان وشرحبيل ابن حسنة وعمرو بن العاص، والجند في الأصل
الأنصار والأعوان ثم اشتهر في المقاتلة، وكان عمر قسم
الشام بعد موت أبي عبيدة ومعاذ على أربعة أمراء مع كل أمير
جند (وأشراف العرب) أي رؤساؤهم (أرأيت) أي أخبرني (لو أن
خمسين منهم شهدوا على رجل محصن) بفتح الصاد وكان (بدمشق
أنه قد زنى لم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولم (يروه
أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا
على رجل بحمص أنه سرق أكنت
(10/63)
تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فوالله ما
قتل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدًا
قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل) بالرفع مصححًا عليه في
الفرع كأصله (قتل) بفتحات متلبسًا (بجريرة نفسه) بفتح
الجيم أي بما يجرّه إلى نفسه من الذنب أو من الجناية أي
فقتل ظلمًا (فقتل) قصاصًا بضم القاف وكسر الفوقية بالبناء
للمفعول (أو رجل زنى بعد إحصان) وكذا امرأة (أو رجل حارب
الله ورسوله وارتدّ عن الإسلام، فقال القوم: أوليس قد حدث
أنس بن مالك) وعند مسلم من طريق ابن عون فقال عنبسة بن
سعيد قد حدّثنا أنس (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع في السرق) بفتح السين والراء جمع
السارق أو مصدر (وسمر) بالتخفيف كحل (الأعين) بالمسامير
المحماة ولأبي ذر والأصيلي بالتشديد. قال القاضي عياض:
والتخفيف أوجه (ثم نبذهم) بالذال المعجمة طرحهم (في الشمس)
قال أبو قلابة (فقلت: أنا أحدثكم حديث أنس، حدّثني)
بالإفراد (أنس أن نفرًا من عكل) بضم العين المهملة وسكون
الكاف (ثمانية) نصب بدلاً من نفرًا (قدموا على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبايعوه على الإسلام
فاستوخموا الأرض) أرض المدينة فلم توافقهم وكرهوها لسقم
أجسامهم (فسقمت أجسامهم) بكسر القاف وفتح السين قبلها
(فشكوا ذلك) السقم وعدم موافقة أرض المدينة لهم (إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فلما شكوا
(قال) لهم: (أفلا فخرجوا مع راعينا) يسار النوبي (في إبله)
التي يرعاها لنا (فتصيبون من ألبانها وأبوالها قالوا: بلى
فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا) بتشديد الحاء
(فقتلوا راعي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) يسارًا (وأطردوا) بهمزة مفتوحة وسكون الطاء
وفي آل ملك بتشديد الطاء أي ساقوا (النعم، فبلغ ذلك رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل في
آثارهم) شبابًا من الأنصار قريبًا من عشرين وكان أميرهم
كرز بن جابر في السنة السادسة (فأدركوا) بضم الهمزة (فجيء
بهم فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهم فقطعت
أيديهم وأرجلهم) بتشديد الطاء في الفرع (وسمر) بالتخفيف
ولأبي ذر بالتشديد كحل (أعينهم). وفي مسلم فاقتص منهم بمثل
ما فعلوا. وقال الشافعي: إنه منسوخ، وتقرير ذلك أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فعل ذلك
بالعرنيين كان بحكم الله وحيًا أو باجتهاد مصيب فنزلت آية
المحاربة {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة:
33] الآية ناسخة لذلك (ثم نبذهم) طرحهم (في الشمس حتى
ماتوا) قال أبو قلابة (قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء
ارتدوا عن الإسلام وقتلوا) الراعي يسارًا (وسرقوا) النعم؟
(فقال عنبسة بن سعيد) بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد
الموحدة سين مهملة الأموي
أخو عمرو بن سعيد الأشدق (والله إن سمعت كاليوم قط) بكسر
الهمزة وتخفيف النون بمعنى ما النافية والمفعول محذوف أي
ما سمعت قبل اليوم مثل ما سمعت منك اليوم قال أبو قلابة
(فقلت: أترد علي) بتشديد الياء (حديثي بل عنبسة؟ قال: لا)
أرد عليك (ولكن جئت بالحديث على وجهه: والله لا يزال هذا
الجند) أي أهل الشأم (بخبر ما عاش هذا الشيخ) أبو قلابة
(بين أظهرهم) قال أبو قلابة (قلت: وقد كان في هذا) قال في
الكواكب: أي في مثله (سنة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي أنه لم يحلف المدعي للدم بل حلف
المدعى عليه أوّلاً (دخل عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (نفر من الأنصار) يحتمل أنهم عبد الله بن سهل
ومحيصة وأخوه (فتحدثوا عنده فخرج رجل منهم) إلى خيبر (بين
أيديهم؟ هو عبد الله بن سهل (فقتل) بها (فخرجوا بعده) إلى
خيبر (فإذا هم بصاحبهم) عبد الله بن سهل (يتشحط) بفتح
التحتية والفوقية والشين المعجمة والحاء المشددة المهملة
بعدها طاء مهملة أيضًا يضطرب (في الدم) ولأبي ذر عن
الكشميهني في دمه (فرجعوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: يا رسول الله صاحبنا) عبد الله
بن سهل الذي (كان يتحدث) والذي في اليونينية تحدث (معنا)
عندك (فخرج بين أيدينا) إلى خيبر
(10/64)
(فإذا نحن به) عندها (يتشحط في الدم فخرج
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته
أو من مسجده إليهم (فقال) لهم: (بمن تظنون أو ترون) بفتح
الفوقية أو بضمها وهو بمعنى تظنون والشك من الراوي ولأبي
ذر أو من ترون (قتله قالوا: نرى) بفتح النون أو بضمها أي
نظن (أن اليهود قتلته) بتاء التأنيث. قال العيني: كذا في
رواية المستملي وفي رواية غيره قتله بدونها بلفظ الماضي.
قال: وقوله في فتح الباري وفي رواية المستملي قتلته بصيغة
المسند إلى الجمع المستفاد من لفظ اليهود لأن المراد قتلوه
غلط فاحش لأنه مفرد مؤنث ولا يصح أن نقول قتلته بالنون بعد
اللام لأنه صيغة جمع المؤنث (فأرسل) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى اليهود فدعاهم فقال) لهم
مستفهمًا: (آنتم) بمدّ الهمزة (قتلتم هذا؟ قالوا: لا. قال)
عليه الصلاة والسلام للمدعين: (أترضون نفل) بفتح النون
والفاء مصححًا عليها في الفرع كأصله وقال في الفتح
بسكونها. وقال الكرماني بالفتح والسكون الحلف وأصله النفي
وسمي اليمين في القسامة نفلاً لأن القصاص ينفي بها أي
أترضون بحلف (خمسين) رجلاً (من اليهود) إنهم (ما قتلوه
فقالوا) إنهم (ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون)
بفتح التحتية وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الفاء وفي
نسخة ينفلون بضم التحتية ولأبي ذر والأصيلي ينفلون بضم
التحتية وفتح النون وتشديد الفاء مكسورة أي يحلفون (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمدعين (أفتستحقون
الدّية) بهمزة الاستفهام (بأيمان خمسين منكم) بالإضافة
(قالوا: ما كنا لنحلف) بالنصب أي لأن نحلف (فوداه)
النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من عنده) وفي
رواية سعيد بن عبيد فوداه مائة من إبل الصدقة وسبق أنه جمع
بينهما باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه
من عنده.
