شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
92 - كتاب الفتن
بكسر الفاء وفتح الفوقية جمع فتنة وهي المحنة والعذاب
والشدة وكل مكروه وآيل إليه كالكفر والإثم والفضيحة
والفجور والمصيبة وغيرها من المكروهات، فإن كانت من الله
فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله
فهي مذمومة فقد ذم الله الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله
تعالى: {والفتنة أشد من القتل} [البقرة: 191] و {إن الذين
فتنوا المؤمنين} [البروج: 10] الآية.
(بسم الله الرحمن الرحيم) قال في الفتح: كذا في رواية
الأصيلي وكريمة تأخير البسملة ولغيرهما تقديمها والذي في
الفرع كأصله رقم عليه علامة أبي ذر بعد التصحيح وعلامة
التقديم والتأخير عليهما لابن عساكر.
1 - باب مَا جَاءَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]. وَمَا كَانَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُ مِنَ
الْفِتَنِ.
(ما جاء) ولأبي ذر: باب ما جاء (في) بيان (قول الله تعالى:
{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة} [الأنفال:
25]). أي اتقوا ذنبًا يعمكم أثره كإقرار المنكر بين أظهركم
والمداهنة في الأمر بالمعروف وافتراق الكلمة وظهور البدع
والتكاسل في الجهاد على أن قوله لا تصيبن إما جواب الأمر
على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم، وفيه أن جواب
الشرط متردّد فلا تليق به النون المؤكدة لكنه لما تضمن
معنى النهي ساغ فيه كقوله: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم}
[النمل: 18] وإما صفة لفتنة ولا للنفي وفيه شذوذ لأن النون
لا تدخل النفي في غير القسم والنهي على إرادة القول كقوله:
(10/166)
حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاؤوا بمذق
هل رأيت الذئب قطّ
وإما جواب قسم محذوف كقراءة من قرأ لتصيبن وإن اختلفا في
المعنى، ويحتمل أن يكون نهيًا بعد الأمر باتقاء الذنب عن
التعرض للظلم فإن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه ومن
في منكم على الوجه الأول للتبعيض وعلى الأخيرين للتبيين،
وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم أقبح من غيركم قاله في
أسرار التنزيل.
وروى أحمد والبزار من طريق مطرف بن عبد الله بن الشخير قال
قلنا للزبير يعني في قصة الجمل يا أبا عبد الله ما جاء بكم
ضيعتم الخليفة الذي قتل يعني عثمان بالمدينة ثم جئتم
تطلبون بدمه يعني بالبصرة؟ فقال الزبير: إنّا قرأنا على
عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
{واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة} [الأنفال:
25] لم نكن نحسب أنّا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت. وعند
أحمد بسند حسن من حديث عدي بن عميرة سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الله لا
يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم
قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله
الخاصة والعامة" (و) بيان (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحذر) بتشديد المعجمة (من الفتن) في
أحاديث الباب وغيره المتضمنة للوعيد على التبديل والأحداث
لأن الفتن غالبًا إنما تنشأ عن ذلك.
7048 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ
بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ
أَسْمَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا عَلَى حَوْضِى أَنْتَظِرُ مَنْ
يَرِدُ عَلَىَّ فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِى فَأَقُولُ:
أُمَّتِى فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِى مَشَوْا عَلَى
الْقَهْقَرَى» قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ
إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا
أَوْ نُفْتَنَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
بشر بن السريّ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والسري بفتح
السين المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية البصري سكن مكة
وكان يلقب بالأفوه قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله
القرشي المكي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله واسم أبي مليكة
زهير أنه (قال: قالت أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله
عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(أنا على حوضي) يوم القيامة (أنتظر من يرد عليّ) بتشديد
الياء أي من يحضرني ليشرب (فيؤخذ بناس من دوني) أي بالقرب
مني (فأقول: أمتي) وفي باب الحوض من الرقاق فأقول يا رب
مني ومن أمتي (فيقول) أي فيقول الله ولأبي ذر وابن عساكر
فيقال (لا تدري) يا محمد (مشوا على القهقرى) بفتح القافين
بينهما هاء ساكنة مقصور الرجوع إلى خلف أي رجعوا الرجوع
المعروف بالقهقرى أي ارتدّوا عما كانوا عليه.
(قال ابن أبي مليكة) عبد الله بالسند السابق: (اللهم إنا
نعوذ بك أن نرجع) أي نرتدّ (على أعقابنا أو نفتن) زاد في
باب الحوض عن ديننا.
7049 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى
الْحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَىَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ،
حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأُنَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا
دُونِى فَأَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَصْحَابِى فَقُولُ: لاَ
تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم
وسكون النون وفتح القاف أبو سلمة التبوذكي بفتح المثناة
وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة مشهور بكنيته واسمه
قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن مغيرة) بن
المقسم بكسر الميم الضبي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن
سلمة (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أنا فرطكم) بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة أي أنا
أتقدمكم (على الحوض) لأهيئه لكم (ليرفعن) أي ليظهرن ولأبي
ذر فليرفعنّ (إليّ) بتشديد الياء (رجال منكم) لأراهم (حتى
إذا أهويت) ملت (لأناولهم اختلجوا) بسكون الخاء المعجمة
وضم الفوقية وكسر اللام وضم الجيم اجتذبوا واقتطعوا (دوني
فأقول: أي رب أصحابي) أي أمتي (فيقول) الله تعالى إنك (لا
تدري ما أحدثوا) من الارتداد عن الإسلام أو من المعاصي
الكبيرة البدنية أو الاعتقادية (بعدك).
7050 - 7051 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى
حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ
وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ
يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَىَّ أَقْوَامٌ
أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِى، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِى
وَبَيْنَهُمْ». قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِى
النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ
هَذَا فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً فَقُلْتُ:
نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِىِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ:
«إِنَّهُمْ مِنِّى فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا
بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ
بَدَّلَ بَعْدِى»
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي ونسبه لجده واسم
أبيه عبد الله قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القارّي
بتشديد التحتية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال:
سمعت سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي الأنصاري -رضي الله
عنه- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(أنا فرطكم على الحوض) بفتح الفاء والراء أي أتقدمكم فعل
(10/167)
بمعنى فاعل وفي الدعاء للطفل الميت اللهم
اجعله لنا فرطًا أي أجرًا يتقدمنا حتى نرد عليه (من) ولأبي
ذر فمن (ورده شرب منه) بلفظ الماضي ولأبي ذر عن الكشميهني
يشرب بلفظ المضارع (ومن شرب منه لم يظمأ) أي لم يعطش (بعده
أبدًا) وسقط لفظ بعده لأبي ذر (ليرد) ولأبي ذر ليردنّ
(عليّ) بتشديد التحتية (أقوام أعرفهم ويعرفوني) ولأبي ذر
ويعرفونني بنونين (ثم يحال بيني وبينهم).
(قال أبو حازم) سلمة بالسند السابق (فسمعني النعمان بن أبي
عياش) بالتحتية والشين
المعجمة الزرقي (وأنا أحدّثهم هذا) الحديث (فقال: هكذا
سمعت سهلاً)؟ الساعدي وتاء سمعت مفتوحة وهو استفهام حذفت
أداته قال أبو حازم (فقلت: نعم) سمعته (قال) النعمان:
(وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (لسمعته
يزيد فيه قال: إنهم) أي الذين يحال بينه وبينهم (مني) من
أمتي (فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا) كذا لأبي ذر عن
الكشميهني ولغيره ما بدّلوا (بعدك فأقول سحقًا سحقًا)
بُعدًا بُعدًا (لمن بدل) دينه (بعدي) أي أبعده الله وليس
فيه دلالة على أنه لا يشفع لهم بعد لأن الله تعالى قد يلقي
لهم ذلك في قلبه وقتًا ليعاقبهم بما شاء إلى وقت يشاء ثم
يعطف قلبه عليهم فيشفع لهم، ففي الحديث شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي أي ما عدا الشرك.
والحديث أخرجه مسلم في فضل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
«سَتَرَوْنَ بَعْدِى أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا».
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اصْبِرُوا حَتَّى
تَلْقَوْنِى عَلَى الْحَوْضِ».
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
للأنصار (سترون بعدي أمورًا تنكرونها. وقال عبد الله بن
زيد) أي ابن عاصم العاصمي مما وصله المؤلّف في كتاب
المغازي في غزوة حنين (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) للأنصار (اصبروا) على ما تلقون بعدي من الأثرة
(حتى تلقوني على الحوض).
7052 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: قَالَ
لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً
وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا». قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ
حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن
سعيد القطان) ثبت القطان لأبي ذر قال: (حدّثنا الأعمش)
سليمان بن مهران قال: (حدّثنا زيد بن وهب) أبو سليمان
الهمداني الجهني الكوفي مخضرم ثقة جليل لم يصب من قال في
حديثه خلل قال: (سمعت عبد الله) بن مسعود بن غافل الهذلي
-رضي الله عنه- (قال: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنكم سترون) من أمراء (بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة
والراء أو بضم الهمزة وسكون المثلثة استئثارًا واختصاصًا
بحظوظ دنيوية يؤثرون بها غيركم (وأمورًا تنكرونها) من أمور
الدين وسقطت الواو الأولى من أمورًا لابن عساكر وحينئذٍ
فقوله أمورًا بدل من أثرة (قالوا: فما تأمرنا يا رسول
الله)؟ أن نفعل إذا وقع ذلك (قال: أدّوا إليهم) أي إلى
الأمراء (حقهم) الذي لهم المطالبة به وفي رواية الثوري عن
الأعمش في علامات النبوّة تؤدون الحقوق التي عليكم أي بذل
المال الواجب في الزكاة والنفس والخروج إلى الجهاد عند
التعيين ونحوه (وسلوا الله حقكم). وفي رواية
الثوري وتسألون الله الذي لكم أي بأن يلهمهم أنصافكم أو
يبدّلكم خيرًا منهم، وقال الداودي: سلوا الله أن يأخذ لكم
حقكم ويقيض لكم من يؤديه إليكم، وقيل تسألون الله سرًّا
لأنهم إن سألوه جهرًا أدى إلى الفتنة، وظاهر هذا الحديث
العموم في المخاطبين كما قاله في الفتح. قال: ونقل
السفاقسي عن الداودي أنه خاص بالأنصار وكأنه أخذه من حديث
عبد الله بن زيد الذي قبله ولا يلزم من مخاطبة الأنصار
بذلك أن يختص بهم فقد ور دما يدل على التعميم، وفي حديث
عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي
عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال: أتاني جبريل فقال: إن
أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين قال من قبل أمرائهم
وقرّائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم
فيفتنون ويتبع القراء أهواء الأمراء فيفتنون. قلت: فكيف
يسلم من يسلم منهم؟ قال: بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم
أخذوه وإن منعوه تركوه.
وحديث الباب سبق في علامات النبوّة.
7053 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنِ
الْجَعْدِ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ
فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ
مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». [الحديث 7053 - طرفاه في: 7054،
7143].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) أبو الحسن الأسدي البصري ابن مسرهد
بن مسربل بن مغربل (عن عبد الوارث) بن سعيد ولابن عساكر
حدّثنا
(10/168)
عبد الوارث (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون
العين المهملة أبي عثمان الصيرفي (عن أبي رجاء) عمران
العطاردي (عن ابن عباس) رضي الله عهما (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من كره من أميره شيئًا) من أمر الدين (فليصبر) على ذلك
المكروه ولا يخرج عن طاعة السلطان (فإنه من خرج من
السلطان) أي من طاعته (شبرًا) أي قدر شبر كناية عن معصية
السلطان ولو بأدنى شيء (مات ميتة جاهلية) بكسر الميم
كالجلسة بيان لهيئة الموت وحالته التي يكون عليها أي كما
يموت أهل الجاهلية من الضلالة والفرقة وليس لهم إمام يطاع،
وليس المراد أنه يموت كافرًا بل عاصيًا. وفي الحديث أن
السلطان لا ينعزل بالفسق إذ في عزله سبب للفتنة وإراقة
الدماء وتفريق ذات اليمين فالمفسدة في عزله أكثر منها في
بقائه.
والحديث أخرجه البخاري في الأحكام أيضًا ومسلم في المغازي.
7054 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِى عُثْمَانَ،
حَدَّثَنِى أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىُّ قَالَ: سَمِعْتُ
ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ رَأَى
مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ،
فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ
إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
البصري قال: (حدثنا حماد بن
زيد) بفتح الحاء المهملة والميم المشددة ابن درهم الأزدي
الجهضمي (عن الجعد أبي عثمان) بن دينار اليشكري بتحتية
مفتوحة فشين معجمةساك نة فكاف مضمومة الصيرفي البصري أنه
قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو رجاء) بن ملحان بكسر الميم
وسكون اللام بعدها حاء مهملة (العطاردي قال: سمعت ابن عباس
-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه) فإن الشأن
(من فارق الجماعة) أي جماعة الإسلام وخرج عن طاعة الإمام
(شبرًا) أي ولو بأدنى شيء (فمات إلا مات ميتة جاهلية) أي
فمات على هيئة كان يموت عليها أهل الجاهلية لأنهم كانوا لا
يرجعون إلى طاعة أمير ولا يتبعون هدى إمام بل كانوا
مستنكفين عن ذلك مستبدين بالأمور، ومن استفهامية
والاستفهام إنكاري فحكمه حكم النفي فكأنه يقول: ما فارق
أحد الجماعة شبرًا إلا مات ميتة جاهلية أو حذف ما النافية
فهي مقدرة أو إلا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين، وفي
هذه الأحاديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجور ولزوم
السمع والطاعة لهم وقد أجمع الفقهاء على أن الإمام المتغلب
تلزم طاعته ما أقام الجماعات والجهاد إلا إذا وقع منه كفر
صريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر.
7055 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ،
عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ،
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا
عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهْوَ مَرِيضٌ قُلْنَا:
أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ
بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: دَعَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (عن عمرو) بفتح العين
ابن الحارث (عن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله بن
الأشج (عن بسر بن سعيد) بكسر العين وبسر بضم الموحدة وسكون
السين المهملة مولى الحضرمي (عن جنادة بن أبي أمية) بضم
الجيم وتخفيف النون السدوسي واسم أبي أمية كثير أنه (قال:
دخلنا على عبادة بن الصامت وهو) أي والحال أنه (مريض
فقلنا) له: (أصلحك الله) في جسمك لتعافى من مرضك أو أعم
(حدّثنا بحديث ينفعك الله به سمعتهُ من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: دعانا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة (فبايعنا) بفتح
العين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وروي فبايعنا
بإسكانها أي فبايعنا نحن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولأبي ذر والأصيلي فبايعناه بإثبات ضمير
المفعول.
7056 - فَقَالَ: فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا
عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا
وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ
عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ
أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ
فِيهِ بُرْهَانٌ. [الحديث 7056 - طرفه في: 7200].
(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيما أخذ
علينا) أي فيما اشترط علينا (أن بايعنا) بفتح الهمزة
والعين مفسرة (على السمع والطاعة) له (في منشطنا ومكرهنا)
بفتح الميم فيهما وبالمعجمة بعد النون الساكنة في
الأوّل وسكون الكاف في الثاني مصدران ميميان أي في حالة
نشاطنا والحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر
به (وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا) بفتحات أو بضم الهمزة
وسكون المثثة أي إيثار الأمراء بحظوظهم واختصاصهم إياها
بأنفسهم (وأن لا ننازع الأمر) أي الملك (أهله). قال في شرح
المشكاة: هو كالبيان لسابقه لأن معنى عدم المنازعة هو
الصبر على الأثرة، وزاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن
عبادة وإن رأيت أن لك أي وإن اعتقدت أن لك في الأمر حقًّا
فلا تعمل بذلك الرأي بل
(10/169)
اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن
الطاعة. وعند ابن حبان وأحمد من طريق أبي النضر عن جنادة
وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك (إلا أن تروا). فإن قلت: كان
المناسب أن يقال إلا أن نرى بنون المتكلم. أجيب: بأن
التقدير بايعنا قائلاً إلا أن تروا (كفرًا بواحًا) بفتح
الموحدة والواو والحاء المهملة ظاهرًا يجهر ويصرح به
(عندكم من الله فيه برهان) نص من قرآن أو خبر صحيح لا
يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج على الإمام ما دام فعله
يحتمل التأويل.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي.
7057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِى؟
قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً
فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) القرشي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك)
-رضي الله عنه- (عن أسيد بن حضير) بضم الهمزة وضم الحاء
المهملة وفتح الضاد المعجمة مصغرين ابن سماك بن عتيك أبي
عبيد الأنصاري الأشهلي (أن رجلاً) هو أسيد الراوي (أتى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول
الله استعملت فلانًا) هو عمرو بن العاصي (ولم تستعملني
قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا للسؤال:
(إنكم سترون) بفتح الفوقية (بعدي أثرة) بضم الهمزة وسكون
المثلثة أي استئثارًا للحظ الدنيوي (فاصبروا) إذا وقع لكم
ذلك (حتى تلقوني) وإنما أجاب بقوله: إنكم سترون إشارة إلى
أن استعمال فلان المذكور ليس لمصلحة خاصة به بل لك ولجميع
المسلمين.
والحديث سبق في فضائل الأنصار.
3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «هَلاَكُ أُمَّتِى عَلَى يَدَىْ أُغَيْلِمَةٍ
سُفَهَاءَ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هلاك
أمتي على يدي) بالتثنية (أغيلمة) بضم الهمزة وفتح الغين
المعجمة وسكون التحتية وكسر اللام وفتح الميم بعدها هاء
تأنيث صبيان أو الضعفاء العقول والتدبير والدين ولو كانوا
بالغين زاد في بعض النسخ عن أبي ذر من قريش (سفهاء).
7058 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى جَدِّى قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا
مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ فِى مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ وَمَعَنَا
مَرْوَانُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ
الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: «هَلَكَةُ أُمَّتِى عَلَى يَدَىْ
غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ». فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِى فُلاَنٍ وَبَنِى فُلاَنٍ
لَفَعَلْتُ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّى إِلَى بَنِى
مَرْوَانَ حِينَ مَلَكُوا بِالشَّأْمِ: فَإِذَا رَآهُمْ
غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا عَسَى هَؤُلاَءِ أَنْ
يَكُونُوا مِنْهُمْ؟ قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
عمرو بن يحيى) بفتح العين (ابن سعيد بن عمرو بن سعيد) بكسر
عين سعيد فيهما وفتح عين عمرو وسقط لابن عساكر ابن عمرو بن
سعيد (قال: أخبرني) بالإفراد (جدي) سعيد بن عمرو بن سعيد
بن العاص الأموي المدني ثم الدمشقي ثم الكوفي (قال: كنت
جالسًا مع أبي هريرة) -رضي الله عنه- (في مسجد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) زمن معاوية
-رضي الله عنه- (ومعنا مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن
أمية الذي ولي الخلافة بعد ذلك (قال أبو هريرة سمعت
الصادق) في نفسه (المصدوق) عند الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول):
(هلكة أمتي على يدي) بفتح الدال تثنية يد ولأبي ذر عن
الحموي والكشميهني أيدي بزيادة همزة بصيغة الجمع (غلمة)
بكسر المعجمة وسكون اللام (من قريش). وعند أحمد والنسائي
من رواية سماك عن أبي ظالم عن أبي هريرة: إن فساد أمتي على
يدي غلمة سفهاء من قريش وبزيادة سفهاء تقع المطابقة بين
الحديث والترجمة. وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي
هريرة رفعه: أعوذ بالله من إمارة الصبيان قال إن أطعتموهم
هلكتم أي في دينكم وإن عصيتموهم أهلكوكم أي في دنياكم
بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما، وعند ابن أبي شيبة
أن أبا هريرة كان يمشي في السوق يقول: اللهم لا تدركني سنة
ستين ولا إمارة الصبيان. قالوا وما إمارة الصبيان؟ وقد
استجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة. قال في
الفتح: وفي هذا اشارة إلى أن أوّل الأغيلمة كان في سنة
ستين وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى
سنة أربع وستين فمات ثم ولي ولده معاوية ومات بعد أشهر.
(فقال مروان) بن الحكم المذكور (لعنة الله عليهم غلمة)
بالنصب على الاختصاص (فقال أبو هريرة) -رضي الله عنه-: (لو
شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت) وكان أبا هريرة كان
يعرف أسماءهم وكان ذلك من الجراب الذي لم يبثه فلم يبين
أسامي أمراء الجور وأحوالهم نعم كان يكني عن بعضه ولا يصرح
به خوفًا على نفسه، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد
مروان وما ولد أخرجها الطبراني وغيره غالبها فيه مقال
وبعضها جيد قال عمرو بن يحيى (فكنت أخرج مع جدي) سعيد بن
عمرو (إلى بني مروان)
(10/170)
بن الحكم (حين ملكوا) ولّوا الخلافة
(بالشام) وغيرها
ولأبي ذر حين ملكوا بضم الميم وكسر اللام مشددة (فإذا رآهم
غلمانًا أحداثًا) جمع حدث أي شبانًا وأوّلهم يزيد ولابن
عساكر غلمان أحداث (قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم)
فقال أولاده وأتباعه ممن سمع منه ذلك (قلنا) له (أنت أعلم)
وإنما تردّد عمرو في أنهم المراد بحديث أبي هريرة من جهة
كون أبي هريرة لم يفصح بأسمائهم.
تنبيه:
قال التفتازاني وقد اختلفوا في جواز لعن يزيد بن معاوية
فقال في الخلاصة وغيرها أنه لا ينبغي اللعن عليه ولا على
الحجاج لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى
عن لعن المصلين ومن كان من أهل القبلة، وأما ما نقل عنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اللعن لبعض أهل
القبلة فلما أنه يعلم من أحوال الناس ما لا يعلمه غيره
وبعضهم أطلق اللعن عليه لما أنه كفر حين أمر بقتل الحسين
-رضي الله عنه-، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله أو
أمر به أو أجازه أو رضي به، والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين
-رضي الله عنه- وإهانته أهل البيت النبوي مما تواتر معناه
وإن كانت تفاصيله آحادًا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في
إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه انتهى.
والحديث سبق في علامات النبوّة وأخرجه مسلم.
4 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ
اقْتَرَبَ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ويل
للعرب من شر قد اقترب).
7059 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِىَّ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ
أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ - رضى الله
عنهن - أَنَّهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا
وَجْهُهُ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ
لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ
مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ».
وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً قِيلَ
أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُون؟ َ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا
كَثُرَ الْخَبَثُ».
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو
غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (أنه
سمع الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن
زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان أم
المؤمنين (عن زينب ابنة جحش) أم المؤمنين (-رضي الله عنه-)
ولأبي ذر بنت جحش (أنها قالت: استيقظ النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من النوم) حال كونه (محمرًّا
وجهه). وفي آخر الفتن من طريق ابن شهاب عن عروة أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها يومًا
فرغًا فيحتمل أنه دخل عليها بعد أن استيقظ من نومه فزعًا
وكانت حمرة وجهه من ذلك الفزع، وعند أبي عوانة من طريق
سليمان بن كثير عن الزهري فرغًا محمرًّا وجهه أي حال كونه
(يقول):
(لا إله إلا الله ويل) كلمة تقال لمن وقع في هلكة (للعرب
من شرٍّ قد اقترب) أراد به الاختلاف الذي ظهر بين المسلمين
من وقعة عثمان -رضي الله عنه- وما وقع بين علي ومعاوية
-رضي الله عنهما-، وخصّ العرب بالذكر لأنهم أوّل من دخل في
الإسلام وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك إليهم
أسرع (فتح اليوم) بضم الفاء مبنيًّا للمفعول ونصب اليوم
على الظرفية (من ردم يأجوج ومأجوج) من سدهما الذي بناه ذو
القرنين بيننا وبينهم (مثل هذه) بالرفع مفعول ناب عن فاعله
(وعقد سفيان) بن عيينة (تسعين) بأن جعل طرف إصبعه السبابة
اليمنى في أصلها وضمها ضمًّا محكمًا بحيث انطوت عقدتاها
حتى صارت كالحية المطوية (أو) عقد (مائة) بأن عقد التسعين
لكن بالخنصر اليسرى، وعلى هذا فالتسعون والمائة متقاربان
ولذا وقع فيهما الشك (قيل) وفي آخر الفتن قالت زينب فقلت
يا رسول الله (أنهلك) بكسر اللام (وفينا الصالحون؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم إذا كثر الخبث)
بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي الزنا أو أولاد
الزنا أو الفسوق والفجور.
وفي الفتح ترجيح الأخير قال: لأنه قابله بالصلاح، وفي
الحديث ثلاث صحابيات: زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأم حبيبة رملة زوجة
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأم المؤمنين
زينب بنت جحش. وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق الحميدي
فقال في روايته عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة.
وقال في آخره قال الحميدي قال سفيان أحفظ في هذا الحديث.
وقال الحميدي قال سفيان حفظت عن الزهري أربع نسوة قد رأين
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثنتين من
أزواجه أم حبيبة وزينب بنت جحش وثنتين ربيبتيه زينب بنت أم
سلمة وحبيبة بنت أم حبيبة أبوها عبد الله بن جحش فزاد
حبيبة كالنسائي وابن ماجة.
وحديث الباب سبق في أحاديث الأنبياء
(10/171)
وعلامات النبوّة وأخرجه بقية الأئمة إلاّ
أبا داود.
7060 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ،
وَحَدَّثَنِى مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - قَالَ:
أَشْرَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «هَلْ
تَرَوْنَ مَا أَرَى»؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: «فَإِنِّى
لأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ
الْقَطْرِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال (حدّثنا ابن
عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة)
بن الزبير وسقط عن عروة لغير ابن عساكر قال المؤلّف
(وحدّثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا عبد
الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني أحد
الأعلام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن
الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد) حِب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن حِبه (-رضي الله عنهما-)
أنه (قال: أشرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي اطّلع من علو (على أطم) بضمتين حصن أو قصر
(من آطام المدينة) بمد الهمزة والطاء مهملة فيهما (فقال)
عليه الصلاة والسلام:
(هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا) يا رسول الله (قال: فإني لأرى
الفتن) أي ببصري أي بأن كشف لي فأبصرت ذلك عيناي حال كونها
(تقع خلال) بكسر الخاء المعجمة أوساط (بيوتكم) أو تقع
مفعول ثان (كوقع القطر) بسكون قاف كوقع، ولابن عساكر وأبي
ذر عن المستملي المطر بالميم بدل القاف وهما بمعنى، وفيه
إشارة إلى قتل عثمان -رضي الله عنه- بالمدينة وانتشار
الفتن في غيرها فما وقع من القتال بصفين والجمل كان بسبب
قتل عثمان والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين فكل
قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء
تولد عنه.
والحديث سبق في الحج والمظالم وعلامات النبوّة وأخرجه مسلم
في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة.
5 - باب ظُهُورِ الْفِتَنِ
(باب ظهور الفتن).
7061 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى
الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ:
«الْقَتْلُ الْقَتْلُ».
وَقَالَ شُعَيْبٌ: وَيُونُسُ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَخِى
الزُّهْرِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بتشديد التحتية آخره
معجمة الرقام البصري قال: (أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد
الأعلى السامي بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا معمر)
بفتح الميمين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد)
بكسر العين ابن المسيب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(يتقارب الزمان) بأن يعتدل الليل والنهار أو يدنو قيام
الساعة أو تقصر الأيام والليالي أو يتقارب في الشر والفساد
حتى لا يبقى من يقول: الله الله أو المراد بتقاربه تسارع
الدول في الانقضاء والقرون إلى الانقراض فيتقارب زمانهم،
وتتدانى أيامهم أو تتقارب أحواله في أهله في قلة الدين حتى
لا يكون فيهم من يأمر بمعروف وينهى عن منكر لغلبة الفسق
وظهور أهله، أو المراد قصر الأعمال بالنسبة إلى كل طبقة
فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارًا من الطبقة الأخيرة التي
قبلها وفي حديث أنس عند الترمذي مرفوعًا: لا تقوم الساعة
حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة
والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق
السعفة.
وما تضمنه هذا الحديث قد وجد في هذا الزمان فإنا نجد من
سرعة الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبله والحق أن
المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان، وهذا من
علامات
قرب الساعة. وقال النووي: والمراد بقصره عدم البركة فيه
وإن اليوم مثلاً يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة
الواحدة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يتقارب الزمن بإسقاط
الألف بعد الميم وهي لغة فيه شاذة لأن فعلاً بالفتح لا
يجمع على أفعل إلا حروفًا يسيرة زمن وأزمن وجبل وأجبل وعصب
وأعصب.
