شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
91 - كتاب التعبير
ثبتت البسملة هنا للجميع.
1 - باب أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ
(كتاب التعبير) أي تفسير الرؤيا وهو العبور من ظاهرها إلى
باطنها قاله الراغب. وقال في المدارك: حقيقة عبرت الرؤيا
ذكرت عاقبتها وآخر أمرها كما تقول: عبرت النهر إذا قطعته
حتى تبلغ آخر عرضه وهو عبره ونحوه أوّلت الرؤيا إذا ذكرت
مآلها وهو مرجعها، وقال البيضاوي: عبارة الرؤيا الانتقال
من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها
من العبور وهو المجاوزة اهـ.
وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الإثبات وأنكروا
التشديد، لكن قال الزمخشري عثرت على بيت أنشده المبرد في
كتاب الكامل لبعض الأعراب:
رأيت رؤيا ثم عبرتها ... وكنت للأحلام عبارا
وقال غيره: يقال عبر الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها وعبرتها.
بالتشديد للمبالغة في ذلك، ولأبي ذر كتاب التعبير (وأول ما
بدئ به رسول الله) ولأبي ذر عن المستملي باب بالتنوين أوّل
ما بدئ به رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من الوحي) إليه (الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة
والمراد بها صحتها والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما
يكون في النوم ففرق بينهما بتاء التأنيث كالقربة والقربى،
وقال الراغب: بالهاء إدراك المرئي بحاسة البصر ويطلق على
ما يدرك بالتخيل نحو: أرى أن زيدًا سافر، وعلى التفكر
النظري نحو: إني أرى ما لا ترون، وعلى الرأي وهو اعتقاد
أحد النقيضين من غلبة الظن. وقال ابن الأثير: الرؤيا
والحلم عبارة عما يراه النائم في النوم من الأشياء، لكن
غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم
على ما يراه من الشر
والقبيح، ومنه قوله تعالى: {أضغاث أحلام} [يوسف: 44] وتضم
لام الحلم وتسكن، وفي الحديث: الرؤيا من الله والحلم من
الشيطان.
قال التوربشتي: الحلم عند العرب مستعمل استعمال الرؤيا
والتفريق بينهما إنما كان من الاصطلاحات الشرعية التي لم
يضعها حليم ولم يهتد إليها حكيم بل سنّها صاحب الشرع للفصل
بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمي ما كان من الله وما كان
من الشيطان باسم واحد فجعل الرؤيا عبارة عما كان من الله
والحلم عما كان من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما
يخيل للحاكم في منامه من قضاء الشهوة مما لا حقيقة له. قال
صاحب فتوح الغيب: ولعل التوربشتي أراد بقوله ولم يهتد
إليها حكيم ما عرفتها الفلاسفة على ما نقله القاضي
البيضاوي في تفسيره الرؤيا انطباع الصورة المنحدرة من أفق
المتخيلة إلى الحس المشترك، والصادقة منها إنما تكون
باتصال النفس بالملكوت لما بينهما
(10/118)
من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى
فراغ فتتصور بما فيها ما يليق بها من المعاني الحاصلة
هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى
الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم وإن كانت شديدة المناسبة
لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بأدنى شيء استغنت
الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه. انتهى.
وقال من ينتمي إلى الطب أن جميع الرؤيا تنسب إلى الاخلاط
فيقول من غلبت عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك
لمناسبة الماء طبيعة البلغم ومن غلبت عليه الصفراء رأى
النيران والصعود في الجوّ وهكذا إلى آخره.
6982 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِىُّ
فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -
أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ
الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِى النَّوْمِ، فَكَانَ
لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ
الصُّبْحِ، فَكَانَ يَأْتِى حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ
وَهْوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ
وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ
فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ
وَهْوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ
فَقَالَ: «اقْرَأْ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا أَنَا بِقَارِئٍ
فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ
ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا
بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيَةَ حَتَّى
بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ:
اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِى
الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدُ ثُمَّ
أَرْسَلَنِى فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى
خَلَقَ} --حَتَّى بَلَغَ- {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 -
5]» فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ
عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى»
فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ:
«يَا خَدِيجَةُ مَا لِى» وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ:
«قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى» فَقَالَتْ لَهُ: كَلاَّ
أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا
إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ
وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى
نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ
حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ
بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَىٍّ - وَهْوَ ابْنُ عَمِّ
خَدِيجَةَ أَخُو
أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِىَّ فَيَكْتُبُ
بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ فَقَالَتْ
لَهُ خَدِيجَةُ: أَىِ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ
أَخِيكَ فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِى مَاذَا تَرَى؟
فَأَخْبَرَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ
الَّذِى أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِى فِيهَا
جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ؟» فَقَالَ وَرَقَةُ:
نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ
عُودِىَ وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا
مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ
وَفَتَرَ الْوَحْىُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا
حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَىْ يَتَرَدَّى مِنْ
رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى
بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَىْ يُلْقِىَ مِنْهُ نَفْسَهُ
تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ
رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ
وَتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ
فَتْرَةُ الْوَحْىِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى
بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ
مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالِقُ الإِصْبَاحِ
ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ وَضَوْءُ الْقَمَرِ
بِاللَّيْلِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد
الله المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام
(عن عقيل) بضم العين وفتع القاف ابن خالد (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم. قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله
بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد ولفظ الحديث
له لا لعقيل (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فأخبرني)
بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام والفاء في فأخبرني
للعطف على مقدر أي أنه روى له حديثًا وهو عند البيهقي في
دلائله من وجه آخر عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير
مرسلاً فذكر قصة بدء الوحي مختصرة ونزول: {اقرأ باسم ربك}
إلى قوله: {خلق الإنسان من علق} [العلق: 1، 2] قال محمد بن
النعمان: فرجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بذلك. قال الزهري: فسمعت عروة بن الزبير يقول
قالت عائشة فذكر الحديث مطوّلاً ثم عقبه بهذا الحديث (عن
عائشة -رضي الله عنها- أنه قالت: أوّل ما بدئ) بضم الموحدة
وكسر المهملة بعدها همزة (به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الوحي الرؤيا الصادقة) التي ليس
فيها ضغث، أو التي لا تحتاج إلى تعبير. وفي التعبير
للقادري الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام
أو يخبر به من لا يكذب، وفي باب كيف بدء الوحي الصالحة بدل
الصادقة وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق
الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل
أخص فرؤيا الأنبياء كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر
وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد،
وقال (في النوم) بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح أو
لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تطلق على رؤية العين فهي صفة
موضحة (فكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا يرى
رؤيا إلا جاءت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا جاءته
(مثل فلق الصبح) قال القاضي البيضاوي: شبه ما جاءه
في اليقظة ووجده في الخارج طبقًا لما رآه في المنام بالصبح
في إنارته ووضوحه والفلق الصبح لكنه لما كان مستعملاً في
هذا المعنى وفي غيره أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة
العام إلى الخاص، وقال في شرح المشكاة: للفلق شأن عظيم
ولذا جاء وصفًا لله تعالى في قوله: {فالق الإصباح}
[الأنعام: 96] وأمر بالاستعاذة برب الفلق لأنه ينبئ عن
انشقاق ظلمة عالم الشهادة وطلوع تباشير الصبح بظهور سلطان
الشمس وإشراقها الآفاق، كما أن الرؤيا الصالحة مبشرة تنبئ
عن وفور أنوار عالم الغيب وإنارة مطالع الهدايات بسبب
الرؤيا التي هي جزء يسير من أجزاء النبوة (فكان) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يأتي حراء) بكسر الحاء
المهملة وتخفيف الراء ممدودة مذكر منصرف على الصحيح وقيل
مؤنث غير منصرف (فيتحنث) بالحاء المهملة آخره مثلثة في غار
(فيه وهو) أي التحنث (التعبد) بالخلوة ومشاهدة الكعبة منه
والتفكر أو بما كان يلقى إليه من المعرفة (الليالي ذوات
العدد) مع أيامهن والوصف بذوات العدد يفيد التقليل كدراهم
معدودة، وقال الكرماني: يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى
العدد وهو المناسب للمقام وإنما كان يخلو عليه الصلاة
والسلام بحراء دون غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان
يخلو فيه من قريش، وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنّه فتبعه
على ذلك فكان يخلو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بمكان جدّه وكان الزمن
(10/119)
الذي يخلو فيه شهر رمضان فإن قريشًا كانت
تفعله كما كان تصوم يوم عاشوراء (ويتزوّد لذلك) التعبد (ثم
يرجع) إذا نفد ذلك الزاد (إلى خديجة) -رضي الله عنها-
(فتزوّده) ولأبي ذر عن الكشميهني فتزوّد بحذف الضمير
(لمثلها) لمثل الليالي (حتى فجئه الحق) بفتح الفاء وكسر
الجيم بعدها همزة أي جاءه الوحي بغتة وكأنه لم يكن متوقعًا
للوحي قاله النووي، وتعقبه البلقيني سمي به لأن الله خصصه
بالوحي (وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في غار
حراء فجاءه الملك) جبريل عليه السلام وفاء فجاءه تفسيرية
أو تعقيبية أو سببية وحتى لانتهاء الغاية أي انتهى توجهه
لغار حراء بمجيء جبريل (فيه) في الغار (فقال: اقرأ) وهل
سلم قبل قوله اقرأ أم لا؟ الظاهر لا لأن المقصود إذ ذاك
تفخيم الأمر وتهويله أو ابتداء السلام متعلق بالبشر لا
الملائكة ووقوعه منهم على إبراهيم لأنهم كانوا في صورة
البشر فلا يرد هنا ولا سلامهم على أهل الجنة لأن أمور
الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبًا، نعم في رواية الطيالسي
إن جبريل سلم أولاً، لكن لم يرد أنه سلم عند الأمر
بالقراءة قاله في الفتح (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما أنا بقارئ) ولغير أبي ذر فقلت: ما أنا بقارئ أي ما
أحسن أن أقرأ (فأخذني) جبريل (فغطّني) ضمني وعصرني (حتى
بلغ مني الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال مفعول حذف فاعله أي
بلغ الغط مني الجهد وبضم الجيم ورفع الدال أي بلغ مني
الجهد مبلغه فاعل بلغ (ثم أرسلني) أطلقني (فقال: اقرأ فقلت
ما أنا بقارئ فأخدني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم
أرسلني فقال: اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطني) ولأبي ذر عن
الكشميهني فأخذني فغطني (الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم
أرسلني) قال في شرح المشكاة قوله ما أنا بقارئ أي حكمي
كسائر الناس من أن حصول القراءة إنما هو بالتعلم وعدمه
بعدمه فلذلك أخذه وغطّه مرارًا ليخرجه عن حكم سائر الناس
ويستفرغ منه البشرية ويفرغ فيه من صفات الملكية (فقال) له
حينئذ لما علم المعنى ({اقرأ
باسم ربك الذي خلق}) كل شيء وموضع باسم ربك النصب على
الحال أي اقرأ مفتتحًا باسم ربك قل باسم الله ثم اقرأ (حتى
بلغ {ما لم يعلم}) [العلق: 1 - 5] ولأبي ذر حتى بلغ: {علّم
الإنسان ما لم يعلم} وفيه كما قال الطيبي إشارة إلى رد ما
تصوّره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أن القراءة
إنما تتيسر بطريق التعليم فقط بل إنها كما تحصل بواسطة
المعلم قد تحصل بتعليم الله بلا واسطة فقوله: علم بالقلم
إشارة إلى العلم التعليمي وقول: علم الإنسان ما لم يعلم
إشارة إلى العلم اللدني ومصداقه قوله تعالى: {إن هو إلا
وحي يوحى علمه شديد القوى} [النجم: 5] (فرجع بها) بالآيات
المذكورة حال كونه (ترجف) تضطرب (بوادره) جمع بادرة وهي
اللحمة بين العنق والمنكب، وقال ابن بري هي ما بين المنكب
والعنق يعني أنها لا تختص بعضو واحد وإنما رجفت بوادره لما
فجئه من الأمر المخالف للعادة لأن النبوة لا تزيل طباع
البشرية كلها (حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني)
مرتين أي غطّوني بالثياب ولفوني بها (فزملوه) بفتح الميم
(حتى ذهب عنه الروع) بفتح الراء الفزع (فقال: يا خديجة ما
لي وأخبرها) ولأبي ذر عن الكشميهني وأخبر (الخبر وقال: قد
خشيت على نفسي) أن لا أقوى على مقاومة هذا الأمر ولا أقدر
على حمل أعباء الوحي فتزهق نفسي ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي عليٌّ بتشديد الياء (فقالت له) خديجة: (كلا) نفي
وإبعاد أي لا خوف عليك (أبشر) بخير أو بأنك رسول الله
حقًّا (فوالله لا يخزيك الله أبدًا) بضم التحتية وسكون
الخاء المعجمة من الخزي ولأبي ذر عن الكشميهني لا يحزنك
بالحاء المهملة والنون بدل المعجمة والياء من الحزن (إنك
لتصل الرحم) أي القرابة (وتصدق الحديث وتحمل الكل) بفتح
الكاف وتشديد اللام الثقل ويدخل فيه الإنفاق
(10/120)
على الضيف واليتيم والعيال وغير ذلك (وتقري
الضيف) بفتح الفوقية من غير همز أي تهيئ له طعامه ونزله
(وتعين على نوائب الحق) حوادثه أرادت أنك لست ممن يصيبه
مكروه لما جمع الله فيك من مكارم الأخلاق ومحاسن الشمائل.
وفيه دلالة على أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب للسلامة
من مصارع السوء وفيه مدح الإنسان في وجهه في بعض الأحوال
لمصلحة تطرأ، وفيه تأنيس من حصلت له مخافة من أمر، وفي
دلائل النبوة للبيهقي من طريق أبي ميسرة مرسلاً أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قصّ على خديجة ما رأى
في المنام فقالت له: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرًا
ثم أخبرها بما وقع له من شق البطن وإعادته فقالت له: أبشر
إن هذا والله خير ثم استعلن له جبريل فذكر القصة فقال لها:
أرأيتك الذي رأيت في المنام فإنه جبريل استعلن لي بأن ربي
أرسله إليّ وأخبرها بما جاء به فقالت: أبشر فوالله لا يفعل
الله بك إلاّ خيرًا فأقبل الذي جاءك من الله فإنه حق وأبشر
فإنك رسول الله.
(ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به) مصاحبة له (ورقة بن نوفل
بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو) أي ورقة (ابن عم خديجة)
وهو (أخو أبيها) ولابن عساكر فيما ذكره في الفتح أخي أبيها
بالجر في أخي صفة للعم ووجه الرفع أنه خبر مبتدأ محذوف
وفائدته رفع المجاز في إطلاق العم فيه (وكان) ورقة (امرأً
تنصّر) دخل في دين النصرانية (في الجاهلية) قبل البعثة
المحمدية (وكان يكتب الكتاب العربي) وفي باب بدء الوحي
العبراني (فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء
الله أن يكتب) أي الذي شاء الله كتابته (وكان شيخًا كبيرًا
قد عمي فقالت له) لورقة (خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن
أخيك) محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورقة ابن أخي) بنصب
ابن منادى مضاف (ماذا ترى؟ فأخبره النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما رأى) وفي بدء الوحي خبر ما رأى
(فقال) له (ورقة هذا الناموس) جبريل صاحب سر الخير (الذي
أنزل) بضم الهمزة (على موسى) بن عمران -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يقل عيسى مع كونه نصرانيًا لأن
نزول جبريل عليه السلام متفق عليه عند أهل الكتابين بخلاف
عيسى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يا ليتني فيها)
في أيام النبوة ومدّتها (جذعًا) يعني شابًّا قويًا والجذع
في الأصل للدواب فهو هنا استعارة وهو بالجيم المعجمة
المفتوحتين وبالنصب بكان مقدّرة عند الكوفيين أو على الحال
من الضمير في فيها وخبر ليت قوله فيها أي ليتني كائن فيها
حال الشبيبة والقوّة لأنصرك وأبالغ في نصرتك (أكون) وفي
بدء الوحي ليتني أكون (حيًّا حين يخرجك قومك) من مكة (فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أ) معاديّ (ومخرجيّ هم) بتشديد الياء المفتوحة وقال ذلك
استبعادًا للإخراج وتعجبًا منه فيؤخذ منه كما قال السهيلي
إن مفارقة الوطن على النفس شديدة لإظهاره عليه الصلاة
والسلام الإنزعاج لذلك بخلاف ما سمعه من ورقة من إيذائهم
وتكذيبهم له (فقال ورقة) له: (نعم) مخرجوك (لم يأت رجل قط
بما) ولأبي ذر عن الكشميهني بمثل ما (جئت به) من الوحي
(إلاَّ عودي) لأن الإخراج عن المألوف سبب لذلك (وإن يدركني
يومك) بجزم يدركني بأن الشرطية ورفع يومك فاعل يدركني أي
يوم انتشار نبوتك (أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا)
بالنصب على المصدرية (مؤزرًا) من الإزر وهو القوة (ثم لم
ينشب) بالشين المعجمة لم يلبث (ورقة أن توفي) بدل اشتمال
من ورقة أي لم تلبث وفاته (وفتر الوحي) احتبس ثلاث سنين أو
سنتين ونصفًا (فترة حتى حزن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر زاي حزن (فيما بلغنا) معترض بين
الفعل ومصدره وهو (حزنًا) والقائل هو محمد بن مسلم بن شهاب
الزهري من بلاغاته وليس موصولاً، ويحتمل أن يكون بلغه
بالإسناد المذكور، والمعنى أن في جملة ما وصل إلينا من خبر
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع في هذه
القصة وهو عند ابن مردويه في التفسير بإسقاط قوله: فيما
بلغنا ولفظه: فترة حزن النبي -صَلَّى اللَّهُ
(10/121)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها حزنًا (غدا) بغين
معجمة في الفرع من الذهاب غدوة، وفي نسخة عدا بالعين
المهملة من العدو وهو الذهاب بسرعة (منه) من الحزن (مرارًا
كي يتردّى) يسقط (من رؤوس شواهق الجبال) العالية (فكلما
أوفى بذروة جبل) بكسر الذال المعجمة وتفتح وتضم أعلاه (لكي
يلقي منه) من الجبل (نفسه) المقدسة إشفاقًا أن تكون الفترة
لأمر أو سبب منه فتكون عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه ولم
يرد شرع بالنهي عن ذلك فيعترض به أو حزن على ما فاته من
الأمر الذي بشره به ورقة، ولم يكن خوطب عن الله أنك رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومبعوث إلى
عباده. وعند ابن سعد من حديث ابن عباس بنحو هذا البلاغ
الذي ذكره الزهري، وقوله: مكث أيامًا بعد مجيء الوحي لا
يرى جبريل فحزن حزنًا شديدًا حتى كان يغدو إلى ثبير مرة
وإلى حراء أخرى يريد أن يلقي نفسه (تبدى) ظهر الله جبريل
فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا). وفي حديث ابن سعد
المذكور: فبينا هو عامد لبعض تلك الجبال إذ سمع
صوتًا فوقف فزعًا ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين
السماء والأرض متربعًا يقول: يا محمد أنت رسول الله حقًّا
وأنا جبريل (فيسكن لذلك جأشه) بالجيم ثم الهمزة الساكنة ثم
الشين المعجمة اضطراب قلبه (وتقرّ) بكسر القاف في الفرع
وفي غيره بفتحها (نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي
غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل) لكي يلقي منه نفسه
(تبدى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بدا أي ظهر (له جبريل
فقال له مثل ذلك) يا محمد إنك رسول الله حقًّا.
تنبيه:
قال في فتح الباري: قوله هنا فترة حتى حزن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا هذا وما بعده من
زيادة معمر على رواية عقيل ويونس وصنيع المؤلّف يوهم أنه
داخل في رواية عقيل، وقد جرى على ذلك الحمري في جمعه فساق
الحديث إلى قوله وفتر الوحي، ثم قال: انتهى حديث عقيل
المفرد عن ابن شهاب إلى حيث ذكرنا، وزاد عند البخاري في
حديثه المقترن بمعمر عن الزهري فقال وفتر الوحي فترة حتى
حزن فساقه إلى آخره.
قال الحافظ ابن حجر والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية
معمر فقد أخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي
زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول
الكتاب بدونه، وأخرجه مقرونًا هنا برواية معمر وبين أن
اللفظ لمعمر وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية
معمر، وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم
أيضًا من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها اهـ.
وقال عياض: إن قول معمر في فترة الوحي فحزن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا حزنًا غدًا منه
مرارًا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال لا يقدح في هذا
الأصل أي ما قرره من عدم طريان الشك عليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقول معمر عنه فيما بلغنا ولم يسنده
ولا ذكر رواته ولا من حدث به ولا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله، ولا يعرف مثل هذا إلا من جهته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنه قد يحمل على
أنه كان أوّل الأمر أو أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب من
بلغه كما قال تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم
يومنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف: 6] اهـ.
وحاصله أنه ذكر أنه غير قادح من وجهين أحدهما: فيما يتعلق
بالمتن من جهة قوله: فيما بلغنا حيث لم يسنده وأنه لا يعلم
ذلك إلا من جهة المنقول عنه، والثاني: أنه أوّل الأمر أو
أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب قومه وفيه بحث إذ عدم
إسناده لا يوجب قدحًا في الصحة بل الغالب على الظن أنه
بلغه من الثقات لأنه ثقة، لا سيما ولم ينفرد معمر بذلك كما
بأن في إطلاق هذا النفي نظرًا فعند ابن إسحاق عن عبيد بن
عمير أنه وقع في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط
والأمر بالقراءة وغير ذلك. قال في الفتح: وفي كون ذلك
يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر فالأولى ترك الجزم
بأحد الأمرين.
قال الهروي: سبق وروينا أيضًا من طريق الدولابي مما في
سيرة ابن سعيد الناس عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن
يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة الحديث وفيه: ثم
لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي حتى حزن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا حزنًا
الخ. فاعتضدت كل رواية الأخرى، وكل من الزهري ومعمر ثقة
وعلى تقدير الصحة لا يكون قادحًا كما ذكره عياض، لكن لا
بالنسبة إلى أنه في أول الأمر لاستقرار الحال فيه مدة بل
(10/122)
بالنسبة إلى ما أحرجه من التكذيب إذ لا شيء
فيه قطعًا بدليل قوله تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم}
[الكهف: 6] أي قاتل نفسك أسفًا وكان التعبير بقوله حصل له
ذلك لما أحرجه أحسن من قوله فعل لأن الحزن حالة تحصل
للإنسان يجدها من نفسه بسبب لا أنه من أفعاله الاختيارية.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف في باب بدء الوحي.
(قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما
وصله الطبري من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس في تفسير
قوله تعالى: {فالق الإصباح} [الأنعام: 96] الإصباح (ضوء
الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل) واعترض على المؤلّف بأن
ابن عباس فسر الإصباح لا لفظ فالق الذي هو المراد هنا، لأن
المؤلّف ذكره عقب هذا الحديث لما وقع فيه فكان لا يرى رؤيا
إلا جاءت مثل فلق الصبح، والإصباح مصدر سمي به الصبح أي
شاق عمود الصبح عن سواد الليل أو فالق نور النهار. نعم قال
مجاهد كما سبق في تفسير {قل أعوذ برب الفلق} [الفلق: 1]
الفلق: الصبح. وأخرج الطبري عنه أيضًا في قوله فالق
الإصباح. قال: إضاءة الصبح، وعلى هذا فالمراد بفلق الصبح
إضاءته فالله سبحانه وتعالى يفلق ظلام الليل عن غرّة
الصباح فيضيء الوجود ويستنير الأفق ويضمحل الظلام ويذهب
الليل، وقول ابن عباس هذا ثابت في رواية أبي ذر عن
المستملي والكشميهني وكذا النسفيّ، ولأبي زيد المروزي عن
الفربري.
2 - باب رُؤْيَا الصَّالِحِينَ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ
الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا
لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا
قَرِيبًا} [الفتح: 27].
(باب رؤيا الصالحين) والإضافة للفاعل وفي نسخة الصالحة
وعليها يحتمل أن يكون الرؤيا بالتعريف (وقوله) بالجر عطفًا
على السابق ولأبي ذر وقول الله (تعالى: {لقد صدق الله
رسوله الرؤيا}) أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن
الكذب وعن كل قبيح علوًّا كبيرًا وقال في فتوح الغيب هذا
صدق بالفعل وهو التحقيق أي حقق رؤيته وحذف الجار وأوصل
الفعل كقوله: {صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]
({بالحق}) متلبسًا به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته
المقدر له وهو العام القابل ويجوز أن يكون بالحق صفة مصدر
محذوف أي صدقًا متلبسًا
بالحق وهو القصد إلى التمييز بين المؤمن المخلص وبين من في
قلبه مرض وأن يكون قسمًا إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو
بالحق الذي هو من أسمائه وجوابه ({لتدخلن المسجد الحرام})
وعلى الأول هو جواب قسم محذوف ({إن شاء الله}) حكاية من
الله تعالى قول رسوله لأصحابه وقصه عليهم أو تعليم لعباده
أن يقولوا في غداتهم مثل ذلك متأدّبين بأدب الله ومقتدين
بسنته ({آمنين}) حال والشرط معترض ({محلقين}) حال من
الضمير في آمنين ({رؤوسكم}) أي جميع شعورها ({ومقصرين})
بعض شعورها ({لا تخافون}) حال مؤكدة ({فعلم ما لم تعلموا})
من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل ({فجعل من
دون ذلك}) من دون فتح مكة ({فتحًا قريبًا}) [الفتح: 27]
وهو فتح خيبر لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر
الفتح الموعود وتحققت الرؤيا في العام القابل. وقد روي أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أري وهو بالحديبية
أنه دخل مكة هو وأصحابه محلقين فلما نحر الهدي بالحديبية
قال أصحابه: أين رؤياك: فنزلت رواه الفريابي وعبد بن حميد
والطبري من طريق ابن أبي نجيح، وسقط لأبي ذر في روايته
({محلقين}) إلى آخرها وقال بعد قوله: {آمنين} إلى قوله:
{فتحًا قريبًا}.
6983 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى
طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرُّؤْيَا
الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ
سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [الحديث
6983 - طرفه في: 6994].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن
مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة)
الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الرؤيا الحسنة) أي الصالحة (من الرجل الصالح) وكذا المرأة
الصالحة غالبًا (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة)
مجازًا لا حقيقة لأن النبوّة انقطعت بموته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجزء النبوّةِ لا يكون نبوة كما أن
جزء الصلاة لا يكون صلاة. نعم إن وقعت من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهي جزء من أجزاء النبوّة
حقيقة. وقيل: إن وقعت من غيره عليه السلام فهي جزء من علم
النبوّة لأن النبوّة وإن انقطعت فعلمها باق، وقول مالك
-رحمه الله- لما سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة
تلعب، ثم
(10/123)
قال: الرؤيا جزء من النبوّة فلا يلعب
بالنبوة أجيب عنه: بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد
أنها لما أشبهت النبوّة من جهة الإطلاع على بعض الغيب لا
ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم.
وأما وجه كونها ستة وأربعين جزءًا فأبدى بعضهم له مناسبة
وذلك أن الله أوحى إلى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك في
اليقظة بقية مدة حياته، ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء
من ستة وأربعين جزءًا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثًا وعشرين
سنة على الصحيح، فالستة الأشهر نصف سنة فهي جزء من ستة
وأربعين جزءًا من النبوة، وتعقبه الخطابي بأنه قاله على
سبيل
الظن إذ إنه لم يثبت في ذلك خبر ولا أثر، ولئن سلمنا أن
هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر
الأوقات التي كان يوحى إليه فيها منامًا في طول المدة كما
ثبت كالرؤيا في أحد ودخول مكة وحينئذ فيتلفق من ذلك مدة
أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها. وأجيب: بأن
المراد وحي المنام المتتابع كما وقع في غضون وحي اليقظة
فهو يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحي
اليقظة فلم يعتبر به اهـ.
وأما حصر العدد في السنّة والأربعين فقال المازري هو مما
أطلع الله عليه نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وقال ابن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا نبي أو
ملك وإنما القدر الذي أراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يبينه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في
الجملة لأن فيها إطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل
النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة. وقال المازري أيضًا: لا
يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله
حدًّا يقف عنده فيه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً، ومنه
ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل. وفي مسلم من
حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين، وله أيضًا عن ابن عمر
جزء من سبعين جزءًا، وللطبراني عنه جزء من ستة وسبعين
وسنده ضعيف، وعند ابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن
المختار عن ثابت عن أنس مرفوعًا: جزء من ستة وعشرين، وعند
الطبري في تهذيب الآثار عن ابن عباس جزء من خمسين،
وللترمذي من طريق أبي رزين العقيلي جزء من أربعين، وللطبري
من حديث عبادة جزء من أربعة وأربعين والمشهور ستة وأربعين.