وفى الحديث أن اليمين توجه أولاً على المدعى عليه لا على
المدعي كما في قصة النفر الأنصاريين، واستدلّ بإطلاق قوله
خمسين منكم على أن من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون
رجلاً ولا بالغًا، وبه قال أحمد. وقال مالك: لا تدخل
النساء في القسامة، وقال إمامنا الشافعي:
لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ لأنها يمين في دعوى
حكمية فكانت كسائر الإيمان ولا فرق في ذلك بين الرجال
والنساء، وقد نبه ابن المنير في الحاشية على النكتة في كون
البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف
المدعي وهي مما تخالف فيه القسامة بقية الحقوق، وقال مذهب
البخاري: تضعيف القسامة فلهذا صدر الباب بالأحاديث الدالة
على أن اليمين في جانب المدعى عليه، وأورد طريق سعيد بن
عبيد وهو جار على القواعد وإلزام المدعى عليه البيّنة ليس
من خصوص القسامة في شيء ثم ذكر حديث القسامة الدال على
خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية
فرارًا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد
البخاري. قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل ذلك: والذي يظهر
لي أن البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي بل يوافق الشافعي
في أنه لا قول فيها ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو
المدعي بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار
ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على
المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في باب
القسامة وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر وليس في شيء من ذلك
تضعيف أصل القسامة. وقال القرطبي الأصل في الدعاوى أن
اليمين على المدعى عليه وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر
إقامة البيّنة على القتل فيها غالبًا فإن القاصد للقتل
يقصد الخلوة ويترصد الغفلة وتأيدت بذلك الرواية الصحيحة
المتفق عليها وبقي ما عدا القسامة على الأصل ثم ليس ذلك
خروجًا عن الأصل بالكلية بل لأن المدعى عليه إنما كان
القول قوله لقوّة جانبه بشهادة الأصل له بالبراءة مما ادعى
عليه وهو موجود في القسامة في جانب المدعي لقوّة جانبه
باللوث الذي يقوي دعواه. قال أبو قلابة بالسند.
(قلت: وقد كانت هذيل) بالذال المعجمة القبيلة المشهورة
المنسوبة
(10/65)
إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر (خلفوا
خليعًا لهم في الجاهلية) بفتح الخاء المعجمة فيهما وكسر
اللام في الثاني فعيلاً بمعنى مفعول. قال في المقدمة: ولم
أقف على أسماء هؤلاء، ولأبي ذر عن الكشميهني حليفًا بالحاء
المهملة والفاء بدل المعجمة والعين. قال في الصحاح: يقال
تخالع القوم إذا نقضوا الحلف بينهم اهـ.
وقد كانت العرب يتعاهدون على النصرة وأن يؤخذ كل منهم
بالآخر فإذا أرادوا أن يتبرؤوا من الذي حالفوه أظهروا ذلك
للناس وسموا ذلك الفعل خلعًا والمبرأ منه خليعًا أي
مخلوعًا فيؤخذون بجنايته ولا يؤخذ بجنايتهم فكأنهم قد
خلعوا اليمين التي كانت قد التمسوها معه ومنه سمي الأمير
إذا عزل خليعًا ومخلوعًا مجازًا واتساعًا، ولم يكن ذلك في
الجاهلية يختص بالحليف بل كانوا ربما خلفوا الواحد من
القبيلة ولو كان من صميمها إذا صدرت منه جناية تقتضي ذلك
وهذا مما أبطله الإسلام من حكم الجاهلية ومن ثم قيده في
الخبر بقوله في الجاهلية. قال في الفتح: ولم أقف على اسم
الخليع المذكور ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة.
(فطرق) الخليع (أهل بيت) وفي نسخة فطرق بضم الطاء وكسر
الراء مبنيًّا للمفعول أهل بيت (من اليمن بالبطحاء) وادي
مكة أي هجم عليهم ليلاً في خفية ليسرق منهم (فانتبه له رجل
منهم) من أهل البيت (فحذفه) بالحاء المهملة والذال المعجمة
رماه (بالسيف فقتله فجاءت هذيل فأخذو) الرجل (اليماني)
بالتخفيف وفي الملكية بالتشديد الذي قتل الخليع (فرفعوه
إلى عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (بالموسم) الذي يجتمع
فيه الحاج كل سنة (وقالوا: اقتل صاحبنا. فقال) القاتل إنه
لص و (إنهم) يعني قومه (قد خلعوه) وفي نسخة قد خلعوا بحذف
الهاء (فقال) عمر -رضي الله عنه- (يقسم) بضم أوله أي يحلف
(خمسون من هذيل) أنهم (ما خلعوه) وفي نسخة بحذف الهاء
(قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلاً) كاذبين أنهم ما
خلعوه (وقدم رجل منهم) أي من هذيل (من الشام فسألوه أن
يقسم) كقسمهم (فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا) بفتح
الهمزة (مكانه رجلاً آخر فدفعه إلى أخي المقتول فقرنت) بضم
القاف (يده بيده قالوا): ولأبي ذر قال قالوا: (فانطلقنا)
نحن (والخمسون) والذي في اليونينية فانطلقا والخمسون
(الذين أقسموا) أنهم ما خلعوه وهو من إطلاق الكل وإرادة
الجزء إذ الذين أقسموا إنما هم تسعة وأربعون (حتى إذا
كانوا بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة موضع على
ليلة من مكة لا ينصرف (أخذتهم السماء) أي المطر (فدخلوا في
غار في الجبل فانهجم) بسكون النون وفتح الهاء والجيم أي
سقط وللأصيلي فانهدم (الغار على الخمسين الذين أقسموا
فماتوا جميعًا. وأفلت) بضم الهمزة والذي في اليونينية
بفتحها (القرينان) أخو المقتول والرجل الذي جعلوه مكان
الرجل الشامي أي تخلصًا (واتبعهما) بتشديد الفوقية بعد
همزة الوصل وبالموحدة (حجر) وقع عليهما بعد أن تخلصًا
وخرجا من الغار (فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولاً ثم مات)
وغرض المؤلّف من هذه القصة أن الحلف توجه أوّلاً على
المدعى عليه لأجل المدعي كقصة النفر من الأنصار. قال أبو
قلابة بالسند السابق موصولاً لأنه أدرك ذلك.
(قلت: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلاً) قال في
الفتح: لم أقف على اسمه (بالقسامة ثم ندم بعدما صنع فأمر
بالخمسين الذين أقسموا) من باب إطلاق الكل على البعض كما
مر (فمحوا) بضم الميم والحاء المهملة (من الديوان) بفتح
الدال وكسرها الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأصل
العطاء فارسي معرب وأوّل من دوّن الدواوين عمر -رضي الله
عنه- (وسيّرهم) أي نفاهم (إلى الشام) وفي رواية أحمد بن
حرب عند أبي نعيم في مستخرجه من الشام بدل إلى. قال في
الفتح: وهذه أولى لأن إقامة عبد الملك كانت بالشام، ويحتمل
أن يكون ذلك وقع بالعراق عند محاربته مصعب بن الزبير
ويكونوا من أهل العراق فنفاهم إلى الشام اهـ.
وقد تعجب القابسي بالقاف والموحدة من عمر بن عبد العزيز
(10/66)
كيف أبطل حكم القسامة الثابت بحكم رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمل الخلفاء
الراشدين بقول أبي قلابة وهو من بله التابعين وسمع منه في
ذلك قولاً مرسلاً غير مسند مع أنه انقلب عليه قصة الأنصار
إلى قصة خيبر، فركب
إحداهما مع الأخرى لقلة حفظه وكذا سمع حكاية مرسلة مع أنها
لا تعلق لها بالقسامة إذ الخلع ليس قسامة وكذا محو عبد
الملك لا حجة فيه.
