شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
(كتاب استتابة المرتدين والمعاندين) بالنون بعد الألف أي الجائرين عن القصد الباغين الذين يردون الحق مع العلم به (وقتالهم وإثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة) وسقط لفظ كتاب في رواية المستملي قاله في الفتح وفي الفرع كأصله ثوبته فيها، وفي رواية النسفيّ: كتاب المرتدين بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال: باب استتابة المرتدين إلى آخر قوله والآخرة وفي رواية غير القابسي بعد قوله وقتالهم باب إثم من أشرك إلى آخره.

1 - باب إِثْمِ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
(قال الله تعالى): ولأبي ذر عز وجل ({إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه وبين من لا نعمة منه أصلاً ({و}) قال الله تعالى ({لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}) [الزمر: 65] وسقطت واو ولئن لغير أبي ذر وإنما قال: لئن أشركت على التوحيد والموحى إليهم جماعة في قوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك} [الزمر: 65] لأن معناه أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب وهذا الجواب ساد مسد الجوابين أعني جوابي القسم والشرط، وإنما صحّ هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون لأن الخطاب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمراد به غيره أو لأنه على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها.
6918 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}
[الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين قال: (أخبرنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي الكوفي الأصل (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما نزلت هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا}) ولم يخلطوا ({إيمانهم بظلم}) [الأنعام: 82] (شق ذلك على أصحاب النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنه ليس بذاك) ولأبي ذر عن الكشميهني بذلك بزيادة لام قبل الكاف أي ليس بالظلم مطلقًا بل المراد الشرك (ألا) بالتخفيف (تسمعون إلى قول لقمان) المذكور في سورته: ({إن الشرك}) أي بالله ({لظلم عظيم}) والمراد بالذين آمنوا أعم من المؤمن الخالص وغيره، واحتج له في فتوح الغيب كما قرأته فيه بأن اسم الإشارة الواقع خبرًا للموصول مع صلته يشير إلى أن ما بعده ثابت لما قبله لاكتسابه ما ذكر من الصفة ولا ارتياب أن الأمن المذكور قبل هو الأمن الحاصل للموحدين في قوله تعالى أحق بالأمن لأن المعرف إذ أعيد كان الثاني عين الأول، فيجب أن يكون الظلم عين الشرك ليسلم النظم فإذا ليس الكلام في المعصية والفسق، وأما معنى اللبس فهو كما قال القاضي لبس الإيمان بالظلم أن يصدق بوجود الله ويخلط به عبادة غيره ويؤيده قوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106].
والحديث سبق في الإيمان.
6919 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ، وَحَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ثَلاَثًا -أَوْ- قَوْلُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بضم الميم والضاد المعجمة المشددة قال: (حدثنا الجريري) بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد بضم العين وتخفيف الموحدة واسمه سعيد بن إياس البصري قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية

(10/76)


قال: (أخبرنا سعيد الجريري) قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفيّ (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أكبر الكبائر) جمع كبيرة وأصله وصف مؤنث أي الفعلة الكبيرة أو نحو ذلك وكبرها باعتبار شدة مفسدتها وعظم إثمها ويؤخذ منه انقسام الذنوب إلى كبائر وصغار وردّ على من يجعل
المعاصي كلها كبار، وبه قال ابن عباس وأبو إسحاق الإسفراييني والقاضي أبو بكر القشيري، ونقله ابن فورك عن الأشاعرة، واختاره الشيخ تقي الدين السبكي، وكأنهم أخذوا الكبيرة باعتبار الوضع اللغوي ونظروا في ذلك إلى عظمة جلال من عصي بها وخولف أمره ونهيه لكن جمهور السلف والخلف وهو مرويّ عن ابن عباس أيضًا (الإشراك بالله) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي الإشراك بالله والجار والمجرور متعلق بالمصدر والإشراك أن تجعل لله شريكًا أو هو مطلق الكفر على أي نوع كان وهو المراد هنا (وعقوق الوالدين) عطف على سابقه مصدر عن يقال عق والده يعقه عقوقًا فهو عاق إذا آذاه وعصاه وخرج عليه وهو ضد البر به وأصله من العق الذي هو الشق والقطع (وشهادة الزور وشهادة الزور) قال ذلك (ثلاثًا أو) قال (قول الزور) بالشك من الراوي (فما زال) عليه الصلاة والسلام (يكررها) أي يكرر وشهادة الزور فالضمير للخصلة (حتى قلنا) أي إلى أن قلنا (ليته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سكت) جملة في محل خبر ليت والجملة معمولة للقول وليت حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبًا وبالممكن قليلاً وإنما قالوا ذلك تعظيمًا لما حصل لمرتكب هذا الذنب من غضب الله ورسوله ولما حصل للسامعين من الرعب والخوف من هذا المجلس.
والحديث سبق في الأدب وغيره.
6920 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ» قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: «الَّذِى يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن الحسين) بضم الحاء (ابن إبراهيم) المعروف بابن اشكاب أخو علي وهو من أقران البخاري لكنه سمع قبله قليلاً ومات بعده قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) العبسي الكوفي وهو أحد مشايخ المؤلّف روى عنه في الإيمان بلا واسطة وسقط ابن موسى لغير أبي ذر قال: (أخبرنا شيبان) بالمعجمة ابن عبد الرحمن النحوي (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: جاء إعرابي) قال الحافظ أبو الفضل العسقلاني: لم أقف على اسمه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟) أي من الذنوب (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(الإشراك بالله) أي الكفر به تعالى (قال) الأعرابي (ثم ماذا؟) يا رسول الله (قال: ثم عقوق الوالدين) بإيذائهما (قال) الإعرابي (ثم ماذا؟) يا رسول الله زاد أبو ذر في روايته عن الحموي والمستملي قال ثم عقوق الوالدين ثم ماذا (قال: اليمين الغموس) بفتح الغين المعجمة آخره سين
مهملة التي تغمس صاحبها في الإثم (قلت): إما من مقول عبد الله بن عمرو أو راو عنه (وما اليمين الغموس؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الذي يقتطع) بها (مال امرئ مسلم) أي يأخذ بها قطعة من ماله لنفسه (هو فيها كاذب) وقد سبق أن من الكبائر القتل والزنا فذكر-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كل مكان ما يقتضي المقام وما يناسب حال المكلفين الحاضرين لذلك فربما كان فيهم من يجترئ على العقوق أو شهادة الزور فزجره بذلك.
6921 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِى الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِى الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ».
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي نزيل مكة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) سليمان بن مهران الكوفي كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رجل) لم أعرف اسمه (يا رسول الله أنؤاخذ) بهمزة الاستفهام وفتح الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول أنعاقب (بما عملنا في الجاهلية؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(من أحسن في الإسلام) بالاستمرار عليه وترك المعاصي

(10/77)


(لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية) قال الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] أي من الكفر والمعاصي، وبه استدلّ أبو حنيفة على أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة (ومن أساء في الإسلام) بأن ارتدّ عن الإسلام ومات على كفره (أخذ بالأول) الذي عمله في الجاهلية (والآخر) بكسر الخاء الذي عمله من الكفر فكأنه لم يسلم فيعاقب على جميع ما أسلفه، ولذا أورد المؤلّف هذا الحديث بعد حديث أكبر الكبائر الشرك وأوردهما في أبواب المرتدّين، ونقل ابن بطال عن جماعة من العلماء أن الإساءة هنا لا تكون إلا الكفر للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية فإن أساء في الإسلام غاية الإساءة وركب أشد المعاصي وهو مستمر على الإسلام فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الإسلام.
والحديث سبق في الإيمان.

