شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
89 - كتاب الإكراه
(كتاب الإكراه) بكسر الهمزة وسكون الكاف وهو إلزام الغير
بما لا يريده.
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ
بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] وَقَالَ: {إِلاَّ
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]
وَهْىَ تَقِيَّةٌ وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ
كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ}
[النساء: 97] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ
لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75] فَعَذَرَ اللَّهُ
الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لاَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ
تَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْمُكْرَهُ لاَ يَكُونُ
إِلاَّ مُسْتَضْعَفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا
أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: التَّقِيَّةُ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِيمَنْ
يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ لَيْسَ بِشَىْءٍ وَبِهِ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِىُّ
وَالْحَسَنُ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ».
(وقول الله تعالى) في سورة النحل وقول بالجر عطفًا على
سابقه وسقطت الواو لغير أبي ذر مع الرفع على الاستئناف
({إلا من أكره}) استثناء ممن كفر بلسانه في قوله من كفر
بالله من بعد إيمانه ووافق المشركين بلفظه مكرهًا لما ناله
من الضرب والأذى ({وقلبه مطمئن}) ساكن ({بالإيمان}) بالله
ورسوله. وقال ابن جرير عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة
محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر
فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كيف تجد قلبك) قال مطمئنًّا
بالإيمان قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إن عادوا فعد).
ورواه البيهقي بأبسط من هذا وفيه أنه سب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر آلهتهم بخير وأنه قال:
يا رسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير قال:
(كيف تجد قلبك)؟ قال: مطمئنًّا بالإيمان قال: (إن عادوا
فعد). وفي ذلك أنزل الله {إلا من أكره وقلبه مطمئن
بالإيمان}
(10/93)
ومن
ثم اتفق على أنه يجوز أن يواتي المكره على الكفر إبقاء
لمهجته والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى
إلى قتله.
وعند ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد
الصحابة -رضي الله عنهم- أنه أسرته الروم فجاؤوا به إلى
ملكهم فقال له: تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوّجك ابنتي
فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملك العرب على
أن أرجع عن دين محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
طرفة عين ما فعلت فقال: إذًا أقتلك. قال أنت وذاك. قال:
فأمر به فصلب وأمر الرماة فرموه قريبًا من يديه ورجليه وهو
يعرض عليه دين النصرانية فيأبى ثم أمر به فأنزل ثم أمر
بقدر، وفي رواية ببقرة من نحاس فأحميت وجاء بأسير من
المسلمين فألقاه وهو ينظر فإذا هو عظام يلوح وعرض عليه
فأبى فأمر به أن يلقى فيها فرفع في البكرة ليلقى فيها فبكى
فطمع فيه ودعاه فقال: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس
واحدة تلقى في هذا القدر الساعة في الله فأحببت أن يكون لي
بعدد كل شعرة فى جسدي نفس تعذب هذا العذب في الله، وروي
أنه قبّل رأسه وأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده،
فلما رجع قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: حق على كل
مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ فقام فقبل
رأسه.
({ولكن من شرح بالكفر صدرًا}) أي طاب نفسًا وأعتقده
({فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}) [النحل: 106] في
الدار الآخرة لأنهم ارتدوا عن الإسلام للدنيا.
(وقال) جل وعلا في سورة آل عمران: ({إلاّ أن تتقوا منهم
تقاة}) [آل عمران: 28] قال البخاري آخذًا من كلام أبي
عبيدة (وهي تقية) أي إلا أن تخافوا من جهة الكافرين أمرًا
تخافون أي إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك
ومالك فحينيذٍ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطال المعاداة.
(وقال) تعالى في سورة النساء: ({إن الذين توفاهم
الملائكة}) ملك الموت وأعوانه وتوفاهم ماض أو مضارع أصله
تتوفاهم حذفت ثانية تاءيه ({ظالمي أنفسهم}) حال من ضمير
المفعول في توفاهم أي في حال ظلمهم أنفسهم بالكفر وترك
الهجرة ({قالوا}) أي الملائكة توبيخًا لهم ({فيم كنتم}) في
أي شيء كنتم من أمر دينكم ({قالوا كنا مستضعفين}) عاجزين
عن الهجرة ({في الأرض}) [النساء: 97] أرض مكة أو عاجزين عن
إظهار الدين وإعلاء كلمته (إلى قوله: {واجعل لنا من لدنك
نصيرًا}) [النساء: 75] كذا في رواية كريمة والأصيلي
والقابسي ولا يحض ما فيه من التغيير لأن قوله: {واجعل لنا
من لدنك نصيرًا} من آية أخرى متقدمة على الآية المذكورة
والصواب، ما وقع في رواية أبي ذرلى قوله: {عفوا غفورًا}
[النساء: 99] أي لعباده قبل أن يخلقهم. وقال تعالى:
({والمستضعفين}) مجرور بالعطف على في سبيل الله أي في سبيل
الله، وفي خلاص المستضعفين أو منصوب على الاختصاص أي واختص
من سبيل الله خلاص المستضعفين لأن سبيل الله عام في كل خير
وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من
أعظم الخير وأخصه والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدّهم
المشركون عن الهجرة فبقوا بين أيديهم مستضعفين يلقون منهم
الأذى التشديد من الرجال والنساء والولدان بيان للمستضعفين
وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث وتنبيهًا على تناهي ظلم
المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان إرغامًا لآبائهم وأمهاتهم
وعن ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء
والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم
أهلها الظالم وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فأعطي
أعراب القرية لأنه صفتها {واجعل لنا من لدنك وليًّا}
[النساء: 75] يتولى أمرنا ويستنقذنا من أعدائنا ({واجعل
لنا من لدنك نصيرًا}) [النساء: 75] ينصرنا عليهم فاستجاب
الله دعاءهم بأن يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة وجعل لمن
بقي منهم وليًّا وناصرًا ففتح مكة على نبيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتولاهم ونصرهم ثم استعمل
عليهم عتاب بن أسيد فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها
(فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر
الله به) إلا أن غلبوا (والمكره)
(10/94)
بفتح الراء (لا يكون إلا مستضعفًا) بفتح
العين (غير ممتنع من فعل ما أمر به) بضم الهمزة قال
الكرماني: غرضه أن المستضعف لا يقدر على الامتناع من الترك
أي تارك لأمر الله وهو معذور فكذلك المكره لا يقدر على
الامتناع من الفعل فهو فاعل لأمر المكره فهو معذور أي
كلاهما عاجزان.
(وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة عن وكيع عن
هشام عنه (التقية) ثابتة (إلى يوم القيامة) لا تختص بعهده
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي شيبة:
(فيمن يكرهه اللصوص) بضم التحتية وكسر الراء على طلاق
امرأته (فيطلقـ) ـها (ليس بشيء) فلا يقع طلاقه (وبه) بعدم
الطلاق في ذلك.
(قال ابن عمر) -رضي الله عنهما- (وابن الزبير) عبد الله
وقد أخرجها الحميدي في جامعه والبيهقي من طريقه (والشعبي)
عامر بن شراحيل فيما وصله عبد الرزاق بسند صحيح عنه
(والحسن) البصري فيما وصله سعيد بن منصور.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما
وصله في الأيمان بفتح الهمزة (الأعمال) بدون إنما (بالنية
بالإفراد فالمكره لا نيّة له على ما أكره عليه بل نيته عدم
الفعل.
6940 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا
سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو فِى الصَّلاَةِ: «اللَّهُمَّ
أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ
هِشَامٍ وَالْوَلِيدَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ
اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ
سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن خالد بن يزيد) من الزيادة الجمحي
الإسكندراني (عن سعيد بن أبي هلال) الليث المدني (عن
هلال بن أسامة) بضم الهمزة هو هلال بن علي بن أسامة
العامري المدني (أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أخبره
عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو في) قنوت (الصلاة) وفي تفسير
سورة النساء؛ إنها صلاة العشاء، وفي كتاب الصلاة أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حين يرفع رأسه
وفي الأدب لما رفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رأسه من الركوع قال: (اللهم أنج عياش بن أبي
ربيعة) أخا أبي جهل لأمه وهمزة أنج همزة قطع مفتوحة (وسلمة
بن هشام) أخا أبي جهل (والوليد بن الوليد) ابن عم أبي جهل
(اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين) من ذكر العام بعد
الخاص ثم ذكر من حال بينهم وبين الهجرة فقال (اللهم اشدد
وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة عقوبتك (على) كفار
(مضر) أي قريش (وابعث عليهم سنين) مجدبة (كسني يوسف) عليه
السلام والمطابقة بين الحديث والترجمة من حيث إنهم كانوا
مكرهين على الإقامة مع المشركين لأن المستضعف لا يكون إلا
مكرهًا كما مرّ ومفهومه أن الإكراه على الكفر لو كان كفرًا
لما دعا لهم وسماهم مؤمنين.
والحديث شرّ في مواضع كسورة النساء وكتاب الأدب.
1 - باب مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ
عَلَى الْكُفْرِ
(باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر).
6941 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَوْشَبٍ الطَّائِفِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ،
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ -
رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ
وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ
يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ
يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ
يُقْذَفَ فِى النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء
المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة آخره موحدة
(الطائفي) بالفاء نزيل الكوفة قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن
عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي
قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس -رضي الله عنه-)
أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ثلاث) أي خصال ثلاث صفة لمحذوف أو ثلاث خصال مبتدأ وسوّغ
الابتداء به إضافته إلى الخصال والجملة بعده خبر وهي (من
كنّ فيه وجد) أصاب (حلاوة الإيمان) باستلذاذه الطاعات ولا
يجد ذلك إلا (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)
وأن مصدرية خبر لمبتدأ محذوف أي أوّل الثلاثة كون الله
ورسوله في محبته إياهما أكثر محبة من محبة سواهما من نفس
وولد ووالد وأهل ومال وكل شيء (وأن يحب المرء لا يحبه إلا
الله وأن يكره أن يعود في الكفر) زاد في كتاب الإيمان
بالكسر بعد إذ أنقذه الله منه (كما يكره أن يقذف في
النار). وهذا هو المراد من الترجمة من كونه سوّى بين كراهة
الكفر وبين كراهة دخول النار والقتل والضرب
والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار فيكون أسهل من
الكفر أن اختار الأخذ بالشدة قاله ابن بطال.
والحديث سبق في الإيمان.
6942 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
عَبَّادٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ سَمِعْتُ قَيْسًا سَمِعْتُ
سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَإِنَّ
عُمَرَ مُوثِقِى عَلَى الإِسْلاَمِ وَلَوِ انْقَضَّ أُحُدٌ
مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمَانَ كَانَ مَحْقُوقًا أَنْ
يَنْقَضَّ.