(وينقص العمل) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مضمومة فصاد
مهملة والعمل بالعين والميم بعدها لام، ولأبي ذر عن
الكشميهني مما هو في فرع اليونينية كأصلها ويقبض العلم بضم
التحتية بعدها قاف ساكنة فموحدة فضاد معجمة والعلم بتقديم
اللام على الميم، وقال في فتح الباري: قوله وينقص العلم
يعني بالنون والصاد المهملة كذا للأكثر، وفي رواية
المستملي والسرخسيّ العمل يعني بدل العلم قال ومثله في
رواية شعيب عن الزهري عن حميد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة
عند مسلم اهـ.
وقد قيل إن نقصان العمل الحسيّ ينشأ عن نقص الدين ضرورة
وأما المعنوي فبسبب ما يدخل من الخلل بسبب سوء المطعم وقلة
المساعد على العمل
(10/172)
والنفس ميالة إلى الراحة وتحنّ إلى جنسها
ولكثرة شياطين الإنس الذي هم أضر من شياطين الجن.
(ويلقى الشح) بتثليث الشين وهو البخل في قلوب الناس على
اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم
والفتوى ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره ويبخل
الغني بماله حتى يهلك الفقير وليس المراد أصل الشحّ لأنه
لم يزل موجودًا، فالمراد غلبته وكثرته وليس بينه وبين قوله
في كتاب الأنبياء ويفيض المال حتى لا يقبله أحد تعارض إذ
كلٍّ منهما في زمان غير زمان الآخر وقوله: ويلقى بضم فسكون
ففتح وقال الحميدي لم يضبط الرواة هذا الحرف، ويحتمل أن
يكون بتشديد القاف بمعنى يتلقى ويتعلم ويتواصى به ويدعى
إليه من قوله تعالى: {ولا يلقاها إلا الصابرون} [القصص:
80] أي لا يعلمها وينبه عليها ولو قيل يلقى بتخفيف القاف
لكان أبعد لأنه لو ألقي لترك ولم يكن موجودًا اهـ.
قال في المصابيح: وهذا غير لازم إذ يمكن أن المراد يلقى
الشحّ في القلوب أي يطرح فيها فيكون حينئذٍ موجودًا
معدومًا. (وتظهر الفتن) أي كثرتها وهذا موضع الترجمة
(ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم (قالوا:
يا رسول الله أيم) بفتح الهمزة وتشديد التحتية وفتح الميم
مخففة أي أيّ شيء (هو)؟ أي الهرج والأكثر على حذف الألف
بعد ميمها تخفيفًا، ولأبي ذر أيما بضم التحتية وبعد الميم
ألف وضبطه بعضهم بتخفيف التحتية أي بحذف الياء الثانية كما
قالوا أيش في موضع أي شيء وفي رواية عنبسة بن خالد عن يونس
عند أبي داود قيل يا رسول الله أيش هو (قال): هو (القتل
القتل) بالتكرار مرتين.
(وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة مما وصله المؤلّف في الأدب
(ويونس) بن يزيد مما وصله مسلم في صحيحه بلفظ ويقبض العلم
وقدم وتظهر الفتن على ويلقى الشح وقالوا: وما الهرج؟
قال: "القتل" ولم يكرر لفظ القتل. (والليث) بن سعد الإمام
فيما وصله الطبراني في الأوسط (وابن أخي الزهري) محمد بن
عبد الله بن مسلم مما وصله في الأوسط أيضًا أربعتهم (عن
الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد) بضم الحاء وفتح الميم ابن
عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني أن هؤلاء
الأربعة خالفوا معمرًا في قوله في الحديث السابق عن الزهري
عن سعيد، فجعلوا شيخ الزهري حميدًا لا سعيدًا وصنيع
المؤلّف رحمه الله يقتضي أن الطريقين صحيحان فإنه وصل طريق
معمر هنا، ووصل طريق شعيب في الأدب كما مر ولعله رأى أن
ذلك غير قادح لأن الزهري صاحب حديث فيكون الحديث عنده عن
شيخين ولا يلزم من ذلك اطّراده في كل مَن اختلف عليه في
شيخه إلا أن يكون مثل الزهري في كثرة حديثه وشيوخه.
قال ابن بطال: وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد
رأيناها عيانًا فقد نقص العلم وظهر الجهل، وألقي الشح في
القلوب وعمّت الفتن وكثر القتل. قال في الفتح: الذي يظهر
أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله، والمراد من
الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر
والواقع أن الصفات المذكورة وجدت مباديها من عهد الصحابة
ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض وكلما مضت طبقة ظهر
البعض الكثير في التي تليها ويشير إليه قوله في حديث الباب
التالي: لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه.
وحديث الباب أخرجه مسلم في القدر وابن ماجة في الفتن.
7062 - 7063 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ
اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالاَ: قَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ بَيْنَ
يَدَىِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ،
وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ،
وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين أبو محمد
العبسي الحافظ أحد الأعلام وفي نسخة معتمدة كما في الفتح
حدّثنا مسدد حدّثنا عبيد الله بن موسى وسقط في غيرها: وقال
عياض: ثبت للقابسي عن أبي ذر المروزي وسقط مسدد للباقين
وهو الصواب. الحافظ ابن حجر: وعليه اقتصر أصحاب الأطراف
اهـ.
وفي هامش الفرع مما عزاه للأصيلي في نسخة أبي ذر حدّثنا
مسدد صح قال في الحاشية سقط ذكر مسدد في نسخة وإسقاطه صواب
وهو في نسخة عند الأصيلي اهـ.
قلت: وكذا رأيته في اليونينية
(10/173)
وعبيد الله يروي (عن الأعمش) سليمان بن
مهران (عن شقيق). بفتح المعجمة أبي وائل بن سلمة أنه (قال:
كنت مع عبد الله) هو ابن مسعود (وأبي موسى) عبد الله بن
قيس الأشعري -رضي الله عنهما- (فقالا: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل ويرفع فيها
العلم) بموت العلماء فكلما مات
عالِم نقص العلم بالنسبة إلى فَقْد حامله وينشأ عن ذلك
الجهل بما كان ذلك العالمِ ينفرد به عن بقية العلماء
(ويكثر فيها الهَرجُ، والهَرْجُ) هو (القتل).
7064 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: جَلَسَ
عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى فَتَحَدَّثَا فَقَالَ أَبُو
مُوسَى: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا
يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ،
وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا أبي)
حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا
شقيق) أبو وائل (قال: جلس عبد الله) بن مسعود (وأبو موسى)
الأشعري (فتحدّثنا فقال أبو موسى قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن بين يدي الساعة) أي قبلها على قرب منها (أيامًا)
والتنوين للتقليل وللحموي والمستملي لأيامًا بزيادة اللام
(يرفع فيها العلم) بموت العلماء (وينزل فيها الجهل) بظهور
الحوادث المقتضية لترك الاشتغال بالعلم (ويكثر فيها
الهَرْجُ والهَرْجُ القتل) يحتمل أن يكون مرفوعًا وهو
الظاهر، وأن يكون من تفسير الراوي وظاهره أن القائل هو أبو
موسى وحده بخلاف الرواية السابقة فإنها صريحة في أن أبا
موسى وابن مسعود قالاه.
7065 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: إِنِّى لَجَالِسٌ
مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى - رضى الله عنهما -
فَقَالَ أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ وَالْهَرْجُ
بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْقَتْلُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) بفتح
الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي
وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: إني لجالس مع عبد الله) بن
مسعود (وأبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنهما- فقال أبو
موسى: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مثله) أي مثل الحديث السابق (والهرج بلسان الحبشة) ولأبي
ذر وابن عساكر بلسان الحبش (القتل) قال القاضي عياض: هذا
وهم من بعض الرواة فإنها عربية صحيحة اهـ. ويأتي ما فيه في
الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى وأصل الهرج في
اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا
فقوله: والهرج الخ إدراج من أبي موسى كما صرح به في الحديث
التالي.
7066 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ قَالَ:
«بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ يَزُولُ
الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ». قَالَ أَبُو
مُوسَى: وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) ولأبي ذر زيادة ابن بشار بالموحدة
والمعجمة المشددة وهو الملقب ببندار قال: (حدّثنا غندر)
محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واصل) هو
ابن
حيان بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المفتوحة المشددة
الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود
-رضي الله عنه- قال أبو وائل (وأحسبه) أي أحسب عبد الله بن
مسعود (رفعه) رفع الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال):
(بين يدي الساعة أيام الهرج) بإضافة أيام لتاليها (يزول
العلم) بزوال أهله ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر يزول فيها
أي في أيام الهرج العلم (ويظهر فيها الجهل) لذهاب العلماء
والاشتغال بالفتن عن العلم (قال أبو موسى) الأشعري
(والهرج: القتل بلسان الحبشة). قال في الفتح: أخطأ من قال
إن الهرج القتل بلسان العربية وهم من بعض الرواة، ووجه
الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل إلا
على طريق المجاز لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرًا
إلى القتل وكثيرًا ما يسمون الشيء باسم ما يؤول إليه
واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبشة فكيف
يدعى على مثل أبي موسى الأشعري الوهم في تفسير لفظة لغوية
بل الصواب معه، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع
كونها لغة الحبشة.
7067 - وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى
وَائِلٍ، عَنِ الأَشْعَرِىِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ
اللَّهِ: تَعْلَمُ الأَيَّامَ الَّتِى ذَكَرَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ الْهَرْجِ
نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مِنْ
شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ
أَحْيَاءٌ».
(وقال أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن عاصم) هو
ابن أبي النجود أحد القراء السبعة المشهورين (عن أبي وائل)
شقيق (عن الأشعري) أبي موسى -رضي الله عنه- (أنه قال لعبد
الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (تعلم الأيام التي ذكر
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام الهرج
نحوه) أي نحو الحديث المذكور بين يدي الساعة أيام الهرج.
(قال) ولأبي ذر وقال (ابن مسعود) عبد الله بالسند السابق
(سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء). وعند مسلم من
حديث ابن مسعود أيضًا مرفوعًا: لا تقوم الساعة إلا
(10/174)
على شرار الناس، وروي أيضًا من حديث أبي
هريرة رفعه: إن الله يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير
فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، وله
أيضًا: لا تقوم الساعة على أحد يقول: لا إله إلا الله.
فإن قلت: قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا
تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة" ظاهره أنها
تقوم على قوم صالحين. أجيب: بحمل الغاية فيه على وقت هبوب
الريح الطيبة التي تقبض روح كل مؤمن ومسلم فلا يبقى إلا
الشرار فتهجم الساعة عليهم بغتة.
6 - باب لاَ يَأْتِى زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِى بَعْدَهُ
شَرٌّ مِنْهُ
(باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يأتي زمان إلا الذى بعده شر
منه).
7068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ قَالَ:
أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا
نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: «اصْبِرُوا فَإِنَّهُ
لاَ يَأْتِى عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِى بَعْدَهُ
شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ». سَمِعْتُهُ
مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن الزبير) بضم الزاي (ابن عدي) بفتح العين
وكسر الدال المهملتين الكوفي الهمداني بسكون الميم من صغار
التابعين ليس له في البخاري إلا هذا الحديث أنه (قال:
أتينا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (فشكونا) ولأبي ذر عن
الكشميهني فشكوا (إليه ما نلقى) وللأصيلي ما يلقوا، ولأبي
ذر وابن عساكر: ما يلقون (من الحجاج) بن يوسف الثقفي
الأمير المشهور من ظلمه وتعدّيه وفي قوله فشكونا إليه ما
يلقون التفات (فقال) أنس (اصبروا) عليه (فإنه لا يأتي
عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) أي حتى
تموتوا وعند الطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود قال أمس خير
من اليوم واليوم خير من غد، وكذلك حتى تقوم الساعة، ولأبي
ذر وابن عساكر: أشر منه بوزن أفعل على الأصل لأنه أفعل
تفضيل لكن مجيئه كذلك قليل، وعند الإسماعيلي من رواية محمد
بن القاسم الأسدي عن الثوري ومالك بن مغول ومسعر وأبي سنان
الشيباني أربعتهم عن الزبير بن عدي بلفظ: لا يأتي على
الناس زمان إلاّ شر من الزمان الذي كان قبله (سمعته من
نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
واستشكل هذا الإطلاق بأن بعض الأزمنة قد يكون فيه الشر أقل
من سابقه ولو لم يكن إلا زمن عمر بن عبد العزيز وهو بعد
زمن الحجاج بيسير. وأجاب الحسن البصري: بأنه لا بدّ للناس
من تنفس فحمله على أكثر الأغلب، وأجاب غيره بأن المراد
بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر فإن عصر
الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء، وفي زمن عمر
بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من
الزمان الذي بعده لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- المروي في الصحيحين "خير القرون قرني".
وحديث الباب أخرجه الترمذي في الفتن.
7069 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح.
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى أَخِى، عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ
الْفِرَاسِيَّةِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا
أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ
مِنَ الْفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ
يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَىْ يُصَلِّينَ رُبَّ كَاسِيَةٍ
فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِى الآخِرَةِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(ح) لتحويل السند قال البخاري:
(وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد
(أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) ولأبي ذر زيادة ابن
بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي
عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر التيمي المدني نسبه
لجده (عن ابن شهاب) الزهري (عن هند بنت الحارث الفراسية)
بكسر الفاء وبالسين المهملة نسبة إلى بني فراس بطن من
كنانة وهم إخوة قريش قيل إن لهند هذه صحبة (أن أم سلمة زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: استيقظ)
انتبه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من
نومه وليست السين في استيقظ للطلب (ليلة) نصب على الظرفية
حال كونه (فزعًا) بفتح الفاء وكسر الزاي أي خائفًا حال
كونه (يقول):
(سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن) كخزائن فارس
والروم مما فتح على الصحابة وقوله سبحان الله ماذا استفهام
متضمن معنى التعجب ولابن عساكر إسقاط ليلة واسم الجلالة
الشريفة من قوله أنزل الله ولأبي ذر عن الكشميهني أنزل بضم
الهمزة وكسر الزاي الليلة من الخزائن جمع خزانة وهو ما
يحفظ فيه الشيء (وماذا أُنزل من الفتن) بضم الهمزة (من
يوقظ) أي من ينتدب فيوقظ (صواحب الحجرات) بضم الحاء
المهملة وفتح الجيم والذي
(10/175)
في اليونينية بضم الجيم أيضًا (يريد)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أزواجه) -رضي الله
عنه- (لكي يصلّين) ويستعذن مما أراه الله من الفتن النازلة
كي يوافقن المرجوّ فيه الإجابة وخصّهنّ الحاضرات حينئذٍ
(رب كاسية في الدنيا) بالثياب لوجود الغنى (عارية في
الآخرة) من الثواب لعدم العلم في الدنيا أو كاسية بالثياب
الشفافة التي لا تستر العورة عارية في الآخرة جزاء على
ذلك، أو كاسية من نعم الله عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته
في الآخرة بالثواب، أو كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح
عارية في الآخرة من العمل لا ينفعها صلاح زوجها، وهذا وإن
ورد في أمهات المؤمنين فالعبرة بعموم اللفظ وفيه إشارة إلى
تقديم المرء ما يفتح عليه من خزائن الدنيا للآخرة يوم يحشر
الناس عراة فلا يكسى إلا الأول فالأول في الطاعة والصدقة
والإنفاق في سبيل الله.
والحديث سبق في باب العلم والعظة بالليل من كتاب العلم.
7 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ
مِنَّا»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من
حمل علينا السلاح) وهو ما أعد للحرب من آلة الحديد (فليس
منا).
7070 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَمَلَ
عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم
التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس
الأصبحي الإمام (عن نافع) الفقيه مولى ابن عمر من أئمة
التابعين وأعلامهم (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما-) وسقط لابن عساكر لفظ عبد الله (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من حمل علينا السلاح) مستحلاًّ لذلك (فليس منا). بل هو
كافر بما فعله من استحلال ما هو مقطوع بتحريمه ويحتمل أن
يكون غير مستحل فيكون المراد بقوله فليس منا أي ليس على
طريقتنا كقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من شقّ
الجيوب وما أشبهه".
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان والنسائي في المحاربة.
7071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا
السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني
الكوفي مشهور بكنيته أبي كريب قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن سلمة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد
الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو
الحارث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي
الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه (قال):
(من حمل علينا السلاح) لقتالنا معشر المسلمين بغير حق
ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع مَن سلّ علينا السيف، وعند
البزار من حديث أبي بكرة، ومن حديث سمرة ومن حديث عمرو بن
عوف مَن شَهَرَ علينا السلاح، وفي سند كلٍّ منها لين لكنها
يعضد بعضها بعضًا وفي حديث أبي هريرة عند أحمد: مَن رمانا
بالنّبل بالنون والموحدة (فليس منا). لما في ذلك من تخويف
المسلمين إدخال الرعب عليهم وكأنه كنّى بالحمل عن المقاتلة
أو القتل للملازمة الغالبة ومن حق المسلم على المسلم أن
ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة
قتاله أو قتله والفقهاء مجُمِعون على أن الخوارج من جملة
المؤمنين وأن الإيمان لا يزيله إلا الشرك بالله وبرسله.
نعم الوعيد المذكور في هذا الحديث لا يتناول مَن قاتل
البغاة من أهل الحق فيحمل على البغاة ومن بدأ بالقتال
ظالمًا والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير
تعرّض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر كما حكاه في الفتح
وغيره.
وهذا الحديث أعني حديث محمد بن العلاء عند ابن عساكر في
نسخة وليس في الأصل وقد أخرجه مسلم في الإيمان والترمذي
وابن ماجة في الحدود.
7072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ
بِالسِّلاَحِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ الشَّيْطَانَ
يَنْزِعُ فِى يَدِهِ، فَيَقَعُ فِى حُفْرَةٍ مِنَ
النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب فجزم الحاكم فيما ذكره
الجياني بأنه محمد بن يحيى الذهلي وقال الحافظ ابن حجر
يحتمل أن يكون هو ابن رافع فإن مسلمًا أخرج هذا الحديث عن
محمد بن رافع عن عبد الرزاق وتعقبه العيني فقال هذا
الاحتمال بعيد فإن إخراج مسلم عن محمد بن رافع عن عبد
الرزاق لا يستلزم إخراج البخاري كذلك قال: (أخبرنا عبد
الرزاق) أبو بكر بن همام بن نافع الصنعاني أحد الأعلام (عن
معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد
الميم بعدها ابن منبه أنه
(10/176)
قال: (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح) بإثبات التحتية بعد
المعجمة من قوله لا يشير نفي بمعنى النهي ولبعضهم بإسقاطها
بلفظ النهي قال في الفتح وكلاهما جائز (فإنه) أي الذي يشير
(لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده) بفتح التحتية وكسر
الزاي بينهما نون ساكنة آخره عين مهملة أي يقلعه من يده
فيصيب به الآخر أو يشد يده فيصيبه ولأبي ذر عن الكشميهني
ينزغ بفتح الزاي بعدها غين معجمة أي يحمل بعضهم على بعض
بالفساد (فيقع) في معصية تُفضي به إلى أن يقع (في حفرة من
النار) يوم القيامة وفيه النهي عما يُفضي إلى المحذور وإن
لم يكن المحذور محققًا سواء كان ذلك في جدّ أو هزل.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب.
7073 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو يَا أَبَا
مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
مَرَّ رَجُلٌ بِسِهَامٍ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا» قَالَ: نَعَمْ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قلت لعمرو) هو ابن دينار
(يا أبا محمد سمعت) بفتح التاء (جابر بن عبد الله)
الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: مرّ رجل) أي أعرف اسمه
(بسهام في المسجد فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أمسك) بهمزة قطع مفتوحة وكسر السين (بنصالها) جمع نصل وهو
حديد السهم ويجمع أيضًا على نصول (قال) عمرو بن دينار
جوابًا السؤال سفيان بن عيينة (نعم) سمعته يقول ذلك وسقط
قوله نعم في باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد من
كتاب الصلاة، وقول ابن بطال حديث جابر لا يظهر فيه الإسناد
لأن سفيان لم يقل إن عمرًا قال له نعم فبان بقوله نعم في
الرواية الأخرى إسناد الحديث. قال في الفتح: هذا مبني على
المذهب المرجوح في اشتراط قول الشيخ نعم إذا قال له القارئ
مثلاً أحدّثك فلان؟ والمذهب الراجح الذي عليه أكثر
المحققين أن ذلك لا يشترط بل يكتفى بسكوت الشيخ إذا كان
متيقظًا.
7074 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ فِى الْمَسْجِدِ بِأَسْهُمٍ
قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ
بِنُصُولِهَا لاَ يَخْدِشُ مُسْلِمًا.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال:
(حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل
الأزدي أحد الأعلام (عن عمرو بن دينار) أبي محمد الجمحي
مولاهم المكي (عن جابر) -رضي الله عنه- (أن رجلاً مرّ في
المسجد) النبوي (بأسهم) جمع سهم في القلة وفيه دلالة على
أن قوله في الأول بسهام أنها سهام قليلة (قد أبدى) أي أظهر
(نصولها) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني بدا نصولها (فأمر)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل (أن يأخذ
بنصولها) أي يقبض عليها بكفه كما في الرواية اللاحقة وفي
نسخة فأمر بضم الهمزة (لا يخدش مسلمًا). بفتح التحتية
وسكون الخاء المعجمة من خدش يخدش أي لا يقشر جلد مسلم،
والخدش أول الجراح وهذا تعليل للأمر بالإمساك على النصال.
7075 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ
أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِى
مَسْجِدِنَا أَوْ فِى سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ
فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ
بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
مِنْهَا شَىْءٌ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني قال:
(حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة
ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة عن) أبيه (أبي موسى)
الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل) بفتح
النون وسكون الموحدة السهام العربية لا واحد لها من لفظها
وأو للتنويع لا للشك والواو في قوله ومعه للحال (فليمسك
على نصالها) عدّاه بعل للمبالغة وإلاّ فالأصل فليمسك
بنصالها (أو قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فليقبض بكفه) عليها وليس المراد خصوص ذلك بل يحرص على أن
لا يصيب مسلمًا بوجه من الوجوه كما دل عليه التعليل بقوله
(أن يصيب) بفتح الهمزة أي كراهية أن يصيب ولمسلم لئلا يصيب
بها (أحدًا من المسلمين منها شيء). ولأبي ذر والأصيلي:
بشيء بزيادة حرف الجر.
8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ
بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا
ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض).
7076 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنِى أَبِى،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ
كُفْرٌ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال (حدّثني) بالإفراد،
ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش)
سليمان بن مهران قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة
(قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(سباب المسلم) بكسر السين وتخفيف الموحدة مصدر مضاف
للمفعول يقال سب
(10/177)
يسب سبًّا وسبابًا. قال إبراهيم الحربي:
السباب أشد من السب وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس
فيه يريد بذلك عيبه، وقال غيره: السباب هنا مثل القتال
فيقتضي المفاعلة، ولأحمد عن غندر عن شعبة سباب المؤمن
(فسوق) وهو في اللغة الخروج وفي الشرع الخروج عن طاعة الله
ورسوله وهو في الشرع أشد العصيان قال تعالى: {وكره إليكم
الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] ففيه تعظيم حق
المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق (وقتاله)
ومقاتلته (كفر) ظاهره غير مراد فلا متمسك به للخوارج لأنه
لما كان القتال أشد من السباب لأنه مُفضٍ إلى إزهاق الروح
عبّر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر ولم يرد حقيقة
الكفر التي هي الخروج عن الملة بل أطلق عليه الكفر مبالغة
في التحذير معتمدًا على ما تقرر من القواعد، أو المعنى إذا
كان مستحلاًّ أو أن قتال المؤمن من شأن الكافر أو المراد
الكفر اللغوي الذي هو التغطية، لأن حق المسلم على المسلم
أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه فلما قاتله كان كأنه غطى
هذا الحق.
والحديث سبق في الإيمان.
7077 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى
كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم الأنماطي
البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني)
بالإفراد (واقد) بالقاف ولأبي ذر واقد بن محمد أي العمري
(عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر)
-رضي الله عنهما- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول) في حجة الوداع عند جمرة العقبة:
(لا ترجعوا) بصيغة النهي أي لا تصيروا ولأبي ذر مما في
الفتح لا ترجعون (بعدي كفارًا) بصيغة الخبر (يضرب بعضكم
رقاب بعض) برفع يضرب في الفرع كأصله قيل وهو الذي رواه
المتقدمون والمتأخرون وفيه وجوه أن يكون جملة صفة لكفارًا
أي: لا ترجعوا بعدي كفارًا متّصفين بهذه الصفة القبيحة
يعني ضرب بعضكم رقاب بعض، وأن يكون حالاً من ضمير لا
ترجعوا أي لا ترجعوا بعدي كفارًا حال ضرب بعضكم رقاب بعض،
وأن يكون جملة استئنافية كأنه قيل: كيف يكون الرجوع
كفارًا؟ فقال: يضرب بعضكم رقاب بعض. فعلى الأوّل يجوز أن
يكون معناه لا ترجعوا عن الدين بعدي فتصيروا مرتدّين
مقاتلين بضرب بعضكم رقاب بعض بغير حق على وجه التحقيق، وأن
يكون لا ترجعوا الكفار المقاتل بعضهم بعضًا على وجه
التشبيه بحذف أداته،
وعلى الثاني يجوز أن يكون معناه لا تكفروا حال ضرب بعضكم
رقاب بعض لأمر يعرض بينكم باستحلال القتل بغير حق وأن يكون
لا ترجعوا حال المقاتلة لذلك كالكفار في الانهماك في تهييج
الشر وإثارة الفتن بغير إشفاق منكم بعضكم على بعض في ضرب
الرقاب، وعلى الثالث يجوز أن يكون معناه لا يضرب بعضكم
رقاب بعض بغير حق فإنه فعل الكفار وأن يكون لا يضرب بعضكم
رقاب بعض كفعل الكفار على ما مرّ وروي بالجزم بدلاً من لا
ترجعوا أو جزاء لشرط مقدّر على مذهب الكسائي أي فإن ترجعوا
يضرب بعضكم.
والحديث سبق في أوائل الديات.
7078 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ،
عَنْ أَبِى بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ أَفْضَلُ
فِى نَفْسِى مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ،
عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:
«أَلاَ تَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: «أَلَيْسَ
بِيَوْمِ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ: «أَىُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ»؟
قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ
وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ
هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ:
«اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ
الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ
هُوَ أَوْعَى لَهُ»، فَكَانَ كَذَلِكَ قَالَ: «لاَ
تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ
بَعْضٍ». فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ
الْحَضْرَمِىِّ حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ
قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى أَبِى بَكْرَةَ فَقَالُوا: هَذَا
أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
فَحَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:
لَوْ دَخَلُوا عَلَىَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان قال: (حدّثنا قرة بن خالد) بضم القاف وفتح
الراء المشددة السدوسي قال: (حدّثنا ابن سيرين) محمد (عن
عبد الرحمن بن أبي بكرة عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بضم
النون وفتح الفاء ابن الحارث الثقفي وسقط لابن عساكر عن
أبي بكرة (وعن رجل آخر) هو حميد بن عبد الرحمن كما في كتاب
الحج في باب الخطبة أيام منى. قال الكرماني: هو ابن عوف،
وقال الحافظ ابن حجر: هو الحميري وكلاهما سمع من أبي بكرة
وسمع منه محمد بن سيرين (وهو) أي حميد (أفضل في نفسي من
عبد الرحمن بن أبي بكرة) لأنه دخل في الولايات وكان حميد
زاهدًا (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس) يوم النحر
بمنى فقال:
(ألا تدرون) بتخفيف اللام (أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله
أعلم قال حتى ظننا) وفي باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج
فسكت حتى ظننا (أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس بيوم
النحر)؟
(10/178)
بالموحدة قبل التحتية في يوم (قلنا بلى يا
رسول الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي
ذر فقال (أي بلد هذا)
بالتذكير (أليست بالبلدة)؟ ولأبى ذر عن الحموي زيادة
الحرام بتأنيث البلدة وتذكير الحرام الذي هو صفتها وذلك أن
لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسمًا والبلدة اسم
خاص بمكة وهي المراد بقوله إنما أمرت أن أعبد رب هذه
البلدة الذي حرمها وخصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه
إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه وأشار إليها
إشارة تعظيم لها دالاًّ على أنها موطن بيته ومهبط وحيه
(قلنا بلى يا رسول الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) جمع عرض بكسر
العين وهو موضع المدح والذم هن الإنسان سواء كان في نفسه
أو في سلفه (وأبشاركم) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها
معجمة ظاهر جلد الإنسان والمعنى فإن انتهاك دمائكم
وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم (عليكم حرام) إذا كان بغير حق
(كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (في
بلدكم هذا) مكة وشبه الدماء والأموال والأعراض والأبشار في
الحرمة باليوم وبالشهر والبلد لاشتهار الحرمة فيها عندهم،
وإلاّ فالمشبه إنما يكون دون المشبه به ولهذا قدم السؤال
عنها مع شهرتها لأن تحريمها أثبت في نفوسهم إذ هي عادة
سلفهم وتحريم الشرع طارئ وحينئذ فإنما شبه الشيء بما هو
أعلى منه باعتبار ما هو مقرر عندهم.
