شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

90 - كتاب الحيل
(كتاب الحيل) جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى المراد بطريق خفي.

1 - باب فِى تَرْكِ الْحِيَلِ
وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِى الأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا.
هذا (باب) بالتنوين (في ترك الحيل) وشطب في اليونينية على في فباب مضاف لتاليه (وإن لكل امرئ ما نوى في الأيمان) بفتح الهمزة (وغيرها) ولأبي ذر عن الكشميهني وغيره بالتذكير على إرادة اليمين المستفاد من صيغة الجمع وقوله وغيرها تفقه من البخاري لا من الحديث.
6953 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الأزدي الجهضمي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري وسقط لأبي ذر ابن سعيد (عن محمد بن إبراهيم) التيمي (عن علقمة بن وقاص) بتشديد القاف الليثي المدني أنه (قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب) على المنبر (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية) بالإفراد والجملة مقول القول وإنما من أدوات الحصر. قال السكاكي في إعجاز القرآن: إن الواقع بعد إنما كان مبتدأ وخبر المحصور الثاني، فإذا قلنا إنما المال لزيد فالمال لزيد لا لغيره، وإذا قلنا إنما لزيد المال فالمحصور المال تقديره لا لغيره والأعمال
مبتدأ بتقدير مضاف أي إنما صحة الأعمال والخبر الاستقرار الذي تعلق به حرف الجر والباء في النية للسببية. أي: إنما الأعمال ثابت ثوابها بسبب النية وأفردها لأن المصدر المفرد يقوم مقام الجمع وإنما يجمع لاختلاف الأنواع (وإنما لامرئ ما نوى). وفي التعليق السابق كرواية أول الكتاب لكل امرئ ما نوى فمن نوى بعقد البيع الربا وقع في الربا ولا يخلصه من الإثم صورة

(10/102)


البيع ومن نوى بعقد النكاح التحليل كان محللاً ودخل في الوعيد على ذلك باللعن ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح وكل شيء قصد به تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله كان إثمًا، واستدل به من قال لإبطال الحيل ومن قال بإعمالها لأن مرجع كل من الفريقين إلى نيّة العامل فإن كان في ذلك خلاص مظلوم مثلاً فهو مطلوب وإن كان فيه فوات حق فهو مذموم، وقد نص إمامنا الشافعي على كراهة نعاطي الحيل في تفويت الحقوق فقال بعض أصحابه: هي كراهة تنزيه، وقال كثير من محققيهم كالغزالي هي كراهة تحريم وقد نقل صاحب الكافي من الحنفية عن محمد بن الحسن قال ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحيل الموصلة إلى إبطال الحق (فمن كانت هجرته) من مكة إلى المدينة (إلى الله) أي إلى طاعة الله (ورسوله) وجواب الشرط قوله: (فهجرته إلى الله ورسوله) ظاهره اتحاد الشرط والجزاء فهو كقوله من أكل أكل ومن شرب شرب وذلك غير مفيد، وأجاب عنه ابن دقيق العيد بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله قصدًا ونية فهجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وأجرًا قال ابن مالك هو كقوله لو مت مت على غير الفطرة. قال ابن فرحون: وإعراب قصدًا ونية يصح أن يكون خبر كان أي ذات قصد وذات نية وتتعلق إلى بالمصدر ويصح أن يكون إلى الله الخبر وقصدًا مصدر في محل الحال وأما قوله ثوابًا وأجرًا فلا يصح فيهما إلا الحال من الضمير في الخبر اهـ.
وسبق مزيد لذلك أول هذا الشرح.
(ومن هاجر إلى دنيا) بضم الدال وحكى ابن قتيبة كسرها ولا تنون على المشهور لأنها فعلى من الدنوّ وألف التأنيث تمنع من الصرف وحكى تنوينها. قال ابن جني: وهي لغة نادرة والدنيا ما على الأرض مع الجوّ والهواء أو كل مخلوق من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة والمراد بها في الحديث المال ونحوه (يصيبها) جملة من فعل وفاعل ومفعول في موضع جر صفة لدنيا ومتى تقدمت النكرة على الظرف أو المجرورات أو الجمل كانت صفات وإن تقدمت المعرفة كانت أحوالاً (أو امرأة يتزوّجها) وجواب الشرط قوله: {فهجرته إلى ما هاجر إليه).
ووجه مطابقة الحديث للترجمة التي هي لترك الحيل أن مهاجر أم قيس جعل الهجرة حيلة في تزوّج أم قيس.
والحديث سبق مرارًا.

2 - باب فِى الصَّلاَةِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه بيان دخول الحيلة (في الصلاة).
6954 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي المروزي، وقيل البخاري وكان ينزل بمدينة بخارى بباب بني سعد ونسبه لجده وسقط لغير أبي ذر ابن نصر قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) أي إذا أحدث أحدكم لا تقبل صلاته إلى أن يتوضأ ولا يجوز تقديرها بلا المشددة لأن الكلام يصير لا يقبل الله صلاة أحدكم إلا أن يتوضأ ومفهومه أنه لو صلّى قبل الوضوء ثم توضأ قبلت فيفسد المعنى بتقديرها، ووجه تعلق الحديث بالترجمة قيل لأنه قصد الرد على الحنفية حيث صححوا صلاة من أحدث في الجلسة الأخيرة وقالوا: إن التحلل يحصل بكل ما يضاد الصلاة فهم متحيلون في صحة الصلاة مع وجود الحدث، ووجه الرد أنه محدث في صلاته فلا تصح لأن التحلل منها ركن فيها لحديث وتحليلها التسليم كما أن التحريم بالتكبير ركن فيها لكن انفصل الحنفية عن ذلك بأن السلام واجب لا ركن فإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم، وإن تعمده فالعمد قاطع وإذا وجد القطع انتهت الصلاة لكون السلام ليس ركنًا. وقال ابن بطال: فيه رد على أبي حنيفة في قوله إن المحدث في صلاته يتوضأ ويبني، ووافقه ابن أبي ليلى وقال مالك والشافعي: يستأنف الصلاة واحتجا بهذا الحديث، وتعقبه في المصابيح فقال:

(10/103)


وفي الاحتجاج نظر وذلك لأن الغاية تقتضي ثبوت القبول بعدها ولا شك أن ما تقدم قبلها من المحدث صلاة وقعت بوجه مشروع وقبولها مشروط بدوام الطهارة إلى حين إكمالها أو بتجديد الطهارة عند وقوع الحدث في أثنائها لاتمامها بعد ذلك فيقبل حينئذٍ ما تقدم من الصلاة قبل الحدث وما وقع بعدها مما يكملها.
والحديث منطبق على هذا وليس فيه ما يدفعه فكيف يكون ردًّا على أبي حنيفة فتأمله.

3 - باب فِى الزَّكَاةِ وَأَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ
وَلاَ يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه بيان ترك الحيل (في) إسقاط (الزكاة وأن لا يفرق) بضم أوّله وفتح ثالثه المشدد (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة).
6955 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِى فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (ثمامة بن عبد الله بن أنس) بضم المثلثة وتخفيف الميم (أن أنسًا) -رضي الله عنه- (حدّثه أن أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (كتب له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يجمع) بضم أوّله وفتح ثالثه عطف على فريضة أي لا يجمع المالك والمصدق (بين متفرق) بتقديم الفوقية على الفاء فلو كان لكل شريك أربعون شاة فالواجب عليهما شاتان فإذا جمع تحيل بتنقيص الزكاة إذ يصير على كل واحد نصف شاة (ولا يفرق) بضم التحتية وفتح الراء مشددة (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (خشية) المالك كثرة (الصدقة) بنصب خشية مفعولاً لأجله، وقوله ولا يفرق أي لو كان بين الشريكين أربعون شاة لكل واحد عشرون فيفرق حتى لا يجب على واحد منهما زكاة.
ومطابقته للترجمة ظاهرة وسبق في الزكاة.
6956 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فَقَالَ: أَخْبِرْنِى بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» قَالَ: أَخْبِرْنِى بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَالَ: وَالَّذِى أَكْرَمَكَ لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» -أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ- إِنْ صَدَقَ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِى عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ وَهَبَهَا أَوِ احْتَالَ فِيهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (عن أبي سهيل) بضم السين المهملة مصغرًا نافع (عن أبيه) مالك بن أبي عامر (عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين أحد العشرة المبشرة بالجنة -رضي الله عنه- (أن أعرابيًّا) اسمه ضمام بن ثعلبة أو غيره (جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثائر) شعر (الرأس) أي متفرقه من عدم الرفاهية (فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليّ) بتشديد الياء (من الصلاة) في اليوم والليلة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا) وفي الإيمان قال هل عليّ غيرها قال لا إلا أن تطوع (فقال) الإعرابي: يا رسول الله (أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (شهر رمضان إلا
أن تطوع شيئًا) وفي الإيمان قال هل عليّ غيره قال لا إلا أن تطوع (قال أخبرني بما فرض الله عليّ من الزكاة. قال فأخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرائع الإسلام) ولأبي ذر بشرائع الإسلام بزيادة موحدة قبل المعجمة واجبات الزكاة وغيرها (قال) الإعرابي (والذي أكرمك) أي برسالته العامة (لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أفلح) أي فاز الأعرابي (إن صدق أو دخل الجنة وإن صدق) ولأبي ذر عن الكشميهني أو أدخل الجنة بزيادة همزة مضمومة وكسر الخاء المعجمة والشك من الراوي.
واستشكل إذ مفهومه أنه إن تطوع لا يفلح وأجيب: بأن شرط اعتبار مفهوم المخالفة عدم مفهوم الموافقة وهاهنا مفهوم الموافقة ثابت لأن من تطوع يفلح بالطريق الأولى، ووجه إدخال هذا الحديث هنا أن المؤلّف -رحمه الله- فهم من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفلح إن صدق إن من رام أن ينقص شيئًا من فرائض الله بحيلة يحتالها لا يفلح ولا يقوم له بذلك عند الله عذر وما أجازه الفقهاء من تصرف صاحب المال في ماله قرب حلول الحول لم يريدوا بذلك الفرار من الزكاة ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط قاله في المصابيح.
والحديث سبق في الإيمان.
(وقال بعض الناس): وهم الحنفية كما قيل فيما مر (في عشرين ومائة بعير حقتان) بكسر المهملة وتشديد القاف تثنية حقة وهي التي لها ثلاث سنين