وبه قال:
(10/95)
(حدّثنا سعيد بن سليمان) الواسطي الملقب
بسعدويه قال: (حدّثنا عباد) بفتح العين والموحدة المشددة
ابن العوّام بتشديد الواو الواسطي (عن إسماعيل) بن أبي
خالد أنه قال: (سمعت قيسًا) هو ابن أبي حازم بالحاء
المهملة والزاي يقول (سمعت سعيد بن زيد) بكسر العين ابن
عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المبشرة بالجنة وهو ابن عم
عمر بن الخطاب وزوج أخته -رضي الله عنه- (يقول: لقد
رأيتني) بضم الفوقية أي رأيت نفسي (وإن عمر) بن الخطاب
-رضي الله عنه- (موثقي) بضم الميم وسكون الواو وكسر
المثلثة والقاف بحبل أو قدّ (على الإسلام) كالأسير تضييقًا
وإهانة لكوني أسلمت وفي باب إسلام عمر عن محمد بن المثنى
عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد لو رأيتني
موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته وما أسلم وفي باب إسلام
سعيد بن زيد عن قتيبة عن الثوري عن إسماعيل قبل أن يسلم
عمر (ولو انقض) بالنون الساكنة والقاف والضاد المعجمة
المشددة المفتوحتين انهدم ولأبي ذر عن الكشميهني انفض
بالفاء بدل القاف أي تفرق (أُحد) الجبل المعروف بالمدينة
الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وجعل وفاتي بها
على الإسلام والسنة في عافية بلا محنة (مما فعلتم بعثمان)
بن عفان يوم الدار من القتل (كان محقوقًا) بفتح الميم
وسكون الحاء المهملة وقافين بينهما واو ساكنة أي واجبًا
(أن ينقض) أن ينهدم ولأبي ذر عن الكشميهني أن ينفض بالفاء
أن يتفرق أي ولو تحركت القبائل لطلب ثار عثمان لفعلوا
واجبًا.
والحديث ظاهر فيما ترجم له لأن سعيدًا وزوجته أخت عمر
اختارا الهوان على الكفر.
6943 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ
الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً
لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: «أَلاَ
تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا فَقَالَ: قَدْ
كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ
فِى الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ
فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ
وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ
وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ،
وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ
الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ
إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ
تَسْتَعْجِلُونَ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه قال (حدّثنا
قيس) هو ابن أبي حازم (عن خباب بن الأرت) بفتح الخاء
المعجمة والموحدة المشددة وبعد الألف موحدة ثانية والأرتّ
بفتح الهمزة والراء بعدها فوقية مشددة ابن جندلة مولى
خزاعة أنه (قال: شكونا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (متوسد بردة له)
كساء أسود مربع (في ظل الكعبة فقلنا) له يا رسول الله
(ألا) بالتخفيف للتحريض (تستنصر لنا) تطلب لنا من الله
النصر على الكفار وسقط لنا لأبي ذر (ألا تدعو لنا؟ فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(قد كان من قبلكم) من الأنبياء وأممهم (يؤخذ الرجل) منهم
(فيحفر له في الأرض) حفرة (فيجعل فيها فيجاء) بضم التحتية
وفتح الجيم ممدود (بالميشار) بكسر الميم وسكون التحتية
بعدها شين معجمة وفي نسخة بالنون بدل التحتية وهي الآلة
التي ينشر بها الأخشاب (فيوضع على رأسه فيجعل) بضم التحتبة
وفتح العين (نصفين ويمشط) بضم التحتية وفتح الشين المعجمة
(بأمشاط الحديد ما دون لحمه) أي تحته أو عنده (وعظمه فما
يصده ذلك) النشر والمشط (عن دينه والله ليتمنّ) بفتح
التحتية وكسر الفوقية وفتح الميم والنون مشددتين واللام
للتوكيد أي ليكملن (هذا الأمر) بالرفع أي الإسلام (حتى
يسير الراكب من صنعاء) قاعدة اليمن ومدينته العظمى (إلى
حضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح
الراء والميم وسكون الواو بلدة باليمن أيضًا بينها وبين
صنعاء مسافة بعيدة قيل أكثر من أربعة أيام (لا يخاف إلا
الله والذئب على غنمه) بنصب الذئب عطفًا على الجلالة
الشريفة (ولكنكم تستعجلون).
ووجه دخول هذا الحديث في الترجمة من جهة أن طلب خباب
الدعاء من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
الكفار دال على أنهم كانوا قد اعتدوا عليهم بالأذى ظلمًا
وعدوانًا. قال ابن بطال مما لخصه الحافظ ابن حجر في فتحه:
إنما لم يجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سؤال خباب ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى:
{ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] وقوله: {فلولا إذ جاءهم
بأسنا تضرعوا} [الأنعام: 43] لأنه علم أنه قد سبق القدر
بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها كما جرى به عادة
الله في أتباع الأنبياء فصبروا على الشدة
(10/96)
في ذات الله ثم كانت لهم العاقبة بالنصر
وجزيل الأجر قال: فأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء
عند كل نازلة لأنهم لم يطلعوا على ما أطلع الله عليه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اهـ
وتعقبه في الفتح بأنه ليس في الحديث تصريح بأنه عليه
السلام لم يدع لهم بل يحتمل أنه دعا وإنما قال قد كان من
قبلكم يؤخذ إلى آخره تسلية لهم وإشارة إلى الصبر حتى تنقضي
المدة المقدورة وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث
ولكنكم تستعجلون اهـ.
وتعقبه العيني فقال قوله وليس في الحديث تصريح بأنه لم يدع
لهم بل يحتمل أنه قد دعا هذا احتمال بعيد لأنه لو كان دعا
لهم لما قال قد كان من قبلكم إلخ وقوله تسلية لهم إلخ لا
يدل
على أنه دعا لهم بل يدل على أنهم لا يستعجلون في إجابة
الدعاء في الدنيا على أن الظاهر منه ترك الاستعجال في هذا
الوقت ولو كان يجاب لهم فيما بعد.