23 - باب مَنِ اطَّلَعَ فِى بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقَئُوا
عَيْنَهُ فَلاَ دِيَةَ لَهُ
(باب) بالتنوين (من اطلع في بيت قوم) بغير إذنهم (ففقؤوا
عينه) أي شقوها (فلا دية له).
6900 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى
بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ
رَجُلاً اطَّلَعَ فِى بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ
أَوْ بِمَشَاقِصَ وَجَعَلَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، ولأبوي الوقت
وذر والأصيلي وابن عساكر: أبو النعمان أبي محمد بن الفضل
السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن عبيد الله) بضم العين
(ابن أبي بكر بن أنس عن) جده (أنس -رضي الله عنه- أن
رجلاً) قال في فتح الباري: وهذا الرجل لم أعرف اسمه
صريحًا، لكن نقل ابن بشكوال عن أبي الحسن بن الغيث أنه
الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان وإن لم يذكر لذلك
مستندًا، وذكر الفاكهي في كتاب مكة من طريق أبي سفيان عن
الزهري وعطاء الخراساني أن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي
العاص ويقول: اطلع عليّ وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي
وهذا ليس صريحًا في المقصود هنا. وفي سنن أبي داود من طريق
هذيل بن شرحبيل قال: جاء سعد فوقف على باب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام يستأذن على الباب ولم
ينسب هذا في رواية أبي داود، وفي الطبراني أنه سعد بن
عبادة (اطّلع) بتشديد الطاء نظر (من جحر) بضم الجيم وسكون
الحاء المهملة (في حجر النبي) بضم الحاء المهملة ثم الجيم
المفتوحة وسقط لغير أبي ذر من حجر وثبت لأبي ذر عن
الكشميهني في بعض حجر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي بعض منازله (فقام إليه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بمشقص) بكسر الميم وسكون الشين
المعجمة بعدها قاف مفتوحة فصاد مهملة نصل عريض (أو بمشاقص)
جمع مشقص والشك من الراوي ولأبي ذر أو مشاقص بحذف الموحدة
(وجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يختله) بفتح
التحتية وكسر الفوقية بينهما خاء معجمة ساكنة بعد اللام
هاء يستغفله ويأتيه من حيث لا يراه (ليطعنه) بضم العين
المهملة في الفرع كأصله، ولم يصرح في هذا الحديث بأن لا
دية له فلا مطابقة. نعم في بعض طرقه التصريح بذلك فحصلت
المطابقة كما هي عادة المؤلّف في كثير من ذلك.
6901 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ
السَّاعِدِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِى
جُحْرٍ فِى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ
رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنْ
تَنْتَظِرَنِى لَطَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنَيْكَ» قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (أن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما
(الساعدي) -رضي الله عنه- (أخبره أن رجلاً اطلع في جحر)
بجيم مضمومة فحاء مهملة ساكنة (في) ولأبي ذر عن الكشميهني
من حجر من (باب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ومع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مدرى) بكسر الميم وسكون الدال المهملة بعدها
راء منوّنة حديدة يسوى بها شعر الرأس المتلبد كالخلال لها
رأس محدّد وقيل هو شبيه بالمشط له أسنان من حديد وقال في
الأولى مشقص وفسر بالنصل العريض فيحتمل التعدد أو أن رأس
المدى كان محدّدًا فالشبه النصل (يحك به رأسه، فلما رآه
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لو أعلم أن) بالتخفيف (تنتظرني) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: أنك بتشديد النون بعدها كاف تنتظرني أي تنظرني
(لطعنت به في عينيك) بالتثنية، وللكشميهني في عينك
بالإفراد يعني وإنما لم أطعنك لأني كنت مترددًا بين نظرك
ووقوفك غير ناظر (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إنما جعل الإذن) أي الاستئذان في دخول الدار
(من قبل البصر) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة البصر لئلا
يطلع على عورة أهلها ولولاه لما شرع، ولأبي ذر عن
الكشميهني من قبل النظر بالنون والظاء المعجمة بدل الموحدة
والصاد، وقال في شرح المشكاة قوله: لو أعلم أنك تنتظرني
بعد قوله اطلع يدل على أن الإطلاع مع غير قصد النظر لا
يترتب هذا الحكم عليه فلو قصد النظر، ورماه صاحب الدار
بنحو حصاة فأصابت عينه فعمي أو سرت إلى نفسه فتلف فهدر.
والحديث مرّ
(10/67)
في باب الاستئذان وغيره.
6902 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَوْ
أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ
فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ
عَلَيْكَ جُنَاحٌ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني سقط ابن عبد
الله لأبي ذر قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا
أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن
هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال أبو
القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو أن امرأً اطّلع عليك) بتشديد الطاء في منزلك (بغير
إذن) منك له (فخذفته) بالخاء والذال المعجمتين أي رميته
(بحصاة) بين اصبعيك (ففقأت عينه) شققتها (لم يكن عليك
جناح) أي حرج، وعند ابن أبي عاصم من وجه آخر عن ابن عيينة
بلفظ: ما كان عليك من حرج، وفي مسلم من وجه آخر عن أبي
هريرة من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا
عينه. قال في فتح الباري: فيه ردّ على من حمل الجناح هنا
على الإثم ورتب على ذلك وجوب الدّية إذ لا يلزم من رفع
الإثم رفعها لأن وجوب الدّية من خطاب الوضع ووجه الدلالة
أن إثبات
الحل يمنع ثبوت القصاص والدّية، وعند الإمام أحمد وابن أبي
عاصم والنسائي وصححه ابن حبان والبيهقي كلهم من رواية بشير
بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه من اطّلع في بيت قوم
بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية ولا قصاص وهذا صريح في
ذلك.
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة. واستدلّ به على جواز رمي من
يتجسس فلو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل وإنه إن
أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر، وقال المالكية بالقصاص وإنه
يجوز قصد العين ولا غيرها واعتلوا بأن المعصية لا تدفع
بالمعصية. وأجاب الجمهور: بأن المأذون فيه إذا ثبت الإذن
لا يسمى معصية وإن كان الفعل لو تجرد عن هذا السبب يعدّ
معصية، وقد اتفق على جواز دفع الصائل ولو أتى على نفس
المدفوع وهو بغير السبب المذكور معصية فهذا يلتحق به مع
ثبوت النص فيه وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل
التغليظ والإرهاق وهل يشترط الإنذار قبل الرمي؟ الأصح عند
الشافعية لا. وفي حكم التطلع من خلل الباب النظر من كوة من
الدار، وكذا من وقف في الشارع فنظر إلى حريم غيره ولو رماه
بحجر ثقيل أو سهم مثلاً تعلق به القصاص، وفي وجه لا ضمان
مطلقًا ولو لم يندفع إلا بذلك جاز.
والحديث سبق في كتاب بدء السلام.
24 - باب الْعَاقِلَةِ
(باب العاقلة) بكسر القاف جمع عاقل وعاقلة الرجل قراباته
من قبل الأب وهم عصبته وسموا عاقلة لعقلهم الإبل بفناء دار
المستحق، ويقال لتحملهم عن الجاني العقل أي الدّية ويقال
لمنعهم عنه والعقل المنع ومنه سمي العقل عقلاً لمنعه من
الفواحش وتحمل العاقلة الدّية ثابت بالسنة وأجمع عليه أهل
العلم وهو مخالف لظاهر قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر
أخرى} [الأنعام: 164] لكنه خص من عمومها ذلك لما فيه من
المصلحة لأن القاتل لو أخذ بالدّية لأوشك أن يأتي على جميع
ماله لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ولو ترك بغير تغريم
لأهدر دم المقتول.