2 - باب حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِىُّ وَإِبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَاسْتِتَابَتِهِمْ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا
لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 86 - 90]
وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100]
وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137]
وَقَالَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]
{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ} [النحل الآيات: 106 - 109] يَقُولُ حَقًّا: {أَنَّهُمْ فِى الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ. . . مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
{وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
(باب حكم) الرجل (المرتد و) حكم المرأة (المرتدّة) هل هما سواء؟
(وقال ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- فيما أخرجه ابن أبي شيبة (والزهري) محمد بن مسلم فيما أخرجه عبد الرزاق (وإبراهيم) النخعي فيما أخرجه عبد الرزاق أيضًا (تقتل) المرأة (المرتدة) إن لم تتب وعن ابن عباس فيما رواه أبو حنيفة عن عاصم عن أبي رزين عنه لا تقتل النساء إذا هنّ ارتددن أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني وخالفه جماعة من الحفاظ في لفظ المتن، وأخرج الدارقطني من طرق عن ابن المنكدر عن جابر أن امرأة ارتدّت فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها قال في الفتح وهو يعكر على ما نقله ابن الطلاع في الأحكام أنه لم ينقل عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قتل مرتدّة (واستتابتهم) كذا ذكره بعد الآثار المذكورة وقدم ذلك في رواية أبي ذر على ذكر الآثار وللقابسي واستتابتهما بالتثنية وهو أوجه ووجه الجمع قال في فتح الباري: على إرادة الجنس، وتعقبه العيني فقال: ليس بشيء بل هو على قول من يرى إطلاق الجمع على التثنية.
(وقال الله تعالى) في سورة آل عمران ({كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم}) استبعاد لأن يهديهم الله فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد، وقيل نفي وإنكار له وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتدّ والآية نزلت في رهط أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتدّ ثم ندم فأرسل إلى قومه فقالوا يا رسول الله هل له من توبة فنزلت ({كيف يهدي الله قومًا}) إلى قوله: ({إلا الذين تابوا}) فأسلم رواه النسائي وصححه ابن حبان والواو في قوله تعالى:
({وشهدوا أن الرسول حق}) للحال وقد مضمرة أي كفروا وقد شهدوا أن الرسول أي محمدًا حق أو للعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا ({وجاءهم البينات}) أي الشواهد كالقرآن وسائر المعجزات ({والله لا يهدي القوم الظالمين}) ما داموا مختارين الكفر أو لا يهديهم طريق الجنة إذا ماتوا على الكفر ({أولئك}) مبتدأ ({جزاؤهم}) مبتدأ ثان خبره ({أن عليهم لعنة الله}) وهما خبر أولئك أو جزاؤهم بدل اشتمال من أولئك ({والملائكة والناس أجمعين خالدين}) حال من الهاء والميم في عليهم ({فيها}) في اللعنة أو العقوبة أو النار وإن لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما وهو يدل بمنطوقة على جواز لعنهم وبمفهومه ينفي جواز لعن غيرهم ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون من الهدى مأيوسون من الرحمة بخلاف غيرهم والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضًا يلعن منكر الحق والمرتدّ عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه قاله القاضي: ({لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك}) الارتداد ({وأصلحوا}) ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح ({فإن الله غفور}) لكفرهم ({رحيم}) بهم ({إن الذين كفروا}) بعيسى والإنجيل ({بعد إيمانهم}) بموسى والتوراة ({ثم ازدادوا كفرًا}) بمحمد والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرًا بإصرارهم على ذلك وطعنهم فيه في كل وقت أو نزلت في الذين ارتدّوا ولحقوا بمكة وازديادهم

(10/78)


الكفر أن قالوا نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون ({لن تقبل توبتهم}) إيمانهم لأنهم لا يتوبون أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكنى عن عدم توبتهم بعدم قبولها ({وأولئك هم الضالون}) الثابتون على الضلال وسقط لأبي ذر من قوله: ({وجاءهم بالبينات}) إلى آخر قوله: ({الضالون}) وقال بعد قوله: ({حق}) إلى قوله: ({غفور رحيم}).
(وقال) جل وعلا: ({يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب}) التوراة ({يردوكم بعد إيمانكم}) بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({كافرين}) [آل عمران: 100] وفيها إشارة إلى التحذير عن مصادقة أهل الكتاب إذ لا يؤمنون أن يفتنوا مَن صادقهم عن دينه.
(وقال) تعالى: ({إن الذين آمنوا}) بموسى ({ثم كفروا}) حين عبدوا العجل ({ثم آمنوا}) بموسى بعد عوده ({ثم كفروا}) بعيسى ({ثم ازدادوا كفرًا}) بكفرهم بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً}) [النساء: 137] إلى النجاة أو إلى الجنة أو هم المنافقون آمنوا في الظاهر وكفروا في السر مرة بعد أخرى وازدياد الكفر منهم ثباتهم عليه إلى الموت وسقط من قوله: ({ثم آمنوا}) إلى آخر الآية. وقال بعد ({ثم كفروا}) إلى ({سبيلاً}).
(وقال) تعالى ({من يرتدّ}) بتشديد الدال بالإدغام تخفيفًا ولأبي ذر من يرتدد بالإظهار على الأصل وامتنع الإدغام للجزم وهي قراءة نافع وابن عامر ({منكم عن دينه}) من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر ({فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}) قيل هم أهل
اليمن وقيل هم الفرس. وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف أي فسوف يأتي الله بقوم مكانهم ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز من معاصيه ({أذلة على المؤمنين}) عاطفين عليهم متذللين لهم جمع ذليل واستعماله مع على إما لتضمين معنى العطف والحنوّ أو التنبيه على أنهم مع علوّ طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم ({أعزة على الكافرين}) [المائدة: 54] أشداء عليهم فهم على المؤمنين كالولد لوالده والعبد لسيده ومع الكافرين كالسبع على فريسته وسقط لأبي ذر من قوله أذلة إلى آخر الآية.
({ولكن}) ولأبي ذر وقال أي الله جل وعلا ولكن ({من شرح بالكفر صدرًا}) طاب به نفسًا وأعتقده ({فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}) إذ لا أعظم من جرمه ({ذلك}) أي الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم ({بأنهم استحبوا}) آثروا ({الحياة الدنيا على الآخرة}) أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة ({وأن الله لا يهدي القوم الكافرين}) ما داموا مختارين للكفر ({أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم}) فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد ({وأولئك هم الغافلون}) الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها ({لا جرم}) يقول حقًّا أنهم في الآخرة ({هم الخاسرون}) إذ ضيعوا أعمارهم وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلد (إلى قوله: {إن ربك من بعدها}) من بعد الأفعال المذكورة قبل وهي الهجرة والجهاد والصبر ({لغفور}) لهم ما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية ({رحيم}) [النحل: 106 - 110] لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه وسقط لأبي ذر ({فعليهم غضب}) إلى آخر لغفور رحيم.
({ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم}) إلى الكفر وحتى معناها التعليل نحو فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة أي يقاتلونكم كي يردّوكم وقوله: ({وإن استطاعوا}) استبعاد لاستطاعتهم ({ومن يرتدد منكم عن دينه}) ومن يرجع عن دينه إلى دينهم ({فيمت وهو كافر}) أي فيمت على الردة ({فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة}) لما يفوتهم بالردّة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وفي الآخرة من الثواب وحسن المآب ({وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}) [البقرة: 217] كسائر الكفرة واحتج إمامنا الشافعي بالتقييد في الردة بالموت عليها أن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها وقال الحنفية قد علق الحبط بنفس الردة بقوله

(10/79)


ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله والأصل عندنا أن المطلق لا يحمل على المقيد، وعند الشافعي يحمل عليه وسقط لأبي ذر من قوله: {ومن يرتدد} وقال بعد قوله: {والآخرة} إلى قوله: {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
6922 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِىَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه - بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ
أُحْرِقْهُمْ لِنَهْىِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل) قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس أنه (قال: أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (علي) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- بزنادقة) بفتح الزاي جمع زنديق بكسرها وهو المبطن للكفر المظهر للإسلام كما قاله النووي والرافعي في كتاب الردة وبابي صفة الأئمة والفرائض أو من لا ينتحل دينًا كما قالاه في اللعان، وصوّبه في المهمات، وقيل: إنهم طائفة من الروافض تدعى السبئيّة ادّعوا أن عليًّا -رضي الله عنه- إله وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ بفتح السين المهملة وتخفيف الموحدة وكان أصله يهوديًّا (فأحرقهم) وعند الإسماعيلي من حديث عكرمة أن عليًّا أتي بقوم قد ارتدّوا عن الإسلام أو قال بزنادقة ومعهم كتب لهم فأمر بنار فأنضجت ورماهم فيها (فبلغ ذلك) الإحراق (ابن عباس) وكان إذ ذاك أميرًا على البصرة من قبل علي -رضي الله عنهم- (فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن القتل بالنار بقوله.
(لا تعذبوا بعذاب الله) وسقط لا تعذبوا بعذاب الله لغير أبي ذر، وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود في قصة أخرى أنه لا يعذب بالنار إلا رب النار وقول ابن عباس هذا يحتمل أن يكون مما سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من بعض الصحابة (ولقتلتهم لقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بدّل دينه فاقتلوه) ومن عام يخص منه من بدل دينه في الباطن ولم يثبت ذلك عليه في الظاهر فإنه يجرى عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر لكن مع الإكراه، واستدلّ به على قتل المرتدة كالمرتد، وخصه الحنفية بالذكر للنهي عن قتل النساء وبأن من الشرطية لا تعم المؤنث. وأجيب: بأن ابن عباس راوي الحديث وقد قال يقتل المرتدة، وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدّت والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد وفي حديث معاذ لما بعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وأيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلاّ فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلاّ فاضرب عنقها. قال في الفتح: وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فجيب المصير إليه، واستدلّ به على قتل الزنديق من غير استتابة، وأجيب بأن في بعض طرق الحديث أن عليًّا استتابهم، وقد قال الشافعي رحمه الله: يستتاب الزنديق كما يستتاب المرتد. واحتج من قال بالأول بأن توبة الزنديق لا تعرف.
والحديث سبق في الجهاد.
6923 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِى رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُمَا، عَنْ يَمِينِى وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَاكُ فَكِلاَهُمَا سَأَلَ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» قَالَ: قُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَطْلَعَانِى عَلَى مَا فِى أَنْفُسِهِمَا وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتِ شَفَتِهِ قَلَصَتْ فَقَالَ: «لَنْ أَوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إِلَى الْيَمَنِ» ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً قَالَ: انْزِلْ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ قَالَ: اجْلِسْ قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ تَذَاكَرْنَا قِيَامَ اللَّيْلِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَرْجُو فِى نَوْمَتِى مَا أَرْجُو فِى قَوْمَتِى.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد بن هلال) بضم الحاء المهملة وفتح الميم العدوي أبو نصر البصري الثقة العالم قال: (حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: أقبلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعي رجلان من الأشعريين) وفي مسلم رجلان من بني عمي (أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك فكلاها) أي كلا الرجلين (سأل) بحذف المسؤول، ولمسلم أمرنا على بعض ما ولاك الله (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا أبا موسى أو) قال (يا عبد الله بن قيس) بالشك من الراوي بأيهما خاطبه، وعند أبي داود عن أحمد بن حنبل ومسدد كلاهما عن يحيى القطان بسنده فيه فقال: ما تقول يا أبا موسى فذكر ما لم يذكره من القول في رواية الباب (قال) أبو موسى (قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما) أي داعية الاستعمال (وما شعرت أنهما يطلبان العمل فكأني أنظر إلى سواكه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تحت شفته قلصت) بفتح القاف واللام المخففة والصاد المهملة انزوت أو ارتفعت (فقال) عليه