وهذا وإن كان سبق في موضعين العلم والحج فذكره هنا لبعد
العهد به، وقال في اللامع كالكواكب لم يذكر في هذا الرواية
أي شهر مع أنه قال بعد في شهركم هذا كأنه لتقرر ذلك عندهم،
وحرمة البلد وإن كانت متقررة أيضًا لكن الخطبة كانت بمنى
وربما قصد به دفع وهم من يتوهم أنها خارجة عن الحرم أو من
يتوهم إن البلدة لم تبق حرامًا لقتاله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها يوم الفتح، واختصره الراوي
اعتمادًا على سائر الروايات مع أنه لا يلزم ذكره في صحة
التشبيه اهـ.
وسقط لابن عساكر لفظ هذا من قوله يومكم هذا. ثم قال
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ألا) بفتح الهمزة
وتخفيف اللام يا قوم (هل بلغت)؟ ما أمرني به الله تعالى
(قلنا: نعم) بلغت (قال: اللهم اشهد فليبلغ الشاهد) أي
الحاضر هذا المجلس (الغائب) عنه وهو نصب مفعول سابقه (فإنه
رب مبلغ) بفتح اللام المشددة بلغه كلامي بواسطة (يبلغه)
غيره بكسرها كذا في الفرع بفتح ثم كسر وعليه جرى في الفتح.
وقال في الكواكب بكسرهما، وصوّبه العيني متعقبًا لابن حجر
قلت: وكذا هو في اليونينية بكسر اللام فيهما والضمير
الراجع إلى الحديث مفعول أول له (من) بفتح الميم ولأبي ذر
عن الكشميهني لمن (هو أوعى) أحفظ (له) ممن بلغه مفعول ثانٍ
فقال محمد بن سيرين (فكان كذلك) أي وقع التبليغ كثيرًا من
الحافظ إلى الأحفظ والذي يتعلق به رب محذوف تقديره يوجد أو
يكون.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسند السابق
من رواية محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي
بكرة (لا ترجعوا) تصيروا (بعدي) بعد موقفي أو بعد موتي
(كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب ومر ما فيه قريبًا
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة (فلما كان يوم حرق) بضم الحاء
المهملة (ابن الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد
المعجمة وفتح الراء عبد الله بن عمرو، وقول الدمياطي إن
الصواب أحرق بالهمزة المضمومة تعقبه في الفتح بأن أهل
اللغة جزموا بأنهما لغتان أحرقه وحرقه والتشديد للتكثير،
وتعقبه العيني فقال: هذا كلام من لا يذوق من معاني
التراكيب شيئًا، وتصويب الدمياطي باب الأفعال لكون المقصود
حصول الإحراق، وليس المراد المبالغة فيه حتى يذكر باب
التفعيل (حين حرقه جارية بن قدامة) بالجيم والتحتية وقدامة
بضم القاف ابن مالك بن زهير بن الحصن التميمي السعدي، وكان
السبب في ذلك أن معاوية كان وجه ابن الحضرمي إلى البصرة
يستنفرهم على قتال عليّ -رضي الله عنه- فوجه عليّ جارية بن
قدامة فحصره فتحصن منه ابن الحضرمي في دار
(10/179)
فأحرقها جارية عليه ذكره العسكري، وقال
الطبري في حوادث سنة ثمان وثلاثين من طريق أبي الحسن
المدايني، وكذا أخرجه عنه ابن أبي شيبة في أخبار البصرة أن
عبد الله بن عباس خرج من البصرة وكان عاملها لعليّ واستخلف
زياد ابن سمية على البصرة فأرسل معاوية عبد الله بن عمرو
بن الحضرمي ليأخذ له البصرة، فنزل في بني تميم وانضمت إليه
العثمانية فكتب زياد إلى عليّ يستنجده فأرسل إليه أعين بن
ضبيعة المجاشعي فقتل غيلة فبعث عليّ بعده جارية بن قدامة
فحصر ابن الحضرمي في الدار التي نزل فيها ثم أحرق الدار
عليه وعلى من معه وكانوا سبعين رجلاً أو أربعين وجواب فلما
قوله (قال) جارية لجيشه (أشرفوا) بفتح الهمزة وسكون الشين
المعجمة وكسر الراء بعدها فاء (على أبي بكرة) نفيع فانظروا
هل هو على الاستسلام والانقياد أم لا (فقالوا) له: (هذا
أبو بكرة يراك) وما صنعت بابن الحضرمي وربما أنكر عليك
بكلام أو بسلاح.
(قال عبد الرحمن) بن أبي بكرة بالسند السابق: (فحدّثتني
أمي) هالة بنت غليظ العجلية كما ذكره خليفة بن خياط وقال
ابن سعد اسمها هولة (عن أبي بكرة) نفيع (أنه قال): لما سمع
قولهم ربما أنكر عليك بسلاح أو كلام وكان في علية له (لو
دخلوا عليّ) داري (ما بهشت) بفتح الموحدة والهاء وسكون
الشين المعجمة بعدها فوقية وللحموي والمستملي ما بهشت بكسر
الهاء لغتان أي ما دافعتهم (بقصبة) كأنه قال ما مددت يدي
إلى قصبة ولا تناولتها لأدافع بها عني لأني لا أرى قتال
المسلمين فكيف أقاتلهم بسلاح.
والحديث مرّ في الحج.
7079 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
تَرْتَدُّوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن إشكاب) بكسر الهمزة وسكون الشين
المعجمة وبعد الألف موحدة مصروف الصفار الكوفي قال:
(حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة (عن
أبيه) فضيل بن غزوان بفتح الغين وسكون الزاي المعجمتين (عن
عكرمة) مولى ابن عباس
(عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا ترتدّوا) وفي
الحج من وجه آخر عن فضيل لا ترجعوا (بعدي كفارًا يضرب
بعضكم رقاب بعض) من جزم يضرب أوّله على الكفر الحقيقي الذي
فيه ضرب الأعناق ويحتاج إلى التأويل بالمستحل مثلاً ومن
رفعها فكأنه أراد الحال أو الاستئناف فلا يكون متعلقًا بما
قبله، ويحتمل كما قاله في الفتح أن يكون متعلقًا به وجوابه
ما تقدم.
والحديث تقدم من وجه آخر بأتم من هذا في الحج.
7080 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُدْرِكٍ سَمِعْتُ أَبَا
زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ
قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ
النَّاسَ» ثُمَّ قَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا
يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي البصري
قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن علي بن مدرك)
بضم الميم وكسر الراء بينهما مهملة ساكنة النخعي الكوفي
أنه قال: (سمعت أبا زرعة) هرمًا بفتح الهاء (ابن عمرو بن
جرير عن جده جرير) بفتح الجيم ابن عبد الله البجلي -رضي
الله عنه- أنه (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) عند جمرة العقبة
واجتماع الناس للرمي وغيره.
(استنصت الناس، ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعد أن أنصتوا (لا ترجعوا) ولابن عساكر وأبي ذر
عن الكشميهني لا ترجعن بنون ثقيلة بعد العين المضمومة
(بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) أي لا تكن أعمالكم
شبيهة بأعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين ومر ما قيل غير
ذلك. وقال المظهري، يعني إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي
على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى ولا تظلموا أحدًا ولا
تحاربوا المسلمين.
والحديث سبق في العلم.
9 - باب تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
الْقَائِمِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (تكون فتنة القاعد فيها خير
من القائم).
7081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَحَدَّثَنِى صَالِحُ بْنُ
كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَتَكُونُ
فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ،
وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِى وَالْمَاشِى
فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا
تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ
مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد الله) بضم العين ابن محمد
بن زيد مولى عثمان بن عفان الأموي أبو ثابت القرشي المدني
الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن
أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن) عمه (أبي
سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
(قال إبراهيم) بن سعد (وحدّثني) بالإفراد (صالح بن كيسان)
بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن
المسيب) سقط لابن عساكر لفظ سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله
عنه-
(10/180)
أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ستكون فتن) بكسر الفاء وفتح الفوقية
بصيغة الجمع ولأبي ذر عن المستملي فتنة بالإفراد (القاعد
فيها) أي القاعد في زمن الفتن أو الفتنة عنها (خير من
القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من
الساعي) والمراد من يكون مباشرًا لها في الأحوال كلها يعني
أن بعضهم في ذلك أشد من بعض فأعلاهم الساعي فيها بحيث يكون
سببًا لإثارتها ثم من يكون قائمًا بأسبابها وهو الماشي ثم
من يكون مباشرًا لها وهو القائم ثم من يكون مع النظارة ولا
يقاتل وهو القاعد كذا قرره الداودي (من تشرف) بفتح الفوقية
والمعجمة والراء المشددة بعدها فاء أي تطلع (لها) بأن
يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها (تستشرفه) بالجزم تهلكه
بأن يشرف منها على الهلاك يقال أشرف المريض إذا أشفى على
الموت (فمن وجد فيها) ولأبي ذر عن الكشميهني منها (ملجأ)
بفتح الميم والجيم بينهما لام ساكنة آخره همز موضعًا يلتجئ
إليه من شرها (أو معاذًا) بفتح الميم وبالذال المعجمة
وضبطه السفاقسي بضم الميم وهو بمعنى الملجأ (فَليَعذ به)
أي ليعتزل فيه ليسلم من الفتنة.
وهذا الحديث أورده المصنف هنا من رواية سعد بن إبراهيم عن
أبيه عن أبي سلمة ومن رواية ابن شهاب عن أبي سلمة لم يذكر
لفظ رواية سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة وذكرها مسلم من طريق
أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد، وفي أوله تكون فتنة
النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد.
7082 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ
مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِى،
وَالْمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى، مَنْ تَشَرَّفَ
لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ
مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن
عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ستكون فتن القاعد
فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي) في الرواية
الأولى والقائم فيها (والماشي فيها خير من الساعي) وزاد
الإسماعيلي من طريق الحسن بن إسماعيل الكلبي عن إبراهيم بن
سعد في أوله النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير
من القاعد.
والحسن بن إسماعيل وثقه النسائي وهو من شيوخه وعند أحمد
وأبي داود من حديث ابن مسعود النائم فيها خير من المضطجع
وهو المراد باليقظان في الرواية السابقة وفيه والماشي فيها
خير من الراكب والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون
أقل شرًّا ممن فوقه على التفصيل السابق.
(من تشرف لها تستشرفه) قال التوربشتي أي من تطلع لها دعته
إلى الوقوع فيها والتشرف التطلع واستعير هنا للإصابة بشرها
أو أريد به أنها تدعوه إلى زيادة النظر إليها وقيل إنه من
استشرفت الشيء أي علوته يريد من انتصب لها صرعته وقيل هو
من المخاطرة والإشفاء على الهلاك أي من خاطر بنفسه فيها
أهلكته. قال الطيبي ولعل الوجه الثالث أولى لما يظهر من
معنى اللام في لها وعليه كلام الفائق وهو قوله أي من
غالبها غالبته (فمن وجد ملجأً أو معاذًا فَلْيَعذ به) بفتح
الميمين ومعناهما واحد كما مرّ.
وفيه التحذير من الفتن وأن شرها يكون بحسب الدخول فيها
والمراد بالفتن جميعها، أو المراد ما ينشأ عن الاختلاف في
طلب الملك حيث لا يعلم المحق من المبطل وعلى الأول، فقالت
طائفة بلزوم البيوت، وقال آخرون بالتحول عن بلد الفتنة
أصلاً، ثم اختلفوا فمنهم من قال إذا هجم عليه في شيء من
ذلك يكف يده ولو قتل، ومنهم من قال يدافع عن نفسه وماله
وأهله وهو معذور إن قتل أو قتل.
10 - باب إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا التقى المسلمان
بسيفيهما) فالقاتل والمقتول في النار.
7083 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ رَجُلٍ لَمْ
يُسَمِّهِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِى
لَيَالِىَ الْفِتْنَةِ فَاسْتَقْبَلَنِى أَبُو بَكْرَةَ
فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ
عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ
بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ»
قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟
قَالَ: «إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ». قَالَ
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ
لأَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ
يُحَدِّثَانِى بِهِ فَقَالاَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ الْحَسَنُ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ
أَبِى بَكْرَةَ.
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي
بفتح الحاء المهملة والجيم والموحدة المكسورة البصري قال:
(حدّثنا حماد) بفتح الحاء المهملة والميم المشددة ابن زيد
بن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي الأزرق (عن رجل لم
يسمِّهِ) حماد قال الحافظ ابن حجر: هو عمرو بن عبيد شيخ
المعتزلة وكان سيئ الضبط هكذا جزم المزي في التهذيب بأنه
المبهم في هذا الموضع وجوّز غيره
(10/181)
كمغلطاي أي يكون هو هشام بن حسان القردوسي
وفيه بعد اهـ. (عن الحسن) البصري أنه (قال: خرجت بسلاحي
ليالي الفتنة) التي وقعت بين عليّ وعائشة وهي وقعة الجمل
ووقعة صفين (فاستقبلني أبو بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي
سقط هنا الأحنف بن قيس بين الحسن وأبي بكرة كما يأتي
قريبًا إن شاء الله تعالى (فقال) لي (أين تريد) زاد مسلم
يا أحنف (قلت) له (أريد نصرة ابن عم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني عليًّا -رضي الله عنه-
(قال) أبو بكرة (قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولمسلم فقال لي يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:
(إذا تواجه المسلمان بسيفيهما) بفتح الفاء بعدها تحتية
ساكنة أي ضرب كل منهما وجه الآخر أي ذاته (فكلاهما) القاتل
والمقتول (من أهل النار) أي سيستحقانها وقد يعفو الله
عنهما أو ذلك محمول على من استحل ذلك، ولأبي ذر عن
الكشميهني في النار (قيل: فهذا القاتل) يستحق النار (فما
بال المقتول)؟ فما ذنبه حتى يدخلها والقائل ذلك هو أبو
بكرة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنه
أراد) ولأبي الوقت قد أراد (قتل صاحبه) وفي الإيمان أنه
كان حريصًا على قتل صاحبه أي جازمًا بذلك مصممًا عليه وبه
استدلّ من قال بالمؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل. وأجاب
من لم يقل بذلك إن في هذا فعلاً وهو المواجهة بالسلاح
ووقوع القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن
يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل
والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم
المجرد.
وبالسند السابق هنا (قال حماد بن زيد فذكرت هذا الحديث
لأيوب) السختياني (ويونس بن عبيد) بضم العين ابن دينار
القيسي البصري (وأنا أريد أن يحدّثناني به فقالا: إنما روى
هذا الحديث الحسن) البصري (عن الأحنف) بفتح الهمزة وسكون
الحاء المهملة وفتح النون بعدها فاء (ابن قيس) السعدي
التميمي البصري واسمه الضحاك والأحنف لقبه وشهر به (عن أبي
بكرة) نفيع يعني أن عمرو بن عبيد الرجل الذي لم يسم في
السند السابق أخطأ حيث أسقط الأحنف بين الحسن وأبي بكرة.
نعم وافقه قتادة كما عند النسائي من وجهين عنه عن الحسن عن
أبي بكرة إلا أنه اقتصر على الحديث دون القصة. قال في
الفتح: فكأن الحسن كان يرسله عن أبي بكرة فإذا ذكر القصة
أسنده.
وسقط قوله الحديث من قوله هذا الحديث لابن عساكر.
0000 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
بِهَذَا وَقَالَ مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ
وَمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ،
عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ
وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِى بَكْرَةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ،
عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ عَنْ
مَنْصُورٍ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان) بن حرب الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) أي ابن زيد بن درهم (بهذا) الحديث المذكور على
الموافقة لرواية حماد بن زيد عن أيوب ويونس بن عبيد. (وقال
مؤمل) بالهمزة وفتح الميم الثانية المشددة. قال العيني:
كالكرماني هو ابن هشام أي اليشكري بتحتية
ومعجمة أبو هشام البصري وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة
والشرح: هو ابن إسماعيل أبو عبد الرحمن البصري نزيل مكة
أدركه البخاري ولم يلقه لأنه مات سنة ست ومائتين وذلك قبل
أن يرحل البخاري ولم يخرج عنه إلا تعليقًا وهو صدوق كثير
الخطأ قاله أبو حاتم الرازي قال: وقد وصل هذه الطريق
الإسماعيلي من طريق أبي موسى محمد بن المثنى قال: حدّثنا
مؤمل بن إسماعيل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) السابق قال:
(حدّثنا أيوب) السختياني (ويونس) بن عبيد (وهشام) هو ابن
حسان الأزدي مولاهم الحافظ (ومعلى بن زياد) بضم الميم وفتح
العين المهملة واللام المشددة القرشي (عن الحسن) البصري
(عن الأحنف) بن قيس (عن أبي بكرة) نفيع (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وأخرجه الإمام أحمد عن مؤمل عن حماد عن الأربعة فكأن
البخاري أشار إلى هذه الطريق قاله في الفتح.
(ورواه) أي الحديث المذكور (معمر) بفتح الميمين بينهما عين
مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم (عن أيوب) السختياني
فيما وصله مسلم والنسائي والإسماعيلي بلفظ عن أيوب عن
الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث دون
القصة.
(ورواه بكار بن عبد العزيز
(10/182)
عن أبيه) عبد العزيز بن عبد الله بن أبي
بكرة وليس له ولا لابنه بكار في البخاري إلا هذا الحديث
(عن أبي بكرة) نفيع ووصله الطبراني بلفظ سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن فتنة كائنة القاتل
والمقتول في النار إن المقتول قد أراد قتل القاتل.
(وقال غندر): محمد بن جعفر (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن
منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء
المهملة آخره شين معجمة والراء مخففة الأعور الغطفاني
التابعي المشهور وسقط ابن حراش لابن عساكر (عن أبي بكرة)
نفيع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ووصله الإمام أحمد مرفوعًا بلفظ: "إذا التقى المسلمان حمل
أحدهما على صاحبه السلاح فهما على جرف جهنم فإذا قتله وقعا
فيها جميعًا". (ولم يرفعه سفيان) الثوري (عن منصور) أي ابن
المعتمر بالسند المذكور إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ووصله النسائي بلفظ قال: إذا حمل
الرجلان المسلمان السلاح أحدهما على الآخر فهما على جرف
جهنم فإذا قتل أحدهما الآخر فهما في النار، ولا يلزم من
ذلك استمرار البقاء في النار.
وهذا الوعيد المذكور محمول على من قاتل بغير تأويل سائغ بل
لمجرد طلب الملك، وعند البزار في حديث: القاتل والمقتول في
النار زيادة وهي إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول
في النار.
11 - باب كَيْفَ الأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف الأمر إذا لم تكن) توجد
(جماعة) مجتمعون على خليفة.
7084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ،
حَدَّثَنِى
بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِىُّ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىَّ أَنَّهُ سَمِعَ
حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ
يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ
الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ،
فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا
الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: وَهَلْ
بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ
وَفِيهِ دَخَنٌ». قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ
يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ
وَتُنْكِرُ». قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ
شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ
مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا؟ قَالَ: «هُمْ مِنْ
جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ:
فَمَا تَأْمُرُنِى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ؟ قَالَ:
«تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ».
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ
إِمَامٌ» قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا،
وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ
الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي قال:
(حدّثنا الوليد بن مسلم) الحافظ أبو العباس عالم أهل الشام
قال: (حدّثنا ابن جابر) عبد الرحمن بن يزيد قال: (حدّثني)
بالإفراد (بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون السين
المهملة وضم العين (الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون
الضاد المعجمة (أنه سمع أبا إدريس) عائذ الله (الخولاني)
بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو (أنه سمع حذيفة بن اليمان
يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخير وكنت أسأله من الشر) قال في
شرح المشكاة أي الفتنة ووهن عُرا الإسلام واستيلاء الضلال
وفشو البدعة (مخافة) أي لأجل مخافة (أن يدركني) وكلمة أن
مصدرية (فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر) من كفر
وقتل ونهب وإتيان فواحش (فجاءنا الله بهذا الخير) ببعثك
وتشييد مباني الإسلام وهدم قواعد الكفر والضلال (فهل بعد
هذا الخير) الذي نحن فيه (من شر؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(نعم) قال حذيفة (قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم وفيه دخن) بفتح
المهملة والمعجمة بعدها نون مصدر دخنت النار تدخن إذا ألقي
عليها حطب رطب فإنه يكثر دخانها وتفسد أي فساد واختلاف
وفيه إشارة إلى كدر الحال وأن الخير الذي يكون بعد الشر
ليس خالصًا بل فيه كدر قال حذيفة (قلت) يا رسول الله (وما
دخنه؟ قال: قوم يهدون) بفتح أوله (بغير هدي) بتحتية واحدة
منونة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هديي بزيادة الإضافة
بعد الأخرى أي بغير سنتي وطريقتي (تعرت منهم) الخير فتقبل
والشر (وتنكر) وهو من المقابلة المعنوية. قال القاضي عياض:
المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان وبالخير
الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز وبالذين تعرف
منهم وتنكر الأمراء بعده فكان فيهم من يتمسك بالسُّنّة
والعدل وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور، ويحتمل أن
يراد بالشر زمان قتل عثمان وبالخير بعده زمان خلافة علي
-رضي الله عنه- والدخن: الخوارج ونحوهم، والشر بعده زمان
الذين يلعنونه على المنابر وقيل: وتنكر خبر بمعنى الأمر أي
أنكروا عليهم صدور المنكر عنهم قال حذيفة:
(قلت) يا رسول الله (فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم
دعاة على أبواب جهنم) بضم الدال من دعاة أي جماعة يدعون
الناس إلى الضلالة ويصدّونهم عن الهدي بأنواع من التلبيس
وأطلق عليهم ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم كما يقال لمن
أمر بفعل محرم وقف على شفير جهنم (من أجابهم إليها قذفوه)
بالذال المعجمة (فيها) في النار. قال حذيفة
(10/183)
(قلت يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من
جلدتنا) بكسر الجيم وسكون اللام من أنفسنا وعشيرتنا
(ويتكلمون بألسنتنا) أي من العرب وقيل من بني آدم وقيل
إنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون (قلت) يا
رسول الله (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال) عليه الصلاة
والسلام: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) بكسر الهمزة
أميرهم أي وإن جار، وعند مسلم من طريق أبي الأسود عن حذيفة
تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وعند الطبراني من
رواية خالد بن سبيع فإن رأيت خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك
(قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال) صلوات الله
وسلامه عليه (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة)
بفتح الفوقية والعين المهملة والضاد المعجمة. المشددة قال
التوربشتي: أي تمسك بما يصبرك وتقوى به عزيمتك على
اعتزالهم ولو بما لا يكاد يصح أن يكون متمسكًا، وقال
الطيبي: هذا شرط تعقب به الكلام تتميمًا ومبالغة أي اعتزل
الناس اعتزالاً لا غاية بعده ولو قنعت فيه بعضّ الشجرة
افعل فإنه خير لك (حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) العضّ
وهو كناية عن شدة المشقّة كقولهم: فلان يعضّ على الحجارة
من شدة الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر:
"عضوا عليها بالنواجذ" والمراد كما قال الطبري من الخير
لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث
بيعته خرج عن الجماعة، فإن لم يكن ثمّ إمام وافترق الناس
فرقًا فليعتزل الجميع إن استطاع خشية الوقوع في الشر وهل
الأمر للندب أو الإيجاب الذي لا يجوز لأحد من المسلمين
خلافه لحديث ابن ماجة عن أنس مرفوعًا: "إن بني إسرائيل
افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين
وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة"
والجماعة التي أمر الشارع بلزومها جماعة أئمة العلماء لأن
الله تعالى جعلهم حجة على خلقه وإليهم تفزع العامة في أمر
دينها وهم المعنيون بقوله: إن الله لن يجمع أمتي على
ضلالة. وقال آخرون: هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين
وفرّقوا عماده، وثبتوا أوتاده. وقال آخرون: هم جماعة أهل
الإسلام ما كانوا مجتمعين على أمر واجب على أهل المِلَل
اتباعه فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين.
والحديث سبق في علامات النبوّة وأخرجه مسلم في الفتن وكذا
ابن ماجة.
12 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ
وَالظُّلْمِ
(باب من كره أن يكثر) بتشديد المثلثة (سواد) أي أشخاص أهل
(الفتن و) أشخاص أهل (الظلم).
7085 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ،
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الأَسْوَدِ وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ
قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ
فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ
فَنَهَانِى أَشَدَّ النَّهْىِ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِى
ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ
الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَأْتِى السَّهْمُ فَيُرْمَى
فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ
فَيَقْتُلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى
أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) المقرئ التجيبي قال:
(حدّثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية
ساكنة ابن شريح (وغيره قالا: حدّثنا أبو الأسود) محمد بن
عبد الرحمن الأسدي يتيم عروة، وأما المبهم في قوله وغيره
فقال في الفتح: كأنه يريد ابن لهيعة فإنه رواه عن أبي
الأسود (وقال الليث) بن سعد الإمام (عن أبي الأسود قال) أي
أبو الأسود (قطع) بضم القاف وكسر الطاء المهملة أي أفرد
(على أهل المدينة بعث) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة
جيش منهم ومن غيرهم للغزو ليقاتلوا أهل الشام في خلافة عبد
الله بن الزبير على مكة (فاكتتبت فيه) في البعث واكتتبت
بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (فلقيت عكرمة) مولى ابن عباس
(فأخبرته) أني اكتتبت في ذلك البعث (فنهاني) عن ذلك (أشد
النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن
ناسًا) بالهمزة (من المسلمين) منهم عمرو بن أمية بن خلف،
والحارث بن زمعة وغيرهما مما ذكرته في تفسير سورة النساء
(كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأتي السهم فيرمي)
بضم التحتية وفتح الميم به، قيل هو من المقلوب أي فيرمي
بالسهم فيأتي ويحتمل أن تكون الفاء الثانية زائدة كما في
سورة النساء فيأتي السهم يرمى به (فيصيب أحدهم فيقتله أو
يضربه فيقتله) وقوله أو يضربه عطف على فيأتي لا على فيصيب
والمعنى يقتل إما بالسهم وإما بضرب السيف ظالمًا بسبب
تكثيره سواد الكفار وإنما كانوا يخرجون مع المشركين لا
لقصد
(10/184)
قتال المسلمين بل لإيهام كثرتهم في عيون
المسلمين فلذا حصلت لهم المؤاخذة فرأى عكرمة أن من خرج في
جيش يقاتلون المسلمين يأثم وإن لم يقاتل ولا نوى ذلك
(فأنزل الله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي
أنفسهم} [النساء: 97]) بخروجهم مع المشركين وتكثيرهم
سوادهم حتى قتلوا معهم.
وهذا الحديث كما قالهُ مغلطاي المصري فيما نقله في الكواكب
مرفوع لأن تفسير الصحابي إذا كان مسندًا إلى نزول الآية
فهو مرفوع اصطلاحًا، وعند أبي يعلى من حديث ابن مسعود
مرفوعًا: من كثر سواد قوم فهو منهم ومن رضي عمل قوم كان
شريك من عمل به فمن جالس أهل الفسق مثلاً كارهًا لهم
ولعملهم ولم يستطع مفارقتهم خوفًا على نفسه أو لعذر منعه
فيرجى له النجاة من إثم ذلك بذلك.
والحديث مرّ في التفسير وأخرجه النسائي في التفسير أيضًا.
13 - باب إِذَا بَقِىَ فِى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا بقي) المسلم (في حثالة
من الناس) بضم الحاء المهملة بعدها مثلثة خفيفة فألف غلام
فهاء تأنيث الذين لا خير فيهم وجواب إذا محذوف أي ماذا
يصنع.