والحديث مضى في علامات النبوّة وفي مبعث النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
2 - باب فِى بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ فِى الْحَقِّ
وَغَيْرِهِ
هذا (باب) بالتنوين (في) بيان (بيع المكره) بضم الميم وفتح
الراء وهو الذي يحمل على بيع الشيء شاء أو أبى (ونحوه) أي
المضطر (في الحق) المالي (وغيره) أي الجلاء أو المراد
بالحق الدين وبغيره ما عداه مما يكون بيعه لازمًا، أو
المراد بقوله وغيره الدين فيكون من الخاص بعد العام.
6944 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ» فَخَرَجْنَا مَعَهُ
حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَامَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَادَاهُمْ: «يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا» فَقَالُوا: قَدْ
بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ: «ذَلِكَ أُرِيدُ»
ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ: فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ
يَا أَبَا الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:
«اعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّى
أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ
بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا
أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام
(عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) كيسان (عن أبي
هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينما) بالميم (نحن في
المسجد إذ خرج علينا) ولأبي الوقت إلينا (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(انطلقوا إلى يهود) غير منصرف (فخرجنا معه حتى جئنا بيت
المدراس) بكسر الميم وسكون الدال المهملة آخره سين مهملة
موضع قراءتهم التوراة وإضافة البيت إليه من إضافة العام
إلى الخاص قاله في الكواكب. وقال في الفتح: المدراس كبير
اليهود ونسب البيت إليه لأنه الذي كان صاحب دراسة كتبهم أي
قراءتها قال: والصواب أنه على حذف الموصوف والمراد الرجل،
وفي كتاب الجزية حتى جئنا بيت المدراس بتأخير الراء عن
الألف بصيغة المفاعلة وهو من يدرس الكتاب ويعلمه غيره
(فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فناداهم)
ولأبي ذر عن الكشميهني فنادى: (يا معشر يهود أسلموا) بكسر
اللام (تسلموا) بفتحها (فقالوا) له -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد بلغت يا أبا القاسم فقال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ذلك) التبليغ واعترافكم به
(أريد ثم قالها الثانية) يا معشر يهود أسلموا تسلموا
(فقالوا قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قال الثالثة) ولأبي ذر
في الثالثة (فقال: اعلموا أن الأرض) ولأبي ذر عن الكشميهني
إنما الأرض (لله ورسوله) يحكم فيها بما أراه الله لكونه
المبلغ عنه تعالى القائم بتنفيذ أوأمره (وإني أريد أن
أجليكم) بضم الهمزة وفي اليونينية بفتحها وسكون الجيم وكسر
اللام أي أخرجكم من
الأرض (فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبعه) ضمن وجد معنى بخل
فعداه بالباء أو وجد من الوجدان والباء سببية أي فمن وجد
منكم بماله شيئًا من المحبة أو هي للمقابلة.
قال الخطابي: استدلّ به البخاري على جواز بيع المكره وهو
ببيع المضطر أشبه، وإنما المكره على البيع هو الذي يحمل
على البيع أراد أو لم يرد واليهود لو لم يبيعوا أرضهم لم
يلزموا بذلك وإنما شحوا على أموالهم فاختاروا بيعها فصاروا
كأنهم اضطروا إلى بيعها كمن رهقه دين فاضطر إلى بيع ماله
فيكون جائزًا ولو أكره عليه لم يجز اهـ.
قال في الفتح: إن البخاري لم يقتصر في الترجمة على المكره
وإنما قال بيع المكره ونحوه في الحق فدخل في ترجمته
المضطر، وكأنه أشار إلى الردّ على من لم يصحح بيع المضطر،
وقوله ولو أكره عليه لم يجز مردود لأنه إكراه بحق (وإلا)
بأن لم تجدوا شيئًا (فاعلموا أن الأرض) وللكشميهني أنما
الأرض (لله ورسوله).
والحديث سبق في الجزية وأخرجه مسلم في المغازي وأبو داود
في الخراج والنسائي في السير.
3 - باب لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ
{وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ
أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ
بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33].
وهذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يجوز نكاح
(10/97)
المكره) بفتح الراء وقوله تعالى: ({ولا
تكرهوا فتياتكم}) إماءكم ({على البغاء}) على الزنا ({إن
أردن تحصنًا}) تعففًا عن الزنا وإنما قيده بهذا الشرط لأن
الإكراه لا يكون إلا مع إرادة التحصن فآمر المطيعة بالبغاء
لا يسمى مكرهًا ولا أمره إكراهًا ولأنها نزلت على سبب فوقع
النهي عن تلك الصفة وفيه توبيخ للموالي أي إذا رغبن في
التحصن فأنتم أحق بذلك ({لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}) أي
لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن وأموالهن ({ومن يكرههن
فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}) [النور: 33] لهن
وإثمهن على من أكرههن، وفي مسند البزار عن الزهري قال:
كانت جارية لعبد الله بن أبي يقال لها معاذة يكرهها على
الزنا فلما جاء الإسلام نزلت {ولا تكرهوا فتياتكم على
البغاء} إلى قوله: {فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم}
وعند النسائي عن جابر أنه كان يقال لها مسيكة وكان يكرهها
على الفجور وكانت لا بأس بها فتأبى فأنزل الله هذه الآية
{ولا تكرهوا} الآية إلى آخرها. وسقط لأبي ذر من قوله إن
أردن إلى آخر الآية وقال بعد {البغاء} إلى قوله: {غفور
رحيم} واستشكل ذكر هذه الآية هنا. وأجيب: بأنه إذا نهي عن
الإكراه فيما لا يحل فالنهي عن الإكراه فيما يحل بالطريق
الأولى.