(10/80)


الصلاة والسلام (لن أو لا تستعمل على عملنا من أراده) والشك من الراوي وعند الإمام أحمد قال إن أخونكم عندنا من يطلبه (ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو) قال (يا عبد الله بن قيس إلى اليمن) أي عاملاً عليها (ثم أتبعه) بهمزة ففوقية ساكنة ثم موحدة مفتوحة (معاذ بن جبل) بالنصب على المفعولية أي بعثه بعده وظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه وفي نسخة ثم اتبعه بهمزة وصل وتشديد الفوقية معاذ بن جبل بالرفع على الفاعلية (فلما قدم) معاذ (عليه) على أبي موسى (ألقى له وسادة) كما هي عادتهم أنهم إذا أرادوا إكرام رجل وضعوا الوسادة تحته مبالغة في الإكرام (قال أنزل) فاجلس على الوسادة (وإذا رجل عنده) قال في الفتح: لم أقف على اسمه (موثق) بضم الميم وسكون الواو وفتح المثلثة مربوط بقيد (قال) معاذ لأبي موسى (ما هذا؟) الرجل الموثق (قال: كان يهوديًّا فأسلم ثم تهوّد) وعند الطبراني عن معاذ وأي موسى أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرهما أن يعلما الناس فزار معاذ أبا موسى فإذا عنده رجل موثق بالحديد فقال يا أخي أبعثت نعذب الناس إنما بعثنا نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم فقال إنه أسلم ثم كفر فقال والذي بعث
محمدًا بالحق لا أبرح حتى أحرقه بالنار (قال) أبو موسى لمعاذ: (جلس قال: لا أجلس حتى يقتل) هذا (قضاء الله و) قضاء (رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي حكمهما أن من رجع عن دينه وجب قتله قال معاذ ذلك (ثلاث مرات) وعند أبي داود أنهما كررا القول أبو موسى يقول أجلس ومعاذ يقول لا أجلس. قال في الفتح: فعلى هذا فقوله ثلاث مرات من كلام الراوي لا تتمة كلام معاذ (فأمر به) أبو موسى (فقتل) وأخرج أبو داود من طريق طلحة بن يحيى ويزيد بن عبد الله كلاهما عن أبي بردة عن أبي موسى قال قدم عليّ معاذ فذكر الحديث، وفيه فقال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل فقتل قال أحدهما وكان قد استتيب قبل ذلك (ثم تذاكرا) معاذ وأبو موسى (قيام الليل) وفي رواية سعيد بن أبي بردة فقال كيف تقرأ القرآن أي في صلاة الليل (فقال أحدهما): وهو معاذ (أما أنا) بتشديد الميم (فأقوم) أصلي متهجدًا (وأنام وأرجو) الأجر (في نومتي) أي لترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط له عند القيام (ما) أي الذي (أرجو) من الأجر (في قومتي) بفتح القاف وسكون الواو أي قيامي بالليل.
وفي الحديث كراهة سؤال الإمارة والحرص عليها ومنع الحريص منها لأن فيه تهمة ويوكل إليها ولا يعان عليها فينجر إلى تضييع الحقوق لعجزه وفيه إكرام الضيف وغير ذلك مما يظهر بالتأمل.
والحديث سبق مختصرًا ومطوّلاً في الإجارة ويجيء إن شاء الله تعالى في الأحكام بعون الله وقوّته.

3 - باب قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ
(باب قتل من أبى قبول الفرائض) أي امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها (وما) مصدرية (نسبوا) بضم النون وكسر السين ونسبتهم (إلى الردة) وقال الكرماني وتبعه البرماوي ما نافية. وقال العيني: الأظهر أنها موصولة والتقدير وقتل الذين نسبوا إلى الردة.
6924 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: لما توفي النبي) ولأبي ذر نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستخلف) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (وكفر من كفر من العرب) وفي حديث أنس عند ابن خزيمة لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ارتد عامة العرب. قال في شرح المشكاة: يريد غطفان وفزارة وبني سليم وبني يربوع وبعض بني تميم وغيرهم فمنعوا الزكاة فأراد أبو بكر أن يقاتلهم (قال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرت) بضم الهمزة

(10/81)


وكسر الميم (أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عند مسلم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ويؤمنوا بي وبما جئت به (فمن قال لا إله إلا الله عصم) ولأبي ذر فقد عصم (مني ما له ونفسه) فلا يجوز هدر دمه واستباحة ماله بسبب من الأسباب (إلا بحقه) إلا بحق الإسلام من قتل نفس محرمة أو ترك صلاة أو منع زكاة بتأويل باطل (وحسابه على الله) فتترك مقاتلته ولا يفتش باطنه هل هو مخلص أم لا فإن ذلك إلى الله وحسابه عليه.
6925 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِى عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
(قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق) بتشديد الراء وتخفف (بين الصلاة والزكاة) بأن أقرّ بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدًّا أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول الحديث الكفر ليشمل المصنفين، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم. وقال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقًا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والحديث موردًا واحدًا، ثم استدلّ أبو بكر -رضي الله عنه- لمنع التفرقة التي ذكرها بقوله (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق النفس فمن صلّى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله. قال الطيبي: هذا الردّ يدل على أن عمر -رضي الله عنه- حمل الحق في قوله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه على غير الزكاة وإلا لم يستقم استشهاده بالحديث على منع المقاتلة ولا ردّ أبي بكر -رضي الله عنه- بقوله: فإن الزكاة حق المال (والله لو منعوني عناقًا) بفتح العين الأنثى من ولد المعز وفي رواية ذكرها أبو عبيد لو منعوني جديًا أذوط وهو الصغير الفك والذقن وهو يؤيد أن الرواية عناقًا فرواية عقالاً المروية في مسلم وهم كما قال بعضهم قيل وإنما ذكر العناق مبالغة في التقليل لا العناق نفسها لكن قال النووي إنها كانت صغارًا فماتت أمهاتها في بعض الحول فتزكى بحول أمهاتها ولو لم يبق من الأمهات شيء على الصحيح ويتصوّر فيما إذا مات معظم الكبار وحدث صغار فحال الحول في الكبار على بقيتها وعلى الصغار (كانوا يؤدّونها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها. قال عمر) -رضي الله عنه-:
(فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت) من صحة احتجاجه (أنه الحق) لا أنه قلده في ذلك لأن المجتهد لا يقلد مجتهدًا والمستثنى منه في قوله ما هو إلا أن رأيت غير مذكور أي ليس الأمر شيئًا إلا علمي بأن أبا بكر محق وهو نحو قوله تعالى: {وما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] هي ضمير مبهم يفسره ما بعده.
والحديث سبق في الزكاة.