7086 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَيْنِ
رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ
حَدَّثَنَا «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِى جَذْرِ
قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ،
ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ». وَحَدَّثَنَا عَنْ
رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ
فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ
أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ
النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ
أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ
فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ
وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ
يُؤَدِّى الأَمَانَةَ فَيُقَالُ: إِنَّ فِى بَنِى فُلاَنٍ
رَجُلاً أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ
وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِى قَلْبِهِ
مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى
عَلَىَّ زَمَانٌ وَلاَ أُبَالِى أَيُّكُمْ بَايَعْتُ،
لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمُ
وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ،
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ
فُلاَنًا وَفُلاَنًا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال:
(أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (سفيان) الثوري قال: (حدّثنا
الأعمش) سليمان الكوفي (عن زيد بن وهب) بفتح الواو وسكون
الهاء الجهني قال: (حدّثنا حذيفة) بن اليمان -رضي الله
عنه- (قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حديثين) في ذكر الأمانة ورفعها (رأيت أحدهما
وأنا أنتظر الآخر، حدّثنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أن الأمانة) المذكورة في قوله تعالى: {إنّا
عرضنا الأمانة} [الأحزاب: 72] وهي عين الإيمان أو كل ما
يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف أو المراد بها التكليف
الذي كلف الله تعالى به عباده أو العهد الذي أخذه عليهم
(نزلت في جذر قلوب الرجال) بفتح الجيم وكسرها لغتان وسكون
الذال المعجمة بعدها راء في أصل قلوبهم (ثم علموا من
القرآن) بفتح العين وكسر اللام مخففة بعد نزولها في أصل
قلوبهم (ثم علموا من السُّنّة) كذا بإعادة ثم يعني أن
الأمانة لهم بحسب الفطرة ثم بطريق الكسب من الشريعة وفيه
إشارة إلى أنهم كانوا يتعلمون القرآن قبل أن يتعلموا
السُّنّة. (وحدّثنا) صلوات الله وسلامه عليه (عن رفعها) عن
ذهابها أصلاً حتى لا يبقى من يوصف بالأمانة، وهذا هو
الحديث الثاني الذي ذكر حذيفة أنه ينتظره (قال):
(ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) بضم الفوقية
وسكون القاف وفتح الموحدة (فيظل أثرها) بالظاء المعجمة
(مثل أثر الوكت) بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مثناة فوقية
سواد في اللون يقال: وكت البسر إذا بدت فيه نقطة الإرطاب
(ثم ينام النومة فتقبض) أي الأمانة من قلبه (فيبقى فيها)
وسقط قوله فيها لابن عساكر (أثرها مثل أثر المجل) بفتح
الميم وسكون الجيم وقد تفتح بعدها لام غلظ الجلد من أثر
العمل (كجمر) بالجيم المفقوحة والميم الساكنة (دحرجته على
رجلك فنفط) بكسر الفاء بعد النون المفتوحة (فتراه منتبرًا)
بضم الميم وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الموحدة منتفخًا
(وليس فيه شيء) وقال: فنفط بالتذكير ولم يقل فنفطت باعتبار
العضو (ويصبح الناس يتبايعون) السلع ونحوها بأن يشتريها
أحدهم من الآخر (فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة) لأن من كان
موصوفًا بالأمانة سلبها حتى صار خائنًا (فيقال: إن في بني
فلان رجلاً أمينًا ويقال للرجل ما أعقله) بالعين المهملة
والقاف (وما أظرفه) بالظاء المعجمة (وما أجلده) بالجيم
(وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) وإنما ذكر الإيمان
لأن الأمانة لازمة له لا أن الأمانة هي الإيمان. قال حذيفة
-رضي الله عنه- (ولقد أتى عليّ) بتشديد الياء (زمان) كنت
أعلم فيه أن الأمانة موجودة في الناس (ولا أبالي أيكم
بايعت) أي بعت واشتريت غير مبالٍ بحاله (لئن) بفتح اللام
وكسر الهمزة (كان مسلمًا رده عليّ الإسلام) بتشديد التحتية
من عليّ ولأبي ذر من الكشميهني إسلامه فلا يخونني بل يحمله
إسلامه على أداء الأمانة فأنا
(10/185)
واثق بأمانته (وإن كان نصرانيّا) أو
يهوديًّا (ردّه عليَّ ساعيه) الذي أقيم عليه فهو يقوم
بولايته ويستخرج منه حقي (وأما اليوم) فقد ذهبت الأمانة
وظهرت الخيانة فلست أثق بأحد في بيع ولا شراء (فما كنت
أبايع إلا فلانًا وفلانًا). أي أفرادًا من الناس قلائل ممن
أثق بهم فكان يثق بالمسلم لذاته وبالكافر لوجود ساعيه وهو
الحاكم الذي يحكم عليه وكانوا لا يستعملون في كل عمل قلّ
أو جلّ إلا المسلم فكان واثقًا بإنصافه وتخليصه حقه من
الكافر إن خانه بخلاف الوقت الأخير وفيه إشارة إلى أن حال
الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان، وكانت وفاة حذيفة أول
سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل فأدرك بعض الزمن الذي
وقع فيه التغيير.
وهذا الحديث سبق بعينه سندًا أو متنًا في باب رفع الأمانة
من كتاب الرقاق.
14 - باب التَّعَرُّبِ فِى الْفِتْنَةِ
(باب التعرب) بفتح العين المهملة وضم الراء المشددة بعدها
موحدة الإقامة بالبادية والتكلف في صيرورته أعرابيًّا
ولأبي ذر التغرب بالغين المعجمة (في الفتنة) ولكريمة
التعزب بالعين المهملة والزاي ومعناه يعزب عن الجماعات
والجهات ويسكن البادية، قال صاحب المطالع: وجدته بخطي في
البخاري بالزاي وأخشى أن يكون وهمًا.
7087 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ
بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ
فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى
عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ لِى
فِى الْبَدْوِ.
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ
إِلَى الرَّبَذَةِ وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً
وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى
قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة وبعد الألف فوقية مكسورة ابن
إسماعيل الكوفي (عن يزيد) من الزيادة (ابن أبي عبيد) بضم
العين مصغرًا مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع)
السلمي (أنه دخل على الحجّاج) بن يوسف الثقفي لما ولي إمرة
الحجاز بعد قتل ابن الزبير سنة أربع وسبعين (فقال) له: (يا
ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت) بالعين المهملة والراء
أي تكلفت في صيرورتك أعرابيًّا، وقوله على عقبيك بلفظ
التثنية مجاز عن الارتداد يريد أنك رجعت في الهجرة التي
فعلتها لوجه الله تعالى بخروجك من المدينة فتستحق القتل،
وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه بغير عذر يجعلونه
كالمرتد، وأخرج النسائي من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "لعن
الله آكل الربا وموكله" الحديث وفيه: والمرتد بعد هجرته
أعرابيًّا. قال بعضهم: وكان ذلك من جفاء الحجاج حيث خاطب
هذا الصحابي الجليل -رضي الله عنه- بهذا الخطاب القبيح من
قبل أن يستكشف عن عذره وقيل أراد قتله فبيّن الجهة التي
يريد أن يجعله مستحقًّا للقتل بها (قال) ابن الأكوع مجيبًا
للحجاج: (لا) أي أسكن البادية رجوعًا عن هجرتي (ولكن)
بتشديد النون (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أذن لي) في الإقامة (في البدو) وعند الإسماعيلي
من طريق حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة أنه
استأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
البداوة فأذن له (وعن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بالسند
السابق أنه (قال: لما قتل عثمان بن عفان) -رضي الله عنه-
(خرج سلمة بن الأكوع) -رضي الله عنه- من المدينة (إلى
الربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة موضع البادية بين
مكة والمدينة (وتزوّج هناك امرأة وولدت له أولادًا فلم يزل
بها) بالربذة وللكشميهني هناك بها (حتى أقبل قبل أن يموت
بليال فنزل المدينة) وسقطت الفاء من فنزل في رواية
المستملي والسرخسي، وفي رواية حتى قبل أن يموت بإسقاط أقبل
وهو الذي في اليونينية وفيه حذف كان بعد حتى وقبل قوله قبل
وهي مقدرة وهو استعمال صحيح وفيه أن سلمة لم يمت بالبادية
بل بالمدينة ويستفاد منه كما في الفتح أن مدة سكنى سلمة
بالبادية نحو الأربعين سنة لأن قتل عثمان -رضي الله عنه-
كان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وموت سلمة سنة أربع
وسبعين على الصحيح.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في البيعة.
7088 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى
سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ
الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ،
وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي
الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام الأئمة
(عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة) عمرو بن زيد بن
عوف الأنصاري ثم المازني (عن أبيه) عبد الله بن عبد الرحمن
بن أبي الحارث بن أبي صعصعة، وسقط ابن أبي الحارث هنا من
(10/186)
الرواية (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله
عنه- أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يوشك) بكسر الشين المعجمة وفتحها قال الجوهري: لغة رديئة
أي يقرب (أن يكون خير مال المسلم غنم) نكرة موصوفة مرفوعة
على الأشهر في الرواية اسم يكون مؤخرًا وخير مال المسلم
خبرها مقدمًا وفائدة تقديم الخبر الاهتمام إذ المطلوب
حينئذ الاعتزال وليس الكلام في الغنم فلذا أخّرها (يتبع
بها) بسكون الفوقية أي يتبع بالغنم (شعف الجبال) بفتح
الشين المعجمة والعين المهملة والفاء رؤوسها للمرعى والماء
(ومواقع) نزول (القطر) بالقاف المفتوحة المطر في الأودية
والصحارى أي العشب والكلأ حال كونه (يفرّ بدينه) أي بسبب
دينه (من الفتن) وفيه فضيلة العزلة لمن خاف على دينه، فإن
لم يكن فالجمهور على أن الاختلاط أولى لاكتساب الفضائل
الدينية والجمعة والجماعات وغيرها كإعانة وإغاثة وعيادة،
وقال قوم: العزلة أفضل لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين
واختار النووي الخلطة لمن لا يغلب على ظنه الوقوع في
المعصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة، وقيل يختلف باختلاف
الأشخاص والأحوال.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في البيعة.
15 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْفِتَنِ
(باب التعوّذ من الفتن).
7089 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا
هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه -
قَالَ: سَأَلُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ فَصَعِدَ
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ
يَوْمٍ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «لاَ تَسْأَلُونِى عَنْ
شَىْءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَكُمْ» فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ
يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ رَأْسُهُ فِى
ثَوْبِهِ يَبْكِى فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى
يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا نَبِىَّ
اللَّهِ مَنْ أَبِى؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ
أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا
وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، نَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ فَقَالَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا رَأَيْتُ فِى
الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ
صُوِّرَتْ لِى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا
دُونَ الْحَائِطِ» قَالَ قَتَادَةُ: يُذْكَرُ هَذَا
الْحَدِيثُ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا، عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ
تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة أبو
زيد البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن
دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: سألوا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أحفوه بالمسألة)
بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء وسكون الواو
أي ألحّوا عليه في السؤال وبالغوا (فصعد) بكسر العين
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم
المنبر) ولأبي ذر على المنبر (فقال):
(لا تسألوني) أي اليوم ما في الرواية الأخرى في كتاب
الدعاء (عن شيء) من الغيب (إلاّ بيّنتـ) ـه (لكم) قال أنس
(فجعلت أنظر) إلى الصحابة (يمينًا وشمالاً فإذا كل رجل)
حاضر منهم (رأسه) ولأبي ذر عن الكشميهني: لافّ رأسه بألف
بعد اللام وتشديد الفاء ونصب رأسه (في ثوبه
يبكي فأنشأ رجل) بدأ الكلام (كان إذا لاحى) بفتح الحاء
المهملة جادل وخاصم أحدًا (يدعى) بضم التحتية وسكون الدال
وفتح العين المهملتين ينسب (إلى غير أبيه فقال: يا نبي
الله من أبي؟ فقال) عليه الصلاة والسلام: (أبوك حذافة) بضم
الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة وبعد الألف فاء فهاء
تأنيث أي ابن قيس واسم الرجل قيل قيس بن حذافة، وقيل
خارجة، وقيل عبد الله. قال في الفتح: وهو المعروف. قلت:
وصرح به البخاري في باب ما يكره من كثرة السؤال من كتاب
الاعتصام (ثم أنشأ عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رأى
ما بوجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
الغضب (فقال) شفقة على المسلمين (رضينا بالله ربًّا
وبالإسلام دينًا وبمحمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (رسولاً) أي رضينا بما عندنا من كتاب الله
وسُنّة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
واكتفينا به عن السؤال (نعوذ بالله من سوء الفتن) بضم
السين المهملة بعدها واو ساكنة فهمزة، ولأبي ذر عن
الكشميهني من شر الفتن (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما رأيت في الخير والشر كاليوم)
يومًا مثل هذا اليوم (قط إنه) بكسر الهمزة (صورت لي الجنة
والنار حتى رأيتهما) رؤيا عين (دون الحائط) أي بيني وبين
الحائط وهو حائط محرابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وسقط قوله لي في رواية غير الكشميهني.
(قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق (يذكر) بضم أوله وفتح
الكاف (هذا الحديث) رفع ولأبي ذر عن الكشميهني فكان قتادة
يذكر هذا الحديث بفتح الياء من يذكر وضم الكاف والحديث نصب
على المفعولية (عند هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا
تسألوا عن أشياء إن تبدَ لكم تسؤكم} [المائدة: 101]) الآية
أي: لا تسألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في
زمن الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين ينتجان ما يمنع السؤال
وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه.
7090 - وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِىُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ
أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا وَقَالَ: كُلُّ
رَجُلٍ لاَفًّا رَأْسَهُ فِى ثَوْبِهِ يَبْكِى وَقَالَ
عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ أَوْ قَالَ:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ.
(وقال عباس) بالموحدة والمهملة ابن الوليد بن نصر الباهلي
(النرسيّ) بالنون المفتوحة والراء الساكنة والسين المهملة
(10/187)
المكسورة مما وصله أبو نعيم في مستخرجه
(حدّثنا يزيد بن زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي
عروبة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (أن أنسًا) -رضي الله
عنه- (حدّثهم أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث السابق (وقال) أنس (كل رجل) كان
هناك حال كوف (لافًّا) بالفاء (رأسه في ثوبه يبكي) خوفًا
من عقوبة الله لكثرة سؤالهم له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وتعنتهم عليه ففيه زيادة قوله لافًّا رأسه فدلّ
على أن زيادتها في الأوّل وهم من الكشميهني قاله في الفتح.
(وقال) كل رجل منهم (عائذًا بالله) أي حال كونه مستعيذًا
بالله (من سوء الفتن). بالسين المهملة والواو ثم الهمزة
ولابن عساكر من شر الفتن بالشين المعجمة والراء (أو قال:
أعوذ بالله من سوء الفتن) بضم السين
وسكون الواو ولأبي ذر من سوأى الفتن بفتح المهملة وبعد
الواو الساكنة همزة مفتوحة ممدودة قال في فتح الباري: بيّن
أنه في رواية سعيد بالشك في سوء وسوأى قال المؤلّف:
7091 - وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَمُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا وَقَالَ:
عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ.
(وقال لي خليفة) بن خياط في المذاكرة (حدّثنا يزيد بن
زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (ومعتمر عن
أبيه) سليمان بن طرخان (عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا
حدّثهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بهذا) الحديث. (وقال: عائذًا بالله من شر الفتن) بالشين
المعجمة والراء المشددة واستعاذته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الفتن تعليم لأمته وفيه منقبة لعمر
بن الخطاب -رضي الله عنه-.
16 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «الْفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
الفتنة من قبل المشرق) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة
المشرق.
7092 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَامَ إِلَى
جَنْبِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا،
الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ
الشَّيْطَانِ» -أَوْ قَالَ- قَرْنُ الشَّمْسِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد
الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف)
الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين هو ابن راشد (عن الزهري)
محمد بن مسلم (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه
قام إلى جنب المنبر) وفي الترمذي من طريق عبد الرزاق عن
معمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام
على المنبر (فقال):
(الفتنة هاهنا الفتنة هاهنا) بالتكرار مرتين (من حيث يطلع
قرن الشيطان) بضم اللام من يطلع ولمسلم من طريق فضيل بن
غزوان عن سالم بلفظ: إن الفتنة تجيء من هاهنا وأومأ بيده
نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان بالتثنية وقد قيل: إن
له قرنين على الحقيقة، وقيل: إن قرنيه ناحيتا رأسه أو هو
مثل أي حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط أو قرنه أهل حزبه (أو
قال قرن الشمس) أي أعلاها، وقيل: إن الشيطان يقرن رأسه
بالشمس عند طلوعها لتقع سجدة عبدتها له.
والحديث أخرجه الترمذي في الفتن.
7093 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما
- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ
يَقُولُ: «أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ
يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال:
(حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر
(عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (مستقبل
المشرق) بالنصب ولأبي ذر المشرق بالجر (يقول):
(ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (إن الفتنة هاهنا) مرة
واحدة من غير تكرار (من حيث يطلع قرن الشيطان) من غير شك
بخلاف الأولى، وإنما أشار عليه الصلاة والسلام إلى المشرق
لأن أهله يومئذ أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك
الناحية وكذا وقع فكان وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور
الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، وكان
أصل ذلك كله وسببه قتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
وهذا علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وشرف وكرم.
7094 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اللَّهُمَّ بَارِكْ
لَنَا فِى شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى
يَمَنِنَا». قَالُوا: وَفِى نَجْدِنَا قَالَ: «اللَّهُمَّ
بَارِكْ لَنَا فِى شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا
فِى يَمَنِنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِى
نَجْدِنَا فَأَظُنُّهُ قَالَ: فِى الثَّالِثَةَ: «هُنَاكَ
الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ
الشَّيْطَانِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
أزهر بن سعد) بفتح الهمزة والهاء بينهما زاي ساكنة آخره
راء وسعد بسكون العين السمان (عن ابن عون) بفتح المهملة
وسكون الواو بعدها نون عبد الله واسم جده أرطبان البصري
(عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ذكر
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الذال
المعجمة والكاف.
(اللهم بارك لنا في شأمنا) بهمزة ساكنة (اللهم بارك لنا في
يمننا. قالوا: وفي) ولأبي ذر قالوا يا رسول الله: وفي
(نجدنا) بفتح النون وسكون الجيم. قال الخطابي: نجد من جهة
المشرق ومن
(10/188)
كان بالمدينة كان نجده بادية العراق
ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة وأصل النجد ما ارتفع من
الأرض وبهذا يعلم ضعف ما قاله الداودي أن نجدًا من ناحية
العراق فإنه يوهم أن نجدًا موضع مخصوص وليس كذلك بل كل شيء
ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدًا والمنخفض
غورًا (قال: اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في
يمننا) بتكرير اللهم أربعًا (قالوا: يا رسول الله وفي
نجدنا)؟ قال ابن عمر (فأظنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها
يطلع الشيطان) ولأبي ذر عن الكشميهني: يطلع قرن الشيطان
يبدأ من المشرق ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج والدجال
وبها الداء العضال وهو الهلاك في الدين، وإنما ترك الدعاء
لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم
لاستيلاء الشيطان بالفتن.
والحديث سبق في الاستسقاء، وأخرجه الترمذي في المناقب
وقال: حسن صحيح غريب.
7095 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا
خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ
عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَجَوْنَا أَنْ
يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا قَالَ: فَبَادَرَنَا
إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
حَدِّثْنَا عَنِ الْقِتَالِ فِى الْفِتْنَةِ وَاللَّهُ
يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}
فَقَالَ: هَلْ تَدْرِى مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ
أُمُّكَ؟ إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ
الدُّخُولُ فِى دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ
كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق الواسطي) ولابن عساكر إسحاق بن
شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) كذا للأربعة في
اليونينية وهو ابن عبد الله الطحان وفي نسخة خلف. قال
العيني: وما أظن صحته (عن بيان) بفتح الموحدة والتحتية
المخففة وبعد الألف نون ابن بشر بكسر الموحدة وسكون
المعجمة الأحمسي (عن وبرة بن عبد الرحمن) بفتح الواو
والموحدة والراء الحارثي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: خرج
علينا عبد الله بن عمر) وسقط عبد الله لابن عساكر (فرجونا
أن يحدّثنا حديثًا حسنًا) يشتمل على ذكر الرحمة والرخصة
(قال: فبادرنا) بفتح الراء فعل ومفعول (إليه رجل) اسمه
حكيم (فقال: يا أبا عبد الرحمن) هي كنية ابن عمر (حدّثنا)
بكسر الدال وسكون المثلثة (عن القتال في الفتنة والله)
تعالى (يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ
فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39] ساقها للاحتجاج على مشروعية
القتال في الفتنة وردًّا على من ترك ذلك كابن عمر فإنه كان
يرى ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين
محقَّة والأخرى مبطلة (فقال) أي ابن عمر (هل تدري ما
الفتنة؟ ثكلتك) بفتح المثلثة وكسر الكاف أي عدمتك (أمك)
فظاهره الدعاء وقد يرد للزجر كما هنا (إنما كان محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقاتل المشركين) يعني
أن الضمير في قوله: {وقاتلوهم} للكفار فأمر المؤمنين بقتال
الكفار حتى لا يبقى أحد يفتن عن دين الإسلام ويرتد إلى
الكفر (وكان الدخول في دينهم فتنة) سبق في سورة الأنفال من
رواية زهير بن معاوية عن بيان فكان الرجل يفتن عن دينه إما
يقتلونه وإما يعذّبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة أي
فلم تبق فتنة من أحد من الكفار لأحد من المؤمنين (وليس
كقتالكم) ولأبي ذر وابن عساكر: بقتالكم (على الملك) بضم
الميم وسكون اللام أي في طلب الملك كما وقع بين مروان ثم
ابنه عبد الملك وبين ابن الزبير وما أشبه ذلك، وإنما كان
قتالاً على الدين.
والحديث سبق في التفسير.
17 - باب الْفِتْنَةِ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ
كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ
الأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ... تَسْعَى
بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ... وَلَّتْ
عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ...
مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
(باب الفتنة التي تموج كموج البحر).
(وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله البخاري في تاريخه الصغير
عن عبد الله بن محمد المسندي حدّثنا سفيان بن عيينة (عن
خلف بن حوشب) بفتح المهملة والمعجمة بينهما واو ساكنه آخره
موحدة بوزن جعفر أدرك خلف بعض الصحابة ولم تعلم له رواية
عن أحد منهم وهو من أهل الكوفة ووثّقه العجلي وليس له في
البخاري إلا هذا الموضع (كانوا) أي السلف (يستحبون أن
يتمثلوا بهذه الأبيات عند) نزول (الفتن. قال امرؤ القيس)
بن عابس الكندي كان في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كذا في رواية أبي ذر، قال امرؤ القيس والمحفوظ
أن الأبيات المذكورة لعمرو بن معد يكرب بفتح عين عمرو،
وجزم به أبو العباس المبرد في الكامل والسهيلي في روضة
والأبيات هي:
(الحرب أول ما تكون) الحرب مؤنثة. قال الخليل تصغيرها حريب
بلا هاء. قال المازني لأنه في الأصل مصدر، وقال المبرد قد
يذكر الحرب (فتية) بفتح الفاء وكسر الفوقية وفتح الموحدة
مشددة. قال في المصابيح: ويروى فتية بضم الفاء مصغرًا أي
شابة ويجوز فيه
(10/189)
أربعة أوجه:
الأول: رفع أول ونصب فتية وهو الذي في الفرع مثل زيد أخطب
ما يكون يوم الجمعة، فالحرب مبتدأ أول، وقوله أول ما تكون
مبتدأ ثان، وفتية حال سادّة مسدّ الخبر والجملة المركبة من
المبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول، والمعنى الحرب
أول أكوانها إذا أو إذا كانت فتية.
الثاني: نصب أول ورفع فتية عكس الأول ووجهه ظاهر وهو أن
يكون الحرب مبتدأ خبره فتية، وأول ما يكون ظرف عامله الخبر
وتكون ناقصة أي الحرب في أول أحوالها فتية.
الثالث: رفع أول، وفتية على أن الحرب مبتدأ أو أول بدل منه
وفتية خبر وما مصدرية وتكون تامة أو أول مبتدأ ثان، وفتية
خبره وأنّث الخبر مع أن المبتدأ الذي هو أول مذكر لأنه
مضاف إلى الأكوان.
الرابع: نصبهما جميعًا على أن أول ظرف وهو خبر المبتدأ
الذي هو الحرب وتكون ناقصة وفتية منصوب على الحال من
الضمير المستكن في الظرف المستقر أي الحرب موجودة في أول
أكوانها على هذه الحالة، والخبر عنها قوله: (تسعى) أي
الحرب في حال ما هي فتية أي في وقت وقوعها تغرّ من لم
يجرّبها حتى يدخل فيها فتهلكه (بزينتها لكل جهول) بكسر
الزاي وسكون التحتية بعدها نون ففوقية ورواه سيبويه
بموحدتين فزاي مشددة مفتوحة والبزة اللباس الجيد.
(حتى إذا اشتعلت) بالشين المعجمة والعين المهملة أي هاجت
وإذا شرطية وجوابها ولت أو
محذوف كما في المصابيح ويجوز أن تكون ظرفية (وشب) بفتح
المعجمة والموحدة المشددة (ضرامها) بكسر الضاد المعجمة
بعدها راء فألف فميم اتقد وارتفع اشتعالها (ولّت) حال
كونها (عجوزًا غير ذات حليل) بالحاء المهملة أي لا يرغب
أحد في تزوّجها ولا يروى بالخاء المعجمة.
(شمطاء) بالنصب نعت لعجوزًا والشمط بفتح الشين المعجمة
اختلاط الشعر الأبيض بالشعر الأسود (ينكر) بضم التحتية
وفتح الكاف (لونها) ولأبي ذر تنكر بالفوقية بدل التحتية أي
تبدلت بحسنها قبحًا (وتغيرت) حال كونها (مكروهة للشم
والتقبيل). لأنها في هذه الحالة مظنة للبخر فوصفها به
مبالغة في التنفير منها والمراد أنهم يتمثلون بهذه الأبيات
ليستحضروا ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة فإنهم يتذكرون
بإنشادها ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر
أمرها أولاً.
7096 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ،
حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا
شَقِيقٌ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ
جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ
وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ
وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ
عَنِ الْمُنْكَرِ. قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ
وَلَكِنِ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ؟ قَالَ:
لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا
مُغْلَقًا قَالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ
يُفْتَحُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ قَالَ عُمَرُ: إِذًا لاَ
يُغْلَقَ أَبَدًا قُلْتُ: أَجَلْ. قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ:
أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا
أَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّى
حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا
أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا
فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ قَالَ: عُمَرُ.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي)
حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا
شقيق) أبو وائل بن سلمة قال: (سمعت حذيفة) بن اليمان
(يقول: بينا) بغير ميم (نحن جلوس عند عمر) بن الخطاب -رضي
الله عنه- (إذا قال: أيكم يحفظ قول النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة؟ قال) حذيفة قلت هي (فتنة
الرجل) وفي علامات النبوّة من طريق شعبة عن الأعمش قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فتنة
الرجل (في أهله) بالميل يأتي بسببهنّ بما لا يحل له (و)
فتنته في (ماله) بأن يأخذ من غير حله ويصرفه في غير حله
(و) في (ولده) لفرط محبته له والشغل به عن كثير من الخيرات
(و) في (جاره) بالحسد والمفاخرة وكلها (تكفرها الصلاة
والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أي تكفر
الصغائر فقط لحديث الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما
اجتنبت الكبائر، ويحتمل أن يكون كل واحد من الصلاة وما
بعدها مكفرًا للمذكورات كلها لا لكل واحد منها، وأن يكون
من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلاً كفّارة للفتنة في
الأهل وهكذا الخ ... وخص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب
الحكم في داره وأهله إلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم
(قال) عمر -رضي الله عنه- لحذيفة (ليس عن هذا) الذي ذكرت
(أسألك،
ولكن) التي أسألك عنها الفتنة (التي تموج كموج البحر)
تضطرب كاضطرابه عند هيجانه كناية عن شدة المخاصمة وما ينشأ
عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة وفيه دليل على جواز إطلاق
اللفظ العام وإرادة الخاص إذ تبين أن عمر لم يسأل إلا عن
فتنة مخصوصة، وفي رواية ربعي بن حراش عن حذيفة عند
الطبراني فقال حذيفة:
(10/190)
سمعته يقول: يأتي بعدي فتن كموج البحر يدفع
بعضها بعضًا ويؤخذ منها كما في الفتح جهة التشبيه بالموج
وأنه ليس المراد منه الكثرة فقط (فقال) حذيفة لعمر -رضي
الله عنه-: (ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك
وبينها بابًا مغلقًا) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح اللام
بالنصب صفة لبابًا أي لا يخرج شيء منها في حياتك. قال ابن
المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر فلم يصرح لعمر -رضي
الله عنه- بما سأل عنه وإنما كنى عنه كناية وكأنه كان
مأذونًا له في مثل ذلك، وقال ابن بطال: وإنما عدل حذيفة
حين سأله عمر عن الإخبار بالفتنة الكبرى إلى الإخبار
بالفتنة الخاصة لئلا يغمه ويشغل باله ومن ثم قال له: إن
بينك وبينها بابًا مغلقًا ولم يقل له أنت الباب وهو يعلم
أنه الباب فعرّض له بما أفهمه ولم يصرح وذلك من حسن أدبه.