قال في الفتح ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد أنه بحسب
الوقت الذي حدث فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه
حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك
وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنتين
وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث
بستة وأربعين في آخر حياته، وأما ما عدا ذلك من الروايات
بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين تحتمل أن تكون لجبر
الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت اهـ.
وقلما يصيب مؤوّل في حصر هذه الأجزاء، ولئن وقع له الإصابة
في بعضها لما تشهد له الأحاديث المستخرج منها لم يسلم له
ذلك في بقيتها والتقييد بالصالح جرى على الغالب فقد يرى
الصالح الأضعاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منه بخلاف
العكس وحينئذ فالناس على ثلاثة أقسام: الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم ورؤياهم كلها صدق وقد يكون فيها ما يحتاج إلى
تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها
ما لا يحتاج إلى تعبير ومن عداهم يكون في رؤياهم الصدق،
والأضعاث وهم على ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في
حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق
وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدًّا قاله المهلب فيما ذكره
في الفتح.
فإن قلت: لم عبّر بلفظ النبوة دون لفظ الرسالة؟ أجيب: بأن
السر فيه أن الرسالة تزيد على النبوة بالتبليغ بخلاف
النبوة المجردة فإنها إطلاع على بعض المغيبات وكذلك
الرؤيا.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة في التعبير.
3 - باب الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الرؤيا من الله) تعالى، وسقط
لفظ باب لغير أبي ذر.
6984 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ
الشَّيْطَانِ».
وبه قال:
(10/124)
(حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله
بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بن معاوية أبو
خيثمة الكوفي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (يحيي
هو ابن سعيد) ولأبي ذر وهو ابن سعيد أي الأنصاري (قال:
سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت أبا
قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الرؤيا) يراها الشخص في النوم مما يسره (من الله) ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي الصادقة وله عن الكشميهني الصالحة
(والحلم من الشيطان) بضم الحاء المهملة وسكون اللام. وقال
السفاقسي بضمهما وهو ما يراه النائم من الأمر الفظيع
المهول. قال ابن نفيس في شامله: قد تحدث الأحلام لأمر في
المأكول وذلك بأن يكون كثير التبخير أو التدخين فإذا تصعد
ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو من شأنه
أن يكون متفتحًا حال النوم حرّك ذلك البخاري أو الدخان
أرواح الدماغ وغيرها عن أوضاعها فيعرض عن ذلك أن تختلط
الصور التي في مقدم الدماغ بعضها ببعض وينفصل بعضها من بعض
فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس
والقوة التي تدرك تلك الصور حينئذ ويلزم ذلك أن يحكم على
تلك الصور بمعان تناسبها، فتكون تلك المعاني لا محالة
مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام حينئذ مشوشة
فاسدة، وقد تحدث الأحلام لأمر مهمّ يتفكّر فيه في اليقظة
فيستمر عمل القوة المفكرة في ذلك فيكون أكثر ما يرى
متعلقًا به، وهذا مثل الصنائع والفكر في العلوم وكثيرًا ما
يكون الفكر صحيحًا لأن القوة تكون حينئذٍ قد قويت بما عرض
لها من الراحة، ولأجل توفر الأرواح حينئذ على القوى
الباطنة، فلذلك كثيرًا ما ينحل حينئذ مسائل مشكلة وشبه
معطلة وكثيرًا ما تستنتج الفكرة حينئذ مسائل لم تخطر
أوّلاً بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة
وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير، وأكثر
من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع
الصور والمعاني الكاذبة، ولذلك الشعراء يندر جدًّا صدق
أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل لما ليس واقعًا وأكثر
فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اهـ.
وإضافة الحلم إلى الشيطان لكونه على هواه ومراده أو لأنه
الذي يخيل فيه ولا حقيقة له في نفس الأمر أو لأنه يحضره لا
أنه يفعله إذ كل مخلوق لله تعالى، وأما إضافة الرؤيا وهي
اسم للمرئيّ المحبوب إلى الله تعالى فإضافة تشريف وظاهره
إن المضافة إلى الله لا لها يقال حلم والمضافة إلى الشيطان
لا يقال لها رؤيا وهو تصرف شرعي وإلاّ فالكل يسمى رؤيا.
وفي حديث آخر الرؤيا ثلاث فأطلق على كل رؤيا.
حديث الباب سبق في الطب وأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود
والنسائي وابن ماجة.
6985 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ
رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ اللَّهِ
فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا
وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا
هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا
وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد)
بغير تحتية بعد المهملة وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن
عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي (عن عبد الله بن خباب)
بخاء معجمة مفتوحة وموحدتين الاللى مشددة بينهما ألف
الأنصاري.
(عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (إنه
سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إذا رأى أحدكم) في منامه (رؤيا يحبها فإنما هي من الله
فليحمد الله عليها وليحدث بها) وفي مسلم حديث فإن رأى رؤيا
حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب، وفي الترمذي من حديث أبي
رزين ولا يقصها إلا على وادّ، وفي أخرى ولا يحدث بها إلا
لبيبًا أو حبيبًا، وفي أخرى لا تقص الرؤيا إلاّ على عالم
أو ناصح. قيل: لأن العالم يؤوّلها على الخير مهما أمكنه،
والناصح يرشد إلى ما ينفع، واللبيب العارف بتأويلها،
والحبيب إن عرف خيرًا قاله وإن جهل أو شك سكت، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: وليتحدث بزيادة فوقية بعد التحتية وفتح
الدال المهملة
(10/125)
(وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من
الشيطان) لأنه الذي يخيل فيها أو أنها تناسب صفته من الكذب
والتهويل وغير ذلك بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت إلى الله
إضافة تشريف وإن كان الجميع بخلق الله وتقديره كما أن
الجميع عباد الله وإن كانوا عصاة قال تعالى: {إن عبادي ليس
لك عليهم سلطان} [الحجر: 42] و {عبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم} [الزمر: 53] (فليستعذ) بالله عز وجل (من شرها) أي
من شر الرؤيا (ولا يذكرها لأحد) وفي مستخرج أبي نعيم حديث
وإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث ثلاث مرات ويتعوذ بالله
من شرها. وفي باب الحلم من الشيطان عند المؤلّف فليبصق عن
يساره، ولمسلم عن يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات وعند
المؤلّف في
باب إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان
وليتفل ثلاثًا ولا يحدث بها أحدًا (فإنها لا تضره).
ومحصله أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة حمد الله عليها وأن
يستبشر بها، وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وإن
آداب الحلم أربعة التعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان،
وأن يتفل حين يستيقظ من نومه ولا يذكرها لأحد أصلاً. وفي
حديث أبي هريرة عند المؤلّف في باب القيد في المنام وليقم
فليصل لكن لم يصرح البخاري بوصله وصرح به مسلم، وعند مسلم
وليتحول عن جنبه الذي كان عليه والحكمة في التفل كما قال
بعضهم طرد الشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة أو إشارة إلى
استقذاره. والصلاة جامعة لما ذكر على ما لا يخفى، وعند
سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن
إبراهيم النخعي قال: إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل
إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسوله من شر
رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني ودنياي، وفي
النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان
خالد بن الوليد يفزع في منامه فقال: يا رسول الله إني أروع
في المنام فقال: "إذا اضطجعت فقل بسم الله أعوذ بكلمات
الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين
وأن يحضرون".
وحديث الباب أخرجه الترمذي والنسائي في الرؤيا واليوم
والليلة.
4 - باب الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ
وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الرؤيا الصالحة جزء من ستة
وأربعين جزءًا من النبوة).
6986 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
خَيْرًا لَقِيتُهُ بِالْيَمَامَةِ عَنْ أَبِيهِ،
حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ
الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ
وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ».
وَعَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى
قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدثنا عبد الله
بن يحيى بن أبي كثير) اليماني (وأثنى عليه) مسدد (خيرًا)
حال تحديثه (وقال لقيته باليمامة) بالتخفيف بين مكة
والمدينة (عن أبيه) يحيى أنه قال: (حدّثنا أبو سلمة) بن
عبد الرحمن بن عوف (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم) بفتح
الحاء المهملة واللام بوزن ضرب (فليتعوذ) بالله (منه) من
الشيطان (وليبصق) طردًا للشيطان وتحقيرًا واستقذارًا له
(عن شماله) لأنه محل الأقذار والمكروهات (فإنها) أي الرؤيا
المكروهة (لا تضره) لأن الله تعالى جعل ما ذكر من
التعوذ وغيره سببًا للسلامة من المكروه المترتب على الرؤيا
كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببًا لدفع البلاء قاله
النووي -رحمه الله تعالى-، وقد ورد النفث والتفل والبصق
فقيل: النفث والتفل بمعنى ولا يكونان إلا بريق، وقال أبو
عبيد يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث، وقيل
عكسه، وقيل الذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ
معه ريق فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى الريق
قيل له بصاق.
(و) بالسند السابق (عن أبيه) أي عن أبي عبد الله وهو يحيى
بن أبي كثير واسم أبي كثير صالح بن المتوكل (قال: حدّثنا
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). أي مثل
الحديث السابق. واعتراض الزركشي في تنقيحه على البخاري حيث
قال وإدخاله حديث أبي قتادة في باب الرؤيا الصالحة جزء من
ستة وأربعين جزءًا من النبوة لا وجه له أخذه من قول
الإسماعيلي ليس هذا الحديث من هذا الباب
(10/126)
في شيء وأجاب عنه في المصابيح بأن له وجهًا
ظاهرًا وهو التنبيه على أن هذا الكلام وإن كان عامًا فهو
مخصوص بالرؤيا الصالحة كما دلت عليه أحاديث الباب قال:
وإذا كان مخصوصًا بالرؤيا الصالحة اتجه إدخاله في بابها
اتجاهًا ظاهرًا اهـ. وهو مثل قول الحافظ ابن حجر وجه دخوله
في هذه الترجمة إشارة إلى أن الرؤيا الصالحة إنما كانت
جزءًا من أجزاء النبوة لكونها من الله تعالى بخلاف التي من
الشيطان فإنها ليست من أجزاء النبوة.
6987 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ
وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة
المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن
أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن عبادة بن الصامت) -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(رؤيا المؤمن من جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) قد
سبق ما في ذلك قريبًا. قال الغزالي لا تظن أن تقدير النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجري على لسانه كيفما
اتفق بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق فقوله رؤيا المؤمن جزء من
ستة وأربعين جزءًا من النبوة تقدير تحقق لكن ليس في قوة
غيره أن يعرف علة تلك النسبة إلا بتخمين لأن النبوّة عبارة
عما يختص به النبي ويفارق به غيره وهو مختص بأنواع من
الخواص كل واحد منها يمكن انقاسمه إلى أقسام بحيث يمكننا
أن نقسمها إلى ستة وأربعين جزءًا بحيث تقع الرؤيا الصحيحة
جزءًا من جملتها، لكنه لا يرجع إلا إلى الظن والتخمين لا
إنه الذي أراده النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حقيقة.
تنبيه:
قال في فتح الباري: خالف قتادة غيره فلم يذكروا عبادة بن
الصامت في السند.
والحديث أخرجه مسلم في التعبير والترمذي والنسائي في
الرؤيا.
6988 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى
الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ
مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ».
رَوَاهُ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَشُعَيْبٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 6988 - طرفه في:
7017].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي القرشي
المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني
نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح (عن الزهري) محمد بن
مسلم (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) هو نظير
قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "السمت الحسن
والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة"
أي من أخلاق أهل النبوة، وأما الحصر في السنّة والأربعين
فالأولى أن يجتنب القول فيه ويتلقى بالتسليم لعجزنا عن
حقيقة معرفته على ما هو عليه (رواه) أي الحديث السابق
ولأبي ذر ورواه (ثابت) البناني فيما وصله المؤلّف عن معلى
بن أسد في باب من رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (وحميد) الطويل فيما وصله الإمام أحمد عن محمد
بن أبي عدي عنه (وإسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة فيما سبق
قريبًا (وشعيب) هو ابن الحبحاب فيما وصله ابن منده أربعتهم
(عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بغير واسطة لم يقل عن أنس عن
عبادة بن الصامت كما في السابق.
6989 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى
ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا
مِنَ النُّبُوَّةِ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن
حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق القرشي قال:
(حدّثني ابن أبي حازم) بالمهملة والزاي أيضًا بينهما ألف
عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (والدراوردي) عبد
العزيز بن محمد بن عبيد وهو نسبة إلى دراورد قرية من قرى
خراسان (عن يزيد بن عبد الله بن خباب) بالخاء المعجمة
والموحدتين المشددة أولاهما بينهما ألف المعروف بابن الهاد
(عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (أنه سمع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الرؤيا الصالحة) وفي رواية الصادقة وهي المطابقة للواقع
(جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) وقوله الصالحة تقييد
لما أطلق في الروايتين السابقتين وكذا وقع التقييد في باب
رؤيا الصالحين بالرجل الصالح فرؤيا الصالح هي التي تنسب
إلى أجزاء النبوة ومعنى صلاحها انتظامها واستقامتها فرؤيا
الفاسق لا تعدّ من أجزاء النبوة، وأما رؤيا الكافر فلا
تعدّ أصلاً، ولو صدقت رؤيهم أحيانًا فذاك كما يصدق الكذوب
(10/127)
وليس كل من حدّث عن غيب يكون خبره من أجزاء
النبوة كالكاهن والمنجم، وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض
الكفار كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام ورؤيا
ملكهما.
5 - باب الْمُبَشِّرَاتِ
(باب المبشرات) بكسر المعجمة المشددة جمع مبشرة، وقول
الحافظ ابن حجر وهي البشرى تعقبه صاحب عمدة القاري فقال:
ليس كذلك لأن البشرى اسم بمعنى البشارة والمبشرة اسم فاعل
للمؤنث من التبشير وهي إدخال السرور والفرح على المبشر
بفتح المعجمة وعند الإمام أحمد من حديث أبي الدرداء عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله: {لهم
البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [يونس: 64] قال:
الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، وعنده أيضًا من
حديث عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله
تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقال:
لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك
قال: تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو ترى له، وكذا
رواه أبو داود الطيالسي عن عمران القطان عن يحيى بن أبي
كثير به، وعنده أيضًا من حديث ابن عمر عن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: {لهم البشرى
في الحياة الدنيا} قال: الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن وهي
من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة فمن رأى تلك فليخبر بها
ومن رأى سوءًا فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره
ثلاثًا وليسكت ولا يخبر بها. وعند ابن جرير من حديث أبي
هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لهم
البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال: هي في الدنيا
الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة بالجنة،
وعنده أيضًا عن أبي هريرة موقوفًا: الرؤيا الحسنة هي
البشرى يراها المسلم أو ترى له.
6990 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلاَّ
الْمُبَشِّرَاتُ» قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ:
«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(حدّثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي
الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(لم يبق من النبوة) بلفظ الماضي والمراد الاستقبال، وفي
حديث عائشة عند أحمد لم يبق بعدي (إلاّ المبشرات) قال في
المصابيح: وحينئذ فيكون المقام مقتضيًّا للنفي بغير لم مما
يدل على النفي في المستقبل كما ورد لمن يبقى من بعدي من
النبوة إلا المبشرات يعني: أن الوحي منقطع بموته فلا يبقى
بعده ما يعلم به ما سيكون غير الرؤيا الصالحة اهـ.
وقيل: هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام في
النبوة للعهد، والمراد نبوّته أي لم يبق بعد النبوة
المختصة بي إلا المبشرات، وفي حديث ابن عباس عند مسلم قال
ذلك في مرض موته، وفي حديث أنس عند أبي يعلى مرفوعًا: إن
الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن
بقيت المبشرات (قالوا) يا رسول الله (وما المبشرات؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الرؤيا الصالحة) أي
يراها الشخص أو ترى له والتعبير بالمبشرات خرج مخرج
الغالب، وإلا فمن الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها
الله تعالى لعبده المؤمن لطفًا به فيستعد لما يقع قبل
وقوعه.
والحديث من أفراده.
6 - باب رُؤْيَا يُوسُفَ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ: يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا
أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ *
قَالَ: يَا بُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى
إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ
لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ
رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ
كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
[يوسف الآيات: 4 - 6] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَبَتِ
هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاىَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا
رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ
السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ
نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ
رَبِّى لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ
وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّى فِى الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى
بِالصَّالِحِينَ} [يوسف الآيتان: 100 - 101] قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللهِ: فَاطِرٌ وَالْبَدِيعُ وَالْمُبْتَدِعُ
وَالْبَارِئُ وَالْخَالِقُ وَاحِدٌ مِنَ الْبَدْءِ
بَادِئَةٍ.
(باب رؤيا يوسف) وللنسفي يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم خليل الرحمن (وقوله تعالى: {إذ قال يوسف}) بدل
اشتمال من أحسن القصص أن جعل مفعولاً أو منصوبًا بإضمار
اذكر ويوسف عبري ولو كان عربيًّا لصرف الخلوه عن سبب آخر
سوى التعريف ({لأبيه}) يعقوب ({يا أبت إني رأيت}) من
الرؤيا لا من الرؤية لأن ما ذكره معلوم أنه منام ({أحد عشر
كوكبًا}) روى ابن جرير عن جابر قال: أتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من اليهود يقال له بستانة
اليهودي فقال له: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها
يوسف ساجدة له ما اسمها؟ قال: فسكت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يجبه بشيء
فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها. قال: فبعث رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه فقال: نعم
حرثان والطارق والذيال وذو الكتفين وذو القابس ووثاب
وعمودان والفليق والمصبح والضروج وذو الفرغ. فقال اليهودي:
أي والله إنها لأسماؤها. ورواه
(10/128)
البيهقي في الدلائل وأبو يعلى الموصلي
والبزار في مسنديهما ({والشمس والقمر}) هما أبواه أو أبوه
وخالته والكواكب إخوته. قيل: الواو بمعنى مع أي رأيت
الكواكب مع الشمس والقمر وأجريت مجرى العقلاء في رأيتهم لي
ساجدين لأنه وصفها بما هو المختص بالعقلاء وهو السجود
وكررت الرؤية لأن الأولى تتعلق بالذات والثانية بالحال أو
الثانية كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابًا له كأن
أباه قال له: كيف رأيتها؟ فقال ({رأيتهم لي ساجدين})
متواضعين وكان سنه اثنتي عشرة سنة يومئذ ({قال يا بني})
صغره للشفقة أو لصغر سنه ({لا تقصص رؤياك على إخوتك
فيكيدوا لك كيدًا}) جواب النهي أي إن قصصتها عليهم كادوك
فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه إن الله يصطفيه لرسالته
وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد إخوته وبغيهم ({إن
الشيطان للإنسان عدو مبين}) ظاهر العداوة فيحملهم على
الحسد والكيد ({وكذلك}) أي وكما اجتباك بمثل هذه الرؤيا
الدالة على شرفك وعزك ({يجتبيك ربك}) يصطفيك للنبوّة
والملك ({ويعلمك}) كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه
كأنه قيل وهو يعلمك ({من تأويل الأحاديث}) من تعبير الرؤيا
({ويتم نعمته عليك}) بإرسالك والإيحاء إليك ({وعلى آل
يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل}) أراد الجدّ وأبا الجدّ
({إبراهيم وإسحاق}) عطف بيان لأبويك ({إن ربك عليم}) يعلم
من يستحق الاجتباء ({حكيم}) [يوسف: 4 - 6] يضع الأشياء في
مواضعها، وسقط لأبي ذر من قوله: {إن الشيطان} إلخ وقال
بعد: {ساجدين} إلى قوله: {عليم حكيم}.
(وقوله تعالى: {يا أبت هذا}) أي سجودهم ({تأويل رؤياي من
قبل}) التي كان قصها على أبيه: إني رأيت أحد عشر كوكبًا
كان هذا سائغًا في شرائعهم إذا سلموا على كبير سجدوا له
ولم يزل هذا جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام
فحرّم هذا في هذه الملة المحمدية ({قد جعلها}) أي الرؤيا
({ربي حقًّا}) صادقة وأخرج الحاكم والطبري والبيهقي في
شعبه بسند صحيح عن سلمان الفارسي قال: كان بين رؤيا يوسف
وعبارتها أربعون عامًّا، وذكر البيهقي له شاهدًا عن عبد
الله بن شداد وزاد وإليها ينتهي أمد الرؤيا، وعند الطبري
عن الحسن البصري قال: كانت مدة المفارقة بين يعقوب ويوسف
ثمانين سنة، وفي لفظ ثلاثًا وثمانين سنة ({وقد أحسن بي إذ
أخرجني من السجن}) ولم يقل من الجب لقوله: تثريب عليكم
اليوم ({وجاء بكم من البدو}) من البادية لأنهم كانوا أصحاب
مواش ينتقلون في المياه والمناقع ({من بعد أن نزغ الشيطان
بيني وبين إخوتي) أفسد بيننا وأغوى ({إن ربي لطيف لما يشاء
إنه هو العليم}) بمصالح عباده ({الحكيم}) في أفعاله
وأقواله وقضائه وقدره وما يختاره ويريده ({رب قد آتيتني من
الملك}) ملك مصر ({وعلمتني من تأويل الأحاديث}) تعبير
الرؤيا ({فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة
توفني مسلمًا}) طلب ذلك لقول يعقوب لولده ولا تموتن إلا
وأنتم
مسلمون وإنما دعا به ليقتد به قومه من بعده ({وألحقني
بالصالحين}) [يوسف: 100 - 101] من آبائي أو على العموم.
(قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله- وثبت قوله قال أبو
عبد الله لأبي ذر: (فاطر والبديع والمبتدع) بفوقية بعد
الموحدة ولأبي ذر المبدع بإسقاط الفوقية (والبارئ) بالراء
والهمزة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والبادئ بالدال
المهملة بدل الراء (والخالق) السبعة معناها (واحد) ومراده
تفسير الفاطر من قوله: {فاطر السماوات والأرض} [الأنعام:
14 وغيرها] ومراده أن الأسماء المذكورة ترجع إلى معنى واحد
وهو إيجاد الشيء بعد أن لم يكن وقوله: (من البدء) بفتح
الموحدة وسكون المهملة بعدها همزة كذا في الفرع كأصله، وفي
بعض النسخ بغير همزة وهو أوجه لأنه يريد تفسير قوله: {وجاء
بكم من البدو} [يوسف: 100] (بادئة) بالهمزة أيضًا في الفرع
وفي غيره بتركه لم وجاء بكم من البادية أو مراده إن فاطر
معناه البادئ من البدء أي الابتداء أي بادئ الخلق بمعنى
فاطره وسقط من قوله قال أبو عبد الله إلخ للنسفي.
7 - باب رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ
قَالَ: يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى
أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ: يَا أَبَتِ
افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ}
[الصافات الآيات: 102 - 105] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَسْلَمَا
سَلَّمَا مَا أُمِرَا بِهِ وَتَلَّهُ وَضَعَ وَجْهَهُ
بِالأَرْضِ.
(باب) بيان (رؤيا إبراهيم) الخليل (عليه الصلاة والسلام)
وسقط لغير أبي ذر لفظ باب.
(10/129)
(وقوله تعالى) رفع وسقطت الواو في الفرع
وثبتت في أصله: ({فلما بلغ معه السعي}) بلغ أن يسعى مع
أبيه في أشغاله وحوائجه ومعه لا تتعلق ببلغ لاقتضائه
بلوغهما معًا حد السعي ولا بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدم
عليه فبقي أن يكون بيانًا كأنه قال لما قال فلما بلغ معه
السعي أبي الحدّ الذي يقدر فيه على السعي قيل مع من قال مع
أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة، والمعنى في اختصاص
الأب أنه أرفق الناس به وأعطفهم عليه وغيره ربما عنف به في
الاستسعاء فلا يحتمله لأنه لم يستحكم قوته ({قال يا بني
إني أرى}) أي إني رأيت ({في المنام أني أذبحك}) ورؤيا
الأنبياء في المنام وحي رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس
مرفوعًا أي كالوحي في اليقظة فلهذا قال: إني أرى في المنام
أني أذبحك ({فانظر ماذا ترى}) من الرأي على وجه المشاورة
لا من رؤية العين وإنما شاوره ليأنس للذبح وينقاد للأمر به
({قال يا أبت افعل ما تؤمر}) به ({ستجدني إن شاء الله من
الصابرين}) على الذبح أو على قضاء الله به ({فلما أسلما})
خضعا وانقادا لأمر الله سبحانه وتعالى أو أسلما الذبيح
نفسه وإبراهيم ابنه ({وتله للجبين}) صرعه عليه ليذبحه من
قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه ووضع السكين
على قفاه فانقلب
السكين ولم يعمل شيئًا بمانع من القدرة الإلهية ({وناديناه
أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا}) أي حققت ما أمرناك به في
المنام من تسليم الولد للذبح وجواب لما محذوف تقديره كان
ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما
وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء
العظيم بعد حلوله ({إنا كذلك}) أي كما جزيناك ({نجزي
المحسنين}) [الصافات: 102 - 105] لأنفسهم بامتثال الأمر
بإفراج الشدة عنهم.
(قال مجاهد): فيما وصله الفريابي في تفسيره في قوله تعالى:
({فلما أسلما) أي (سلما ما أمرا به) سلم الابن نفسه للذبح
والأب ابنه ({وتله}) أي (وضع وجهه بالأرض) لأنه قال له: يا
أبت لا تذبحني وأنت تنظر في وجهي لئلا ترحمني، ولم يذكر
البخاري -رحمه الله- هنا حديثًا كالترجمة التي قبل بل
اكتفى فيهما بما أورده من الآيات القرآنية ولعله لم يتفق
له حديث فيهما على شرطه.
8 - باب التَّوَاطُؤُ عَلَى الرُّؤْيَا
(باب التواطؤ) أي توافق جماعة (على الرؤيا) الواحدة وإن
اختلفت عباراتهم.
6991 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى
الله عنه - أَنَّ أُنَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى
السَّبْعِ الأَوَاخِرِ وَأَنَّ أُنَاسًا أُرُوا أَنَّهَا
فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْتَمِسُوهَا فِى
السَّبْعِ الأَوَاخِرِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده وأبوه عبد الله
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين
ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن
سالم بن عبد الله عن ابن عمر) والد سالم (-رضي الله عنه-)
وعن أبيه (إن أناسًا) بضم الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني أن
ناسًا بإسقاط الهمزة (أروا) في المنام (ليلة القدر) بضم
الهمزة وأصله أريوا فاستثقلت الضمة على الياء وقبلها كسرة
فحذفت الضمة وتبعتها الياء ثم ضمت الراء لأجل الواو وهو
مبني لما لم يسم فاعله ومفعوله النائب عن الفاعل الضمير
وهو الواو والرؤيا هنا اختلف فيها فقال ابن هشام مصدر رأى
الحلمية عند ابن مالك والحريري قال وعندي لا تختص بها
لقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة
للناس} [الإسراء: 60] قال ابن عباس: هي رؤيا عين فدلّ على
أنه مصدر الحلمية والبصرية وقد ألحقوا رأى الحلمية برأى
العلمية في التعدي لاثنين اهـ.
وقد جعلها أبو البقاء وجماعة بصرية فعلى هذا تتعدى لمفعول
واحد وتنقل بالهمزة إلى الثاني فيكون الثاني هنا ليلة
القدر وقد انتقل عن أصله من الظرفية إلى المفعولية لأنهم
لم يروا فيها إنما رأوا نفسها يعني ألقاها الله تعالى في
قلوبهم (في) ليالي (السبع الأواخر) من شهر رمضان جمع آخرة
(وإن أناسًا) آخرين (أروها في العشر الأواخر) منه (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(التمسوها) اطلبوا ليلة القدر (في) ليالي (السبع الأواخر)
صفة للسبع كالسابق والسبع داخلة في العشر فلما رأى قوم
أنها في العشر وآخرون أنها في السبع كانوا كأنهم توافقوا
على السبع، فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالتماسها في السبع لتوافق الفريقين عليها،
فجرى البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى فلم
يذكر
(10/130)
قوله أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع
الأواخر السابق في أواخر الصيام.