6945 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ
يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ خَنْسَاءَ
بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا
زَوَّجَهَا وَهْىَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتِ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ
نِكَاحَهَا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين
المهملة الحجازي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الرحمن
بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن
عبد الرحمن ومجمع) بضم الميم الأولى وكسر الثانية المشددة
بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة (ابني يزيد بن جارية)
بالجيم والراء بعدها تحتية (الأنصاري عن خنساء) بفتح الخاء
المعجمة وسكون النون وبعد السين المهملة ألف فهمزة (بنت
خذام) بكسر الخاء وفتح الذال المخففة المعجمتين ابن وديعة
(الأنصارية) الأوسية (أن أباها) خذامًا (زوّجها وهي ثيب)
قد أزيلت بكارتها بنكاح رجل من بني عوف كما في رواية محمد
بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء (فكرهت
ذلك) النكاح (فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) فذكرت له ذلك (فردّ) عليه الصلاة والسلام
(نكاحها) فيه أنه لا بد من إذن الثيب في صحة النكاح وأن
نكاح المكره لا يجوز وقال الكوفيون لو أكره على نكاح امرأة
بعشرة آلاف درهم وصداق مثلها ألف جاز النكاح ولزمه ألف
وبطل الزائد. قال سحنون: وكما أبطلوا الزائد على الألف
بالإكراه فكذلك يلزمهم إبطال النكاح بالإكراه وفي أمره
عليه الصلاة والسلام باستثمار النساء في إبضاعهنّ دليل
عليهم. قال: وقد جمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره
والمكرهة فلو كان راضيًا بالنكاح وأكره على المهر يصح
العقد اتفاقًا ويلزم المسمى بالدخول.
والحديث سبق في باب إذا زوّج ابنته وهي كارهة من كتاب
النكاح.
6946 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى
مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِى عَمْرٍو هُوَ ذَكْوَانُ عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِى أَبْضَاعِهِنَّ
قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ
فَتَسْتَحِى فَتَسْكُتُ قَالَ: «سُكَاتُهَا إِذْنُهَا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري ويحتمل أن يكون محمد بن يوسف البيكندي وشيخه
سفيان بن عيينة (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن
ابن أبي مليكة) عبد الله المكي (عن أبي عمرو) بفتح العين
(هو ذكوان) مولى عائشة (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: قلت يا رسول الله يستأمر النساء في إبضاعهن) بضم
التحتية مبنيًّا للمفعول وفي بعض النسخ بالفوقية وأبضاعهنّ
بفتح الهمزة. قال الكرماني: جمع بضع تعقبه فقال: ليس كذلك
وليس بجمع بل هو بكسر الهمزة من أبضعت المرأة إبضاعًا إذا
زوجتها وقال الجوهري البضع بالضم النكاح عن ابن السكيت قال
يقال ملك بضع فلانة والمباضعة المجامعة يعني يستشار النساء
في عقد نكاحهنّ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(نعم) يستأمر النساء في إبضاعهن وظاهره أنه ليس للولي
تزويج
الثيب من غير استئذانها ومراجعتها والإطلاع على أنها راضية
بصريح الإذن قالت عائشة (قلت) يا رسول الله (فإن البكر
تستأمر) مبني للمفعول أي تستشار فيمن تتزوّج (فتستحي) بكسر
الحاء ولأبي ذر فتستحيي بسكون الحاء وزيادة ياء أخرى
(10/98)
لغتان بمعنى (فتسكت قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سكاتها إذنها) للأب وغيره ما لم تكن
قرينة ظاهرة في المنع كصياح وضرب خدّ.
وسبق الحديث في النكاح.
4 - باب إِذَا أُكْرِهَ حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ
بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنْ نَذَرَ الْمُشْتَرِى
فِيهِ نَذْرًا، فَهْوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ وَكَذَلِكَ إِنْ
دَبَّرَهُ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أكره) بضم الهمزة الرجل
(حتى وهب عبدًا أو باعه لم يجز) لم تصح الهبة ولا البيع.
(وقال) ولأبي ذر وبه قال: (بعض الناس) قيل الحنفية (فإن
نذر المشتري) بكسر الراء من المكره (فيه) في الذي اشتراه
(نذرًا فهو) أي البيع مع الإكراه (جائز) أي ماض عليه ويصح
البيع وكذا الهبة (بزعمه) أي عنده (وكذلك إن دبره) أي دبر
العبد الله اشتراه من المكره على بيعه فينعقد التدبير. قال
في الكواكب: غرض البخاري أن الحنفية تناقضوا فإن بيع
الإكراه إن كان ناقلاً للملك إلى المشتري فإنه يصح منه
جميع التصرفات ولا يختص بالنذر والتدبير، وإن قالوا ليس
بنا قل فلا يصح النذر والتدبير أيضًا، وحاصله أنهم صححوا
التدبير والنذر بدون الملك وفيه تحكم وتخصيص بغير مخصص.
6947 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
جَابِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ
دَبَّرَ مَمْلُوكًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ،
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّى»
فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ
دِرْهَمٍ قَالَ: فَسَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا
قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) الأزدي الجهضمي أبو إسماعيل البصري (عن عمرو
بن دينار) بفتح العين (عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-
أن رجلاً من الأنصار) يقال له أبو مذكور (دبر مملوكًا) له
اسمه يعقوب علق عتقه بموته (ولم يكن له مال غيره فبلغ ذلك
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(من يشتريه) أي يعقوب المدبر (مني فاشتراه) منه (نعيم بن
النحام) بضم نون الأول وفتح عينه المهملة وبعد التحتية
الساكنة ميم وفتح نون الثاني وحائه المهملة وبعد الألف ميم
(بثمانمائة درهم قال) عمرو بن دينار: (فسمعت جابرًا) -رضي
الله عنه- (يقول): كان يعقوب (عبدًا قبطيًّا) من قبط مصر
(مات عام أوّل) بالفتح على البناء وهو من إضافة الموصوف
لصفته وهو جائز عند
الكوفيين ممنوع عند البصريين فيؤولونه على حذف مضاف أي عام
الزمن الأوّل، ووجه إدخال الحديث في الترجمة من جهة أن
الذي دبره لما لم يكن له مال غيره وكان تدبيره سفهًا من
فعله ردّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان
ملكه للعبد صحيحًا فمن لم يصح له ملكه إذا دبره أولى أن
يردّ فعله.