(قال عمر) -رضي الله عنه- مستفهمًا لحذيفة (أيكسر الباب أم
يفتح؟ قال) حذيفة (بل) ولأبي ذر عن الكشميهني لا بل (يكسر.
قال عمر: إذًا) بالتنوين أي إن انكسر (لا يغلق) نصب بإذا
(أبدًا) وفي الصيام ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة
ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر. قال
حذيفة (قلت: أجل) بالجيم واللام المخففة. نعم قال شقيق
(قلنا لحذيفة أكان عمر يعلم الباب؟ قال) حذيفة: (نعم) كان
يعلمه (كما أعلم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يعلم (أن
دون غد ليلة) أي أعلمه علمًا ضروريًّا مثل هذا (وذلك أني
حدّثته حديثًا ليس بالأغاليط) جمع أغلوطة بالغين المعجمة
والطاء المهملة ما يغالطه أي حدّثته حديثًا صدقًا محققًا
من حديثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا عن
اجتهاد ولا عن رأي. قال شقيق (فهبنا) فخفنا (أن نسأله) أن
نسأل حذيفة (من الباب) أي من هو الباب (فأمرنا) بسكون
الراء (مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فسأله فقال): أي
مسروق لحذيفة (من الباب؟ قال: عمر) -رضي الله عنه-.
والحديث سبق في باب المواقيت من الصلاة وفي الزكاة والصوم
وعلامات النبوّة.
7097 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ
أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حَائِطٍ مِنْ
حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجْتُ فِى
إِثْرِهِ فَلَمَّا دَخَلَ الْحَائِطَ جَلَسْتُ عَلَى
بَابِهِ وَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ
يَأْمُرْنِى فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ عَلَى قُفِّ
الْبِئْرِ فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى
الْبِئْرِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ
لِيَدْخُلَ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ
لَكَ فَوَقَفَ فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَبُو
بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَدَخَلَ فَجَاءَ عَنْ يَمِينِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَشَفَ
عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَاءَ
عُمَرُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ،
فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَجَاءَ عَنْ
يَسَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ فَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ،
فَامْتَلأَ الْقُفُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجْلِسٌ ثُمَّ
جَاءَ عُثْمَانُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى
أَسْتَأْذِنَ لَكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ مَعَهَا بَلاَءٌ يُصِيبُهُ» فَدَخَلَ فَلَمْ
يَجِدْ مَعَهُمْ مَجْلِسًا فَتَحَوَّلَ حَتَّى جَاءَ
مُقَابِلَهُمْ عَلَى شَفَةِ الْبِئْرِ فَكَشَفَ عَنْ
سَاقَيْهِ ثُمَّ دَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَعَلْتُ
أَتَمَنَّى أَخًا لِى وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَأْتِىَ.
قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ
قُبُورَهُمُ اجْتَمَعَتْ هَا هُنَا وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء قال: (أخبرنا
محمد بن جعفر) واسم جده ابن أبي كثير المدني (عن شريك بن
عبد الله) بن أبي نمر المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن
الإمام أبي محمد المخزومي (عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله
عنه- أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى) ولأبي ذر يومًا إلى (حائط من حوائط
المدينة لحاجته) هو بستان أريس بهمزة مفتوحة فراء مكسورة
فتحتية ساكنة فسين مهملة يجوز فيه الصرف وعدمه وهو قريب من
قباء وفي بئره سقط خاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من أصبع عثمان -رضي الله عنه- (وخرجت في أثره
فلما دخل الحائط) أي البستان المذكور (جلست على بابه وقلت:
لأكونن اليوم بوّاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. ولم يأمرني) بأن أكون بوّابًا لكن سبق في
مناقب عثمان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره
بذلك فيحتمل أنه لما حدّث نفسه بذلك صادف أمره -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فذهب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقضى حاجته وجلس على) ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي في (قف البئر) بضم القاف وتشديد
الفاء حافتها أو الدكة التي حولها (فكشف عن ساقيه ودلاّهما
في البئر فجاء أبو بكر) -رضي الله عنه- حال كونه (يستأذن
عليه) زاده الله شرفًا لديه (ليدخل فقلت) له: اثبت وقف
(كما أنت حتى أستأذن لك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فوقفت فجئت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا نبي الله أبو بكر يستأذن) في
الدخول (عليك فقال):
(ائذن له وبشره بالجنة) زاد في المناقب فأقبلت حتى قلت
لأبي بكر: ادخل ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يبشرك بالجنة (فدخل فجاء) ولأبي ذر عن
الكشميهني فجلس (عن يمين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر)
(10/191)
موافقة له عليه الصلاة والسلام وليكون أبلغ
في بقائه عليه السلام على حالته وراحته بخلاف ما إذا لم
يفعل ذلك فربما استحيا منه فرفع رجليه (فجاء عمر) -رضي
الله عنه- أي يستأذن أيضًا (فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك)
فاستأذنت له (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: ائذن له وبشره بالجنة. فجاء) عمر -رضي الله
عنه- وجلس (عن يسار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فكشف عن ساقيه فدلاهما في البئر فامتلأ)
بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني وامتلأ (القف) به -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه (فلم يكن فيه مجلس ثم
جاء عثمان) -رضي الله عنه- (فقلت: كما أنت حتى استأذن لك)
فاستأذنت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه) وهو
قتله فى الدار قال ابن بطال: وإنما خص عثمان بذكر البلاء
مع أن عمر أيضًا قتل لأن عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان
من تسليط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب
ما نسبوه إليه من الجور مع تنصله من ذلك واعتذاره من كل ما
نسبوه إليه ثم هجمهم عليه داره وهتكهم ستر أهله فكان ذلك
زيادة على
قتله، وفي رواية أحمد بإسناد صحيح من طريق كليب بن وائل عن
ابن عمر قال: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا يومنذ ظلمًا
قال فنظرت فإذا هو عثمان (فدخل) -رضي الله عنه- (فلم يجد
معهم مجلساً فتحوّل حتى جاء مقابلهم على شفة البئر) بفتح
الشين المعجمة والفاء المخففة (فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في
البئر) قال أبو موسى (فجعلت أتمنى أخًا لي) هو أبو بردة
عامر أو أبو رهم (وأدعو الله أن يأتي قال ابن المسيب) سعيد
(فتأوّلت) ولأبي ذر عن الكشميني فأولت فتفرست (ذلك) أي
اجتماع الصاحبين معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وانفراد عثمان (قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان) عنهم في
البقيع والمراد بالاجتماع مطلقه لا خصوص كون أحدهما عن
يمينه والآخر عن شماله كما كانوا على البئر وفيه أن
التمثيل لا يستلزم التسوية. نعم أخرج أبو نعيم عن عائشة في
صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ففيه
التصريح بتمام التشبيه لكن سنده ضعيف وعارضه ما هو أوضح
منه، وعند أبي داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال:
قلت لعائشة يا أمتاه اكشفي عن قبر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه فكشفته لي الحديث.
وفيه فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه وعمر رأسه عند رجلي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وحديث الباب سبق في فضل أبي بكر وأخرجه مسلم في الفضائل.
7098 - حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ
سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ أَلاَ
تُكَلِّمُ هَذَا؟ قَالَ: قَدْ كَلَّمْتُهُ مَا دُونَ أَنْ
أَفْتَحَ بَابًا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ وَمَا
أَنَا بِالَّذِى أَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ
أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنْتَ خَيْرٌ بَعْدَ مَا
سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِى
النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ
فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَىْ فُلاَنُ
أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ
الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: إِنِّى كُنْتُ آمُرُ
بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنِ
الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (بشر بن خالد) بكسر الموحدة
وسكون المعجمة اليشكري قال (أخبرنا محمد بن جعفر) الهذلي
مولاهم البصري الحافظ غندر (عن) زوج أمه (شعبة) بن الحجاج
الحافظ (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال (سمعت أبا
وائل) شقيق بن سلمة (قال: قيل لأسامة) بن زيد حب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-رضي الله عنه- (ألا)
بالتخفيف (تكلم هذا) أي عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فيما
أنكر الناس عليه من توليه أقاربه وغير ذلك مما اشتهر وقال
المهلب في شأن أخيه لأمه الوليد بن عقبة وما ظهر عليه من
شربه الخمر (قال) أسامة: (قد كلمته) في ذلك سرًّا (ما دون
أن أفتح بابًا) من أبواب الإنكار عليه (أكون أول من يفتحه)
بصيغة المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني فتحه بل كلمته على
سبيل المصلحة والأدب إذا الإعلان بالأنكار على الأئمة ربما
أدّى إلى افتراق الكلمة كما وقع ذلك من تفرق الكلمة
بمواجهة عثمان بالنكير فالتلطف والنصيحة سرًّا أجدر
بالقبول، وقول المهلب إن المراد الوليد بن عقبة تبعه فيه
العيني بل صرح بأنه في مسلم
ولفظه، وقد بيّنه في رواية مسلم قيل له ألا تدخل على عثمان
وتكلمه في شأن الوليد بن عقبة وما ظهر منه من شرب الخمر
اهـ.
وقد رأيت الحديث في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومخالفته وليس فيه ما قاله العيني. وقال الحافظ ابن حجر
(10/192)
متعقبًا المهلب جزمه بأن المراد الوليد بن
عقبة ما عرفت مستنده فيه وسياق مسلم من طريق جرير عن
الأعمش يدفعه ولفظه عن أبي وائل كنا عند أسامة بن زيد فقال
له رجل ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلمه فيما يصنع قال
وساق الحديث بمثله اهـ.
قلت: وقوله بمثله أي بمثل الحديث الذي ساقه أول الباب من
طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ قيل له ألا تدخل على عثمان
فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا ما أسمعكم والله لقد
كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا الحديث. ثم
عرفهم أسامة بأنه لا يداهن أحدًا ولو كان أميرًا بل ينصحه
في السر جهده فقال: (وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون
أميرًا على رجلين أنت خير) من الناس ولأبي ذر عن الكشميهني
إيت بهمزة مكسورة فتحتية ساكنة فعل أمر من الإتيان خيرًا
نصب على المفعولية (بعدما) أي بعد الذي (سمعت من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يجاء) بضم الياء (برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن
الحمار برحاه) بفتح الياء من فيطحن. قال في الفتح: وفي
رواية الكشميهني كما يطحن كذا رأيته في نسخة معتمدة بضم
أوله على البناء للمجهول وفتحها أوجه، ففي رواية سفيان
وأبي معاوية فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار والأقتاب
الأمعاء واندلاقها خروجها بسرعة اهـ. والذي رأيته في فرع
اليونينية كأصله عن أبي ذر عن الكشميهني كما يطحن بفتح
الياء مبنيًّا للفاعل الحمار برحاه (فيطيف به أهل النار)
يجتمعون حوله (فيقولون) له (أي فلان) ما شأنك (ألست كنت
تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول) لهم: (إني كنت آمر
بالمعروف ولا أفعله وأنهى عن المنكر وأفعله). وقول المهلب
إن السبب في تحديث أسامة بذلك ليتبرأ مما ظنوا به من سكوته
عن عثمان في أخيه الوليد بن عقبة تعقبه في الفتح بأنه ليس
واضحًا بل الذي يظهر أن أسامة كان يخشى على من ولي ولاية
ولو صغرت أنه لا بد له من أن يأمر الرعية بالمعروف وينهاهم
عن المنكر ثم لا يأمن أن يقع منه تقصير فكان أسامة يرى أنه
لا يتأمر على أحد وإلى ذلك أشار بقوله لا أقول للأمير: إنه
خير الناس أي بل غايته أن ينجو كفافًا.
والحديث سبق في صفة النار وأخرجه مسلم في باب الأمر
بالمعروف كما سبق.
18 - باب
(باب) بالتنوين بغير ترجمة.
7099 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا
عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ:
لَقَدْ نَفَعَنِى
اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ لَمَّا بَلَغَ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ
فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ
قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) مؤذن البصرة قال:
(حدّثنا عوف) بفتح العين وبعد الواو الساكنة فاء الأعرابي
(عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- أنه
(قال: لقد نفعني الله) عز وجل (بكلمة أيام) وقعة (الجمل)
بالجيم التي كانت بين عليّ وعائشة بالبصرة وكانت عائشة
-رضي الله عنها- على جمل فنسبت الوقعة إليه (لما) بتشديد
الميم (بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
فارسًا) بالصرف في جميع النسخ نسخ الحفاظ أبي محمد الأصيلي
وأبي ذر الهروي والأصل المسموع على أبي الوقت، وفي أصل أبي
القاسم الدمشقي: غير مصروف. وقال ابن مالك: كذا وقع
مصروفًا والصواب عدم صرفه، وقال في الكواكب: يطلق على
الفرس وعلى بلادهم فعلى الأول يجب الصرف إلا أن يقال
المراد القبيلة، وعلى الثاني يجوز الأمران كسائر البلاد
(ملكوا ابنة كسرى) شيرويه بن أبرويز بن هرمز وقال الكرماني
كسرى بفتح الكاف وكسرها ابن قباد بضم القاف وتخفيف الموحدة
واسم ابنته بوران بضم الموحدة وسكون الواو وبعدها راء فألف
فنون وكانت مدة ولايتها سنة وستة أشهر (قال):
(لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) واحتج به من منع قضاء
المرأة وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة تقضي فيما يجوز
فيه شهادتين، وزاد الإسماعيلي من طريق النضر بن شميل عن
عوف في آخره. قال أبو بكرة: فعرفت أن أصحاب الجمل لن
يفلحوا.
والحديث سبق في المغازي.
7100 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِىُّ
قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ
إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَلِىٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ
وَحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ
فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ
فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِى أَعْلاَهُ وَقَامَ عَمَّارٌ
أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ
فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ
سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَوَاللَّهِ إِنَّهَا
لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ
تُطِيعُونَ أَمْ هِىَ؟
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا أبو بكر بن
عياش) بالتحتية المشددة والشين المعجمة راوي عاصم المقري
قال: (حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد
(10/193)
المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي قال:
(حدّثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي) بفتح الهمزة
والمهملة (قال: لما سار طلحة) بن عبيد الله (والزبير) بن
العوام (وعائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنهم- (إلى البصرة)
وكانت عائشة بمكة فبلغها قتل عثمان -رضي الله عنه- فحضت
الناس على القيام بطلب دم عثمان، وكان الناس قد بايعوا
عليًّا بالخلافة
وممن بايعه طلحة والزبير واستأذنا عليًّا في العمرة فخرجا
إلى مكة فلقيا عائشة فاتفقا معها على طلب دم عثمان حتى
يقتلوا قتلته، فسارت عائشة على جمل اسمه عسكر اشتراه لها
يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار في ثلاثة آلاف
رجل من مكة والمدينة ومعها طلحة والزبير، فلما نزلت ببعض
مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أيّ ماء هذا
قالوا: الحوأب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزة
مفتوحة فموحدة فقالت: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال لنا ذات يوم "كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب
الحوأب" وعند البزار من حديث ابن عباس أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل
الأدبب" بهمزة مفتوحة ودال مهملة ساكنة فموحدتين "تخرج حتى
تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة
وتنجو بعدما كادت".
وخرج علي -رضي الله عنه- من المدينة لما بلغه ذلك خوف
الفتنة في آخر شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين في تسعمائة
راكب ولما قدم البصرة قال له قيس بن عباد وعبد الله بن
الكواء: أخبرنا عن مسيرك فذكر كلامًا طويلاً، ثم ذكر طلحة
والزبير فقال: بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة وكان قد
(بعث علي) -رضي الله عنه- (عمار بن ياسر وحسن بن علي) أي
ابن فاطمة يستنفران الناس (فقدما علينا الكوفة) فدخلا
المسجد (فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في
أعلاه) لأنه ابن الخليفة وابن بنت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأنه كان الأمير على من
أرسلهم عليّ وإن كان في عمار ما يقتضي رجحانه فضلاً عن
مساواته أو فعله عمار تواضعًا معه إكرامًا لجده عليه
الصلاة والسلام (وقام عمار) على المنبر (أسفل من الحسن
فاجتمعنا إليه) قال أبو مريم (فسمعت عمارًا يقول: إن عائشة
قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكن الله
تبارك وتعالى ابتلاكم) بها (ليعلم إياه) تعالى (تطيعون أم)
تطيعون (هي) -رضي الله عنها-. وقيل الضمير في إياه لعلي
والمناسب أن يقول أو إياها لا هي. وقال في المصابيح: فيه
نظر من حيث إن أم فيه متصلة فقضية المعادلة بين المتعاطفين
بها أن يقال أم إياها اهـ.
وأجاب الكرماني: بأن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض قال في
الفتح: وهو على بعض الآراء.
وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش صعد عمار
المنبر فحض الناس في الخروج إلى قتال عائشة وفي رواية ابن
أبي ليلى في القصة المذكورة فقال الحسن: إن عليًّا يقول
إني أذكر الله رجلاً رعى الله حقًّا أن لا يفر فإن كنت
مظلومًا أعانني وإن كنت ظالمًا أخذلني، والله إن طلحة
والزبير لأول من بايعني ثم نكثا ولم أستأثر بمال ولا بدلت
حكمًا. قال: فخرج إليه اثنا عشر ألف رجل.
وعند ابن أبي شيبة من طريق شمس بن عطية عن عبد الله بن
زياد قال: قال عمار: إن أمنا سارت مسيرها هذا وإنها والله
زوج محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا
والآخرة ولكن الله تعالى ابتلانا ليعلم إياه نطيع أو إياها
ومراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي وأن
عائشة مع ذلك لم
تخرج بذلك عن الإسلام ولا أن لا تكون زوجة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجنة، وكان ذلك يعد من
إنصاف عمار وشدة ورعه وتحرّيه قول الحق.
وقال ابن هبيرة في هذا الحديث: إن عمارًا كان صادق اللهجة
وكان لا تستخفه الخصومة إلى تنقيص خصمه فإنه شهد لعائشة
بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب وقوله ليعلم بفتح
الياء مبنيًّا للفاعل في الفرع. قال في الكواكب: والمراد
به العلم الوقوعي أو تعلق العلم أو إطلاقه على سبيل المجاز
عن التمييز لأن التمييز لازم
(10/194)
للعلم وإلاّ فالله تعالى عالم أزلاً وأبدًا
ما كان وما يكون.
باب
(باب) بالتنوين بلا ترجمة وسقط في رواية أبي ذر وهو
المناسب إذ الحديث اللاحق طرف من سابقه وإن كان في الباب
زيادة ساقه تقوية له لأن أبا مريم مما انفرد به عنه أبو
حصين.
7101 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى
غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَامَ
عَمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَذَكَرَ عَائِشَةَ
وَذَكَرَ مَسِيرَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا زَوْجَةُ
نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا
ابْتُلِيتُمْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
ابن أبي غنيمة) بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد
التحتية عبد الملك بن حميد الكوفي أصله من أصبهان وليس له
في الجامع إلا هذا ولأبي ذر عن أبي غنية (عن الحكم) بفتح
المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا
(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه قال: (قام عمار) هو ابن
ياسر (على منبر الكوفة فذكر عائشة) -رضي الله عنها- (وذكر
مسيرها) ومن معها إلى البصرة (وقال: إنها زوجة نبيكم
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة
ولكنها مما ابتليتم) مبني للمفعول امتحنتم بها.
7102 و 7103 و 7104 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ
الْمُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو،
سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو مُوسَى
وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِىٌّ
إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ فَقَالاَ: مَا
رَأَيْنَاكَ أَتَيْتَ أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدَنَا مِنْ
إِسْرَاعِكَ فِى هَذَا الأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ فَقَالَ
عَمَّارٌ: مَا رَأَيْتُ مِنْكُمَا مُنْذُ أَسْلَمْتُمَا
أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدِى مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هَذَا
الأَمْرِ وَكَسَاهُمَا حُلَّةً حُلَّةً ثُمَّ رَاحُوا
إِلَى الْمَسْجِدِ. [الحديث 7102 - طرفه في: 1706].
[الحديث 7103 - طرفه في: 7105]. [الحديث 7104 - طرفه في:
7107].
وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بفتح الموحدة والدال
بعدها مخففًا والمحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة
والموحدة المشددة بعدها راء اليربوعي قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن
مرة قال: (سمعت أبا وائل) شقيق ابن سلمة (يقول: دخل أبو
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (وأبو مسعود) عقبة بن عامر
البدري الأنصاري (على عمار)
هو ابن ياسر -رضي الله عنه- (حيث) بالمثلثة وللكشميهني حين
(بعثه علي) -رضي الله عنه- (إلى أهل الكوفة يستنفرهم) يطلب
منهم الخروج إلى البصرة لعلي على عائشة -رضي الله عنها-
(فقالا): أي أبو موسى وأبو مسعود لعمار (ما رأيناك أتيت
أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت. فقال
عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرًا أكره عندي من
إبطائكما عن هذا الأمر). قال ابن بطال: فيما دار بينهم
دلالة على أن كلاًّ من الطائفتين كان مجتهدًا ويرى أن
الصواب معه (وكساهما) أي أبو مسعود كما صرح به في الرواية
اللاحقة لهذه (حلة حلة) والحلة اسم لثوبين (ثم راحوا إلى
المسجد) وعند الإسماعيلي: ثم خرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة
وإنما كسا عمارًا تلك الحلة ليشهد بها الجمعة لأنه كان في
ثياب السفر وهيئة الحرب فكره أن يشهد الجمعة في تلك
الثياب، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى
فكساه أيضًا قاله ابن بطال.
7105 و 7106 و 7107 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى
حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ
كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى مَسْعُودٍ وَأَبِى مُوسَى
وَعَمَّارٍ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا مِنْ أَصْحَابِكَ
أَحَدٌ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا
رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْيَبَ عِنْدِى
مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ فِى هَذَا الأَمْرِ قَالَ عَمَّارٌ:
يَا أَبَا مَسْعُودٍ وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلاَ مِنْ
صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْيَبَ عِنْدِى
مِنْ إِبْطَائِكُمَا فِى هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ أَبُو
مَسْعُودٍ: وَكَانَ مُوسِرًا يَا غُلاَمُ هَاتِ
حُلَّتَيْنِ فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى
وَالأُخْرَى عَمَّارًا وَقَالَ: رُوحَا فِيهِ إِلَى
الْجُمُعَةِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
بن أبي روّاد العتكي المروزي الحافظ (عن أبي حمزة) بالحاء
المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري محدّث مرو (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق بن سلمة) أنه (قال: كنت
جالسًا مع أبي مسعود) عقبة بن عامر (وأبي موسى) الأشعري
(وعمار) هو ابن ياسر -رضي الله عنهم- (فقال أبو مسعود)
لعمار: (ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك وما
رأيت منك شيئًا منذ صحبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أعيب عندي) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة
وبعد التحتية المفتوحة موحدة أفعل تفضيل من العيب وفيه رد
على القائل أن أفعل التفضيل من الألوان والعيوب لا يستعمل
من لفظه (من استسراعك في هذا الأمر) وإنما قال ذلك لأنه
رأى رأي أبي موسى في الكف عن القتال تمسكًا بالأحاديث
الواردة فيه وما في حمل السلاح على المسلم من الوعيد (قال
عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئًا
منذ صحبتما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر). لما في الإبطاء من
مخالفة الإمام وترك امتثال فقاتلوا التي تبعي فكان عمار
على رأي عليّ في قتال الباغين والناكثين والتمسك بقوله
تعالى: {فقاتلوا التي تبغي} [الحجرات: 9] وحمل الوعيد
الوارد في القتال على من كان متعديًا على صاحبه فكلٌّ جعل
الإبطاء والإسراع عيبًا بالنسبة لما يعتقده (فقال أبو
مسعود وكان موسرًا: يا غلام هات) بكسر الفوقية (حلتين
فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى
عمارًا) بين في هذه أن فاعل كسا في الرواية السابقة هو أبو
مسعود كما مر (وقال) لهما (روحا فيه) بالتذكير مصححًا
(10/195)
عليه في الفرع (إلى) صلاة (الجمعة).
وذكر عمر بن شبة بسنده أن وقعة الجمل كانت في النصف من
جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وذكر أيضًا من رواية
المدايني عن العلاء أبي محمد عن أبيه قال: جاء رجل إلى علي
وهو بالزاوية فقال: علام تقاتل هؤلاء؟ قال عليّ: على الحق.
قال: فإنهم يقولون إنهم على الحق. قال: أقاتلهم على الخروج
عن الجماعة ونكث البيعة.
وعند الطبراني أن أول ما وقعت الحرب أن صبيان العسكرين
تسابوا ثم تراموا ثم تبعهم العبيد ثم السفهاء فنشب الحرب
وكانوا خندقوا على البصرة فقتل قوم وخرج آخرون وغلب أصحاب
عليّ ونادى مناديه: لا تتبعوا مدبرًا ولا تجهزوا جريحًا
ولا تدخلوا دار أحد ثم جمع الناس وبايعهم، واستعمل ابن
عباس على البصرة ورجع إلى الكوفة.
وعند ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبزى قال:
انتهى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة يوم
الجمل وهي في الهودج فقال: يا أم المؤمنين أتعلمين أني
أتيتك عندما قتل عثمان فقلت: ما تأمريني فقلت الزم عليًّا
فسكتت. فقال: اعقروا الجمل فعقروه فنزلت أنا وأخوها محمد
فاحتملنا هودجها فوضعناه بين يدي علي فأمر بها فأدخلت
بيتًا.
وعند ابن أبي شيبة والطبري من طريق عمر بن جاوان عن الأحنف
فكان أول قتيل طلحة ورجع الزبير فقتل. وقال الزهري: ما
شوهدت وقعة مثلها فني فيها الكماة من فرسان مضر فهرب
الزبير فقتل بوادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب فحملوه إلى
البصرة ومات. وحكى سيف كان قتلى الجمل عشرة آلاف نصفهم من
أصحاب عليّ ونصفهم من أصحاب عائشة. وقيل قتل من أصحاب
عائشة ثمانية آلاف، وقيل ثلاثة عشر ألفًا ومن أصحاب عليّ
ألف، وقيل من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة
آلاف.
19 - باب إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا
هذا (باب) بالتنوين (إذا أنزل الله بقوم عذابًا) أي يذكر
جواب إذا اكتفاء بما في الحديث.
7108 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ
الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما
- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ
عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ
بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان) الملقب عبدان قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد
الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد
(حمزة بن عبد الله بن عمر) بالحاء المهملة والزاي (أنه
سمع) أباه (ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أنزل الله بقوم عذابًا) أي عقوبة لهم على سيئ أعمالهم
(أصاب العذاب من كان فيهم) ممن ليس هو على منهاجهم ومن من
صيغ العموم، فالمعنى أن العذاب يصيب حتى الصالحين منهم
وعند الإسماعيلي من طريق أبي النعمان عن ابن المبارك أصاب
به من بين أظهرهم (ثم بعثوا) بضم الموحدة (على) حسب
(أعمالهم) إن كانت صالحة فعقباهم صالحة وإلا فسيئة فذلك
العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق. وعن عائشة مرفوعًا:
إن الله تعالى إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون
قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم صححه ابن حبان
وأخرجه البيهقي في شعبه، فلا يلزم من الاشتراك في الموت
الاشتراك في الثواب أو العقاب بل يجازى كل أحد بعمله على
حسب نيته وهذا من الحكم العدل لأن أعمالهم الصالحة إنما
يجازون بها في الآخرة وأما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء
كان تكفيرًا لما قدموه من عمل سيئ كترك الأمر بالمعروف.