9 - باب رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالْفَسَادِ
وَالشِّرْكِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ
فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ
خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ
رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا
بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ
لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ
نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا
ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى إِنِّى تَرَكْتُ
مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ
بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ
آبَائِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ
لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَىْءٍ ذَلِكَ مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَىِ
السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} [يوسف الآيات: 36 -
39] وَقَالَ الْفُضَيْلُ لِبَعْضِ الأَتْبَاعِ: يَا عَبْدَ
اللَّهِ {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ
الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ
إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ
إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ
إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ
أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا
الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ
قُضِىَ الأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ
لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِى عِنْدَ
رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ
فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ * وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى
أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ
يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَاىَ إِنْ
كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ
أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ
بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا
وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ
بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا
الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ
يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ
وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ
سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِى
سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ
يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا
قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ *
ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ
النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ * وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ} [يوسف
الآيات: 39 - 50] وَادَّكَرَ: افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ.
أُمَّةٍ قَرْنٍ وَيُقْرَأُ أَمَهٍ نِسْيَانٍ، وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْصِرُونَ الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ.
تَحْصِنُونَ: تَحْرُسُونَ.
(باب رؤيا أهل السجون) جمع سجن بالكسر وهو الحبس (و) رؤيا
أهل (الفساد و) أهل (الشرك) ولأبي ذر مما ذكره في الفتح
والشراب بضم المعجمة وتشديد الراء جمع شارب بدل قوله
والشرك، والمراد شربة المحرم وعطفه على أهل الفساد من عطف
الخاص على العام (لقوله تعالى: {ودخل معه}) أي مع يوسف
عليه السلام ({السجن فتيان}) عبدان للملك الوليد بن ريان
ملك مصر الأكبر أحدهما خبازه والآخر شرابيه للاتهام بأنهما
يريدان أن يسماه ({قال أحدهما}) هو الشرابي واسمه نبؤ وقيل
هو لبيس ({إني أراني}) في المنام ({أعصر خمرًا}) عنبًا
تسمية له بما يؤول إليه وقرأها ابن مسعود: إني أراني أعصر
عنبًا ({وقال الآخر}) وهو الخباز مخلث بالخاء المعجمة وبعد
اللام مثلثة وقيل راشان ({إني أراني}) في المنام ({أحمل
فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه}) تنهش منه ({نبئنا})
أخبرنا ({بتأويله}) بتفسيره وتعبيره وما يؤول إليه ({إنا
نراك من المحسنين}) الذين يحسنون عبارة الرؤيا وتأويله أن
الأنبياء يخبرون عما سيكون والرؤيا تدل على ما سيكون ({قال
لا يأتيكما طعام ترزقانه}) في نومكما ({إلاّ نبأتكما
بتأويله}) في اليقظة ({قبل أن يأتيكما}) أو لا يأتيكما في
اليقظة طعام ترزقانه من منازلكما ترزقانه تطعمانه وتأكانه
إلا أخبرتكما بقدره ولونه والوقت الذي يصل إليكما قبل أن
يصل وأي طعام أكلتم ومتى أكلتم وهذا مثل معجزة عيسى حيث
قال: وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ({ذلكما})
التأويل والإخبار بالمغيبات ({مما علمني ربي}) بالإلهام
والوحي ولم أقله عن تكهن وتنجم ({إني تركت ملّة قوم لا
يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون}) يحتمل أن يكون
كلامًا مبتدأ وأن يكون تعليلاً لسابقه أي علمني ذلك لأني
تركت ملّة أولئك الكفار ({واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق
ويعقوب}) وهي الملة الحنيفية وذكر الآباء ليعلمهما أنه من
بيت النبوّة لتقوي رغبتهما في الاستماع إليه، والمراد
الترك ابتداء لا أنه كان فيه، ثم ترك يقول هجرت طريق الكفر
والشرك وسلكت طريق آبائي المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى واتّبع طريق
المرسلين، وأعرض عن الضالين فإنه يهدي قلبه ويعلمه ما لم
يكن يعلم ويجعله إمامًا يهتدي به في الخير وداعيًا إلى
سبيل الرشاد ({ما كان لنا}) ما صح لنا معاشر الأنبياء ({أن
نشرك بالله من شيء}) أي شيء كان صنمًا أو غيره ({ذلك}) أي
التوحيد ({من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس
لا يشكرون}) فضل الله تعالى فيشركون به ولا ينتهون ثم
دعاهما إلى الإسلام وأقبل عليهما وكان بين أيديهما أصنام
يعبدونها من دون الله فقال إلزامًا للحجة ({يا صاحبي
السجن}) يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه وأضافهما إليه على
الاتساع ({أأرباب متفرقون}) شتى متعددة متساوية.
(وقال الفضيل) بن عياض -رحمه الله- (لبعض الأتباع يا عبد
الله) ولأبي ذر وقال الفضيل عند توله: يا صاحبي السجن
({أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}) الذي ذل كل
شيء لعز جلاله وعظيم سلطانه ولا يغالب ولا يشارك في
الربوبية ({ما تعبدون}) خطاب لهما ولمن كان على دينهما من
أهل مصر ({من دونه}) تعالى (إلاَّ أسماء) لا حقيقة لها
({سميتموها أنتم وآباؤكم}) آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم
لا تعبدون إلا الأسماء لا مسمياتها ({ما أنزل الله بها})
بتسميتها ({من سلطان}) حجة ({إن الحكم}) في أمر العبادة
والدين ({إلا لله أمر}) على
لسان أنبيائه ({أن لا تعبدوا إلاّ إياه}) بيان لقوله إن
الحكم ({ذلك}) الذي أدعوكم إليه من التوحيد وإخلاص العمل
هو ({الدين القيم}) الحق المستقيم الذي أمر الله به وأنزل
به الحجة والبرهان ({ولكن أكثر الناس لا يعلمون}) فلذا كان
أكثرهم مشركين ثم عبر الرؤيا فقال ({يا صاحبي السجن أما
أحدكما}) يعني الشرابي ({فيسقي ربه}) سيده ({خمرًا}) كما
كان يسقيه قبل ({وأما الآخر}) يعني الخباز ({فيصلب فتأكل
الطير من رأسه}) فقالا كذبنا فقال
(10/131)
يوسف ({قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}) فهو
واقع لا محالة فإن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا
عبرت وقعت وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن أنس مرفوعًا
الرؤيا لأول عابر ({وقال للذي ظن أنه ناج منهما}) الظان
يوسف عليه السلام إن كان تأويله عن اجتهاد وإن كان عن وحي
فالظان الشرابي أو الظن بمعنى اليقين وما تقدم في قوله قضي
الأمر يقتضي اليقين ({اذكرني عند ربك}) اذكر قصتي عند سيدك
وهو الملك لعله يخلصني من هذه الورطة، وقال أبو حيان -رحمه
الله- إنما قال يوسف للساقي ذلك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه
بالله كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه ({فأنساه
الشيطان}) أي أنسى الشرابي ({ذكر ربه}) أن يذكر يوسف
للملك، وقيل فأنسى يوسف ذكر الله حتى ابتغى الفرج من غيره
واستعان بمخلوق وعند ابن جرير عن ابن عباس قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو لم يقل يعني
يوسف التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج
من عند غير الله، وهذا الحديث ضعيف جدًّا فإن في إسناد
سفيان بن وكيع وهو ضعيف وإبراهيم بن يزيد الجوري وهو أضعف
من سفيان فالصواب أن الضمير في قوله: ({فأنساه الشيطان})
عائد على الناجي كما قاله مجاهد وغير واحد ({فلبث}) يوسف
عليه السلام ({في السجن بضع سنين}) ما بين الثلاث إلى
التسع قال وهب: مكث يوسف سبعًا، وقال الضحاك عن ابن عباس
اثنتي عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة ({وقال الملك}) ملك
مصر الريان بن الوليد ({إني أرى}) في المنام ({سبع بقرات
سمان}) خرجن من نهر يابس ({يأكلهن سبع}) أي سبع بقرات
({عجاف}) مهازيل ({و}) أري ({سبع سنبلات خضر}) قد انعقد
حبها ({و}) سبعًا ({أخر يابسات}) قد أدركت فالتوت اليابسات
على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها فلم يجد في قومه من
يحسن عبارتها قيل كان ابتداء بلاء يوسف عليه السلام في
الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضًا الرؤيا فلما دنا فرجه رأى
الملك هذه الرؤيا التي هالته فجمع أعيان العلماء والحكماء
من قومه وقص عليهم رؤياه فقال ({يا أيها الملأ أفتوني في
رؤياي}) عبروها ({إن كنتم للرؤيا تعبرون}) إن كنتم عالمين
بعبارة الرؤيا واللام في للرؤيا للبيان ({قالوا أضعاث
أحلام}) أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها ({وما نحن بتأويل
الأحلام بعالمين}) يعنون بالأحلام المنامات الباطلة أي ليس
عندنا تأويل إنما التأويل للمنامات الصحيحة أو اعترفوا
بقصور علمهم وإنهم ليسوا في تأويل الأحلام بنحارير ({وقال
الذي نجا}) من القتل {منهما) وهو الشرابي ({وادّكر بعد
أمة}) للملك الذي جمعهم ({أنا أنبئكم}) أخبركم ({بتأويله})
بمن عنده علم تعبير هذا المنام ({فأرسلون}) فابعثون إليه
لأسأله عنها فأرسلوه إلى يوسف في السجن فأتاه
فقال ({يوسف أيها الصدّيق}) البالغ في الصدق ({أفتنا في})
رؤيا ({سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر
وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس}) إلى الملك ومن عنده
({لعلهم يعلمون}) تأويلها أو فضلك أو مكانك من العلم
فيطلبوك ويخلصوك من محنتك فذكر يوسف تعبيرها من غير تعنيف
لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به ومن غير شرط للخروج قبل
ذلك بل ({قال تزرعون سبع سنين دأبًا}) بسكون الهمزة وحفص
وحده بفتحها لغتان في مصدر دأب يدأب أي دام على الشيء
ولازمه وهو هنا نصب على المصدر بمعنى دائبين ({فما حصدتم
فذروه في سنبله}) إذ ذاك أبقى له ومانع له من أكل السوس
({إلاّ قليلاً مما تأكلون}) في تلك السنين فعبر البقرات
السمان بالسنين المخصبة والسنابل الخضر بالزرع ثم أمرهم
بما هو الصواب نصيحة لهم ({ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد
يأكلن ما قدمتم لهن}) هو من الإسناد المجازي جعل أكل أهلهن
مسندًا إليهن (إلا قليلاً مما تحصنون}) تحرزون ({ثم يأتي
من بعد ذلك}) أي من بعد أربع عشرة سنة ({عام فيه يغاث
الناس}) من الغيث أي يمطرون أو من الغوث وهو الفرج فهو في
الأول من الثلاثي وفي الثاني من الرباعي تقول غائنا الله
من الغيث وأغائنا من الغوث ({وفيه
(10/132)
يعصرون}) فتأول البقرات السمان والسنبلات
الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم
بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء
مباركًا كثير الخير غزير النعم وذلك من جهة الوحي فرجع
الساقي وأخبر الملك بتعبير رؤياه ({وقال الملك}) بعد أن
رجع إليه الساقي وأخبره بتعبير رؤياه ({ائتوني به فلما
جاءه الرسول}) ليخرجه من السجن امتنع من الخروج ليتحقق
الملك ورعيته براءته ونزاهته مما نسب إليه من جهة امرأة
العزيز وأن سجنه لم يكن عن أمر يقتضيه بل كان ظلمًا
وعدوانًا ({قال ارجع إلى ربك}) [يوسف: 36 - 50] أي سيدك
يريد الملك ({فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهم})
الآية، وسقط لأبي ذر من قوله: ({قال أحدهم}) إلى آخره وقال
بعد قوله: فتيان إلى قوله: ارجع إلى ربك.
({وادّكر}) بالدال المهملة (افتعل من ذكر) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي ذكرت بسكون الراء فأدغم التاء في الذال
فحولت دالاً مهملة ثقيلة.
(أمة) في (قرن) بالجر لأبي ذر ولغيره بالرفع وقيل حين وعن
سعيد بن جبير بعد سنتين (ويقرأ أمه) بفتح الهمزة والميم
وكسر الهاء منونة أي بعد (نسيان) ونسبت هذه القراءة لابن
عباس وهي شاذة.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (يعصرون) أي
(الأعناب والدهن تحصنون) أي (تحرسون).
6992 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا
عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله
عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ لَبِثْتُ فِى السِّجْنِ مَا
لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أَتَانِى الدَّاعِى لأَجَبْتُهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي قال:
(حدّثنا جويرية) بن أسماء وهو عم السابق (عن مالك) الإمام
(عن الزهري) محمد بن مسلم (أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد)
بضم العين مصغرًا سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن الأزهر
بن عوف (أخبراه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو لبثت في السجن ما لبث يوسف) أي مدة لبثه (ثم أتاني
الداعي) من الملك يدعوني إليه (لأجبته) مسرعًا. وفي هذا من
التنويه بشرف يوسف وعلو قدره وصبره ما لا يخفى صلوات الله
وسلامه عليه. وعند عبد الرزاق عن عكرمة قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لقد عجبت من يوسف
وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف
والسمان ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني،
ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه
الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون
له العذر".
وهذا حديث مرسل: فإن قلت: إن نبينا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما ذكر هذا الكلام على جهة المدح
ليوسف عليه السلام فما باله هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح
بها غيره؟ أجيب: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إنما أخذ لنفسه الشريفة وجهًا آخر من الرأي له وجه أيضًا
من الجودة أي: لو كنت أنا لبادرت الخروج ثم حاولت بيان
عذري بعد ذلك، وذلك أن هذه القصص والنوازل إنما هي معرضة
ليقتدي الناس بها إلى يوم القيامة فأراد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمل الناس على الأحزم من الأمور وذلك
أن المتعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من ذلك
السجن ربما ينتج له من ذلك البقاء في سجنه، وإن كان يوسف
عليه السلام أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا
يأمن من ذلك، فالحالة التي ذهب إليها نبينا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حالة حزم ومدح وما فعله يوسف
عليه السلام صبر عظيم، وقال بعضهم: خشي يوسف عليه السلام
أن يخرج من السجن فينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه
صفحًا فيراه الناس بتلك المنزلة ويقولون: هذا الذي راود
امرأة مولاه فأراد أن يبين براءته ويحقق منزلته من العفة.
والحديث سبق في التفسير وأحاديث الأنبياء. ومطابقة الترجمة
للآيات ظاهرة وكذا الحديث.
10 - باب مَنْ رَأَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى الْمَنَامِ
(باب من رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
المنام).
6993 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى أَبُو
سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَسَيَرَانِى فِى
الْيَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِى». قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا رَآهُ
فِى صُورَتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
(عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن
بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (من رآني في
المنام فسيراني
(10/133)
في اليقظة) بفتح القاف يوم القيامة رؤية
خاصة في القرب منه أو من رآني في المنام ولم يكن هاجر
يوفقه الله للهجرة إليّ والتشرّف بلقائي، ويكون الله تعالى
جعل رؤيته في المنام علمًا على رؤياه في اليقظة. قال في
المصابيح: وعلى القول الأوّل ففيه بشارة لرائيه بأنه يموت
على الإسلام وكفى بها بشارة وذلك لأنه لا يراه في القيامة
تلك الرؤية الخاصة باعتبار القرب منه إلا من تحققت منه
الوفاة على الإسلام حقق الله لنا ولأحبابنا وللمسلمين ذلك
بمنه وكرمه آمين (ولا يتمثل الشيطان بي) هو كالتتميم
للمعنى والتعليل للحكم أي لا يحصل له أي للشيطان مثال
صورتي ولا يتشبه بي، فكما منع الله الشيطان أن يتصوّر
بصورته الكريمة في اليقظة كذلك منعه في المنام لئلا يشتبه
الحق بالباطل.
(قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى- فيما وصله
إسماعيل بن إسحاق القاضي من طريق حماد بن زيد عن أيوب (قال
ابن سيرين) محمد لا تعتبر رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلا (إذا رآه) الرائي (في صورته). التي جاء
وصفه بها في حياته ومقتضاه أنه إذا رآه على خلافها كانت
رؤيا تأويل لا حقيقة، والصحيح أنها حقيقة سواء كان على
صفته المعروفة أو غيرها. قال ابن العريى رؤيته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصفته المعلومة إدراك على
الحقيقة ورؤيته على غيرها إدراك للمثال فإن الصواب أن
الأنبياء لا تغيرهم الأرض ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة
وإدراك الصفات إدراك المثال. قال: وشذ بعض الصالحين فزعم
أنها تقع بعيني الرأس حقيقة في اليقظة انتهى.
وقد ذكرت مباحث ذلك في كتابي المواهب اللدنية بالمنح
المحمدية. وقد نقل عن جماعة من الصوفية أنهم رأوه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام ثم رأوه بعد ذلك في
اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى
طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك وفيه بحث ذكرته في المواهب.
ومن فوائد رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تسكين تشوق الرائي لكونه صادقًا في محبته ليعمل على
مشاهدته، وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لأبي ذر.
6994 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ
الْبُنَانِىُّ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ
رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ لاَ يَتَخَيَّلُ بِى وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ
جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ
النُّبُوَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي بفتح المهملة وتشديد
الميم أبو الهيثم البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن
مختار) الدباغ البصري مولى حفصة بنت سيرين قال: (حدّثنا
ثابت البناني) بضم الموحدة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
من رآني في المنام فقد رآني). قال الكرماني فإن قلت: الشرط
والجزاء متحدان فما معناه؟ وأجاب: بأنه في معنى الإخبار
أي من رآني فأخبره بأن رؤيته حق ليست من أضغاث الأحلام،
وقال في شرح المشكاة أي من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها
لا شبهة ولا ارتياب فيما رأى (فإن الشيطان لا يتمثل بي)
فإن قيل: كيف يكون ذلك وهو في المدينة والرائي في المشرق
أو المغرب؟ أجيب: بأن الرؤية أمر يخلقه الله تعالى ولا
يشترط فيها عقلاً مواجهة ولا مقابلة ولا مقارنة ولا خروج
شعاع ولا غيره، ولذا جاز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس. فإن
قلت: كثيرًا يرى على خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في
حالة واحدة في مكانين والجسم الواحد لا يكون إلا في مكان
واحد أجيب: بأنه يعتبر في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته
عليه الصلاة والسلام مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية
فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة فلا
يكون المرئي مدفونًا في الأرض ولا ظاهرًا عليها، وإنما
يشترط كونه موجودًا ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان
هذا من صفاته المتخيلة لا المرئية (ورؤيا المؤمن جزء من
ستة وأربعين جزءًا من النبوة) لأنها من الله تعالى بخلاف
التي من الشيطان فإنها ليست من أجزاء النبوة، وفيه مباحث
سبقت قريبًا وسقطت الواو من قوله ورؤيا لأبي ذر.
6995 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ
قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ،
وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا
يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثًا
وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا لاَ
تَضُرُّهُ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَزَايَا بِى».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وهو جد يحيى
واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن
عبيد الله) بضم العين (ابن أبي جعفر) الأموي القرشي أنه
(قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف
(عن أبي قتادة) بن الحارث رضى الله عنه أنه (قال: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(10/134)
(الرؤيا الصالحة من الله والحلم من
الشيطان) وإضافة الرؤيا الصالحة إلى الله إضافة تشريف
وإضافة الحلم إلى الشيطان لأنها صفته من الكذب والتهويل
وإن كانا بخلق الله تعالى وتقديره (فمن رأى) في منامه
(شيئًا يكرهه فلينفث) بكسر الفاء بعدها مثلثة أي فلينفغ
نفخًا لطيفًا من غير ريق (عن شماله) طردًا للشيطان
وإظهارًا لاحتقاره (ثلاثًا) للتأكيد وخص الشمال لأنها محل
الأقذار (وليتعوّذ) بالله (من الشيطان فإنها لا تضرّه) لأن
الله تعالى جعل ذلك سببًا لسلامته (وإن الشيطان لا يتزايا
بي) بالزاي المعجمة لا يتصدى لأن يصير مرئيًّا بصورتي،
ولأبي ذر لا يتراءى بالراء المهملة.
والحديث سبق في الطب والتعبير.
6996 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَلِىٍّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى الزُّبَيْدِىُّ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ - رضى الله
عنه -: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ رَآنِى فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ»،
تَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ.
وبه قال: (حدّثنا خالد بن خليّ) بفتح الخاء المعجمة وكسر
اللام المخففة وتشديد التحتية أبو القاسم الحمصي قاضيها من
أفراد البخاري قال: (حدّثنا محمد بن حرب) أبو عبد الله
النيسابوري قال: (حدّثني) بالإفراد (الزبيدي) بضم الزاي
محمد بن الوليد بن عامر الشامي الحمصي (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن (قال
أبو قتادة) الحارث بن ربعي (-رضي الله عنه-) قال (قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من رآني) في منامه (فقد رأى الحق) أي فقد رآني رؤية الحق
لا الباطل (تابعه) أي تابع الزبيدي في روايته عن الزهري
(يونس) بن يزيد (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن
مسلم وصلها مسلم بن الحجاج في صحيحه من طريقهما وساقه على
لفظ رواية يونس وأحال برواية ابن أخي الزهري عليه.
6997 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِىِّ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ رَآنِى فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ،
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَكَوَّنُنِى».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد)
يزيد بن عبد الله بن أسامة (عن عبد الله بن خباب) بفتح
الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى (عن
أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (سمع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من رآني فقد رأى الحق) سواء رآه على صفته المعروفة أو
غيرها لكن يكون في الأولى مما لا يحتاج إلى تعبير والثانية
مما يحتاج إلى التعبير (فإن الشيطان لا يتكوّنني) أي لا
يتكوّن كوني فحذف المضاف ووصل المضاف إليه بالفعل بمعنى أن
الله تعالى وإن أمكنه من التصوّر في أي صورة أراد فإنه لم
يمكنه من التصور في صورة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
والحديث من أفراده.
11 - باب رُؤْيَا اللَّيْلِ
رَوَاهُ سَمُرَةُ.
(باب رؤيا) الشخص في (الليل) هل تساوي رؤياه بالنهار أو
يتفاوتان (رواه) أي حديث رؤيا الليل (سمرة) بن جندب
الصحابي المشهور الآتي حديثه في آخر كتاب التعبير إن شاء
الله تعالى.
6998 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ
الْعِجْلِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِىُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُعْطِيتُ
مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ،
وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ
بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، حَتَّى وُضِعَتْ فِى
يَدِى» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ
تَنْتَقِلُونَهَا.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف
بعدها مهملة فألف فميم (العجلي) قال: (حدّثنا محمد بن عبد
الرحمن الطفاوي) بضم الطاء المهملة وتخفيف الفاء وبعد
الألف واو مكسورة نسبة إلى بني طفاوة أو إلى الطفاوة موضع
قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن
أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أعطيت) بضم الهمزة (مفاتيح الكلم) بنصب مفاتيح مفعول ثان
لأعطيت. قال الكرماني وتبعه البرماوي أي لفظ قليل يفيد
معاني كثيرة، وهذا غاية البلاغة وشبه ذلك القليل بمفاتيح
الخزائن التي هي آلة للوصول إلي مخزونات متكاثرة وعند
الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وعبد الله بن ياسين كلاهما
عن أحمد بن المقدام أعطيت جوامع الكلم.
والحاصل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني، وقيل
المراد بجوامع الكلم القرآن ومن أمثلة جوامعه قوله تعالى:
{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}
[البقرة: 179] وقوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش
الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 52] ومن ذلك من
الأحاديث النبوية حديث عائشة كل عمل ليس عليه أمرنا فهو
ردّ وحديث كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل متفق عليهما
(ونصرت بالرعب) بضم النون والرعب بضم الراء وسكون العين
المهملة أي الفزع يقذف في قلوب أعدائي وزاد
(10/135)
في التيمم مسيرة شهر أي ينهزمون من عسكر
الإسلام بمجرد الصيت ويفرقون منهم (وبينما) بالميم (أنا
نائم البارحة) اسم لليلة الماضية وإن كان قبل الزوال (إذ
أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) خزائن كسرى وقيصر أو معادن
الأرض التي منها الذهب والفضة (حتى وضعت في يدي) حقيقة أو
مجازًا فيكون كناية عن وعد الله بما ذكر أنه يعطيه أمته
وكذا كان ففتح لأمته ممالك كثيرة قسموا أموالها واستباحوا
خزائن ملوكها.
(قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالسند السابق (فذهب رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي توفي (وأنتم
تنتقلونها) بالقاف المكسورة من انتقل من مكان إلى مكان هذه
رواية أبي ذر عن المستملي وله عن الحموي تنتثلونها
بالمثلثة بدل القاف تخرجونها كاستخراجهم لخزائن كسرى
ودفائن قيصر، وفي بعض الروايات تنتفلونها بالفاء بدل القاف
أي تغتنمونها.
والحديث من أفراده.
6999 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -
رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُرَانِى اللَّيْلَةَ عِنْدَ
الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا
أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ
كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ
رَجَّلَهَا تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ
أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ
فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ:
ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ
الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ،
فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
الإمام الأعظم (عن نافع عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي
الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(أراني الليلة عند الكعبة) بضم همزة أراني والليلة نصب على
الظرفية (فرأيت رجلاً آدم) بمد الهمزة أسمر (كأحسن ما أنت
راء من أدم الرجال) بضم الهمزة وسكون الدال المهملة من
سمرهم (له لمة) بكسر اللام وتشديد الميم شعر يجاوز شحمة
أذنه (كأحسن ما أنت راء من اللمم) بكسر اللام أيضًا (قد
رجلها) بفتح الراء والجيم المشدّدة واللام سرحها حال كونها
(تقطر ماء) من الماء الذي سرح به شعره حال كونه (متكئًا
على رجلين أو) قال (على عواتق رجلين) بالشك من الراوي
وأضيف عواتق وهو جمع للمثنى على حد فقد صغت قلوبكما لعدم
الالباس والعاتق ما بين المنكب والعنق (يطوف بالبيت)
الحرام (فسألت: من هذا؟ فقيل) ليس هو (المسيح ابن مريم)
عليه السلام (إذا) ولأبي ذر وإذا ولغير أبي ذر ثم إذا (أنا
برجل جعد) بفتح الجيم وسكون العين غير سبط أو قصير (قطط)
شديد جعودة الشعر (أعور العين اليمنى كأنها) أي عينه (عنبة
طافية) بالمثناة بالتحتية بارزة ومن همزها فمن طفئت كما
يطفأ السراج أي ذهب نورها (فسألت: من هذا؟ فقيل) لي هذا
(المسيح الدجال). فإن قلت: الدجال لا يدخل مكة والحديث أنه
كان عند الكعبة؟ أجيب: بأن المنع من دخوله مكة إنما هو عند
خروجه وإظهار شوكته.
والحديث مرّ في أحاديث الأنبياء وغيرها.
7000 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ
أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّى أُرِيتُ اللَّيْلَةَ
فِى الْمَنَامِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَتَابَعَهُ
سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ
وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ
الزُّبَيْدِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ
شُعَيْبٌ: وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِىِّ
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكَانَ مَعْمَرٌ لاَ
يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن
عبد الله) بن عتبة بن مسعود (إن ابن عباس) عبد الله -رضي
الله عنهما- قال (كان يحدث أن رجلاً) قال ابن حجر: لم أقف
على اسمه (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) زاد مسلم منصرفه من أحد وحينئذٍ فهو مرسل لأن
ابن عباس كان صغيرًا مع أبويه بمكة لأن مولده قبل الهجرة
بثلاث سنين على الصحيح وأحد كانت في شوّال في الثانية
(فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(إني أريت) بهمزة مضمومة ثم راء مكسورة وللأصيلي رأيت براء
ثم همزة مفتوحة (الليلة في المنام وساق الحديث) الآتي إن
شاء الله تعالى في باب من لم ير الرؤيا لأوّل عابر إذا لم
يصب بعد خمسة وثلاثين بابًا عن يحيى بن بكير بهذا السند
بتمامه ولفظه إن رجلاً أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال إني رأيت الليلة في المنام ظلة
تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر
والمستقل الحديث إلخ.