(10/104)


(فإن أهلكها) أي العشرين ومائة (متعمدًا) بأن ذبحها (أو وهبها أو احتال فيها) قبل الحول بيوم (فرارًا من الزكاة فلا شيء عليه) لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول ولا يتوجه إليه معنى قوله خشية الصدقة إلا حينئذٍ، وهذا يقتضي على اصطلاح المؤلّف بإرادة الحنفية اختصاصهم بذلك لكن الشافعي وغيره يقولون بذلك أيضًا وأجيب بأن الشافعي وغيره وإن قالوا لا زكاة عليه لا يقولون لا شيء عليه لأنهم يلومونه على هذه النية، لكن. قال البرماوي: إنما يلام إذا كان حرامًا ولكن هو مكروه، وقال مالك: من فوت من ماله شيئًا ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه لزمته الزكاة عند الحول لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشية الصدقة.
6957 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ، وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ قَالَ: وَاللَّهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يكون كنز أحدكم) وهو المال الذي يخبأ من غير أن تؤدّى زكاته (يوم القيامة شجاعًا) بضم الشين المعجمة بعدها جيم ذكر الحيات أو الذي يقوم على ذنبه ويواثب الراجل والفارس وربما بلغ الفارس (أقرع) لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره (يفر منه صاحبه فيطلبه) ولأبي ذر ويطلبه بالواو بدل الفاء (ويقول أنا كنزك قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والله لن يزال) ولأبي ذر عن الكشميهني لا يزال (يطلبه حتى يبسط) صاحب المال (يده فيلقمها) بضم التحتية وفتح الميم (فاه). أي يلقم صاحب المال يده فم الشجاع وفي رواية أبي صالح عن أبي هريرة في الزكاة فيأخذ بلهزمتيه أي يأخذ الشجاع يد صاحب المال بشدقيه وهما اللهزمتان.
6958 - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِى رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا، أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بِبَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالاً، فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسَنَةٍ جَازَتْ عَنْهُ.
(وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالسند السابق (إذا ما رب النعم) بفتح النون والمهملة وما زائدة أي إذا مالك الإبل (لم يعط حقها) أي زكاتها (تسلط عليه يوم القيامة تخبط) بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر الموحدة بعدها طاء مهملة ولأبي ذر فتخبط (وجهه بأخفافها) جمع خف وهو للإبل كالظلف للشاة.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن فيه منع الزكاة بأيّ وجه كان من الوجوه المذكورة قاله العيني، وقال في الفتح وفي رواية أبي صالح: من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع فذكر نحو حديث الباب قال: وبه تظهر مناسبة ذكره في هذا الباب.
(وقال بعض الناس) يريد الإمام أبا حنيفة (في رجل له إبل فخاف أن تجب عليه الصدقة فباعها بإبل مثلها أو بغنم أو ببقر أو بدراهم فرارًا من الصدقة) الواجبة قبل الحول (بيوم احتيالاً فلا بأس) ولأبي ذر فلا شيء (عليه وهو) أي والحال أنه (يقول: إن زكى إبله قبل أن يحول الحول بيوم أو بسنة) ولأبي ذر أو بستة بكسر السين بعدها فوقية مشددة بدل النون (جازت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أجزأت (عنه) التزكية قبل الحول فإذا كان التقديم على الحول مجزئًا فليكن التصرف فيها قبل الحول غير مسقط. وأجيب: بأن أبا حنيفة لم يتناقض في ذلك لأنه لا يوجب الزكاة إلا بتمام الحول ويجعل من قدّمها كمن قدم دينًا مؤجلاً قبل أن يحل.
6959 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِىُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْضِهِ عَنْهَا».
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، أَوْ بَاعَهَا فِرَارًا وَاحْتِيَالاً لإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ فَلاَ شَىْءَ فِى مَالِهِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام المشهور (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري) -رضي الله عنه- (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ندر) صيام أو عتق أو صدقة أو غيرها (كان على أمه) عمرة (توفيت قبل أن تقضيه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اقضه عنها) قال المهلب فيما نقله عنه في الفتح فيه حجة على أن الزكاة لا تسقط

(10/105)


بالحيلة ولا بالموت لأنه لما ألزم الولي بقضاء النذر عن أمه كان قضاء الزكاة التي فرضها الله تعالى أشد.
(وقال بعض الناس): أي الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- (إذا بلغت الإبل عشرين ففيها أربع شياه فإن وهبها قبل الحول أو باعها فرارًا واحتيالاً) ولأبي ذر أو احتيالاً (لإسقاط الزكاة فلا شيء عليه) لأنه زال عين ملكه قبل الحول (وكذلك وإن أتلفها فمات فلا شيء في ماله) لأن المال إنما تجب فيه الزكاة ما دام واجبًا في الذمة وهذا الذي مات لم يبق في ذمته منه شيء يجب على ورثته وفاؤه.

4 - باب الْحِيلَةِ فِى النِّكَاحِ
(باب) ترك (الحيلة في النكاح) ولغير أبي ذر بتنوين باب وإسقاط تاليه.
6960 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الشِّغَارِ قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ فَهْوَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ فِى الْمُتْعَةِ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ: بَاطِلٌ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين العمري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن الشغار) بكسر الشين وفتح الغين المعجمتين قال عبيد الله: (قلت لنافع) مستفهمًا منه: (ما الشغار قال: ينكح) الرجل (ابنة الرجل وينكحه) الآخر (ابنته بغير صداق وينكح أخت الرجل وينكحه) الآخر (أخته بغير صداق) بل يضع كل واحدة منهما صداق الأخرى، واختلف في أصل الشغار في اللغة. فقيل: من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول كأن العاقد يقول لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك، وقيل مأخوذ من شغر البلد إذا خلا كأنه سمي بذلك لشغوره من الصداق. وقال ابن الأثير: كان
يقول الرجل شاغرني أي زوّجني ابنتك أو أختك أو من تلي أمرها حتى أزوّجك ابنتي أو أختي ولا يكون بينهما مهر، وقيل: الشغر البعد ومنه بلد شاغر إذا بعد عن الناصر والسلطان وكأن هذا العقد بعد عن طريق الحق. والحديث سبق في النكاح.
(وقال بعض الناس) أي الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- (إن احتال حتى تزوج على الشغار فهو) أي العقد (جائز والشرط باطل) فيجب لكل واحدة منهما مهر مثلها. وقال ابن بطال، قال أبو حنيفة: نكاح الشغار منعقد ويصلح بصداق المثل وكل نكاح فساده من أجل صداقه لا يفسخ عنده وينصلح بمهر المثل وقال الأئمة الثلاثة النكاح باطل لظاهر الحديث.
(وقال) أي أبو حنيفة (في المتعة) وهي أن يتزوجها بشرط أن يتمتع بها أيامًا ثم يخلي سبيلها (النكاح فاسد والشرط باطل) وهذا مبني على قاعدة السادة الحنفية وهي إن ما لم يشرع بأصله ووصفه باطل وما شرع بأصله دون وصفه فاسد فالنكاح مشروع بأصله وجعل البضع صداقًا وصف فيه فيفسد الصداق ويصح النكاح بخلاف المتعة فإنها لما ثبت أنها منسوخة صارت غير مشروعة بأصلها.
(وقال بعضهم) أي بعض الحنفية (المتعة والشغار) كل منهما (جائز والشرط باطل) في كل منهما. قال الحافظ ابن حجر: كأنه يشير إلى ما نقل عن زفر أنه أجاز المؤقت وألغى الشرط لأنه فاسد والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، وتعقبه العيني بأن مذهب زفر ليس كذلك بل عنده أن صورته أن يتزوج امرأة إلى مدة معلومة فالنكاح صحيح واشتراط المدة باطل قال: وعند أبي حنيفة وصاحبيه النكاح باطل.
6961 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا - رضى الله عنه - قِيلَ لَهُ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين وبعدها دالان أولاهما مشددة مهملاً ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما العمري أنه قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن عليّ عن أبيهما) محمد ابن الحنفية (أن) أباه (عليًّا) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه-) أنه (قيل له أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (لا يرى بمتعة النساء بأسًا) أي يصححها (فقال) عليّ (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنها) نهي تحريم (يوم خيبر) بالخاء المعجمة آخره راء (وعن) أكل (لحوم الحمر الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون.
ومطابقة الحديث للترجمة غير ظاهرة لأن بطلان المتعة مجمع عليه والحديث سبق في النكاح.
(وقال بعض الناس) أبو حنيفة -رحمه الله- (إن احتال حتى تمتع)