6903 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ
الشَّعْبِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، قَالَ:
سَأَلْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - هَلْ عِنْدَكُمْ
شَىْءٌ مَا لَيْسَ فِى الْقُرْآنِ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مَا
لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ: وَالَّذِى فَلَقَ
الْحَبَّ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلاَّ مَا
فِى الْقُرْآنِ، إِلاَّ فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِى
كِتَابِهِ وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قُلْتُ: وَمَا فِى
الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الأَسِيرِ
وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال
(أخبرنا ابن عيينة) سفيان الهلالي مولاهم الكوفي أحد
الأعلام قال: (حدّثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة
وكسر الراء
المشددة بعدها فاء ابن طريف الكوفي (قال: سمعت الشعبي)
عامر بن شراحيل (قالت سمعت أبا جحيفة) بضم الجيم وفتح
الحاء المهملة وبعد التحتية ساكنة فاء فهاء تأنيث وهب بن
عبد الله السوائي (قال: سألت عليًّا) هو ابن أبي طالب
(-رضي الله عنه- هل عندكم) أهل البيت النبويّ أو الميم
للتعظيم (شيء ما) ولأبي ذر مما (ليس في القرآن؟ وقال) أبي
سفيان (مرة ما ليس عند الناس) خصكم به النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) علي -رضي الله عنه-
(و) الله (الذي فلق الحب) ولأبي ذر الحبة أي شقها (وبرأ
النسمة) خلق الإنسان (ما عندنا) شيء (إلا ما في القرآن إلا
فهمًا يعطى) بضم التحتية وفتح الطاء (رجل في كتابه) تعالى،
والاستثناء منقطع أي لكن الفهم عندنا هو الذي أعطيه الرجل
في القرآن والفهم بسكون الهاء ما يفهم من فحوى كلامه تعالى
ويستدركه من باطن معانيه التي هي الظاهر من نصه، وفي رواية
الحميدي إلا
(10/68)
أن يعطي الله عبدًا فهمًا في كتابه (وما في
الصحيفة) وفي كتاب العلم وما في هذه الصحيفة وقد سبق فيه
أنها كانت معلقة في قبضة سيفه وعند النسائي فأخرج كتابًا
من قراب سيفه قال أبو جحيفة (قلت) لعلي -رضي الله عنه-
(وما في الصحيفة؟ قال) عليّ -رضي الله عنه- فيها (العقل)
أي الدّية ومقاديرها وأصنافها وأسنانها (وفكاك الأسير)
بفتح الفاء وتكسر ما يحصل به خلاصه (وأن لا يقتل مسلم
بكافر) وبه قال مالك والشافعي وأحمد في آخرين، وقال أبو
حنيفة وصاحباه رحمهم الله: يقتل المسلم بالكافر وحملوا
قوله: يقتل مسلم بكافر على غير ذي عهد انتهى. وظاهر قوله
تعالى: {النفس بالنفس} [المائدة: 45] وإن كان عامًّا في
قتل المسلم بالكافر لكنه خص بالسنّة.
والحديث سبق في باب كتابة العلم من كتاب العلم.
25 - باب جَنِينِ الْمَرْأَةِ
(باب جنين المرأة) بفتح الجيم بوزن عظيم حمل المرأة ما دام
في بطنها سمي بذلك لاستتاره.
6904 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ،
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
- رضى الله عنه - أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ
رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا،
فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِيهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال:
(أخبرنا مالك) الإمام. وقال البخاري أيضًا (وحدّثنا
إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن
عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأتين من هذيل رمت
إحداهما الأخرى) في مسند أحمد الرامية هي أم عفيف بنت
مسروح، والأخرى مليكة بنت عويمر، وفي رواية البيهقي وأبي
نعيم في المعرفة عن ابن عباس أن المرأة الأخرى أم عطيف
وهاتان المرأتان كانتا ضرتين وكانتا عند حمل ابن النابغة
الهذلي كما عند الطبراني من طريق عمر أن ابن عويمر قال:
كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح
تحت حمل بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وحمل بفتح الحاء
المهملة والميم، وفي رواية الباب التالي لهذا فرمت إحداهما
الأخرى بحجر وزاد عبد الرحمن فأصاب بطنها وهي حامل (فطرحت
جنينها) ميتًا فاختصموا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها بغرّة عبد أو أمة) بالجر بدلاً
من الغرة، وروي بإضافة غزة لتاليه. قال عياض: والتنوين
أوجه لأنه بيان للغِرة ما هي وعلى الإضافة تكون من إضافة
الشيء إلى نفسه ولا يجوز إلا بتأويل وأو للتنويع على
الراجح، والغرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء مفتوحة مع
تنوين التاء وهي في الأصل بياض في الوجه واستعمل هنا في
العبد والأمة ولو كانا أسودين واشترط الشافعية كونهما
مميزين بلا عيب لأن الغرة الخيار وغير المميز والمعيب ليسا
من الخيار وأن لا يكونا هرمين وأن تبلغ قيمتهما عشر دية
الأم.
والحديث مرّ في كتاب الطب.
6905 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنه -
أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِى إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ
الْمُغِيرَةُ: قَضَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِالْغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. قَالَ: ائْتِ
مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ
أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَضَى بِهِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري ويقال له
التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن
خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن
المغيرة بن شعبة عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- أنه
استشارهم) أي الصحابة ولمسلم استشار الناس أي طلب ما عندهم
من العلم في ذلك وهل سمع أحد منهم من رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك شيئًا كما صرح بذلك في
بعض الطرق ولا يعارض هذا ما في بعض الطرق أنه استشار بعض
أصحابه وفسر بأنه عبد الرحمن بن عوف فيكون من إطلاق الناس
عليه كقوله تعالى: {إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران:
173] فإنه أريد به نعيم بن مسعود الأشجعي أو أربعة كما نص
عليه الشافعي في الرسالة أو أنه استشار الناس عمومًا
واستشار عبد الرحمن خصوصًا (في إملاص المرأة) بكسر الهمزة
وسكون الميم آخره صاد مهملة مصدر أملص يأتي متعديًا كأملصت
الشيء أي أزلقته فسقط ويأتي قاصرًا كأملص الشيء إذا تزلق
وسقط يقال أملصت المرأة ولدها وأزلقته بمعنى وضعته قبل
أوانه فالمصدر هنا مضاف إلى فاعله والمفعول به محذوف يعني
أي فيما يجب على الجاني في إجهاض المرأة الجنين أو بالجنين
على تقديري التعدي واللزوم ونسب الفعل إليها لأن بالجناية
عليها كأنها الفاعلة لذلك (فقال المغيرة) بن شعبة وفيه
تجريد إذ الأصل أن يقول
(10/69)
فقلت كما هو في رواية المصنف في الاعتصام
من طريق أبي معاوية (قضى) أي حكم (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويحتمل أن يكون المراد الإخبار عن
حكم الله والإفتاء به (بالغرة) في الجنين (عبدًا أو أمة)
بالجر فيهما على البدلية بدل كل من كل والغرة بضم الغين
المعجمة وتشديد الراء. قال الجوهري: في صحاحه عبر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن الجسم كله بالغرة. قال أبو عمرو بن العلاء: المراد
الأبيض لا الأسود ولولا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أراد بالغرة معنى زائدًا على شخص العبد والأمة
لما ذكرها. قال النووي: وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من
إجزاء الغرة السوداء أو البيضاء. قال أهل اللغة: الغرة عند
العرب أنفس الشيء أطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى
خلقه في أحسن تقويم فهو من أنفس المخلوقات قال تعالى:
{ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70].