(وتابعه) أي تابع الزهري محمد بن مسلم في روايته عن عبيد
الله بن عبد الله (سليمان بن كثير) فيما وصله مسلم وسقطت
واو وتابع لابن عساكر (و) تابعه أيضًا (ابن أخي الزهري)
محمد بن عبد الله بن مسلم فيما وصله الذهلي في الزهريات
(وسفيان بن حسين) الواسطي فيما وصله الإمام أحمد (عن
الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بن عبد الله (عن ابن
عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال الزبيدي) بضم
(10/136)
الزاي محمد بن الوليد (عن الزهري) محمد بن
مسلم (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة (أن
ابن عباس أو أبا هريرة) -رضي الله عنهم- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالشك فقال ابن عباس أو أبا
هريرة ولابن عساكر ووصله مسلم وأبا هريرة يعني أن كليهما
رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غير
شك وسقط قوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لابن عساكر.
(وقال شعيب) أي ابن أبي حمزة الحمصي (وإسحاق بن يحيى)
الكلبي الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم (كان أبو هريرة
-رضي الله عنه- يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وهذا وصله الذهلي في الزهريات (وكان معمر) هر
ابن راشد (لا يسنده) أي الحديث المذكور (حتى كان بعد)
يسنده وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري كرواية يونس، لكن قال عن ابن عباس كان أبو
هريرة يحدث. قال إسحاق: قال عبد الرزاق كان معمر يحدثه
فيقول كان ابن عباس يعني ولا يذكر عبيد الله بن عبد الله
في السند حتى جاء زمعة بكتاب فيه عن الزهري عن ابن عباس
فكان لا يشك فيه بعد قال في الفتح والمحفوظ قول من قال عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
12 - باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ رُؤْيَا
النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ.
(باب) حكم (الرؤيا) الواقعة (بالنهار) ولأبي ذر مما ليس في
اليونينية باب رؤيا النهار.
(وقال ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وهو عبد
الله فيما وصله علي بن أبي
طالب القيرواني في كتاب التعبير له من طريق مسعدة بن اليسع
عن عبد الله بن عون (عن ابن سيرين) محمد (رؤيا النهار مثل
رؤيا الليل) وثبت قوله رؤيا الثانية في رواية أبي ذر عن
الحموي. وقال أهل التعبير: إن رؤيا النهار بالعكس لأن
الأرواح لا تجول أصلاً والشمس في أعلى الفلك وذلك أن
قوّتها تمنع من إظهار أمر الأرواح وتصرفها فيما تصرف فيه،
وقيل: إن رؤيا النهار أقوى من رؤيا الليل وأتم في الحال
لأن النور سابق لكل ظلمة والنور يسرح في الضياء ما لا يسرح
في سائر الظل والأرواح تتعارف في الضوء ما لا تتعارف في
غيره، وأما الوقت الذي تكون الرؤيا فيه أصح والذي تكون فيه
فاسدة فقالوا تكون صحيحة في أيام الربيع في نيسان وذلك وقت
دخول الشمس الحمل وهو ابتداء الزمان الذي خلق فيه آدم عليه
السلام والوقت الذي سلك فيه الروح وهو وقت تكون الرؤيا فيه
الأخذ باليد.
7001 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ
مِلْحَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ
تَفْلِى رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ
يَضْحَكُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري
(أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخل على أم حرام)
بالحاء والراء المهملتين المفتوحتين (بنت ملحان) بكسر
الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة وكانت خالته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاع (وكانت تحت عبادة
بن الصامت) أي زوجته (فدخل عليها) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يومًا فأطعمته وجعلت تفلي رأسه) بفتح
الفوقية وسكون الفاء وكسر اللام تفتش شعر رأسه لتستخرج
هوامه (فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) عندها (ثم استيقظ وهو) أي والحال أنه (يضحك)
فرحًا وسرورًا.
7002 - قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ
غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا
الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ -أَوْ مِثْلَ
الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ-» شَكَّ إِسْحَاقُ قَالَتْ:
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ وَضَعَ
رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: مَا
يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ
أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ»
كَمَا قَالَ فِى الأُولَى قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ قَالَ:
«أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ» فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِى
زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ
دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ.
(قالت) أم حرام (فقلت) له: (ما يضحكك يا رسول الله قال):
(ناس من أمتي عرضوا عليّ) بضم العين المهملة وكسر الراء
مخففة حال كونهم (غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر)
بمثلثة وموحدة مفتوحتين آخره جيم وسطه أو هوله (ملوكًا على
الأسرّة) قال ابن عبد البر: في الجنة، وقال النووي: أي
يركبون مراكب الملوك في الدنيا لسعة حالهم واستقامة أمرهم
ونصب ملوكًا بنزع الخافض (أو) قال (مثل الملوك على الأسرة
شك إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة (قالت) أم حرام (فقلت
يا رسول ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بذلك (ثم وضع رأسه)
فنام (ثم استيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال:
ناس) ولأبي ذر عن المستملي أناس (من أمتي عرضوا علي غزاة
في سبيل الله كما قال في الأولى) من العرض ولكن قال يركبون
في البر (قالت: فقلت
(10/137)
يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال:
أنت من الأوّلين) بكسر اللام الذين يركبون ثبج البحر
(فركبت البحر في زمان) غزو (معاوية بن أبي سفيان) -رضي
الله عنهما- في خلافة عثمان مع زوجها في أوّل غزوة كانت
إلى الروم (فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) في
الطريق لما رجعوا من غزوهم من غير مباشرة للقتال والحديث
سبق في الجهاد والاستئذان وأخرجه مسلم في الجهاد.
13 - باب رُؤْيَا النِّسَاءِ
(باب رؤيا النساء) قال عليّ بن أبي طالب القيرواني في كتاب
التعبير له لا فرق في حكم العبارة بين النساء والرجال وإذا
رأت المرأة ما ليست له أهلاً فهو لزوجها.
7003 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ
أُمَّ الْعَلاَءِ، امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، بَايَعَتْ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْمُهَاجِرِينَ
قُرْعَةً قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ
وَأَنْزَلْنَاهُ فِى أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ
الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّىَ غُسِّلَ
وَكُفِّنَ فِى أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ
عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ
أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ
اللَّهَ أَكْرَمَهُ» فَقُلْتُ: بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا
هُوَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ
إِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِى
وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِى؟» فَقَالَتْ:
وَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء قال:
(حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني)
بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد ولابن عساكر عن عقيل
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) أحد الفقهاء السبعة (أن)
أمه (أم العلاء) بنت الحارث بن ثابت بن حارثة بن ثعلبة
(امرأة من الأنصار بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته) أي أخبرت خارجة (أنهم
اقتسموا) أي اقتسم الأنصار (المهاجرين قرعة) أي بالقرعة في
نزولهم عليهم وسكناهم في منازلهم حين قدموا المدينة من مكة
مهاجرين (قالت) أم
العلاء (فطار لنا) وقع في سهمنا (عثمان بن مظعون) بفتح
الميم وسكون الظاء المعجمة بعدها مهملة فواو ساكنة فنون
الجمحي القرشي (وأنزلناه) بالواو (في أبياتنا) فأقام عندنا
مدة (فوجع) بكسر الجيم (وجعه) بفتحها أي مرض مرضه (الذي
توفي فيه فلما توفي) سنة ثلاث من الهجرة في شعبان (غسل)
وفي الجنائز وغسل بالواو (وكفن في أثوابه دخل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليه (قالت: فقلت
رحمة الله عليك) يا (أبا السائب) بالسين المهملة وهي كنية
ابن مظعون (فشهادتي عليك) أي لك مبتدأ وعليك صلته والجملة
الخبرية وهي قوله (لقد أكرمك الله) أي شهادتي عليك قولي
لقد أكرمك الله ومثل هذا التركيب عرفًا مستعمل ويراد به
معنى القسم كأنها قالت أقسم بالله لقد أكرمك الله (فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت (أن الله أكرمه
فقلت: بأبي أنت) مفدي أو أفديك به (يا رسول الله فمن يكرمه
الله) إذا لم يكن هو من المكرمين مع إيمانه وطاعته الخالصة
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما
هو) بتشديد الميم أي عثمان (فوالله لقد جاءه اليقين) وهو
الموت وقسيم أما هو قوله: (والله إني لأرجو له الخير،
والله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي) ولا بكم وهذا
قاله قبل نزول آية الفتح ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك
وما تأخر. وقال في الكواكب فإن قيل: معلوم أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مغفور له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر وله من المقامات المحمودة ما ليس لغيره. قلت: هو نفي
للدراية التفصيلية والمعلوم هو الإجمالي (فقالت) أم
العلاء: (والله لا أزكي بعده أحدًا أبدًا).
7004 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا وَقَالَ: «مَا
أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِهِ، قَالَتْ: وَأَحْزَنَنِى
فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِى،
فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ذَلِكَ عَمَلُهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي همزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (بهذا) أي
الحديث المذكور (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(ما أدري ما يفعل به) أي بابن مظعون (قالت) أم العلاء
(وأحزنني) ذلك (فنمت فرأيت لعثمان) بن مظعون (عينًا تجري
فأخبرت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بما رأيت (فقال: ذلك) بكسر الكاف خطاب لمؤنث ويجوز الفتح
ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني ذاك (عمله) بإسقاط لام
ذلك أي يجري له لأنه كان له بقية من عمله يجري له ثوابها
فقد كان له ولد صالح يدعو له شهد بدرًا وهو السائب، ويحتمل
أن يكون عثمان كان مرابطًا في سبيل الله فيكون ممن يجري له
عمله لحديث فضالة بن عبيد مرفوعًا: كل ميت يختم على عمله
إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم
القيامة.
14 - باب الْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ
فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ
وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الحلم من الشيطان) بضم الحاء
واللام وتسكن (فإذا حلم) بفتح الحاء واللام الشخص
(10/138)
وللحموي والمستملي وإذا حلم بالواو بدل
الفاء (فليبصق عن يساره) بالصاد المهملة (وليستعذ بالله عز
وجل).
7005 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى
سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِىَّ وَكَانَ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَفُرْسَانِهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا
مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا
حَلَمَ أَحَدُكُمُ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ
يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَلَنْ
يَضُرَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين
ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة)
بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا قتادة الأنصاري) -رضي الله
عنه- (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) المشهورين (وفرسانه) المعتبرين وقاله تعظيمًا
له وافتخارًا وتعليمًا للجاهل به (قال: سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الرؤيا) المحبوبة ترى في المنام (من الله) عز وجل
(والحلم) هو المكروه يرى فيه (من الشيطان) لكونه على طبعه
وكل من الله عز وجل (فإذا حلم) بفتح الحاء واللام (أحدكم
الحلم يكرهه فليبصق عن يساره) بالصاد وفي رواية فلينفث وهو
شبيه بالنفخ وأقل من التفل لأن التفل يكون معه ريق وفي
أخرى فليتفل وهذه حالات متفاوتة فينبغي أن يفعل الجميع
ليتحقق الموعود به من عدم الضرر إن شاء الله تعالى
(وليستعذ بالله منه) من الشيطان (فلن يضره).
15 - باب اللَّبَنِ
(باب اللبن) إذا رئي في المنام بماذا يعبر.
7006 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ
بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّى لأَرَى
الرِّىَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِى، ثُمَّ أَعْطَيْتُ
فَضْلِى يَعْنِى عُمَرَ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا
يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (حمزة بن عبد الله) بالحاء المهملة
والزاي (أن) أباه (ابن عمر) -رضي الله عنهم- (قال: سمعت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة (بقدح لبن
فشربت منه حتى إني لأرى الري) بفتح همزة لأرى واللام
للتأكيد وكسر راء الري وتشديد التحتية (يخرج من أظفاري) في
موضع نصب مفعول ثان لأرى إن قدرت الرؤية بمعنى العلم أو
حال أن قدرت بمعنى الإبصار فإن قلت الري لا يرى أجيب بأنه
نزله منزلة المرئي فهو استعارة وفي رواية الأصيلي وابن
عساكر وأبوي الوقت وذر في أظفاري (ثم أعطيت فضلي) الذي فضل
من لبن القدح الذي شربت منه (يعني عمر) بن الخطاب كأن بعض
رواته شك، وفي رواية صالح بن كيسان فأعطيت فضلي عمر بن
الخطاب بالجزم من غير شك (قالوا) أي من حوله من الصحابة
(فما أوّلته) أي عبرته (يا رسول الله؟ قال) أوّلته (العلم)
لاشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع بهما وكونهما مبني
الصلاح ذاك في الأشباح والآخر في الأرواح، وقال القاضي أبو
بكر بن العربي: الذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر أن
يخلق المعرفة من بين شك وجهل، وفي رواية أبي بكر بن سالم
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لهم: أولوها.
قالوا يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأك منه ففضلت
فضلة فأعطيتها عمر قال أصبتم. قال في الفتح: ويجمع بأن هذا
وقع أوّلاً ثم احتمل عندهم أن يكون عنده في تأويلها زيادة
على ذلك فقالوا: ما أوّلته الخ. لكن خص الدينوري اللبن
المذكور هنا بلبن الإبل وأنه لشاربه مال حلال وعلم. قال:
ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضًا، ولبن الشاة
مال وسرور وصحة جسم، وألبان الوحوش شك في الدين وألبان
السباع غير محمودة إلا أن لبن اللبوة مال مع عداوة لذي
أمر، وقال أبو سهل المسيحي لبن الأسد يدل على الظفر
بالعدوّ، ولبن الكلب يدل على الخوف، ولبن السنانير
والثعالب يدل على المرض، ولبن النمر يدل على إظهار
العداوة.
والحديث مضى في العلم.
16 - باب إِذَا جَرَى اللَّبَنُ فِى أَطْرَافِهِ أَوْ
أَظَافِيرِهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا) رأى الشخص في منامه أنه
(جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره) ولابن عساكر وأظافيره.
7007 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى
عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى حَمْزَةُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ،
فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّى لأَرَى الرِّىَّ يَخْرُجُ
مِنْ أَطْرَافِى، فَأَعْطَيْتُ فَضْلِى عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ» فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ
ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن
ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد
(حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع) أباه (عبد الله بن عمر)
بن الخطاب (-رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بينا) بغير
(10/139)
ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله: (أتيت
بقدح لبن فشربت منه حتى إني) بكسر همزة إني لوقوعها بعد
حتى الابتدائية (لأرى الريّ يخرج) وفي نسخة يجري (من
أطرافي) وفي كتاب العلم في أظفاري، فيحتمل أن تكون في
بمعنى على ويكون المعنى يظفر على أظفاري والظفر إما منشأ
الخروج أو ظرفه (فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقال من حوله):
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصحابة (فما أولت
ذلك يا رسول الله؟ قال) أولته (العلم) وعند سعيد بن منصور
من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري ثم ناوله فضله عمر قال
ما أولته قال الحافظ ابن حجر فظاهره أن السائل عمر وفي
إعطائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضله عمر
الإشارة إلى ما حصل له من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه
في الله لومة لائم.
17 - باب الْقَمِيصِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (القميص) بفتح القاف وكسر الميم ولأبي ذر عن
الكشميهني القمص بضمهما (في المنام) وتعبيره.
7008 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِى
أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى
أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ
رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ
قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْىَ وَمِنْهَا مَا
يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَىَّ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ» قَالُوا: مَا
أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الدِّينَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم
بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) أي ابن
كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال:
(حدّثني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل) بسكون الهاء
بعد فتح ابن حنيف الأنصاري أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه (أنه سمع أبا سعيد) سعد
بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بينما) بالميم (أنا نائم رأيت الناس) من الرؤية الحلمية
على الأظهر أو من البصرية فتطلب مفعولاً واحدًا وهو الناس
وحينئذٍ فقوله (يعرضون) بضم أوّله وفتح ثالثه جملة حالية
أو علمية من الرأي فتطلب مفعولين وهما الناس ويعرضون (علي)
أي يظهرون لي (وعليهم قمص) بضم القاف والميم جمع قميص
(منها ما يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد
التحتية والمراد قصره جدًّا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو
السرة بل فوقها ولغير أبي ذر الثدي بفتح المثلثة وسكون
المهملة
(ومنها ما يبلغ دون ذلك) فلم يصل إلى الثدي لقلته أو
المراد دونه من جهة السفلى فيكون أطول وفي رواية الحكيم
الترمذي من طريق أخرى عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في
هذا الحديث فمنهم من كان قميصه إلى سرته ومنهم من كان
قميصه إلى ركبته ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه (ومر
عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه) لطوله (قالوا) أي
الصحابة: (ما أوّلت) ذلك (يا رسول الله؟) ولأبي ذر عن
الحموي والكشميهني ما أوّلته يا رسول الله (قال) أوّلته
(الدين) لأن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها
في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه وفيه فضيلة عمر -رضي الله
عنه- ولا يلزم منه تفضيله على أبي بكر ولعل السر في السكوت
عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته أو ذكر وذهل الراوي
عنه، وليس في الحديث التصريح بانحصار ذلك في عمر -رضي الله
عنه- فالمراد التنبيه على أنه ممن حصل له الفضل البالغ في
الدين.
والحديث سبق في الإيمان.
18 - باب جَرِّ الْقَمِيصِ فِى الْمَنَامِ
(باب جر القميص في المنام).
7009 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
أَخْبَرَنِى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِى
سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ
عُرِضُوا عَلَىَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ فَمِنْهَا مَا
يَبْلُغُ الثَّدْىَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ،
وَعُرِضَ عَلَىَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ
قَمِيصٌ يَجْتَرُّهُ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء قال:
(حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني)
بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين المهملة وفتح القاف ابن
خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل) أي ابن حنيف (عن أبي
سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله: (رأيت الناس
عرضوا عليّ) بضم العين وكسر الراء وتشديد التحتية من عليَّ
(وعليهم قمص) جمع قميص (فمنها ما يبلغ الثدي) بفتح المثلثة
وسكون الدال المهملة ولأبي ذر الثدي بضم ثم كسر (ومنها ما
يبلغ دون ذلك وعرض علي) بتشديد الياء (عمر بن الخطاب وعليه
قميص يجتره) بسكون الجيم بعدها فوقية مفتوحة، ولابن عساكر:
يجره بضم الجيم وإسقاط الفوقية (قالوا: فما أوّلته يا رسول
الله؟ قال: الدين) وفي نوادر
(10/140)
الأصول للترمذي الحكيم أن السائل عن ذلك هو
أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- واتفق على أن القميص
يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده
وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعًا إذ
جرّ القميص ورد الوعيد على تطويله.
19 - باب الْخُضَرِ فِى الْمَنَامِ، وَالرَّوْضَةِ
الْخَضْرَاءِ
(باب) رؤية (الخضر في المنام) بضم الخاء وفتح الضاد
المعجمتين وفي فتح الباري بضم الخاء وسكون الضاد جمع أخضر
قال: وهو اللون المعروف في الثياب وغيرها. قال: ووقع في
رواية النسفيّ الخضرة بسكون الضاد وبعد الراء هاء تأنيث
وكذا في رواية أبي أحمد الجرجاني (و) رؤية (الروضة
الخضراء) في المنام أيضًا.
7010 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ،
حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِى
حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ
فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالُوا: هَذَا
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ
قَالُوا: كَذَا وَكَذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا
كَانَ يَنْبَغِى لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ
بِهِ عِلْمٌ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّمَا عَمُودٌ وُضِعَ
فِى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فَنُصِبَ فِيهَا وَفِى رَأْسِهَا
عُرْوَةٌ وَفِى أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ وَالْمِنْصَفُ
الْوَصِيفُ فَقِيلَ: ارْقَهْ فَرَقِيتُ حَتَّى أَخَذْتُ
بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَمُوتُ
عَبْدُ اللَّهِ وَهْوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم
وسكون العين المهملة وكسر الفاء المعروف بالمسندي قال:
(حدّثنا حرمي بن عمارة) بفتح الحاء والراء المهملتين وكسر
الميم وعمارة بضم العين وتخفيف الميم قال: (حدّثنا قرة بن
خالد) السدوسي (عن محمد بن سيرين) أنه (قال: قال قيس بن
عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة آخره دال مهملة البصري
التابعي الكبير وليس بصحابي (كنت في حلقة) بسكون اللام
(فيها سعد بن مالك) هو سعد بن أبي وقاص (وابن عمر) عبد
الله -رضي الله عنهم- (فمرّ عبد الله بن سلام) بتخفيف
اللام الإسرائيلي (فقالوا) في ابن سلام (هذا رجل من أهل
الجنة) لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآتي
إن شاء الله تعالى آخر الحديث يموت عبد الله وهو آخذ
بالعروة الوثقى قال قيس (فقلت له) لعبد الله بن سلام (إنهم
قالوا: كذا وكذا. قال) ابن سلام متعجبًا من قولهم (سبحان
الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم) وفي
رواية خرشة عند مسلم فقال الله أعلم بأهل الجنة وأنكر
عليهم الجزم ولم ينكر أصل الأخبار عليه بأنه من أهل الجنة
وهذا شأن المراقبين الخائفين المتواضعين (إنما رأيت) في
المنام (كأنما عمود وضع في) وسط (روضة خضراء) وسبق في
المناقب رأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها (فنصب)
بضم النون وكسر الصاد المهملة بعدها موحدة العمود (فيها)
في الروضة وفي رواية ابن عون العمود كان في وسط الروضة وفي
رواية المستملي والكشميهني قبضت بقاف وموحدة مفتوحتين فضاد
ساكنة فتاء متكلم (وفي رأسها) أي رأس العمود (عروة)
بضم العين وسكون الراء المهملتين والعمود مذكر أنثه
باعتبار الدعامة وفي رواية ابن عون وفي أعلى العمود عروة
وفي روايته في المناقب ووسطها عمود من حديث أسفله في الأرض
وأعلاه في السماء في أعلاه عروة (وفي أسفلها منصف) بكسر
الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة قال ابن سيرين
(والمنصف الوصيف) في مسلم فجاءني منصف. قال ابن عون:
والمنصف الخادم. قال ابن سلام (فقيل) لي (ارقه فرقيت) في
العمود بكسر القاف على الأفصح ولأبي ذر فرقيته بزيادة ضمير
المفعول (حتى أخذت بالعروة) وفي رواية خرشة عند مسلم فقال
لي أصعد فوق هذا قال قلت: كيف أصعد فأخذ بيدي فزجل بي وهو
بزاي وجيم أي دفعني فإذا أنا متعلق بالحلقة ثم ضربت العمود
فخرّ وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت (فقصصتها) أي الرؤيا
(على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يموت عبد الله) أي ابن سلام (وهو آخذ بالعروة الوثقى)
تأنيث الأوثق الأشدّ الوثيق من الحبل الوثيق المحكم وهو
تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى
يتصوّره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده
والمعنى فقد عقد لنفسه من الدين عقدًا وثيقًا لا تحله شبهة
وزاد في رواية ابن عون فقال تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك
العمود عمود الإسلام وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال
متمسكًا بالإسلام حتى تموت، وعند مسلم من حديث خرشة بن
الحرّ قال: قدمت المدينة فجلست إلى أشيخة في مسجد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء شيخ يتوكأ على
عصا له فقال القوم من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة
فلينظر إلى هذا فقام خلف سارية فصلّى
(10/141)
ركعتين فقمت إليه فقلت له قال بعض القوم
كذا وكذا فقال: الجنة لله يدخلها من يشاء وإني رأيت على
عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رؤيا
رأيت كأن رجلاً أتاني فقال: انطلق فذهبت معه فسلك بي
منهجًا عظيمًا فعرضت لي طريق عن يساري فأردت أن أسلكها
فقال: إنك لست من أهلها ثم عرضت لي طريق عن يميني فسلكتها
حتى انتهيت إلى جبل زلق فأخذ بيدي فزجل بي فإذا أنا على
ذروته فلم أتقارّ ولم أتماسك، فإذا عمود حديد في ذروته
حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال:
استمسك. فقلت: نعم فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة،
فقصصتها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: "رأيت خيرًا أما المنهج العظيم فالمحشر،
وأما الطريق التي عرضت عن يسارك فطريق أهل النار ولست من
أهلها، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة،
وأما الجبل الزلق، فمنزل الشهداء، وأما العروة التي
استمسكت بها فعروة الإسلام فاستمسك بها حتى تموت". قال:
فأنا أرجو أن أكون من أهل الجنة. قال: فإذا هو عبد الله بن
سلام وهكذا رواه النسائي وابن ماجة ومسلم في صحيحه.
20 - باب كَشْفِ الْمَرْأَةِ فِى الْمَنَامِ
(باب كشف المرأة) أي كشف الرجل المرأة (في المنام).
7011 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُكِ
فِى الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِى
سَرَقَةِ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ
فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِىَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ
يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (عبيد بن
إسماعيل) بضم العين الهباري القرشي الكوفي وكان اسمه عبد
الله قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن
أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها
(قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أريتك) بضم الهمزة (في المنام مرتين) زاد مسلم أو ثلاثًا
بالشك فقيل من هشام واقتصر البخاري على المحقق وهو
المرّتان (إذا رجل) أي جبريل في صورة رجل (يحملك في سرقة)
بفتح السين والراء المهملتين والقاف قطعة (من حرير) وذكر
الحرير تأكيد للسرقة وإلاّ فهي لا تكون إلا من حرير قال في
الصحاح السرق شقق الحرير الواحدة منها سرقة وثبت من في
قوله من حرير لأبي ذر عن الكشميهني (فيقول) الرجل المفسر
بجبريل (هذه امرأتك) زاد ابن حبان في الدنيا والآخرة
(فأكشفها فإذا هي أنت) لا غيرك فالمراد أنه رآها في المنام
كما رآها في اليقظة (فأقول إن يكن هذا) الذي رأيته (من عند
الله يمضه) بضم أوله وكسر ثالثه من الإمضاء. قال في شرح
المشكاة: وهذا الشرط مما يقوله المتحقق لثبوت الأمر
المستدل بصحته تقريرًا لوقوع الجزاء وتحققه ونحوه قول
السلطان لمن هو تحت قهره إن كنت سلطانًا انتقمت منك أي
السلطنة مقتضية للانتقام.
وسبق الحديث في النكاح.
21 - باب ثِيَابِ الْحَرِيرِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (ثياب الحرير في المنام) وسقط لابن عساكر لفظ
ثياب.
7012 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ
أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ
فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ: اكْشِفْ
فَكَشَفَ فَإِذَا هِىَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ
هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد) زاد أبو ذر عن الحموي والكشميهني
هو أبو كريب محمد بن العلاء ولأبي ذر عن المستملي محمد بن
سلام، وقال الكلاباذي: هو محمد بن سلام أو محمد بن المثنى
قال: (أخبرنا) بالجمع ولابن عساكر أخبرني (أبو معاوية)
محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين قال: (أخبرنا هشام
عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها
(قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أريتك) بضم الهمزة وكسر الراء بعدها مبنيًّا للمفعول (قبل
أن أتزوجك) في المنام (مرتين رأيت الملك) جبريل عليه
السلام (يحملك في سرقة من حرير فقلت له) لجبريل (اكشف) أي
السرقة
(فكشف فإذا هي) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والكشميهني
فإذا هو (أنت) وفي الرواية السابقة فأكشفها وفي النكاح
فقال لي هذه امرأتك فكشفت عن وجهك ففيهما أن الكاشف هو
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي حديث
هذا الباب أن الكاشف الملك. وأجيب: بأن نسبة الكشف إليه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكونه الآمر والذي
باشر الكشف هو الملك (فقلت: إن يكن) بنون بعد الكاف (هذا
من عند الله يمضه) ينفذه ويتمه ثم (أريتك) بتقديم الهمزة
المضمومة على الراء المكسورة المرة الثانية (يحملك) الملك
(في سرقة من حرير فقلت) للملك (اكشف فكشف
(10/142)
فإذا هي) ولابن عساكر وحده فإذا هو أي فإذا
الشخص الذي في السرقة (أنت فقلت إن يك) بغير نون بعد الكاف
(هذا من عند الله يمضه). وأعاد صورة المنام بيانًا لقوله
أريتك مرتين. وفي رواية حماد بن سلمة أتيت بجارية في سرقة
من حرير بعد وفاة خديجة ففيه أن هذه الرؤيا كانت بعد
المبعث.
واستشكل قوله فإن يكن من عند الله يمضه إذ ظاهره الشك
ورؤيا الأنبياء وحي. وأجيب: بأنه لم يشك ولكنه أتى بصورة
الشك وهو نوع من أنواع البديع عند أهل البلاغة يسمى مزج
الشك باليقين، أو قال قبل أن يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي،
أو المراد أن تكون الرؤيا على وجهها في ظاهرها لا تحتاج
إلى تعبير وتفسير فيمضها الله وينجزها فالشك عائد على أنها
رؤيا على ظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وخروج عن ظاهرها، أو
المراد إن كانت هذه الزوجة في الدنيا يمضها الله فالشك
أنها زوجة في الدنيا أم في الجنة قاله عياض فليتأمل مع ما
عند ابن حبان في روايته: هذه امرأتك في الدنيا والآخرة.