(10/106)


أي عقد نكاح متعة (فالنكاح فاسد) والفساد عنده لا يوجب البطلان لاحتمال إصلاحه بلغاء الشرط منه فيحتمل في تصحيحه بذلك كما قال في بيع الربا لو حذف منه الزيادة صح البيع (وقال بعضهم) قيل هو زفر (النكاح جائز والشرط باطل) وسبق قريبًا.

5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ فِى الْبُيُوعِ
وَلاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلإِ.
(باب) بيان (ما يكره من الاحتيال في البيوع و) باب بيان قوله (لا يمنع فضل الماء) الزائد على قدر الحاجة (ليمنع به فضل الكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة بوزن الجبل وهو العشب رطبًا ويابسًا ويمنع مبني للمفعول فيهما.
6962 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلإِ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يمنع) بالبناء للمفعول (فضل الماء ليمنع) بالبناء للمفعول أيضًا (به فضل الكلأ) بوزن الجبل واللام في ليمنع لام العاقبة والمعنى أن من شق ماء بفلاة وكان حول ذلك الماء كلأ وليس حوله ماء غيره ولا يوصل إلى رعيه إلا إذا كانت المواشي ترد ذلك الماء فنهي صاحب الماء أن يمنع فضله لأنه إذا منعه منع رعي ذلك الكلأ، والكلأ لا يمنع لما في منعه من الإضرار بالناس ويلتحق به الرعاء إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك. وقال المهلب: المراد رجل كان له بئر وحولها كلأ مباح فأراد الاختصاص به فيمنع فضل ماء بئره أن يرده نعم غيره للشرب وهو لا حاجة به إلى الماء الذي يمنعه وإنما حاجته إلى الكلأ وهو لا يقدر على منعه لكونه غير مملوك له فيمنع الماء ليتوفر له الكلأ لأن النعم لا تستغني عن الماء بل إذا رعت الكلأ عطشت ويكون ماء غير البئر بعيدًا عنها فيرغب صاحبها عن ذلك الكلأ فيتوفر لصاحب البئر بهذه الحيلة اهـ.
ولم يذكر المؤلّف في الباب حديثًا فيه البيع المترجم به فيحتمل أن يكون مما ترجم له ولم يجد فيه حديثًا على شرطه فبيّض له وعطف عليه ولا يمنع فضل الماء وذكر الحديث المتعلق به.
والحديث سبق في كتاب الشرب.

6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَاجُشِ
(باب ما يكره) للتحريم (من التناجش) بضم الجيم بعدها شين معجمة.
6963 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ النَّجْشِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ابن جميل بفتح الجيم ابن طريف الثقفي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن النجش) نهي تحريم وهو أن يزيد في الثمن بلا رغبة بل ليغرّ غيره.
ومطابقته للترجمة ظاهرة ووجه دخوله في كتاب الحيل من حيث إن فيه نوعًا من الحيلة لإضرار الغير، والحديث سبق في كتاب البيوع.

7 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الْخِدَاعِ فِى الْبُيُوعِ
وَقَالَ أَيُّوبُ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَمَا يُخَادِعُونَ آدَمِيًّا، لَوْ أَتَوُا الأَمْرَ عِيَانًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَىَّ.
(باب ما ينهى من الخداع) بكسر الخاء المعجمة وتفتح ولأبي ذر عن الكشميهني عن الخداع بالعين المهملة بدل الميم (في البيوع) ولأبي ذر في البيع.
(وقال أيوب) السختياني فيما وصله وكيع في مصنفه عن سفيان بن عيينة عن أيوب (يخادعون الله كما) ولأبي ذر كأنما (يخادعون آدميًّا لو أتوا الأمر عيانًا) بكسر العين أي لو أعلنوا بأخذ الزائد على الثمن معاينة بلا تدليس (كان أهون عليّ) لأنه ما جعل الذين آلة للخداع.
6964 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُخْدَعُ فِى الْبُيُوعِ فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً) اسمه حبّان بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ بالقاف المكسورة والمعجمة بعدها الصحابي ابن الصحابي وقيل هو منقذ بن عمرو وصححه النووي في مبهماته (ذكر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يخدع في البيوع) بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة (فقال) له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة.
والحديث سبق في البيوع.

8 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الاِحْتِيَالِ لِلْوَلِىِّ فِى الْيَتِيمَةِ الْمَرْغُوبَةِ
وَأَنْ لاَ يُكَمِّلَ صَدَاقَهَا.
(باب ما ينهى عن الاحتيال للولي في اليتيمة المرغوبة) التي ترغب وليها فيها (وأن لا يكمل) بكسر الميم مشددة (صداقها) ولأبي ذر لها صداقها.
6965 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 127] قَالَتْ: هِىَ الْيَتِيمَةُ فِى حَجْرِ وَلِيِّهَا. فَيَرْغَبُ فِى مَالِهَا وَجَمَالِهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِى إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ} [النساء: 127] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:

(10/107)


(حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: كان عروة) بن الزبير (يحدّث أنه سأل عائشة) -رضي الله عنها- عن معنى قوله تعالى: ({وإن خفتم أن لا تقسطوا}) نكاح ({اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}) [النساء: 3] أي من سواهن، وسقط لأبي ذر: من النساء (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (هي اليتيمة) التي مات أبوها تكون (في حجر وليها) القائم بأمورها (فيرغب في مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بأدنى) بأقل (من سنّة نسائها) من مهر مثل أقاربها (فنهوا) بضم النون (عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن) بضم التحتية وسكون القاف أي يعدلوا (في إكمال الصداق) على عادتهن في ذلك. (ثم استفتى الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك كما في إحدى الروايات (فأنزل الله) تعالى ({ويستفتونك}) بالواو ولأبي ذر يستفتونك بإسقاطها ({في النساء}) [النساء: 127] (فذكر الحديث) وفي باب الأكفاء من كتاب النكاح بلفظ: إلى ترغبون أن تنكحوهن فأنزل الله لهن: إن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ونسبها في إكمال الصداق وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق، وقال ابن بطال: فيه أنه لا يجوز للولي أن يتزوج يتيمة بأقل من صداقها ولا أن يعطيها من العروض في صداقها ما لا يفي بقيمة صداق مثلها.
ومطابقة الحديث للترجمة واضحة.