4 - باب إِذَا عَرَّضَ الذِّمِّىُّ وَغَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَلَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ السَّامُ عَلَيْكَ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا عرض الذمي) اليهودي أو النصراني (وغيره) أي غير الذمي كالمعاهد ومن يظهر إسلامه وعرض بتشديد الراء أي كنى ولم يصرح (بسب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بتنقيصه (ولم يصرح) بذلك وهو تأكيد إذ التعريض خلاف التصريح (نحو قوله: السام عليك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عليكم بالجمع، واعترض بأن هذا اللفظ ليس فيه تعريض بالسب فلا مطابقة بينه وبين الترجمة. وأجيب بأنه أطلق التعريض على ما يخالف التصريح ولم يرد التعريض المصطلح وهو أن يستعمل اللفظ في حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصده.
6926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ يَهُودِىٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَعَلَيْكَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ: قَالَ السَّامُ عَلَيْكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَقْتُلُهُ قَالَ: «لاَ، إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد بن أنس) ولغير أبي ذر زيادة ابن مالك (قال: سمعت) جدي (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: مرّ يهودي برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: السام) بألف بعد المهملة من غير همز أي الموت (عليك) بالإفراد اتفاقًا من رواة أنس (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(وعليك) بالإفراد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتدرون ما يقول)؟ ولأبي ذر: ماذا يقول (قال: السام عليك. قالوا: يا رسول الله ألا) بالتخفيف (نقتله؟ قال: لا) تقتلوه (إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا) لهم: (وعليكم)

(10/82)


أي ما تستحقونه من اللعن والعذاب، قيل وإنما لم يقتله لأنه لم يحمل ذلك على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بدّ منه، ومن ثم قال في الرد عليه وعليك أي الموت نازل عليّ وعليك فلا معنى للدعاء به وليس ذلك بصريح في السب.
والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة.
6927 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ، يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ» قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) بضم النون الفضل بن دكين (عن ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: استأذن رهط) دون العشرة من الرجال لا واحد له من لفظه (من اليهود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام عليك) بالإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليكم (فقلت: بل عليكم السام واللعنة) والسام الموت كما مر وألفه منقلبة عن ياء فإن كان عربيًّا فهو سام يسوم إذا مضى لأن الموت مضيّ (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) قالت عائشة -رضي الله عنها- (قلت) يا رسول الله (أو لم تسمع ما قالوا)؟ بواو العطف المسبوقة بهمزة الاستفهام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد (قلت) لهم (وعليكم) بإثبات الواو وكذا في أكثر الروايات، والمعنى قالوا عليك الموت فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليكم أيضًا، أي: نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت أو الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك. أي وعليكم ما تستحقونه من الذم واختار بعضهم حذف الواو لئلا يفضي إلى التشريك، وصوبه الخطابي، وصوب النووي جواز الحذف والإثبات كما صرحت به الروايات قال وإثباتها أجود لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر فيه.
والحديث سبق في باب الرفق في الأمر كله، وأخرجه مسلم والترمذي في الاستئذان والنسائي في التفسير وفي اليوم والليلة.
6928 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ: سَامٌ عَلَيْكَ فَقُلْ: عَلَيْكَ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن عيينة (ومالك بن أنس) إمام دار الهجرة (قالا: حدّثنا عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر أنه (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون سام عليك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليكم بالجمع (فقل عليك) بالإفراد للكشميهني ولغيره عليكم بالجمع.
قال في الكواكب فإن قلت: المقام يقتضي أن يقال فليقل أمرًا غائبًا. قلت: أحدكم فيه معنى الخطاب لكل أحد وسام في هذا الطريق نكرة وعليكم بدون الواو فقل عليك بلفظ المفرد في الخطاب والجواب اهـ.
وقد اختلف هل عدم قتله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن صدر منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف، وعن بعض المالكية إنه إنما لم يقتل اليهود في هذه القصة لأنهم لم تقم عليهم البيّنة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه، وقيل إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم وقيل لأنه لم يحمل ذلك على السب بل على الدعاء بالموت كما مر.
والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة ..

5 - باب
هذا (باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو كالفصل لسابقه.
6929 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِى شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، فَأَدْمَوْهُ فَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِى فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (شقيق) أبو وائل بن سلمة (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (كأني أنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحكي نبيًّا من الأنبياء) قيل هو نوح عليه السلام (ضربه قومه) الذين أرسل إليهم (فأدموه) أي جرحوه بحيث جرى الدم (فهو يمسح الدم عن وجهه) وفي رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند مسلم في هذا الحديث عن جبينه (ويقول: رب اغفر لقومي) أضافهم إليه شفقة ورحمة بهم ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال (فإنهم لا يعلمون) وعند ابن عساكر في تاريخه من رواية يعقوب بن عبد الله الأشعري عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال: إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه ثم يفيق فيقول: اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون. وقال القرطبي: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الحاكي والمحكي عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبل قضية يوم أُحد ولم يعين له

(10/83)


ذلك، فلما وقع تعين أنه المعنيّ بذلك، وسبق في غزوة أُحد وقوع ذلك لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعند الإمام من رواية عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال نحو ذلك يوم حنين لما ازدحموا عليه عند قسمة الغنائم، وأشار المؤلّف بإيراده حديث الباب إلى ترجيح القول بأن ترك قتل اليهودي كان لمصلحة التأليف لأنه إذا لم يؤاخذ الذي ضربه حتى جرحه بالدعاء عليه ليهلك بل صبر على أذاه، وزاد فدعا له فلأن يصبر على الأذى بالقول أولى ويؤخذ منه ترك القتل بالتعريض بطريق الأولى.
والحديث تقدم في ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء بهذا السند، وأخرجه مسلم في المغازي وابن ماجة في الفتن.

6 - باب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِى الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
(باب قتل الخوارج) الذين خرجوا عن الدين وعلى عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وذلك لأنهم أنكروا عليه التحكيم الذي كان بينه وبين معاوية -رضي الله عنه- وكانوا ثمانية آلاف، وقيل أكثر من عشرة آلاف وفارقوه فأرسل إليهم أن يحضروا فامتنعوا حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم وأجمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله وانتقلوا إلى الفعل، فكانوا يقتلون من مرّ بهم من المسلمين فقتلوا عبد الله بن الأرتّ وبقروا بطن سريته، فخرج عليّ -رضي الله عنه- عليهم فقتلهم بالنهروان فلم ينج منهم إلا دون العشرة ولم يقتل ممن معه إلا دون العشرة، ثم انضم إليهم من مال إلى رأيهم، ولما ولي عبد الله بن الزبير الخلافة ظهروا بالعراق مع نافع بن الأزرق وباليمامة مع نجدة بن عامر فزاد نجدة على مذهبهم أن من لم يخرج لمحاربة المسلمين فهو كافر وتوسعوا حتى أبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال الحيض ومنهم من أنكر الصلوات الخمس وقال: الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ومنهم من جوّز نكاح بنت الابن والأخت، ومنهم من أنكر سورة يوسف من القرآن. قال ابن العربي: الخوارج صنفان أحدهما يزعم أن عثمان وعليًّا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفّار، والصنف الآخر يزعم أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلّد في النار أبدًا (و) باب قتل (الملحدين) بضم الميم وسكون اللام بعدها حاء فدال مهملتان العادلين عن الحق المائلين إلى الباطل (بعد إقامة الحجة عليهم) بإظهار بطلان دلائلهم (وقول الله تعالى): بجر قول عطفًا على المجرور السابق وبالرفع على الاستئناف ({وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين له ما يتقون}) [التوبة: 115] أي ما أمر الله باتقائه واجتنابه مما نهى عنه وبين أنه محظور لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام ولا يخذلهم إلا إذا قدموا عليه بعد بيان حظره وعلمهم بأنه واجب الاجتناب وأما قبل العلم والبيان فلا.
قال في الكشاف: وفي هذه الآية شديدة ما ينبغي أن يغفل عنها وهي أن المهدي للإسلام إذا أقدم على بعض محظورات الله داخل في حكم الإضلال. قال في فتوح الغيب قوله: وفي هذه شديدة أي خصلة أو بلية أو قارعة أو داهية حذف الموصوف لشدة الأمر وفظاعته يعني في الآية تهديد عظيم للعلماء الذين يقدمون على المناكير على سبيل الإدماج وتسميتهم ضلالاً من باب التغليظ.
(وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يراهم) أي الخوارج (شرار خلق الله) المسلمين (وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها) أي أولوها (على المؤمنين) وصله الطبري في تهذيب الآثار في مسند عليّ. وعند مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا في وصف الخوارج: "هم شرار الخلق والخليقة" وعند البزار بسند حسن عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخوارج فقال: "هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي".
6930 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه -: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا فَوَاللَّهِ لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِى آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ يَقُولُونَ: مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِى قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة وتخفيف التحتية وبعد الألف مثلثة قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح السين المهملة وسكون الموحدة الجعفي لأبيه