وفي السنن الأربعة من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قول:
"إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله
بعذاب". وكذا رواه ابن حبان وصححه فكان العذاب المرسل في
الدنيا على الذين ظلموا يتناول من كان معهم ولم ينكر
عليهم، فكان ذلك جزاء لهم على مداهنتهم ثم يوم القيامة
يبعث كل منهم فيجازى بعمله فأما من أمر ونهى فلا يرسل الله
عليهم العذاب بل يدفع الله بهم العذاب ويؤيده قوله تعالى:
{وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} [القصص: 59] ويدل
على التعميم لمن لم ينه عن المنكر وإن كان لا يتعاطاه قوله
فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم
ويستفاد منه مشروعية الهروب من الظلمة لأن الإقامة معهم
(10/196)
من إلقاء النفس إلى الهلكة قاله في بهجة
النفوس قال: وفي الحديث تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف
بمن داهن فكيف بمن رضي فكيف بمن أعان؟ نسأل الله العافية
والسلامة.
وعند ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف عن إبراهيم بن
عمرو الصنعاني قال: أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من
قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا من شرارهم قال:
يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم
يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلوهم ويشاربوهم، وقال مالك بن
دينار: أوحى الله تعالى إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة
كذا وكذا على أهلها قال: يا رب إن فيهم عبدك فلانًا ولم
يعصك طرفة عين فقال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر
فيّ ساعة قط. ورواه الطبراني وغيره من حديث جابر مرفوعًا
والمحفوظ كما قال البيهقي ما ذكر، وأعلم أنه قد تقوم كثرة
رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلوب نور التمييز
والإنكار لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها وتكرر في
العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا إلى أن
يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكرات ولا يمر بفكره
أنها معاصٍ لما أحدث تكرارها من تألف القلوب بها.
في القوت لأبي طالب المكي عن بعضهم أنه مرّ يومًا في السوق
فرأى بدعة فبال الدم من شدة إنكاره لها بقلبه وتغير مزاجه
لرؤيتها، فلما كان اليوم الثاني مرّ فرآها فبال دمًا
صافيًا، فلما كان اليوم الثالث مرّ فرآها فبال بوله
المعتاد لأن حدة الإنكار التي أثرت في بدنه ذلك الأثر ذهبت
فعاد المزاج إلى حاله الأول، وصارت البدعة كأنها مألوفة
عنده معروفة، وهذا أمر مستقر لا يمكن جحوده والله تعالى
أعلم.
وحديث الباب أخرجه مسلم.
20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ: «إِنَّ ابْنِى هَذَا
لَسَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ
فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحسن
بن عليّ) -رضي الله عنهما- (إن ابني هذا لسيد) بلام
التأكيد ولأبي ذر عن الكشميهني سيد بإسقاطها (ولعل الله أن
يصلح به بين فئتين من المسلمين).
7109 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو
مُوسَى وَلَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ جَاءَ إِلَى ابْنِ
شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَدْخِلْنِى عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ
فَكَأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ فَلَمْ
يَفْعَلْ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سَارَ
الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ - رضى الله عنهما - إِلَى
مُعَاوِيَةَ بِالْكَتَائِبِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبَةً لاَ تُوَلِّى حَتَّى
تُدْبِرَ أُخْرَاهَا قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ لِذَرَارِىِّ
الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ
نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ الصُّلْحَ قَالَ الْحَسَنُ:
وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ
جَاءَ الْحَسَنُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ
اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن موسى (أبو موسى)
البصري نزيل الهند وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه قال سفيان
(ولقيته بالكوفة) والجملة حالية (جاء) ولأبي ذر وجاء (إلى
ابن شبرمة) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد
الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور (فقال) له:
(أدخلني على عيسى) بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن
عباس ابن أخي المنصور وكان أميرًا على الكوفة إذ ذاك
(فأعظه) بفتح الهمزة وكسر العين المهملة ونصب الظاء
المعجمة المشالة من الوعظ (فكأن) بالهمزة وتشديد النون
(ابن شبرمة خاف عليه) على إسرائيل من بطش عيسى لأن إسرائيل
كان يصدع بالحق فربما لا يتلطف في الوعظ بعيسى فيبطش به
لما عنده من حدة الشباب وعزة الملك (فلم يفعل قال)
إسرائيل: (حدّثنا الحسن) البصري (قال: لما سار الحسن بن
علي -رضي الله عنهما- إلى معاوية) بن أبي سفيان (بالكتائب)
بفتح الكاف والمثناة الفوقية وبالهمزة المكسورة بعدها
موحدة جمع كتيبة بوزن عظيمة فعيلة بمعنى مفعولة وهي طائفة
من الجيش تجمع وسميت بذلك
لأن أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في
ديوانه، وكان ذلك بعد قتل علي -رضي الله عنه- واستخلاف
الحسن.
وعند الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري أن
عليًّا جعل على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة
وكانوا أربعين ألفًا بايعوه على الموت، فلما قتل عليّ
بايعوا الحسن ابنه بالخلافة وكان لا يحب القتال، ولكن كان
يريد أن يشترط على معاوية لنفسه فعرف أن قيس بن سعد لا
يطاوعه على الصلح فنزعه وعند الطبراني بعث الحسن قيس بن
سعد على مقدمته في اثني عشر ألفًا يعني من الأربعين فسار
قيس إلى جهة الشام وكان معاوية لما بلغه قتل عليّ خرج في
عساكره من الشام وخرج الحسن حتى نزل المدائن.
(قال عمرو بن العاص لمعاوية: أرى كتيبة لا تولي) بتشديد
اللام المكسورة لا تدبر (حتى تدبر أخراها) التي
(10/197)
تقابلها وهي التي لخصومهم أو الكتيبة
الأخيرة التي لأنفسهم ومن ورائهم أي لا ينهزمون إذ عند
الانهزام يرجع الآخر أوّلاً قاله في الكواكب. وقال في
المصابيح: تدبر فعل مضارع مبني للفاعل من الإدبار أي حتى
تجعل أخراها من تقدمها دبرًا لها أي تخلفها وتقوم مقامها
وفي الصلح إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها (قال
معاوية) لعمرو (من لذراريّ المسلمين)؟ بالذال المعجمة
وتشديد التحتية أي من يكفلهم إن قتل آباؤهم (فقال: أنا)
أكفلهم قال في الفتح ظاهر قوله أنا يوهم أن المجيب عمرو بن
العاص ولم أرَ في طرق الحديث ما يدل على ذلك فإن كانت
محفوظة فلعلها كانت فقال إني بتشديد النون المفتوحة قالها
عمرو على سبيل الاستبعاد (فقال عبد الله بن عامر) واسم جده
كريز العبشمي (وعبد الرحمن بن سمرة) وكلاهما من قريش من
بني عبد شمس (تلقاه) بالقاف أي نجد معاوية (فنقول له
الصلح) أي نحن نطلب الصلح وفي كتاب الصلح أن معاوية هو
الذي أرسلهما إلى الحسن يطلب منه الصلح فيحتمل أنهما عرضًا
أنفسهما فوافقهما.
(قال الحسن) البصري بالسند السابق (ولقد سمعت أبا بكرة)
نفيعًا -رضي الله عنه- (قال: بينا) بغير ميم (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب جاء الحسن) بن
علي -رضي الله عنهما- زاد البيهقي في دلائله من رواية علي
بن زيد عن الحسن فصعد المنبر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن ابني هذا سيد) فأطلق الابن على ابن البنت (ولعل الله
أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) طائفة الحسن وطائفة
معاوية -رضي الله عنهما- واستعمل لعل استعمال عسى
لاشتراكهما في الرجاء والأشهر في خبر لعل بغير أن كقوله
تعالى: {لعل الله يحدث} [الطلاق: 1] وفيه أن السيادة إنما
يستحقها من ينتفع به الناس لكونه علق السيادة بالإصلاح
وفيه علم من أعلام نبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقد ترك الحسن الملك ورعًا ورغبة فيما عند الله
ولم يكن ذلك لعلة ولا لقلة ولا لذلة بل صالح معاوية رعاية
للدين وتسكينًا للفتنة وحقن دماء المسلمين، وروي أن أصحاب
الحسن قالوا
له: يا عار المؤمنين. فقال -رضي الله عنه-: العار خير من
النار، وفي الحديث أيضًا دلالة على رأفة معاوية بالرعية
وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبر الملك ونظره في
العواقب.
وحديث الحسن سبق في الصلح بأتم من هذا.
7110 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِى
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىٍّ أَنَّ حَرْمَلَةَ مَوْلَى
أُسَامَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ عَمْرٌو: وَقَدْ رَأَيْتُ
حَرْمَلَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِى أُسَامَةُ إِلَى عَلِىٍّ
وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَسْأَلُكَ الآنَ فَيَقُولُ: مَا
خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ لَوْ كُنْتَ
فِى شِدْقِ الأَسَدِ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ
فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ فَلَمْ
يُعْطِنِى شَيْئًا فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ
وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِى رَاحِلَتِى.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال: قال عمرو) بفتح العين ابن دينار
(أخبرني) بالإفراد (محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي أبو
جعفر الباقر (أن حرملة) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء
(مولى أسامة) بن زيد وهو مولى زيد بن ثابت ومنهم من فرق
بينهما (أخبره قال عمرو): هو ابن دينار (وقد رأيت حرملة)
المذكور أي وكان يمكنني الأخذ عنه لكن لم أسمع منه هذا
(قال) أي حرملة (أرسلني أسامة) بن زيد من المدينة (إلى
علي) -رضي الله عنه- بالكوفة يسأله شيئًا من المال (وقال)
أسامة: (إنه) أي عليًّا رضي الله عنه (سيسألك الآن فيقول:
مما خلف صاحبك)؟ أسامة عن مساعدتي في وقعة الجمل وصفّين
وعلم أن عليًّا كان ينكر على من تخلف عنه لا سيما أسامة
الذي هو من أهل البيت (فقل له) أي لعلي وفي الفرع مصلحًا
على كشط مصححًا عليه فقلت له والذي في اليونينية مصلح على
كشط فقل له (يقول لك) أسامة: (لو كنت) بتاء الخطاب (في شدق
الأسد) بكسر الشين المعجمة وقد تفتح وسكون الدال المهملة
بعدها قاف أي جانب فمه من داخل (لأحببت أن أكون معك فيه)
كناية عن الموافقة في حالة الموت لأن الذي يفترسه الأسد
بحيث يجعله في شدقه في عداد من هلك ومع ذلك فقال لو وصلت
إلى هذا المقام لأحببت أن أكون معك فيه مواسيًا لك بنفسي
(ولكن هذا) أي قتال المسلمين (أمر لم أره) لأنه لما قتل
مرداسًا ولامه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
على ذلك آل على نفسه أن لا يقاتل مسلمًا أبدًا. قال حرملة:
فذهبت إلى علي فبلغته ذلك، وعند الإسماعيلي من رواية ابن
أبي عمر عن سفيان فجئت بها أي بالمقالة فأخبرته (فلم يعطني
شيئًا) وفي هامش اليونينية صوابه فلم يعني شيئًا. قال
(10/198)
السفاقسي إنما لم يعطه لأنه لعله سأله
شيئًا من مال الله لتخلفه عن القتال معه. قال حرملة:
(فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر) هو عبد الله بن جعفر بن
أبي طالب (فأوقروا) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح القاف
بعدها راء أي حملوا (لي راحلتي) ما أطاقت حمله لأنهم لما
علموا أن عليًّا لم يعطه شيئًا وأنهم كانوا يرونه واحدًا
منهم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يجلسه
على فخذه ومجلس الحسن على الفخذ الأخرى ويقول: "اللهم إني
أحبهما" عوّضوه من أموالهم من ثياب ونحوها قدر ما تحمله
راحلته التي هو راكبها. والحديث من أفراده.
21 - باب إِذَا قَالَ: عِنْدَ قَوْمٍ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ
فَقَالَ بِخِلاَفِهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال) أحد (عند قوم شيئًا
ثم خرج فقال بخلافه).
7111 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ:
لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ
مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ
فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ
لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا
هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ،
وَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ
يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ
يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ وَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا
مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلاَ بَايَعَ فِى هَذَا الأَمْرِ
إِلاَّ كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الجهضمي (عن أيوب)
السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: لما خلع أهل
المدينة يزيد بن معاوية) وكان ابن عمر لما مات معاوية كتب
إلى يزيد ببيعته وكان السبب في خلعه ما ذكره الطبري أن
يزيد بن معاوية كان أمر على المدينة ابن عمه عمار بن محمد
بن أبي سفيان فأوفد إلى يزيد جماعة من أهل المدينة منهم
عبد الله ابن غسيل الملائكة، وعبد الله بن أبي عمرو
المخزومي في آخرين فأكرمهم وأجازهم فرجعوا فأظهروا عيبه
ونسبوه إلى شرب الخمر وغير ذلك ثم وثبوا على عمار فأخرجوه
وخلعوا يزيد فلما وقع ذلك (جمع ابن عمر حشمه) بالمهملة ثم
المعجمة المفتوحتين جماعته الملازمين لخدمته خشية أن
ينكثوا مع أهل المدينة حين نكثوا بيعة يزيد (وولده فقال)
لهم: (إني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(ينصب) بضم التحتية وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها
موحدة (لكل غادر) بالغين المعجمة والدال المهملة من الغدر
(لواء) بالرفع مفعول ناب عن فاعله أي راية يشهر بها على
رؤوس الأشهاد (يوم القيامة) بقدر غدرته (وإنا قد بايعنا
هذا الرجل) يزيد بن معاوية (على بيع الله ورسوله) أي على
شرط ما أمرا به من بيعة الإمام وذلك أن من بايع أميرًا فقد
أعطاه الطاعة وأخذ منه العطية فكان كمن باع سلعة وأخذ
ثمنها (وإني لا أعلم عذرًا) بضم العين المهملة وسكون الذال
المعجمة في الفرع مصلحًا وفي اليونينية وغيرها غدرًا بفتح
الغين المعجمة وسكون الدال المهملة (أعظم من أن يبايع)
بفتح التحتية قبل العين (رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب
له القتال) وفي رواية صخر بن جويرية عن نافع عند أحمد: وإن
من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع الرجل رجلاً على
بيع الله ثم ينكث بيعه (وإني لا أعلم أحدًا منكم خلعه) أي
خلع يزيد (ولا بايع) أحدًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
ولا تابع بالفوقية والموحدة بدل الموحدة والتحتية (في هذا
الأمر إلا كانت الفيصل) بالفاء المفتوحة بعدها تحتية ساكنة
وصاد مهملة مفتوحة فلام القاطعة (بيني وبينه) وفيه وجوب
طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة والمنع من الخروج عليه
ولو جار وأنه لا ينخلع بالفسق، ولما بلغ يزيد أن أهل
المدينة خلعوه جهّز لهم جيشًا مع مسلم بن عقبة المرّي
وأمره أن
يدعوهم ثلاثًا فإن رجعوا وإلا فيقاتلهم وإنه إذا ظهر يبيح
المدينة للجيش ثلاثًا ثم يكف عنهم فتوجه إليهم فوصل في ذي
الحجة سنة ثلاث وستين فحاربوه وكانوا قد اتخذوا خندقًا
وانهزم أهل المدينة وقتل حنظلة، وأباح مسلم بن عقبة
المدينة ثلاثًا فقتل جماعة من بقايا المهاجرين والأنصار
وخيار التابعين وهم ألف وسبعمائة، وقتل من أخلاط الناس
عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقتل بها جماعة من حملة
القرآن، وقتل جماعة صبرًا منهم: معقل بن سنان، ومحمد بن
أبي الجهم بن حذيفة. وجالت الخيل في مسجد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايع الباقين كرهًا
على أنهم خول ليزيد.
وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند صحيح عن ابن عباس
قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة {ولو دخلت
عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها} [الأحزاب: 14]
يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على
(10/199)
أهل المدينة في وقعة الحرة قال يعقوب:
وكانت وقعة الحرة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين، وذكر أن
المدينة خلت من أهلها وبقيت ثمارها للعوافي من الطير
والسباع كما قال عليه الصلاة والسلام. ثم تراجع الناس
إليها.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن في القول في الغيبة
بخلاف الحضور نوع غدر.
وحديث الباب سبق في الجزية وأخرجه مسلم في المغازي.
7112 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ
قَالَ: لَمَّا كَانَ ابْنُ زِيَادٍ وَمَرْوَانُ
بِالشَّأْمِ وَوَثَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ
وَوَثَبَ الْقُرَّاءُ بِالْبَصْرَةِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ
أَبِى إِلَى أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ حَتَّى
دَخَلْنَا عَلَيْهِ فِى دَارِهِ وَهْوَ جَالِسٌ فِى ظِلِّ
عُلِّيَّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ
فَأَنْشَأَ أَبِى يَسْتَطْعِمُهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: يَا
أَبَا بَرْزَةَ أَلاَ تَرَى مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ؟
فَأَوَّلُ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ إِنِّى
احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّى أَصْبَحْتُ سَاخِطًا
عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ
الْعَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِى عَلِمْتُمْ
مِنَ الذِّلَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالضَّلاَلَةِ، وَإِنَّ
اللَّهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا
تَرَوْنَ وَهَذِهِ الدُّنْيَا، الَّتِى أَفْسَدَتْ
بَيْنَكُمْ إِنَّ ذَاكَ الَّذِى بِالشَّأْمِ وَاللَّهِ
إِنْ يُقَاتِلُ إِلاَّ عَلَى الدُّنْيَا. [الحديث 7112 -
طرفه في: 7271].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع
الحناط بالمهملة والنون (عن عوف) بفتح العين المهملة آخره
فاء الأعرابي (عن أبي المنهال) بكسر الميم وسكون النون
سيار بن سلامة أنه (قال: لما) بتشديد الميم (كان ابن زياد)
هو عبد الله بن زياد بكسر الزاي وفتح التحتية المخففة ابن
أبي سفيان الأموي (ومروان) بن الحكم بن أبي العاص ابن عم
عثمان (بالشأم) وقد كان ابن زياد أميرًا بالبصرة ليزيد بن
معاوية
فلما بلغه وفاته ورضي أهل البصرة بابن زياد أن يستمر
أميرًا عليهم حتى يجتمع الناس على خليفة فمكث قليلاً ثم
أخرج من البصرة وتوجه إلى الشأم وثب مروان بها على الخلافة
(ووثب ابن الزبير) عبد الله على الخلافة أيضًا (بمكة)
وسقطت الواو الأولى من ووثب لأبي ذر وإثباتها أوجه وإلا
فيصير ظاهره أن وثوب ابن الزبير وقع بعد قيام ابن زياد
ومروان بالشأم وليس كذلك، وإنما وقع في الكلام حذف يبينه
ما عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن عوف قال حدّثنا
أبو المنهال قال: لما كان زمن إخراج ابن زياد يعني من
البصرة وثب مروان بالشأم ووثب ابن الزبير بمكة (ووثب)
عليها أيضًا (القراء) وهم الخوارج (بالبصرة) وجواب قوله
لما من قوله لما كان زياد. قوله وثب على رواية حذف الواو
وأما على رواية إثباتها فقول أبي المنهال (فانطلقت مع أبي)
سلامة الرياحي (إلى أبي برزة) بفتح الموحدة والزاي بينهما
راء ساكنة نضلة بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة
(الأسلمي) الصحابي (حتى دخلنا عليه في داره وهو) أي والحال
أنه (جالس في ظل علية) بضم العين وكسرها وتشديد اللام
مكسورة والتحتية غرفة (له من قصب) زاد الإسماعيلي من طريق
يزيد بن زريع في يوم حارّ شديد الحر (فجلسنا إليه فأنشأ
أبي يستطعمه الحديث) ولأبي ذر عن الكشميهني بالحديث أي
يستفتح الحديث ويطلب منه التحديث (فقال: يا أبا برزة ألا
ترى ما وقع فيه الناس) ولأبي ذر الناس فيه (فأوّل شيء
سمعته تكلم به أني) بفتح الهمزة وفي اليونينية بكسرها
(احتسبت عند الله) بفتح السين المهملة آخره فوقية بعد
الموحدة الساكنة ولأبي ذر عن الكشميهني: إذ (أصبحت ساخطًا
على أحياء قريش) أي على قبائلهم (إنكم يا معشر العرب كنتم
على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة وإن الله
أنقذكم) بالقاف والذال المعجمة من ذلك (بالإسلام وبمحمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ بكم ما ترون)
من العزة والكثرة والهداية (وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم
إن ذاك الذي بالشأم) يعني مروان بن الحكم (والله إن) بكسر
الهمزة وسكون النون (يقاتل إلا على الدنيا وإنّ) بتشديد
النون (هؤلاء الذين بين أظهركم) وفي رواية يزيد بن زريع إن
الذين حولكم يزعمون أنهم قراؤكم (والله إن يقاتلون إلا على
الدنيا وإن ذاك الذي بمكة) يعني عبد الله بن الزبير (والله
إن يقاتل إلا على الدنيا) وقوله وإن هؤلاء الخ ثابت في
رواية أبي ذر ساقط لغيره.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الذين عابهم أبو برزة
كانوا يظهرون أنهم يقاتلون لأجل القيام بأمر الدين ونصر
الحق وكانوا في الباطن إنما يقاتلون لأجل الدنيا.
7113 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ،
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا
يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) أبو الحسن العسقلاني
الخراساني الأصل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واصل
الأحدب) بن حبان الأسدي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة
(عن حذيفة بن اليمان) واسم اليمان حسيل
(10/200)
بضم الحاء وفتح السين المهملتين آخره لام
العبسي بالموحدة -رضي الله عنه- أنه (قال: إن المنافقين
اليوم شرّ منهم على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كانوا يومئذٍ يسرون) الكفر فلا يتعدى شرهم إلى
غيرهم (واليوم يجهرون) به فيخرجون على الأئمة ويوقعون الشر
بين الفرق فيتعدى شرهم لغيرهم. وعند البزار من طريق عاصم
عن أبي وائل قلت لحذيفة: النفاق اليوم شر أم على عهد رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: فضرب بيده
على جبهته وقال: أوّه هو اليوم ظاهر إنهم كانوا يستخفون
على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الحديث.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن جهرهم بالنفاق وشهر
السلاح على الناس هو القول بخلاف ما بذلوه من الطاعة حين
بايعوا أوّلاً من خرجوا عليه آخرًا قاله ابن بطال.
والحديث أخرجه النسائي في التفسير.
7114 - حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ،
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ
الإِيمَانِ.
وبه قال: (حدّثنا خلاد) بفتح المعجمة وتشديد اللام (ابن
يحيى) بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفيّ قال: (حدّثنا
مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن
كدام الكوفي (عن حبيب بن أبي ثابت) بالحاء المهملة
المفتوحة واسم أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي (عن أبي
الشعثاء) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها
مثلثة فهمزة ممدودًا سليم بضم السين ابن أسود المحاربي (عن
حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- أنه (قال: إنما كان
النفاق) موجودًا (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأما اليوم) بالنصب (فإنما هو الكفر بعد
الإيمان) وفي رواية: فإنما هو الكفر أو الإيمان. وحكى
الحميديّ في جمعه أنهما روايتان. قال السفاقسي: كان
المنافقون على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم وأما من جاء بعدهم فإنه
ولد في الإسلام وعلى فطرته فمن كفر منهم فهو مرتدّ اهـ.
ومراد حذيفة نفي اتفاق الحكم لا نفي الوقوع إذ وقوعه ممكن
في كل عسر. وإنما اختلف الحكم لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتألفهم فيقبل ما أظهروه من
الإسلام بخلاف الحكم بعده وقيل إن المراد أن التخلف عن
بيعة الإمام جاهلية ولا جاهلية في الإسلام.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن المنافق في هذه الأزمان
قال بكلمة الإسلام بعد أن ولد فيه، ثم أظهر الكفر فصار
مرتدًّا فدخل في الترجمة من جهة قوليه المختلفين.
22 - باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ
الْقُبُورِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل
القبور) بضم التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الموحدة
والطاء مهملة والغبطة تمني حال المغبوط مع بقائها له.
7115 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ
أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ
بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِى مَكَانَهُ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) هو ابن أنس بن مالك الأصبحي أبو عبد الله
المدني إمام دار الهجرة -رحمه الله تعالى- (عن أبي الزناد)
عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الكوفي
(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني
مكانه) أي كنت ميتًا وذلك عند ظهور الفتن وخوف ذهاب الدين
لغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي، أو لما يقع لبعضهم من
المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه وإن لم يكن في ذلك شيء
يتعلق بدينه. وعند مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة: لا
تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول:
يا ليتني مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين إلا البلاء
الحديث. وعن ابن مسعود قال: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم
الموت يباع لاشتراه وعليه قول الشاعر:
وهذا العيش ما لا خير فيه ... ألا موت يباع فأشتريه
وسبب ذلك أنه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو
أعظم المصائب أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في
اعتقاده، وذكر الرجل في الحديث للغالب وإلا فالمرأة يمكن
أن تتمنى الموت لذلك أيضًا نسأل الله العافية.
23 - باب تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى يَعْبُدُوا
الأَوْثَانَ
(باب تغير الزمان) عن حاله الأول (حتى يعبدوا الأوثان)
بإسقاط النون لغير جازم لغة. وفي الفرع حتى يعبد بالتحتية
المفتوحة
(10/201)
وضم الموحدة ونصب الدال إسقاط الواو وليست
هذه في اليونينية ولأبي ذر تعبد بضم الفوقية وفتح الموحدة
مبنيًّا للمفعول الأوثان رفع جمع وثن وهو معروف.
7116 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه
- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِى
الْخَلَصَةِ، وَذُو الْخَلَصَةَ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِى
كَانُوا يَعْبُدُونَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال:
قال سعيد بن المسيب أخبرني) بالإفراد (أبو هريرة -رضي الله
عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال): ولأبوي ذر والوقت أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:
(لا تقوم الساعة حتى تضطرب) تتحرك (أليات) بفتح الهمزة
واللام التحتية جمع إلية وهي العجيزة (نساء دوس) بفتح
المهملة وسكون الواو بعدها سين مهملة قبيلة أبي هريرة
المشهورة (على ذي الخلصة) قال ابن دحية: بضم الخاء المعجمة
واللام في قول أهل اللغة والسير وبفتحهما قيدناه في
الصحيحين، وكذا قال ابن هشام، وقيده أبو الوليد الوقشي
بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام أي: لا تقوم الساعة حتى
تتحرك أعجاز نساء دوس من الطواف حول ذي الخلصة أي يكفرن
ويرجعن إلى عبادة الأصنام، وعند الحاكم عن ابن عمر: لا
تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلصة
(وذو الخلصة) هي أو فيها (طاغية دوس) بالطاء المهملة
والغين المعجمة أي إن ذا الخلصة هي طاغية دوس أي صنمها لكن
سبق في أواخر المغازي أن ذا الخلصة موضع ببلاد دوس فيه صنم
اسمه الخلصة وحينئذ فليس ذو الخلصة الطاغية نفسها وحينئذ
فيقدر هنا فيها بعد قوله وذو الخلصة أي فيها طاغية دوس
فهما اثنان أو واحد (التي كانوا يعبدون) من دون الله (في
الجاهلية) قال ابن بطال: وهذا الحديث وما أشبهه ليس المراد
به إن الدين ينقطع كله في جميع الأرض حتى لا يبقى منه شيء
لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف
ويعود غريبًا كما بدأ.
والحديث من أفراده.
7117 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِى
الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ
النَّاسَ بِعَصَاهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنى) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن ثور) بفتح المثلثة
وسكون الواو بعدها راء ابن زيد الديلمي (عن أبي الغيث)
بالغين المعجمة والمثلثة آخره سالم مولى عبد الله بن مطيع
(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعصا. وقحطان بفتح القاف
والطاء المهملة بينهما حاء مهملة ساكنة. قال في التذكرة:
ولعل هذا الرجل القحطانيّ هو الرجل الذي يقال له الجهجاه
المذكور في الحديث الآخر عند مسلم، وأصل الجهجهة الصياح
بالسبع يقال: جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح، وهذه الصفة
توافق ذكر العصا، وتعقبه في الفتح بإن إطلاق كونه من قحطان
ظاهره أنه من الأحرار وتقييده بأن الجهجاه من الموالي يردّ
ذلك. وقوله: يسوق الناس بعصاه كناية عن انقيادهم إليه ولم
يرد نفس العصا وإنما ضربها مثلاً لطاعتهم له واستيلائه
عليهم إلا أن في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم وعسفه بهم،
وقد قيل: إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل والماشية وذلك
لشدة عنفه وعدوانه. وسبق في باب ذكر قحطان من مناقب قريش
ما رواه نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطأة بن
المنذر أحد التابعين من أهل الشأم أن القحطاني يخرج بعد
المهدي ويسر على سيرة المهدي، وأخرج أيضًا من طريق عبد
الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعًا:
يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الثاني مع كونه مرفوعًا ضعيف
الإسناد والأول مع كونه موقوفًا أصلح إسنادًا منه، فإن ثبت
ذلك فهو في زمن عيسى ابن مريم لأن عيسى إذا نزل يجد المهدي
إمام المسلمين، وفي رواية أرطأة بن المنذر أن القحطاني
يعيش في الملك عشرين سنة.