والحديث سبق في العتق.
5 - باب مِنَ الإِكْرَاهِ كَرْهٌ وَكُرْهٌ وَاحِدٌ
هذا (باب) بالتنوين (من الإكراه كره وكره) بفتح الكاف في
الأول وضمها في الثاني ولأبي ذر بضم الكاف في الأوّل
وفتحها في الثاني ونصب الهاء فيهما والمعنى (واحد) أو
الفتح للإجبار والضم للمشقة وسقط هذا للنسفي.
6948 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا
أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ
سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ الشَّيْبَانِىُّ: وَحَدَّثَنِى عَطَاءٌ
أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِىُّ وَلاَ أَظُنُّهُ إِلاَّ
ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ
تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الآيَةَ. قَالَ: كَانُوا
إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ
بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ
شَاءُوا زَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجْهَا،
فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ بِذَلِكَ.
وبه قال: (حدّثنا حسين بن منصور) بضم الحاء المهملة
النيسابوري قال: (حدّثنا أسباط بن محمد) القرشي مولاهم
الكوفي قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة (سليمان
بن فيروز) هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الكوفي (عن
عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس. قال) ولأبي ذر وقال
(الشيباني: وحدّثني) بالإفراد (عطاء أبو الحسن السوائي)
بضم السين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف همزة الكوفي
(ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله
تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء
كرهًا} الآية. قال: كانوا) أي أهل الجاهلية أو أهل المدينة
أو في الجاهلية وأول الإسلام (إذا مات الرجل كان أولياؤه
أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوّجها) إن كانت جميلة بصداقها
الأول (وإن شاؤوا زوّجوها) لمن أرادوا وأخذوا صداقها (وإن
شاؤوا لم يزوّجوها) بل يحبسونها حتى تموت فيرثونها أو
تفتدي نفسها (فهم) أي أولياء الرجل (أحق بها من أهلها) وفي
اليونينية مصلح على كشط لأن شاؤوا زوّجها وإن شاؤوا لهم
يزوّجها بالإفراد في زوّجها في الموضعين (فنزلت هذه الآية
بذلك) ولأبي ذر في ذلك. وقال المهلب فيما نقله العيني رحمه
الله: فائدة هذا الباب التعريف بأن كل من أمسك امرأته لأجل
الإرث منها طمعًا أي تموت لا يحل له ذلك بنص القرآن.
والحديث سبق في تفسير سورة النساء.
6 - باب إِذَا اسْتُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا
فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا
فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ
اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
[النور: 33].
هذا (باب) بالتنوين (إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حدّ
عليها) لأنها مكرهة
(10/99)
واستكرهت بضم الفوقية وسكون الكاف وكسر
الراء (في قوله) ولأبي ذر لقوله (تعالى: {ومن يكرههن}) أي
الفتيات ({فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم}) [النور:
33] لهن ولعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة وهو الذي
يخاف منه التلف فكانت آثمة.
ومناسبة الآية للترجمة من حيث إن في الآية دلالة على أن لا
إثم على المكرهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها الحدّ.
6949 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ أَنَّ
صَفِيَّةَ ابْنَةَ أَبِى عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ
عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةٍ
مِنَ الْخُمُسِ، فَاسْتَكْرَهَهَا حَتَّى افْتَضَّهَا،
فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ
الْوَلِيدَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا قَالَ
الزُّهْرِىُّ: فِى الأَمَةِ الْبِكْرِ يَفْتَرِعُهَا
الْحُرُّ يُقِيمُ ذَلِكَ الْحَكَمُ مِنَ الأَمَةِ
الْعَذْرَاءِ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا، وَيُجْلَدُ وَلَيْسَ
فِى الأَمَةِ الثَّيِّبِ فِى قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ
وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
وبه قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام فيما وصله البغوي
عن العلاء بن موسى عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع)
مولى ابن عمر (أن صفية ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي عبيد) بضم
العين وفتح الموحدة الثقفية ابنة عبد الله بن عمر (أخبرته
أن عبدًا من رقيق الإمارة) بكسر الهمزة من مال الخليفة عمر
-رضي الله عنه- (وقع على وليدة) جارية (من الخمس) الذي
يتصرف فيه الإمام أي زنى بها (فاستكرهها حتى اقتضها)
بالقاف والضاد المعجمة المشددة أزال بكارتها والقضة بكسر
القاف عذرة البكر (فجلده عمر) -رضي الله عنه- (الحدّ
ونفاه) غربه من أرض الجناية نصف سنة لأن حده نصف حد الحر
وفيه أن عمر كان يرى أن الرقيق ينفى كالحر (ولم يجلد
الوليدة من أجل أنه استكرهها). قال الحافظ ابن حجر: ولم
أقف على اسم واحد منهما وعند ابن أبي شيبة مرفوعًا بسند
ضعيف عن وائل بن حجر قال: استكرهت امرأة في الزنا فدرأ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها الحد
(قال) ولأبي ذر وقال (الزهري) محمد بن مسلم (في الأمة
البكر يفترعها) بالفاء والعين المهملة يقتضها (الحر يقيم)
يقوّم (ذلك) الافتراع (الحكم) بفتحتين أي الحاكم (من الأمة
العذراء بقدر قيمتها) أي من المفترع دية الافتراع بنسبة
قيمتها وهو إرش النقص أي التفاوت بين كونها بكرًا وثيبًا
ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بقدر ثمنها (ويجلد
وليس في الأمة الثيب) بالمثلثة (في قضاء الأمة غرم) بضم
الغين المعجمة وسكون الراء غرامة (ولكن عليه الحد).