(10/84)


وجده صحبة قال: (حدّثنا سويد بن غفلة) بفتح الغين المعجمة والفاء واللام الجعفي من كبار التابعين ومن المخضرمين عاش مائة وثلاثين سنة وقيل إن له صحبة قال (قال عليّ) أي ابن أبي طالب (رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثًا فوالله لأن أخرّ) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء أسقط (من السماء) أي إلى الأرض كما هو في رواية أبي معاوية والثوري عند أحمد (أحب إليّ من أن أكذب عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة) بتثليث الخاء المعجمة يجوز فيه التورية والكناية والتعريض بخلاف التحديث عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأوضح أن عنده في هذه القصة نصًّا صريحًا خوف أن يظن به أن ذلك من باب التعريض والتورية (وإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(سيخرج قوم في آخر الزمان) قال السفاقسي أي زمان الصحابة، وعورض بأن آخر زمانهم كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل بأكثر من ستين سنة، أو المراد آخر زمان خلافة النبوة لحديث السنن عن سفينة مرفوعًا: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا" وقصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر سنة ثلاث وثلاثين بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدون الثلاثين بنحو سنتين قاله الحافظ ابن حجر، وقال العيني: إن قلنا بتعدد خروجهم فلا يحتاج لما ذكر، وفي رواية النسائي من حديث أبي برزة يخرج في آخر الزمان قوم (حدّاث الأسنان) بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وبعد الألف مثلثة أي شبان صغار السن، ولأبي ذر عن الكشميهني: أحداث الأسنان (سفهاء الأحلام)
جمع حلم بكسر الحاء المهملة العقل أي عقولهم رديئة (يقولون من خير قول البرية) بتشديد التحتية الناس قيل المراد من قول خير البرية أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو القرآن فهو من باب المقلوب، وقال في الكواكب: أي خير أقوال الناس أو خير من قول البرية يعني القرآن. قال في العمدة: فعلى هذا ليس بمقلوب، والمراد القول الحسن في الظاهر والباطن على خلاف ذلك. وفي حديث مسلم عن عليّ يقولون الحق (لا يجاوز) ولأبي ذر عن الكشميهني لا يجوز (إيمانهم حناجرهم) بفتح الحاء المهملة جمع حنجرة الحلقوم والبلعوم أي يؤمنون بالنطق لا بالقلب، وعند مسلم من رواية عبيد الله بن أبي رافع عن عليّ يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه (يمرقون) يخرجون (من الدين) وعند النسائي من الإسلام وكذا عند المؤلّف في باب من رايا بالقرآن من طريق سفيان الثوري عن الأعمش (كما يمرق) يخرج (السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية الشيء الذي يرمى به يعني أن دخولهم في الإسلام ثم خروجهم منه ولم يتمسكوا منه بشيء كالسهم الذي دخل في الرمية ثم يخرج منها ولم يعلق به شيء منها (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) ظرف للأجر لا للقتل.
والحديث سبق في علامات النبوّة وفضائل القرآن.
6931 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ فَسَأَلاَهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ أَدْرِى مَا الْحَرُورِيَّةُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِى هَذِهِ الأُمَّةِ -وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا- قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ -أَوْ حَنَاجِرَهُمْ- يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِى إِلَى سَهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى فِى الْفُوقَةِ هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَىْءٌ؟».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي بفتح النون وبالزاي المعروف بالزمن قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: (أخبرني) بالإفراد (محمد بن إبراهيم) التيمى (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وعطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (أنهما أتيا أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (فسألاه عن الحرورية) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى نسبة إلى حروراء قرية بالكوفة نسبة على غير قياس خرج منها نجدة بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة وأصحابه على عليّ -رضي الله عنه- وخالفوه في مقالات علمية وعصوه وحاربوه (أسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي يذكروهم كما في مسلم ففيه حذف المفعول المسموع (قال) أبو سعيد (لا أدرى ما الحرورية سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يخرج في

(10/85)


هذه الأمة) الحميدية (ولم يقل منها) فيه ضبط للرواية وتحرير لمواقع الألفاظ وإشعار بأنهم ليسوا من هذه الأمة فظاهره أنه يرى إكفارهم، لكن في مسلم من حديث أبي ذر: سيكون بعدي من أمتي قوم، وعنده من طريق زيد بن وهب عن عليّ: يخرج قوم من أمتي. قال في الفتح: فيجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بأن المراد في حديث أبي سعيد بالأمة أمة الإجابة وفي غيره أمة الدعوة (قوم تحقرون) بفتح الفوقية وكسر القاف أي تستقلون (صلاتكم مع صلاتهم) وعند الطبري عن عاصم أنه وصف أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار ويقومون الليل، وعند مسلم من حديث عليّ: ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئًا ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئًا (يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم) فلا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلونه منه أو لا تصعد تلاوتهم في جملة الكلم الطيب إلى الله تعالى (يمرقون من الدين) المحمدي (مروق السهم من الرمية) أي الصيد الذي يصاب بالسهم فيدخل فيه ويخرج منه فلا يعلق من جسد الصيد شيء به لسرعة خروجه (فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله) بدل من سهمه وهو حديدة السهم (إلى رصافه) بكسر الراء بعدها صاد مهملة فألف ففاء فهاء العصب الذي يكون فوق مدخل النصل أي ينظر إليه جملة وتفصيلاً، وعند الطبري من رواية أبي ضمرة عن يحيى بن سعيد ينظر إلى سهمه فلا يرى شيئًا ثم ينظر إلى نصله ثم إلى رصافه (فيتمارى) بفتح التحتية والراء كذا في الفرع يشك (في الفوقة) بضم الفاء وفتح القاف بينهما واو ساكنة موضع الوتر من السهم ولأبي ذر فيتمارى بضم التحتية (هل علق) بكسر اللام (بها من الدم شيء) فكذلك قراءتهم لا يحصل لهم منها شيء من الثواب لا أولاً ولا آخرًا ولا وسطًا لأنهم تأوّلوا القرآن على غير الحق، لكن قال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين لقوله فيتمارى في الفوقة لأن التماري من الشك، وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين، وتعقب بأن في بعض طرق الحديث المذكور لم يعلق منه بشيء، وفي بعضها سبق الفرث والدم ويجمع بينهما بأنه تردد هل في الفوقة شيء أو لا ثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمي شيء.
والحديث سبق في علامات النبوّة والأدب وفضائل القرآن.
6932 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَرُورِيَّةَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر حدّثنا (عمر) بضم العين ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وذكر أبو علي الجياني عن الأصيلي قال: قرأه علينا أبو زيد في عرضه ببغداد عمرو بن محمد بفتح العين وهو وهم والصواب
ضمها كما مرّ (أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (و) الحال أنه (ذكر الحرورية فقال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية) فقوله: وذكر الحرورية جملة حالية تفيد أنه حدث بالحديث عند ذكر الحرورية، وساق هذا الحديث بعد حديث أبي سعيد إشارة إلى أن توقف أبي سعيد المذكور محمول على أنه لم ينص في الحديث المرفوع على تسميتهم بخصوص هذا الاسم لا أن الحديث لم يرد فيهم قاله في الفتح؛ وفي الحديث أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والإعذار إليهم، وإلى ذلك أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها، واستدلّ به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري في الترجمة حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة. واستدلّ القاضي أبو بكر بن العربي لتكفيرهم بقوله في الحديث: "يمرقون من الإسلام" وبقوله: "أولئك هم شرار الخلق" وقال الشيخ تقي الدين السبكي في فتاويه: احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهادته لهم بالجنة قال: وهو

(10/86)


عندي احتاج صحيح، وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السُّنّة إلى أن الخوارج فسّاق وأن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرّهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشرك. وقال القاضي عياض: كادت هذه المسألة أن تكون أشد إشكالاً عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم منها عظيمة في الدين قال: وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني وقال لم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالاً لا تؤدي إلى الكفر، وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة: الذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيل فإن استباحة دماء المسلمين المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد.