22 - باب الْمَفَاتِيحِ فِى الْيَدِ
(باب) رؤية (المفاتيح في اليد) في المنام.
7013 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بُعِثْتُ
بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ،
فَوُضِعَتْ فِى يَدِى» قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبَلَغَنِى أَنَّ
جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ
الْكَثِيرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُكْتَبُ فِى الْكُتُبِ
قَبْلَهُ فِى الأَمْرِ الْوَاحِدِ، وَالأَمْرَيْنِ أَوْ
نَحْوَ ذَلِكَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير
بن مسلم وقيل ابن عفير بن سلمة بن يزيد بن الأسود الأنصاري
مولاهم البصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال:
(حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) الزهري
أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) بفتح التحتية
(أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب) بسكون العين وضمها أي
الخوف يقع في قلب من أقصده من أعدائي وهو في مسيرة شهر مني
نصرًا من الله ليس بذلك (وبينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت)
بضم الهمزة من غير واو مبنيًّا للمفعول (مفاتيح خزائن
الأرض) قال الخطاب يريد بخزائن الأرض ما فتح الله على أمته
من الغنائم وخزائن كسرى وقيصر وغيرهما (فوضعت) بضم الواو
وكسر الضاد المعجمة وفتح المهملة بعدها أي المفاتيح (في
يدي) حقيقة أو مجازًا باعتبار الاستيلاء عليها.
(قال محمد): ولأبي ذر قال أبو عبد الله بدل قوله قال محمد،
وفي فتح الباري عزو رواية محمد لكريمة والأخرى لأبي ذر قيل
المراد البخاري لأن اسمه محمد وكنيته أبو عبد الله. قال
الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن الصواب رواية كريمة فإن
الكلام ثبت عند الزهري واسمه محمد بن مسلم، وقد ساقه
المؤلّف هنا من طريقه فيبعد أن يأخذ كلامه فينسبه لنفسه
وكأن بعضهم لما قال قال محمد ظن أنه البخاري فأراد تعظيمه
فكناه فأخطأ لأن محمدًا هو الزهري وكنيته أبو بكر لا أبو
عبد الله اهـ.
(وبلغني أن جوامع الكلم) التي بعث بها -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تفسيرها (أن الله) تعالى (يجمع) له
(الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر
الواحد والأمرين أو نحو ذلك). وحاصله أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ
الكثير المعاني وجزم غير الزهري بأن المراد بجوامع الكلم
القرآن إذ هو الغاية القصوى في إيجاز اللفظ واتساع
المعاني.
وعلى تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أتيت مفاتيح خزائن الأرض
وقد قال أهل التعبير من رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب
سلطانًا ومن رأى أنه فتح بابًا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته
بمعونة من له بأس.
والحديث مرّ في الجهاد.
23 - باب التَّعْلِيقِ بِالْعُرْوَةِ وَالْحَلْقَةِ
(باب التعليق بالعروة) الوثقى (والحلقة) في المنام.
7014 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ح وَحَدَّثَنِى
خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ،
عَنْ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّى فِى
رَوْضَةٍ وَسَطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ فِى أَعْلَى
الْعَمُودِ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لِى ارْقَهْ، قُلْتُ: لاَ
أَسْتَطِيعُ فَأَتَانِى وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِى
فَرَقِيتُ فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ فَانْتَبَهْتُ
وَأَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الإِسْلاَمِ، وَذَلِكَ
الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ
العُرْوَةُ الْوُثْقَى، لاَ تَزَالُ مُسْتَمْسِكًا
بِالإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ».
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر بالإفراد (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدَّثنا أزهر) بفتح الهمزة وسكون
الزاي وفتح الهاء بعدها راء ابن سعد السمان البصري (عن ابن
عون) عبد الله (ح) للتحويل من سند إلى آخر.
قال المؤلّف بالسند إليه: (وحدّثني) بالإفراد (خليفة) بن
خياط بالخاء المعجمة المفتوحة والتحتية المشددة البصري
العصفري صاحب كتاب الطبقات والتاريخ يقال له شباب قال:
(حدّثنا معاذ)
(10/143)
هو ابن معاوية العنبري قال: (حدّثنا ابن
عون) عبد الله (عن محمد) هو ابن سيرين أنه قال: (حدّثنا
قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة التابعي وسبق ذكره
في مناقب عبد الله بن سلام بهذا الحديث وحديث آخر في تفسير
سورة الحج وفي غزوة بدر وليس له في البخاري سوى هذين
الحديثين (عن عبد الله بن سلام) بالتخفيف أنه (قال: رأيت)
في المنام (كأني في روضة وسط الروضة) وللأصيلي وأبي ذر عن
الكشميهني ووسط الروضة (عمود في أعلى العمود عروة فقيل لي
ارقه) بهاء السكت اصعده (قلت لا أستطيع) رقيه (فأتاني
وصيف) خادم (فرفع) وفي نسخة يرفع (ثيابي فرقيت) بكسر القاف
(فاستمسكت بالعروة فانتبهت وأنا مستمسك بها) أي حال
استمساكي بالعروة وإلا فكيف يستمسك بعد الانتباه ويحتمل
الحقيقة فالقدرة صالحة (فقصصتها على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(تلك الروضة روضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام وتلك
العروة العروة الوثقى) المذكورة في قوله تعالى: {فقد
استمسك بالعروة الوثقى} [لقمان: 22] (لا تزال مستمسكًا
بالإسلام حتى تموت). ولأبي ذر عن الكشميهني بها بدل قوله
بالإسلام، وقد قال المعبرون الحلقة والعروة المجهولة يدلان
لمن تمسك بهما على قوّته في دينه وإخلاصه فيه.
24 - باب عَمُودِ الْفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ
(باب) رؤية (عمود الفسطاط) بضم الفاء وتكسر وسكون المهملة
بعدها طاءان مهملتان بينهما ألف وقد تبدل الطاء الأخيرة
سينًا مهملة، وقد تبدل الطاء تاء مثناة فوقية فيهما وفي
إحداهما وقد تدغم التاء الأولى في السين المهملة وبالسين
المهملة في آخره لغات تبلغ على هذا اثنتي عشرة وهو كما قال
الجواليقي فارسي معرّب وهو الخيمة العظيمة والعمود بفتح
أوّله (تحت وسادته) في المنام. وعند النسفيّ عند بدل تحت
ولم يذكر هنا حديثًا ولعله أشار بهذه الترجمة إلى ما أخرجه
يعقوب بن سفيان والطبراني والحاكم وصححه من حديث عبد الله
بن عمرو بن العاصي سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب
احتمل من تحت رأسي فأتبعته بصري فإذا هو قد عمد به إلى
الشأم ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشأم، وزاد يعقوب
والطبراني من حديث أبي أمامة بعد قوله بصري فإذا هو نور
ساطع حتى ظننت أنه قد هوى به فعمد به إلى الشأم وإني أوّلت
أن الفتن إذا وقعت أن الإيمان بالشأم وسنده ضعيف، وعند أبي
الدرداء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: "بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي
فظننت أنه
مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشأم" رواه أحمد
ويعقوب والطبراني بسند صحيح وهذا الحديث كما قال في الفتح
أقرب إلى شرط البخاري لأنه أخرج لرواته إلا أن فيه
اختلافًا على يحيى بن حمزة في شيخه هل هو ثور بن يزيد أو
يزيد بن واقد وهو غير قادح لأن كلاًّ منهما ثقة من شرطه
فلعله كتب الترجمة وبيض للحديث فاخترمته المنية، وعن عبد
الله بن حوالة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: رأيت ليلة أسري بي عمودًا أبيض كأنه لواء
تحمله الملائكة فقلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الكتاب أمرنا
أن نضعه بالشأم. قال: وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب
اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تجلى على أهل الأرض
فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى وضع بالشأم.
وللحديث طرق أخرى يقوّي بعضها بعضًا وعمود الكتاب عمود
الدين، وقال المعبرون: من رأى في منامه عمودًا فإنه يعبر
بالدين، وأما الفسطاط فمن رأى أنه ضرب عليه فسطاط فإنه
ينال سلطانًا بقدره أو يخاصم ملكًا فيظفر.
25 - باب الإِسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فِى
الْمَنَامِ
(باب) رؤية (الاستبرق) وهو غليظ الديباج في المنام (و)
رؤية (دخول الجنة في المنام) أيضًا.
7015 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
- رضى الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ
كَأَنَّ فِى يَدِى سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ لاَ أَهْوِى
بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِى الْجَنَّةِ، إِلاَّ طَارَتْ بِى
إِلَيْهِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ.
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بفتح اللام المشددة العمي
البصري أخو بهز بن أسد قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح
الهاء ابن خالد البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى
ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت في
المنام كأن في يدي سرقة) بفتحات (من حرير) وفي الترمذي من
طريق إسماعيل ابن علية عن أيوب كأنما في يدي قطعة استبرق
(10/144)
فكأن البخاري أشار إلى روايته في الترجمة
(لا أهوي) بفتح الهمزة وقال العيني كابن حجر بضم الهمزة من
الأهواء وثلاثية هوى أي سقط. وقال الأصمعي أهويت بالشيء
إذا رميت به (بها) بالسرقة (إلى مكان في الجنة إلا طارت بي
إليه) فكأنما لي مثل جناح الطير للطائر (فقصصتها على حفصة)
بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين.
7016 - فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ
رَجُلٌ صَالِحٌ -أَوْ قَالَ - إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ
صَالِحٌ».
(فقصتها حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال) لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(إن أخاك رجل صالح أو) قال (إن عبد الله رجل صالح) كذا
بالشك من الراوي قال في الفتح: وزاد الكشميهني في روايته
عن الفربري لو كان يصلّي من الليل، وفي مسلم من رواية عبيد
الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال نعم الفتى أو قال نعم
الرجل ابن عمر لو كان يصلّي من الليل قال ابن عمر وكنت إذا
نمت لم أقم حتى أصبح.
وحديث الباب سبق في صلاة الليل.
26 - باب الْقَيْدِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (القيد في المنام) إذا رأى شخص أنه تقيد به فيه
ما يكون تعبيره.
7017 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ،
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفًا قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ
لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا
الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا
مِنَ النُّبُوَّةِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَقُولُ
هَذِهِ قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ
حَدِيثُ النَّفْسِ وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ وَبُشْرَى
مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلاَ
يَقُصُّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ قَالَ:
وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِى النَّوْمِ، وَكَانَ
يُعْجِبُهُمُ الْقَيْدُ وَيُقَالُ: الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِى
الدِّينِ. وَرَوَى قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَأَبُو
هِلاَلٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِى الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ
عَوْفٍ أَبْيَنُ وَقَالَ يُونُسُ: لاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
الْقَيْدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لاَ تَكُونُ
الأَغْلاَلُ إِلاَّ فِى الأَعْنَاقِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن صباح) بفتح الصاد المهملة
والموحدة المشددة وبعد الألف مهملة العطار البصري قال:
(حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (قال: سمعت عوفًا) بفتح
العين المهملة وبعد الواو الساكنة فاء ابن أبي جميل بفتح
الجيم الأعرابي العبدي البصري أنه (قال: حدّثنا محمد بن
سيرين أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
إذا اقترب الزمان) بأن يعتدل ليله ونهاره وقت اعتدال
الطبائع الأربع غالبًا وانفتاق الأزهار وإدراك الثمار (لم
تكد تكذب رؤيا المؤمن) لكن التقييد بالمؤمن يعكر على تأويل
الاقتراب بالاعتدال إذ لا يختص به المؤمن، وأيضًا الاقتراب
يقتضي التفاوت والاعتدال يقتضي عدمه فكيف يفسر الأوّل
بالثاني؟ وصوّب ابن بطال أن المراد باقتراب الزمان انتهاء
دولته إذا دنا قيام الساعة لما في الترمذي من طريق معمر عن
أيوب في هذا الحديث: في آخر الزمان لم تكذب رؤيا المؤمن
وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا قال: فعلى هذا فالمعنى إذا
اقتربت الساعة وقبض أكثر أهل العلم ودرست معالم الديانة
بالهرج والفتنة فكان الناس على مثل الفترة محتاجين إلى
مذكر ومجدد لما درس من الدين كما كانت الأمم تذكر
بالأنبياء، فلما كان نبينا خاتم الأنبياء وما بعده من
الزمان يشبه
زمن الفترة عوّضوا عن النبوّة بالرؤيا الصالحة الصادقة
التي هي جزء من أجزاء النبوّة الآتية بالبشارة والنذارة،
وقيل المراد بالاقتراب نقص الساعات والأيام والليالي بسراع
مرورها وذلك قرب الساعة ففي مسلم يتقارب الزمان حتى تكون
السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم
كالساعة والساعة كاحتراق السعفة قيل يريد أن ذلك يكون من
خروج المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق
فإن ذلك الزمان يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه وأشار
عليه الصلاة والسلام بقوله: لم تكد تكذب رؤيا المؤمن إلى
غلبة الصدق على الرؤيا لكن الراجح نفي الكذب عنها أصلاً
لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي قرب حصوله والنافي لقرب
حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ويدل عليه قوله تعالى: {إذا
أخرج يده لم يكد يراها} [النور: 40] قاله في شرح المشكاة،
ولأبي ذر عن الكشميهني: لم تكد رؤيا المؤمن تكذب بالتقديم
والتأخير (ورؤيا المؤمن) بواو العطف على المرفوع السابق
فهو مرفوع أيضًا (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة) أي
من علم النبوّة (وما كان من النبوّة فإنه لا يكذب). وهذا
ثابت لأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر وظاهر إيراده
هنا أنه مرفوع، لكن قال في الفتح: أن في بغية النقاد لابن
المواق أن عبد الحق أغفل التنبيه على أن هذه الزيادة مدرجة
فإنه لا شك في إدراجها، فعلى هذا تكون من قول ابن سيرين لا
مرفوعة.
(قال محمد) أي ابن سيرين (وأنا أقول هذه) أي الأمة أيضًا
رؤياها صادقة كلها صالحها وفاجرها فيكون من صدق رؤياهم
(قال) ابن سيرين بالسند السابق (وكان يقال) القائل هو أبو
هريرة (الرؤيا ثلاث) وأخرجه الترمذي والنسائي من
(10/145)
طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن
سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرؤيا ثلاث (حديث النفس) وهو ما كان
في اليقظة كمن يكون في أمر أو عشق صورة فيرى ما يتعلق به
في اليقظة من ذلك الأمر أو معشوقه في المنام وهذه لا
اعتبار لها في التعبير كاللاحقة وهي المذكورة في قوله:
(وتخويف الشيطان) وهو الحلم المكروه بأن يريه ما يحزنه وله
مكايد يحزن بها بني آدم إنما النجوى من الشيطان ليحزن
الذين آمنوا ومن لعب الشيطان به الاحتلام الموجب للغسل
(وبشرى من الله) يأتيه بها ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب
(فمن رأى شيئًا يكرهه) في منامه (فلا يقصه على أحد) بضم
الصاد المهملة المشددة (وليقم فليصل). وفي باب الحلم من
الشيطان فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره. قال
القرطبي: والصلاة مجمع البصق عند المضمضة والتعوذ قبل
القراءة، وعند ابن ماجة بسند حسن عن خباب بن مالك مرفوعًا:
الرؤيا يلابسها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما
يهتم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة
وأربعين جزءًا من النبوّة.
(قال) ابن سيرين: (وكان) أبو هريرة -رضي الله عنه- (يكره
الغل في النوم) ولغير أبي ذر يكره بضم أوله مبنيًّا
للمفعول الغسل بالرفع مفعول ناب عن فاعله والغل بضم
المعجمة الحديدة تجعل في العنق وهو من صفات أهل النار قال
تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم} [غافر: 71] (وكان يعجبهم
القيد) بلفظ الجمع وبالإفراد في قوله يكره الغل. قال في
شرح المشكاة قوله قال
وكان يكره الغل يحتمل أن يكون مقولاً لراوي ابن سيرين
فيكون اسم كان ضمير ابن سيرين، وأن يكون مقولاً لابن سيرين
فاسمه ضمير لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أو أبي هريرة، وقوله وكان يعجبهم ضمير المعبرين
وكذا قوله (ويقال) ولأبي ذر عن الحموي وقال: (القيد) يراه
الشخص في رجله (ثبات في الدين) من أقوال المعبرين ولفظ
بعضهم القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى
ذلك له.
(وروى قتادة) بن دعامة مما وصله مسلم والنسائي من رواية
هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة (ويونس) بن عبيد أحد أئمة
البصرة فيما وصله البزار في مسنده (وهشام) هو ابن حسان
الأزدي فيما وصله الإمام أحمد (وأبو هلال) محمد بن سليم
بضم السين الراسبي أربعتهم أصل الحديث (عن ابن سيرين عن
أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأدرجه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
وأدرج أي جعل (بعضهم كله) أي كل المذكور من قوله الرؤيا
ثلاث إلى في الدين (في الحديث) مرفوعًا. قال البخاري:
(وحديث عوف) الأعراب) (أبين) أي أظهر حيث فصل المرفوع من
الموقوف ولا سيما تصريحه يقول ابن سيرين وأنا أقول هذه
فإنه دال على الاختصاص بخلاف ما قال فيه وكان يقال فإن
فيها الاحتمال بخلاف أول الحديث فإنه صرح برفعه.
(وقال يونس) بن عبيد (لا أحسبه) أي لا أحسب الذي أدرجه
بعضهم (إلا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في القيد) يعني أنه شك في رفعه. قال القرطبي: هذا الحديث
وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح لأن القيد في
الرجل تثبيته للمقيد في مكانه فإذا رآه من هو على حالة كان
ذلك ثبوتًا على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فإن محله
الأعناق نكالاً وعقوبة وقهرًا وإذلالاً وقد يسحب على وجهه
ويجر على قفاه فهو مذموم شرعًا وغالب رؤيته في العنق دليل
على وقوع حالة سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون
ذلك في دينه كواجبات فرّط فيها أو معاص ارتكبها أو حقوق
لازمة له لم يوفها أهلها مع قدرته وقد يكون في دنياه لشدة
تعتريه أو تلازمه.
(قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله- ردًّا على من قال
كأبي علي القالي وصاحب المحكم: الغل يجعل في العنق أو اليد
ويد مغلولة جعلت في العنق (لا تكون الأغلال إلا في
الأعناق) وهذا فيه نظر فليتأمل، وقول البخاري هذا ثابت في
رواية أبي ذر عن
(10/146)
الكشميهني.
27 - باب الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (العين الجارية في المنام).
7018 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ خَارِجَةَ
بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ الْعَلاَءِ وَهْىَ
امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: طَارَ لَنَا
عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِى السُّكْنَى حِينَ
اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ،
فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّىَ،
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِى أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ
فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ قَالَ:
«وَمَا يُدْرِيكِ؟» قُلْتُ: لاَ أَدْرِى وَاللَّهِ قَالَ:
«أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّى لأَرْجُو
لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِى
وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ».
قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى
أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِى
النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِى، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لَهُ فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِى لَهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن الزهري) محمد بن مسلم
(عن خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني الفقيه (عن أم
العلاء) بفتح العين المهملة والهمز بنت الحارث بن ثابت بن
خارجة واسمها كنيتها قال الزهري (وهي امرأة من نسائهم) أي
من نساء الأنصار (بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: طار لنا) أي وقع في
سهمنا (عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة الساكنة (في السكنى
حين اقترعت الأنصار) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حين
أقرعت الأنصار بإسقاط الفوقية بعد القاف (على سكنى
المهاجرين) لما قدموا من مكة إلى المدينة (فاشتكى) أي مرض
عثمان بعد أن أقام مدة (فمرّضناه) بتشديد الراء فقمنا
بأمره في مرضه (حتى توفي) فغسلناه (ثم جعلناه في أثوابه)
أي كفناه فيها (فدخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: رحمة الله عليك) يا (أبا
السائب) وهي كنية ابن مظعون (فشهادتي عليك) أي لك (لقد
أكرمك الله) أي أقسم لقد أكرمك الله (قال) رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت زاد في باب رؤيا
النساء أن الله أكرمه (قلت: لا أدري والله. قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أما) بتشديد الميم (هو) أي
عثمان (فقد جاءه اليقين) أي الموت (أني لأرجو له من الله
والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي به بالهاء بدل التحتية أي بعثمان (ولا
بكم قالت أم العلاء) -رضي الله عنها- (فوالله لا أزكي
أحدًا بعده قالت: ورأيت) ولأبي ذر وابن عساكر وأريت بتقديم
الهمزة مضمومة على الراء المكسورة (لعثمان) بن مظعون (في
النوم عينًا تجري فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك) الذي رأيته (له) عليه الصلاة
والسلام (فقال: ذاك) بالكسر (عمله) الذي كان عمله في حياته
كصدقة جارية (يجري له) ثوابها عد موته، وكان عثمان من
الأغنياء فلا يبعد أن يكون له صدقة استمرت بعد موته وقد
كان له ولد صالح أيضًا وهو السائب.
والحديث سبق في باب رؤيا النساء وغيره.
28 - باب نَزْعِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ حَتَّى يَرْوَى
النَّاسُ
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب) رؤية (نزع الماء) استخراجه (من البئر) للاستقاء (حتى
يروى الناس) بفتح الواو ورفع الناس على الفاعلية (رواه) أي
نزع الماء من البئر (أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما يأتي إن شاء
الله تعالى في الباب التالي لهذا موصولاً.
7019 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ - رضى الله عنهما - حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا
أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا، إِذْ جَاءَنِي أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ
ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ
اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ
يَدِ أَبِى بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِى يَدِهِ غَرْبًا
فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرْيَهُ
حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ».
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير) الدورقي قال:
(حدّثنا شعيب بن حرب) بالحاء المهملة والراء الساكنة
المدايني أبو صالح قال: (حدّثنا صخر بن جويرية) بالصاد
المهملة المفتوحة بعدها معجمة ساكنة وجويرية بضم الجيم
مصغرًا قال: (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عُمر -رضي
الله عنهما- حدثه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بينا) بغير ميم (أنا على بئر أنزع) أستخرج (منها) الماء
بآلة كالدلو (إذ جاءني أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب
-رضي الله عنهما- (فأخذ أبو بكر الدلو فنزع) أي استخرج من
البئر (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح الذال المعجمة الدلو
الممتلئ ماء والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف) بفتح الضاد
المعجمة وتضم لغتان (فغفر الله له) وليس في قوله ضعف حط من
قدره الرفيع وإنما هو إشارة إلى قصر مدة خلافته ولأبي ذر
يغفر الله له (ثم أخذها) أي الدلو (عمر بن الخطاب من يد
أبي بكر) في قوله من يد أبي بكر إشارة إلى أن عمر يلي
الخلافة من أبي بكر بعهد منه بخلاف أبي بكر فلم تكن خلافته
بعهد صريح منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولهذا
لم يقل من يدي نعم وقعت عدة إشارات إلى ذلك فيها ما يقرب
من الصريح وقوله (فاستحالت) أي تحوّلت الدلو (في يده) في
يد عمر -رضي الله عنه- (غربًا) بفتح الغين وسكون الراء
بعدها موحدة دلوًا عظيمة متخذة من جلود البقر (فلم أر
عبقريًّا) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف
بعدها
(10/147)
راء مكسورة فتحتية مشدّدة كاملاً حاذقًا في
عمله (من الناس يفري) بفتح أوله وسكون الفاء بعدها راء
مكسورة (فريه) بفتح الفاء وتشديد التحتية أي يعمل عملاً
جيدًا صالحًا عجيبًا (حتى ضرب الناس بعطن). بفتحتين أي
رويت إبلهم حتى بركت وأقامت في مكانها، والمعنى أن الناس
انبسطوا في ولاية عمر وفتحوا البلاد حتى قسموا المسك
بالصاع.
والحديث سبق في فضائل أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
29 - باب نَزْعِ الذَّنُوبِ وَالذَّنُوبَيْنِ مِنَ
الْبِئْرِ بِضَعْفٍ
(باب) رؤية (نزع الذنوب والذنويين من البئر) في المنام
(بضعف) أي مع ضعف وسقط لأبي ذر من البئر.
7020 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ
عَنْ رُؤْيَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ
النَّاسَ اجْتَمَعُوا فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ
ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ
وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قَامَ ابْنُ الْخَطَّابِ
فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَمَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ
يَفْرِى فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي واسم أبيه
عبد الله ونسبه المؤلّف لجده قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي
وفتح الهاء ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا موسى بن عقبة)
بضم العين وسكون القاف، وثبت ابن عقبة لأبي ذر (عن سالم عن
أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (عن رؤيا
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ما
يتعلق بخلافتي (أبي بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (قال):
(رأيت الناس) في النوم (اجتمعوا) على بئر (فقام أبو بكر
فنزع) من ماء البئر (ذنوبًا أو ذنوبين) بالشك من الراوي
(وفي نزعه ضعف والله يغفر له) ليس فيه نقص له ولا إشارة
إلى أنه وقع منه ذنب وإنما هي كلمة كانوا يقولونها يدعمون
بها الكلام ونعم الدعامة (ثم قام ابن الخطاب) عمر -رضي
الله عنه- فأخذها من أبي بكر (فاستحالت غربًا) أي انقلبت
من الصغر إلى الكبر (فما رأيت من الناس) ولأبي ذر عن
الكشميهني في الناس (يفري فريه) بسكون الراء وتخفيف
التحتية ولأبي ذر من يفري فريه بكسر الراء وتشديد التحتية
(حتى ضرب الناس بعطن) موضع بروك الإبل بعد الشرب. قال ابن
الأنباري: معناه حتى رووا وأرووا إبلهم وأبركوها وضربوا
لها عطنًا. وقال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أن المراد
خلافة عمر، وقيل بل هو لخلافتهما معًا لأن أبا بكر جمع شمل
المسلمين أوّلاً بدفع أهل الردة وابتدأ الفتوح في زمانه،
ثم عهد إلى عمر فكثر في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام
واستوت قواعده.
7021 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى
عَلَى قَلِيبٍ وَعَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا
شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ،
فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِى
نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ
اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ
بِعَطَنٍ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء قال:
(حدّثني) بالإفراد (الليث) بن
سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين
وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد) بكسر العين ابن المسيب
(أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (أخبره أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني على قليب) بفتح القاف
وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة موحدة بئر لم تطو (وعليها
دلو فنزعت) بسكون العين المهملة (منها) من البئر (ما شاء
الله ثم أخذها ابن أبي قحافة) أبو بكر واسم أبي قحافة
عثمان (فنزع منها) من البئر (ذنوبا أو ذنويين) دلوًا أو
دلوين والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم
استحالت) تحولت الدلو (غربًا) دلوًا عظيمًا كما في المجمل
والصحاح (فأخذها عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فلم أر
عبقريًّا) حاذقًا (من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى
ضرب الناس بعطن). قال بعضهم: العطن ما حول الحوض والبئر من
مبارك الإبل للشرب عللاً بعد نهل ومعنى ضربت بعطن بركت،
وقال ابن الأعرابي: أصل العطن الموضع الذي تبرك فيه الإبل
قرب الماء إذا شربت لتعاد إليه إن أرادت ذلك.
قال النووي، قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من
ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ من
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه صاحب
الأمر فقام به أكمل القيام وقرر قواعد الدين ثم خلفه أبو
بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر فطالت مدة
خلافته عشر سنين واتسع الإسلام في زمنه فشبه أمر المسلمين
بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وأميرهم بالمستقي
لهم منها وسعته هي قيامه بمصالحهم فكان عبقريًّا لم ير سيد
يعمل عمله، وفيه أن من رأى أنه يستخرج ماء من بئر فإنه يلي
ولاية جليلة وتكون مدة ولايته بقدر ما استقى. قال ابن
(10/148)
الدقاق في تعبيره: ومن رأى أنه وقف على بئر
واستقى منها ماء طيبًا صافيًا فإن كان من أهل العلم حصل له
بقدر ما استقى وإن كان فقيرًا استغنى وإن كان عزبًا تزوّج
وإن كانت متزوجة حاملاً أتت بولد خصوصًا إذا استقى بدلو
وإلاّ حصل له سبب يستغني به وإن كان طالب حاجة قضيت حاجته.
30 - باب الاِسْتِرَاحَةِ فِى الْمَنَامِ
(باب الاستراحة في المنام).