(قال: ائت من) وعند الإسماعيلي من طريق سفيان بن عيينة
فقال عمر: من (يشهد معك) وفي رواية وكيع عند مسلم فقال
ائتني بمن يشهد معك (فشهد محمد بن مسلمة) الخزرجي البدري
-رضي الله عنه- (أنه شهد) أي حضر (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى به). ولفظ الشهادة في قوله فشهد
المراد به الرؤية وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال
الجنين ميتًا بسبب الجناية فإن انفصل حيًّا فإن مات عقب
انفصاله أو دام ألمه ومات فدية لأنا تيقنا حياته وقد مات
بالجنايةان بقي زمنًا ولا ألم به ثم مات فلا ضمان فيه لأنا
لم نتحقق موته بالجناية.
والحديث أخرجه أبو داود في الدّيات أيضًا.
6907 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنْ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ مَنْ
سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَضَى فِى السِّقْطِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَنَا
سَمِعْتُهُ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) أبو
محمد العبسي الحافظ أحد الأعلام على تشيعه وبدعته (عن هشام
عن أبيه) عروة بن الزبير (أن عمر) بن الخطاب -رضي الله
عنه- (نشد الناس) بفتح الشين المعجمة استحلف الصحابة (من
سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في
السقط) بتثليث السين والضم رواية أبي ذر (وقال) بالواو
ولأبي ذر فقال (المغيرة) بن شعبة: (أنا سمعته) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قضى فيه) في السقط (بغرة)
بالتنوين (عبد أو أمة) بالجر فيهما بدل كل من كل ونكرة من
نكرة.
6908 - قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ عَلَى هَذَا
فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا أَشْهَدُ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ
هَذَا.
(قال: ائت من يشهد معك على هذا) الذي ذكرته وأت بهمزة
ساكنة فعل أمر من الإتيان وحذفت الموحدة من بمن في الفرع،
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي آنت بهمزة الاستفهام ثم نون
ساكنة فمثناة فوقية استفهامًا على إرادة الاستئناف للمخاطب
أي أانت تشهد ثم استفهمه ثانيًا فقال (من يشهد معك على
هذا؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثل) ما شهد (هذا) أي
المغيرة.
قال في الفتح: وهذا الحديث في حكم الثلاثيات لأن هشامًا
تابعي، وقوله عن أبيه أن عمر صورته صورة الإرسال لأن عروة
لم يسمع عمر لكن تبين من الرواية السابقة واللاحقة أن عروة
حمله عن المغيرة وإن لم يصرح به في هذه الرواية.
6908 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُمَرَ
أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِى إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ
مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن عبد
الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي قال: (حدّثنا
محمد بن سابق) الفارسي البغدادي روى عنه البخاري بغير
واسطة في باب الوصايا فقط قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة
بضم القاف قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه أنه سمع
المغيرة بن شعبة يحدث عن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-
(أنه استشارهم) أي الصحابة (في إملاص المرأة مثله) أي مثل
رواية وهيب المذكورة في هذا الباب. قال ابن دقيق العيد:
واستشارة عمر في ذلك أصل في سؤال الإمام عن الحكم إذا كان
لا يعلمه أو كان عنده شك أو أراد الاستثبات، وفيه أن
الوقائع الخاصة قد تخفى على الأكابر ويعلمها من هو دونهم.
26 - باب جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى
الْوَالِدِ
وَعَصَبَةِ الْوَالِدِ لاَ عَلَى الْوَلَدِ.
(باب) بيان حكم (جنين المرأة و) بيان (أن العقل) أي دية
المرأة المقتولة (على الوالد) أي والد القاتلة (و) على
(عصبة الوالد لا على الولد) إذا لم يكن من عصبتها لأن
العقل على العصبة دون ذوي الأرحام ولذا لا يعقل الأخوة من
الأم.
6909 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِى
جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى لِحْيَانَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ
أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِى قَضَى
عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ
مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ
عَلَى عَصَبَتِهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(عن سعيد بن المسيب) بن حزن
(10/70)
الإمام أبي محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد
التابعين (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في جنين امرأة من
بني لحيان) بكسر اللام وفتحها بطن من هذيل والمرأة قبل
اسمها مليكة بنت عويمر ضربتها امرأة يقال لها أم عفيف بنت
مسروح بحجر فسقط جنينها ميتًا (بغرة) بالتنوين (عبد أو
أمة) بالجر على البدل كما مر في الباب السابق (ثم إن
المرأة التي قضى عليها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بالغرة توفيت فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ميراثها لبنيها) بتحتية ساكنة بعد
النون المكسورة (وزوجها) فله الربع ولبنيها ما بقي فهذا
شخص يورث ولا يرث ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه
رقيق فنه لا يرث عندنا ولكن يورث على الأصح (و) قضى عليه
الصلاة والسلام (أن العقل) أي الدّية
(على عصبتها) أي عصبة المرأة المتوفاة حتف أنفها التي قضى
عليها بالغرة لأن الإجهاض كان منها خطأ أو شبه عمد،
واتفقوا على أن دية الجنين هي الغرة سواء كان الجنين ذكرًا
أو أنثى وسواء كان كامل الخلقة أو ناقصها إذا تصوّر فيها
خلق آدمي وإنما كان كذلك لأن الجنين قد يخفى فيكثر فيه
النزاع فضبطه الشرع بما يقطع النزاع فإن كان ذكرًا وجب
مائة بعير وإن كان أنثى فخمسون، وليس في الحديث هنا إيجاب
العقل على الوالد فلا مطابقة وأجيب بأنه ورد في بعض طرق
القصة بلفظ الوالد كما جرت عادة المؤلّف بمثل ذلك ليحض
الطالب على البحث على جميع الطرق.
والحديث سبق في الفرائض.
6910 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -
قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ
إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ قَتَلَتْهَا وَمَا فِى
بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا
غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى دِيَةَ
الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري يعرف بابن
الطبراني كان أبوه من طبرستان قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد
الله المصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرني بالتوحيد
(يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(عن ابن المسيب) سعيد (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف
(أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: اقتتلت امرأتان من
هذيل) التاء في اقتتلت لتأنيث الفاعل ولو قال اقتتل
امرأتان جاز (فرمت إحداهما الأخرى بحجر قتلتها) ولأبي ذر
فقتلتها بفاء العطف (وما في بطنها) عطف على ضمير المفعول
وما موصول وصلتها في المجرور وبالاستقرار يتعلق حرف الجر
أو والواو في وما بمعنى مع أي قتلتها مع ما في بطنها وهو
الجنين فتكون الصلة والموصول في محل نصب (فاختصموا) أي أهل
المقتولة مع القاتلة وأهلها (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقضى أن دية جنينها غرة) رفع خبر أن
بالتنوين (عبد) رفع بدل من غرة (أو وليدة) عطف عليه أي أمة
وإن في قوله أن دية في محل نصب أو جر على الخلاف في الاسم
بعد حذف حرف الجر وأو للتنويع لا للشك (وقضى) عليه الصلاة
والسلام (دية المرأة) ولأبي ذر أن دية المرأة (على
عاقلتها) أي على عاقلة القاتلة وهي عصبتها.
27 - باب مَنِ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا
وَيُذْكَرُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّمِ
الْكُتَّابِ ابْعَثْ إِلَىَّ غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ
صُوفًا وَلاَ تَبْعَثْ إِلَىَّ حُرًّا.