7 - باب مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الْخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ وَأَنْ لاَ يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ
(باب من ترك قتال الخوارج للتألف و) لأجل (أن لا ينفر الناس عنه) بفتح التحتية وسكون النون وكسر الفاء والضمير في عنه للتارك.
6933 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذِى الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِىُّ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ» قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ: «دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ فِى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، يُنْظَرُ فِى نَصْلِهِ فَلاَ
يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِى رِصَافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِى نَضِيِّهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ -أَوْ قَالَ ثَدْيَيْهِ- مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ -أَوْ قَالَ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ- يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ جِىءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِى نَعَتَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- أنه (قال: بينا) غير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم) ذهبًا بعثه عليّ بن أبي طالب من اليمن سنة تسع وخصّ به أربعة أنفس الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن حصن الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري وزيد الخير الطائي إذ (جاء عبد الله بن ذي الخويصرة) بضم الخاء المعجمة وبالصاد المهملة مصغرًا (التميمي) وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج قال في الكواكب: كذا في جل النسخ بل في كلها عبد الله بن ذي الخويصرة بزيادة ابن والمشهور في كتب أسماء الرجال ذو الخويصرة فقط اهـ.
وسبق في علامات النبوة فأتى ذو الخويصرة رجل من تميم لكن في رواية عبد الرزاق عن معمر إذ جاءه ابن ذي الخويصرة وكذا عند الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق ومحمد بن ثور وأبي سفيان الحميري وعبد الله بن معاذ أربعتهم عن معمر (فقال: اعدل يا رسول الله) بهمزة وصل وجزم اللام على الطلب أي اعدل في القسمة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(ويلك) ولأبي ذر عن الحموي ويحك بالحاء المهملة بدل اللام (من) ولأبي ذر ومن (يعدل إذا لم أعدل) قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يا رسول الله (دعني اضرب عنقه) ولأبي ذر ائذن لي فأضرب بهمزة قطع منصوب بفاء الجواب (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر (دعه) أي اتركه (فإن له أصحابًا يحقر) بكسر القاف يستقل (أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه) بلفظ الأفراد فيهما وظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أصحابه الموصوفين بالصفة المذكورة وهو لا يقتضي ترك قتله مع ما ظهر منه من مواجهته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما واجهه به فيحتمل أن يكون لمصلحة التألف (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) الصيد المرمي والمروق سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الآخر ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا يتعلق بالسهم من جسد الصيد شيء (ينظر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (في قذذه) بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى في ريش السهم ليعرف هل أصاب أو أخطأ (فلا يوجد فيه شيء) من أثر الصيد المرمى (ثم ينظر في) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى (نصله) حديدة السهم (فلا يوجد فيه شيء. ثم ينظر في) ولأبي ذر عن
الكشميهني إلى (رصافه) بكسر الراء بعدها صاد مهملة (فلا يوجد فيه شيء) وسقط لفظ ينظر لأبي ذر (ثم ينظر في نضيه) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة والتحتية المشددة بعدها هاء عود السهم من غير ملاحظة أن يكون له نصل وريش (فلا يوجد فيه شيء) من دم الصيد أو غيره فيظن أنه لم يصبه

(10/87)


والفرض أنه أصاب (قد سبق الفرث) بفتح الفاء وسكون الراء بعدها مثلثة السرجين ما دام في الكرش (والدم) أي جاوزهما ولم يعلق فيه منهما شيء بل خرجا بعده شبه خروجهم من الدين وكونهم لم يتعلقوا بشيء منه بخروج ذلك السهم. وفي مسندي الحميدي وابن أبي عمر من طريق أبي بكر مولى الأنصار عن علي أن ناسًا يخرجون من الذين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه أبدًا (آيتهم) علامتهم (رجل إحدى يديه) بالتثنية (أو قال: ثدييه) بالتثنية أيضًا والشك هل هي تثنية يد بالتحتية أو ثدي بالمثلثة ولأبي ذر عن المستملي ثدييه أي من غير شك قال في الفتح بالمثلثة فيهما فالشك عنده هو الثدي بالإفراد أو التثنية؟ قال ووقع في رواية الأوزاعي إحدى يديه تثنية يد ولم يشك وهو المعتمد ففي رواية شعيب ويونس إحدى عضديه (مثل ثدي المرأة) بالمثلثة والإفراد (أو قال: مثل البضعة) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي القطعة من اللحم (تدردر) بفتح الفوقية والدالين المهملتين بينهما راء ساكنة آخره راء أخرى وأصله تتدردر فحذفت إحدى التاءين أي تتحرك وتجيء وتذهب، ولمسلم من رواية زيد بن وهب عن علي وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد ليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، وعند الطبري من طريق طارق بن زياد عن علي في يده شعرات سود (يخرجون على حين فرقة من الناس) بكسر الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة نون وبضم فاء فرقة أي زمان افتراق الناس ولأبي ذر عن المستملي على خير فرقة بالخاء المعجمة وبعد التحتية راء وفرقة بكسر الفاء. قال في فتح الباري: والأول المعتمد وهو الذي في مسلم وغيره وإن كان الآخر صحيحًا أي أفضل طائفة.
(وقال أبو سعيد الخدري) -رضي الله عنه- بالسند السابق (أشهد) أني (سمعت) هذا الحديث (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأشهد أن عليًّا) -رضي الله عنه- (قتلهم) بالنهروان (وأنا معه) وفي رواية أفلح بن عبد الله عند أبي يعلى وحضرت مع علي يوم قتلهم بالنهروان، وعند الإمام أحمد والطبراني والحاكم من طريق عبيد الله بن شداد أنه دخل على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي فقالت له عائشة -رضي الله عنها-: تحدثني عن أمر هؤلاء القوم الذين قتلهم علي قال: إن عليًّا لما كاتب معاوية وحكما الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة وعتبوا عليه فقالوا انسلخت من قميص ألبسكه الله ومن اسم سمّاك الله به ثم حكمت الرجال في دين الله ولا حكم إلا لله، فبلغ ذلك عليًّا -رضي الله عنه- فجمع الناس فدعا بمصحف عظيم فجعل يضربه بيده ويقول: أيها المصحف حدّث الناس فقالوا ماذا إنسان إنما هو مداد وورق ونحن نتكلم بما رويناه منه فقال كتاب الله بيني وبين هؤلاء يقول الله في امرأة رجل {وإن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] الآية وأمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعظم من امرأة رجل ونقموا عليَّ
أن كاتبت معاوية وقد كاتب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهيل بن عمرو {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21] ثم بعث إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع منهم أربعة آلاف فيهم عبد الله بن الكواء فبعث علي إلى الآخرين أن يرجعوا فأبوا فأرسل إليهم كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دمًا حرامًا ولا تقطعوا سبيلاً ولا تظلموا أحدًا فإن فعلتم نبذت إليكم الحرب. قال عبد الله بن شداد: فوالله ما قتلهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم الحرام الحديث. (جيء بالرجل) الذي قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه: "إحدى يديه مثل ثدي المرأة" (على النعت الذي نعته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي على الوصف الذي وصفه وفي رواية أفلح فالتمسه علي فلم يجده ثم وجده بعد ذلك تحت جدار على هذا النعت وعند الطبري من طريق زيد بن وهب فقال عليّ: اطلبوا ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه فقال ما كذبت وما كذبت فطلبوه فوجدوه في وهدة من الأرض عليه ناس من القتلى فإذا رجل على يده مثل سلات السنور فكبّر عليّ

(10/88)


والناس.
(قال) أبو سعيد (فنزلت فيه) في الرجل المذكور ولأبي ذر عن الحموي فيهم في الحرورية {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58] أي يعيبك في قسم الصدقات حيث قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. قال الحافظ ابن كثير: قال قتادة: وذكر لنا أن رجلاً من أهل البادية حديث عهد بأعرابية أتى نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقسم ذهبًا وفضة فقال: يا محمد والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت فقال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي" ثم قال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "احذروا هذا وأشباهه فإن في أمتي أشباه هذا يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم فإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم".
6934 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ، حَدَّثَنَا يُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى الْخَوَارِجِ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ: «يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري البصري ويقال له التبوذكى قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة سليمان قال: (حدّثنا يسير بن عمرو) بضم التحتية وفتح السين المهملة وسكون التحتية بعدها راء ابن عمرو بفتح العين أو ابن جابر الكوفي وقيل أصله أسير فسهلت الهمزة وله رؤية (قال: قلت لسهل بن حنيف) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وحنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون آخره فاء الأنصاري البدري (هل سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعته يقول وأهوى بيده) مدّها (قِبل العراق) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته وعند مسلم من طريق عليّ بن مسهر عن الشيباني نحو المشرق.
(يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) بالفوقية والقاف جمع ترقوة قال في القاموس. العظم ما بين ثغرة النحر والعاتق يعني أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها لعلمه تعالى باعتقادهم (يمرقون من الإسلام مروق السهم) أي كمروق السهم (من الرمية).
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة والنسائي في فضائل القرآن.