9 - باب إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ
فَقُضِىَ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فَهْىَ لَهُ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَلاَ تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَمَنًا.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ لأَخْذِهِ الْقِيمَةَ وَفِى هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لاَ يَبِيعُهَا فَغَصَبَهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا غصب) رجل (جارية) لغيره فادّعى عليه أنه غصبها (فزعم أنها ماتت فقضي) عليه بضم القاف وكسر المعجمة أي فقضى الحاكم عليه (بقيمة البخارية الميتة) في زعمه (ثم وجدها صاحبها) الذي غصبت منه حيّة (فهي له وتردّ القيمة) التي حكم له بها على الغاصب (ولا تكون القيمة ثمنًا) لها لأنه وإنما أخذها لزعمه هلاكها فإذا تبين بطلانه رجع الحكم إلى الأصل.
(وقال بعض الناس): أي الإمام الأعظم أبو حنيفة -رحمه الله- (الجارية) المذكورة (للغاصب لأخذه) أي لأخذ مالكها (القيمة) عنها من الغاصب. قال البخاري: (وفي هذا احتيال لمن اشتهى جارية رجل لا يبيعها فغصبها) منه (واعتل) احتج (بأنها ماتت حتى يأخذ ربها) مالكها (قيمتها فيطيب) بفتح التحتية بعد الفاء وكسر الطاء المهملة وسكون التحتية أو بضم ففتح وفتح بتشديد فيحل (للغاصب) بذلك (جارية غيره) وكذا في مأكول أو غيره ادّعى فساده أو حيوان مأكول ذبحه، ثم استدلّ البخاري لبطلان ذلك بقوله:
(قل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما وصله مطولاً في أواخر الحج (أموالكم عليكم حرام) قال في الكواكب فإن قلت: مقابلة الجمع بالجمع تفيد التوزيع فيلزم أن يكون مال كل شخص حرامًا عليه. ثم أجاب بأنه كقولهم بنو تميم قتلوا أنفسهم أي قتل بعضهم بعضًا فهو مجاز للقرينة الصارفة عن ظاهرها كما علم من القواعد الشرعية، وأجاب العيني: بأن معنى أموالكم عليم حرام إذا لم يوجد التراضي وهاهنا قد وجد بأخذ الغاصب القيمة (و) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما وصله في هذا الباب و (لكل غادر) بالغين المعجمة والدال المهملة (لواء يوم القيامة) وأجاب العيني أيضًا بأنه لا يقال للغاصب في اللغة غادر لأن الغدر ترك الوفاء والغصب أخذ الشيء قهرًا وعدوانًا وقول الغاصب ماتت كذب وأخذ المالك القيمة رضا.
6966 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لكل غادر لواء يوم القيامة) أي علم (يعرف به) ولا ريب أن الاعتلال الصادر من الغاصب أن الجارية ماتت غدر وخيانة في حق أخيه المسلم، وقال ابن بطال: خالف أبا حنيفة الجمهور في ذلك، واحتج هو بأنه لا يجمع الشيء وبدله في مال شخص واحد، واحتج الجمهور بأنه لا يحل
مال مسلم إلا عن طيب نفسه ولأن القيمة إنما

(10/108)


وجبت بناء على صدق دعوى الغاصب أن الجارية ماتت فلما تبين أنها لم تمت فهي باقية على ملك المغصوب منه لأنه لم يجر بينهما عقد صحيح فوجب أن تردّ إلى صاحبها. قال: وفرقوا بين الثمن والقيمة بأن الثمن في مقابلة الشيء القائم والقيمة في مقابلة الشيء المستهلك، وكذا في البيع الفاسد والفرق بين الغصب والبيع الفاسد أن البائع رضي بأخذ الثمن عوضًا عن سلعته وأذن للمشتري بالتصرف فيها فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن فاتت، والغاصب لم يأذن له المالك فلا يحل أن يتملكه الغاصب إلا إن رضي المغصوب منه بقيمته. والحديث من إفراده.

10 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من السابق، وسقط لفظ باب للنسفي والإسماعيلي.
6967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِىَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري أخو سليمان بن كثير (عن سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة) واسم أن زينب أبو سلمة بن عبد الأسد (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إنما أنا بشر) يطلق على الواحد كما هنا وعلى الجمع قوله تعالى: {نذيرًا للبشر} [المدثر: 36] وليست إنما هنا للحصر التام بل لحصر بعض الصفات في الموقوف فهو حصر في البشرية بالنسبة إلى الاطّلاع على البواطن ويسمى هذا عند أهل البيان قصر قلب لأنه أتى به ردًّا على من يزعم أن من كان رسولاً يعلم الغيب ولا يخفى عليه المظلوم فأعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كالبشر في بعض الصفات الخلقية وإن زاد عليهم بما أكرمه الله به من الكرامات من الوحي والإطلاع على المغيبات في أماكن وأنه يجوز عليه في الأحكام ما يجوز عليهم وإنه إنما يحكم بينهم بالظواهر فيحكم بالبيّنة واليمين وغيرهما مع جواز كون الباطن على خلاف ذلك، ولو شاء الله لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين من غير احتياج إلى حجة من المحكوم له من بيّنة أو يمين لكن لما كانت أمته مأمورين باتّباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله جعل له من الحكم في أقضيته ما يكون حكمًا لهم في أقضيتهم لأن الحكم بالظاهر أطيب للقلوب وأسكن للنفوس، وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك توطئة لما يأتي بعد لأنه معلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشر (وأنكم تختصمون) زاد أبو ذر عن الكشميهني إليّ فلا أعلم
بواطن أموركم كما هو مقتضى الحالة البشرية وإنما أحكم بالظاهر (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته) بالحاء المهملة أفعل تفضيل من لحن بكسر الحاء إذا فطن لحجته أي ألسن وأفصح وأبين كلامًا وأقدر على الحجة (من بعض) وهو كاذب (وأقضى) عطف على المنصوب السابق بالواو ولأبي ذر فأقضى (له) بسبب بلاغته (على نحو ما) أي الذي (أسمع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مما أسمع (فمن قضيت له من حق أخيه) وفي رواية بحق أخيه المسلم ولا مفهوم له لأنه خرج مخرج الغالب وإلا فالذمي والمعاهد كذلك وسقط لفظ حق لأبي ذر فيصير فمن قضيت له من أخيه (شيئًا) بظاهر يخالف الباطن فهو حرام (فلا يأخذ) بإسقاط الضمير المنصوب أي فلا يأخذ ما قضيت له. ولأبي ذر عن الكشميهني: فلا يأخذه (فإنما أقطع له قطعة) بكسر القاف طائفة (من النار) إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه وهذا من المبالغة في التشبيه جعل ما يتناوله المحكوم له بحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في الباطن باطل قطعة من النار، وقال في العدة: أطلق عليه ذلك لأنه سبب في حصول النار له فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: 10] وحاصله أنه أخذ ما يؤول به إلى قطعة من النار فوضع المسبب وهو قطعة من النار موضع السبب وهو ما حكم له به.
وفي الحديث أن حكم الحاكم لا يحل ما حرم الله ورسوله ولا يحرمه فلو شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به لم يحل للمحكوم له ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما وإن شهدا على أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم كذبهما أن يتزوجها، فإن قيل: هذا الحديث ظاهره أنه يقع

(10/109)


منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكم في الظاهر يخالف الباطن وقد اتفق الأصوليون على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقرّ على الخطأ في الأحكام. فالجواب: أنه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصول لأن مراد الأصوليين ما حكم فيه باجتهاده هل يجوز أن يقع فيه خطأ؟ فيه خلاف والأكثرون على أنه لا يخطئ في اجتهاده بخلاف غيره، وأما الذي في الحديث فليس من الاجتهاد في شيء لأنه حكم بالبيّنة ونحوها، فلو وقع منه ما يخالف الباطن لا يسمى الحكم خطأ، بل الحكم صحيح على ما استقر به التكليف وهو وجوب العمل بشاهدين مثلاً، فإن كانا شاهدي زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما، وأما الحكم فلا حيلة له فيه ولا عيب عليه بسببه بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد.
والحديث سبق في المظالم والشهادات ويأتي إن شاء الله تعالى بعونه وقوته في الأحكام.