(باب من استعان عبدًا أو صبيًّا) بالنون في استعان وللنسفي
والإسماعيلي استعار بالراء بدل النون فهلك في الاستعمال
وجبت دية الحر وقيمة العبد، فإن استعان حرًّا بالغًا
متطوّعًا أو بإجارة وأصابه شيء فلا ضمان عليه عند الجميع
إن كان ذلك العمل لا غرر فيه.
(وذكر) مبني للمفعول (أن أم سليم) والدة أنس ولأبي ذر أن
أم سلمة هند زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بعثت إلى معلم الكُتّاب) بكسر اللام المشددة
وللنسفي إلى معلم كتاب بضم الكاف وتشديد الفوقية فيهما.
قال الجوهري: الكُتَّاب الكتبة (ابعث إلي) بتشديد الياء
(غلمانًَا) أي يبلغوا الحلم (ينفشون صوفًا) بضم الفاء
والشن المعجمة (ولا تبعث إلي حرًّا) بتشديد الياء أيضًا.
قال في الكواكب: لعل غرضها من منع بعث الحر التزام الجبر
وإيصال العوض لأنه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا تضمنه
بخلاف العبد فإن الضمان عليها لو هلك به، وفي الفتح: وإنما
خصت أم سلمة العبيد لأن العرف جرى برضا السادة باستخدام
عبيدهم في الأمر اليسير الذي لا مشقة فيه بخلاف الأحرار،
وهذا الأثر وصله الثوري في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه عنه
عن محمد بن المنكدر
(10/71)
عن أم سلمة. قال في الفتح: وكأنه منقطع بين
ابن المنكدر وأمّ سلمة ولذلك لم يجزم به البخاري فذكره
بصيغة التمريض.
6911 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو
طَلْحَةَ بِيَدِى فَانْطَلَقَ بِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ،
قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِى الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ،
فَوَاللَّهِ مَا قَالَ لِى لِشَىْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ
صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا وَلاَ لِشَىْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ
لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عمرو بن
زرارة) بفتح العين في الأوّل وضم الزاي بعدها راءان بينهما
ألف آخره هاء تأنيث في الثاني النيسابوري قال: (أخبرنا)
ولأبي ذر حدّثنا (إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية (عن عبد
العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما
قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المدينة) من مكة مهاجرًا وليس له خادم يخدمه (أخذ أبو
طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس (بيدي
فانطلق بي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن أنسًا غلام كيس) أي عاقل
(فليخدمك) بسكون اللام والجزم على الطلب (قال) أنس
(فخدمته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في الحضر
والسفر فوالله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا
لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا) أي لم يعترض عليه لا
في فعل ولا ترك ففيه حسن خلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه لعلى خلق عظيم واعلم أن ترك اعتراضه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أنس -رضي الله
عنه- إنما هو فيما يتعلق بالخدمة والآداب لا فيما يتعلق
بالتكاليف الشرعية فإنه لا يجوز ترك الاعتراض فيها.
ومطابقة ذلك للترجمة من جهة أن الخدمة مستلزمة للاستعانة
أو اعتمد على ما في سائر الروايات أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: التمس لي غلامًا يخدمني، وقد
كان أنس في كفالة أمه فأحضرته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان زوجها معها فنسب الإحضار إليها
تارة وإليه أخرى، وهذا صدر من أم سليم أوّل قدومه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة. وكانت لأبي طلحة في
إحضاره أنسًا قصة أخرى وذلك عند إرادته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخروج إلى خيبر كما سبق في المغازي.
28 - باب الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (المعدن جبار والبئر جبار)
بضم الجيم وتخفيف الموحدة.
6912 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَجْمَاءُ
جُرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ
جُبَارٌ، وَفِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد
(ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب)
المخزومي (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(العجماء جرحها جبار) بضم جيم جرحها في الفرع. وقال في
الفتح: بفتحها لا غير كما نقله في النهاية عن الأزهري
والعجماء بفتح العين المهملة وسكون الجيم ممدودًا البهيمة
سميت عجاء لأنها لا تتكلم وجبار هدر والجملة مبتدأ وخبر أي
جرح العجماء هدر لا شيء فيه، وسقط في رواية لفظ جرحها،
وحينئذٍ فالمراد أن البهيمة إذا أتلفت شيئًا ولم يكن معها
قائد ولا سائق وكان نهارًا فلا ضمان فإن كان معها أحد ولو
مستأجرًا أو مستعيرًا أو غاضبًا ضمن ما أتلفته نفسًا
ومالاً ليلاً أو نهارًا سواء كان سائقها أم راكبها أم
قائدها لأنها في يده وعليه تعهدها وحفظها. نعم لو أركبها
أجنبي بغير إذن الولي صبيًّا أو مجنونًا لا يضبطها مثلهما
أو نخسها إنسان بغير إذن من صحبها أو غلبته فاستقبلها
إنسان فردها فأتلفت شيئًا في انصرافها فالضمان على الأجنبي
والناخس والرادّ. وقال الحنفية: لا ضمان مطلقًا سواء فيه
الجرح وغيره والليل والنهار معها أحد أو لا إلا أن يحملها
الذي معها على الإتلاف أو يقصده فيضمن لتعديه (والبئر)
بكسر الموحدة بعدها ياء ساكنة مهموزة وتسهل وهي مؤنثة
وتذكر على معنى القليب والجمع أبؤر وآبار بالمد والتخفيف
وبهمزتين بينهما موحدة ساكنة إذا حفرها إنسان في ملكه أو
في موات فوقع فيها إنسان أو غيره فتلف فهو (جبار) لا ضمان
فيه وكذا لو استأجر إنسانًا ليحفرها فانهارت عليه نعم لو
حفرها في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذن منه فتلف
بها إنسان فإنه يجب ضمانه على عاقلة الحافر والكفارة في
ماله، وإن تلف بها غير آدمي وجب ضمانه في مال الحافر،
ويلتحق بالبئر كل حفرة على التفصيل المذكور (والمعدن) بفتح
الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين المكان من الأرض
يخرج منه شيء من الجواهر
(10/72)
والأجساد كالذهب والفضة والحديد والنحاس
والرصاص والكبريت وغيرها من عدن بالمكان إذا أقام به يعدن
بالكسر عدونًا سمي به لعدون ما أنبته الله فيه كما قال
الأزهري إذا انهار على من حفر فيه فهلك فدمه (جبار) لا
ضمان فيه كالبئر (وفي الركاز) بكسر الراء آخره زاي بمعنى
مركوز ككتاب بمعنى مكتوب وهو دين الجاهلية مما تجب فيه
الزكاة من ذهب أو فضة إذا بلغ النصاب (الخمس) والقول بأن
الركاز دفين الجاهلية هو
قول مالك والشافعي وأحمد وهو حجة على أبي حنيفة وغيره من
العراقيين حيث قالوا: الركاز هو المعدن وجعلوهما لفظين
مترادفين، وقد عطف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أحدهما على الآخر وذكر لهذا حكمًا غير حكم الأوّل والعطف
يقتضي التغاير، وقال الأزهري: يطلق على الأمرين. قال وقيل:
إن الركاز قطع الفضة تخرج من المعدن وقيل من الذهب أيضًا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
29 - باب الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا لاَ يُضَمِّنُونَ مِنَ
النَّفْحَةِ وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ الْعِنَانِ وَقَالَ
حَمَّادٌ: لاَ تُضْمَنُ النَّفْحَةُ إِلاَّ أَنْ يَنْخُسَ
إِنْسَانٌ الدَّابَّةَ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: لاَ تُضْمَنُ
مَا عَاقَبَتْ أَنْ يَضْرِبَهَا فَتَضْرِبَ بِرِجْلِهَا،
وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: إِذَا سَاقَ الْمُكَارِى
حِمَارًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَتَخِرُّ لاَ شَىْءَ
عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّعْبِىُّ: إِذَا سَاقَ دَابَّةً
فَأَتْعَبَهَا فَهْوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ وَإِنْ
كَانَ خَلْفَهَا مُتَرَسِّلاً لَمْ يَضْمَنْ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (العجماء جبار).