8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعوتهما واحدة). ولأبي ذر دعواهما بألف بعد الواو بدل الفوقية.
6935 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا عليّ) بن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله--صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان) جماعتان جماعة عليّ وجماعة معاوية (دعواهما واحدة) أي كل واحد منهما يدعي أنه على الحق وصاحبه على الباطل بحسب اجتهادهما.
والحديث بهذا السند من إفراده.

9 - باب مَا جَاءَ فِى الْمُتَأَوِّلِينَ
(باب ما جاء) من الأخبار (في) حق (المتأولين).
6936 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِىَّ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَلِكَ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِى الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ أَوْ بِرِدَائِى فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَنِى هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِى سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا، فَانْطَلَقْتُ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ يَا: رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِى سُورَةَ الْفُرْقَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ
اقْرَأْ يَا هِشَامُ» فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِى سَمِعْتُهُ يَقْرَؤُهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ» فَقَرَأْتُ فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».
(قال أبو عبد الله) البخاري وسقط قال أبو عبد الله لأبي ذر (وقال الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري الإمام المشهور مما وصله الإسماعيلي عن كاتب الليث عنه قال (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد؟ الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري أبا عبد الرحمن له صحبة (وعبد الرحمن بن عبد القاريّ) بتشديد التحتية من غير همزة والقارة هم ولد الهون بن خزيمة أخي أسد بن خزيمة ولد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس له منه سماع ولا رؤية (أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت هشام بن حكيم) بفتح الحاء المهملة ابن حزام الأسدي (يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأها) ولأبي ذر يقرؤها بالواو وصورة الهمزة بدل الألف (على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذلك فكدت أساوره) بضم الهمزة بعدها سين مهملة أي أواثبه وأحمل عليه وهو (في الصلاة فانتظرته حتى سلم) منها (ثم) ولأبي ذر فلما سلم (لببته بردائه) بتشديد الموحدة الأولى مفتوحة وسكون الثانية جمعته عند صدره وبالتخفيف أيضًا (أو بردائي) شك من الراوي

(10/89)


(فقلت من أقرأك هذه السورة قال أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) ولأبي ذر فقلت (له كذبت فوالله إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأها) ولأبي ذر تقروها بالواو بدل الهمزة وفيه إطلاق التكذيب على غلبة الظن فإن عمر إنما فعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشامًا خالف الصواب قال عمر (فانطلقت) به (أقوده) أجره بردائه (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له يا رسول الله إني سمعت هذا) هشامًا (يقرأ بسورة الفرقان) بباء الجر في بسورة (على حروف لم تقرئنيها وأنت أقرأتني سورة الفرقان فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أرسله يا عمر) بهمزة قطع أي أطلقه ثم قال عليه الصلاة والسلام (اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها قال): ولأبي ذر فقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هكذا أنزلت ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقرأ يا عمر فقرأت فقال: هكذا أنزلت ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلب عمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي لغات (فاقرؤوا ما تيسر منه). أي من المنزل.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يؤاخذ عمر بتكذيبه لهشام ولا بكونه لببه بردائه وأراد الإيقاع به بل صدق هشامًا فيما نقله وعذر عمر في إنكاره وسبق في باب كلام الخصوم بعضهم في بعض في كتاب الأشخاص.
6937 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ح حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ: {يَا بُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) المشهور بابن راهويه قال: (أخبرنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح (ح) لتحويل السند.
(حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (يحيى) بن موسى المعروف بخت قال: (حدّثنا وكيع عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما أنزلت هذه الآية) التي في سورة الأنعام ({الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم}) أي لم يخلطوه ({بظلم} شق ذلك على أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ليس كما تظنون) أنه الظلم مطلقًا (إنما هو كما قال لقمان لابنه {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه وبين من لا نعمة منه أصلاً.
ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يؤاخذ الصحابة بحملهم الظلم في الآية على عمومه حتى يتناول كل معصية بل عذرهم لأنه ظاهر في التأويل ثم بين لهم المراد بما رفع الإشكال.
والحديث سبق في أول كتاب استتابة المرتدين.
6938 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: غَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تَقُولُوهُ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» قَالَ: بَلَى قَالَ: «فَإِنَّهُ لاَ يُوَافَي عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال (أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة الخزرجي الصحابيّ الصغير وجل روايته عن الصحابة
(قال: سمعت) ولأبي ذر عن الكشميهني: سمع (عتبان بن مالك) بكسر العين وسكون الفوقية ابن عجلان الأنصاري الصحابي (يقول: غدا علي) بتشديد التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه حذف ذكره في باب المساجد في البيوت من طريق عقيل عن الزهري يلفظ: إنه أي عتبان أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ووددت يا رسول الله إنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلّى قال فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سأفعل إن شاء الله" قال عتبان: فغدا عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت ثم قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك" قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

(10/90)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكبر فقمنا فصفقنا فصلّى ركعتين ثم سلم قال وحبسناه على خزيرة صنعناها له قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد فاجتمعوا (فقال: رجل) منهم لم يسم (ابن مالك بن الدخشن)؟ بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمة آخره نون (فقال رجل منا): قيل هو عتبان بن مالك الراوي (ذلك) باللام ولأبي ذر بإسقاطها أي ابن الدخشن (منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا) بتخفيف اللام بعد الهمزة المفتوحة (تقولوه) تظنوه (يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) والقول بمعنى الظن كثير أنشد سيبويه:
أما الرحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول الدار تجمعنا
يعني: فمتى تظن الدار تجمعنا، والبيت لعمر بن أبي ربيعة المخزومي، وقيل مقتضى القياس تقولونه بالنون. وأجيب: بأنه جائز تخفيفًا قالوا حذف نون الجمع بلا ناصب وجازم لغة فصيحة أو هو خطاب لواحد والواو حدثت من إشباع الضمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ألا تقولونه بإثبات الهمزة قبل لا ونون الجمع، ولأبي ذر أيضًا عن الكشميهني والمستملي لا بلفظ النهي تقولوه بحذت النون. قال في الفتح: الذي رأيته لا تقولوه بغير ألف أوله وهو موجه وتفسير القول بالظن فيه نظر والذي يظهر أنه بمعنى الرؤية أو السماع اهـ.
ونقل في التوضيح عن ابن بطال أن القول بمعنى الظن كثير بشرط كونه في المخاطب وكونه مستقبلاً ثم أنشد البيت المذكور مضافًا إلى سيبويه وللأصيلي مما في الفرع كأصله إلا بإثبات الهمزة وتشديد اللام تقولوه بحذف النون.
(قال) الرجل المفسر بعتبان فيما قيل: (بلى، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإنه لا يوافي) بكسر الفاء وفي اليونينية بفتحها (عبد يوم القيامة به) أي بالتوحيد (إلاّ حرم الله عليه النار) إذا أدى الفرائض واجتنب المناهي أو الاراد تحريم التخليد جميعًا بين الأدلة.
والحديث سبق في الباب المذكور ومطابقته هنا للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يؤاخذ القائلين في حق ابن الدخشن بما قالوا بل بين لهم أن إجراء أحكام الإسلام على الظاهر دون الباطن.
6939 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ فُلاَنٍ قَالَ: تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِحِبَّانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ الَّذِى جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ يَعْنِى عَلِيًّا قَالَ: مَا هُوَ لاَ أَبَا لَكَ، قَالَ شَىْءٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ: قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ» قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ حَاجٍ «فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأْتُونِى بِهَا»، فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْرَكْنَاهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا وَكَانَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ فَقُلْنَا: أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِى مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِى كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِيرَهَا فَابْتَغَيْنَا فِى رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا فَقَالَ صَاحِبِى: مَا نَرَى مَعَهَا كِتَابًا قَالَ: فَقُلْتُ لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ حَلَفَ عَلِىٌّ وَالَّذِى يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الصَّحِيفَةَ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ دَعْنِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِى أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّى أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِى عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يُدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِى وَمَالِى، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلاَّ لَهُ هُنَالِكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. قَالَ: «صَدَقَ لاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا» قَالَ: فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ دَعْنِى فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ: «أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الْجَنَّةَ» فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو عَبْد الله: خاخٍ أَصَحُّ، وَلَكِنْ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: حاجٍ وَحَاجٌ تَصْحيفٌ، وَهُوَ مَوْضِعٌ وَهُشَيْمٌ يَقُولُ: خاخٍ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي (عن فلان) في روايتي أبي ذر والأصيلي هو سعد بن عبيدة وكذا وقع في رواية هشيم في الجهاد وعبد الله بن إدريس في الاستئذان وهو سلمي كوفي يكنى أبا حمزة وكان زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي شيخه في هذا الحديث أنه (قال: تنازع أبو عبد الرحمن) عبد الله بن ربيعة بفتح الموحدة وتشديد التحتية السلمي الكوفي المقرئ المشهور بكنيته ولأبيه صحبة (وحبان بن عطية) السلمي بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة وعند أبي ذر بفتحها وهو وهم قال في التقريب لا أعرف له رواية وإنما له ذكر في البخاري وهو من الطبقة الثانية (فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت الذي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي علمت من الذي وله عن الكشميهني ما (جرأ)
بفتح الجيم والراء المشددة والهمزة أقدم (صاحبك على) إراقة (الدماء) أي دماء المسلمين (يعني عليًّا) -رضي الله عنه- (قال) حبان (ما هو) الذي جرأه (لا أبالك) قال في الكواكب: جوزوا هذا التركيب تشبيهًا بالمضاف وإلاّ فالقياس لا أب لك وهو مما يستعمل دعامة للكلام ولا يراد به الدعاء عليه حقيقة اهـ. وهي كلمة تقال عند الحث على الشيء والأصل فيه أن الإنسان إذا وقع في شدة عاونه أبوه، فإذا قيل لا أبا لك فمعناه ليس لك أب جدّ في الأمر جدّ من ليس له معاون، ثم أطلق في الاستعمال في مواضع استبعاد ما يصدر من المخاطب من قول أو فعل (قال) أبو عبد الرحمن (شيء) جرأه (سمعته يقوله) صفة لشيء والضمير المنصوب فيه يرجع