7022 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ
هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه
- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ
أَنِّى عَلَى حَوْضٍ أَسْقِى النَّاسَ، فَأَتَانِى أَبُو
بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِى لِيُرِيحَنِى،
فَنَزَعَ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ
يَغْفِرُ لَهُ، فَأَتَى ابْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنْهُ
فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ
وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أو هو إسحاق
بن نصر المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني
(عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (أنه سمع أبا
هريرة -رضي الله عنه- يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيت أني على حوض) من الأحواض
ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني على حوضي بياء المتكلم
(أسقي الناس) في الرواية السابقة على بئر وهنا كان على حوض
فقيل في الجمع بينهما إن الحوض هو الذي يجعل بجانب البئر
لتشرب منه الإبل فلا منافاة وكأنه يملأ من البئر فيسكب في
الحوض والناس يتناولون الماء لأنفسهم ولبهائمهم (فأتاني
أبو بكر) الصديق (فأخذ الدلو من يدي ليريحني) من كدّ
الدنيا وتعبها (فنزع ذنوبين) بالتثنية من غير شك (وفي نزعه
ضعف والله يغفر له فأتى ابن الخطاب فأخذ منه) الدلو (فلم
يزل ينزع) يستخرج الماء من البئر بالدلو (حتى تولى الناس)
أي أعرضوا (والحوض) أي والحال إن الحوض (يتفجر) يتدفق منه
الماء ويسيل وقد أوّلوا الذنوبين بالسنتين اللتين وليهما
الصديق وأشهر بعدهما وانقضت أيامه في قتال أهل الردة ولم
يتفرغ لافتتاح الأمصار وجباية الأموال فذلك ضعف نزعه، وفي
قوله ليريحني إشارة إلى أن الدنيا للصالحين دار نصب وتعب
وإن في الموت لأهل الصلاح والدين راحة منها وشبه أمر
المسلمين بالبئر لما فيها من الماء الذي به حياة العباد
وصلاح البلاد وشبه الوالي عليهم والقائم بأمورهم بالنازع
الذي يستقي وأوّل بعضهم الحوض بأنه معدن العلم وهو القرآن
الذي يغترف الناس منه حتى يرووا دون أن ينتقص.
31 - باب الْقَصْرِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (القصر في المنام).
7023 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ،
فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ
قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا»
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير
بضم العين المهملة وفتح الفاء الأنصاري مولاهم البصري قال:
(حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني)
بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد
(سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: بينا)
بغير ميم (نحن جلوس عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم أيضًا (أنا نائم رأيتني) بضم الفوقية أي
رأيت نفسي (في الجنة فإذا امرأة) اسمها أم سليم وكانت إذ
ذاك في قيد الحياة (تتوضأ إلى جانب قصر). قال في المصابيح
عن الخطابي: إنه محمول على الوضوء الشرعي فنسب الراوي إلى
الوهم، قال لأنه لا عمل في الجنة وإنما هي امرأة شوهاء لكن
الكاتب أسقط بعض حروفها فصار فتتوضأ. وأجاب البدر
الدماميني فقال قلت: وهذا تحكم في الرواية بالرأي ونسبة
الصحيح منها إلى الغلط بمجرّد خيال مبني على أمر غير لازم
وذلك أنه بناه على الوضوء المكلف به في دار الدنيا ومن أين
له ذلك ولم لا يجوز أن يكون من الوضوء اللغوي المراد به
الوضاءة ويكون توضؤها سببًا لازدياد حسنها وإشراق نورها
وليس المراد إزالة درن ولا شيء من الأقذار فإن هذا مما
نزهت الجنة عنه اهـ. وفيه أنها من أهل الجنة ويوافقه قول
جمهور البصريين أن من رأى أن يدخل الجنة فإنه يدخلها قال
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت) للملائكة (لمن
هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- وسقط
لأبي ذر: ابن الخطاب زاد في المشكاة فأردت أن أدخله (فذكرت
غيرته) بفتح الغين (فوليت مدبرًا). ولأبي ذر عن الحموي:
فوليت منها مدبرًا.
قال المهلب: فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه. ألا ترى
أنه عليه الصلاة والسلام لم يدخل القصر مع علمه بأن عمر لا
يغار عليه لأنه أبو المؤمنين وكل ما ناله بنوه من الخير
فبسببه، وتعقب مغلطاي قوله
(10/149)
أبو المؤمنين مع أن الله تعالى يقول: {ما
كان محمد أبا أحد من رجالكم} [الأحزاب: 40] وقال عليه
الصلاة والسلام: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد" ولم يقل أنا
لكم أب ولم يأت في ذلك حديث صحيح ولا غيره مما يصلح
للدلالة اهـ.
وأجيب: بأن معنى الآية أي لم يكن أب رجل منكم حقيقة حتى
يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة المصاهرة
وغيرها، ولكن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أبا أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم
له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لا في سائر
الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء اهـ من الكشاف ولا
يثبت له عليه إلا الأبوّة المجازية. وقال في الروضة، قال
بعض أصحابنا: لا يجوز أن يقال هو أبو المؤمنين لهذه الآية.
قال: ونص الشافعي على أنه يجوز أن يقال أبو المؤمنين أي في
الحرمة اهـ. وقال البغوي من أصحابنا: كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا الرجال والنساء جميعًا.
(قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالسند السابق (فبكى عمر
بن الخطاب) لما سمع ذلك سرورًا أو تشوقًا إليه (ثم قال:
أعليك) بهمزة الاستفهام وسقطت لأبي ذر عن الكشميهني أفديك
(بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار؟) قيل: هذا من القلب
والأصل أعليها أغار منك.
قال في الكواكب: لفظ عليك ليس متعلقًا بأغار بل التقدير
مستعليًا عليك أغار منها قال فدعوى القلب المذكور ممنوعة
إذ لا يجوز ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه، ويحتمل أن
يكون أطلق على وأراد من كما قيل إن حروف الجر تتناوب اهـ.
وقد جاء (على) بمعنى (من) كقوله تعالى: {إذا اكتالوا على
الناس يستوفون} [المطففين: 2] وفي وضوء المرأة المذكورة
إلى جانب قصر عمر إشارة إلى أنها تدرك خلافته وكان كذلك.
7024 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا
مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَخَلْتُ
الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ:
لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَمَا
مَنَعَنِى أَنْ أَدْخُلَهُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِلاَّ
مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ» قَالَ: وَعَلَيْكَ أَغَارُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن
بحر بن كثير أبو حفص الباهلي الصيرفي البصري قال: (حدّثنا
معتمر بن سليمان) بن طرخان البصري قال: (حدّثنا عبيد الله)
بضم العين (ابن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله
عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(دخلت الجنة) في المنام (فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت)
لجبريل ومن معه (لمن هذا؟) القصر (فقالوا: لرجل من قريش)
وفي الرواية السابقة قالوا لعمر بن الخطاب (فما منعني أن
أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من غيرتك) قال صاحب
الكواكب: علم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه عمر بن الخطاب بالوحي أو بالقرائن (قال) عمر (وعليك
أغار يا رسول الله) بواو العطف وهمزة الاستفهام مقدرة قال
المعبرون القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس
وضيق وقد يعبر دخول القصر بالتزوّج.
32 - باب الْوُضُوءِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (الوضوء في المنام).
7025 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا
نَائِمٌ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ
تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا
الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ
فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: عَلَيْكَ
بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد
الله بن بكير القرشي المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن
خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (سعيد بن المسيب) بفتح التحتية المشدّدة أو كسرها
لقوله سيب الله من سيبني (أن أبا هريرة) رضي الذي عنه
(قال: بينما) بالميم (نحن جلوس عند رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (في الجنة
فإذا امرأة) هي أم سليم وكان هذا في حال حياتها (تتوضأ إلى
جانب قصر فقلت) للملائكة (لمن هذا القصر فقالوا لعمر)
فأردت أن أدخله (فذكرت غيرته) بضمير الغائب وفي النكاح وهو
في المجلس (فوليت مدبرًا فبكى عمر) سرورًا لما منحه الله
أو تشوقًا إليه (وقال عليك) بإسقاط الاستفهام (بأبي أنت
وأمي يا رسول الله أغار) جملة معترضة أي أنت مفدى بأبي
وأمي وسقط لفظ أنت لأبي ذر.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: "فإذا امرأة تتوضأ" وقد
قيل إنه إنما ذكر الوضوء إشارة إلى أن الوضوء يوصل إلى
الجنة وإلى ذلك النعيم المقيم، وقال أهل التعبير: الوضوء
في المنام وسيلة أو عمل فإن أتمه في النوم حصل مراده في
اليقظة وإن تعذر لعزة الماء مثلاً أو توضأ بماء لا يجوز
فلا، والوضوء
(10/150)
للخائف أمان ويدل على حصول الثواب وتكفير
الخطايا.
33 - باب الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ فِى الْمَنَامِ
(باب الطواف) أي من رأى أنه يطوف (بالكعبة في المنام).
7026 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا
نَائِمٌ رَأَيْتُنِى أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا
رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنٍ يَنْطِفُ
رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ
مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ
جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى،
كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ
شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ» وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِى
الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله بن عمر أن) أباه (عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (أطوف
بالكعبة فإذا رجل آدم) أسمر (سبط الشعر) بسكون الموحدة
وكسرها أي مسترسله غير جعد يمشي متمايلاً (بين رجلين ينطف)
بضم الطاء المهملة وكسرها يقطر (رأسه ماء) بالنصب على
التمييز (فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم) عيسى عليه السلام
(فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر) اللون (جسيم جعد الرأس أعور
العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية) بارزة عن نظائرها (قلت:
من هذا؟ قالوا: هذا) الرجل (الدجال أقرب الناس به شبهًا
ابن قطن) بفتح القاف والطاء آخره نون عبد العزى واسم جده
عمرو (وابن قطن رجل من بني المصطلق) بسكون الصاد وفتح
الطاء المهملتين وبعد اللام المكسورة قاف ابن سعد (من
خزاعة) بالخاء والزاي المعجمتين، وفي باب {واذكر في الكتاب
مريم} [مريم: 16] من أحاديث الأنبياء: قال
الزهري رجل من خزاعة هلك في الجاهلية. قيل في الحديث أن
الدجال يدخل مكة دون المدينة لأن الملائكة الذين على
أنقابها يمنعونه من دخولها ورده بعضهم بأن الحديث لا دلالة
فيه على ذلك والنفي الوارد بأنه لا يدخلها محمول على الزمن
الآتي وقت ظهور شوكته لا السابق.
ومطابقة الحديث في قوله: رأيتني أطوف. قال المعبرون:
الطواف بالبيت ينصرف على وجوه فمن رأى أنه يطوف به فإنه
يحج وعلى التزويج وعلى أمر مطلوب من الإمام لأن الكعبة
إمام الخلق كلهم وقد يكون تطهيرًا من الذنوب لقوله تعالى:
{وطهر بيتي للطائفين} [الحج: 26] وقد يكون لمن يريد التسري
أو التزوّج بامرأة حسناء دليلاً على تمام إرادته.
وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء.
34 - باب إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِى النَّوْمِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا) رأى الشخص أنه (أعطى فضله) من
اللبن (غيره في النوم).
7027 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ
حَتَّى إِنِّى لأَرَى الرِّىَّ يَجْرِى، ثُمَّ أَعْطَيْتُ
فَضْلَهُ عُمَرَ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم ونسبه
لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد
الإمام (عن عقيل) بضم أوله ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حمزة بن عبد الله
بن عمر) بن الخطاب المدني شقيق سالم (أن) أباه (عبد الله
بن عمر) رضي الله عنهما (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة (بقدح لبن)
بالإضافة أي بقدح فيه لبن (فشربت منه حتى إني) بكسر الهمزة
(لأرى الري يجري) زاد في الرواية السابقة قريبًا من
أطرافي. وفي العلم وفي المغازي وأرى بفتح الهمزة والري
بكسر الراء وتشديد التحتية أي ما يتروى به وهو اللبن أو هو
إطلاق على سبيل الاستعارة وإسناد الجري إليه قرينة وقيل
الريّ اسم من أسماء اللبن قاله في الكواكب (ثم أعطيت فضله)
أي فضل اللبن (عمر) بن الخطاب وسقط لابن عساكر لفظ فضله
(قالوا: فما أوّلته يا رسول الله قال): أولته (العلم). قال
المهلب: رؤية اللبن في النوم تدل على السنة والفطرة والعلم
والقرآن لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا وهو
الذي يفتق أمعاءه وبه تقوم حياته كما تقوم بالعلم حياة
القلوب فهو يشاكل العلم من هذا الوجه، وقد يدل على الحياة
لأنها كانت به في الصغر وإنما أوله الشارع في عمر بالعلم
والله أعلم لعلمه صحة فطرته ودينه والعلم زيادة في الفطرة
اهـ.
وقال ابن الدقاق: اللبن يدل على الحمل وظهور الأسرار
والعلم والتوحيد وعلى الدواء للأدواء، واللبن الرائب هم
والمخيض أشد غلبة منه، ولبن ما لا يؤكل لحمه مال حرام
وديون وأمراض ومخاوف على قدر جوهر الحيوان.
وسبق مزيد لذلك في باب اللبن.
35 - باب الأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (الأمن وذهاب الروع) بفتح الراء الخوف (في
المنام).
7028 - حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ
بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
قَالَ: إِنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا يَرَوْنَ
الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولُ
فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ
السِّنِّ وَبَيْتِى الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ
فَقُلْتُ فِى نَفْسِى: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ
مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ؟ فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ
لَيْلَةً قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِىَّ
خَيْرًا فَأَرِنِى رُؤْيَا، فَبَيَّنَا أَنَا كَذَلِكَ
إِذْ جَاءَنِى مَلَكَانِ فِى يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَ بِى إِلَى جَهَنَّمَ
وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ
بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِى لَقِيَنِى مَلَكٌ فِى
يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ
نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ،
فَانْطَلَقُوا بِى حَتَّى وَقَفُوا بِى عَلَى شَفِيرِ
جَهَنَّمَ فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ
لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ
مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا
رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ رُءُوسُهُمْ
أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ
فَانْصَرَفُوا بِى عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (عبيد الله
بن سعيد) بضم العين في الأول
(10/151)
وكسرها في الثاني أبو قدامة اليشكري قال:
(حدّثنا عفان بن مسلم) الصفار البصري قال: (حدّثنا صخر بن
جويرية) بضم الجيم مصغرًا أبو نافع مولى بني تميم أو بني
هلال قال: (حدّثنا نافع أن) مولاه (ابن عمر) عبد الله بن
عمر -رضي الله عنهما- (قال: إن رجالاً) لم يسموا (من أصحاب
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانوا يرون
الرؤيا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيقصونها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التعبير (ما شاء الله وأنا غلام
حديث السن) أي صغيره، ولأبي ذر عن الكشميهني حديث السن
(وبيتي المسجد) آوي إليه (قبل أن أنكح) أي أتزوج (فقلت في
نفسي لو كان فيك خير) ولأبي ذر خيرًا (لرأيت مثل ما يرى
هؤلاء فلما اضطجعت ليلة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
ذات ليلة. وفي الفتح عزو هذه للكشميهني (قلت: اللهم إن كنت
تعلم فيّ) بتشديد التحتية (خيرًا فأرني) في منامى (رؤيا
فبينا) بغير ميم (أنا كذلك إذ جاءني ملكان) قال الحافظ ابن
حجر: لم أقف على اسمهما، ويحتمل أن يكونا أخبراه أنهما
ملكان (في يد كل واحد منهما مقمعة) بكسر الميم الأولى
وسكون القاف واحدة المقامع وهي سياط (من حديد) رؤوسها
معوجة (يقبلا بي) بضم التحتية وسكون القاف وكسر الموحدة
وبعد اللام ألف موحدة فتحتية من الإقبال ضد الإدبار ولأبي
ذر وابن عساكر يقبلان بي (إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله.
اللهم أعوذ) وللأصيلي إني أعوذ (بك من جهنم، ثم أراني) بضم
الهمزة (لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال) لي (لن
تراع) نصب بلن وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي لم
ترع جزم بلم بالميم أي لم تفزع، وليس المراد أنه لم يقع له
فزع بل لما كان الذي فزع منه لم يستمر فكأنه لم يفزع وعلى
الأول فالمراد أنك لا روع عليك بعد ذلك (نعم الرجل أنت لو
تكثر) ولأبي ذر عن الكشميهني لو كنت تكثر (الصلاة فانطلقوا
بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم فإذا هي مطوية كطي البئر)
ولأبي ذر: حتى وقفوا وجهنم مطوية فأسقط بي على شفير وقوله
فإذا هي وزادوا ويقبل جهنم (له) ولأبي ذر عن الكشميهني لها
بضمير المؤنث (قرون كقارون البئر) وهي جوانبها التي تبنى
من حجر توضع عليها الخشبة التي فيها البكرة والعادة لكل
بئر قرنان (بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد وأرى)
بفتح الهمزة (فيها) في جهنم (رجالاً معلقين) بفتح اللام
المشدّدة (بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم) أي منكسين (عرفت فيها
رجالاً من قريش) قال في الفتح: لم أقف في شيء من الطرق على
تسمية أحد منهم (فانصرفوا) أي الملائكة (بي ذات اليمين) أي
عن جهة اليمين.
7029 - فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا
حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ
صَالِحٌ» فَقَالَ نَافِعٌ: لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ
يُكْثِرُ الصَّلاَةَ.
(فقصصتها) بعد أن استيقظت من منامي (على حفصة) بنت عمر أم
المؤمنين -رضي الله عنهما- (فقصتها حفصة على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن عبد الله) أي ابن عمر (رجل صالح) زاد أبو ذر عن
الكشميهني لو كان يصلّي من الليل (فقال) ولابن عساكر قال
(نافع) مولى ابن عمر (لم) ولأبي ذر: فلم (يزل بعد ذلك) عبد
الله بن عمر (يكثر الصلاة) قال ابن بطال: في هذا الحديث أن
بعض الرؤيا لا يحتاج إلى تفسير وإن ما فسر في النوم فهو
تفسيره في اليقظة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم يزد في تفسير قول الملك. نعم الرجل أنت لو
كنت تكثر الصلاة، وفيه أن أصل التعبير من قبل الأنبياء،
ولذا تمنى ابن عمر أن يرى رؤيا فيعبرها له النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليكون ذلك عنده أصلاً، وأصل
العبير توقيف من قبل الأنبياء عليهم السلام لكن الوارد
عنهم في ذلك وإن كان أصلاً فلا يعم جميع المرئي فلا بد
للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره فيردّ ما لم ينص
عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح فيجعل
أصلاً يلتحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه اهـ.
وقال أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الفيلسوف العابر: اعلم
أن لكل علم أصولاً لا تتغير وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا
تعبيرًا لرؤيا فإنه يختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم
(10/152)
وصناعاتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم
وأديانهم ونحلهم ومذاهبهم وعاداتهم وربما يؤخذ تعبير
الرؤيا من الأمثال والأشباه والعكوس والأضداد وكل صاحب
صناعة وعلم فإنه يستغني بآلات
صناعته وأدوات علمه عن آلات صناعة وأسباب علم آخر إلا صاحب
التعبير فإنه ينبغي له أن يكون مطلعًا على جميع العلوم
عارفًا بالأديان والملل والمواسم والعادات المستمرة فيما
بين الأمم عارفًا بالأمثال والنوادر ويأخذ باشتقاق الألفاظ
وأن يكون فطنًا ذكيًّا حسن الاستنباط خبيرًا بعلم الفراسة
وكيفية الاستدلال من الهيئات الخلقية على الصفات الخلقية
حافظًا للأمور التي تختلف باختلاف تعبير الرؤيا أمثلته
بحسب الألفاظ المشتقة أن رجلاً رأى في منامه أنه يأكل
السفرجل فقال له المعبر يتفق لك سفرة عظيمة لأن أول جزأي
السفرجل هو السفر ورأى رجل أن رجلاً أعطاه غصنًا من أغصان
السوسن فقال له المعبر: يصيبك من هذا المعطى سوء تبقى في
ورطته سنة لأن السوسن أول جزء منه سو والسو يدل على الشر
والجزء الثاني سن والسنة اسم للعام الذي هو اثنا عشر شهرًا
لكن قال المسيحي إن هذا التعبير الذي بحسب الاشتقاق
للألفاظ العربية إنما يفسر به العرب ومن في بلادهم دون
غيرهم لأن للسفرجل والسوسن أسامي أخر لا تدل على هذا
التعبير فالسفرجل والسوسن لا يدلان على السفر والسوء في حق
من لا يكون من العرب ولا يتوطن ديار العرب ولكن يجعل
اشتقاق الألفاظ وكيفية الاستعمال منها على التعبير قانونًا
ودستورًا مستعملاً في سائر اللغات ويشتق في سائر اللغات من
الألفاظ والأسماء المستعملة فيها ما يوافق معنى الاشتقاق
من تلك اللغة دون غيرها كما إذا رأى فارسي في نومه أنه
يأكل السفرجل فيدل على صلاح شأنه وانتظام أحواله ولا يدل
على السفر في حقه لأن اسم السفرجل في لغة الفرس إنما هو به
وهذا بعينه اسم للخيرية اهـ.
36 - باب الأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ فِى النَّوْمِ
(باب الأخذ على اليمين في النوم).
7030 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا فِى عَهْدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُنْتُ
أَبِيتُ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَنْ رَأَى مَنَامًا
قَصَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِى عِنْدَكَ
خَيْرٌ فَأَرِنِى مَنَامًا يُعَبِّرُهُ لِى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنِمْتُ
فَرَأَيْتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِى فَانْطَلَقَا بِى
فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِى: لَنْ تُرَاعَ
إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَانْطَلَقَا بِى إِلَى النَّارِ،
فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا
فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ فَأَخَذَا بِى
ذَاتَ الْيَمِينِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِحَفْصَةَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال:
(أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن
راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن
الحارث القرشي أبو بكر الفقيه الحافظ المتفق على جلالته
وإتقانه (عن سالم عن ابن عمر) أبيه -رضي الله عنهما- أنه
(قال: كنت غلامًا شابًّا عزبًا) بفتح العين المهملة والزاي
والموحدة من لا زوجة له (في عهد النبي) ولأبي ذر في عهد
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكنت
أبيت في المسجد) فيه أنه لا كراهة في النوم في المسجد
(وكان) بواو العطف ولأبي ذر فكان (من رأى منامًا قصّه على
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: اللهم إن
كان لي عندك خير فأرني منامًا يعبره لي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم التحتية وفتح العين
وتشديد الموحدة المكسورة يقال عبر الرؤيا يعبرها وعبرها
يخفف ويثقل والتخفيف أكثر (فنمت فرأيت) في منامي (ملكين
أتياني) بالنون (فانطلقا بي) بالموحدة (فلقيهما ملك آخر
فقال لي: لن تراع) نصب بلن أي لا روع عليك ولا ضرر،
وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: لم ترع
جزم بلم أي لم تفزع (إنك رجل صالح) والصالح القائم بحقوق
الله تعالى حقوق العباد (فانطلقا بي) بالموحدة (إلى النار
فإذا هي مطوية كطيّ البئر) بالحجارة والآجر (فإذا فيها) أي
في النار (ناس قد عرفت بعضهم فأخذا بي) بالموحدة الملكان
(ذات اليمين) طريق أهل الجنة (فلما أصبحت ذكرت ذلك) الذي
رأيته في المنام (لحفصة) بنت عمر بن الخطاب -رضي الله
عنهما-.
7031 - فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أَنَّهَا قَصَّتْهَا عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ
يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ الزُّهْرِىُّ:
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ
مِنَ اللَّيْلِ.
(فزعمت حفصة أنها) أي قالت إنها (قصتها) أي رؤييا (على
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل) قيل
فيه الوعيد على ترك السنن وجواز وقوع العذاب على ذلك قاله
ابن بطال، لكن قال في الفتح أنه مشروط بالمواظبة على الترك
رغبة عنها
(10/153)
فالوعيد والتعذيب إنما يقع على المحرم وهو
الترك يفيد الأعراض.
(قال الزهري) محمد بن مسلم بالسند السابق (وكان) بالواو،
ولأبي ذر: فكان (عبد الله) بن عمر (بعد ذلك) أي بعد قوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن عبد الله رجل صالح
إلخ (يكثر الصلاة من الليل).
والحديث سبق قريبًا في الباب الذي قبل.
37 - باب الْقَدَحِ فِى النَّوْمِ
هذا (باب) رؤية (القدح) يعطاه الرجل (في النوم).
7032 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ،
فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِى عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني
بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد
الإمام ولأبي ذر ليث (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حمزة بن عبد الله عن) أبيه
(عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) أنه (قال:
سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة (بقدح لبن)
بالإضافة أي بقدح فيه لبن (فشربت منه ثم أعطيت فضلي) الذي
من اللبن (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (قالوا: فما
أوّلته يا رسول الله؟ قال): أوّلته (العلم) لاشتراكهما في
كثرة النفع، فاللبن غذاء الأطفال وسبب صلاحهم وقوّة
الأبدان بعد ذلك، وكذلك العلم سبب لصلاح الدنيا والآخرة.
وسبق الحديث مرارًا.
38 - باب إِذَا طَارَ الشَّىْءُ فِى الْمَنَامِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا طار الشيء) الذي ليس من
شأنه أن يطير من الرائي (في المنام) يعبر بحسب ما يليق به.
7033 - حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ
اللهِ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ
عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -، عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِى
ذَكَرَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن
محمد أبو عبد الله الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء الكوفي
وثبت أبو عبد الله الجرمي لأبي ذر قال: (حدّثنا يعقوب بن
إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن عبيدة) بضم
العين اسمه عبد الله (بن نشيط) بفتح النون وكسر المعجمة
وبعد التحتية الساكنة طاء مهملة وللكشميهني عن أبي عبيدة
بلفظ الكنية قال في الفتح والصواب ابن (قال: قال عبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (سألت
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن رؤيا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي ذكر) ولأبي ذر
ذكر مبنيًّا للمفعول.
وقد ظن أن المبهم هنا أبو هريرة ولفظه. قال ابن عباس:
فأخبرني أبو هريرة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
7034 - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِى أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِى
يَدَىَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا
وَكَرِهْتُهُمَا فَأُذِنَ لِى فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا،
فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ» فَقَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِىُّ الَّذِى
قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ.
(فقال ابن عباس: ذكر لي) بضم أوله مبنيًّا للمفعول وعدم
ذكر الصحابي غير قادح للاتفاق على عدالة الصحابة كلهم وفي
(1).
(بينا) بغير ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله: (رأيت) ولأبي
ذر أريت بتقديم الهمزة على الراء وضمها (أنه وضع) بضم
الواو (في يديّ) بالتثنية (سواران من ذهب) ولأبي ذر
إسواران بهمزة مكسورة قبل السين (ففظعتهما) بفاء العطف ثم
فاء أخرى مضمومة وتفتح وكسر الظاء المعجمة المشالة استعظمت
أمرهما (وكرهتهما) لكون الذهب من حلية النساء ومما حرم على
الرجال وقال بعضهم من رأى عليه سوارين من ذهب أصابه ضيق في
ذات يده فإن كانا من فضة فهو خير من الذهب وليس يصلح
للرجال في المنام من الحلي إلا التاج والقلادة والعقد
والخاتم (فأذن لي) بضم الهمزة وكسر المعجمة أن أنفخ
السوارين (فنفختهما فطارا فأوّلتهما كذابين يخرجان) أي
تظهر شوكتهما ومحاربتهما (فقال عبيد الله) بن عبد الله
المذكور في السند (أحدهما العنسي) بفتح العين وكسر السين
المهملتين بينهما نون ساكنة واسمه الأسود الصنعاني وكان
يقال له ذو الحمار لأنه علم حمارًا إذا قال له اسجد يخفض
رأسه وهو (الذي قتله فيروز) الديلمي (باليمن، والآخر
مسيلمة) الكذاب ابن حبيب الحنفي اليمامي وكان صاحب
نيرنجات، وفي قوله: فنفختهما فطارا إشارة إلى حقارة أمرهما
لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة،
وتعقبه ابن العربي القاضي أبو بكر بأن أمرهما كان في غاية
الشدة.
وأجاب في الفتح بأن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا
الحسية وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما ومناسبة هذا
التأويل لهذه الرؤيا أن اليدين بمنزلة البلدين والسوارين
بمنزلة الكذابين وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفا
والزخرف
_________
(1) هكذا بياض بالأصل.