11 - باب فِى النِّكَاحِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه حكم شهادة الزور (في النكاح).
6968 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «إِذَا سَكَتَتْ».
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَىْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِى نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهْوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) أبو عمرو الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بسين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مفتوحة بوزن جعفر الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم أبو نصر اليماني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تنكح البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول أي لا تزوّج (حتى تستأذن) بالبناء للمفعول أيضًا أي يوجد منها الإذن (ولا الثيب) بالمثلثة التي زالت بكارتها (حتى تستأمر) بضم أوله يطلب أمرها وفرق بينهما لأن الأمر لا يكون إلا باللفظ والاذن بلفظ وغيره (فقيل: يا رسول الله كيف إذنها؟) أي إذن البكر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا سكتت) بفوقيتين لأن الغالب من حالها أن لا تظهر إرادة النكاح حياء.
والحديث سبق في النكاح.
(وقال بعض الناس): هو الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- (إن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إذا (لم تستأذن البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (ولم تزوّج) أصله تتزوج فحذف إحدى التاءين تخفيفًا (فاحتال رجل فأقام شاهدي زور) بإضافة شاهدي للاحقه ولأبي ذر شاهدين زوزًا أي شهدا زورًا (أنه تزوجها برضاها فأثبت القاضي نكاحها بشهادتهما) ولأبي ذر عن الكشميهني نكاحه (والزوج) أي والحال أن الزوج (يعلم أن الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها) ولا يأثم بذلك (وهو تزويج صحيح) لأن مذهبه -رحمه الله- أن حكم القاضي ينفذ ظاهرًا وباطنًا.
6969 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ جَارِيَةَ قَالاَ: فَلاَ تَخْشَيْنَ فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ خَنْسَاءَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط لأبي ذر ابن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) بكسر العين الأنصاري (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن امرأة) لم تسمّ (من ولد جعفر) قال الحافظ ابن حجر: يغلب على الظن أنه ابن أبي طالب قال: وتجاسر الكرماني فقال: المراد جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان القاسم بن محمد جدّ جعفر الصادق لأمه اهـ.
وعند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر عن سفيان أن امرأة من آل أبي جعفر (تخوفت أن يزوّجها وليها وهي) أي والحال أنها (كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع) بضم الميم الأولى وكسر الثانية مشدّدة بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة (ابني جارية) بالجيم والراء التحتية وهو جدهما وصحفه بعضهم بالحاء المهملة والمثلثة واسم أبيهما كما سبق في النكاح يزيد وزاد في رواية ابن أبي عمر تخبرهما أنه ليس لأحد من أمري شيء (قالا) لها: (فلا تخشين) بفتح الشين المعجمة على أنه خطاب للمرأة المتخوفة ومن معها، وفي رواية ابن أبي عمر فأرسلا إليها أن لا تخافي.
قال في الفتح: فدلّ على أنهما خاطبا من كانت أرسلته إليهما أو من أرسلا، وعلى الحالين فكان من أرسل في ذلك جماعة نسوة وظن السفاقسي أنه خطاب للمرأة وحدها فقال: الصواب فلا تخشين بكسر الياء وتشديد النون قال: ولو كان بلا تأكيد لحذفت النون اهـ.
(فإن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة

(10/110)


بعدها همزة ممدودًا الأنصارية (بنت خذام) بكسر الخاء وفتح الذال الخفيفة المعجمتين وبعد الألف ميم الأنصارية الأوسية (انكحها أبوها) خذام بن وديعة من رجل لم يسم، لكن قال الواقدي: إنه من بني مزينة (وهي) أي والحال أنها (كارهة) ذلك زاد في النكاح فأتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعند عبد الرزاق أنها قالت: يا رسول الله إن أبي أنكحني وإن عم ولدي أحب إليّ (فردّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك) النكاح (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وأما عبد الرحمن) بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (فسمعته يقول عن أبيه) القاسم (إن خنساء) فلم يذكر عبد الرحمن بن يزيد ولا أخاه فأرسله.
6970 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ».
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَىْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَحمرِهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِى نِكَاحَهَا إِيَّاهُ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النِّكَاحُ وَلاَ بَأْسَ بِالْمُقَامِ لَهُ مَعَهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تنكح) بالبناء للمفعول (الأيم حتى تستأمر) أي يطلب أمرها والأيم بفتح الهمزة وتشديد التحتية مكسورة وبعدها ميم من لا زوج لها بكرًا أو ثيبًا لكن المراد هنا الثيب بقرينة المقابلة للبكر في قوله: (ولا تنكح البكر) بالبناء للمفعول (حتى تستأذن) بالبناء للمفعول أيضًا (قالوا): يا
رسول الله (كيف إذنها؟) أي إذن البكر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذنها (أن تسكت) غالبًا. وإنما وقع السؤال عن الإذن مع أن حقيقته معلومة لأن البكر لما كانت تستحي أن تفصح بإظهار رغبتها في النكاح احتيج إلى كيفية إذنها.
(وقال بعض الناس): هو الإمام أبو حنيفة (إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها فأثبت القاضي نكاحها إياه والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط فإنه يسعه) أي يجوز له (هذا النكاح ولا بأس بالمقام له معها) بضم ميم المقام لأن حكم الحاكم ينفذ ظاهرًا وباطنًا عنده كما مرّ، وقد نقل المهلب اتفاق العلماء على وجوب استئذان الثيب لقوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232] إذا تراضوا فدلّ على أن النكاح يتوقف على الرضا من الزوجين، وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باستئذان نكاح الثيب وردّ نكاح من زوجت كارهة فقول الإمام أبي حنيفة خارج عن هذا كله ذكره في الفتح.
6971 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» قُلْتُ: إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِى؟ قَالَ: «إِذْنُهَا صُمَاتُهَا».
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِىَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا، فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَىْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَدْرَكَتْ فَرَضِيَتِ الْيَتِيمَةُ فَقَبِلَ الْقَاضِى شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلاَنِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير (عن ذكوان) مولى عائشة (عن عائشة رضي الله محئها) أنها (قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
والحديث سبق في النكاح.
(وقال بعض الناس): هو أبو حنيفة الإمام (إن هوي) بفتح الهاء وكسر الواو أحب (رجل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إنسان (جارية) فتية من النساء (يتيمة) ولأني ذر عن الكشميهني: ثيبًا بدل يتيمة (أو بكرًا فأبت) أن تتزوجه (فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه يتزوجها فأدركت) أي بلغت الحلم (فرضيت اليتيمة) بذلك (فقبل القاضي شهادة الزور) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بشهادة الزور (والزوج يعلم ببطلان ذلك) بباء الجر ولأبي ذر بطلان ذلك (حلّ له الوطء) مع علمه بكذب الشاهدين في ذلك، وظاهره أنها بعد الشهادة بلغت الحلم ورضيت، ويحتمل أنه يريد أنه جاء بشاهدين على أنها أدركت ورضيت فتزوجها فيكون داخلاً تحت الشهادة، وقال في الفتح: إن الاستئذان ليس بشرط في صحة النكاح ولو كان واجبًا، وحينئذ فالقاضي
أنشأ لهذا الزوج عقدًا مستأنفًا فيصح، وهذا قول أبي حنيفة واحتج بأثر عن علي في نحو هذا قال فيه: شاهداك زوّجاك وخالفه صاحباه.

12 - باب مَا يُكْرَهُ مِنِ احْتِيَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى ذَلِكَ
(باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر) جمع ضرة بفتح الضاد المعجمة والراء المشددة (وما نزل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك).
6972 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَيُحِبُّ الْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا، أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِى: أَهْدَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ قُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَقُولِى لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لاَ، فَقُولِى لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدُ مِنْهُ الرِّيحُ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِى لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ: ذَلِكَ وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَالَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِرَهُ بِالَّذِى قُلْتِ لِى وَإِنَّهُ لَعَلَى الْبَابِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: «سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» قُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَىَّ قُلْتُ لَهُ: مِثْلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: «لاَ حَاجَةَ لِى بِهِ» قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا اسْكُتِى.
وبه

(10/111)


قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) القرشي الهباري بفتح الهاء والموحدة المشددة وبعد الألف راء مكسورة فتحتية قال (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الحلواء) بالهمز والمد ويقصر فيكتب بالياء بدل الألف وعند الثعالبي في فقه اللغة أنها المجيع بفتح الميم وكسر الجيم بوزن عظيم وهو تمر يعجن بلبن (ويحب العسل) أفرده لشرفه لما فيه من الخواص فهو كقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل} [البقرة: 98] (وكان إذا صلّى العصر أجاز على نسائه) بفتح الهمزة والجيم وبعد الألف زاي أي يقطع المسافة التي بين كل واحدة والتي تليها يقال أجاز الوادي إذا قطعه وسبق في الطلاق من رواية عليّ بن مسهر إذا صلّى العصر دخل على نسائه
(فيدنو منهن فدخل على حفصة) أم المؤمنين بنت عمر -رضي الله عنهما- (فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس) أي أقام أكثر مما كان يقيم قالت عائشة: (فسألت عن) سبب (ذلك) الاحتباس (فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فقيل (لي أهدت امرأة) ولأبي ذر عن الكشميهني لها امرأة (من قومها) لم أقف على اسمها (عكة عسل فسقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه شربة) وسبق أن شربة العسل كانت عند زينب بنت جحش وهنا أنها عند حفصة وعند ابن مردويه عن ابن عباس أنها كانت عند سودة فيحمل على التعدد قالت عائشة (فقلت: أما) بالتخفيف والألف ولأبي ذر أم بحذفها (والله لنحتالن له) أي لأجله واللامان في لنحتالن بالفتح (فذكرت ذلك لسودة) بنت زمعة (قلت) ولأبي ذر وقلت لها: (إذا دخل عليك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإنه سيدنو) سيقرب (منك فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير) بالغين المعجمة والفاء قال ابن قتيبة صمغ حلو له رائحة كريهة (فإنه سيقول) لك (لا فقولي له ما هل الريح) زاد في الطلاق التي أجد منك (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشتد عليه أن يوجد منه الريح) الغير طيب (فإنه سيقول) لك (سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست) بفتح الجيم والراء والسين المهملة أي رعت (نحلة العرفط) بضم العين المهملة والفاء بينهما راء ساكنة آخره طاء مهملة الشجر الذي صمغه المغافير (وسأقول) أنا له (ذلك وقوليه أنت يا صفية) بنت حيي (فلما دخل) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على سودة) بنت زمعة قالت عائشة (قلت) ولأبي ذر قالت أي عائشة: (تقول سودة) لي: (والذي لا إله إلا هو لقد كدت) قاربت (أن أبادره) من المبادرة وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني أن أبادئه بالموحدة من المبادأة بالهمزة، ولابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن المستملي أناديه بالنون بدل الموحدة (بالذي قلت لي وأنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لعلى الباب فرقًا) بفتح الراء خوفًا (منك فلما دنا) قرب (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مني (قلت له: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال):
(لا) ما أكلت مغافير (قلت: فما هذه الريح؟) زاد في الطلاق: التي أجد منك (قال): (سقتني حفصة شربة عسل قلت) ولأبي ذر عن الحموي قالت أي سودة (جرست) رعت (نحله العرفط) قالت عائشة (فلما دخل عليّ قلت له مثل ذلك) القول الذي قلت لسودة أن تقول له (ودخل على صفية) بنت حيي (فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت له: يا رسول الله ألا) بالتخفيف (أسقيك منه؟) بفتح الهمزة أي من العسل (قال: لا حاجة لي به قالت) عائشة -رضي الله عنها- (تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه) بتخفيف الراء أي منعناه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العسل (قالت) عائشة (قلت لها اسكتي) لئلا يفشو ذلك فيظهر ما دبرته لحفصة.
فإن قلت: كيف جاز على أزواجه -رضي الله عنهن- الاحتيال؟ أجيب: بأنه من مقتضيات الطبيعة للنساء في الغيرة وقد عفي عنهن.
والحديث سبق في الأطعمة والأشربة والطب والطلاق.

13 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ فِى الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ
(باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون) بوزن فاعول وهو وخز

(10/112)


أعدائنا من الجن كما في الحديث وهذا لا يعارضه قول ابن سينا سببه دم رديء يستحيل إلى جوهر سميّ يفسد العضو ويؤدّي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والغثيان والغشي لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فيحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها.
6973 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ فَلَمَّا جَاءَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فَرَجَعَ عُمَرُ مِنْ سَرْعَ.
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي حليف بني عدي أبي محمد المدني ولد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبيه صحبة مشهورة (أن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (خرج إلى الشام) في ربيع الثاني سنة ثماني عشرة يتفقد أحوال الرعية (فلما جاء بسرغ) بموحدة فمهملة مفتوحة وسكون الراء بعدها غين معجمة غير منصرف وينصرف قرية بطرف الشام مما يلي الشأم ولأبي ذر سرغ بإسقاط الموحدة (بلغه أن الوباء) بفتح الواو والموحدة والهمزة ممدودًا وهو المرض العام والمراد هنا الطاعون المعروف بطاعون عمواس (وقع بالشأم) فعزم على الرجوع بعد أن اجتهد ووافقه بعض الصحابة ممن معه على ذلك (فأخبره عبد الرحمن بن عوف) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا سمعتم بأرض) ولأبي ذر به أي بالطاعون بأرض (فلا تقدموا) بفتح أوّله وثالثه ولأبي ذر فلا تقدموا بضم الأوّل وكسر الثالث (عليه) لأنه إقدام على خطر (وإذا وقع) الطاعون (بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا) منها (فرارًا منه). لأنه فرار من القدر فالأوّل تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم (فرجع عمر من سرغ).
(وعن ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (عن سالم بن عبد الله أن) جده (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (إنما انصرف) من سرغ (من حديث عبد الرحمن) بن عوف -رضي الله عنه- وفيه تقديم خبر الواحد على القياس لأن الصحابة اتفقوا على الرجوع اعتمادًا على خبر عبد الرحمن وحده بعد أن ركبوا المشقّة في المسير من المدينة إلى الشام ورجعوا ولم يدخلوا الشام، وروي أن انصراف عمر إنما كان من أبي عبيدة بن الجراح لأنه استقبله قائلاً جئت بأصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تدخلهم أرضًا فيها الطاعون فقال عمر: يا أبا عبيدة أشككت؟ فقال أبو عبيدة: كأني يعقوب إذ قال لبنيه {لا تدخلوا من باب واحد} [يوسف: 67] فقال عمر: والله لأدخلنها. فقال أبو عبيدة: لا تدخلها فردّه.
6974 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الْوَجَعَ فَقَالَ: «رِجْزٌ -أَوْ عَذَابٌ- عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ ثُمَّ بَقِىَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِى الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلاَ يَخْرُجْ فِرَارًا مِنْهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرني بالخاء المعجمة والإفراد (عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد) بضم الهمزة ابن حارثة (يحدث سعدًا) هو ابن أبي وقاص والد عامر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر الوجع) أي الطاعون (فقال):
(رجز) بالزاي عذاب (أو) قال (عذاب) بالشك من الراوي (عذب به بعض الأمم) لما كثر طغيانهم (ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع بأرض) ولأبي ذر عن الكشميهني به أي بالطاعون بأرض (فلا يقدمن) بفتح أوله وثالثه أو بضم أوّله وكسر ثالثه (عليه ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارًا منه). من الطاعون. قال المهلب: والتحيل في الفرار من الطاعون بأن يخرج في تجارة أو لزيارة مثلاً وهو ينوي بذلك الفرار من الطاعون.
والحديث سبق في ذكر بني إسرائيل.

14 - باب فِى الْهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَاحْتَالَ فِى ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا، فَلاَ زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَخَالَفَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْهِبَةِ وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه ما يكره من الاحتيال (في) الرجوع عن (الهبة و) الاحتيال في إسقاط (الشفعة. وقال بعض الناس): الإمام أبو حنيفة (إن وهب) شخص (هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث) بفتح الكاف وضمها بعدها مثلثة الشيء الموهوب (عنده) عند الموهوب له (سنين واحتال) الواهب (في ذلك) بأن تواطأ مع الموهوب له أن لا ينصرف قاله في الفتح (ثم رجع الواهب فيها) أي في الهبة (فلا زكاة على واحد منهما، فخالف) هذا القائل (الرسول) أي ظاهر حديث الرسول (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الهبة)

(10/113)


المتضمن للنهي عن العود فيها (وأسقط الزكاة) بعد أن حال عليها
الحول عند الموهوب له ووجوب زكاتها عليه عند الجمهور وأما الرجوع فلا يكون إلا في الهبة للولد.
6975 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ».
واحتج البخاري رحمه الله. بقوله: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) زاد مسلم من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه فيأكله (ليس لنا مثل السوء) بفتح السين أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحواله، وظاهر هذا المثل كما قاله النووي تحريم الرجوع في الهبة بعد القبض وهو محمول على هبة الأجنبي لا ما وهبه لولده، وقال العيني: لم يقل أبو حنيفة هذه المسألة على هذه الصورة بل قال: إن للواهب أن يرجع في هبته إذا كان الموهوب له أجنبيًّا وقد سلمها له لأنه قبل التسليم يجوز مطلقًا واستدلّ لجواز الرجوع بحديث ابن عباس عند الطبراني مرفوعًا: من وهب فيه هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها. وحديث ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم وقال صحيح على شرطهما قال: ولم ينكر أبو حنيفة حديث العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه بل عمل بالحديثين معًا فعمل بالأول في جواز الرجوع، وبالثاني في كراهة الرجوع واستقباحه لا في حرمته وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة.
والحديث سبق في الهبة.
6976 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشُّفْعَةَ فِى كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِىَ وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِى السَّهْمِ الأَوَّلِ وَلاَ شُفْعَةَ لَهُ فِى بَاقِى الدَّارِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِى ذَلِكَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المعروف بالمسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: وإنما جعل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشفعة) بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وحكي ضمها وهي لغة الضم وشرعًا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض (في كل ما لم يقسم) من العقار وما موصولة بمعنى الذي والصلة جملة لم يقسم والعائد المفعول الذي لم يسم فاعله وهو هنا محذوف أي فيما لم يقسم من العقار كما مر (فإذا وقعت الحدود) جمع حدّ وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة (وصرفت الطرق) بضم الصاد وكسر الراء مشدّدة ومخففة أي بينت مصارفها وشوارعها وجواب فإذا قوله: (فلا شفعة) لأنه صار مقسومًا وخرج عن الشركة فصار في حكم الجوار، والمعنى في الشفعة دفع ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق المصعد والمنور والبالوعة في الحصة الصائرة إليه وظاهره أن لا شفعة للجار لأنه نفى الشفعة في كل مقسوم.
والحديث سبق في البيوع.
(وقال بعض الناس) هو أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- تشرع (الشفعة للجوار) بكسر الجيم المجاورة (ثم عمد) بفتحات أي محمد أبو حنيفة (إلى ما شدّده) بالشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني إلى ما سدده بالسين المهملة أي من إثبات الشفعة للجار كالشريك (فأبطله. وقال: إن اشترى دارًا) أي أراد شراءها كاملة (فخاف أن يأخذها الجار بالشفعة فاشترى) منها (سهمًا) واحدًا شائعًا (من مائة سهم) فيصير شريكًا لمالكها (ثم اشترى الباقي وكان) بالواو وسقطت لأبي ذر (للجار الشفعة في السهم الأول) فيصير أحق بالشفعة من الجار لأن الشريك في المشاع أحق من الجار (ولا شفعة له) أي للجار (في باقي الدار وله) أي للذي اشترى الدار وخاف أن يأخذها الجار (أن يحتال في ذلك) فناقض كلامه لأنه احتج في شفعة الجار بحديث الجار أحق يسقيه ثم تحيل في إسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار وليس فيه شيء من خلاف السنة، لكن المشهور عند الحنفية أن الحيلة المذكورة لأبي يوسف، وأما محمد بن الحسن فقال: يكره ذلك أشدّ الكراهة لما فيه من الضرر لا سيما إن كان بين المشتري والشفيع عداوة ويتضرر بمشاركته.
6977 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِى، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلاَ تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِىَ مِنِّى بَيْتِى الَّذِى فِى دَارِى فَقَالَ: لاَ أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَمِائَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُنَّ، وَلَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ -أَوْ قَالَ- مَا أَعْطَيْتُكَهُ» قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ مَعْمَرًا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا قَالَ: لَكِنَّهُ قَالَ: لِى هَكَذَا.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ، فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِى الدَّارَ وَيَحُدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ وَيُعَوِّضُهُ الْمُشْتَرِى أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلاَ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله)