(10/91)


إلى شيء ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي يقول بحذف ضمير النصب (قال) حبان (ما هو؟) أي ذلك الشيء (قال) أبو عبد الرحمن قال علي (بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والزبير) بن العوّام (وأبا مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة كنازًا بفتح الكاف والنون المشددة وبعد الألف زاي الغنوي بالغين المعجمة والنون المفتوحتين، وقوله والزبير نصب عطفًا على نون الوقاية لأن محلها النصب وفي مثل هذا العطف خلاف بين البصريين والكوفيين ومثله قراءة حمزة والأرحام بالخفض عطفًا على الضمير المجرور في به من غير إعادة الجار وهو مذهب كوفي لا يجيزه البصريون، وقد ذكرت مبحثه في كتابي الكبير في القراءات الأربعة عشر.
وسبق في غزوة الفتح من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن علي ذكر المقداد بدل أبي مرثد فيحتمل أن الثلاثة كانوا مع علي، وفي باب الجاسوس أنا والزبير والمقدام أي بالميم قال في الكواكب: ذكر القليل لا ينفي الكثير (وكلنا فارس) أي راكب فرسًا (قال):
(انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج) بحاء مهملة وبعد الألف جيم موضع قريب من مكة أو بقرب المدينة نحو اثني عشر ميلاً (قال أبو سلمة) موسى بن إسماعيل شيخ المؤلّف فيه: (هكذا قال أبو عوانة) الوضاح (حاج) بالحاء المهملة والجيم. قال أبو ذر: كذا الرواية هنا، والصواب خاخ بخاءين معجمتين. قال النووي، قال العلماء: هو غلط من أبي عوانة وكأنه اشتبه عليه بمكان آخر يقال له ذات حاج بالحاء المهملة والجيم وهو موضع بين المدينة والشأم يسلكه الحاج والأصح خاخ بمعجمتين (فإن فيها امرأة) اسمها سارة كما عند ابن إسحاق أو كنود كما عند الواقدي (معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة) بالحاء والطاء المهملتين بينهما ألف آخره موحدة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الفوقية والعين المهملة (إلى المشركين) بمكة (فائتوني بها) بالصحيفة (فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تسير على بعير لها. وكان) ولأبي ذر وقد كان أي حاطب (كتب إلى أهل مكة) صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل يخبرهم (بمسير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم) ولفظ الكتاب ذكرته في الجهاد وعند الواقدي فأتاها حاطب فكتب معها كتابًا إلى أهل مكة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد أن يغزو فخذوا حذركم (فقلنا) لها (أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب فأنخنا بها بعيرها فابتغينا) أي طلبنا (هـ في رحلها فما وجدنا شيئًا فقال صاحبي) وفي نسخة صاحباي الزبير
وأبو مرثد (ما نرى معها كتابًا قال) علي: (فقلت) لهما (لقد علمنا) ولأبي ذر عن الكشميهني لقد علمتما (ما كذب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم حلف علي) -رضي الله عنه- (والذي يحلف به) فقال والله (لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم (أو لأجردنك) من ثيابك حتى تصيري عريانة (فأهوت) مالت بيدها (إلى حجزتها) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد إزارها (وهي محتجزة بكساء) شدته على وسطها زاد في حديث أنس عند ابن مردويه فقالت أدفعه إليكما على أن لا ترداني إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واختلف في إسلامها والأكثر على أنها على دين قومها وقد عدت فيمن أهدر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دمهم يوم الفتح لأنها كانت تغني بهجاء أصحابه (فأخرجت الصحيفة فأتوا بها) بالصحيفة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقرئت عليه (فقال عمر) -رضي الله عنه-: (يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فأضرب) بالنصب (عنقه) وفي غزوة الفتح دعني أضرب عنق هذا المنافق (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا حاطب ما حملك على ما صنعت قال: يا رسول الله ما لي) ولأبي ذر عن المستملي ما بي بالموحدة بدل اللام وهي أوجه (أن لا) بفتح الهمزة (أكون مؤمنًا بالله ورسوله) ولأبي ذر وبرسوله وفي رواية ابن عباس والله أني لنا صح لله ورسوله

(10/92)


(ولكني أردت أن يكون لي عند القوم) مشركي مكة (يد) منة (يدفع بها) بضم التحتية وفي نسخة يدفع الله بها (عن أهلي ومالي وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك) أي بمكة، ولأبي ذر عن الكشميهني: هناك بإسقاط اللام (من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صدق) حاطب ويحتمل أن يكون عرف صدقه بما ذكره أو بوحي (لا) ولأبي ذر ولا (تقولوا له إلا خيرًا قال) عليّ (فعاد عمر) إلى قوله الأول في حاطب (فقال: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني) ولأبي ذر عن الكشميهني فدعني (فلأضرب عنقه) بكسر اللام والنصب.
قال في الكواكب وهو في تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني لأضرب عنقه فتركك لي من أجل الضرب ويجوز سكون الباء والفاء زائدة على رأي الأخفش واللام للأمر ويجوز فتحها على لغة سليم وتسكينها مع الفاء على لغة قريش وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال ذكره ابن مالك في قوموا فلأصل لكم وبالرفع أي فوالله لأضرب، واستشكل قول عمر ثانيًا دعني أضرب عنقه بعد قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا) وأجيب: بأن عمر ظن أن صدقه في عذره لا يدفع عنه ما وجب عليه من القتل.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أوليس من أهل بدر) استفهام تقريري وزاد الحارث عند أبي يعلى فقال عمر: بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك فقال عليه الصلاة والسلام (وما يدريك) يا عمر (لعل الله اطلع عليهم) على أهل بدر (فقال اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد أوجبت لكم الجنة) وفي غزوة الفتح فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أي إن ذنوبهم تقع مغفورة حتى لو تركوا فرضًا مثلاً لم يؤاخذوا بذلك، ويؤيده حديث سهل بن الحنظلية في قصة الذي حرس ليلة حنين فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل نزلت الليلة؟ قال: لا إلا لقضاء حاجة قال: لا عليك أن لا تعمل بعدها والمتفق عليه أن أهل بدر مغفور لهم فيما يتعلق بالآخرة أما الحدود في الدنيا فلا فلقد جلد مسطحًا في
قصة الإفك (فاغرورقت عيناه) بالغين المعجمة الساكنة والراءين بينهما واو ساكنة ثم قاف افعوعلت من الغرق أي امتلأت عينا عمر من الدموع حتى كأنها غرقت (فقال) عمر -رضي الله عنه- (الله ورسوله أعلم).
(قال أبو عبد الله) البخاري (خاخ) بالمعجمتين (أصح، ولكن كذا قال أبو عوانة) الوضاح (حاج) بالحاء المهملة ثم الجيم (وحاج) بالمهملة والجيم (تصحيف وهو موضع) بين مكة والمدينة (وهيثم) بفتح الهاء وبعد التحتية الساكنة مثلثة كذا في الفرع ولعله سبق قلم والذي في اليونينية ووقفت عليه من الأصول المعتمدة وهشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة مصغرًا ابن بشير الواسطي في روايته عن أبي حصين مما وصله في الجهاد (يقول خاخ) بالمعجمتين وقوله قال أبو عبد الله ثابت في رواية المستملي.