واستشكل ذلك بأنه كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه
والأمر إنما هو لعيسى؟ وأجيب: بجواز أن يقيمه عيسى
(10/202)
نائبًا عنه في أمور مهمة عامة.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن سوق القحطاني الناس إنما
هو في تغير الزمان وتبدّل أحوال الإسلام لأن هذا الرجل ليس
من قريش الذين فيهم الخلافة فهو من فتن الزمان وتبدّل
الأحكام.
والحديث سبق في مناقب قريش وأخرجه مسلم في الفتن.
24 - باب خُرُوجِ النَّارِ
وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ
النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ».
(باب خروج النار) من أرض الحجاز.
(وقال أنس) -رضي الله عنه-: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أول أشراط الساعة) بفتح الهمزة
علامات قيامها وانتهاء الدنيا وانقضائها (نار تحشر الناس
من المشرق إلى المغرب). وهذا سبق موصولاً في إسلام عبد
الله بن سلام من طريق حميد في أواخر باب الهجرة.
7118 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ
الْحِجَازِ تُضِىءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) بضم الشين المعجمة ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم أنه قال: (قال سعيد بن المسيب) المخزومي أحد الأعلام
الأثبات الفقهاء الكبار (أخبرني) بالإفراد (أبو هريرة)
-رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز) أي تتفجر من
أرض الحجاز (تضيء أعناق الإبل ببصرى) بضم الموحدة وفتح
الراء مقصورًا ونصب أعناق مفعول تضيء على أنه متعدٍّ
والفاعل النار أي تجعل على أعناق الإبل ضوءًا، وبصرى مدينة
معروفة بالشام وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث
مراحل.
وفي كامل ابن عدي من طريق عمر بن سعيد التنوخي عن ابن شهاب
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمر بن
الخطاب رفعه: "لا تقوم الساعة حتى يسيل وادٍ من أودية
الحجاز بالنار تضيء له أعناق الإبل ببصرى". قال في الفتح:
وعمر ذكره ابن حبان في الثقات وليّنه ابن عدي والدارقطني،
وهذا ينطبق على النار المذكورة التي ظهرت بالمدينة في
المائة السابعة وتقدمتها كما قال القطب القسطلاني -رحمه
الله- في كتابه جمل الإيجاز في الإعجاز بنار الحجاز زلزلة
اضطراب الناقلون في تحقيق اليوم الذي ابتدأت فيه،
فالأكثرون أن ابتداءها كان يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة
من سنة أربع وخمسين وستمائة، وقيل: ابتدأت ثالث الشهر وجمع
بأن القائل بالأول قال: كانت خفيفة إلى ليلة الثلاثاء
بيومها ثم ظهرت ظهورًا اشترك فيه الخاص والعام واشتدت
حركتها، وعظمت رجفتها، وارتجت الأرض بمن عليها، وعجّت
الأصوات لبارئها تتوسل أن ينظر إليها، ودامت حركة بعد
حركة، حتى أيقن أهل المدينة بالهلكة، وزلزلوا زلزالاً
شديدًا، فلما كان يوم الجمعة في نصف النّهار ثار في الجوّ
دخان متراكم أمره متفاقم ثم شاع شعاع النار وعلا حتى غشى
الأبصار.
وقال القرطبي في تذكرته: كان بدؤها زلزلة عظيمة ليلة
الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة إلى
ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت بقريظة عند قاع التنعيم بطرف
الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط بها عليه
شراريف كشراريف الحصون وأبراج ومآذن، ويرى رجال يقودونها
لا تمر على جبل إلاّ دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر
أحمر ونهر أزرق له دويّ كدويّ الرعد يأخذ الصخور والجبال
بين يديه وينتهي إلى محط المركب العراقي، فاجتمع من ذلك
ردم صار كالجبل العظيم وانتهت النار إلى قرب المدينة، وكان
يأتي المدينة ببركة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نسيم بارد ويشاهد من هذه النار غليان كغليان
البحر وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها، وقال لي بعض
أصحابنا: لقد رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام من
المدينة وسمعت أنها رُئيَت من مكة ومن جبال بصرى.
وقال أبو شامة: وردت كتب من المدينة في بعضها أنه ظهر نار
بالمدينة انفجرت من الأرض وسال منها وادٍ من نار حتى حاذى
جبل أُحُد وفي آخر سأل منها وادٍ مقداره أربعة فراسخ وعرضه
أربعة أميال يجري على وجه الأرض يخرج منها مهاد وجبال
صغار، وقال في جمل الإيجاز: وحكى لي جمع ممن حضر: إن
النفوس سكرت من حلول الرجل، وفنيت من ارتقاب نزول الأجل،
وعجّ
(10/203)
المجاورون في الجؤار بالاستغفار، وعزموا
على الإقلاع عن الإصرار والتوبة عما اجترحوا من الأوزار،
وفزعوا إلى الصدقة بالأموال، فصرفت عنهم النار ذات اليمين
وذات الشمال وظهر حسن بركة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في أمته وُيمن طلعته في رفقته بعد فرقته، فقد
ظهر أن النار
المذكورة في حديث الباب هي النار التي ظهرت بنواحي المدينة
كما فهمه القرطبي وغيره ويبقى النظر هل هي من داخل التنفس
أو من خارج كصاعقة نزلت والظاهر الأول، ولعل التنفس حصل من
الأرض لما تزلزلت، وتزايلت عن مركزها الأول وتخلخلت.
وقد تضمن الحديث في ذكر النار ثلاثة أمور: خروجها من
الحجاز، وسيلان وادٍ منه بالنار وقد وجدا، وأما الثالث وهو
إضاءة أعناق الإبل ببصرى فقد جاء من أخبر به فإذا ثبت هذا
فقد صحّت الإمارات وتمت العلامات وإن لم يثبت فيحمل إضاءة
أعناق الإبل ببصرى على وجه المبالغة، وذلك في لغة العرب
سائغ. وفي باب التشبيه في البلاغة بالغ وللعرب في التصرف
في المجاز ما يقتضي للغتها بالسبق في الإعجاز، وعلى هذا
يكون القصد بذلك التعظيم لشأنها والتفخيم لمكانها والتحذير
من فورانها وغليانها، وقد وجد ذلك على وفق ما أخبر وقد جاء
من أخبر أنه أبصرها من تيماء وبصرى على مثل ما هي من
المدينة في البعد فتعين أنها المراد وارتفع الشك والعناد،
وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى.
وحديث الباب من أفراده.
7119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
الْكِنْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ،
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ
يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ
يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا».
قَالَ عُقْبَةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا
أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: «يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ
مِنْ ذَهَبٍ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن سعيد الكندي) بكسر الكاف
وسكون النون أبو سعيد الأشج معروف بكنيته وصفته قال:
(حدّثنا عقبة بن خالد) الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا عبيد
الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري (عن
خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبعد
التحتية الساكنة موحدة أخرى ابن خبيب بن يساف الأنصاري (عن
جده حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب والضمير لعبيد الله
بن عمر لا لشيخه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يوشك) بكسر المعجمة يقرب (الفرات) النهر المشهور وتاؤه
مجرورة على المشهور (أن يحسر) بفتح التحتية وسكون الحاء
وكسر السين المهملتين آخره راء يكشف (عن كنز من ذهب فمن
حضره فلا يأخذ منه شيئًا) بجزم فلا يأخذ على النهي، وإنما
نهى عن الأخذ منه لما ينشأ عن الأخذ من الفتنة والقتال
عليه. وفي مسلم يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقبل عليه
الناس فيقتل من المائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم:
لعليّ أكون أنا الذي أنجو والأصل أن يقول: أنا الذي أفوز
به فعدل إلى قوله أنجو لأنه إذا نجا من القتل تفرّد بالمال
وملكه.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن وأبو داود في الملاحم
والترمذي في صفة الجنة.
(قال عقبة) بن خالد اليشكري بالسند المذكور: (وحدّثنا عبيد
الله) بضم العين العمري المذكور قال: (حدّثنا أبو الزناد)
عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي
هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مثله). مثل الحديث السابق (إلا أنه قال: يحسر)
أي الفرات (عن جبل من ذهب) بدل قوله: عن كنز وأشار به
أيضًا إلى أن لعبيد الله العمري فيه إسنادين.
25 - باب
(باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو كالفصل من سابقه.
7120 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ
شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا مَعْبَدٌ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ
بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا
فَسَيَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِى الرَّجُلُ
بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا». قَالَ
مُسَدَّدٌ: حَارِثَةُ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
لأُمِّهِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الله.
وبهِ قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثنا
معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة ابن
خالد القاص (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة
والمثلثة الخزاعي -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(تصدّقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي بصدقته) وللكشميهني
يمشي الرجل بصدقته (فلا يجد من يقبلها) زاد في باب الصدقة
قبل الرد من الزكاة يقول الرجل لو جئت بها بالأمس لقبلتها
فأما اليوم فلا حاجة لي بها، وهذا إنما يكون في الوقت الذي
يستغني الناس فيه عن
(10/204)
المال لاشتغالهم بأنفسهم عند الفتنة، وهذا
في زمن الدجال؛ أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ بحيث
يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره وهذا يكون في زمن
المهدي وعيسى، أما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر
فلا يلتفت أحد إلى شيء بل يقصد نجاة نفسه ومن استطاع من
أهله وولده، ويحتمل أن يكون يمشي بصدقته الخ. وقع في خلافة
عمر بن عبد العزيز فلا يكون من أشراط الساعة.
وفي تاريخ يعقوب بن سفيان من طريق -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن
الخطاب بسند جيد قال: لا والله ما مات عمر بن عبد العزيز
حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث
ترون في الفقراء فما نبرح حتى يرجع بماله فيتذكر من يضعه
فيهم فلا يجده فيرجع به قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس
وسبب ذلك بسط عمر بن عبد العزيز العدل وإيصال الحقوق كلها
إلى أهلها حتى استغنوا.
(قال) ولأبي ذر وقال (مسدد) المذكور (حارثة) بن وهب (أخو
عبيد الله) بضم العين (ابن
عمر لأمه) -رضي الله عنه- هي أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن
المسيب بن ربيعة بن أصرم الخزاعية ذكرها ابن سعد قال: وكان
الإسلام فرّق بينها وبين عمر (قاله) أي قول مسدد هذا (أبو
عبد الله) البخاري نفسه وهذا أي قوله قاله أبو عبد الله
ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي.
7121 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ
يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا
وَاحِدَةٌ وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ
قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ
الزَّلاَزِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ
الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ وَحَتَّى
يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ
رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى
يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِى يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لاَ
أَرَبَ لِى بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِى
الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ
الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِى مَكَانَهُ وَحَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ
وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ
لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا،
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ
ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ
يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ
انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ
يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يُلِيطُ
حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِى فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ
وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان) تقدم أن المراد
بهما عليّ ومن معه، ومعاوية ومن معه (تكون بينهما مقتلة
عظيمة) ذكر ابن أبي خيثمة أن الذي قتل من الفريقين سبعون
ألفًا وقيل أكثر (دعوتهما واحدة) كل واحدة منهما تدعو إلى
الإسلام وتتأوّل كل فرقة أنها محقة ويؤخذ منه الرد على
الخوارج ومن معهم في تكفيرهم كلاًّ من الطائفتين، وفي
رواية دعواهما واحدة أي دينهما واحد، فالكل مسلمون بدعوة
الإسلام عند الحرب وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدًا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وكان سبب تقاتل الطائفتين ما أخرجه يعقوب بن سفيان بسند
جيد عن الزهري قال: لما بلغ معاوية غلبة عليّ على أهل
الجمل دعا إلى الطلب بدم عثمان -رضي الله عنه- فأجابه أهل
الشأم فسار إليه علي -رضي الله عنه- فالتقيا بصفين. وذكر
يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفين من
تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية:
أأنت تنازع عليًّا في الخلافة أو أنت مثله؟ قال: لا وإني
لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن
عثمان -رضي الله عنه- قتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطلب
بدمه فأْتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان فأتوه
فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ فامتنع معاوية
-رضي الله عنه- فسار عليّ
والجيوش من العراق حتى نزلوا صفين، وصار معاوية حتى نزل
هناك، وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين فتراسلوا فلم يتم
لهم أمر، فوقع القتال إلى أن قتل من الفريقين من قتل، وعند
ابن سعد أنهم اقتتلوا في غرة صفر فلما كاد أهل الشأم أن
يغلبوا رفعوا المصاحف بمشورة عمرو بن العاص ودعوا إلى ما
فيها فآل الأمر إلى الحكمين فجرى ما جرى من اختلافهما
واستبداد معاوية بملك الشام واشتغال عليّ بالخوارج.
(و) لا تقوم الساعة (حتى يبعث) يظهر (دجالون) بفتح الدال
المهملة والجيم المشددة جمع دجال يقال دجل فلان الحق
بباطله أي غطاه، ومنه أخذ الدجال ودجله سحره وقيل سمي
الدجال دجالاً لتمويهه على الناس وتلبيسه يقال دجل إذا
موّه ولبس والدجال يطلق في اللغة على أوجه كثيرة منها
الكذب كما قال هنا دجالون (كذابون) ولا يجمع ما كان على
فعال جمع تكسير عند جماهير النحاة لئلا يذهب بناء المبالغة
منه فلا يقال إلا دجالون
(10/205)
كما قال عليه الصلاة والسلام وإن كان قد
جاء مكسرًا فهو شاذ كما قال مالك بن أنس -رحمه الله- في
محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة. قال عبد الله بن
إدريس الأودي: وما علمت أن دجالاً يجمع على دجاجلة حتى
سمعتها من مالك بن أنس -رضي الله عنه- وهؤلاء الكذابون
عددهم (قريب من ثلاثين). وفي حديث حذيفة -رضي الله عنه-
عند أبي نعيم وقال حديث غريب تفرّد به معاوية بن هشام:
يكون في أمتي دجالون كذّابون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة،
وأخرجه أحمد بسند جيد. وفي حديث ثوبان عند أبي داود
والترمذي وصححه ابن حبان وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون
(كلهم يزعم أنه رسول الله) زاد ثوبان: وأنا خاتم النبيين
لا نبي بعدي ولأحمد وأبي يعلى عن ابن عمر وثلاثون كذابون
أو أكثر، وعنه عند الطبراني: لا تقوم الساعة حتى يخرج
سبعون كذّابًا وسندهما ضعيف وعلى تقدير الثبوت فيحمل على
المبالغة في الكثرة لا التحديد، وأما رواية الثلاثين
بالنسبة لرواية سبع وعشرين فعلى طريق جبر الكسر وقد ظهر ما
في هذا الحديث فلو عدّ من ادّعى النبوة من زمنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن اشتهر بذلك واتبعه جماعة
على ضلاله لوجد هذا العدد ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ
وجد ذلك والفرق بين هؤلاء وبين الدجال الأكبر أنهم يدّعون
النبوّة وذلك يدّعي الإلهية مع اشتراك الكل في التمويه
وادّعاء الباطل العظيم.
(و) لا تقوم الساعة (حتى يقبض العلم) بقبض العلماء وقد وقع
ذلك فلم يبق إلا رسمه (وتكثر الزلازل) وقد أكثر ذلك في
البلاد الشمالية والشرقية والغربية حتى قيل إنها استمرت في
بلدة من بلاد الروم التي للمسلمين ثلاثة عشر شهرًا، وفي
حديث سلمة بن نفيل عند أحمد وبين يدي الساعة سنوات الزلازل
(ويتقارب الزمان) عند زمان المهدي لوقوع الأمن في الأرض
فيستلذ العيش عند ذلك لانبساطه عدله فتستقصر مدته لأنهم
يستقصرون مدة أيام الرخاء وإن طالت ويستطيلون مدة أيام
الشدّة وإن قصرت، أو المراد يتقارب أهل الزمان في الجهل
فيكونون كلهم جهلاء، أو المراد الحقيقة بأن يعتدل الليل
والنهار دائمًا بأن تنطبق منطقة البروج على معدّل النهار
(وتظهر الفتن) أي تكثر وتشتهر فلا تكتم (ويكثر الهرج) بفتح
الهاء وسكون الراء بعدها جيم
(وهو القتل) في رواية ابن أبي شيبة قالوا: يا رسول الله
وما الهرج؟ قال: "القتل" وهو صريح في أن تفسير الهرج
مرفوع، ولا يعارضه كونه جاء موقوفًا في غير هذه الرواية
ولا كونه بلسان الحبشة (وحتى يكثر فيكم المال فيفيض)
بالنصب عطفًا على سابقه أي يكثر حتى يسيل (حتى يهم) بضم
التحتية وكسر الهاء وتشديد الميم يحزن (رب المال) مالكه
(من) أي الذي (يقبل صدقته) فرب مفعول يهم والموصول مع صلته
فاعله (وحتى يعرضه) قال الطيبي: معطوف على مقدر المعنى حتى
يهم طلب من يقبل الصدقة صاحب المال في طلبه حتى يجده وحتى
يعرضه (فيقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يعرضه عليه
فيقول (الذي يعرضه عليه لا أرب) أي لا حاجة (لي به).
قال القرطبي في تذكرته: هذا مما لم يقع بل يكون فيما يأتي،
وقال في الفتح: التقييد بقوله فيكم يُشعِر بأنه في زمن
الصحابة فهو إشارة إلى ما فتح لهم من الفتوح؛ واقتسامهم
أموال الفرس والروم، وقوله فيفيض إلخ إشارة إلى ما وقع في
زمن عمر بن عبد العزيز أن الرجل كان لا يجد من يقبل صدقته
كما مرّ، وقوله حتى يعرضه إلغ إشارة إلى ما سيقع زمن عيسى
فيكون فيه إشارة إلى ثلاثة أحوال:
الأولى: كثرة المال فقط في زمن الصحابة.
الثانية: فيضه بحيث يكثر فيحصل استغناء كل أحد عن أخذ مال
غيره ووقع ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز.
الثالثة: كثرته وحصول الاستغناء عنه حتى يهم صاحب المال
لكونه لا يجد من يقبل صدقته ويزداد بأنه يعرضه على غيره
ولو كان يستحق الصدقة فيأبى أخذه، وهذا في زمن عيسى عليه
السلام، ويحتمل أن يكون هذا الأخير عند خروج النار واشتغال
الناس
(10/206)
بالحشر.
(وحتى يتطاول الناس في البنيان) بأن يريد كلٌّ ممن يبني أن
يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر أو المراد المباهاة به
في الزينة والزخرفة أو أعم من ذلك وقد وجد الكثير من ذلك
وهو في ازدياد (وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني
مكانه) لما يرى من عظيم البلاء ورياسة الجهلاء وخمول
العلماء واستيلاء الباطل في الأحكام وعموم الظلم واستحلال
الحرام والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان ما
في هذه الأزمان فقد علا الباطل على الحق وتغلب العبيد على
الأحرار من سادات الخلق فباعوا الأحكام ورضي بذلك منهم
الحكام، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا ملجأ
ولا منجا من الله إلا إليه.
(و) لا تقوم الساعة (حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت
ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) وفي هذه
الآية بحوث حسنة تتعلق بعلم العربية وعليها تنبني مسائل من
أصول الدين، وذلك أن المعتزلي يقول مجرد الإيمان الصحيح لا
يكفي بل لا بدّ من انضمام عمل يقترن به ويصدقه، واستدلّ
بظاهر هذه
الآية كما قال في الكشاف لم تكن آمنت من قبل صفة لقوله
نفسًا، وقوله: أو كسبت في إيمانها خيرًا عطف على آمنت،
والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة مضطرة
ذهب أو أن التكليف عندها فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسًا غير
مقدمة إيمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة إيمانها غير كاسبة
خيرًا في إيمانها فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا
آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقته ولم
تكسب خيرًا ليعلم أن قوله: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات}
[البقرة: 25] جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن
الأخرى حتى يفوز صاحبهما وسعد وإلاّ فالشقوة والهلاك اهـ.
وقد أجيب عن هذا الظاهر بأن المعنى بالآية الكريمة أنه إذا
أتى بعض الآيات لا ينفع نفسًا كافرة إيمانها الذي أوقعته
إذ ذاك ولا ينفع نفسًا سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرًا فقد
علّق نفي الإيمان بأحد وصفين إما نفي سبق الإيمان فقط،
وإما سبقه مع نفي كسب الخير ومفهومه أنه ينفع الإيمان
السابق وحده أو السابق ومعه الخير ومفهوم الصفة قوي فيستدل
بالآية لمذهب أهل السُّنّة فقد قلبوا دليلهم عليهم. وقال
ابن المنير ناصر الدين: هو يروم الاستدلال على أن الكافر
والعاصي في الخلود سواء حيث سوى في الآية بينهما في عدم
الانتفاع بما يستدر كأنه بعد ظهور الآيات ولا يتم ذلك فإن
هذا الكلام في البلاغة يلقب باللف وأصله: يوم يأتي بعض
آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن مؤمنة قبل إيمانها
بعد ولا نفسًا لم تكسب خيرًا قبل ما تكسبه من الخير بعد
فلف الكلامين فجعلهما كلامًا واحدًا إيجازًا وبلاغة ويظهر
بذلك أنها لا تخالف مذهب الحق فلا ينفع بعد ظهور الآيات
اكتساب الخير، وإن نفع الإيمان المتقدم من الخلود فهي
بالرد على مذهبه أولى من أن تدل له. وعند ابن مردويه عن
عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ليأتين على الناس ليلة تعدل
ثلاث ليال من لياليكم هذه فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون
يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام
ثم يقوم فبينما هم كذلك هاج الناس بعضهم في بعض فقالوا: ما
هذا فيفزعون إلى المساجد فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها
فيضج الناس ضجة واحدة حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت
وطلعت من مطلعها قال حينئذ لا ينفع نفسًا إيمانها. قال ابن
كثير: هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب
الستة.
(ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما) بغير
تحتية بعد الموحدة في ثوبهما ليتبايعاه (فلا يتبايعانه ولا
يطويانه). وعند الحاكم من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تطلع عليكم
قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فما تزال
ترتفع حتى تملأ السماء ثم ينادي مُنادٍ
(10/207)
يا أيها الناس ثلاثًا يقول في الثالثة أتى
أمر الله قال والذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب
بينهما فما يطويانه". الحديث.
(ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته) بكسر اللام
وسكون القاف بعدها حاء
مهملة واللقحة اللبون من النوق (فلا يطعمه) أي فلا يشربه
(ولتقومن الساعة وهو يليط) بضم التحتية وكسر اللام بعدها
تحتية ساكنة فطاء مهملة أي يصلح بالطين (حوضه) فيسد شقوقه
ليملأه ويسقي منه دوابه (فلا يسقي منه) أي تقوم الساعة قبل
أن يسقي فيه (ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته) بضم الهمزة
لقمته (إلى فيه) إلى فمه (فلا يطعمها) أي تقوم الساعة قبل
أن يضع لقمته في فيه أو قبل أن يمضغها أو يبتلعها. وعند
البيهقي عن أبي هريرة رفعه: تقوم الساعة على رجل أكلته في
فيه يلوكها فلا يسيغها ولا يلفظها.
وهذا كله إشارة إلى أن الساعة تقوم بغتة وأسرعها رفع
اللقمة إلى الفم.
والحديث من أفراده.
26 - باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ
(باب ذكر الدجال) بتشديد الجيم فعال من أبنية المبالغة أي
يكثر منه الكذب والتلبيس وهو الذي يظهر في آخر الزمان
يدّعي الإلهية ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من
مخلوقاته كإحياء الميت الذي يقتله وإمطار السماء وإنبات
الأرض بأمره ثم يعجزه الله بعد ذلك فلا يقدر على شيء، ثم
يقتله عيسى عليه السلام وفتنته عظيمة جدًّا تدهش العقول
وتحير الألباب.
7122 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى قَيْسٌ قَالَ: قَالَ
لِى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَا سَأَلَ أَحَدٌ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ
الدَّجَّالِ مَا سَأَلْتُهُ وَإِنَّهُ قَالَ لِى: «مَا
يَضُرُّكَ مِنْهُ» قُلْتُ: لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ
مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهَرَ مَاءٍ قَالَ: «هُوَ
أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد قال:
(حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (قال: قال لي
المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (ما سأل أحد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الدجال ما سألته)
ولأبي ذر أكثر ما سألته (وإنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (قال لي):
(ما يضرك منه)؟ أي من الدجال (قلت) يا رسول الله الخشية
منه (لأنهم) ولأبي ذر عن الحموي أنهم (يقولون: إن معه جبل
خبز) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها زاي أي معه من
الخبز قدر الجبل، وعند مسلم من رواية هشيم جبال خبز ولحم
(ونهر ماء) بفتح النون والهاء وتسكن (قال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هو أهون على الله) من أن يجعل شيئًا
(من ذلك) آية على صدقه لا سيما وقد جعل الله فيه آية ظاهرة
في كذبه وكفره يقرؤها من قرأ ومن لم يقرأ زيادة على شواهد
كذبه من حدثه ونقصه بالعور، وليس المراد ظاهره وأنه لا
يجعل على يديه شيئًا من ذلك بل هو على التأويل المذكور.
والحديث أخرجه مسلم وابن ماجة في الفتن.
7123 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يَجِىءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِى
نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ
ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ
وَمُنَافِقٍ».
وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي مولاهم
أبو محمد الكوفي وزيادة التحتية بعد العين تحريف قال:
(حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة المفتوحة بعدها تحتية ساكنة
فموحدة فألف فنون ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب التميمي
مولاهم البصري أبو معاوية (عن يحيى) بن أبي كثير (عن إسحاق
بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله
عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يجيء الدجال) من أرض بالمشرق يقال لها خراسان (حتى ينزل
في ناحية المدينة) ولابن ماجة نزل عند الطريق الأحمر عند
منقطع السبخة (ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات) بفتح الجيم
(فيخرج إليه كل كافر ومنافق). قيل: والمراد بالكافر غلاة
الروافض لأنهم كفرة. والحديث من أفراده.
7124 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ
الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَلَهَا
يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ
مَلَكَانِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد (عن
جده) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي بكرة)
نفيع -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال) المسيح بالحاء
المهملة لا بالمعجمة وقال صاحب القاموس إنه اجتمع له من
الأقوال في سبب تسمية المسيح خمسون قولاً (ولها) أي
المدينة (يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان) زاد الحاكم
من رواية الزهري عن طلحة بن عبيد الله بن عوف عن عياض بن
مسافع عن أبي بكرة يذبّان عنه رعب المسيح.
وهذا الحديث ثابت هنا
(10/208)
في رواية أبي الوقت وأبي ذر عن المستملي
وحده ساقط لغيرهما.
7125 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا
عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا
أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما-
قال
البخاري (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله أراه الخ للمستملي وأبي
زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني فيصير موقوفًا لكنه في
الأصل مرفوع كما في مسلم (قال):
إن الدجال (أعور عين اليمنى) من إضافة الموصوف إلى الصفة
على رأي الكوفيين أو مؤوّل على الحذف أي أعور عين الجهة
اليمنى (كأنها عنبة طافية) بلا همز ناتئة ولم يذكر الموصوف
بذلك ومثله عند الإسماعيلي لكنه قال في آخره يعني الدجال.
وهذا الحديث ساقط هنا من رواية الحموي.
7126 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ،
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ
الْمَسِيحِ لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى
كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ». وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ
صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ
الْبَصْرَةَ فَقَالَ لِى أَبُو بَكْرَةَ: سَمِعْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
محمد بن بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة العبدي
قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين
المهملتين آخره راء ابن كدام الكوفي قال: (حدّثنا سعد بن
إبراهيم) بسكون العين (عن أبيه) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(لا يدخل المدينة رعب المسيح) الدجال (لها يومئذ سبعة
أبواب على كل باب) ولأبي ذر عن الكشميهني لكل باب (ملكان)
يحرسونها منه.
وهذا الحديث ثبت للمستملي وحده.