(10/154)
من أسماء الذهب، وقد قال المعبرون: من رأى
أنه يطير إلى جهة السماء بغير تعريج فإنه ضرر فإن غاب في
السماء ولم يرجع مات فإن رجع أفاق من مرضه فإن طار عرضًا
سافر ونال رفعة بقدر طيرانه.
والحديث سبق في قصة العنسي في أواخر المغازي.
39 - باب إِذَا رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا رأى) شخص في منامه
(بقرًا تنحر).
7035 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِى
بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِى
الْمَنَامِ أَنِّى أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ
بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِى إِلَى أَنَّهَا
الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرٌ، فَإِذَا هِىَ الْمَدِينَةُ
يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ
فَإِذَا هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ
اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِى
أَتَانَا اللَّهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
العلاء) أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله
(عن جده أبي بردة) الحارث أو عامر (عن) أبيه (أبي موسى)
عبد الله بن قيس الأشعري قال البخاري أو الراوي عن أبي
موسى (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد رواه مسلم وغيره عن أبي كريب
محمد بن العلاء بالسند المذكور بدون قوله أراه بل جزموا
برفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه
(قال):
(رأيت في المنام أني أهاجر) بضم الهمزة (من مكة إلى أرض
بها نخل فذهب وهلي) بفتح الواو والهاء أو بسكون الهاء وهمي
(إلى أنها اليمامة) بفتح التحتية وتخفيف الميم بلاد الجوّ
بين مكة واليمن سميت بجارية زرقاء كانت تبصر الراكب من
مسيرة ثلاثة أيام فقيل أبصر من زرقاء اليمامة (أو هجر)
بفتح الهاء والجيم غير مصروف قاعدة أرض البحرين أو بلد
باليمن ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر الهجر بزيادة آل
(فإذا هي المدينة) الشريفة التي اسمها في الجاهلية (يثرب)
بالمثلثة (ورأيت فيها) في الرؤيا (بقرًا) بفتح القاف زاد
أحمد من حديث جابر تنحر وبهذه الزيادة تتم المطابقة بين
الحديث والترجمة ويتم تأويل الرؤيا (والله خير) مبتدأ وخبر
أي ثواب الله للمقتولين خير لهم من مقامهم في الدنيا أو
صنيع الله خير لهم، قيل والأولى أن يقال إنه من جملة
الرؤيا وأنها كلمة سمعها عند رؤياه البقر (فإذا هم) أي
البقر (المؤمنون) الذين قتلوا (يوم) غزوة (أُحد) بضم
الهمزة والحاء المهملة (وإذا الخير ما) أي الذي (جاء الله
به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله) بمد همزة آتانا
أي أعطانا الله (بعد يوم) غزوة (بدر) من تثبيت قلوب
المؤمنين لأن الناس جمعوا لهم فزادهم إيمانًا وتفرق العدوّ
منهم هيبة، أو المراد بالخير الغنيمة وبعد أي بعد الخير
فالثواب والخير حصلاً في يوم بدر قاله الكرماني.
قال في الفتح: وفي هذا السياق إشعار بأن قوله في الخير
والله خير من جملة الرؤيا، والذي يظهر أن لفظه لم يتحرر
إيراده وأن رواية ابن إسحاق هي المحررة وأنه رأى بقرًا
ورأى خيرًا فأوّل البقر على من قتل من الصحابة يوم أُحد
وأوّل الخير على ما حصل لهم من ثواب الصدق في القتال
والصبر على الجهاد يوم بدر وما بعده إلى فتح مكة، والبعدية
على هذا لا تختص بما بين بدر وأُحد نبه عليه ابن بطال،
ويحتمل أن يريد ببدر بدر الموعد لا الوقعة المشهورة
السابقة على أحد فإن بدر الموعد كانت بعد أُحد ولم يقع
فيها قتال، وكان المشركون لما رجعوا من أُحد قالوا: موعدكم
العام المقبل بدر، فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ومن انتدب معه إلى بدر، ولم يحضر المشركون
فسميت بدر الموعد فأشار بالصدق إلى أنهم صدقوا الوعد ولم
يخلفوه فأثابهم الله على ذلك بما فتح عليهم بعد ذلك من
قريظة وخيبر وما بعدهما اهـ.
وقوله: بعد يوم بدر بنصب دال بعد وجر ميم يوم بالإضافة كذا
في الفرع وغيره، وقال الكرماني: وفي بعضها بعد بالضم أي
بعد أُحد ويوم نصب على الظرفية، وعزا هذه في المصابيح
لرواية الجمهور، وقال المهلب: وهذه الرؤيا فيها نوعان من
التأويل فيها الرؤيا على حسب ما رئيت وهو قوله أهاجر إلى
أرض بها نخل وكذا هاجر فجرى على ما رأى وفيها ضرب المثل
لأنه رأى بقرًا تنحر فكانت البقر أصحابه فعبر عليه الصلاة
والسلام عن حالة الحرب بالبقر من أجل مالها من السلاح لشبه
القرنين بالرمحين لأن طبع البقر المناطحة والدفع عن أنفسها
بقرونها كما يفعله رجال الحرب وشبه عليه السلام النحر
بالقتل اهـ.
وقال ابن أبي طالب العابر: إذا دخلت البقر المدينة
(10/155)
سمانًا فهي سنين رخاء، وإن كانت عجافًا
كانت شدادًا.
40 - باب النَّفْخِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (النفخ في المنام).
7036 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْحَنْظَلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ
قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن
إبراهيم الحنظلي) المعروف بابن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي
ذر: أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم
أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام
بن منبه) بتشديد الميم والموحدة المكسورة أنه (قال: هذا ما
حدّثنا به أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(نحن الآخرون) زمانًا في الدنيا (السابقون). أهل الكتاب
وغيرهم منزلة وكرامة يوم القيامة، وقد كرر البخاري إيراد
هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من
رواية معمر عنه، وهو أول حديث في النسخة، وبقية أحاديثها
معطوفة عليه وكان إسحاق إذا أراد التحديث بشيء منها بدأ
بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما يريد كما قال هنا:
7037 - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ
خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِى يَدَىَّ سِوَارَانِ مِنْ
ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَىَّ وَأَهَمَّانِى فَأُوحِىَ
إِلَىَّ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا،
فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا
بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ».
(وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
بينا) بغير ميم (أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض فوضع) بضم
الواو مبنيًّا لما لم يسم فاعله (في يدي سواران) بالتثنية
رفع بالألف مفعول ناب عن فاعله ولأبي ذر فوضع بفتح الواو
مبنيًّا للفاعل أي وضع الآتي بخزائن الأرض في يدي سوارين
نصب بالياء على
المفعولية (من ذهب) صفة للسوارين (فكبرًا عليّ) بضم
الموحدة وشد التحتية من علي أي ثقلاً عليّ (وأهماني) أي
أقلقاني وأحزناني لأن الذهب حرام على الرجال ومن حلية
النساء (فأوحي إلي) على لسان الملك أو وحي الهام (أن
أنفخهما) بهمزة وصل (فنفختهما فطارا) إشارة إلى حقارة
الكذابين وأنهما يمحقان بأدنى ما يصيبهما من بأس الله حتى
يصيرا كالشيء الذي ينفخ فيه فيطير في الهواء وسقط لأبي ذر
لفظ فطارا (فأوَّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب
صنعاء) عبهلة بن كعب العنسي (وصاحب اليمامة) مسيلمة الكذاب
واسمه يمامة ومسيلمة لقب له، وإنما أوّل السوارين بذلك
لوضعهما في غير موضعهما لأن الذهب ليس من حلية الرجال
وكذلك الكذاب يضع الخبر في غير موضعه، وظاهر قوله اللذين
أنا بينهما أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين.
قال في الفتح: وهو كذلك لكن وقع في رواية ابن عباس يخرجان
بعدي والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما
ومحاربتهما ودعواهما النبوة نقله النووي عن العلماء وفيه
نظر لأن ذلك كله ظهر من الأسود بصنعاء في حياته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فادّعى النبوّة وعظمت شوكته،
وحارب المسلمين وقتل منهم وآل أمره إلى أن قتل في زمنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأما مسيلمة فادّعى
النبوّة في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا
أنه لم تعظم شوكته إلا في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- فإما
أن يحمل ذلك على التغليب، وإما أن يكون المراد بقوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدي أي بعد نبوّتي،
وتعقبه العيني فقال: في نظره نظر لأن كلام ابن عباس يصدق
على خروج مسيلمة بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وأما كلامه في حق الأسود فمن حيث إن أتباعه
ومن لاذ به تبعوا مسيلمة وقووا شوكته فأطلق عليه الخروج من
بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا
الاعتبار اهـ فليتأمل.
ومطابقة الحديث في قوله: فنفختهما والنفخ عند أهل التعبير
يعبر بالكلام، وقد أهلك الله الكذابين المذكورين بكلامه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمره بقتلهما.
والحديث سبق قريبًا.
41 - باب إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّىْءَ مِنْ
كُورَةٍ فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعًا آخَرَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا رأى) الشخص في منامه
(أنه أخرج الشيء من كورة) بضم الكاف وسكون الواو بعدها راء
مفتوحة فهاء تأنيث أي ناحية ولأبي ذر كما في الفتح من كوة
بحذف الراء وتشديد الواو قال الجوهري الكوّة بالفتح نقب
البيت وقد تضم قال في الفتح وبالراء هو المعتمد (فأسكنه)
أي ذلك الشيء الذي أخرجه (موضعًا آخر).
7038 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنِى أَخِى عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ
كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ
مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ وَهْىَ
الْجُحْفَةُ فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ
نُقِلَ إِلَيْهَا». [الحديث 7038 - طرفاه في: 7039، 7040].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس قال:
(حدّثني) بالإفراد (أخي عبد الحميد عن سليمان بن بلال)
التيمي مولاهم المدني (عن موسى بن
(10/156)
عقبة) بن أبي عياش بتحتية ومعجمة الأسدي
الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب
(عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(رأيت) في المنام (كأن امرأة سوداء ثائرة) شعر (الرأس)
متنفشة من ثار الشيء إذا انتشر وعند أحمد من رواية ابن أبي
الزناد عن موسى بن عقبة ثائرة الشعر والمراد شعر الرأس،
وزاد تفلة بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء بعدها لام أي
كريهة الرائحة (خرجت من المدينة) النبوية (حتى قامت
بمهيعة) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية والعين
المهملة بعدها هاء تأنيث وفسرها بقوله (وهي الجحفة) بضم
الجيم وسكون الحاء المهملة بعدها فاء مفتوحة ميقات أهل مصر
قال في الفتح: وأظن قوله وهي الجحفة مدرجًا من قول موسى بن
عقبة (فأوّلت) ذلك (أنه وباء المدينة نقل إليها) أي نقل من
المدينة إلى الجحفة لعدوان أهلها وأذاهم للناس، وكانوا
يهودًا وهذه الرؤيا كما قاله المهلب من قسم الرؤيا المعبرة
وهي مما ضرب به المثل ووجه التمثيل أنه شق من اسم السوداء
السوء والداء فتأول خروجها بما جمع اسمها وتأول ثوران شعر
رأسها أن الذي يسوء ويثير الشر يخرج من المدينة، وقيل لما
كانت الحمى مثيرة للبدن بالاقشعرار وارتفاع الشعر عبر عن
حالها في النوم بارتفاع شعر رأسها فكأنه قيل الذي يسوء
ويثير الشر يخرج من المدينة.
ومطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من قوله خرجت من المدينة لأن
في رواية ابن أبي الزناد أخرجت من المدينة وأسكنت بالجحفة
بزيادة همزة مضمومة قبل خاء أخرجت بالبناء لما لم يسم
فاعله وهو الموافق للترجمة، وظاهر الترجمة أن فاعل الإخراج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأنه نسبه
إليه لأنه دعا به حيث قال: "اللهم حبب إلينا المدينة وانقل
حماها إلى الجحفة".
والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة.
42 - باب الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ
(باب المرأة السوداء) يراها الشخص في النام.
7039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - فِى رُؤْيَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى الْمَدِينَةِ: «رَأَيْتُ امْرَأَةً
سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ
الْمَدِينَةِ، حَتَّى نَزَلَتْ بِمَهْيَعَةَ
فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى
مَهْيَعَةَ وَهْىَ الْجُحْفَةُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو بكر المقدمي) البصري ولأبي ذر وابن
عساكر حدّثنا محمد بن أبي بكر بدل قوله أبو بكر وهو محمد
بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي بالتشديد
الثقفي
مولاهم البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) النميري
بالنون المضمومة وفتح الميم أبو سليمان البصري قال:
(حدّثنا موسى) بن عقبة قال: (حدّثني) بالإفراد (سالم بن
عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (في
رؤيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
المدينة) قال:
(رأيت) وسقط لفظ قال في الخط والحديث عند الإسماعيلي عن
الحسن بن سفيان عن المقدمي شيخ المؤلّف فيه بلفظ فرؤيا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة
قال رسول الله: رأيت (امرأة سوداء ثائرة الرأس) بالمثلثة
متنفشًا شعر رأسها (خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة)
ولابن عساكر مهيعة بإسقاط الموحدة (فتأولتها) ولأبي ذر عن
الكشميهني فأولتها بإسقاط الفوقية بعد الفاء (أن وباء
المدينة نقل) منها (إلى مهيعة وهي الجحفة) بتقديم الجيم
على المهملة.
43 - باب الْمَرْأَةِ الثَّائِرَةِ الرَّأْسِ
(باب) رؤية (المرأة الثائرة) شعر (الرأس) يراها الشخص في
المنام.
7040 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِى
سُلَيْمَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ،
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ
ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى
قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ
الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهْىَ
الْجُحْفَةُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إبراهيم بن
المنذر) بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة الحزامي بالزاي
قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن أبي أويس) هو عبد
الحميد بن عبد الله بن أبي أويس الأصبحي قال: (حدّثني)
بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (سليمان) بن بلال (عن موسى بن
عقبة) الأسدي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(رأيت) في المنام (امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من
المدينة حتى قامت بمهيعة) وزاد أبو ذر وهي الجحفة (فأولت)
ذلك (أن وباء المدينة ينقل إلى مهيعة وهي الجحفة) ولأبي ذر
نقل إلى الجحفة لابن عساكر نقل إليها وثوران الرأس كما
قاله بعضهم مؤوّل بالحمى لأنها تثير البدن بالاقشعرار
وبارتفاع الرأس.
44 - باب إِذَا هَزَّ سَيْفًا فِى الْمَنَامِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا) رأى الشخص أنه (هزّ
سيفًا في المنام) بماذا يعبر؟.
7041 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى
مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِى رُؤْيَا أَنِّى هَزَزْتُ
سَيْفًا،
فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى
فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ
اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ
الْمُؤْمِنِينَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب قال: (حدّثنا
أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن
(10/157)
عبد الله) بضم الموحدة مصغرًا (ابن أبي
بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن جده أبي بردة عن أبي
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أراه) بضم
الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(رأيت في رؤيا) ولأبي ذر رؤياي بزيادة تحتية بعد الألف
(أني هززت سيفًا) هو ذو الفقار بفتح الهاء والزاي الأولى
وسكون الثانية بعدها فوقية (فانقطع صدره فإذا هو) أي
تأويله (ما أصيب من المؤمنين) بالقتل (يوم) غزوة (أُحد ثم
هززته) مرة (أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو) أي تأويله (ما
جاء الله به من الفتح) لمكة (واجتماع المؤمنين) وإصلاح
حالهم.
قال المهلب: هذه الرؤيا من ضرب المثل ولما كان -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصول بأصحابه عبر عن السيف
بهم عن هزه بأمره لهم بالحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم
وفي الهمزة الأخرى لما عاد إلى حالته من الاستواء عبّر عنه
باجتماعهم والفتح عليهم، وقد قال المعبرون: من تقلّد سيفًا
فإنه ينال سلطان ولاية أو وديعة يعطاها أو زوجة ينكحها إن
كان عزبًا أو ولد إن كانت زوجته حاملاً وإن جرد سيفًا
وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرّده في خصومة.
والحديث سبق في علامات النبوة بأتمّ من هذا.
45 - باب مَنْ كَذَبَ فِى حُلُمِهِ
(باب) ثم (من كذب في حلمه) بضم الحاء واللام وضبطه في
الفتح وغيره بسكون اللام.
7042 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ
يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ،
وَلَنْ يَفْعَلَ وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ
وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِى
أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صَوَّرَ
صُورَةً عُذِّبِ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ
بِنَافِخٍ». قَالَ سُفْيَانُ: وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ
وَقَالَ قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَوْلَهُ: مَنْ كَذَبَ فِى رُؤْيَاهُ وَقَالَ شُعْبَةُ
عَنْ أَبِى هَاشِمٍ الرُّمَّانِىِّ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَوْلَهُ مَنْ صَوَّرَ وَمَنْ
تَحَلَّمَ وَمَنِ اسْتَمَعَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة)
مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من تحلّم) بتشديد اللام من باب التفعل (بحلم) بضم اللام
وسكونها (لم يره) صفة لقوله بحلم وجزاء الشرط قوله (كلف)
بضم الكاف وتشديد اللام المكسورة وزاد الترمذي من حديث على
يوم القيامة (أن يعقد بين شعرتين) تثنية شعيرة (ولن) يقدر
أن (يفعل) وذلك لأن إيصال إحداهما بالأخرى غير ممكن عادة
وهو كناية عن استمرار التعذيب ولا دلالة فيه على جواز
التكليف بما لا يطاق لأنه ليس في دار التكليف، وعند أحمد
من رواية عباد بن عباد عن أيوب عذب حتى يعقد بين شعيرتين
وليس عاقدًا وعنده في رواية همام عن قتادة من تحلم كاذبًا
دفع إليه شعيرة وعذب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد وفي
اختصاص الشعير بذلك دون غيره لما في المنام من الشعور بما
دل عليه فحصلت المناسبة بينهما من جهة الاشتقاق، وإنما
اشتد الوعيد في ذلك مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد
مفسدة منه إذ قد تكون شهادته في قتل أو حدّ لأن الكذب في
المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره والكذب على الله
أشدّ من الكذب على المخلوقين. قال الله تعالى: {ويقول
الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} [هود: 18] الآية
وإنما كان كذبًا على الله لحديث الرؤيا جزء من النبوة وما
كان من أجزاء النبوّة فهو من قبل الله قاله الطبري فيما
نقله عنه في الفتح (ومن استمع إلى حديث قوم وهم له) لمن
استمع (كارهون) لا يريدون استماعه (أو يفرون منه) بالشك من
الراوي وعند أحمد من رواية عباد بن عباد وهم يفرون ولم يشك
(صب) بضم المهملة وتشديد الموحدة (في أذنه الآنك) بفتح
الهمزة الممدودة وضم النون بعدها كاف الرصاص المذاب (يوم
القيامة) جزاء من جنس عمله (ومن صوّر صورة) حيوانية (عذب
وكلف أن ينفخ فيها) الروح (وليس بنافخ) أي وليس بقادر على
النفخ فتعذيبه يستمر لأنه نازع الخالق في قدرته.
(قال سفيان) بن عيينة (وصله) أي الحديث المذكور (لنا أيوب)
السختياني المذكور.
(وقال قتيبة) بن سعيد (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري
(عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه- (قوله) أي قول أبي هريرة (من كذب في رؤياه) وهذا وصله
في نسخة قتيبة عن أبي عوانة رواية النسائي عنه من طريق
عليّ بن محمد الفارسي عن محمد بن عبد الله بن زكريا بن
حيويه عن النسائي بلفظه عن أبي هريرة قال: من كذب في رؤيا
كلف أن يعقد بين طرفي شعيرة ومن استمع الحديث ومن صور
الحديث
(10/158)
ووصله أيضًا أبو نعيم في المستخرج من طريق
خلف بن هشام عن أبي عوانة بهذا السند كذلك موقوفًا.
(وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله الإسماعيلي من طريق عبيد
الله بن معاذ العنبري عن أبيه عن شعبة (عن أبي هاشم) بألف
بعد الهاء يحيى بن دينار ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن
أبي هشام بألف بعد الشين قال في الفتح وهو غلط (الرماني)
بضم الراء وفتح الميم المشددة وبعد الألف نون كان ينزل قصر
الرمان بواسط (سمعت عكرمة) يقول (قال أبو هريرة) -رضي الله
عنه- (قوله من صوّر) زاد أبو ذر صورة (ومن تحلم) أي كاذبًا
كلف أن يعقد شعيرة (ومن استمع) أي إلى حديث قوم إلى آخره.
0000 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ
خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
مَنِ اسْتَمَعَ وَمَنْ تَحَلَّمَ وَمَنْ صَوَّرَ نَحْوَهُ.
تَابَعَهُ هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَوْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن شاهن بن الحارث الواسطي
أبو بشر قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن
خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه
(قال: من استمع ومن تحلّم ومن صوّر نحوه) أي نحو الحديث
السابق، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وهب بن منبه عن خالد
بن عبد الله فذكره بهذا السند إلى ابن عباس عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرفعه ولفظه من استمع
إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك ومن تحلم كلف
أن يعقد شعيرة يعذب بها وليس بفاعل ومن صور صورة عذّب حتى
يعقد بين شعيرتين وليس عاقدًا. (تابعه) أي تابع خالد
الحذاء (هشام) هو ابن حسان القردوسي بضم القاف والمهملة
بينهما راء ساكنة وبعد الواو سين مهملة (عن عكرمة عن ابن
عباس قوله) أي من قوله موقوفًا عليه، وهذه المتابعة
الموقوفة لم يرها الحافظ ابن حجر كما قاله في المقدمة.
والمطابقة في قوله ومن تحلم لكنه قال في الترجمة من كذب في
حلمه إشارة لما ورد في بعض طرقه عند الترمذي عن عليّ رفعه
من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد.
والحديث أخرجه أبو داود في الأدب.
7043 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنْ أَفْرَى
الْفِرَى أَنْ يُرِىَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن مسلم) الطوسي نزيل بغداد قال:
(حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد قال: (حدّثنا
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مولى ابن عمر) صدوق يخطئ
ولم يخرج له البخاري شيئًا إلا وله فيه متابع أو شاهد (عن
أبيه) عبد الله بن دينار العدوي مولاهم المدني الثقة (عن
ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من) ولأبي ذر وابن عساكر: إن من (أفرى الفرى) بفاء ساكنة
بعد همزة مفتوحة في الأولى وكسرها في الثانية مع القصر جمع
فرية الكذبة العظيمة التي يعجب منها أي أعظم الكذب (أن
يري) الشخص بضم التحتية وكسر الراء (عينيه) بالتثنية منصوب
بالياء مفعول يرى (ما لم تر) ولابن عساكر ما لم تره أي
ينسب إلى عينيه أنهما رأيا ويخبر عنهما بذلك، والحديث من
أفراده.
46 - باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلاَ يُخْبِرْ بِهَا
وَلاَ يَذْكُرْهَا
هذا (باب) بالتنوين (إذا رأى) الشخص في منامه (ما يكره فلا
يخبر بها) بالرؤيا أحدًا (ولا يذكرها) لأحد.
7044 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى
الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِى، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا
قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا
تُمْرِضُنِى حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ
مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ
يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا
يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ
شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا وَلاَ يُحَدِّثْ
بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) الهروي نسبة لبيع الثياب
الهروية البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد ربه
بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن
بن عوف (يقول: لقد كنت أرى الرؤيا) ولابن عساكر أرى بعيني
الرؤيا (فتمرضني) بضم الفوقية وسكون الميم وكسر الراء وضم
الضاد المعجمة (حتى سمعت أبا قتادة) الحارث وقيل النعمان
وقيل عمر الأنصاري (يقول: وأنا كنت لأرى) باللام ولأبي ذر
عن الحموي والكشميهني أرى (الرؤيا) في منامي (تمرضني حتى
سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم) في منامه (ما يحب
فلا يحدّث به إلا من يحب) لأن الحبيب إن عرف خيرًا قاله
وإن جهل أو شك سكت بخلاف غيره فإنه يعبرها له بغير ما يحب
بغضًا وحسدًا فربما وقع ما فسر به إذ الرؤيا لأول عابر،
وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا (وإذا رأى)
فيه (ما يكره فليتعوّذ بالله من شرها) أي الرؤيا (ومن شر
الشيطان) لأنه الذي يخيل فيها (وليتفل) بضم الفاء ولغير
أبي ذر بكسرها أي عن يساره (ثلاثًا). أي ثلاث مرات
استقذارًا للشيطان واحتقارًا له كما يفعل الإنسان
(10/159)
عند الشيء القدّر يراه أو يذكره ولا شيء
أقذر من الشيطان فأمر بالتفل عند ذكره وكونه ثلاثًا مبالغة
في إحسائه (ولا يحدّث بها أحدًا فإنها) أي الرؤيا المكروهة
(لن تضره) لأن ما ذكر من التعوّذ وغيره سبب للسلامة من
ذلك.
7045 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى
ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا رَأَى
أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ
اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ
بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ
فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ
شَرِّهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ
تَضُرَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي
ابن عمر بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق
القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن
أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار
(والدراوردي) عبد العزيز بن محمد (عن يزيد) من الزيادة
ولأبي ذر عن المستملي زيادة ابن عبد الله بن أسامة بن
الهاد الليثي بالمثلثة (عن عبد الله بن خباب) بفتح المعجمة
وتشديد الموحدة الأولى (عن أبي سعيد الخدري) بالدال
المهملة -رضي الله عنه- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله
عليها) على الرؤيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليه أي
على المرئي (وليحدث بها) أي من يحبه (وإذا رأى غير ذلك مما
يكره) بفتح التحتية وسكون الكاف (فإنما هي من الشيطان) أي
من طبعه وعلى وفق رضاه (فليستعذ) أي بالله (من شرها ولا
يذكرها لأحد فإنها لن تضره) نصب بلن، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي لا تضره.
قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان وأما ما كان من خير
أو شر فهو واقع لا محالة كرؤيا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البقر والسيف. قال: وقوله ولا يذكرها
لأحد يدل على أنها إن ذكرت فربما أضرت.
فإن قلت: قد مرّ أن الرؤيا قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على
استعداد البلاء قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده لئلا يقع
على غرة فإذا وقع على مقدمة وتوطين كان أقوى للنفس وأبعد
لها من أذى البغتة فما وجه كتمانها؟ أجيب: بأنه إذا أخبر
بالرؤيا المكروهة يسوء حاله لأنه لم يأمن من أن تفسر له
بالمكروه فيستعجل الهم ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه
فيسوء حاله ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها ويجعل ذلك
نصب عينيه، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
داواه من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من
كتمانها والتعوذ بالله من شرها وإذا لم تفسر له بالمكروه
بقي بين الطمع والرجاء فلا يجزع لأنها من قبل الشيطان أو
لأن لها تأويلاً آخر محبوبًا فأراد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها
بالمكروه، فلو أخبر بذلك كله دهره دائمًا من الاهتمام بما
لا يؤذيه أكثره وهذه حكمة بالغة فجزاه الله عنا ما هو
أهله.
والحديث سبق في باب الرؤيا من الله.
47 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَِوَّلِ عَابِرٍ
إِذَا لَمْ يُصِبْ
(باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) في العبارة إذ
المدار على إصابة الصواب فحديث الرؤيا لأول عابر المروي عن
أنس مرفوعًا معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب
وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، لكن يعارضه حديث أبي
رزين أن الرؤيا إذا عبرت وقعت إلا أن يدعى تخصيص عبرت بأن
يكون عابرها عالمًا مصيبًا ويعكر عليه قوله في الرؤيا
المكروهة ولا يحدث بها أحد فقيل في حكمة النهي أنه ربما
فسرها تفسيرًا مكروهًا على ظاهرها مع احتمال أن تكون
محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر. وأجيب: باحتمال أن تكون
تتعلق بالرائي فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه
أنه يبادر غيره ممن يصيب فيسأله فإن قصر الرائي فلم يسأل
الثاني وقعت على ما فسر الأول.