(10/114)


المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إبراهيم بن ميسرة) بفتح الميم والسين المهملة وسكون التحتية بينهما أنه (قال: سمعت عمرو بن الشريد) بفتح العين والشريد بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فدال مهملة الثقفي (قال: جاء المسور بن مخرمة) بن نوفل القرشي -رضي الله عنهما- (فوضع يده على منكبي) بفتح الميم وكسر الكاف (فانطلقت معه إلى سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص مالك وهو خال المسور بن مخرمة (فقال أبو رافع) أسلم القبطي مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للمسور) بن مخرمة (ألا تأمر هذا) يعني سعد بن أبي وقاص (أن يشتري مني بيتي الذي) بالإفراد ولأبي ذر عن الكشميهني بيتي بتشديد التحتية بعد فتح الفوقية اللذين بفتح الذال المعجمة وبعد التحتية نون على التثنية (في داري؟) ولأبي ذر في داره (فقال) سعد: (لا أزيده) في الثمن (على أربعمائة إما مقطعة وإما منجمة) أي مؤجلة على نقدات متفرقة والنجم الوقت المعين والشك من الراوي (قال) أبو رافع (أعطيت) بضم الهمزة (خمسمائة) مفعول ثان لأعطيت (نقدًا فمنعته) أي البيع (ولولا أني سمعت النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الجار أحق بصقبه) بفتح الصاد المهملة والقاف وكسر الموحدة بقربه أو بقريبه بأن يتعهده ويتصدق عليه مثلاً قيل: هو دليل لشفعة الجوار. وأجيب: بأنه لم يقل أحق بشفعته وهو متروك الظاهر لأنه يستلزم أن يكون الجار أحق من الشريك وهو خلاف مذهب الحنفية (ما بعتكه) ولأبي ذر عن المستملي ما بعتك بإسقاط الضمير (أو قال: ما أعطيتكه؟) قال عليّ بن المديني (قلت لسفيان) بن عيينة (أن معمرًا) فيما رواه عبد الله بن المبارك عن معمر بن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه أخرجه النسائي (لم يقل هكذا). قال في الكواكب: أي أن الجار أحق بصقبه، بل قال الشفعة. وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: هذا الذي قاله لا أصل له وما أدري مستنده فيه ولفظ رواية معمر الجار أحق بصقبه كرواية أبي رافع سواء فالمراد بالمخالفة على ما رواه معمرًا بدال الصحابي بصحابي آخر وهو المعتمد (قال) سفيان (لكنه) أي إبراهيم بن ميسرة (قال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قاله (لي هكذا) وحكى الترمذي عن البخاري أن الطريقين صحيحان وإنما صححهما لأن الثوري وغيره تابعوا سفيان بن عيينة على هذا الإسناد. قال المهلب: مناسبة ذكر حديث أبي رافع أن كل ما جعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقًّا لشخص لا يجوز لأحد إبطاله بحيلة ولا غيرها.
(وقال بعض الناس) هو النعمان أيضًا رحمه الله: (إذا أراد أن يبيع) ولأبي ذر عن الكشميهني أن يقطع (الشفعة) ورجحها القاضي عياض، وقال الكرماني: يجوز أن يكون المراد بقوله أن يبيع الشفعة لازم البيع وهو الإزالة عن الملك (فله أن يحتال حتى يبطل الشفعة فيهب البائع للمشتري الدار ويحدها) بالحاء والدال المهملتين أي يصف حدودها التي تميزها (ويدفعها) أي الدار (إليه) إلى المشتري (ويعوّضه المشتري ألف درهم) مثلاً (فلا يكون للشفيع فيها شفعة) وإنما سقطت الشفعة في هذه الصورة لأن الهبة ليست معاوضة محصنة فاشتبهت الإرث.
6978 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ أَنَّ سَعْدًا سَاوَمَهُ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» لَمَا أَعْطَيْتُكَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وَهَبَ لاِبْنِهِ الصَّغِيرِ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إبراهيم ميسرة) الطائفي نزل مكة (عن عمرو بن الشريد) الثقفي (عن أبي رافع) أسلم مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن سعدًا) هو ابن أبي وقاص (ساومه بيتًا بأربعمائة مثقال فقال لولا أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الجار أحق بصقبه) بالصاد المهملة (لما) بفتح اللام وتخفيف الميم ولأبي ذر بسقبه بالسين بدل الصاد ما بإسقاط اللام (أعطيتك) بحذف ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني أعطيتكه.
(وقال بعض الناس) الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- (إن اشترى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة وهب) ما اشتراه (لابنه الصغير ولا يكون عليه يمين) في تحقيق الهبة ولا في جريان شروطها وقيد بالصغير لأن الهبة لو كانت للكبير

(10/115)


وجب عليه اليمين فيتحيل في إسقاطها بجعلها للصغير ولو وهب لأجنبي فللشفيع أن يحلف الأجنبي أن الهبة حقيقة وأنها جرت بشروطها والصغير لا يحلف.