(وقال ابن سيرين) محمد مما وصله سعيد بن منصور (كانوا) أي
علماء الصحابة أو التابعين (لا يضمنون) بتشديد الميم (من
النفحة) بفتح النون وسكون الفاء بعدها حاء مهملة من الضربة
الصادرة من الدابة برجلها (ويضمنون) بتشديد الميم أيضًا
(من ردّ العنان) بكسر العين المهملة وتخفيف النون وهو ما
يوضع في فم الدابة ليصرفها الراكب لما يختاره يعني أن
الدابة إذا كانت مركوبة فلفت الراكب عنانها فأصابت برجلها
شيئًا ضمنه الراكب.
(وقال حماد): هو ابن أبي سليمان مسلم الأشعري فيما وصله
ابن أبي شيبة (لا تضمن النفحة) بالحاء المهملة رفع نائب عن
الفاعل (إلا أن ينخس) مثلثة الخاء المعجمة (إنسان الدابة)
بعود ونحوه فيضمن.
(وقال شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة
ابن الحارث الكندي القاضي المشهور مما وصله ابن أبي شيبة
أيضًا (لا تضمن) بضم الفوقية أو التحتية مبنيًّا للمفعول
(ما عاقبت) أي الدابة. وقال في الكواكب: بلفظ الغيبة لا
يضمن ما كان على سبيل المكافأة منها (أن يضربها) أي بأن
يضربها فهو مجرور بمقدر أو وهو أن يضربها فمرفوع خبر مبتدأ
محذوف وإسناد الضمان إلى الدابة من باب المجاز أو المراد
ضار بها وهذا كالتفسير للمعاقبة (فتضرب برجلها) بنصب فتضرب
عطفًا على المنصوب السابق، ولفظ ابن أبي شيبة لا يضمن
السائق والراكب ولا تضمن الدابة إذا عاقبت. قالت: وما
عاقبت قال: إذا ضربها رجل فأصابته.
(وقال الحكم) بن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية أحد فقهاء
الكوفة (وحماد) هو ابن أبي سليمان أحد فقهاء الكوفة أيضًا
(إذا ساق المكاري) بكسر الراء في الفرع أصله (حمارًا عليه
امرأة فتخر) بكسر الخاء المعجمة أي تسقط (لا شيء عليه) لا
ضمان على المكاري.
(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي فيما وصله ابن أبي
شيبة (إذا ساق دابة فأتعبها) من الأتعاب (فهو ضامن لما
أصابت) أي الدابة (وإن كان خلفها) وراءها (مترسلاً) بضم
الميم وتشديد السين المهملة منصوب خبر كان متسهلاً في
السير لا يسوقها ولا يتعبها (لم يضمن) شيئًا مما أصابته.
6913 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله
عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَجْمَاءُ عَقْلُهَا جُبَارٌ،
وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِى
الرِّكَازِ الْخُمُسُ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الأزدي القصاب قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) الجمحي البصري
(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(العجماء) قال الجوهري: سميت عجماء لأنها لا تتكلم وكل ما
لا يتكلم أصلاً فهو أعجم مستعجم والأعجم الذي لا يفصح ولا
يبين كلامه وإن كان من العرب ويقال أعجم وإن أفصح إذا كان
في لسانه عجمة، وقال ابن دقيق العيد: العجماء الحيوان
البهيم، وقال الترمذي: فسر بعض أهل العلم قالوا العجماء
الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت في انفلاتها فلا غرم
على صاحبها، وقال أبو داود: العجماء التي تكون منفلتة ولا
يكون معها أحد ويكون بالنهار ولا يكون بالليل، وعند ابن
ماجة في آخر حديث عبادة
(10/73)
بن الصامت والعجماء البهيمة من الأنعام
(عقلها) أي ديتها (جبار) لا دية فيما أهلكته وفي رواية
الأسود بن العلاء عند مسلم العجماء جرحها جبار (والبئر)
حيث جاز حفرها وسقط فيها أحد أو انهدمت على من استؤجر فهلك
(جبار) هدر أيضًا (والمعدن) إذا انهار على حافره فقتله
(جبار) هدر أيضًا لا قول فيه ولا دية (وفي الركاز) دفين
الجاهلية (الخمس) زكاة إذا بلغ النصاب.
30 - باب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ
(باب إثم من قتل ذميًّا) يهوديًا أو نصرانيًّا (بغير جرم)
بضم الجيم وسكون الراء بعدها ميم أي بغير حق.
6914 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا
مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ
رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي البصري من
أفراد المؤلّف قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال:
(حدّثنا الحسن) بفتح الحاء ابن عمرو بفتح العين الفقيمي
بضم الفاء وفتح القاف التيمي وهو أخو فضيل بن عمرو توفي في
خلافة أبي جعفر، وقال
خليفة توفي سنة اثنتين وأربعين ومائة بالكوفة قاله ابن
طاهر وقال الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي قال ابن
معين: ثقة حجة، وقال يحيى بن زيد القطان وقد سئل عنه وعن
الحسن بن عبد الله فقال: هو أثبتهما قال: (حدّثنا مجاهد)
هو ابن جبر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين -رضي الله
عنهما-. قال في الفتح: كذا في جميع الطرق بالعنعنة ووقع في
رواية مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة
بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو فزاد فيه رجلاً بين مجاهد
وعبد الله أخرجه النسائي وابن أبي عاصم من طريقه وجزم أبو
بكر البندنيجي في كتابه في بيان المرسل أن مجاهدًا لم يسمع
من عبد الله بن عمر ونعم ثبت أن مجاهدًا ليس مدلساً وأنه
سمع من عبد الله بن عمرو فرجحت رواية عبد الواحد لأنه توبع
وانفرد مروان بالزيادة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من قتل نفسًا معاهدًا) بفتح الهاء له عهد مع المسلمين
بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم، وفي حديث أبي
هريرة عند الترمذي من قتل نفسًا معاهدًا له ذمة الله وذمة
رسوله (لم يرح) بفتح التحتية والراء وتكسر لم يشم (رائحة
الجنة) وعموم هذا النفي مخصوص بزمان ما للأدلة الدالة على
أن من مات مسلمًا وكان من أهل الكبائر غير مخلد في النار
ومآله إلى الجنة (وأن ريحها يوجد) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي ليوجد بزيادة اللام (من مسيرة أربعين عامًا).
وعند الإسماعيلي سبعين عامًا، وفي الأوسط للطبراني من طريق
محمد بن سيرين عن أبي هريرة من مسيرة مائة عام، وفي
الطبراني عن أبي بكرة خمسمائة عام وفي الفردوس من حديث
جابر من مسيرة ألف عام. قال في الفتح: والذي يظهر لي في
الجمع أن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة في الموقف
والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة والخمسمائة والألف أكثر
من ذلك ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأعمال، فمن أدركه من
المسافة البعدى أفضل ممن أدركه من المسافة القربى وبين
ذلك، والحاصل أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص بتفاوت منازلهم
ودرجاتهم، وقال ابن العربي: ريح الجنة لا يدرك بطبيعة ولا
عادة وإنما يدرك بما خلق الله من إدراكه فتارة يدركه من
شاء الله من مسيرة سبعين وتارة من مسيرة خسمائة.