(وقال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي مما وصله الطبراني في
الأوسط من رواية محمد بن سلمة الحراني عنه (عن صالح بن
إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبيه قال: قدمت البصرة
فقال لي أبو بكرة) نفيع (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) أي أصل الحديث السابق وتمامه
كما في الطبراني بعد قوله فلقيت أبا بكرة فقال: أشهد أني
سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:
"كل قرية يدخلها فزع الدجال إلا المدينة يأتيها ليدخلها
فيجد على بابها ملكًا مصلتًا بالسيف فيردّ عنها". قال
الطبراني: لم يروه عن أبي صالح إلا ابن إسحاق، وأراد
المؤلّف بذكر هذا هنا ثبوت لقاء إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف لأبي بكرة لأن إبراهيم مدني وقد تستنكر روايته عن أبي
بكرة لأنه نزل البصرة من عهد عمر إلى أن مات.
وهذا التعليق ثابت في رواية المستملي والكشميهني.
7127 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى
النَّاسِ فَأَثْنَى
عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ
الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّى لأُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ
نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّى
سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِىٌّ
لِقَوْمِهِ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ
بِأَعْوَرَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا إبراهيم) بن سعد (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم عن عبد الله أن) أباه
(عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قام رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس فأثنى على
الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال):
(إني لأنذركموه) بضم الهمزة وكسر المعجمة (وما من نبي إلا
وقد أنذره قومه) تحذيرًا لهم من فتنته. وفي حديث أبي عبيدة
بن الجراح عند أبي داود وحسّنه الترمذي: لم يكن نبي بعد
نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال. وعند أحمد من وجه آخر عن
ابن عمر لقد أنذره نوح أمته والنبيون من بعده وإنما أنذر
نوح وغيره أمته به وإن كان إنما يخرج بعد وقائع وأن عيسى
يقتله لأنهم أنذروا به إنذارًا غير معين بوقت خروجه فحذروا
قومهم فتنته، ويدل له قول نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في بعض طرق الحديث: إن يخرج وأنا فيكم فأنا
حجيجه فقد حملوه على أنه كان قبل أن يعلم وقت خروجه
وعلاماته فكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجوّز
أن يكون خروجه في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ثم أعلمه الله بعد ذلك فأخبر به أمته وخصّ
نوحًا بالذكر لأنه مقدم المشاهير من الأنبياء كما خصّ
بالتقديم في قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به
نوحًا} [الشورى: 13] (ولكني) وللكشميهني ولكن (سأقول لكم
فيه قولاً لم يقله نبي لقومه) والسر في تخصيصه عليه الصلاة
والسلام بذلك لأن الدجال إنما يخرج في أمته دون غيرها من
الأمم (إنه أعور وإن الله ليس بأعور) يحتمل أن أحدًا من
الأنبياء غير نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لم يخبر بأنه أعور أو أخبر ولم يقدر له أن يخبر به كرامة
لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يكون
(10/209)
هو الذي يبين بهذا الوصف دحوض حجته الداحضة
ويبصر بأمره جهال العوام فضلاً عن ذوي الألباب والأفهام.
7128 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا
رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أَوْ يُهَرَاقُ
رَأْسُهُ مَاءً، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ
مَرْيَمَ ثُمَّ ذَهَبْتُ، أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ
جَسِيمٌ أَحْمَرُ جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ
كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قَالُوا: هَذَا
الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ
رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير المخزومي مولاهم المصري ونسبه لجده قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام الفقيه الفهمي أبو الحارث المصري (عن
عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين
الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم عن أبيه عن عبد الله
بن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم أطوف) زاد في التعبير رأيتني
أطوف (بالكعبة فإذا رجل آدم) بمدّ الهمزة أسمر (سبط الشعر)
بفتح المهملة وسكون الموحدة وتكسر مسترسله غير جعد (ينطف)
بضم الطاء المهملة في الفرع بكسرها يقطر (أو) قال (يهراق)
بفتح الهاء بعد ضم التحتية والشك من الراوي (رأسه ماء) وفي
رواية مالك له لمة قد رجلها فهي تقطر ماء واللمة بكسر
اللام شعر الرأس وكأنه يقطر من الذي سرحه به أو أن المراد
الاستعارة وكني بذلك عن مزيد النظافة والنضارة (قلت: من
هذا؟ قالوا: ابن مريم) عيسى عليهما السلام (ثم ذهبت ألتفت
فإذا رجل جسيم أحمر) اللون (جعد) شعر (الرأس) بفتح الجيم
وسكون العين المهملة (أعور العين كأن عينه عنبة طافية)
بارزة وهي غير الممسوحة وهي بغير همز على الراجح ولبعضهم
بالهمز أي ذهب ضوءها. قال القاضي عياض: رويناه عن الأكثر
بغير همز وهو الذي صححه الجمهور وجزم به الأخفش، ومعناه
أنها ناتئة نتوء حبة العنب من بين أخواتها وضبطه بعضهم
بالهمزة وأنكره بعضهم، ولا وجه لإنكاره فقد جاء في آخر أنه
ممسوح العين مطموسة وليست حجراء ولا ناتئة رواه أبو داود
وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها.
وقال في الفتح: والصواب أنه بغير همز لأنه قيده في رواية
الباب بأنها اليمنى وصرح في حديث ابن مغفل وسمرة بأن
اليسرى ممسوحة والطافية البارزة. قال: والعجب ممن يجوّز
الهمز وعدمه مع تضادّ المعنى في حديث واحد فلو كان ذلك في
حديثين لسهل الأمر وزاد في رواية حنظلة اليمنى وكذا في
رواية شعيب عند المؤلّف في التعبير وفي مسلم عن حذيفة:
أعور عين اليسرى، ومقتضاه أن كلاًّ من عينيه عوراء. وفي
حديث حذيفة أيضًا مطموس العين عليها ظفرة غليظة. وفي حديث
سعيد عند أحمد والطبراني أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى
ظفرة غليظة والظفرة تغشى العين إذا لم تقطع عميت العين.
وفي حديث عبد الله بن مغفل عند الطبراني ممسوح العين، وفي
حديث أبي سعيد عند أحمد وعينه اليمنى عوراء جاحظة كأنها
نخاعة في أصل حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها كوكب دريّ فوصف
عينيه معًا، والمراد بوصفها بالكوكب شدة اتقادها وعند أحمد
والطبراني من حديث أبيّ بن كعب إحدى عينيه كأنها زجاجة
خضراء وهو يوافق وصفها بالكوكب، وظاهر هذه الروايات التضاد
لكن وصف اليمنى بالعور أرجح لاتفاق الشيخين عليه من حديث
ابن عمر، ويحتمل أن يكون كل من عينيه عوراء فإحداهما بما
أصابها من الظفرة الغليظة المذهبة للإدراك والأخرى من أصل
الخلقة فيكون الدجال أعمى أو قريبًا منه لكن وصف إحداهما
بالكوكب الدري يرد هذا الاحتمال، فالأقرب أن الذي ذهب
ضوءها هي المطموسة الممسوحة والأخرى معيبة بارزة معها بقاء
ضوء فلا تنافي لأن كثيرًا ممن يحدث له النتوء يبقى معه
الإدراك فيكون الدجال من هذا القبيل. وعند الطبراني من
حديث عبد الله بن مغفل أنه أدم فيجمع بينه وبين وصفه هنا
بأنه أحمر بأن أدمته صافية ولا ينافي أن يوصف مع ذلك
بالحمرة لأن كثيرًا من الأدم قد تحمر وجنته.
(قالوا: هذا الدجال) قال في الفتح: لم أقف على اسم القائل
معينًا (أقرب الناس به شبهًا)
بفتح المعجمة والموحدة (ابن قطن) بفتح القاف والطاء
المهملة بعدها نون اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب
بن سعيد بن عائذ
(10/210)
بن مالك بن المصطلق واسم أمه هالة بنت
خويلد قاله الدمياطي والمحفوظ أنه هلك في الجاهلية كما
قاله الزهري (رجل من خزاعة).
والحديث سبق في التعبير.
7129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله
عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ فِى صَلاَتِهِ مِنْ
فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمر
بن أويس الأويسي المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد)
بسكون العين القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة) -رضي
الله عنها- (قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعيذ) بالله تعالى (في صلاته من
فتنة الدجال) تعليمًا لأمته إذ لا فتنة أعظم من فتنته.
والحديث سبق في الصلاة.
7130 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِىٍّ، عَنْ
حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ فِى الدَّجَّالِ: «إِنَّ مَعَهُ مَاءً
وَنَارًا فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَمَاؤُهُ نَارٌ» قَالَ
أَبُو مَسْعُودٍ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
العتكي مولاهم المروزي قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان
(عن شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن
ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة ابن حراش بكسر الحاء
المهملة آخره شين معجمة (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله
عنه- (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال في) شأن (الدجال):
(إن معه ماءً ونارًا فناره) التي يراها الرائي نارًا (ماء
بارد) في نفس الأمر (وماؤه) الذي يراه ماء (نار) في نفس
الأمر فذلك راجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي،
فيحتمل أن يكون الدجال ساحرًا فيخيل الشيء بصورة عكسه.
قال في الكواكب، فإن قلت: النار كيف تكون ماء وهما حقيقتان
مختلفتان؟ وأجاب: بأن المعنى ما صورته نعمة ورحمة فهو في
الحقيقة لمن مال إليه نقمة وبالعكس، وفي رواية أبي مالك
الأشجعي عن ربعي عند مسلم فإما أدركن أحدًا فليأت النهر
الذي يراه نارًا وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء
بارد، وفي رواية شعيب بن صفوان عن عبد الملك عن ربعي عن
عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري عند مسلم فمن أدرك ذلك
منكم فليقع في الذي يراه نارًا فإنه ماء عذب طيب، وفي مسلم
أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وأنه يجيء معه مثل
الجنة
والنار فالتي يقول إنها جنة هي النار وهذا من فتنته التي
امتحن الله بها عباده فيحق الحق ويبطل الباطل ثم يفضحه
ويظهر للناس عجزه.
(قال ابن مسعود) عبد الله: (أنا سمعته من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا في الفرع ابن
بالنون بعد الموحدة مصلحة على كشط والذي في اليونينية
وغيرها أبو مسعود بواو بدل النون وهو عقبة بن عمرو البدري
الأنصاري وهذا هو الصواب، فقد رواه مسلم عن ربعي عن عقبة
بن عمرو أبي مسعود الأنصاري قال: انطلقت معه إلى حذيفة
فقال له عقبة: حدّثني ما سمعت من رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدجال الحديث وفي آخره
قال عقبة: وأنا قد سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صديقًا لحذيفة، وعنده أيضًا عن ربعي
قال: اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة: لأنا بمانع
الدجال أعلم منه الحديث ثم قال في آخره قال أبو مسعود:
هكذا سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول.
7131 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه
قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَا بُعِثَ نَبِىٌّ إِلاَّ أَنْذَرَ
أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ
وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ». فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ
وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله
عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(ما بعث نبي) بضم الموحدة مبنيًّا للمفعول (إلاّ أنذر أمته
الأعور الكذاب ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف تنبيه
(إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) إنما اقتصر على وصف الدجال
بالعور مع أن أدلة الحدوث كثيرة ظاهرة لأن العور أثر محسوس
يدركه كل أحد فدعواه الربوبية مع نقص خلقته علم كذبه لأن
الإله يتعالى عن النقص (وإن بين عينيه مكتوب كافر) برفع
مكتوب فاسم إن محذوف وهو ضمير نصب أما ضمير الشأن أو عائد
على الدجال وبين عينيه مكتوب جملة هي الخبر وكافر خبر
مبتدأ محذوف أي بين عينيه شيء مكتوب وذلك الشيء هو كلمة
كافر، ولأبي ذر والأصيلي مكتوبًا بالنصب. قال في المصابيح:
فالظاهر جعله اسم إن وكافر على ما سبق ولا يحتاج مع هذا
إلى أن يرتكب حذف اسم إن مع كونه ضميرًا فإنه ضعيف أو قليل
اهـ.
وقوله في الفتح: وإما حال. قال العيني ليس صحيحًا بل قوله
(10/211)
كافرًا عمل فيه مكتوبًا، وزاد أبو أمامة
عند ابن ماجة يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهذا إخبار
بالحقيقة لأن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء
ومتى شاء فهذا يراه المؤمن بعين بصره ولو كان لا يعرف
الكتابة ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة.
(فيه) أي في الباب (أبو هريرة وابن عباس) أي يدخل فيه
حديثهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
فأما حديث أبي هريرة فسبق في ترجمة نوح في أحاديث
الأنبياء، وأما حديث ابن عباس ففي صفة موسى، وقد وصف
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدجال وصفًا لم يبق
معه لذي لب إشكال، وتلك الأوصاف كلها ذميمة
تبين لكل ذي حاسة سليمة كذبه فيما يدعيه وإن الإيمان به حق
وهو مذهب أهل السُّنَّة خلافًا لمن أنكر ذلك من الخوارج
وبعض المعتزلة ووافقنا على إثباته بعض الجهمية وغيرهم، لكن
زعموا أن ما عنده مخاريق وحيل لأنها لو كانت أمورًا صحيحة
لكان ذلك إلباسًا للكاذب بالصادق، وحينئذٍ لا يكون فرق بين
النبي والمتنبي، وهذا هذيان لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه
فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدّعي النبوّة وليس
كذلك فإنه إنما يدّعي الإلهية، ولهذا قال عليه الصلاة
والسلام: "إن الله ليس بأعور" تنبيهًا للعقول على حدوثه
ونقصه، وأما الفرق بين النبي والمتنبي فلأنه يلزم منه
انقلاب دليل الصدق دليل الكذب وهو محال، وقوله إن الذي
يأتي به الدجال حيل ومخاريق فقول معزول عن الحقائق لأن ما
أخبر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلك
الأمور حقائق والعقل لا يحيل شيئًا منها فوجب إبقاؤها على
حقائقها اهـ. ملخصًا من التذكرة.
27 - باب لاَ يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يدخل الدجال المدينة)
النبوية.
7132 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا حَدِيثًا
طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا
بِهِ أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِى الدَّجَّالُ وَهُوَ
مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ،
فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِى تَلِى الْمَدِينَةَ،
فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهْوَ خَيْرُ
النَّاسِ -أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- فَيَقُولُ:
أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِى حَدَّثَنَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَهُ
فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا
ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِى الأَمْرِ؟
فَيَقُولُونَ: لاَ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ
فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً
مِنِّى الْيَوْمَ فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ
فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ». [الحديث 7132 - طرفه في:
7408].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن
عتبة بن مسعود أن أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله
عنه- (قال: حدّثنا رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا حديثًا طويلاً عن
الدجال فكان فيما يحدّثنا به أنه قال):
(يأتي الدجال) إلى ظاهر المدينة (وهو محرّم عليه أن يدخل
نقاب المدينة) بكسر النون جمع نقب بفتحها وسكون القاف مثل
حبل وحبال وكلب وكلاب طريق بين الجبلين أو بقعة بعينها
(فينزل) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ينزل (بعض
السباخ) بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف خاء
معجمة جمع سبخة أرض لا تنبت شيئًا لملوحتها خارج المدينة
من غير جهة الحرة وهي (التي تلي المدينة) من قبل الشام
(فيخرج إليه) من المدينة (يومئذٍ رجل هو خير الناس أو من
خير الناس) قيل هو الخضر (فيقول: أشهد أنك الدجال الذي
حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حديثه) وفي
رواية عطية عن أبي سعيد عند أبي يعلى والبزار فيقول أنت
الدجال الكهان الذي أنذرناه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد فيقول له الدجال لتطيعني فيما
آمرك به أو لأشقّنّك شقتين فينادي يا أيها الناس هذا
المسيح الكذاب (فيقول الدجال) أي لأوليائه كما في رواية
عطية: (أرأيتم إن قتلت هذا) الرجل أي الذي خرج إليه (ثم
أحييته هل تشكون في الأمر)؟ أي الذي يدّعيه من الإلهية
(فيقولون) أي أولياؤه من أتباعه: (لا فيقتله ثم يحييه).
وفي حديث عطية فيأمر به فتمد رجلاه ثم يأمر بحديدة فتوضع
على عجب ذنبه ثم يشقه شقتين ثم قال الدجال لأوليائه:
أرأيتم إن أحييت لكم هذا ألستم تعلمون أني ربكم؟ فيقولون:
نعم فأخذ عصاه فضرب إحدى شقتيه فاستوى قائمًا فلما رأى ذلك
أولياؤه صدّقوه وأيقنوا بذلك أنه ربهم وعطية ضعيف. وفي
حديث عبد الله بن معتمر بسند ضعيف جدًّا ثم يدعو برجل فيما
يرون فيأمر به فيقتل ثم تقطع أعضاؤه كل عضو على حدة فيفرق
بينها حتى يراه الناس ثم يجمعها ثم يضرب بعصاه فإذا هو
قائم فيقول: أنا الذي أميت وأحيي قال: وذلك كله سحر يسحر
أعين الناس ليس يعمل
(10/212)
من ذلك شيئًا. وفي رواية أبي الوداك عن أبي
سعيد عند مسلم فيأمر به الدجال فيشج فيقول خذوه وشجوه
فيوسع ظهره وبطنه ضربًا قال فيقول أما تؤمن بي؟ قال:
فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فيوشر بالميشار
من مفرقه حتى يفرق بين رجليه. قال: ثم يمشي الدجال بين
القطعتين ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا ثم يقول له: أتؤمن
بي؟ (فيقول) الرجل (والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم)
لأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر
أن ذلك من جملة علاماته. وفي رواية أبي الوداك ما ازددت
فيك إلا بصيرة ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي
بأحد من الناس، وفي رواية عطية فيقول له الرجل: أنا الآن
أشد بصيرة فيك مني ثم ينادي: يا أيها الناس هذا المسيح
الكذاب من أطاعه فهو في النار ومن عصاه فهو في الجنة
(فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه). وفي رواية أبي
الوداك فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته وترقوته
نحاس فلا يستطيع إليه سبيلاً. وفي صحيح مسلم عقب رواية عبد
الله بن عبد الله بن عتبة قال أبو إسحاق يقال إن هذا الرجل
هو الخضر وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد
راوي صحيح مسلم عنه لا السبيعي كما ظنه القرطبي. قال في
الفتح: ولعل مستنده في ذلك ما في جامع معمر بعد ذكر هذا
الحديث قال معمر: بلغني أن الذي يقتله الدجال هو الخضر،
وكذا أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرزاق عن معمر قال:
كانوا يرون أنه الخضر. وقال ابن العربي: سمعت من يقول إن
الذي يقتله الدجال هو الخضر وهذه دعوى لا برهان لها. قال
الحافظ ابن حجر: قد يتمسك من قاله بما أخرجه ابن حبان في
صحيحه من حديث أبي عبيدة بن الجراح رفعه في ذكر الدجال
لعله يدركه بعض من رآني أو سمع كلامي الحديث ويعكر عليه
قوله في رواية لمسلم شاب ممتلئ شبابًا ويمكن أن يجُاب بأن
من جملة خصائص الخضر أن لا يزال شابًّا ويحتاج إلى دليل
اهـ.
وقول الخطابي وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يجوز أن يجري
الله عز وجل آياته على أيدي أعدائه وإحياء الموتى آية
عظيمة فكيف يمكن منها الدجال وهو كذاب مُقتَرٍ على الله؟
والجواب: أنه
جائز على جهة المحنة لعباده إذا كان معه ما يدل على أنه
مبطل غير محق في دعواه وهو أنه أعور مكتوب على جبهته كافر
يراه كل مسلم فدعواه داحضة. تعقبه في المصابيح فقال: هذا
السؤال ساقط وجوابه كذلك. أما السؤال فلأن الدجال لم يدع
النبوّة ولا حام حول حِماها حتى تكون تلك الآية دليلاً على
صدقه، وإنما ادّعى الألوهية وإثباتها لمن هو متّسم بسِمات
الحدوث وهو من جملة المخلوقين لا يمكن ولو أقام ما لا يحصر
من الآيات إذ حدوثه قاطع ببطلان ألوهيته فما تغنيه الآيات
والخوارق وأما الجواب فلأنه جعل المبطل لدعواه كونه أعور
مكتوبًا بين عينيه كافر، ونحن نقول ببطلان دعواه مطلقًا
سواء كان هذا معه أم لم يكن لما قررناه اهـ.
والحديث سبق في آخر باب الحج.
7133 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى أَنْقَابِ
الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ
وَلاَ الدَّجَّالُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد
الرحمن القعنبي الحارثي المدني سكن البصرة (عن) إمام دار
الهجرة والأئمة (مالك) الأصبحي (عن نعيم بن عبد الله) بضم
النون وفتح العين المهملة (المجمر) بضم الميم وسكون الجيم
بعدها ميم ثانية مكسورة فراء صفة نعيم لا أبيه وكان عبد
الله يبخّر المسجد النبوي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-
أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(على أنقاب المدينة) طيبة بهمزة مفتوحة وسكون النون طرقها
والأنقاب جمع قلة والنقاب جمع كثرة (ملائكة) يحرسونها (لا
يدخلها الطاعون ولا الدجال). المسيح وقد عدّ عدم دخول
الطاعون من خصائصها وهو من لازم دعائه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها بالصحة.
والحديث سبق في الطب.
7134 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَدِينَةُ
يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ الْمَلاَئِكَةَ
يَحْرُسُونَهَا، فَلاَ يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلاَ
الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن
موسى) بن عبد ربه المشهور بخت بالخاء المعجمة والفوقية
قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو
خالد الواسطي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن
دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن النبي
(10/213)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(المدينة) طابة (يأتيها الدجال) ليدخلها (فيجد الملائكة)
أي على أنقابها (يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون
إن شاء الله). عز وجل وهذا الاستثناء قيل للتبرك فيشملهما
وقيل للتعليق وإنه يختص بالطاعون وإنه يجوز دخول الطاعون
المدينة، وسبق في الطب مبحث ذلك والله الموفق.
28 - باب يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
(باب) ذكر (يأجوج ومأجوج) بغير همز وبه قرأ السبعة إلا
عاصمًا فبهمزة ساكنة اسمان مشتقان من أجيج النار أي ضوئها
ووزنهما يفعول ومفعول منعًا من الصرف للتأنيث والعلمية
اسما قبيلتين وعلى تركه فأعجميان منعًا من الصرف للعجمة
والعلمية ووزنهما فاعول كطالوت وجالوت أو عربيان مشتقان
خفّفا بالإبدال وهما من نسل آدم عليه السلام كما في
الصحيح، والقول بأنهم خلقوا من بني آدم المختلط بالتراب
وليسوا من حوّاء غريب جدًّا لا دليل عليه ولا يعتمد عليه
ككثير مما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث
المفتعلة كما قاله ابن كثير، وروى ابن مردويه والحاكم من
حديث حذيفة مرفوعًا: يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن
نوح لا يموت أحدهم حتى يرى ألف رجل من صلبه كلهم قد حمل
السلاح لا يمرون على شيء إذا خرجوا إلا أكلوه ويأكلون من
مات منهم، وفي التيجان لابن هشام أن أمة منهم آمنوا بالله
فتركهم ذو القرنين لما بنى السد بأرمينية فسموا الترك
لذلك، وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو قال
الجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء
سائر الناس، وعن كعب قال: هم ثلاثة أصناف جنس أجسادهم
كالأرز وهو شجر كبار جدًّا، وصنف أربعة أذرع في أربعة
أذرع، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون الأخرى. وعند الحاكم
عن ابن عباس يأجوج ومأجوج شبرًا شبرًا وشبرين شبرين
وأطولهم ثلاثة أشبار. قال الحافظ ابن كثير: روى ابن أبي
حاتم أحاديث غريبة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم
وآذانهم لا تصح أسانيدها.
7135 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ،
حَدَّثَنِى أَخِى، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِى عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ
حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِى سُفْيَانَ،
عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا
يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ
الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ
هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى
تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟
قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (ح)
لتحويل السند قال البخاري:
(وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد
(أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي
عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن
بن أبي بكر (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير أن
زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة حدّثته عن أم حبيبة)
رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن
زينب ابنة) ولأبي ذر (جحش) الأسدية أم المؤمنين -رضي الله
عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دخل عليها يومًا) بعد أن استيقظ من نومه (فزعًا) بكسر
الزاي خائفًا حال كونه (يقول):
(لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب) خص العرب
بالذكر للإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الإهلاك إليهم أسرع
وأشار به إلى ما وقع بعده من قتل عثمان ثم توالت الفتن حتى
صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة (فتح اليوم) بضم
الفاء (من ردم يأجوج ومأجوج) أي الذي بناه ذو القرنين بزبر
الحديد وهي القطعة منه كاللبنة ويقال إن كل لبنة زنة قنطار
بالدمشقي أو تزيد عليه وقوله (مثل هذه) بالرفع (وحلق
بإصبعيه الإبهام والتي تليها). وسبق أوائل كتاب الفتن.
وعند سفيان تسعين أو مائة وسبق ما فيه ثم، وعند الترمذي
وحسنه وابن حبان وصححه عن أبي هريرة رفعه في السد يحفرونه
كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم ارجعوا
فستخرقونه غدًا فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغ مدتهم
وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليه ارجعوا
فستخرقونه غدًا إن شاء الله واستثنى قال فيرجعون فيجدونه
كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس.
(قالت زينب ابنة) ولأبى ذر بنت (جحش) -رضي الله عنها-
(فقلت: يا رسول الله أفنهلك) بكسر اللام (وفينا الصالحون؟
قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم إذا كثر
الخبث) بفتح الخاء
(10/214)
والموحدة والذي في اليونينية بضم فسكون وهو الفسق أو
الزنا.
وهذا الحديث رجال إسناده مدنيون وهو أنزل من الذي قبله
بدرجتين، ويقال إنه أطول سند في البخاري فإنه تساعيّ وفيه
ثلاث صحابيات لا أربعة.
7136 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُفْتَحُ الرَّدْمُ رَدْمُ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذِهِ»، وَعَقَدَ وُهَيْبٌ
تِسْعِينَ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله
(عن أبيه) طاوس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(يُفْتَحُ الرَّدْمُ) بالرفع نائب الفاعل (رَدْمُ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذِهِ، وعقد وهيب) هو ابن
خالد المذكور (تسعين) بأن جعل طرف ظهر الإبهام بين عقدتي
السبابة من باطنها وطرف السبابة عليها مثل ناقد الدينار
عند النقد، وفي حديث النواس بن سمعان عند الإمام أحمد بعد
ذكر الدجال وقتله على يد عيسى عند باب لدّ الشرقي قال:
فبينما هم كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام
إني قد أخرجت عبادًا من عبادي لا يدان لك بقتالهم فحوز
عبادي إلى الطور فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله
تعالى: {من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96] فيفزع عيسى
وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل عليهم نغفًا في رقابهم
فيصبحون موتى كموت
نفس واحدة، فيهبط عيسى وأصحابه فلا يجدون في الأرض بيتًا
إلا وقد ملأه زهمهم ونتنهم فيفزع عيسى وأصحابه إلى الله
فيرسل الله عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث
شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه مدر ولا وبر
فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم قال للأرض: أنبتي ثمرتك
وردّي بركتك. قال: فيومئذٍ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون
بقحفها ويبارك الله في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي
الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي الفخذ، والشاة من
الغنم تكفي أهل البيت. قال: فبينما هم كذلك إذ بعث الله
ريحًا طيبة تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى شرار الناس
يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة انفرد بإخراجه
مسلم دون البخاري وقال الترمذي: حسن صحيح، وعند مسلم فيمر
أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم
فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، وعند أحمد عن ابن مسعود
مرفوعًا: لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ولا على ماء إلا
شربوه، ورواه ابن ماجة: وفي مسلم فيقولون: لقد قتلنا من في
الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون نشابهم إلى السماء
فيردها الله عليهم مخضوبة دمًا. وعند ابن جرير وابن أبي
حاتم عن كعب ويفر الناس منهم فلا يقوم لهم شيء ثم يرمون
بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون غلبنا أهل
الأرض وأهل السماء الحديث. وفي تذكرة القرطبي وروي أنهم
يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح
مما خلق في الأرض، وفي خبر آخر لا يمرون بفيل ولا خنزير
إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم، مقدمتهم بالشام وساقتهم
بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله
من مكة والمدينة وبيت المقدس. هذا آخر كتاب الفتن والله
أعلم. |