7046 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ
رَجُلاً أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ
ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ
يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ
وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ
إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ،
ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ
أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ
رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَاللَّهِ
لَتَدَعَنِّى فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اعْبُرْ» قَالَ: أَمَّا
الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنَ
الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ،
فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ
وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ
بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ
مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ
آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ
فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ
فَأَخْبِرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ
أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصَبْتَ بَعْضًا
وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» قَالَ: فَوَاللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى
بِالَّذِى أَخْطَأْتُ قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير المخزومي مولاهم المصري بالميم ونسبه لجده قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله)
بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن ابن عباس
-رضي الله عنهما- كان يحدث أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر:
لم أقف على اسمه (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وفي مسلم من طريق سليمان بن كثير عن الزهري أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مما
يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها" فجاء رجل
وعنده أيضًا من رواية سفيان بن عيينة: جاء رجل إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(10/160)
وَسَلَّمَ- منصرفه من أحد (فقال): يا رسول
الله (إني رأيت الليلة في المنام ظلة) بضم الظاء المعجمة
وتشديد اللام سحابة لأنها تظل ما تحتها، وزاد الدارمي من
طريق سليمان بن كثير وابن ماجة من طريق سفيان بن عيينة بين
السماء والأرض (تنطف) بسكون النون وضم الطاء المهملة
وكسرها تقطر (السمن والعسل فأرى الناس يتكففون) أي يأخذون
بأكفهم (منها فالمستكثر) أي فمنهم المستكثر في الأخذ (و)
منهم (المستقل) فيه أي منهم الآخذ كثيرًا والآخذ قليلاً
(وإذا سبب) أي حبل (واصل من الأرض إلى السماء فأراك) يا
رسول الله (أخذت به فعلوت) وفي رواية سليمان بن كثير
المذكورة فأعلاك الله (ثم أخذ به) بالسبب ولابن عساكر ثم
أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم
أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم
أخذه (رجل آخر فانقطع ثم وصل) بضم الواو وكسر الصاد (فقال
أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (يا رسول الله بأبي أنت)
مفدي (والله لتدعني) بفتح اللام للتأكيد والدال والعين
وكسر النون المشددة لتتركني (فأعبرها) بضم الموحدة وفتح
الراء، وزاد سليمان في روايته وكان من أعبر الناس للرؤيا
بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(اعبر) ولأبي ذر اعبرها بالضمير المنصوب (قال) أبو بكر:
(أما الظلة فالإسلام) لأن الظلة
نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني
إسرائيل وكذلك كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تظله الغمامة قبل نبوته وكذلك الإسلام يقي الأذى وينعم به
المؤمن في الدنيا والآخرة (وأما الذي ينطف من العسل والسمن
فالقرآن حلاوته تنطف) قال تعالى في العسل: {شفاء للناس}
[النحل: 69] وفي القرآن: {شفاء لما في الصدور} [يونس: 57]
ولا ريب أن تلاوة القرآن تحلو في الأسماع كحلاوة العسل في
المذاق بل أحلى (فالمستكثر من القرآن والمستقل) منه (وأما
السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه
تأخذ به فيعليك الله) أي يرفعك به (ثم يأخد به رجل من بعدك
فيعلو به) فسّر بالصديق -رضي الله عنه- لأنه يقوم بالحق
بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته (ثم
يأخذ رجل) ولأبي ذر يأخذ به رجل (آخر) هو عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه- (فيعلو به ثم يأخذ) ولأبي ذر عن الكشميهني
ثم يأخذ به (رجل آخر) هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
(فينقطع به ثم يوصل) بالتخفيف والذي في اليونينية ثم يوصل
(له فيعلو به) يعني أن عثمان كاد أن ينقطع عن اللحاق
بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر
عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل فالتحق بهم
(فأخبرني) بكسر الموحدة وسكون الراء (يا رسول الله بأبي
أنت) مفدي (أصبت) في هذا التعبير (أم أخطأت؟ قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (أصبت بعضًا
وأخطأت بعضًا) قيل خطؤه في التعبير لكونه عبّر بحضوره
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق بتعبيرها، وقيل أخطأ
لمبادرته تعبيرها قبل أن يأمره به، وتعقب بأنه عليه الصلاة
والسلام أذن له في ذلك وقال اعبرها.
وأجيب: بأنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو بالسؤال أن يأذن
له في تعبيرها فأذن له، وقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن
تتولى تعبيرها، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر فالظاهر
أنه أراد الخطأ في التعبير لا لكونه التمس التعبير.
قال ابن هبيرة: إنما أخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو كان أخطأ في
التعبير لم يقرّه عليه وقيل: أخطأ لكونه عبّر السمن والعسل
بالقرآن فقط وهما شيئان كان من حقه أن يعبرهما بالقرآن
والسنّة لأنها بيان للكتاب المنزّل عليه وبهما تتم الأحكام
كتمام اللذة بهما، وقيل وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الظلة،
والسمن والعسل القرآن والسُّنّة، وقيل: يحتمل أن يكون
السمن والعسل العلم والعمل وقيل الفهم والحفظ.
(10/161)
وتعقب ذلك في المصابيح فقال: لا يكاد ينقضي
العجب من هؤلاء الذين تعرضوا إلى تبيين الخطأ في هذه
الواقعة مع سكوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن ذلك وامتناعه منه بعد سؤال أبي بكر له في
ذلك حيث (قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت)
في وثبت قوله يا رسول الله لأبي ذر وابن عساكر (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تقسم) فكيف لا
يسع هؤلاء من السكوت ما وسع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وماذا يترتب على ذلك من الفائدة
فالسكوت عن ذلك هو المتعين اهـ.
وحكى ابن العربي أن بعضهم سئل عن بيان الوجه الذي أخطأ فيه
أبو بكر فقال: من الذي يعرفه؟ ولئن كان تقدم أبي بكر بين
يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للتعبير
خطأ فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين
خطئه أعظم وأعظم فالذي يقتضيه الدين الكف عن ذلك. وأجاب في
الكواكب: بأنهم إنما قدموا على تبيين ذلك مع أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبينه لأن هذه الاحتمالات
لا جزم فيها أو لأنه كان يلزم في بيانه مفاسد للناس واليوم
زال ذلك.
إرشاد:
قال الحافظ ابن حجر أثابه الله: جميع ما ذكر من لفظ الخطأ
ونحوه إنما أحكيه عن قائليه ولست راضيًا بإطلاقه في حق
الصديق -رضي الله عنه- اهـ.
وقوله عليه الصلاة والسلام "لا تقسم" بعد إقسام أبي بكر
-رضي الله عنه- أي لا تكرر يمينك. قال النووي: قيل إنما لم
يبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسم أبي
بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا
مشقة ظاهرة قال: ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من انقطاع
السبب بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المريبة فكره
ذكرها خوف شياعها.
والحديث أخرجه مسلم في التعبير وأبو داود في الإيمان
والنذور والنسائي وابن ماجة في الرؤيا.
48 - باب تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ
(باب) جواز (تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح) قبل طلوع الشمس
أو استحبابها لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها ومعرفته ما
يستبشر به من الخير أو يحذر من الشر ولحضور ذهن العابر
وقلة شغله بالتفكر في معاشه قاله المهلب.
7047 - حَدَّثَنِى مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ
بْنُ جُنْدَبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا
يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟» قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ
شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ
غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتِيَانِ
وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِى وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِى:
انْطَلِقْ وَإِنِّى انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا وَإِنَّا
أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ
عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِى بِالصَّخْرَةِ
لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ
هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلاَ
يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ
ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ
الْمَرَّةَ الأُولَى قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ
اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقْ قَالَ:
فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ
لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ
مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِى أَحَدَ شِقَّىْ
وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ
وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ»
قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ قَالَ:
«ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ
بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا
يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ
الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ،
فَيَفْعَلُ مِثْلَ
مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى قَالَ: قُلْتُ سُبْحَانَ
اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقْ،
فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ»
قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «فَإِذَا فِيهِ
لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا
فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ
لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ
اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاَءِ؟
قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ؟ فَانْطَلَقْنَا
فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ» حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ: «أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِى النَّهَرِ
رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ
رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا
ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِى
ذَلِكَ الَّذِى قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ
فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ
يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ
إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا قَالَ:
قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقِ
انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ
كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً
مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى
حَوْلَهَا قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالاَ
لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى
رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ
وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَىِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لاَ
أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِى السَّمَاءِ، وَإِذَا
حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ
قَطُّ قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا مَا هَؤُلاَءِ؟
قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ قَالَ:
فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ
لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ
قَالَ: قَالاَ لِى ارْقَ فِيهَا قَالَ: فَارْتَقَيْنَا
فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ
بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ فَأَتَيْنَا بَابَ
الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا
فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ
خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ
كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَ: قَالاَ لَهُمُ
اذْهَبُوا فَقَعُوا فِى ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا
نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِى كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِى
الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا
إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ،
فَصَارُوا فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَ: قَالاَ لِى هَذِهِ
جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ: فَسَمَا
بَصَرِى صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ
الْبَيْضَاءِ قَالَ: قَالاَ هَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ:
قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِى
فَأَدْخُلَهُ قَالاَ: أَمَّا الآنَ فَلاَ وَأَنْتَ
دَاخِلُهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ
مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِى رَأَيْتُ
قَالَ: قَالاَ لِى أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ أَمَّا
الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ
رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ
الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ
الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ
عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ
إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ
الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ
تَبْلُغُ الآفَاقَ وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ
الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ
فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِى، وَأَمَّا الرَّجُلُ
الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِى النَّهَرِ
وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا وَأَمَّا
الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِى عِنْدَ النَّارِ،
يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ
خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِى
فِى الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ
حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ»
قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ؟ وَأَمَّا
الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا
وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا
عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ
عَنْهُمْ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (مؤمل بن
هشام أبو هشام) بألف بعد الشين فيهما وعند أبي ذر أبو هاشم
وقال: صوابه أبو هشام أي بألف بعد الشين بموافقة كنيته
لاسم أبيه ومؤمل بفتح الميم الثانية بوزن محمد اليشكري
البصري ختن إسماعيل ابن علية روى عنه البخاري هنا وفي
الزكاة والحج والتهجد وبدء الخلق وتفسير براءة قال:
(حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المشهور بابن علية أمه قال:
(حدّثنا عوف) الأعرابي قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران
العطاردي قال: (حدثنا سمرة بن جندب) بضم الدال وفتحها
(-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما يكثر) ولأبي ذر عن الكشميهني يعني
مما يكثر (أن يقول لأصحابه):
(هل رأى أحد منكم من رؤيا؟) قال في شرح المشكاة مما قرأته
فيه مما خبر كان وما موصولة ويكثر صلته والضمير الراجع إلى
ما فاعل يقول وأن يقول فاعل يكثر وهل رأى أحد منكم هو
المقول أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كائنًا من النفر الذين كثر منهم هذا القول فوضع ما موضع من
تفخيمًا وتعظيمًا لجانبه كقوله تعالى: {والسماء وما بناها}
[الشمس: 5] وسبحان ما سخركن لنا، وتحريره كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن يجيد تعبير
الرؤيا وكان له مشارك في ذلك منهم لأن الإكثار من هذا
القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه ووثق بإصابته كقولك: كان
زيد من العلماء بالنحو ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه
السلام: {نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} [يوسف: 36]
أي المجيدين في عبارة الرؤيا وعلمًا ذلك مما رأياه منه إذ
يقص عليه بعض أهل السجن هذا من حيث البيان وأما من طريق
النحو فيحتمل أن يكون قوله: هل رأى أحد منكم من رؤيا مبتدأ
والخبر مقدم عليه على تأويل هذا القول مما يكثر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقوله ولكن أين
الثريا من الثرى! اهـ. فأشار بقوله: ولكن أين الثريا كما
قال في الفتح إلى ترجيح الوجه السابق والمتبادر هو الثاني
وهو الذي اتفق عليه أكثر الشارحين.
(قال) سمرة بن جندب (فيقص
(10/162)
عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(من شاء الله أن يقص) بفتح الياء وضم القاف فيهما كذا في
رواية النسفيّ من بالنون ولغيره ما وهي للمقصوص ومن للقاص
(وأنه قال لنا) لفظ لنا ثابت في بعض الأصول المعتمدة ساقط
من اليونينية (ذات غداة) لفظ الذات مقحم أو هو من إضافة
المسمى إلى اسمه ({إنه أتاني الليلة آتيان}) بمدّ الهمزة
وكسر الفوقية، وفي حديث عليّ عند ابن أبي حاتم ملكان، وفي
الجنائز من رواية جرير أنهما جبريل وميكائيل (وإنهما
ابتعثاني) بموحدة ساكنة وفوقية فعين مهملة فمثلثة وبعد
الألف نون أرسلاني ولأبي ذر عن الكشميهني انبعثا بي بنون
فموحدة وبعد الألف موحدة (وأنهما قالا لي انطلق) بكسر
اللام مرة واحدة (وإني انطلقت معهما) معطوف على قوله
وأنهما قالا لي أي حصل منهما القول ومني
الانطلاق وزاد جرير بن حازم في روايته إلى الأرض المقدسة
وفي حديث عليّ فانطلقا بي إلى السماء (وإنا أتينا على رجل
مضطجع) وفي رواية جرير مستلق على قفاه. قال الطيبي: وذكر
عليه الصلاة والسلام إن المؤكدة أربع مرات تحقيقًا لما رآه
وتقريرًا لقوله: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا
من النبوة (وإذا) رجل (آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي)
بفتح الياء وكسر الواو بينهما هاء ساكنة ولأبي ذر يهوي بضم
أوله من الرباعي (بالصخرة لرأسه فيثلغ) بفتح التحتية وسكون
المملثة وبعد اللام المفتوحة غين معجمة أي فيشدخ (رأسه)
والشدخ كسر الشيء الأجوف (فيتهدهد) بتحتية ففوقية فهاء
مفتوحات فدالين مهملتين الأولى منهما ساكنة بينهما هاء
مفتوحة ولأبي ذر عن المستملي فيتدهدأ بزيادة همزة آخره وفي
الفرع كأصله علامة ابن عساكر فوق الهمزة لكنه ضبب على
العلامة المذكورة وللكشميهني فيتدادا بدالين بينهما ألف
وآخره ألف أخرى من غير همز ولا هاء وله مما في الفتح
يتدأدأ بهمزتين الأولى ساكنة والهمزة تبدل من الهاء كثيرًا
ولأبي ذر عن الحموي فيتدهده بدالين بينهما هاء ساكنة وآخره
هاء أخرى فيتدحرج (الحجر) ويندفع من علو إلى سفل (هاهنا)
أي إلى جهة الضارب (فيتبع) بالتخفيف الرجل القائم (الحجر
فيأخذه) ليصنع به كما صنع أولاً (فلا يرجع إليه) إلى الذي
ثلغ رأسه (حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود) الرجل (عليه) على
المضطجع (فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى) ولأبي ذر مرة
الأولى (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(قلت لهما) أي للملكين (سبحان الله ما هذان) الرجلان؟
(قال) عليه السلام (قالا) أي الملكان (لي انطلق انطلق)
بالتكرار مرتين لأبي ذر في الفرع كأصله وفي الأول بغير
تكرار، وقال في الفتح بالتكرار في المواضع كلها وسقط في
بعضها التكرار لبعضهم (قال) عليه السلام (فانطلقنا فأتينا
على رجل مستلق لقفاه وإذا) رجل (آخر قائم عليه بكلوب من
حديد) بفتح الكاف وتضم وضم اللام المشددة له شعب يعلق بها
اللحم (وإذا هو) أي الرجل القائم (يأتي أحد شقي وجهه) أي
وجه المستلقي لقفاه (فيشرشر) بمعجمتين وراءين. قال صاحب
العين فيشرشر أي فيقطع (شدقه) بكسر المعجمة والإفراد جانب
فمه. (إلى قفاه) ويقطع (منخره) بفتح الميم وكسر الخاء
المعجمة (إلى قفاه وعينه إلى قفاه) بفراد العين كالمنخر.
(قال: وربما قال أبو رجاء) العطاردي (فيشق) بدل فيشرشر
(قال: ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل
بالجانب الأول فما يفرغ من) شق (ذلك الجانب حتى يصح ذلك
الجانب كما كان ثم يعود) الرجل (عليه فيفعل) به (مثل ما
فعل المرة الأولى قال قلت) لهما (سبحان الله ما هذان)
الرجلان أي ما شأنهما (قال: قالا لي انطلق انطلق) بالتكرار
مرتين لأبي ذر وكذا في نسخة لابن عساكر (فانطلقنا فأتينا
على مثل التنور) بفتح الفوقية وتشديد النون المضموبة الذي
يخبز فيه، وفي رواية جرير في الجنائز فانطلقنا إلى ثقب مثل
التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نار. قال الداودي
ولعل ذلك التنور على جهنم (قال: فأحسب) بالفاء
(10/163)
ولأبي ذر وأحسب (أنه كان يقول فإذا فيه
لغط) بالمعجمة ثم المهملة جلبة وصيحة لا يفهم معناها
(وأصوات. قال: فاطلعنا فيه) في الثقب (فإذا فيه رجال ونساء
عراة وإذا هم يأتيهم لهب) بفتح الهاء وهو لسان النار أو
شدة اشتعالها (من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا)
بضادين معجمتين مفتوحتين بينهما واو ساكنة وآخره واو أخرى
ساكنة أيضًا بلا همز بلفظ الماضي صاحوا (قال قلت لهما)
ولأبي ذر لهم (ما هؤلاء) الرجال والنساء العراة؟ (قال:
قالا لي انطلق انطلق) مرتين (قال؛ فانطلقنا فأتينا على نهر
حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح
يسبح) عامّ يعوم (وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة
كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح) بصيغة المضارع فيهما،
وفي الفتح بفتحتين وتخفيف الموحدة في الثاني (ثم يأتي ذلك)
الرجل (الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر) بتحتية مفتوحة
ففاء ساكنة فغين معجمة مفتوحة فيفتح (له فاه) فمه (فيلقمه
حجرًا) بضم التحتية (فينطلق يسبح) في النهر (ثم يرجع إليه
كلما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كما (رجع إليه فغر)
فتح (له فاه فألقمه حجرًا قال: قلت لهما ما) شأن (هذان)
الرجلان؟ (قال: قالا لي انطلق انطلق) بالتكرار مرتين (قال:
فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرأة) بفتح الميم وسكون
الراء وهمزة ممدودة ثم هاء تأنيث أي كريه المنظر (كأكره)
بفتح الهاء وكسرها (ما أنت راء رجلاً مرآة) بفتح الميم
(وإذا عنده نار يحشها) بحاء مهملة وشين معجمة مشددة
مضمومتين يحركها ويوقدها ولأبي ذر وابن عساكر نار له يحشها
(ويسعى حولها قال قلت لهما: ما هذا) الرجل؟ (قال: قالا لي
انطلق انطلق) بالتكرار مرتين (فانطلقنا فأتينا على روضة
معتمة) بضم الميم وسكون العين المهملة بعدها فوقية فميم
مشددة مفتوحتين آخره هاء تأنيث طويلة النبات وقيل غطاها
الخصب والكلأ كالعمامة على الرأس، وضبطها بعضهم بكسر
الفوقية وتخفيف الميم.
قال السفاقسي: ولا يظهر له وجه. وأجاب في المصابيح فقال:
يلوح لي فيه وجه مقبول وذلك أن خضرة الزرع إذا اشتدت وصفت
بما يقتضي السواد كقوله تعالى: {والذي أخرج المرعى فجعله
غثاء أحوى} [الأعلى: 4] وقد ذهب الزجاج إلى أن أحوى حال من
المرعى أخر عن الجملة المعطوفة وأن المراد وصفه بالسواد
لأجل خضرته فكذلك تقول وصفت الروضة بشدة خضرتها بالسواد
فقيل معتمة من قولك أعمّ الليل إذا أظلم فتأمله اهـ.
وبه قال الحافظ ابن حجر ولفظه الذي يظهر لي أنه من العتمة
وهي شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله: {مدهامتان}
[الرحمن: 64] (فيها) في الروضة (من كل نور الربيع) بفتح
النون أي زهره، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من كل لون
الربيع (وإذا بين ظهري الروضة) بفتح الراء وكسر التحتية
تثنية ظهر أي وسطها (رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في
السماء) بنصب طولاً على التمييز (وإذا حول الرجل من أكثر
ولدان رأيتهم قط) قال في شرح المشكاة أصل التركيب إذا حول
الرجل ولدان ما رأيت ولدانًا قط أكثر منهم ولما كان هذا
التركيب متضمنًا
معنى النفي جاز زيادة من، وقط التي تختص بالماضي المنفي
(قال: قلت لهما ما هذا) الرجل الطويل؟ (ما هؤلاء) الولدان؟
قال الطيبي: ومن حق الظاهر أن يقول من هذا فكأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى حاله من الطول المفرط
خفي عليه أنه من أيّ جنس هو أبشر أم ملك أم غير ذلك؟ وسقط
لأبي ذر ما هذا (قال: قالا فانطلق انطلق) مرتين (قال
فانطلقنا فانتهينا إلى روضة معظيمة لم أر روضة قط أعظم
منها ولا أحسن) وعند الإمام أحمد والنسائي إلى دوحة بدل
روضة وهي الشجرة الكبيرة (قال: قالا لي ارق فيها) أي في
الشجرة (قال فارتقينا فيها) وفي رواية الإمام أحمد
والنسائي فصعدا بي في الشجرة (فانتهينا إلى مدينة مبنية
بلبن ذهب) بكسر الموحدة وفتح اللام: بلبن ذهب (ولبن فضة)
جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين (فأتينا باب المدينة
فاستفتحنا) ها
(10/164)
(ففتح لنا) بضم الفاء مبنيًّا للمفعول
(فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر) نصف (من خلقهم) بفتح
الخاء وسكون اللام بعدها قاف هيئتهم (كأحسن) خبر قوله شطر
والكاف زائدة (ما أنت راء) بهمزة منونة ولأبي ذر رائي
بتحتية ساكنة بعد الهمزة والجملة صفة رجال (وشطر كأقبح ما
أنت راء) ولأبي ذر رائي ويحتمل أن يكون بعضهم موصوفين بأن
خلقتهم حسنة وبعضهم قبيحة وأن يكون كل واحد منهم بعضه حسن
وبعضه قبيح (قال: قالا) أي الملكان (لهم اذهبوا فقعوا في
ذلك النهر) لتغسل تلك الصفة القبيحة بهذا الماء الخالص
(قال: وإذا نهر معترض يجري) عرضًا (كأن ماءه المحض) بالحاء
المهملة والضاد المعجمة اللبن الخالص (في البياض فذهبوا
فوقعوا فيه) في النهر (ثم رجعوا إلينا) حال كونهم (قد ذهب
ذلك السوء عنهم) وهو القبح (فصاروا في أحسن صورة قال) عليه
الصلاة والسلام:
(قالا لي هذا) المدينة (جنة عدن) أي إقامة (وهذاك منزلك
قال) صلوات الله وسلامه عليه (فسما) بفتح المهملة والميم
مخففة أي نظر (بصري صعدًا) بضم المهملتين وتنوين الدال
المهملة ارتفع كثيرًا (فإذا قصر مثل الربابة) بفتح الراء
والموحدتين بينهما ألف السحابة (البيضاء قال: قالا لي هذاك
منزلك قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني) بفتح المعجمة
والراء المخففة اتركاني (فأدخله) جواب الأمر منصوب بتقدير
أن أو مجزوم على الجواب (قالا أما الآن فلا وأنت داخله) في
الأخرى، وفي رواية جرير في الجنائز قالا إنه بقي لك عمر لم
تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك وقد قيل إنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع بعد موته إلى الجنة وعورض
بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. "أنا أول من
تنشق عنه الأرض" فإنه يشعر بأنه في قبره الشريف. وأجيب:
باحتمال أن لروحه الشريفة انتقالات من مكان إلى آخر
وتصرفات في الكون كيف شاء الله.
(قال: قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجبًا) سقط قد
لأبي ذر (فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي أما) بفتح
الهمزة والميم المخففة (إنّا) بكسر الهمزة وتشديد النون
(سنخبرك) عنه (أمّا) بالتشديد (الرجل الأول الذي أتيت عليه
يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ بالقرآن فيرفضه) بضم
الفاء الثانية وكسرها يتركه (وينام عن الصلاة المكتوبة)
جعلت العقوبة في رأسه لنومه عن الصلاة
والنوم موضعه الرأس (وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر)
بفتح الشينين (شدقه) بكسر الشين (إلى قفاه ومنخره إلى قفاه
وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو) بالغين المعجمة يخرج (من
بيته) مبكرًا (فيكذب الكذبة) بفتح الكاف وسكون الذال
المعجمة (تبلغ الآفاق) زاد في الجنائز فيصنع به إلى يوم
القيامة وإنما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من
المفاسد وهو فيها غير مكره، وقال ابن العربي: شرشرة شدق
الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية، وقال ابن هبيرة: لما
كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب بترويج باطله
وقعت المشاركة بينهم في العقوبة (وأما الرجال والنساء
العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزنا والزواني)
ومناسبة العري لأن عادتهم التستر بالخلوة فعوقبوا بالهتك
ولما كانت جنايتهم من أعضائهم السفلى ناسب أن يكون عذابهم
من تحتهم (وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم
الحجر) بضم التحتية وفتح القاف والحجر نصب مفعول ثان،
ولأبي ذر وابن عساكر الحجارة بالجمع (فإنه آكل الربا) بمدّ
همزة آكل وكسر كافها وفي إلقامه الحجر إشارة إلى أنه لا
يغني عنه شيئًا كما أن المرابي يتخيل أن ماله يزداد والله
يمحقه (وأما الرجل الكريه المرآة) بفتح الميم وسكون الراء
وبالمد (الذي عند النار) ولأبي ذر عن الكشميهني عنده النار
بزيادة الضمير والرفع (يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن
جهنم) وإنما كان كريه المنظر لأن فيه زيادة في عذاب أهل
النار (وأما الرجل الطويل الذي في الرَوضة فإنه إبراهيم
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأما الولدان الذين
حوله فكل مولود مات على الفطرة) الإسلامية.
(10/165)
(قال) سمرة (فقال بعض المسلمين) قال في الفتح: لم أقف على
اسمه (يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأولاد المشركين؟) الذين ماتوا على الفطرة داخلون في زمرة
هؤلاء الولدان؟ سقطت الواو الأولى من قوله وأولاد لابن
عساكر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) مجيبًا (وأولاد المشركين) منهم وظاهره الحكم
لهم بالجنة ولا يعارضه قوله إنهم مع آبائهم لأن ذلك في
الدنيا (وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنًا) ولأبي ذر
شطرًا منهم حسن بنصب الأول ورفع الثاني وللأصيلي وابن
عساكر برفع شطر وحسن (وشطر منهم قبيحًا) ولأبي ذر وابن
عساكر بنصب الأول ورفع الثاني وفي نسخة أبي ذر والصواب شطر
وشطر بالرفع كذا رأيته في حاشية الفرع منسوبًا لليونينية
ثم رأيته فيها كذلك وللنسفي والإسماعيلي بالرفع في الجميع
على أن كان تامة والجملة حالية (فإنهم قوم خلطوا) بتخفيف
اللام (عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم).
خاتمة:
ومن آداب المعبر ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر أنه كتب إلى
أبي موسى إذا رأى أحدكم رؤيا فقصّها على أخيه فليقل: خير
لنا وشر لأعدائنا، ورجاله ثقات لكن سنده منقطع، وعند
الطبراني والبيهقي في الدلائل من حديث ابن زمل الجهني وهو
بكسر الزاي وسكون الميم بعدها لام قال: كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى الصبح قال: "هل رأى
أحد منكم شيئًا؟ " قال ابن زمل: فقلت أنا يا رسول الله.
قال: "خيرًا تلقاه وشرًّا تتوقاه وخير لنا وشر على أعدائنا
والحمد لله رب العالمين
اقصص رؤياك" الحديث. وسنده ضعيف جدًّا، وينبغي أن يكون
العابر دينًا حافظًا تقيًّا ذا علم وصيانة كاتمًا لأسرار
الناس في رؤياهم وأن يستغرق السؤال من السائل بأجمعه وأن
يرد الجواب على قدر السؤال للشريف والوضيع ولا يعبر عند
طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا عند الزوال ولا في الليل،
ومن أدب الرائى أن يكون صادق اللهجة وأن ينام على وضوء على
جنبه الأيمن وأن يقرأ عنده والشمس والليل والتين وسورتي
الإخلاص والمعوذتين ويقول: اللهم إني أعوذ بك من سيء
الأحلام وأستجير بك من تلاعب الشيطان في اليقظة والمنام.
اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة نافحة حافظة غير منسية
اللهم أرني في منامي ما أحب، ومن آدابه أن لا يقصها على
امرأة ولا على عدوّ ولا على جاهل.
وهذا آخر كتاب التعبير فرغ منه يوم الاثنين العشرين من
شعبان سنة 915. |