والحديث سبق في الجزية والله الموفق.
31 - باب لاَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يقتل المسلم بالكافر) بضم
التحتية وفتح الفوقية.
6915 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا
حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ
لِعَلِىٍّ: وَحَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ
قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه
- هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِى الْقُرْآنِ؟
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَرَّةً مَا لَيْسَ عِنْدَ
النَّاسِ فَقَالَ: وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ
النَّسَمَةَ، مَا عِنْدَنَا إِلاَّ مَا فِى الْقُرْآنِ،
إِلاَّ فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِى كِتَابِهِ، وَمَا فِى
الصَّحِيفَةِ قُلْتُ: وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قَالَ:
الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ
مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الكوفي قال:
(حدّثنا مطرف) بكسر الراء المشددة ابن طريف بوزن كريم
الكوفي (أن عامرًا) هو ابن شراحيل الشعبي (حدّثهم عن أبي
جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة
فاء وهب بن عبد الله السوائي أنه (قال: قلت لعلي) -رضي
الله عنه- وسقط من قوله حدّثنا أحمد بن يونس إلى قوله قلت
لعليّ لأبي ذر كما في الفرع كأصله قال في الفتح والصواب ما
عند الجمهور يعني من السقوط قال: وطريق أحمد بن يونس تقدمت
في الجزية قال المؤلّف بالسند إليه: (وحدّثنا) بواو العطف
على
(10/74)
السابق ولأبي ذر سقوطها كالجمهور (صدقة بن
الفضل) أبو الفضل المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان
قال: (حدّثنا مطرف) هو ابن طريف (قال: سمعت الشعبي) عامرًا
(يحدث) كذا في اليونينية يحدث (قال: سمعت أبا جحيفة) وهب
بن عبد الله (قال: سألت عليًّا) هو ابن أبي طالب (-رضي
الله عنه- هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ وقال ابن
عيينة) سفيان (مرة ما ليس عند الناس) بدل قوله مما ليس في
القرآن (فقال) عليّ -رضي الله عنه- (و) الله (الذي فلق
الحبة) أي شقها (وبرأ النسمة) خلق الإنسان (ما عندنا) شيء
(إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطى) بضم التحتية مبنيًّا
للمفعول (رجل في كتابه) جل وعلا (وما في الصحيفة) أي التي
كانت معلقة في قبضة سيفه قال أبو جحيفة (قلت) له: (وما في
الصحيفة)؟ سقط لأبي ذر من قوله وقال ابن عيينة إلى هنا
(قال: العقل) أي الدّية (وفكاك الأسير) ما يخلص به من
الأسر (وأن لا يقتل مسلم بكافر). وقال الحنفية يقتل المسلم
بالذميّ إذا قتله بغير حق ولا يقتل بالمستأمن، وعن الشعبي
والنخعي يقتل باليهودي والنصراني دون المجوسي لحديث أبي
داود من طريق الحسن عن قيس بن عباد عن عليّ: لا يقتل مؤمن
بكافر ولا ذو عهد في عهده أي: ولا يقتل ذو عهد في عهده
بكافر قالوا: وهو من عطف الخاص على العام فيقتضي تخصيصه
لأن الكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الحربي دون
المساوي له والأعلى فلا يبقى من يقتل بالمعاهد إلا الحربي،
فيجب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي
لتسويته بين المعطوف والمعطوف عليه، وقال الطحاوي: لو كانت
فيه دلالة على نفي قتل المسلم الذمي لكان وجه الكلام أن
يقول ولا ذي عهد في عهده وإلاّ لكان لحنًا والنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يلحن، فلما لم يكن كذلك
علمنا أن ذا العهد هو المعني بالقصاص وصار التقدير لا يقتل
مؤمن ولا ذمي ولا ذو عهد في عهده بكافر وتعقب بأن الأصل
عدم التقدير والكلام مستقيم بغيره إذا جعلنا الجملة
مستأنفة، ويؤيده اقتصار الحديث الصحيح على الجملة الأولى
ذكره في فتح الباري. قال: وقد أبدى الشافعي له مناسبة فقال
يشبه أن يكون لما أعلمهم أن لا قول بينهم وبين الكفار
أعلمهم أن دماء الجاهلية محرمة عليهم بغير حق فقال لا يقتل
مسلم بكافر ولا يقتل ذو عهد في عهده، ومعنى الحديث لا يقتل
مسلم بكافر قصاصًا ولا يقتل من له عهد ما دام عهده باقيًا
انتهى.
والحديث سبق في العاقلة.
32 - باب إِذَا لَطَمَ الْمُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ
الْغَضَبِ
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا لطم المسلم يهوديًا عند
الغضب) أي يجب عليه شيء (رواه) أي لطم المسلم اليهودي (أبو
هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في قصة موسى في أحاديث
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
6916 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى
سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ
الأَنْبِيَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن عمرو بن يحيى عن أبيه) يحيى بن عمارة بن
أبي الحسن المازني الأنصاري (عن أبي سعيد) بكسر العين سعد
بسكونها ابن مالك الخدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تخيروا بين الأنبياء) تخييرًا يوجب نقصًا أو يؤدي إلى
الخصومة.
والحديث سبق في مواضع.
6917 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِىِّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: جَاءَ
رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ فَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ
الأَنْصَارِ لَطَمَ فِى وَجْهِى قَالَ: «ادْعُوهُ»
فَدَعَوْهُ قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى
الْبَشَرِ، قَالَ: قُلْتُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَأَخَذَتْنِى
غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ قَالَ: «لاَ تُخَيِّرُونِى مِنْ
بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ،
فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ
الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِى أَفَاقَ قَبْلِى أَمْ جُزِىَ
بِصَعْقَةِ الطُّورِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه) يحيى
(عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل من
اليهود إلى النبي) ولأبي ذر إلى رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد لطم وجهه) بضم اللام وكسر
الطاء مبنيًّا للمفعول ووجهه نائب الفاعل (فقال: يا محمد
وإن رجلاً من أصحابك من الأنصار) لم يسم (لطم) ولأبي ذر عن
الحموي قد لطم (وجهي قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فقال:
(ادعوه) أي ادعوا الأنصاري (فدعوه. قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (لم لطمت) ولأبي ذر عن الحموي
المستملي ألطمت (وجهه؟ قال: يا رسول الله إني مررت باليهود
فسمعته) أي اليهوديّ (يقول) في قسمه (والذي اصطفى موسى على
البشر. قال) الأنصاري:
(10/75)
(قلت وعلى محمد) ولأبي ذر فقلت أعلى محمد (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (قال
الأنصاري: (فأخذتني غضبة فلطمته. قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تخيروني من بين الأنبياء) قاله
تواضعًا أو قبل أن يعلم أنه سيد البشر أو غير ذلك مما سبق
(فإن الناس يصعقون يوم القيامة) يغشى عليهم من الفزع
(فأكون أول من يفيق) من الغشي (فإذا أنا بموسى أخذ بقائمة
من قوائم العرض فلا أدري أفاق قبلي أم جزي) بجيم مضمومة
فزاي مكسورة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي جوزي بواو ساكنة
بينهما (بصعقة الطور) التي صعقها لما سأل رؤية الله وقوله
فلا أدري أفاق قبلي لعله قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق
عنه الأرض. |