6950 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ،
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ
دَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ
-أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
أَنْ أَرْسِلْ إِلَىَّ بِهَا، فَأَرْسَلَ بِهَا فَقَامَ
إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّى فَقَالَتِ:
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، فَلاَ
تُسَلِّطْ عَلَىَّ الْكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ
بِرِجْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هاجر إبراهيم) خليل الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العراق إلى الشأم أو من
بيت المقدس إلى مصر (بسارة) زوجته أم إسحاق عليهما السلام
(دخل بها قرية) تسمى حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء
وبعد الألف نون بين دجلة والفرات وقيل الأردن وقيل مصر
(فيها ملك) بكسر اللام (من الملوك أو جبار من الجبابرة)
بالشك من الراوي (فأرسل) الملك (إليه) إلى الخليل عليه
الصلاة والسلام (أن أرسل) بهمزة قطع بعد سكون نون أن
(إليّ) بتشديد الياء (بها) بسارة (فأرسل بها) الخليل إليه
بعد إكراه الجبار له على إرسالها إليه (فقام إليها)
ليصيبها (فقامت توضأ) أصله تتوضأ فحذفت إحدى التاءين
(وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك) إبراهيم أي
إن كنت مقبولة الإيمان عندك (فلا تسلط عليّ) هذا (الكافر)
الجبار (فغط) بفتح الفاء وضم الغين المعجمة وتشديد الطاء
المهملة أي خنق وصرع (حتى ركض) حرك (برجله).
ومناسبة هذه القصة غير ظاهرة وليس فيها إلا سقوط الملامة
عن سارة في خلوة الجبار بها لأنها مكرهة لكن ليس الباب
معقودًا لذلك وإنما هو معقود لاستكراه المرأة على الزنا
قاله ابن المنير، وقال ابن بطال، وتبعه في الكواكب وجه
دخوله هنا مع أن سارة عليها السلام كانت معصومة من كل سوء
أنه لا ملامة عليها في الخلوة مكرهة فكذا المستكرهة على
الزنا لا حدّ عليها.
والحديث سبق في آخر البيع وأحاديث الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم.
7 - باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ
إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ
وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ فَإِنَّهُ يَذُبُّ
عَنْهُ الْمَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ
يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلاَ
قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ
لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ
أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ
تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ
أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِى الإِسْلاَمِ وَسِعَهُ ذَلِكَ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ». وَقَالَ بَعْضُ
النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ
لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ
أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لَمْ يَسَعْهُ
لأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ:
إِنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ، أَوِ ابْنَكَ أَوْ
لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ
تَهَبُ يَلْزَمُهُ فِى الْقِيَاسِ، وَلَكِنَّا
نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، وَكُلُّ
عُقْدَةٍ فِى ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِى
رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ
سُنَّةٍ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «قَالَ: إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ هَذِهِ
أُخْتِى» وَذَلِكَ فِى اللَّهِ وَقَالَ النَّخَعِىُّ:
إِذَا كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ
الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ
الْمُسْتَحْلِفِ.
(باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا خاف عليه القتل) بأن
يقتله إن لم يحلف اليمين التي أكرهه الظالم عليها (أو
نحوه) كقطع اليد لا حنث عليه كما قاله ابن بطال عن مالك
والجمهور ولفظه: ذهب مالك والجمهور إلى أنّ من أكره على
يمين إن لم يحلفها قتل
(10/100)
أخوه المسلم لا حنث عليه وقال الكوفيون
يحنث لأنه كان له أن يوري فلما ترك التورية صار قاصدًا
لليمين فيحنث وأجاب الجمهور بأنه إذا أكره على اليمين
فنيته مخالفة لقوله والأعمال بالنيات (وكذلك كل مكره) بفتح
الراء (يخاف فإنه) أي المسلم (يذب) بفتح التحتية وضم الذال
المعجمة يدفع (عنه الظالم ويقاتل دونه) أي عنه (ولا يخذله)
بالذال المعجمة المضمومة لا يترك نصرته (فإن قاتل دون
المظلوم) أي عنه غير قاصد قتل الظالم بل الدفع عن المظلوم
فقط فأتى على الظالم (فلا قود عليه ولا قصاص) هو تأكيد
لأنهما بمعنى أو القصاص أعم من النفس ودونها والقود في
النفس غالبًا (وإن قيل له لتشربن الخمر) وأكرهه على ذلك
(أو لتأكلن الميتة) وأكرهه على أكلها (أو لتبيعن عبدك)
وأكرهه على بيعه (أو تقر بدين) لفلان على نفسك ليس عليك
(أو تهب هبة) بغير طيب نفس منك (أو تحل) بفتح الفوقية وضم
الحاء المهملة فعل مضارع (عقدة) بضم العين وسكون القاف
آخره تاء تأنيث تفسخها كالطلاق والعتاق وفي بعض النسخ وكل
عقدة بالكاف بدل الحاء مبتدأ مضاف لعقدة وخبره محذوف أي
كذلك (أو لنقتلن) بنون قبل القاف (أباك أو أخاك في
الإسلام) أعم من القريب وزاد أبو ذر عن الكشميهني وما أشبه
ذلك (وسعه) بكسر السين المهملة جاز له جميم (ذلك) ليخلص
أباه أو أخاه المسلم (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) السابق ذكره في باب المظالم (المسلم أخو
المسلم) يظلمه ولا يسلمه.