15 - باب احْتِيَالِ الْعَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ
(باب) كراهية (احتيال العامل) الذي يتولى في ماله وغيره (ليُهدى له) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول.
6979 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً عَلَى صَدَقَاتِ بَنِى سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتَبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِى اللَّهُ، فَيَأْتِى فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِى أَفَلاَ جَلَسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِىَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» بَصْرَ عَيْنِى وَسَمْعَ أُذُنِى.
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود واسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن أبي حميد) بضم الحاء عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: استعمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً على صدقات بني سليم) بضم السن وفتح اللام (يدعى) الرجل (ابن اللتبية) بضم اللام وفتح الفوقية وسكونها وكسر الموحدة وتشديد التحتية عبد الله واللتبية اسم أمه قال ابن حجر لم أقف على تسميتها (فلما جاء) وفي الأحكام فلما قدم (حاسبه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أمر من حاسبه (قال: هذا مالكم وهذا هدية) أهديت لي (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(فهلا) ولأبي ذر عن المستملي فهل بإسقاط الألف وتخفيف اللام (جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك وإن كنت صادقًا ثم خطبنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فحمد الله) عز وجل (وأثنى عليه) بما هو أهله (ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا) من الصدقة (بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدًا) بنون التوكيد الثقيلة وبعد اللام همزة أي والله لأعرفن وفي نسخة فلا أعرفن بألف بعد اللام ثم همزة فلا ناهية للمتكلم صورة وفي المعنى نهي لقوله أحدًا (منكم لقي الله) حال كونه (يحمل بعيرًا) على عنقه حال كونه (له رغاء) بضم الراء وفتح الغين المعجمة وبالهمزة ممدودًا صفة لبعير أي صوت (أو) يحمل (بقرة) على عنقه (لها خوار) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو المخففة بعدها ألف فراء صوت أيضًا (أو) يحمل على عنقه (شاة تيعر) بفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح العين المهملة بعدها راء تصوّت (ثم رفع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يديه) بالتثنية والذي في اليونينية يده بالإفراد (حتى رئي) براء مضمومة فهمزة مكسورة فتحتية ولأبي ذر ريء بكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فهمزة (بياض إبطه) بالإفراد وفي نسخة إبطيه بالتثنية حال كونه (يقول: اللهم هل بلغت) ما أمرتني به (بصر عيني وسمع أذني) بفتح الموحدة وسكون الصاد المهملة وفتح الراء وسمع بفتح السين المهملة وسكون الميم وفتح العين كذا في الفرع كأصله وضبطه أكثرهم كذلك فيما قاله القاضي عياض. قال سيبويه: العرب تقول سمع أذني زيدًا ورأي عيني تقول ذلك بضم آخرهما. قال القاضي عياض: وأما الذي في كتاب الحيل فوجهه النصب على المصدر لأنه لم يذكر المفعول بعده، وقال في الفتح: وبصر بفتح الموحدة وضم الصاد وسمع بفتح السين وكسر الميم أي بلفظ الماضي فيهما أي أبصرت عيناي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناطقًا رافعًا يديه وسمعت كلامه فيكون من قول أبي حميد، وعلى القول بأنهما مصدران مضافان فمفعول بلغت، ويكون من قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن عند أبي عوانة من رواية ابن جريج عن هشام بصر عينا أبي حميد وسمع أذناه وحينئذٍ يتعين أن يكون بضم الصاد وكسر الميم، وفي رواية مسلم من طريق أبي الزناد عن عروة قلت لأبي حميد أسمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: من فيه إلى أذني، وقوله عيني وأذني
بالإفراد فيهما. وفي مسلم من طريق أبي أسامة بصر وسمع بالسكون فيهما والتثنية في أذنيّ وعينيّ وعنده من رواية ابن نمير بصر عيناي وسمع أذناي. قال المهلب: حيلة العامل ليهدى له تقع بأن يسامح بعض من عليه الحق فلذلك قال هلا جلس في بيت أبيه وأمه لينظر هل يهدى له. وقال في فتح الباري ومطابقة

(10/116)


الحديث للترجمة من جهة تملكه ما أهدي إنما كان لعلة كونه عاملاً فاعتقد أن الذي أهدي له يستبد به دون أصحاب الحقوق التي عمل فيها فبين له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له وأنه لو أقام في منزله لم يهد له شيء فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية فإن ذلك إنما يكون حيث يتمحض الحق له.
والحديث سبق في الهبة والنذور والزكاة.
6980 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ».
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِىَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَيَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَتِسْعَمِائَةَ دِرْهَمٍ، وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا بَقِىَ مِنَ الْعِشْرِينَ الأَلْفَ، فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِلاَّ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِى عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ، وَهْوَ تِسْعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ لأَنَّ الْبَيْعَ حِينَ اسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِى الدِّينَارِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَيْبًا وَلَمْ تُسْتَحَقَّ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: فَأَجَازَ هَذَا الْخِدَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ وَلاَ غَائِلَةَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إبراهيم بن ميسرة) الطائفي (عن عمرو بن الشريد) الثقفي (عن أبي رافع) اسمه أسلم أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر قال لنا النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الجار أحق بصقبه) ولأبي ذر بسقبه بالسين بدل الصاد أي أحق بقريبه بأن يتعهده ويتصدق عليه مثلاً وسبق ما فيه قريبًا.
(وقال بعض الناس) الإمام أبو حنيفة النعمان (إن اشترى) أي إن أراد أن يشتري (دارًا بعشرين ألف درهم) مثلاً (فلا بأس أن يحتال) على إسقاط الشفعة (حتى يشتري الدار بعشرين ألف درهم وينقده) بفتح التحتية أي ينقد البائع (تسعة آلاف درهم وتسعمائة درهم وتسعة وتسعين وينقده دينارًا بما) أي بمقابلة ما (بقي من العشرين الألف) ولأبي ذر ألف بإسقاط لام ألف يعني مصارفة عنها (فإن طلب الشفيع أخذها) بسكون الخاء بالشفعة أخذها (بعشرين ألف درهم) وهي
الثمن الذي وقع عليه العقد (وإلاَّ) بأن لم يرض أن يأخذها بالعشرين ألفًا (فلا سبيل له على الدار) لسقوط الشفعة لامتناعه من بذل الثمن الذي وقع عليه العقد (فإن استحقت الدار) بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة أي ظهرت مستحقة لغير البائع (رجع المشتري على البائع بما دفع إليه وهو تسعة آلاف درهم وتسعمائة وتسعة وتسعون درهمًا ودينار) لكونه القدر الذي تسلمه منه ولا يرجع عليه بما وقع عليه العقد (لأن البيع) أي المبيع (حين استحق) بضم التاء مبنيًّا للمفعول للغير (انتقض) بالضاد المعجمة (الصرف) الذي وقع بين البائع والمشتري (في الدينار) ولأبي ذر في الدار (فإن وجد) بفتح الواو (بهذه الدار) المذكورة (عيبًا ولم تستحق) بالبناء للمجهول أي والحال أنها لم تخرج مستحقة (فإنه يردّها عليه بعشرين ألف درهم) ولأبي ذر بعشرين ألفًا، وهذا تناقض ظاهر لأن الأمة مجمعة وأبو حنيفة معهم على أن البائع لا يردّ في الاستحقاق والردّ بالعيب إلا ما قبض فكذلك الشفيع لا يشفع إلا بما نقد المشتري وما قبضه من البائع لا بما عقد، وأشار إلى ذلك بقوله: (قال) البخاري (فأجاز) أي أبو حنيفة -رحمه الله- (هذا الخداع بين المسلمين) والخداع بكسر الخاء المعجمة أي الحيلة في إيقاع الشريك في الغبن الشديد إن أخذ بالشفعة أو إبطال حقه بسبب الزيادة في الثمن باعتبار العقد لو تركها.
(وقال) البخاري (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط واو وقال الأولى لأبي ذر (لا داء) ولأبي ذر بيع المسلم لا داء لا مرض (ولا خبثة) بكسر الخاء المعجمة وتضم وسكون الموحدة بعدها مثلثة بأن يكون المبيع غير طيب كأن يكون من قوم لم يحل سبيهم لعهد تقدّم لهم قاله أبو عبيدة. قال السفاقسي: وهذا في عهدة الرقيق. قال في الفتح: وإنما خصه بذلك لأن الخبر إنما ورد فيه (ولا غائلة) بالغين المعجمة مهموزًا ممدودًا لا سرقة ولا إباق.
وهذا الحديث سبق في أوائل البيوع في باب إذا بين البيعان ونصحا بلفظ ويذكر عن العدّاء بن خالد قال: كتب لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا ما اشترى محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العدّاء بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة. قال في الفتح: وسنده حسن وله طرق إلى العدّاء ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة موصولاً لكن فيه أن المشتري العدّاء من محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسبق ما في ذلك في الباب المذكور.
6981 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ سَاوَمَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» مَا أَعْطَيْتُكَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان

(10/117)


(عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن ميسرة) ضدّ الميمنة الطائفي (عن عمرو بن الشريد) بفتح العين والشين المعجمة آخره دال مهملة (أن أبا رافع) مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسمه أسلم (ساوم سعد بن مالك) أبا وقاص بن وهيب بن عبد مناف أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل
الله (بيتًا) في داره (بأربعمائة مثقال. وقال) أبو رافع بعد قوله أعطيت خمسمائة نقدًا فمنعته (لولا أني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الجار أحق بصقبه) بالصاد ولأبي ذر بالسين (ما أعطيتك) البيت. قال في فتح الباري: قوله حدّثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان إلى آخره كذا وقع للأكثر هذا الحديث وما بعده متصلاً بباب احتيال العامل وأظنه وقع هنا تقديم وتأخير، فإن الحديث وما بعده يتعلقان بباب الهبة والشفعة، فلما جعل الترجمة مشتركة جمع بين مسائلها، ومن ثم قال الكرماني: إنه من تصرف النقلة، وقد وقع عند ابن بطال هنا باب بلا ترجمة ثم ذكر الحديث وما بعده ثم ذكر باب احتيال العامل، وعلى هذا فلا إشكال لأنه حينئذٍ كالفصل من الباب، ويحتمل أن يكون في الأصل بعد قصة ابن اللتبية باب بلا ترجمة فسقطت الترجمة فقط أو بيّض لها في الأصل.