(وقال بعض الناس): قيل هم الحنفية (لو قيل له) أي لو قال
ظالم لرجل (لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لنقتلن ابنك
أو أباك أو ذا رحم محرم) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة
أو بضم الميم والتشديد (لم يسعه) أي يجز له أن يفعل ما
أمره به (لأن هذا ليس بمضطر) في ذلك لأن الإكراه إنما يكون
فيما يتوجه إلى الإنسان في خاصة نفسه لا في غيره وليس له
أن يعصي الله حتى يدفع عن غيره بل الله سائل الظالم ولا
يؤاخذ المأمور لأنه لم يقدر على الدفع إلا بارتكاب ما لا
يحل له ارتكابه فليصبر على قتل ابنه فإنه لا إثم عليه فإن
فعل يأثم وقال الجمهور لا يأثم (ثم ناقض) بعض الناس قوله
هذا (فقال: إن قيل له) أي إن قال ظالم لرجل (لنقتلن) بنون
بعد اللام الأولى (أباك أو ابنك أو لتبيعن هذا العبد أو
تقرّ) ولأبي ذر أو لتقرن (بدين أو تهب) هبة (يلزمه في
القياس) لما سبق أنه يصبر على قتل أبيه وعلى هذا ينبغي أن
يلزمه كل ما عقد على نفسه من عقد ثم ناقض هذا المعنى بقوله
(ولكنا نستحسن ونقول البيع والهبة وكل عقدة) بضم العين (في
ذلك
باطل) فاستحسن بطلان البيع ونحوه بعد أن قال يلزمه في
القياس ولا يجوز له القياس فيها وأجاب العيني بأن المناقضة
ممنوعة لأن المجتهد يجوز له أن يخالف قياس قوله بالاستحسان
والاستحسان حجة عند الحنفية. قال البخاري -رحمه الله
تعالى-: (فرقوا) أي الحنفية (بين كل ذي رحم محرم وغيره) من
الأجنبي (بغير كتاب ولا سنّة) فلو قال ظالم لرجل: لنقتلن
هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن أو تقر أو تهب ففعل ذلك
لينجيه من القتل لزمه جميع ما عقد على نفسه من ذلك ولو قيل
له ذلك في المحارم لم يلزمه ما عقده في استحسانه، والحاصل
أن أصل أبي حنيفة اللزوم في الجميع قياسًا لكنه يستثني من
له منه رحم استحسانًا، ورأى البخاري أن لا فرق بين القريب
والأجنبي في ذلك لحديث المسلم: أخو المسلم فإن المراد
أخوّة الإسلام لا النسب، ثم استشهد لذلك بقوله:
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما
سبق موصولاً في أحاديث الأنبياء عليهم السلام (قال
إبراهيم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لامرأته)
لما طلبها الجبار ولأبي ذر عن الكشميهني لسارّة (هذه أختي)
قال البخاري (وذلك في الله) أي في دين الله لا أخوة النسب
إذ نكاح الأخت كان حرامًا في ملة إبراهيم، وهذه الأخوة
توجب حماية أخيه المسلم والدفع عنه فلا يلزمه ما عقد من
البيع ونحوه ووسعه الشرب والأكل ولا إثم عليه في ذلك كما
لو قيل له: لتفعلن هذه الأشياء أو لنقتلنك وسعه
(10/101)
في نفسه إتيانها ولا يلزمه حكمها وأجاب العيني بأن
الاستحسان غير خارج عن الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله
تعالى: {فيتبعون أحسنه} [الزمر: 18] وأما السنة فقوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما رآه المؤمنون
حسنًا فهو حسن عند الله.
(وقال النخعي) بفتح النون والخاء المعجمة إبراهيم فيما
وصله محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد
عنه (إذا كان المستحلف ظالمًا فنية الحالف وإن كان مظلومًا
فنية المستحلف) قال في الكواكب فإن قلت: كيف يكون المستحلف
مظلومًا؟ قلت: المدعي المحق إذا لم يكن له بنية ويستحلفه
المدعى عليه فهو مظلوم، وعند المالكية النية نيّة المظلوم
أبدًا وعند الكوفيين نية المظلوم أبدًا، وعند الشافعية
نيّة القاضي وهي راجعة إلى نية المستحلف فإن كان في غير
القاضي فنية الحالف.
6951 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ
سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -
رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُسْلِمُ
أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ،
وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى
حَاجَتِهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين
ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن
سالمًا أخبره أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-
أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه) بفتح أوله (ولا يسلمه) بضم
أوله أي ولا يخذله (ومن كان في) قضاء (حاجة أخيه) المسلم
(كان الله في) قضاء (حاجته).
والحديث سبق في كتاب المظالم بهذا الإسناد.
6952 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرِ
بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ
مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ
أَنْصُرُهُ قَالَ: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ
الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) البزاز بمعجمتين
الأولى مشددة بعد الموحدة المعروف بصاعقة قال: (حدّثنا
سعيد بن سليمان) الواسطي وهو أيضًا من شيوخ المؤلّف قال:
(حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم
الموحدة وفتح المعجمة الواسطي قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم
العين (ابن أبي بكر بن أنس عن) جده (أنس رضي الله عنه) أنه
(قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(انصر أخاك) المسلم (ظالمًا أو مظلومًا فقال رجل): لم أعرف
اسمه (يا رسول الله أنصره) بهمزة قطع مفتوحة ورفع الراء
(إذا كان مظلومًا أفرأيت) الفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة
وأطلق الرؤية وأراد الإخبار والاستفهام وأراد الأمر أي
أخبرني (إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تحجزه) بالحاء المهملة الساكنة
بعدها جيم فزاي ولأبي ذر عن الكشميهني تحجزه بالراء بدل
الزاي (أو) قال (تمنعه من الظلم فإن ذلك) المنع (نصره)
والشك من الراوي.
والحديث سبق في المظالم. |